منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 2:42 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية 

الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية عطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين وعن سؤال غير معين.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه وغير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.
والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال.
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
ولو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل.
فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان وأنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد.
وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه.
هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.
ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده.
فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية وإذا اقتضى التفويض والسكوت سكت فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم.
والتعجيل بالمسئول فيه والإبطاء للقدر المعين له عند الله.
فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، وإذا تأخر الوقت إما في الدنيا وإما إلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا.
وأما القسم الثاني وهو قولنا: «ومنها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال.
فالاستعداد أخفى سؤال وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء.
فهم قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم .
ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل.
وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر وهم على قسمين:
منهم من يعلم ذلك مجملا، ومنهم من يعلمه مفصلا، والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو أعلى: فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك، أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم.
ومن هنا يقول الله تعالى: «حتى نعلم» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود.
ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له وغير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه:
كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها.
فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه.
وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة. هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه.
وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا، و ما بعده إلا العدم المحض.
فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه و ظهور أحكامها وليست سوى عينه.
فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: "والعجز عن درك الإدراك إدراك"، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز.
وهذا هو أعلى عالم بالله.
وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.
وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل.
فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله: هنالك مطلبهم.
وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.
ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة.
غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها كما قال لبنة واحدة.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى في الحائط موضع لبنتين، واللبن من ذهب وفضة.
فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة.
فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط.
والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول. فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شي ء.
فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر  
وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، و هو قوله صلى الله عليه و سلم: «كنت نبيا و آدم بين الماء والطين".
وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث.
وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى «بالولي الحميد.
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي.
وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى الله عليه و سلم مقدم الجماعة و سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعين حالا خاصا ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين.
ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص.
فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
وأما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي كلها من الأسماء.
فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن. فهو عطاء رحماني.
وإما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، وهو عطاء إلهي، فإن العطاء الإلهي لا يتمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء.
فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض وما أشبه ذلك.
وتارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي لينعم لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل و ما هو عليه.
فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما ومعتنى به ومحفوظا وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.
والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر.
"فأعطى كل شي ء خلقه" على يدي العدل وإخوانه.
وأسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناه- وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.
وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية.
والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك  الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، و سبب ذلك تميز الأسماء.
فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي ء يتكرر أصلا. هذا هو الحق الذي يعول عليه.
وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام، وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.
فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف بذلك، كالجليل والجميل  وكالظاهر و الباطن والأول والآخر و هو عينه ليس غير.
فيعلم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد.
وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله.
فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها، فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه:
وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه.
فمنه خرج وإليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن الله.
وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من الله شيء، و ما في أحد من سوى نفسه شي ء و إن تنوعت عليه الصور.
وما كل أحد يعرف هذا، وأن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله.
فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى.
فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه تنقلب من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا أو المستطيلة مستطيلا، والمتحركة متحركا.
وقد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة، و قد تعطيه عين ما يظهر منها فتقابل اليمين منها اليمين من الرائي، و قد يقابل اليمين اليسار و هو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: و بخرق العادة يقابل اليمين اليمين و يظهر الانتكاس.
وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا.
فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول، وإن كان يعرفه مجملا.
إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه.
ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكن ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.
ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة.
وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني .
وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد.
وتولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل بلده.
ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب.
فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.


متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ:
02 . نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : اعلم أن عطيات الحق على أقسام : منها أنه يعطي لينعم خاصة من اسمه الوهاب وهي على قسمين : هبة ذاتية ، وهبة أسمائية . فالذاتية لا تكون إلا بتجلٍ للأسماء، وأما الذاتية فتكون مع الحجاب.
ولا يقبل القابل هذه الأعطية إلا بما هو عليه من الاستعداد وهو قوله: " أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه: 50] .
فمن ذلك الاستعداد يكون العطاء عن سؤال امتثال للأمر اإلهي، وسؤال بما تقتضيه الحكمة والمعرفة لأنه أميرٌ مالك يجب عليه أن يسعى في إيضال كل ذي حقٍ حقه.
مثل قوله عليه السلام: " إن لبدنك عليك حقاً ولنفسك ولعينك .. الحديث ".

الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
02 -  فك ختم الفص الشيثي
1 -  لما سبق ذكر سر الفص والحكمة والكلمة وسر الحروف والكلمات وسر اختصاص كلمة آدمية بنسبته الى الحضرة الالوهية، لم يبق ما يجب التنبيه عليه بموجب الالتزام إلا بيان سر اختصاص كل كلمة بالصفة والنبي المذكور بعد آدم.
2-  فأقول: وأما الحكمة النفثية واختصاصها بالكلمة الشيثية: فمعرفة سرها موقوفة على استحضار مقدمة قد سبق الكلام فيها - مع وجوب التنبيه عليها هاهنا - وهو أن الحق لما ثبت أنه من حيث صرافة ذاته وإطلاقه لا يوصف بالمبدئية ولا أنه مصدر لشيء، وإن أول المراتب المتعلقة: التعين الجامع للتعينات كلها، وان له أحدية الجمع وأنه خصيص بالإنسان الحقيقي الذي آدم صورته، وجب ان يكون المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية الموصوفة بالفياضية والمقتضية للإيجاد فلزم أن يكون فص الحكمة النفثية مخصوصة بالكلمة الشيثية.
معنى لفظة شيث
3- لان معنى لفظة شيث في الأصل عطاء الله ولان النفث عبارة عن انفثاث للنفس الواحد وانبثاثه، وانه عبارة عن الوجود المنبسط على الماهيات القابلة له والظاهرة به، وهذا الفيض إذا اعتبر من حيث مشرعه ومحتده كان واحدا ويسمى بهذا الاعتبار العطاء الذاتي، لأنه صادر عن الحق بمقتضى ذاته لا موجب له سواه، وإذا اعتبر تعدد صور ذلك العطاء في القوابل وتنوعه بحسبها، سمى عطاء اسمائيا هو فك ختام سر الترجمة.
سر الختمية
4- ولما كان العطاء الاسمائى متعقل الاندراج في ضمن العطاء الذاتي لقبوله بالذات التعدد والظهور المتنوع في القوابل وبها، وجب ذكر سر الختمية في هذا الفص، لان في المقام الإنساني تنختم الدائرة الوجودية ويتحد الآخرية بالأولية.
المراتب الختمية
5- وللمراتب الختمية كمال الحيطة والاستيعاب، لان لآخريتها كمال الاستيعاب معنى وصورة وصفة وحكما وقد نبه شيخنا رضى الله عنه على ذلك بالماع لطيف وهو قوله في آخر هذا الفص: ان آخر مولود يولد في النوع الإنساني يكون على قدم شيث وأنه يولد توأما مع أخت له فأخبر بعموم الحكم الدوري صورة، كما هو الأمر في المعنى والصفة، وعين الحكم وانتهاء مقدار العطاء في الماهيات والاستعدادات المتناهية القبول، بخلاف القوابل التامة الاستعداد، فان قابليتها غير متناهية، فلها البقاء السرمدي.
6- موجب عدم صعق بعض الموجودات من الملائكة والأناسي ما ذكرناه من كمال الاستعداد القابل للفيض الذاتي على سبيل الاستمرار، ولمن هذا شأنه الرفعة عن مقام النفخ الإسرافيلى، فان النفخ لا يؤثر في من علا عنه ، بل في من نزل عن درجته .

7 - وهاهنا علوم غريبة جدا، ينبو عنها أكثر الأفهام، قل من يطلع عليها من أهل الله، أضربت عن التنبيه عليها لفرط غموضها، وشكرت الله على ما منح في الدنيا "وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى والْآخِرَة وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" 70 سورة القصص.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس سبتمبر 12, 2019 7:09 am عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 4:53 pm

الفقرة السادسة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة و العشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه :  ( وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية.   والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك‏ الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم‏ عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.  )
قال المصنف رضي الله عنه :   [وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب و الإضافات التي تكنى عنها بالأسماء الإلهية . والحقيقة تعطي أن تكون لكل اسم يظهر إلى ما لا يتناهي، حقيقة تتميز بها عن اسم آخر، وتلك الحقيقة التي بها يتميز الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك .  كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى وسبب ذلك تميز الأسماء.]

قال الشارح رحمه الله :
فهي في الأسماء تسمّى أمّهات الأسماء، أو حضرات الأسماء . و المعنى يقارب، و لكن في الأولى يريد بأن الأسماء تنتج بعضها من بعض، (و على الحقيقة ): أي في نفس الأمر، (فما ثمّإلا حقيقة واحدة )، و هي ذات معرّاة من جميع القيود و النسب، حتى عن قيد التعري أيضا، (تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية) .
و بالقول و الذهاب بالحقيقة الواحدة تتفضّل أهل الكشف عن أهل النظر و الفكر، و يمتاز أرباب التحقيق عن أصحاب التدقيق، كالسوفطائي فإنه يرى الأشياء إضافات و نسب، كالأوهام و الخيال كما يرى النائم، و هذه الأقاويل به إلا من أشهد هذا المشهد و قلبه مطمئن بالإيمان .
و من هذا المشهد قول الصدّيق الأكبر رضي الله عنه : " ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله قبله".

"" إضافة المحقق قال الشيخ ملا حسن ابن موسى الكردي الباني : واعلم أن القرب، والبعد ليس إلا في الحجاب.
وأما الحقيقة فلا قرب فيها ولا بعد، فالله تعالى لا يدومه قرب؛ لأنه لو كان هكذا لكان القرب سببا لشهوده، وليس كذلك.
بل هو مناف لشهوده لكونه وصفا ثبوتيا مع أن إثبات القرب له تعالى فيه شرك كما لا يخفى، والشرك وإثبات شيء معه ينافي الشهود؛ لأن حصوله عند اضمحلال الرسوم والقرب منها.
وكما أنه لا يدومه قرب كذلك لا ينتهي إليه وجود؛ لأن المنتهي للوجود مغاير له، والمغايرة تقتضي الإثنينية وهي منافية للشهود.لأن نور شهود الجبار في جميع الأغيار.
فإن قيل :هذا مخالف للنص حيث قال الله تعالى : "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" [ق:16]، وغير ذلك مما ذكرنا.
فالقرب الإلهي لا خفاء به قلنا: ثبوت القرب الإلهي لا يتحقق إلا في مقام الفرق؛ لأنه القائل للتعدد والرسوم، والقرب رسمي، كما عرفت ويحتاج إلى الاثنين.
أي: العبد والحق بخلاف الجمع والمحو فإن فيه وحدة صرفة لا قرب ولا متقرب ولا متقرب إليه.
فلا يلاحظ القرب إلا في الحجاب وأدناه أن نرى آثار نظرك إليه تعالى في كل شيء بأن يكون نظرك إليه تعالى الغالب عليك من معرفتك ذاك الشيء، وأقدم منها فلا ترى شيئا إلا وترى الحق قبله رؤية ناشئة من رؤيتك ذلك الشيء.
وهو أدنى مراتب مقام القرب فهو أنت
ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله أي: قبل معرفة ذلك الشيء.
ومنهم من يقول: بعده.
ومنهم من يقولمعه.
ومنهم من يقول: ما رأيت شيئا غيره ولا يعرف القرب إلا بالوجود.
أي: بوجود الأحوالات السنية، والمواعيد الربانية يعرف محصول القرب له لا بالبعد؛ لأن المتأخر لا يكون سببا للمتقدم، والبعد متأخر عن القرب.   لأن معرفته سابقة عن معرفة البعد.
لأنه إذا وجد السالك التجلي العرفاني تحدد له حال أشرف من الحال الذي كان عليه قبل التجلي فيعلم أن هذا الذي كان عليه قبل هو البعد بما حصل له من القرب فعلى هذا البعد يعرف بالقرب.
والقرب يعرف بالوجود لا بالبعد، وبه صرح صاحب المواقف في المواقف.
وأما القرب الذي يعرفه الحق أي: المطلق عن الحصر فهو له تعالی ليس للعبد دخل فيه؛ لأن قربه محصورا إما في مرتبة أو مراتب.
فالعبد لا يعرف قربه تعالى ولا بعده ولا وصفه كما هو وصفه؛ لأن هذا العرفان مختص به تعالى.
لكن العبد إذا تبدلت أوصافه وذاته بأن فني عن نفسه، وبقي بالله تعالى لا بنفسه لا يبقى غيرا حيث وصل إلى مقام كان الله ولا شيء معه.
فيعرف ما ذ?ر بالله لا بنفسه، وهذا معي عميق وعزيز قليلا ما يصرح به، بل يرده ظاهر النصوص، ولكن مطابق لما هو الأمر عليه في نفسه، فاعرفه، ولا تقله، وأثبته، ولا تنكره.
ولا تقل أن العبد حقا إذا كان عين الحق ولم يكن مغايرا له، فمن أين القرب والبعد؟ لأن هذا الواحد هو يصير قريبا من جهة، وبعيدا من جهة، ويكون مشهودا وشاهدا كذلك؛ لأن جهاته متعددة، وتأمل قوله تعالى على لسان نبيه: "كنت سمعه وبصره" ما ذكره من القوى الظاهرة.

وقوله في التوراة : نريد أن نخلق خلقا شبيها بشمائلنا وصورتنا، وليس في الذات ولا في الصفات تشبيه بالاتفاق؛ لأنه ليس كمثله شيء فما بقي إلا أن يكون هو الظاهر بنفسه.
وذكر الشبيه نظير قول القائل : مثلك لا يبخل.
وقوله : «خلق الله تعالى آدم على صورته»

وقال الشيخ قدس سره في فصوصه في هذا الباب شعرا:
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
و ما يعرف ما قلنا ... سوى عبد له همه
فأنكر في هذه الأشعار وقوع الماهيات والأشخاص من ذي العقول وغيرهم.
وحكم بأن كل عين تعيين بتعين مخصوص في الواقع فهو الحق بعينه فيه.
وحكم بأن كل من أطلقه عن القيود، و نزهه عنها خصه الإطلاق وإن كل من أخصه عمه أي: كل من حكم بأن ذلك المطلق هو الذي يختص بتلك القيود حكم بإطلاقه الذاتي، و نزهه عن الإطلاق المقابل للتقييد.
فليس عين في الوجود يكون سوى عين أخر، وليس إلا عين واحد.
فالغافل عن هذا جاهل ما هو الأمر عليه في نفسه، والجاهل مغموم.
والعارف بهذا صاحب الهمة القوية العالية الذي لا يقنع بالظواهر، ولا يقف عند مبلغ علماء الرسوم، بل يرفع حجب التعيينات ولا يرضى إلا باللب؛ لأنه لب، واللب يذكر اللب .
قال الله تعالى: "إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب" [ الزمر : 21] .
وقال في موضع آخر:"لمن كان له قلب" [ق:37] .
وما قال في موضع: لمن كان له عقل، فهو قيد يقيد الموصوف به مما يؤدي إليه نكره و نظره، ويقال : معقل البعير بالعقال أي: قيده به.
وعقل الدواء البطن فهو قيد لغة وحقيقة، فليس في القرآن ذكرى لمن كان له عقل؛ لأنه مقيد بما قيده به فكر.
وإن رأى في القرآن ما يخالف ما يؤديه فكره يؤوله إلى معنى يوافق ما أدى إليه فكره، وأولوا (الألباب). ومن له قلب لا يؤولون
شيئا ولا ينكرون شيئا، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
فما أوسع قلب العارف حيث أنه بإطلاقه مقابل لإطلاق الحق، والحق أوسع وأعظم؛ لأنه غير متناهي.
والقلب يسعه على ما ثبت بالحديث القدسي، وما يسع الغير المتناهي غير متناهي أيضا.
وفي هذا قال سلطان الزاهدين ورأس العارفين وإمام الواصلين أبو يزيد البسطامي قدس سره : 
«لو أن العرش وما حواه من السماوات والأرض وما بينهما وما فيها مائة ألف ألف مرة وقع في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بما؛ لأن العرش وما فيه متناهي، ولا قدر للمتناهي بالنسبة إلى غير المتناهي».

وقال الشيخ الأكبر قدس سره: بل قلب العارف لو وقع في زاوية من زواياه ما لا يتناهی وجوده مما وجد و يوحد إلى الأبد بفرض انتهاء وجوده ولو كان مستحيلا؛ لأن غير المتناهى لا يحاط به مع الي هي واسطة في إيجاده وهو الحق المخلوق به الخلق .
أشار إليه بقوله تعالى : "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق" (الحجر:85].
ما أحس بذلك حال كونه منطويا فيما بين معلومات، واستدل لما قاله بقوله:
فإنه قد ثبت تحديث: «لا يسعني أرضي ولا سمائي، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن»، إن القلب وسع الحق لاستعداده للتجليات الأسمائية والذاتية الغير المتناهية واحدا بعد واحد.
ومع ذلك لا يقنع بما حصل له فلا يروى؛ إذ كل نحل يورث له استعدادا أخر إلى غير النهاية.
فالعارف في كل زمان يطلب الزيادة من التجلي؛ لأنه ليس له نهاية يقف التحلي عندها فلا يقع بعدها تحلى آخر، وكذا يطلب بلسان الاستعداد زيادة العلم بالحق فيقول: "وقل رب زدني علما" (طه:114]، فلا الطالب من العبد يتناهی، ولا التحلي وإلافاضة من الحق.

ومن هنا قال أبو يزيد البسطامي قدس سره: «الرجل يتحسي بحار السماوات والأرض، ولسانه خارج يلهث عطشا».
وقال أيضا شعر:
شربت الحب كأسا بعد كأس    ….. فما نفذ الشراب وما رويت
فالعارف دائما عطشان، لأنه لا يمتلئ ولو امتلا ارتوى.
ومن إن قلب العارف بالله وسع كل شيء؛ لأنه وسع الحق تعالى، فيكون وسعه له باعتبار العلم والشهود، أو باعتبار الإحاطة والجامعية لها، فإما حقيقة للأشياء جامعة لها.أهـ ""

أراد التجلي في لاشيء، بل هذا المشهد هو الذي طلب صلى الله عليه وسلم في قوله: "اللهم أرنا الباطل باطلا" فإن الباطل هو العدم، ورؤيته هي التجلي في لا شيء.
ولكن الفيلسوف يرمي بهذا القول، وأصحاب الأدلة العقلية كلهم يرمون به، و أهل الظاهر ما يقول به، و لا يقرب هذا الذوق التام إلا السوفسطائي.
غير أنه لا يقول بحقيقة واحدة، و هم يقولون بحقيقة واحدة متجلية ظاهرة في الوجود، يقبل جميع النسب و الإضافات، و هي الاعتبارات العلمية سمّيت بالأسماء الإلهية، وما الاسم إلا اسمها، وما الإضافة إلا إضافتها، و هي واحدة وحدة الأحدية لا تكرار فيها .
وحقيقة تلك (الحقيقة تعطي) باقتضاء ذاتيّ (أن تكون لكل اسم يظهر إلى ما لا يتناهى) لأن ظهورات كل اسم غير متناه، فيعطي تلك الحقيقة بحسب اقتضائها الذاتي أن يكون لكل اسم اسم منها (حقيقة ): أي يكون لكل اسم حقيقة مختصّة بذلك الاسم بحيث (يتميز بها ): أي بتلك الحقيقة (عن اسم آخر بالحدّ ) و الرسم و الوسم و الاسم .
فكل اسم يظهر بحقيقة غير متناهية، كل برزة عن برزة أخرى بالتشخص والتعين الشخصي، بل ما من شيء موجود أوجده الله تعالى في العالم إلا و له أمثال في خزائن الجود التي في كرسيه: أي علمه كما قرّرناه مسبقا .
و هذه الأمثال التي تحوي عليها تلك الخزائن لا تتناهى أشخاصها .

قال تعالى: "وإنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائنهُ وما ننزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21]، عدد الخزائن لشيء، فلا يخزن فيها إلا جواهر حقائقه، فيخرج أمثالها غير متناهية، فالأمثال من كل شي ء، يوجد في كل زمان  فرد في الدنيا و الآخرة، فلكل حقيقة اسم، و لكل اسم حقيقة، تسمّى الحقائق الأسمائية.
(و تلك الحقيقة التي بها يتميز اسم عن اسم هي الاسم عينه) لأن حقيقة كل شيء عينه .
والتشخص أمر زائد على الذات، فإن الحقيقة ليست سوى عين صفة اعتبرت مع الذات، و صارت أسماء، والصّفة نسبة عدمية، فالحقيقة عين ذلك الاسم بلا أمر زائد في الوجود، فافهم، (لا ما يقع فيه الاشتراك )، كالأجناس و الأنواع و الأصناف، فإنه يقع الإفراد فيهما الاشتراك في الحقيقة، بخلاف ما نحن بصدد بيانه، فإنه كالكليّ الطبيعي في الخارج، فإنهعين إفراد بالحد، و إن كان غيرها بالشخص.
(كما إن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإن كانت منأصل واحد )، مع إنها يجمعها أصل واحد و هو أحدية العطايا و وتريتها، كما سبق ذكرها، يتفرع منها: أي من الأصل الواحد الأشخاص الجزئية .
والتشخص أمر زائد على الذات، فإن الحقيقة ليست سوى عين صفة اعتبرت مع الذات، و صارت أسماء، و الصّفة نسبة عدمية، فالحقيقة عين ذلك الاسم بلا أمر زائد في الوجود، فافهم.

(لا ما يقع فيه الاشتراك )،  كالأجناس و الأنواع و الأصناف، فإنه يقع الإفراد فيهما الاشتراك في الحقيقة، بخلاف ما نحن بصدد بيانه، فإنه كالكليّ الطبيعي في الخارج، فإنه عين إفراد بالحد، و إن كان غيرها بالشخص، (كما إن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إن كانت من أصل واحد )، مع إنها يجمعها أصل واحد و هو أحدية العطايا و وتريتها، كما سبق ذكرها، يتفرع منها: أي من الأصل الواحد الأشخاص الجزئية .
( فمعلوم أن هذه) مع أنها عينها من حيث الحقيقة (ما هي هذه ): أي هذه الأشخاص (الأخرى) من حيث التعين و التشخيص (و سبب ذلك) التميز في العطايا ( تميز الأسماء) بعضها عن بعض من حيث الأشخاص، و تميز الأسماء إنما هو من تميز الحقائق، فإن هذا الشخص ليس ذلك الشخص لأن لكل اسم حقيقة مختصة يتميز بها عن اسم آخر بالحد والرسم، كالنوع المنحصر في الفرد، والأنواع المنحصرة في الإفراد.
فظهرت العطايا التي هي مظاهر تلك الأسماء على صفة الأسماء، ولولا الحدود ما ظهر التميز في أصل واحد، وعين واحدة، ولسبب ذلك كله وسعة حضرة الأسماء وسعة الحقائق.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابعة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 4:55 pm

الفقرة السابعة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة والعشرين: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري. فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.)
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : ( فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي ء يتكرر أصلا.  هذا هو الحق الذي يعول عليه. و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في
مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.)
(فما في الحضرة الإلهية لإتساعها) الذي لا يتناهى (شيء يتكرر) في ظهوره مرتين (أصلا) بل كل شيء له ظهور واحد مرة واحدة عن اسم واحد إلهي يظهر بظهور ذلك الشيء ثم يبطن ببطونه، فلا يظهر بعد ذلك أبدا لا ذلك الشيء ولا ذلك الاسم بل يظهر شيء آخر باسم آخر وهكذا دائما إلى ما لا يتناهى.

قال رضي الله عنه : (هذا) الأمر المذكور (هو الحق) المطابق لما هو في نفس الأمر (الذي يعول) بالبناء للمفعول، أي يعول (عليه) أهل التحقيق (وهذا) هو (العلم) الذي (كان علم شیث) النبي (عليه السلام) وهو مشربه الخاص الذي كان يذوق الحقيقة منه (وروحه)، أي شيث عليه السلام (هو الممد) من حيث السبب الظاهر الروحاني لكل من يتكلم عن تحقق ووجدان ب?شف وعیان (في مثل هذا) العلم المذكور  (من) بيان لمن (الأرواح) المنفوخة في الأشباح الإنسانية (ما عدا روح الإنسان
الخاتم) للأولياء ولاية رسالة أو ولاية نبوة أو ولاية إيمان (فإنه لا تأتيه المادة) العلمية في هذا الأمر (إلا من) جناب (الله) تعالى وحده (لا من) واسطة (روح من الأرواح) الكاملة مطلقة.
وإن كشف له منهم عن عين ما هو متحقق من فيض الله تعالی لیری منة الله تعالى عليه (بل من روحه) تلك المستمدة من الحق تعالى بلا واسطة تكون المادة العلمية (لجميع الأرواح) الداخلين في جنس ولايته (وإن كان) هو (لا يعقل ذلك) الإمداد لهم (من نفسه في زمان تر?یب جسده العنصري) لتقيده بتدبيره في عالم الكون والفساد.
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري. فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.)
فهو قوله رضي الله عنه : (فما في الحضرة الإلهية) أي حضرة جمعية الأسماء (لاتساعها شيء يتكرر أصلا) والتكرار إنما يكون بضيق المقام وقال تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء"107 سورة الأعراف. 
فإذا ثبت تميز كل شيء من الأشياء ثبت تمیز الأسماء (هذا) إشارة إلى كل ما ذكر في العطايا الأسمائية (هو الحي الذي يعول عليه) عند أهل الحقيقة (وهذا العلم) أي علم العطايا الأسمائي (كل علم شيث) عليه السلام (وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا) العلم (من الأرواح ما عدا روح الختم) أي روح ختم الرسل (فإنه لا يأتيه المادة) أي لا يأتي إليه مدد هذا العلم (إلا من الله تعالى لا من روح من الأرواح بل من روحه يكون المادة لجميع الأرواح) 
فتقدم ختم الرسل على ختم الأولياء وعلى شيث في هذا العلم .

وكذلك شيث تقدم على جميع الأرواح وعلى روح خانم الأولياء لكونه بیده مفتاح الخزائن الأسمائية كما أن بيده مفتاح الخزائن الذاتية .
(وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه) أي وإن كان لا يعلم ذلك الإمداد من روحه لجميع الأرواح (في زمان تركيب جسده العنصرية لاحتجابه عن علم هذا بسبب وجوده بالجسد العنصري.
(فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك) أي بكون المادة لجميع الأرواح من روحه (كله بعينه) تأكيد والضمير لكل أي عالم بكل واحد من الأرواح بشخصه وبتعينه والاستمداد الخاص به وإمداد روحه لكل واحد منهم ما يناسبه استعداداتهم وأحوالهم بحيث لا يفوته عن علم ذلك شيء.
(من حيث ما هو جاهل به) أي كما أنه من حيث الذي جهل به (من جهة تركيبه العنصري) بيان من حيث ما .
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.  فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.)
قوله رضي الله عنه : "فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شيء يتكرر أصلا. هذا هو الحق الذي يعول عليه.
وهذا العلم كان علم شيث، عليه السلام، وروحه هو الممدود لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون تلك المادة لجميع الأرواح، وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تر?یب جسده العنصري. فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري."
قلت: إن الأسماء هي اعتبارات في الأشياء، مثاله حصول الرزق لشخص ما منه تعيين الاسم الرازق. والأشياء لا تتناهي فالاعتبارات لا تتناهي فالأسماء لا تتناهي وإن رجعت إلى أصلينالاسم الله والاسم الرحمن، لقوله تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" (الإسراء: 110). 
ولما كانت الأشياء كل شيء منها يتميز بتشخصه كانت أحكامه متشخصة به أيضا فامتازت الأسماء وامتازت الأشياء.

فإن قال قائل: إن الأشياء هي تبع للأسماء. 
فقال: يجوز أن يقال ذلك باعتبار وأن يقال هذا باعتبار، فإن الوجود الالهي قدر شامل بجميع أشتات الموجودات بل والأعيان كلها باعتبار أن لها نوعا من الثبوت والثبوت لا يكون منسوبا لغير الوجود .

فالذي يقع فيه الاشتراك في نظر المحقق ليس إلا الوجود ولما كانت الأعطيات من جملة الأشياء دخلت مع ما ذكر قال: (وهذا هو علم شیث).
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.  فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.)
قال رضي الله عنه : « فما في الحضرة الإلهيّة لاتّساعها شيء يتكَّرر أصلا .  هذا هو الحق الذي يعوّل عليه " .
قال العبد : اعلم : أنّ الفيض ذاتي لواجب الوجود الحقّ من كونه مفيدا للحقائق وجودها الذي به تحقّق المتحقّقات ، ومفيضا نور الحقيّة التي بها وجدت الموجودات وشهدت المشهودات .
ثمّ التعيّن للنور الفائض من ينبوع التجلَّيات ومعدن الوجود ومنبعث الجود والفيضات أيضا ذاتي ، والموجب لذلك هو القابل المعيّن للوجود الحقّ الفائض بحسب خصوصيّته الذاتية غير المجعولة .
فالتمايز بين الحضرات والأسماء إنّما هو بحسب خصوصيات الحقائق ، إذ التعيّن هو الدالّ بالتخصيص على المتعيّن بذلك التعيّن ، والمتعيّن أيضا دالّ على أصله ومنبعه الذي فاض منه ، فالتعيّن اسم للمتعيّن وهو الوجود الحق المسمّى به ، وهو اسم للحقّ المطلق ، وهو المسمّى بجميع هذه الأسماء .
والمسمّى اسم فاعل هو القابل المعيّن للوجود الحق المطلق وهو الفائض .
والتعيين وهو التسمية فعل المعيّن .
ثم الفيض دائم التعين لدوام ذات المفيض .
والمعيّنات القوابل الممكنة وإن لم تكن متناهية من حيث الشخصيات والجزويّات ولكن أمّهات الحقائق المعيّنة لهذا النور الواحد الفائض المتعيّن بها وفيها وبحسبها أصول حاصرة لما تحتها ومنها .
والتعيّنات الكلَّية أيضا وإن انحصرت في أمّهات الحضرات الأسمائية ولكنّها من حيث الشخصية   والجزوية غير متناهية كموجباتها .
والتجلَّيات وإن كانت من حيث الأصل تجلَّيا واحدا ، ولكنّ التعيّنات الفيضية النفسية النورية والانفهاقات النورية الشهودية والاندفاقات الوجودية الجودية ما هي في كل عين عين الأخرى .
فما في الحضرة شيء يتكرّر أصلا ، فالتجدّد والتكثّر والحدوث والفناء والعدم إنّما هي للتعيّن لا للمتعيّن بذلك التعين من حيث هو هو ، بل من حيث التعيّن لا غير . هكذا أعطت حضرة الواسع ، فافهم .
قال رضي الله عنه : « وهذا العلم كان علم شيث عليه السّلام » يعني علم الأعطيات والمنح والهبات .
قال رضي الله عنه : « وروحه هو الممدّ لكلّ من يتكلَّم في مثل هذا من الأرواح إلَّا روح الخاتم  فإنّه لا تأتيه المادّة إلَّا من الله ، لا من روح من الأرواح ، بل من روحه تكون المادّة لجميع الأرواح ، وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري ، فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كلَّه بعينه من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيب جسده العنصري ".
قال العبد اعلم : أنّ أرواح الكمّل من الأنبياء لهم الإمداد لأرواح الأولياء الذين هم ورثتهم في أعصارهم وأعصار بعدهم ، وروح شيث عليه السّلام هو الممدّ لأرواح العلماء بالعلوم الوهبية ، وكلّ روح لوليّ من الأولياء له العلم الوهبي .
 فيستمدّ من روحه عليه السّلام لكونه صورة الوهب الأوّل لأوّل الآباء إلَّا روح خاتم الأنبياء وروح خاتم الأولياء ، فإنّ روح الختم كما تقدّم روح محيط بالولايات كلَّها كإحاطة من هو وارثه الأكمل وهو ختم الرسل صلَّى الله عليه وسلَّم بالنبوّات كلَّها .
 ولأنّه أحدية جمع جميع الولايات المحمدية الأحدية الجمعية الختمية كلَّها ، فأعطيات الولايات من المكاشفات والتجلَّيات والعلوم والأسرار والأحوال والمقامات ، إنّما تكون من خزانة حيطته ، وذلك لأنّ حقيقته حقيقة الحقائق الأول التعيينية كلَّها.
 وهو مفتاح المفاتيح الغيبية ، فالمادّة النورية التي بها قوام الأرواح وحياتها من حقيقته تنبعث وتسري في سائر المراتب الروحية ، ولا يستمدّ هو من أحد ، والكلّ مستمدّون من مشكاته .
فالأعطيات وإن كانت من حضرات الأسماء ، ولكنّها من الله ،"وَما بِكُمْ من نِعْمَةٍ فَمِنَ الله".
إن كان هذا الخاتم لا يتعقّل حال تركيب جسده العنصريّ كيفية إمداده للكلّ في كلّ آن من الزمان الحجابية في المزاج العنصري لا بدّ من ذلك ، حتى يكون جامعا لجميع الكمالات والنقائص . كما أنّ الهوية الواحدية الأحدية الجمعية محمولة عليها الأضداد في قوله : " هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ".
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. 
و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في
 مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.  فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
)
قال رضي الله عنه : " فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شيء يتكرر أصلا هذا هو الحق الذي يعول عليه . وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا تأتيه المادة "
أي المدد " إلا من الله لا من روح من الأرواح ، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح " ظاهر
 .
قوله رضي الله عنه : " وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري " معناه وإن كان الخاتم الممد لجميع الأرواح الذي لا يكون بينه وبين الله واسطة لا يعقل في زمان ظهوره في الصورة الجسدانية العنصرية من نفسه .
إنه هو الذي يمد جميع الأرواح الإنسية بالعلوم والحكمة التي لها ويفيض منها عليها ، لأن الحجاب الهيولاني الطبيعي من الغواشي وإلهيات الظلمانية اللازمة لصورته يمنعه . 
ولهذا قالت الصوفية إن أصل الأربعينية التي يروضون بها أنفسهم من الأربعين المذكورة في قوله تعالى :« خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحا » فإن التخمير هو تخمير مادة جسده وتعديله ، حتى ناسب باعتداله النوع الإنسانى روحه .

فيظهر فيه ويحتجب به ظهورا واحتجابا سماها الحكماء بالتعلق التدبيرى ، فإن تلك الهيئات الطبيعية والغشاوات البدنية إذا كشفت عن وجهه بالرياضة والتوجه إلى الله تعالى بالإخلاص ظهرت تلك العلوم والحكم عليه .
كما قال عليه الصلاة والسلام: « من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » .
ولكن لا يبقى ذلك إلا في وقت من الأوقات وهو الوقت الذي قال عليه الصلاة والسلام: « فيه لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل » .
وذلك هو الوقت الذي تنكشف عليه فيه عينه بما فيه " فهو من حيث حقيقته " المجردة " ورتبته " العالية " عالم بذلك كله بعينه " أي بذاته " من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري "
أي عالم من حيث حقيقته بجميع أحوال عينه من إمداده لجميع الأرواح بعينه من حيث أنه جاهل من جهة تركيبه العنصري .
فيكون تأكيدا للأول على لغة تميم وقراءة من قرأ ما هذا بشر وأن يكون المراد ومن حيث تركيبه العنصري جاهل به على أنه خبر بعد خبر أي فهو من حيث أنه جاهل به كائن من جهة تركيبه العنصري.
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.  فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.)
ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ، قال رضي الله عنه : (ﻓﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻻﺗﺴﺎﻋﻬﺎ ﺷﺊ ﻳﺘﻜﺮﺭ ﺃﺻﻼ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ) ﺃﻱ، ﻧﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻔﺎﺋﺾ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺍﺳﻢ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﺤﺴﺐ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﻳﻐﺎﻳﺮ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺜﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺜﻠﻴﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺘﻐﺎﺋﺮﺍﻥ، ﻓﻼ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺃﺻﻼ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻗﻴﻞ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺮﺗﻴﻦ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩ ﻋﻨﺪﻩ ﺃﻥ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥ ﻳﺘﺒﺪﻝ، ﻛﻤﺎ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻭﻻ ﺗﻜﺮﺍﺭ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ) ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻠﺰﻭﻡ ﻛﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺸﺊ ﺣﺎﺻﻞ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥ ﺣﺼﻮﻻ ﺟﺪﻳﺪﺍ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺑﻞ ﻫﻢ ﻓﻲ ﻟﺒﺲ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﺟﺪﻳﺪ".
ﻓﺤﺼﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﺠﺪﺩ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻷﻭﻟﻰ.
ﻭ ﻳﻈﻬﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻟﻤﻦ ﺗﺤﻘﻖ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﻄﻰ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻘﻂ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﺑﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺃﻭ ﺑﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺃﻭ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻭﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻭﻭﺳﺎﺋﻂ، ﻭﻓﻴﻀﻪ ﺩﺍﺋﻢ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ.
ﻓﺎﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺾ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﻋﻘﻮﻻ ﻭﻧﻔﻮﺳﺎ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﺃﻭ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺯﻣﺎﻧﻴﺔ، ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﻻ ﺗﻜﺮﺍﺭ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺒﻌﻪ. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ.
(ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻢ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ. ﻭﺭﻭﺣﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﺪ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ).
ﺃﻱ، ﻋﻠﻢ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻷﻋﻄﻴﺎﺕ، ﻛﺎﻥ ﻣﺨﺘﺼﺎ ﺑﺸﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻭﻻﺩ ﺁﺩﻡ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺳﻮﻯ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻓﺈﻧﻪ ﺁﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ، ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮﻩ. ﻟﺬﻟﻚ ﺧﺺ رضى الله عنه ﺍﻷﻋﻄﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﻣﺮﺗﺒﺘﻪ.
ﻓﻤﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻷﻥ ﻛﻞ ﻋﻴﻦ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﻤﺮﺗﺒﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺑﻬﺎ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻓﻤﻈﻬﺮﻫﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺬﺍﺗﻪ، ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻈﻬﺮ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺍﺳﻢ ﻣﺨﺘﺺ ﺑﺼﻔﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﺑﻬﺎ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
ﻭﺃﻧﻤﺎ ﻗﺎﻝ: (ﻭ ﺭﻭﺣﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﺪ) ﻷﻥ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺮﻭﺣﻪ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ، ﺑﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺃﻳﻀﺎ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻭﻻﻳﺘﻪ، ﻳﺄﺧﺬ ﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ، ﻛﻤﺎ ﻣﺮ ﺑﻴﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻓﻠﻪ ﺍﻹﻣﺪﺍﺩ ﻭ ﺍﻹﻋﻄﺎﺀ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺄﺧﻮﺫ.
ﻭﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻦ ﻛﻮﻥ ﺭﻭﺣﻪ ﻣﻤﺪﺍ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﺑﺮﻭﺣﻪ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ. قال رضي الله عنه : (ﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ، ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻻ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ). ﻇﺎﻫﺮ ﻣﻤﺎ ﻣﺮ.
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ: (ﺑﻞ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ) ﺃﻱ، ﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺭﻭﺣﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ.
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ، ﻻﻥ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻭﺍﻟﻜﻤﻞ ﻭﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻳﺄﺧﺬﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻛﻤﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﺘﺒﻮﻋﻬﻢ ﻣﻨﻪ. ﻭﻗﺪ ﺻﺮﺡ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضي الله عنه ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﺑﺬﻟﻚ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﺑﺎﻹﺻﺎﻟﺔ ﻭﻟﻐﻴﺮﻩ ﻧﺼﻴﺐ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه (ﺑﻞ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺟﺴﺪﻩ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ). ﺃﻱ، ﻭﺇﻥ ﺣﺠﺒﻪ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺟﺴﺪﻩ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ ﻋﻦ ﺗﻌﻘﻞ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎ، ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ ﻭﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺫﻟﻚ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: "ﺃﻧﺘﻢ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺩﻧﻴﺎﻛﻢ". ﻣﻊ ﺃﻥ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺑﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻐﻠﺒﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ.
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺏ "ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ"، ﻷﻥ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻋﻦ ﺗﻌﻘﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ. ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺰﺍﺝ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ، ﻷﻥ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﺲ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻟﻸﻋﻴﺎﻥ ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺑﺎﻗﻲ ﻛﻤﺎﻻﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ ﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺒﺪﻥ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ ﺃﻭﻻ ﺳﺒﺐ ﺣﺠﺎﺑﻪ ﻭﻏﻔﻠﺘﻪ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻋﻦ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺯﻣﺎﻥ، ﻛﺰﻣﻦ ﺍﻟﺼﺒﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻭﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺳﺒﺐ ﻇﻬﻮﺭ ﻛﻤﺎﻻﺗﻪ ﻭﻣﻌﺎﺭﻓﻪ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻭﺭﺗﺒﺘﻪ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺑﻌﻴﻨﻪ ) . ( ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﺎﻫﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ) ﺃﻱ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺪﺩ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ، ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻭﺭﺗﺒﺘﻪ ﺑﺄﻥ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﻛﻠﻬﺎ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻤﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﻋﻠﻮﻣﻬﻢ ﻭ ﻛﻤﺎﻻﺗﻬﻢ، ﻭﻫﻮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺟﺎﻫﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻭﺍﻹﻣﺪﺍﺩ.
فـ  "ﻣﻦ ﺣﻴﺚ" ﺍﻷﻭﻝ ﻣﺘﻌﻠﻖ بـ (ﻋﺎﻟﻢ)، ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺏ (ﺟﺎﻫﻞ).
ﻗﻴﻞ : "ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ "ﻣﺎ" ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: "ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻫﻮ" ﺑﻤﻌﻨﻰ " ﻟﻴﺲ " ﻭ ﺧﺒﺮﻩ ﻣﺮﻓﻮﻉ، ﻋﻠﻰ ﻟﻐﺔ ﺗﻤﻴﻢ  ﻭﻓﻴﻪ ﻧﻈﺮ. ﻷﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻀﺪﻳﻦ، ﻻ ﻧﻔﻰ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ.
ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻮﺻﻮﻟﺔ، ﺃﻭ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺸﺊ. ﻟﺬﻟﻚ ﺑﻴﻦ ﺑﻘﻮﻟﻪ: (ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ).
ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻘﻮﻟﻪ: "ﺑﻌﻴﻨﻪ" ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺑﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ. ﺃﻱ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻫﻮ ﺟﺎﻫﻞ.
 
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام، وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، وإِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.  فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.)
قال رضي الله عنه : "فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شيء يتكرر أصلا. هذا هو الحق الذي يعول عليه. وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام، وروحه هو الممد لكل من يتكلم في
مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.
فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري."
وإذا كان كل عطاء اسم خاص. قال رضي الله عنه : ( فما في الحضرة الإلهية لا تسعها) بكثرة أسمائها المتجلية إلى غير النهاية (بشيء يتكرر أصلا) بل يكون لكل موجود في كل لحظة تجلي خاص لا يشاركه فيه غيره، ولا نفسه في وقت آخر.
(هذا هو الحق الذي)، يقول الكلية في دعائه: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك".
فلا يقال بتناهي الأسماء الإلهية كما يقول بعض أهل الظاهر: إنها التي وقع بها التوقيف ولا بتناهي التجليات وتكررها.
ولا بتناهي الموجودات الجزئية كما يقوله القائلون بانقطاع الثواب والعقاب.

نعم لا يجوز لنا أن نطلق على الله تعالی أسماء من الأسماء بدون التوقيف، ولا يلزم منه أن تكون جميع أسمائه توقيفية.
(وهذا العلم) أي: علم استناد كل عطاء إلى ما هو مستنده من الذات والأسماء، كان أول ما كان في عالم الإنسان الظاهر (علم) حيث لأنه أول عطاء كامل لآدم عليه السلام حصل له من سره الذي أوتي به علم الأسماء كلها.
والعطايا آثار تلك الأسماء فأوتي هذا من حيث إنه الأثر الكامل علم تلك الآثار (وروحه، هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح) أي: أرواح الأنبياء والأولياء والعلماء؛ لسبقه في هذا الأمر على الوجه الأكمل؛ فهو سبب لمن تأخر على ما جرت به السنة الإلهية.
(ما عدا روح الخاتم) للنبوة والولاية (فإنه لا تأتيه المادة) أي: المدد المفيد لعلم من العلوم (إلا من الله)؛ لأن الكمالات ذاتية له فلا تتوقف على سبب، ولا على شرط .
(لا من روح من الأرواح)، وإن كان سابقا باعتبار تركبه الجسدي؛ (بل من روحه يكون المدد لجميع الأرواح) ؛ لأن الكمال لما كان له ذاتيا، ولغيره غير ذاتي؛ كان الغير أخذا منه الكمال، وهو ممده عن اختيار منه فكان بعلمه حال تجرده.
(وإن كان) روح الخاتم (لا يعقل) ذلك (من نفسه في زمان تركيبة العنصري)؛ لاحتجابه به عن علمه مع أنه عالم بذلك بالذات.
فلا يزول بالغير، وقيد بالعنصر احترازا عن المثالي؛ فإنه ليس بحاجب، (فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله) أي: بإمداده ومن يمده ويمد به إذ لا اختيار بدون ذلك في الإمداد (بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه الجسدي )، كأنه احد فيه جهة العلم والجهل حيث صار الأمر الواحد بالوحدة الحقيقية عالما وجاهلا في زمان واحد بالنسبة إلى أمر واحد.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام، وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، وإِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.  فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.)
فالاعطيات متغايرة " فما في الحضرة الإلهيّة لاتّساعها شيء يتكرّر أصلا " ضرورة أنّها خزانة الأعطيات الغير المتناهية ، وهذا خلاف ما ذهب إليه أرباب التوحيد الرسمي ، من أنّ العطاء والعلم والفيض كلَّها في تلك الحضرة وحدانيّة
الذات ، إنّما يتعدّد ويتكثّر بالأعيان والمظاهر القابلة ، وذلك لما أثبتوا لها من الوحدة المقابلة للكثرة .
ولمّا كانت وحدتها عند الشيخ هي الوحدة الإطلاقيّة والأحديّة الجمعيّة الذاتيّة التي لا يشوبها شائبة ثنويّة التقابل أصلا ، فلا بدّ وأن يكون مخزن العطايا الغير المتناهية الغير المتكثّرة ،
وإلى ذلك الخلاف أشار بقوله : ( هذا هو الحق الذي يعول عليه ) كما قال في نظمه :
كثرة لا تتناهي عددا    …..     قد طوتها وحدة الواحد طي
( وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام ) أي العلم بالسعة الإحاطية الحاوية لما لا يحيط به نهاية ، لا عدا ولا حدا ؛ وذلك لما تقرر في مطلع الفص أنه أول مولود ولد من الوالد الأكبر ، فهو الجامع لسائر ما ولد بعده من الأولاد .
ويلوح على ذلك ما اشتمل عليه اسمه هذا عقدا ورقما من التسعة التي هي أقصى طرف سعة الكثرة و أنهى مراتبها، وهذا هو السبب في تقديم كلمته وتصدير حكمته، لأنها الكاشفة عن جملة ما اشتمل عليه الكلم من الحكم.
(وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح، ما عدا روح الختم، فإنه لاتأتيه المادة إلا من الله) لما سبق أنه الغاية والصورة التمامية، فله التقدم الذاتي والعلق الرتبي الذي لا يتخلل الواسطة بينه وبين العلي المطلق ، فتكون مادته العلمية الكمالية من الله (لامن روح من الأرواح بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح ، وإن كان لايعقل ذلك من نفسه في زمان تر?یب جسده العنصري) لتراكم كثائف حجب الغواشي الهيولانية في ذلك الزمان ، وتسلط قهرمان القوى الجسمانية فيه على ما حققه صاحب المحبوب سلام الله عليه في كتابه .
ولكونه بتلك الرقيقة الجمعية الحائزة للطرفين، والرابطة الإحاطية الحاوية للضدين الخاصة به يتقرب إلى الهوية المطلقة، ويستفيض منها بلا واسطة، فإنه وإن كان من هذه الحيثية جاهل بذلك العلو.
(فهو من حيث رتبته) الغائية (وحقيقته) العلوية المحيطة (عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري) بناء على ما مر غير مرة من أن الحقيقة الختمية من خصائصها تعانق الأطراف والإحاطة بجميع النهايات وجملة الزيادات، وبين أن ذلك إنما يتحقق بجمعيتها للضدين بحيثيتهما المتضادتين، فيكون مجمع الأضداد حينئذ من الجهتين.
أي باعتبارأحدية الموردين والمبدئين المتغائرین، لا باعتبار تغائر الحيثيات فإنه ليس مجمعا للضدين حينئذ. وقوله : " بعينه " لدفع ذلك الوهم.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا. هذا هو ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابعة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 4:56 pm

الفقرة السابعة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة و العشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا.  هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه.
و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.  فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري. )
قال المصنف رضي الله عنه :  [فما في الحضرة الإلهية لا تساعها  شيء يتكرر أصلا هذا هو الحق الذي يعول عليه.]

قال الشارح رضي الله عنه :
(فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شيء يتكرر أصلا) .
فمن هنا قال أبو طالب المكّي قدّس سره في قوت القلوب:
لا تكرار في التجلي الإلهي، و ذلك لوسعة حضرة أسماء المتجلي، وسعة قبول المتجلي له، وكثرة العطايا والمنح، فما تجلى في صورة واحدة فلا يزال في جمال جديد في كل تجلّ، كما لا يزال في خلق جديد، فله التحول دائما أبدا .
فلولا الحدود ما تميز أمر من أمر، ولكن التشابه إذا أغمض جدّا وقعت الحيرة، وخفي الحد فيه، فإنّ شخصيات النوع الواحد متماثلة بالحد، متميزة بالشخص، فلا بدّ من فارق في المتماثل بالحد، ويكفيك أن جعلته مثله لا عينه .
( هذا هو الحق ): أي العلم بأنه لا تكرار في التجلي،هو العلم الحق، كما أشار إليه تعالى في قوله: "بلْ هُمْ في لبْسٍ مِنْ خلْقٍ جدِيدٍ" [ ق: 15].
وكما قالت بلقيس: "قالتْ كأنّهُ هُو" [ النمل: 42]، كأنها كانت عالمة به أم لها حدس من نفس السؤال، فإن السائل حيث سأل أعطاها الجواب في عين سؤاله إياها.
حيث قال: أهكذا عرشك، وما قال: هذا عرشك، كأنه لقّنها الجواب، فهذا من مقام قوله تعالى: "ما غرّك بربِّك الكريمِ" [ الانفطار: 6] .
فإنه تلقين جواب في عين السؤال من العناية التي له تعالى بعبده، فافهم (الذي يعول عليه )، فينبغي أن تعلم أن الأسماءالإلهية غير متناهية، ومظاهرها حقائق الممكنات غير متناهية، فالمعطي غير متناه .
لا كما قاله صاحب الذوق المقيد، لمّا رأى التكرار كتكرار الأيام والليالي والشهور.
فقال: بالدور، والذي ما يقول بالتكرار لا يقول بالدور بل يسمّى النهار الجديد و الليل الجديد، و ليس عنده تكرار جملة واحدة.
فالأمر عنده له بدء و ليس له غاية، كما فهمت من تفصيلنا آنفا .

فما حجب أهل الدور أن يقولوا: كمال أوسع الكشوف إلا قوله: "و إليْهِ تُـرجعون" [ البقرة: 245]، فسمّاه رجوعا و ذلك لكونه يشغلهم عنه بالنظر إلى ذواتهم، و ذوات العالم عند صدورها من الله .
فإذا وفوا النظر فيما وجد من العالم تعلقوا بالله، فتخيلوا أنهم رجعوا إليهم من حيث صدورهم عنه، و ما علموا أن الحقيقة الإلهية التي صدروا عنها.
و إنما نظروا لكونهم رجعوا إلى النظر في الإله بعد ما كانوا ناظرين في نفوسهم، لما لم يصح أن يكون وراء الله مرمى.
فما قال: بالدور إلا من جهل ما يخلق فيه على الدوام والاستمرار، ومن لا علم له بنفسه ولا علم له بربه .
قال بعض العارفين في هذا المقام: النفس بحر لا ساحل له، يشير إلى عدم التناهي، فافهم .

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا تأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح . و إن كان لا يعقل من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري . فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري .]
قال الشارح رضي الله عنه :
( و هذا العلم ): أي العلم بالأعطيات على التفصيل المذكور بتقاسيمها و أنواعها و أصنافها، يتحدد أمثالها، (كان علم شيث عليه السلام )، و كان عليه السلام فتح باب هذا الجنس من التجليات و العلوم، و كان عليه السلام أوّل منح أعطى لآدم عليه السلام.
(و روحه هو الحمد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح) لأن روحه عين تلك النسب المخصوصة ألوهيته و ذلك لأنه إذا أخذتها تفصل بالحدود المخصوصة فوجدتها بالتفصيل نسبا خاصة، و بالمجموع أمرا وجوديا يسمّى روحا و جسدا أو جسما .
وهذا بعينه ما قالوا أنّ الأجسام أعراض مجتمعة في عين واحدة، و صارت جسما،
و من هذا الذوق ما قال رضي الله عنه في الباب السادس والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة في تعمير نواشئ الليل فوائد الخيرات:
قال الله تعالى : "إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وقال:"إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وأَقْوَمُ قِيلًا " .
ولما سألت عائشة عن خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قالت: "كان خلقه القرآن"
وإنما قالت ذلك لأنه أفرد الخلق ولا بد أن يكون ذلك الخلق المفرد جامعا لمكارم الأخلاق كلها ووصف الله ذلك الخلق بالعظمة كما وصف القرآن في قوله والْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فكان القرآن

خلقه فمن أراد أن يرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ممن لم يدركه من أمته فلينظر إلى القرآن فإذا نظر فيه فلا فرق بين النظر إليه وبين النظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم .
فكان القرآن انتشا صورة جسدية يقال لها محمد بن عبد الله بن عبد المطلب والقرآن كلام الله وهو صفته .
فكان محمد صفة الحق تعالى بجملته فـ "من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله" لأنه لا ينطق عن الهوى فهو لسان حق فكان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ينشئ في ليل هيكله وظلمة طبيعته بما وفقه الله إليه من العمل الصالح الذي شرعه له صورا عملية ليلية.
لكون الليل محل التجلي الإلهي الزماني من اسمه الدهر تعالى يستعين بالحق لتجليه في إنشائها على الشهود وهو قوله تعالى إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ولم تكن هذه الصور إلا الصلاة بالليل دون سائر الأعمال وإنما قلنا بالاستعانة لقوله تعالى :"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" . وقوله: "اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ" .
ولا يطلب العون إلا من له نوع تعمل في العمل وهو قوله :"وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ".
فكن أنت يا وارثه هو المراد بهذا الخطاب في هذا العمل فيكون محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما فقد من الدار الدنيا .
لأنه صورة القرآن العظيم فمن كان خلقه القرآن من ورثته وأنشأ صورة الأعمال في ليل طبيعته فقد بعث محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من قبره .
فحياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بعد موته حياة سنته ومن أحياه فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً فإنه المجموع الأتم والبرنامج الأكمل .أهـ
و قال رضي الله عنه في كتابه الإسفار عن نتائج الأسفار:
إن الإنسان الكامل على الحقيقة هو القرآن، نزل من حضرة قدسه إلى حضرة قدسه، والقرآن حق وبحقيقته هو صلى الله عليه وسلم. انتهى كلامه .

و قال رضي الله عنه في الفتوحات:
إن أعيان الموجودات إذا فصلتها بالحدود وجدتها بالتفصيل نسبا، و بالمجموع أمرا وجوديا، و لا يمكن المخلوق أن يعلم صورة الأمر فيها، و لا يقبل التعليم و التعريف من الله لأنه ذوق، فأشبه العلم بذات الله تعالى . و العلم به محال حصوله لغيره، فمحال حصول هذا العلم لغيره تعالى.

قال رضي الله عنه في الباب الرابع و التسعين و ثلاثمائة من الفتوحات:
هذه المسألة ما أحد نبه عليها، فإنها صعبة التصور، بل و لا يدري ذلك إلا من وقع له الإسراء التجلي، وهو إسراء حل تركيبهم، فيوقفهم بهذا الإسراء على ما يناسبهم من كل عالم، بأن يميز بهم على أصناف العالم المرّكّب و البسيط، فيترك مع  كل عالم من ذاته ما يناسبه .
وصورة تركه معه أن يرسل الله بينه و بين ما ترك حجابا، فلا يشهده، و يبقى له ما بقى هكذا هكذا، حتى يفنى منه كل الأجزاء الكونية، و يبقى بالسرّ الإلهي الذي هو الوجه الخاص الذي من الله له، فإذا بقى وحده رفع عنه حجاب الستر، فيبقى معه تعالى كما بقى كل شي ء منه مع مناسبة، فيبقى العبد في هذا هو لا هو .
فإذا بقى هو لا هو أسري به من حيث هو إسراء معنويا لطيفا فيه لأنه في الأصل على صورة الحق ليريه من آياته فيه، فإذا رجع إلى عالم الحسّ عاد لتركب ذاته، فما زال يمر بهم على أصفاف العالم، و يأخذ من كل عالم ما ترك عنده في ذاته، فلا يزال يظهر طورا بعد طور إلى أن يصل إلى أرض طبعه، فرأى نفسه معاني مجسدة، و هذا طريق معرفة هذه المسألة، فافهم .
فإذا عرفت هذا أن المعاني و علوم المنح تجوهرت و تجسّدت، و صارت روحا خاصّا مسمّى بشيث يعني: تجوهرت العطايا على صورة شيث، فكل روح لا ينال منها إلا بها، فإنه عليه السلام عينها، و أول تعين لهذا التجلي الخاص، فافهم .

( ما عدا روح الختم )، "وفوق كُل ذِي عِلْمٍ علِيمٌ" [ يوسف: 76] لأن روحه خاتم الأرواح، وهو يشرف على الكل، ولا يشرفون عليه، وإلا يكون ختما، وهو ختم الله الدوائر الكمالية، وصاحب أوسع التجليات، فيحيط ولا يحاط .
و بيان ذلك أنّ نهاية الأرواح الكمالية البشرية رؤية الغاية و النهاية، والختم لا نهاية له، و الله من ورائهم محيط لأن الصورة الإلهية به كملت، وفيه على الكمال شهدت، فهو حسبه كما هو حسبه.
و لهذا كان خاتم الكمال، و فاتح المقصود، و ما وراء ذلك إلا العدم المحض، الذي ما فيه حق و لا خلق، فافهم .
فلا يأخذ الختم إلا من الله الحق، (فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله )، من الوجه الخاص المختص به، فلمّا قال: إن الرّوح شيث مهد الأرواح، سوى روح الخاتم، كان يوهم أن روح الختم لا يأخذ منه و لا يعطيه، فاضرب عن هذا .
و قال(بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح ): أي بل يأخذ روح شيث و غيره من الأرواح من روح الخاتم، قبل التعلق بالأجسام، و بعد التعلق بها، و بعد المفارقة عنها لأنه عين القلم الأعلى، و له الأسفل و الأعلى، بل القلم من أجزائه.

