منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية Empty
مُساهمةموضوع: الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية   الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية Emptyالثلاثاء يوليو 24, 2018 2:59 pm

الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية

الشيخ الأكبر محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله روحه

(الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه)

بسملة الأسماء ذو منظرين ..... ما بين إبقاء وإفناء عين
إلا بمن قالت لمن حين ما ..... خافت على النمل من الحطمتين
فقال من أضحكه قولها ..... هل أثر يطلب من بعد عين
يا نفس يا نفس استقيمي فقد ..... عاينت من نملتنا القبضتين
وهكذا في الحمد فاستثنها ..... إن شئت أن تنعم بالجنتين
إحداهما من عسجد مشرق ..... جملتها وأختها من لجين
يا أم قرآن العلى هل ترى ..... من جهة الفرقان للفرقتين
أنت لنا السبع المثاني التي ..... خص بها سيدنا دون مين
فأنت مفتاح الهدى للنهى ..... وخص من عاداك بالفرقتين
لما أردنا أن نفتتح معرفة الوجود وابتداء العالم الذي هو عندنا المصحف الكبير الذي تلاه الحق علينا تلاوة حال كما إن القرآن تلاوة قول عندنا فالعالم حروف مخطوطة مرقومة في رق الوجود المنشور .
ولا تزال الكتابة فيه دائمة أبدا لا تنتهي ولما افتتح الله تعالى كتابه العزيز بفاتحة الكتاب وهذا كتاب أعني العالم الذي نتكلم عليه أردنا أن نفتتح بالكلام على أسرار الفاتحة.
[فاتحة الفاتحة]
وبسم الله فاتحة الفاتحة وهي آية أولى منها أو ملازمة لها كالعلاوة على الخلاف المعلوم بين العلماء .
فلا بد من الكلام على البسملة وربما يقع الكلام على بعض آية من سورة البقرة آيتين أو ثلاث خاصة تبركا بكلام الحق سبحانه ثم نسوق الأبواب إن شاء الله تعالى .
فأقول إنه لما قدمنا إن الأسماء الإلهية سبب وجود العالم وإنها المسلطة عليه والمؤثرة .
لذلك كان بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عندنا خبر ابتداء مضمر وهو ابتداء العالم وظهوره كأنه يقول ظهور العالم بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أي باسم الله الرحمن الرحيم ظهر العالم .
واختص الثلاثة الأسماء لأن الحقائق تعطي ذلك 
فالله هو الاسم الجامع للأسماء كلها 
والرحمن صفة عامة فهو رحمن الدنيا والآخرة بها رحم كل شيء من العالم في الدنيا ولما كانت الرحمة في الآخرة لا تختص إلا بقبضة السعادة فإنها تنفرد عن أختها وكانت في الدنيا ممتزجة يولد كافرا ويموت مؤمنا أي ينشأ كافرا في عالم الشهادة وبالعكس وتارة وتارة وبعض العالم تميز بإحدى القبضتين بأخبار صادق 
فجاء الاسم الرحيم مختصا بالدار الآخرة لكل من آمن.
وتم العالم بهذه الثلاثة الأسماء جملة في الاسم الله وتفصيلا في الاسمين الرحمن الرحيم فتحقق ما ذكرناه .
فإني أريد أن أدخل إلى ما في طي البسملة والفاتحة من بعض الأسرار كما شرطناه فلنبين ونقول
[رمزية الباء]
بسم بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد من المعبود .
قيل للشبلي رضي الله عنه أنت الشبلي 
فقال أنا النقطة التي تحت الباء 
وهو قولنا النقطة للتمييز وهو وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية .
وكان الشيخ أبو مدين رحمه الله يقول:
ما رأيت شيئا إلا رأيت الباء عليه مكتوبة 

فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق في مقام الجمع والوجود أي بي قام كل شيء وظهر .
وهي من عالم الشهادة هذه الباء بدل من همزة الوصل التي كانت في الاسم قبل دخول الباء واحتيج إليها إذ لا ينطق بساكن .
فجلبت الهمزة المعبر عنها بالقدرة محركة عبارة عن الوجود ليتوصل بها إلى النطق الذي هو الإيجاد من إبداع وخلق بالساكن الذي هو العدم .
وهو أوان وجود المحدث بعد أن لم يكن وهو السين فدخل في الملك بالميم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى
[الفرق بين الباء والألف]
فصارت الباء بدلا من همزة الوصل أعني القدرة الأزلية وصارت حركة الباء لحركة الهمزة الذي هو الإيجاد .
ووقع الفرق بين الباء والألف الواصلة فإن الألف تعطي الذات والباء تعطي الصفة .
ولذلك كانت لعين الإيجاد أحق من الألف بالنقطة التي تحتها وهي الموجودات .
فصار في الباء الأنواع الثلاثة شكل الباء والنقطة والحركة العوالم الثلاثة فكما في العالم الوسط توهم ما كذلك في نقطة الباء .
فالباء ملكوتية والنقطة جبروتية والحركة شهادية ملكية والألف المحذوفة التي هي بدل منها هي حقيقة القائم بالكل تعالى واحتجب رحمة منه بالنقطة التي تحت الباء وعلى هذا الحد تأخذ كل مسألة في هذا الباب مستوفاة بطريق الإيجاز فبسم والم واحد
[رمزية الألف]
ثم وجدنا الألف من بسم قد ظهرت في اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وبِسْمِ الله مَجْراها بين الباء والسين ولم تظهر بين السين والميم .
فلو لم تظهر في باسم السفينة ما جرت السفينة ولو لم تظهر في اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ما علم المثل حقيقته ولا رأى صورته فتيقظ من سنة الغفلة وانتبه فلما كثر استعمالها في أوائل السور حذفت لوجود المثل مقامه في الخطاب وهو الباء .
فصار المثل مرآة للسين فصار السين مثالا وعلى هذا الترتيب نظام التركيب وإنما لم تظهر بين السين والميم وهو محل التغيير وصفات الأفعال أن لو ظهرت لزال السين والميم إذ ليسوا بصفة لازمة للقديم مثل الباء .
فكان خفاؤه عنهم رحمة بهم إذ كان سبب بقاء وجودهم وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا وهو الرسول فهذه الباء والسين والميم العالم كله
[عمل الباء في الميم]
ثم عمل الباء في الميم الخفض من طريق الشبه بالحدوث إذ الميم مقام الملك وهو العبودية وخفضتها الباء عرفتها بنفسها وأوقفتها على حقيقتها فمهما وجدت الباء وجدت الميم في مقام الإسلام .
فإن زالت الباء يوما ما لسبب طارئ وهو ترقي الميم إلى مقام الايمان فتح في عالم الجبروت بسبح وأشباهه فأمر بتنزيه المحل لتجلى المثل .
فقيل له سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الذي هو مغذيك بالمواد الإلهية فهو ربك بفتح الميم .
وجاءت الألف ظاهرة وزالت الباء لأن الأمر توجه عليها بالتسبيح ولا طاقة لها على ذلك والباء محدثة مثلها والمحدث من باب الحقائق لا فعل له ولا بد لها من امتثال الأمر فلا بد من ظهور الألف الذي هو الفاعل القديم
[ظهور الألف]
فلما ظهر فعلت القدرة في الميم التسبيح فسبح كما أمر وقيل له الأعلى لأنه مع الباء في الأسفل .
وفي هذا المقام في الوسط ولا يسبح المسبح مثله ولا من هو دونه فلا بد أن يكون المسبح أعلى .
ولو كنا في تفسير سورة سبح اسم ربك الأعلى لأظهرنا أسرارها فلا يزال في هذا المقام حتى يتنزه في نفسه فإن من ينزهه منزه فإنه منزه عن تنزيهه فلا بد من هذا التنزيه أن يعود على المنزه ويكون هو الأعلى.
فإن الحق من باب الحقيقة لا يصح عليه الأعلى فإنه من أسماء الإضافة وضرب من وجوه المناسبة فليس بأعلى ولا أسفل ولا أوسط تنزه عن ذلك وتعالى علوا كبيرا بل نسبة الأعلى والأوسط والأسفل إليه نسبة واحدة .
فإذا تنزه خرج عن حد الأمر وخرق حجاب السمع وحصل المقام الأعلى فارتفع الميم بمشاهدة القديم فحصل له الثناء التام بتبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام فكان الاسم عين المسمى كذلك العبد عين المولى من تواضع لله رفعه الله .
وفي الصحيح من الأخبار أن الحق يد العبد ورجله ولسانه وسمعه وبصره لو لم يقبل الخفض من الباء في باسم ما حصل له الرفع في النهاية في تبارك اسم
[التثليث في البسملة]
ثم اعلم أن كل حرف من بسم مثلث على طبقات العوالم فاسم الباء باء وألف وهمزة واسم السين سين وياء ونون واسم الميم ميم وياء وميم والياء مثل الباء وهي حقيقة العبد في باب النداء فما أشرف هذا الموجود كيف انحصر في عابد ومعبود فهذا شرف مطلق لا يقابله ضد لأن ما سوى وجود الحق تعالى ووجود العبد عدم محض لا عين له
[رمزية السين]
ثم إنه سكن السين من بسم تحت ذل الافتقار والفاقة كسكوننا تحت طاعة الرسول لما قال من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله .
فسكنت السين من بسم لتتلقى من الباء الحق اليقين فلو تحركت قبل أن تسكن لاستبدت بنفسها وخيف عليها من الدعوى وهي سين مقدسة فسكنت فلما تلقت من الباء الحقيقة المطلوبة أعطيت الحركة فلم تتحرك في بعض المواطن إلا بعد ذهاب الباء.
 إذ كان كلام التلميذ بحضور الشيخ في أمر ما سوء أدب إلا أن يأمره فامتثال الأمر هو الأدب .
فقال عند مفارقة الباء يخاطب أهل الدعوى تائها بما حصل له في المقام الأعلى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ ثم تحرك لمن أطاعه بالرحمة واللين .
فقال سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ يريد حضرة الباء .
فإن الجنة حضرة الرسول عليه السلام وكثيب الرؤية حضرة الحق فاصدق وسلم تكشف وتلحق .
فهذه الحضرة هي التي تنقله إلى الألف المرادة فكما أنه ينقلك الرسول إلى الله كذلك تنقلك حضرته التي هي الجنة إلى الكثيب الذي هو حضرة الحق
[التنوين العبدي المحذوف في البسملة]
ثم اعلم أن التنوين في بسم لتحقيق العبودة وإشارات التبعيض فلما ظهر منه التنوين اصطفاه الحق المبين بإضافة التشريف والتمكين .
فقال بِسْمِ الله فحذف التنوين العبدي لإضافته إلى المنزل الإلهي ولما كان تنوين تخلق لهذا صح له هذا التحقق وإلا فالسكون أولى به .
فاعلم انتهى الجزء التاسع
(بسم الله الرحمن الرحيم)
«وصل» [تابع الباب الخامس]
قوله الله من بسم الله ينبغي لك أيها المسترشد أن تعرف أولا ما تحصل في هذه الكلمة الكريمة من الحروف وحينئذ يقع الكلام عليها إن شاء الله وحروفهاأ ل ل أ ه وفأول ما أقول كلاما مجملا مرموزا ثم نأخذ في تبيينه ليسهل قبوله على عالم التركيب
[تعلق العبد بألف الله: أو مقام الأمناء الورثة الصديقين]
وذلك أن العبد تعلق بالألف تعلق من اضطروا الالتجاء فأظهرته اللام الأولى طهور أورثه الفوز من العدم والنجاة .
فلما صح ظهوره وانتشر في الوجود نوره وصح تعلقه بالمسمى وبطل تخلقه بالأسماء أفنته اللام الثانية بشهود الألف التي بعدها فناء لم تبق منه باقية وذلك عسى ينكشف له المعمى ثم جاءت الواو بعد الهاء لتمكن المراد وبقيت الهاء لوجوده آخرا عند محو العباد من أجل العناد .
فذلك أوان الأجل المسمى وهذا هو المقام الذي تضمحل فيه أحوال السائرين وتنعدم فيه مقامات السالكين حتى يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل لا غير يثبت لظهوره ولا ظلام يبقى لنوره .
فإن لم تكن تره اعرف حقيقة إن لم تكن تكن أنت .
إذ كانت التاء من الحروف الزوائد في الأفعال المضارعة للذوات وهي العبودية .
يقول بعض السادة وقد سمع عاطسا يقول الْحَمْدُ لِلَّهِ 
فقال له ذلك السيد أتمها كما قال الله رَبِّ الْعالَمِينَ 
فقال العاطس يا سيدنا ومن العالم حتى يذكر مع الله 
فقال له الآن قله يا أخي فإن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر وهذا هو مقام الوصلة وحال وله أهل الفناء عن أنفسهم.
 وأما لو فنى عن فنائه لما قال الحمد لله لأن في قوله الحمد أثبت العبد الذي هو المعبر عنه بالرداء عند بعضهم وبالثوب عند آخرين.
 ولو قال رب العالمين لكان أرفع من المقام الذي كان فيه فذلك مقام الوارثين ولا مقام أعلى منه .
لأنه شهود لا يتحرك معه لسان ولا يضطرب معه جنان أهل هذا المقام في أحوالهم فاغرة أفواههم استولت عليهم أنوار الذات وبدت عليهم رسوم الصفات هم عرائس الله المخبأون عنده المحجوبون لديه .
الذين لا يعرفهم سواه كما لا يعرفون توجهم بتاج البهاء وإكليل السناء وأقعدهم على منابر الفناء عن القرب في بساط الأنس ومناجاة الديمومية بلسان القيومية أورثهم ذلك قوله عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وبِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ .
فلم تزل القوة الإلهية تمدهم بالمشاهدة فيبرزون بالصفات في موضع القدمين فلا وله إلا من حيث الاقتداء ولا ذكر إلا إقامة سنة أو فرض لا يحيدون عن سواء السبيل فهم بالحق وإن خاطبوا الخلق وعاشروهم فليسوا معهم وإن رأوهم لم يروهم إذ لا يرون منهم إلا كونهم من جملة أفعال الله فهم يشاهدون الصنعة والصانع مقاما عمريا كما يقعد أحدكم مع نجار يصنع تابوتا فيشاهد الصنعة والصانع ولا تحجبه الصنعة عن الصانع إلا إن شغل قلبه حسن الصنعة
فإن الدنيا كما قال عليه السلام حلوة خضرة وهي من خضراء الدمن جارية حسناء في منبت سوء من أحسن إليها وأحبها أساءت إليه وحرمت عليه أخراه
ولقد أحسن القائل
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت      .....      له عن عدو في ثياب صديق
فهذه الطائفة الأمناء الصديقون إذا أيدهم الله بالقوة الإلهية وأمدهم فهم معه بهذه النسبة على وجه المثال وهذا أعلى مقام يرقى فيه وأشرف غاية ينتهي إليها هذه الغاية القصوى إذ لا غاية إلا من حيث التوحيد لا من حيث الموارد والواردات وهو المستوي إذ لا استواء إلا الرفيق الأعلى فهنيئا لهذه العصابة بما نالوه من حقائق المشاهدة وهنيئا لنا على التصديق والتسليم لهم بالموافقة والمساعدة
[عود على بدء: البسملة من طريق الأسرار]
مر بنا جواد اللسان في حلبة الكلام فلنرجع إلى ما كنا بسبيله والسلام فأقول همزة هذا الاسم المحذوفة بالإضافة تحقيق اتصال الوحدانية وتمحيق انفصال الغيرة فالألف واللام الملصقة كما تقدم لتحقيق المتصل ومحق المنفصل والألف الموجودة في اللام الثانية لمحو آثار الغير المتحصل والواو التي بعد الهاء ليس لها في الخط أثر ومعناها في الوجود بهاء الهوية قد انتشر أبداها في عالم الملك بذاتها فقال هُوَ الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فبدأ بالهوية وختم وملكها الأمر في الوجود والعدم وجعلها دالة على الحدوث والقدم وهو آخر ذكر الذاكرين وأعلاه فرجع العجز على الصدر فلاحت ليلة القدر ووقف بوجودها أهل العناية والتأييد على حقائق التوحيد فالوجود في نقطة دائرة هذا الاسم ساكن وقد اشتمل عليه بحقيقته اشتمال الأماكن على المتمكن الساكن ولِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى
والله قد ضرب الأقل لنوره      .....      مثلا من المشكاة والنبراس
فقال تعالى والله (أَلا إِنَّهُ) بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً وصير الكل اسما ومسمى وأرسله مكشوفا ومعمى 
(حل المقفل وتفصيل المجمل) [الله: من طريق الاسرار]
يقول العبد الله فيثبت أولا وآخرا وينفي باللامين باطنا وظاهرا لزمت اللام الثانية الهاء بوساطة الألف العلمية ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الثلاثة اللام ولا خمسة إلا هو سادسهم فالألف سادس في حق الهاء رابع في حق اللام أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ العرش ظل الله العرش اللام الثانية وما حواه اللام الأولى بطريق الملك واللامان هما الظاهر والباطن من باب الأسماء ظهرتا بين ألف الأول وألف الآخر وهو مقام الاتصال لأن النهاية تنعطف على البداية وتتصل بها اتصال اتحاد ثم خرجت الهاء بواوها الباطنة مخرج الانفصال والجزء المتصل بين اللام والهاء هو السر الذي به تقع المشاهدة بين العبد والسيد وذلك مركز الألف العلمية وهو مقام الاضمحلال ثم جعل تعالى في الخط المتصل جزءا بين اللامين للاتصال بين اللام الأولى التي هي عالم الملك وبين اللام الثانية التي هي عالم الملكوت وهو مركز العالم الأوسط عالم الجبروت مقام النفس ولا بد من خطوط فارغة بين كل حرفين فتلك مقامات فناء رسوم السالكين من حضرة إلى حضرة
(تتميم) [حروف الجلالة الخمس والحقائق العامة الخمسة]
الألف الأولى التي هي ألف الهمزة منقطعة واللام الثانية ألفها متصل بها قطعت الألف في أوائل الخطوط لقوله عليه السلام كان الله ولا شيء معه فلهذا قطعت وتنزه من الحروف من أشبهها في عدم الاتصال بما بعدها والحروف التي أشبهتها على عدد الحقائق العامة العالية التي هي الأمهات وكذلك إذا كانت آخر الحروف تقطع الاتصال من البعدية الرقمية فكان انقطاع الألف تنبيها لما ذكرناه وكذلك إخوته فالألف للحق وأشباه الألف للخلق وذلك د ذ ر ز وفي جميع الحقائق جسم متغذ حساس ناطق وما عداه ممن له لغة وانحصرت حقائق العالم الكلية فلما أراد وجود اللام الثانية وهي أول موجود في المعنى وإن تأخرت في الخط فإن معرفة الجسم تتقدم على معرفة الروح شاهدا وكذلك الخط شاهدا وهي عالم الملكوت أوجدها بقدرته وهي الهمزة التي في الاسم إذا ابتدأت به معرى من الإضافة وهي لا تفارق الألف فلما أوجدت هذه الألف اللام الثانية جعلها رئيسة فطلبت مرءوسا تكون عليه بالطبع فأوجد لها عالم الشهادة الذي هو اللام الأولى فلما نظرت إليه أشرق وأنار وأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ووُضِعَ الْكِتابُ وهو الجزء الذي بين اللامين أمر سبحانه اللام الثانية أن تمد الأولى بما أمدها به تعالى من جود ذاته وأن تكون دليلها إليه فطلبت منه معنى تصرفه في جميع أمورها يكون لها كالوزير فتلقى إليه ما تريده فيلقيه على عالم اللام الأولى فأوجد لها الجزء المتصل باللامين المعبر عنه بالكتاب الأوسط وهو العالم الجبروتي وليست له ذات قائمة مثل اللامين فإنه بمنزلة عالم الخيال عندنا فألقت اللام الثانية إلى ذلك الجزء وارتقم فيه ما أريد منها ووجهت به إلى اللام الأولى فامتثلت الطاعة حتى قالت بلى فلما رأت اللام الأولى الأمر قد أتاها من قبل اللام الثانية بوساطة الجزء الذي هو الشرع صارت مشاهدة لما يرد عليها من ذلك الجزء راغبة له في أن يوصلها إلى صاحب الأمر لتشاهده فلما صرفت الهمة إلى ذلك الجزء واشتغلت بمشاهدته احتجبت عن الألف التي تقدمتها ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ولو لم تصرف الهمة إلى ذلك الجزء لتلقت الأمر من الألف الأولى بلا واسطة ولكن لا يمكن لسر عظيم فإنها ألف الذات والثانية ألف العلم
إشارة [اللام الجلالية والألف الوحدانية]
ألا ترى أن اللام الثانية لما كانت مرادة مجتباة منزهة عن الوسائط كيف اتصلت بألف الوحدانية اتصالا شافيا حتى صار وجودها نطقا يدل على الألف دلالة صحيحة وإن كانت الذات خفيت فإن لفظك باللام يحقق الاتصال ويدلك عليها من عرف نفسه عرف ربه من عرف اللام الثانية عرف الألف فجعل نفسك دليلا عليك ثم جعل كونك دليلا عليك دليلا عليه في حق من بعد وقدم معرفة العبد بنفسه على معرفته بربه ثم بعد ذلك يفنيه عن معرفته بنفسه لما كان المراد منه أن يعرف ربه أ لا ترى تعانق اللام الألف وكيف يوجد اللام في النطق قبل الألف وفي هذا تنبيه لمن أدرك فهذه اللام الملكوتية تتلقى من ألف الوحدانية بغير واسطة فتورده على الجزء الجبروتي ليؤديه إلى لام الشهادة والملك هكذا الأمر ما دام التركيب والحجاب فلما حصلت الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية أراد تعالى كما قدم الألف منزهة عن الاتصال من كل الوجوه بالحروف أراد أن يجعل الانتهاء نظير الابتداء فلا يصح بقاء للعبد أولا وآخرا فأوحد الهاء مفردة بواو هويتها فإن توهم متوهم أن الهاء ملصقة إلى اللام فليست كذلك وإنما هي بعد الألف التي بعد اللام والألف لا يتصل بها في البعدية شيء من الحروف فالهاء بعد اللام مقطوعة عن كل شيء فذلك الاتصال باللام في الخط ليس باتصال فالهاء واحدة والألف واحدة فاضرب الواحد في مثله يكن واحدا فصح انفصال الخلق عن الحق فبقي الحق وإذا صح تخلق اللام الملكية لما تورده عليها لام الملكوت فلا تزال تضمحل عن صفاتها وتفني عن رسومها إلى أن تحصل في مقام الفناء عن نفسها فإذا فنيت عن ذاتها فنى الجزء لفنائها واتحدت اللامان لفظا ينطق بها اللسان مشددة للادغام الذي حدث فصارت موجودة بين ألفين اشتملا عليها وأحاطا بها فأعطتنا الحكمة الموهوبة لما سمعنا لفظ الناطق بلا بين ألفين علمنا علم الضرورة أن المحدث فنى بظهور القديم فبقي ألفان أولى وأخرى وزال الظاهر والباطن بزوال اللامين بكلمة النفي فضربنا الألف في الألف ضرب الواحد في الواحد فخرجت لك الهاء فلما ظهرت زال حكم الأول والآخر الذي جعلته الواسطة كما زال حكم الظاهر والباطن فقيل عند ذلك كان الله ولا شيء معه ثم أصل هذا الضمير الذي هو الهاء الرفع ولا بد فإن انفتح أو انخفض فتلك صفة تعود على من فتحه أو خفضه فهي عائدة على العامل الذي قبل في اللفظ
(تكملة) [الحركات والحروف والمخارج في اسم الجلالة]
ثم أوجد سبحانه الحركات والحروف والمخارج تنبيها منه سبحانه وتعالى إن الذوات تتميز بالصفات والمقامات فجعل الحركات نظير الصفات وجعل الحروف نظير الموصوف وجعل المخارج نظير المقامات والمعارج فأعطى لهذا الاسم من الحروف على عموم وجوهه من وصل وقطع ء أ ل ه وهمزة وألفا ولا ما وهاء وواوا فالهمزة أولا والهاء آخر أو مخرجهما واحد مما يلي القلب ثم جعل بين الهمزة والهاء حرف اللام ومخرجه اللسان ترجمان القلب فوقعت النسبة بين اللامين والهمزة والهاء كما وقعت النسبة بين القلب الذي هو محل الكلام وبين اللسان المترجم عنه قال الأخطل 
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ..... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
فلما كانت اللام من اللسان جعلها تنظر إليه لا إلى نفسها فأفناها عنها وهي الحنك الأسفل فلما نظرت إليه لا إلى ذاتها علت وارتفعت إلى الحنك الأعلى واشتد اللسان بها في الحنك اشتداد التمكن علوها وارتفاعها بمشاهدته وخرجت الواو من الشفتين إلى الوجود الظاهر مخبرة دالة عليه وذلك مقام باطن النبوة وهي الشعرة التي فينا من الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يكون الورث فخرج من هذا الوصل أن الهمزة والألف والهاء من عالم الملكوت واللام من عالم الجبروت والواو من عالم الملك
(وصل) [الاسم الرحمن: من طريق الأسرار]
قوله الرَّحْمنِ من البسملة الكلام على هذا الاسم في هذا الباب من وجهين من وجه الذات ومن وجه الصفة فمن أعربه بدلا جعله ذاتا ومن أعربه نعتا جعله صفة والصفات ست ومن شرط هذه الصفات الحياة فظهرت السبعة وجميع هذه الصفات للذات وهي الألف الموجودة بين الميم والنون من الرحمن ويتركب الكلام على هذا الاسم من
الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورته
من حيث إعادة الضمير على الله ويؤيد هذا النظر الرواية الأخرى وهي
قوله عليه السلام على صورة الرحمن
وهذه الرواية وإن لم تصح من طريق أهل النقل فهي صحيحة من طريق الكشف فأقول إن الألف واللام والراء للعلم والإرادة والقدرة والحاء والميم والنون مدلول الكلام والسمع والبصر وصفة الشرط التي هي الحياة مستصحبة لجميع هذه الصفات ثم الألف التي بين الميم والنون مدلول الموصوف وإنما حذفت خطا لدلالة الصفات عليها دلالة ضرورية من حيث قيام الصفة بالموصوف فتجلت للعالم الصفات ولذلك لم يعرفوا من الإله غيرها ولا يعرفونها ثم الذي يدل على وجود الألف ولا بد ما ذكرناه وزيادة وهي إشباع فتحة الميم وذلك إشارة إلهية إلى بسط الرحمة على العالم فلا يكون أبدا ما قبل الألف إلا مفتوحا فتدل الفتحة على الألف في مثل هذا الموطن وهو محل وجود الروح الذي له مقام البسط لمحل التجلي ولهذا ذكر أهل عالم التركيب في وضع الخطوط في حروف العلة الياء المكسور ما قبلها إذ قد توجد الياء الصحيحة ولا كسر قبلها وكذلك الواو المضموم ما قبلها ولما ذكروا الألف لم يقولوا المفتوح ما قبلها إذ لا توجد إلا والفتح في الحرف الذي قبلها بخلاف الواو والياء فالاعتدال للالف لازم أبدا فالجاهل إذا لم يعلم في الوجود منزها عن جميع النقائص إلا الله تعالى نسي الروح القدسي الأعلى فقال ما في الوجود إلا الله فلما سئل في التفصيل لم يوجد لديه تحصيل وإنما خصصوا الواو بالمضموم ما قبلها والياء بالمكسور ما قبلها لما ذكرناه فصحت المفارقة بين الألف وبين الواو والياء فالألف للذات والواو العلية للصفات والياء العلية للافعال الألف للروح والعقل صفته وهو الفتحة والواو النفس والقبض صفتها وهو الضمة والياء الجسم ووجود الفعل صفته وهو الخفض فإن انفتح ما قبل الواو والياء فذلك راجع إلى حال المخاطب ولما كانتا غيرا ولا بد اختلفت عليهما الصفات ولما كانت الألف لا تقبل الحركات اتحدت بمدلولها فلم يختلف عليها شيء البتة وسميت حروف العلة لما نذكره فألف الذات علة لوجود الصفة وواو الصفة علة لوجود الفعل وياء الفعل علة لوجود ما يصدر عنه في عالم الشهادة من حركة وسكون فلهذا سميت عللا ثم أوجد النون من هذا الاسم نصف دائرة في الشكل والنصف الآخر محصور معقول في النقطة التي تدل على النون الغيبية الذي هو نصف الدائرة ويحسب الناس النقطة أنها دليل على النون المحسوسة ثم أوجد مقدم الحاء مما يلي الألف المحذوفة في الرقم إشارة إلى مشاهدتها ولذلك سكنت ولو كان مقدمها إلى الراء لتحركت فالألف الأولى للعلم واللام للإرادة والراء للقدرة وهي صفة الإيجاد فوجدنا الألف لها الحركة من كونها همزة والراء لها الحركة واللام ساكنة فاتحدت الإرادة بالقدرة كما اتحد العلم والإرادة بالقدرة إذا وصلت الرحمن بالله فأدغمت لام الإرادة في راء القدرة بعد ما قلبت راء وشدت لتحقيق الإيجاد الذي هو الحاء وجود الكلمة ساكنة وإنما سكنت لأنها لا تنقسم والحركة منقسمة فلما كانت الحاء ساكنة سكونا حسيا ورأيناها مجاورة الراء راء القدرة عرفنا أنها الكلمة وتثمينها
(تنبيه) [الرحمن بدلا ونعتا أو مقام الجمع والتفرقة]
أشار من أعربه بدلا من قوله الله إلى مقام الجمع واتحاد الصفات وهو مقام من روى خلق آدم على صورته وذلك وجود العبد في مقام الحق حد الخلافة والخلافة تستدعي الملك بالضرورة والملك ينقسم قسمين قسم راجع لذاته وقسم راجع لغيره والواحد من الأقسام يصلح في هذا المقام على حد ما رتبنا فإن البدل في الموضع يحل محل المبدل منه مثل قولنا جاء بي أخوك زيد فزيد بدل من أخيك بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة فإن زيدا هو أخوك وأخاك هو زيد بلا شك وهذا مقام من اعتقد خلافه فما وقف على حقيقة ولا وحد قط موجدة وأما من أعربه نعتا فإنه أشار إلى مقام التفرقة في الصفة وهو مقام من روى خلق آدم على صورة الرحمن وهذا مقام الوراثة ولا نقع إلا بين غيرين مقام الحجاب بمغيب الواحد وظهور الثاني وهو المعبر عنه بالمثل وفيما قررنا دليل على ما أضمرنا فافهم ثم أظهر من النون الشطر الأسفل وهو الشطر الظاهر لنا من الفلك الدائر من نصف الدائرة ومركز العالم في الوسط من الخط الذي يمتد من طرف الشطر إلى الطرف الثاني والشطر الثاني المستور في النقطة هو الشطر الغائب عنا من تحت نقيض الخط بالإضافة إلينا إذ كانت رؤيتنا من حيث الفعل في جهة فالشطر الموجود في الخط هو المشرق والشطر المجموع في النقطة هو المغرب وهو مطلع وجود الأسرار فالمشرق وهو الظاهر المركب ينقسم والمغرب وهو الباطن البسيط لا ينقسم وفيه أقول
عجبا للظاهر ينقسم ..... ولباطنه لا ينقسم
فالظاهر شمس في حمل ..... والباطن في أسد جلم
حقق وانظر معنى سترت ..... من تحت كنائفها الظلم
إن كان خفي هو ذاك بدا ..... عجبا والله هما القسم
فأفزع للشمس ودع قمرا ..... في الوتر يلوح وينعدم
واخلع نعلي قدمي كوني ..... علمي شفع يكن الكلم
ولذلك يتعلق العلم بالمعلومات والإرادة الواحدة بالمرادات والقدرة الواحدة بالمقدورات فتقع القسمة والتعداد في المقدورات والمعلومات والمرادات وهو الشطر الموجود في الرقم ويقع الاتحاد والتنزه عن الأوصاف الباطنية من علم وقدرة وإرادة وفي هذا إشارة فافهم ولما كانت الحاء ثمانية وهو وجود كمال الذات ولذلك عبرنا عنه بالكلمة والروح فكذلك النون خامسة في العشرات إذ يتقدمها الميم الذي هو رابع فالنون جسماني محل إيجاد مواد الروح والعقل والنفس ووجود الفعل وهذا كله مستودع في النون وهي كلية الإنسان الظاهرة ولهذا ظهرت
(تتمة) [الفصل بين الميم والنون بالألف]
وإنما فصل بين الميم والنون بالألف مان إذ الميم ملكوتية لما جعلناها للروح والنون ملكية والنقطة جبروتية لوجود سر سلب الدعوى كأنه يقول أي يا روح الذي هو الميم لم نصطفك من حيث أنت لكن عناية سبقت لك في وجود علمي ولو شئت لاطلعت على نقطة العقل ونون الإنسانية دون واسطة وجودك فاعرف نفسك واعلم أن هذا اختصاص بك مني من حيث أنا لا من حيث أنت فصحت الاصطفائية فلا تجلى لغيره أبدا فالحمد لله على ما أولى فتنبه يا مسكين في وجود الميم دائرة على صورة الجسم مع التقدم كيف أشار به إلى التنزه عن الانقسام وانقسام الدائرة لا يتناهى فانقسام روح الميم بمعلوماته لا يتناهى وهو في ذاته لا ينقسم ثم انظر الميم إذا انفصل وحده كيف ظهرت منه مادة التعريق لما نزل إلى وجود الفعل في عالم الخطاب والتكليف فصارت المادة في حق الغير لا في حق نفسه إذ الدائرة تدل عليه خاصة فما زاد فليس في حقه إذ قد ثبتت ذاته فلم يبق إلا أن يكون في حق غيره فلما نظر العبد إلى المادة مد تعريقا وهذا هو وجود التحقيق ثم اعلم أن الجزء المتصل بين الميم والنون هو مركز ألف الذات وخفيت الألف ليقع الاتصال بين الميم والنون بطريق المادة وهو الجزء المتصل ولو ظهرت الألف لما صح التعريق للميم لأن الألف حالت بينهما وفي هذا تنبيه على قوله رَبِّ السَّماواتِ والْأَرْضِ وما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ وجود الألف المرادة هذا على من أعربه مبتدأ ولا يصح من طريق التركيب والصحيح أن يعرب بدلا من الرب فتبقى الألف هنا عبارة عن الروح والحق قائم بالجميع والميم السموات والنون الأرض وإذا ظهرت الألف بين الميم والنون فإن الاتصال بالميم لا بالنون فلا تأخذ النون صفة أبدا من غير واسطة لقطعها ودل اتصالها بالميم على الأخذ بلا واسطة والعدم الذي صح به القطع فيه يفنى النون ويبقى الميم محجوبا عن سر قدمه بالنقطة التي في وسطه التي هي جوف دائرته بالنظر إلى ذاته بعد أن لم تكن فيما ظهر له
(سؤال وجوابه) [اختفاء سر القدم في الميم الملكوتية]
قيل فكيف عرفت سر قدمه ولم يعرفه هو وهو أحق بمعرفة نفسه منك إن نظرت إلى ظاهرك أو هل العالم بسر القدم فيه هو المعنى الموجود فيك المتكلم فيه وهو ميم الروح فقد وقف على سر قدمه الجواب عن ذلك أن الذي علم منا سر القدم هو الذي حجبناه هناك فمن الوجه الذي أثبتنا له العلم غير الوجه الذي أثبتنا له منه عدم العلم ونقول إنما حصل له ذلك علما لا عينا وهذا موجود فليس من شرط من علم شيئا أن يراه والرؤية للمعلوم أتم من العلم به من وجه وأوضح في المعرفة به فكل عين علم وليس كل علم عينا إذ ليس من شرط من علم إن ثم مكة رآها وإذا رآها قطعنا أنه يعلمها ولا أريد الاسم فللعين درجة على العلم معلومة كما قيل
ولكن للعيان لطيف معنى ..... لذا سأل المعاينة الكليم
بل أقول إن حقيقة سر القدم الذي هو حق اليقين لأنه لا يعاين فلم يشاهده لرجوعه لذات موجدة ولو علم ذات موجدة لكان نقصا في حقه فغاية كماله في معرفة نفسه بوجودها بعد أن لم تكن عينا هذا فصل عجيب إن تدبرته وقفت على عجائب فافهم
(تكملة) [اتصال اللام بالراء- في الاسم الرحمن- نطقا]
اتصلت اللام بالراء اتصال اتحاد نطقا من حيث كونهما صفتين باطنتين فسهل عليهما الاتحاد ووجدت الحاء التي هي الكلمة المعبر عنها بالمقدور للراء منفصلة عن الراء التي هي القدرة ليتميز المقدور من القدرة ولئلا تتوهم الحاء المقدورة إنها صفة ذات القدرة فوقع الفرق بين القديم والمحدث فافهم يرحمك الله
[الرحمن: منكرا ومعرفا]
ثم لتعلم إن رحمن هو الاسم وهو للذات والألف واللام اللذان للتعريف هما الصفات .
ولذلك يقال رحمان مع زوالهما كما يقال ذات ولا تسمى صفة معهما .
انظر في اسم مسيلمة الكذاب تسمى برحمان ولم يهد إلى الألف واللام لأن الذات محل الدعوى عند كل أحد وبالصفات يفتضح المدعي.
 فرحمان مقام الجمع وهو مقام الجهل أشرف ما يرتقى إليه في طريق الله الجهل به تعالى ومعرفته الجهل به فإنها حقيقة العبودية .
قال تعالى وأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فجردك ومما يؤيد هذا.
 قوله تعالى وما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا .
وقوله الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ .
فبحقيقة الاستخلاف سلب مسيلمة وإبليس والدجال وكان من حالهم ما علم.
 فلو استحقوه ذاتا ما سلبوه البتة .
ولكن إن نظرت بعين التنقيذ والقبول الكلي لا بعين الأمر وجدت المخالف طائعا والمعوج مستقيما والكل داخل في الرق شاءوا أم أبوا.
فأما إبليس ومسيلمة فصرحا بالعبودية والدجال أبي فتأمل من أين تكلم كل واحد منهم وما الحقائق التي لاحت لهم حتى أوجبت لهم هذه الأحوال
(تتمة) [اختفاء الالف واللام نطقا في البسملة]
لما نطقنا بقوله بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لم يظهر للالف واللام وجود فصار الاتصال من الذات للذات والله والرحمن اسمان للذات فرجع على نفسه بنفسه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم وأعوذ بك منك لما انتهى إلى الذات لم ير غيرا وقد قال أعوذ بك ولا بد من مستعاذ منه فكشف له عنه فقال منك ومنك هو والدليل عليه أعوذ ولا يصح أن يفصل فإنه في الذات ولا يجوز التفصيل فيها فتبين من هذا أن كلمة الله هي العبد فكما إن لفظة الله للذات دليل كذلك العبد الجامع الكلي فالعبد هو كلمة الجلالة .
قال بعض المحققين في حال ما أنا الله 
وقالها أيضا بعض الصوفية من مقامين مختلفين وشتان بين مقام المعنى ومقام الحرف الذي وجد له .
فقابل تعالى الحرف بالحرف أعوذ برضاك من سخطك 
وقابل المعنى بالمعنى وأعوذ بك منك وهذا غاية المعرفة
(خاتمة) [الفرق بين الله والرحمن]
ولعلك تفرق بين الله وبين الرحمن لما تعرض لك في القرآن .
قوله تعالى اعْبُدُوا الله ولم يقولوا وما الله ولما قيل لهم اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وما الرَّحْمنُ .
ولهذا كان النعت أولى من البدل عند قوم وعند آخرين البدل أولى .
لقوله تعالى قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فجعلها للذات .
ولم تنكر العرب كلمة الله فإنهم القائلون ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى فعلموه .
ولما كان الرحمن يعطي الاشتقاق من الرحمة وهي صفة موجودة فيهم خافوا أن يكون المعبود الذي يدلهم عليه من جنسهم فأنكروا .
وقالوا وما الرَّحْمنُ لما لم يكن من شرط كل كلام أن يفهم معناه.
 ولهذا قال قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ لما كان اللفظان راجعين إلى ذات واحدة.
 وذلك حقيقة العبد والباري منزه عن إدراك التوهم والعلم المحيط به جل عن ذلك 

يتبع..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية Empty
مُساهمةموضوع: وصل في قوله الرحيم من البسملة   الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية Emptyالثلاثاء يوليو 24, 2018 3:01 pm

الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية

الشيخ الأكبر محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله روحه

(وصل) [في قوله: الرحيم من البسملة]

في قوله الرَّحِيمِ من البسملة الرحيم صفة محمد صلى الله عليه وسلم 
قال تعالى بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وبه كمال الوجود وبالرحيم تمت البسملة وبتمامها تم العالم خلقا وإبداعا .
وكان عليه السلام مبتدأ وجود العالم عقلا ونفسا متى كنت نبيا قال وآدم بين الماء والطين فبه بديء الوجود باطنا وبه ختم المقام ظاهرا في عالم التخطيط.
فقال لا رسول بعدي ولا نبي فالرحيم هو محمد صلى الله عليه وسلم .
وبسم هو أبونا آدم وأعني في مقام ابتداء الأمر ونهايته .
وذلك أن آدم عليه السلام هو حامل الأسماء 
قال تعالى وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها .
ومحمد صلى الله عليه وسلم حامل معاني تلك الأسماء التي حملها آدم عليهما السلام وهي الكلم
قال صلى الله عليه وسلم أوتيت جوامع الكلم
ومن أثنى على نفسه أمكن وأتم ممن أثنى عليه كيحيى وعيسى عليهما السلام .
ومن حصل له الذات فالأسماء تحت حكمه وليس من حصل الأسماء أن يكون المسمى محصلا عنده .
وبهذا أفضلت الصحابة علينا فإنهم حصلوا الذات وحصلنا الاسم ولما راعينا الاسم مراعاتهم الذات ضوعف لنا الأجر ولحسرة الغيبة التي لم تكن لهم فكان تضعيف على تضعيف فنحن الإخوان وهم الأصحاب وهو صلى الله عليه وسلم إلينا بالأشواق وما أفرحه بلقاء واحد منا وكيف لا يفرح وقد ورد عليه من كان بالأشواق إليه فهل تقاس كرامته به وبره وتحفيه وللعامل منا أجر خمسين ممن يعمل بعمل أصحابه لا من أعيانهم لكن من أمثالهم فذلك قوله بل منكم فجدوا واجتهدوا حتى يعرفوا أنهم خلفوا بعدهم رجالا لو أدركوه ما سبقوهم إليه ومن هنا تقع المجازاة والله المستعان
(تنبيه) [حملة العرش المحيط في البسملة]
ثم لتعلم إن بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أربعة ألفاظ لها أربعة معان فتلك ثمانية وهم حملة العرش المحيط وهم من العرش وهنا هم الحملة من وجه والعرش من وجه فانظر واستخرج من ذاتك لذاتك
(تنبيه) [ميم بسم وميم الرحيم]
ثم وجدنا ميم بسم الذي هو آدم عليه السلام معرقا ووجدنا ميم الرحيم معرقا الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم تسليما فعلمنا إن مادة ميم آدم عليه السلام لوجود عالم التركيب إذ لم يكن مبعوثا وعلمنا إن مادة ميم محمد صلى الله عليه وسلم لوجود الخطاب عموما كما كان آدم عندنا عموما فلهذا امتدا
(أنبأه) [أيام الرب والبسملة]
قال سيدنا الذي لا ينطق عن الهوى إن صلحت أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم واليوم رباني فإن أيام الرب كل يوم من ألف سنة مما نعد بخلاف أيام الله وأيام ذي المعارج فإن هذه الأيام أكبر فلكا من أيام الرب وسيأتي إن شاء الله ذكرها في داخل الكتاب في معرفة الأزمان وصلاح الأمة بنظرها إليه صلى الله عليه وسلم وفسادها بإعراضها عنه فوجدنا بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يتضمن ألف معنى كل معنى لا يحصل إلا بعد انقضاء حول ولا بد من حصول هذه المعاني التي تضمنها بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأنه ما ظهر إلا ليعطي معناه فلا بد من كمال ألف سنة لهذه الأمة وهي في أول دورة الميزان ومدتها ستة آلاف سنة روحانية محققة ولهذا ظهر فيها من العلوم الإلهية ما لم يظهر في غيرها من الأمم فإن الدورة التي انقضت كانت ترابية فغاية علمهم بالطبائع والإلهيون فيهم غرباء قليلون جدا يكاد لا يظهر لهم عين ثم إن المتأله منهم ممتزج بالطبيعة ولا بد والمتأله منا صرف خالص لا سبيل لحكم الطبع عليه
(مفتاح) [ألف الذات وألف العلم في الرحمن]
ثم وجدنا في الله وفي الرحمن ألفين ألف الذات وألف العلم ألف الذات خفية وألف العلم ظاهرة لتجلى الصفة على العالم ثم أيضا خفيت في الله ولم تظهر لرفع الالتباس في الخط بين الله واللاه ووجدنا في بسم الذي هو آدم عليه السلام ألفا واحدة خفيت لظهور الباء ووجدنا في الرحيم الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم ألفا واحدة ظاهرة وهي ألف العلم ونفس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذات فخفيت في آدم عليه السلام الألف لأنه لم يكن مرسلا إلى أحد فلم يحتج إلى ظهور الصفة وظهرت في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لكونه مرسلا فطلب التأييد فأعطى الألف فظهر بها ثم وجدنا الباء من بسم قد عملت في ميم الرحيم فكان عمل آدم في محمد صلى الله عليه وسلم وجود التركيب وفي الله عمل سبب داع وفي الرحمن عمل بسبب مدعو ولما رأينا أن النهاية أشرف من البداية قلنا من عرف نفسه عرف ربه والاسم سلم إلى المسمى ولما علمنا إن روح الرحيم عمل في روح بسم لكونه نبيا وآدم بين الماء والطين ولولاهما ما كان سمي آدم علمنا إن بسم هو الرحيم إذ لا يعمل شيء إلا من نفسه لا من غيره فانعدمت النهاية والبداية والشرك والتوحيد وظهر عز الاتحاد وسلطانه فمحمد للجمع وآدم للتفريق
(إيضاح) [أحرف الرحيم ودلالتها الغيبية]
الدليل على إن الألف في قوله الرَّحِيمِ ألف العلم قوله ولا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وفي ألف باسم ما يَكُونُ من نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ فالألف الألف ولا أَدْنى من ذلِكَ باطن التوحيد ولا أَكْثَرَ يريد ظاهره ثم خفيت الألف في آدم من باسم لأنه أول موجود ولم يكن له منازع يدعي مقامه فدل بذاته من أول وهلة على وجود موجدة لما كان مفتتح وجودنا وذلك لما 
نظر في وجوده تعرض له أمران هل أوجده موجود لا أول له أو هل أوجد هو نفسه ومحال أن يوجد هو نفسه لأنه لا يخلو أن يوجد نفسه وهو موجود أو يوجدها وهو معدوم فإن كان موجودا فما الذي أوجد وإن كان معدوما فكيف يصح منه إيجاد وهو عدم فلم يبق إلا أن يوجده غيره وهو الألف ولذلك كانت السين ساكنة وهو العدم والميم متحركة وهو أوان الإيجاب فلما دل عليه من أول وهلة خفيت الألف لقوة الدلالة وظهرت في الرحيم لضعف الدلالة لمحمد صلى الله عليه وسلم لوجود المنازع فأيده بالألف فصار الرحيم محمدا والألف منه الحق المؤيد له من اسمه الظاهر قال تعالى فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ فقال قولوا لا إله إلا الله وإني رسوله فمن آمن بلفظه لم يخرج من رق الشرك وهو من أهل الجنة ومن آمن بمعناه انتظم في سلك التوحيد فصحت له الجنة الثامنة وكان ممن آمن بنفسه فلم يكن في ميزان غيره إذ قد وقعت السوية واتحدت الاصطفائية جمعا واختلفت رسالة
[نقط البسملة ودلالتها الغيبية]
ووجدنا بسم ذا نقطة والرحمن كذلك والرحيم ذا نقطتين والله مصمت فلم توجد في الله لما كان الذات ووجدت فيما بقي لكونهم محل الصفات فاتحدت في بسم آدم لكونه فردا غير مرسل واتحدت في الرحمن لأنه آدم وهو المستوي على عرش الكائنات المركبات وبقي الكلام على نقطتي الرحيم مع ظهور الألف فالياء الليالي العشر والنقطتان الشفع والألف الوتر والاسم بكليته والفجر ومعناه الباطن الجبروتي والليل إذا يسرى وهو الغيب الملكوتي وترتيب النقطتين الواحدة مما تلي الميم والثانية مما تلي الألف والميم وجود العالم الذي بعث إليهم والنقطة التي تليه أبو بكر رضي الله عنه والنقطة التي تلي الألف محمد صلى الله عليه وسلم وقد تقببت الياء عليهما كالغار إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا فإنه واقف مع صدقه ومحمد عليه السلام واقف مع الحق في الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت فهو الحكيم كفعله يوم بدر في الدعاء والإلحاح وأبو بكر عن ذلك صاح فإن الحكيم يوفي المواطن حقها ولما لم يصح اجتماع صادقين معا لذلك لم يقم أبو بكر في حال النبي صلى الله عليه وسلم وثبت مع صدقه به فلو فقد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموطن وحضره أبو بكر لقام في ذلك المقام الذي أقيم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ليس ثم أعلى منه يحجبه عن ذلك فهو صادق ذلك الوقت وحكيمه وما سواه تحت حكمه فلما نظرت نقطة أبي بكر إلى الطالبين أسف عليه فأظهر الشدة وغلب الصدق وقال لا تَحْزَنْ لأثر ذلك الأسف إِنَّ الله مَعَنا كما أخبرتنا وإن جعل منازع أن محمدا هو القائل لم نبال لما كان مقامه صلى الله عليه وسلم الجمع والتفرقة معا وعلم من أبي بكر الأسف ونظر إلى الألف فتأيد وعلم أن أمره مستمر إلى يوم القيامة قال لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا وهذا أشرف مقام ينتهي إليه تقدم الله عليك ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله شهود بكري وراثة محمدية وخاطب الناس بمن عرف نفسه عرف ربه وهو قوله تعالى يخبر عن ربه تعالى كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ والمقالة عندنا إنما كانت لأبي بكر رضي الله عنه ويؤيدنا
قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا!
فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بمصاحب وبعضهم أصحاب بعض وهم له أنصار وأعوان فافهم إشارتنا تهد إلى سواء السبيل
(لطيفة) [النقطتان والقدمان]
النقطتان الرحيمية موضع القدمين وهو أحد خلع النعلين الأمر والنهي والألف الليلة المباركة وهي غيب محمد صلى الله عليه وسلم ثم فرق فيه إلى الأمر والنهي وهو قوله فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وهو الكرسي والحاء العرش والميم ما حواه والألف حد المستوي والراء صريف القلم والنون الدواة التي في اللام فكتب ما كان وما يكون في قرطاس لوح الرحيم وهو اللوح المحفوظ المعبر عنه بكل شيء في الكتاب العزيز من باب الإشارة والتنبيه قال تعالى وكَتَبْنا لَهُ في الْأَلْواحِ من كُلِّ شَيْءٍ وهو اللوح المحفوظ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وهو اللوح المحفوظ الجامع ذلك عبارة عن النبي صلى الله عليه وسلم في
قوله أوتيت جوامع الكلم
موعظة وتفصيلا وهما نقطتا الأمر والنهي لكل شيء غيب محمد الألف المشار إليه بالليلة المباركة
[الأنجم السبع في الرحيم]
فالألف للعلم وهو المستوي واللام للإرادة وهو النون أعني الدواة والراء للقدرة وهو القلم والحاء للعرش والياء للكرسي ورأس الميم للسماء وتعريقه للأرض فهذه سبعة أنجم نجم منها يسبح في فلك الجسم ونجم في فلك النفس الناطقة ونجم في فلك سر النفس وهو الصديقية ونجم في فلك القلب ونجم في فلك العقل ونجم في فلك الروح فحل ما قفلنا وفيما قررنا مفتاح لما أضمرنا فاطلب تجد إن شاء الله ف بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وإن تعدد فهو واحد إذا حقق من وجه ما
(وصل في أسرار أم القرآن من طريق خاص) 
وهي فاتحة الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم والكافية والبسملة آية منها وهي تتضمن الرب والعبد ولنا في تقسيمها قريض منه
للنيرين طلوع بالفؤاد فما ..... في سورة الحمد يبدو ثالث لهما
فالبدر محو وشمس الذات مشرقة ..... لو لا الشروق لقد ألفيته عدما
هذي النجوم بأفق الشرق طالعة ..... والبدر للمغرب العقلي قد لزما
فإن تبدي فلا نجم ولا قمر ..... يلوح في الفلك العلوي مرتسما
[الكتاب من باب الإشارة]
فهي فاتحة الكتاب لأن الكتاب عبارة من باب الإشارة عن المبدع الأول فالكتاب يتضمن الفاتحة وغيرها لأنها منه وإنما صح لها اسم الفاتحة من حيث إنها أول ما افتتح بها كتاب الوجود وهي عبارة عن المثل المنزه في لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ بأن تكون الكاف عين الصفة فلما أوجد المثل الذي هو الفاتحة أوجد بعده الكتاب وجعله مفتاحا له فتأمل وهي أم القرآن لأن الأم محل الإيجاد والموجود فيها هو القرآن والموجد الفاعل في الأم فالأم هي الجامعة الكلية وهي أم الكتاب الذي عنده في قوله تعالى وعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ فانظر عيسى ومريم عليهما السلام وفاعل الإيجاد يخرج لك عكس ما بدا لحسك فالأم عيسى والابن الذي هو الكتاب العندي أو القرآن مريم عليهما السلام فافهم وكذلك الروح ازدوج مع النفس بواسطة العقل فصارت النفس محل الإيجاد حسا والروح ما أتاها إلا من النفس فالنفس الأب فهذه النفس هو الكتاب المرقوم لنفوذ الخط فظهر في الابن ما خط القلم في الأم وهو القرآن الخارج على عالم الشهادة والأم أيضا عبارة عن وجود المثل محل الأسرار فهو الرق المنشور الذي أودع فيه الكتاب المسطور المودعة فيه تلك الأسرار الإلهية فالكتاب هنا أعلى من الفاتحة إذ الفاتحة دليل الكتاب ومدلولها وشرف الدليل بحسب ما يدل عليه أ رأيت لو كان مفتاحا لضد الكتاب المعلوم أن لو فرض له ضد حقر الدليل لحقارة المدلول ولهذا
أشار النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يسافر بالمصحف إلى أرض العدولدلالة تلك الحروف على كلام الله تعالى إذ قد سماها الحق كلام الله والحروف الذي فيه أمثالها وأمثال الكلمات إذا لم يقصد بها الدلالة على كلام الله يسافر بها إلى أرض العدو ويدخل بها مواضع النجاسات وأشباهها والكشف
[حضرتا الجمع والأفراد في الفاتحة]
وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الصفات ظهرت في الوجود في واحد وواحد فحضرة تفرد وحضرة تجمع فمن البسملة إلى الدين إفراد وكذلك من اهْدِنَا إلى الضَّالِّينَ وقوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ تشمل
قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل
فلك السؤال ومنه العطاء كما إن له السؤال بالأمر والنهي ولك الامتثال
يقول العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقول الله حمدني عبدي يقول العبد الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقول الله أثنى على عبدي يقول العبد ملك (مالِكِ) يَوْمِ الدِّينِ يقول الله مجدني عبدي ومرة قال فوض إلى عبدي
هذا إفراد إلهي وفي رواية يقول العبد بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقول الله ذكرني عبدي ثم قال يقول العبد إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يقول الله هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل
فما هي العطاء وإياك في الموضعين ملحق بالإفراد الإلهي يقول العبد اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضَّالِّينَ فهؤلاء لعبدي هذا هو الإفراد العبدي المألوه ولعبدي ما سأل سأل مألوه ما إلها فلم تبق إلا حضرتان فصح المثاني فظهرت في الحق وجودا وفي العبد الكلي إيجادا فوصف نفسه بها ولا موجود سواه في العماء ثم وصف بها عبده حين استخلفه ولذلك خروا له ساجدين لتمكن الصورة ووقع الفرق من موضع القدمين إلى يوم القيامة والقرآن العظيم الجمع والوجود وهو إفراده عنك وجمعك به وليس سوى قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وحسب والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
(واقعة) [الحمد لله من طريق الأسرار]
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه إلي آمرا بالكلام في المنام بعد ما وقعت شفاعتي على جماعتي ونجا الكل من أسر الهلاك وقرب المنبر الأسنى وصعدت عليه عن الأذن العالي المحمدي الأسمى بالاقتصار على لفظة الحمد لله خاصة ونزل التأييد ورسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمين المنبر قاعد فقال العبد بعد ما أنشد وحمد وأثنى وبسمل حقيقة الحمد هي العبد المقدس المنزه لله إشارة إلى الذات الأزلية وهو مقام انفصال 
وجود العبد من وجود الإله ثم غيبه عن وجوده بوجوده الأزلي وأوصله به فقال لله فاللام الداخلة على قوله الله الخافضة له هي حقيقة المألوه في باب التواضع والذلة وهي من حروف المعاني لا من حروف الهجاء ثم قدمها سبحانه على اسم نفسه تشريفا لها وتهمما وتنزيها لمعرفتها بنفسها وتصديقا لتقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياها في
قوله من عرف نفسه عرف ربه
فقدم معرفة النفس على معرفة الرب ثم عملت في الاسم الله لتحقيق الاتصال وتمكينها من المقام ولما كانت في مقام الوصلة ربما توهم أن الحمد غير اللام فخفض العبد اتباعا لحركة اللام فقرئ الحمد لله بخفض الدال فكان لفظة الحمد بدلا من اللام بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة فالحمد هو وجود اللام واللام هي الحمد فإذا كانا شيئا واحدا كان الحمد في مقام الوصلة مع الله لأنه عين اللام فكان معنى كما كانت اللام لفظا ومعنى ثم حقيقة الخفض فيها إثبات العبودية ثم أحيانا يفنيها عن نفسها فناء كليا ليرفعها إلى المقام الأعلى في الأولية ثم يبقى حقيقتها في الآخرية فيقول الحمد لله برفع اللام اتباعا لحركة الدال وهذا مما يؤيد أن الحمد اللام وهو المعبر عنه بالرداء والثوب إذ كان هو محل الصفات وافتراق الجمع فغاية معرفة العباد أن تصل إليه إن وصلت وألحق وراء ذلك كله أو قل ومع ذلك كله فلما رفعها بالفناء عنها ابتداء أراد أن يعرفها مع فنائها إنها ما برحت من مقامها فجعلها عاملة وجعل رفعها عارضا في حق الحق فأبقى الهاء مكسورة تدل على وجود اللام في مقام خفض العبودة ولهذا شدت اللام الوسطى بلفظة لا أي ذات الحق ليست ذات العبد وإنما هي حقيقة المثل لتجلى الصورة ثم الهاء تعود على اللام لما هي معمولها فلو كانت الهاء كناية عن ذات الحق لم تعمل فيها اللام بل هو العامل في كل شيء فإذا كانت اللام هي نفس الحمد والهاء معمول اللام فالهاء هي اللام وقد كانت اللام هي الحمد فالهاء الحمد بلا مزيد وقد قلنا إن اللام المشددة لنفي الجمع المتحد موضع الفصل فخرج من مضمون هذا الكلام أن الحمد هو قوله لله وأن قوله لله هو قوله الحمد فغاية العبد أن حمد نفسه الذي رأى في المرآة إذ لا طاقة للمحدث على حمل القديم فأحدث المثل على الصورة وصار الموحد مرآة فلما تجلت صورة المثل في مرآة الذات قال لها حين أبصرت الذات فعطست فميزت نفسها احمدي من رأيت فحمدت نفسها فقالت الحمد لله فقال لها يرحمك ربك يا آدم لهذا خلقتك فسبقت رحمته غضبه ولهذا قال عقيب قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ... الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقدم الرحمة ثم قال غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فأخر غضبه فسبقت الرحمة الغضب في أول افتتاح الوجود فسبقت الرحمة إلى آدم قبل العقوبة على أكل الشجرة ثم رحم بعد ذلك فجاءت رحمتان بينهما غضب فتطلب الرحمتان أن تمتزجا لأنهما مثلان فانضمت هذه إلى هذه فانعدم الغضب بينهما كما قال بعضهم في يسرين بينهما عسر
إذا ضاق عليك الأمر ..... فكر في أ لم نشرح
فعسر بين يسرين ..... إذا ذكرته فافرح
فالرحمة عبارة عن الموجود الأول المعبر عنه بالمطلوب والمغضوب عليهم النفس الأمارة والضالون عالم التركيب ما دامت هي مغضوبة عليها إذ الباري منزه عن أن ينزه إذ لا غير ولا موجود إلا هو ولهذا
أشار صلى الله عليه وسلم بقوله المؤمن مرآة أخيه
لوجود الصورة على كمالها إذ هي محل المعرفة وهي الموصلة ولو أوجده على غير تلك الصورة لكان جمادا فالحمد لله الذي من على العارفين به الواقفين معه بمواد العناية أزلا وأبدا
(تنبيه) [الحمد لله والحمد بالله من طريق الأسرار]
اللام تفني الرسم كما إن الباء تبقيه ولهذا قال أبو العباس بن العريف العلماء لي والعارفون بي فأثبت المقام الأعلى للام فإنه قال في كلامه والعارفون بالهمم ثم قال في حق اللام والحق وراء ذلك كله ثم زاد تنبيها على ذلك ولم يقنع بهذا وحده فقال والهمم للوصول والهمة للعارفين البائيين وقال في العلماء اللاميين وإنما يتبين الحق عند اضمحلال الرسم وهذا هو مقام اللام فناء الرسم فالحمد لله أعلى من الحمد بالله فإن الحمد بالله يبقيك والحمد لله يفنيك فإذا قال العالم الحمد لله أي لا حامد لله إلا هو فأحرى أن لا يكون ثم محمود سواه وتقول العامة الحمد لله أي لا محمود إلا الله وهي الحامدة فاشتركا في صورة اللفظ فالعلماء أفنت الحامدين المخلوقين والمحمودين والعامة أفنت المحمودين من الخلق خاصة وأما العارفون فلا يتمكن لهم أن يقولوا الحمد لله إلا مثل العامة وإنما مقامهم الحمد بالله لبقاء نفوسهم عندهم فتحقق هذا الفصل فإنه من لباب المعرفة
 (وصل في قوله رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
أثبت بقوله عندنا وفي قلوبنا رب العالمين حضرة الربوبية وهذا مقام العارف ورسوخ قدم النفس وهو موضع الصفة فإن قولنا لله ذاتية المشهد عالية المتحد ثم أتبعه بقوله رَبِّ الْعالَمِينَ أي مريهم ومغذيهم والعالمين عبارة عن كل ما سوى الله والتربية تنقسم قسمين تربية بواسطة وبغير واسطة فأما الكلمة فلا يتصور واسطة في حقه البتة وأما من دونه فلا بد من الواسطة ثم تنقسم التربية قسمين التي بالواسطة خاصة قسم محمود وقسم مذموم ومن القديم تعالى إلى النفس والنفس داخلة في الحد ما ثم إلا محدود خاصة وأما المذموم والمحمود فمن النفس إلى عالم الحس فكانت النفس محلا قابلا لوجود التغيير والتطهير
[الكلمة مستودع الأسرار والحكم]
فنقول إن الله تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع أوجدها في مقام الجهل ومحل السلب أي أعماه عن رؤية نفسه فبقي لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر وكان الغذاء فيه الذي هو سبب حياته وبقائه وهو لا يعلم فحرك الله همته لطلب ما عنده وهو لا يدري أنه عنده فأخذ في الرحلة بهمته فأشهده الحق تعالى ذاته فسكن وعرف أن الذي طلب لم يزل موصوفا قال إبراهيم بن مسعود الإلبيري
قد يرحل المرء لمطلوبه ..... والسبب المطلوب في الراحل
وعلم ما أودع الله فيه من الأسرار والحكم وتحقق عنده حدوثه وعرف ذاته معرفة إحاطية فكانت تلك المعرفة له غذاء معينا يتقوت به وتدوم حياته إلى غير نهاية فقال له عند ذلك التجلي الأقدس ما اسمي عندك فقال أنت ربي فلم يعرفه إلا في حضرة الربوبية وتفرد القديم بالألوهية فإنه لا يعرفه إلا هو فقال له سبحانه أنت مربوبي وأنا ربك أعطيتك أسمائي وصفاتي فمن رآك رآني ومن أطاعك أطاعني ومن علمك علمني ومن جهلك جهلني فغاية من دونك أن يتوصلوا إلى معرفة نفوسهم منك وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك لا بكيفيتك كذلك أنت معي لا نتعدى معرفة نفسك ولا ترى غيرك ولا يحصل لك العلم بي إلا من حيث الوجود ولو أحطت علما بي لكنت أنت أنا ولكنت محاطا لك وكانت أنيتي أنيتك وليست أنيتك أنيتي فأمدك بالأسرار الإلهية وأربيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها إذ لو عرفتها لاتحدت الإنية واتحاد الإنية محال فمشاهدتك لذلك محال هل ترجع إنية المركب إنية البسيط لا سبيل إلى قلب الحقائق فاعلم إن من دونك في حكم التبعية لك كما أنت في حكم التبعية لي فأنت ثوبي وأنت ردائي وأنت غطائي
[مأساة الروح في السماء]
فقال له الروح ربي سمعتك تذكر أن لي ملكا فأين هو فاستخرج له النفس منه وهي المفعول عن الانبعاث فقال هذا بعضي وأنا كله كما أنا منك ولست مني قال صدقت يا روحي قال بك نطفت يا ربي إنك ربيتني وحجبت عني سر الإمداد والتربية وانفردت أنت به فاجعل إمدادي محجوبا عن هذا الملك حتى يجهلني كما جهلتك فخلق في النفس صفة القبول والافتقار ووزر العقل إلى الروح المقدس ثم أطلع الروح على النفس فقال لها من أنا قالت ربي بك حياتي وبك بقائي فتاه الروح بملكه وقام فيه مقام ربه فيه وتخيل أن ذلك هو نفس الإمداد فأراد الحق أن يعرفه أن الأمر على خلاف ما تخيل وأنه لو أعطاه سر الإمداد كما سأل لما انفردت الألوهية عنه بشيء ولاتحدت الإنية فلما أراد ذلك خلق الهوى في مقابلته وخلق الشهوة في مقابلة العقل ووزرها للهوى وجعل في النفس صورة القبول لجميع الواردات عموما فحصلت النفس بين ربين قويين لهما وزيران عظيمان وما زال هذا يناديها وهذا يناديها والكل من عند الله قال تعالى قُلْ كُلٌّ من عِنْدِ الله وكُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وهَؤُلاءِ من عَطاءِ رَبِّكَ ولهذا كانت النفس محل التغيير والتطهير قال تعالى فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها في أثر قوله ونَفْسٍ وما سَوَّاها فإن أجابت منادى الهوى كان التغيير وإن أجابت منادى الروح كان التطهير شرعا وتوحيدا فلما رأى الروح ينادي ولا يسمع مجيبا فقال ما منع ملكي من إجابتي قال له الوزير في مقابلتك ملك مطاع عظيم السلطان يسمى الهوى عطيته معجلة له الدنيا بحذافيرها فبسط لها حضرته ودعاها فأجابته فرجع الروح بالشكوى إلى الله تعالى فثبتت عبوديته وذلك كان المراد
[الأرباب والمربوبون في شتى العوالم]
وتنزلت الأرباب والمربوبون كل واحد على حسب مقامه وقدره فعالم الشهادة المنفصل ربهم عالم الخطاب وعالم الشهادة المتصل ربهم عالم الجبروت وعالم الجبروت ربهم عالم الملكوت وعالم الملكوت ربهم الكلمة والكلمة ربها رب الكل الواحد الصمد وقد أشبعنا القول في هذا الفصل في كتابنا المسمى بالتدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية فأضربنا عن تتميم هذا الفصل هنا مخافة التطويل وكذلك ذكرناه أيضا في تفسير القرآن فسبحان من تفرد بتربية عباده وحجب من حجب منهم بالوسائط وخرج من هذا الفصل لمن عرف روحه ومعناه أن الرب هو الله سبحانه وأن العالمين هو المثل الكلي ولذلك أوجده في العالمين على ثمانية أحرف عرشا واستوى عليه باللطف والتربية والحنان والرحمة الرحمانية المؤكدة بالرحيمية لتميز الدار الحيوان لقوله تعالى الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فعم بالرحمن وخص بالرحيم فالرحمن في عالمه بالوسائط وغيرها والرحيم في كلماته بلا واسطة لوجود الاختصاص وشرف العناية فافهم والأسلم تسلم
(وصل في قوله تعالى ملك (مالِكِ) يَوْمِ الدِّينِ)
يريد يوم الجزاء وحضرة الملك من مقام التفرقة وهي جمع فإنه لا تقع التفرقة إلا في الجمع قال فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ فهي مقام الجمع وقد قبلت سلطان التفرقة فهي مقام التفرقة فافترق الجمع إلى أمر ونهي خطابا وسخط ورضي إرادة وطاعة وعصيان فعل مألوه ووعد ووعيد فعل إله والملك في هذا اليوم من حقت له الشفاعة واختص بها ولم يقل نفسي وقال أمتي والملك في وجودنا المطلوب للقيامة المعجلة التي تظهر في طريق التصوف هو الروح القدسي ويوم القيامة وقت إيجاده الجزاء أو طولب به إن كانت عقوبة لا بد من ذلك فإن كانت الطاعة ف جَنَّاتٍ من نَخِيلٍ وأَعْنابٍ وإن كانت المعصية الكفرانية فجهنم من أغلال وعذاب ومن مقام الدعوى في الصورتين
[الملك في وجودنا]
فنفرض الكلام في هذه الآية على حد الملك وما ينبغي له وهل ترتقي النفس من يوم الدين إلى الفناء عنه فأقول إن الملك من صح له الملك بطريق الملك وسجد له الملك وهو الروح فلما نازعه الهوى واستعان بالنفس عليه عزم الروح على قتل الهوى واستعد فلما برز الروح بجنود التوحيد والملإ الأعلى وبرز الهوى كذلك بجنود الأماني والغرور والملإ الأسفل قال الروح للهوى مني إليك فإن ظفرت بك فالقوم لي وإن ظفرت أنت وهزمتني فالملك لك ولا يهلك القوم بيننا برز الروح والهوى فقتله الروح بسيف العدم وظفر بالنفس بعد إباية منها وجهد كبير فأسلمت تحت سيفه فسلمت وأسلمت وتطهرت وتقدست وآمنت الحواس لإيمانها ودخلوا في رق الانقياد وأذعنوا وسلبت عنهم أردية الدعاوي الفاسدة واتحدت كلمتهم وصار الروح والنفس كالشيء الواحد وصح له اسم الملك حقيقة فقال له ملك (مالِكِ) يَوْمِ الدِّينِ فرده إلى مقامه ونقله من افتراق الشرع إلى جمع التوحيد والملك على الحقيقة هو الحق تعالى المالك للكل ومصرفه وهو الشفيع لنفسه عامة وخاصة خاصة في الدنيا وعامة في الآخرة من وجه ما ولذلك قدم على قوله ملك (مالِكِ) يَوْمِ الدِّينِ ... الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لتأنس أفئدة المحجوبين عن رؤية رب العالمين أ لا تراه يقول يَوْمِ الدِّينِ شفعت الملائكة والنبيون وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين ولم يقل وبقي الجبار ولا القهار ليقع التأنيس قبل إيجاد الفعل في قلوبهم فمن عرف المعنى في هذا الوجود صح له الاختصاص في مقام أرحم ومن جهلها في هذا الوجود دخل في العامة في الحشر الأكبر فتجلى في مقام الراحمين فعاد الفرق جمعا والفتق رتقا والشفع وترا بشفاعة أرحم الراحمين من جهنم ظاهر السور إلى جنة باطنه فإذا وقع الجدار وانهدم السور وامتزجت الأنهار والتقت البحران وعدم البرزخ صار العذاب نعيما وجهنم جنة فلا عذاب ولا عقاب إلا نعيم وأمان بمشاهدة العيان وترنم أطيار بألحان على المقاصير والأفنان ولثم الحور والولدان وعدم مالك وبقي رضوان وصارت جهنم تتنعم في حظائر الجنان واتضح سر إبليس فيهم فإذا هو ومن سجد له سيان فإنهما ما تصرفا إلا عن قضاء سابق وقدر لا حق لا محيص لهما عنه فلا بد لهما منه وحاج آدم موسى
(وصل) في قوله جل ثناؤه وتقدس إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
لما ثبت وجوده بالحمد لله وغذاؤه برب العالمين واصطفاؤه بالرحمن الرحيم وتمجيده بملك (مالِكِ) يَوْمِ الدِّينِ أراد تأكيد تكرار الشكر والثناء رغبة في المزيد فقال إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وهذا مقام الشكر أي لك نقر بالعبودية ونؤوي وحدك لا شريك لك وإليك نؤوي في الاستعانة لا إلى غيرك على من أنزلتهم مني منزلتي منك فأنا أمدهم بك لا بنفسي فأنت الممد لا أنا وأثبت له بهذه الآية نفي الشريك
[الياء من إياك هي العبد الكلى]
فالياء من إياك العبد الكلي قد انحصرت ما بين ألفين ألفي توحيد حتى لا يكون لها موضع دعوى برؤية غير فأحاط بها التوحيد والكاف ضمير الحق فالكاف والألفان شيء واحد فهم مدلول الذات ثم كان نعبد صفة فعل الياء بالضمير الذي فيه والعبد فعل الحق فلم يبق في الوجود إلا الحضرة الإلهية خاصة غير أنه في قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ في حق نفسه للإبداع الأول حيث لا يتصور غيره وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ في حق غيره للخلق المشتق منه وهو محل سر الخلافة ففي إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ سجدت الملائكة وأبى من استكبر
(وصل) في قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضَّالِّينَ
آمين فلما قال له إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قال له وما عبادتي قال ثبوت التوحيد في الجمع والتفرقة فلما استقر عند النفس أن النجاة في التوحيد الذي هو الصراط المستقيم وهو شهود الذات بفنائها أو بقائها إن غفلت قالت اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فتعرض لها بقولها الْمُسْتَقِيمَ صراطان معوج وهو صراط الدعوى ومستقيم وهو التوحيد فلم يكن لها ميز بين الصراطين إلا بحسب السالكين عليهما فرأت ربها سالكا للمستقيم فعرفته به ونظرت نفسها فوجدت بينها وبين ربها الذي هو الروح مقاربة في اللطافة ونظرت إلى المعوج عند عالم التركيب فذلك قولها صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وهذا عالمها المتصل بها المركب مغضوب عليه والمنفصل عنها ضالون عنها بنظرهم إلى المتصل المغضوب عليه فوقفت على رأس الصراطين ورأت غاية المعوج الهلاك وغاية المستقيم النجاة وعلمت إن عالمها يتبعها حيث سلكت فلما أرادت السلوك على المستقيم وأن تعتكف في حضرة ربها وأن ذلك لها ومن نفسها بقولها إِيَّاكَ نَعْبُدُ عجزت وقصر بها فطلبت الاستعانة بقولها وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فنبهها ربها على اهدنا فتيقظت فقالت اهْدِنَا فوصفت ما رأت بقولها الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الذي هو معرفة ذاتك قال صاحب المواقف لا تأثير للعلم وقال أنت لما هلكت فيه صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وقرئ في الشاذ صراط من أنعم عليه إشارة إلى الروح القدسي وتفسير الكل من أنعم الله عليه من رسول ونبي غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ليس كذلك ولا الضَّالِّينَ يقول تعالى فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل فأجابها وأقام معوجها وأوضح صراطها ورفع بساطها يقول ربها أثر تمام دعائها آمين فحصلت الإجابة بالأمن تأمين الملائكة وصار تأمين الروح تابعا له اتباع الأجناد بل أطوع لكون الإرادة متحدة وصح لها النطق فسماها النفس الناطقة وهي عرش الروح والعقل صورة الاستواء فافهم وإلا فسلم تسلم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
(فصول تأنيس وقواعد تأسيس) [تأويل بعض آيات من أوائل سورة البقرة]
نظر الجمال بعين الوصال قال تعالى :إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ إيجاز البيان فيه يا محمد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ستروا محبتهم في عنهم ف سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ بوعيدك الذي أرسلتك به أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بكلامك فإنهم لا يعقلون غيري وأنت تنذرهم بخلقي وهم ما عقلوه ولا شاهدوه وكيف يؤمنون بك وقد ختمت على قلوبهم فلم أجعل فيها متسعا لغيري وعلى سمعهم فلا يسمعون كلاما في العالم إلا مني وعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ من بهائي عند مشاهدتي فلا يبصرون سواى ولهم عذاب عظيم عندي أردهم بعد هذا المشهد السني إلى إنذارك وأحجبهم عني كما فعلت بك بعد قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى قربا أنزلتك إلى من يكذبك ويرد ما جئت به إليه مني في وجهك وتسمع في ما يضيق له صدرك فأين ذلك الشرح الذي شاهدته في إسرائك فهكذا أمنائي على خلقي الذين أخفيتهم رضاي عنهم فلا أسخط عليهم أبدا
(بسط ما أوجزناه في هذا الباب) [الأولياء في صفة الأعداء]
انظر كيف أخفى سبحانه أولياءه في صفة أعدائه وذلك لما أبدع الأمناء من اسمه اللطيف وتجلى لهم في اسمه الجميل فأحبوه تعالى والغيرة من صفات المحبة في المحبوب والمحب بوجهين مختلفين فستروا محبته غيره منهم عليه كالشبلي وأمثاله وسترهم بهذه الغيرة عن أن يعرفوا فقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي ستروا ما بدا لهم في مشاهدتهم من أسرار الوصلة فقال لا بد أن أحجبكم عن ذاتي بصفاتي فتأهبوا لذلك فما استعدوا فأنذرتهم على ألسنة أنبيائي الرسل في ذلك العالم فما عرفوا لأنهم في عين الجمع وخاطبهم من عين التفرقة وهم ما عرفوا عالم التفصيل فلم يستعدوا وكان الحب قد استولى على قلوبهم سلطانه غيرة من الحق عليهم في ذلك الوقت فأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم روحا وقرآنا بالسبب الذي أصمهم عن إجابة ما دعاهم إليه فقال خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ فلم يسعا غيره وعَلى سَمْعِهِمْ فلا يسمعون سوى كلامه على ألسنة العالم فيشهدونه في العالم متكلما بلغاتهم وعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ من سناه إذ هو النور وبهائه إذ له الجلال والهيبة يريد الصفة التي تجلى لهم فيها المتقدمة فأبقاهم غرقى في بحور اللذات بمشاهدة الذات فقال لهم لا بد لكم من
 عذاب عظيم فما فهموا ما العذاب لاتحاد الصفة عندهم فأوجد لهم عالم الكون والفساد وحينئذ علمهم جميع الأسماء وأنزلهم على العرش الرحماني وفيه عذابهم وقد كانوا مخبوءين عنده في خزائن غيوبه فلما أبصرتهم الملائكة خرت سجودا لهم فعلموهم الأسماء فأما أبو يزيد فلم يستطع الاستواء ولا أطاق العذاب فصعق من حينه فقال تعالى ردوا على حبيبي فإنه لا صبر له عني فحجب بالشوق والمخاطبة وبقي الكفار فنزلوا من العرش إلى الكرسي فبدت لهم القدمان فنزلوا عليهما في الثلث للباقي من ليلة هذه النشأة الجسمية إلى سماء الدنيا النفسي فخاطبوا أهل الثقل الذين لا يقدرون على العروج هل من داع فيستجاب له هل من تائب فيتاب عليه هل من مستغفر فيغفر له حتى ينصدع الفجر فإذا انصدع ظهر الروح العقلي النوري فرجعوا من حيث جاءوا قال صلى الله عليه وسلم من كان مواصلا فليواصل حتى السحر فذلك أوان بعثر ما في القبور فكل عبد لم يحذر مكر الله فهو مخدوع فافهم
(فصل) [في تأويل قوله تعالى ومن الناس]
ومن النَّاسِ من يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ الله والَّذِينَ آمَنُوا وما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وما يَشْعُرُونَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ الله مَرَضاً ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ أبدع الله المبدعات وتجلى بلسان الأحدية في الربوبية فقال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ والمخاطب في غاية الصفاء فقال بَلى فكان كمثل الصدا فإنهم أجابوه به فإن الوجود المحدث خيال منصوب وهذا الإشهاد كان إشهاد رحمة لأنه ما قال لهم وحدي إبقاء عليهم لما علم من أنهم يشركون به بما فيهم من الحظ الطبيعي وبما فيهم من قبول الاقتدار الإلهي وما يعلمه إلا قليل فلما برزت صور العالم من العلم الأزلي إلى العين الأبدي من وراء ستارة الغيرة والعزة بعد ما أسرج السرج وأنار بيت الوجود وبقي هو في ظلمة الغيوب فشوهدت الصور متحركة ناطقة بلغات مختلفات والصور تنبعث من الظلمة فإذا انقضى زمانها عادت إلى الظلمة وهكذا حتى السحر فأراد الفطن أن يقف على حقيقة ما شاهده بصره فإن للحس أغاليط فقرب من الستارة فرأى نطقها غيبا فيها فعلم إن ثم سرا عجيبا فوقف عليه من نفسه فعرفه وعرف الرسول وما جاء به من وظائف التكليف فأول وظيفة كلمة التوحيد فأقر الكل بها فما جحد أحد الصانع واختلفت عباراتهم عليه فابتلاهم بأن خاطبهم بلسان الشرك شهادة الرسول فوقع الإنكار باختصاص الجنس فتفرق أهل الإنكار على طريقين فمنهم من نظر في الظواهر فلم ير تفضيلا في شيء ظاهر فأنكر ومنهم من نظر باطنا عقلا فرأى الاشتراك في المعقولات ونسي الاختصاص فأنكر فأرسله بالسيف ف قَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ من الموت وداخلهم الشك على قدر نظرهم فمنهم من استمر على نفي كلمة الإشراك قطعا فذلك كافر ومنهم من استمر عليها مشاهدة فذلك عالم بالله ومنهم من استمر على ثبتها نظرا فذلك عارف بالله ومنهم من استمر على ثبتها اعتقادا فتلك العامة ومنهم من خاف القتل فلفظ ولم يعتقد فنادى عليه لسان الحق فقال ومن النَّاسِ من يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ظاهرا وما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ باطنا يُخادِعُونَ الله بلزوم الدعوى وبجهلهم القائم بهم بأن الله لا يعلم وأني أرد أعمالهم عليهم وما يَشْعُرُونَ اليوم بذلك في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك مما جاءهم به رسولي فَزادَهُمُ الله مَرَضاً شكا وحجابا ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يوم القيامة وهم فيه بما كانوا يكذبون مما حققنا لديهم ولم تسبق لهم عناية في اللوح القاضي
(وصل) [المنافقون: من طريق الأسرار]
وإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكِنْ لا يَشْعُرُونَ لما أكمل الوجود بثمانية برز في ميدان التنعم فارس الدعوى فلم يكن في جيش ومن النَّاسِ من يَقُولُ آمَنَّا من يبرز إليه فملك الكل وصبوا إليه وإلى دينه باطنا فعوقبوا بطلب الإقرار وإلا قتلوا فأقروا لفظا فحصل لهم العذاب الأليم دنيا وآخرة ف إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ أرض الأشباح قالُوا من خيالهم إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ فقال الله تعالى أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ عندنا وعندهم إذ لم يستمتعوا بها على ما يريدون ولكِنْ لا يَشْعُرُونَ باتحاد الأشياء ولو شعروا ما آمنوا ولا كفروا
(وصل) [المنافقون: من طريق الأسرار]
وإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ ولكِنْ لا يَعْلَمُونَ وذلك أنهم لما انتظموا في سلك الأغيار أتاهم النداء أن يقفوا على منازل الشهداء فسمعوا الخطاب في الأينية آمنوا كما آمن الناس فحجبوا عن أخذ العهد بعهد الحس والداعي الجنسي وأصمهم ذلك وأَعْمى أَبْصارَهُمْ وأغطش ليل جهالتهم فقالوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ لما عدل بهم عن طريق التقديس ووقفوا مع الهوى قال الله لنا أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ الأحلام لما ملكتهم الأهواء وحجبوا عن الالتذاذ بسماع وقع الرذاذ على الأفلاذ بالطور ولكِنْ لا يَعْلَمُونَ ليتميز العالي ممن هو دونه وإلا فأية فائدة لقوله لشيء إذا أراده أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ذلك الشيء إلا إيجاد الأشياء على أحسن قانون فسبحان من انفرد بالإيجاد والاختراع والإتقان والإبداع
(وصل في دعوى المدعين) [المنافقون: من طريق الأسرار]
وإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ الايمان في هذا المقام على خمسة أقسام إيمان تقليد وإيمان علم وإيمان عين وإيمان حق وإيمان حقيقة فالتقليد للعوام والعلم لأصحاب الدليل والعين لأهل المشاهدة والحق للعارفين والحقيقة للواقفين وحقيقة الحقيقة وهو السادس للعلماء المرسلين أصلا ووراثة منع كشفها فلا سبيل إلى إيضاحها فكانت صفات الدعاوي إذا لقوا هؤلاء الخمسة قالوا آمنا فالقلب للعوام وسر القلب لأصحاب الدليل والروح لأهل المشاهدة وسر الروح للعارفين وسر السر للواقفين والسر الأعظم لأهل الغيرة والحجاب والمنافقون تعروا عن الايمان وانتظموا في الإسلام وإيمانهم ما جاوز خزانة خيالهم فاتخذوا أصناما في ذواتهم أقاموها مقام آلهتهم ف إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا باستيلاء الغفلة عليهم وخلو المحل عن مراتب الايمان إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ فوقع عليهم العذاب من قولهم له إلى شياطينهم في حال الخلوة فلما قامت الأضد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الخامس عشر في معرفة الأنفاس ومعرفة أقطابها المحققين بها وأسرارهم هي .كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول
»  الباب الثاني عشر في معرفة دورة فلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول
» الباب الرابع عشر في معرفة أسرار الأنبياء أعني أنبياء الأولياء .كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول
» الباب الثامن عشر في معرفة علم المتهجدين .كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول
» الباب السادس في معرفة بدء الخلق الروحاني . كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: