منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الأستاذ الكواكبى ... طبائع الاستبداد ... ملف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محب الامام الجيلي

محب الامام الجيلي


عدد الرسائل : 491
تاريخ التسجيل : 08/01/2008

الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Empty
مُساهمةموضوع: الأستاذ الكواكبى ... طبائع الاستبداد ... ملف    الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Emptyالأربعاء مايو 09, 2012 5:45 am


الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  %D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%A7%D9%83%D8%A8%D9%8A%205




مقتطفات من كتاب طبائع الاستبداد للكواكبي
يقول الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في مقدمة الكتاب أن :
( كل يذهب مذهبا في سبب الانحطاط و في ما هو الدواء. وحيث أنى قد تمحص عندي أن اصل هذا الداء هو الاستبداد السياسي و دواءه دفعه بالشورى الدستورية .
وقد استقر فكري على ذلك - كما أن لكل نبأ مستقر - بعد بحث ثلاثين عاما... بحثا أظنه كاد يشمل كل ما يخطر على البال من سبب يتوهم الباحث عند النظرة الأولى انه ظفر بأصل الداء أو بأهم أصوله , ولكن لا يلبث أن يكشف له التدقيق أنه لم يظفر بشيء . أو أن ذلك فرع الأصل , أو هو نتيجة لا وسيلة .

فالقائل مثلا : إن أصل الداء التهاون في الدين , لا يلبث أن يقف حائرا عندما يسأل نفسه لماذا تهاون الناس في الدين ؟
و القائل : إن الداء اختلاف الآراء , يقف مبهوتا عند تعليل سبب الاختلاف
فان قال سببه الجهل يشكل عليه وجود الاختلاف بين العلماء بصورة أشد و أقوى ..
و هكذا يجد نفسه في حلقة مفرغة لا مبدأ لها فيرجع إلى القول :( هذا ما يريده الله بخلقه , غير مكترث بمنازعة عقله و دينه له بأن الله حكيم عادل رحيم ...)


ما هو الاستبداد

و يقول الكواكبي في فصل ما هو الاستبداد معرفا
( لغة هو غرور المرء برأيه و الأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي و الحقوق المشتركة . و في اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة و بلا خوف تبعة ,
وقد قد تطرأ مزيدات على هذا المعنى الاصطلاحي فيستعملون في مقام كلمة ( استبداد ) كلمات : استعباد, و تسلط , وتحكم .
و في مقابلتها كلمات : مساواة , و حس مشترك , وسلطة عامة . و يستعملون في مقام صفة ( مستبد ) كلمات جبار طاغية , و حاكم بأمره , وحاكم مطلق .
و في مقابلة ( حكومة مستبدة ) كلمات : عادلة , و مسؤولة , و مقيدة , و دستورية . و يستعملون في مقام وصف الرعية ( المستبد عليهم ) كلمات : أسرى , و مستصغرين , و بؤساء . و مستنبتين .
و في مقابلتها : أحرار , و أباة . و أحياء , و أعزاء .

و أما تعريف الاستبداد بالوصف لا بالمترادفات و المتقابلات فهو أن الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلا أو حكما التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين .

..... أشد انواع الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق , الوارث للعرش , القائد للجيش , الحائز على سلطة دينية.
و لنا أن نقول كلما قلت وصف من هذه الأوصاف خف الاستبداد إلى أن ينتهي بالحكم المنتخب المؤقت المسؤول فعلا .

وأورد الكواكبي شذرات مما :
( .. تكلم به بعض الحكماء لا سيما المتاخرون منهم في وصف الاستبداد و من هذه الجمل :
المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم و يحكم بهواه لا بشريعتهم ,
و يعلم من نفسه انه الغاصب المعتدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق و التداعي لمطالبته

المستبد عدو الحق , عدو الحرية و قاتلها , و الحق أبو البشر و الحرية أمهم , و العوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا , والعلماء هم اخوتهم الراشدون , أن أيقظوهم هبوا و إن دعوهم لبوا و إلا فيتصل نومهم بالموت

الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  87157


عدل سابقا من قبل محب الامام الجيلي في الأربعاء مايو 09, 2012 6:26 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محب الامام الجيلي

محب الامام الجيلي


عدد الرسائل : 491
تاريخ التسجيل : 08/01/2008

الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأستاذ الكواكبى ... طبائع الاستبداد ... ملف    الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Emptyالأربعاء مايو 09, 2012 5:49 am


الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  %D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%A7%D9%83%D8%A8%D9%8A%201

إعداد : أروى الطويل – يقظة فكر

“وإنّ الحرية هي شجرة الخلد، وسقياها قطرات من الدم السفوح، و الإسارة هي شجرة الزقوم، وسقياها أنهر من دم المخاليق المخانيق”

هذه الكلمات البليغة هي تلخيص لفكر عبد الرحمن الكواكبي، الثائر ضد العبودية والاستعباد، ولم تكن هذه الصفة فيه وليدة يوم ولحظة أو ثورة في عنفوان الشباب، بل كانت في دمه،، تعلم الكواكبي اللغة التركية والفارسية وأجاد العربية كما يجيدها صفوة القوم ورواد الفكر ونابغوه..