كما قال صاحب البردة في قصيدته :
فإنّ من جودك الدّنيا وضرتها   ...... ومن علومك علم اللوح والقلم
جعل ما ظهر من اللوح والقلم من العلم: أي من بعض علومه صلى الله عليه و سلم، و ليس من مبالغة شعرية، كما هي عادة الشعراء، بل هي بيان واقع في نفس الأمر لأنهما جزئية صلى الله عليه و سلم، بل أن الله قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة، و لو سئل اللوح:  ما فيك أو ما خطّ القلم فيك؟ ما علم ذلك .
وهكذا الأمر في الوارث الحقيقي، و صاحب الأسوة التحقيقي، ختم الختم، فإنه ما فتح  شيء إلا وقد ختم به .
قال رضي الله عنه: فمن فهم عن الله و أنصف من نفسه، فهم ما ذكرناه في بيان أخذ العلم الإلهي سابقا، و مراتب الأخذ على ما قررناه لاحقا، و علم ما قلنا، بل فهم ما بيناه، و من تعسف و أعرض و لم ينصف، "و طبع على  قُـلوبهِمْ فهُمْ لا يفقهُون" [ التوبة : 87]..
(و إن كان لا يعقل )، شيث أمثاله (ذلك) الأخذ و الإمداد (من نفسه).
هذا من مقام اللطف الخفي، فإن سريانه خفيّ عن الأبصار و البصائر من قوة التحول في الصورة و المعاني، فإليّ إشارة، و ليتلطف و لا يشعرنّ بكم أحدا.

وعن هذا اللطف قال خاتم الولاية المحمدية رضي الله عنه في حضرة اللطف من الفتوحات:
إنه نال منه في خلقه الحظ الوافر، بحيث قال: إني لم أجد فيمن رأيت وضع قدمه فيه حيث وضعت إلا إن كان وما رأيته، لكني أقول أو أكاد أقول: إنه إن كان ثمّ فغايته أن يكون معي في درجتي فيه .
و إمّا أن يكون أتمّ فما أظن ولا أقطع على الله تعالى، فأسراره لا تحدّ، و عطاياه لا تعدّ.
(في زمان تركيب جسده العنصري )، فأنساه الحق ذلك كما أنساه شهادتها بالربوبية في أخذ الميثاق، مع كونه وقع بحضرة جملة من الأرواح القاهرة و الملائكة و النفوس، و عرفنا ذلك بالإعلام الإلهيّ، و التعريف الرباني، و لا يجحده إلا كافر عنيد .
بل علم الإنسان دائما أبدا إنما هو تذكر لأنه قد علم كل  شيء في عالم روحانيته و نسى، فمنهم من إذا ذكر تذكّر، ولكنيؤمن به أنه قد كان شهد بذلك.
إنما قال رضي الله عنه: الجسد و لم يقل الجسم إشارة إلى أن الأمر برزخي، كما في عالم المثال و عالم الآخرة .
و الأجسام هي المعروفة في العموم لطيفها و كثيفها و شفافها، ما يرى منها و ما لا يرى.
و الأجساد هي ما يظهر فيها الأرواح في اليقظة الممثلة في صور الأجسام، و ما يدركه النائم في نومه من الصور المشبهة بالأجسام، فيما يعطيه الحسّ، و هي في نفسها ليست بأجسام.

هكذا ذكره الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
( فهو: أي) شيث عليه السلام و أمثاله من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك (بعينه ):
أي فهو عالم بعينه (من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري ): أي متعلق، و الجهل أمر واحد، و هو الأمر الذي هو به يقول: أنا في زمان واحد، و باعتبار واحد لا باعتبارين، كما تبادر إلى بعض الأفهام .
و بيان ذلك أنه إذا تحلل الإنسان في معراجه إلى ربه، وأخذ كل كون منه في طريقه السلوك إلى المبدأ ما يناسبه لم يبق منه الأسرة.
و إن شئت قلت: وجهه الذي عنده من الحق، فيعلم به كل  شيء لأنه قواه وسمعه وبصره، وإذا رجع من هذا المشهد الأسني إلى تركيبه وصورته التي كانت تحللت في عروجه، وردّ  العالم إليه جميع ما أخذه منه مما يناسبه، فاجتمع و رجع من علمه إلى جهله، كما كان قبل العروج، فيعلم باليقين أنه عالم جاهل .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثامنة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 4:58 pm

الفقرة الثامنة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثامنة والعشرين: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير. فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.  فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري. فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف بذلك، كالجليل والجميل ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخر و هو عينه ليس غير. فيعلم لا يعلم، ويدري لا يدري، و يشهد لا يشهد. و بهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله.
فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها و نسبها، فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه: و ما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه. )
(فهو من حيث حقيقته) الأسمائية (ورتبته) الروحانية (عالم ذلك) الإمداد المذكور (كله بعينه) لا بمثله (من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري) الكثافة الحجاب الجسماني فإذا تجرد عنه علم ذلك بصفاته الروحانية ورقة اللطيفة النورانية الإنسانية .
(فهو العالم) من حيث حقيقة النورانية (الجاهل) من حيث جسمانيته الظلمانية وهو واحد في ذاته (فيقبل الاتصاف بالأضداد) لكثرة وجوهه واعتباراته (?ما قبل الأصل) الحقي الحقيقي (الاتصاف بذلك)، أي بالأضداد (?الجليل) من الجلال وهو منشأ العظمة والهيبة (والجميل) من الجمال وهو منشأ اللطف والأنس وهما اسمان متقابلان مقتضى أحدهما غير مقتضى الآخر.
 (وكالظاهر والباطن والأول والآخر) فإن كل واحد يقابل ما بعده .
(وهو)، أي خاتم الأولياء المذكور (عينه)، أي عين الأصل المذكور باعتبار قبوله لجميع الأوصاف التي قبلها الأصل إن لم تعتبر قعوده لذلك الأصل المطلق
(وليس غیره)، أي غير ذلك الأصل إلا إذا اعتبرت فيه قيوده، فإنه غيره حينئ والقيود أمور عدمية ولا اعتبار للعدم فهو عينه من غير ريب.
 كما قال تعالى: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" [البقرة: 2]، ولكن لا بد من اعتبار تلك القيود العدمية في الجملة .
ولهذا قال : (فيعلم) ذلك الولي الخاتم من حيث إطلاقه الحقيقي ولا يعلم من حيث قيوده المجازية (ویدری) باطنة (ولا يدري) ظاهرة (ويشهد) بحقيقته (ولا يشهد) بشريعته فهو المطلق الذي لا يقيده وصف ولا عدم وصف .
وبهذا العلم الشريف المذكور (سمي شيث) النبي عليه السلام (لأن معناه)، أي معنى لفظ شيث باللغة السريانية لغة آدم عليه السلام (الهبة) بمعنى العطية (أي هبة الله) يعني عطيته (فبيده)، أي يد شيث عليه السلام (مفتاح) باب (العطايا) كلها (على) حسب اختلاف أصنافها الذاتية والأسمائية.
(ونسبها) من حيث كونها أسمائية كنسبة الغفار أو الستار أو الحليم أو الح?یم (فإن الله) تعالى (وهبه)، أي شيث عليه السلام (لآدم) عليه السلام (أول ما وهبه) في الحياة الدنيا بعد قبول توبته.
(وما وهبه)، أي الله تعالى آدم عليه السلام (إلا منه)، أي من نفس آدم عليه السلام (لأن الولد سر أبيه) ما يسره أبوه و يضمره، أخرجه عند توجهه بنطفته على رحم الأم، فكان الولد باطن الأب، فكيف ما اتصف باطن الأب يتصف ظاهر الابن.
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير. فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.  فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
(فهو العالم الجاهل) لكن جهله عين كماله كما بين في موضعه (فيقبل الاتصاف بالأضداد) بالاعتبارين.
(كما يقبل الأصل الاتصاف بذلك) أي بالأضداد لكنه باعتبار واحد كما بين في موضعه (?الجليل والجميل و كالظاهر والباطن والأول والآخر وهو عينه وليس غيره) أي خاتم الرسل من حيث حقیقته عین الحق وإن كان من حيث جسده العنصري غيره .
و معنی عینیته من حيث الحقيقة كونه على صفته لا غير (فيعلم) من حيث ?ونه عمن أصله (لا يعلم) من حيث كونه غبره ومن أجل هذين الوجهين ينسب إليه ما
ما ينسب الى الأصل غير الوجوب الذاتي وما لا ينسب إليه وكذا قوله : ( و يدري لا يدري ويشهد لا يشهد) والمراد من انصاف هذا الكامل بالأضداد انصافه بالصفات اللائقة لحضرة الإمكان من النقصان والكمال .
لذلك قال فهو العالم الجاهل فيعلم لا يعلم والمراد من اتصاف الأصل اتصافه بالصفات الكاملة اللائقة لحضرة الوجوب .
لذلك قال ?الجميل والجليل فمن قال كما أن أصله بعلم في مرتبة الإلهية ولا يعلم في مرتبة ظهوره في صورة الجاهلين مع أنه سوء أدب مع الله فقد أخطأ في فهم المراد من المقام. 
ولما فرغ من أحوال ختم الرسل رجع إلى شيث فقال : (وبهذا العلم) أي بسبب علمه العطايا الأسمائية (سمي شیث لأن معناه) أي معنى شيث (هبة الله) فإذا كان هذا العلم مختصا بشيث عليه السلام

(فبيد، مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها) فلا يأخذ أحد ما عدا روح الخاتم من هذه الخزائن شيئا إلا بشيث و إنما كان مفتاح العطايا بيده (فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه) .
فكان عليه السلام أول مظهر للفتوحات الاسمائية لآدم وأول سببه فتح الله به عطاياه فكان مفتاح العطايا بيده (وما وهبه) لآدم (إلا منه) أي إلا وهبه من نفس آدم.
وإنما كان ما وهبه إلا منه (لأن الولد سر أبيه) ليس أمرا خارجة عن وجود أبيه.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير. فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.  فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
قوله رضي الله عنه :" فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف بذلك، ?الجليل والجميل، وكالظاهر والباطن والأول والآخر وهو عينه ليس غيره. فيعلم لا يعلم، ويدري لا يدرى، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم " سمی شیث لأن معناه هبة الله، فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها."
وقوله: عالم به من حيث هو جاهل به لا يريد ظاهر هذا اللفظ، فإن العلم ينافي الجهل، فلا يفهم المعلوم من حيث هو مجهول بل من حيث ما هو مجهول يجهل ومن حيث ما هو معلوم يعلم . وإلا اختلطت الحقائق
ولكن مراد الشيخ، رضي الله عنه، أن العلم والجهل يجتمعان في هذا الشخص المذكور باعتبارین متغايرين أحد الاعتبارين اعتبار الرتبة والآخر اعتبار الوجود المشخص.
وقوله رضي الله عنه: "فيقبل الأضداد كما قبلها الأصل كالظاهر والباطن والأول والآخر والمعطي والمانع وهو هو، ومن جملة الأضداد التي قبلها الفرع لا الأصل أنه يعلم ولا يعلم ويدري ولا يدري ويشهد ولا يشهد "وباقي الكلام ظاهر.
قوله رضي الله عنه: "فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه، وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه،" 
قلتيعني أن شيث، عليه السلام، هو أول أولاد آدم، عليه السلام، وهو ولد ابنه وهذا باعتبار أن آدم لما كانت عينه الثابتة على قاعدة اصطلاح الشيخ، رضي الله عنه، متعينة في الأزل وفيها كل ما هو صادر عنها في المستقبل، فإذا اعتبرت، اعتبرت لواحقها معها وإن كانت الأجسام متباينة


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير. فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.
 فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )

قال رضي الله عنه : "فهو العالم الجاهل ، فيقبل الاتّصاف بالأضداد ، كما قبل الأصل الاتّصاف بذلك ، كالجليل والجميل »
يعني على معنييه المتنافيين « كالظاهر والباطن ، والأوّل والآخر ، وهو عينه ليس غيره فيعلم لا يعلم ، ويدري لا يدري ، ويشهد لا يشهد " .
قال العبد اعلم :
 فالموصوف بالباطنية والظاهرية والأوّلية والآخرية هوية واحدة لا اختلاف فيها ولا تضادّ ، وهي قابلة لأوصاف متنافية ونعوت وأسماء متباينة ومتشاكلة متشابهة ، كذلك الختم يقبل الأوصاف المتنافية المتكثّرة المختلفة ، والنعوت المتناسبة المؤتلفة ، لأنّه أحدية جمع جميع حقائق الوجوب والإمكان ،فيقبل بذاته الاتّصاف بالكلمالات والنقائص.
 فهو من حيث التركيب العنصري والغواشي الطبيعي جاهل بما هو عالم به من حيث روحه الممدّ وعينه الجامعة ورتبته الكمالية ، ولكن لا يقدح ذلك في كونه بالرتبة والحقيقة والروح عالما بإمداده للأرواح كما لا يقدح تنافي الزوجية للفردية في العدد ، ولا تضادّ السواد والبياض في اللون المطلق ، لكونه بذاته قابلا لهما ، ولا تنافي الملك للشيطان في الحيوانية ، ولا الحقّية للخلقية في الوجود والحقيقة ، فافهم .
قال رضي الله عنه : « وبهذا العلم سمّي شيث ، لأنّ معناه الهبة » أي هبة الله .
" فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أوصافها ونسبها ، فإنّ الله وهبه لآدم أوّل ما وهبه وما وهبه إلَّا منه ، لأنّ الولد سرّ أبيه"
قال العبد :
 إنّما ظهرت العلوم الوهبيّة الجودية والحكم الوجودية الشهودية بالكلمة الشيثيّة ، لأنّ آدم عليه السّلام حزن على فقد « هابيل » حزنا عظيما فسأل الله تعالى أن يهبه ولدا صالحا للإلقاء والوهب الإلهيّ .
فوهبه الله شيثا فسمّاه بهذا الاسم ، يعني هبة الله ، فهو أوّل موهوب لأوّل الصور الإنسانيّة بعد سؤاله الوهب عن الله الوهّاب بمن يكون مؤهّلا للعلم الوهبي ، فظهرت علوم الوهب والإلقاء بشيث عليه السّلام ووهب الحكمة التي في علوم التقابل والتماثل.
ولهذا قال : « بيده مفتاح العطايا » وما وهبه الله آدم إلَّا منه ، لأنّ آدم الذي هو صورة أحديّة جمع الحقائق اللاهوتيّة ، ومنه منبعث حقائق الهبات المفاضة على الأولاد في الوجود ، والولد سرّ أبيه ، وسرّ هذه الصورة الأحدية الجمعية هو الفيض والوهب .
فمنه خرج وإليه عاد ، فإنّ الهبات والأعطيات تعود على حقائق القوابل المظهريّة المرتبيّة ، والأمر محصور بين الوجود والمرتبة ، والإحاطة والجمع بحقائقها يقتضيان الحصر فيهما ويقضيان بهما ، ولهذا ذكر الشيخ رضي الله عنه سرّ الختميّة في هذا الفصّ .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :

قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير. فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.  فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
قال رضي الله عنه : " فهو العالم الجاهل فيقبل الاتصاف بالأضداد " باعتبار الحيثيات " كما قبل الأصل " أي الحق تعالى " الاتصاف بذلك كالجليل والجميل والظاهر والباطن والأول والآخر وهو عينه " أي باعتبار الحقيقة .
فإن الوجود المقيد في الحقيقة هو المطلق مع قيد التعين والتعين ليس إلا قصوره عن قبول سائر التعينات وضيقه عن الاتصاف بجميع الصفات والتسمى بالأسماء ، وذلك القصور والضيق خلقية فهو حق باعتبار الحقيقة والوجود خلق باعتبار النقص والعدم ( وليس غيره ) حقيقة ( فيعلم لا يعلم ويدرى لا يدرى ويشهد لا يشهد ) لأن ما هو به موجود عالم شاهد هو الحق ، وما هو به معدوم جاهل غير شاهد هو الخلق .
قوله " وبهذا العلم " أي علم الأعطية والأسماء " سمى شيث لأن معناه الهبة " أي هبة الله
فيكون أول مولود وهبه الله تعالى له هي النفس الناطقة الكلية والقلب الأعظم ، الذي يظهر فيه العطايا الأسمائية من الروح الأعظم.
فمن ثم قال : وما وهبه إلا منه ، لأن العطايا هي لوازم الأسماء التي لآدم .
ولهذا علله بقوله: " لأن الولد سر أبيه فمنه خرج وإليه عاد ،فما أتاه غريب لمن عقل عن الله" أي معانى الأسماء كما عقلها آدم عنه.
" فبيده مفتاح العطايا " لأن العطايا تصدر من الأسماء ، وهو يعرف الأسماء وما يعرف أحد شيئا إلا بما فيه من ذلك الشيء فهو من لا يعرف الأسماء إلا لأنها فيه وهو مفتاح العطايا ، فصح قوله بيده مفتاح العطايا " على اختلاف أصنافها ونسبها " فإن اختلاف أصناف العطايا إنما يكون باختلاف الأسماء التي هي مصادرها على ما مر .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير.  فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.  فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺠﺎﻫﻞ، ﻓﻴﻘﺒﻞ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﺎﻷﺿﺪﺍﺩ). ﺃﻱ، ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﺗﺼﺎﻓﻪ ﺑﺎﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﺗﺼﺎﻓﻪ ﺑﺎﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﺒﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻭﺍﺣﺪ ﻟﻤﺎ ﺳﻨﺒﻴﻨﻪ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻛﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﺬﻟﻚ، ﻛﺎﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺠﻤﻴﻞ، ﻭﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻦ، ﻭﺍﻷﻭﻝ ﻭﺍﻵﺧﺮ).
ﺃﻱ، ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﺎﻷﺿﺪﺍﺩ، ﻛﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﺻﻠﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺠﻼﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻻ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻷﺣﺪﻳﺔ، ﺇﺫ ﻻ ﻛﺜﺮﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ، ﻭﻛﻮﻧﻬﺎ ﺃﺻﻼ ﻟﻠﻜﺎﻣﻞ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺗﻪ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺃﺟﻮﺑﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﻭﺣﻪ: (ﻭﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺬﻭﻗﻴﺔ، ﻓﻬﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻇﺎﻫﺮ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻃﻦ)، ﻭﺑﺎﻃﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻇﺎﻫﺮ. ﻭﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺁﺧﺮ، ﻭﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻭﻝ. ﻻ ﻳﺘﺼﻒ ﺃﺑﺪﺍ ﺑﻨﺴﺒﺘﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﻴﻦ، ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺮﺭﻩ ﻭﻳﻌﻘﻠﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺫﻭ ﻓﻜﺮ.
ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺨﺮﺍﺯ، ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﻭﺣﻪ، ﻭﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: "ﺑﻤﺎ ﻋﺮﻓﺖ ﺍﻟﻠﻪ"؟
ﻓﻘﺎﻝ: "ﺑﺠﻤﻌﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻀﺪﻳﻦ".
ﺛﻢ ﺗﻼ "ﻫﻮ ﺍﻷﻭﻝ ﻭ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻦ". ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﻋﻨﺪﻩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻧﺴﺒﺘﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ، ﻣﺎ ﺻﺪﻕ ﻗﻮﻟﻪ: "ﺑﺠﻤﻌﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻀﺪﻳﻦ". ﺃﻱ، ﻻ ﻳﻨﺴﺒﺎﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﻴﻦ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺃﻭﻝ، ﺑﻌﻴﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﺜﻴﺔ ﻫﻮ ﺁﺧﺮ.
ﻭﻫﺬﺍ ﻃﻮﺭ ﻓﻮﻕ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺸﻮﺏ ﺑﺎﻟﻮﻫﻢ، ﺇﺫ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﻳﻨﺴﺐ ﺍﻟﻀﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺷﺊ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﻴﻦ (ﻭﻫﻮ ﻋﻴﻨﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻴﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻳﺪﺭﻯ ﻻ ﻳﺪﺭﻯ ﻳﺸﻬﺪ ﻻ ﻳﺸﻬﺪ). ﺃﻱ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﺃﺻﻠﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻐﺎﻳﺮ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻹﻃﻼﻕ ﻭﺍﻟﺘﻘﻴﻴﺪ، ﻓﻴﻘﺒﻞ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﺎﻟﻀﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻴﺼﺪﻕ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ، ﻭﻳﺪﺭﻱ ﻭﻻ ﻳﺪﺭﻱ، ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻭﻻ ﻳﺸﻬﺪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺃﺻﻠﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﻈﺎﻫﺮﻩ ﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻦ. ﻭ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺒﻮﺍﻗﻲ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺳﻤﻰ " ﺷﻴﺚ" ﻷﻥ ﻣﻌﻨﺎﻩ "ﻫﺒﺔ ﺍﻟﻠﻪ".)
ﺃﻱ، ﻭﺑﺴﺒﺐ ﺃﻥ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻛﺎﻥ ﻣﺨﺘﺼﺎ ﺑﻌﻠﻢ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻭﻣﻌﻨﻰ "ﺷﻴﺚ"(ﻫﺒﺔ ﺍﻟﻠﻪ) ﺑﺎﻟﻌﺒﺮﺍﻧﻴﺔ، ﺳﻤﻰ ﺑﻪ ﻟﻴﻄﺎﺑﻖ ﺍﺳﻤﻪ ﻣﺴﻤﺎﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻈﻬﺮ "ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ" ﻭ "ﺍﻟﻔﺘﺎﺡ").(ﻓﺒﻴﺪﻩ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺃﺻﻨﺎﻓﻬﺎ ﻭﻧﺴﺒﻬﺎ).
ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻣﺨﺘﺼﺎ ﺑﻪ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﺣﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﺑﺎﻟﺬﻭﻕ ﻭﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﺇﻻ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﻪ، ﺻﺢ ﺃﻧﻪ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻣﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﻣﻈﻬﺮ ﻟﻠﻮﻫﺎﺏ، ﻓﺼﺎﺭ ﺭﻭﺣﻪ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﻟﻠﻌﻄﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻫﺐ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ.
ﻓﻤﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﺗﻔﻴﺾ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻠﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻮﻫﺒﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺃﺻﻨﺎﻓﻬﺎ ﻭ ﻧﺴﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﻛﻠﻬﺎ، ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﺑﻼ ﻭﺍﺳﻄﺔ.
ﻭﻟﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﺷﻴﺚ ﻫﺒﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﻢ "ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ" ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﻟﻪ ﻭﺑﻴﺪﻩ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ، ﻋﻠﻞ ﺑﻘﻮﻟﻪ: (ﻓﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻫﺒﻪ ﻵﺩﻡ ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻭﻫﺒﻪ).
ﻗﻴﻞ: (ﻗﺪ ﻣﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺏـ (ﺁﺩﻡ) ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻷﻋﻈﻢ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻭﻫﺒﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻴﺔ).
ﻭﻫﺬﺍ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻭﺟﻪ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺗﻨﺰﻳﻠﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺗﺮﺟﻴﺢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺟﺢ .
ﻭﻗﻮﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضى الله عنه : "ﻭﺃﻋﻨﻰ ﺑﺂﺩﻡ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ". ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺁﺩﻡ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻚ، ﻛﻤﺎ ﻣﺮ.
 (ﻭﻣﺎ ﻭﻫﺒﻪ ﺇﻻ ﻣﻨﻪ) ﻷﻥ ﺁﺩﻡ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻭﻻﺩﻩ، ﻟﺬﻟﻚ ﺃﺧﺮﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﻇﻬﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺬﺭ، ﻛﻤﺎ ﻧﻄﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ.
(ﻷﻥ ﺍﻟﻮﻟﺪ ﺳﺮ ﺃﺑﻴﻪ)، ﺃﻱ، ﻣﺴﺘﻮﺭ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﺑﻴﻪ ﻭﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ.
 
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير. فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.  فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
قال رضي الله عنه : "فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف بذلك، كالجليل والجميل، وكالظاهر والباطن والأول والآخر وهو عينه ليس غير. 
فيعلم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله.

فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها و نسبها، فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه:
وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه".
قال رضي الله عنه :  (فهو العالم الجاهل)؛ لأن ما بالذات لا يزول بالغير، وإن اختفى به قبل ت?شف الحجب عنه إذا كانت الهيئات الطبيعية حاجبة للنفس عما في الروح من الأسرار الكامنة كما أن السراج منیر بكل حال. إلا أن الحجاب بينه وبين الجدار مانع من استنارة الجدار لا من نور السراج في ذاته، وإذا كان هو العالم الجاهل. وهما ضدان لتواردهما على محل واحد مع غاية الخلاف بينهما

قال رضي الله عنه :  (فيقبل الاتصاف) بالإمداد فيكون هذا الجهل من كمالاته لا من نقائصه إذ بتثبته بذلك بر به في قبوله (بالأضداد، كما يقبل الأصل) أي: الحق تعالی (الاتصاف بذلك بالجليل والجميل) متضادان، والباطن والظاهر) متضادان، (والأول والآخر) متضادان فاجتمعت في الأصل الأضداد من وجوه كثيرة.
(وهو) أي: الخاتم من كمال اتصافه بصفاته على الطاقة البشرية كأنه (عينه، وليس غيره) فيتصف بالضدين في مراتب العلم أيضا من وجوه كثيرة، (فيعلم ولا يعلم) علم اليقين،
(ويدري ولا يدري) عين اليقين، (ويشهد ولا يشهد) حق اليقين و شيث ابن آدم -عليهما السلام - (بهذا العلم) أي: علم استناد كل عطاء إلى ما منه من الذات والأسماء (سمي شيثا؛ لأن معناه) بالعبرانية الهبة أي: (هبة الله) استغني عن الفاعل لتعينه كأنه بهذا العلم كان نفس العطايا مع أنه أعظم هبة لآدم، مع أنه كان ممدا لمن عداه؛ فهو هبة من كل وجه.
كأنه هبة كلية شاملة على الجزئيات، (فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها)، فإن روحه لكليته يتصرف بخلافة الحق في كل هذه الجزئيات، وكيف لا يكون كليا (فإن الله وهبه لآدم عليه السلام أول ما وهبه)، فلا بد أن يكون كلا تتفرع منه الهبات الجزئية، وكيف لا يكون كليا؟!
(وما وهبه إلا منه)، وهو جامع للأسماء كلها فهبته جامعة لآثارها.

وإنما وهبه منه؛ (لأن الولد سر أبيه)، وإذا كان سره.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير.  فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.  فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
وكذلك قوله رضي الله عنه: (فهو العالم الجاهل ، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف بذلك ، كالجليل والجميل ) في الأوصاف الحقيقية الغير النسبية (وكالظاهر والباطن والأول والآخر) في الأوصاف النسبية .
( وهو عينه ) عند الاتصاف بتلك المتقابلات ( ليس غيره ) في حال من تلك الأحوال ؛ ( فيعلم ولا يعلم ، ويدري ولا يدري ، ويشهد ولا يشهد ) .
قال رضي الله عنه : (وبهذا العلم سمي شيث) أي بالعلم بأحدية جمع جميع العطايا الإلهية جمعا إحاطيا حاويا لجميع النهايات وغايات الزيادات بما لا يفي بمقابلته نقود استعداد العباد، فيكون من خزانة الوهب ومحض الامتنان .
فوقع اسم شيث مطابقا لمسماه ( لأن معناه : هبة الله ؛ فبيده ) أي في قبضة حقيقته الجامعة واستعداده الأصلي (مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها) كما سبق تفصيلها .
قال رضي الله عنه : (فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه) إسعافا بما استدعاه لسان استعداده من استخراج ?وامن العطايا الذاتية والأسمائية فيه ، فما استدعى آدم إلا ما فيه ، (وما وهبه إلآ منه ، لأن الولد سر أبيه ).
وأما بيان أنه أول ما وهبه : فإن آدم كما عرفت هي النفس الواحدة بالوحدة الجمعية ، الكائنة بالكون الإحاطي ، الكامنة فيها تفاصيل جميع العطايا والمواهب ، من مبدأ الفتح إلى منتهی الختم ؛ وشيث كما ظهر من فصّ كلمته المعرب عن نقوش حكمته الخاصّة به هو الكاشف عن وجوه تلك التفاصيل ، من مبدأ ظهورها الفتحي إلى أقصى مراتب كمالها الختمي وأنهى غاياتها التماميّة ، فهو أوّل موهوب له ، ضرورة أنّ الغاية أوّل ما وهب لمبدئها .
وأمّا بيان أنّ كلّ ما وهبه منه ، فهو ظاهر مما عرفت من الجمعيّة الإحاطيّة الكامنة فيه .
ثمّ هاهنا تلويح يفيد للمتفطَّن زيادة تحقيق لهذا الكلام : وهو أنّ لآدم بصورته الكلاميّة - وحدة جمعيّة قد اندمج فيها أنهى مراتب الكثرة عقدا ورقما ، وإنّ شيث هو المفصح عن تلك النهاية كذلك عقدا ورقما .
أمّا الأول : فلما مرّ غير مرّة. 
وأمّا الثاني : فلاشتماله على الحرفين اللذين قد استخرج فيهما بالفعل جميع ما أمكن أن يظهر للحروف من التفاصيل الرقميّة ومن له ذوق استلذاذ هذا المشرب ، فهذا القدر يغنيه
 .
الموهوبات من نفس الموهوب له
ثمّ إنّك قد عرفت في الفصّ الآدمي معنى « آدم » وما بينه وبين الحضرة الواحديّة والحقيقة النوعيّة الإنسانيّة من التفاوت والتغاير فلا نعيده ، وليستكشف أمثال هذه المواضع على طبق ما مهّد من الأصول ، ولا يلتفت إلى  التنزيلات المتعسفة والتأويلات الغير المتسقة لهذا الكلام .
وإذ قد تبين أن الأولاد أسرار الآباء فوهب شيث لآدم ليس مما ناله من الخارج، بل إنما هو من نفسه.
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير.  فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.  فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
قال رضي الله عنه : " فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك "
وذلك لا يستلزم تعدد حيثيات المعروض في معروضيته فيختلف ولو باعتبار.

فقال رضي الله عنه : (فهو العالم الجاهل فيقبل) باعتبار حقيقته المطلقة (فيقبل الاتصاف بالأضداد) . كالعلم والجهل فلا تنافي فيه بين العلم والجهل كما لا تنافي بين الزوجية والفردية في العدد وبين المواد والبياض في اللون بين الحقية والخلقية في الوجود المطلق (كما يقبل الأصل) وهو الهوية الأحدية الواحدية الجمعية (الاتصاف بذلك) المذكور من الأضداد.
قال رضي الله عنه : "كالجليل و الجميل ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخر و هو عينه ليس غير.  فيعلم لا يعلم، و يدري لا يدري، و يشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله. فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها و نسبها"
فقال رضي الله عنه : (?الجليل والجميل) في الصفات الحقيقية و(كالظاهر والباطن والأول والآخر) في الصفات الإضافية.
وإنما جعلهما أصلا للخاتم لأنه مخلوق على الصورة الإلهية فكما أن الأصل يقبل الأضداد من جهة واحدة، فكذلك الفرع إذا تحقق به.
قال الشيخ رضي الله عنه في "الفتوحات المكية" الفصل الأول من أجوبة الإمام محمد بن علي الترمذي قدس الله سره:
 وأما ما نعطيه المعرفة الذوقية فهو أنه أي الحق سبحانه ظاهر من حيث ما هو باطن وباطن من حيث ما هو ظاهر وأول من حيث هو آخر، وكذلك القول في الآخر لا ينصف أبدأ بشيئين مختلفين كما يقرره ويعقله العقلي من حيث ما هو ذو فكر . 
ولهذا قال أبو سعيد الخراز قدس الله سره وقد قيل له: بما عرفت الله؟ 
فقال : بجمعه بين الضدين.

ثم تلا: "هو الأول والأخر والظاهر والباطن" آية 3 سورة الحديد.
فلو كان عنده هذا العلم من تسميتين مختلفتين ما صدق قوله بجمعية الضدين ولو كانت معقولية الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية في نسبتها إلى الحق من الأولية تسميتها إلى الخلق لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي.
ولا استعظم العارفون بحقائق الأسماء ورود هذه النسب بئی يصل العبد إذا تحقق بالحق أن تنسب إليه الأضداد وغيرها من عين واحدة لا تختلف فيه.
(وهو)، أي الخاتم (عينه)، أي عين الأصل (وليس غيره) حقيقة فإن الوجود المقيد هو المطلق مع قيد التعيين.
والتعيين ليس إلا قصوره عن قبول سائر التعيينات وصفة عن الاتصاف بجميع الصفات فإذا ارتفع التعيين بالسلوك عمن نظر السالك، واختفى حكمه اتصف بما اتصف به المطلق من الأضداد.
(فيعلم لا يعلم ويدري لا يدري ويشهد لا يشهد) كما أن الأصل يعلم في مرتبته الإلهية ومظاهره الكمالية ولا يعلم في مرتبة ظهوره تصور الجاهلين.
وكذلك البواقي (وبهذا العلم)، أي نسبة علم الأعطيات والمنح والهبات علما ذوقية وجدانية .
(سمي شيث باسمه لأن معناه) بالعبرانية (الهبة) بمعنى العطية (أي هبة الله) فلما كان عالما بهباته سبحانه كان له نوع ملابسة بهبة الله مع أنه عين هبة الله فسمي به لهذا المعنى. 
(وبیده) وفي قبضة تصرفه (مفتاح العطايا) الوهبية وهو مظهرية الاسم الوهاب والظاهر فيه (على اختلاف أصنافها) المتميز بعضها عن بعض بسبب تميز الأسماء.

لأن تكل اسم عطاء يختص به (ونسبها)، أي خصوصياتها المتعينة نسبة إلى قابليات الأعيان الثابتة فإن لكل عين قابلية لعطاء يختص بها ، وإنما جعل مفتاح العطايا.
قال رضي الله عنه : "فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه: و ما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه."
قال رضي الله عنه : (فإن الله سبحانه وهبه لآدم أول ما وهبه) بعد سؤاله بلسان حاله و مقاله من الوهاب عند فقد هابيل أن يهبه من يكون بدلا منه في مظهر العلوم الوهبية و العطايا المخفية في حقيقة أدم . ملقيا إياها إلى أرواح المستعدين فوهبه الله لآدم وجعله مفتاحا لما أودع فيه.
(وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه) أي مستور موجود فيه بالقوة.

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:00 pm

الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثامنة و العشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه :  ( فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير.    فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه. فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [فهو العالم الجاهل فيقبل الاتصاف بالأضداد كما يقبل الأصل الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل و الظاهر و الباطن و الأول و الآخر].

قال الشارح رضي الله عنه :
( فهو العالم الجاهل ): أي فهو عالم بعينه من حيث ما هو جاهل لأن العين فيهما واحد .
و هو الذي يقول: أنا، فإن الشيث عليه السلام لا يسمّى شيثا إلا باعتبار مجموع الرّوح و الجسد العنصري.
(فيقبل الاتصاف بالأضداد ): أي العين الواحدة المسمّاة بشيث عليه السلام، عالم جاهل باعتبار واحد في أمان واحد، و يطلق على هذا العين الواحدة أنه جاهل في حال كونه يطلق عليه أنه عالم لأن الأمر المرّكّب ذلك التركيب اقتضى ذلك الإطلاق و الاتصاف بالأضداد، كالمرّكّب القوي في الأدوية، يقال فيه: حار بارد، و مسهّل قابض، كالسبق فإنه مسهل قابض، و كالكزبرة حارة باردة، محللة من حيث حرارتها، تحلل الخنازير، رادع مكثف من حيث برودتها .
والمجموع متصف بأنه حار بارد، ومحلل رادع، و هذا من المعقولات التي قبلتها العقول.
فإذا فهمت هذا فاعلم أن الشارح القيصري رحمه الله في شرح هذا المتن قال:
أي في مقام واحد باعتبارين، من حيث اتصافه بالصّفات الكونية، و أما من حيث اتصافه بالصّفة الإلهية فباعتبار واحد.انتهى كلامه.
و فيه ما فيه لأنه إذا قلنا بالاعتبارين فكيف قبل الاتصاف بالأضداد، و كيف يقبل التشبيه ؟ كما قال رضي الله عنه: كما يقبل الأصل الاتصاف بذلك، و الأصل ما اتصف بالأضداد بالاعتبارين حتى يكون مثله، مع قوله واعترافه أنه من حيث اتصافه بالصفة الإلهية فباعتبار واحد، فكيف يشبه الذي باعتبار واحد بالذي باعتبارين، كأنه اشتبه عليه رحمه الله .
أن الصّفات لهذه العين الواحدة لما جاءته من الأجزاء، فاعتبر الاعتبارين، و عقل عن أصل التشبيه بالأصل لأن حقيقةالموصوف في الوجهين حقيا و خلقيا وحدة العين، و لها صفتان متضادتان، فافهم .

( كما قبل الأصل) الحق (الاتصاف بذلك الأضداد، كالجليل و الجميل )، فالجليل من صفات الجلال، و له التنزيه، و الجميل من صفات الجمال و له التشبيه، و العين الواحدة يتصف بها من الأزل إلى الأبد، (و الظاهر و الباطن و الأوّل و الآخر )، و هي الأسماء الإضافية المحضة، و يجمعها الله  كلها كالماء في الأواني المختلفة .
قال: "العارف لون الماء لون إنائه" قبل الاتصاف بحسب الأواني من لا صفة له، وكذلك فيما نحن بصدد بيانه لأن الأصل وحدة العين، فقبل الصفات المتضادة، وهي في الظاهر عين الظاهر، وفي الباطن عين الباطن، وفي الأوّل والآخر كذلك  .
فقبل الأضداد، وهي الحرارة والبرودة، والحلاوة والمرارة، وهو ما واحد، وهذا من مدركات العقل لا كلام فيه .  أراد رضي الله عنه بهذا التمثيل تقريب العقول الضعيفة .

قال المصنف رضي الله عنه : [وهو عينه و ليس غيره فيعلم ولا يعلم، ويدري ولا يدري، ويشهد و لا يشهد .  وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله . فبيده مفاتيح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها. فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه . وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه،]
قال الشارح رضي الله عنه :
( و هو عينه ): أي هذا الفرع القابل للاتصاف بالأضداد عين الأصل، (ليس غيره ): أي قبول الاتصاف بالأضداد عين قبول الاتصاف بالأضداد، (فيعلم ما لا يعلم) له شريك . و أيضا كل علم حصل بالابتلاء، كما قال عن نفسه تعالى: "ولنبْـلوّنكُمْ حتّى نعلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ والصّابرين ونبْـلوا أخْبارُكمْ" [ محمد: 31] .
و هذا لإقامة الحجة، فإنه يعلم ما يكون قبل أن يكون لأن علمه في ثبوته، ومن هذا الذوق: أي وفق (لنبلونكم) .
قال مجذوب: و أمّا أنا فعرفته، و أما هو فلا أدري أنّه عرفني أم لا: أي عرفني مجاهدا أم لا لأن علمه تابع للمعلوم، و المعلوم: أي كونه مجاهد إما ظهر بالنسبة إلى هذا القائل في ذلك الوقت، فلا يتعلق به العلم إلا بحسب ما هو المعلوم عليه
وبيان ذلك أنّ العلم المطلق من حيث التعلق بالمعلومات ينقسم إلى علم يأخذه الكون من الله بطريق التقوى، وهو قوله:  "واتّـقُوا اللّه ويعلِّمُكُمُ اللّهُ واللّهُ بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ البقرة: 282]، و قوله تعالى: "إنْ تتّقُوا اللّه يجْعلْ لكُمْ فُـرْقاناً" [ الأنفال:  29]، و هو علم الإفراد .

قال تعالى في خضر عليه السلام: "وعلّمْناهُ مِنْ لدُنّا عِلْماً " [ الكهف: 65]، وهو علم التقوى، و إلى علم يأخذه الله من الكون عند ابتلائه إياه بالتكليف، وهو قوله تعالى : "ولنبْـلوّنكُمْ حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ والصّابرين" [ محمد: 31]، فلو لا الاشتراك في الصورة ما حكم على نفسه بما حكم على خلقه من حدوث التعلق مع قدم العلم .
وهذا التفصيل من نتيجة العلم بالتحقيق بالصورة، فإذا ظهر العبد على الصورة فلا يفوته  شيء لأنه حقيقي ، » اتق الله حق تقاته «
و إذا ظهر الحق بصورة الإنسان الحيواني في مقام الحيواني في مقام: جعت فلم يطعمني في الحال الذي لا يكون الإنسان في صورة الحق، كان الحكم عليه كالحكم على صورة الإنسان الحيواني الذي ليس على صورة .
فينسب إليه ما ينسب من حركة وسكون وانتقال، وشيخ وشاب، وغضب ورضاء، وفرح وابتهاج، ويد وكف وأنامل، وغير ذلك .
فافهم هذا إني خففت عليك بإيراد هذا التفصيل حين علمت فيك ضعفا، وهكذا البيان في قوله رضي الله عنه: (و يدري و لا يدري ) أي يدري ذاته أزلا و أبدا، و لا يدري له انتهاء، بل من هذا المقام ما قال ابن الفارض رضي الله عنه بلسان الجذب و العشق :
قلبي يحدّثني بأنك متلقي روحي فداك عرفت أم لم  تعرفي وقد عرفت بيان هذه الكلمة حيث عرفت تفصيل ما عرفته فيالعلم آنفا، (و يشهد) الغيب غيبا، بل كله شهادة بالنسبة إليه تعالى، بل من هذا المشهد حكى رضي الله عنه في الفتوحات أنه قال :
يا من يراني و لا أراه   ...... كم ذا أراه و لا يراني

فاستبكى شخص فقيه كان حاضرا في البديهة
يا من يراني مجرما    ..... و لا أراه آخذا
ذا أراه محسنا        ...... و لا يراني لائذا
فسكت، فافهم الإشارة إنّ كل فقيه لا يستأهل بالبشارة، فلهذا أعرض الشيخ رضي الله عنه و لم يبين له حقيقة المعنى.
فلا يدري ما قلناه إلا من فهم إشارة ،" جعت فلم تطعمني، ومرضت فلم تعدني "
فإنه يتنزل إلى سماء الدنيا ليرى هل من مستغفر وهو علّام الغيوب، فافهم .
فإن الأمر في نفس الأمر جمع النقيضين، فإنّ التضاد في الأصل والفرع، يعلم ولا يعلم، ويشهد ولا يشهد، يدري ولا يدري .
ومن هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد لأنه عين العالم، فعين العالم و عين الجاهل عرفت أم لم تعرف، فافهم الأمر على ما هو عليه، و لا تخلط فيخلط عليك .

فإنه سبحانه يقول: "و للبسْنا عليْهِمْ ما يلْبسُون" [ الأنعام: 9].
أما ترى حين خاطب نبيه بقوله: " جعت فلم تطعمني ومرضت فلم تعدني"
فقال :"سبحانك إنك تطعم و لا تطعم " ، فأعرض و أول الكلام حيث رأى فيه رائحة الاستعجاب و الاستغراب .
وهذا الكمل في هذا المقام يقلدون سيدهم قال صلى الله عليه و سلم: " من رآني فقد رأى الحق".
"" يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة، ومن رآني فقد رأى الحق؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي» . الطبراني في الكبير ومسند احمد.
قال: أبو قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رآني فقد رأى الحق " مسند أحمد والبخاري ومسلم.
أبي سعيد الخدري، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتكونني» البخاري.
" من رآني فقد رأي الحق فإن الشيطان لا يتراءى بي. " البخاري
"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي"
وفي طريق: "فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في  صورتي" . البخاري ""

فلما فهم صلى اللّه عليه وسلم عدم الفهم من الحاضرين فقال: "إن الشيطان لا يتمثل بي".
فافهم فإنّ هذا هو العلم، بل هذا من العلم الذي ورد في الحديث الصحيح : " إنّ أفضل الأعمال العلم بالله، ينفعك معه قليل من العمل وكثيره، وأنّ الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره " . رواه الحكيم عن أنس رضي الله عنه .
ورد أنّ: "المؤمن إذا تعلم بابا من العلم عمل به أم لم يعمل به كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة تطوعا ". رواه بن لال في مكارم الأخلاق عن ابن عمر .
و في رواية أخرى :
" تطوعا متقبلة، وإذا علمت الناس عمل به أو لم يعمل به فهو خير لك من ألف ركعة تصليها تطوعا متقبلة " رواه الديلمي عن أبي ذر رضي الله عنه ذكرها في جمع الجوامع هذا .
وهذا وقد ذكرت فيه غيبة المستبصر الفهيم، وغير هذا ما هو العلم في نفس الأمر،بل ترميه الحقائق و تمجه البواطن، فافهم.
و لهذا: أي بأنه ممد الأرواح لهذه العطايا و فنونها، (سمّي شيث) شيثا لأنّ (معناه هبة الله) بلسان السرياني ، فلما كان عليه السلام واسطة فيها، فكأنه عينها بل هو عينها كما بيناه .
( فبيده مفتاح العطايا) لأن هذا النوع من التجلي، هو عليه السلام فتح بابه و بيده مقاليده (على اختلاف أصنافها و نسبها) وذلك لأنه أول تفصيل وقع للإجمال الآدمي في تلك الأصناف من العلوم و المواهب و المنح و الأعطيات .
( فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه )، فهو وهب من الوهّاب بصورة ألوهية الكمالية الفتحية، فهو فاتح أبواب الأعطيات و الخيرات، خفيها و جليها، حقيرها و حليلها.
(و ما وهبه إلا منه ): أي ما وهب ذلك الموهوب إلا منه، فأخذ منه و ردّ إليه  
قال تعالى: "سيجْزيهِمْ وصْفهُمْ إنّهُ حكِيمٌ عليمٌ " [ الأنعام: 139] .
وقال في الحديث: :"إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أردها عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه " .
فما خرج الأمر منه أصلا، ولا يخرج حفظا بحق الأصل ومراعاته، فشيث عليه السلام علما و وجودا تفضيل آدم صورة و معنى .
(لأنّ الولد سر أبيه ) فسر كل شيء حقيقته أو ثمرته.
فعلى الأول أن الولد سر أبيه لأنه تفضيل ما أجمل فيه، فحقيقة الأب التي كانت بصورة الإجمال ظهرت في مفصله على صورة الكمال بأحسن التقويم و الجمال.
فما ظهر الكمال العطائي بأنواعها و أصنافها إلا فيه بتفضيل الإجمال، فالأمر إجمالي و تفصيل و إجمال .
و على الثاني فلأن السر هو الثمرة المكنونة في أكمامه، فهو سر أبيه و ثمرته لأن القابليات أعطت ذلك، فالذي بالقوة في الأب يظهر في الولد لأن كل تجلي يتأخر يضمن الأول مع الزيادة، و هكذا الأمر كما قيل بلسان العجم : نقاش نقش آخر بهتريشد زوال
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:23 pm

الفقرة التاسعة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة التاسعة والعشرين: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :

قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى.  فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور.  وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه.  فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
قال رضي الله عنه : "فمنه خرج و إليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن الله. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من الله شيء، وما في أحد من سوى نفسه شي ء وإن تنوعت عليه الصور. وما كل أحد يعرف هذا، وأن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله.
فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى."
(فمنه)، أي من أبيه (خرج) الابن إلى عالم الدنيا (وإليه)، أي إلى أبيه (يعود) بعد فناء هويته كالحبة تدفن تحت الأرض فنبتت حشيشة، ثم تخرج تلك الحبة في أعلى الحشيشة، فترجع إلى أصلها بعد فناء الزائد عليها من الساق والورق والقشر
(فما أتاه) أى الأب وهو آدم عليه السلام (غريب) عنه بل أتاه ابنه وهو بضعه منه بل هو خرج منه وأتي إليه وليس بأجنبي عنه.
ولهذا اعتبر الشرع نسب الولادة في الإنسان فخصه بأحكام ليست لغيره وهذا أمر واضح (لمن عقل) كل شيء (عن الله) تعالى بدون واسطة.
 فلا خفاء فيه عنده ومن عقل عن غير الله تعالى خفي عليه وشكك فيه .
(وكل عطاء في الكون على هذا المجرى) يكون بحسب استعداد السائل له فإذا أعطيه ، فما أعطى غیر استعداده لا مطلقا، فقد رجع إليه ما خرج منه (فما في أحد) مطلقا من نبي أو ملك أو ولي (من الله) تعالى (شيء) فمن عرفه تعالى منهم إنما عرف استعداده.
 فإستعداده ظهر له في نور معرفة الله تعالى التي تعرض لها، ولو لم يتعرض لها بسؤاله ما أعطته استعداده منها (وما في أحد من سوى نفسه) المستعدة لمعرفة (شيء) فلم يعرف أحد غير نفسه.
(وإن تنوعت عليه)، أي على ذلك الأحد الذي استعد لمعرفة غيره فعرف نفسه في نور معرفة غيره فقط (الصور) الكثيرة فالتبس عليه أمره، فإنه يعرف نفسه من قبل في صورة، ثم ظهرت له نفسه في صورة أخرى عند تعرضه لنور معرفته غيره بحسب استعداده .
فكلما تحقق في معرفة غيره تبدلت له نفسه بحسب اختلاف استعدادها في أطوارها بصور كثيرة منسوبة عند نفسه إلى ذلك الغير.
وإنما هي صور نفسه فقط، والغير على ما هو عليه لا يعرف.
(وما كل أحد) ممن تعرض لهذا العلم (يعرف هذا) الأمر لخفائه ودقته على الأفهام وعزته على الأذواق والمواجيد .
(و) لا كل أحد يعرف أن الأمر المذكور في عين الحقيقة (على ذلك) الوصف من غير شك (إلا آحاد) منفردون بالمعرفة المذكورة (من أهل) طريق (الله) تعالی (فإذا رأيت) يا أيها المريد (من يعرف ذلك) الأمر العظيم المذكور ذوقا ووجدانا (فاعتمد عليه) تفلح باتباعه إن شاء الله تعالى.
(فذلك) العارف المذكور (هو عين صفاء خلاصة)، أي زبدة (خاصة الخاصة من عموم أهل) طريق (الله) تعالی.
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور.  وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه. فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
قال رضي الله عنه : (فمنه خرج) في صورة النطفة (وإليه عاد) بصیرورته على صورة أبيه فالهبة عبارة عن الإخراج والإعادة .
فإذا كان الولد سر (فما أتاه) أي فما أتي الولد أباه (غريب) أي على غير صورة أبيه بل أتي على صورة أبيه لذلك أحبه .
وإذا لم يأت على صورته استكره ونفر منه وليس له ولد ولا بد لسر الشيء بأن يعود إلى ذلك الشيء .
أو فما أتاه عن خارج نفسه قعوده إليه منه (لمن عقل عن الله) أي لمن كان على بصيرة من ربه و علم الأشياء على ما هي عليه (وكل عطاء في الكون على هذا المجرى) أي وكل ما وهب الله للعباد من العطايا ليس إلا منهم وإليهم وإذا كان عطاء الحق على هذا.
(فما في أحد من الله شيء) من العطايا إلا منه وإليه حتى الوجود منه وإليه بأمر الله وهو قول كن (وما في أحد من سوى نفسه شيء) فكان العطاء الذي خرج من نفسه وعاد إليه عين نفسه لا غير .
قال رضي الله عنه : (وإن تنوعت عليه الصور وما كل أحد يعرف هذا) أي ما قلناه (وإن الأمر على ذلك) أي وما يعرف أن أمر العطاء على ما بيناه في نفس الأمر فقوله يعرف هذا يتعلق بالمذكور.
وقوله : وإن الأمر على ذلك يتعلق بمطابقتة في نفس الأمر الأول مرتبة التصور الثاني التصديق (إلا آحاد من أهل الله) وهم الذين تحققوا بالتجليات الأسمائية ووقفوا بأسرار الأسماء والصفات.
(فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه) فإنه من كبار الأولياء يرشدك إلى مقصودك (فذلك) العلم (عين صفاء خلاصة) وهي العلوم العالية الصافية الخالصة عن شرب كدورات النفسانية .
وكيف لم يعتمد من يعرف بمثل هذا العلم (خاصة الخاصة) الخاصة أهل التجلي الصفاتي وخاصة الخاصة أهل التجني الذاتي.
(من عموم أهل الله) أي من جمهور أهل الله فإذا لم يكن في أحد من الله شيء ولا في أحد من سوى نفسه شيء.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور.  وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه.  فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
وقوله رضي الله عنه : "فمنه خرج وإليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن الله.."
قلتيعني أن شيث، عليه السلام، هو أول أولاد آدم، عليه السلام، وهو ولد ابنه وهذا باعتبار أن آدم لما كانت عينه الثابتة على قاعدة اصطلاح الشيخ، رضي الله عنه، متعينة في الأزل وفيها كل ما هو صادر عنها في المستقبل، فإذا اعتبرت، اعتبرت لواحقها معها وإن كانت الأجسام متباينة.
وقوله رضي الله عنه : "وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من الله شیء، وما في أحد من سوى نفسه شيء وإن تنوعت عليه الصوره."
قلت : إذا فهم على ما قررناه من أن لواحق الأعيان الثابتة أنها تكون معها في الاعتبار.
قال رضي الله عنه"وما كل أحد يعرف هذا، وأن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله. فإذا رأيت من يعرف ذلك، فاعتمد عليه وذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالی."
قلت: هذا لا يحتاج إلى شرح ، إلا أن هذا الولي الذي أشار إليه، رضي الله عنه، لا يعرفه إلا من هو مثله وقد يعرفه من يراه مثلا يسأل عن هذا المشرب فيجيب بأحسن ما يجيب غيره. فهذه علامة حسنة تعرف بها حال الأكابر من هو دونهم.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور.  وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه. فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
قال رضي الله عنه : " فمنه خرج وإليه عاد ، فما أتاه غريب لمن عقل عن الله " .
قال العبد : الولد سر ابيه فمنه خرج وإليه عاد ، فإنّ الهبات والأعطيات تعود على حقائق القوابل المظهريّة المرتبيّة ، والأمر محصور بين الوجود والمرتبة ، والإحاطة والجمع بحقائقها يقتضيان الحصر فيهما ويقضيان بهما ، ولهذا ذكر الشيخ رضي الله عنه سرّ الختميّة في هذا الفصّ .
ثمّ إنّ صورة الوهب والهبة الإلهيّة إنّما تكون في الواحد متعدّدة ومتكثّرة ، فهو صورة سرّه القابل للوهب ، فما وصل إليه إلَّا منه ولكن بالحق ، فمنه خرج وإليه عاد .
فما أتاه غريب من غيره ولا من الخارج ، ولا سيّما خارج عن صورة أحديّة جمع الكلّ ، فلا خروج ولا دخول إلَّا بالنسبة والإضافة ، فما خرج عن صورة أحديّة جمع الكلّ عاد على صور تفصيله في الكلَّية التي هي فيه هو أوّلا وهو فيها هي آخرا .
قال رضي الله عنه : " وكلّ عطاء في الكون على هذا المجرى ، فما في أحد من الله شيء وما في أحد من سوى نفسه شيء وإن تنوّعت عليه الصور " .
قال العبد : المواهب والعطايا التي تجري على أيدي العبيد والوسائط وبدونها إنّما هي صور استدعتها خصوصيات القوابل من الوجود المتعيّن فيها بحسبها ، والوجود الفائض من الحق ذاتيّ له ، وقبوله للقوابل إنّما هو بحسب الاستعدادات الذاتية غير المجعولة والخصوصيات ، فلولاها لما تعيّنت صور المواهب والعطايا من خزائن الجود الإلهيّة للقوابل بحسبها .
فوصولها وحصولها وإن كان من خزائن الله ولكنّ المستدعي والمعيّن الموجب لتعيّنها إنّما هو من القوابل وتنوّع صور المواهب للمعطي له في عين الفيض الواحد .
والفيض الواحد إنّما هو بحسب صور الاستعدادات ، فما في أحد من الله شيء ، وإلَّا لزمته مفاسد لا تخفى من التبعيض والتجزّي والحلول وغيرها.
وكذلك ليس في أحد من غيره شيء ، إذ صور المواهب من خصوص استعداده ، وحقيقتها الفيض الوجودي وهو عينه لا غيره في الحقيقة ، فافهم ، فما آتاه الله ما آتاه إلَّا منه .
قال رضي الله عنه : " وما كلّ أحد يعرف هذا ، وأنّ الأمر على ذلك ، إلَّا آحاد من أهل الله ، فإذا رأيت من يعرف ذلك ، فاعتمد عليه ، فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصّة الخاصّة من عموم أهل الله تعالى " .
قال العبد : لا يعرف هذا السرّ الخفيّ إلَّا الأفراد الكمّل ، وهم على طبقات والكلّ يرون النعم والمواهب من الله ، لسريان سرّ " وَما بِكُمْ من نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ".
 وهذا المشهد الذي ذكرنا في ظاهر المفهوم يوهم خلاف هذا ، وليس ذلك كذلك ، لأنّ هؤلاء الطبقات :
منهم : من يرى النعم كلَّها من الله ولكن بالأسباب التي هي غير الله .
ومنهم : من لا يرى الأثر للأسباب والوسائط ، وهي سوى الحقّ كذلك في زعمهم .
ومنهم : من يراها شروطا لا أسبابا ولا عللا ولا وسائط .
ومنهم : من يرى النعم من الله بلا واسطة .
ومنهم : من يرى الوسائط والأسباب أيضا من نعم الله .
وجميع هؤلاء الأصناف محجوبون في عين الكشف ، ومشركون في عين التوحيد ، لأنّهم وإن وجدوا الله تعالى في رؤية النعم كلَّها من الله ، ولكنّهم أثبتوا الوسائط والنعم والمنعم عليه والمنعم أغيارا بعضها للبعض ، والحقيقة تأبى إلَّا أن يكون هو الله الواحد الأحد الظاهر الباطن الواحد الكثير . فالمسمّى واحدا هو الوجود الواحد الحق الذي به تحقّق الحقائق من حيث حقيقته ، وهو المسمّى كثيرا أيضا من حيث تعيّناته في القوابل ، والمنعم هو المفيض لذلك الواحد الكثير ، والمنعم عليه هو المعيّن القابل لتعيّنات أخر بعد الوجود .
فالظاهرية والباطنية والأصالة والفرعية نسب ، فإذا وجد من يرى النعم الواصلة إليه في عرصة الوجود العيني من مدرجة عينه الثابتة ، في الحق أزلا وأبدا من حيث إنّ تلك العين الثابتة عين الحق ، فقد جمع بين رؤية النعم كلَّها من الله ورؤية المنعم عليه عين المنعم ، وشهد أحدية الوجود على ما هي عليه الأمر في نفسه ، فكان هو عين صفاء خلاصة خاصّة الخاصّة من عموم أهل الله .
فإنّ العامّة من أهل الله يرون التوحيد وهو ستّة وثلاثون مقاما كلَّيا نطق بها القرآن في مواضع عدّة فيها ذكر "لا إِله َ إِلَّا الله" في كل موضع منها نعت مقام من مقامات التوحيد.
وأمّا الخاصّة فيرون الوحدة فإنّ التوحيد فيه كثرة الموحّد والموحّد والتوحيد وهي أغيار عقلا عاديّا، والوحدة ليست كذلك.
وأمّا خاصّة الخاصّة فيرون الوحدة في الكثرة، ولا غيريّة بينهما.
وخلاصة خاصّة الخاصّة يرون الكثرة في الوحدة.
وصفاء خلاصة خاصّة الخاصّة يجمعون بين الشهودين، وهم في هذا الشهود الجمعي على طبقات:
فكامل له الجمع ، وأكمل منه شهودا أن يرى الكثرة في الوحدة عينها ، ويرى الوحدة في الكثرة عينها كذلك شهودا جمعيا ، ويشهدون العين الأحدية جامعة بين الشهودين في الشاهد والمشهود .
وأكمل وأعلى وأفضل منه أن يشهد العين الجامعة مطلقة عن الوحدة والكثرة والجمع بينهما وعن الإطلاق المفهوم في عين السواء بين ثبوت ذلك كلَّها لها وانتفائه عنها ، وهؤلاء هم صفوة صفاء خلاصة خاصّة الخاصّة ، جعلنا الله وإيّاك منهم بمنّه ، إنّه قدير خبير .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور. وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه. فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
قال رضي الله عنه : " فبيده مفتاح العطايا " لأن العطايا تصدر من الأسماء ، وهو يعرف الأسماء وما يعرف أحد شيئا إلا بما فيه من ذلك الشيء فهو من لا يعرف الأسماء إلا لأنها فيه وهو مفتاح العطايا ، فصح قوله بيده مفتاح العطايا " على اختلاف أصنافها ونسبها " فإن اختلاف أصناف العطايا إنما يكون باختلاف الأسماء التي هي مصادرها على ما مر .
قوله رضي الله عنه : " فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه وما وهبه إلا منه " معناه أنه عطاء من مقتضيات الأسماء التي علمه الله تعالى إياها حيث قال :" وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها ".
وقد مر أنه أراد بآدم حقيقة النوع الإنسانى الذي هو الروح الأعظم والنفس الواحدة التي عبر عنها بالعين الواحدة والحضرة الواحدية وحضرة الأسماء الأول الذاتية .
فيكون أول مولود وهبه الله تعالى له هي النفس الناطقة الكلية والقلب الأعظم ، الذي يظهر فيه العطايا الأسمائية من الروح الأعظم.

فمن ثم قال : "وما وهبه إلا منه" ، لأن العطايا هي لوازم الأسماء التي لآدم .
ولهذا علله بقوله"لأن الولد سر أبيه فمنه خرج وإليه عاد ، فما أتاه غريب لمن عقل عن الله" أي معانى الأسماء كما عقلها آدم عنه.
"وكل عطاء في الكون على هذا المجرى فما في أحد من الله شيء " أي شيء غريب لم يكن في عينه فإن الأعيان وأنصابها تقسمت بالتجلى الذاتي .
فما لم يكن في أحد من الفيض الأقدس بذلك التجلي قبل الوجود الخارجي لم يهبه الله له قط لأنه ليس بنصيبه فصح .
قوله :" وما في أحد من سوى نفسه شيء " وإن تنوعت عليه الصور .
قوله :" وما كل أحد يعرف هذا وإن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله ، فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه ، فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله " ظاهر ، وذلك أن صفاء حقيقة خاصة الخاصة من شوب الغيرية والخلقية ، يقتضي أنهم لا يرون إلا الأحدية غير محتجبين بالأسباب والوسائط ، لأنهم مكاشفون بوجود الأحد الواحد الكبير المتعال الظاهر الباطن ، ويرون إثبات الغير شركاء .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور. وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه. فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻓﻤﻨﻪ ﺧﺮﺝ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﻋﺎﺩ) ﺃﻱ، ﺧﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﻄﻔﺔ ﺍﻟﻤﻠﻘﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺣﻢ، ﻭﺇﻟﻴﻪ ﻋﺎﺩ ﺑﺼﻴﺮﻭﺭﺗﻪ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﺩﺍﺧﻼ ﻓﻲ ﺣﺪﻩ ﻭ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ.
ﻭﻓﻴﻪ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺁﺩﻡ ﺃﻳﻀﺎ ﺳﺮ ﺍﻟﺤﻖ، ﻷﻧﻪ ﻣﻨﻪ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﻋﻮﺩﻩ، ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﻛﺎﺷﻒ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ: (ﺇﻧﻲ ﺫﺍﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻰ ﻭ ﺃﺑﻴﻜﻢ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ).
ﻓﺄﻃﻠﻖ ﺍﺳﻢ "ﺍﻷﺏ" ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻇﺎﻫﺮﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ "ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ".
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻓﻤﺎ ﺃﺗﺎﻩ ﻏﺮﻳﺐ ﻟﻤﻦ ﻋﻘﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ) ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﻤﻬﻤﻠﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻑ ﺑﻌﺪﻫﺎ. ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺑﺎﻟﻐﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﻤﺔ ﻭﺍﻟﻔﺎﺀ ﺑﻌﺪﻫﺎ. ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻷﻭﻝ "ﻣﺎ" ﻟﻠﻨﻔﻲ. ﺃﻱ، (ﻣﺎ ﺃﺗﺎﻩ ﻏﺮﻳﺐ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻪ) ﻻ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻨﻪ.
(ﻟﻤﻦ ﻋﻘﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ) ﺃﻱ، ﻓﻬﻢ ﻭﺃﺩﺭﻙ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ "ﺍﻟﺬﻱ". ﺃﻱ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺃﺗﺎﻩ ﻏﺮﻳﺐ ﻟﻤﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻏﺎﻓﻼ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭﺃﺳﺮﺍﺭﻩ. ﻭﺍﻷﻭﻝ ﺃﺻﺢ.
ﻭﻗﻮﻟﻪ : "ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ" ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻘﻮﻟﻪ: "ﻏﺮﻳﺐ" ﺃﻱ، ﻓﻤﺎ ﺃﺗﺎﻩ ﻏﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﺑﻞ ﺃﺗﺎﻩ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻪ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ ﻋﻴﻨﻪ ﻭﻋﺮﻑ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ.
ﻭﻳﺆﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ: (ﻓﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﺊ، ﻭﻻ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺳﻮﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﺊ) ﻓﻤﻦ ﻋﺮﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﻋﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺊ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻐﺮﺏ ﺫﻟﻚ.
ﻭﻳﻘﺎﻝ: ﺃﺗﺎﻩ ﻭﺃﺗﻰ ﺑﻪ ﻭﺃﺗﻰ ﻋﻠﻴﻪ. ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎﻝ: ﺟﺎﺀﻩ ﻭﺟﺎﺀ ﺑﻪ ﻭﺟﺎﺀ ﻋﻠﻴﻪ.
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻫﻞ ﺃﺗﻴﻚ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﻐﺎﺷﻴﺔ". (ﻭﻛﻞ ﻋﻄﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺮﻯ) ﺃﻱ، ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻜﻤﻞ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ، ﻟﻴﺲ ﺇﻻ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻓﺈﻥ ﺃﻋﻴﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﺫﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻟﺤﻖ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻪ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻓﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﺊ ﻭﻻ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺳﻮﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﺊ. ﻭﺇﻥ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻮﺭ) ﺃﻱ، ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﻢ، ﻓﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﺊ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻻ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺳﻮﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﺊ، ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ، ﻓﻬﻮ ﺍﻗﺘﻀﺎﺀ ﻋﻴﻨﻪ، ﻭﺍﻟﺤﻖ ﻳﻌﻄﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﺤﺴﺒﻪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻔﺎﺋﻀﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺊ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺃﻳﻀﺎ ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ. ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻫﺎﻫﻨﺎ، ﻣﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻻ ﺍﻷﻗﺪﺱ.
ﻭﺇﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﺎﻗﻀﺎ ﻟﻘﻮﻟﻪ: (ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻛﻠﻪ ﻣﻨﻪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺅﻩ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺅﻩ).
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﻠﻮﺏ ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭ (ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ) ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺘﻨﻮﻉ ﻛﻼﻣﻪ رضى الله عنه  ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﺍﻷﺳﺮﺍﺭ: ﻓﺘﺎﺭﺓ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻔﻴﺾ ﺍﻷﻗﺪﺱ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺗﺎﺭﺓ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﻓﻴﻨﺴﺐ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻓﻼ ﺗﻨﺎﻗﺾ.
(ﻭﻣﺎ ﻛﻞ ﺃﺣﺪ ﻳﻌﺮﻑ ﻫﺬﺍ ﻭﺃﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﺇﻻ ﺁﺣﺎﺩ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻠﻪ). ﻭﻫﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻌﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺪﺭ.
 ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﻳﻌﺮﻑ ﺫﻟﻚ، ﻓﺎﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ) ﺃﻱ، ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻪ، ﻷﻧﻪ ﺣﻖ ﻣﻄﺎﺑﻖ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻷﻣﺮ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻄﻊ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻷﻗﻄﺎﺏ ﻭﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﻗﻠﻴﻼ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ.
ﻗﺎﻝ: (ﻓﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﺻﻔﺎﺀ ﺧﻼﺻﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻮﻡ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻠﻪ).
ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﺮ ﺫﻛﺮﻫﻢ ﻋﻨﺪ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﻟﻜﻴﻦ ﻭﺍﻟﺨﻼﺻﺔ ﺍﻟﻮﺍﺻﻞ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺟﻊ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻭﺻﻔﺎﺀ ﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺤﻘﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ﻋﻦ ﺷﻮﺏ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ ﻭﻧﻘﺎﺋﺺ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور. وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه. فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
قال رضي الله عنه : (فمنه خرج، وإليه عاد، فما أتاه غريب لمن عقل عن الله) أي أدرك منه بلا توسط آلة ولا وساطة عبارة.
ولفظ «العقل» له خصوصية هاهنا من دون "الأخذ" و "الكشف" وغيره من حيث أنه من علوم التفرقة التي يعتبر فيها التفصيل، فلابد من عقل يضبطها، ضبط جمعية للأطراف والنهايات ، فالواصلون إلى هذا الإدراك هم الحكماء الإلهيون ، أرباب العقول الكاملة والأذواق الشاملة .
وما قيل": «إن غفل» من الغفلة، بناء على أن «ما» موصولة فهو بعيد ، نشأ من الغفلة عن مقصود الكتاب ، فإنه تعريض بمن عقل عن الأسباب أعني أهل النظر كما سيجيء ما يؤيده .
قال رضي الله عنه : (وكل عطاء في الكون على هذا المجرى) بواسطة كان ذلك ، أو بلا واسطة، ذاتيا كان ، أو أسمائيا - فإنك قد عرفت أن العطاء الذاتي هو الذي بصورة استعداد المعطى له ، لاغير ؛ والمرآة نصبها الله مثالا له .
( فما في أحد من الله شيء) من خصوصيات العطايا ، وإن كان أصلها ذاتية إلهية ، فإن تلك الحضرة أقدس وأنزه من أن يحضر لديها تلك النسب ، كما سبق تحقيقه في مثال المرأة والصورة المتمثلة فيها ، إذ قد ظهر أنه ليس في التجليات الإلهية خصوصية إلا من القوابل .
قال رضي الله عنه : ( وما في أحد من سوى نفسه شيء ، وإن تنوعت عليه الصور ) أي على ذلك الأحد بحسب سيره في مواطن أراضى استعداده و مسالك عرضها الواسع الذي لاحد لأبعادها ، ولا عد لأفراد الصور المتشخصة فيها ، فتكون هذه الصور التي لا يبلغها الإحصاء عدا وحدا تنوع بها ذلك الأحد مع أحديته، فالكل فيه ، وما فيه من الله شيء.
قال رضي الله عنه : (وما كل أحد يعرف هذا وأن الأمر على ذلك ، إلآ آحاد من أهل الله) صاحب الإشراف على متعانق الأطراف وشاهد الأحدية الجمعية الذاتية ، بأن الكل منه وإليه ، لا خارج منه شيء أصلا ، وأن الله بذاته منزه عن هذه النسب كلها .
لا يقال : إن أحديته تعالى إذا كان أحدية جمع لا تنافي تعدد النسب تقده وتنزهه ؟
لأن الذي ينافيه النسبة مطلقا هو هذه الأحدية ، دون أحدية الفرق - ?ما مر.
(فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه، فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى) ، المعدودين في طي هذه الحكمة بأنواعها وأصنافها .
فذلك الكامل هو عين المنتقدين من الأصفياء، وخلاصة طبقات المنتجبين من الكتل، طبقا على طبق، إلى سبع مراتب لما عرفت سترها غير مرة على ما صرح إليه بعبارته هذه - فلا تغفل.
 
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور. وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه. فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
قال رضي الله عنه :  "فمنه خرج و إليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن الله."
قال رضي الله عنه : 
 (فمنه خرج) سره، (وإليه عاد) السر حين صار هبة له.

(فما أتاه) أي: آدم عليه السلام (غریب) من العطاء بل سره هو الذي أعطاه، وهذه المعرفة إنما تكمل (لمن عقل عن الله تعالی) أنه ما أعطى شيئا إلا ما علمه منه فاقتضاه، ومقتضی عين السر سره؛ فهو المردود عليه.
قال رضي الله عنه : "وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. 
فما في أحد من الله شيء، وما في أحد من سوى نفسه شي ء وإن تنوعت عليه الصور.

وما كل أحد يعرف هذا، وأن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله.
فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى."
ثم صرح بالتعميم نفيا لما يتوهم من تخصيص كون الولد سر أبيه؛ فقال: (وكل عطاء في الكون على هذا المجرى)، وهو رد للشيء مقتضى العين الثابتة للشيء عليه، (فما في أحد من الله شيء) ابتداء من غير اقتضاه عينه إياه، وإذا كان كل عطاء للشيء من مقتضى عينه.
(فما في أحد من سوى نفسه شيء، وإن تنوعت عليه الصور) أي: صور العطايا مع وحدة العين القابلة وذلك لاختلاف استعداداتها المتعاقبة، وكل استعداد سابق مع الأمر المتجدد سبب لاستعداد لاحق، وكل استعداد جديد يقتضي صورة جديدة.
(وما كل أحد) من العارفين (يعرف هذا) أي: اقتضاء كل عين صورا مختلفة باستعداداتها المختلفة بل يتوهم أن استعداد كل عين لما كان من الفيض الأقدس لم يكن فيه اختلاف.
وهو غلط إذ الفيض الأقدس إنما يتعلق بالاستعداد الكلي، وأما الاستعدادات الجزئية التي هي مفاضة، فمن الفيض المقدس بأسباب متوسطة.

""إنما قال عنه: (يعرف) ولم يقل: (يعلم)؛ لأن المعلومات كلها تذكار، فإنها كانت معلومة ثم أنسيت ثم أعلمت، فسميت معرفة؛ لأنها مسبوقة بالجهل بخلاف العلم، فلهذا إن العلم صفة الحق، والمعرفة صفة الكون.""
 ولا يعرف (أن الأمر) الإلهي الكلي (ذلك) التفصيل يتنصل إلى استعدادات جزئية، فتختلف الصور باختلاف تلك الاستعدادات الجزئية (إلا أحاد من أهل الله) المحيطون بتفاصيل أسرار القدر.
ثم بالغ في مدحهم بقوله: (وإذا رأيت من يعرف ذلك) معرفة شهودية،( فاعتمد عليه فذلك عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله) الواقفين على سر القدر.
وذلك لأن عامة أهل الله، إنما يعرفون أن الله تعالى ما فعل بهم إلا ما علم منهم، وخاصتهم علموا أنهم أعطوه العلم هم فحكم عليهم بما علم منهم.
وخاصة الخاصة علموا أنهم حكموا على الله أن يحكم عليهم بما علم منهم، وخلاصتهم علموا أن ذلك الحكم بحسب استعدادهم الأول.
وصفاء الخلاصة علموا أن الاستعداد الأول يفصل إلى هذه الاستعدادات المختلفة، وأمر كل شيء راجع إلى عينه لا غيره، وإذا كان كل عطاء، وفيض في الكون لا يكون إلا عن عين المعطى له ونفسه.
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور. وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه. فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. )
قال رضي الله عنه : "فمنه خرج وإليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن الله. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من الله شيء، وما في أحد من سوى نفسه شي ء وإن تنوعت عليه الصور. وما كل أحد يعرف هذا، وأن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله.
فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى."
قال رضي الله عنه : (فمنه خرج) بصورة النطفة ألمانية في الرحم (وإليه عاد) بصيرورته إنسانا داخلا في حده وحقيقته.
قال رضي الله عنه : (فما أتاه غريب) من خارج وذلك ظاهر (لمن عقل) الحقائق وأدركها (عن الله) لا من عنده نفسه بفكره ونظره (وكل عطاء) يقع (في الكون) جارى (على هذا المجرى) فإنه لا يأتي المعطى له إلا منه لا من خارج.
 فإنه ما لم تقتضي عينه الثابتة ذلك العطاء لا يأتيه أصلا (فما في أحد) من المعطی لهم (من الله) المعطي (شيء) بل الله يظهر ما كان مستورة موجودة فيه بالقوة.
قال رضي الله عنه : (ولا في أحد من سوى نفسه شيء)، بل ما يظهر فيه إلا ما كان مستورة فيه (وإن تنوعت عليه)، أي على ذلك الشيء (الصور) بحسب تنوع استعدادات الأخذ المعطى له، ففي أي صورة كان ذلك الشيء لا يكون من سوى نفس المطعی له أو على ذلك الأخذ فمن أي صورة وصل إليه ذلك الشيء.
فهو من نفسه فإن تنك الصورة كانت موجودة فيه بالقوة، ثم ظهرت بالفعل بعد تحقق شرط ظهورها فما فاض ما فاض عليه من سوى نفسه.
ولا يخفى أن ذلك إنما هو باعتبار الشيخ المقدس لا الأقدس فلا يناقض ما سبق لأن الأمر كله منه ابتداؤه وانتهاؤه .
(وما كل أحد) من أهل الله (يعرف هذا) الحكم يعني أنه ما في أحد من الله ولا من أحد سوى نفسه شيء.
(وأن الأمر) يعني أمر العطاء في الكون كله جار على ذلك المجرى.
(إلا آحاد من أهل الله فإذا رأيت من بعرف ذلك فاعتمد عليه) فيما يقول لأنه حق مطابق أما في الواقع.
قال رضي الله عنه : (فذلك) الذي يعرف ذلك (عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله)، فعموم أهل الله المؤمنون الموجودون، وخاصتهم السالكون السائرون إليه تعالى، وخاصة الخاصة المتحققون بقرب النوافل، و خلاصة خاصة الخاصة المتحققون بقرب الفرائض.
وصفاء الخاصة أي : صفوتهم صاحب مقام قاب قوسين الجامع بين القربين. 
وعين الصفاء أي: المختار من هؤلاء الصفوة صاحب مقام أو أدنى الغير المقيد بالجمع بل له الدور في المقامات الثلاث من غير تقييد بواحد منها. 
وهذا خاصة نبينا صلى الله عليه وسلم وكمل ورثته.

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:25 pm

الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة التاسعة و العشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه :  ( فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه.  وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور.  وما كل أحد يعرف هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه.
فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى.  )
قال المصنف رضي الله عنه : [فمنه خرج و إليه عاد . فما أتاه غريب لمن عقل عن الله تعالى .  وكل عطاء في الكون على هذا المجرى . فما في أحد من الله شيء ولا في أحد من سوى نفسه شيء وإن تنوعت عليه الصور . وما كل أحد يعرف هذا وأن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله. فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه . فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله].

قال الشارح رضي الله عنه :
( فمنه خرج و إليه عاد ): أي من آدم خرج شيث علما و وجودا و صورة و معنى، و إليه عاد نفعه.
أي نفع شيث عليه السلام لأنه رأى تلك الكمالات المفصّلة في نفسه بولده الذي هو إفشاء سره، و إنشاء أمره، و تفصيل مجمله، و إعراب معجمه، فما عمّ آدم و من دونه ذلك التفصيل في نفسه إلا بواسطة روحه الأقدس.
أي روح شيث عليه السلام لأنه بواسطة و ممد لكل من يتعلم في مثل هذا العلم سوى روح الختم، فإنه ختمت به الإحاطة، و ما وراء الله مرمى .
قال تعالى: " وأنّ اللّه قدْ أحاط بكُل شيْءٍ عِلْماً" [ الطلاق: 12] . وعلمه عين ذاته، وذاته عين الوجود.
فقد أحاط بكل شي ء وجودا، هذا هو الختم الذي ختم به العلم و الوجود، فافهم .
( فما أتاه غريب ): أي إذا أوتي الولد أسرار الوالد فما أتاه غريب: أي أجنبي من خارج لأنه تفصيل ما أجمل فيه عليهما السلام، فكما أن الولد عضو من أعضائه التي فصل منه.
كذلك من حيث تفصيل ما عنده من المحملات الأمهات، فمن علم الأمر على هذا النمط علم ما قلناه.

و ذلك لا يكون (إلا لمن عقل عن الله) تجليا شهاديا عيانيا، أو تعريفا إيمانيا لأنه على كشف و علم منه، بل (وكل عطاء في الكون على هذا المجرى)، فإنه ما يجني أحد من شجرة نفسه إلا ثمرة غرسها، ولكن الناس لا يشعرون .
فما في أحد من الله  شيء ): أي بل (و ما في أحد إلا ما هو له) .
" فمن وجد خيرا فليحمد الله و من وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه"
انظر ما الذي أخبرك سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه و آله في هذا الحديث، أدبك بأحسن تأديب، تتأدب مع الله، إنك من وجه مرآة وجوده تعالى، و هو تعالى مرآة أحوالك.
فما دام العبد محاذيا له، يقابل كل شيء بالطهارة المشروطة المعتبرة عند العلماء بالله، إنهم أهل الله وخاصته، فيظهر فيه كل كمال، وإذا انحرف عن كمال المسامتة لاقتصاء حكم حقيقة الانحراف لأنه حقيقة لا يلومنّ إلا نفسه، فافهم .
( و إن تنوعت عليه الصور) لا تحسبها أنها خارجة عنك، كما ترى في المرائي المختلفة صورا مختلفة، طولا و عرضا، فإنها تنوّعت الصور بحسب المرائي لا غير، وأنت الرائي على ما أنت عليه، و تعلم بذلك في نفسك، ولا تنكر تنوعات صورك بل تعلم أنها صورك، وهكذا الأمر في الكون .
وإن شئت قلت في الإلهيات: أما ترى صور المنام، إنك ترى صورا مختلفة، و نتحقق أنه لا غير هناك .

قال الشيخ ابن الفارض قدّس سره في هذا المقام :
أتحسب من ناجاك في سنة ......      سواك بأنواع العلوم الجليلة
فإنه قدّس سره ضرب المثل لوحدة النفس مع تنوعات أوصافها و صورها، فإنه عينها لا غيرها، (و ما كل أحد) (من عموم أهل الله) بل خواصه، (يعرف هذا ): أي أن الأمر منك إليك .
إنما قال رضي الله عنه: (يعرف) و لم يقل: (يعلم) لأن المعلومات كلها تذكار، فإنها كانت معلومة ثم أنسيت ثم أعلمت، فسمّيت معرفة لأنها مسبوقة بالجهل "بل بالنسيان "بخلاف العلم "مسبوق بالجهل". فلهذا إن العلم صفة الحق، و المعرفة صفة الكون.
(وأن الأمر على ذلك ): أي لا يعرف أن كل ما خرج منك يعود إليك، (إلا آحاد من أهل الله )، أهل القرآن هم أهل الله . لأن القرآن كلام الله، و كلامه علمه، و علمه عينه، فلم يجعل لهم صفة سوى عينه، و لا مقام أشرف ممن كان عين الحق صفته على علم منه، فافهم .
وأما آحادهم فهو الذي كشف له عن عينه، و رأى أحكامها بعينها بحسب القابليات و الاستعدادات، ثم تنزل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، بلا قصور و فتور، بل بعلم و شعور، بل بكشف و شهود و حضر، بل بذوق في نفسه، إن الأمر منه بدأ و إليه يعود .
( فإذا رأيت من يعرف ذلك) بالكشف و الشهود و الذوق، (فاعتمد عليه أنه) صاحب علم تام عام، فإنه لا يكشف هذا الكل أحد، بل هو للمعتني الفرد المعتمد الذي به الحل و العقد .
( فذلك ): أي ذلك العارف هو (عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى) .
هذه مراتب خمس للخواص من عموم أهل الله، و هم أهل القرآن، فإنهم أهل الله و خاصته على هذه المراتب الخمس، فالخاصة هو المخصوص بعناية الوصول خاصة، و خاصة الخاصة، و الواصل المردود، و لكن من الحق بالحق، و خلاصتها هو الواصل المردود به لا بالحق، و هذا أتم من الأول لأنه صاحب جمع و فرق، بخلاف الأول فإنه صاحب جمع لا يرى في الوجود غير الله، و صفاؤها هو الذي صفا عن كدورات الأكوان، و لوّث شوب الحدوث و الإمكان، و عينها: أي عين الإنسان الكبير، المسمّى بالعالم، و هو جلاء مرآة الوجود الذي أشار إليه في النص الآدمي بقوله: (كان آدم عين جلاء تلك المرآة التي هي العالم المسمّى بالإنسان الكبير )، فافهم .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثلاثين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:28 pm

الفقرة الثلاثين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثلاثين: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
 قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً. )
قال رضي الله عنه : " فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه تنقلب من وجه بحقيقة تلك الحضرة كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا أو المستطيلة مستطيلا، والمتحركة متحركا. "
(فأي صاحب ?شف) من العارفین (شاهد) ببصيرته أو ببصره (صورة) معقولة أو محسوسة منسوبة عنده إلى غيره (تلقى إليه) تلك الصورة (ما لم يكن عنده من المعارف) الإلهية (وتمنحه)، أي تعطيه (ما لم يكن قبل ذلك في يده) من العلوم الربانية.
(فتلك الصورة) المذكورة (هي عينه)، أي ذاته وهويته وحقيقته (لا) هي (غيره) كما يزعم لقصوره في الشهود عن معرفة مراتب الوجود.
(فمن شجرة نفسه) التي تنبت الصور المختلفة الكثيرة بعدد المعقولات له والمحسوسات (جنى)، أي اقتطف بيد حسه وحدسه (ثمرة غرسه) النابتة في شجرة نفسه.
(كالصورة الظاهرة منه)، أي من ذلك الإنسان (في مقابلة الجسم الصقيل) من مرآة أو ماء أو صحفة زجاج أو حجر مجلو ونحوه.
(ليس) ذلك الظاهر له (غيره)، أي غير نفسه (إلا أن المحل) الذي ظهرت فيه نفسه له بتلك الصورة (أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه) ظاهرة له (وهي تلقى إليه) ما لم يكن عنده من المعارف والعلوم .
(تنقلب)، أي تلك الحضرة أو المحل الذي رأى فيه صورة نفسه من وجه غير الوجه الذي به تلك الحضرة.
وذلك المحل مغاير للناظر فيه (بحقيقة تلك الحضرة) التي رأى فيها صورة نفسه فتكون قابلة لأن تريه صورة نفسه بنفسها من غير أن تتغير عما هي عليه من قبل
كما يظهر الشيء الكبير في المرآة كبيرة على ما هو عليه.
(و) الشيء (الصغير صغيرة والمستطيل مستطيلا والمتحرك متحركا)، ولم تتغير المرآة عما هي عليه في نفسها.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
 قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً. )
قال رضي الله عنه : (فای صاحب ?شف شاهد صورة تلقى إليه) قوله : (ما لم يكن عنده) مفعول تلقی (من المعارف) بیان لما .
(وتمنحه) أي ويوهب تلك الصورة (ما لم يكن قبل ذلك في يده) فجملة تمنحه عطف على حملة تلقى إليه للإيضاح (فتلك الصورة) الملقية إليه (عينه) أي عين الملقى إليه (لا غيره فمن شجرة نفسه) أي وإذا كانت تلك الصورة عينه كانت من شجرة نفسه.
(جني ثمرة غرسه) يعني غرس شجرة نفسه وثمرتها وما تلقى إليه أي من المعارف كل ذلك مستندة إلى العبد وما استند إلى الله إلا الإعطاء خاصة على أيدي الأسماء.
بطلب العبد فكان فصوص الحكم من ثمرة غرسه قدس سره تلقى إليه على يد رسول الله عليه السلام .
فالرسول ليس من ثمرة غرسه ولا هو عينه بل هو خاتم الرسل فلا يكون العبد مفيضا على نفسه بل يحتاج إلى فياض آخر غيره .
وإن كانت هذه الثمرة في غرسه ومن قال في هذا المقام العبد هو المفيض على نفسه لا غير فقد أخطأ. 
ولما فرغ عن الكلام في المعاني الغيبية شرع في الصورة الظاهرة إيضاحا وتسهيلا للطالبين.

قال رضي الله عنه :  (كالصورة الظاهرة) أي مثال الصورة الملقية إلى صاحب الكشف في العينية هو الصورة الظاهرة (منه في مقابلة الجسم المقبل ليس غیره) أي كما أن هذه الصورة ليست غيره بل عينه كذلك هذه الصورة المعنوية ليس غیره (إلا) استثناء عن قوله فتلك الصورة عينه لا غيره لبيان وجه المغايرة (إن المحل أو الحضرة) وهي حضرة الخيال (التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه) أي تلقي تلك الحضرة تلك الصورة إلى الرائي (تتقلب من وجه) وذلك التقلب (لحقيقة تلك الحضرة) أي لأجل اقتضاء حقيقة تلك الحضرة .
وذلك لا ينافي عينيتها بحسب الحقيقة فشبه أيضا هذه المعاني المثالية بالظاهر للإيضاح وتطبيق الظاهر بالباطن حتى يعلم منه أن العلم الظاهر وهو علم الشريعة وعلم الباطن وهو علم الحقيقة شيء واحد وحقيقة واحدة لا مغايرة بينهما.
إلا بتقلب من وجه الحقيقة المحل وهي قلوب المؤمنين لتفاوت درجات عقولهم فكلم الناس على قدر عقولهم فالمغايرة حاصلة لمرآة قلوبهم.
قال رضي الله عنه :  : (كما يظهر الكبير في المرآة الصغير صغيرة و) بظهر غير المستطيل (في المستطيلة مستطيلا) و يظهر غير المتحرك (في) المرآة (المتحركة متحركا) كالماء الجاري.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً.)
و قوله رضي الله عنه : "فأی صاحب ?شف شاهد صورة تلقى إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة غرسه." 
قلت: هذه حقيقة أجمع عليها أهل الله تعالى ولذلك قال الشيخ:
وأنت الكتاب المبين الذي   …..     بأحرفه يظهر المضمر
فما قال بأحرف غیره.
قوله:"كالصورة الظاهرة في المرآة في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تنقلب من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرأة الصغيرة صغيرة أو المستطيلة مستطيلا، والمتحركة متحر?ا."
قلت: الشكل الظاهر في المرآة شبهها الشيخ، رضي الله عنه، بالنور الحق تعالى الذي يرى فيه المشاهد نفسه والذي ذكره في هذا المعنى ههنا ظاهر.
لكني أقول : في المرأة كلاما. فمن فهمه فلا بد أن يعظمني ويصفني بالإدراك التام ومن لم يفهمه فهو عندي معذور لأن أهل الفهم كلهم عجزوا عن ادرا?ه.
فمن ذلك ما يراه الناظر في المرآة فإن الشكل الذي يبدو في المرآة من أعجب الأشياء عند من لا يعرف الحقيقة والذي أقوله فيها.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً.) 
قال رضي الله عنه : « فأيّ صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف ، ومنحته ما لم يكن في يده قبل ذلك ، فتلك الصورة عينه لا غيره ، فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه ، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره ، إلَّا أنّ المحلّ أو الحضرة التي رأى فيها صور نفسه يلقي إليه بتقلَّب من وجه ، لحقيقة تلك الحضرة " .
قال العبد: يشير رضي الله عنه إلى أنّه مهما يرى المكاشف صورة تلقي إليه من العلوم ما لم يكن يعلمه ، فلا يتوهّم أنّها الله ، ولا سيّما إذا كان التجلَّي من حضرة ذاتية .
وإن قالت الصورة : إنّها هي الله ، فليعلم حقيقة أنّ التجلَّي وإن كان من الله كما نطق به ولكن تعيّن التجلَّي له إنّما كان من عينه الثابتة ، فالمتجلَّي إذن عينه من كونها عين الحق.
 فما تجلَّى له الحقّ إلَّا في صورة عينه الثابتة في عين شهود الحق ، فمن شجرة نفسه التي هي للأسماء المعيّنة لله في الوجود الحق وبه من عينه الثابتة المعيّنة لتلك الأسماء من الحضرة وفيها جنى ثمرة علمه التي هي عين العطيّة الإلهية الآتية من حضرة اسمية هي شجرته التي غرسها في أرض حقيقته وعينه الثابتة ، كما أنّ الصورة الظاهرة منه في الجسم الصقيل ليست غيره ، فإنّها لو كانت غيره لكانت فيه بلا هو كذلك .
بل أعطاه محلّ ظهور صورته شهود ذاته ، كذلك ظهوره في الوجود الحق إنّما يكون بحسب ظهور عينه الثابتة في مرآة الحق ، فتعطيه شهود ذاته نفسه في الحق فلا تظنّن أنّها هي الله وإن لم تكن في الحقيقة إلَّا الله ولكنّ الكلّ لا ينحصر في الجزء ، إلَّا أنّ الصورة تنصبغ من وجه بصبغة المحلّ وصبغه فتظهر بحسبه . فكذلك الحق يعطي العين الثابتة من حيث تعيّنها وظهورها فيه حقّيّة هي فيها هي ، وهي بها فيه هو ، فافهم.
قال رضي الله عنه : « كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا أو المستطيلة مستطيلا ، والمتحرّكة متحرّكا "
 قال العبد : ظهور الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا ، ضرب مثل لظهور الحق في مظهرية كلّ عين عين بحسبها .
والمستطيل ضرب مثل لمظهرية عالم الأمر والأرواح فإنّ لها طول العالم والعرض لعالم الصور الجسمانية والمثالية والخيالية من حيث إنّها صور وأمثلة.
والظهور في المتحرّكة متحرّكا ضرب مثل للتجلَّيات والتعيّنات الدائمة الظهور والتنوّع على التوالي حقّا وخلقا، جمعا وفرقا .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً. )
قال رضي الله عنه : " فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقى إليه ما لم يكن عنده من المعارف ، وتمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده ، فتلك الصورة عينه لا غيره "
معناه أن صاحب الكشف قد يترقى بتزكية نفسه إلى عالم المثال وهي الحضرة الخيالية ، وقد يتجاوز عنه بتصفية الباطن إلى حضرة القلب وحضرة السر وحضرة الروح ، وفي كل حضرة يرى الشيء الواحد بصورة تقتضيها تلك الحضرة .
وأول حضرات الغيب بعد الترقي عن الحس الذي هو عالم الشهادة هي الحضرة الخيالية المسماة عالم المثال ومنها المنامات الصادقة والوحى .
فإذا رأى في هذه الحضرة شخصا ألقاه علما لم يكن عنده أو أعطاه عطاء لم يكن في يده فذلك الشخص عينه ظهر في تلك الصورة بحسب اقتضاء محل خياله ليس غيره .
وإعطاه نصيبه الذي اختص به عند تعين الأعيان من الفيض الأقدس.
قال رضي الله عنه : " فمن شجرة نفسه جنى ثمرة غرسه ، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره ، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه ، تلقى إليه بتقلب من وجه لحقيقة تلك الحضرة " أي ليس ذلك المرئي غيره وإلا لكان فيه قبل مقابلته ، إلا أن الحضرة التي رأى فيها صورته ملقية إليه تنصبغ صورته بصبغها .
أي بصبغ الحضرة المتجلى فيها وشكلها وخصوصياتها " كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا والمستطيلة مستطيلا والمتحركة متحركا "  أي كما أن المحل المنظور فيه يؤثر في صورة الرائي .
 فقد يرى الرائي صورته في المرآة الكبيرة كبيرة ، وفي الصغيرة صغيرة ، وفي المستطيلة كالسيف مثلا طويلة .
وفي المتحركة كالماء الجاري متحركة ، وفي الموضوع تحته كالماء منكسة ، فكذلك الحضرات
التي يرى صاحب الكشف صورته فيها تؤثر في صورته وتقلبه إلى صورة تقتضيها الحضرة وحالها ، فإن رأى في الحضرة المثالية شخصا يقول له أنا الله .
أو يعلم الرائي أنه الله فهو عينه في عالم المثال ، وصدق في قوله أنا الله باعتبار الحقيقة ، لأنه هو الحق ، لكن لا على صورته بل على صورة الرائي في محل الخيال .
فهو الحق الذي يتجلى في صورة عينه ، رأى نفسه فيما يعطيه المحل المنظور فيه كالمرئى صورة عينه منصبغة بصبغ الخيال الذي رآها فيه وصورته صورة الحق المتجلى بصورة عينه.
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً. )
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﻓﺄﻱ ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺸﻒ ﺷﺎﻫﺪ ﺻﻮﺭﺓ ﻳﻠﻘﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﻭﺗﻤﻨﺤﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ، ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻋﻴﻨﻪ ﻻ ﻏﻴﺮﻩ"، ﻓﻤﻦ ﺷﺠﺮﺓ ﻧﻔﺴﻪ ﺟﻨﻰ ﺛﻤﺮﺓ ﻏﺮﺳﻪ .
ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺻﻮﺭ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻌﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪ، ﻓﻴﻠﻘﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻤﻔﻴﺾ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻏﻴﺮﻩ، ﺇﺫ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻪ ﻭ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻪ.
ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﺸﺘﻤﻼ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺍﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﺃﻧﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻠﻚ ﺃﻭ ﺟﻦ ﺃﻭ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﻞ ﻏﻴﺮﻩ، ﺑﻞ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻘﻪ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻭﺗﻠﻘﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﺍﻟﻤﺸﻐﻮﻝ ﺑﺘﺪﺑﻴﺮ ﺟﺴﺪﻩ، ﻓﻴﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻛﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺼﻘﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻏﻴﺮﻩ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﻞ، ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺃﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﻧﻔﺴﻪ، ﻳﻠﻘﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺘﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ).
ﺃﻱ، ﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺋﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻏﻴﺮﻩ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺃﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻠﻘﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻣﺘﻘﻠﺒﺎ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ، ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﺮ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻗﺒﺤﻬﺎ، ﻛﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﻠﺐ ﻭﺍﻟﺴﺒﺎﻉ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ.
 ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭ ﺻﻔﺎﺕ ﻏﺎﻟﺒﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻻﻏﻴﺮ، ﻓﻴﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ. ﻓﺎﻟﺒﺎﺀ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: "ﺑﺘﻘﻠﺐ" ﺑﻤﻌﻨﻰ "ﻣﻊ". ﻭ "ﺍﻟﻼﻡ" ﻓﻲ "ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ" ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻞ. ﺃﻱ، ﻷﺟﻞ ﺍﻗﺘﻀﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻘﻠﺐ. (ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺻﻐﻴﺮﺍ. ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﻴﻠﺔ ﻣﺴﺘﻄﻴﻼ ﻭﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ﻣﺘﺤﺮﻛﺎ).
ﺃﻱ، ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ﻣﺘﺤﺮﻛﺎ، ﻛﺎﻟﻤﺎﺀ ﺣﺎﻝ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﺘﺤﺮﻛﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﺎﻛﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺘﺤﺮﻛﺎ.
 
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.  فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً. )
قال رضي الله عنه : "فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه تنقلب من وجه بحقيقة تلك الحضرة"
قال رضي الله عنه : (فأي صاحب ?شف) صوري (شاهد) من عالم المثال (صورة) لشخص إنساني أو غيره (تلقی) تلك الصورة (إليه) أي: إلى صاحب هذا الكشف (ما لم يكن عنده من المعارف، وتمنحه) من عطايا أخر (ما لم يكن قبل ذلك في يده فتلك الصورة) الخلقية المانحة (عينه) أي: عين صاحب هذا الكشف (لا غيره)، وإن غایرت صورته الحالية صورته المحسوسة ضرورة أن العطاء للشيء من عينه الثابتة في أي: صورة ظهرت له من الصور المختلفة باختلاف استعداداتها بحسب المواطن، وهذه الصور المختلفة كالشجرة المختلفة الأغصان إلى الجهات حصلت لنواة عينه الثابتة بحسب غرسها الذي هو موطنها.
(فمن شجرة نفسه) أي: صورة عينه الثابتة (جنى ثمرة غرسه) ، وهي المعارف الملقاة إليه من تلك الصورة.
ثم شبه عينية هذه الصورة المثالية الملقاة للمعارف المانحة ما لم يكن عنده قبل ذلك بصورته المحسوسة مع ما بينهما من التفاوت بعينيه ما يظهر في المرايا الجسمية لصور من يقابلها مع ما بينهما من الاختلاف؛ فقال: (كالصورة الظاهرة) لشخص (في مقابلة الجسم الصقيل)، فإن ما يظهر فيه عينه (ليس غيره) فكذا ما يظهر في عالم المثال ليس غيره (إلا أن المحل والحضرة التي رأى فيها) صاحب هذا الكشف صورته (نفسه تلقى إليه).
ويمنحه (تنقلب) أي: تتغير (من وجه بحقيقة) أي: بمقتضى حقيقة (تلك الحضرة) المثالية بحسب المعنى الغالب على صاحب الرؤية، أو المرئي له .
قال رضي الله عنه : "كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا أو المستطيلة مستطيلا، و المتحركة متحركا."
ثم صرح بالمقصود: وهو تشبيه هذا الاختلاف بالاختلاف بين صور المرايا المحسوسة، وصورة الرائي؛ فقال: (كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا وفي المرآة المستطيلة) يظهر (مستطيلا)، وفي المرآة (المتحركة) يظهر (متحركا) فهذه وجوه الاختلافات بين صورة الرائي، وبين ما يظهر في المرايا بحسب اختلافها في أنفسها.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً.) .
قال رضي الله عنه : "فأي صاحب ?شف شاهد صورة" مثالية - كما وقع لكثير من المنقطعين المتجردين أن يظهر لهم صورة شخص من المرشدين والمعلمين في عالم المثال نوما ويقظة (تلقى إليه) من سماء الوهب والعطايا الذاتية (ما لم يكن عنده من المعارف و تمنحه) من خزائن المواهب الأسمائية (ما لم يكن قبل ذلك في يده ) من نقود الحقائق ، ( فتلك الصورة عينه لاغيره ) على ما هو المتوهم لأكثر المشاهدين .
(فمن شجرة نفسه) المنغرسة في أرض استعداده بید ما له من القوة العالمة العاملة الساقية لها من مشربه المعلوم له من مقسم : "قد علم كل أناس مشربهم ".
(جني ثمرة غرسه) وفي بعض النسخ : « ثمرة علمه » ، لكن الأول أقرب إلى مساق العبارة وترشيح الاستعارة -.
وفي تخصيصه هذه العطايا أولا عند نفيها بالزمان ، وثانيا عند إثباتها بالمكان لطيفة لايخفى على الفطن.
ثم إنه لما كان مأنوس طباع الجمهور في الصورة المذكورة غير ما ذهب إليه بناء على أن الصورة المشاهدة قد تختلف المشاهد واحد في أوقاته وحالاته.
فلو كانت من نفسه ما تغيرت الصورة لعدم تغيرها أراد أن يبينه في مثال يكشف عن تلك الاختلافات ، ويطابق الصورة المذكورة كل التطابق .
فإن نسبة هذا المكاشف إلى ما اقتطف من غرس نفسه من حيث أنه ليس لأحد في تحصيل ذلك الأمر وتصويره مدخل غيره بعينها ( كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ، ليس غيره ) بالذات ، كما لايخفى.
( إلا أن المحل ) يعني الجسم الصقيل ( أو الحضرة ) يعني المواطن الأسمائية المتجلى فيها (التي رأى فيها صورة نفسه تلقي إليه) تلك الصورة (ينقلب من وجه حقيقة تلك الحضرة) والخصوصية الامتيازية التي لمحل .
وذلك لأن المحل المشاهد فيه إذا كان له الوجوه الامتيازية بينه وبين المشاهد ، وغلب عليه ذلك ، لابد وأن يرى صورته في ذلك المحل أو الحضرة المتجلى فيها ، منقلبة من تلك الوجوه ، جوهريا كان ذلك الامتياز أو عرضيا ، وجوديا أو عدميا ، (كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا ، والمستطيلة مستطيلا ، والمتحركة متحركا).
 فعلم أن المواطن والحضرات الأسمائية التي يتحقق بها العبد ، و يساك فيها نحو مواقف القرب ، لها تأثير في مشاهداته و م?اشفاته من الصور اللائحة له في تلك المواطن التي هي بمنزلة المرايا .
وذلك إنما يختلف بحسب علو الاستعداد وقربه لفضاء الإطلاق وانقهار أحكام المتقابلات فيه ، وانحطاطه في مضائق القيد ومهاوي البعد ، واستيلاء قهرمان تلك الأحكام عليه .
فمن العباد من حاذي بوجه استعداده العلي مواطن تعطيه الصورة على ما هي عليه ، أو على قرب منه ، بأن تعطيه الصورة على ما عليه ، ولكن منتكسة في وضعها ، بأن جعل عاليها سافلها ، وخربها عن وضع قبولها ، كما للملامية" على ما قيل: 
وخلع عذارى فيك فرضي وإن أبى   ….     اقترابي قومي ؛ والخلاعة سنتي
ومنهم من حاذی بوجه استعداده المنحط نحو مواطن إنما تعطيه الصورة منصبغة بتلك الأحكام الانحطاطية والوجوه التقابلية .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
 قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. 
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً. )

قال رضي الله عنه : "فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف و تمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه تنقلب من وجه بحقيقة تلك الحضرة
قال رضي الله عنه : (فأي صاحب ?شف شاهد صورة) في عالم المثال المقيد أو المطلق (تلقی) تلك الصورة (إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه)، أي تعطيه قبل ذلك (ما لم يكن قبل ذلك)المذكور من مشاهدة الصورة (في يده فتلك الصور عينه لا غير فمن شجرة نفسه جني ثمرة غرسه)
و هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه. وفي بعض النسخ ثمرة عن بيعه.

 فإن قيل كثيرا ما يرى أهل الله أرواح الماضيين من الأنبياء والأولياء في الوقائع والمقامات في صورة حسنة تلقى إليهم علوم و معارف ليست عندهم. 
ومن هذا القبيل ما ذكر الشيخ رضي الله عنه في صدر الكتاب من المبشرة التي رأي فيها رسول الله پیل وأخذ منه فيها هذا الكتاب مع ما فيه من المعارف والحكم.

فكيف يصح إطلاق الحكم بأن كل صورة تلقى إلى صاحب الكشف ما ليس عنده فتلك الصورة عينة لا غيره؟ 
قلنا : معنى عينية الصورة للمكاشف وإلقائها عليه ما لم يكن عنده أنها مستجنة في غيب نفسه المستعدة بظهورها فظهرت عليه منصبغة بأحكام ما عليه مرآئته من السعة والصقالة والاستواء وغيرهما. 
ثم ألقت عليه من العلوم والمعارف ما يقتضيه استعداده لا غير . 
فالمراد بقوله : فتلك الصورة عينه لا غيره، أنها عينه لا من غيره و عبر عنه بهذه العبارة مبالغة في انصباغها بأحكامه. 
وهذه الصورة التي يشاهدها صاحب الكشف تلقى إليه ما ليس له عنده هي بعينها .

قال رضي الله عنه : (كالصورة الظاهرة منه)، أي من صاحب الكشف في الجسم الصقيل حاز ?ونه (في مقابلة) ذلك (الجسم الصقيل ليس)، أي المرئي من الصورة في الجسم الصقيل (غيره إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه)، أي ملقية إليه ما لم تكن عنده..
فقوله : تلقى إليه مفعول  ثاني للرؤية (ينقلب)صيغة مضارع من الانقلاب
هكذا كانت مقيدة في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وهو خبر أن يعني أن الحضرة التي ترى فيها صورته تنقلب الصورة المرئية فيها وتتحول (بحقيقة تلك الحضرة) باللام التعليلية ، أي لاقتضاء حقيقتها ذلك الانقلاب.
قال رضي الله عنه : "كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا أو المستطيلة مستطيلا، و المتحركة متحركا."
قال رضي الله عنه : (كما يظهر الشيء الكبير في المرآة كبيرة أو) الشيء (الصغير صغير ) فحقيقة المرأة الصغيرة يقتضي انقلاب صورة الكبير إلى الصغير.
(و) كما يظهر الشيء الغير المستطيل في المرآة (المستطيل مستطيلا) كظهور الوجه في السيف المصقول الغير المتحرك. 
(و) المرآة (المتحركة متحركا) كالماء المتحرك فإنه يظهر فيه الساكن متحركا.

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثلاثون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:29 pm

الفقرة الثلاثون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثلاثون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه :  ( فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً. )
قال المصنف رضي الله عنه : (فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقى إليه ما لم يكن عنده من المعارف و تمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده فتلك الصورة عينه لا غيره . فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه . كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه بتقلب من وجه لحقيقة تلك الحضرة .
كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا، ويظهر غير المستطيل والمتحرك في المستطيلة مستطيلا، والمتحركة متحركا.]
قال الشارح رضي الله عنه :
( فأي صاحب كشف ): أي صوري إنما قلنا: صوري لأن صاحب الكشف الذاتي لا يخفى عليه خافية لأنه تحقق بالحق، و بالحق عرف العالم أعلاه و أسفله .
( شاهد صورة تلقى إليه ): أي من عالم المثال المقيد أو المطلق، كما يرى نائم في المنام، و صاحب اليقظة في خياله أن واحدا يقول له: أنت ولي الله، و أمثال ذلك .
( ما لم يكن عنده ): أي الذي لم يكن عنده قبل ذلك، و لا يعلم ذلك من نفسه من المعارف، و تمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده .
أشار رضي الله عنه بذلك إلى أن الإلقاء لا يكون إلا منحا لا محنا، (فتلك الصورة) التي يشاهدها حيث تمثلت له، إمّا في عالم الأرواح الذي هو المثال المطلق، و الخيال المطلق، و هو ميدان الإيجاز و التكوين، و يسمّى ذلك عند الحكماء:
خيال العالم لأن العالم هو الإنسان الكبير و هذا خياله .

و إمّا في الخيال المقيد الذي هو خليج من البحر المطلق، فتلك الصورة المرتبة (هي عينه ): أي عين صاحب ذلك الكشف، سواء كانت صورة ملكية و فلكية أو إلهية، أو غير ذلك، فإنها عينه (لا غيره )، بل إنما هي صورة اعتقاده و استعداده الذي بعينه الثانية تتمثل في مجال عالم المثال على حسب الأحوال، و مقتضى الحال.
فقد تظهر صورة واحدة لمعان كثيرة،  يراد منها في حق صاحب الصورة: أي تظهر تلك الصورة الواحدة في خيال أشخاص متعددة كثيرة مختلفة، يرادمنها تلك الصورة في حق صاحبها معنى واحد من تلك المعاني،فمن كشفه بذلك فهو صاحب النور.
(فمن شجرة نفسه جنى ثمرة غرسه) لأن ما في أحد من أحد شيئا، بل ما في أحد سوى نفسه شي ء لأنه سبحانه يهبك متاعك من غير الوجه الذي تعرف منها أنه متاعك امتحانا، فإذا انكشف الغطاء وكان البصر حديدا علمت ورأيت أنه ما أعطاك إلا ما كان بيدك، فما زاد من عنده، و ما أفادك مما لديه إلا تغير الصورة.
وهو أيضا من مقتضى ذاتك و عينك، كالمطر للأرض، و ليس عين ما تطلبه من الارتواء سوى بحارها، ثم نزل إليها مطرا فتغيرت صورته لاختلاف المحل، فما شربت وما ارتوت إلا من مائها، فهو دولاب دائر، منه يخرج وإليه يرجع ليقع الفرق بين الماء الأصلي الأولي، وبين الهواء المستحيل ماء .

(فمن شجرة نفسه جنى ثمرة غرسه) لأن ما في أحد من أحد شيئا، بل ما في أحد سوى نفسه شي ء لأنه سبحانه يهبك متاعك من غير الوجه الذي تعرف منها أنه متاعك امتحانا، فإذا انكشف الغطاء وكان البصر حديدا علمت ورأيت أنه ما أعطاك إلا ما كان بيدك، فما زاد من عنده، وما أفادك مما لديه إلا تغير الصورة.
وهو أيضا من مقتضى ذاتك و عينك، كالمطر للأرض، وليس عين ما تطلبه من الارتواء سوى بحارها، ثم نزل إليها مطرا فتغيرت صورته لاختلاف المحل، فما شربت وما ارتوت إلا من مائها، فهو دولاب دائر، منه يخرج و إليه يرجع ليقع الفرق بين الماء الأصلي الأولي، وبين الهواء المستحيل ماء . قال تعالى: "لذك تقْدِيرُ العزيزِ العليمِ" [ الأنعام: 96] .

( كالصورة الظاهرة )، أراد بذلك تمثيل الغائب بالشاهد، قال: الصورة المشهودة ( منه ): أي من الرائي (في مقابلة الجسم الثقيل )، كالمرآة و الماء و غيرهما كالخيال .
( ليس غيره ): أي المرئي المشهود في الجسم الثقيل ليس غير الرائي، و إلا لكان فيه قبل المقابلة، و يعلم ذلك على الاختلاف الواقع بينه و بين المرئي، فإنه قد يكون المرئي أطول مما كان الرائي عليه، أو أعرض أو أكبر أو أصغر، و ذلك التفاوت من أثر المرآة .
فلهذا قال: (ألا إن المحل )، الذي هو المحلي و المظهر و المرآة، (و الحضرة التي رآها فيها) و هي الجسم الثقيل الذي هو من حضرة الخيال التي رآها فيها (صورة نفسه) على غير ما هو عليه .
( تلقى إليه بتقلب من وجه ): أي تلقي تلك الحضرة إلى الرائي صورته بنوع تقلب ليس في وجه الرائي، كالطول و العرض و الاستدارة، و غيرها من الأوضاع و الأشكال، و في بعض النسخ يتقلب، قيل: إنه مغزو على الشيخ .
( بحقيقة تلك الحضرة ): أي بنوع تقلب بحقيقة تلك الحضرة، باقتضاء حقيقة الحضرة، (كما يظهر الكبير في المرآة الصغير صغيرا و المستطيل مستطيلا )، كما في السيف أنه بيان مستطيلا، (و المتحركة) متحركا، كما في الماء، فإنه بحركته بيان المرئي الساكن متحركا .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الحادية والثلاثون الجزء الأول .السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:30 pm

الفقرة الحادية والثلاثون الجزء الأول .السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الحادية والثلاثون: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. )
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : ( وقد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة. وقد تعطيه عين ما يظهر منها فتقابل اليمين منها اليمين من الرائي، وقد يقابل اليمين اليسار و هو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: و بخرق العادة يقابل اليمين اليمين و يظهر الانتكاس.
وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا.
فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول، و إن كان يعرفه مجملا.  )
 (وقد تعطيه)، أي تعطي تلك المرآة ذلك الشيء (انع?اس صورته)، أي ع?سها، فيظهر فيها الكبير صغيرا والمستدير مستطيلا (من) جهة (حضرة) تلك المرآة (خاصة) كما إذا كانت المرأة صغيرة أو مستطيلة الصفحة، وربما ظهر الشيء الواحد في المرأة الواحدة أشياء كثيرة إذا كانت صفحة المرأة مضلعة .
(وقد تعطیه) تلك المرآة (عين ما يظهر) له (منها) من غير انتكاس (فيقابل) الجانب (اليمين منها) الجانب (اليمين من الرائي) وهو نادر في بعض المرائي المصنوعة على الحكمة.
قال رضي الله عنه : (وقد يقابل الجانب اليمين من المرآة) الجانب (اليسار) من الرائي (وهو الغالب)، أي الكثير (في المرائي) المشهورة (بمنزلة العادة) الجارية (في العموم) بين الناس.
(وبخرق العادة) في المرآة (أن يقابل الجانب اليمين) منها الجانب (اليمين) من الرائي (ويظهر الانتكاس) بأن يظهر الكبير صغيرة والمستدير مستطيلا ونحو ذلك.
(وهذا) الاختلاف (?له) بالصور الكثيرة للحق الواحد المتجلي بذاته في ذاته (من عطاءات) حقيقة (الحضرة) الواحدة (المتجلي) بصيغة اسم المفعول (فيها التي نزلناها) من قبل (منزلة المرايا) الكثيرة المختلفة من حيث كثرة صفاتها أو أسمائها التي لا تعد ولا تحصى.
و (فمن عرف استعداده) بأن عرف حقيقة الاسم من الحضرة التي يتجلى فيها الحق (عرف قبوله) لأن كل اسم له قبول مخصوص من الحق المتجلي فيه، فقبول الاسم اللطيف غير قبول الاسم المنتقم، ونحو ذلك.
والأثر الكوني هو الظاهر بالاسم بين المتجلي والمتجلي عليه المسمى بذلك الاسم.
(وما كل من يعرف قبوله) الذي هو الأثر الكوني المذكور (يعرف استعداده) الذي هو حقيقة ذلك الاسم المخصوص (إلا بعد القبول) بظهور ذلك الأثر المذكور
(وإن كان يعرفه)، أي استعداده (مجملا) من حيث أنه حقيقة اسم إلهي مخصوص ولا يعرف تفصيله بتميزه عن غيره.
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. )
قال الشيخ رضي الله عنه: (وقد تعطيه انتكاس) أي انعكاس (صورته من حضرة خاصة) كالماء فإن من نظر إليه وجد صورته منتكسة (وقد تعطيه عين ما يظهر منها) أي من عين الرائي بدون انتكاس (فيقابل اليمين منها) أي من الصورة (اليمين من الرائي) كالمرآة.
(وقد يقابل اليمين اليسار وهو) أي كون اليمين مقابلا لليسار (الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم وبخرق العادة يقابل اليمين اليمين) يعني أن اعتبرت صورتك في المرآة الإنسان المقابل وجهه وجهك كان يمينك مقابلا لیسار صورتك فكان هذا التقابل بمنزلة العادة إذ تقابل الصور الإنسانية يجري على ذلك عادة .
وإذا اعتبرت أن ما يقابل يمينك من صورتك هو ما حصل عن يمينك فقد تقابل يمينك ليمين صورتك فكان هذا التقابل بخرق العادة (ويظهر الانتكاس) أي وبخرق العادة يظهر الانتكاس إذ العادة في المقابلة الظهور على قدمه هذا كله ظاهر لمن نظر في المرآة .
(هذا كله) أي الاختلاف المذكور بين الرائي والمرئي في حقيقة الحضرة أي تنوع الصورة على الرائي (من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلي فيها التي أنزلناها منزلة المرائي) و نسبنا هذه الأعطيات إلى المرايا وعلى الحقيقة كلها من حقيقة الحضرة المتجلي فيها .
فإذا ثبت أن الصور المتنوعة على الرائي في الحضرات عين الرائي والكثرات تنشأ من الحضرات (فمن عرف استعداده عرفه قبوله) أي عرف ما يقبل استعداده في كل زمان وفي كل حضرة (وما كل من عرف قبوله) أي ما يقبله استعداده (يعرف استعداده إلا بعد القبول) أي لولا الاستعداد ما قبل.
(وإن كان يعرفه مجملا) لأن العلم بعد القبول علم من الأثر إلى المؤثر وهو علم إجمالي .
فإذا كان كل ما حصل للممكن منه إليه ما فعل الحق بالممكن شيئا إلا بحسب اقتضاء ذاته وبحسب قابليته فمشيئته تعالى تابعة لأحوال الممكن .
فما يشاء تعذيب من يستحق التنعيم ولا كفر من يستحق الإيمان فلا جبر أصلا من الله لا صرفا ولا متوسطا.
فإن كان وذلك أيضا منه وإليه ونسبة جبر المتوسط إلى الله مجرد اصطلاح ممن عجز عن إدراك الأشياء على ما هي عليه .
وإلا فلا أصغر من الفتيل ولا يظلمون فتية بسبب الظلم من الله عن أصله ولكن الناس أنفسهم يظلمون فلا يلومون إلا أنفسهم فما شاء الله ما يناقض حكمته
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. ) 
قوله رضي الله عنه :"وقد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عين ما ظهر منها، فتقابل اليمين منها اليمين من الرائي، وقد يقابل اليمين اليسار وهو الغالب في المرائي بمنزلة العادة في العموم وبخرق العادة يقابل اليمين اليمين ويظهر الانتكاس، وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله."
قلت: الشكل الظاهر في المرآة شبهها الشيخ، رضي الله عنه، بالنور الحق تعالى الذي يرى فيه المشاهد نفسه والذي ذكره في هذا المعنى ههنا ظاهر.
لكني أقول : في المرأة كلاما. فمن فهمه فلا بد أن يعظمني ويصفني بالإدراك التام ومن لم يفهمه فهو عندي معذور لأن أهل الفهم كلهم عجزوا عن ادرا?ه.
فمن ذلك ما يراه الناظر في المرآة فإن الشكل الذي يبدو في المرآة من أعجب الأشياء عند من لا يعرف الحقيقة والذي أقوله فيها.
إن العجب هو كون الإنسان لا يرى وجهه في كل شيء لأن الوحدانية قائمة بكل الأشياء لكن المرآة لما تشابهت أجزاؤها أشبهت النور الوحداني بالصقال الذي فيها، فظهر ما قابلها بها لا فيها
ومن أسرار رؤية الشكل في المرآة أن الإنسان المقابل لها يظن أن يمينه يقابل شمال الشكل وشماله يقابل يمين الشكل وليس كذلك .

بل اليمين يقابل اليمين والشمال يقابل الشمال لأنك لما أقبلت بوجهك على المرآة انبعث منك نور وجودي ما كان يظهر لعين الرائي حتى انعكس في الصيقل من المرآة ولم يتفرق أجزاؤه كما تفرقت فيما ليس بصیقل وكأنه تكاثف تكاثفا ما ووجه الشكل ما كان مقابلا لوجهك بل ظهره هو المقابل لوجهك.
لأنك لما قابلته كنت متوجها إلى القبلة مثلا أو غيرها، فيكون الشكل مستقبلا للقبلة أيضا فما رأيت منه إلا قفاه لكن اتفق أنه ليس قفا لأنه وجه كله.
فلما نظرت إليه من الجهة التي هي قفاه ولم يكن إلا وجها، فما رأیت إلا وجها وبصرك وقع على ذلك الوجه الذي هو مستقبل للقبلة وأنت أيضا مستقبلها .
ولا يمكن إلا هذا لأنك ما قابلته بالقفا، فيكون للشكل قفا فهو وجه كله من حيث ما رأيته، فكلاكما متوجه إلى جهة واحدة.
فالذي يقابل يمينك هو يمنه والذي يقابل شمالك هو شماله لأن نظرك إليه هو من ورائه .
وأما رؤية الانسان الواقف إلى جانب غدير الماء منكوسا فهو واجب لأن الواقف لا في سطح الماء بجملته فظهر ما كان قريبا لسطح وجه الماء وهو رجلاه تلي سطح الماء في القرب ثم تباعد ما فوق رجليه ويقدر بعده تباعد شكله في الماء واستمرت هذه المقابلة إلى الرأس.
فكان الرأس أبعد من بقية الجسد إلى سطح وجه الماء، فلا جرم ظهر الشكل رأسه بعید من وجه سطح الماء ولو لم يظهر منكوسا لما طابق الشكل صاحبه في البعد والقرب من سطح الماء.
فلا المرآة كذبت ولا الماء كذب وكذلك غصون الشجر في نظرك إليها في الماء وكذلك الكواكب لما كانت بعيدة من سطح وجه الماء ظهرت في الماء بعيدة.
وأما أصل مسئلتنا وهو رؤية العبد نفسه في مرآة وجود الحق فمن عرف وحدانية الوجود، عرف أن نفس رؤيته نفسه، هو عين رؤيته ربه، تبارك وتعالى.
ولو رأى الرائي نفسه من حيث ما يغاير الرأي المرئي لما رأى شيئا لأن الوجود واحد وليس مع الوجود غيره والاعتبار الذهني الذي وقع به الاختلاف عند المقايسة الذهنية ما كثر الواحد.
ولو فرضنا مثلا أن العالم يذوب مثلا كما يذوب الشمع لقام جوهر النور وحده ولم يشهد أنه فارقه بما ليس بوجود أو نقص الجوهر الوجودي الانعدام الصور التي كذب الحس في اعتقاده أنها كانت موجودة بل هو مع الصور واحد كما هو بدونها واحد ومن لم يشهد هذا، فما أدرك وحدانية النور الذي انتفخت فيه صور العالم. وقولنا: انتفخت فيه صور العالم أو وجدت أو انعدمت إنما أحوجنا إليه ضرورة العبارة وما ثم إلا الوجود وأما تعيناته واعتباراتها، فما كانت موجودة حتى تقول إنها تنعدم ومن لم يغب بالفناء عن رؤية الأغيار، فما يري نور الأنوار.
فنعود إلى تحقيق أمر الأشكال الظاهرة في المرآة، فنقول: أما رؤية الشكل في السيف طويلا فله سبب وذلك أن النور الذي انبعث من المقابل للمرآة ما انعكس منه إلا في متطاول فصار متطاولا.
كما إذا سب?ت الذهب الذائب من البوتقة في متطاول صار سبيكة طويلة وإن سكبته في مستدير صار مستديرا، لأن النور الصادر من المقابل للمرآة ما استصحب شكل المقابل معه بل صدر نورا بسيطا لا شكل له، فقبل التشكل بصورة الوعاء .
ولما كان ما سبك من البوتقة ذهبا وحده كانت سبيكة ذهبا لا سبيكة فضة مثلا، فظهر حقيقة المقابل إن كان إنسانا فإنسان ، وإن كان غيره فغيره.
وعرض له من الوعاء الذي انتقل إليه من البوتقة شكل لا يغير حقيقة المسكوب ولا يخل بما يقتضيه حقيقة الوعاء
وقول الشيخ، رضي الله عنه: قد يقابل اليمين اليسار يعني في ظن الرأي لا في حقيقة الأمر بل الأمر كما قاله أولا والعادة في العموم غلط، والتحقيق هو الأول .
و قوله: "وما كل من يعرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول، وإن كان يعرفه مجملا " 
قلت:
 
القبول يحس لأن من قيل له مثلا لو اعطاك الأمير دراهم هل كان عندك قابلية تأخذها.
لقال: وما الذي يمنعني من ذلك؟ ويحس بالقابلية. 
وأما الاستعداد الذي يوجب على الأمير أن يعطيه فقد يخفى عليه إلا بعد أن يأخذ الدراهم وقد يعرفه مجملا لا مفصلا.

 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. )
قال رضي الله عنه : « وقد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصّة ، وقد تعطيه عين ما يظهر منها ، فيقابل اليمين منها اليمين من الرائي ، وقد يقابل اليمين منها اليسار من الرائي وهو الغالب في المرائي بمنزلة العادة في العموم ، وبخرق العادة يقابل اليمين اليمين ويظهر الانتكاس . هذه كلَّها من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّي فيها التي أنزلناها منزلة المرائي ".
قال العبد : ظهور الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا ، ضرب مثل لظهور الحق في مظهرية كلّ عين عين بحسبها .
والمستطيل ضرب مثل لمظهرية عالم الأمر والأرواح فإنّ لها طول العالم والعرض لعالم الصور الجسمانية والمثالية والخيالية من حيث إنّها صور وأمثلة .
والظهور في المتحرّكة متحرّكا ضرب مثل للتجلَّيات والتعيّنات الدائمة الظهور والتنوّع على التوالي حقّا وخلقا ، جمعا وفرقا .
وانعكاس الصورة في المرآة إذا كانت تحت الرائي في الوضع ضرب مثال للحق في الخلق خلقا لا حقّا .
وانعكاسها فيها بعكس ما ذكرنا إذا كانت المرآة فوق الرائي ضرب مثل لظهور الخلق في الحق حقّا لا خلقا .
وتقابل اليمين اليمين ضرب مثل لظهور الحق المطلق في مظهرية الإنسان الكامل كاملا ، أو لظهور الحق المطلق في المقيّد المحاذي للمطلق مطلقا من حيث إنّ عكس العكس يستوي بالأصل ، ومن حيث إنّ الحق مع أنّه في كلّ متعيّن عينه فهو غير متعيّن على التعيين في المطلق نفسه في المقيّد المنطلق عن غيره قيّده الفاني عن نفسه مطلقا ، فافهم.
قال رضي الله عنه : " فمن عرف استعداده ، عرف قبوله ، وما كلّ من عرف قبوله عرف استعداده إلَّا بعد القبول وإن كان يعرفه مجملا " .
قال العبد أيّده الله به اعلم : أنّ أهل العلم بالاستعداد على ضربين :
منهم : من يعلم استعداده الذاتيّ غير المجعول الذي به قبل الوجود أوّلا ، فيعرف في ضمن ذلك الاستعداد غير المجعول استعدادات أخر مجعولة تتجدّد له في تطوّره بأطوار الوجود ، عرف قبوله لما يقبله في كلّ آن من الزمان من التجلَّيّات والأعطيات والهبات في كلّ موطن ومقام وحال . وهذا العالم أعلى عالم بالله في هذا المشرب والمشهد ، ويختصّ بالختمين لا غير ، إلَّا من يشاء الله من الكمّل والأفراد الندّر ، جعلنا الله منهم بمنّه ويمنه .
ومنهم : من علم قبوله من استعداده المجعول في كلّ وقت وحال ، بمعنى أنّه لمّا استعدّ لقبول تجلّ أو عطاء أو هبة أو حال أو مقام ، وتهيّأت أسباب ذلك في الوجود ، عرف أنّ ذلك الاستعداد الوجوديّ إنّما حصل له من ذلك الاستعداد الذاتيّ الأزلي غير المجعول ، فإنّ الثاني حكم من أحكام الأوّل ، وأنّه قبل به الوجود أوّلا على وجه ينتج ظهور هذا الاستعداد الحالي الوجودي آخرا .
ومنهم : من يعرف استعداده من قبوله بمعنى أنّه إذا حصل له فيض ، وقبل تجلَّيا ، عرف من الحاصل استعداده المستدعي لذلك العطاء من حيث إنّه لو لم يكن له استعداد ، لم يحصل له ذلك القبول وذلك بعد الوقوع ، وقد يعرف الاستعداد بدلالة الحال قبل القبول للتجلَّي وحصوله ، كالكاتب المجد إذا تهيّأت أسبابه وآلاته على الوجه المطلوب ، وحمله باعث الحال على الكتابة ، فإنّه يتحقّق وقوع الكتابة قبل وقوعها ، ويتحقّق الاستعداد المستدعي لذلك .
ومنهم : من يعرف الاستعداد الأصلي المذكور مجملا ، فيعرف كذلك مجملا ما يقبله من الفيض والتجلَّي ، والعالم بالتفصيل له على الكلّ كلّ التفصيل ، مثل ما ذكرنا عن خاتم الأولياء ، وشهوده جميع أحواله وعلومه وتجلَّياته وهيئاته التي أقامه الله فيها إلى آخر عمره حال دخوله في بلاد الشرق ساحل بلاد الروم .
قال رضي الله عنه : « شهدت جميع ذلك حتّى صحبتي مع أبيك ".
يعني أبا الشيخ صدر الدين ، محمد بن إسحاق رضي الله عنه : " وشهدت ولادتك في زمانها ، ومرتبتك عند الله ، وجميع مكاشفاتك وأذواقك وأذواق أولادك الإلهيّين ، ومشاهدهم ومقاماتهم وعلومهم وتجلَّياتهم وأسماءهم عند الله ، وحلية كلّ واحد منهم ، وأحواله وأخلاقه وكلّ ما يجري لك وعليك وعليهم إلى آخر أعماركم وبعد المفارقة في برازخكم وما بعدها ، والحمد لله " .
وهذا النوع من العلم يختصّ بمثله ، وكان لأبي العبّاس الخضر عليه السّلام علم الاستعدادات شهودا وكشفا .
منه علمه باستعداد الصبيّ الذي قتله أنّه لو عاش ظهرت استعدادات فرعيّة وجودية توجب أن يرهق أبويه طغيانا وكفرا ، وأنّه يقتل عن ذلك الاستعداد على الطهارة والفطرة عناية من الله سبقت له بموجب استعداده الأصلي أيضا .
وهو مخصوص بظهور الولاية ، مستور عن عامّة الأنبياء وخاصّتهم من كونهم أنبياء وإذا شهدوها ، شهدوها من جهة الولاية ، وهي المشكاة الخصيصة بخاتم الأولياء ، فافهم وتذكَّر ما ذكَّرت به إن شاء الله تعالى .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. )
قال رضي الله عنه : " وقد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة وقد يعطيه عين ما يظهر منها ، فيقابل اليمين منها اليمين من الرائي ". أي وقد تعطيه حضرة أعلى من حضرة الخيال عين ما يظهر من الصورة لا عكسها كحضرة السر والروح ، فيقابل اليمين منها اليمين من الرائي ، كظهور الحق في صورة الإنسان الكامل مطلقا.
" وقد يقابل اليمين اليسار"  كما في الحضرة الخيالية .
" وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم" على حسب الحال الغالبة عليه ، فإذا جاوز هذه الحضرة يرى عينه في صورة صفاته إما مجردة عن هذه الصورة الخيالية وإما فيها فإن كان القلب في مقام الصدر أي وجهه الذي يلي النفس رآه في الصورة الخيالية فيدرك معنى الصورة بصفاته .
وإن كان في مقام السر وهو وجهه الذي يلي الروح يراها مجردة وتكون في غاية الحسن والبهاء ، وإن بلغ صاحب الكشف حضرة الروح يرى عينه في مرآة الحق فهو الحق المتجلى بصورته ، فيرى الخلق حقا لأنه ما رآه إلا مقيدا بصورة عينه.
" وبخرق العادة تقابل اليمين اليمين " أي على خلاف العادة لأنه يرى عينه بعينه في مرآة الحق ، فهو إذن كالرائى صورته في المرآة الكبيرة كبيرة ، وإذا شاهد الحق في صورة عينه أو غيره يرى الحق خلقا .
كالرائى صورته في المرآة الصغيرة صغيرة " ويظهر الانتكاس " لأن المرآة تحته مع كون اليمين يقابل اليمين لكون الحق بصره الذي به يبصره في مرآة عينه .
وإن أطلق الحق عن قيد تعينه كالكامل المطلق الفاني في الله الشاهد للأشياء في الحق بعين الحق ، يرى الحق حقا والخلق خلقا والمطلق في المقيد والمقيد في المطلق .
فيرى كل اسم من أسمائه موصوفا بجميع أسمائه كما سيأتي وقد استجيب في حقه دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: « اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه » .
ومما ذكر يظهر معنى قوله " وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرائى " .
قوله رضى الله عنه : " فمن عرف استعداده عرف قبوله ، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول ، وإن كان يعرفه مجملا " معلوم بما مر في أول هذا الفص عند تقسيم الواقفين على سر القدر . حيث قال : فمنهم من يعلم ذلك مجملا ومنهم من يعلمه مفصلا.
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. )
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻭﻗﺪ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﺍﻧﺘﻜﺎﺱ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻣﻦ ﺣﻀﺮﺓ ﺧﺎﺻﺔ) ﻭﺫﻟﻚ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮ ﻓﻴﻪ ﻳﺮﻯ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻣﻨﺘﻜﺴﺔ.
ﻭﻛﻞ ﺟﺴﻢ ﺻﻘﻴﻞ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻄﻰ ﺍﻻﻧﺘﻜﺎﺱ. (ﻭﻗﺪ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﻋﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻴﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ) ﺃﻱ، ﻭﻗﺪ ﺗﻌﻄﻰ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﻟﻠﺮﺍﺋﻲ ﻋﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﻐﻴﻴﺮ، ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ.
ﻑ "ﻣﻦ" ﻓﻲ "ﻣﻨﻬﺎ" ﺍﻷﻭﻝ ﺑﻴﺎﻥ "ﻣﺎ".
ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺀ: ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ. ﻭﻗﻴﻞ: (ﺇﻥ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺓ ﺍﻟﺴﺮ ﻭﺣﻀﺮﺓ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ).
ﻓﺄﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻤﺎﻝ، ﺑﻞ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻻ ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺓ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻭﺍﻟﺤﺲ، ﻭﺣﻀﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﺮ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺨﻔﻰ، ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ، ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﺟﻬﺎﺗﻬﺎ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ ﺑﺎﻟﻤﺤﺴﻮﺱ ﻻ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ ﺑﺎﻟﻤﻌﻘﻮﻝ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻭﻗﺪ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﻳﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ).
ﻭ ﺫﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ، ﻓﺈﻧﻚ ﺇﺫﺍ ﺍﻋﺘﺒﺮﺕ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﻭﺟﺪﺕ ﻳﻤﻴﻨﻬﺎ ﻣﻘﺎﺑﻼ ﻟﻴﺴﺎﺭﻙ ﻭﻳﺴﺎﺭﻫﺎ ﻣﻘﺎﺑﻼ ﻟﻴﻤﻴﻨﻚ، ﻛﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺎﺑﻼ ﻭﺟﻬﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬﻚ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﻋﺘﺒﺮﺕ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﻞ ﺑﻴﻦ ﺻﻮﺭﺗﻚ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻨﻚ ﻣﻘﺎﺑﻼ ﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺇﻧﻚ ﺇﺫﺍ ﻭﺿﻌﺖ ﺃﺻﺒﻌﻚ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻚ ﺍﻷﻳﻤﻦ، ﻣﺜﻼ، ﻳﻈﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﻭﺟﻬﻚ ﺍﻷﻳﻤﻦ، ﻓﻬﻮ ﻳﻤﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﻮﻫﻢ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﻳﺴﺮ، ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻣﻨﻚ ﻻ ﻏﻴﺮﻩ.
(ﻭﺑﺨﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺍﻻﻧﺘﻜﺎﺱ). ﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺀ. ﻓﺈﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﻭﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺐ ﺍﻟﻨﻬﺮ، ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻣﻨﺘﻜﺴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻇﺎﻫﺮﺍ.
ﻭﻣﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﻳﺎ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺍﻻﻧﺘﻜﺎﺱ، ﺑﻞ ﺇﺫﺍ ﺣﻘﻘﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ، ﻭﺟﺪﺕ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﻓﺎﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺘﻜﺲ، ﻳﻨﻘﻠﺐ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻳﺴﺎﺭﺍ ﻭﻳﺴﺎﺭﻩ ﻳﻤﻴﻨﺎ. ﻓﻤﺎ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻊ ﺍﻻﻧﺘﻜﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ، ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻟﻨﺎ.
ﻗﻴﻞ: (ﺇﻥ ﻳﻤﻴﻦ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﻤﺮﺋﻲ، ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﺮﺁﺓ، ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻣﻘﺎﺑﻼ ﻟﻠﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﻭﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ﻟﻠﻴﺴﺎﺭ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻈﻦ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﻋﻜﺴﻪ ﻟﻈﻨﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺒﻠﺔ، ﻣﺜﻼ، ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺒﻠﺔ، ﻓﺎﻟﻤﺮﺋﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﻔﺎﺀ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻗﻔﺎﺀ ﻟﻪ، ﻷﻧﻪ ﻭﺟﻪ ﻛﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻭ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ). ﻭﻓﻴﻪ ﻧﻈﺮ.
ﺇﺫﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻭﺍﻟﻈﻬﺮ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻟﺠﺮﻡ ﻛﺜﻴﻒ، ﻭﻣﺎ ﺛﻢ ﺇﻻ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺑﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻧﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺋﻲ ﻭﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﺷﻤﺎﻻ ﻭﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻳﻤﻴﻨﺎ، ﻭﺃﻣﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﻞ ﻓﻘﻂ، ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺠﻬﺔ، ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻟﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻜﺴﻪ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻭﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻋﻄﻴﺎﺕ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺰﻟﻨﺎﻫﺎ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻤﺮﺁﻳﺎ) ﻓﺎﻟﺤﺎﺻﻞ، ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻯ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻌﻄﻰ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﻣﺎ، ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻐﻴﺮﻫﺎ، ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﻯ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺻﻮﺭﺍ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺍﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ، ﻛﺤﻀﺮﺍﺕ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮﻩ، ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻻ ﻏﻴﺮ.
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻓﻤﻦ ﻋﺮﻑ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﻋﺮﻑ ﻗﺒﻮﻟﻪ، ﻭﻣﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻣﺠﻤﻼ). ﻟﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻘﻮﺍﺑﻞ ﻳﺘﻨﻮﻉ، ﺃﻋﺎﺩ ﻛﻼﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ.
ﻭ "ﺍﻟﻔﺎﺀ" ﻓﻲ "ﻓﻤﻦ ﻋﺮﻑ" ﻟﻠﻨﺘﻴﺠﺔ.
ﺃﻱ، ﻓﻤﻦ ﻋﺮﻑ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﻭﻣﺎ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ، ﻋﺮﻑ ﺻﻮﺭﺓ ﻗﺒﻮﻟﻪ، ﺃﻱ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺎ ﻳﻘﺒﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﺔ ﻟﻠﺸﺊ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ﻋﻠﺔ ﻟﻪ، ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻤﻌﻠﻮﻟﻬﺎ. ﻭﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﺮﻑ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﺸﺊ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ، ﺇﻻ ﻣﺠﻤﻼ، ﻭﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻣﻔﺼﻼ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ، ﻓﺈﻧﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻳﻌﺮﻑ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﻌﻴﻦ ﻣﻤﺎ ﻗﺒﻠﻪ.
 
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. )
قال رضي الله عنه : "وقد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عين ما يظهر منها فتقابل اليمين منها اليمين من الرائي، وقد يقابل اليمين اليسار وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمين اليمين ويظهر الانتكاس.
وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا.
فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول، وإن كان يعرفه مجملا."
ثم أشار إلى الاختلاف بحسب أوضاع المرايا فقال: (وقد تعطيه) أي: المرأة الرائي (انتكاس صورته من حضرة خاصة) كالواقف على طرف الحوض مستويا تسفل رأسه، وتتعالی رجلاه.
(وقد تعطيه عين ما يظهر) بحسب الوضع كمرآة الحديد الموضوعة أمام الوجه رفيقابل اليمين منها) أي: من صورة المرأة (اليمين من الرائي) فتقع الموافقة من هذا الوجه على خلاف القياس في تقابل شخصين في عالم الحس مع ما ذكرنا من المخالفة بينهما في الصغر والاستطالة والتحرك.
(وقد يقابل اليمين منها اليسار) من الرائی، (وهو الغالب في المرايا) المثالية.
وقد يقع ذلك في موضع الارتفاع من مقعر الجسم الصقيل كالظاهر تظهر صورة في موضع الانخفاض منه، وأخرى في موضع الارتفاع يخالفه إحداهما يمينا ويسارا.
(بمنزلة العادة في العموم)، أي: بمنزلة رؤية شخص شخصا آخر أمام وجهه، (وبخرق العادة) في المرائي المثالية (يقابل اليمين) من الصورة الظاهرة في تلك المرأة (اليمين) من الرائي.
(ويظهر الانتكاس) أيضا في صورة تلك المرآة، فهذه جملة وجوه الاختلاف بين صورة الرائي، وصور المرايا الحسية والمثالية.
(وهذا) الاختلاف صورة المرئي لصورة الرائي في عالم المثال (كله من أعطيات) أي: مقتضيات (الحضرة المتجلي فيها) أي: بحسب استعداد الرائي فيها، أو المرئي له فيها .
(التي أنزلناها منزلة المرايا) المحسوسة المختلفة، وإن لم تكن تلك الحضرة مرأة، ولا اختلاف فيها وإنما هو فيما يرى فيها بحسب الرائي أو المرئي.
فلذلك قال: (فمن عرف استعداده) أي: مقتضی استعداداته المختلفة بحسب أحواله (عرف قبوله) بحسب كل حال لتلك الصور قبل وقوع ذلك على التفصيل، (وما كل من عرف قبوله) لاختلافها حين وقوعه (يعرف استعداده) لذلك القبول.
(إلا بعد حصول القبول) على سبيل التفصيل، (وإن كان يعرفه) أي: الاستعداد قبل القبول أو القبول بحسبه (مجملا)؛ لأنه لاطلاعه على سر القدر يعلم أنه لا يقبل إلا ما يستعد له لاقتضاء الحكمة مع عموم الجود الاقتصار على حد الاستعداد هذا ما استقر عليه رأي المحققين من الصوفية وغيرهم.
إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة، يرون أن الله يفعل بالأشياء ما يشاء
استعدت له أم لا .


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. )
وأشار إلى القسمين الأولين بقوله رضي الله عنه:  (وقد يعطيه انتكاس صورة من حضرة خاصة ، وقد يعطيه عين ما تظهر منها ، فيقابل اليمين اليمين من الرائي ) 
وإلى الثالث بقوله رضي الله عنه: (وقد يقابل اليمين اليسار ،وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم)
وذلك لأن الأجسام الصقيلة التي ترى مثل المحسوسات بعمومها، إنما يراها لدى الاست
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الحادي والثلاثون الجزء الثاني .السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:32 pm

الفقرة الحادي والثلاثون الجزء الثاني .السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الحادي و الثلاثون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه :  ( وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس.
وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا. )
قال المصنف رضي الله عنه : [ وقد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة . وقد تعطيه عين ما يظهر منها فيقابل اليمين منها اليمين من الرائي . وقد يقابل اليمين اليسار وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم . وبخرق العادة يقابل اليمين اليمين ويظهر الانتكاس . وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلي فيها التي أنزلناها منزلة المرايا] .
قال الشارح رضي الله عنه :
( و قد تعطيه): أي الحضرة الصقيلة   تعطي الرائي .
( انتكاس صورته) يرى صورته فيها منتكسة، و ذلك (من حضرة خاصة )، كالماء و كل جسم صقيل يكون تحت القدم أو فوق الرأس، فإنه يعطي الانتكاس .
( و قد تعطيه ): أي المرآة للناظر (فيها عين ما يظهر منها، فيقابل اليمين منها اليمين من الرائي) .
قيل: إن حضرة السر وحضرة الروح يقابل فيهما اليمين من الرائي، وأنت تعلم أن اليمين و الشمال بل الصور مطلقا لا تتصور إلا في حضرة الخيال أو الحس، و أمّا إذا كانت المرايا متعددة متقابلة، فإنه إذا ظهرت صورة الرائي في المرآة مقابلة لمرآة أخرى.
فلا شك أنها تظهر صورته في المرآة الثانية بصورة الأصل، كما ترى اللوح المكتوب في المرآة معكوسا فلا تقرأ، فإذا قابلتها بمرآة أخرى ترى الخطوط بصورتها الأصلية و تقرأ و ذلك لأن عكس العكس هو الأصل، أو على صورة الأصل .
( و قد تقابل اليمين اليسار )، كما في حضرة الحس (و هو الأغلب، و يخرق العادة يقابل اليمين اليمين، و يظهر الانتكاس) كما في الماء إذا وقف الواقف عليه يرى فيه صورته منتكسة، بحيث يقابل اليمين منه اليمين منها ظاهرا .
( هذا كله ): أي الذي ذكرناه من تنوعات الصور الفائضة على صاحب الكشف على أنواعها و ضروبها المفهومة، مما سبق من ضرب الأمثال من (أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرئي) .
فالحاصل أن جميع ما يرى من الصور في حضرات متعددة متنوعة سرية أو روحية أو قلبية أو خيالية أو حسية هي عينه لا غيره، ظهرت بحكم المرئي أو بحسب المجالي، و التنوع من أحكام الحضرات و المظاهر و المرايا و العين ثابتة .
و هكذا الأمر في الإلهيات، فإنه يظهر بحكم المظاهر، فإنها كالمرائي للوجه الحق سبحانه و هو ثابت لا يتغير أصلا .
قال المصنف رضي الله عنه : [فمن عرف استعداده عرف قبوله،وما كل من عرف قبوله، يعرف استعداده إلا بعد القبول،وإن كان يعرفه مجملا.]
قال الشارح رضي الله عنه :
( فمن عرف استعداده عرف قبوله )، فإن العلم بالعلة من حيث أنها علة يوجب العلم بالمعلول، كما يظهر في باب التضايف، فهو ممن عرف القبول بالاستعداد، لا من الذي عرف الاستعداد بالقبول لأنه دونه .
( و ما كل من عرف قبوله يعرف استعداده )، بل و لا يعلم ذلك الاستعداد :
( إلا بعد القبول) حيث رأى أنه قبل ذلك، فعرف أن لو لا الاستعداد ما قبل ذلك .
( و إن كان يعرفه ): أي الاستعداد (مجملا )، فالأول صاحب العلم التفصيلي بالاستعدادات التفصيلية، و الثاني صاحب العلم الإجمالي بها، و أين هذا من هذا، بل الأول أتم و أعم ما يكون في معرفة الاستعدادات في صنعه لأنه مطلع على غيبه بعثوره على عينه، بل هو مشرف على أحكام أعيان غيره و أحواله، فافهم .
فلما قرأ الاقتضاءات ذاتية، و الطلبات و المنح النفثية نفسية علم أن الله فعال لما يريد، و ما يريد إلا ما يريد المريد .
قال الله تعالى: "و ربُّك يخْلقُ ما يشاءُ و يخْتارُ ما كان لهُمُ الخِيرُة" [ القصص : 68 ].
فمنهم شقي طلب شقاوته، و منهم سعيد طلب سعادته، و لو شاء لهداكم أجمعين، لكنه لم يشاء لأن الحكمة اقتضت ذلك، قال تعالى: "وأنّ اللّه ليس بظلّاٍم للْعبيدِ"[ الحج: 10].
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثانية والثلاثين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:34 pm

الفقرة الثانية والثلاثين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية والثلاثين : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي :  " إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه. ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن ما هو الممكن و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير، و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة. "
(إلا أن بعض أهل النظر)، أي الاستدلال وهم بعض الفرق الضالة (من أصحاب العقول الضعيفة) المحجوبة عن شهود الحق تعالى.
(یرون)، أي يعتقدون (أن الله) تعالى (لما ثبت عندهم) بالأدلة العقلية والبراهين القطعية (أنه فعال لما يشاء) من غير عجز عن شيء مطلقا (جوزوا على الله) تعالى أن يفعل (ما يناقض الحكمة) كما يفعل ما هو على مقتضى الحكمة.
(و) أن يفعل (ما هو الأمر عليه في نفسه) من حيث ثبوته في العدم من غير وجود ولهذا يسمون المعدوم شيئا للثبوت المذكور، فعلى زعمهم هذا كل من يعرف قبوله يعرف استعداده قبل قبوله، مفصلا كان الاستعداد غير مقيد بمقتضى الحكمة.
(ولهذا)، أي لتجويزهم على الله تعالى ما يناقض الحكمة (عدل بعض النظار) منهم (إلى نفي الإمكان) وعدم جعله قسما من أقسام الحكم العقلي وذهبوا إلى حصر الحكم العقلي في الممتنع والواجب (وإثبات الوجوب بالذات) والوجوب (بالغير) فقط.
(والمحقق) من أهل السنة والجماعة (يثبت) قسم (الإمكان) مع الامتناع والوجوب (ويعرف حضرته)، أي الإمكان، وهي البرزخية الفاصلة بين الامتناع والوجوب، أي أن انعدام التحقق بالممتنع وإن وجد التحقق بالواجب.
فبسببه ينقسم الممتنع إلى ممتنع بالذات وممتنع بالغير، وينقسم الواجب إلى واجب بالذات وواجب بالغير، لأن الممكن ليس أصله العدم ولا الوجود فعدمه بالغير ووجوده بالغير.
(و) يعرف (الممكن ما هو الممكن)، فإن حقيقته مركبة من عدم ووجود، فما فيه من المقدار المخصوص من العدم، وما فيه من التحقق والثبوت من الوجود، فهو مظهر للممتنع ومظهر للواجب.
(و) يعرف (من أين هو ممكن) فإن إمكانه من مقابلة الوجوب للامتناع وموازاة الوجود للعدم، بحيث لو تميز كل واحد منهما عن الآخر في بصيرة الممكن، كما هو متميز في نفس الأمر، ارتفعت حقيقة الإمكان من بينهما.
ومثاله في المحسوس: أنك لو وضعت في إناء واحد صبغين صبغة أحمر وصبغة أخضر مثلا، وخلطتهما معا، فإنه يظهر منهما، صبغ ثالث ليس هو واحد منهما وليس هو أمرا زائدا عليهما، وهو حقيقة الممكن.
فإذا ميزت بينهما وفرقت أحدهما عن الآخر، زال ذلك الصبغ الثالث وبقي كل واحد من الصبغين على حاله (وهو)، أي الممكن.
(بعينه واجب الوجود بالغير) إذ لا يتصور عدمه في حال وجوده، وكل ما لا يتصور عدمه فهو واجب.
فالممكن من هذا الوجه واجب، ولكن وجوبه بواجب الوجود بالذات لا بذاته.
فلهذا كان واجب الوجود بالغير، وهذا الوصف له ما دام موجودة، فإذا انعدم صار ممتنع الوجود بالغير لا بالذات.
(و) يعرف (من أين صح عليه)، أي على الممكن (اسم) ذلك (الغير الذي اقتضى له الوجوب).
فإن لفظ الواجب الوجود اسم في الأصل للواجب الوجود بالذات، وانطلاقه على واجب الوجود بالغير بسبب استيلاء ذلك الغير عليه.
بحيث ?ساه وصفه وهو الوجود وأعطاه اسمه وهو الوجوب.
وذلك في أشرف أحواله، وهو حالة وجوده إذ في حالة عدمه هو ممتنع الوجود بالغير أيضا.
و إمكانه في نفسه لا يفارق أبدا، لأنه وصفه لا باعتبار وجوده ولا باعتبار عدمه (ولا يعلم هذا التفصيل) في الممكن ويفرق بين جهاته ويعرف أنواع استعداداته (إلا العلماء بالله) سبحانه (خاصة) دون غيرهم من العلماء.
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.  و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
قال الشيخ رضي الله عنه: (إلا) استثناء منقطع (إن بعض أهل النظر من اصحاب العقول الضعيفة برون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء) أي فعال لمقتضي مشيئته لا لحكمة (جوزوا على الله ما يناقض الحكمة) (و) جوزوا ما يناقض (ما هو الأمر عليه في نفسه) لما لزمهم ذلك فجوزوا تعذيب من يستحق التنعيم تعالى الله عن ذلك.
(ولهذا) أي ولاجل أن عندهم أن الله فعال مطلقا كيف يشاء (عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان) لئلا يلزمهم جواز ما لا يليق إلى الله على تقدير ثبوت الإمكان فلم يجوز هذا البعض على الله ما جوز ذلك البعض لعدم لزوم ذلك على تقدير نفي الإمكان في زعمهم.
(وإثبات الوجوب بالذات وبالنير) وما عرفوا الإمكان والوجوب بالغير فإنه بعينه الإمكان (والمحقق بثبت الإمكان ويعرف حضرته و) يثبت (الممكن) ويعرف (ما هو الممكن) في حقيقته (ومن أين هو ممكن) أي ويعرف من أي سبب يكون متصفا بصفة الإمكان.
(و) يعرف (هو) أي المم?ن (بعينه واجب بالغير) إلا أن الإمكان وصف له قبل الوجود وبعده والوجوب بالغير وصف بعد الوجود لا قبله.
(و) يعرف (من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى ذلك) الغير (له) أي للممكن (الوجوب) فما وقع اسم الغير إلا لاحتياجه إلى الواجب بالذات (ولا بعلم هذا التفضيل إلا العلماء بالله خاصة) تأكيد لقوله و المحقق يثبت الإمكان.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : إ(ِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.  و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.
و قوله رضي الله عنه : "إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله تعالی، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء ، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة."
قوله: إلا أن بعض أهل النظر. 
قلت: 
يعنى الأشعرية من المتكلمين، فإنهم يقولون: الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع، فعندهم أن الله تعالی لو فعل ما يناقض الحكمة لم يمتنع بل كان حسنا لأن الشرع حسنه.
قوله رضي الله عنه : "وما هو الأمر عليه في نفسه ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير".
قلت: يعني أنهم جوزوا ما يناقض الحكمة وجوزوا ما يناقض ما هو الأمر عليه في نفسه .
كأنه أشار إلى أن الذي عليه الأمر في نفسه هو أنه لا يجوز عليه ما يناقض الحكمة ولا ما يناقض ما هو الأمر عليه في نفسه، أي الواقع في نفس الأمر.
وذلك أن الأمر في نفسه هو أنه لا يجوز على الله تعالى أن يفعل المستحيل في العقل كاجتماع الضدين لشيء واحد في زمان واحد.
مثل أن يجمع لشخص واحد أنه قاعد وأنه قائم في زمان واحد .
أو يكون القول موجبا سالبا في حال واحد بشروط النقيض أو يرفع النقيضين معا بشروط النقيض وأمثال هذه.
ولما استقبح بعض النظار هذا المذهب عدل إلى سد الباب فيه بالكلية وقال ما هناك إلا واجب إما بنفسه وإما بالغير.
فلا يكون هناك إمكان اجتماع الضدين ولا اجتماع النقيضين وارتفاعهما ويجوز غير هذا وهو أن يحمل قول الشيخ، ولهذا عدل بعض النظار إلى آخره، على أن كل شيء واجب إما بنفسه فظاهر وهو الحق تعالى، وإما بالغير وهو كل شيء حتى اجتماع الضدين واجتماع النقيضين وارتفاعهما.
وقد قال قوم من الصوفية: أنه يجوز أن الله تعالى يقدر على إدخال الحبل في خرت الإبرة من غير أن يصفقة الحبل ولا يتسع الأبرة.
قوله رضي الله عنه: "والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته.
قلت: المحقق هو من تفصلت له حضرة الحق وهي الوحدانية المطلقة وتفصيلها هو أن يظهر له مراتب الأسماء الإلهية والكونية قبل تعينها بالفعل وهو القطب الذي حاز رتبة الكمال.
وعن يمينه الإمام الذي هو محل ظهور الجمال وعن شماله الإمام الذي هو محل ظهور الجلال .
وبين يديه الإمام الذي حاز طرفا من رتبة الجمال وطرفا من رتبة الجلال إلا أن الجمال أظهر فيه، ومن ورائه الإمام الذي حاز طرفا من الجلال وطرفا من الجمال إلا أن الجلال أظهر فيه.
وقولناإن القطب له اليمين والشمال والأمام والخلف، هو باعتبار الأئمة  الأربعة وهم الأوتاد المذكورين في نسبة كل واحد منهم إليه وإلا فهو وجه ?له.
شعرا: 
درة من حيث ما أديرت أضاءت      …..    ومشم من حيث ما شم فاجاء
ومعنى يثبت الإمكان أي يشهد ثبوته لا أنه كان غير ثابت وهو الذي أثبته. 
ومعنى قوله رضي الله عنه: "ويعرف حضرته". فهي عندي أن الإمكان صفة للحق تعالی من حيث اسمه القادر وليس هو صفة للمخلوق وهذا هو الحق الواضح في مقام شهود الأسماء.

وأما في الحضرة الذاتية فهو صفة للأعيان الثابتة من جهة أنها صور العلم من حيث لا تغاير الصفة الموصوف، لأنه ليس شيء خارجا عن الذات. 
فأما كونه صفة للحق، 
وهو القسم الأول:
فإن الإمكان منه يشتق الفعل الذي هو أمكنه يمكنه إمكانا كما تقول يمكنك أن تفعل كذا أي أنك قادر عليه أو لا يمكنك أن تفعل كذا أي لا تقدر عليه.

وأما القسم الثاني :
وهو أن تجعله صفة للأعيان الثابتة، فمعناه أن حال المقدور مثلا هو الذي أمكنك من نفسه حتى فعلت ایجاده له أو ایجاد صفته إلا أن هذا المعنى يرجع إلى الأول .
فإن القابل في التحقيق هو الفاعل لفاعلية الفاعل ولجميع ما يصدر عن الفاعل من الأفعال وحينئذ يقال إن حصول التسوية هو من الله تعالى لكن بالعين الثابتة، والتسوية الحاصلة هي الفاعلية في الفاعل للنفخ الملزمة له أن ينفخ النفخ الذي به يحصل القبول للقابل، فهذه حضرة الإمكان ظاهرة فيما ذكرناه.
قوله: "والممكن ما هو. "
قلت: أي يعرفه وهو المقدور قبل تصرف القدرة فيه.

قوله: "ومن أين هو ممكن. "
قلت: يعرفه من جهة سلب العدمية عن الوجود الإلهي وهذا نشرح مشافهة فإن إدراكه يدق عن أكثر الأفهام.

قوله: "وهو بعينه واجب بالغير"
قلتمعناه أن كل ما في الإمكان لا بد أن يظهره الحق تعالى في الوجود فهو في نفس الأمر واجب إلا أنه واجب بالغير لا بنفسه وفيه وجه پذ?ر شفاها أنه واجب بنفسه باعتبار أحدية الجمع.
قوله: "ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب." 
قلت:
 الضمير في "عليه"، لا يصح أن يعود على الممكن وإن كان ظاهر عبارة الشيخ، رضي الله عنه، يقتضي عود الضمير إلى الممكن.
وقوله: ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة. 
قلت: لأن المحال ليس هو لغير أهل الله تعالی.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : إ(ِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.  و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
قال رضي الله عنه : " إلَّا أنّ بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أنّ الله لمّا ثبت عندهم أنّه فعّال لما يشاء ، جوّزوا على الله ما يناقض الحكمة » يعني الحكمة الإلهية لا الحكمة العرفية .
قال رضي الله عنه : " وما هو الامر عليه في نفسه ، ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير " .
قال العبد أيّده الله به : يشير رضي الله عنه إلى جمع كثير من النظَّار وعلماء الرسوم والمتكلَّمين القائلين بأنّ الله قد يفعل ما يناقض الحكمة ، كإيجاد الشريك والمثل وإعدام الوجود وإيجاد العدم والممتنع والمحال ، واستدلَّوا على ذلك بكونه قادرا على كلّ شيء ، وأنّه يفعل ما يشاء ، وأنّه فعّال لما يريد ، وهذا تنزيه وهميّ بالعقل ، ولكنّهم غفلوا عن الحقيقة ، وما عقلوا أنّ هذه فروض وتقادير ساقطة غير واقعة ، وليس لها لافظة ، وأنّها غير واردة في العقول المنوّرة الصافية الوافية ، والاشتغال بمثل هذه الشبه تضييع الأنفاس .
ونحن نسلَّم أنّ الله قادر على كلّ شيء ، لكنّهم « حفظوا شيئا وغابت عنهم أشياء » وذلك أنّ الله قادر على كل شيء ، ولكن كلّ شيء بشيئية الله ومشيئته ، فإنّه قادر على ما يشاء ، وأنّه ما يشاء خلاف ما يعلم ، ولا يريد خلاف الحكمة ، فإنّه العليم الحكيم ، والحكيم العليم لا يشاء ولا يريد أن يفعل ما يناقض الحكمة .
فقدرة الله تعالى إنّما تتعلَّق بالمقدورات بموجب إرادته ومشيّته تعالى ، والإرادة إنّما تتعلَّق بالمراد على التعيين والتخصيص بموجب ما اقتضته الحكمة والعلم ، والعلم الأزليّ ما تعلَّق بهذه الأمور المذكورة بما يخالف الحكمة على وجه لا يقبل الوجود ، وأنّها لا تستعدّ لقبول الوجود ، بل بموجب العلم والحكمة واستعداد القابل .
والحكيم الأزليّ قد أحكم الأشياء بحكمته قبل إيجادها ، ثم أوجدها بحسب ما رتّبتها الحكمة ووضعتها مواضعها ، فلا جائز في حكمة الله تجويز ما يناقض الحكمة الإلهية .
ولما كثر شغب هؤلاء في تجويز هذه الأمور ، عدل بعض المتحذلقين من النظَّار إلى نفي الجواز والإمكان وإثبات الوجود إمّا بالذات أو بالغير
وقال : ما ثمّ إلَّا واجب الوجود ، والممتنع ممتنع وجوده ، ولكنّ الواجب واجبان : واجب بالذات ، وواجب بالغير ، فما في الوجود إلَّا واجب الوجود ، فانتفى الجواز والإمكان عنده ، فما كان واجبا بالذات فواجب له عدم الامتناع كذلك .
ثمّ الواجب بالغير على زعم من يقول به هو الوجود المتعيّن بحسب القابل فما بقي للإمكان متعلَّق في الحقيقة إلَّا التعيّن .
قال الشيخ رضي الله عنه : " والمحقّق " بعد منا " يثبت الإمكان ، ويعرف حضرته والممكن ما هو الممكن ؟ ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير ؟ من أين صحّ عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب ؟ ولا يعلم هذا التفصيل إلَّا العلماء بالله خاصّة " .
قال العبد : يشير رضي الله عنه إلى أنّ الممكن هو الوجود المتعيّن ، فإمكانه من حيث تعيّنه ، ووجوبه من حيث حقيقته ، وذلك أنّ التعيّن نسبة تعقّلية ، فهي بالنسبة إلى المرجّح وجودية واجبة للمتعيّن .
والتعيّن هو حدوث ظهور الوجود على وجه متعيّن يعيّنه القابل المعيّن للوجود بحسب خصوصه الذاتي ، فيمكن بالنظر إلى كل متعيّن حادث للوجود أن ينسلخ الوجود عنه ، ويتعيّن تعيّنا آخر ، وينعدم التعيّن الأوّل.
إذ نفس التعيّن هو الواجب للوجود الحقّ الساري في الحقائق لا التعيّن المعيّن ، ولكن ليس كل تعيّن معيّن واجبا له على التعيين إلَّا بموجباته ، فيمكن أن ينعدم ويتعيّن الوجود تعيّنا آخر ، إذ الوجود المتعيّن لا ينقلب عدما ، بل يتبدّل بتعيّنات أخر عن تعيّنات قبلها فتتحقّق من هذا حقيقة الإمكان للتعيّن المعيّن وهو نسبة عدميّة في الوجود .
فهو بين عدم ووجود ، مهما رجّح الحق إفاضة نور الوجود على ذلك الوجه المعيّن ، بقي موجودا في رأي العين للجمهور ، والكشف يقضي بالتبدّل مع الآنات ، وإن أعرض عنه التجلَّي الوجوديّ ، انعدم وعاد إلى أصله . هذا أصل الإمكان .
وأمّا اسم « الغير » و « السوي » للممكنات فذلك من حيث امتيازاتها النسبية والذاتية بالخصوصيات الأصلية فهي من هذا الوجه أغيار بعضها مع البعض وأمّا غيريّتها للوجود المطلق الحقّ فمن حيث إنّ كلَّا منها تعيّن مخصوص للوجود الواحد بالحقيقة يغاير الآخر بخصوصيّته .
والوجود الحق المطلق لا يغاير الكلّ ولا يغاير البعض ، لكون كلَّية الكلّ وجزويّة الجزء نسبا ذاتيّة ، فهو لا ينحصر في الجزء ولا في الكلّ ، مع كونه فيهما عينهما ، فلا يغاير كلَّا منهما في خصوصهما ، ولكن غيريّته في أحديّة جمعه الإطلاقي في التي تخصّه ، ولا يوجد في الجزء ولا في الكلّ ، فإنّ تلك الأحديّة الجمعيّة الإطلاقيّة مطلقة عن الكليّة والجزئيّة والإطلاق ، فافهم .
وهذا التفصيل لا يعلمه إلَّا العلماء بالله خاصّة ، لكونهم عرفوه في الأصل المطلق في شهودهم أوّلا ، فلم يحجبوا في الفرع الذي هو الوجود المقيّد آخرا ، فما في الحقيقة إلَّا وجود مطلق ووجود مقيّد ، وحقيقة الوجود فيهما واحدة ، والإطلاق والتعيّن والتقيّد نسب ذاتيّة ، فافهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسهو لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
قوله رضي الله عنه : " إلا أن بعض اهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء جوزوا على الله ما يناقض الحكمة ، وما هو الأمر عليه في نفسه " استثناء منقطع من الذين يعرفون استعدادهم مجملا وإلا بمعنى لكن يعنى أن الذين يعرفون استعدادهم مفصلا يعرفون قبولهم لكل ما اطلعوا عليه من استعدادهم بإعلام الله تعالى إياهم .
أو بكشف أعيانهم عليه حتى يطلعوا على أحوالهم المتجددة عليهم إلى ما يتناهى ، فهم لا يغلطون في علومهم أصلا .
وكذلك الذين لا يعرفون استعدادهم إلا من قبولهم ، فإنهم ما لم يقبلوا شيئا لم يعرفوا أن ذلك كان في استعدادهم أن يغلطوا بعد القبول .
فإنهم يستدلون بالواقع لكن الذين يعرفون استعدادهم مجملا قد يغلطون في التفاصيل كبعض أهل النظر من المتكلمين ، فإنهم قد عرفوا من استعدادهم أنهم يقبلون العلوم المعقولة على الإجمالى.
لكنهم لضعف عقولهم وعدم كشفهم لعدم ارتياضهم وتصفيتهم ، لما علموا أن الله تعالى فعال لما يشاء ، وأنه على كل شيء قدير .
جوزوا عليه القدرة على الممتنعات كإيجاد المثل وإعدام الوجود وإيجاد العدم ، وأمثال ذلك ، وتوهموا أنه تنزيه عن العجز وذلك لعدم معرفة الحقائق وتمييز الممكن من الممتنع ، وقصور أنفسهم عن معنى المشيئة ، وابتنائها على الحكمة الإلهية الحقية.
" ولهذا " أي ولضعف عقولهم وتجويزهم على الله ما يناقض الحكمة الإلهية وما هو الأمر عليه في نفسه " عدل بعض النظار إلى نفى الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير " وذلك لقصور نظرهم عن الحقائق العقلية وقصرهم الموجودات على ما هو في الخارج .
فإن ما هو موجود في الخارج محصور في الواجب بالذات والواجب بالغير لأن ما لم يجب لم يوجد.
( والمحقق ) وهو الملاحظ للحقائق في نفس الأمر ، أي العالم العقلي مع قطع النظر عن وجودها الخارجي
( يثبت الإمكان ويعرف حضرته ، والممكن ما هو الممكن ومن أين هو ممكن ، وهو بعينه واجب الوجود بالغير ) فإنه إما أن تقتضي الحقيقة الوجود بذاتها أو لا تقتضي .

والأول الواجب لذاته .
والثاني إما أن يقتضي العدم لذاته وهو الممتنع لذاته. 
وإما أن لا يقتضي شيئا منهما وهو الممكن لذاته ، فالممكن حضرة العقل قبل الوجود الخارجي من حيث هو هو كالسواد مثلا ، فإن عينه في العقل لا يقتضي الوجود والعدم .
وأما في الخارج فإنه لا ينفك عن وجود السبب وعدمه فإنه لا واسطة بينهما .
فإن كان السبب التام موجودا وجب وجوده به ، وإلا فوجب عدمه لعدم سببه التام ، فهو ممتنع بالغير ، فالممكن الموجود واجب بالغير وهو بعينه من حيث حقيقته مع قطع النظر عن وجوده ممكن بالذات .
قوله: ( ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب ) إشارة إلى أن الوجود الإضافي الذي هو به موجود هو بعينه الوجود الحقانى المطلق الذي عرض له من هذه الإضافة والعينية والغيرية باعتبار الهاذية والهوية .
فمن حيث الهاذية غيره ومن حيث الهوية عينه ، كما أن عين الممكن باعتبار عينه ممكن وباعتبار وجوده واجب ، وكل وجود متعين ممكن من حيث تعينه واجب من حيث حقيقته وهويته ( ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء باللَّه خاصة ) .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﺇﻻ ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺃﻧﻪ ﻓﻌﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ، ﺟﻮﺯﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ".
ﻟﻤﺎ ﻗﺮﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻌﻄﻰ ﻷﺣﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻭﺗﻄﻠﺒﻪ ﻣﻦ ﺣﻀﺮﺗﻪ، ﻓﻜﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻌﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻝ ﻣﻊ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﻓﻌﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻓﻲ ﺍﻷﺑﺪ ﻣﻊ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻋﻦ ﺍﻗﺘﻀﺎﺀ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ، ﺍﺳﺘﺜﻨﻰ ﻗﻮﻟﻬﻢ.
ﻓﻬﻮ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻣﻨﻘﻄﻊ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﺴﺐ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀﻌﻒ، ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﻭﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻻ ﺍﻃﻠﻌﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺳﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻭﺯﻋﻤﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻷﻓﺎﻋﻴﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﻜﻤﺔ، ﺣﺘﻰ ﺟﻮﺯﻭﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﺤﻖ ﻟﻠﺮﺣﻤﺔ ﻭﺗﻨﻌﻴﻢ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﻨﻘﻤﺔ. ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻮﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ. ﻭﻣﻨﺸﺄ ﺯﻋﻤﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺣﻜﻤﻮﺍ ﺑﻤﻔﻬﻮﻡ "ﺍﻟﻤﺸﻴﺔ" ﻭﺇﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻣﺎ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﻴﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﻴﺾ ﺍﻷﻗﺪﺱ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺃ ﻟﻢ ﺗﺮ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻚ ﻛﻴﻒ ﻣﺪ ﺍﻟﻈﻞ". ﺃﻱ، ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ،(ﻭﻟﻮ ﺷﺎﺀ ﻟﺠﻌﻠﻪ ﺳﺎﻛﻨﺎ). ﺃﻱ، ﻣﻨﻘﻄﻌﺎ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺎ.
ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﻴﺾ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻣﺮﻩ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺷﻴﺌﺎ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ". ﻓﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺈﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺑﺨﻼﻑ ﺍﻟﻤﺸﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺈﻓﺎﺿﺔ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ، ﻟﻜﻦ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺅﻩ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻻ ﻣﻄﻠﻘﺎ.
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻓﻠﻮ ﺷﺎﺀ ﻟﻬﺪﺍﻛﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ". ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﺄ، ﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﻋﺪﻡ ﻣﺸﻴﺘﻪ، ﻟﺬﻟﻚ ﻋﺒﺮﻭﺍ ﻋﻨﻬﺎ ﺏ (ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻷﺯﻟﻴﺔ).
ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﻋﻴﺎﻥ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻭﻗﺒﻮﻟﻬﺎ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ. ﻓﺎﻟﺤﻖ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻌﺎﻻ ﻟﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ، ﻟﻜﻦ ﻣﺸﻴﺘﻪ ﺑﺤﺴﺐ ﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻭﻣﻦ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﺇﻻ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ: ﻓﻼ ﻳﺮﺣﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﻭﻻ ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ.
ﻭﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺃﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺮﺣﻢ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ ﻭﻳﻨﺘﻘﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪﻝ ﻭﻳﺸﻔﻊ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ، ﻓﺬﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻪ ﺍﻟﻤﺨﻔﻰ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻪ ﻻ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻋﺪﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﻈﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻰ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﻭﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ).
ﺃﻱ، ﻟﻤﺎ ﺟﻮﺯﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﻣﺎ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﻥ ﻟﻠﺤﻖ ﺃﻓﻌﺎﻻ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺮﺍﺗﺒﻪ ﻭﻻ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ، ﻋﺪﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﻭ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﻓﻘﻂ. ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻖ ﻳﺜﺒﺖ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺣﻀﺮﺗﻪ، ﻭﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ). ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺴﺦ: (ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ).
ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺍﻭ. ﺃﻱ، ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻓﻘﻮﻟﻪ: (ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ)
ﺑﺪﻝ، ﺃﻭ ﻋﻄﻒ ﺑﻴﺎﻥ ﻟﻘﻮﻟﻪ: "ﻭﺍﻟﻤﻤﻜﻦ".
(ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻫﻮ ﻣﻤﻜﻦ ﻭﻫﻮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻭﺍﺟﺐ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ. ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺻﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻗﺘﻀﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ. ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﺇﻻ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺧﺎﺻﺔ).
ﻗﺪ ﻣﺮ ﺃﻥ "ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ" ﻭ "ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ" ﻭ "ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ" ﺣﻀﺮﺍﺕ ﻭﻣﺮﺍﺗﺐ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ، ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻭﻻ ﻣﻌﺪﻭﻣﺔ، ﻛﺒﺎﻗﻲ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻧﻈﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﺫﻭﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻟﺔ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻋﻦ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺇﻣﺎ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ، ﺑﺨﻼﻑ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻀﺮﺍﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﺼﻒ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻟﺒﺘﺔ، ﻭﻗﺪ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺍﻟﺤﻖ ﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺒﺎﻗﻲ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ.
ﻓﺈﻥ "ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ" ﺻﻔﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻟﻠﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ، ﻟﻜﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ:
ﻓﺈﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ.
 ﻭ "ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ" ﺻﻔﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ.
ﻭ "ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ" ﺻﻔﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻤﺘﻨﻌﺎﺕ.
ﻭﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻀﺮﺍﺕ ﻫﻲ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻏﻴﺒﻴﺔ
ﻓﺤﻀﺮﺓ "ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ" ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺤﻞ ﻭﻻﻳﺔ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ.
ﻭﺣﻀﺮﺓ "ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ" ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﻟﻠﺒﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﻏﻴﺐ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻺﺳﻢ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺒﻴﻞ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻤﺘﻨﻌﺎﺕ.
ﻭﺣﻀﺮﺓ "ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ" ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻟﻌﻴﻨﻲ، ﺃﺯﻻ ﻭﺃﺑﺪﺍ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﺑﺎﻟﻐﻴﺮ.
ﻭﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻏﻴﺐ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ، ﻭﻭﻗﻊ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻴﻦ ﻭﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﻮﺟﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﻦ.
ﻭﺑﻌﺪ ﺍﺗﺼﺎﻓﻪ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ ﺻﺎﺭ ﻭﺍﺟﺒﺎ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﻻ ﻳﻨﻌﺪﻡ ﺃﺑﺪﺍ، ﺑﻞ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻭﻳﺘﺒﺪﻝ ﺑﺤﺴﺐ ﻋﻮﺍﻟﻤﻪ ﻭ ﻃﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻋﻠﻴﻪ. ﻓﻈﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺑﻴﻦ "ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ" ﻭﺑﻴﻦ "ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ": ﺇﺫﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ، ﻭﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺛﺎﺑﺖ ﻗﺒﻠﻪ ﻭﺑﻌﺪﻩ.
ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻧﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻋﺮﻑ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺧﺎﺻﺔ.
ﻭﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﻣﺎ ﺣﻘﻘﺘﻪ ﻭﺃﺷﺮﺕ ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺃﺳﺮﺍﺭﺍ ﻳﻤﻸ ʋ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثانية والثلاثين الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:36 pm

الفقرة الثانية والثلاثين الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية والثلاثين : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
خصص إدرا ?ه بالعاقلين عن الله، أضرب عن ذلك متعرضا لما ذهب إليه بعض العاقلين عن الأسباب، من الأنظار والأقيسة بإيراد «إلآ» موضع «لكن» في قوله رضي الله عنه : (إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة).
المستمسكين عند استفاضة الحقائق بعروة الوسائل والدلائل ( يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فقال لما يشاء ) ومعنى المشية على ما عرفت بلسان التحقيق هو الذي به يتحقق الشيء نفسه بصفته الأصلية ، فلا يمكن أن يكون إلا على ما عليه الأمر من الحكمة البالغة .
وإذ لم يفهموا معنى المشية (جوزوا على الله ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه) ، إذ الحكمة هوما عليه الأمر في نفسه من الصور والأحكام المطابقة للواقع أعني الموجود في نفس الأمر فلا يكون الممتنع في تقسيم المواد معدودا من الأقسام ، ولا الممكن المعدوم أيضا إذ لا فرق بينه وبين الممتنع على ما ذهبوا إليه فيكون قسمة المواد حينئذ مثناة بين الموجود الممكن والواجب .
(ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات و بالغير ؛ والمحقق) بالنظر الحق ، لما شاهد الواقع اطلع على نفس الأمر بما عليه 
من الصور والأحكام وما قصر النظر على الخارج منها عاكفا لديها بأحكامها المحسوسة عرف الإمكان الذي هو مقتضى حقائق الأعيان في حضرة تمايز المعلومات عن العلم ، حيث انفصل العلم عن الوجود وثبت لها أعيان متمايزة .
فإذا نظر إليها في أنفسها بشرط أن لا يلاحظ ما عليه من الخارج عنها تكون نسبة الوجود والعدم إليها على السوية، وهي البرزخ الواقع بينهما، وهي بهذا الاعتبار هو الممكن بما هو ممكن، وهذا موطن إثباته.
وإذا نظر إليها مطلقا عن ذلك الشرط - فقد يعتبر معها خارج هي بعينها - تصير واجبة بالغير بذلك الاعتبار.
وهذا الموطن الإطلاقي هو الذي يصح إطلاق اسم الغير، الذي اقتضى لها الوجوب، وبه يصير الممكن واجبا.
ولذلك (يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكن ما هو الممكن، ومن أين هو ممكن، وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب) .
(ولا بعلم هذا التفصيل) أي تفصيل معنى الإمكان والوجوب، والممكن بما هو ممكن وتحقيق موطنه و صيرورته واجبا بالغير، وموطن صحة هذا الاسم عليه.
( إلا العلماء بالله خاصة ) و العاقلون عنه لا العلماء بالنظر والاستدلال و العاقلون عنه ، فإنهم عاجزون عن ذلك التفصيل ، قاصرين عن تحقيق مبادئه لما مر.
وهو أن «الله » قد انطوى على ثلاثة أرقم :
 أحدها الخط البسيط المتنزل الذي لا نسبة فيه بالفعل.
والثاني منها ذلك الخط بعينه منفصلا عنه ، منحدا به خط آخر منبسط على الأرض ، انبساط العلم ، وحصل هناك بذلك نسبة غير تامة الارتباط .
والثالث منها ذانك الخطان بارزا عنهما خط آخر ، يرتبط به المنبسط إلى الخط الأول ، و يصير به تام الارتباط ، ويتم الدائرة التي عليها مدار ?مال الوجود .
وأيضا قد اشتمل من العقود على الثلاثة منها :
أحدها : الواحد الذي هو مبدء سائر الأعداد والنسب ، ولم يكن له بالفعل نسبة أصلا. 
الثاني : الثلاثة التي عليها مدار الظهور والبروز و إيجاد الممكن وإثبات الحدوث. 
الثالث : الخمسة التي هي العدد الدائر الكامل ، الذي احتوى على التام من الأزواج والأفراد ، وهي أنهی طرف الكثرة ، فهي أم الأعداد بمراتبها ، وهي العدد الأم - كما سبق بيانه .

ولا يخفى على الفطن تحقیق معنى الواجب بالوجوبين والممكن من هذا التلويح وتطبيق تفصيل المواطن عليه ،فلا حاجة إلى زيادة من التوضيح.
ولما تقرر وجوب مماثلة المبدء والختم ولزوم مطابقتهما ، وجب أن ی?ون الآخر من كل نوع مشتملا على جميع ما عليه الأول بالفعل والقوة.
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
قال رضي الله عنه : "إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه. ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير."
قال رضي الله عنه : (إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة) الذين لا تقوى عقولهم بالنظر عن إدراك الحقائق على ما هي عليه يرون أن الله سبحانه (لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء) وزعموا أن مشيئته يمكن أن يتعلق بكل ما هو ممكن في نفسه (جوزوا على الله سبحانه ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه) من إعطائه بعض الأشياء أعطيات لاستعدادها ?تنعیم من يتعذب العذاب وتعذيب من يستحق النعيم.
وليس الأمر كذلك فإن الله سبحانه ما تعلقت مشيئته از بتعيين الأعيان الثابتة واستعداداتها إلا بحسب ما اقتضته الشؤون الذاتية والنسب الأصلية. 
وبعدما تعينت الأعيان ما تعلقت مشبثته بوجودها وأحوالها التابعة لوجودها إلا بحسب استعداداتها الكلية وقابليتها الجزئية الوجودية.

فالحق سبحانه وإن كان فعالا كما يشاء لكن مشيئته بحسب حكمته، ومن حكمته أن لايفعل إلا بحسب أستعدادات الأشياء، فلا يرحم في موضع الانتقام ولا ينتقم في موضع الرحمة.
(ولهذا)، أي لضعف ما يراه هذا البعض وتجويزهم على الله سبحانه ما يناقض الحكمة .
(عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان)، فإن منشأ ما ذهبوا إليه إنما هو إمكان ما يناقض الحكمة فلما ظهر على بعض النظار فساد مذهبهم نفوا ما هو منشؤه فذهبوا إلى نفي الإمكان (وإثبات الوجوب بالذات وبالغير) .من هذه الطائفة

قال رضي الله عنه : "و المحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن ما هو الممكن و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير، و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة."
قال رضي الله عنه : "و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني.
و هو حامل أسراره"
قال رضي الله عنه : (والمحقق يثبت الإمكان) الذي هو يساوي نسبة صور معلوميات الأشياء الي الظهور وعدمه في العين ولا ينفيه مطلقا كالفرقة الثانية من أهل النظر
(ويعرف حضرته) ، أي حضرة الإمكان ومرتبته وأنه في أي حضرة تعرض الأشياء وهي الحضرة العلمية.
فإن العقل إذا لاحظ الأشياء من حيث أنفسها مع قطع النظر عن أسبابها وشرائها يتساوى عنده وجودها وعدمها ، وإذا لاحظها مع أسبابها وشرائطها حكم بوجوب وجودها.
فلا يثبت الإمكان مطلقا كالفرقة الأولى من أهل النظر.
(و) يعرف (الممكن ما هو الممكن) وهو الوجود المتعين فإنه من حيث تعينه ممكن وإن كان بحسب الحقيقة واجبة.
(و) يعرف أيضا (من أين هو ممكن)، أي من النسبة للنسبة انتسبت صفة إمكانه وهي نسبة تقدسه سبحانه عن التعبد بالصفات المتقابلة كأظهور والبطون والأولية والأخرية وغيرهم أو من أي اعتبار وحيثية هو ممكن وهو اعتباره من حيث نفسه من غير ملاحظة أسبابه وشرائطه .
(وهو)، أي: الممكن (واجب بالغير) لكن من حيث النظر إلى أسباب وجوده وشرائطه.
(و) يعرف أيضا أنه (من أين صح عليه) أي على الغير وحدة الوجود (اسم الغير الذي اقتضى له).
أي للممكن (الوجوب ولا يعلم هذا التفصيل) شهود محقق (إلا العلماء بالله) و مراتبه (خاصة).
فإنهم يعلمون أن الوجود الحق من حيث ذاته واجب ومن حيث تعيناته في الحضرة العلمية ممكن تتساوى نسبة هذه التعيينات العلمية إلى الظهور في العين وعدم الظهور فيه .
إذا لوحظت من حيث أنفسها ?تساوي نسبته سبحانه من حيث ذاته المطلقة الى الصفات المقابلة.
وإذا لوحات من حيث أسباب ظهورها وشرائطه ، فهي واجبة بها.
وهذه التعيينات بغایر بعضها بعضا من حيث خصوصیاتها وإن اتحد الكل بالكل حيث حقيقة الوجود.
وأما مغایرتها للوجود الحق المطلق فمن حيث أن كلا منها تعین مخصوص لوجود الواحد تغاير الآخر بخصوصه.
والوجود الحق لا يغاير الكل ولا يغاير البعض لكون كلية الكل وجزنية الجزء نسبا ذاتية.
 فهو لا ينحصر في الجزء ولا في الكل مع كونه فيهما عينه .

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه :  ( إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه.
و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.  ولا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة. )
قال المصنف رضي الله عنه : [  إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه . و لهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير . والمحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن و ما هو الممكن . و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة. ]

قال الشارح رضي الله عنه :
( إلا أن بعض أهل النظر المتوغل) في الدين (من أصحاب العقول الضعيفة) الذين ما وفوا النظر (حقه يرون الله لما ثبت عندهم أنه فعال) لما يشاء إنه يشاء إيجاد المحيل و المستحيل، مع أنه قال الله تعالى: "فعّالٌ لما يريدُ " [ البروج: 16] .
و غفلوا عن حكم الإرادة أنها ما تتعلق إلا بممكن الوجود، فالمراد لا يكون إلا أمرا وجوديا لا محالا لأنه حكيم ما يريد، إلا ما تقتضي الحكمة، و هذا القدر من العلم يدرك بالعقل السليم من نفس الآية، فعدم إدراكهم ذلك القدر من ضعف فكرهم و نظرهم، جوّزوا على الله ما لا يجوز.

( وهو ما يناقض الحكمة البالغة، وما هو عليه الأمر في نفسه) لأن المشيئة لها أحدية التأثير و التعلق لأن الحق ليس بمحل الجواز، والمشيئة تابعة للإرادة، وهي تابعة للعلم، والعلم تابع للمعلوم، و المعلوم على ما هو عليه .
قال تعالى: "لا تبْدِيل لكلماتِ اللّهِ " [ يونس: 64]، و ليست كلماته سوى صور الممكنات كلمات إثر كلمات فإنها على ما هي عليه، وما وقع منهم ذلك إلا لقصورهم في النظر والفكر، وغلوّهم في التنزيه، فإنهم وقعوا في تجويز ما لا يجوز ولا يصح بل ولا هو من الممكنات، وهم لا يشعرون .

هذا من الغلو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم حيث قال :
" إياكم و الغلو في الدين فإنما هلك من كان من قبلكم إلا بالغلو في الدين" رواه ابن عساكر، ذكره في جمع الجوامع .
فلهذا (عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان ): أي لما رأى بعض أهل النظر أن بعضهم أخطئوا في قياسهم، و جوّزا على الله ما لا يجوز، و هو ترك العمل بالحكم و الإيجاد كيفما اتفق، فعدل عن هذا القول إلى نفي الإمكان.
(وإثبات الوجوب بالذات وبالغير، وسدّ) باب الجواز أصلا، و هو في نفسه ذوق لأن الإمكان حكم وهمي لا معقول، لا في الله و لا في الخلق المسمّي ممكنا، فإنه لا يعقل هذا المسمّى أبدا إلا مرجّحا، و حالة الاختيار لا يعقل إلا بترجيح، ولا ترجيح .
وهذا غير واقع عقلا لكن يقع وهما، والوهم حكم عدمي، فما ثمة إلا  واجب بذاته، أو فمشيئته الأشياء واحدة، و إذا زال الإمكان زال الاختيار، وما بقي سوى عين واحدة، وما عندها إلا أمر واحد في الأشياء .
قال الله تعالى: "و ما أمْرنا إلّا  واحِدةٌ كلمْحٍ بالبصرِ" [ القمر: 50]، فافهم .
فلما كان هذا الوجه من النظر أولى من الوجه الأول، فسمّاهم النظار بصيغة المبالغة بخلاف الأول، فإنه قال فيهم: أهل النظر لهذا السر الذي عرفته .

( والمحقق وهو) الذي تحقق بالوجود، و رأى الأشياء بالحق فيه ذوقا لا كشفا، فإنهما يكفيان و يشفيان فيه، فإنه (يثبت الإمكان) حضرة مستقلة بين  الحضرتين :
حضرة الوجوب.
و حضرة الامتناع و المجال .
( و يعرف) بالذوق (حضرته، و هي العدم) المضاف حضرة متوسطة برزخية، و هي حضرة المثال المتحقق، المسمّى بحضرة الخيال المطلق، و هي على الحقيقة حضرة الوجوب من حضرات الحس .
فلهذا يلحق المعاني بالمحسوسات في الصورة حتى يتخيل بالمحال محسوسا، و الخيال في الدرجة الأخيرة من الحس، فإنه يأخذ ما يكسوه من الصور للمحال و غيره، بل للواجب .
كما ورد في الخبر الصحيح : "أن تعبد الله كأنك تراه" فأعطي الواجب حكم الممكن في وهم التصوير، فافهم .
و يعرف (الممكن )، بل يشهده (ما هو الممكن )، و هو مظاهر الأسماء و حقائق الأعيان الخارجية، ظاهرة في الوجود لا بالوجود، كما قيل.
الأعيان الثابتة ما شمت رائحة الوجود، كالصورة الظاهرة في المرايا، لا هي عين الرائي و لا غيره، و لا هو من حيث عدمه عين المحال و لا غيره، فكأنه أمر إضافي برزخي، عين غير لا عين و لا غير.
(و يعرف من أين هو ممكن )، مع أنه صورة علمية للحق تعالى، و هو عين الذات الواجب، و لكن ليس إمكانه من هذا الوجه، بل إمكانه من حيث أنه مظهر من مظاهر الأسماء الإلهية التي تسمّى حقائق الأعيانالخارجية.
فهي بالاعتبار الأول: أي باعتبار أنها صور علمية عين الذات.
و بالاعتبار الثاني أعيان الموجودات الخارجية و حقائقها .

( و هو بعينه واجب بالغير ): أي ذلك الممكن الذي تسمّيه ممكنا إذا اعتبرناه صورة العلم الإلهي، قلنا بوجوبه و لكن بالغير لأن العلم عين الذات، و الذات لها الوجوب، فله الوجوب بالواسطة، فالممكن في نفسه لا يتصف بالعدم و لا بالوجود سيما الوجوب، فإذا نسبته إلى الوجود الواجب نسبة مجهولة الكيفية، وجدت فيه رائحة وجوب الوجود، و إذا نسبته إلى العدم وجدته معدوما لأنه بذات لا وجود له و يعرف .
( من أين صحّ عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب )، و ذلك كما ذكرته فيه آنفا: إن الصورة العلمية لها اعتباران: اعتبار أنها عين الذات و لها الوجوب، و اعتبار آخر أنها عين من الأعيان، و حقيقة من الحقائق الخارجية، ومظهر من مظهر الأسماء الإلهية.
فبهذا الاعتبار صار غيرا، و لكن اقتضى ذلك الغير الوجوب لأنه بالحق ظهر في الوجود، و كان به موجودا، بل كان بنا بصيرا، فهو بك في الأزل، فلم يزل بصيرا و لا يزال بصيرا، هذا معقولية الوجوب، فافهم .
فإنه واجب بك كما أنت واجب به، بل العارف المحقق ما يرى للغير عينا حتى يرى له حكما، فافهم . فإن تحرير هذه المسألة عسير، و على إفهام النظّار غير يسير، فإن اللفظ يقصر عن بيانها، و التصور لا يضبطها لسرعة تقلبها، و تناقض أحكامها.
فإنها مثل قوله تعالى : "وما رميت إذْ رميت ولكِنّ اللّه رمى"  [ الأنفال: 17].
فنفى و أثبت: (ولكِنّ اللّه  رمى )، فنفي كون محمد صلى الله عليه و سلم، و أثبت نفسه و عينه، وجعل له اسم الله، فهذا حكم هذه المسألة بعينه فافهم.

( و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله) لأن الحق سمعهم و بصرهم و قواهم، فيعرفونه به، (خاصة ): أي اختصّ بهذا العلم و الذوق العلماء بالله، فإنهم يعرفون الأمور كما هي عليه، فعرفوا بل شهدوا، بل ذاقوا أن الوجود من حيث ذاته واجب، و من حيث تعيناته و صوره ممكن، و إنما قلنا خاصة لأن علم إلحاق الممكن بالوجوب كإلحاق المحال بالممكن.
و هو مختصّ بأهل العناية و الكشف، فإنهم علموا به تعالى، و لكن علم إلحاق الممكن بالمحال أصعب عندهم من إلحاق الواجب بالممكن لأن إلحاق الممكن بالمحال، و هو عدم وقوع خلاف المعلوم مع إمكانه في نفسه، فهذا إلحاق الممكن بالمحال .
فنقول في الذي قلنا: ممكنا عقلا، محالا عقلا، فداخلت الرتب فلحق المحال بالممكن: أي برتبته، ولحق الممكن برتبة المحال، و بسبب تداخل الخلق في الحق، و الحق في الخلق بالتجلي.
والأسماء الإلهية والكونية، فأنبهم الأمر عند صاحب النظر والفكر، فلا يميز الأمرين إلا صاحب العينين، من رأى و علم التوالج و التداخل كيف يولج الليل في النهار، و يولج النهار في الليل؟ و كيف يسلخ منه النهار علما و ذوقا، فهو العالم بالله حقّا .
قال الخراز من هذا المقام: عرفت الله بجمع الأضداد ، فافهم .

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:39 pm

الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة والثلاثين: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.)
 قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : "و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. و هو حامل أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. و تولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها. و يكون مولده بالصين و لغته لغة أهل بلده.
و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله فلا يجاب.
فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة."
(وعلى قدم شيث) النبي عليه السلام (يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني) في الأرض.
(وهو)، أي ذلك المولود (حامل أسراره)، أي أسرار شيث عليه السلام يعني وارثا له في مقامه (وليس بعده ولد) يولد (في هذا النوع) أبدا (فهو خاتم الأولاد) الآدمية (وتولد معه أخت له) يكونان توأمين من بطن واحد .
(فتخرج) أخته (قبله ويخرج) هو (بعدها يكون رأسه في وقت خروجه عند رجليها) ليختم هذا النوع بذكره كما افتتح به.
وقبله أنثى أخرى كما بعده أنثى أولا، وكانت البداية بالإنسان الكامل فتكون النهاية أيضا بالإنسان الكامل .
وفي الحديث«لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله» والمراد حتى يفقد الإنسان الكامل من الأرض (وی?ون مولده)، أي ذلك المولود الذي هو خاتم الأولاد (بالصين)، وهي البلاد التي في أقصى الهند (ولغته التي يتكلم بها لغة أهل بلده)، أي الصين (ويسري العقم)، أي انقطاع التوالد بعد ذلك (في النساء والرجال)، في جميع الأرض (فيكثر النكاح)، ولكن (من غير ولادة ويدعوهم)، أي يدعو الخلق ذلك المولود الكامل (إلى) دین (الله) تعالى (فلا يجاب) لغلبة الجهل وإليه الإشارة بقول النبي عليه السلام: «اطلبوا العلم ولو بالصين». يعني لا يسقط عنكم طلب العلم المفروض عليكم، ولو لم تجده إلا بالصين كما هو كذلك في آخر الزمان .
والمراد به العلم بالله تعالى (فإذا قبضه)، أي أماته (الله وقبض مؤمني زمانه)، جميعهم حتى يعم الموت كل مؤمن في الأرض (بقي من بقي مثل البهائم) صورهم صور بني آدم ونفوسهم نفوس الحيوان (لا يحلون) شيئا (حلالا ولا يحرمون) شيئا حراما) لعدم معرفتهم بالله تعالى ولا بأحكامه (يتصرفون) في جميع أمورهم (بحكم)، أي مقتضى (الطبيعة) المحضة (شهوة مجردة)، أي خالصة (عن) تدبیر (العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة) وهم شرار الناس كما ورد في الحديث: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس».
تم الفص الشيثية.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. 
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.)

 قال الشيخ رضي الله عنه: "وعلى قدم شيث" أي أوردت هذه المسألة على آخر قصة (يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني وهو حامل أسراره) من العطايا الأسمائية (وليس بولد بعده ولد في هذا النوع فهو خاتم الأولاد) الذكور .
كما أن شيث أول أولاد الذكور (وتولد معه أخت له) وهي خاتمة الأولاد الأنثي كما أن أخت شیث أول الأنثي (فتخرج قبله ويخرج بعدها) لابتداء الدورة على عكسها (يكون رأسه عند رجليها) لكون الأحكام في ذلك الزمان (لا استراحة) للطبيعة (ويكون مولده بالصين) لكونه أصعب الأمكنة .
فمولده فيه إشارة إلى أن في ذلك الزمان لا استراحة في وجه الأرض للمؤمنين (ولغته لغة بلده ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم) أي أهل بلده (إلى الله) أي إلى معرفة الله تعالى وهي العلم بالتجليات الأسمائية بالطريق الخاص من مرئية ختم الرسل .
كطریق مشايخنا رحمهم الله (فلا يجاب) دعوته لانقطاع الفيض الروحاني فيختم به الأسرار الشيثية فلا يطلب تحميل هذا العلم مؤمنو زمانه ولا يجيبون دعوته مع أنه لا يضر إيمانهم لأنهم وإن كانوا لا يجيبون لكنهم لا يردونه ولا ينكرونه لكون دعوته مطابقة لدينهم .
كما أن المؤمنين في زماننا الذين لم يجيبوا دعوة مشايخنا لا يضرهم يدل عليه قوله (فإذا قبضه الله وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحزمون حراما ينصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع وعليهم تقوم الساعة) .
هذا الولد هو الولي الذي لا يستجاب دعوته يكون بعد ختم الولاية العامة وهو عيسى عليه السلام فمعنى قوله : لا ولي بعده أي الولي الذي يستجاب دعوته ويؤثر ولايته وينتفع الناس ب?مالاته ومعارفه فلا ينافي ختميته ختم الرسل وجود عیسی بعده مع أنه نبي مرسل بعدم إحكام نبوته.
ومن قال: إن هذا الولد هو عيسى عليه السلام فقد أخطأ في الظاهر والباطن.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. 
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.
)
قوله رضي الله عنه: وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني وهو حامل أسراره. 
قلت: لما ثبت لشيث أولوية المولودية، 
لأنه أول مولود ولد من هذا النوع الانساني، فكانت له مرتبة الأولية ولما كانت الآخرية هي مضايفة للأولية، فهي في مقابلتها تماما.
فإرتسم شكل المرتبة الأولى في المقابل لها، فظهرت فيها أسرارها كما ظهرت أسرار العقل الأول الذي حصلت له الأولية في الايجاد في مرتبة آدم الذي هو آخر أنواع الموجودات ظهورا.
 فلا جرم حصل للإنسان العقل الذي به ظهور أسرار العقل الأول وهو القلم الأعلى.
قوله رضي الله عنه: (وليس بعده ولد في هذا النوع فهو خاتم الأولاد و تولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها.)
قلت: كما لم يكن بعد آدم و بنیه مولود يكون فيه أسرار العقل الأول وهذا من ضرورة ارتباط الأولية بالآخرية، فإن الحقائق لا تتبدل وهي كلمات الله وقد قال تعالى: "لا تبديل كلمات الله" (یونس: 64).
أما كونه يولد معه أخت له، فلأن نسبة أخته إليه نسبة حواء إلى آدم في الأنوثة والذكورة إلا أن آدم وحواء تولدا في الطين وهذان في الرحم.
فإن آدم لما تكون من الطين كان في الطين فضله وكان في المدد الإيجادي الذي كان مصدره من العقل الأول فضلة أيضا، فقيل ما فضل من الطين عن آدم المدد الإيجادي.
 وقد تقدم أن الأمر الإلهي إن كان ما قبل بالتسوية شيئا، فلا بد أن تعلق به مقبولة بالنفخ الإلهي، فقبلت تلك الفضلة من الطين ایجادا إلا أن ما قبلته كان أنقص مما قبلته طيئة آدم وقبل آدم أكثر.
فكان من حكم الأكثرية الذكورة وذلك المزيد الحرارة الحاصلة له من مزيد المدد الخاص به، فكان ذكرا وكانت هي، أعني حواء أنثي وأميل إلى البرد.
فلم تمد الحرارة الطينية حتى يصير لها ذكرا كما حصل لآدم بل نقصت الحرارة، فبقي موضع تكوين الذكر والأنثيين مخسوفا بإذن الله تعالى.
فكان هو الفرج وتركبت فيه الشهوة للعضو الذي هو الذكر لأن ذلك الموضع كان محتاجا حالة التكوين إلى الحرارة التي تصير الفرج ذكرا فلما فقدها حالة التكوين بقي فيه طلبها بالذات. 
ولما كانت جملة الأنثى أيضا ناقصة من مدد الحرارة تصير بها في درجة الذكور، بقي فيها ميل طبيعي إلى الرجال فذلك هو حقيقة شهوة المرأة التي تطلب بها الرجل.

وأما الشهوة التي يطلب بها الرجال النساء فهي أن القدر الذي في الرجال من مزید ذلك المدد المذكور الذي حصل للرجال دون النساء عند ما فاته أن يكمل نقص النساء فيصير هم رجالا انبعث نحو النساء كالمحاول لاتمام ما حصل لهم من النقص فحرك الرجال إلى محل النقص وهو الفرج كما ذكرنا.
ولما كان الأعور هو العضو المسمى ذكرا تحرك المدد في العضو الذي هو الذكر، فطلب الفرج الذي هو محل النقص، فطلب الولوج فيه فحصل الطلب من الطرفين، الذكر والأنثى.
ومن أجل حركة المدد في حيز النقص تحرك الذكر، فهي تلك الحركة التي تكون في الجماع أما من الرجل، فهي حركة فعل وأما من المرأة، فهي حركة انفعال.
فاقتضى المدد الايجادي أن ينبعث من الرجل رطوبة هي بمنزلة الرقعة التي يرقع بها الثوب ليجبر نقصه، وأن ينبعث من المرأة نظيره ليتلقى تلك الرقعة كما يرتبط الرقعة بالثوب بنوع من الخياطة.
فإن علا ماء الرجل ذكر بإذن الله. وإن علا ماء المرأة أنثى بإذن الله تعالی.
كما ورد في الحديث النبوي، لكن ذلك الماء ما انفصل ما يخص موضع النقصان بل جاء وفيه قوة جميع البدن، فحصل منه ت?وین انسان إما ذكر أو أنثى كما فصلناه. 
وكان تكوين حواء في الطينة التي لآدم متصلة به غير منفصلة عنه، فكانت من جنبه.
 فقيل: "إن المرأة من ضلع الرجل" كما ورد في الحديث، لأنها تكونت إلى جانبه من طينته، فعبر عن ذلك أنها من ضلعه أي من محل فيه ضلعه، ففي الكلام مجاز إذ المجاز قد ثبت أنه يكون في القرآن أيضا على المذهب الصحيح.
فنعود إلى ما كنا فيه من ذكر أخت حامل أسرار شيث أنها تكونت مع أخيها على عكس ما تكونت حواء مع آدم لأنها سبقت أخاها في التكوين لأن المدد كان على آخره.
 فتكونت بقسط من المدد لا يبلغ ما حصل لأخيها، فاقتضى سبقها لها في التكوين وكونه هو المقصود بالآخرية إن تسبقه في الخروج من الرحم ليكون آخرا إلا أنه لم يتأخر عنها.
فاقتضى الحال أن يكون رأسه عند رجليها ولما تقاصر المدد كان له ح?م سنذكر هنا وهو أنه لم يقتض أن المدد يتوجه لإتمام ما حصل لأخته من النقص بالأنوثة حتى تحرك الرجال الن?اح النساء فلا جرم يسرى العقم في الرجال والنساء.
وأما كثرة النكاح حينئذ، فيكون بالعادة وحرصا على النسل ولا يفيدهم الحرص لأن الأمد قد انقضي والأمر على آخره.
قوله رضي الله عنه: "ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل بلده. ويسرى العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب. فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمنی زمانه بقى من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة."
قلت: أما مولده بالصين فلأن قدمنا أن الآخرية إنما جاءت على حكم الأولية لأنها كالشكل المرتسم من الأولية في مرآة الآخرية، فتمت دائرة الإيجاد.
فكان المولد لآخر مولود هو بالصين كما كان تكون آدم، عليه السلام، إنما هو بالصين، فاتصلت نقطة الآخر نقطة الأول لتمام الدائرة وأما أن لغته لغة بلده فلأنها من الصين تعلمها.
وأما قوله رضي الله عنه: " ويدعوهم إلى الله تعالى".
قلت: يعني أن هذا المولود يدعوهم إلى الله، فلا يجاب لأن الاجابة هداية والهداية هي من ذلك المدد والتقدير أنه تقاصر، فتذهب عقولهم القابلة النور الهداية التوقف المدد عنهم.
فيبقون كالبهائم إلى أن يقوم عليهم القيامة وهذا الكلام كله من قوة الأحاديث النبوية، فتأمله تجده كذلك والله الهادي.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " وعلى قدم شيث عليه السّلام يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني ، وهو حامل أسراره ، وليس بعده ولد في هذا النوع الإنساني فهو خاتم الأولاد يولد معه أخت  له فتخرج قبله ويخرج بعدها ، يكون رأسه عند رجليها ، ويكون مولده بالصين ولغته لغة بلده ، ويسري العقم في الرجال والنساء ، فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله ، فلا يجاب ، فإذا قبضه الله وقبض مؤمني زمانه ، بقي من بقي مثل البهائم لا يحلَّون حلالا ولا يحرّمون حراما ، يتصرّفون بحكم الطبيعة شهوة مجرّدة عن العقل والشرع ، فعليهم تقوم الساعة " .
قال العبد أعلم : أنّ آدم عليه السّلام لمّا كان صورة ظاهريّة أحدية جمع جميع الكمالات الأسمائيّة الإلهيّة الربّانيّة والكيانية ، كان ظهور الوهب الجودي الامتنائي به وفيه وحدانيّا جمعيّا ، ثم ظهور التعيّنات من قبله بحسب الحقائق الأول وحروف الأزل وعلى ترتيبها في وجود الأبناء ، فأوّل التعيّنات بعده كما أومئ إليها من مرتبة الفيض .
ولكن تعيّن الفيض وتحقّقه لا يكون إلَّا بين مفيض للفيض وبين مفاض عليه ، فالمفيض هو الله الفعّال ، وفيضه الذي هو عطاؤه ووهبه
على وجهين : ذاتيّ وأسمائيّ ، والمفاض عليه هو العالم .
والعالم عالمان : عالم جمع وعالم تفصيل .
فظهور الأسماء في عالم التفصيل وظهور الجمع الذاتي في عالم الجمع ولا بدّ لحقيقة الوهب من هذين الوجهين وظهور الوهب من قبل القابل انفعاليّ ، ومن قبل الواهب فعليّ .
ولحقيقة الوهب نسبتان ذاتيّتان إلى الفاعل والمنفعل ، وتعيّن الفيض في مراتب التفصيل إنّما يكون بحسب هذين الوجهين ، فهو من قبل الفاعل تعيّن الأسماء الإلهيّة الكمالية في قابليات كمّل الأنبياء ، ومن قبل الانفعال تعيّن الكمّل الآدميّين في مظهريّة تلك الكمالات الأسمائيّة .
فآدم عليه السّلام مظهر أحدية جمع الأسماء ومظهر النفس الواحدة ومن حيث اعتبار ذاتيّة الذات وإطلاقها لا يكون تجلّ ولا اسم ولا صفة ولا حكم ولا نعت .
والاعتبار الثاني موجديّة الذات ومفيضيّتها ومبدئيّتها ، ويظهر بحسب الإطلاق والتقييد ، والفعل والانفعال ، والأسماء والذات ، فيكون في الأب الثاني وهو شيث عليه السّلام تعيّن  سرّ مرتبة الفيّاضيّة والوهب والجود .
ثمّ تعيّن المواهب والحكم الإلهيّة والرحمانية الذاتية في كمل الأنبياء على ما سيأتي بعد شيث عليه السّلام الذي هو مظهر أحدية جمع الفيض الرحماني والعلوم الوهبيّة الروحانيّة النورانية .
فأوّل تعيّن الأسماء في مرتبة الجمعية الإنسانيّة بعد مرتبة الفيض بشيث عليه السّلام .
وإنّما كان بالتجلَّيات التنزيهيّة في نوح عليه السّلام بعد كمال ظهور أسرار التشبيه بقوم نوح ، فنوح صورة أحدية جمع التنزيهات التوحيدية ، ومظهر تجلَّيات الأسماء السلبية المفيضة للنزاهة والطهارة الإلهية ، وأمّته الذين لم يقبلوا دعوته مظاهر التشبيه الذين شبّهوا الصور الجسمانيّة بالصور الأسمائيّة الإلهيّة النبوية .
ثمّ مرتبة التقديس والنزاهة والطهارة بالفعل في إدريس عليه السّلام .
ثمّ تفصّلت الحقائق النبويّة بعد تعيّنها وظهور أحدية جمع كمالاتها في إبراهيم عليه السّلام.
وتحقّق إمامته في أولاده سليمان عليه السّلام في مرتبة ظاهرية أحدية جمع الكمالات الأسمائية. وكملت في داود وسليمان عليه السّلام .
ثمّ ابتدأت بظهور مرتبة الجمع في الباطن ، فيمن بعد سليمان إلى عيسى عليه السّلام حتّى ظهر كمال دعوة البطون فيه .
ثمّ كمل الأمر في مرتبة أحدية جمع جمع الأسماء والذات في مقام الفردية الكمالية البرزخيّة بمحمّد عليه الصلاة والسلام .
ثمّ ابتدأت بالصور الكمالية الأحدية الجمعية في مرتبة الباطن والولاية بآدم الأولياء ، وهو أوّل وليّ مفرد في الولاية المورّثة عن النبوّة الختمية المحمدية وهو عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام فظهرت الحقائق الجمعية الكمالية أحدية جمعيّة في مظاهر الكمالات الإنسانية الأحدية الجمعية من الأولياء والورثة المحمديّين الإلهيّين إلى أن ختمت الولاية العامّة بعيسى بن مريم عليه السّلام .
قال محقق الكتاب :
" فعبّر عنه عليه السّلام بآدم الأولياء ، لأنّ ولاية كلّ وليّ تنتهي إليه عليه السّلام .
لأنّه « كان ونبيا وآدم بين الماء والطين » بحسب الرتبة الجسمانية الزمانية .
وهو سرّ الأنبياء عبارة عن مرتبة ولا يأتهم فهو أب كل الأنبياء معنى وروحا ، وآدم أبونا بحسب الرتبة الجسمانية الزمانية"
وإذا انتهت مراتب التفصيل الوهبي جمعا وتفصيلا في الصور الجمعية الكمالية الإنسانية ، وفي الصور التفصيلية الفرقانية نورانيّها في كمل الأنبياء والأولياء وظلمانيّها في الفراعنة والجبابرة والمردة والعفاريت تماما ، ظهرت ختميّة مرتبة الوهب الذي كان مفتتحه ومختتمه من شيث عليه السّلام في آخر مولود يولد من النوع الإنساني الذي هو صورة ختميّة مرتبة الوهب الأحدي الجمعي الكمالي الإنساني.
فكونه توأما إشارة إلى أنّ الوهب ذاتي وأسمائي ، فالذاتي فعلي على ما ذكر والأسمائي انفعالى سفلي أنثيّ ، وذلك لما فيه من التقابل .
وخروج الأنثى قبل الذكر إشارة إلى أنّ المظاهر الأسمائية ظاهرية الوهب ، وأنّها تظهر وتبدو قبل الوهب الذاتي الأحدي الجمعي ، ولهذا كان أمّ رأسه وهو محلّ أحديّة جمع قواه النفسانيّة ، ومنبت الأعصاب التي بها يكون الحسّ والحركة بين رجليها ، لأن أحدية الجمع يكون بين الجمع الأوّل وهو اثنان في العدد الزوج .
وكما كان افتتاح صور جمع الأوّل الناتجة أوّلا من الأبوين الأوّلين أعني آدم وحوّاء زوجا زوجا ، فكانت تلد لآدم في كل بطن توأما .
إشارة إلى أنّ ظهور مرتبتي الفعل والانفعال الناتجتين من صورة أحدية جمع المظهرية الكماليّة بين مرتبتي الحق والخلق يكون أحديّا جمعيّا ، فكذلك انختمت الصورة البشرية ، الناتجة من هذا النوع أيضا زوجا في صورة أحدية جمعية .
فتولَّد خاتم الأولاد مع أخته توأما ، ضرب مثل إلهي لهذا السرّ وإشارة إلى انختام هذه المرتبة الوهبية والحكمة النفثيّة المفتتحة بها في الكلمة الشيثيّة لا مطلق الوهب .
فإنّ الله وهّاب دائما ، ولكن مرتبة الوهب الحكمي الأحدي الجمعي الكمالي الخصيص بخاتم الصور الوجودية الظاهر أوّلا في شيث ، فخاتم الأولاد آخر صور مثليّة إلهية ضرب مثلا لختميّة هذه المرتبة لمن عقل عن الله ، و " كانَ لَه ُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ".
ولمّا كانت هذه المرتبة الأحدية الجمعية الكماليّة النفسية الخصيصة بأوّل صورة في النوع الأخير ظاهرة في خاتم الصور الوجودية في أقصى مرتبة الوجود وآخر الأنواع كذلك ، انختمت المرتبة بخاتم الأولاد الذي ولد في أقصى البلاد ، وهو الصين .
ثمّ منعت عن الظهور فلا يولَّد بعده إنسان ، إشارة إلى أنّ إنزال الحكم المنتجة للكمال الأخير بلغ النهاية ، فانختمت المرتبة فانقطع النوع في هذه النشأة وهذه الدورة .
ثمّ يبقى بعده شرار الخلق لا نزّل الله إليهم الحكم ، فيهم حيوانات في صور إنسان لإظهار كمال الحقائق الحيوانيّة الطبيعية البهيمية والسبعية في الصورة الإنسانية تماما على ما تقتضيه الطبيعة من حيث هي من غير وازع عقلي ولا مانع حكمي أو شرعيّ ، فعليهم تقوم الساعة .
وخاتم الأولاد أكمل زمانه ، وله من العلوم الوهبيّة والحكم النفثية الظاهرة في الكلمة الشيثية أتمّ حظَّ وأوفر نصيب ، ويدعو إلى الله بأحكام حكمته فلا يجاب إلى دعوته ، فيقبضه الله إليه ويقبض معه وبعده مؤمني زمانه .
وولادة أخته قبله إشارة أيضا إلى أن تحقّق المرتبة الفاعليّة بعد تعيّن مرتبة الانفعال ، وولادته بعد أخته تصحيح ختميّته ، لأنّه لو ولد قبلها كانت هي الخاتمة ،ولهذا لا يطَّرد هذا الحكم في كل توأم.
وكون رأسه عند رجليها إشارة أخرى أيضا إلى أنّ الأحدية الجمعيّة الكمالية الختمية إنّما تظهر بعد ظهور رتبة التفصيل لتحقّق الآخرية ، فافهم .
واعلم : أنّ هذه الحكمة النفثية تشتمل على مكاشفات عليّة ، وقواعد علميّة ، وقوانين كشفية حكمية ، فتدبّرها بفهمك الثاقب ونور إيمانك الصائب تعثر على كنوز الحكم النازلة على الطريق الأمم ، من المقام الأقدم ، على المظهر الأكمل الأجمع الأتمّ ، والمنظر الأحسن الأعدل الأقوم ، محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
  
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. 
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.)

قوله رضي الله عنه :  " وعلى قدم شيث يكون آخر مولود تولد من هذا النوع الإنسانى وهو حامل أسراره " إشارة إلى أن أدنى مرتبة الإنسان باعتبار حقيقته التي هو بها إنسان .
أن يكون مقامه القلب الذي هو محل تجليات الصفات الإلهية ومظهر التعدد الأسمائى .
فإن العطايا من الأسماء وعلمه معرفة العطايا ولا بد للعطاء من معط وقابل .
فالمعطى هو الله باعتبار الأسماء والقابل هو نفس شيث باعتبار قبول الأعطية من النفث الروحي.
ومن انحط عن مقامه حتى وقع في حد القبول المحض ، فقد انحط عن درجة الإنسان وانخرط في سلك سائر الحيوان وإن كان في صورة الإنس . فلهذا يكون آخر مولود من هذا النوع على قدمه.
ولما كان مقامه أنزل من مقام الوالد وكان قاصرا عن مرتبة أحدية الجمع الذي لأبيه لم يثبت المعاد الروحاني ، لأن القلب من حيث ما فيه سنح النفس لا يتجرد بالكلية عن التعلق البدني ، وإن تجرد عن الحلول فيه لا يتجرد عن العلاقة بالكلية إلا من حيث أنه روح وفي مرتبته ولهذا كان أول من أثبت التناسخ وقال بالمعاد الجسماني وانتسب إليه الإشراقيون.
وهو الذي يسمونه بلسانهم آغاثاذيمون صاحب الشريعة والناموس .
وأنذر وحذر عن الانحطاط عن مرتبة الإنسان إلى درجات الحيوانات العجم وذلك لانحطاطه عن رتبة الأرواح ، المقدسة .
ولهذا المعنى قال رضي الله عنه :  "وليس بعده ولد في هذا النوع فهو خاتم الأولاد " لأن من انحط عن مرتبة الإنسان وقع في مرتبة السباع والبهائم ، وإن كان في صورة الإنسان لخلوه ، عن أحكام الوجوب والصفات الإلهية واستيلاء صفات النفس وغلبة أحكام الإمكان عليه .
وهو معنى قولهم : إن العالم قبل آدم كان مسكن الجن ، أي القوى النفسانية والنفوس الأرضية.
 وبعضهم يقولون : كان قبل ذلك النوع الفرس ، إشارة إلى أن الفرس في الأفق الأعلى من الحيوان قبل طور الإنسان .
ولهذا قال : إنه خاتم الأولاد ، فإن القلب ولد الروح وخاتم الآباء في هذا النوع هو المهدى عليه السلام .
قوله رضي الله عنه: "وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها ، يكون رأسه عند رجليها"
إشارة إلى مرتبة النفس الحيوانية الواقعة في جهة الانفعال المطلق .
فإن القلب من حيث أنه قلب لا يكون إلا مع التعلق البدني .
والتعلق لا يكون إلا بتوسط النفس الحيوانية المطبقة في البدن الغالب عليه التضاد من الطبيعة العنصرية المتنكسة بتوجهها إلى عالم الطبيعة .
ولما كان أصل التضاد من العالم العنصري والنفس الحيوانية مقبلة إليه متنكسة ، كانت اثنينية التضاد والتقابل تقوى عند رأسها وتضعف عند رجليها .
وإذا ضعفت جهة التضاد قويت جهة الوحدة بالاعتدال وتوجهت النفس الناطقة إليه ، فيكون رأس هذا الذكر هو حقيقة شيث عليه السلام عند رجليها ، ولا يمكنه إلا أن يكون توأما .
وتخرج الأخت قبله بظهور النفس قبل القلب ضرورة " ويكون مولده بالصين " لأنه أقصى البلاد لا عمارة بعده . كما هو آخر الإنسان لا إنسان بعده ولا غاية بعده .
قال عليه الصلاة والسلام :« اطلبوا العلم ولو بالصين » .
ومعنى قوله: " ولغته لغة بلده " أن كلامه ودينه في مرتبة آخر الأصناف الإنسانية فإن الحكماء مذهبهم التناسخ لا يعدون عنه .
قوله رضي الله عنه : "ويسرى العقم في الرجال والنساء ، فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب ، فإذا قبضه الله وقبض مؤمنى زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما يتصرفون بحكم الطبيعة ، شهوة مجردة عن العقل والشرع ، فعليهم تقوم الساعة" ظاهر ، لأنهم بعد هذا الطور لا يلدون الإنسان بالحقيقة وإن كانوا في صورة الإنسان فهم أشرار الناس فتجب أن تقوم عليهم القيامة .
كما قال عليه الصلاة والسلام: « لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس » .
وقال « شر الناس من قامت القيامة عليه وهو حى » .

وذلك بتجلى الحق في صورة العدل واستئناف الدور بالبعث والنشور ، وإحياء الموتى وإخراج من في القبور ، والله أعلم .
  
.
يتبع الجزء الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:41 pm

الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة والثلاثين: الجزء الثاني
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. 
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.)

ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ، ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻻﺩ. ﻭﺗﻮﻟﺪ ﻣﻌﻪ ﺃﺧﺖ ﻟﻪ، ﻓﺘﺨﺮﺝ ﻗﺒﻠﻪ ﻭﻳﺨﺮﺝ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺭﺃﺳﻪ ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻠﻴﻬﺎ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﻟﺪﻩ ﺑﺎﻟﺼﻴﻦ، ﻭ ﻟﻐﺘﻪ ﻟﻐﺔ ﺑﻠﺪﻩ.
ﻭﻳﺴﺮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻓﻴﻜﺜﺮ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻭﻻﺩﺓ. ﻭﻳﺪﻋﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﺠﺎﺏ. ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺒﻀﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﺒﺾ ﻣﺆﻣﻨﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ، ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺑﻘﻰ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ، ﻻ ﻳﺤﻠﻮﻥ ﺣﻼﻻ ﻭﻻ ﻳﺤﺮﻣﻮﻥ ﺣﺮﺍﻣﺎ، ﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺷﻬﻮﺓ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ". 
ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻧﻪ رضى الله عنه ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺺ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﺋﻴﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﻔﺺ ﻣﻦ ﺑﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻭﺃﻟﻤﻊ ﺑﺒﻌﺾ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻣﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﻭﻣﻮﻟﺪﻩ ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺣﺎﻣﻼ ﻟﻸﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﺸﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ.

ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻪ، ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ، ﻣﻦ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ ﻟﻠﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﻭﺣﻪ: ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﻭﺫﻟﻚ  ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ ﻭﻫﻮ ﺧﺘﻤﻬﺎ، ﻗﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﻧﻌﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻭﺧﺘﺎﻡ. ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻨﺰﻳﻞ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ، ﻓﺨﺘﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﺑﺸﺮﻉ ﻣﺤﻤﺪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻜﺎﻥ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻨﺒﻴﻴﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻞ ﺷﺊ ﻋﻠﻴﻤﺎ. ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻣﻦ ﺁﺩﻡ، 
ﻓﺨﺘﻤﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﻴﺴﻰ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻳﻀﺎﻫﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ: 
"ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ ﺁﺩﻡ". 
ﻓﺨﺘﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﻪ ﺑﺪﺃ: ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻨﺒﻲ ﻣﻄﻠﻖ، ﻭﺧﺘﻢ ﺑﻪ ﺃﻳﻀﺎ
". ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻣﻪ.
ﻭﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻰ. 
ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺣﻤﻞ ﻗﻮﻟﻪ: "ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ" ﻋﻠﻰ ﺁﺧﺮ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻄﻮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ.

ﻭﻗﺎﻝ: "ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻃﻮﺭ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ: ﻓﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺍﻷﻧﺎﺳﻲ. ﺛﻢ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺎﺑﺘﺪﺍﺀ ﺍﻟﺪﻭﺭﺓ ﻭﻣﻀﻰ ﺯﻣﺎﻥ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ ﻭﺍﻟﻈﻠﻤﺔ".
ﻭﺻﺮﺡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻴﻦ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻈﻬﻮﺭ ﺁﺩﻡ ﺁﺧﺮ ﻃﻠﻮﻉ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﺛﻢ ﻇﻬﻮﺭ ﻟﻮﺍﻣﻊ ﺍﻷﻧﻮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺍﺯﺩﻳﺎﺩ ﺍﻟﻨﻮﺭﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﻭﺗﺤﺼﻞ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ
(ﺇﻥ ﺧﻴﺮﺍ ﻓﺨﻴﺮ ﻭﺇﻥ ﺷﺮﺍ ﻓﺸﺮ). ﺛﻢ ﻳﻨﺘﻬﻰ ﺇﻟﻰ ﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻫﻜﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ.
ﻓﻴﻠﺰﻡ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻛﻤﻞ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻘﺎﻣﺎ ﻭﺃﺭﻓﻌﻬﻢ ﻛﺸﻔﺎ ﻭﺣﺎﻻ، ﺑﻞ ﻭﺍﻟﺪ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺂﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﻣﺮ.
ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ: (ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ). ﺛﻢ ﻧﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺑﺄﻧﻪ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎﺳﺦ. ﻭﺳﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻹﺷﺮﺍﻕ ﺇﻥ ﺁﻏﺎﺛﺎﺫﻳﻤﻮﻥ ﻫﻮ "ﺷﻴﺚ".
ﻭﺫﻛﺮ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩ، ﺃﻥ ﺁﻏﺎﺛﺎﺫﻳﻤﻮﻥ ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ. ﻭﻓﻴﻪ ﻧﻈﺮ.
ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺷﻴﻮﺥ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﺇﺳﻜﻨﺪﺭ، ﻭﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺍﺭﻳﺦ، ﻭ ﻛﺎﻥ ﺃﺭﺳﻄﻮ ﺃﺳﺘﺎﺫﺍ ﻟﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬﺍ ﻷﻓﻼﻃﻮﻥ.
ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺷﻴﺚ عليه السلام ﻗﺮﻳﺐ ﺑﺄﺭﺑﻌﺔ ﺁﻻﻑ ﺳﻨﺔ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻄﻮﻓﺎﻥ ﺑﻤﺪﺓ ﻣﺘﻄﺎﻭﻟﺔ.
ﻭﻳﻠﺰﻡ ﻣﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺒﻞ ﻧﻮﺡ عليه السلام ﻷﻧﻪ ﺍﺑﻦ ﻣﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺘﻮﺷﻠﺦ ﺑﻦ ﺃﺧﻨﻮﺥ، ﻭﻫﻮ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺑﻦ ﺷﻴﺚ عليه السلام.
ﻓﻬﻮ ﻇﻦ ﻣﻦ ﺷﺎﺭﺡ ﺍﻹﺷﺮﺍﻕ، ﻛﻤﺎ ﻇﻦ ﺃﻥ ﻫﺮﻣﺲ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻫﻮ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ ﺃﻳﻀﺎ، ﻟﻼﺷﺘﺮﺍﻙ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﻢ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻣﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ ﺍﻟﻬﺮﺍﻣﺴﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﻣﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ.
ﻭﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﺤﻜﻢ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺳﺮﻳﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻛﺴﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺟﺰﺋﻴﺎﺗﻪ، ﻭﻇﻬﻮﺭ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻔﻮﺍ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ ﺣﻴﻦ ﺻﺪﺭ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻤﺤﻘﻖ، ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻔﺎﺭﺽ، ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﻭﺣﻪ:
ﻓﻤﻦ ﻗﺎﺋﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺦ ﻓﺎﻟﻤﺴﺦ ﻭﺍﻗﻊ    ...  ﺑﻪ ﺃﺑﺮﺃ ﻭﻛﻦ ﻋﻤﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺑﻌﺰﻟﺘﻲ
ﻭﻟﻠﺮﻭﺡ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺗﻨﺰﻻﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﻃﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎﻭﻱ، ﺻﻮﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﻭﻝ، ﻭﺻﻮﺭ ﺑﺮﺯﺧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻫﻴﺂﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺻﻮﺭ ﺟﻨﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺻﻮﺭ ﺟﻬﻨﻤﻴﺔ ﺗﻄﻠﺒﻬﺎ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﻭﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻘﺒﻴﺤﺔ، ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﺟﻮﻉ.
ﻭﺇﺷﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﺭﺍﺟﻌﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ، ﻟﻌﺪﻡ ﺍﻧﺤﺼﺎﺭ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ. ﻭﻟﻮ ﻻ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﻞ، ﻟﺬﻛﺮﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻣﻔﺼﻠﺔ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺃﻣﻠﻚ.
ﻭﺃﻳﻀﺎ، ﻟﻴﺲ ﻗﻮﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻻ ﻟﻠﻜﻤﻞ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻻ ﻟﻠﻤﻘﻴﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺍﺯﺥ ﻭﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺑﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﺎﻛﻴﺎ ﻋﻨﻬﻢ: "ﻭﻟﻮ ﺗﺮﻯ ﺇﺫ ﻭﻗﻔﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﺎ ﻧﺮﺩ ﻭﻻ ﻧﻜﺬﺏ ﺑﺂﻳﺎﺕ ﺭﺑﻨﺎ ﻭﻧﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ".
ﻭﻗﺎﻝ: "ﻭﻟﻮ ﺭﺩﻭﺍ ﻟﻌﺎﺩﻭﺍ ﻟﻤﺎ ﻧﻬﻮﺍ ﻋﻨﻪ".
ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: "ﺭﺑﻨﺎ ﺃﺑﺼﺮﻧﺎ ﻭﺳﻤﻌﻨﺎ ﻓﺎﺭﺟﻌﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﺇﻧﺎ ﻣﻮﻗﻨﻮﻥ".
ﻭﻗﺎﻝ: "ﺃﻧﻈﺮﻭﻧﺎ ﻧﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻛﻢ، ﻗﻴﻞ ﺃﺭﺟﻌﻮﺍ ﻭﺭﺍﺋﻜﻢ ﻓﺎﻟﺘﻤﺴﻮﺍ ﻧﻮﺭﺍ ﻓﻀﺮﺏ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺴﻮﺭ ﻟﻪ ﺑﺎﺏ".
ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﺇﺫﺍ ﻃﻠﺒﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ ﺫﻟﻚ ﻟﺘﻜﻤﻴﻞ ﺍﻟﻨﺎﻗﺼﻴﻦ.
ﻭﺑﻘﺪﺭ ﺧﻼﺻﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻴﻴﺪ ﻭﺍﻟﺘﻌﺸﻖ ﺑﺎﻟﺒﺮﺍﺯﺥ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺍﻟﺘﻐﺎﻳﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻷﻭﻝ، ﻭﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺴﺮﺍﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ.
ﻭﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺃﺷﺮﻧﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺳﺮ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﺃﻣﺘﻪ ﻣﺮﺍﺭﺍ.
ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﺬﻟﻚ، ﻛﻤﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺪﻳﺚ "ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ" ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ.
ﻭﻣﻦ ﺃﻣﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺮﺭ، ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻪ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﺇﺫ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻮﺍﺭﻕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻳﺆﺩﻯ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻬﺎﺏ. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﺂﺏ.
ﻓﻠﻨﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻓﻨﻘﻮﻝ، ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ، ﻓﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻻ ﺑﺪ ﻭﺇﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻤﻮﺫﺝ. 
ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﻌﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ: "ﻭﻛﻨﺖ ﻧﻮﻳﺖ ﺃﻥ ﺃﺟﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﺃﻋﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺘﺪﺑﻴﺮﺍﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺫﻛﺮﻩ ﻣﺎ ﺃﻭﺿﺤﻪ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺃﺧﻔﻴﻪ، ﺃﻳﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺴﺨﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﻬﺪﻯ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺏ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﻠﻢ، ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻲ ﻭﺍﻟﻄﻴﻨﻲ، ﻭﺃﻳﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﻃﺎﻟﻊ ﺍﻷﺻﻔﻴﺎﺀ، ﺇﺫ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺁﻛﺪ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻫﺎﺓ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ ﺍﻟﺤﺪﺛﺎﻥ. ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻴﻦ. ﻭﻣﺘﻰ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺃﺫﻛﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻟﻴﺘﺒﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺴﺎﻣﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻭﻳﻌﻘﻠﻪ، ﺛﻢ ﺃﺿﺎﻫﻴﻪ ﺑﺴﺮﻩ ﺍﻟﻤﻮﺩﻉ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﻜﺮﻩ ﻭﻳﺠﻬﻠﻪ".

ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻣﻪ رضى الله عنه. ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺫﻛﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ.
ﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ "ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ" ﻓﻘﻮﻟﻪ: (ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ).
 ﺃﻱ، ﻣﺎ ﻳﻮﻟﺪ ﺁﺧﺮﺍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﻟﻴﺎ ﺣﺎﻣﻼ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﻣﺘﺼﻔﺎ ﺑﻌﻠﻮﻣﻪ ﺁﺧﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺷﻴﺚ ﺁﺧﺬﺍ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻫﺐ.
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺃﻭﻻﺩﻩ.
ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ بـ "ﺍﻟﺼﻴﻦ" ﺍﻟﻌﺠﻢ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ: "ﻭﻫﻮ ﺃﻱ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﻢ ﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻌﻪ ﺃﺧﺘﻪ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻻﺧﺘﺘﺎﻡ ﻣﺸﺎﺑﻬﺎ ﻟﻼﺑﺘﺪﺍﺀ، ﻓﺈﻥ ﺧﻠﻖ ﺁﺩﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺎﺭﻧﺎ ﺑﺨﻠﻖ ﺣﻮﺍء".
ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضى الله عنه ﺣﻮﺍء ﺃﺧﺘﺎ ﻟﻌﻴﺴﻰ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻓﻲ ﻛﻮﻥ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﺃﺏ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ: (ﻓﺄﻭﺟﺪ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺁﺩﻡ، ﻭﻳﻨﺰﻝ ﻋﻴﺴﻰ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺣﻮﺍ. ﻓﻜﻤﺎ ﻭﺟﺪﺕ ﺃﻧﺜﻰ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ، ﻭﺟﺪ ﺫﻛﺮ ﻣﻦ ﺃﻧﺜﻰ، ﻓﺨﺘﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﺪﺃ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﺑﻦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﺏ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮﺍ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻡ. ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﻭﺣﻮﺍ ﺃﺧﻮﻳﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﺁﺩﻡ ﻭﻣﺮﻳﻢ ﺃﺑﻮﻳﻦ ﻟﻬﻤﺎ: )ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ ﺁﺩﻡ).
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ، ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻬﻼﻛﻬﻢ ﻭﻓﻨﺎﺋﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻗﺮﺑﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﺟﺒﺎ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ).
ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻛﻼﻣﻪ رضى الله عنه ﻓﻲ ﺁﺧﺮ "ﺍﻟﻔﺺ ﺍﻟﻨﻮﺣﻲ" ﻭﻣﻮﺍﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ.
ﻭﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻇﺎﻫﺮ. ﻭﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻓﺂﺩﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ، ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ، ﺃﻭﻻﺩﻩ، ﻭﺷﻴﺚ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺒﺪﻥ.
ﻭﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺪ ﺑﺎﻟﺼﻴﻦ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﺻﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﺃﻱ، ﻓﻲ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺰﻝ ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻮﺩﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺃﻭﻻ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺛﺎﻧﻴﺎ، ﻭﻫﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﺑﻤﺘﻐﺎﺋﺮﻳﻦ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﺮﺗﺒﺔ.
ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻈﻬﺮ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﻮﻗﻪ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻛﻤﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺇﻻ ﺁﺧﺮﺍ. ﻭﺃﺧﺘﻪ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪﺓ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ.
ﻭﻛﻮﻥ ﺭﺃﺳﻪ ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻠﻴﻬﺎ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻭﻭﻻﺩﺗﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻄﻴﻌﺎ ﻣﺬﻋﻨﺎ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮﺗﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﻬﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻐﻀﺒﻴﺔ ﺍﻟﻠﺘﻴﻦ ﻛﺎﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻟﻠﻨﻔﺲ، ﺇﺫ ﺑﻬﻤﺎ ﺗﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻟﺬﺍﺗﻬﺎ ﻭﺷﻬﻮﺍﺗﻬﺎ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻇﻬﺮﺕ ﻭﺗﻤﺖ ﻭﻻﺩﺗﻪ، ﺭﺑﺎﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺑﻠﺒﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻠﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺑﻠﻎ ﺃﺷﺪﻩ ﻭﺍﺳﺘﺨﺮﺝ ﻛﻨﺰﻩ ﺻﺎﺭ ﺩﺍﻋﻴﺎ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻹﺣﺎﻃﻲ ﻭﻣﻘﺎﻡ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻹﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﺘﻘﻴﺪﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻄﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﺎ، ﻓﻼ ﻳﺠﺎﺏ ﻭﻳﺴﺮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، ﺃﻱ، ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻠﻨﻔﺲ، ﻓﻼ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ، ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﻗﻮﺓ ﻇﻬﻮﺭ ﺳﺮ ﺃﺑﻴﻬﻢ ﻓﻴﻬﻢ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺒﻀﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺈﻓﻨﺎﺋﻪ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻻﻧﺠﺬﺍﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺸﻬﻮﺩ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻗﺒﺾ ﻣﺆﻣﻨﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ، ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺠﻢ ﻟﻌﺪﻡ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﺍﻟﺘﺮﻗﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﻳﺘﺮﻗﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻘﻠﺐ.
ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻻ ﻳﻤﻴﺰﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﺘﺮﺡ ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭ، ﻓﻴﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ، ﺧﻴﺮﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﺷﺮﺍ، ﻭﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺎﻟﺸﻬﻮﺓ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﻉ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﺇﺫ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﻄﻰ ﺇﻻ ﺫﻟﻚ.
ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻜﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻞ ﻭﺍﻟﺤﺮﻣﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﻯ ﻭﺍﻟﺴﺘﺮ. ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺑﻴﻦ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺼﺤﻮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﻞ، ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺴﺘﺜﻨﻮﻥ ﻣﻨﻪ.
 ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻓﺼﻌﻖ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ".
ﻷﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﺘﻢ. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺑﻮﻥ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻭﻻ ﺣﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻓﻼ ﻳﺰﺍﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻛﺎﻷﻧﻌﺎﻡ ﺑﻞ ﻫﻢ ﺃﺿﻞ".
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﺴﻄﺖ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻧﻘﻠﺖ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضي الله عنه ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍ، ﻟﺌﻼ ﻳﻌﺪﻝ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺄﻭﻝ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻬﻴﻪ ﻭﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﻋﻘﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻮﻕ ﻣﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ. ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻮﻟﻴﻪ.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. 
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.)

 قال رضي الله عنه : "وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني".
وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل بلده.
ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب.
فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة."
قال رضي الله عنه : (وعلى قدم شيث عليه السلام ) أي: طريقة سيره إلى الله، وفي الله، وبالله، وعن الله (يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني)، ليكون آخر ما وهب لآدم عليه السلام الك كأول ما وهب له من الكل تنبيها على أن النهاية كالبداية، وأن الخاتمة كالسابقة، والتقييد بالنوع الإنساني يشير إلى عدم انقطاع ولادة الدواب بذلك.
(وهو حامل أسراره) أي: علومه المتعلقة بالعطاء بل وغيرها وسائر أحواله، وليس المراد خاتم الكمالات الإنسانية فقط به، بل (ليس بعده ولد في هذا النوع) لانتهاء الكمال المطلوب من خلق الإنسان به من كل وجه.
قال رضي الله عنه : (فهو خاتم الأولاد) لا كما يقوله الفلاسفة: من أنه لا انتهاء الأفراد الإنسان، (فتولد معه أخت له)؛ ليكون ختم الولادة بالصنفين، وقد كانت ولادة آدم عليه السلام التي بنفسه كذلك (فتخرج) أخته (قبله، ويخرج) هو (بعدها) ليكون الختم الحقيقي بالأكمل.
(يكون رأسه عند رجليها)؛ لتكون ولادته على النهج الطبيعي لكمال حالهما، (وی?ون مولده بـ "الصين")؛ لأنه أقصى البلاد كما أنه أقصى الأولاد.
(ولغته لغة بلده) ليمكنه دعوتهم إلى الله تعالی (ويسري العقم في الرجال والنساء)، أي: من الجانبين تحقيقا لختميته فلا يولد صغير يموت قبل الاستعداد للكمال الإنساني، لئلا يكون فيهم من لا يبلغه دعوته فلا يكون من الشرار الموجبين لقيام الساعة.
وذلك أنه (يدعوهم إلى الله) بجملة أسرار شیث (فلا يجاب) إذ لو أجيب لكان فيهم إنسان كامل يجب حفظ العالم من أجله، فلا يقرب فناؤه مع وجوده، وهذا ينافي ختمیته.
قال رضي الله عنه : (فإذا قبضه الله، وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم)[/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الثالث السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:48 pm

الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الثالث السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة والثلاثين: الجزء الثالث
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.)
ولما تقرر وجوب مماثلة المبدء والختم ولزوم مطابقتهما ، وجب أن ی?ون الآخر من كل نوع مشتملا على جميع ما عليه الأول بالفعل والقوة .
(وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني ) ضرورة أنه أول من ولد من الوالد الأكبر ، فآخر من انتهى إليه سلسلة المواليد لابد وأن يكون في موطن كماله وعلى قدم قراره .
وأنت عرفت مرادهم من هذا الاصطلاح فلا نعيده وإن ارتاب به بعض مستكشفي هذا الكتاب، حتى وقع في القول بأن شيث عليه السلام من القائلين بالتناسخ.
وعليه حمل قوله : (وهو حامل أسراره) ؛ وأنت عرفت تفصيل أولاد آدم ، وأن الذكر منهم هو الذي له الأسرار والعلوم الشهودية ، هذا بحسب مواقف شهوده من حيث أنه آخر الأولاد (وليس بعده ولد في هذا النوع ، فهو خاتم الأولاد).
وأما من حيث الوجود فلابد وأن يقارن وجوده مايماثل أصل القابلية التي تتولد مع شيث من الوالد الأكبر ، كما علم من حكمته ، لأن قابلیته مقدمة عليه ، وذلك بأن يولد (ويولد معه أخت له ، فتخرج قبله ، ويخرج بعدها ، يكون رأسه عند رجليها) لأن ظهوره إنما يمكن بعد تمام بروز القابلية عن الوالد الأكبر بقدميها الصورة والمعنى ، أي بأخرهما ، أو لأنه كما هو خاتم الأولاد فهو خانم هذا النوع من الظهور الكمالي والوجود الجمی فلابد وأن يماثل آدم بهذا الاعتبار.
كما صرح به الشيخ في عنقاء المغرب حيث قال : وإنما يولد معه أخته ، ليكون الاختتام مشابها للابتداء ، فإن خلق آدم ?ان أيضا مقارنا لخلق حواء " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم" . 
أو لأنه لما كان منتهی ظهور هذه الصورة النوعية الاعتدالية الكمالية الواقعة في أقصى نهاية العدالة الحيوانية، لابد وأن يضاهي مبدأ ظهورها.

وأختها هي النفس الحيوانية، فإن النفس الناطقة الإنسانية إنما تتولد من أم موادها العنصرية معها بعد تمام ظهورها، ويكون رأس تسليمها عند رجلي قوتها الشهوة والغضبية، اللتين بهما يسلك مسالك متمناها في عرض أرض استعدادها.
ومما عرفت في التفرقة بين أولاد آدم   من أن الذين لهم الظهور بالصور الوجودية والقوة التامة المقدرة للنوع من التمكن عن اقتناص المعارف من الصور الوجودية كشفا، هم أبناء آدم.
كما أن الذين لهم الخفاء في الملابس الكونية، والضعف عن الاستكشاف من الصور المذكورة، بل انما يستنبطون علومهم من مكامن الحجب النظرية والحجج العقلية فهم بنات آدم أهل الحجاب.
ظهر لك أن الكامل الذي هو خاتم الأولاد إنما يخرج مع أخته صاحب العقل ، ورأس ظهوره تحت رجلي قوتيه النظرية والعملية ، اللتين بهما يسلك مسال?ه .
وقوله : (ويكون مولده بالصين) إما لأنه لما كان في آخر ما أمكن من أجزاء الزمان مما يصلح لأن يكون ظرفا لتكون أفراد نوعه ، فالصين كذلك في المكان ، فإنه آخر ما أمكن أن يتكون فيه هذا النوع ؛ ولأنه واقع بین مبدأ شروق شمس الظهور المبينة للصورالكائنة ، المخفية للحقائق وما يختص بها من الستر والصور ، وشمال الشمول والجمعية المستدعية للعلوم ، وحصولها في طي الحجب بمساعي الجوارح ، متلبسة بالصور الكونية ، مستجلية بروابط المقدمات النظرية ، بدون توسل إلى تلك الصور الموضوعة من عند الأنبياء ، ولذلك ترى هنالك تلك الصور فيها مختفية ، ومن هاهنا تسمع فيه : "أطلبوا العلم ولو بالصين".
وفيه تلويح لفظي وعددي : 
أما الأول فيما للحجب والقشور من الصيانة . وأما الثاني فلما فيه من الدلالة على النسب الكونية الحاجبة.

ومن خصائص الولي الخاتم اختفاؤها عند ظهوره، كما حققه صاحب المحبوب سلام الله عليه: "إنه تحلية النفس بقرية العكس". 
الأول لقوله تعالى: "ثم كلي من كل الثمرات " ، أي مرها وحلوها ، نافعها ومضارها .

والثاني لجعامتها، ومن ثمة ترى أحكام الطبيعة في حينه عالية وسلطان قوني الشهوة والغضب بالغا في الظهور لما أشير إليه.
 و أومي إلى ذلك بقوله: (ولغته لغة بلده) البعيد عن الظهور الوجودي وكمالاته الشهودية، على ما أرسل به بنو آدم من الأنبياء ، فلذلك لا ينتج كلامهم لقومهم الكوني ، الذين هم بنات آدم .
(ويسري العقم في الرجال والنساء ، فيكثر الن?اح) الأظهاري بين الناكح الداعي والقابل الواعي ( من غير ولادة ) للكمال الإنساني ( ويدعوهم إلى الله فلا يجاب ).
( فإذا قبضه الله وقبض مؤمنی زمانه بقى من بقى مثل البهائم ، لا يحلون حلالا ) به يحلون محال ظهوره ومجالي شعوره ، ( ولا يحرمون حراما ) به يحرمون عنها.
(يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل) بإهمالهم شرائط بقاء النسل والحرث (والشرع) بإهمالهم شرائط محافظة النسب عن الاختلال والوهن .
فعند انطواء هذين المحليين في طوى جلال الزمان وحمى كماله طلعت على أهله شمس الظهور من مغرب إخفائها ، واختفت في مشرقها ومنصات جلائها .
(فعليهم تقوم الساعة) فإن من شأن الحكم الإلهي أنه إذا حان ظهور الثمرة وخروجها من الحبة المزروعة لابد من تفرق أجزائها وانقلاب أوضاعها ، وانعدام نضدها ونظمها ، فعند ذلك أمكن خروج الثمرة من مكامن قوتها و إمكانها إلى مجالي الخارج .
وتلك الحبة هي الشرع ، والثمرة هي الحقيقة المندمجة فيها ، فإذا تجردت الحبة عن صورتها الظاهرة التي هي الشرع ، وعن جمعيتها المزاجية التي هو العقل برز ما فيه من السنابل السبع، في كل سنبلة منها مائة حبة ، وهو المعبر عنه بالساعة .
ولتحقيق ذلك وبيان لميته كلام كاف وبرهان شاف في الكتاب ، من اهتدى إلى استكشاف ذلك فقد فاز من جلائل حقائق الوقت ولطائف خصائص المحبوب المراد بحظ والسلام .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.)
قال رضي الله عنه :  " و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. "
قال رضي الله عنه :  (وعلى قدم شيث عليه السلام) بلي على قلبه في التهييء للتجليات الذاتية العطايا الرهبية (يكون آخر مولود يولد في هذا النوع الإنساني).
لأن مراتب الموجود دورية و كما أن شيث عليه السلام الذي كان أول مولود من سلسلة أولاد آدم المنتهية إلينا كان محلا للتجليات الذائية والعطايا الوهبية ينبغي أن يكون آخر مولود أيضا كذلك لتتم الدائرة بانطباق أولها على آخرها.
 قال رضي الله عنه: " أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد.
و تولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها. و يكون مولده بالصين و لغته لغة أهل بلده. و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله فلا يجاب.
فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة."
قال رضي الله عنه : (وهو حامل أسراره) من علومه وتجلياته لما ذكرنا.
(وليس) يولد (بعده ولد) آخر (في هذا النوع) الإنساني (فهو خاتم الأولاد ويولد معه) في بطن واحد (أخت له) .
كما أن شيث عليه السلام أيضا كان كذلك فإن حواء ?انت تلد لآدم في كل بطن ذ?را وأنثى (فتخرج) أخته (قبله ويخرج) هو (بعدها) لأنه لو لم يتأخر عنها في الولادة لم يكن خاتم الأولاد.
 ويشبه أن تكون ولادة شيث عليه السلام مع اخته بعكس ذلك ليكون أول مولود (يكون رأسه عند رجليها ويكون مولده بالصين) أقصى البلاد.
قال رضي الله عنه : (ولغته لغة بلده ويسري) بعد ولادته (العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب) في هذه الدعوة (فإذا قبضه الله وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم).
فهم حيوانات في صور الإنسان لإظهار كمال الحقائق الحيوانية الطبيعية البهيمية والسبعية في الصورة الإنسانية لا على ما تقتضيه القابلية من حيث هي هي من غير وازع عقلي أو مانع شرعي.
(لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما ينصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة) ، أي تشرف شهوة مجردة (عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة) وتخرب الدنيا . وانتقل الأمر إلى الآخرة.
اعلم أن مراد الشيخ رضي الله عنه بخاتم الأولاد غير خاتم الولاية.
 فإن خانم الولاية المقيدة عند الشيخ هو الشيخ نفسه .
وخاتم الولاية المطلقة هو عيسى عليه السلام كما أومي إلى الأول وصرح بالثاني في مواضع متعددة من كلامه .
ولا يخفى أن هذه القصة لا تنطبق على حال واحد منهما .
ومن حمله على خاتم الولاية المطلقة فكان منشأ حمله أنه لما كان خاتم الأولاد حاملا لأسرار شيث عليه السلام لا بد أن يكون من الأولياء .
وإذا كان من الأولياء لم يتولد بعده ولي آخر يلزم أن يكون خاتم الأولياء ولیس الأمر كذلك.
 فإنه يمكن أن يكون تحقیقه بالولاية قبل نزول عیسى علیه السلام وظهوره بالولاية ويكون نزول عيسى عليه السلام في زمانه أو  زمان من بقي من مؤمني زمانه بعده ولا يتحقق أحد بعده بالولاية فيكون خاتما للولاية.
ثم اعلم أن مقصود الشيخ رضي الله عند بيان لدوام إفراد النوع الإنساني وختمهم وغير ذلك مما يتعلق به .
فحمل كلامه على ما يكون في النشأة الإنسانية على سبيل المضاهاة لما ذكره خروج عن المقصود فلهذا لا تشتغل به .



كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( وعلى قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني.   وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.  ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة. )
قال المصنف رضي الله عنه : [وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. و هو حامل أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد، و تولد معه أخت له فتخرج قبله، و يخرج بعدها و يكون رأسه عند رجليها و يكون مولده بالصين و لغته لغة بلده و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله، فلا يجاب فإذا قبضه الله و قبض مؤمني زمانه بقي من بقى مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة].

قال الشارح رحمه الله :
( و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني )، لما كانت الدنيا لها بداية و نهاية و هي ختمها، قضى الله سبحانه أن يكون جميع ما فيها له بدء و ختم، و منه كان صلى الله عليه و سلم في النبوة و الرسالة بدءا و ختما .
ورد في الخبر: " إنما بعثت خاتما فاتحا " الحديث. رواه البيهقي في شعب الإيمان، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
و منه كان ختم الولاية خاتما فاتحا، فاقتضى الشأن و الأمر أن يكون للمنح و الأعطيات بدء و ختم، و كان فتحه شيث عليه السلام كما ذكرنا، فختم على مولود يولد على قدم شيث.
و ينطوي بساط انبساط تلك المنح بانطواء أهلها، فيكون الختم على قدم الفتح لأن الأمر دوري، ينعطف الآخر لطلب أوله، فافهم .
و إنما قال رضي الله عنه: (على قدم) و لم يقل: (على قلب) رعاية للأدب لأنه أقرب إلى الأدب و هو مقامهم الذي يرضون لأنفسهم .
و من هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : " أدّبني ربي فأحسن تأديبي"..
قال الشيخ رضي الله عنه: و الأدب مقامنا، و هو الذي أرتضيه لنفسي و لعباد الله.
ذكره في الباب الثالث و الستين و أربعمائة من الفتوحات:
( و هو حامل أعباء  أسراره )، و هي حقائق الأعطيات، و معارف و رقائق المعارف و الوهبيات على كواهل القابليات و الاستعدادات .
( و ليس بعده ولد يرث أباه في هذا النوع) الإنساني الكمالي، من هذا الجنس من الميراث، فيختم به الأمر فهو خاتم الأولاد، و كما أن الختم ينبغي أن يكون على قدم فتحه، فشيث كان مولودا مع أخته .
فقال: و كذلك الختم (تولدمعه أخت له )، فلا يكون إلا توأما ليكون الاختتام كالافتتاح، و لكن سبق أخته و خرج قبلها، لأنه في الاعتبار، و هو بمنزلة العقل الأول في الظهور.
و الأخت لها الدرجة الثانية في مرتبة النفس الكل، بخلاف هذا الخاتم الذي هو آخر مولود له مقام العود و الانقلاب، و الرجوع إلى الأصل.
ففي العود تسبق العرجاء (فتخرج قبله )، لأنّ صورة النفس في الترقي تسبق صورة العقل، و هو يتبعها (و يخرج بعدها) .
كان الفتح متنزلا في الترقي، و الختم تترقى في تنزله فتظهر أحكامه بعكس أحكامها .
( يكون رأسه عند رجليها )، كما كان في الفتح رأسها عند رجليه، فالرجلان إشارة إلى قوتيهما شهوانية و عصبية إذ بهما تمشي و تسعى لجلب المنافع و وقع المضار، كأنه رضي الله عنه أشار إلى أنّ مقام العقل عند انتهاء مراتب النفس، فإنها إذا اطمأنت فيكون ابتداؤه عند انتهائها و انتهاء قواها، فإنه يرجع قهقري .
و النفس لها ثلاث مراتب:
تسمّى فيها النفس أمّارة، فهي باعتبار غلبة قوى الحيوانية و البهيمية .
و لوامة حيث تنتبه و تلوم نفسها عند المخالفات، كأنها تخلط عملا صالحا و آخر سيئا، عسى الله أن يتوب عليها.
و المطمئنة و هي كالمقدمة لظهور العقل الأول و أحكامه، فلما يكمل استعدادتها و يتطهر مهبط وحيها لخطاب: يا أيتها النفس المطمئنة  (ارجعي إلى أصلك فإني جعلت تحتك سريا )، فيظهر العقل تحتها، و هو في السلوك قهقري .
( و مولده بالصين) أقصى البلاد المعمورة و أبعدها إلينا . فلهذا ورد في الحديث : " اطلبوا العلم و لو بالصين"
مبالغة في البعد، فالاعتبار أنه مولده أقصى مراتب الإمكان، و لنزل مراتب التنزلات الإلهية .
( و لغته لغة بلده) بلسان النهوانية على الفطرة الأصلية الأولية من العلوم الإلهية، و المعارف اللدنية، و من يكون مولده الطبيعة الكل يتكلم بكل لسان، و لسانه لا يكل .
من عرف الله طال لسانه: أي بكل لغة، (و يسري العقم في الرجال و النساء) من مولود من هذا الجنس بهذا الوجه .
فلهذا يسمّى المجذوب الأبتر: أبتر: أي ناقص من العقم، و هو العقيم عن النتيجة و التوليد، و لا يقال: إن ذكر أحد الزوجين كان كافيا في المدّعى، و هو عدم الولادة و العقم الساري في الوجود في هذا الجنس .

لأن الشيخ رضي الله عنه ذكر في الباب الثالث و السبعين من الفتوحات :
إن من رجال الله واحدا في كل زمان لا يوجد غيره في مقامه، و هو يشبه عيسى عليه السلام متولد بين الروح و البشر، لا يعلم له أب بشري.
فهو مركب من جنسين مختلفين، و هو رجل البرزخ يكون مولده على هذه الصفة، فهو مخلوق من ماء أمه، خلافا لما ذكر عن أهل الطبائع، أنه لا يتكون من ماء المرأة ولد، بل الله على كل شي ء قدير. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و كيف لا؟
و قد كذّب الله الطائفة الناقصة بعيسى عليه السلام، و أمّا وجود موجود بلا أب و لا أم قد يسبق في الأوهام ألوهية تكذيبه، مع إيمانه بأن ذلك من الممكنات، بل و قد وقع كوجود آدم، و ما ذاك إلا الوقوف و التخشّب مع المألوفات، و التحمل بالعادات.
قال تعالى: "كأنّـهُمْ خُشُبٌ مُسنّدةٌ" [ المنافقون: 5] .
( فيكثر النكاح ): أي بلا سفاح، فيدل على أن الإيمان الذي سبب بقاء الملك ما انقطع الآن، و لن ينقطع أنهم تقيدوا بالنكاح، فإن النكاح و هو عقد شرعيّ، و هم مؤمنون به، فافهم .
( من غير ولادة) تخفيفا من الله لا استخفافا . ورد في الخبر :
"خيركم في المائتين الخفيف الحاذ، قيل: يا رسول الله، و ما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له و لا ولد" . رواه الخطيب و ابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم حين نظر إلى الحسن و الحسين رضي الله عنهما يمشيان و يعثران قال صلى الله عليه و سلم :
"صدق الله و رسوله إنما أموالكم و أولادكم فتنة، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما"  ، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
( و يدعوهم إلى الله تعالى فلا يجاب )، تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته، و إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من القرآن.
فإنه دعاهم بالاسم الجامع (الله )، و طلب منهم الجمع بين الكشف و الحجاب، فأبوا و لم يجيبوا داعي الله لأن الأمر عندهم فرقان و كشف بلا حجاب، و من أقيم في الفرقان صرفا لا يصغي إلى القرآن، و إن كان القرآن يتضمن الفرقان، و لكن الفرقان لا يتضمن القرآن.
و هم في شهود الجمع و الفرقان، صرفا لا يعرفون للقرآن طعما، أو نقول: إنه أغناهم أصباح العيان عن مصباح الإيمان على الحالين، مدحوا بلسان الذم، و لا يعلم ذلك إلا ذو حظّ عظيم، (فإذا قبضه الله، و قبض مؤمني زمانه) الذين آمنوا من قبل (بقي ما بقي) .
ورد في الحديث: " فيبقى شرار الناس في خفة الطير و أحلام السباع"  الحديث  .
في خفة الطير في المعاش و الميعاد، يخرجون خماصا و يرجعون بطانا، بعقول فطرية أصلية حيوانية، يتوصلون إلى مشتهاهمبلا كلفة التكليف، و حجر التشريع .
( مثل البهائم) في دوام الكشف و الشهود، فإنها على الكشف الفطري بلا حجاب كالملائكة .

قال الله تعالى: "لهُمْ قُـلوبٌ لا يفْقهُون بها ولهُمْ أعْينٌ لا يـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لا يسْمعون بها أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179]: أي في الحيرة و الهيمان .
اعلم أن البهائم أمم أمثالكم، لهم الكشف الفطري التام و الشهود العام، و كلها عند أهل الله حيوان ناطق، عالم قادر، متكلم سميع بصير، غير أن هذا المزاج الخاص المسمّى بالإنسان تميز بمزاج خاصّ، و وقع التفاضل بين الخلائق في المزاج .
قال رضي الله عنه: إن ما عدا النقلين من كل ما سوى الله على معرفة بالله، و وحي من الله، و علم بما تجلى له، مفطور على ذلك، بل هم أهل إلهام من الله و وحي .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الرابع السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:50 pm

الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الرابع السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة والثلاثين الجزء الرابع
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:


قال الله تعالى: "وأوحى ربك إلى النّحْلِ" [ النحل: 68]، و لكلّ منهما كلام يخصّه، و صنائع لا يظهر أمثالها إلا لذي عقل و قلب، و ما يرى في ذلك من الأوزان يدل على أن لهم علما و إرادة و قدرة في نفوسهم، بل يرى منهم أمورا و تدابير.
ليس للإنسان الحيواني مثله مع قوة تدبيره العام، فتعارضت عند الناظرين في أمرهم، فأنبهم الأمر عليهم، و ربما سمعوا لذلك بهائم من إبهام الأمر، فلا يعرفوه منهم إلا قدر ما شاهدوه منهم .
وأمّا العارف فألحقهم بدرجة المعارف و العلم بالله لأن الله تعالى كشف للعارف عن أمرهم و أحوالهم حتى عرفهم، وعرف مقامهم الأسنى، وعلم أنهم مفطرون على المعرفة والعلم بالله و بالآفاق و بأنفسهم .
ورد في الخبر أنه قال صلى الله عليه وسلم :
" إن بقرة في زمن بني إسرائيل حمل عليها صاحبها فقالت: ما خلقت لهذا؟ و إنما خلقت للحرث، فقال الصحابة رضي الله عنهم أبقرة تتكلم؟ فقال صلى الله عليه و سلم: آمنت بهذا أنا و أبو بكر و عمر، هذه بقرة علمت لما خلقت و الإنس و الجن خلقوا ليعبدوا الله".
وما علموا ذلك إلا بتعريف إلهيّ على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فمنهم من آمن و منهم من كفر، فأين من يراه و شهد ذلك عمّن استبعد وأنكر .


قال رضي الله عنه في الفتوحات:
إن ابن عطاء قدّس سره كان راكبا فغاصت رجل الجمل، فقال ابن عطاء: جلّ الله يزيد عن إجلالك، فاستحى ابن عطاء .
فقال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
إنه مرّ رجل صالح على رجل راكب على حمار وهو يضرب على رأسه حتى يسرع في المشي، فقال الصالح: كم تضرب على رأس الحمار؟
فقال له الحمار: دعه فإنه على رأسه يضرب .
فهذه بقرة علمت لما خلفت، وهذا جمل عرف ربه، وهذا حمار قد عرف المال بالفطرة التي فطر عليها، فانظر أين مرتبتك عن مرتبة البهائم؟
إنها تعرفك و تعرف ما يؤول إليه أمرك و أمره، و أنت جاهل هذا كله، و لا تغرك الآية المتلوّة سابقا لأن الله تعالى ما شبه في الآية، "أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179] نقصا بالأنعام، بل إنما وقع التشبيه في الحيرة و هي صفة كمال، فلا أشد حيرة في الله من العلماء بالله و من هذا المقام ورد في الخبر:" ربّ زدني فيك تحيرا".
ولولا التحير علم و كمال لما سأل ما سأل لأنه أمر بقل: "رب زدني علما"، و لم يقل: حالا، و ذلك من علو درجة الحيرة، و علو مقام أهلها، لا يغرنك أن البهائم مسخّرة لك، تحمل أثقالك إلى بلد لم تكونوا بالغيه لأنك مسخّر لها في أكلها و شربها.
و تنظيف مبيتها من روثها و بولها، بل جعل فيك حاجة إليها و بها تخدمها خدمة العبد لمولاه، فلا فضل لأحد على أحد بالتسخير.
ورد في الخبر :
" إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل استسقى ولم يسق، فرأى نملة تستسقي وهي رافعة قوامها إلى السماء، فأسقى الله القوم بها".
ذكر هذا الشيخ الحافظ جلال الدين الأسيوطي في كتاب جمع الجوامع:
و ثبت أنّ كل دابة تسمع خوار الميت على نعشه، و ترى عذاب القبر .
" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم راكبا على بغلة، فمرّ على قبر فنفرت فقال صلى الله عليه و سلم: إنها رأت صاحب هذا القبر يعذّب في قبره" .
و أمثال هذه الأخبار كثيرة، فاعرف قدرك ما هلك امرؤ عرف قدره، ولم يتعدّ طوره .
فلما أعطيت البهائم هذه   الكشوف أعطيت الحرس عن التوصل، فافهم .
فإذا عرفت فضل البهائم على الإنسان الحيواني، و علمت أن المراد بالتشبيه كالبهائم تشبيه كمال، و إن كان غيرهم أكمل،  كالبهاليل و المجاذيب الذين أذهلتهم فجأة الكشف، و جعلتهم كالبهائم في الهيمان، و ردّتهم إلى أصل الفطرة حيوانا محضا، و كشف لهم ما تكشفه كل دابة و بهيمة، ما عدا الثقلين فهم أهل كمال، و إن العقلاء منهم أكمل، و ذلك من عموم الكشف على خصوص الخلق في آخر الزمان لقربه بدار الحيوان دار عموم الكشف و العيان .
و أشار إلى هذا  قوله صلى الله عليه و سلم :
"لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، و يكلم الرجل عذبة سوطه، و شراك نعله، و يخبره فخده بما فعل أهله بعده"  .
و في رواية : "إن الرجل يخرج من عند أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أصابه أهله من بعده"
، و هذا بعينه كما في يوم القيامة . ثبت في الخبر الصحيح :
" ستجيئون يوم القيامة و على أفواهكم الفدام، فأول ما يتكلم من الإنسان فخذه و كفه" رواه الحاكم في المستدرك عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
و ما ذلك إلا من عموم الكشف لقرب المناسبة و قوة المشابهة بالآخرة، فإنها دار حيوان، كأنها أهل برزخ بين آخر يوم من الدنيا و أول يوم الآخرة .
قال تعالى:"اليوْم نخْتمُ على أفواهِهِمْ وتكلِّ مُنا أيدِيهِمْ وتشْهدُ أرجُلهُمْ بما كانوا يكْسِبون" [ يس: 65] .
فالمواطن من شدة الشبه تشابهت أحكامها، و زالت الشبه و ظهر حكم: "واعْبدْ رّبك حتّى يأتيك اليقِينُ" [ الحجر: 99] .
قال سهل بن عبد الله التستري قدّس سره في هذه الآية: "اليقين هو الله ".
فأخبر العارف الرباني عن المنزل، فالأول تأويل
وقال الآخر: اليقين هو الموت .
و المفسّر أخبر عن الطريق إليه، ، و الثاني تفسير، فافهم .


"إن يوم القيامة ما تقوم إلا على شرار الناس " وأنت نزلتهم منزلة الخيار.
قلنا: صدقت، و لكن فاتك نظر آخر وما أدراك أن شرار بنسبة خيار بنسبة أخرى، كما أشارإليه الحديث الشريف: " شرار قريش خيار شرار الناس " الشافعي والبيهقي في المعرفة و ذكره في جمع الجوامع .
فأثبت لهم الخير حيث أثبت لهم الشر، فهم شرار الناس بالنسبة إلى العلماء بالله العقلاء، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقرّبين .
سئل أبو السعود بن الشبل قدّس سره عن العقلاء المجانين فقال: ملاح لكن العقلاء أملح، مع أنه ورد في الخبر" خير أمتي أولها و آخرها و في وسطها الكدر". رواه الحكيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
ولا شك أنهم من أمته أو يقول: إنهم شرار الناس الذين لا يتفكّرون في ذات الله، فإنه ورد في الخبر: " خير الناس المتفكّرون في ذات الله" .رواه أبو الشيخ عن نهشل ابن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع و ذلك لأن التفكّر فرع العقل، و لا عقل لهم كما عرفته .
( لا يحللون حلالا و لا يحرمون حراما )، قال تعالى: "و ترى النّاس سُكارى وما هُمْ بسُكارى"  [ الحج: 2]، و لكن سلطان الشهود أذهلهم، و أذهب بعقولهم، فذهبوا في الذاهبين.
وبالرجوع إلى العرفان لا بذهاب الأعيان، فهاموا و لم يتميزوا،  كالبهائم سقط عنهم التكليف إذ ليس لهم عقول يعقلون بها، و لا أبصار يبصرون بها.
تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، لا يتعارفون لليل صباحا، و لا لنهار مسائهم أدلة الشبهات والآيات المتشابهات، يسمونهم العقلاء المجانين، عقولهم محبوسة عند حضرة قدسه، كفّه في شهود أنسه .
وها هنا تفصيل آخر سأفصّله لك تفصيلا إن شاء الله تعالى لتكون على إجمال فيما نحن فيه على بصيرة:
وهو أن تعلم أن الناس في هذا المقام على ثلاثة أصناف، و ما ثمة مرتبة رابعة.


منهم من يكون ورده أعظم من القوة التي في نفسه عليها فتحكم:
أي مقام الهيمان الوارد عليه، فيغلب عليه الحال، فيكون بحكمه يتصرف الحال، و لا تدبير له في نفسه ما دام في ذلك الحال، فإن استمرّ عليه إلى آخر العمر، فذلك المسمّى في هذه الطريقة بالمجذوب الأبتر، مأخوذ عنه بالكلية، كأبي عقال المغربي.
قيل: إنه ما أكل وما شرب من حين أخذ إلى أن مات، و ذلك من مدة أربع سنين بمكة المشرفة، فهو مجنون مستور، كأنهم الذين أشار إليهم صلى الله عليه و سلم في حديث طويل في أشراط الساعة، و خروج الدجال .
"وأنه يجئ على الناس القحط و الجذب حتى يموت كل ذي ظلف، فقيل: يا رسول الله، فما يعيش بقية الناس؟
فقال:  عيشهم التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، يجري ذلك مجرى الطعام". رواه أبو إمامة، ذكره السخاوي في كتابه المسمّى بالقناعة .
و من هذا المقام حكى الشيخ رضي اللّه عنه في الفتوحات :
إنه قيل لسهل بن عبد الله: ما القوت؟
قال: الله ما نريد إلا ما تقع به الحياة
قال: الله فلم ير إلا الله، فلمّا ألحّوا عليه.
قالوا: إنما لنريد به عمارة هذا الجسم، فهم إنهم ما فهموا.
فقال: دع الدار إلى بانيها إن شاء عمّرها، و إن شاء أخربها، و إن لم يستمر إلى آخر فيمسك عقله هناك، و يبقي عليه عقل حيواني، فيأكل و يشرب و يتصرف من غير تدبير منه و لا روية، فهؤلاء يسمّون العقلاء المجانين لتناولهم العيش الطبيعي بحكم الطبع كسائر الحيوانات.


حكى الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات عن هذا المقام، و قال:
إنه مرّ عليّ وقت أؤدّي فيه الصلوات الخمس، إما بالجماعة على ما قيل لي بإتمام الركوع و السجود و جميع أركانها و آدابها، و أنا في هذا  كله لا علم لي بذلك لشهود غلب عليّ غيبت عني، و أخبرت إليّ، كنت أقيم الصلاة و أصلي بالناس.
وكانت حركاتي كحركات النائم الذي لا علم له بذلك، فعلمت أن الله تعالى حفظ عليّ وقتي. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالذي لم يستمر فإذا زال الوارد رجع بحسبه و عقله، و هذا أكمل المراتب في هذا الطريق، و هو للأنبياء و الرسل و الوارثين، صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .
و منهم من يكون وارده و تجليه مساويا لقوّته، فلا يرى عليه أثر من ذلك حاكم عليه، و حاله إمّا كحال جليس يكون معك في حديث، فيأتي شخص آخر يشغله عنك في ذلك.
و إمّا كرجل يحدّثك فأخذته فكرة في أمر، فصرف حسّه عنك إليه في خياله، فجمدت عينه و نظره و أنت تحدّثه، و هو غير قابل لحديثك، فتشعر أنه مشغول باطنه، متفكّر في أمر صارف، ومنهم من يكون قوته أقوى من الوارد، فإذا أتاه وهو معك بالحديث وأنت لا تدري به.


قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الرابع و الأربعين من الفتوحات :
إنه ما ثمّ أمر رابع في واردات الحق على قلوب أهل هذه الطريقة، و هي مسألة غلط فيها بعض أهل الطريق في الفرق بين النبي و الولي.
فقال: إن الأنبياء يصرفون الأحوال والأولياء تصرفهم الأحوال، فالأنبياء مالكون لأحوالهم، و الأولياء مملوكون لأحوالهم، و ليس الأمر فيه غير ما فصّلناه، فافهم .
( يتصرفون بحكم الطبيعة) لأنهم بقوا في عالم الشهادة بروحهم الحيواني يتصرفون في ضروراتهم الحيوانية تصرف الحيوان المفطور على العلم بمنافعه و مضاره المحسوسة من غير تدبير منهم، و لا روية.
كما في نشأة أهل السعادة في الجنان وهو دار الحيوان، فإنه لا يبقى في تلك النشأة إلا النفس الحيوانية،بها تكون اللذة لأهل النعيم. انتهى كلامه.
فهم المخبتون، قال الله تعالى: "وبشرِ المُخْبتين" [ الحج: 34]، والمخبت : المطمئن من الأرض، و منه خبت إذا سكنت و اطمأن لهبها، فهم ساكنون تحت حجاري الأقدار، راضون مطمئنون، فرحونبما أتاهم الله، متنعمون بما هم فيه، فإن نار طبيعتهم خبتت و خملت، و اطمأنت بالوصول إلى مشتهاهم الطبيعي الحيواني، حيث لا حجر عليهم .
ورد في الخبر : " دعوا المذنبين الغارقين، لا تنزلوهم جنة و لا نارا ليكون الله الحكم فيهم" رواه الديلمي عن عائشة رضي الله عنها .
و في رواية  : "حتى يكون الله يقضي فيهم يوم القيامة" رواه الخطيب عن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه .
و هم كأنهم أهل بدر: " افعلوا ما شئتم " ، بل أقيموا في مقام:"لا يسْئلُ عمّا يفْعلُ" [ الأنبياء: 23]
شعر :
بنوا حق غدوا بالحق صرفا     ...... فنعت الخلق فيهم مستعار
هم أهل إطلاق صرف أصلي و نظر أوليته لأنه الأصل .
قال تعالى: "خلق لكُمْ ما في الْأ رضِ جمِيعاً" [ البقرة: 29]، أطلق و لم يقيد، ثم جاء التقييد، و حدث التحجّر في الحكم فيه، فالإطلاق أصل، و التقييد عارض.
ومن هنا قيل: إن الأصل في الأشياء المباحة (شهوة) حيوانية، صرفة خالصة عن شوب التحجير و التقييد، كما كانت عند الفطرة أول مرة، هذا هو الرجوع إلى البداية حقّا .


قال رضي الله عنه في الباب السبعين و المائتين من الفتوحات :
إن القطب لا ينكح و لا يرغب فيه للنسل و لا للأمر، بل لمحض الشهوة الطبيعية، و اللذة الحيوانية، كأهل الجنة و على هذا يجري نكاح البهائم، فإنه لمجرد الشهوة. انتهى  كلامه رضي الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله عليه وسلم أنه شبه تهاجرهم و تساندهم تهارج الحمر فإنها أشد حيوان في أخذهم ذلك الحظ، و أقوالهم فيه .
و ورد في الخبر في أشراط الساعة :
"إذا  قبض روح كل مؤمن و كل مسلم، و يبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة" .
قال السخاوي رحمه الله في معنى التهارج: أي التعاقد، و هو النكاح من البهائم .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: إن الناس غابوا عن هذا الشرف، و عابوا فاعلها، و جعلوها شهوة حيوانية مذمومة، و نزهوا نفوسهم عنها مع كونهم سمّوها شرف أسمائها، و هو قولهم: حيوانية: أي هي من خصائص الحيوان، و أي شرف أشرف و أتم و أعظم و أعم من الحياة .
و من هذا سمّيت دار الآخرة دار الحيوان، و بها تميزت عن الدنيا، فالذي اعتقده نقصا و هجاء ردّ الله ثناءهم عليهم، و أجرى على لسانهم مدحا و ثناء، فاستدرجهم من حيث لا يشعرون .
قال الشيخ الأكبر: هذه هي التجلي الأعظم، و فيها الشهود الأشمل الأتم، الذي خفي عن الثقلين إلا من خصّه الله من عباده. انتهى كلامه .
( مجردة عن الشرع و العقل )، إنما قال: مجردة عن العقل ليخرج منه النواميس الوضيعة الحكمية العقلية، فإنها رهبانية ابتدعوها، و ما رعوها حق رعايتها، فهم بمعزل عنه كما فهمته سابقا .
قال رضي الله عنه في الفص الإلياسي: من أراد العثور على الحكمة الإلياسية و الإدريسية، فلينزل في حكم عقله إلى شهوته، و ليكن حيوانا مطلقا حتى ينكشف ما يكشفه كل دابة، مما عدا الثقلين. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و إمّا مجرّدة عن الشرع فلأن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة عن أفعال مخصوصة على أشخاص مخصوصة، و محلها هذا الدار الدنيا، فهي منقطعة بانقطاع أهلها أهل الإيمان كما عرفت، فما بقي منهم في الدار ديارا، و يقول: مجردة عن الشرع: أي المقيد لأن المقام مقام الإطلاق، و محل ظهور الشرع المحمّدي صلى الله عليه و سلم بصرافة إطلاقه في الآفاق من غير تحجير و تحديد.
قال تعالى : "ما مِنْ دابّةٍ إلّا هُو آخِذٌ بناصِيتها إنّ ربِّي على  صِراطٍ مُسْتقِيمٍ" [هود: 56. [
هذا دين الله الأعم، و إن الدين كله لله، ألا لله الدين الخالص، فصاحب هذا المشهد يرى وجه الحق في كل محل و ملة، قال تعالى:"فأينما تولُّوا فثمّ وجْهُ اللّهِ " [ البقرة: 115. [
أما ترى قوله تعالى :" يُريدُ اللهُ بكُمُ الْيسْر ولا يُريدُ بكُمُ الْعسْر" [البقرة: 58 ] . ورد في الخبر الصحيح : "دين  الله يسر"
وأي يسر، ثم من المشي على مقتضى الطبيعة الصرفة بلا تحجير، فإذا عاد الأمر إلى الإطلاق كما بدأ أولا عادت العادة عبادة، كما أن اليوم العبادة عادة، فإن الدين عادة،(فعليهم تقوم الساعة): أي على أهل الإطلاق المذكور تقوم الساعة.
قال الله تعالى :"إنّ السّاعة آتيةٌ أكادُ أخْفِيها" [ طه: 15]، لولا أن الإخفاء جاء لغة بمعنى: الإظهار، لما أظهرنا لهذه المسألة عينا، و لكن لما أظهرها تعالى بالكناية تارة، و بالإشارة مرة، وبالعبارة تارة أخرى اقتداء به، و اقتفاء بهدي نبيه، و الله المستعان.
واعلم أنه ذكر الشيخ رضي الله عنه في وصل تاسع عشر من خزائن الجود:
وقال تعالى: إنّ اللّه لا يغِّيـرُ ما بقوْم حتّى يغِّيـرُوا ما بأنْـفُسِهِمْ وإذا أراد اللّهُ بقوْم سُوْءاً فلا مردّ  لهُ وما لهُمْ مِنْ دُونهِ مِنْ والٍ [ الرعد: 11] .
إن عيسى عليه السلام ختم الولاية العامة آخر متعلم، وآخر أستاذ لمن أخذ عنه، ويموت هو وأصحابه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في نفس واحد بريح طيبة، تأخذهم من تحت آباطهم يجدون لها لذة كلذة الوسنان الذي أجهده السير.
وأتاه النوم في السحر، فيجدون للموت حلاوة ولذة لا يقدّر قدرها رعاع، كغثاء السيل أشباه البهائم، فعليهم تقوم الساعة. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالجمع بين ما في الفتوحات و بين ما نحن فيه من الفصوص هو أن يكون هلاك الطائفتين في زمان واحد مع اختلاف الأمكنة، هذا في الصين و ذاك في ديار العرب لأن هبوب ذلك آخر الآيات المؤذنة بقيام الساعة، فافهم .
ثم نرجع إلى بيان ما نحن بصدد بيانه و نقول :
اعلم أن الله تعالى خلق العالم على قسمينآفاقيا، و أنفسيا.
و جعل جميع ما خلق في الآفاق له نظير في الأنفس، بل جعل الأنفس نسخة منتخبة مختصرة جامعة لجميع ما في الآفاق، مع أمر لم يكن فيه، و دفن فيها.
وهو الأمانة المشار إليها في القرآن، فالأنفس خزائن لها، ثم أمرنا بالتفكّر لوجدان ذلك في أنفسنا، و بشّرنا بأنه يرينا آياته في الآفاق، و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .
فمن جملة ما خلق من النظائر خلق في الآفاق قيامة و ساعة و أشراطها.
كذلك في الأنفس خلق ذلك كله، و ذكرها في القرآن بلسان الإشارة .
و ورد في الأحاديث كذلك، فأريد أن أذكر بعضها لتكون على بصيرة فيما نريد أن نبيه من إشارات الحاتمي الخاتمي في هذا المتن، و نختم به الأمر إن شاء الله .
فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن القيمة في الآفاق هي القيامة التي يجمع الله الأولين و الآخرين فيها، فما تقوم هذه القيامة إلا بين يدي أشر أطماع، يموت الخلق طرا أجمعون ومن في السماوات والأرض جميعا، والتنبيه عليه في الكتاب قوله تعالى :" كُل نفْسٍ ذائقةُ الموْتِ" [ آل عمران: 185] .
وذلك بفناء كل أهل كل دورة واحدة لا يتصف بالنهاية، فنحن فرضنا فيه البدء والنهاية والعود و الرجوع بالفرض. انتهى  كلامه .
فافهم الإشارة إن كنت فهيما، فالعالم دوري و أحكامه دورية، و إلى هذا أشار صلى الله عليه و سلم : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات و الأرض".
فيلتحق أهل كل دورة مفروضة بعضه بعضا في موطن من المواطن، سمّاه الشارع بيوم القيامة، وهو اليوم الموعود، وفيه جمع شاهد و مشهود، وإنما ذهبنا بالقول بالدورة واستشهدنا بالحديث الشريف لأنه قد أخبرنا سبحانه عن نفسه الكريمة على لسان أكمل التراجم علما، وأوسعهم وجودا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "كُلّ  يوْم هُو في شأنٍ" [ الرحمن : 29]، فنكر اليوم و الشأن ليشمل و يعم .
فهذه أيام الله لا تزال هذه الأيام دائما، فلا يزال الخلاف دائما، و قد أثبت دوام هذه الأيام، فقال تعالى: "خالدِين فيها ما دامتِ السّماواتُ والْأرضُ"[ هود: 107]، و خلودهم لا يزال فريق في الجنة، وفريق في السعير لا يزال لأنهم خالدون فيها، فأيام الله لا يزال .
وورد في الحديث الصحيح: "ليس شي ء من الإنسان إلا يبلي إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب ومنه يرّكّب الخلق يوم القيامة". رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فإذا جاز في ممكن من الممكنات بقاؤه، فيمكن أن يكون له إفراد كثيرة بهذا الحكم، فافهم و لا تجادل فإنّ مطل الغنى ظلم، قال تعالى:" كُل شيْءٍ هالكٌ إلّا وجْههُ "[ القصص: 88]، و كل  شيء موجود نشاهده حسيا، و نعلمه عقلا، و ليس بهالك، فكل شي ء بوجهه و وجه الشيء حقيقته، فما في الوجود إلا الله، و إن تنوعت الصور.
و ذلك أحكام التجلي لا المتجلي فإنه ورد في الحديث إنه يتنوع فيعرف و ينكر لأنه كل يوم هو في شأن، فنكر للعموم و الشمول.
فذلك قال له الحكم : ( و إليه ترجعون ): أي من يعتقد أنّ كل شي ء جعلناه هالكا، و ما عرف ما قصدناه من الآية إذا رآه ما يهلك منه، و يرى بقاء عينه بالهلاك، فهو وجهي، فعلم أن الأشياء ليست غير وجهي، فإنها لا تهلك، فردها إلىّ حكما .
قال الشيخ رضي الله عنه في الفصل الرابع من خزائن الجود من الفتوحات:
"إنّ هذا المعنى الذي ذكرناه آنفا معنى لطيف، يخفي على من لم يستظهر القرآن، و قد رميتك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه ". انتهى كلامه .
ورد في الحديث الصحيح :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة حتى يأتي أمر الله" الحديث .
و في رواية :   " لن تزال طائفة من أمتي " الحديث .
و ورد في الحديث أيضا :
"لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم الخليل عليه السلام، بهم تغاثون، و بهم ترزقون، و بهم تمطرون" ذكره ابن حبان في تاريخه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
و ورد في الخبر :
" لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" رواه مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
و ذهب ابن بطال: إنه ليس المراد أنّ الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شي ء لأنه ثبت أنّ الإسلام يبقى إلى يوم القيامة، ذكره السخاوي في كتاب القناعة .
و قال رضي الله عنه: إنّ الدين باق إلى يوم القيامة، و لم ينسخ و القطب قيومه، و لا يصحّ هذا الاسم: أي القطب إلا أن يكون ذا جسم طبيعي و روح، و يكون موجودا في
هذه الدار الدنيا بجسده و حقيقته، فهو الذي يحفظ به هذا النوع الإنساني، و هو موجود في هذا النوع في هذه الدار بجسده و روحه، يتغذّى و هو مجلي الحق من آدم إلى يوم القيامة .
ثم قال رضي الله عنه فيها: إن هذه المسألة كلية فاعرف قدرها، إنك لست تراها في كلام أحد، و لو لا ما ألقي عندي فيإظهارها ما أظهرتها لسرّ يعلمه الله، و لا يعرف ما ذكرناه إلا نوّابهم خاصة لا غيرهم من الأولياء، فكونوا لها قابلين مؤمنين، و لا تحرموا التصديق بها، فتحرموا خيرها، و تجمعوا بين الحرمانين. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالقائل ببقاء العالم كافر بقوله تعالى: "كُل شيْءٍ هالكٌ إلّا وجْههُ" [ القصص: 88]، و جاهل بالحديث الشريف : "كان الله و لا  شيء معه" و زاهل بملحقه، و هو الآن كما كان، و غافل عن تجدّد الأمثال .
و القائل بفناء العالم جاحد قوله سبحانه: "و يبقى وجْهُ ربِّك ذو الجلالِ والِإكْراِم" [ الرحمن: 27] لأنه وجه كل شيء كما أنّ كل شيء وجهه فهو وجه العالم في الوجود، و العالم وجهه في الظهور عند الرؤية و الشهود.
فالكل بحمد الله وجوه حسنة، و ما ثم في الوجود إلا الله، فله دوام الحمد و الثناء في الآخرة و الأولى، فافهم ذلك بالذوق الحال، فإنّ فهمه بالنظر و الخيال محال .
و قد علمت من الأحاديث أنّ القيامة الكبرى لها أشراط كخروج الدجّال، و يأجوج و مأجوج و أمثالها، و أمّا القيامة الصغرى فانتقال العبد من حياة الدنيا إلى حياة البرزخ في الجسد الممثل، فهو انتقال و مرور من حال إلى حال بالجذبة الإلهية و العناية الرحمانية، يحكم تربية الحكيم العليم سواء كان سالكا مجذوبا، أو مجذوبا سالكا و بلا سلوك .
فإنّ الجذبة: هي العناية، فلهذا جذبة من جذبات الرحمن توازن عمل الثقلين لأنّ العمل للجذبة، و الجذبة ليست له، و هي بهتة الكشف، و فجأته الشهود، فإذا جاءت الساعة بغتة أفنى وجود السالك عن نظر شهوده في المشهود فجأة، فيرى جبال وجوده تمرّ مرّ السحاب التي كان يحسبها جامدة، فإذا فني و مات موتة معروفة عند أهلها، فقامت قيامته التي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله :  "من مات قامت قيامته"
فانكشف الغطاء و انحدّ البصر، و رأى المؤثر في الأثر، وأدرك بعيون البشر، و ربح من أمن، و خسر من كفر .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: و من كان من أهل الرؤية التي تقع لكل واصل .
أما ترى إشارة قوله صلى الله عليه و سلم:  " إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " رواه أبو إمامة رضي الله عنه في جمع الجوامع .
و ذكر فيه أيضا حديثا آخر وهو هذا :"قال: يا موسى لن تراني إنه لن يراني حيّ إلا مات، و لا يابس إلا تذهب، و لا رطب إلا تفرق، إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم و لا تبلى أجسادهم ". رواه الحكيم عن ابن عباس رضي الله عنهما في جمع الجوامع .
و قد وقعت له صلى الله عليه وسلم: "رأى ربه بعين رأسه". رواه ابن عباس رضي الله عنهما .
و شهد له الحق بذلك حيث قال تعالى: "ما كذب الفُؤادُ ما رأى"  [ النجم :11]، و قال: "ولقدْ رآهُ نزْلةً أخْرى" [ النجم: 13] .
فإن كان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم مقولة: (حتى تموتوا) هو: الموت الطبيعيّ الاضطراري فلم يصح، (لن ترون) بالتأكيد و بتأييد التأكيد، و هو صلى الله عليه و سلم صادق في قوله: (رأى) قبل الموت الطبيعي الاضطراري في دار الدنيا عند الموت الاختياري الكمالي.
بل ثبت بالدليل إمكان الرؤية لكل أحد بل قطع بالرؤية أهل الكشف، و الرؤية في دار الدنيا بالموتة الأولى، فإن الرؤية في الدنيا رحمة عاجلة لأهل العناية بل ما أنكرها إلا شرذمة  قليلون كالحكماء، و من تبعهم من المعتزلة، و الذين لا بغيابهم و بكلامهم، فعرفنا أنّ الموت في الحديث هو الموت الكمالي الاختياري، و قد وقع، و ورد في الخبر :" موتوا قبل أن تموتوا "
و ورد أيضا :" من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى ابن أبي قحافة«
و قال تعالى بشارة لحبيبه و نبيه، و إدخال السرور في خلاصة خواص أمته:" إنّك ميِّتٌ وإنّـهُمْ ميِّتون" [ الزمر: 30] .
فهذه الميتة الأولية، و الصعقة الأولى يا من مسّ الصعقة الأولى، ويدخل في حكم استثناء الآية حيث قال سبحانه: "فصعِق منْ في السّماواتِ ومنْ فِي الْأ رضِ إلّا منْ شاء اللّهُ" [ الزمر: 68] .
وإلى هذا أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: » أرى موسى واقفا ولا أدري هل صعق في الدنيا، ولم يصعق في الآخرة «
وهو قوله تعالى: و خرّ مُوسى صعِقاً [ الأعراف: 143]، فبهذا الاعتبار يكون موسى ممن دخل في حكم هذا الاستثناء، و هكذا شهداء هذه الأمة فإنهم كأنبياء بني إسرائيل .
ورد في الحديث أنه صلى الله عليه و سلم قال : " سألت جبريل عن هذه الآية: من الذي لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: هم شهداء الله "
. رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . و بين صلى الله عليه و سلم معنى الشهد في حديث أخر حيث قال صلى الله عليه و سلم: "شهداء الله أمناء لله على خلقه قتلوا أو ماتوا ".رواه أحمد من رجال الصحابة رضي الله عنهم، ذكره في جمع الجوامع .
فهمت من هذا أن الشهداء ليس على معناه المعروف خاصة، بل يشمل الذين صعقوا و ماتوا موتتهم الاختيارية، فشهدوا الحق و رأوه بعين رأسهم، و حفظوا هذا السرّ عن نظر العوام .
كما ورد في الحديث : "سترون ربكم عيانا". عن جرير رضي الله عنه ذكره في جمع الجوامع .
فإذا عرفت هذا المذكور، فنرجع و نقول في بيان المتن: إنه قال رضي الله عنه: فعليهم تقوم الساعة: أي على الذين لا يقيدهم العقل، ولا يتقيدون بالشرع المقيد وهم أهل إطلاق صرف من أرباب الحيرة و الهيمان .
ورد في الحديث :" إن الله خلق الإنس ثلاثة أصناف:
صنف كالبهائم، قال الله تعالى: لهُمْ قُـلوبٌ لا يفْقهُون بها ولهُمْ أعْينٌ لايـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لايسْمعون بها أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل [ الأعراف: 179] .
الحديث رواه أبو الشيخ في العظمة عن أبي الدرداء رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . فعلى الذين كالبهائم تقوم الساعة فافهم.
فجاءتهم بغتة الكشف فجاءتهم حيرة و بهتة، وأذهلهم ذلك الوارد عن أنفسهم، ثم أبقى الله هذا الحال، والوارد مشهودا لهم في دار الدنيا، وجعل لها حكم دار الدنيا كحكم دار الآخرة، كما للعموم في دار الآخرة، فماتوا وانتقلوا من حال إلى حال حياة الدنيا إلى حياة الآخرة، و تبدّل عليهم الأحكام بتبدّل الدار، و السماوات مطويات بيد الملك القهّار، والحق يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحدية على الكثرة في القيامتين الكبرى والصغرى، الحاصلة للسالكين عند التحقّق بالوصول عقيبة انتهاء السير و حال الانسلاخ .
قال تعالى: "لمنِ المُلْكُ اليوْم للّهِ الواحِدِ القهارِ" [ غافر: 16].
تلْك الدّارُ الْآخِرُة نجْعلها للّذِين لايريدُون علوًّا في الْأرضِ ولا فساداً والعاقبةُ للْمُتّقِين [القصص: 8]، فهم بقيامهم عن أنفسهم لا يعرفون للعلو طعما .
قال رضي الله عنه: لمّا بدّلت الصفة من دار الدنيا فصارت بهذا التبديل آخرة مع بقاء العين، و من لا علم له بهذا في ظلمة الحيرة. انتهى كلامه رضي الله عنه .
أما ترى إشارة الحديث الشريف: " قد مات كسرى فلا كسرى بعده "الحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فما زال الملك ولا المليك ولكن ارتفع الاسم باسم آخر مع وجود الملك والمليك، فافهم .
قال تعالى: "يسْئلونك عنِ السّاعةِ أيّان مُرْساها فيم أنت مِنْ ذكْراها .إلى ربِّك مُنْتهاها" [ النازعات: 42: 44] .
فافهم إشارة الآية فإنه منتهى كل شيء، قال تعالى:" قدْ أحاط بكُل شيْءٍ عِلْماً" [ الطلاق: 12]، فقد أحاط بكل شيء وجودا لأن علمه عين وجوده وذاته، تقوم تلك الساعة يوم تبدّل الأرض غير الأرض، والسماوات، وبرزوا بأنفسهم ظاهرين على الله تعالى بأحكام الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم بأسره، و بشّر البشير بهذه البشارة على سبيل الإشارة .
و قال صلى الله عليه و سلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" الحديث وهو الظهور على الحق تعالى بحكم الطبيعة.
و بروز الأصل على صورة الفرع بلا فصل، فرجعوا إلى البداية على حكم الطبيعة، و رجحت إليهم العادة عبادة فأضاعوا الصّلات، و اتبعوا الشهوات.
و لم يلقوا غيا لأنهم على بصيرة فيه، فليسوا ممن اتبع هواه بغير علم، و ذلك أمر ذوقي، و علوم الأذواق لا تقال و لا تحكى، فلا يعرفها إلا من عرفها و ذاقها،و ليس في الإمكان أن يبلغها من ذاقها إلى من لم يذقها، فلا يقبل التعريف و التوصيف بل حكم تظهر لأهلها لا يجليها لوقتها إلا هو، يتجلى لهم بصور الأشياء ومعانيها وهو عينها، فكيف البيان عنها؟ 
فلا يعلم ذلك إلا الله لا يوصّ لها شرع بأخبار وتعريف .
وذلك قوله تعالى: "إنّما عِلْمُها عِنْد اللّهِ" [ الأعراف: 187]، و قد أعلم الله بالتعريف لبعض الناس، وهو من ارتضى من رسول بأن هذا علم لا يقبل التعريف ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر هكذا، فلهذا يسألون .
و ورد في الخبر :
"إن جماعة سألوه عن الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم: علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو و لكن سأخبركم بمشاريطها، وما يكون بين يديها: إن بين يديها فتنة و هرجا، قالوا: يا رسول الله الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟
قال: هو بلسان الحبشة: القتل، ويلقي بين الناس التناكر، فلا يكاد أحد يعرف أحدا " رواه أحمد بن حنبل، و ضياء المقدسي في المختارة عن حذيفة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فأمر الساعة ذوق يشبه بالعلم بالذات، و العلم بها محال بغيره كذلك هنا، فإذا قامت القيامة الصغرى، و جاءتهم الآية الكبرى التي ثقلت في السماوات العلا، فأتاهم أمر الله بغتة، و أفناهم عن أنفسهم، و ظهر حكم الصعق فيهم، و أزال عنهم التدبير، و أقامهم بأحكام التقدير فإذن انكشف لهم حقيقة الأمر، و عاينوا الأمر على ما هو عليه الأمر في نفس الأمر .

قال رضي الله عنه :
إذا جاء أمر الله فالأمر الأمر  ...... و ذلك توحيد إلى من له الأمر
ورد في الخبر: "أما ترى أنها ما تقوم على مؤمن ". ذكره السخاوي .
و في لفظ:" لا تقوم الساعة و في وجه الأرض من يقول: الله الله "

قال رضي الله عنه في الفصل الرابع في فلك المنازل من الفتوحات:
في بيان الحديث الشريف: (لا تقوم الساعة على من يقول الله الله ): فإن الله تعالى أمسك صورة السماء و الأرض أن تزولا و تقعا لأجل هذا الإنسان المؤمن الموحّد الذي مجيره الله، و إن هذا هو الذكر الأكبر: أي الذي أكبر من لا إله إلا الله، فصاحب هذا الذكر هو الإمام الذي يقبض آخرا، و تقوم الساعة و تنشق السماء، و تتبدّل الأرض غير الأرض .انتهى كلامه .
فإذا عرفت أن أمر الساعة ذوقي لا يقبل التعريف فاذكّر بمشاريطها، و ما يكون بين يديها إن بين يديها فتنة لم يكن مثلها فتنة .
ورد في الحديث أنه قال صلى الله عليه و سلم في أثناء الخطبة:
أيها الناس: إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم عليه السلام أعظم من فتنة الدجّال إنه يقول: أنا ربكم الحديث «، و هكذا الأمر في الأنفس، فإذا ادّعى السالك قبل الفناء مدع كذّاب.
كما قال الشيخ ابن الفارض يخاطب نفسه :
وها أنت حيا      ..... إن تكن صادقا
ورد في الحديث:" الشقيّ من أدركته الساعة حيا لم يمت" رواه الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما، ذكره في جمع الجوامع
لأنه إلى الآن ما بلغ رشده، و لا نال مبلغ الرجال، و شرطه الموت و فناء الفناء .

و قال التلمساني قدّس سره أيضا من هذا الذوق :
نحن قوم متنا وذلك شرط  في بقائها فلييئس الأحياء فهو إن ادّعى قبله فكذّاب دجّال، أما ترى إشارة ذلك في تتمة الحديث و هي  : " [/co
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الرابعة والثلاثون السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:55 pm

الفقرة الرابعة والثلاثون السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الرابعة والثلاثون:
نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
02 - نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن عطيات الحق على أقسام : منها أنه يعطي لينعم خاصة من اسمه الوهاب وهي على قسمين : هبة ذاتية ، وهبة أسمائية . فالذاتية لا تكون إلا بتجلٍ للأسماء ، وأما الذاتية فتكون مع الحجاب . ولا يقبل القابل هذه الأعطية إلا بما هو عليه من الاستعداد وهو قوله : " أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه : 50] . فمن ذلك الاستعداد يكون العطاء عن سؤال امتثال للأمر اإلهي ، وسؤال بما تقتضيه الحكمة والمعرفة لأنه أميرٌ مالك يجب عليه أن يسعى في إيضال كل ذي حقٍ حقه . مثل قوله عليه السلام : " إن لبدنك عليك حقاً ولنفسك ولعينك .. الحديث " .)
02 - شرح نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
قال رضي الله عنه : (اعلم أن أعطيات الحق سبحانه على أقسام  )
لما سبق ذكر معنى «الفص» و«الحكمة» و«الكلمة »، لم يبق ما يجب التنبيه عليه في ترجمة كل فص إلا معنی انصاف ?ل حكمة بصفتها وسبب اختصاص تلك الحكمة بالنبي الذي نسبت إليه الكلمة .
فأقول «النفث» لغة إرسال النفس رخوا "به بخار ماء النفس"، وههنا عبارة عن إرسال النفس الرحماني، أعني إفاضة الوجود على الماهيات القابلة له والظاهرة به؛ أو عن إلقاء العلوم الوهبية والعطايا الإلهية في روع من أستعد لها وقلبه . 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها؛ ألا فأجملوا في الطلب ".
أو عن النفث المخصوص بأهل علم الروحانية والنيرنج والعزائم والرقي، شرعيها وح?ميها : وهو بث الروحانية وبسطها في النفس وإرسالها صورة إلى الأمر المتوجه إليه.
وإنما خضت الحكمة النفثية بالكلمة الشبثية لأنه أول إنسان حصل له العلم بالأعطيات الحاصلة من مرتبة المصدرية والمفيضية، ونزلت عليه العلوم الوهبية الدينية، ونزلت عليه علوم الروحانيات والملائكة الخصيصة بالتسخير والتصريف والتصرف في الأكوان بالأسماء والحروف والكلمات والآيات وما شاكل ذلك.
ولما كان أول المراتب المتعقلة التعين الجامع للتعينات كلها، وله أحدية الجمع ؛ وكان المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية والفياضية؛ وكان آدم عليه السلام صورة المرتبة الأولى، كما كان شيث عليه السلام مظهر الثانية، قدم الفص الآدمي في الذكر وجعل الشيئي تلوه، موافقة للوجود الخارجي.
(اعلم أن أعطيات الحق سبحانه) -  "الأعطيات" إما بفتح الهمزة وتخفيف الياء 
جمع «أعطية»، وهي جمع "عطاء" ، فهي جمع الجمع ؛ وإما بضم الهمزة وتشديد الياء جمع «أعطية»، على وزن أمنية .
وبالجملة، فأعطيات الحق سبحانه وتعالى مشتملة (على أقسام) جمة وأنواع كثيرة.
قال رضي الله عنه : (منها أنه يعطي لينعم خاصة من اسمه «الوهاب»، وهي على قسمين: 
هبة ذاتية وهبة أسمائية. فالذاتية لا تكون إلا بتجلي.  وأما الأسمائية، فتكون مع الحجاب .)

(منها)، أي من تلك الأقسام، (أنه)، أي الحق سبحانه وتعالى، (يعطي) عطاء (لينعم)، أي يظهر إنعامه وجوده، بأن يكون مقصوده تعالى إظهار الإنعام (خاصة) بلا طلب عوض من المعطي له من حمد أو شكر أو غير ذلك.

ولا يكون هذا العطاء إلا من اسمه «الوهاب»، الذي هو المعطي ابتداء من غير مقابلة وجزاء، بحيث يتملك الموهوب له الشيء الموهوب بعد قبوله إياه ووقوعه عنده بأطيب موقع.
وتمام ذلك لا يكون إلا في النشأة الجنانية أو فيما يدوم أثره، كالإيمان والتوفيق للأعمال الصالحة، فإن ما عداها مما يتعلق بهذه النشأة الدنيوية كلها أمانة ورعاية واجب ردها، فلا يتملكها الموهوب له حقيقة .
(وهی)، أي الأعطية الحاصلة الواصلة من اسمه «الوهاب» إلى القابلين المستعدين لها، منطوية (على قسمين) مندرجين تحتها : 
أحدهما (هبة) وعطية (ذاتية)، أي مستندة إلى ذات الألوهية، أحدية جمع جميع الأسماء؛ إذ الذات من حيث هي هي لا تعطي عطاء ولا تتجلى تجليا.
(و) 
ثانيهما (هبة) وعطية (أسمائية) من حيث حضرة من حضرات الأسماء، بحسب قبول المتجلي له وخصوص قابلیته ومقامه .
فإن قلت: «العطايا الحاصلة من الاسم الوهاب» أسمائية.  فكيف تنقسم إلى الذاتية والأسمائية؟» 
قل : المراد به «العطايا الذاتية» ما يكون مبدأه الذات من غير اعتبار صفة من الصفات معها. 
وإن كان لا يحصل ذلك إلا بواسطة الأسماء والصفات، إذ لا يتجلى الحق سبحانه من حيث ذاته للموجودات إلا من وراء حجاب من الحجب الأسمائية - وبـ "الأسمائية" ما يكون مبدأه صفة من الصفات من حيث تعينها وامتيازها عن الذات. فعلى هذا يمكن أن يكون بعض العطايا الحاصلة من الاسم «الوهاب» ذاتية.

(فالذاتية)، أي فالعطايا الذاتية ، (لا تكون) أبدا (إلا بتجلي) إلهي، أي بتجلي حضرة هذا الاسم الجامع الذي هو أحدية جمع جميع الأسماء، لا بتجلي الذات الأحدية، لما عرفت غير مرة أن لا حكم ولا رسم ولا اسم ولا تجلي ولا غير ذلك في الأحدية الذاتية . 
فيكون تعيين التجلي من حضرة الألوهية ، فيضاف التجلي لهذا السر إلى ذات الألوهية، لا إلى مطلق الذات.
والتجلي من الذات لا يكون إلا على صورة المتجلى له - وهو العبد - وبحسب استعداده ، كما أن الحق يظهر في مرايا الأعيان بحسب استعداداتها وقابليتها بظهور أحكامه بها. غير ذلك لا يكون.

(وأما) العطايا (الأسمائية، فتكون) أبدأ (مع الحجاب)، أي مع حجابية التعين الاسمي، بما به يمتاز أحد الأسماء عن الآخر و يغایره، لا غير،
وأهل الذوق والوجدان يفرق بينهما، أي بين العطايا الذاتية والأسمائية، عند حصول الفيض والتجلي. ويعرف منبع فیضانه بميزانه الخاص له الحاصل من كشفه . والمراد ب «أهل الذوق» من ی?ون ح?م تجلياته نازلا من مقام روحه وقلبه إلى مقام نفسه وقواه، كأنه يجد ذلك حتة ويدركه ذوقة؛ بل يلوح ذلك من وجوههم. 
قال تعالى: 
"تعرف في وجوههم نضرة النعيم" [المطففين : 42]. 
وهذا مقام الكمل والأفراد، ولا يتجلى الحق بالأسماء الذاتية إلآ لهم.

قال رضي الله عنه :  (ولا يقبل القابل هذه الأعطية إلا بما هو عليه من الاستعداد، وهو قوله، "أعطى كل شيء" خلقه.)
 (ولا يقبل القابل هذه الأعطية)، أي أعطيات الحق سبحانه، ذاتية كانت أو أسمائية، (إلا بما هو عليه)، أي إلا بمقدار ما يكون القابل عليه، (من الاستعداد) ، فإن التجليات في حضرة القدس وينبوع الوحدة وحدانية النعت، هیولانية الوصف . 
لكنها تنصبغ عند الورود بح?م استعدادات القوابل ومراتبها الروحانية والطبيعية والمواطن والأوقات وتوابعها، كالأحوال والأمزجة والصفات الجزئية. 
فيظن لاختلاف الآثار أن التجليات متعددة بالأصالة في نفس الأمر، وليس كذلك. قال سبحانه وتعالى:
 "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" [القمر: 50]. 
فكما أن الحق سبحانه واحد من جميع الوجوه، كذلك فيضه وأمره - كما أخبر - لا كثرة فيه إلا بالنسبة إلى القوابل.

اعلم أن من المتفق عليه عند أهل الكشف وأهل النظر الصحيح من الحكماء أن حقائق العالم المسماة عند بعضهم بـ "الماهيات الممكنة" غير مجعولة، وكذلك استعداداتها الكلية - التي بها تقبل الفيض الوجودي من المفيض الحق سبحانه. والوجود الفائض واحد بالاتفاق بيننا وبينهم، وهو مشترك بين جميع الماهيات الممكنة. 
فإذا كان كذلك، فالتقدم والتأخر الواقع بين الأشياء في قبول الوجود الفائض من الحق لا موجب له إلا تفاوت استعدادات تلك الماهيات. 
فالتامة الاستعداد منها قبلت الفيض أسرع وأتم وبدون واسطة، كالقلم الأعلى المسمى بـ «العقل الأول».
 
وإن لم يكن الاستعداد تام جدا، تأخر القبول، وكان بواسطة أو وسائط، كما وقع وثبت شرعا وكشفا وعقلا. والموجب للتفاوت بالنقص والتمام الاستعدادات، لا غير. 
والفيض واحد ، والاستعدادات مختلفة متفاوتة، مثل ورود النار على النفط والكبريت و الحطب اليابس والأخضر .

فلا شك أن أولها وأسرعها قبولا للاشتعال والظهور بصورة النار النفط، ثم الكبريت، ثم الحطب اليابس، ثم الأخضر . 
فأنت إذا أمعنت النظر فيما ذكرنا، رأيت أن علة سرعة قبول النفط الاشتعال قبل غيره، ثم الكبريت - كما ذكر - ليست إلا قوة المناسبة بين مزاج النفط والنار واشتراكهما في بعض الأوصاف الذاتية، التي بها كانت النار نارة. 
وكذلك سبب تأخر قبول الحطب الأخضر الاشتعال إنما موجبه ح?م المباينة التي تضمنها الحطب الأخضر من البرودة والرطوبة المنافية لمزاج النار وصفتها الذاتية. (وهو)، أي الاستعداد، (قوله)، أي ما يدل عليه قوله عز وعلا، (" أعطى كل شيء" [طه: 50]) ۔ سواء كانت شيئيته شيئية ثبوتية أو وجودية .

فإنه كما أن الحق سبحانه أعطى الأشياء الثبوتية في مرتبة العلم الاستعدادات الكلية الغير المجعولة التي بها تقبل الوجود.
قال رضي الله عنه : (فمن ذلك الاستعداد . وقد يكون العطاء عن سؤال بالحال، لا بد منه، أو عن سؤال بالقول.)
كذلك أعطى الأشياء الوجودية في مرتبة العين الاستعدادات الجزئية المجعولة التي بها تقبل الأحوال الوجودية . 
في «الاستعداد الكلي» ما به قبلت مثلا الوجود من الحق سبحانه حال تعيين الإرادة لك من بين المم?نات وتوجيه الحق نحوك للإيجاد. 
و"الاستعداد الجزئي" ما تلبست به بعد الوجود من الأحوال الوجودية، إذ كل منها يعدك لما يليه، كما قال تعالى : 
" لتركبن طبقا عن طبق" [الانشقاق : 19]، أي حالا هو متولد عن حال. 
والكلي الذي به قبلت وجودك ليس وجودية ؛ بل هو عبارة عن حالة غيبية لعينك الثابتة. 
وما سواه من الاستعدادات الجزئية المشار إليها، فوجودية. 
وبالجملة، فهو سبحانه
 "أعطى كل شيء" [طه: 50] علما وعينا ("وخلقه") [طه: 50]، أي ما قدر له من الاستعداد الكلي والجزئي وما يتبعهما.
فمن ذلك، أي من قبيل ما قدره الله سبحانه وأعطاه كل شيء، الاستعداد، كلية كان أو جزئيا .
(وقد يكون العطاء)، ذاتيا كان أو أسمائية، (عن سؤال) واقع من المعطى له بالحال الاستعدادي، أو الحال الباعث على السؤال باللسان. 
ولم يرد رضي الله عنه ههنا (بـ «الحال») ما يقابل الاستعداد ؛ بل ما يشملهما جميعا : 
أما أولا، فلأنه لم يكن حينئذ أحد الأقسام الذي هو "السؤال بالاستعداد" مذكورا.
وأما ثانيا، فلأنه لا يصح حينئذ قوله، (لا بد منه)، أي من السؤال بالحال، فإنه قد يصل العطاء إلى المعطى له من غير سؤال منه بلسان الحال ، كما إذا صادف ?نزا بغتة؛ فإن ذلك مما يسأله بلسان الاستعداد، لا بلسان الحال. 
ومثال السؤال بلسان الاستعداد سؤال الأسماء الإلهية ظهور ?مالاتها؛ وسؤال الأعيان الثابتة وجوداتها الخارجية. 
ومثال السؤال بلسان الحال سؤال الجائع يطلب بجوعه الشبع، والعطشان يسأل بعطشه الري. 
وإلى لسان الحال أشار من قال : 
وفي النفس حاجات وفيكم فطانة     ……        سكوتي بيان عندكم وخطاب
وأيضا لا بد في العطاء من سؤال الاستعداد، ولا يتخلف عنه العطاء. 
وأما الحال، فهو الباعث على الطلب، وهو أيضا من الاستعداد . 
فلو لم يكن في الاستعداد الطلب، لم يحصل الداعية. ولكن قد يكون العطاء بدونه، وهو لا يقتضي حصول العطاء على القطع.

قال رضي الله عنه : (والسؤال بالقول على قسمين : سؤال بالطبع، وسؤال امتثال للأمر الإلهي وسؤال بما يقتضيه الحكمة والمعرفة، لأنه أمير مالك يجب عليه أن يسعى في إيصال كل ذي).
(أو عن سؤال)، أي وقد يكون العطاء عن سؤال، (بالقول) باللسان. 
(والسؤال بالقول) مشتمل (على قسمين): 
أحدهما (سؤال بالطبع)، بأن يكون الباعث على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان خلق عجولا؛ يسأل ويطلب الكمال قبل حلول أوانه. 
وذلك لأن من شأن الطبيعة وطين قابليتها اللازب أن يلتصق بما يستشعر فيه كماله عاجلا. وهذا القسم من السؤال إما أن يوافقه سؤال الاستعداد أو لم يوافقه. 
فإن وافق، فلا بد من وقوع المسؤول في الحال ؛ وإن لم يوافق، فلا يقع في الحال ، البتة .

وثانيهما سؤال بغير الطبع، وهو أيضا قسمان : 
الأول (سؤال امتثال للأمر الإلهي) في قوله تعالى : "أدعوني أستجب لكم " [غافر : 60]. فهذا السائل هو العبد المحض الذي لا يشوب صرافة عبوديته نسبة اختيار ولا إرادة مطلوب ولا طلب مراد، كما قيل: 
سقط اختياري مذ قنيت بحبكم        ……     عني فلا أرجو ولا أتطلب 
ليس المحب حقيقة من يشتهي        ……     أو يشتكي أو يرتجي أو يرهب

(و) الثاني (سؤال بما يقتضيه الحكمة والمعرفة)،أي بسبب اقتضاء الحكمة والمعرفة السؤال. 
وذلك (لأنه)، أي السائل بمقتضى الحكمة والمعرفة، (أمير) منصرف في رعاياه - سواء كان رعيته أهل العالم كله أو أهل مملكته أو أهل داره أو بدنه - بقواه العلمية والعملية على حسب مرتبة السائل، (مالك) أزمة أمورهم، كفيل لمصالحهم، عالم بأن عند الله أمورا من مصالحهم قد سبق العلم الإلهي بأنها لا تنال إلا بعد سؤال ؛ فيسأل الله سبحانه ويدعوه ليحصل تلك الأمور ويوصلهم إليها، لأنه (يجب عليه)، أي على ذلك السائل، (أن يسعی) حسب المقدور (في إيصال كل ذي حق) من رعاياه (إلى حقه).
قال رضي الله عنه : (حق إلى حقه، مثل قوله: «إن لأهلك عليك حقا ولنفسك ولعينك ولزورك» الحديث.)
والذي يدل على هذا الوجوب (مثل قوله صلى الله عليه وسلم : «إن لأهلك»)، الذين يستاهلون لتربيتك، كالأزواج والأولاد في الآفاق وكالقوى الروحانية والجسمانية في الأنفس، («عليك حقا") ينبغي أن توصلهم إليه. 
(و) كذلك («لنفسك»)، أمارة كانت أو لوامة أو مطمئنة، فإن لها في كل مرتبة عليك حقا يجب إيصالها إليه. 
(«و») كذلك («لعينك»)؛ فلا تمنعها عن حقها، كالنوم مثلا، كل منع .
(«و») كذلك (لزوارك») الذين يزورونك - الحديث .

فالأمر كله يرجع إليه سبحانه ، منه ابتداؤه وإليه انتهاؤه ؛ ولا إله غيره .


.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة الخامسة والثلاثين السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:58 pm

الفقرة الخامسة والثلاثين السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الخامسة والثلاثين:
كتاب تعليقات د أبو العلا عفيفي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 1385 هـ :
قبل أن تقرا لـ  د. أبو العلا عفيفي رحمه الله:
د أبو العلا عفيفي رحمه الله ليس متصوف سالك فى الله وإنما تعلم التصوف بفهم وعيون الغرب العلماني للعمل والإرتزاق ولبناء مستقبل علمي وسطهم ليحظي بتقديرهم والاعتراف به كخبير متخصص وأستاذ فى علوم و مخطوطات الشيخ الأكبر ابن العربي فى وسطهم الفلسفي والعلمي على مستوى العالم وكان له ذلك.
لكن لا ينكر فضله الكبير في البحث و جمع ومقارنة و تحقيق مخطوطات الشيخ الأكبر وتراثه العلمي فضل كبير في البحث وجمع ومقارنة وتحقيق مخطوطات الشيخ الأكبر ومحاولة شرحها جل عمره . 
لكنه تشبع و إنصبغ بما تعلمه من التصوف العقلي في الغرب العلماني 
حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كمبردج 1930 برسالته عن "فلسفة ابن عربي الصوفية " تحت اشراف المستشرق البريطاني رينولد نيكلسون.
في أن التصوف ووحدة الوجود وأصوله الآفلوطونية والغنوصية وغيرها من نتائج أفكار العقل النظري والواردات الشيطانية التي لا ضوابط حاكمة لها من قواعد وقيود الشرع الحنيف المنزل من عند الله سبحانه. 
فالحق سبحانه وإن تجلي أو تنزل أو ظهر في كل شيء وعلى كل شيء وفى كل وجهه فـ هو الله الأحد الفرد الصمد لاشريك له ليس كمثله شيء.
والعبد عبد وإن تجلي الله عليه أو كلمه أو اتخذه أو وليا أو نبيا او رسولا وعلمه الأسماء كلها وجعله خليفة له يتصرف فى الأكوان فهو مازال عبدا مفتقرا إلى الله تعالى دائما في كل شيءفالرب رب وإن تنزل . و العبد عبد وإن علا.
فقراءة تعليقات د أبو العلا عفيفي عادة مهمة ولكن تجاوز عن تفسيراته وتعريفاته الفلسفية الغربية العلمانية لوحدة الوجود فهى خطأ وليس ما يريده الشيخ رضي الله عنه يقينا وكذلك كل الأئمة الأولياء الكمل منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا وحتى الآن والى يوم يبعثون وما بعد يوم يبعثون  .
فالعقل وحده وهو أعظم أدوات الفلاسفة في التأمل عاجزا تماما بل هو أعمى عن إدراك كل الحقائق والمخلوقات فى عالم الملك والملكوت والجبروت و اللاهوت .
كذالك السموات على ما هي عليه مفتقرا لسلطان الله لينفذ في معارجها . كذلك لمشاهدة التجليات والحضرات الإلهية لكي الأسماء والصفات والأفعال ألهية ببصر وسمع الله سبحانه  فضلا عن التأييد الإلهي للفهم عنه.
فالحق سبحانه القديم الأزلي السر و النور الساري في كل ما خلق وإلا صار للعدم. والى ذلك أعلمنا سبحانه فأشار بـالحقيقة السارية في كل شيء " لا حول ولا قوة الا بالله" وحدها الحقيقة الحاكمة ازلا وسرمدا على الوجود كله و كافية لإثبات سريان انوار قدرته وحكمته وارادته تعالى في كل شيء و كل وجهه لمن أراد الدليل وتفهم مراد الرسول والأنبياء والشيخ وكل الأولياء أن كل الكون مفتقر تعالى إليه  دائما أبدا فى كل لحظة .
قال تعالى :" إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) سورة فاطر".
قال تعالى : " قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) سورة المائدة"
قال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) سورة ".
قال تعالى : "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) سورة الشورى " .
فالله سبحانه وتعالى يكلم ويخاطب من يشاء من عباده بما شاء كيفما شاء وأينما شاء ولاقيد ولاحد لهذا او يرسل رسولا عدا الوحي الذي رفعه الله سبحانه بعد خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ويعلم من يشاء بما يشاء فلا سلطان لأحد من الخلق عليه.
فالله سبحانه وتعالى النور والسر الساري في كل شيء أزلا وسرمدا خلقا وايجادا واظهارا ومحوا وإحفاء واعداما و زولا غير مفتر للشيء . وكل الكون مفتقر اليه دائما فى كل شيء.
أين كل هذا من علوم أفلاطون والغنوصية والبوذية وغيرها من تلك العلوم الشيطانية النفسية التي أوجدها ليسلبوا عقول الناس و يضيعوا أعمارهم "ليضلوا عن سبيل الله" , فمن أراد الله سبحانه أخذ آيات وشرع الله وتجرد له وأخلص له وصدق معه وينتظر ما سيفتح الله به وقتما يشاء سبحانه .
وعرضت كلامه لأهميته لاكتمال الموسوعة في إيراد أهم التفاسير المتاحة ولأن النص الأساسي للموسوعة هو الذي أورده من دراسته معتمدا على عدد كبير من المخطوطات الموثقة عن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر رضي الله عنه.
أخيرا فطالب الحق يكفيه دليل ليعرف أما المعاند النزق أوالجاهل أو من ران على قلبه لا يكفيه الف دليل.
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.
***
الفص الثاني حكمة نفثية في كلمة شيئية
(1) «شيث».
(1) رأينا في الفص السابق أن المراد بآدم هو الصورة الإلهية الجامعة لكل حقائق الوجود، و أن الحق سبحانه لما أحب أن يُعرف تجلى لنفسه في نفسه في هذه الصورة التي كانت بمثابة المرآة و رأى جميع كمالاته فيها فجعلها الغاية من الوجود و خلق العالم الأكبر من أجلها. فآدم بهذا المعنى هو الحق متجلياً بصورة العالم المعقول و حاوياً في نفسه جميع صفات عالم الممكنات.
و هنا نرى ابن عربي يرمز بشيث ابن آدم إلى تَجَلٍ آخر للحق: و هو تجليه في صورة المبدأ الخالق الذي يمنح الوجود لكل موجود- أو باصطلاح المؤلف- يظهر في وجود كل موجود. و لما كان من طبيعة الحق أن يخلق- أي أن الخلق فعل ضروري له- و الخلق هنا معناه الظهور بالوجود لا الإيجاد من العدم- كان هذا التجلي الثاني- نتيجة لازمة عن التجلي الأول كما أن الابن نتيجة طبيعية و لازمة للأب.
و ليس الخلق إيجاداً من عدم كما قلنا و إنما هو ظهور أو خروج أو تجل:
و لذلك اختار له المؤلف كلمة النفخ أو النفث و سمى حكمة شيث بالحكمة النفثية.
و كلمة النفخ أو النفث تشير إلى خروج شي ء من شي ء أو فيض شي ء عن شي ء.
أما الوجود ذاته الذي يمنحه الحق لأعيان الموجودات فكثيراً ما يشار إليه «بنَفَسِ الرحمن» أو «النَّفَس الرحماني» و من هنا جاء استعمال الرحمة بمعنى منح الوجود.
(2) «العطايا و المنح الإلهية».
(2) ما ذا تكون العطايا و المنح التي يهبها اللَّه للعالَم في مذهب يقول بوحدة الوجود سوى الذات الإلهية و صفاتها؟ فذاته تعالى سارية في ذوات جميع الموجودات، و صفاته هي الصور الأولى المتعينة في صفات العالم الخارجي. لهذا قسم المؤلف العطايا و المنح إلى ذاتية و أسمائية. و يستوي في مذهب كهذا أن يسأل العبد ربه أن يمنحه كيت و كيت من صفات الوجود بأن يتجلى له فيها و أن لا يسأل، فإن الحق يتجلى في كل موجود بحسب الاستعداد الأزلي لذلك الموجود لا يغيّر من ذلك سؤال و لا دعاء. و كل موجود له عينه الثابتة في الأزل يظهر وجوده الخارجي بمقتضاها. هذا هو القانون العام في فلسفة ابن عربي لا يتحول عنه قيد شعرة مهما اختلفت الأساليب التي يعبر بها عنه. 
من الجهل إذن السؤال أو الدعاء، فإن كل شي ء قد قدِّر أزلًا و سيكون على نحو ما قدر: طاعة أو معصية، خيراً أو شراً، حسناً أو قبحاً، اللهم إلا إذا قدر كذلك أن شيئاً ما لا ينال إلا بالسؤال أو الدعاء. أما الصوفي الكامل فلا يسأل شيئاً بل يراقب قلبه في كل آن ليقف على مدى استعداده الروحي، لأن قلب الصوفي- و هو مرآته التي التي يرى فيها تجلي الحق- يتغير في كل لحظة مع تغير التجلي الإلهي. 
و اللحظة التي يكون فيها الصوفي حاضراً بقلبه مع اللَّه و يدرك فيها ناحية من نواحي استعداده الروحي هي التي يسميها الصوفية «الوقت». و لذلك قالوا: الصوفي بِحُكْم وقته، و الصوفي ابن وقته.

و من الصوفية- و هم الصنف الأدنى- من يسأل لا للاستعجال و لا غيره و إنما امتثالًا لأمر اللَّه في قوله «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»: و ليس المراد بالاستجابة منح الشي ء المسئول فيه دائماً، فإن المسئول فيه لا يتحقق إلا إذا اقتضته طبيعة الشي ء نفسه و وافق السؤال فيه الوقت المقدَّر له. أما إذا اختلف الوقت فلا استجابة إلا الاستجابة بلفظ «لبَّيك» التي يفرق ابن عربي بينها و بين الاستجابة الحقيقية التي يلزم عنها منح المطلوب.
(3) «فالاستعداد أخفى سؤال».
(3) ذكر المؤلف ثلاثة أنواع من السؤال: السؤال باللفظ أو الدعاء، و السؤال بالحال، و السؤال بالاستعداد. أما السؤال باللفظ فقد شرحناه و بينا أنه لا أثر له مطلقاً في الإجابة عن المسئول. و أما السؤال بالحال فراجع في الحقيقة إلى السؤال بالاستعداد، فإن الحال التي تطلب شيئاً ما تتوقف على طبيعة استعداد صاحبها، فلحال الصحة أو المرض مثلًا مطالب، و لكن الصحة و المرض يتوقفان على طبيعة الصحيح و المريض. فلم يبق بعد السؤال باللفظ إذن إلا السؤال بالاستعداد: أي ما تتطلبه طبيعة كل موجود من صفات الوجود. هذا هو السؤال بالمعنى الصحيح، و هذا هو السؤال الذي يستجيب له الحق استجابة حقيقية.
فإذا قدر لشي ء ما أزلًا أن يكون على نحو ما من الوجود و طلبت طبيعة ذلك الشي ء ما قدِّر لها، تحقق في الحال ما طلبت. و ليس ما يجري من الأحداث على مسرح الوجود إلا ذاك.
هنا تظهر جبرية ابن عربي واضحة جلية. و لكنها ليست جبرية ميكانيكية أو مادية ترجع لطبيعة جامدة غير عاقلة، بل هي نوع من الانسجام الأزلي  Pre -established harmony  الذي قال به ليبنتز. كما أنها ليست الجبرية التي قال بها غير ابن عربي من المسلمين، لأن الجبرية الاسلامية ثنوية تفترض وجود اللَّه و العالم، أما ابن عربي فيدين بحقيقة وجودية واحدة. فنظام الوجود القائم و ما طبع في جبلته من القوانين التي هي في واقع الأمر قوانين إلهية و طبيعية معاً، كل ذلك هو الذي يقرر مصير العالم في أية لحظة من لحظاته. و هذه النزعة أقرب ما تكون إلى نزعة الرواقية في إلهيّاتهم.
أما النتيجة العملية لهذا المذهب من الناحية الصوفية، فالرضا المطلق بقضاء اللَّه و قدره، و محاولة الصوفي التخلص- ما أمكنه- من ربقة العبودية الشخصية، ليحقق في نفسه الوحدة الذاتية مع الحق.
(4) «و من هنا يقول اللَّه تعالى «حَتَّى نَعْلَمَ» ... الكشف و الوجود».
(4) تشعر العبارة «حَتَّى نَعْلَمَ» - إذا أخذت على ظاهرها- بأن علم اللَّه بالأشياء غير
أزلي لأنه متعلق بالموجودات الكائنة الفاسدة الموجودة في الزمان و المكان. و قد حاول بعض المتكلمين نفي هذا عن العلم الإلهي بأن نسبوا الحدوث في العلم للتعلق لا للعلم نفسه. أما العلم الإلهي فهو قديم. و لكن ابن عربي يرد عليهم في هذه النقطة بقوله إنهم أثبتوا صفة العلم زائدة على الذات الإلهية و جعلوا تعلق العلم بالمعلوم للعلم لا للذات. و لكن الذات و صفاتها شي ء واحد في نظر المحققين أمثاله (و في نظر المعتزلة أيضاً)، فالتعلق للذات المتصفة بالعلم لا للعلم. و كذلك الحال في القدرة و الإرادة و الصفات الأخرى. فإذا قيل تعلق علم اللَّه بكيت و كيت كان معنى ذلك تعلقت الذات الإلهية المتصفة بالعلم بكيت و كيت. و لكن ذات الحق هي في الواقع- في مذهبه- ذات المعلوم: و على ذلك لا يرى أن الحق يكتسب علماً بالمعلوم عند ما يظهر ذلك المعلوم في الوجود، كما لا يرى بَعْديةً زمانية في العلم الإلهي، و إن افترض قبلية و بعدية اعتبارية في الذات الإلهية التي تُصوِّرت على أنها كانت ثم أصبحت. فعلم اللَّه بالأشياء في العالم العقلي هو علمه بأعيانها الثابتة التي هي ذاته المفصلة في علمه. أي هي علمه بذاته في هذا المقام.
و علمه تعالى بالموجودات الخارجية هو نفس ذلك العلم منكشفاً له في صفحة الوجود: أو هو علم بذاته متجلياً في أعيان الموجودات، فالبعدية موجودة بهذا المعنى. و عليه يلزم أن نفهم «حَتَّى نَعْلَمَ» على ظاهرها و ألا نؤولها.
(5) «و الأمر كما قلناه و ذهبنا إليه. و قد بينا هذا في الفتوحات المكية».
(5) الأمر الذي قد بينه هو أن الحق سبحانه قد منح من ذاته و صفاته كل موجود ذي ذات و صفات. و هذا هو التجلي الإلهي: أي الظهور في الصور أو التعينات الكونية.
و لا يكون التجلي الإلهي لشي ء إلا بحسب استعداد المتجلي له، و لهذا لا يرى إنسان إلا صورته في مرآة الحق. أما الحق في ذاته فلا يُرَى و لا يُعْلَم لأنه لا يتجلى في صورة مطلقة. و قد ضرب المؤلف لهذه الرؤية الإلهية مثلًا بالمرآة و الصورة المشاهدة فيها، فإن الناظر إلى نفسه في المرآة يرى صورته هو و لا يرى جرم المرآة مهما حاول ذلك. 
فكذلك الحق الذي هو مرآة الوجود لا يرى إلا صوره المتجلية في مرايا الوجود. و لكن التشبيه بالمرآة و الصورة قد استُغِلَّ في معنى آخر، فشبه الخلق بالمرآة و الحق بالصورة الظاهرة فيها. 
فكما أن الحق مرآة الخلق، كذلك الخلق مرآة الحق. و في هذا يقول المؤلف: فهو (أي الحق) مرآتك في رؤيتك نفسك، و أنت مرآته في رؤيته أسماءه و ظهور أحكامها: و ليست (أي هذه الأسماء و أحكامها» سوى عينه.

أما المرجع المشار إليه في الفتوحات المكية فوارد في الجزء الأول ص 397 في الكلام عن المراة و صورتها.
(6) فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء».
(6) يعتبر ابن عربي «الولاية» أساس المراتب الروحية كلها. فكل رسول ولي و كل نبي ولي. و أخص صفات الولي أياً كان المعرفة: أي العلم الباطن الذي يلقى في القلب إلقاء و لا يكتسب بالعقل عن طريق البرهان، و هو مختلف عن العلم الموحى به في مسائل التشريع. و قد يستعمل ابن عربي كلمة «الإنسان الكامل» مرادفة لكلمة «ولي» بهذا المعنى، فالأنبياء أولياء لأنهم فوق معرفتهم الكاملة باللَّه يعلمون شيئاً من عالم الغيب. و الرسل أولياء لأنهم يجمعون بين معرفتهم الكاملة باللَّه و بين العلم الخاص بالشرائع التي أرسلوا بها.
و النبوة و الرسالة تنقطعان لأنهما مقيدتان بالزمان و المكان، أما الولاية فلا تنقطع أبداً، لأن المعرفة الكاملة باللَّه لا تحد بزمان أو مكان و لا تتوقف على أي عامل عرضي.
و هناك فرق آخر و هو أن العلم الشرعي يوحى به إلى الرسول على لسان المَلك، أما العلم الباطن عند الولي- سواء أ كان رسولًا أو نبياً أو محض ولي، فهو إرث يرثه الولي من خاتم الأولياء الذي يرثه بدوره من منبع الفيض الروحي جميعه: روح
محمد أو الحقيقة المحمدية. و خاتم الأولياء وحده من بين ورثة العلم الباطن هو الذي يأخذ علمه مباشرة عن روح محمد التي يرمز إليها الصوفية عادة باسم «القطب» و لا يقصد بالحقيقة المحمدية أو روح محمد، محمدٌ النبي بل حقيقته القديمة التي تقابل العقل الأول عند أفلاطون و «الكلمة» عند المسيحيين، و التي يقول ابن عربي إنها المقصودة في الحديث كنت نبياً و آدم بين الماء و الطين، لا بمعنى قدِّر لي أن أكون نبياً قبل خلق آدم كما يدل عليه ظاهر الحديث، بل بمعنى وجدت حقيقتي أو روحي التي هي العقل الإلهي قبل أن يوجد آدم.
(7) «و في هذا الحال الخاص تقدم (أي محمد) على الأسماء الإلهية».
(7) يقتبس الصوفية عادة في هذا المقام الحديث القائل إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم هو أول من يفتح باب الشفاعة فيشفع في الخلق، ثم الأنبياء ثم الأولياء ثم المؤمنون، و آخر من يشفع هو أرحم الراحمين». و إذا فهمنا أن ابن عربي يقصد بالاسم الرحمن الاسم الجامع للأسماء الإلهية كلها مستشهداً على ذلك بقوله تعالى «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ»، و إذا كانت شفاعة «الرحمن» ستكون يوم القيامة آخر الشفاعات: إذا كان كل ذلك، أدركنا كيف قدم محمد الشفيع على الأسماء الإلهية. و ليس التقدم المذكور تقدماً بالإطلاق، بل هو في هذا المقام الخاص الذي هو مقام الشفاعة. أما حكمة تأخر الاسم الرحمن فلكي تعم الشفاعة كل شي ء لقوله تعالى «وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ».
(8.) «و أسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها ... أو حضرات الأسماء».
(8.) سبق أن ذكرنا في تعليقاتنا على الفص الأول كيف اعتبر ابن عربي الموجودات صفات للحق وصف بها نفسه و وصفناه نحن بها. و لما كانت الموجودات لا تتناهى عدداً، كانت الأسماء الإلهية التي تتجلى في هذه الموجودات لا تتناهى عدداً أيضاً.
و لكن الموجودات مع عدم تناهيها أفراداً و أشخاصاً، يمكن حصرها في عدد متناه من
الأجناس و الأنواع. و كذلك الأسماء الإلهية التي لا ينحصر عددها يمكن ردها إلى أصول عامة محصورة العدد، و هذه الأصول هي أمهات الأسماء و هي المعروفة بالأسماء الحسنى أو الحضرات الأسمائية. و معنى الحضرة هنا هو المجلى الذي يظهر فيه أثر إلهي من نوع خاص، أو هو المجال الذي يظهر فيه فعل إلهي. فحضرة الرحمن هي مجموعة المجالي التي يظهر فيها أثر للرحمة الإلهية، و إن كانت حالات الرحمة لا تتناهى عدّا لأن الكائنات المرحومة لا تتناهى عدّا. و حضرة الجبار هي المجال الذي يظهر فيه الحق بهذا الوصف و إن كانت حالات الجبروت لا تتناهى عدّا و هكذا. فالذي لا يتناهى عدّا هو فروع الأسماء أو مظاهرها لا أمهاتها.
و أهم مرجع شرح فيه ابن عربي الأسماء الإلهية و تصنيفاتها هو كتابة «إنشاء الدوائر» الذي نشره الأستاذ نيبرغ. قارن شرح القيصري على الفصوص.  المقدمة ص 11 - 15.


(9) «فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي ء يتكرر أصلًا».
(9) ليس في الوجود سوى ذات واحدة و عدد لا يتناهى من نسب و إضافات يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية، و تسمى حين تظهر في الصور الخارجية باسم الموجودات أو التعينات. فالوحدة- و هي ما يقع فيه الاشتراك بين جميع الموجودات- ترجع إلى الذات: إلى الحق في ذاته. و الكثرة- و هي ما يقع فيه الاختلاف بين الموجودات- ترجع إلى هذه الإضافات و النسب: إلى الخلق. و لكن الحق و الخلق وجهان لوجود واحد أو حقيقة واحدة. و إذا نظرت إلى هذه الحقيقة من ناحية الكثرة أو التعدد وجدت اختلافاً كبيراً في مظاهرها و تمايزاً يكفي في تشخيص كل منها و إعطائه فرديته. و وجدت فوق ذلك أن لا واحد من هذه المظاهر عين الآخر، بل لا مظهر منها في لحظة هو عينه في اللحظة التي تليه. 
و هذا هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله «فما في الحضرة الإلهية مع اتساعها شي ء يتكرر أصلًا». كل شي ء يخلَقُ خلقاً جديداً في كل آن. فالوجود هو المسرح الأكبر الذي تتعاقب فيه الصور في الظهور عليه أبداً و أزلًا، و لا تظهر صورة منها عليه مرتين.

هذا هو الخلق الجديد الذي يشرحه المؤلف بإسهاب في الفص السادس عشر و سنعرض له في موضعه.
(10) «و هذا العلم كان علم شيث، و روحه هو الممد ... »
(10) ذكرنا في التعليق الأول على هذا الفص أن «شيث» ليس إلا رمزاً للحق في التجلي الثاني أو التجلي الأسمائي الذي ظهر فيه الحق بصورة المبدأ الخالق الذي أعطى كل موجود وجوده و أظهر فيه ما أظهر من معاني أسمائه. و من هنا يظهر لِمَ يعتبر ابن عربي العلم بالأسماء الإلهية و تجلياتها وقفاً على شيث الذي يستمد من روحه كل من تكلم في هذا الموضوع. يقول الصوفية إن شيث وحده هو الذي بيده مفاتيح الغيب. و ليست مفاتيح الغيب هذه إلا الأسماء الإلهية، لأنها دلالات على الغيب المطلق الذي هو الذات الإلهية: أو هي مفاتيح الكنز الخفي الذي أحب الظهور فأظهرته.
(11) «فما في أحد من اللَّه شي ء، و ما في أحد من سوى نفسه شيء».
(11) تدل هذه العبارة في ظاهرها على أن ابن عربي قد وقع في تناقض شنيع مع نفسه و أنكر في جملة واحدة ما فصله في وحدة الوجود في صفحات بل كتب.
و الحقيقة ألا تناقض في أقواله إذا وقفنا على مراميه.
قد ذكرنا في تعليقات الفص الأول أن الفيض عنده فيضان: الفيض الأقدس و هو تجلى الحق لنفسه في صور أعيان الممكنات الثابتة، أو في الصور المعقولة للوجود الممكن. و كل عين من هذه الأعيان الثابتة تحمل في نفسها مستقبل تاريخها و ما قدر لها أن تكون عند ما تتحقق بالفعل و تأخذ مكانها بين الموجودات الخارجية. فهي لا تخضع في تحققها لشي ء ما إلا لقوانينها الذاتية التي هي جزء من قوانين الوجود العيني الذي نسميه بالعالم. فهي بهذا المعنى صورة من صور الحق و وجودها العيني عند ما توجد صورة من صور وجوده. و لكن اللَّه- الذات المطلقة- ليس له من حيث إطلاقه وغناؤه الذاتي عنها وعن غيرها نسبة ما إليها و لا لها هي نسبة إليه. 
فليس فيها من ذلك المطلق شي ء. و ليس فيها مما يحقق وجودها إلا طبيعتها الخاصة.

فما في موجود من الموجودات شي ء من اللَّه (المطلق) عينه على النحو الذي تعين به، و إنما وجود كل شي ء راجع إلى نفسه. 
و وجود الأشياء في الصور التي هي عليها هو الفيض الثاني أو الفيض المقدس. فإذا فهمنا العبارة السابقة من ناحية صلتها بهذا الفيض، ارتفع التناقض الظاهري بينها و بين مذهب المؤلف في وحدة الوجود.

على أنه يمكن تفسير العبارة بمعنى آخر يتمشى تماماً مع مذهب ابن عربي العام و يتأيد بما أورده هو بالفص العيسوي. 
و ذلك أن اللَّه عنده هو الوجود المطلق، و كل موجود من الموجودات صورة له. و الصورة- إذا أخذت في جزئيتها- ليست اللَّه في إطلاقه. 
و إذن فليست الصورة هي اللَّه و إن كانت مجلى له و قد كفر الذين قالوا إن اللَّه هو المسيح عيسى بن مريم لأنهم حصروا الحق الذي لا تتناهى صوره في تلك الصورة الجزئية المعينة، و كان الأولى بهم أن يقولوا إن المسيح صورة من صور الحق التي لا تتناهى.

على أن ابن العربي لا يكتفي بنسبة التحقق في الوجود إلى ذوات الأشياء نفسها، بل ينسب إليها أيضاً كل وحي و كل علم إلهامي أو ذوقي. فلا منبع لعلم في الإنسان إلا نفسه. 
و في هذا يقول: «فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف، و تمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره». 
فالاستعداد الأزلي في الموجود هو الذي يعين وجوده و يكيّف ما يوحى إليه من العلم.

و إذا كان الأمر على ما وصفنا، فما معنى القول بأن اللَّه قادر على كل شي ء، و أنه فعال لما يريد؟ ما معنى الإمكان الذي يتكلم عنه المتكلمون؟ 
ما معنى أن الممكن هو ما يستوي وجوده و عدمه فإن شاء اللَّه أوجده و إن شاء لم يوجده؟ 
أليس كل شي ء مقدراً أزلًا في عينه الثابتة فإذا ظهر في الوجود كان ظهوره بحسب ما تقتضيه تلك العين؟
 ألا تتنافى هذه الجبرية العنيفة مع وجود إله مختار يفعل في الوجود ما يشاء و كيف يشاء؟

هذه أسئلة يحاول ابن عربي أن يجيب عنها في الفقرة التالية عند ما يشرح معنى الإمكان و الممكن. يقول لما ثبت عند بعض النظار أن اللَّه فعال لما يشاء، جوزوا عليه ما يناقض الحكمة و ما عليه الأمر في نفسه. فالممكن عندهم ما كان وجوده من اللَّه (واجب الوجود بالذات) و في إمكان اللَّه أن يوجده على أي نحو أراد، حتى و لو كان ذلك الوجود منافياً للحكمة و لطبيعة الوجود إطلاقاً. و لكن هذا التفسير دفع ببعض المتكلمين الآخرين إلى إنكار وجود الممكنات، و قالوا لا وجود إلا لواجب الوجود: و واجب الوجود إما واجب الوجود بذاته أو واجب الوجود بغيره. أما الممكن إطلاقاً فلا يمكن تحقق وجوده. 
أما ابن عربي فقد توسط بين الأمرين و قسم الوجود إلى واجب و ممكن ثم قال إن الممكن هو واجب الوجود بالغير. 
يقول «و المحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن ما هو الممكن، و من أين هو ممكن، و هو بعينه واجب الوجود بالغير، و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب».

و الحقيقة أن «الغَيريَّة» هنا غيرية اعتبارية، و أن واجب الوجود بالغير ليس إلا مظهراً لواجب الوجود بالذات، و أن كل ما يجري على أي شي ء من أحكام الوجود ضروري، و يستوي أن تنسب هذه الضرورة إلى العين أو إلى الذات المتجلية في صورة العين لأن الكل واحد. و لم يجب ابن عربي على الإشكال الذي أثاره نظار المتكلمين، و إنما شرح ناحية من نواحي مذهبه في وحدة الوجود.
(12) «و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني».
(12) ذهب شراح الفصوص في تفسير هذا الفص الرمزي مذاهب شتى و تضاربت فيه آراؤهم. فمنهم من اعتبر «آخر مولود يولد في النوع الانساني» ولداً حقيقيًّا يحمل جميع أسرار شيث على نحو ما حمل شيث أسرار آدم. و لكنهم اختلفوا بعد ذلك:
فذهب بعضهم إلى أن المراد به ختم الولاية العامة الذي قالوا إنه عيسى عليه السلام.
أما ختم الولاية الخاصة (الولاية المحمدية) فهو ابن عربي نفسه على نحو ما صرح في كتاب الفتوحات المكية (الجزء الأول ص 319).
و ذهب البعض الآخر إلى أنه مطلق ولي يولد آخر الزمان، و يدعو الناس إلى اللَّه فلا تجاب دعوته لغلبة حكم الشهوة على عقول بني الإنسان في ذلك العهد.
و عليه فهو غير عيسى، لأن عيسى سينزل آخر الزمان إلى الأرض و يحكم فيها بشريعة محمد و يرد الإسلام إلى سيرته الأولى.
و هذه تفسيرات لا تشبع غلة و لا تتفق مع روح مذهب المؤلف و لا مع أسلوبه. فالأولى أن نعتبر العبارة رمزية ثم نأخذ في حل رموزها.
يبدو أن المراد بالولد الذي هو آخر ما يولد للنوع الانساني هو «القلب» (أو العقل) كما يفهمه الصوفية، و أن المراد بأخته التي ولدت معه النفسُ الانسانية، و أن المراد بالصين الذي ولد فيها الولد القرار البعيد للطبيعة البشرية أو موضع السر منها: يؤيد ذلك أن كلمة الصين استعملت في غير هذا المقام للدلالة على البعد في مثل قول النبي عليه السلام «اطلبوا العلم و لو في الصين».
و يُشير قوله «يكون رأسه عند رجليها» إلى تغلب النفس الحيوانية على القلب و قهرها له في وقت ما من أوقات تطور الإنسان. أما الناس الذين دعاهم هذا الولد إلى اللَّه فلم يستجيبوا له، فالمراد بهم قوى النفس و جنودها التي لا تخضع لسلطان العقل.
فإذا قبض اللَّه ذلك الولد إليه- و قبض مؤمني زمانه- و هي قوى الإنسان الروحية التي تستجيب لدعوته- بقي من بقي من الناس مثل البهائم. و مهما كثر النكاح بين رجالهم و نسائهم- أي بين القوى الفاعلة و القوى المنفعلة في الإنسان- فلن تستطيع أن تلد ذلك المولود لأنه من طبيعة غير طبيعتها.
و في الفقرات الأخيرة من الفص ما يشير إشارة قوية إلى أن المراد بالمولود العقل الانساني (أو القلب) الذي هو «الفصل» المميز للإنسان عن سائر أنواع الحيوان، و آخر ما ظهر في النشأة الإنسانية من القوى.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة والثلاثين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 5:59 pm

الفقرة السادسة والثلاثين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة والثلاثين:الجزء الأول
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمد محمود الغراب 1405 هـ:
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية 
قال رضي الله عنه : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.  ومنها ما لا يكون عن‏ سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.
والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال‏، فيقول: فلعل‏ ما نسأله فيه‏ سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.
فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون‏ فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد. و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم.
وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.
ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك )
 
1- وجه المناسبة في تسمية هذا الفص 
هو الإفصاح عن كون العلم تابعا للمعلوم وهو من العلوم التي حصلها الشيخ عن طريق النفث في الروع وهذا العلم موروث من شيث عليه السلام . فإنه أول نبي علم هذا العلم  
قال رضي الله عنه : (فرفعه اللَّه عنهم. و التعجيل بالمسئول‏ فيه‏ و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا."2"
و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال.
وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.
فهم‏ قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم‏.
ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم‏ علم اللَّه به من أين حصل.
وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر."3"
وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا.
و الذي يعلمه مفصلًا أعلى و أتم من الذي )
قال رضي الله عنه : (يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، و إما أن يكشف له عن‏ عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إِلى‏ ما لا يتناهى‏ و هو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا).
 
 2 - إجابة الحق
الدعاء نداء وهو تأيد بالله فأجابه هذا القدر الذي هو الدعوة وبه سمي داعية أن يلبيه الحق فيقول لبيك ، فهذا لابد منه من الله في حق كل سائل ، ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء ، وقد وقعت الإجابة كما قال
 - راجع الفتوحات ج4 / 177.

 
3 - العلم تابع للمعلوم
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه ، وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من ?ونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني ، يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟ 
فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.

أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235.
 
قال رضي الله عنه : (الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق‏ إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها."4"
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه‏ المساواة في إِفادة العلم.
ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب."5"
وغاية المنزه أن يجعل‏ ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى)  


4 - راجع فص (8) علم الافتقار إلى الله بالله .  وفص ( 14) هامش (7) تعلق القدرة بالمقدور
5 -  قوله تعالى « حتى نعلم » راجع هامش (3) .
 
قال رضي الله عنه : ( أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. وبهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.  ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي.
والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي‏ له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.
كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي‏ ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة. هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه.
وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في‏ أعلى من هذا الدرج‏ فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته‏ أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه. "6" فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه )
 

6 - وحدة الوجود - المرايا
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف المم?ن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له ?ن » وهو بمنزلة النظر « فی?ون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
?المرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما . 
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.

 
قال رضي الله عنه :  ( "والعجز عن درك الإدراك إِدراك". "7"، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه. )
 
7 - العجز عن درك الإدراك إدراك 
لا يعلم الممكن من الحق إلا نفس الممكن
جعل الصديق العلم بالله هو لا در?ه ، يقول رسول الله مع في دعائه وثنائه على ربه عز وجل « لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك » والحيرة من توالي التجليات باختلاف أحكامها إلى ما لا نهاية يوقف عندها ، فلا تعلم الإنية الإلهية ، ولا يصح أن تتجلى الهوية ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مقام الحيرة و كان من رجاله « العجز عن درك الإدراك إدراك » أي إذا علمت أن ثم من لا تعلم فذلك هو العلم بالله تعالی .
وأعلم الممكنات لا يعلم موجده إلا من حيث هو ، فنفسه علم و من هو موجود عنه ، غير ذلك لا يصح ، لأن العلم بالشيء يؤذن بالإحاطة به والفراغ منه ، وهذا في ذلك الجناب محال ، فالعلم به محال ، ولا يصح أن يعلم منه ، لأنه لا يتبعض ، فلم يق العلم إلا بما يكون منه ، وما يكون منه هو أنت، فأنت المعلوم ، فإن قيل عالمنا بليس هو كذا ( أي العلم بالسلوب ) علم به.
قلنا نعوتك جردته عنها لما يقتضيه الدليل من في المشاركة ، فتميزت أنت عندك عن ذات مجهولة لك من حيث ما هي معلومة لنفسها ، ما هي تميزت لك ، لعدم الصفات الثبوتية التي لها في نفسها .
فافهم ما علمت وقل رب زدني علما ، لو علمته لم يكن هو ولو جهلك لم تكن أنت ، فبعلمه أوجدك ، و بعجزك عبدته ، فهو هو لهو لا لك ، وأنت أنت لأنت وله ، فأنت مرتبط به ما هو مرتبط بك .
الدائرة مطلقة مرتبطة بالنقطة ، النقطة مطلقة ليست مرتبطة بالدائرة ، نقطة الدائرة مرتبطة بالدائرة ، كذلك الذات مطلقة ليست مرتبطة بك ، ألوهية الذات مرتبطة بالمألوه كنقطة الدائرة.
للزيادة راجع ?تابنا شرح كلمات الصوفية من 127 الى 130.
الفتوحات ج1/ 46 , 51 , 94 , 271 . ج2/ 619 , 641 .  ج3/ 371 , 429 , 555 . ج4/ 283 .
 
قال رضي الله عنه : (وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي‏ الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.
فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.
وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم‏ فيهم، وفي تأبير النخل.
فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي‏ء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. "8" .
قال رضي الله عنه : (وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.
 و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم . النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه )
قال رضي الله عنه : (الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين‏، واللّبِنُ  من ذهب و فضة.فيرى اللبنتين اللتين‏ تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة.
فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء)
 
8 ۔ ?ون الرسل لا يرون العلم تابعا لمعلوم إلا من مشكاة خاتم الأولياء *
هذه المسألة هي أم المشكلات في كتاب فصوص الحكم وكانت أساس إنكار كثير من العلماء على الشيخ الأكبر رضي الله عنه ، واضطر القليل منهم ممن يعتقدون الشيخ رضي الله عنه إلى تأويل ما جاء في هذه الفقرة ، ومنهجنا في هذه المسألة وجميع المعضلات هو الاعتماد والرجوع إلى ما قاله الشيخ فيها عسى أن يفسر بعضها بعضا .
ومعلوم أن الفتوحات المكية وهي السفر الأعظم والأم لجميع كتب الشيخ هي بخط يده فكل كلام في كتاب لا يكون بخط الشيخ مهما ثبتت نسبته إلى الشيخ فإن الأصول العلمية تثبت كلام الشيخ في الفتوحات وترد كل ما جاء في غيره من الكتب مما يخالفها وتثبت ما جاء في هذه الكتب مما يوافق ما جاء في الفتوحات ، ولتحقيق هذه المسألة نبدأ فنقول :
أخطأ كثير من منتقدي الشيخ مثل الإمام ابن تيمية وغيره حين قالوا ونسبوا إلى الشيخ أنه يقول « إنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ممد لخاتم الأنبياء والرسل بالعلم بالله » ، فإطلاقهم لكلمة العلم لا أساس له من الصحة حتى إذا ثبت ما في الفصوص بهذا الخصوص ، فإنه قيد العلم هنا بمسألة معينة وهي كون العلم تابعا للمعلوم في الحادث والقديم.
ولهذا يعجزهم الدليل على ما قالوه أو نسبوه إلى الشيخ رضي الله عنه ، ولو أنصف العالم ونظر فيما جاء في قصة موسی ?لیم الله تعالى عليه السلام والخضر ، وقول موسى عليه السلام للخضر و" هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ".
 وما جاء في الحديث الصحيح من قول الحق لموسى عليه السلام في حق الخضر "لي عبد هو أعلم منك" ، بأفعل التفضيل .
ولا يقول أحد من أهل الإيمان بأن الخضر أفضل من موسى عليه السلام ?لیم الله وأحد الرسل الخمسة أولي العزم ، ولهذا قال العلماء إن الخصوصية لا تقتضي الأفضلية ، فكيف إذا ثبت أن الشيخ عين مسألة واحدة من العلوم التي لا حصر لها وأن الله تعالی خصه بها .
أما عن العلم الذي انفرد به الشيخ عن الأولياء خاصة فهو علم أنه « جميع العلوم باطنة في الإنسان بل في العالم كله » وفي ذلك يقول في الفتوحات ج2/ 686 .
"وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي ، فلا أدري هل عثر عليه غيري و?وشیف به أم لا من جنس المؤمنين أهل الولاية لا جنس الأنبياء ، فرحم الله عبدا بلغه أن أحدا قال بهذه المسألة عن نفسه كما فعلت أنا أو عن غيره فيلحقها بكتابي هذا في هذا الموضع استشهادا لي فيما ادعيته ، فإني أحب الموافقة وأن لا أتفرد بشيء دون أصحابي" . 
أما عن مسألة كون « العلم تابعا للمعلوم » فيقول في الفتوحات ج4/ 235 , ج2/ 63.

« من وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا ، علم سر القدر وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء فما جاءها شيء من خارج ، ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق ، حينئذ انكشف له علم ما جهله ، "إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء » اهـ.
 لهذا لم يشر الشيخ أنه اختص بهذا العلم ولا ذكر كما ذكر في غيره من العلوم «أنه لم پر له ذائقا » من أهل الولاية ، فإنه يعلم أن مقام المحبوبية قد حصله كثير من الأولياء قبله وبعده .
فما بالك بالأنبياء والرسل عليهم السلام ، لذلك نراه رضي الله عنه يقول عن الأنبياء والرسل خاصة ما هذا نصه: الفتوحات ج2/ 24 . 
« ان شرط أهل الطرق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق ، ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة .

فكيف تتكلم في مقام لم نصل إليه ، وعلى حال لم نذقه لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول ، حرام علينا الكلام فيه فما تكلم إلا فيما لنا فيه ذوق ، فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجره ».
الفتوحات ج2/ 51 ,84 , 85. 
«لا ذوق لأحد في ذوق الرسل » 
"إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعمله سواهم" الفتوحات ج4/ 75. "لا ذوق لنا في مقامات الرسل عليهم السلام".
 ويقول في رسالة اليقين « المتبوع يزاحم المتبوع ، والتابع يزاحم التابع، لا التابع يزاحم المتبوع ۰۰. فيقابل النبي بالنبي والصاحب بالصاحب والصديق بالصديق ، ولا تخلط بين الحقائق فتكون من الجاهلين".
هذا ما ورد عن الشيخ رضي الله عنه في حق الأنبياء والرسل عامة وإليك ماكتبه بخط يده في هذه المسألة عن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم الفتوحات ج1/ 151
أما القطب الواحد فهو روح محمد ، وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين و الأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة .
الفتوحات ج1/ 143.  - جاء الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعلوم ما قالها أحد سواه . 
الفتوحات ج1/ 144 .  - قوله صلى الله عليه وسلم " علمت علم الأولين" ، وهم الذين تقدموه د "والآخرين" ، وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين ، وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة.

 الفتوحات ج1/ 214.  - دخل في هذا العلم علم الأولين والآخرين كل معلوم معقول ومحسوس مما يدركه المخلوق .
الفتوحات ج1/ 696 – تقرر أنه صلى اللَّه عليه وسلم  أعلم الخلق بالله ، والعلم بالله لا يحصل إلا من التجلي ... محمد صلى اللَّه عليه وسلم هو أكمل العلماء بالله .
الفتوحات ج2/ 171  - كان صلى اللَّه عليه وسلم من أعظم مجلى إلهي علم به علم الأولين والآخرين ، ومن الأولين علم آدم بالأسماء ، وأوتي محمد صلى اللَّه عليه وسلم و جوامع الكلم ، وكلمات الله لا تنفد .
الفتوحات ج3/ 142 - وأما منزلته ( محمد صلى اللَّه عليه وسلم) في العلم فالإحاطة بعلم كل عالم بالله من العلماء به تعالی متقدميهم ومتأخريهم فلا فلك أوسع من فلك محمد صلى اللَّه عليه وسلم  فإن له الإحاطة ،وهي لمن خصه الله بها من أمته بحكم التبعية.
الفتوحات ج3/ 143 - أعطى هذا السيد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن ، والخصلة الثانية أوتي جوامع الكلم ، والكلم جمع كلمة ، وكلمات الله لا تنفد ، فأعطى علم ما لا يتناهی ، فعلم ما يتناهی بما حصره الوجود ، وعلم ما لم يدخل في الوجود وهو غير متناه ، فأحاط علما بحقائق المعلومات وهي صفة إلهية لم تكن لغيره .
الفتوحات ج3/ 456  - كل شرع ظهر وكل علم إنما هو ميراث محمدي في كل زمان و رسول ونبي من آدم إلى يوم القيامة ولهذا أوتي جوامع الكلم ومنها علم الله آدم الأسماء كلها .

يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 3 ص 496 في تقسيم الرحمة الإلهية : ما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا ، مع ظني بأن الله قد ?شف لهم عن هذا ، وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين ،ومن نور مشكاتهم عرفناه.
فهل يصح نسبة ما جاء هنا في هذا الفص إلى الشيخ مع وضوح النصوص بكلمة « الإحاطة بعلم كل عالم بالله » و « كل علم إنما هو میراث محمدي » وهو نص في الاستغراق ، وقوله : « ومن نور مشكاتهم عرفناه » !!! . .
ويقول في الفتوحات ج2  ص 613 : اعلم أن جميع ما يحويه هذا المنزل من العلوم لا يوصل إليها إلا بالتعريف الإلهي بوساطة روحانية الأنبياء لهذا المكاشف .
وتلك الأرواح لا تعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها .
فأين إمداد روحانية خاتم الولاية المحمدية هنا للأولياء فضلا عن الأنبياء ؟! 
ولو شاء الشيخ رضي الله عنه لنص على ذلك في مثل هذا الموطن.

أما عن مكانة ختم الولاية المحمدية التي ينص الشيخ رضي الله عنه أنها له ونسبة هذا الختم من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم مع ففي ذلك يقول رضي الله عنه في الفتوحات ج3 ص 514 : علمت حديث هذا الختم المحمدي بفاس من بلاد المغرب سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، عرفني به الحق وأعطاني علامته ولا أسميه ، ومنزلته من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم منزلة شعرة واحدة من جسده ، ويؤكد الشيخ ذلك في خطبة كتاب الفتوحات في ج1 ص2 
حيث يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في الرؤيا « قم یا محمد عليه ( الضمير يعود على المنبر ) فاثن على من أرسلني وعلي" ، فإن فيك شعرة مني لا صبر لها عني » (راجع كتابنا ترجمة حياة الشيخ ص243 ) .

فمن كان شعرة من رسول الله . فهل يعقل أن يمده بعلم ما ؟ 
أو ينسب إلى نفسه مثل ذلك ؟ 
وقد علم الشيخ ما يتعلق بهذا المقام عام 594 هـ وألف فيه كتاب عنقاء مغرب قبل عام 
۱۹۹ ه. ثم جاء على ذكره مفصلا في الفتوحات المكية التي انتهى من تأليفها عام 635 هـ .
فلا يعقل أن يتجاهل مثل هذا الأمر في هذه الكتب كلها حتى يذكره في الفصوص عام 627 هـ. ولذا نراه يقول عن عروجه الروحي المعنوي إلى سدرة المنتهى في الفتوحات ج3/ 350 . « كانت لي بذلك البشري بأني محمدي المقام من ورثة جمعية محمد صلى الله عليه وسلم فإنه آخر مرسل وآخر من إليه تنزل ، آتاه جوامع الكلم وخص بست لم يخص بها رسول أمة من الأمم ، فعم برسالته لعموم ست جهاته ، فمن أي جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ينفهق عليك .
فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه » اهـ.
 ثم يقول فيما استفاده من علوم "ورأيت فيها علم ما يرى الإنسان إلا ما كان عليه، أي أن العلم تابع للمعلوم . 
الفتوحات ج1/ 195 - يقول عن عيسى عليه السلام - خاتم الأولياء في آخر الزمان يحكم بشرع محمد صلى الله عليه وسلم  أمته وليس يختم إلا ولاية الرسل والأنبياء وختم الولاية المحمدي يختم ولاية الأولياء لتميز المراتب بين ولاية الولي وولاية الرسل .
الفتوحات ج4/ 282  - يقول عن الختم المحمدي - المحمدي ختم الله به ولاية الأولياء المحمديين ، أي الذين ورثوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وعلامته في نفسه أن يعلم قدر ما ورث كل ولي محمدي من محمد صلى الله عليه وسلم ، فيكون الجامع علم كل ولي محمدي الله تعالى ، وإذا لم يعلم هذا فليس بختم .
 ما جاء في الفتوحات  ج1/ 151 ,195 . ج3/ 350 , ج4/ 282 . يعارض تماما ما جاء في هذا الفص من أن روح شيث هو الممد لهذا العلم وأن من روح الخاتم تكون المادة لجميع الأرواح ، كما لا يخفى هذا التناقض في العبارة من كون روح شیث وروح الخاتم هو الممد ولا يكون الممد إلا واحدا هو الأصل .
وكان النص على أن الخاتم الولي يجب أن يعلم قدر ما ورث كل ولي محمدي من محمد صلى الله عليه وسلم  مع لا أنه الممد.
كما فرق بين ولاية الأنبياء والرسل وولاية الأولياء ، وشتان بين من يعلم ومن يمد ، لذلك نراه رضي الله عنه يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه « عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب » المؤلف بعد عام 590 هـ.
 في باب لؤلؤة امتداد الرقائق من الحقيقة المحمدية إلى جميع الحقائق : تراه يقول - فكانت رقيقته مع في دورة الملك إلى هلم جرا إلى الأبد أصلا لجميع الرقائق ، وحقيقته ممدة في كل زمان إلى جميع الحقائق ، فهو الممد و لجميع العالم من أول منشأه إلى أبد لا يتناهی ، مادة شريفة مكملة لا تضاهي .
- وهذا يوافق تماما ما ذكرناه من الفتوحات ج1/ 151.  المؤلف عام 599 هـ إلى 635 هـ. ويعارض تماما ما جاء في هذا الفص في هذه المسألة من كتاب فصوص الحكم المؤلف عام 627 هـ .
وكيف يصح نسبة قوله « ومن روح الخاتم تكون المادة لجميع الأرواح » وهو رضي الله عنه الذي يقول فيما لا يعلم «لا أعلم » ويطلب ممن يعلم أن يثبت ذلك في كتابه - راجع ترجمة حياة الشيخ لنا ص 194 - 195.
 
لذلك نجد أن الكلام في ص 49 من قوله [ حتى أن الرسل متى رأوه ] إلى قوله في ص 50 [ فتحقق ما ذكرناه ] غير موجود في كتاب المسائل لمؤلفه اسماعیل بن سودكين كما تلقاها من الشيخ في المسألة رقم 24 وهي تطابق قوله في ص 49 [ ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة (الخاتم للولاية)] 
- بدلا مما ورد في هذا الفص ( الولي الخاتم ) . وهذا الذي جاء في كتاب المسائل يؤكد ما جاء في الفتوحات الملكية ج1/ 190.  
وقد أشرنا إليه ولذلك لا تجد إشارة إلى مسألة ختم الولاية في كتاب نقش الفصوص إسماعيل بن سودكين وفيه اختصار الفصوص مما يدل على أن الكلام في هذا الموضوع مدرج في الفص.

ونراه رضي الله عنه يقول في الفتوحات ج3/ 520 : 
عن آدم وإدريس ونوح وإبراهيم ويوسف وهود وصالح وموسى وداود وسليمان ويحيى وهارون وعيسى ومحمد سلام الله عليهم وعلى المرسلين ، يقول لكل واحد ممن ذكرنا طريق يخصه وعلم ينصه وخبر يقصه ويرثه من ذكرناه ممن ليست له نبوة التشريع وإن كانت له النبوة العامة ، ولهم من الأسماء الإلهية الله والرب والهادي والرحيم والرحمن والشافي والقاهر والمميت والمحيي والجميل والقادر والخالق والجواد والمقسط ، كل اسم إلهي من هذه ينظر إلى قلب نبي ممن ذكرنا .

و كل نبي يفيض على كل وارث ، فالنبي كالبرزخ بين الأسماء والورثة ، وعين لهؤلاء الأنبياء من الأرواح النورية أربعة عشر روما من أمر الله ، ينزلون من الأسماء التي ذكرناها على قلوب الأنبياء ، وتلقيها.
حقائق الأنبياء عليهم السلام على قلوب من ذكرناه من الورثة ، ويحصل للفرد الواحد من الأفراد وراثة الجماعة المذكورة ، فياخذون علم الورث عن طريق المذكورين من الأرواح الملكية والأنبياء البشريين ، ويأخذون بالوجه الخاص من الأسماء الإلهية علوما لا يعلمها من ذكرناه سوی محمد صلى الله عليه وسلم فإن له هذا العلم كله لأنه أخبر أنه قد علم علم الأولين وعلم الآخرين.
هذا هو الثابت بخط يد الشيخ في المواطن المتعددة كلها وهو يخالف ما جاء في الفصوص ، ومع هذا فالوقوف بالأدب أولى في حضرة الإطلاق للحضرة الإلهية ، وأنه لا تحجي على فضل الله ، يختص برحمته من يشاء فإذا كان الذي ذكره الشيخ في الفصوص ثابت الصحة إلى الشيخ فيكون من هذا الباب ، وليس ذلك على الله بعزيز.
أما عن الشاهدين المذكورين في هذه المسألة وهما فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم ، وفي تأبير النخل ، استدلالا على أن الكامل لا يلزم أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة .
فلننظر ما قاله الشيخ في هذين الشاهدين ، في الفتوحات ج1/ 144 , 523 . ج3/ 139 .
وفي قبول الكامل ما يشير به الأنقص في المسألة التي هو أعلم بها : إن الإمام لا يقتني العلوم من فكره ، بل لو رجع إلى نظره الأخطاء فإنه نفسه ما اعتادت إلا الأخذ عن الله ، وما أراد الله لعنايته بهذا العبد أن يرزقه الأخذ من طريق فكره فيحجبه ذلك عن ربه .
فإنه في كل حال يريد الحق أنه يأخذ عنه ما هو فيه من الشؤون في كل نفس ، فلا فراغ له ولا نظر لغيره ، فكان ما حدث في هاتين الحادثتين، لأن ذلك كله لم يكن عن بوحي إلهي فإنه صلى الله عليه وسلم ما تعود أن يأخذ العلوم إلا من الله ، لا تنظر له إلى نفسه في ذلك .
وهو الشخص الأكمل الذي لا أكمل منه ، فما ظنك بمن هو دونه . اهـ.
وهل يغيب عن الشيخ رضي الله عنه أن هذه المسألة ليست من أمور الدنيا فلا يستقيم الاستشهاد ، كما أن ما أتي به الخضر عليه السلام لا يتعلق بالإلهيات ، بل هو من سر القدر المتعلق بأمور الدنيا .
 
التعقيب على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
لما كانت الفكرة المتسلطة على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله وهو رجل مخلص محب للشيخ بذل عمره فى شرح وتفسير علوم الشيخ الأكبر ولكن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوه يتوقف أمامها متحيرا .
ان فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر دونها أبو المعالي صدر الدين القنوي باسم "فصوص الحكم" والشيخ القنوي لم يشرح الفصوص وإنما فك بعض المصطلحات والمعاني و أول تفسير كامل شامل كان تلميذه المقرب الشيخ مؤيد الدين الجندي وكذلك أخيه في الطريقة ورفيقه في الصحبة والتعلم منه وقد التقيا الشيخ ابن سبعين في مصر سويا في رحلاتهم من مكة  ومن أوصى له بكتبه ومكتبة مخطوطاته من بعده الى الشيخ عفيف الدين التلمساني الذي تتلمذ على يد الشيخ الأكبر نفسه و مدون اسمه في السماع للفتوحات المكية وهو له شرح جميل على فصوص الحكم  لا يكتبه الا عارف مكاشف راسخ القدم في المعاني والمعارف.
فهل احد الآن يقتنع أن الشيخ صدر الدين القنوي والشيخ مؤيد الدين والشيخ عفيف تآمروا على الشيخ الأكبر كذبوا وزوروا و دلسوا أوراقا وأسموها فصوص الحكم ؟؟!!. مستحيل عقلا ونقلا.
كتاب فصوص الحكم شرحها مئات من أكابر الأولياء و العلماء المشهورين الراسخين والمشهود لهم بالولاية والرسوخ فى العلوم والمعارف في حياتهم وبعد إنتقالهم للرفيق الأعلى.

وهو دائم الشك ويسر ليستشهد بصوص لا تتطابق مع ما يستشهد به بعرفها كل منصف يبحث هادئا وليس صاحب رأي مسبق غير صحيح .
"?ون الرسل لا يرون العلم تابعا لمعلوم إلا من مشكاة خاتم الأولياء"
قال عنها : " هذه الم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السادسة والثلاثين الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 6:04 pm

الفقرة السادسة والثلاثين الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة والثلاثين: الجزء الثاني
قال رضي الله عنه :  (تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. "9" والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة،وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن‏ اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول.
فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شي‏ء. فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». وغيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ.
وكذلك خاتم الأولياء كان ولياً وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد». فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته‏ مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة.  فعيّن حالًا خاصاً )
 
9 - مبشرة بخاتم الأولياء الخاص
رأيت رؤيا لنفسي وأخذتها بشرى من الله ، فإنها مطابقة لحديث نبوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام.
فقال صلى الله عليه وسلم : " مثلي في الأنبياء ?مثل رجل بنى حائطا فأكمله إلا لبنة واحدة فكنت أنا تلك اللبنة فلا رسول بعدي ولا نبي " فشبه النبوة بالحائط والأنبياء باللبن التي قام بها هذا الحائط، وهو تشبيه في غاية الحسن فإن مسمى الحائط هنا المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبن ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  خاتم النبيين، فكنت بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة أری فیما یری النائم الكعبة مبنية بلبن فضة وذهب .
لبنة فضة ولبنة ذهب ، وقد كملت بالبناء وما بقي فيها شيء ، وأنا أنظر إليها وإلى حسنها ، فالتفت إلى الوجه الذي بين الركن اليماني والشامي ، هو إلى الركن الشامي أقرب ، فوجدت موضع لبنتين ، لبنة فضة ولبنة ذهب ، ينقص من الحائط في الصفين .
في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهب وفي الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة ، فرأيت نفسي قد انطبعت في موضع تلك اللبتين ، فكنت أنا عين تينك اللبنتين ، وكمل الحائط ولم يبق في الكعبة شيء ينقص ، وأنا واقف أنظر ، وأعلم أني واقف ، وأعلم أني تينك اللبتين ، لا أشك في ذلك وأنهما عين ذاتي واستيقظت.
فشكرت الله تعالى ، وقلت متأولا : إني في الأتباع في صنفي ?رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنبياء عليهم السلام ، وعسى أن أكون ممن ختم الله الولاية بي ، وما ذلك على الله بعزيز ، وذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ضربه المثل بالحائط وأنه كان تلك اللبنة ، فقصصت رؤياي على بعض علماء هذا الشأن، بمكة من أهل توزر ، فأخبرني في تأويلها بما وقع لي وما سميت الرائي من هو.
راجع الفتوحات ج1/ 318
 
قال رضي الله عنه : ما عمم."10" وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع‏ عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين. ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام "11" الخاص. فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
وأما المنح الأسمائية فاعلم‏ أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء.
فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي‏ لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.
وتارة يعطي اللَّه‏ على يدي الواسع فيعم، أو على‏ يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب‏، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب‏ تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي‏ الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي‏ الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.
و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه‏ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ على يدي اسم خاص بذلك الأمر.
«ف أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ‏» على يدي العدل وإِخوانه‏.
وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.
وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية.
والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك‏ الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم‏ عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء. فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر)
 
10 ۔ قوله : " فعين حالا خاصا ما عمم " .
يتناقض تماما ما جاء في الفتوحات الباب الثاني عشر عن دورة السيادة وهي فلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن من سيادته صلى الله عليه وسلم علم الأولين والآخرين .
- راجع الفتوحات ج1/ 144. / 1 والباب بأكمله (۰)
""التعقيب على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
 
الشيخ الأكبر يتحدث هنا عن إرادة الله سبحانه في الإختيار والتعين لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم للمقام المخصوص بالشفاعة ولا يتكلم عن العلم أو المعارف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
الكلام هنا عن إرادة الحق بإختيار رسول الله لهذا المقام كإختاره المولى عز وجل للمقام المحمود ولا علاقة له بالعلوم والمعارف هنا. فالإستلال بكلام الشيخ من الفتوحات لا محل له فى هذا المقام . ولا تعارض بين الفتوحات وفصوص الحكم .
والحاكم هنا أن الله سبجانه مطلق الحرية فى الإختيار من يشاء لما يشاء؟ وليس عليه أى قيود أو شروط فى العلوم والمعارف؟ 
11 - راجع هامش رقم 10
 
قال رضي الله عنه : ( أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه.
و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح "12"، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.
فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير.
فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.
 فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى.
فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور"13". وما كل )
 
12 - راجع هامش رقم 8 .


13 - جميع العلوم باطنة في الإنسان بل في العالم كله
اعلم أن الإنسان قد أودع الله فيه علم كل شيء ثم حال بينه وبين أن يدرك ما عنده مما أودع الله فيه ، وما هو الإنسان مخصوص بهذا وحده ، بل العالم كله .
فإن كل جوهر في العالم يجمع كل حقيقة في العالم ، كما أن كل اسم إلهي مسمی بجميع الأسماء الإلهية ، وهو سر من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل ويحيلها جملة واحدة.
وقربها من الذوات الجاهلة في حال علمها قرب الحق من عبده ، ومع هذا القرب لا يدرك ولا يعرف إلا تقليدا ولولا إخباره ما دل عليه عقل .
وهكذا جميع ما لا يتناهى من المعلومات التي يعلمها ، هي كلها في الإنسان وفي العالم بهذه المثابة من القرب ، وهو لا يعلم ما فيه حتى يكشف له عنه مع الآثات.
ولا يصح فيه الكشف دفعة واحدة لأنه يقتضي الحصر ، وقد قلنا إنه لا يتناهى فليس يعلم إلا شيئا بعد شيء إلى ما لا يتناهى ، وهذا من أعجب الأسرار الإلهية أن يدخل في وجود العبد ما لا يتناهی ?ما دخل في علم الحق ما لا يتناهی من المعلومات.
و علمه عين ذاته، والفرق بین تعلق علم الحق بما لا يتناهى وبين أن يودع الحق في قلب العبد ما لا يتناهی ، أن الحق يعلم ما في نفسه وما في نفس عبده تعیینا وتفصيلا.
والعبد لا يعلم ذلك إلا مجملا ، وليس في علم الحق بالأشياء إجمال مع علمه بالإجمال من حيث أن الإجمال معلوم للعبد من نفسه ومن غيره ، فكل ما يعلمه الإنسان دائما .
وكل موجود فإنما هو تذكر على الحقيقة وتجديد ما نسيه ، فالعبد أقامه الحق في وقت ما مقام تعلق علمه بما لا يتناهی .
وليس بمحال عندنا ، وإنما المحال دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تعلق العلم به ، ثم إن الخلق أنساهم الله ذلك كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق مع كونه قد وقع منهم ، وعرفنا ذلك بالإخبار الإلهي .
فعلم الإنسان دائما إنما هو تذكر ، فمنا من إذا ذ?ر تذكر أنه قد كان علم ذلك المعلوم و نسيه ، ومنا من لم يتذكر ذلك مع إيمانه به أنه قد كان يشهد بذلك ، ويكون في حقه ابتداء علم . 
ولولا أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه ولكن لا شعور له بذلك ، ولا يعلمه إلا من نور الله بصيرته ، وهو مخصوص بمن ماله الخشية مع الأنفاس ، وهو مقام عزيز لأنه لا يكون إلا لمن يستصحبه التجلي دائما ، وهذا العلم خاصة انفردت منه دون الجماعة في علمي ». الفتوحات ج2/ 686 .

وهذا النص يناقض ما جاء في هذا الفص مما نسب إلى الشيخ من أن العلم الذي اختص به هو كون العلم تابعا للمعلوم .


قال رضي الله عنه :(أحد "يعرف" هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه.
فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى.
فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه،)  "14"
 
14 - أما قول الشيخ في هذا الفص « فمن شجرة نفسه جني ثمرة علمه » فهو قوله في عروجه المعنوي إلى سدرة المنتهى الفتوحات ج2/ 686. 
"ورأيت فيها ما يجني الإنسان إلا ثمرة غرسه لا غير" .

ولكن الذي يلاحظ هنا هو التعارض الواضح بين قول الشيخ 
« وهذا 
"العلم" خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي » 
وبين ما ورد في الفص « وما كل أحد 
"يعرف" هذا وأن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله ».
""التعقيب على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
الشيخ محمد محمود اختلط عليه الأمر في الفرق الكبير بين العلم و المعرفة .

فالعلم : هو تعلم كل ما لم تكن تعلم عنه شيئا أي صفر معلومة او يسبقه الجهل وخاصة اذا أشار الى العلم من الله او رسل الله.
"
 وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا " 31 البقرة , " قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا " 32 البقرة 
"
 وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) " سورة البقرة
"
 الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) "  البقرة
" وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) " آل عمران
"وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ " 114 النساء  
" وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) " الأعراف
"
 قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) " الأعراف
" فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) " الكهف
" يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) " مريم
" الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ". سورة العلق
أما المعرفة : هو تذكر ما نسيت او كنت تعرفه من قبل او تتذكر ما حجب عنك اى لك به علم مسبق سواء كان علما تاما او جزئي مثل بوم "ألست بربكم" يوم الميثاق كلنا حضرناه وكلنا حجبه الله عنا والعارف من يذكره الله او يكشف له عنه فيتذكر ما كان يعلمه . 
"فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ "89 سورة البقرة.

" وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ " سورة الأعراف 
"وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)" سورة يوسف .

"اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ ..(62)" سورة يوسف.
" سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا 93 سورة النمل.

"يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ .. (59)" سورة الأحزاب
" أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)" سورة المؤمنون 
" وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) " سورة محمد
"وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ 
فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) "سورة محمد   
"يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) " سورة الرحمن

"فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ..(3)" سورة التحريم
" تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) " سورة المطففين "
والشيخ فى الفصوص يتكلم عن المعرفة "وما كل أحد "يعرف" هذا وأن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله "
والشيخ فى الفتوحات يتكلم عن العلم "وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي " فالمقارنة خطأ والإستشهاد هنا غير جائز لعدم الإنطباق في الوجه المقارن فيما كتبه الشيخ ""
 
قال رضي الله عنه : (كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً.
وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. "15"
وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا.
إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.
والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.
و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني.
وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد.
وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب.
فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.
 
15 - راجع هامش رقم 6
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفقرة السابعة و الثلاثون السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي   السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله - صفحة 2 Emptyالسبت أبريل 06, 2019 6:07 pm

الفقرة السابعة و الثلاثون السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة والثلاثون:
كتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحكم عبد الباقي مفتاح 1417هـ :
المرتبة 02 لفص حكمة نفثية في كلمة شيثية من الاسم الباعث واللوح المحفوظ وحرف الهاء وميلة البطين من برج الحمل
كل الأسماء الحسنى تؤول في أصلها إلى الباطن. وكلها بما فيها الباطن والظاهر منبعثة من عين الذات الواحدة. 
فجاء الاسم الباعث 
في المرتبة الثانية قبل الباطن، متوجها على إيجاد اللوح المحفوظ المنبعث من القلم الأعلى، ونافث الأرواح في الصور، وعلى إيجاد منزلة البطين من برج الحمل الناري الحار، والحرارة أصل الحياة في الأرواح، ومن بطين قلب الصدر يكون النفث للنفس النفسح فترتاح الروح ويتنفس الجسم، والباعث متوجه أيضا لإيجاد ثاني الحروف أي الهاء، وهي هاء الحرية التي منها تبعث الأسماء " هو الأول والآخر والظاهر" "هو الأول والأخر والظاهر والباطن " 3 سورة الحديد.  " قل هو الله أحد " 1 سورة الإخلاص. وعددها خمسة، وهو العدد الوحيد الحافظ لنفسه ولغيره فهي في أتم المناسبة مع اللوح المحفوظ. 
وأنسب الأنبياء لهذه المرتبة الباعثة النافثة الحافظة 
هو شيث عليه السلام لأنه هو أول الكمل انبعاثا من آدم عليه السلام ، كاللوح أول الموجودات انبعاثا من القلم، وهو نافث علم المواهب والعطايا في الأرواح، كاللوح النافث الأرواح في الصور المسواة، وإمداد شبث ?امداد اللوح محفوظان حافظان إلى يوم القيامة.
وقد أشار الشيخ إلى الاسم الباعت في هذا الفص كقوله: "والصنف الآخر بعثه على السؤال... لأنه يعلم الباعث وهو الحال..."
وبدأ الفص بذكر العطايا. فالعطايا الذاتية من الوجه الخاص للتجلي الإلهي هي مثل ما يأخذه اللوح من أمر الحق المباشر أو ما اختص به شيث عن آدم حسب استعداده. 
والعطايا السببية هي مثل العلوم التي يأخذها الشرح من القلم أو ورثها شيت من آدم عليهما السلام. وحيث أنه من الوجه الخاص للوح يعلم القضاء والقدر فقد خصص الشيخ لهذه المسألة فقرة بدأها بقوله: (فالاستعداد أخفي سؤال... سابقة قضاء... الواقفون على سر القدر وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك محملا) 
إشارة إلى إجمال القلم النوني .
(ومنهم من يعلمه مفصلا) إشارة إلى تفصيل القلم في اللوح (وهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود). انتهي. 
وكلامه على الاستعداد و تفاضل الأسماء مع أحدية عينها المنبعثة عنها مناسب الكون نسبة اللوح الذي هو النفس الكلية إلى كل صور العالم نسبة واحدة من غير تفاضل إلا أن الصور تقبل من ذلك بحسب استعداداتها الذاتية فيظهر بينها التفاضل. 
من كل هذا يتبين لماذا كانت حكمة هذا الفص نفثية للنسبة اللفظية والمعنوية بين: نفت، بعث، نفس.
يتكلم الشيخ على انبعاث النفس من العقل فيقول ما خلاصته:
"إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدر?ه بصره من خلقه". وكان الله ولا شيء معه. 
وقد سبق في علمه أن يكمل الوجود العرفاني بظهور آثار الأسماء الإلهية والنسب والإضافات لا أن يكمل هو بذلك تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فهو الكامل على الإطلاق. 
فتحلى الحق سبحانه بنفسه لنفسه بأنوار السبحات الوجهية من كونه عالما مريدا فظهرت الأرواح المهيمة من الحلال والجمال. 
وذلك أن الله تعالى أحب أن يعرف ليجود على العالم بالعلم به عز وجل. 
وعلم أنه تعالى لا يعلم من حيث هويته ولا من حيث يعلم نفسه وإنه لا يحصل من العلم به تعالى في العالم إلا أن يعلم العالم أنه لا يعلم، كما قال الصديق: العجز عن درك الإدراك إدراك. 
فلما اتصف لنا بالمحبة. والمحبة حكم يوجب رحمة الموصوف بها بنفسه. 
ولهذا يجد المتنفس راحة في نفسه. فيروز النفس من المتنفس عين رحمته بنفسه فما خرج منه تعالى إلا الرحمة التي وسعت كل شيء فانسحبت على جميع العالم إلى ما لا يتناهی، فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني هو عين الرحمة فكان الحق له كالقلب للإنسان كما أنه تعالى القلب الإنسان العارف المؤمن كالقلب للإنسان فهو قلب القلب كما أنه مالك الملك فما حواه غيره. 
ثم إن جوهر ذلك العماء قبل صور الأرواح من الراحة والاسترواح إليها وهي الأرواح المهيمة فلم تعرف غير الجوهر الذي ظهرت فيه وبه وهو أصلها وهو باطن الحق وغيبه ظهر فظهر فيه وبه العالم، فإنه من المحال أن يظهر العالم، من حكم الباطن فلا بد من ظهور حق به يكون ظهور صور العالم فلم يكن غير العماء فهو الاسم الظاهر الرحمن فهامت في نفسها. 
وخلق تعالى في الغيب المستور الذي لا يمكن كشفه لمخلوق العنصر الأعظم، وكان هذا الخلق دفعة واحدة من غير ترتيب عيني. 
وما ثم روح يعرف أن ثم سواه لفنائه في الحق بالحق واستيلاء سلطان الجلال عليه، ثم إنه سبحانه أوجد دون هذه الأرواح بتجلي آخر من غير تلك المرتبة أرواحا متحيزة في أرض بيضاء، خلقهم عليها وهيمهم فيها بالتسبيح والتقديس لا يعرفون أن الله خلق سواهم، لاشتراكهم مع الأول في نور الهيمان وكل منهم على مقام من العلم بالله والحال. 
وهذه الأرض خارجة عن عالم الطبيعة فهي لا تتحلل ولا تتبدل، وللإنسان في هذه الأرض مثال. 
وله حظ فيهم وله في الأرواح الأول مثال آخر وهو في كل عالم له مثال.
ثم إن لذلك العنصر الأعظم المخزون في غيب الغيب التفاتة مخصوصة إلى عالم التدوين والتسطير ولا وجود لذلك العالم في العين فأوجد سبحانه عند تلك الالتفاتة العقل الأول. 
والالتفاتة إنما كانت للحقيقة الإنسانية التي هي المقصود والغاية وعين الجمع والوجود. 
والعقل الأول وهو القلم الأعلى، هو واحد من تلك الأرواح المهيمة خص بتجلي خاص علمي
فانتقش فيه علم ما يكون إلى يوم القيامة مالا تعلمه الأرواح المهيمة .
فوجد في ذاته قوة امتاز ما عن سائر الأرواح فشاهدهم وهم لا يشاهدونه ولا يشهدونه ولا يشهد بعضهم بعضا فرأى نفسه مر?با منه ومن القوة التي وجدها علم بما صدوره كيف كان وعلم أن في العلم حقائق معقولات من حيث أنه عقلها لما تميزت عنده فهي للحق معلومات وللعقل ولأنفسها معقولات. ورأى في جوهر العماء صورة الإنسان الكامل الذي هو للحق .
عزلة ظل الشخص من الشخص ورأى نفسه ناقصا عن تلك الدرجة وقد علم ما يتكون عنه من العالم إلى آخره في الدنيا. 
فعلم أنه لا بد أن يحصل له درجة الكمال التي للإنسان الكامل وإن لم يكن فيها مثله فإن الكمال في الإنسان الكامل بالفعل وهو في العقل الأول بالقوة. 
وتحلى الحق للعقل فرأى لذاته ظلا. 
فكان ذلك الظل المنبعث عن ذات العقل من نور ذلك التجلي و كثافة المحدث بالنظر إلى اللطيف الخبير نفسا وهو اللوح المحفوظ والطبيعة الذاتية مع ذلك كله وتسمى هناك حياة وعلما وإرادة وقولا كما تسمى في الأجسام حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة.

كما تسمي في الأركان نارا وهواء وماء وترابا كما تسمى في الحيوان سوداء وصفراء و بلغم ودما، والعين واحدة والحكم مختلف. 
فاللوح هو أول موجود انبعاثي لما انبعث من الطلب القائم بالقلم لموضع يكتب فيه. ولم يكن في القوة العقلية الاستقلال بوجود هذا اللوح فتأيد بالاسم الباعث وبالوجه الخاص الذي انبعثت عنه هذه النفس - وهو قول الله لها: كن والعقل ثابت في مقام الفقر والذلة إلى باريه له نسب وإضافات ووجوه كثيرة لا يتكثر في ذاته بتعددها فياض بوجهين: فيض ذاتي وفيض إرادي .

فما هو في الذات مطلقا لا يتصف بالمنع، وما هو بالإرادة فإنه يوصف فيه بالمنع والعطاء.
وسماه الحق تعالى في القرآن حقا وقلما و روحا، وفي السنة عقلا وهو الخازن الحفيظ العليم الأمين على اللطائف الإنسانية التي من أجلها وجد. 
علم نفسه فعلم مبدعه فعلم العالم فعلم الإنسان فهر العقل من هذا الوجه وهو القلم من حيث التدوين والتسطير وهو الروح من حيث التصرف وهو العرش المجيد من حيث الاستواء بالعلم والرحمة وهو الإمام المبين من حيث الإحصاء.
 و رقائقه التي تمتد إلى النقي إلى الهباء إلى الجسم إلى الأفلاك الثابتة إلى المركز إلى الأركان بالصعود إلى الأفلاك المتخيلة إلى الحركات إلى المولدات إلى الإنسان إلى انعقادها في العنصر الأعظم و بتواصلها .

هو حاصل ضرب: "360 * 360 * 360" رقيقة. 
ولا يزال هذا العقل مترددا بين إقبال وإدبار يقبل على باريه مستفيدا فيتجلى له فيكشف في ذاته عن بعض ما هو عليه فيعلم من باريه قدر ما علم من نفسه. 
وعلمه بذاته لا يتناهى فعلمه بربه لا يتناهى. 
وطريقة علمه به التجليات وطريقة علمه بربه علمه به. 
ويقبل على من دونه مفيدا هكذا أبدا لآباد في المزيد فهو الفقير الغني العزيز الذليل العبد السيد. 
وليس فوق القلم موجود محدث يأخذ عنه يعبر عنه بالنون. 
وإنما نونه التي هي الدواة عبارة عن علمه الإجمالي بلا تفصيل ولا يظهر له تفصيل إلا في اللوح. 
وله 360 سنا من حيث هو فلم، و360 وجها ونسبة من حيث هو عقل، و360 لسانا من حيث ما هو روح مترجم عن الله. 
ويستمد كل سن من 360 بحرا من أصناف العلوم، وهذه البحور هي إجمال الكلمات الإلهية التي لا تنفد. 
فألقى منها في اللوح جميع ما عنده إلى غاية يوم القيامة مسطرا منظوما. 
فكان مما ألقى إليه وما ضمه اللوح من الكلمات 269200 آية • أي حاصل جمع 
(x 360 ) 2 + ( 100x100 360) وهو ما يكون في الخلق من جهة ما تلقيه النفس في العالم عند الأسباب وأما ما يكون من الوجوه الخاصة الإلهية فذلك يحدث وقت وجوده لا علم لغير الله به. 
وهذا جميع ما حصله العقل من النفس الرحماني من حيث ما ?لمه به ربه. 
ولتلك الآيات سور تجمعها هي عشر سور على عدد المقولات المعلومة عند الحكماء وقد سبق ذكرها في نص إسحاق. 
وللإنسان الكامل عشر نيابات عن الحق تعالى مناسبة للمقولات العشرة (تنظر تفاصيلها في الباب 360 من الفتوحات المتعلق بسورة النور). 
وكما تعددت أسماء العقل الأول، 
كذلك تعددت أسماء النفس الكلية فهي العرش العظيم والورقاء و الزمردة الخضراء والمشار إليه بـ (كل شيء) .
قال تعالى: "وكتبنا له في الألواح من كل شي " 145 سورة الأعراف.
وهر اللوح المحفوظ ... وأعطاها الله قوتين: علمية وعملية 
بالعملية تظهر أعيان الصور 
وبالعلمية تعلم المقادير والأوزان 
ومن الوجه الخاص يكون القضاء والقدر. 
ثم صرف العقل وجهه إلى العماء فرأى ما بقي منه لم يظهر فيه صورة وقد أبصر ما ظهرت فيه الصور منه قد أنار بالصور. 
وما بقي دون صورة رآه ظلمة خالصة ورأى أنه قابل للصور والاستنارة، فأعلم أن ذلك لا يكون إلا بالتحامك بظلك وصورة التلقي الإلهي للعقل تحمل رحماني عن محبة من المتجلي و المتجلى له. 
فعمه التجلي الإلهي كما تعم لذة الجماع نفس الناكح حين تغيبه عن ما سواها. 
فلما عمه نور التحلي رجع ظله إليه واتحد به فكان نكاحا معنويا صدر عنه العرش. واستوى الحق عليه بالاسم الرحمن. 
فلا أقرب من الرحمة إلى الخلق لأن ما ثم أقرب إليهم من وجودهم ووجودهم رحمة بلا شك .

ومن هذا المقام جعل الله بين الزوجين المودة والرحمة فقال:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) " سورة الروم.
قول الشيخ في هذا الفص: (وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا تأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح) 
أي: لأن شيث بالنسبة إلى الأرواح بمثابة اللوح لما تحته من المراتب من حيث الإمداد هذا العلم. وأما الخاتم كالقلم الأعلى لا يتلقى إلا من الله وبحمد الجميع حسب استعداداتهم. 
ولهذا خصص الشيخ في هذا الفص فقرة حول الختمية لأنه بمراتب اللوح والقلم والإنسان تكمل دائرة الوجود وتختم دورة الظهور.
 وصرح الشيخ بأنه هو خاتم الأولياء المحمدي حيث ذكر أن الخاتم لا بد أن يرى نفسه على هيئة لبنتي فضة وذهب في حائط الكعبة. 
وقد ذكر في الفتوحات "باب 65" أنه رأى هذه الرؤيا رآها بمكة سنة 599 هـ. أي 
28 سنة قبل ظهور الفصوص
هذا و الأختام عند الشيخ الأكبر
 أربعة كلها لها علاقة بختام العالم قرب يوم القيامة برجوع النفوس الجزئية للنفس الكلية التي ابتدأ منها النفخ قال تعالى: "كما بدأكم تعودون " 29 سورة الأعراف. ولهذا كانت خاتمة الزمان على قدم خاتم الأولاد الذي هو على قدم شبث الذي له فص مرتبة النفس الكلية حسب ما ذكر في ختام هذا الفص. 
وقد صرح الشيخ هذا المعنى في "الباب 64 ج الأول ص 311" من الفتوحات حيث يقول: (عين موت الإنسان هو قيامته ... وأن الحشر جمع النفوس الجزئية إلى النفس الكلية. هذا كله أقول به). وذلك لأن للأختام وظيفة الحفظ الدائمة المستمرة إلى غاية يوم القيامة، أو نهاية الدنيا، كاللوح المحفوظ. 
وفي هذا المعنى يقول الشيخ في إحدى قصائد كتابه "عنقاء مغرب في ختم الولاية وشمس المغرب":

فمن شرف النبي على الوجود     ….     ختام الأولياء من العقود 
من البيت الرفيع وساكنيه      ….     من الجنس المعظم في الوجود 
وتبين الحقائق في ذراها     ….      وفضل الله فيه من الشهود 
لوان البيت يبقى دون ختم     ….      لجاء اللص يفتك بالوليد

فحقق يا أخي نظرا إلى من     ….      حمي بين الولاية من بعيد 
والترتيب الزمني للأختام الأربعة هو كالتالي: 
أولهم سيدنا محمد خاتم المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والآخرون من حسناته. 
ثم خاتم الولاية المحمدية وصرح الشيخ الأكبر بأنه هو في العديد من نصوصه تصريحا وتلويحا. 
ثم في آخر الزمان خاتم الأقطاب الاثني عشر الذين عليهم مدار العالم وهو المسمى بشمس البيت أي الإمام المهدي من آل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد خصص الشيخ له الباب 366 من الفتوحات وهو منزل سورة الكهف وعنوانه: "في معرفة منزل وزراء المهدي الظاهر في آخر الزمان الذي بشر به رسول الله وهو من أهل البيت المطهر" .
وذكره أيضا في الباب 463 بدون أن يصرح به وقال عنه أنه على قدم نوح عليه السلام و سورته (یس) وهو أكمل الأقطاب حكما لجمعه بين الخلافتين الظاهرة والباطنة ولو كان ثم قطب على قدم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  لكان هذا القطب. 
وأما الختم الرابع فهو عيسى عليه حين يزل في آخر الزمان يختم الله به الولاية العامة وخصص الشيخ له الباب "557" وهو الباب الذي ختم به أبواب هجرات الأقطاب من الفصل السادس في الفتوحات.

والخامس والأخير هو الذي ذكره الشيخ في آخر هذا الفص الشيثي حيث يقول: (وعلی قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها فيكون رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين. ولغته لغة أهل بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة. ويدعوهم إلى الله فلا يجاب. فإذا قبضه الله تعالى وقبض مومني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهر
محردة عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة) .
كلام الشيخ في هذه الفقرة يذكر بحال عیسی عليه السلام عندما ينزل في آخر الزمان. 
فشيث وعيسى عليهما السلام يشتركان في النفث الروحاني اللوحي من النفس الرحماني بالكلمات اللفظية وإمداد المواهب والعطايا وحفظ الولاية في مقام القرية الذي كان شيث فاتحا لها بعد آدم عليه السلام و عیسی خاتمها عند نزوله في آخر الزمان. 
وعيسى هو أخر مولود من هذا النوع الإنساني من أنواع الولادة فآدم خلق من غير ذكر وأنثى، وحواء خلقت من ذكر هو آدم، وأبناؤهما خلقوا من ذكر وأنثى، وأخيرا عیسی خلق من أنثى بنفخ جبريل عليه السلام.

وحواء أم شيث هي أيضا أخت له لأن أباهما آدم وانبعاثهما منه يناسب انبعاث قوتي اللوح من القلم. 
فحواء تناسب القوة العملية للنفس الكلية إذ منهما تظهر أعيان الصور، وشيث يناسب القوة العلمية للوح إذ منهما نعلم المقادير والأوزان وتوهب العطايا. وكذلك عيسى ومريم. 
فحيث أنه ليس لعيسى أب بشري فكان عمران جده لأمه هو أب له ولأمه فهي ?الأخت له خرجت قبله ورأسه عند رجليها لبره بها .وهو القائل: " وبرا بوالدتي " 32 سورة مريم . 
وذكر الشيخ السريان العقم في الرجال والنساء في آخر الزمان إشارة إلى غاية إعداد القوتين العلمية والعملية من اللوح عند قيام الساعة .

وذكر الشيخ للصين ?مولد هذا الخاتم يشير إلى علاقة متميزة بين الملة الصينية الأولى وشيث ذكرناها في مفاتيح الفصوص. 
ووجود الصين في أقصى الشرق يناسب ظهور عيسى في زمن أقصى دورة الملك قبل ظهور الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم

وظهوره في آخر الزمان خاتما للولاية العامة (يلاحظ أن عدد كلمة: صين هو نفس عدد كلمة: عيسى وهو 150 بحساب الجمل المشرقي الكبير، و15 بالصغير).
وقوله: (فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمن زمانه بقي من بقي مثل البهائم...) مناسب للأحاديث النبوية التي نصف عيسى في آخر الزمان الحديث الطويل الذي رواه الشيخ في باب منزل المهدي من الفتوحات (فتوحات الجزء الثالث ص 331) وفي آخره يتكلم عن عيسى والمومنين بعد قتل الدجال وياجوج وماجوج وختمه بقوله: (فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا فقبضت روح كل مؤمن ويبقى سائر الناس يتهارجون كما يتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة).
لكن القول بأن خاتم الأولاد الشيثي هو عيسى عليه السلام يرفضه بعض شارحي الفصوص كبالي أفندي الذي يقول: ومن قال إن هذا الولد هو عيسى عليه السلام فقد أخطأ في الظاهر والباطن.
وقد تكلمنا في كتاب (مفاتیح فصوص الحكم) على الظل الظلماني للإمداد الشيثي واستمراريته عبر تاريخ أجبال البشرية في الولاية الشيطانية التي خانها الأمور المسيخ الدجال الذي يقتله المسيح عليه السلام في آخر الزمان. 
وفي القرآن الكريم وردت كلمة: (النفاثات في سورة الفلق متعلقة بالسحر والنفوس الشيطانية أي الجانب الظلماني الأسفل للحكمة النفثية. و للشيخ ?لام نفيس حول أنوار وشرور عالم التركيب الخلقي الأسفل في الباب 271 من الفتوحات وهو لمنزل سورة الفلق. 
وأشرنا إلى. علاقة الإمدادين النوراني و الظلماني برمزية حرف النون بشطريه العلوي الغيبي والسفلي المشهود المتقلب بين ليل ونهار والممتزج نوره بالظلمات. وحيث أن عدد النون هو 50 -وهو يشير إلى حفظ الإمداد - فمجموع عددي شطري دائرة النون الكلية هو 100 وعنه يقول الشيخ في كتابه: (الميم والواو والنون): (فالنون مائة لمائة اسم إلهي لمائة درجة جنائية نعيمية إن كان سعيدا، لمائة حجاب إلهي لمائة درك ناري عقابي إن كان شقيا).

وكما ابتدأ إمداد العطايا والهبات ووراثة الخلافة الآدمية من شيث كذلك انتهت بولي على قدمه. 
فناسبت بداية انبعاث الأنفاس الرحمانية في الحضرات الإنسانية غايتها لأن سريان ذلك النفس عبر أنفاس الكمل من الأمة المحمدية هو نفس رجوع وعروج إلى الأصل عندما انتهى إلى غايته في الإنسان الأكمل سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد سريانه عبر حضرات الأنبياء السابقين.

وقد أعطى القاشاني تأويلا لهذه الفقرة حول خاتم الأولاد وهو أن آخر مولود من النوع الإنسان يعني النفس الناطقة أو القلب .
وهو مظهر النفس الكلية في كل إنسان وأخته المولودة معه هي النفس الحيوانية التي تظهر في النشأة قبل النفس الناطقة فهي تخرج للظهور قبل القلب.
والصين حيث يولدان هي آخر مراتب الوجود أي عين الإنسان وآخر ما يظهر في نشأته النفس الحيوانية ثم الناطقة. 
فإذا كان رأسه عند رجلي أخته أي إذا تغلبت حيوانية الإنسان على قلبه فإن أهل زمانه لا يستجيبون لدعوته، أي أن بقية قوى النفس والجوارح لا تنقاد للحق. 
فإذا قبض الله ذلك الولد ومؤمن زمانه أي إذا كان حكم القلب وقوى الروح ح?ما مقبوضا أي ضعيفا لا أثر له فلا يبقى في الإنسان إلا حكم الطبيعة الحيوانية بقواها الفاعلة والمنفعلة المناكحة والعقيمة لأنها لا تستطيع أن تلد أمرا فيه الروح لخلوها من مدد الروح.

وخاتم الأولاد مع أخته هما صورة إنسانية للتوأمين في كل مراتب الوجود أي لزوجية الفعل والانفعال والمنفعلة لها القبلية لأن بوجودها يكون الفاعل فاعلا فرأسه عند رجليها. 
فمن هذه التوائم فلكا البروج والمنازل وفلكا الكرسي والعرش، ومرتبتا الهباء والطبيعة.

وصفتا العلم والعمل في النفس، ومقاما اللوح والقلم وهما كخاتم الأولاد وأخته آخر ما يظهر من المخلوقات صعودا .
لأنهما الأولان نزولا في النفس الرحماني كحرفي الماء والهمزة في النفس الإنسان المتولدین في أقصى مخارج الحروف كاللوح والقلم في أقصى مراتب الوجود ?الصين في أقصى الشرق... 
وأهل ذلك الملكوت الأعلى هم الأرواح المهيمة تحت فعل تجليات الأسماء الإلهية وهم لا يستجيبون لدعوة داع لعدم شعورهم به وبغيره. 
وانفعالهم لتلك التجليات انفعال عقيم فلا ينبعث منهم أي مولود بخلاف العقل الأول، لفنائهم تحت سلطان جلال العظمة. 
فالمهيمون تحت تصريف حكم الطبيعة العمائية الأسمائية.

مقامهم بجرد عن حكم العقل و شرع اللوح. 
وعليهم تقوم الساعة إذ لا زمان هناك وما فوقهم إلا ظهور الحق تعالى لذاته بذاته في ذاته.

وقد تكلم الشيخ في الباب 11 من الفتوحات عن التوائم المتولدة من النكاح الساري في جميع الذراري فقال ما خلاصته: (كل موثر آب. وكل مؤثر فيه أم وكل نسبة بينهما معينة ن?اح. 
وكل نتيجة ابنه فأول الآباء العلوية الساري هو الاسم الجامع الأعظم الذي تتبعه جميع الأسماء. وأول الأمهات شيئية المعدوم الممكن. وأول ن?اح القصد بالأمر. وأول ابن موجود عين تلك الشيئية المذكورة لقوله تعالى: "إنما قولنا لشيء إذا أردته أن تقول له كن فيكون"40 سورة النحل.

وأول ظاهر من الأبناء العقل الأول وكان مؤثرا فيه بما أحدث الله فيه من انبعاث اللوح المحفوظ عنه كانبعاث حواء من آدم في عالم الأجرام. 
فكان بين اللوح والقلم ن?اح معنوي معقول وأثر حسي مشهود ومن هنا كان العمل بالحروف الرقمية عندنا وكان ما أودع اللوح من الأثر مثل الماء الدافق الحاصل في رحم الأنثى، وما ظهر من تلك الكتابة من المعاني المودعة في تلك الحروف .
بمنزلة أرواح الأولاد المودعة في أجسامهم. 
وكان مما أوجد الله في اللوح صفتان :

صفة علم فاعلة وصفة عمل منفعلة ما تظهر صور العالم. 
وكان مما ألقى القلم في اللوح الطبيعة والهباء. 
فكان أول أم ولدت توأمين فأول ما ألفت الطبيعة ثم تبعتها بالهباء. 
فأنكح الطبيعة الهباء فولد بينهما صورة الجسم الكلي وهو أول جسم ظهر. 
ثم نزل التوالد في العالم إلى التراب على ترتیب مخصوص ذكرناه في كتابنا (عقلة المستوفر). 
وفي ذكر الشيخ للطبيعة في ختام هذا الفص تمهيد لفص نوح الموالي الذي له مرتبة الطبيعة. 
2 - سورة فص شيث عليه السلام
موضوع هذا الفص هو العطايا والمنح الربانية والهبات الإلهية ومعنى "شيث" هبة الله. 
والكلمات الأكثر تكرارا في الفص مشتقة من العطاء والمواهب، هذا العطاء بجده في سورة 
"الضحى" . "وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)  " فهذه كلها منح وبشائر تلاها بأعظمها " ولسوف يعطيك رئك فترضى ".
ثم عدد مواهبه له فقال : " أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)" .
فسورة هذا الفص هي: سورة "الضحی".
وتكلم الشيخ في أوائل الفص عن السؤال والمسؤول من الآية 10 : "وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) ". وأعظم المواهب في مقامات الولاية والرسالة مقام الختمية. 
ولهذا تكلم الشيخ طويلا في هذه الفص عن الختمية من الآية الحالمة لها:"وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)  ".

فتحدث عن اختصاصه بالختمية المحمدية التي أنعم ربه ها عليه كما أنعم على سيدنا محمد بختمية الرسالة. 
فمرتبة خانم الولاية مرتبة الصدر في فلك الولاية المحيط، كما أن شيث له مرتبة الصدر في الملة الآدمية و كالضحى الذي هو صدر النهار ... 
وقد جعل الشيخ عنوان الفقرة التابعة لسورة الضحى" في الباب "559 - فتوحات : "يبدي الأسرار صدر النهار " لأن الصدر كما عرفه في الباب 211 "المخصوص بسورة "الضحى" هو أنه في المرتبة الثانية من كل صورة سواء كانت الصورة جنسية أو نوعية أو شخصية".

وجعل الشيخ هذا الباب "211 فتوحات " تحت عنوان: "منزل صدر الزمان وهو الفلك الرابع". 
أي فلك الشمس القطبي المناسب لمقام خاتم الأولياء الذي يبدي الأسرار وله الرتبة الثانية بعد خاتم الرسل، و لشيث الرتبة الثانية بعد آدم عليهم السلام، فمقامه كمقام الشمس عند إشراقها لا شروقها.
علاقة هذا الفص بسابقه الفص الآدمي :
علاقة فصي آدم و شيث تظهر في مسألة العطايا ومسألة الختمية ومسألة الصدر :
فأعظم العطايا هي التي منحها الله لآدم الخليفة وذريته، فبه ختمت المراتب. 
فعطاء الختمية في فص شيث من
 "الضحى" أورده الشيخ في وسط نص آدم حين قال: (فهو من العالم ?فص الخاتم من الخاتم... كما يحفظ الختم الخزائن... فكان ختما على خزانة الأخرة ختما أبديا).
وإذا كان شيث هو صدر ملة آدم، وله صدر النهار من سورة الضحى"، فآدم هو صدر الدنيا حسب ما ذكره الشيخ في الباب "291 فتوحات"
فقال: (وصدر النهار إشراق الشمس لا شروقها... وصدر الدنيا وجود آدم)، وصدر العالم اللوح لأنه الثاني بعد القلم.

وفي فص شیث يشير الشيخ إلى أن علاقته بفص آدم هي كعلاقة اللوح بالقلم فيقول: (لأن الولد سر أبيه فما أتاه غريب لمن عقل عن الله). 
وأول من عقل عن الله تعالى العقل الأول أو قلم سورة العلق، وهو أول مظاهر المخاطب في سورة الضحى بـ 
"ولسوف يعطيك ربك فترضى"  صلى الله عليه وآله وسلم.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
» السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
» السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر التاسع عشر فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: