بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : من اطلع على أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الإلهية كان إطلاعه فتنة عليه وسببا لجر الوبال إليه.
قلت (والكلام لابن عجيبة) : الإطلاع على أسرار العباد قبل التمكين في الشهود والتخلق بأخلاق الملك المعبود فتنة عظيمة وبلية ومصيبة ، وذلك لأنه قبل التمكين في المعرفة قد يشتغل بذلك قلبه ويتشوش خاطره ولبه فيفتره عن الرسوخ في معرفة الملك الودود ، وأيضا مادامت النفس حية ولم يقع الفناء عنها قد يعتقد بذلك المزية على الناس فيدخله الكبر والعجب وهما أصل المعاصي ، فكان إطلاعه حينئذ على أسرار العباد سببا في جر هذا الوبال أي العقوبة إليه وهو التكبر على الناس واعتقاد المزية عليهم وهو سبب البعد عن الله بخلاف مااذا تمكن في معرفة الحق وتخلق بأخلاقه وتحقق بمعاني صفاته وأسمائه فانه يكون على خلق الرحمن فإذا اطلع على معاصي العباد ومساويهم رحمهم وسترهم وحلم عليهم ، وقد قال عليه السلام : الخلق عيال الله وأقربكم إلى الله أرحمكم بعياله ، وقال صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء ( وفي الإشارات) عن الله سبحانه : عبدي ان استخلفتك شققت لك من الرحمانية شقا فكنت أرحم من المرء بنفسه. وروي ان إبراهيم عليه السلام حدث نفسه انه ارحم الخلق فرفعه الله حتى اشرف على اهل الأرض فأبصر أعمالهم وما يفعلون فقال يارب دمر عليهم ، فقال له الله تعالى انا ارحم بعبادي منك ياابراهيم فلعلهم يتوبون ويرجعون ، وفي بعض التفاسير انه كان يعرج كل ليلة الى السماء وهو قوله تعالى : وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض فعرج به ذات ليلة فاطلع على مذنب على فاحشة ، فقال اللهم أهلكه يأكل رزقك ويمشي على أرضك ويخالف امرك ، فأهلكه الله تعالى ، فاطلع على آخر فقال اللهم أهلكه ، فنودي كف عن عبادي رويدا رويدا فاني طالما رأيتهم عاصين . وفي رواية أخرى فأوحى الله اليه ياابراهيم أين رحمتك للخلق أنا أرحم بعبادي منك ، اما يتوبون فأتوب عليهم واما ان اخرج من أصلابهم من يسبحني ويقدسني وإما ان يبعثوا في مشيئتي فاعفوا وأعاقب ، ياابراهيم كفر ذنبك في دعوتك بدم قربان فنحر ابلا فنودي في الليلة الثانية : كفر ذنبك بدم فذبح بقرا فقيل له في الثالثة فذبح غنما فقيل له في الرابعة كذلك فقرب من الأنعام الى الله ما بقي عنده فقيل له في الخامسة فقال يارب لم يبق لي شيء فقيل له انما تكفر ذنبك بذبح ولدك لأنك دعوت على العصاة فهلكوا فلما شمر لذلك واخذ السكين بيده قال : اللهم هذا ولدي وثمرة فؤادي وأحب الناس الي فسمع هاتفا يقول اما تذكر الليلة التي سالت اهلاك عبادي او ما تعلم اني رحيم بعبادي كما انت شفيق بولدك فاذا سألتني إهلاك عبادي سألتك ذبح ولدك واحدا بواحد والبادي اظلم .
ولما كان الإطلاع على أسرار العباد قد يدرك بكثرة الطاعات والاجتهاد فقد تقصد النفس بالطاعة هذا الحظ الدنيء وهو مرض خفي...