وبدأت ثورة الكواكبي ضد الظلم، عندما بدأت الدولة العثمانية العظيمة في الظلم متمثلة في ولاتها، فانطلق الكواكبي منشئاً لصحيفة الشهباء وهو بعد في الرابعة والعشرين وهي أول صحيفة عربية خالصة تنشأ في حلب – حيث كان موطنه – فلم يمهلها الأتراك أكثر من 15 عدداً نظراً لمقالات الكواكبي التي بدأت توقظ الناس من سباتهم وتنبؤهم بالظلم الذي استبد من حولهم.

وبعد أن أغلق الأتراك صحيفتيه درس المحاماة حتى برع فيها وصار عضواً في لجنتي المالية والمعارف العمومية في حلب، والأشغال العامة (النافعة) ثم عضواً فخرياً في لجنة امتحان المحامين للمدينة.

كان الكواكبي إسلامياً عربياً قومياً، يعرف آفات الشعوب فيقول عنه المحقق الكبير الدكتور محمد عمارة:

قومياً عربياً، لكنه لا يعزل عروبته وقوميته عن الجامعة العربية ، ومصلحاً إسلامياً يعمل لتجديد الإسلام كي تجدد به دنيا المسلمين لكنه يؤكد علي تمييز الأمة العربية في إطار المحيط الإسلامي الكبير، وداعية للتميز بين الدين والدولة، دونما فصل ودونما وحدة.

فلخص بهذه الكلمات جل توجهات الكواكبي عليه رحمة الله:

“وكان الكواكبي أحد رواد المدرسة الإحيائية التي تزعمها محمد رشيد رضا والإمام محمد عبده، تلك المدرسة التي كانت تنادي بالإسلام منهجاً للإصلاح، والخلاص من الظلم والعبودية والتخلف، وكان واحداً من المفكرين العرب الذين كشفوا عن أسباب الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، وقارن ذلك بحالة التقدم التي وصل إليها الأوربيون في العصور الحديثة، والتي مكنتهم من الهيمنة على أجزاء واسعة من العالم الإسلامي.



وعارض الكواكبي خلط “الدين” بالنظام السياسي للحكم “فيقول (وكثير ٌ منهم لا يتراءون بالدين إلا بقصد تمكين سلطتهم علي البسطاء من الأمة) ويري في محاولات الحكام وأدعياء السلطة الربط بين السلطة السياسية وبين الدين، مما يوجد خلطاً لدى العوام يفسد عليهم عقيدتهم. فكان الكواكبي كأنما يقرأ ويتطلع إلى المآل الذي سيؤل إليه الحال بعد أقل من قرن من قوله..!

رحل الكواكبي إلى مصر واستقر هناك وكتب في كثير من الصحف المصرية والعربية. ساح في سواحل أفريقيا الشرقية وسواحل آسيا الغربية وبعض بلاد العرب والهند حتى سواحل الصين، وكان في كل بلد ينزلها يدرس حالتها الاجتماعية والاقتصادية في مختلف المجالات..

ألف العديد من الكتب وترك لنا تراثا أدبياً كبيراً، ومن أهم كتب عبد الرحمن الكواكبي طبائع الاستبداد وأم القرى كما ألف العظمة لله وصحائف قريش وقد فقد مخطوطين مع جملة أوراقه ومذكراته ليلة وفاته، له الكثير من المخطوطات والكتب والمذكرات التي طبعت.

توفي في القاهرة متأثرا بسم دس له في فنجان القهوة عام 1320 هـ الموافق 1902 حيث دفن فيها ورثاه الشعراء في الشرق والغرب ..


الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  282299


عدل سابقا من قبل محب الامام الجيلي في الأربعاء مايو 09, 2012 6:25 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محب الامام الجيلي

محب الامام الجيلي


عدد الرسائل : 491
تاريخ التسجيل : 08/01/2008

الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأستاذ الكواكبى ... طبائع الاستبداد ... ملف    الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Emptyالأربعاء مايو 09, 2012 5:56 am


الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  1222697260_thumb


by drabomarwan


تلخيص وشرح لكتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للكواكبى




نواصل معا تلخيص وشرح لكتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للكواكبى بعد المقدمة وتعريف المعانى للمختلفة للاستبداد يقول الكواكبى :

وأشدّ مراتب الاستبداد التي يُتعوَّذ بها من الشّيطان هي حكومة الفرد المطلق الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية.

ولنا أنْ نقول كلّما قلَّ وَصْفٌ منْ هذه الأوصاف؛ خفَّ الاستبداد إلى أنْ ينتهي بالحاكم المنتخب الموقت المسؤول فعلاً وكذلك يخفُّ الاستبداد ـ طبعاًـ كلّما قلَّ عدد نفوس الرَّعية، وقلَّ الارتباط بالأملاك الثّابتة، وقلَّ التّفاوت في الثّروة وكلّما ترقَّى الشّعب في المعارف.

ولتنبنه إلى هذه كلما ترقى الشعب فى المعارف كلما خف الاستبداد



إنَّ الحكومة من أيّ نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشَّديدة والاحتساب الّذي لا تسامح فيه كما جرى في صدر الإسلام في ما نُقِم على عثمان، ثمَّ على عليّ رضي الله عنهما، وكما جرى في عهد هذه الجمهورية الحاضرة في فرنسا في مسائل النّياشين وبناما ودريفوس.

ومن الأمور المقرَّرة طبيعةً وتاريخاً‌ أنَّه؛ ما من حكومة عادلة تأمن المسؤولية والمؤاخذة بسبب غفلة الأمّة أو التَّمكُّن من إغفالها إلاّ وتسارع إلى التَّلبُّس بصفة الاستبداد، وبعد أنْ تتمكَّن فيه لا تتركه وفي خدمتها إحدى الوسيلتين العظيمتين:

جهالة الأمَّة والجنود المنظَّمة.

وهما أكبر مصائب الأمم وأهمّ معائب الإنسانية، وقد تخلَّصت الأمم المتمدُّنة ـ نوعاً ماـ من الجهالة، ولكنْ؛ بُليت بشدة الجندية الجبرية العمومية؛ تلك الشّدة التي جعلتها أشقى حياةً من الأمم الجاهلة، وألصق عاراً بالإنسانية من أقبح أشكال الاستبداد، حتَّى ربَّما يصحّ أن يقال: إنَّ مخترع هذه الجندية إذا كان هو الشّيطان؛ فقد انتقم من آدم في أولاده أعظم ما يمكنه أنْ ينتقم! نعم؛ إذا ما دامت هذه الجندية التي مضى عليها نحو قرنَيْن إلى قرن آخر أيضاً تنهك تجلُّد الأمم، وتجعلها تسقط دفعة واحدة. ومن يدري كم يتعجب رجال الاستقبال من تَرَقِّي العلوم في هذا العصر ترقِّياً مقروناً باشتداد هذه المصيبة التي لا تترك محلاً لاستغراب إطاعة المصريين للفراعنة في بناء الأهرامات سخرة؛ لأنَّ تلك لا تتجاوز التّعب وضياع الأوقات،

وأمّا الجندية فتُفسد أخلاق الأمّة؛ حيثُ تُعلِّمها الشّراسة والطّاعة العمياء والاتِّكال، وتُميت النّشاط وفكرة الاستقلال، وتُكلِّف الأمّة الإنفاق الذي لا يطاق؛ وكُلُّ ذلك منصرف لتأييد الاستبداد المشؤوم: استبداد الحكومات القائدة لتلك القوَّة من جهة واستبداد الأمم بعضها على بعض من جهة أخرى.

وأقول هنا غريب منذ سنوات طويلة أشار الكواكبى رحمه الله إلى أن الانقلابات العسكرية هى أحد أهم أسباب الاستبداد وبعد هذا أبتلى العالم العربى والاسلامى بالانقلابات العسكرية

ولنرجع لأصل البحث فأقول:

لا يُعهد في تاريخ الحكومات المدنية استمرار حكومة مسئولة مدَّة أكثر من نصف قرن إلى غاية قرن ونصف، وما شذَّ من ذلك سوى الحكومة الحاضرة في إنكلترا، والسّبب يقظة الإنكليز الذين لا يُسكرهم انتصار، ولا يُخملهم انكسار، فلا يغفلون لحظة عن مراقبة ملوكهم، حتَّى أنَّ الوزارة هي تنتخب للملك خَدَمَهُ وحَشَمَهُ فضلاً عن الزّوجة والصّهر، وملوك الإنكليز الذين فقدوا منذ قرون كلَّ شيء ما عدا التّاج، لو تسنّى الآن لأحدهم الاستبداد لَغَنِمَهُ حالاً، ولكنْ؛ هيهات أنْ يظفر بغرة من قومه يستلم فيها زمام الجيش.

أمّا الحكومات البدويّة التي تتألَّف رعيتها كلّها أو أكثرها من عشائر يقطنون البادية، يسهل عليهم الرّحيل والتَّفرّق متى مسَّتْ حكومتُهم حرّيّتهم الشّخصية، وسامتْهم ضيماً، ولم يقووا على الاستنصاف؛ فهذه الحكومات قلّما اندفعت إلى الاستبداد.

وأقرب مثال لذلك أهل جزيرة العرب، فإنَّهم لا يكادون يعرفون الاستبداد من قبل عهد ملوك تبّع وحُميْر وغسان إلى الآن إلاّ فترات قليلة. وأصل الحكمة في أنَّ الحالة البدوية بعيدة بالجملة عن الوقوع تحت نير الاستبداد، وهو أنَّ نشأة البدويّ نشأة استقلالية؛ بحيث كلُّ فرد يمكنه أنْ يعتمد في معيشته على نفسه فقط، خلافاً لقاعدة الإنسان المدنيّ الطبع، تلك القاعدة التي أصبحت سخرية عند علماء الاجتماع المتأخِّرين، القائلين بأنَّ الإنسان من الحيوانات التي تعيش أسراباً في كهوف ومسارح مخصوصة، وأمّا الآن فقد صار من الحيوان الذي متى انتهت حضانته؛ عليه أنْ يعيش مستقلاً بذاته، غير متعلّق بأقاربه وقومه كلّ الارتباط، ولا مرتبط ببيته وبلده كلّ التّعلُّق، كما هي معيشة أكثر الإنكليز والأمريكان الذين يفتكر الفرد منهم أنَّ تعلُّقه بقومه وحكومته ليس بأكثر من رابطة شريك في شركة اختيارية، خلافاً للأمم التي تتبع حكوماتها حتى فيما تدين.

النّاظر في أحوال الأمم يرى أنَّ الأُسراء يعيشون متلاصقين متراكمين، يتحفَّظُ بعضهم ببعض من سطوة الاستبداد، كالغنم تلتفُّ حول بعضها إذا ذعرها الذّئب، أمّا العشائر والأمم الحرّة المالك أفرادها الاستقلالَ النّاجز فيعيشون مُتَفرِّقين.

وقد تكلَّم بعض الحكماء ـ لا سيَّما المتأخِّرون منهم ـ في وصف الاستبداد ودوائه بجمل بليغة بديعة تُصوِّر في الأذهان شقاء الإنسان، كأنَّها تقول له هذا عدوَّك فانظر ماذا تصنع، ومن هذه الجمل قولهم:

«المستبدّ: يتحكَّم في شؤون النّاس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنَّه الغاصب المتعدِّي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من النَّاس يسدُّها عن النّطق بالحقّ والتّداعي لمطالبته».

«المستبدّ: عدوّ الحقّ، عدوّ الحّيّة وقاتلهما، والحق أبو البشر، والحرّيّة أمّهم، والعوام صبية أيتام لا يعلمون شيئاً، والعلماء هم إخوتهم الرّاشدون، إنْ أيقظوهم هبّوا، وإنْ دعوهم لبّوا، وإلا فيتَّصل نومهم بالموت».

«المستبدّ: يتجاوز الحدّ ما لم يرَ حاجزاً من حديد، فلو رأى الظّالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظّلم، كما يقال: الاستعداد للحرب يمنع الحرب».

«المستبدّ: إنسانٌ مستعدٌّ بالطّبع للشّر وبالإلجاء للخير، فعلى الرّعية أنْ تعرف ما هو الخير وما هو الشّر فتلجئ حاكمها للخير رغم طبعه، وقد يكفي للإلجاء مجرَّد الطَّلب إذا علم الحاكم أنَّ وراء القول فعلاً. ومن المعلوم أنَّ مجرد الاستعداد للفعل فعل يكفي شرَّ الاستبداد».

«المستبدّ: يودُّ أنْ تكون رعيته كالغنم درّاً وطاعةً، وكالكلاب تذلُّلاً وتملُّقاً، وعلى الرَّعية أنْ تكون كالخيل إنْ خُدِمَت خَدمتْ، وإنْ ضُرِبت شَرست، وعليها أن تكون كالصقور لا تُلاعب ولا يُستأثر عليها بالصّيد كلِّه، خلافاً للكلاب التي لا فرق عندها أَطُعِمت أو حُرِمت حتَّى من العظام. نعم؛ على الرّعية أن تعرف مقامها: هل خُلِقت خادمة لحاكمها، تطيعه إنْ عدل أو جار، وخُلق هو ليحكمها كيف شاء بعدل أو اعتساف؟ أم هي جاءت به ليخدمها لا يستخدمها؟.. والرَّعية العاقلة تقيَّد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها؛ لتأمن من بطشه، فإن شمخ هزَّت به الزّمام وإنْ صال ربطتْه».

من أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم، واستبداد النّفس على العقل، ويُسمّى استبداد المرء على نفسه، وذلك أنَّ الله جلّتْ نعمه خَلَقَ الإنسان حرّاً، قائده العقل، فكفَرَ وأبى إلا أنْ يكون عبداً قائده الجهل. خَلَقَه وسخَّر له أمَّاً وأباً يقومان بأوده إلى أن يبلغ أشدّه، ثمَّ جعل له الأرض أمّاً والعمل أباً، فَكَفَر وما رضي إلا أن تكون أمَّتُه أمّه وحاكمه أباه. خَلَقَ له إدراكاً ليهتدي إلى معاشه ويتّقي مهلكه، وعيْنَيْن ليبصر، ورجليْن ليسعى، ويديْن ليعمل، ولساناً ليكون ترجماناً عن ضميره، فكَفَرَ وما أحبَّ إلا أنْ يكون كالأبله الأعمى، المقعد، الأشلّ، الكذوب، ينتظر كُلَّ شيْ من غيره، وقلَّما يطبق لسانه جنانه.

خَلَقَهُ منفرداً غير متَّصل بغيره ليملك اختياره في حركته وسكونه، فكَفَرَ وما استطاب إلا الارتباط في أرض محدودة سمَّاها الوطن، وتشابك بالنّاس ما استطاع اشتباك تظالُم لا اشتباك تعاون…

خَلَقَه ليشكره على جعله عنصراً حيّاً بعد أن كان تراباً، وليلجأ إليه عند الفزع تثبيتاُ للجنان، وليستند عليه عند العزم دفعاً للتردُّد، وليثق بمكافأته أو مجازاته على الأعمال، فكَفَرَ وأبى شُكْرَه وخَلَطَ في دين الفطرة الصّحيح بالباطل ليغالط نفسه وغيره. خَلَقَه يطلب منفعته جاعلاً رائده الوجدان، فكَفَرَ، واستحلَّ المنفعة بأي وجه كان، فلا يتعفّف عن محظور صغير إلا توصُّلاً لمُحرَّم كبير. خلقه وبذل له مواد الحياة، من نور ونسيم ونبات وحيوان ومعادن وعناصر مكنوزة في خزائن الطّبيعة، بمقادير ناطقة بلسان الحال، بأنَّ واهب الحياة حكيم خبير جعل مواد الحياة أكثر لزوماً في ذاته، أكثر وجوداً وابتذالاً، فكَفَرَ الإنسانُ نعمةَ الله وأبى أن يعتمد كفالة رزقه، فوكَّلهُ ربُّه إلى نفسه، وابتلاه بظلم نفسه وظُلْم جنسه، وهكذا كان الإنسان ظلوماً كفوراً.

واستبداد الإنسان على نفسه نوع دقيق قلما أشير إليه فى كتابات المتقدمين والمتأخرين

الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  563742


عدل سابقا من قبل محب الامام الجيلي في الأربعاء مايو 09, 2012 6:25 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محب الامام الجيلي

محب الامام الجيلي


عدد الرسائل : 491
تاريخ التسجيل : 08/01/2008

الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Empty
مُساهمةموضوع: ق   الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Emptyالأربعاء مايو 09, 2012 6:06 am


الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Ea4-copy



قضية الاجتهاد في الفكر الإصلاحي ... الكواكبي نموذجاً .. فاطمة حافظ

الدعوة إلى الاجتهاد ليست جديدة على الفكر الإسلامي ؛ فمنذ القرن الثامن العشر أخذ العقل المسلم يعيد النظر جدياً في مسألة الخلود إلى التقليد ،
حين شرع بعض الإصلاحيين في بعث قضية الاجتهاد عبر طائفة من المؤلفات ؛ من قبيل « عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد » لشاه ولي الله الدهلوي (ت 1762 م) ، و «إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد» للصنعاني (ت 1768م) ، و «القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد » للشوكاني (ت 1837 م) ، و «القول السديد في الاجتهاد والتقليد » لرفاعةالطهطاوي (ت1873) ، و « الإقليد لأدلة الاجتهاد والتقليد » لأبي النصر القنوجي الذي صدرعام(187 9 م ) .
وعلى رغم انطلاقها جميعاً من الدعوة إلى الاجتهاد فإن هذه المؤلفات تتفاوت في ما بينها ؛ فدعوة الطهطاوي تبدو محاولة خجولة لم تذهب إلى حد الدعوة الصريحة له ، كما أن بعضها استنسخ أفكار بعض ؛ فالقنوجي نقل آراء الشوكاني، أما الطهطاوي فذهب إلى ما هو أبعد حين اقتبس أفكار السيوطي الواردة في كتاب «الرد على من أخلد إلى الأرض ونسي أن الاجتهاد في كل عصر فرض» .
حضور الغرب وإلى جوار هذه المحاولات الأولية يمكن رصد محاولات إصلاحية تالية في مقاربة موضوع الاجتهاد ، وفي هذه السطور نعرض لرؤية عبدالرحمن الكواكبي (ت 1902م) لهذه المسألة، والتي قدمها في كتابه «أم القرى»،
وأطلق عليها «الاستهداء بالكتاب والسنة». منذ البداية نلمح حضوراً للغرب ، أو بالأحرى إقحاماً له في صلب مسألة إسلامية ، حين يفترض أن دعوة الغربيين إلى الإسلام -التي عول عليها كثيراً- لن تغدو ممكنة إلا مع فتح باب الاجتهاد ؛ فالكثير من الغربيين هجروا الكاثوليكية إلى البروتستانتية ؛ لترجيحهم الاقتصار على الإنجيل والكتب المقدسة، وميلهم إلى الإيمان العقلي ، وطرحهم الشروح والزيادات ، وغالبية من تحولوا إلى الإسلام هم من البروتستانت الذين يميلون لاتباع الكتاب والسنة ، ولا يثقون بقول غير معصوم في الدين. وحسب الكواكبي ، فقد تركوا دين آبائهم وقومهم ليتبعوا دين محمد ، لا ليتبعوا الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي أو المالكي ، وإن كانوا ثقاة ناقلين .
وإذا كان الكواكبي قد جعل من الغرب سبباً رئيساً وراء الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد، إلا أنه أسند دعوته إلى قاعدتين من قواعد الدين الإسلامي؛
الأولى :
أن محمداً عليه السلام قد بلغ رسالته ولم يكتم منها شيئاً ، وبالتالي يحظر علينا أن نزيد عليها أو ننقص منها أو نتصرف فيها؛ بل الواجب أن نتبع ما قاله وما أقره وما أجمع عليه الصحابة .
والثانية: أن دائرة حياتنا العامة يمكن التصرف فيها كما نشاء ، مع رعاية القواعد الأساسية التي شرعها الرسول وما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
وانطلاقاً من هاتين القاعدتين يرى الكواكبي أنه ليس لزاماً على المسلم أن يقلد أحد المذاهب الفقهية ، وحجته أن أئمة المذاهب قد اختلفوا في كل الأحكام تقريباً ، إلا فيما ندر؛ فلم يمكنهم الاتفاق على أيسر الأمور ،
وأنهم ترددوا في الجزم بالأحكام ، حتى عدل بعضهم عن رأي أفتى به إلى غيره ، وأن تلامذتهم اختلفوا في الرواية عنهم ؛ كأتباع أبي حنيفة الذين قلما اتفقوا على رواية عنه ؛ لتعدد مذاهبه في المسألة الواحدة .
وينتقل الكواكبي بعد ذلك إلى تفنيد أدلة القائلين بوجوب التقليد ، وهي الأدلة التي دحضها من سبقوه وكتبوا في الاجتهاد ، ولا شك أنه اطلع على مؤلفاتهم ، واستفاد منها . وإذا كان الكواكبي لا يعزو آراءه إلى مصدر بعينه ، إلا أننا نستطيع أن نلمس اقتباسه آراء القنوجي في كتابه «الإقليد» في ما يتعلق بمسألة الأدلة ، والتي أجملها الكواكبي في ثلاثة أدلة رئيسة ؛ هي:
الادعاء بأن اختلاف الأئمة يعد رحمة بالعباد ، وإجماع الأمة منذ قرون على وجوب تقليد أحد المذاهب ، وأن الأئمة الأعلام كانوا أكثر منا فهماً وعلماً ، فينبغي أن نقلدهم لأننا لا نستطيع أن نهتدي بأنفسنا .
وفي ما يتعلق بالدليل الأول يرى الكواكبي أن الاختلاف يكون رحمة إن أُحسن استخدامه ، أما إن أسيء استخدامه -كما هو الواقع- بأن يدعي أهل كل مذهب من المذاهب أنهم وحدهم أهل السنة والجماعة وأن ما سواهم مبتدعون فلا يتوهم عاقل أن هذا التفرق رحمة قط .
أما الدليل الثاني المستند إلى إجماع الأمة على وجوب التقليد فيذهب فيه إلى أنه لو كان الصواب قائماً بالكثرة والقدم وإن خالف المعقول ، لاقتضى ذلك صوابية الوثنية ورجحان النصرانية ، بل إنه يجد هذا الدليل يخالف قول الرسول عن تفرق الأمة إلى بضع وسبعين شعبة كلها في النار إلا واحدة ، فأين حكم الأكثرية في هذه الحال .
أما الدليل الثالث القائل بأن الأئمة الأعلام كانوا أكثر منا فهماً وعلماً، فهو لا ينكره ، لكنه يعلق عليه متسائلاً : متى كلف الله تعالى عباده بدين لا يفقهه إلا أمثال هؤلاء النوابغ العظام ؟ أليس أساس ديننا القرآن ؟ أما السنة أفلم تصل إلينا مجموعة مدونة ؟
أي أن معرفتنا بالأصلين القرآن والسنة كافيةٌ عنده لأن نصبح مؤهلين للقيام بالاجتهاد من دون الركون إلى تقليد أحد من الأئمة .
تفكيك القداسة
ويمضي الكواكبي لتفكيك هالة القداسة التي نسجت حول الأئمة ؛ فيذهب إلى أن علمهم ليس علماً كسبياً خارقاً للعادة ؛ فالإمام الشافعي لم يؤسس قواعد مذهبه إلا على اللغة ، أما أبو حنيفة فقد اعتمد على بعض القواعد المنطقية الأساسية ، ولم يكلفنا أيٌ منهما باتباع ما ذهب إليه ، بل إن الله تعالى لم يرضَ لنا أن نتبع الأعلم ، بل كلفنا بأن نستهدي من كتابه وسنة رسوله على حسب إمكاننا وطاقتنا ؛ حيث قال تعالى: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
إن دعوة الكواكبي المؤيدة لفتح باب الاجتهاد لا شك تستبطن تساؤلات عمن يحق له ممارسة الاجتهاد، ومن الواضح أن الكواكبي كان أميل إلى تأييد التقسيم المعمول به في اليمن ، والذي يضع المسلمين على مراتب ثلاث ، حسب درجة العلم وإمكانية الاجتهاد، وهي:
- رتبة العلماء : وهم العارفون بالعلم الشرعي وبالأحكام الشرعية وباللغة العربية معرفة وافية ، وهؤلاء يحق لهم أن يستهدوا بأنفسهم في الأصول والفروع ، ولهم أن ينهضوا بواجب الاجتهاد .
- رتبة القراء : وهم الذين يفهمون القرآن والسنة فهماً إجمالياً ، ويهتدون بأنفسهم في أصول الدين ، أما في الفروع فيقلدون أحد الموثوق بهم ، من دون ارتباط بمجتهد مخصوص، مع معرفتهم للدليل .
- العامة : وهؤلاء يهديهم العلماء مع بيان الدليل ؛ فلا يصح تقليد من دون معرفة الدليل .
وينتقل الكواكبي من الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد إلى ممارسة الاجتهاد فعلياً حين يقترح أن يضع فقهاء كل مذهب كتباً في العبادات على مراتب ؛ فيخصصون كتباً للفرائض ، وكتباً أخرى في المندوبات والسنن ، وكتباً ثالثة في الزوائد ، ويتم تعميم مثل هذه الطريقة في كتب المعاملات التي يمكن تقسيمها إلى أحكام إجماعية وأخرى اجتهادية وثالثة تحسينية .
ومثل هذا التقسيم بنظره يمنع التشويش في الفهم لدى العامة، فيقف كل إنسان على ما تؤهله درجته العلمية من الوقوف عليه .
ويخلص الكواكبي إلى أنه إذا كان على العلماء القيام بواجب الاجتهاد، فإن عملية الاجتهاد نفسها ينبغي أن تتم تحت رعاية الإمام أو ولاة الأمور ، فعليهم أن يلزموا الأمة باتباع الأحكام الاجتهادية ، التي هي أحكام زمانية ، وليست شرعاً في حد ذاتها ، فإذا تبدل الزمان عدل عنها بغيرها ، وهو رأي مستغرب من مفكر مثله لطالما ذم الاستبداد وانتقد تدخل الحكام في السياسات الدينية .
عن جريدة الحياة
* باحثة مصرية


الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  673302


عدل سابقا من قبل محب الامام الجيلي في الأربعاء مايو 09, 2012 6:24 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محب الامام الجيلي

محب الامام الجيلي


عدد الرسائل : 491
تاريخ التسجيل : 08/01/2008

الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأستاذ الكواكبى ... طبائع الاستبداد ... ملف    الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  Emptyالأربعاء مايو 09, 2012 6:23 am


الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  75753

حياة المفكر الثائر
عبدالرحمن الكواكبي
1902-1855

د. محمد جمال طحان


وُلد عبدالرحمن بن أحمد بهائي بن محمد بن مسعود الكواكبي بحلب في
(1271- 1855م) لأسرة عربية قديمة في حلب، قيل إنّ جذورها تمتدّ من جهة الأب إلى عليّ بن أبي طالب. وتمتدّ من جهة أمّه عفيفة بنت مسعود آل نقيب إلى محمّد بن الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين الشهيد.

توفّيت والدته سنة (1276هـ 1859م) وهو في الخامسة من عمره، فكفلته خالته صفيّة آل نقيب واصطحبته إلى أنطاكية، وهناك تعلّم القراءة والكتابة والتركيّة وحفظ شيئاً من القرآن الكريم. ثم عاد إلى حلب وأكمل تعليمه مع شيء من الفارسية، مدّة عام تقريباً، ذهب بعده إلى أنطاكية ثانيةً لدراسة العلوم، ثم استقرّ في حلب سنة (1282هـ= 1865م) فدخل المدرسة الكواكبيّة التي كانت تتَّبع مناهجَ الأزهر في الدراسة، وكان أبوه مديراً لها. وهناك تابع دروسه في الشريعة والأدب والفارسيّة، كما درس بعض علوم الطبيعة والرياضة. لكنّه لم يكتفِ بذلك، بل راح يعبّ من علوم السياسة والمجتمع والتاريخ والفلسفة.

وأوّل مادخل الحياة العمليّةُ عُيّن سنة (1289هـ= 1872م) محرّراً في صحيفة "فرات" الرسميّة الناطقة بلسان الحكومة العثمانيّة، وكانت تصدر باللغتين: العربيّة والتركيّة. واستمرّ بالعمل فيها حتى سنة (1293هـ= 1876م). ولأنه رأى أنّها لاتحقّق طموحاته في إعلان الحقيقة على الجماهير، هجرها ليُصدر صحيفة "الشهباء" الخاصّة بالاشتراك الصوَري مع هاشم العطّار سنة (1294هـ = 1877م) وكانت أوّل صحيفة عربية مستقلة تصدر في حلب. ولم يصدر منها غير /16/ ستة عشر عدداً فقط، إذ أغلقها والي حلب (كامل باشا) القبرصي، لمّا وجد أنّها تنتقد سياسة السلطنة العثمانيّة. وربّما أرادت السلطة أن تشغله عن توعية الناس فعيّنته سنة (1295هـ= 1878م) عضواً فخرياً في لجنتي المعارف والماليّة. لكنّه لم يُغرَ بالمنصب ولم ييأس من الإصلاح فسعى سنة (1296هـ= 1879م) إلى إنشاء صحيفة "اعتدال" باللغتين: العربيّة والتركيّة، لكنّها، هي الأخرى لم تستمر إذ صدر منها عشرةُ أعداد ثمّ أوقفتها الحكومة لجرأة صاحبها في انتقاد سياستها.

وحاولت الحكومة إسكاته بالمناصب فعيّنته في لجنة المقاولات والأشغال العامّة، وقلّدته رئاسة قلم المحضِرين في الولاية، ثمّ عضويّة لجنة امتحان المحامين. كما عُيّن سنة (1299هـ = 1881م) مديراً فخرياً للمطبعة الرسمية، ثمّ ثامن رئيس لبلديّة حلب.

وفي سنة (1300هـ = 1882م) توفّي والده ممّا أثّر في نفسه كثيراً، لكنّه لم ينزو واستمر في نُصرة المظلومين، وانتقاد السلطنة، واستمرّت الحكومة في إغرائه بالمناصب ففي سنة (1304هـ= 1886م) عيّنته عضواً في محكمة التجارة، ثم رئيساً لغرفة التجارة بحلب (1310هـ= 1892م)، ورئيساً للمصرف الزراعي، ثمّ رئيساً لكتّاب المحكمة الشرعيّة (1312هـ= 1894م)، وأعادته سنة (1314هـ= 1896م) رئيساً لغرفة التجارة بحلب، ورئيساً للجنة بيع الأراضي الأميرية.

لكنّ أيّاً من تلك المناصب لم يثنه عن عزمه في نقد السلطة القائمة والتصدي للخدمة العامّة إذ فتح مكتباً لنصرة المظلومين حتى لُقّب بأبي الضعفاء ممّا أغضب الولاة فسعوا للإيقاع به، فقد استغلّت السلطة محاولة اغتيال والي حلب (جميل باشا) وألقت القبض على الكواكبي بتهمة التحريض على قتله، ولكنّ ساحته بُرّئت وعُزل الوالي. ثمّ اتّهمته الحكومة بالاتصال بدولة أجنبية، على لسان والي حلب (عارف باشا)، الذي اتّهمه بالاتفاق مع دولة أجنبية على تسليم حلب، وبإقامة منظّمة سرّية تناوئ نظام الحكم، وحُكم عليه بالإعدام أمام محكمة حلب المتآمرة مع الوالي، لكنّ الكواكبي قدّم تظلّماً ورفض المحاكمة في حلب، كما قامت مظاهرة في حلب تطالب بالإفراج عنه، فاضطرت السلطنة إلى إعادة محاكمته في بيروت، حيث قدّم دفاعاً شخصياً عن نفسه، فبُرّئت ساحته وتبيّن تزوير الوالي الأوراق التي اتّهمه بوساطتها، وعُـزل.
وفي أثناء تلك الأعوام، الصاخبة من حياة الكواكبي، التي تعرّض فيها للظلم والسجن وصودرت ممتلكاته، كان يضع فصول كتابه " أم القرى " الذي قال (كامل الغزّي) أنّه اطّلع عليه في حلب، وقال ابنه (الدكتور أسعد الكواكبي) أنّه بيّضه له وهو في حلب. كما كان يضع بعض أفكار كتابه الثاني " طبائع الاستبداد ". ولكي يتخلّص من إلحاح السلطة العثمانيّة عليه بالتعامل معها، إذ سلّمته قراراً بتعيينه نائباً شرعياً في قضاء "راشيّا " في ولاية "سورية" ، فتظاهر بالموافقة، وقرّر الهجرة إلى مصر سرّاً، بحجّة أنّه سيقوم بزيارة إلى "استانبول".
وصل إلى القاهرة في منتصف شهر تشرين الثاني سنة (1317هـ = 1899م)، حيث التقى بالمفكّرين والأدباء، وشارك في الحركة الفكريّة في "مصر"، وهناك ذاع صيته إبّان نشره مقالات "طبائع الاستبداد" في صحيفة "المؤيّد" لـ (علي يوسف)، وبعد إصداره كتاب "أم القرى" باسم مستعار هو (السيّد الفراتي)، ثم أصدر "طبائع الاستبداد" تحت اسم (الرحالة ك)، وكتب فصولاً من " أم القرى" في صحيفة "المنار"، سنة (1318هـ = 1900م) بعد حذف اقترحه (محمد رشيد رضا) تحسّباً من السلطة.
وفي سنة (1319هـ= 1901م) قام برحلة اطّلاعيّة إلى البلاد العربيّة والإسلاميّة، ليدرس أحوالها، وهناك دوّن خواطره ليُصدرها في كتاب، ولكنّ وفاته المفاجِئة حالت دون ذلك. فقد توفي مساء الخميس في (6 ربيع الأول سنة 1320هـ)، الموافق (14 حزيران عام 1902م)، على إثر احتسائه (فنجان قهوة) في مقهى (يلدز) قرب حديقة (الأزبكية) بالقاهرة. وقيل إنّه مات مسموماً على أيدي أعوان السلطان (عبدالحميد الثاني)، الملقّب بالسلطان الأحمر، الذي أرسل من دسّ له السم في فنجانه. فبعد أن احتسى القهوة، بنصف ساعة، أحسّ بألم في أمعائه، فانتقل إلى داره، وكان معه ابنه (كاظم)، ثمّ، في منتصف الليل، ذهب ابنه لإحضار الطبيب، ولما عاد ومعه الطبيب وجداه ميتاً. وفي اليوم التالي أمر السلطان (عبدالحميد الثاني) أحد أعوانه (عبدالقادر القبّاني) صاحب "ثمرات الفنون" التي كانت تصدر في بيروت، أن يقصد محلّ إقامة الكواكبي، ويحرز جميع أوراقه، ويرسلها إليه.. وقد فعل ذلك في اليوم التالي لوفاته.
وحدّثني حفيده (الدكتور عبدالرحمن الكواكبي) أنّ مخطوط (طبائع الاستبداد) المعدّل رماه عمّه (كاظم) في صندوق القمامة فلم يُعثر عليه، وأحضره معه بعد انتهاء التفتيش ومصادرتهم كلّ مافي البيت من أوراق، من بينها مسوّدات كتابيه "العظمة لله" و "صحائف قريش".

حزن الأدباء والمفكرون لفقده ورثاه كثيرون. ومما قاله فيه مصطفى صادق الرافعي:

سلوا حامليه هل رأوا حول نعشه
وهل حملوا التّقوى إلى حفرة الثّرى
وهل أغمدوا في صدره صارماً إذا
فكم هزّه الإسلامُ في وجهِ حادثٍ
أرى حسراتٍ في النفوس تهافتـــت

ملائكةً من حاربٍ حلف حارب
وساروا بذاك الطود فوق المناكب
تجرد راع الشرق أهل المغارب
فهز صقيل الحدِّ عضبَ المضاربِ
لها قطــع الأحشاء من كلِّ جانبِ

ودُفن في قرافة باب الوزير على سطح جبل المقطّم، وبعد أربعين عاماً نقلت رفاته في احتفال ديني إلى مقبرة المشاهير في شارع العفيفي بمنطقة باب الوزير، وكُتب اسمه وتاريخ وفاته وتاريخ نقله، على صفحة من المرمر، كُتب عليها بيتان لحافظ إبراهيم :

هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى
قفوا واقرؤوا " أمّ الكتاب " وسلّموا

هنا خيرُ مظلومٍ هنا خير كاتب
عليه فهذا القبر قبر الكواكبي

الأستاذ الكواكبى ...  طبائع الاستبداد ... ملف  672896
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأستاذ الكواكبى ... طبائع الاستبداد ... ملف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأستاذ عند البسطامى
» مولد الأستاذ البيومي رضي الله عنه
» مولد الأستاذ الفرغل رضي الله عنه
» مولد الأستاذ البيومي رضي الله عنه
» موسوعة الأستاذ : عباس محمود العقــاد الإسلامية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: المنتدى الصوفى العام :: المنتدى العام-
انتقل الى: