منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالجمعة يوليو 26, 2019 6:27 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

مقدمة شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد  الجامي على متن فصوص الحكم

مقدمة شرح الجامي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

مقدمة الشارح على كتاب شرح الجامي 

الحمد لله الذي زين خواتم قلوب أولي الهمم بفصوص نصوص الحكم.
وختم بها باب النبوة مرة، وباب الولاية الخاصة أخرى.
وسيختم بها الولاية المطلقة على من هو أحق بها من أوليائه. 
والصلاة والسلام على مهبط كلمه التامة الكاملة و مقسم نعمة العامة الشاملة وعلى من آل من عترته أمره إليه أو فاز في صحبته بالمثول بين يديه.
أما بعد:
فاعلم أن الحكم الفائضة من الحق سبحانه على قلوب كمل عباده وخلص عبيده على أنواع، منها: 
ما يفيض عليهم بواسطة الملائكة المقربين بألفاظ وعبارات محفوظة من التغيير والتبديل مرادة قراءتها وهو القرآن المنزل علی نبینا صلى الله عليه وسلم بواسطة الروح الأمين . 
ومنها: 
ما يفيض عليهم بواسطة أو بغیر واسطة معاني صرفة أو معبرة بعبارات غير متلوة، ومن هذا القبيل الأحاديث القدسية.
فهي إما ما فاضت عليه صلى الله عليه وسلم معاني صرفة لكنه كساها أكسية عباراته الخاصة أو بعبارات مخصوصة غير مراد ضبطها وتلاوتها . 
وهذا النوع ليس مخصوصا بالأنبياء بل يعم الأولياء و صالحي المؤمنين.
ومنها: 
ما يفيض من بعض الكمل على بعض كما يفيض من روح نبينا على خواص متابعيه ما يغيض بقدر متابعتهم وقوة مناسبتهم.
ومن عجائب هذا النوع ما فاض من قلبه الأنور وروحه الأطهر كتاب "فصوص الحكم" .
بجملة ما فيه من الحكم والأسرار دفعة واحدة على قلب الشيخ الكامل المكمل محيي الملة والدين أبي عبد الله محمد بن علي المعروف بابن العربي الطائي الحاتمي  الأندلسي، قدس الله تعالی روحه وكثر من عند فتوحه.
ثم أني كنت برهة من الزمان مشغوفا بمطالعته مشغولا بمذاكرته، ولم أجد أستاذة يمن على مستفيده بشرح مشكلاته ولا مرشدة پر شد مريديه إلى كشف معضلاته، فقصدت إلى جمع شروحه وجعلتها مفاتيح أبواب فتوحه وطالعتها مرة بعد مرة ورجعت إليها كرة بعد كرة .
حتى استقر رأيي على أن انتخبت منها ما يجديني في حل مبانيه ويكفيني في فهم معانيه.
وأضفت إليه ما سنح في أثناء المطالعة لبالي وسمح به وقتي وحالي.
فجاء بحمد الله كما يبغيه الأصحاب و يرتضيه أولوا الألباب .
وها أنا أشرع فيه الآن بعون المهيمن المنان.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة أغسطس 02, 2019 9:47 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: 21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالخميس فبراير 20, 2020 12:07 am

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر  

الفص الزكرياوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الزكرياوي
21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية      الجزء الثاني
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لا بما يعطيه مدلول ذلك الاسم الّذي ينفصل به عن غيره ويتميّز ، فإنّه لا يتميّز عن غيره وهو عنده دليل الذّات ، وإنّما يتميّز بنفسه عن غيره لذاته ، إذ المصطلح عليه بأيّ لفظ كان ، حقيقة متميّزة بذاتها عن غيرها :
وإن كان الكلّ قد سيق ليدلّ على عين واحدة مسمّاة . ولا خلاف في أنّه لكلّ اسم حكم ليس للآخر ، فذلك ينبغي أن يعتبر كما تعتبر دلالتها على الذّات المسمّاة .
ولهذا قال أبو القاسم بن قسيّ في الأسماء الإلهيّة : إنّ كلّ اسم إلهي على انفراده مسمّى بجميع الأسماء الإلهيّة كلّها : إذا قدّمته في الذّكر نعتّه بجميع الأسماء )

 ( لا بما يعطيه ) ، أي لا لمجرد خصوصية يقتضيها ( مدلول ذلك الاسم ) ، ومفهومه ( الذي ينفصل الاسم به عن غيره ) من الأسماء ( ويتميز فإنه ) ، أي ذلك الاسم ( لا يتميز ) بما تعطيه من الخصوصية ( عن غيره وهو عنده ) ، أي عند الداعي ( دليل الذات ) الإلهية ، أي لا يتميز عن غيره بخصوصية مدلوله خبره قصد دلالته على الذات الإلهية .

( وإنما يتميز ) ذلك الاسم ( بنفسه ) ، أي بحسب مفهومه الاصطلاحي ( عن غيره لذاته ) من غير اعتبار خصوصية خارجة عنه ( إذ ) المعنى ( المصطلح عليه ) يعني الموضوع اصطلاحا ( بأي لفظ كان ) عربي أو عبري إذا لم يكن من الألفاظ المترادفة ( حقيقة متميزة بذاتها عن غيرها ) ثم إنه ( وإن كان الكل ) ، أي كل واحد من الأسماء ( قد سبق ) ، أي استعمل ( ليدل على عين واحدة مسماة ) ، وهي الذات الإلهية ( فلا خلاف في أنه لكل اسم حكم ) ، ليس للآخر ( فذلك ) الحكم ( أيضا ينبغي أن يعتبر ) بالرفع كذا صح في النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه وهو مبني على حذف أن الناصبة ومحو أثرها ،

 

أي ينبغي أن يعتبر ذلك الحكم أيضا فيما إذا قصد بذلك الاسم ( كما تعتبر دلالته على الذات ) الإلهية ( المسماة ) فعلى السائل أنه إذا دعا بذلك الاسم أن يلحظ ذلك الحكم ويطلب مطلوبه من الذات ولكن على يد ذلك الاسم من حيث خصوصيته فإذا قال المريض : يا شافي ، فإنه يطلب مقصوده أعني رحمة الشفاء من الذات الإلهية من حيث اسمها الشافي ، فالرحمة المترتبة على هذا الاسم من بين الاسم لا تعم جميع شعب الرحمة المترتبة على سائر الأسماء .

( ولهذا ) أي لعدم اختلاف الأسماء الإلهية في الدلالة على الذات ( قال أبو القاسم بن قسي ) صاحب كتاب خلع النعلين ذكره في الفتوحات. 

وقال : إنه من أكابر أهل الطريق ( في ) بيان أحكام ( الأسماء الإلهية : إن كل اسم على انفراده مسمى بجميع الأسماء الإلهية كلها إذا قدمته في الذكر نعته بجميع الأسماء ) ، فتقول مثلا الحي هو العليم المريد القدير أو العليم هو الحي المريد القدير إلى غير الذات

 

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وذلك لدلالتها على عين واحدة ، وإن تكثّرت الأسماء عليها واختلفت حقائقها أي حقائق تلك الأسماء .
ثمّ إنّ الرّحمة تنال على طريقين ، طريق الوجوب ، وهو قوله تعالى :فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَوما قيّدهم به من الصّفات العلميّة والعمليّة .
والطّريق الآخر الّذي تنال به هذه الرّحمة طريق الامتنان الإلهيّ الّذي لا يقترن به عمل وهو قوله :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [ الأعراف : 156 ] ومنه قيل :لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ[ الفتح : 2 ] . ومنها قوله : " اعمل ما شئت فقد غفرت لك ")

(وذلك لدلالتها على عين واحدة ) ، هي الذات الإلهية ( وإن تكثرت الأسماء عليها واختلفت حقائقها ، أي حقائق تلك الأسماء ) ، يعني مفهوماتها بخصوصياتها الامتيازية .

( ثم إن الرحمة تنال على طريقين : طريق الوجوب ) بأن أوجب الحق على نفسه أن يرحم عباده إذا أتوا لما قيدهم به وكلفهم من العلم والعمل وهذا الإيجاب على سبيل الفعل والامتنان ، لأن العبد أوجبه عليه بعمله أو بعلمه.
 ( و ) ما يدل على هذا الطريق ( هو قوله تعالى :فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ [ الأعراف : 156 ] ، وما قيدهم به من الصفات العلمية والعملية ) ، ويفهم من ذلك أن الرحمة الواقعة بإزاء العلم أيضا وجوبية ولا يبعد أن يفرق بين العلم الكسبي والوهبي .

 

( والطريق الآخر الذي تنال به هذه الرحمة طريق الامتنان الإلهي الذي لا يقترن به عمل ) ، والمراد بالعمل إما ما يعم العلم أيضا ، أو ترك العمل بقرينة السابق فمنه ما هو عام وهو الرحمة الذاتية الشاملة لجميع الموجودات .
( و ) ما يدل عليه ( هو قوله :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ومنه ) ما هو خاص كما ( قيل ) لنبينا صلى اللّه عليه وسلم ( ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) فإن الفتح المبين الذي تفرد به صلى اللّه عليه وسلم يستتبع هذه الرحمة الامتنانية التي لا يوازيها عمل منه ومعنى الآية على بعض وجوهها ليغفر لك اللّه ما تقدم على هذه النشأة من أحكام الإمكان من ذنبك وهو ما يتأخر عن رتبة الاعتبار من هذه الأحكام فإن أذناب القوم أراذلهم وذنب الدابة ما يتأخر عن سائر أعضائه وما تأخر عن تلك الشاة من تلك الأحكام ( ومنها ) ، أي من الرحمة الامتيازية الحاصلة ما يدل عليه ( قوله : اعمل ما شئت فقد غفرت لك ) .

 

أورد الشيخ رضي اللّه عنه في الفتوحات المكية أنه ثبت في الأخبار الإلهية وصح أن العبد يذنب الذنب ويعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب فيقول : اللّه له في ثالث مرة أو رابع مرة اعمل ما شئت فقد غفرت لك . انتهى كلامه فقد ظهر من هذا الخبر أن فاعلم ذلك .


سبب عدم مؤاخذة الحق هذا العبد بالذنب علمه بأن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، وهذا العلم من قبيل الرحمة الامتنانية التي لا يوازيها عمل ،
وكذلك المغفرة المترتبة عليه ، ولكن يشترط أن يفرق بين العلم الكسبي والوهبي كما سبقت إليه الإشارة ويجعل العلم بأن له ربا يغفر ويأخذ وهبيا ( فاعلم ذلك ).
واللّه سبحانه هو الكريم المنان ذو الفضل المحسان .

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: 22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالخميس فبراير 20, 2020 12:07 am

22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإلياسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الإلياسي
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية                   الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه :  (إلياس وهو إدريس عليه السّلام كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ورفعه اللّه مكانا ).
فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
إنما سميت حكمته عليه السلام إيناسية لما أنس بالأنس بنشأته الجسمانية وبالملك بنشأته الروحانية ،
فإنه لما كانت الممازجة الحاصلة بين قواه الروحانية والجسمانية قبل تروحنه واقعة قريب من التساوي ناسب الملأ الأعلى والملأ الأسفل ، فتأتي له الأنس بهما والجمع بين صفتيهما ، وهو كالبرزخ بين النشأة الملكية والإنسانية ، أو لأن الإيناس هو إبصار الشيء على وجه الأنس .


وكذا به قال تعالى في حق موسى عليه السلام :فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً[ القصص : 29 ] ، فإيناس موسى النار إبصارها على وجه الأنس بها .
 
وكذا أبصر إلياس عليه السلام فرسا من نار وجميع آلاته عليه من نار وأنس به فركبه ، فإبصاره الفرس في صورة نارية مع الأنس به إيناس فلذا سميت حكمته إيناسية ( إلياس هو إدريس عليه السلام ) ، كان الحكم بالاتحاد بينهما بناء على أن مشاهدته الأنبياء عليهم السلام في مشاهداته كما صرح ببعضها في فص هود عليه السلام أو مستفاد من روحانيته صلى اللّه عليه وسلم ، فإن هذا الكتاب بلا زيادة ونقصان مأخوذ منه صلى اللّه عليه وسلم كما صرح به في صدر الكتاب ، فما وقع به في بعض كتبه رضي اللّه عنه أن الموجود من الأنبياء بأبدانهم العنصرية أربعة : 
اثنان في السماء : إدريس وعيسى عليهما السلام ،
واثنان في الأرض : خضر وإلياس على ما اشتهر من اثنينيتهما
وما وقع في هذا الكتاب بناء على ما استقر كشفه عليه آخرا ، فإن هذا الكتاب خاتم مصنفاته أو نقول الحكم بالاثنينية باعتبار البدءين السماوي والأرضي ، والحكم بالاتحاد باعتبار الروحانية .
فإن قلت على تقدير اتحاديهما ينبغي أن يفترق في بيان حكمته على فص واحد .
قلنا له : حكم قدسية متعلقة بتقديس الحق حين كان يسمى إدريس قبل عروجه إلى السماء وحكم إيناسية ونسب حكمته في كل فص باسم ( كان نبيا قبل نوح عليه السلام) ،
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشّمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية . وكان هذا الصّنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان - من اللّبانة وهي الحاجة - عن فرس من نار ، وجميع آلاته من نار . فلمّا رآه ركب عليه فسقطت عنه الشّهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلّق بما تتعلّق به الأغراض النّفسيّة .)
 
لأن نوح ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وأخنوخ هو إدريس عليه السلام .
وقيل : هو الذي تسميه الحكماء هرمس الهرامسة ( ورفعه اللّه ) حين غلبت نشأته الروحانية على الجسمانية ( مكانا عليا فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس ثم بعث ) بنزوله من السماء كنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان كما أخبر به نبينا صلى اللّه عليه وسلم ( إلى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس ) ، أي حي يدعى بإدريس
( قد مثل له ) في عالم المثال المطلق أو المقيد ( انفلاق الجبل المسمى لبنان ) ، وهو من جبال الشام ( من اللبانة وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته ) ، مما لا بد منه في الركوب ( من نار فلما رآه ) معدا للركوب ( ركب عليه فسقطت عنه الشهوة ) أي شهوة جذب المحبوب ودفع المكروه فيشمل الغضب أيضا ( فكان ) ،
أي صار ( عقلا بلا شهوة فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية ) ، من جذب الطبيعة ما هو محبوب للنفس ودفع ما هو مكروه له ، ولا شك أن كل ما يتمثل في العالم المثالي بصورة من الصور لا بد له من تأويل وتعبير يعرب عما هو المراد به .
 
فالمراد بجبل لبنان واللّه تعالى أعلم جهة جسمانية التي بها تبلغ الروح لبانته وحاجته من تكميل قواه بها ، وفيها وبالفرس الناري جهة روحانيته التي بها نورية التفرس بالمطالب العالية وزارية الشوق إليها ويكون جميع آلاته من نار تكامل قواه بسراية تلك النورية ، والنورية فيها للانسلاخ عن مقتضيات جهة جسمانية ،
والمراد بانفلاق الجبل عنه مغلوبية جهة جسمانيته بجهة روحانيته ، لأنه عليه السلام كان كثير الرياضة مغلبا لقواه الروحانية على القوى الجسمانية حتى نقل إلينا أنه بقي ستة عشر سنة أو أكثر لم ينم ولم يأكل ولم يشرب إلا ما شاء اللّه إلى أن غلبت جهة روحانيته على جهة جسمانيته.
 
والمراد بركونه عليه استعلاؤه واستقراره على جهة روحانيته بحيث أوصلته إلى مكانه العلي ومكانته العلية التي هي اللحوق بالملأ الأعلى ، فباستقراره على جهة روحانيته سقطت عنه الشهوة والغضب اللذان هما من مقتضيات جهة جسمانيته فبقي عقلا بالشهوة
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان الحقّ فيه منزّها ، فكان على النّصف من المعرفة باللّه ، فإنّ العقل إذا تجرّد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته باللّه على التّنزيه لا على التّشبيه .وإذا أعطاه اللّه المعرفة بالتّجلّي كملت معرفته باللّه ، فنزّه في موضع وشبّه في موضع .
ورأى سريان الحقّ في الصّور الطّبيعيّة والعنصريّة . وما بقيت له صورة إلّا ويرى عين الحقّ عينها .
وهذه المعرفة التّامّة الّتي جاءت بها الشّرائع المنزلة من عند اللّه وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلّها .
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النّشأة من العقول، لأنّ العاقل ولو بلغ من عقله ما بلغ لم يخل عن حكم الوهم عليه والتصوّر فيما عقل.)
 
( فكان الحق ) المتجلى ( فيه ) من جهة روحانيته ( منزها ) عن أحكام جهة جسمانية فما كان يعرفه من حيث تلبسه بأحكام جهة جسمانيته معرفة ذوق ووجدان في نفسه ( فكان على النصف من المعرفة باللّه فإن العقل إذا تجرد لنفسه ) من غير مدخلية الوهم ( من حيث أخذه العلوم عن نظره كانت معرفته باللّه على التنزيه لا على التشبيه ) ، فإن الدلائل العقلية والمقدمات اليقينية لا تنتج إلا تنزيهه تعالى عما لا يليق بذاته في صرافة وحدته ( وإذا أعطاه ) ، أي العقل ( اللّه المعرفة بالتجلي ) في الصورة ،
 
 أي صورة كانت ( كملت معرفته باللّه فنزه في موضع ) يقتضي نظره الفكري التنزيه ( وشبه في موضع آخر ) ، يقتضي التجلي التشبيه ( ورأى سريان الحق بالوجود في الصور الطبيعية والعنصرية ) ، الشاملتين لجميع أنواعها ( وما بقيت صورة إلا ويرى الحق عينها ) ، من حيث اتحاد الظاهر بالمظهر ( وهذه ) المعرفة الجامعة التي بين التنزيه والتشبيه ( هي المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند اللّه وحكمت بهذه المعرفة ) ،
 
 أي بصحة هذه المعرفة من حيث اشتمالها على تجويز التشبيه ما نزه العقل والناس ليس له صورة عند العقل نوعا من الصور ( الأوهام كلها ) وإن لم يكن في هذه المادة وانقاد أصحاب الأوهام لحكمها ، لأن الوهم يستشرف إلى ما وراء موجبات الأفكار وألا ينقاد للقوة الفكرية فيجوز الحكم على المطلق بالقيد وعلى المنزه عن الصورة بالصورة وبالعكس ، فكذا يحكم بالشاهد على الغائب وبالعكس
 
( ولذلك ) ، أي لكون صوره عند العقل من التنزيه وإلباس الصور لما ليس له صورة عند العقل وانقياد صاحب الوهم لحكمه ( كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول لأن العاقل ولو بلغ من عقله ما بلغ ) ، مما هو منتهى مبلغ العقول ( لم يخل عن حكم الوهم عليه ) بخلاف ما حكم العقل عليه ( والتصور ) ، أي ولم يخل عن الدخول في الصور وقبولها ( فيما عقل ) ، أي في معقولاته الصرفة الخالية عن الصور
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السّلطان الأعظم في هذه النشأة الصّوريّة الإنسانيّة ، وبه جاءت الشّرائع المنزلة فشبّهت ونزّهت ، شبّهت في التّنزيه بالوهم ، ونزّهت في التّشبيه بالعقل . فارتبط الكلّ بالكلّ ، فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه .
قال اللّه تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فنزّه وشبّه ،وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشورى : 11 ] فشبّه .
وهي أعظم آية نزلت في التّنزيه ومع ذلك لم تخل عن التّشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبّر عن نفسه إلّا بما ذكرناه . ثمّ قال :سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [ الصافات  :180].)
 
( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية وبه ) ، أي بالوهم وما يحكم به .
( جاءت الشرائع المنزلة من عند اللّه فشبهت ) الشرائع ( ونزهت ، شبهت في ) مقام ( التنزيه بالوهم ) ، وحكمه إذ الوهم تلبس المعاني عن الصور نوعا من الصورة ( ونزهت في ) مقام ( التشبيه بالعقل ) وحكمه إذ العقل يجرد المعاني المنزهة في حدّ ذواتها عن الصور التي ألبسها الوهم لها ( فارتبط الكل ) ، أي كل من العقل والوهم ( بالكل ) ، أي بكل واحد من التنزيه والتشبيه .
 
أما ارتباط العقل بالتنزيه فظاهر ، وأما ارتباطه بالتشبيه فحكمه برفعه ، هذا إذا كان الكل إفراديا ، وأما إذا كان مجموعيا فمجموع أفراد كل من التنزيه والتشبيه كل ، وكل من الكلين مرتبط بالآخر ارتباط أجزاء كل منهما بأجزاء الآخر ، كل جزء بجزء ( فلم يمكن ) .
وفي النسخة المقابلة بالأصل فلم يتمكن ( أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه ) .
 
أما الأول فكما ( قال تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فنزه ) ، لأن نفي المماثلة عن مثله يوجب نفي المماثلة عن نفسه بالطريق الأولى ، أو بأن يقال : نفي مثل المثل يستلزم نفي المثل ، لأنه لو كان له مثل ما يلزم أن يكون لمثله مثل وهو نفسه ، ولو قال بزيادة الكاف على خلاف الظاهر فالأمر ظاهر ( وشبه ) ، لأنه أثبت له مثلا ونفى أن يكون لمثله مثل فإثبات المثل تشبيه .
 
وأما الثاني فكما قال تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُفشبه ) فإنه أثبت له ما هو ثابت للخلق أعني السمع والبصر ونزه أيضا بحصر السمع والبصر فيه فلا شركة ، أو بإثباتهما له فإن ذلك تنزيه له عن الانحصار في التنزيه وهو كمال التنزيه ، ولم يقل ونزه اكتفاء بما سبق من أنه لا يخلف تشبيه عن تنزيه ( وهي ) ، أي قوله :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ( أعظم آية نزلت في التشبيه ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف ) ، أي بسبب إدخال الكاف على المثل فإنه يدل بحسب الظاهر على إثبات المثل ( فهو أعلم العلماء بنفسه وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه ، ثم قال :سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [ الصافات  : 180]
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وما يصفونه إلّا بما تعطيه عقولهم . فنزّه نفسه عن تنزيههم إذ حدّدوه بذلك التّنزيه ، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا . ثمّ جاءت الشّرائع كلّها بما تحكم به الأوهام . فلم تخل عن صفة يظهر فيها .
كذا قالت ، وبذا جاءت . فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحقّ التّجلّي فلحقت بالرّسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل اللّه .اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ فاللَّهُ أَعْلَمُ موجّه له وجه بالخبريّة إلى رسل اللّه ، وله وجه بالابتداء إلىأَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ. وكلا الوجهين حقيقة فيه)
 
ولا يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم ) ، من الصفات التنزيهية ( فنزه نفسه عن تنزيهم إذ حدوده بذلك التنزيه ) وجعلوه متميزا عن الأشياء محدودا بتمايزه عنها ، ( وذلك ) التحديد ( لقصور العقول ) ، من حيث أنظارها الفكرية ( عن إدراك مثل هذا ) الذي ذكرناه من اشتمال كل تنزيه على تشبيه وكل تشبيه على تنزيه فهو سبحانه مشبه في مجالي صفاته كما أنه منزه في حقيقة ذاته
 
( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام ) ، من التشبيه ( فلم يخل ) من الإخلاء ، أي لم تخل الشرائع ( الحق سبحانه عن صفة يظهر فيها ) ، أي من شأنه الظهور فيها في الصفات التشبيهية التي تنفيها العقول بنظرها الفكري بل ذكر الكل بعضها بالصريح وبعضها بالمقايسة كالاستواء على العرش والاختصاص بالفوقية وإثبات بعض الجوارح كاليد وغيرها من القوى ( كذا قالت ) الشرائع ( وبذا جاءت فعملت الأمم ) ، أي جرت ( على ذلك فأعطاها الحق التجلي ) في الصور التشبيهية ( فلحقت ) ، أي الأمم ( بالرسل وراثة ) لا أصالة ( فنطقت ) ، أي الأمم ( بما نطقت به رسل اللّه ) من صفتي التنزيه والتشبيه (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [ الأنعام : 124 ] أصالة ووراثة ولما ذكر رضي اللّه عنه هذا الكلام على سبيل الاقتباس من قوله تعالى :وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ[ الأنعام : 124 ]
 
اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُأراد أن يبين فيه ما تحتمله من صورتي التنزيه والتشبيه تأكيدا لما هو بصدد بيانه فقال : ( فاللّه ) في اللّه ( أعلم ) في الآية المذكورة ( موجه له ) وجهان :
( وجه بالخبرية إلى رسل اللّه ) بأن يكون المسند إليه في أوتي ضمير الرسول ورسل اللّه مبتدأ واللّه أعلم خبره وأَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أعلم ،
ولا يخفى ما في حمل اللّه على رسل اللّه من التشبيه ( وله وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته ) كما هو الظاهر من غير تكلف ولا تشبيه في هذا المعنى ،
بل فيه تمييز بين اللّه ورسله وهو عين التنزيه ( فكلا الوجهين ) حقيقة تأتيه متحققة ( فيه ) ، أي في هذا الكلام لا تفاوت بينهما في أصل الانفهام من اللفظ وإن اختلف بحسب الحذف والإضمار والوضوح والخفاء
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ولذلك قلنا بالتّشبيه في التّنزيه وبالتّنزيه في التّشبيه .
وبعد أن تقرّر هذا فنرخي السّتور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ،)
 ( فلذلك ) ، أي لمتحقق هذين الوجهين في هذا الكلام ( قلنا : بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه ) لأن أحد الوجهين ناظر إلى التنزيه والآخر إلى التشبيه فبالنظر إلى مجموعهما تنزيه في تشبيه وتشبيه في تنزيه ، وإن قد وصلت إلى هذا المقام واطلعت على ما في الوجه الأول من التكلف والتعسف ورأيته محل أن يطعن به الطاعنون المتحمدون على الظواهر على الشيخ رضي اللّه عنه ،
 
بل وجدت على حاشية بعض الشروح بخط بعض الأكابر أن حمل أبلغ الكلام وأفصحه على مثل هذا التوجيه الذي ينبو عنه الطبع السليم والعقل المستقيم من غير ضرورة في غاية التعسف ، بل لا يكاد يصبح بوجه أصلا ، أصابني هم عظيم لمكان اعتقادي بعلو شأن الشيخ ،
فبينا أنا في ذلك إذ ألقى في قلبي نعته على وجه الإجمال محملا لكماله رضي اللّه عنه من غير ارتكاب تكلف وتعسف ،
 
وحين أمعنت النظر فيه وفصلته انشرح له صدري واطمأن له قلبي ،
وهو أن أهل الإشارة كثيرا ما يفهمون من الكلمات القرآنية وغيرها معاني لا يساعدها عليها ما يسبقها من الكلمات الأخر ولا ما يلحقها ، بل يفهمونها مع قطع النظر عن السابق واللاحق ،
فإذا كان القارئ من أهل الإشارة وقرأ هذه الآية إلى أن وصل إلى رسل اللّه ،
اللّه ووجده على صورة المبتدأ والخبر لم يبعد أن يفهم فيه أن رسل اللّه هم اللّه من غير فهم حاجة في فهم هذا المعنى إلى حذف ولا إضمار ولا تقدير ويكون لاسم اللّه
 
فياللَّهُ أَعْلَمُ وجهان :
وجه إلى الخبرية نظرا إلى المعنى المفهوم بلسان الإشارة ،
ووجه إلى الابتداء نظرا إلى المعنى المراد بلسان العبارة ،
وما أحسن حينئذ استرداف بيان الوجهين بقوله :
وكلا الوجهين حقيقة فيه ، أي كلا الوجهين متحققة ثابتة في اسم اللّه أو في هذا الكلام من غير انفكاك أحدهما عن الآخر
ولذلك ، أي لتحققها على الوجه قلنا بالتشبيه في التنزيه والتنزيه في التشبيه .
( وبعد أن تقرر هذا ) القدر من صور التنزيه والتشبيه ( فترخى السدول وتسدل الحجب عن عين المنتقد ) ، وهو المتحكم بعقله على كلام أولياء اللّه بالنقد والتزييف ( والمعتقد ) ، وهو المؤمن بأحوالهم فما عمله آمن به وما أشكل عليه فرض إلى عالمه .
 
وقيل : المنتقد هو الذي ينقد بنظره العقلي فرائد الحقائق والمعارف ويذهب إليها كما هو سبيل الحكماء والمتكلمين ، وهو صاحب التنبيه لاحظ له في التشبيه أصلا ، والمعتقد الذي يعتقد ظاهر ما أنزل من الكتاب بلا تأويل فيه ولا تدبر ، ونقتبس عنه كما قيل الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وهو التشبيه وإن كانا من بعض صور ما تجلّى فيها الحقّ
 .
ولكن قد أمرنا بالسّتر ليظهر تفاضل استعداد الصّور ، فإنّ المتجلّي في صورة بحكم استعداد تلك الصّورة ، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها ولا بدّ من ذلك .
مثل من يرى الحقّ في النّوم ولا ينكر هذا وأنّه لا شكّ الحقّ عينه فتتبعه لوازم تلك الصّورة وحقائقها الّتي تجلّى فيها في النّوم ، ثمّ بعد ذلك يعبّر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التّنزيه عقلا . فإن كان الّذي يعبّرها ذا كشف أو إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزية فقط ، بل يعطيها حقّها من التّنزيه وممّا ظهرت فيه .
 
الصرف الذي لاحظ له في التنزيه ، فلا بد للمحقق من تمكينها فيما هما عليه بإرخاء الستور واعتدال الحجب ( وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق ) بصفة العلم .
( ولكن قد أمرنا بالستر ) ، وألا يظهر للناس إلا ما هو على قدر عقولهم وإنما أمرنا بالستر ( ليظهر تفاضل استعداد الصور ) في إظهار أحكام المتجلي فيها وإعطائها لوازمها له من غير تصرف أمر خارج عنها ( فيها )
 
وليظهر ( أن المتجلي في صورة إنما يكون بحكم استعداد تلك الصورة فنسبت ) على البناء للفاعل ، أي ينسب استعداد تلك الصورة أو على البناء للمفعول ، أي ينسب ( إليه ) ،
أي إلى المتجلي ( ما يعطيه ) الضمير المنصوب إما عائد إلى التجلي أو إلى ما الموصولة ،
( حقيقتها ) ، أي حقيقة تلك الصورة ( ولوازمها لا بد من ذلك مثل من يرى الحق في النوم ولا يذكر هذا وإنه ) بكسر الهمزة عطفا على جملة لا ينكر أو بفتحها عطفا على هذا ، أي وأنه أي المرئي في النوم ( لا شك الحق عينه ) فالحق عينه خبر إن ولا شك معترضة بين اسمه وخبره ( فتتبعه لوازم تلك الصورة ) ، أي أعراضها الخارجة عن ذاتها كالوضع والمقدار واللون ( وحقائقها ) ، أي ذاتياتها المقومة لها ( التي تجلى ) الحق ( فيها في النوم ) الموصول إما صفة للصورة وللوازمها وحقائقها ( ثم بعد ذلك ) ،
 
أي عند التيقظ والانتباه ( يعبر ) ، أي يجاز ( عنها ) ، أي عن تلك الصورة ( إلى أمر آخر يقتضي التنزيه ) عن الصورة وأحكامها ( عقلا ) ، أي من حيث العقل ، فإن العقل من حيث هو لا يحكم إلا بتنزيهه عن الصور وأحكامها ( فإن كان الذي يعبرها ذا كشف ) وعيان ممن له قلب ( أو إيمان ) وتقليد ممن أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ] .
( فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط بل يعطيها حقها في التنزيه ) ، بأن تقول هذه الصورة باعتبار ما هي صورة له منزه عن الصورة الحسية والمثالية والعقلية كلها .
 
( ومما ظهرت فيه ) ، أي ويعطى حقها من الصفات التشبيهية التي ظهرت فيه ، أي في الحق سبحانه من جهة ظهوره في هذه الصورة بأن يقول الحق سبحانه ،
وإن كان بحسب ذاته منزها عن هذه الصورة وأحكامها لكن بحسب ظهوره في هذه الصورة عينها ،
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فاللّه على التّحقيق عبارة لمن فهم الإشارة .
وروح هذه الحكمة وفصّها أنّ الأمر ينقسم إلى مؤثّر ومؤثّر فيه وهما عبارتان :
فالمؤثّر بكلّ وجه وعلى كلّ حال وفي كلّ حضرة هو اللّه ،
والمؤثّر فيه بكلّ وجه وعلى كلّ حال وفي كلّ حضرة هو العالم .
فإذا ورد أي الوارد الإلهيّ فألحق كلّ شيء بأصله الّذي يناسبه ، فإنّ الوارد أبدا لا بدّ أن يكون فرعا عن أصل .  كما كانت المحبّة الإلهيّة عن النّوافل من العبد .)
 
وأحكامها أحكامه فلا ينفيها عنه مطلقا وإذ قد عرفت أن اللّه فياللَّهُ أَعْلَمُذو وجهين ناظر أحدهما إلى التنزيه والآخر إلى التشبيه ، واتضح عندك سر التنزيه والتشبيه بمثاله أورد هناك ( فاللّه ) المشير أحد وجهيه إلى التنزيه والآخر إلى التشبيه واتضح معناهما غاية الاتضاح بواسطة المثال المذكور فهو وضوح الدلالة عليهما ( على التحقيق عبارة ) ،
 
أي كالعبارة لا إشارة ، لأنه لا خفاء به لكن كونه في وضوح المعنى كالعبارة إنما هو ( لمن فهم الإشارة ) ، لا للمتحمد على العبارة خصوصا على الوجه الذي حملنا كلامه رضي اللّه عنه عليه ، فإن فيه إشارة إلى إشارة ولا يبعد أن يجعل ذلك قرينة عليه ،
 
ولما انجر كلامه رضي اللّه عنه إلى أن استعدادات الصور متفاضلة في إظهار أحكام الحق المتجلي فيها ، أو أنها تعطى الحق وتنسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها ، وهذا نوع تأثير من الصورة في الحق المتجلي فيها أراد أن يبين المؤثر في الحقيقة ما هو والمؤثر فيه ما هو فقال :
( وروح هذه المسألة ) ، أي مسألة التأثير والتأثر .
 
وفي بعض النسخ : وروح هذه الحكمة ومعناه أن ما ذكر روح هذه الحكمة لكن باعتبار هذه المسألة ، لكن المعول عليه المطابق للنسخة المقروءة عليه رضي اللّه عنه هو الأول ( أن الأمر ) ، أي أمر الوجود ( يقسم إلى مؤثر ) ، يستند إليه إيجاد الأثر ( ومؤثر فيه ) يستند إليه قبول الأثر ( وهما عبارتان ) ، يعبر عنهما بهما فالعبارة المعبر بها عن المؤثر هو الاسم اللّه والعبارة المعبر بها عن المؤثر فيه هو العالم وإلى ذلك أشار بقوله : ( فالمؤثر بكل وجه من الوجوه ) الأسمائية ( وعلى كل حال ) من أحوال المؤثر فيه ( وفي كل حضرة ) من الحضرات الإلهية والكونية ( هو اللّه والمؤثر فيه بكل وجه ) له ،
أي الحق سبحانه باعتبار حقيقته أو باعتبار وجوده ( وعلى كل حال ) من أحواله المتغيرة المتبدلة بعد الوجود ( وفي كل حضرة هو العالم . فإذا ورد الوارد الإلهي ) عليك شيء من الآثار ( فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ) ، أي يناسب الأصل ذلك الشيء أو بالعكس فإن المناسبة نسبة بين بين ( فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهذا أثر بين مؤثّر ومؤثّر فيه كان الحقّ سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبّة . فهذا أثر مقرّر لا تقدر على إنكاره لثبوته إن كنت مؤمنا .
وأمّا العقل السّليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ في مجلى طبيعيّ فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصّحيح .
ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحقّ في)
 
الإلهية ) ، للعبد ( فرعا عن النوافل من العبد ، فهذا أثر بين مؤثر ) هو النوافل ( وبين مؤثر فيه هو الحق سبحانه ) بحسب الظاهر .
وأما بحسب الحقيقة فالمؤثر هو اللّه ، فإن تأثير النوافل إنما هو باعتبار أنها أفعال وجودية ظاهرة من الحق سبحانه ولكن في مظهر العبد ، فهي من حيث أنها أمور وجودية مؤثرة مستندة إلى الحق سبحانه ، ولو كان فيها نقص وقصور فهي مستندة إلى استعداد العبد ، والتأثر لها إنما هو من الحيثية الأولى لا غير والمؤثر فيه العبد ، فإنه لا شك أنه يحدث في الجناب الإلهي من حيث مرتبة الجمعية أمر فالذي يترتب على النوافل هو ظهور آثار المحبة الإلهية في العبد ، فالمؤثر العبد لا الحق وكذلك ( كان الحق سمع العبد وبصره وسائر قواه ) فرعا ( عن هذه المحبة ) المتفرعة عن النوافل ( فهذا ) ، أي كون العبد عين الحق ( أثر مقرر ) بين المؤثر الذي هو المحبة الإلهية وبين المؤثر فيه الذي هو العبد ( ولا يقدر على إنكاره ) ،
 
أي إنكار ذلك الأثر الذي هو كون قوى العبد عين الحق ( لثبوته شرعا ) للحديث الوارد في قرب النوافل ( إن كنت مؤمنا ) ، بما ثبت بالشرع إيمانا حقيقيا يدعوك إليه قوة اليقين بالشارع من غير أن تبقى فيك دغدغة من جانب العقل أو الوهم ، لا تقليديا يبعثك عليه الاعتراض العاجل أو حسن الظن ممن ألقاه إليك مع بقاء دغدغة من العقل ( وأما العقل السليم ) بل صاحبه وهو صاحب القلب الشارح من العقائد الفاسدة الباقي على القوة الأصلية .
 
( فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي ) بأن تجلى عليه الحق في مجلى من مجالي الطبيعة فيكشف عليه كيفية تجليه فيها وكونه عنها من وجه وميزها عنها من وجه ( فيعرف ما قلناه ) من كون قوى العبد عين الحق أو تجلى عليه في مجلاه الطبيعي ونشأته العنصرية باسمه العليم ، فتأيد عقله السليم بهذا المتجلي فأدرك عقله السليم بهذا المتجلي ، فأدرك العقائد على ما هي عليه فيعرف ما قلناه من غير أن يبقى للوهم عليه حكم ( وإما مؤمن مسلم يؤمن به ) ، أي بما قلناه ( كما ورد في الحديث الصحيح ) ، أن العبد لا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث ولكن لا يخلو عن وسوسة بحث وتفتيش عما آمن به وأسلم .


( ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث ) ، أي الذي هو في صدد
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( هذه الصّورة لأنّه مؤمن بها .
وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم فيتخيّل بنظره الفكريّ أنّه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التّجلّي في الرّؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه .
ومن ذلك قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[ غافر : 60 ] . قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ البقرة : 186 ] إذ لا يكون مجيبا إلّا إذا كان من يدعوه غيره .
وإن كان عين الدّاعي عين المجيب فلا خلاف في اختلاف الصّور ، فهما صورتان بلا شكّ.)
 
بحث وتفتيش ( فيما جاء به الحق في هذه الصورة ) التي تجلى فيها الحق نوما أو يقظة من معنى التشبيه ( لأنه مؤمن بها ) بما فيه معنى التشبيه .
والحكم بالتشبيه إنما هو من الوهم ، فإذا حكم عليه الوهم به وانقاد له اطمأن فقوله فيما جاء به الحق يحتمل أن يكون متعلقا بيحكم أو الباحث ( وأما غير المؤمن ) بما جاء به الحق من صور التشبيه ( فيحكم على الوهم ) ، بأنه كاذب في حكمه ولكن حكمه هذا على الوهم إنما هو ( بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ) ، أو غيرها من معنى التشبيه ( والوهم في ذلك ) ، الحكم ( لا يفارقه ) فإن الحاكم بهذا الحكم هو ، فهو يصدقه ( من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ) .
 
وهذا أن الحاكم فيه وهمه ( ومن ذلك ) القبيل ، أي قبيل حديث قرب النوافل من حيث الدلالة على مؤثر ومؤثر فيه ( قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
وكذا قوله حيث ( قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ[ البقرة : 186 ] إذ لا يكون مجيبا ) ،
 
كما في الآية الثانية ( إلا إذا كان ) ، أي وجد ( من يدعوه غيره ) بل دعوته ولا يكون مستجيبا كما في الآية الأولى إلا إذا وجد دعاء الداعين فالدعاء في الآيتين هو المؤثر والمجيب هو المؤثر والمجيب هو المؤثر فيه ، إذ لولا الدعاء لم تكن إجابة ولا استجابة ، فلا بد ههنا من داع مؤثر ومجيب مؤثر فيه مختلفين بالصورة ( وإن كان عين الداعي عين المجيب ) بحسب الحقيقة ( فلا خلاف في اختلاف الصور فهما ) ، أي الداعي والمجيب ( صورتان بلا شك ) الصورة التي هو الداعي صورة كونية إنسانية .

والصورة التي هو المجيب صورة إلهية أسمائية وقد عرفت كيفية إلحاق الأثر إلى المؤثر الحقيقي الذي هو إلحاق التأثير إلى العبد فيما سبق نفس الحال ههنا عليه ، ثم لما انجر كلامه إلى وحدة عين الحق سبحانه وكثرة مظاهره أورد له.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: 22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالخميس فبراير 20, 2020 12:08 am

22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإلياسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الإلياسي
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية                   الجزء الثاني
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وتلك الصّور كلّها كالأعضاء لزيد : فمعلوم أنّ زيدا حقيقة واحدة شخصيّة ، وأنّ يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه . فهو الكثير الواحد ، الكثير بالصّور ، والواحد بالعين .
وكالإنسان واحد بالعين بلا شكّ . ولا شكّ أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر ، وأنّ أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا . فهو وإن كان واحدا بالعين ، فهو كثير بالصّور والأشخاص .
وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أنّ الحقّ عينه يتجلّى يوم القيامة في صورة فيعرف ، ثمّ يتحوّل في صورة فينكر ، ثمّ يتحوّل عنها في صورة فيعرف ، وهو هو المتجلّي - ليس غيره - في كلّ صورة .
ومعلوم أنّ هذه الصّورة ما هي تلك الصّورة الأخرى : فكأنّ العين الواحدة قامت)

مثالين :  
أحدهما أن نسبة عينه الواحدة إلى الصور المتكثرة المتغايرة كنسبة النفس الواحدة الشخصية إلى بدنها المتكثر بصور أعضائه المتغايرة .
والثاني : أن نسبتها إلى الصورة المتكثرة كنسبة الكلي إلى جزئياته ،
فإن الأول إشارة بقوله : ( وتلك الصور المتكثرة المتغايرة كلها كالأعضاء ) المتكثرة المتغايرة ( لزيد ) ، أي لبدنه ( فمعلوم أن زيدا ) باعتبار نفسه الناطقة ( حقيقة ) مجردة واحدة ( شخصية وأن يده ) ، التي هي واحدة من أعضاء بدنه ( ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه فهو الكثير الواحد بالصور ) ، أي بصور أعضاء بدنه ( الواحد بالعين ) ، أي عين حقيقته المجردة الشخصية ، فكما أن كثرة صور أعضاء البدن لا يقدح في وحدة تلك الحقيقة ، فكذلك كثرة الصور الكونية لا تقدح في وحدة العين الواحدة .

وإلى الثاني أشار بقوله : ( وكالإنسان فإنه بالعين ) ، أي بحقيقته النوعية الإنسانية ( واحد بلا شك ولا شك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا فهو ) ، أي الإنسان ( وإن كان واحدا بالعين فهو كثير بالصور والأشخاص ) فكما أن كثرة الصور والأشخاص لا تقدح في وحدة حقيقة النوعية ، كذلك كثرة الصور الكونية المظهرية لا تقدح في وحدة العين الظاهرة .

ثم إنه أوضح ذلك زيادة إيضاح بقوله : ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا ) حقا بما تدل عليه صحاح الأحاديث النبوية صلى اللّه عليه وسلم على مصدرها ( أن الحق عينه يتجلى في القيامة في صورة فيعرف بثم يتحول في صورة فينكر ثم يتحول عنها في صورة فيعرف وهو هو المتجلي ليس غيره في كل صورة .
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى فكان العين الواحدة قامت


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( مقام المرآة فإذا نظر النّاظر فيها إلى صورة معتقده في اللّه عرفه فأقرّ به . وإذا اتّفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره ، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره فالمرآة عين واحدة والصّور كثيرة في عين الرّائي ، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة .
مع كون المرآة لها أثر في الصّور بوجه ، وما لها أثر بوجه : فالأثر الّذي لها كونها تردّ الصّورة متغيّرة الشّكل من الصّغر والكبر والطّول والعرض ؛ فلها أثر في المقادير ، وذلك راجع إليها .  وإنّما كانت هذه التّغييرات منها لاختلاف مقادير المرائي .
فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرائي ، لا تنظر الجماعة ، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا . فهو غنيّ عن العالمين ؛ ومن حيث الأسماء الإلهيّة فذلك الوقت يكون كالمرائي .)


(مقام المرآة ) في إراءة الصور المتخالفة ( فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في اللّه عرفه فأقر به . وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره ، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره بالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة ) .


أما في المثال فلما دل على بطلان القول بانطباع الصور فيها ، وأما في الممثل فلتنزهها عن صور التعينات كلها ( مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه ) ما ( وما لها أثر فيها بوجه ) آخر ( فالأثر الذي لها في الصور كونها ترد الصور متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض ) ، بحسب تغيرها في هذه الأمور ، فإذا كانت المرآة صغيرة رئيت الصور صغيرة على هذا القياس من الكبر والطول والعرض ( فلها ) ، أي للمرآة ( أثر في المقادير ) ، أي مقادير الصور ( وذلك ) الأثر ( راجع إليها ) ، أي إلى المرآة ( وإن كانت هذه التغيرات منها ) ، أي من المرآة ( لاختلاف مقادير المرئي ) ، في الصغر والكبر والطول والعرض كما عرفت ، فعلى هذا المرآة مثال لاستعدادات المتجلى لهم أو للحضرات الأسمائية وإذا أردت مثالا للتجلي الذاتي أو الأسمائي تلك الأسماء ( كالمرائي ) المتكثرة للعين الواحدة الظاهرة في الحضرات الأسمائية

( فانظر في هذا المثال ) المورد للعين الواحدة والصور المتكثرة ( مرآة واحدة من هذه المرائي لا ينظر ) بصيغة النهي هكذا في النسخة المقروءة عليه رضي اللّه عنه ، أي انظر مرآة واحدة من المرائي لا ينظر ( الجماعة ) ، أي جماعة منها أكثر من الواحد وجه وجهك إلى الوحدة الصرفة التي لم يكن فيها شائبة كثرة ( وهو ) ، أي النظر إلى مرآة واحدة ( نظرك ) إلى الحق سبحانه ( من حيث كونه ذاتا ) واحدة من غير نظر إلى كثرة الأسماء ( فهو ) ، أي الحق من هذه الحيثية ( غني عن العالمين ) فلا يبقيك في نظرك بل يغنيك عن نفسك فإنك من العالم ( و ) أما إذا نظرت إليه ( من حيث الأسماء الإلهية فمن ذلك الوقت يكون ) الحق فيه من حيث كثرة


قال الشيخ رضي الله عنه:  (فأيّ اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنّما يظهر للنّاظر حقيقة ذلك الاسم. فهكذا هو الأمر إن فهمت.
فلا تجزع ولا تخف فإنّ اللّه يحبّ الشّجاعة ولو على قتل حيّة . وليست الحيّة سوى نفسك . والحيّة حيّة لنفسها بالصّورة والحقيقة . والشّيء لا يقتل عن نفسه . وإن أفسدت الصّورة في الحسّيّ فإنّ الحدّ يضبطها والخيال لا يزيلها .)


 ( وأي اسم إلهي ) استعددت بالأشرف على الفناء فيه لمظهريته أو استعد غيرك ( إذا نظرت فيه ) ، أي في شأنه ( نفسك ) ، أي حالها ( أو ) نظر ( من نظر ) ، هل يظهر في الناظر ذلك الاسم ؟
( فإنما يظهر في الناظر ) كان ما كان ( حقيقة ذلك الاسم ) لا وجهه ورسمه كما إذا حصل العلم به بالفكر والنظر ، وظهور الأسماء الإلهية وتجليها على الناظر بحقائقها يوجب فناءه عن نفسه ، فإنه حينئذ كالمرآة والمرآة من حيث هي مرآة معدومة عن نظر الرائي ، وأما التجلي الذاتي فهو أولى بذلك .

( فهكذا هو الأمر ) ، أي أمر الفناء في المتجلي الذاتي أو الأسمائي ( فإن فهمت فلا تجزع ولا تخف ) من ورود الهلاك على نفسك ( فإن اللّه يحب الشجاعة ولو على قتل حية ) .

إشارة إلى قوله عليه السلام « إن اللّه يحب الشجاعة ولو على قتل حية » .
""أورده الديلمي بمأثور الخطاب ولفظه : " يا علي كن غيورا فإن اللّه عز وجل يحب الغيور وكن سخيا فإنّ اللّه عز وجل يحب السخاء ، وكن شجاعا فإن اللّه عز وجل يحب الشجاعة وإن امرؤ سألك حاجة فاقضها له فإن لم يكن لها أهلا كنت لها أهلا . أهـ "" .

( وليست الحية ) التي هي عدولك ويجب قتلها ( سوى نفسك والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة ) ، أي الحية حية في حد ذاتها أمرين :
أحدهما : الصورة .
والآخر : الحقيقة .
( والشيء لا يقتل ) ، أي لا يزال ( عن نفسه ) بأن تنعدم مطلقا ( فإن أفسدت الصورة في الحس فإن ) الحقيقة باقية في العالم العقلي والصورة غير منحصرة في الحسية ،
وإذا زالت الصورة الحسية جاز أن يجعل له صورة أخرى .


وإلى ذلك أشار بقوله : فإن ( الحد ) يعني الحقيقة المحدودة الموجودة في العالم العقلي من حيث أنها موجودة في العلم ( يضبطها ) ، أي يضبط نفسها عن التفرق والسيئات ( والخيال ) المنفصل ( لا يزيلها ) عن الصورة المثالية وإن زالت عنها الصورة الحسية وإنما لم يتعرض للوجود الروحاني ، لأن وجود روح مجرد لكل حيوان زال عن الحس غير


قال الشيخ رضي الله عنه :  (وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذّوات والعزّة والمنعة ، فإنّك لا تقدر على إفساد الحدود . وأيّ عزّة أعظم من هذه العزّة ؟ فتتخيّل بالوهم أنّك قتلت ، وبالعقل والوهم لم تزل الصّورة موجودة في الحدّ .
والدّليل على ذلكوَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى[ الأنفال : 17 ] . والعين ما أدركت إلّا الصّورة المحمّديّة الّتي ثبت لها الرّمي في الحسّ ، وهي الّتي نفى اللّه الرّمي عنها أوّلا ثمّ أثبته لها وسطا ، ثمّ عاد بالاستدراك أنّ اللّه هو الرّاميّ في صورة محمّديّة، ولا بدّ من الإيمان بهذا.
فأنظر إلى هذا المؤثّر حتّى أنزل الحقّ في صورة محمّديّة . وأخبر الحقّ نفسه عباده بذلك ، فما قال أحد منّا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه ، وخبره صدق والإيمان به)

معلوم ( وإذا كان الأمر على هذا ) ، أي على أن الحد يضبطها والخيال لا يزيلها ( فهذا هو الأمان ) من اللّه ( على الذوات والعزة ) حين لا يقهرها بالإعدام مطلقا ( والمنعة ) ، أي الحرسة التي يحفظها ويحرسها من طريان الهلاك لها ( فإنك لا تقدر على إفساد الحدود ) ، أي حقائقها ولا على إزالة صورها المثالية عن عالم المثال ، ولا عن إعدامه عن عالم الأرواح إن كانت ذات أرواح مجردة ( وأي عزة أعظم من هذه العزة ) ، بل تقدر على إفناء صورتها الحسية . والحقيقة باقية مع صورها التي لها في سائر العوالم

( فتتخيل بالوهم ) الكاذب ( أنك قتلت ) وأفنيت المقتول بالكلية ( وبالعقل والوهم ) الصادق ، أي بحكمها ( لم تزل الصورة ) ، أي صورته العقلية ( موجودة في الحد ) ، بل في صورته المثالية في عالم المثال وصورته الروحية في عالم الأرواح إن كان ذا روح مجرد مما قتلته بالحقيقة حيث قتلته بالصورة .

( والدليل على ذلك ) ، أي ما يدل على مثل ذلك من نفي الفعل بحسب الحقيقة وإثباته بحسب الصورة قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) [ الأنفال : 17 ] 
أي ما رميت حقيقة إذ رميت صورة (وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس وهي ) ، أي الصورة المحمدية هي ( التي نفى اللّه الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا ثم عاد بالاستدراك أن اللّه هو الرامي في صورة محمدية ولا بد من الإيمان بهذا .

فانظر إلى هذا المؤثر ) ، بفعل الرمي كيف نزل عن مرتبة الجمعية ( حتى أنزل ) نفسه يعني ( الحق في صورة محمدية وأخبر الحق نفسه ) ، بالرفع تأكيد للحق ( عباده بذلك فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه وخبره صدق والإيمان به

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( واجب ، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ؛ فإمّا عالم ، وإمّا مسلم مؤمن .
وممّا يدلّك على ضعف النّظر العقليّ ، من حيث فكره ، كون العقل يحكم على العلّة أنّها لا تكون معلولة لمن هي علّة له حكم العقل لا خفاء به ، وما في علم التّجلي إلّا هذا ، وهو أنّ العلّة تكون معلولة لمن هي علّة له .
والّذي حكم به العقل صحيح مع التّحرير في النّظر ؛ وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدّليل النّظريّ ؛ إنّ العين بعد أن ثبت أنّها واحدة في هذا الكثير ، فمن حيث هي علّة في صورة من هذه الصّور لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها ، في حال كونها علّة ، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصّور ، فتكون معلولة لمعلولها ، فيصير معلولها علّة لها . هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ، ولم يقف مع نظره الفكريّ .
وإذا كان الأمر في العلّية بهذه المثابة ، فما ظنّك باتّساع النّظر العقلي في غير)


(واجب سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه فأما ) أنت ( عالم ) ، أي ممن له قلب ( وإما مسلم مؤمن ) ممن أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له ) ، لأن العين واحدة فعين ظهرت بصورة العلة والمعلول يجوز أن تظهر بصورة معلول ،

فكما أنها علة لمعلولها تكون معلولة لمعلولها فتكون العلة معلولة لمعلولها ( والذي حكم به العقل صحيح ) ، في نظر المكاشف أيضا ( مع التحرير في النظر ) ، أي إذا حرر نظره فيما حكم به العقل وجد ذلك صحيحا ، لأن وجود ذات العلة سابق على وجود ذات المعلول .

فلو كان وجود ذات المعلول علة لوجود ذات العلة لزم الدور ( وغايته ) ، أي غاية العقل ( في ذلك ) ، أي فيما حكم به الكشف ( أن يقول إذا رأى الأمر ) أمرا مكان كون العلة معلولة لمعلولها ( على خلاف ما أعطاه الدليل النظري : أن العين بعد أن ثبت أنها واحدة في هذا الكثير ) من صورة العلة والمعلول ومعلول المعلول ( فمن حيث هي ) ،


أي هذه العين الواحدة ( علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما فلا تكون معلولة لمعلولها في حال كونها علة له بل ينتقل الحكم ) بالعلية والمعلولية ( بانتقالها في الصور ) فينتقل إلى صورة معلول المعلول ( فتكون معلولة لمعلولها فيصير معلولها علة لها . هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ) من وحدة العين وكثرة الصور ( ولم يقف مع نظره الفكري ) الغير المؤدي إلى ذلك ( وإذا كان الأمر في العيلة بهذه المثابة ) من التعارض بين العقل والكشف والاحتياج في التقصي عن تناقضهما بأمثال هذه الدقائق ( فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق ) ، وكثرة أحكام العقل المناقضة لما يحكم به الكشف .


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( هذا المضيق ؟
فلا أعقل من الرّسل صلوات اللّه عليهم وقد جاؤوا بما جاؤوا به في الخبر عن الجناب الإلهي ، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا بما لا يستقلّ العقل بإدراكه وما يحيله العقل رأسا ويقرّ به في التّجلّي الإلهي .
فإذا خلا بعد التّجلّي بنفسه حار فيما رآه : فإن كان عبد ربّ ردّ العقل إليه ، وإن كان عبد نظر ردّ إلى حكمه .
وهذا لا يكون إلّا ما دام في هذه النّشأة الدّنياويّة محجوبا عن نشأته الأخراويّة في الدّنيا . فإنّ العارفين يظهرون ههنا كأنّهم في الصّور الدّنياويّة لما يجري عليهم من أحكامها ، واللّه تعالى قد حوّلهم في بواطنهم في النّشأة الأخراويّة ، لا بدّ من ذلك .
فهم بالصّورة مجهولون إلّا لمن كشف اللّه عن بصيرته فأدرك .
فما من عارف باللّه من حيث التّجلّي الإلهيّ إلّا وهو على النّشأة الآخرة : قد حشر في دنياه ونشر من قبره ؛ فهو يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون ، عناية من اللّه تعالى ببعض عباده في ذلك .)

( فلا أعقل من الرسل صلوات اللّه عليهم فقد جاؤوا بما جاؤوا به في الخبر عن الجناب الإلهي فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ) على ما أثبته العقل ( ما لا يستقل العقل بإدراكه ) ولا يحيله ( وقد يحيله العقل رأسا وإنما يقر به في التجلي الإلهي ، فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه )، لأنه رجع إلى حكم عقله بارتفاع حكم التجلي عنه فعقله يأتي من قبول ما رآه وهو لا يشك فيه بحكم التجلي ( فإن كان عبد رب رد العقل إليه ) ، أي إلى ما رآه ( وإن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه ) ، أي حكم العقل .

 

( وهذا ) الرد إلى العقل ( لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيوية لما يجري عليهم من أحكامها ) ، أي أحكام الدنيا ( واللّه تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية ، لا بد من ذلك فهم بالصورة مجهولون ) ، لا يظهرون لأحد ( إلا لمن كشف اللّه عن بصيرته فأدرك ) أشخاصهم وأحوالهم ( فما من عارف باللّه من حيث التجلي الإلهي ) ، لا من حيث نظره العقلي ( إلا وهو على النشأة الآخرة فقد حشر في دنياه ونشر من قبره ) ، أي بدنه ( فهو يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون عناية من اللّه ببعض عباده في ذلك .


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسيّة الإدريسيّة الّذي أنشأه اللّه نشأتين ، فكان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ثمّ رفع ونزل رسولا بعد ذلك ، فجمع اللّه له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته ، وليكن حيوانا مطلقا حتّى يكشف ما تكشفه كلّ دابّة ما عدا الثّقلين ؛ فحينئذ يعلم أنّه قد تحقّق بحيوانيّته .
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذّب في قبره ومن ينعّم ، ويرى الميّت حيّا والصّامت متكلّما والقاعد ماشيا . والعلامة الثّانية الخرس بحيث إنّه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقّق بحيوانيّته . وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنّه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقّق بحيوانيّته . ولمّا أقامني اللّه في هذا المقام تحقّقت بحيوانيّتي تحقّقا كلّيا . فكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده فلا أستطيع ؛ فكنت لا أفرّق بيني وبين الخرس الّذين لا يتكلّمون .
فإذا تحقّق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجرّدا في غير مادّة طبيعيّة ، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصّور الطّبيعيّة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في الصّور الطّبيعيّة علما ذوقيّا .)

 
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية ) المنسوبة إلى (الذي أنشأه اللّه نشأتين) : نشأة النبوة والرسالة ( فكان نبيا قبل نوح ) عليه السلام ( ثم رفع ونزل رسولا بعد ذلك فجمع اللّه له بين المنزلتين فلينزل ) ، أي من أراد العلو على هذه الحكمة ( عن حكم عقله ) الذي له حكم السماء ( إلى شهوته ) ، التي لها حكم الأرض ( وليكن حيوانا مطلقا ) ، لا يزاحمه العقل بالتصرف في الأشياء منقادا للواردات الرحمانية من مقام الحيوانية ( حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته . وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذب في قبره ومن ينعم ، ويرى الميت حيا ) بالحياة البرزخية

 
( والصامت متكلما ) ، بالكلمات الروحانية الملكوتية ، ( والقاعد ماشيا ) بالحركات المعنوية والمثالية
( والعلامة الثانية الخرس ) ، أي البكم ( بحيث أنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته . وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته . ولما أقامني اللّه في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا ، فكنت أرى وأريد النطق بما أشاهده فلم أستطع ، فكنت لا أفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون . فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل ) من مقام الحيوانية

( إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصور الطبيعية فيعلم من أين يظهر هذا الحكم في الصور الطبيعية علما ذوقيا .


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن كوشف على أنّ الطّبيعيّة عين نفس الرّحمن فقد أوتي خيرا كثيرا .  وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله :
فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ذوقا :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [ الأنفال : 17].
وما قتلهم إلّا الحديد والضّارب والّذي خلف هذه الصّور . فبالمجموع وقع القتل والرّمي ، فيشاهد الأمور بأصولها وصورها .
فيكون تامّا . فإن شهد النّفس كان مع التّمام كاملا : فلا يرى إلّا اللّه سبحانه عين ما يرى . فيرى الرّائي عين المرئيّ . وهذا القدر كاف ، واللّه الموفّق الهادي .)


فإن كوشف على أن الطبيعة ) التي هي مبدأ الكثرة ( عين نفس الرحمن ) الذي هو العين الواحد في الصور الكبيرة ( فقد أوتي خيرا كثيرا ) . ضرورة أن نفس الرحمن هو الوجود الذي هو الخير فإذا شوهد ذلك الكثير فقد أوتي خيرا كثيرا .


( وإن اقتصر معه ) ، أي مع الخرس ( على ما ذكرناه ) ، من مشاهدة أمور هي أصول لما يظهر في الطبيعة ( فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله ) بالكشف ( فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ذوقا ) ،

حقيقة قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْوما قتلهم إلا الحديد والضارب الرباني الذي خلف هذه الصورة فبالمجموع وقع القتل والرمي ، فيشاهد الأمور بأصولها وصورها فيكون تاما ، وإن شهد النفس الرحماني ) الذي هو أصل الأصيل ( كان مع التمام كاملا ) ، فإن الكمال هو الوصول إلى غايات الأمور وهو الحق في صورة النفس الرحماني الذي متحد به الكلمات الوجودية كلها اتحاد الكلمات اللفظية بالنفس الإنساني .


(فلا يرى إلا اللّه عين ما يرى ، فيرى الرائي عين المرئي وهذا القدر كاف ) في التحقيق بمقام الكمال وإن كانت مرتبة التكميل فوقه ( واللّه الموفق ) لسلوك سبيل مرتبة الكمال والتكميل ( والهادي ) إلى سواء السبيل .
تم الفص الإلياسي
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: 23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:35 am

23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر  

الفص اللقماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصّ اللّقماني
23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
إذا شاء الإله يريد رزقا ... له فالكون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله يريد رزقا ... لنا فهو الغذاء كما يشاء)
فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
لما كان لقمان عليه السلام آتاه اللّه الحكمة والإحسان ، فعل ما ينبغي فعله لما ينتهي كما ينبغي وهو من لوازم الحكمة سميت حكمته إحسانية ونسبت إليه ( إذا شاء الإله يريد رزقا . . له فالكون أجمعه غذاء ) له .
اعلم أن المشيئة توجه الذات الإلهية نحو حقيقة الشيء ونفسه اسما كان ذلك الشيء أو صفة أو ذاتا ، والإرادة تعلق الذات الإلهية بتخصيص أحد الجائزين من طرفي الممكن أعني وجوده وعدمه فعلى هذا إذا توجهت الذات الإلهية نحو صفة الإرادة واقتضت تعلقها بأحد طرفي الممكن كما هو مقتضاها لا يبعد أن يسمى ذلك التوجه والاقتضاء مشيئة الإرادة ،
 
فهذا وجه تعلق المشيئة بالإرادة ، فمعنى البيت إذا توجهت الذات الإلهية نحو صفة الإرادة لتتعلق بتخصيص وجود الرزق وترجيحه على عدمه ليكون رزقا للّه تعالى ، فالكون أي المكونات بأجمعها غذاء له سبحانه ،
 
وإنما كانت المكونات غذاء له ، لأنه تعالى من حيث أسماؤه وصفاته لا يظهر في الأعيان إلا بها ، كما أن ذات المغتذي لا تنمو إلا بالغذاء ، فظهور أسمائه وصفاته بالمكونات بمنزلة نماء المغتذي فإنهما يشتركان في معنى الزيادة على الذات ،
 
وإذا كان الفعل الذي وقع في بيان معنى الإحسان منقسما إلى الفرائض والنوافل ، والفرائض تورث قربا يكون العبد فيه باطنا والحق ظاهرا ،
والنوافل تورث قربا يكون الحق فيه باطنا والعبد ظاهرا ونسبة الباطن إلى الظاهر حيث كان نسبة العبد إلى المغتذي ، فتارة يكون العبد رزقا للحق وتارة يكون الحق رزقا للعبد ، فلا يبعد أن يكون هذا البيت إشارة إلى قرب الفرائض الذي يكون الحق فيه ظاهرا والعبد باطنا ، كما لا يبعد أن يكون البيت الثاني إشارة إلى قرب النوافل الذي يكون العبد فيه ظاهرا والحق باطنا ،
فقوله : يريد رزقا مفعول المشيئة بحذف أن الناصبة وأثرها ( وإن شاء الإله يريد رزقا . . لنا فهو الغذاء كما يشاء ) لاختفائه بصورتنا كما أن الغذاء يختفي بصورة المغتذي ، لأن إيجاده للموجودات ليس إلا اختفاءه بصورتها
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
مشيئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهي المشاء
يريد زيادة ويريد نقصا ... وليس مشاءه إلّا المشاء
فهذا الفرق بينهما فحقّق ... ومن وجه فعينهما سواء
قال اللّه تعالى :وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ[ لقمان : 12 ] وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً[ البقرة : 269 ] . فلقمان بالنّصّ ذو الخير الكثير بشهادة اللّه تعالى له)
 
(مشيئته إرادته ) لأنهما متجهتان بالنسبة إلى هويتها الغيبية الذاتية ولكن للمشيئة تقدم ذاتي على الإرادة كما عرفت ( فقولوا : بها ) ، أي كونوا قائلين بالإرادة ومغايرتها للمشيئة لكان ذلك التقدم وقول ( قد شاءها فهي المشاء ) ، حال من الضمير في بها إشارة إلى تعليل القول بمغايرة الإرادة للمشيئة ، فإنه لو لم يكن بينهما مغايرة كيف تتعلق المشيئة بالإرادة ، ويحتمل أن يكون المعنى : فقولوا يسبب له الإرادة ومغايرتها للمشيئة بواسطة تقدمها الذاتي هذا القول أعني قد شاءها فهي المشاء فيكون هذا القول على هذا التقدير مقول القول .
 
وكان المشاء في موضعه الأول والثاني من هذه الأبيات في النسخة المقروءة عليه رضي اللّه عنه مقيدا بضم الميم في موضعه الثالث بفتحها ، وكأنه بضم الميم اسم مفعول من الثلاثي على صيغة من المزيد على خلاف القياس ويحتمل المصدرية ،
لأن قياس المصدر الميمي من المزيد صيغة اسم المفعول وبفتح الميم مصدر ميمي من الثلاثي ويحتمل أن يكون بمعنى اسم المفعول ( يريد زيادة ) ، أي يزيد تارة زيادة الوجود عن الماهية وهي الإيجاد ( ويريد ) تارة ( نقصا ) ، أي نقص الوجود عن الماهية وهي الإعدام ،
فالإرادة إذا تعلقت بالماهية يرجح تارة جانب وجوده وتارة جانب عدمه بخلاف المشيئة فإن متعلقها نفس الماهية من غير ترجيح أحد جانبيها وإلى هذا أشار بقوله ( وليس مشاءه إلا المشاء ) ،
أي وليس متعلق المشيئة في الحالين النفس متعلق المشيئة لما عرفت ، أوليس المشيئة إلا المشيئة في الحالين لعدم التغير في متعلقها ، وإنما قدر الميم من المشاء في موضعه الثالث بالفتح لئلا يلزم الإيطاء أعني التكرر في القافية وهو مرفوع على أنه اسم ليس ،
والمقدم عليه منصوب على أنه خبرها ولا يجوز العكس ، وإلا يلزم الإقواء في القافية وهو اختلاف الروي بالحركة .
( فهذا ) ، أي الذي ذكرنا من التقدم الذاتي للمشيئة على الإرادة وإمكان الاختلاف في متعلق الإرادة دون المشيئة هو ( الفرق بينهما فحقق . . ومن وجه ) وهو وجه اتحادهما بالنسبة إلى الهوية العينية الذاتية ( فعينهما سواء . قال اللّه تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، فلقمان بالنص ذو الخير الكثير بشهادة اللّه له)
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( بذلك . والحكمة قد تكون متلفّظا بها وقد تكون مسكوتا عنها .
مثل قول لقمان لابنه : يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [ لقمان : 6 ] . فهذه حكمة منطوق بها ، وهي أن جعل اللّه هو الآتي بها ، وقرّر ذلك اللّه في كتابه ، ولم يردّ هذا القول على قائله .
وأمّا الحكمة المسكوت عنها وقد علمت بقرينة الحال ، فكونه سكت عن المؤتى إليه بتلك الحبّة ، فما ذكره وما قال لابنه يأت بها اللّه إليك ولا إلى غيرك ، فأرسل الإتيان عاما وجعل المؤتى به في السّموات إن كان ، أو في الأرض تنبيها لينظر النّاظر في قوله :وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ [ الأنعام : 3 ] .)
 
(بذلك ) ، أي بكونه ذا الخير الكثير .
( والحكمة قد تكون متلفظا بها ) كالأحكام الشرعية ( وقد يكون مسكوتا عنها ) كالأسرار الإلهية المستورة عن غير أهلها فالمنطوق بها ( مثل قول لقمان لابنهيا بُنَيَّ إِنَّها) ، أي القصة (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ) بالرفع كما هو قراءة نافع وحينئذ كان تامة وتأنيثها لإضافة المثقال إلى الحبّة (مِنْ خَرْدَلٍ) ، أي مقدار ما هو أصغر المقادير التي توزن بها الأشياء من جنس الخردل الذي هو أصغر الحبوب المقتاتة (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) ، هي أصلب المركبات وأشدها منعا لاستخراج ما فيها (أَوْ فِي السَّماواتِ) مع بعدها (أَوْ فِي الْأَرْضِ) مع طولها وعرضها (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) [ لقمان : 16 ] للاعتداء بها ( فهذه حكمة منطوق بها وهي أن جعل ) ، أي لقمان ( اللّه هو الآتي بها وقرر اللّه ذلك في كتابه ولم يرد هذا القول على قائله ) لا عقلا ولا شرعا .
 
(وأما الحكمة المسكوت عنها وقد علمت بقرينة الحال فكونه سكت على المؤتى إليه بتلك الحبة فما ذكره ولا قال لابنه يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إليك وإلى غيرك فأرسل الإتيان عاما ) ، غير مخصوص معين بتعين المؤتى إليه كما بين الآتي ، وهو سبحانه والمأتي به وهو مثقال حبة من خردل ( وجعل المؤتى به في السماوات إن كان ) فيها (" أَوْ فِي الْأَرْضِ" تنبيها لينظر الناظر في قوله : وهو اللّه في السماوات وفي الأرض ) ، حين يتنبه له وينتقل إليه من قوله : "أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ" وشاهد سريان هويته العينية بأحدية جمعها الأسمائية في جميع الموجودات العلوية والسفلية والروحانية والجسمانية فيعلم من ذلك أن الحق عين كل موجود عيني .
 
ولما وقعت الإشارة من الحكمة أعني الحكمة المسكوت عنها إلى ما يقابل الموجودات العينية أعني الموجودات العلمية الغير الخارجة من العلم إلى العين ، فإنها في حكم المسكوت عنها حيث لم تذكر بالذكر الوجودي ولا شك أن موجود الموجودات العلمية بسريان الوجود الحق فيها كوجود الموجودات العينية من غير فرق ، فالحق عين كل موجود علمي أيضا ، والعبارة الجامعة لهذين الاعتبارين أن الحق عين كل معلوم ، لأن المعلوم أعم من الشيء الموجود بالوجود العيني المشار إليه بالحكمة المنطوق بها ومن الوجود بالوجود العلمي فقط المشار إليه بالحكمة المسكوت عنها . وإلى جميع ما ذكرنا أشار رضي اللّه عنه بقوله
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فنبّه لقمان بما تكلّم به وبما سكت عنه أنّ الحقّ عين كلّ معلوم، لأنّ المعلوم أعمّ من الشّيء فهو أنكر النّكرات .
ثمّ تمّم الحكمة واستوفاها لتكون النّشأة كاملة فيها فقال : « إنّ اللّه لطيف » فمن لطفه ولطافته أنّه في الشّيء المسمّى بكذا المحدود بكذا عين ذلك الشّيء ، حتّى لا يقال فيه إلّا ما يدلّ عليه اسمه بالتّواطؤ والاصطلاح . فيقال هذا سماء وأرض وصخرة وشجر وحيوان وملك ورزق وطعام . والعين واحدة من كلّ شيء وفيه .
كما تقول الأشاعرة : إنّ العالم كلّه متماثل بالجوهر : فهو جوهر واحد ، فهو عين قولنا العين واحدة . ثمّ قالت : ويختلف بالأعراض، وهو قولنا ويختلف ويتكرّر بالصّور والنسب حتّى يتميّز فيقال : هذا ليس هذا من حيث صورته أو عرضه أو مزاجه)
 
( فنبه لقمان بما تكلم به وبما سكت عنه أن الحق عين كل معلوم، لأن المعلوم أعم من الشيء) ، لأنه يعم الموجودات والمعلومات والشيء مختص بالموجود .
 
( فهو ) ، أي المعلوم ( أنكر النكرات ) ، أي لا مفهوم أعم منه إذ هو شامل للموجودات العينية والموجودات العلمية من الممكنات والممتنعات .
 
( ثم تمم الحكمة واستوفاها لتكون النشأة ) اللقمانية ( كاملة فيها ) ، أي في الحكمة والمعرفة باللّه ( فقال :إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ فمن لطافته ) الصورية ( ولطفه ) المعنوي ( أنه في الشيء المسمى بكذا المحدود بكذا عين ذلك الشيء ) المسمى المحدود ( حتى لا يقال فيه ) ، أي في ذلك الشيء ولا يحمل عليه ( إلا ما يدل عليه اسمه ) ، أي إلا المفهوم الذي يدل على ذلك المفهوم اسم ذلك الشيء ( بالتواطؤ والاصطلاح فيقال هذا سماء وأرض وصخرة ) فيما فيه المؤتى به .
 
( و ) يقال : ( شجر ) وهي ما في الصخرة ( وحيوان وملك ) في المغتذي ( ورزق وطعام ) في الغذاء ( والعين واحدة ) ، أي والحال أن العين واحدة منتزعة ( من كل شيء و ) سارية ( فيه ) ولا يقال فيها ما يدل على هذه العين الواحدة لاختفائها فيها لكمال لطافتها وقولنا بوحدة العين بعينه ( كما تقول الأشاعرة إن العالم كله متماثل بالجوهر فهو جوهر واحد فهو عين قولنا العين واحدة) .
(ثم قالت ) الأشاعرة : ( ويختلف ) ، أي الجوهر الواحد ( بالأعراض ) المختلفة ( وهو قولنا ويختلف ويتكثر ) ، أي العين الواحدة ( بالصور والنسب حتى يتميز) ببعض الصور والنسب عن بعض ( حيث يقال : هذا ليس من حيث صورته ) في عرفنا ( أو ) من حيث ( عرضه ) في عرف المتكلم ( أو ) من حيث ( مزاجه ) في عرف الحكمة
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( كيف شئت فقل . وهذا عين هذا من حيث جوهره .
ولهذا يؤخذ عين الجوهر في حدّ كلّ صورة ومزاج ، فنقول نحن إنّه ليس سوى الحقّ ؛ ويظنّ المتكلّم أنّ مسمّى الجوهر وإن كان حقّا ، ما هو عين الحقّ الّذي يطلقه أهل الكشف والتّجلّي ، فهذا حكمة كونه لطيفا .
ثمّ نعت فقال :خَبِيرٌ[ لقمان : 16 ] أي عالم عن اختبار وهو قوله :وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ[ محمد : 31 ] . وهذا هو علم الأذواق . فجعل الحقّ نفسه مع علمه بما هو الأمر عليه مستفيدا علما . ولا تقدر على إنكار ما نصّ الحقّ عليه في حقّ نفسه. ففرّق تعالى ما بين علم الذّوق والعلم المطلق.
فعلم الذّوق مقيّد بالقوى . وقد قال عن نفسه إنّه عين قوى عبده في قوله : « كنت سمعه » ، وهو قوّة من قوى العبد ، « وبصره » وهو قوّة من قوى العبد ، « ولسانه » وهو عضو من أعضاء العبد ، « ورجله ويده » فما اقتصر في التّعريف على القوى فحسب حتّى ذكر الأعضاء : وليس العبد بغير هذه الأعضاء والقوى . فعين مسمّى العبد هو)
 
 ( كيف شئت فقل و ) يقال : ( هذا عين هذا ) ، أي ( من حيث جوهره ) مثلا تقول الأشاعرة : ( ولهذا يؤخذ عين الجوهر في حدّ كل ) ذي ( صورة و ) ذي ( مزاج فنقول نحن أنه ) ، أي الجوهر المأخوذ في كل حدّ ( ليس سوى الحق ويظن المتكلم أن مسمى الجوهر وإن كان حقا ) ، أي متحققا ثابتا ( ما هو عين الحق الذي يطلقه أهل الكشف والتجلي ) ، وهو الوجود الحق الذي أوجد الأشياء بلطف سريانه فيها .


( فهذا حكمة كونه لطيفا ثم نعت ) اللّه سبحانه ( وقال خَبِيرٌ، أي عالم عن اختبار وهو ) ، أي العلم الاختباري ما يدل عليه ( قوله :وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ، وهذا هو علم الأذواق فجعل الحق نفسه مع علمه بما هو الأمر عليه مستفيدا علما ولا يقدر على إنكار ما نص الحق عليه في حق نفسه ففرق ) ، تعالى مبينا ( ما بين علم الأذواق والعلم المطلق ( ، من الفرق بقوله : حتى يعلم الدال على تقييده بالذوق .
( فعلم الذوق مقيد بالقوى ) إذ الذائق لا يذوق ذلك إلا بالقوى الروحانية والجسمانية ( وقد قال ) تعالى : ( عن نفسه إنه عين قوى عبده في قوله : كنت سمعه وهو قوة من قوى العبد وبصره وهو قوة ) أخرى ( من قوى العبد ولسانه وهو عضو من أعضاء العبد ورجله ويده فما اقتصر في التعريف ) ، أي تعريف الحق بسريانه بالعبد ( على القوى فحسب حتى ذكر الأعضاء وليس العبد بغير لهذه الأعضاء والقوى فعين مسمى العبد)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الحقّ ، لا عين العبد هو السّيّد . فإنّ النّسب متميّزة لذاتها ؛ وليس المنسوب إليه متميّزا، فإنّه ليس ثمّة سوى عينه في جميع النّسب . فهو عين واحدة ذات نسب وإضافات وصفات .
فمن تمام حكمة لقمان في تعليمه ابنه ما جاء به في هذه الآية من هذين الاسمين الإلهيّين لطيف خبير سمّى بهما اللّه تعالى . فلو جعل ذلك في الكون وهو الوجود فقال : «كان» لكان أتمّ في الحكمة وأبلغ . فحكى اللّه تعالى قول لقمان على المعنى كما قال لم يزد عليه شيئا .
وإن كان قوله :إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [ لقمان : 16 ] من قول اللّه فلما علم اللّه تعالى من لقمان أنّه لو نطق متمّما لتمّم بهذا .
وأمّا قوله :إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ[ لقمان : 16 ] لمن هي له غذاء ، وليس ).
 
مجرد عن نسبة العبدية ( هو الحق لا عين العبد ) المقيد بنسبة العبدية ( هو السيد ) ، أي الحق مأخوذا مع نسبة السيادة ( فإن النسب متميزة ) تقتضي التميز ( لذاتها ) ، وليس بعضها نفس بعض فإن العبدية ليست نفس السيادة ( وليس المنسوب إليه متميزا فإنه ليس ثمة سوى عينه في جميع النسب فهو عين واحدة ذات نسب وإضافات وصفات فمن تمام حكمة لقمان في تعليم ابنه ما جاء به في هذه الآية من هذين الاسمين الإلهيين ) يعني ( لطيفا خبيرا سمى بهما اللّه تعالى فلو جعل ذلك ) المعنى الذي جاء به في هذه الآية مؤدى
( في ) صيغة ( الكون وهو الوجود ) ، أن أخذ فعلا ماضيا ( فقال : كان ) اللّه لطيفا خبيرا ( لكان أتم في الحكمة وأبلغ ) لدلالته على أزلية اتصافه تعالى بهاتين الصفتين لأن الماضي بالنسبة إليه تعالى هو الأزل والأزلية تسلتزم الأبدية .
 
واعتذر من قبله بأن مقام التعليم يقتضي أن يلقي إلى المتعلم ما هو أقرب إلى القبول ، ولا شك أن اتصافه تعالى بهما في الجملة أقرب بالقبول من اتصافه بهما أزلا وأبدا ، وكان في قوله في تعليمه ابنه إشارة إلى هذا الاعتذار .
 
(فحكى اللّه لنا قول لقمان على المعنى كما قاله لم يزد عليه شيئا ) من الزيادة والنقصان ( وإن كان قوله :إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌمن قول اللّه ) ، لا من قول لقمان كما تحتمله الآية .
(فلما علم اللّه) ، أي فورود ههنا لما علم اللّه (من لقمان أنه لو نطق متمما) الحكمة (لتمم بهذا وأما قوله :إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ لمن هي غذاء له ) ،أي يأت بها لمن هي غذاء له (وليس) ، أي من هي غذاء له مما يسمى باسم ويذكر به بحيث يكفي في تغذيته حبة واحدة
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلّا الذّرة المذكورة في قوله تعالى :" فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ( 7 ) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ( 8 )"[ الزلزلة : 7 - 8 ] فهي أصغر متغذّ والحبّة من الخردل أصغر غذاء .
ولو كان ثمّة أصغر لجاء به كما جاء بقوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةًثمّ لمّا علم أنّه ثمّ ما هو أصغر من البعوضة قال :فَما فَوْقَها[ البقرة : 26 ] يعني في الصّغر . وهذا قول اللّه - والّتي في « الزّلزلة » قول اللّه أيضا .
فاعلم ذلك فنحن نعلم أنّ اللّه تعالى ما اقتصر على وزن الذّرّة وثمّ ما هو أصغر منها ، فإنّه جاء بذلك على المبالغة واللّه أعلم .)
 
( إلا الذرة المذكورة في قوله ) تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ( 7 )وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ( 8 ) [ الزلزلة : 7 - 8 ] ، فهي أصغر متغذ والحبة من الخردل أصغر غذاء ولو كان ثمة ) ، أي في الوجود ( أصغر ) من الذرة وهي النملة الصغيرة في المتغذي وأصغر من حبة الخردل في الغذاء
( لجاء به كما جاء بقوله :إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةًثمّ لما علم أنه ثمّ ما هو أصغر من البعوضة قال :فَما فَوْقَها[ البقرة : 26 ] يعني في الصغر وهذا ) ،
 
أي قوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها( قول اللّه والتي في صورة الزلزلة قول اللّه أيضا فاعلم ذلك ) ، أي كونهما لقوله وتدبر فيهما لتعلم النكتة في الترقي عن البعوضة والاقتصار على الذرة في سورة الزلزلة وهي أن تلك النكتة ما أشار إليه بقوله : ( فنحن نعلم أن اللّه تعالى ما اقتصر على وزن الذرة ) من المتغذيات ( وثم ما هو أصغر منها ) ، كما لم يقتصر على البعوضة حيث كان ثمة أصغر منها ( فإنه جاء بذلك ) ، أي بذكر الذرة ( على ) سبيل ( المبالغة ) فلو كان ثمة أصغر منها لكان الإتيان به بذلك أبلغ وكذا الحال في حبة من خردل من الأغذية ، فالنكتة في قول اللّه تعالى :إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ[ لقمان : 16 ] ، أنه يتنبه من هذا القول لقوله :فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ[ الزلزلة : 7 ] ،
 
ولقوله :" إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا " لاشتراك هذه الأمور الثلاثة في كونه مما يمثل بها الأشياء في الصغر والحقارة ، ويتنبه أيضا للفرق بينها بأن حبة من خردل والذرة ليس أصغر شيء منها بخلاف البعوضة ، ولهذا وقع الترقي إلى ما فوقها يعني من الصغر ، فإن قلت : الأصغر من الذرة نصفها وثلثها وكذا الحال في حبة من خردل .
 
قلنا : المراد أنه لا أصغر منها مما يسمى باسم ويذكر به كما أشرنا إليه لا مطلقا وليس شيء مما يسمى باسم ويذكر به أصغر من الحبة والذرة بخلاف البعوضة فإن ما فوقها من الصغر هو النملة ( واللّه أعلم ) بنكات كلامه فلا نحصرها فيما ذكرنا .
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا تصغيره اسم ابنه فتصغير رحمة ولهذا وصّاه بما فيه سعادته إذا عمل بذلك .
وأمّا حكمة وصيّته في نهيه إيّاه أنلا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ لقمان : 13 ] .
والمظلوم المقام حيث نعته بالانقسام .
وهو عين واحدة فإنّه لا يشرك معه إلّا عينه وهذا غاية الجهل . وسبب ذلك أنّ الشّخص الّذي لا معرفة له بالأمر على ما هو عليه ولا بحقيقة الشّيء إذا اختلفت عليه الصّور في العين الواحدة ، وهو لا يعرف أنّ ذلك الاختلاف في عين واحدة ، جعل الصّورة مشاركة للأخرى في ذلك المقام فجعل لكلّ صورة جزءا من ذلك المقام .
ومعلوم في الشّريك أنّ الأمر الّذي يخصّه ممّا وقعت فيه المشاركة ليس عين الآخر الّذي شاركه إذ هو للآخر . فإذن ما ثمّة شريك على الحقيقة ، فإنّ كلّ واحد)
 
(وأما تصغيره اسم ابنه فتصغير رحمة ) وعطف ( ولهذا وصاه بما فيه سعادته إذا عمل بذلك ، وأما حكمة وصيته في نهيه إياه ألا يشرك باللّه فإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [ لقمان : 13 ] ، فتنبيهه لابنه ، ولما سمع كلامه على أن حقيقة الشرك منفية في نفس الأمر فقولنا : فتنبيهه جواب أما حذف لقرينة المقام ولا شك أن الظلم نسبة ظالم ومظلوم ، والظالم ههنا هو المشرك (والمظلوم المقام) ، أي مقام الألوهية (حيث نعته) المشرك (بالانقسام) ، بتعدد متعلقه (وهو ) ، أي ذلك المقام ( عين واحدة ) باعتبار متعلقه لا يقبل التعدد أصلا فلا ينقسم بتعدده مقام الألوهية ، وإنما لا يقبل التعدد ، لأن تعدده عبارة عن أن يشرك معه غيره في الألوهية وذلك باطل ( فإنه لا يشرك معه إلا عينه ) ، إذ كل موجود فرض شريكا فهذه العين الواحدة عينه .
 
( وهذا ) ، أي إشراك شيء ما هو عينه ( غاية الجهل وسبب ذلك ) الشرك تارة تجزئة الأمر المشترك فيه ، وهي ( أن الشخص الذي لا معرفة له بالأمر على ما هو عليه ولا بحقيقة الشيء إذا اختلفت عليه ) ، أي ذلك الشخص ( الصور في العين الواحدة وهو لا يعرف أن ذلك الاختلاف في عين واحدة جعل الصورة ) الواحدة ( مشاركة للأخرى في ذلك المقام ) ، بأن قسم المقام بالتجزئة بين الصورتين ( فجعل لكل صورة جزأ من ذلك المقام ومعلوم في الشريك أن الأمر ) ، أي الجزء ( الذي يخصه مما وقعت فيه المشاركة ليس غير ) ، الجزء الآخر ( الذي شاركه ) ، أي الشريك الثاني الشريك الأول بسببه ( إذ هو ) ، أي الجزء الآخر إنما هو ( للآخر ) من الشريكين ( فإذا ما ثم شريك على الحقيقة فإن كل واحد منهما)
 
"" أضاف المحقق :
غير أنه وردت في بعض المخطوطات كلمة عين بدل غير
واعتمد ذلك كل من القاشاني وبالي أفندي والقيصري في شرحهم كلمة عين.
واختار كل من الشيخ عبد الغني النابلسي وعبد الرحمن جامي كلمة غير.  أهـ ""
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( على حظّه ممّا قيل فيه إنّ بينهما مشاركة فيه .
وسبب ذلك ، الشّركة المشاعة ، وإن كانت مشاعة فإنّ التّصرّف من أحدهما يزيل الإشاعة .قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [ الإسراء : 110 ] هذا روح المسألة .)
 
( على حظه ) ، أي نصيبه ( مما قيل فيه أن بينهما مشاركة فيه وسبب ذلك ) عطف على قوله وسبب ذلك أي الشخص ، أي وسبب ذلك الشرك تارة أخرى ( الشركة المشاعة ) ،
وهو أن يجعل المشترك فيه مشاعا بين الشريكين يتوارد عليه الشريكان على سبيل البداية وذلك أيضا باطل ، فإن الشركة ( وإن كانت مشاعة ) بإشاعة الأمر المشترك فيه ( فإن التصريف ) ، أي التصرف والتأثير ( من أحدهما ) ،
أي أحد الشريكين في الأمر المشترك فيه بدون الآخر ( يزيل الإشاعة ) ، ويجعل الأمر المشترك فيه مختصا بذلك الآخر فلا ينفي الشركة ، ولما أبطل رضي اللّه عنه الشركة التي تشفي صاحبها بوجهيه أعني التجربة والإشاعة .
 
أشار إلى شركة حقة يسعد العبد باعتقادها والقول بها بقوله تعالى :  "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ" [ الإسراء : 110 ] ، فإنه يدل على شركة اسم والرحمن بل الأسماء كلها في الدلالة على الذات الأحدية الجامعة للأسماء كلها .
 
( هذه روح المسألة ) ، أي ما أشار إليه بهذه الآية من الشركة هو روح مسألة الشرك وحقيقتها ، إذ بهذا الوجه يتحقق الشركة في نفس الأمر ، بخلاف الشركة المتوهمة لأهل الحجاب في مقام الألوهية فإنها وهم محض ، أو هذا الذي ذكر من أول الوصية إلى آخرها روح المسألة وتحقيقها بقسميها الحق والباطل على وجه لا يلحقها فتور ولا قصور .
واللّه يهدي لنوره من يشاء ومن لم يهد فما له نور .
 تم الفص اللقماني
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: 24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:36 am

24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر  

الفص الهاروني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [ البقرة : 124 ] أي خليفة عليهم .
اعلم أنّ وجود هارون عليه السّلام كان في حضرة الرّحموت بقوله تعالى :"وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا" يعني لموسى :أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [ مريم : 53 ] . فكانت نبوّته من حضرة الرّحموت.
فإنّه أكبر من موسى سنّا ، وكان موسى أكبر منه نبوّة .
ولمّا كانت نبوّة هارون من حضرة الرّحمة ، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام: " يَا بْنَ أُمَّ، فناداه بأمّه لا بأبيه إذ كانت الرّحمة للأمّ دون الأب" أوفر في الحكم . )
فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
اعلم أن الإمامة المذكورة ههنا لقب من ألقاب الخلافة ، وهي تنقسم إلى إمامة بلا واسطة وبين حضرة الألوهية ، وإلى إمامة ثابتة بالواسطة ، وكل رسول بعث بالسيف فهو خليفة من خلفاء الحق ولا خلاف في أن موسى وهارون بعثا بالسيف ، فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة والخلافة ، فهارون له الإمامة التي لا واسطة بينها وبين الحق فيها وله الإمامة بالواسطة من جهة استخلاف أخيه إياه على قومه فجمع بين قسمي الإمامة فقويت نسبته إليها ، فلذلك نسبت حكمته إلى الإمامة دون غيرها من الصفات .
 
( اعلم أن وجود هارون عليه السلام ) ، في مقام الإمامة وتحققه به ( كان من حضرة الرحموت ) ، هي مبالغة الرحمة ( بقوله ) ، أي بدلالة قوله : (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا يعني لموسى أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [مريم : 53 ] فكانت نبوته من حضرة الرحموت ) ، أي الرحمة عليه وعلى موسى وعلى أمته ( فإنه أكبر من موسى سنا وكان موسى أكبر منه نبوة ) ، ولكن كان حسنا في الخلق صلبا في الدين ، ولم يكن فصيحا في النطق فطلب من اللّه أخاه هارون يكون معه في الدعوة فيعينه فوهبه اللّه لموسى ( ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة ، لذلك قال لأخيه موسى عليه السلام يا ابن أم فناداه ) ، مضافا ( بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم ) ، أي في الأثر المرتب عليها من الرقة والعطوفة
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولولا تلك الرّحمة ما صبرت على مباشرة التّربية .
ثمّ قال :لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي [ طه : 94 ] ،فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ[ الأعراف : 150 ] فهذا كلّه نفس من أنفاس الرّحمة . وسبب ذلك عدم التّثبّت في النّظر فيما كان في يديه من الألواح الّتي ألقاها من يديه .
فلو نظر فيها نظر تثبّت لوجد فيها الهدى والرّحمة . فالهدى بيان ما وقع من الأمر الّذي أغضبه ممّا هو هارون بريء منه . والرّحمة بأخيه ، فكان لا يأخذ بلحيته بمرأى من قومه مع كبره وأنّه أسنّ منه . فكان ذلك من هارون شفقة على موسى لأنّ نبوّة هارون من رحمة اللّه ، فلا يصدر منه إلّا مثل هذا . ثمّ قال هارون لموسى عليهما السّلام :إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ [ طه : 94 ] فتجعلني سببا في تفريقهم فإنّ عبادة العجل فرّقت بينهم ، فكان منهم من عبده اتّباعا للسّامريّ وتقليدا له ، ومنهم من توقّف عن عبادته حتّى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك . فخشي هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم إليه ، فكان موسى أعلم من هارون لأنّه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه بأنّ اللّه قد قضى أن لا يعبد إلّا إيّاه : وما حكم اللّه بشيء)
 
( ولولا تلك الرحمة ) ، أي أوفر في الأم ( ما صبرت على مباشرة التربية ثم قال : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ولا تشمت بي الأعداء فهذا كله ) ، بل كل واحد منه ( نفس من أنفاس الرحمة . وسبب ذلك ) ، أي سبب ما وقع من موسى من الغضب وأخذ اللحية والرأس ( عدم التثبت ) من موسى ( في النظر فيما كان بين يديه من الألواح التي ألقاها من بين يديه .
فلو نظر فيها نظر تثبت لوجد فيها الهدى والرحمة . فالهدى بيان ما وقع من الأمر الذي أغضبه مما هو ) ، أي ( هارون بريء منه . والرحمة هي الرحمة بإخيه فكان ) عطف على وجد ، أي لوجد فيها الهدى والرحمة فكان ( لا يأخذ بلحيته بمرأى من قومه ) ، أي بمكان يراه على قومه ويرون ما يفعل بأخيه .
 
( مع كبره وأنه أسن منه فكان ذلك من هارون شفقة على موسى ، لأن نبوة هارون من رحمة اللّه فلا يصدر منه إلا مثل هذا . ثم قال هارون لموسى عليهما السلام :إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ فتجعلني سببا في تفرقهم فإن عبادة العجل فرقت بينهم فكان منهم من عبده اتباعا للسامري وتقليدا له ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك . فخشي هارون أن ينسب الفرقان بينهم إليه فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل ) في الحقيقة ( لعلمه بأن اللّه قد قضى ) وقدر ( ألا يعبد إلا إياه ) .
قال تعالى : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [ الإسراء : 23 ] ، فإن هذا القضاء ليس مقصورا على الحكم التكليفي الإيجابي كما قصره عليه أهل الظاهر حتى يقال هذا لا يقتضي وقوع المقضي بل يعم الحكم التقديري أيضا ، فإن مذهبهم أن جميع محتملات الكلمات القرآنية مراد اللّه إن لم يمنع مانع شرعي أو عقلي عن إرادته ، وخصوصا إذا كان مؤيدا بكشوفهم وأذواقهم ( وما حكم اللّه بشيء)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلّا وقع . فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتّساعه ، فإنّ العارف من يرى الحقّ في كلّ شيء ، بل يراه عين كلّ شيء . فكان موسى يربّي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السّنّ . ولذلك لمّا قال له هارون ما قال ، رجع إلى السّامريّ فقال له : فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ [ طه : 95 ] ؟ يعني فيما صنعت من عدو لك إلى صورة العجل على الاختصاص ، وصنعك هذا الشّبح من حليّ القوم حتّى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم . فإنّ عيسى يقول لبني إسرائيل : « يا بني إسرائيل قلب كلّ إنسان حيث ماله ، فاجعلوا أموالكم في السّماء تكن قلوبكم في السّماء » .
وما سمّي المال مالا إلّا لكونه بالذّات تميل القلوب إليه بالعبادة . فهو المقصود الأعظم المعظّم في القلوب لما فيها من الافتقار إليه .
وليس للصّور بقاء ، فلا بدّ من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل موسى بحرقه .)
 
( إلا وقع . فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر ) ، أي أمر مبالغة ( في إنكاره ) ، على عبادة العجل في الظاهر ( وعدم اتساعه ) لها في الباطن ( فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء ) ، فلا ينكر في باطنه على شيء فإن ظهر منه إنكار بحسب الظاهر يكون بموجب الأمر لا بسبب احتجابه عن الحق فيه ( فكان موسى يربي هارون تربية علم ، وإن كان أصغر منه في السن . ولذلك ) ، أي لكونه عليه السلام كان مربيا لهارون
 
( لما قال له هارون ما قال ) أعرض عن هارون بسهولة ( رجع إلى السامري فقال لهفَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ) [ طه : 95 ] والخطب لغة : هو الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب ، وهو من تقاليب الخبط ففيه إشارة إلى عظم خبطه
( يعني فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص ، وصنعك هذا الشبح من حلى القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم . فإن عيسى يقول لبني إسرائيل : يا بني إسرائيل قلب كل إنسان حيث ماله فاجعلوا أموالكم في السماء ) ، أي تصدقوا بها وقدموها إلى الآخرة التي هي أبقى لكم وأعلا
( تكن قلوبكم هناك . وما سمي المال مالا إلا لكونه بالذات تميل القلوب إليه بالعبادة فهو المقصود الأعظم ) ، حيث جعل صاحبه نفسه التي هي أعظم شيء عنده عبده ( المعظم في القلوب لما فيها من الافتقار إليه ) ، في نيل المقاصد وتحصيل الحوائج ( وليس للصور بقاء ، فلا بد من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فغلبت عليه الغيرة فحرّقه ثمّ نسف رماد تلك الصّورة في اليمّ نسفا وقال له :وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ وسمّاه إلها بطريق التّنبيه للتّعليم ، لما علم أنّه بعض المجالي الإلهيّة .
لأحرقنه فإنّ حيوانيّة الإنسان لها التّصرّف في حيوانيّة الحيوان لكون اللّه سخّرها للإنسان ، ولا سيّما وأصله ليس من حيوان ، فكان أعظم في التّسخير لأنّ غير الحيوان ما له إرادة بل هو بحكم من يتصرّف فيه من غير إباءة .
وأمّا الحيوان فهو ذو إرادة وغرض فقد يقع منه الإباءة في بعض التّصريف . فإن كان فيه قوّة إظهار ذلك ظهر منه الجموح لما يريده منه الإنسان .
وإن لم تكن له هذه القوّة ، أو يصادف غرض الحيوان انقاد مذلّلا لما يريده منه ، كما ينقاد الإنسان مثله لأمر فيما رفعه اللّه به - من أجل المال الّذي يرجوه منه - المعبّر عنه في بعض الأحوال بالأجرة في قوله :وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا فما يسخّر له من هو مثله إلّا من حيوانيّته لا من إنسانيّته .)
 
موسى بحرقه . فغلبت عليه الغيرة فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليم نسفا ) ، أي طرحه في اليمن طرحا قيل في قوله تعالى :ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً [ طه : 97 ] ، أي نطرحه في اليم طرح النسافة وهو ما يثور من غبار الأرض
( وقال له : انظر إلى إلهك فسماه إلها بطريق التنبيه للتعليم ) ، لا بطريق التهكم للتعيير ( لما علم أنه بعض المجالي الإلهية لأحرقنه فإن حيوانية الإنسان لها التصرف في حيوانية الحيوان لكون اللّه سخرها للإنسان ولا سيما وأصله ) ، أي أصل العجل ( ليس من حيوان فكان أعظم في التسخير ، لأن غير الحيوان ما له إرادة بل هو بحكم من يتصرف فيه من غير إبائه ) ، أي امتناعه .
( وأما الحيوان فهو ذو إرادة وغرض فقد يقع منه الإباء ) ، إذا لم يوافق غرضه وإرادته ما يريد منه الإنسان المتصرف فيه ( في بعض التصريف ) ، أي في بعض أنواع تصرفاته فيه ( فإن كان فيه قوة إظهار ذلك ظهر منه الجموح لما يريده منه ذلك الإنسان ) المتصرف ( وإن لم تكن له هذه القوة أو يصادف ) ، أي يوافق غرض الإنسان ( غرض الحيوان انقاد مذللا لما يريده ) الإنسان ( منه كما ينقاد ، الإنسان ) إنسانا ( مثله لأمر ما فيما يرفعه اللّه به ) ، أي لأمر كائن رفع اللّه مثله بذلك الشيء كالمناصب والمراتب فإن فيها أمورا ينقاد الإنسان لأجلها أصحابها ( من أجل المال الذي يرجوه منه في المعبر عنه في بعض الأحوال بالأجرة ) ، فكان قوله : من أجل الخ بدلا من قوله لأمر فيما رفعه بدل البعض من الكل وقد نص على انقياد الإنسان مثله لما رفعه اللّه به ( في قوله : ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا فما تسخر له من هو مثله ) في الإنسانية ( إلا من ) حيثية ( حيوانيته لا من ) حيثية ( إنسانيته .
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإنّ المثلين ضدّان ، فيسخّره الأرفع في المنزلة بالمال أو بالجاه بإنسانيّته ويتسخّر له ذلك الآخر - إمّا خوفا أو طمعا - من حيوانيّته لا من إنسانيّته .
فما يسخّر له من هو مثله ألا ترى ما بين البهائم من التّحريش لأنّها أمثال ؟ فالمثلان ضدّان ولذلك قال :وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ[ الزخرف : 32 ] .
فما هو معه في درجته ، فوقع التّسخير من أجل الدّرجات . والتّسخير على قسمين : تسخير مراد للمسخّر ، اسم فاعل قاهر في تسخيره لهذا الشّخص المسخّر كتسخير السّيّد لعبده ، وإن كان مثله في الإنسانيّة ، وكتسخير السّلطان لرعاياه ، وإن كانوا أمثالا له في الإنسانيّة فيسخّرهم بالدّرجة . والقسم الآخر تسخير بالحال كتسخير الرّعايا للملك القائم بأمرهم في الذّبّ عنهم وحمايتهم وقتال من عاداهم وحفظه أموالهم وأنفسهم عليهم . وهذا كلّه تسخير بالحال من الرّعايا يسخّرون بذلك ملكهم ، ويسمّى على الحقيقة تسخير المرتبة .)
 
فإن المثلين ضدان ) ، من حيث أنهما لا يجتمعان ( فيسخره الأرفع في المنزلة بالمال أو الجاه بإنسانيته ويتسخر له ذاك الآخر إما خوفا أو طمعا من حيوانيته لا من إنسانيته ) ، إنما أضاف التسخير إلى إنسانيته لأن التسخير في الإنسان إنما يكون من جهة كمال ، والكمال في الإنسان ليس إلا من جهة إنسانيته ، وأضاف التسخير إلى حيوانيته لأن التسخير فيه إنما يكون من جهة نقص ليخبر به والنقص فيه ليس إلا من حيوانيته ( فما تسخر له من هو مثله ) من حيث هو مثله ( ألا ترى ما بين البهائم من التحريش ) وهو العداوة التي بينها كما هو المشاهد من الكلاب والثيران وكل ذي قوة منها مع بني نوعه دون غيره فما سواه ( لأنها أمثال فالمثلان ضدان ) لما به تقرر أن ما به الإشراك هو محل التنازع فكلما كان أكثر كان التنازع أشد كما يكون بين كل أهل صنعة وصناعة وقرابة .
( ولذلك قال : ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات فما هو ) ، أي المسخر اسم فاعل ( معه ) ، أي مع المسخر اسم مفعول ( في درجته فوقع التسخير في الإنسان من أجل الدرجات والتسخير على قسمين : تسخير مراد ) على سبيل القصد والاختيار ( للمسخر اسم فاعل قاهر في تسخير لهذا الشخص المسخر كتسخير السيد لعبده وإن كان مثله في الإنسانية وكتسخير السلطان لرعاياه وإن كانوا أمثالا له في الإنسانية فيسخرهم بالدرجة . والقسم الآخر ) ،
الذي ليس مراد للمسخر اسم فاعل ( تسخير بالحال ) ، من غير قصد منه واختيار ( كتسخير الرعايا للملك القائم بأمرهم في الذب عنهم وحمايتهم وقتل من عاداهم وحفظ أموالهم وأنفسهم عليهم . وهذا كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون بذلك مليكهم ويسمى ) هذا التسخير ( على الحقيقة تسخير المرتبة ) ، أي مرتبة الرعية
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالمرتبة حكمت عليه بذلك .
فمن الملوك من سعى لنفسه ، ومنهم من عرف الأمر فعلم أنّه بالمرتبة في تسخير رعاياه ، فعلم قدرهم وحقّهم ، فآجره اللّه على ذلك أجر العلماء بالأمر على ما هو عليه وأجر مثل هذا يكون على اللّه في كون اللّه في شؤون عباده .
فالعالم كلّه مسخّر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه أنّه مسخّر . قال تعالى : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [ الرحمن : 29 ] .
فكان عدم قوّة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتّسليط على العجل كما سلّط موسى عليه ، حكمة من اللّه ظاهرة في الوجود ، ليعبد في كلّ صورة . وإن ذهبت تلك الصّورة بعد ذلك فما ذهبت إلّا بعدما تلبّست عند عابدها بالألوهيّة .
ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلّا وعبد إمّا عبادة تألّه وإمّا عبادة تسخير فلا بدّ من ذلك لمن عقل.)
 
( فالمرتبة ) ، أي مرتبة الرعية ( حكمت عليه بذلك ، فمن الملوك من سعى لنفسه ) ، وما علم أن مرتبة رعيته حكمت عليه بالتسخير ( ومنهم من عرف الأمر فعلم أنه بالمرتبة في تسخير رعاياه . فعلم قدرهم وحقهم فآجره اللّه على ذلك أجر العلماء بالأمر على ما هو عليه وأجر مثل هذا يكون على اللّه ) ، لنيابته عن اللّه ( في كون اللّه في شؤون عباده ) ، فإذا قام بذلك وقضى حوائجهم للّه لا لغرض نفسه فأجره على من ينوب هو منابه ( فالعالم كله مسخر بالحال ) ، على صيغة اسم الفاعل ( من لا يمكن أن يطلق عليه اسم مسخر ) على صيغة المفعول بناء على أن أسماء الحق من حيث إلّيته ما يدل على التأثير لا على التأثر إلا أنه لما كان باعتبار هويته في شأن عباده كان مسخرا بالحال بهذا الاعتبار ولذلك ( قال تعالى :كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [ الرحمن : 29 ] حيث أتى بضمير الغائب الدال على هويته دون الأسماء الألوهية كالاسم اللّه والرحمن وغيرهما من الأسماء المختصة به ( فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ ) ، أي بأن ينفذ إرداعه ( في أصحاب العجل بالتسليط ) ، أي تسليط هارون ( على العجل ) وإفنائه ( كما سلط موسى عليه حكمة من اللّه ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة . وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فما ذهبت إلا بعدما تلبست عند عابدها بالألوهية ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد إما عبادة تأله ) كعبادة الأصنام وغيرها من الشمس والقمر والكواكب .
( وإما عبادة تسخير ) ، كعبادة أصحاب المناصب لأجل المال والجاه ( فلا بد من ذلك لمن عقل ) ، لأنه لا يقع الارتباط بين الموجودات إلا بافتقار بعضها لبعض وهو يستلزم التسخير والتسخر وذلك ظاهر لمن
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وما عبد شيء من العالم إلّا بعد التّلبّس بالرّفعة عند العابد والظّهور بالدّرجة في قلبه . ولذلك يسمّى الحقّ لنا برفيع الدّرجات ، ولم يقل رفيع الدّرجة .
فكثّر الدّرجات في عين واحدة . فإنّه قضى أن لا نعبد إلّا إيّاه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كلّ درجة مجلى إلهيا عبد فيها . وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه « الهوى »
كما قال : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ فهو أعظم معبود ، فإنّه لا يعبد شيء إلّا به ، ولا يعبد هو إلّا بذاته . وفيه أقول :
وحقّ الهوى إنّ الهوى سبب الهوى  .... ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
ألا ترى علم اللّه بالأشياء ما أكمله ، كيف تمّم في حقّ من عبد هواه واتّخذه إلها فقال :
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ والضّلالة الحيرة ، وذلك أنّه لمّا رأى هذا العابد ما عقل وأدرك الحقائق)
 
 ( وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة ) الرفيعة ( ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات ) ،
حيث قال رفيع الدرجات ذو العرش ( ولم يقل رفيع الدّرجة فكثر الدرجات في عين واحدة فإنه قضى أن لا يعبدوا إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها . وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه الهوى كما قال تعالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [ الجاثية : 23 ] فهو أعظم معبود فإنه لا يعبد شيء إلا به ولا يعبد هو ) ، أي الهوى ( إلا بذاته ) .
قال رضي اللّه عنه في فتوحاته المكية : شاهدت الهوى في بعض المكاشفات ظاهرا بالألوهية قاعدا على عرشه جميع عبدته حافين عليه واقفين عنده وما شاهدت معبودا في الصور الكونية أعظم منه ( وفيه أقول : وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى . . ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى ) .
يعني بحق الحب الأصلي المعبر عنه في الحديث القدسي بقوله : « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف » أن ذلك الهوى بعينه هو سبب الهوى المخبى الفرعي الذي انجذبت به القلوب إلى جمال الحق وكماله المطلق ، ولولا ذلك الهوى المخبى الفرعي في القلوب ما عبد الهوى الذي هو الميل إلى مظاهره الكونية ومجاليه الخلقية بالاتباع له والانقياد لحكمه ( ألا ترى علم اللّه في الأشياء ما أكمله كيف تمم ) العلم أو تمم الآية الواردة ( في حق من عبد هواه واتخذه إلها ) ، أعني قوله :أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ( فقال : ) تتميمه بها (وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ [ الجاثية : 23 ] والضلالة الحيرة وذلك ) لتتميم
 
"" أضاف الجامع :
يقول الشيخ في الفتوحات الباب الأحد والثلاثون وثلاثمائة :
واعلم أنه لولا الهوى ما عبد الله في غيره وإن الهوى أعظم إله متخذ عبد فإنه لنفسه حكم وهو الواضع كل ما عبد وفيه قلت :
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ..... ولو لا الهوى في القلب ما عبد الهوى
قال تعالى : "أَفَرَأَيْتَ من اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وأَضَلَّهُ الله عَلى عِلْمٍ " فلولا قوة سلطانه في الإنسان ما أثر مثل هذا الأثر فيمن هو على علم بأنه ليس بإله
 
يقول الشيخ في الفتوحات الباب الباب التاسع والخمسون وخمسمائة:
ومن ذلك سر عبادة الهوى لما ذا تهوي من الباب 52 لا احتجار على الهوى
ولهذا يهوى بالهوى يجتنب الهوى
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ..... ولو لا الهوى في القلب ما عبد الهوى
بالهوى يتبع الحق
والهوى يقعدك مقعد الصدق الهوى ملاذ وفي العبادة به التذاذ وهو معاذ لمن به عاذ
والنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وما غَوى
فبهوى النجم وقع القسم بعد ما طلع ونجم مواقع النجوم لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ
فلولا علو قدره ما عظم من أمره.
 
يقول الشيخ في الفتوحات الباب الباب التاسع والخمسون وخمسمائة:
ومن ذلك المقام الأجلى في المجلى من الباب 262 في المجلى تذهب العقول والألباب وهو للأولياء العارفين والأحباب
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ..... ولو لا الهوى في القلب ما عبد الهوى
وما ثم غيره فالأمر أمره العقل محتاج إليه وخديم بين يديه له التصريف والاستقامة والتحريف عم حكمه لما عظم علمه فضل عليه العقل بالنظر الفكري والنقل ما حجبه عن القلوب إلا اسمه وما ثم إلا قضاؤه وحكمه
ما سمي العقل إلا من تعقله ..... ولا الهوى بالهوى إلا من اللدد
إن الهوى صفة والحق يعلمها ..... يضل عن منهج التشريع في حيد
هو الإرادة لا أكني فتجهله ..... لولاه ما رمى الشيطان بالحسد
والعقل ينزل عن هذا المقام فما ..... له به قدم فانظره يا سندي
له النفوذ ولا يدري به أحد ..... له التحكم في الأرواح والجسد
هو الذي خافت الألباب سطوته ..... هو الأمين الذي قد خص بالبلد   ""
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( عبد إلّا هواه بانقياده لطاعته فيما يأمره من عبادة من عبده من الأشخاص .
حتّى أنّ عبادته للّه كانت عن هوى أيضا ، لأنّه لو لم يقع له في ذلك الجانب المقدّس هوى - وهو الإرادة بمحبّته ما عبد اللّه ولا آثره على غيره .
وكذلك كلّ من عبد صورة ما من صور العالم واتّخذها إلها ما اتّخذها إلّا بالهوى فالعابد لا يزال تحت سلطان هواه .
ثمّ رأى المعبودات تتنوّع في العابدين ، فكلّ عابد أمرا ما يكفّر من يعبد سواه ؛ والّذي عنده أدنى تنبّه يحار لاتّحاد الهوى ، بل لأحديّة الهوى ، فإنّه عين واحدة في كلّ عابد .وَأَضَلَّهُ اللَّهُ أي حيّره عَلى عِلْمٍ [ الجاثية : 23 ] بأنّ كلّ عابد ما عبد إلّا هواه ولا استعبده إلّا هواه سواء صادف الأمر المشروع أو لم يصادف . والعارف المكمّل من رأى كلّ معبود مجلى للحقّ يعبد فيه .)
 
( أنه ) ، أي الحق تعالى ( لما رأى أن العابد ما عبد إلا هواه بانقياده لطاعته ) ، أي بانقياد العابد لطاعة هواه ( فيما يأمره به من عبادة من عبده من الأشخاص حتى أن عبادته للّه كانت عن هوى أيضا ، لأنه لو لم يقع له في ذلك الجناب المقدس ) ، عن أن يتطرق إليه كل أحد ( هوى وهو الإرادة بمحبة ) ، أي إرادة نفسانية مع محبة إلهية كإرادة الجنة والنجاة من النار والفوز بالدرجات العالية
( ما عبد اللّه ولا آثره على غيره . وكذلك كل من عبد صورة ما من صور العالم واتخذها إلها ما اتخذها ) ، إلها ( إلا بالهوى فالعابد لا يزال تحت سلطان هواه . ثم رأى المعبودات ) ، عطف على قوله رأى أن العابد ، ثم رأى الحق تعالى المعبودات الكونية ( تتنوع في ) نظر ( العابدين ) ، لها في الحقيقة والبطلان
( فكل عابد أمرا ما يكفر من يعبد سواه والذي عنده أدنى نسبة يحار لاتحاد الهوى ) ، عند اعتبار نسبة إلى متعلقاته فإن الكل فيه متحد ( بل لأحدية الهوى ) عند قطع النظر من تلك المتعلقات ( فإنه عين واحدة ) ، وإن كانت متحققة ( في كل عابد فأضله اللّه ) ، جواب لما ، وإدخال الفاء بطول الكلام
( أي حيره ) ، حيث لا يعلم أن الحلي مع من هؤلاء من العابدين لكن حيره ( على علم بأن كل عابد ما عبد إلا هواه ولا استعبده إلا هواه سواء صادف هواه الأمر المشروع ) ، يعني الإله الذي شرع عباده ( أو لم يصادف ) ، وهو الإله الباطل الذي نهى عن عبادته
( والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه ) ، فالحق هو المعبود مطلقا جمعا وفرقا .
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولذلك سمّوه كلّهم إلها مع اسمه الخاصّ بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك . هذا اسم الشّخصيّة فيه .
والألوهيّة مرتبة تخيّل العابد له أنّها مرتبة معبوده ، وهي على الحقيقة مجلى للحقّ لبصر هذا العابد المعتكف على هذا المعبود في هذا المجلى المختصّ . ولهذا قال بعض من عرف مقالة جهالة ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [ الزمر : 3 ] مع تسميتهم إيّاهم آلهة .
حتّى قالوا :أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ ص : 5 ] ، فما أنكروه بل تعجّبوا من ذلك ، فإنّهم وقفوا مع كثرة الصّور ونسبة الألوهيّة لها .
فجاء الرّسول ودعاهم إلى واحد يعرف ولا يشهد ، بشهادتهم أنّهم أثبتوه عندهم واعتقدوه في قولهم :ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى. )
 
( ولذلك ) ، أي لكون كل معبود مجلى للحق وإن لم يعرف العابد ذلك ( سموه ) ، أي سمى العابدون ( كلهم ) ، ذلك المجلى ( إلها مع اسمه الخاص ) ، حيث يسمى ( بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك هذا اسم الشخصية ) ، أي التعين ( فيه ) بالنظر إلى نفسه ( والألوهية مرتبة تخيل العابد له أنها مرتبة معبوده ) الخاص ( وهي على الحقيقة مجلى للحق لبصر هذا العابد الخاص المعتكف على هذا المعبود في هذا المجلى المختص . ولهذا ) ، أي لأن المعبود الخاص مجلى للحق لنص هذا العابد المحجوب بتعين معبوده الذي هو المجلى الخاص
( قال من عرف ) ، أي كان من استعداده الفطري أن يعرف الأمر على ما هو عليه ، وهو أن معبوده الخاص على الحقيقة مجلى للحق وإن لم يعرف بالفعل ( مقالة جهالة ) أي ناشئة عن جهالته بما هو الأمر عليه (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) [ الزمر : 3 ] ،
وإنما كانت هذه المقالة مقالة جهالة ، لأنه جعل ما هو مجلى إلها مقربا إليه مع أن كونه مجلى إلهيا يقتضي العينية وكونه مقربا يقتضي الغيرية ( مع تسميتهم إياهم آلهة حتى قالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب فما أنكروه ) ، أي الإله الواحد
( بل تعجبوا من ذلك ) ، أي من جعل الآلهة إلها واحدا لغرابته بالنسبة إلى عقائدهم المأنوسة وتقليداتهم المألوفة ( فإنهم وقفوا مع كثرة الصور ونسبة الألوهة لها ) ، أي إليها ( فجاء الرسول ودعاهم إلى إله واحد يعرف ولا يشهد ) ، على صيغة المبني للمفعول فإنه من حيث وحدته الحقيقية معلومة غير مشهودة بالبصر ( بشهادتهم ) ، متعلق الواحد ، أي دعاهم الرسول إلى الإله الواحد الحق بشهادتهم ( أنهم أثبتوه عندهم واعتقدوه في قولهم :ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى.
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لعلمهم بأنّ تلك الصّور حجارة ، ولذلك قامت الحجّة عليهم بقوله :قُلْ سَمُّوهُمْ [ الرعد : 33 ] فما يسمّونهم إلّا بما يعلمون أنّ تلك الأسماء لهم حقيقة .
وأمّا العارفون بالأمر على ما هو عليه فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصّور لأنّ مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت لحكم الرّسول الّذي آمنوا به عليهم الّذي به سمّوا مؤمنين .
فهم عبّاد الوقت مع علمهم بأنّهم ما عبدوا من تلك الصّور أعيانها ، وإنّما عبدوا اللّه فيها بحكم سلطان التّجلّي الّذي عرفوه منهم ، وجهله المنكر الّذي لا علم له بما تجلّى .  وستره العارف المكمّل من نبيّ ورسول ووارث عنهم .
فأمرهم بالانتزاح عن تلك الصّور لما انتزح عنها رسول الوقت اتّباعا للرّسول طمعا في محبّة اللّه إيّاهم بقوله :قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ آل عمران : 31 ] .
فدعا إلى إله يصمد إليه ويعلم من حيث الجملة ، ولا يشهد ولا تُدْرِكُهُ)
 
لعلمهم بأن تلك الصور حجارة ولذلك قامت الحجة عليهم في قوله :قُلْ سَمُّوهُمْ[ الرعد : 33 ] فما يسمونهم إلا بما يعلمون أن هذه الأسماء ) الكونية كالحجر والكوكب وغيرهما . ( لهم حقيقة .
وأما العارفون بالأمر بما هو عليه ) المكملون الذين يرون الكل مجالي الواحد الحق ( فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصور ) مع رؤيتهم أنها مجالي للحق ( لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت لحكم الرسول الذي آمنوا به عليهم الذي سموا به مؤمنين . فهم عباد الوقت ) ، أي عباد اللّه على ما اقتضاه الوقت ( مع علمهم ) ، أي العابدين للمجلى ( بأنهم ما عبدوا من تلك الصور أعيانها وإنما عبدوا اللّه فيها بحكم سلطان التجلي الذي عرفوه ) أي العارفون ( منهم ) ، أي من العابدين ( وجهله المنكر الذي لا علم له بما تجلى ) الحق بالصور الكونية ( أو يستره العارف المكمل من نبي ورسول ووارث عنهم . فأمرهم ) ، أي أمر العارف المكمل المحجوبين ( بالانتزاح ) ، أي الاجتناب ( عن تلك الصور لما انتزح عنها رسول الوقت اتباعا للرسول طمعا في محبة اللّه إياهم ) ، الثابتة ( بقوله :قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[ آل عمران : 31 ].
فدعا الرسول إلى إله يصمد إليه ) ، ويقصد لقضاء الحوائج ( ويعلم من حيث الجملة ) ، أي على وجه الإجمال ( ولا يشهد ) ، لأن المشهود كان من كان ليس له أبهة الغالب في عزه وعظمته و
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الْأَبْصارُ" بل "وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ" للطفه وسريانه في أعيان الأشياء . فلا تدركه الأبصار كما أنّها لا تدرك أرواحها المدبّرة أشباحها وصورها الظّاهرة .   فهواللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ الأنعام : 103 ] .
والخبرة ذوق ، والذّوق تجلّ ، والتّجلّي في الصّور . فلا بدّ منها ولا بدّ منه .
فلا بدّ أن يعبده من رآه بهواه إن فهمت .وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ[ النحل : 9 ] .)


 (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُبل ووَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) فالأول ( للطفه و ) الثاني لمكان ( سريانه في أعيان الأشياء فلا تدركه الأبصار كما أنها ) ، أي الأبصار ( لا تدركه أرواحها المدبرة أشباحها وصورها الظاهرة ) ، عطف على أشباحها عطف تفسير .
وقيل : المراد بالأشباح الأبدان المثالية ، وبالصور الظاهرة الأبدان الحسية ، وعطفه بعضهم على أرواحها ، وأراد بصور الإبصار العيون ، فإن العين الباصرة غير مدركة للقوة الباصرة بنفسها بل بواسطة المرآة .
 
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه : كما أنها لا تدركه أرواحها المدبرة أشباحها وصورها الظاهرة ، فضمير أنها للقصة يعني لا تدركها الأبصار كما أنه لا تدركها الأرواح التي ليست الأبصار إلا بعضا من قواها ففي هذه العبارة زيادة مبالغة في عدم إدراك الأبصار له كما لا يخفى ( فهو اللطيف ) لتنزهه عن إدراك الأبصار ( الخبير ) لسريانه في أعيان الأشياء ( والخبرة ذوق والذوق تجل ) ، أي حاصل كالتجلي ( والتجلي ) لا يكون إلا ( في الصور ) ، لأن التجلي هو الظهور ولا بد في الظهور من مظهر والمظاهر هي الصورة ؛
ولذلك قال : ( فلا بد منها ) أي لا بد للتجلي من الصور ( و ) كذا ( لا بد ) للصور ( منه ) أي من التجلي ، لأن الصورة ليست إلا تعين تجلي الوجود الحق فالوجود الحق من حيث الإطلاق هو المتجلي ومن حيث التقيد والتعين هو المجلى والصورة فإذا تجلى الوجود الحق في الصورة ( فلا بد أن يعبده من رآه ) ، في تلك الصور ( بهواه ) الحاكم إليه في عبادة من يهواه هذا سر عبادة الصورة ( إن فهمت وعلى اللّه قصد السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ) .
تم الفص الهاروني
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 12:24 pm

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر  

الفص الموسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الأول
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى عليه السّلام لتعود إليه بالإمداد حياة كلّ من قتل لأجله لأنّه قتل على أنّه موسى . وما ثمّ جهل ، فلا بدّ أن تعود حياته على موسى عليه السّلام أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنّسها الأغراض النّفسيّة ، بل هي على فطرة « بلى » . فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنّه هو)
فص حكمة علوية في كلمة موسوية
علو قدر موسى عليه السلام ورفعه مقامه بين الأنبياء عليهم السلام أظهر من أن تحتاج إلى البيان ، وكذا كثرة آياته وقوة معجزاته أبين من أن تفتقر إلى البرهان . ومن هذا القبيل ظفره على أعدائه وغلبته على خصمائه ، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى ، ولا شك أن كل واحد من هذه الأمور يكفي في توصيف حكمته بالعلوية ،
فإذا اجتمعت فبالطريق الأولى ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه ) الظاهر أن يقال : حكمة قتل الأبناء أن يعود أو قتل الأبناء لأن يعود ، فكأن مؤدى الحكمة واللام واحدا فلا يبعد أن يجعل الثاني تأكيدا للأول بحسب المعنى يريد رضي اللّه عنه أن الحكمة في قتل فرعون وأعوانه الأبناء من أطفال بني إسرائيل من أجل موسى أن يعود إلى موسى ( بالإمداد حياة كل من قتل من أجله ) ، أي روحانيته التي هي حقيقة وجودية منصبغة بصفة الحياة ولذلك عبر عنها بالحياة
( لأنه قتل على أنه موسى وما ثم جهل ) ، فهو تعالى يعلم أنه قتل على أنه موسى
 ( فلا بد أن تعود حياته ) ، أي روحانيته بالإمداد ( على موسى أعني حياة المقتول من أجله ) ، وروحانيته ليجازي قاتله في صورة موسى فإن الوجود مجازي مكافى كل ما ألقى إليه بصورة الفعل ألقى مثله إلى الفاعل في صورة الجزاء وما أشبه كونه مقتولا في صورة موسى توهما بكونه قابلا لقاتله في صورته حقيقة ( وهي ) ،
 أي ( حياة ) المقتول وروحانيته ( طاهرة ) باقية ( على الفطرة ) ، التي فطرها اللّه عليها ( لم تدنسها الأغراض النفسية ) ، المانعة لها عن الإمداد ( بل هي على فطرة بلى ) القابلة بها أن يفيض عليها من الرب المطلق ما يمد به موسى في قتل فرعون وأعوانه جزاء وفاقا ( فكان موسى مجموع حياة كل من قتل ) ، وروحانيتهم حين قتل كل واحد منهم ( على أنه هو ) ، أي
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكلّ ما كان مهيّئا لذلك المقتول ممّا كان استعداد روحه له ، كان في موسى عليه السّلام .  وهذا اختصاص إلهيّ لموسى لم يكن لأحد قبله .
فإنّ حكم موسى كثيرة فأنا إن شاء اللّه تعالى أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهيّ في خاطري .  فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .
فما ولد موسى إلّا وهو مجموع أرواح كثيرة وجمع قوى فعّالة لأنّ الصّغير يفعل في الكبير .
ألا ترى الطّفل يفعل في الكبير بالخاصيّة فينزّل الكبير من رياسته إليه فيلاعبه ويزقزق له ويظهر له بعقله .
فهو تحت تسخيره وهو لا يشعر ؛ ثمّ يشغله بتربيته وحمايته وتفقّد مصالحه وتأنيسه حتّى لا يضيق صدره . هذا كلّه من فعل الصّغير بالكبير وذلك لقوّة المقام فإنّ الصّغير حديث عهد بربه لأنّه حديث التّكوين والكبير أبعد . فمن كان من اللّه أقرب)
 
موسى ( وكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له ) من أسباب الإمداد من الحياة والعلم والقدرة والإرادة وغيرها ( كان مهيأ في ) صورة ( موسى ) ، للانتقام من فرعون وأعوانه .


( وهذا ) ، أي اجتماع أرواح الأبناء المقتولين لإمداد موسى ( اختصاص إلهي لموسى لم يكن لأحد قبله ) وحكمة واحدة من الحكم التي خصه اللّه بها ( فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء اللّه أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به ) ، أي باطنها ( الأمر الإلهي في خاطري فهذا أول ما شوفهت به ) ، من الحضرة الإلهية في الصورة المحمدية ( من هذا الباب ) ، أي الفص الموسوي ( فما ولد موسى إلا وهو ) مع ما معه من أرواح أبناء بني إسرائيل بالإمداد والتأييد ( مجموع أرواح كثيرة جمعت قوى فعالة ، لأن الصغير يفعل بالكبير ) ، ويؤثر فيه أفعالا كثيرة وتأثيرات عجيبة ( ألا ترى الطفل يفعل في الكبير ) ويؤثر فيه ( بالخاصية ) ،
وإنما قال بالخاصية لخفاء سبب ذلك الفعل ( فينزل الكبير من رياسته إليه فيلاعبه ويزقزق له ) ، بالزاي المعجمة أي يرقصه ( ويظهر له بعقله ) ، أي ينزل مبلغ عقله ( فهو تحت تسخيره وهو ) ، أي الكبير ( لا يشعر بذلك ثم يشغله ) ، أي الطفل الصغير الكبير ( بتربيته وحمايته وتفقد مصالحه وتأنيسه حتى لا يضيق صدره . هذا كله من فعل الصغير بالكبير ، وذلك لقوة المقام فإن الصغير حديث عهد بربه لأنه حديث
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( سخّر من كان من اللّه أبعد .
كخواصّ الملك للقرب منه يسخّرون الأبعدين .
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يبرز بنفسه للمطر إذا أنزل ويكشف رأسه له حتّى يصيب منه ويقول إنّه حديث عهد بربّه . فانظر إلى هذه المعرفة باللّه من هذا النّبيّ ما أجلّها وما أعلاها وأوضحها . فقد سخّر المطر أفضل البشر لقربه من ربّه فكان مثل الرّسول الّذي ينزل إليه بالوحي فدعاه بالحال بذاته إليه ليصيب منه ما أتاه به من ربّه .
فلو لا ما حصّلت له منه الفائدة الإلهيّة بما أصاب منه ، ما برز بنفسه إليه .
فهذه رسالة ماء جعل اللّه منه كلّ شيء حيّ فافهم .
وأمّا حكمة إلقائه في التّابوت ورميه في اليمّ : فالتّابوت ناسوته ، واليمّ ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم مما أعطته القوّة النّظريّة الفكريّة والقوى الحسيّة والخياليّة الّتي لا يكون شيء منها ولا من أمثالها لهذه النّفس الإنسانيّة)
 
التكوين والكبير أبعد ) ، وكما أن القرب الزماني من المبدأ الحق يوجب قوة التسخير كما في المثال المذكور وكذا القرب بسحب قلة الوسائط وكثرة وجوه المناسبات من القدس والنزاهة يوجب قوة التسخير
وإليه أشار بقوله ( فمن كان من اللّه أقرب سخر من كان من اللّه أبعد كخواص الملك للقرب منه ) ، أي من اللّه بقلة الوسائط وكثرة وجوه المناسبات
( يسخرون الأبعدين . كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يبرز نفسه للمطر إذا نزل ويكشف رأسه له حتى يصيب منه ويقول إنه حديث عهد بربه . فانظر إلى هذه المعرفة باللّه من هذا النبي ما أجلها وما أعلاها وأوضحها . فقد سخر المطر أفضل البشر لقربه من ربه فكان ) ،
أي المطر في نزوله من ربه عليه ( مثل الرسول ) ، أي الملك ( الذي ينزل إليه بالوحي فدعاه ) ، أي المطر أفضل البشر ( بالحال ) ، أي بلسان الحال ( بذاته ) ، أي إلى ذاته ونفسه ( فبرز إليه ليصيب منه ما آتاه به من ربه ) من المعاني والأسرار كالإشارة إلى الحياة والعلم والرزق وغير ذلك ( فلو لا ما حصلت له منه الفائدة الإلهية ) ، لفظة ما موصولة وقوله : الفائدة الإلهية بدل أو عطف بيان للموصول أو لضميره ( ما أصاب منه ما برز بنفسه إليه فهذه ) ، أي دعوة المطر أفضل البشر وإتيانه بما آتاه من ربه ( رسالة ما جعل اللّه منه كل شيء حي ) ، حياة صورة طبعية بصورته وحياة معنوية حقيقة نعتا أعني العلم ( فافهم ).
(وأما حكمة إلقائه في التابوت ورميه في اليم فالتابوت ) بلسان الإشارة ( ناسوته ) ، أي صورته الإنسانية ( واليم ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم مما أعطته القوة النظرية الفكرية والقوى الحسية والخيالية التي لا يكون شيء منها ) من تلك القوى ( ولا من أمثالها لهذه النفس الإنسانية)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلا بوجود هذا الجسم العنصريّ .
فلمّا حصلت النّفس في هذا الجسم وأمرت بالتّصرّف فيه وتدبيره ، جعل اللّه لها هذه القوى آلات تتوصّل بها إلى ما أراده اللّه منها في تدبير هذا التّابوت الّذي فيه سكينة الرّبّ .
فرمي به في اليمّ ليحصل بهذه القوى على فنون العلم .
فأعلمه بذلك أنّه وإن كان الرّوح المدبّر له هو الملك ؛ فإنّه لا يدبّره إلّا به ، فأصحبه هذه القوى الكائنة في هذا النّاسوت الّذي عبّر عنه بالتّابوت في باب الإشارات والحكم .
كذلك تدبير الحقّ العالم فإنّه ما دبّره إلّا به أو بصورته .
فما دبّره إلّا به كتوقّف الولد على إيجاد الوالد ، والمسبّبات على أسبابها ، والمشروطات على شروطها ، والمعلولات على عللها ، والمدلولات على أدلّتها ، والمحقّقات على حقائقها . وكلّ ذلك من العالم .)
 
إلا بوجود هذا الجسم العنصري . فلما حصلت النفس في هذا الجسم وأمرت بالتصرف فيه والتدبير فيه جعل اللّه لها هذه القوى آلات يتوصل بها إلى ما أراده اللّه منها ) ، أي من النفس ( في تدبير هذا التابوت الذي في سكينة الرب ) ، لأن اليقين والعلم الذي يزداد به الإيمان وتسكن به النفس إلى ربها وتطمئن لا يحصل إلا فيها ( فرمى به في اليم ليحصل بهذه القوى على فنون العلم . فأعلمه بذلك ) ،
أي أعلم اللّه سبحانه موسى بما فهم بلسان الإشارة عن إلقائه في التابوت ورميه في اليم ( أنه ) ، أي الجسم ( وإن كان الروح المدبر له هو الملك فإنه لا يدبره إلا به فأصحبه هذه القوى الكائنة في هذا الناسوت الذي عبر عنه بالتابوت في باب الإشارات ) ، الإلهية ( والحكم ) الربانية ( كذلك تدبير الحق العالم فإن ما دبره إلا به أو بصورته فما دبره إلا به ) ، أي فالذي دبره ( كتوقف الولد على إيجاد الوالد و ) كتوقف ( المسببات على أسبابها ) كتوقف السرير على النجار والخشب وتخيله صورته وغايته ولكنه مع ذلك يحتاج إلى عدم المانع ووجود المقتضى وهو المعبر عنه بالشرط ( و ) كتوقف ( المشروطات على شروطها ) ، كما عرفت مثالهما ( و ) كتوقف ( المعلولات على عللها ) التامة كتوقف وجود النهار على طلوع الشمس ( و ) كتوقف ( المدلولات على دلائلها و ) كتوقف ( المحققات ) بصيغة اسم المفعول ، أي الأشخاص ( على حقائقها ) النوعية التي عينها خارجا وعقلا ظاهرا وباطنا ( وكل ذلك من العالم وهو ) ، أي جعل
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهو تدبير الحقّ فيه فما دبّره إلّا به .
وأمّا قولنا أو بصورته - أعني صورة العالم - فأعني به الأسماء الحسنى والصّفات العلى الّتي تسمّى الحقّ بها واتّصف بها .
فما وصل إلينا من اسم يسمّى به إلّا وجدنا معنى ذلك الاسم وروحه في العالم . فما دبّر العالم أيضا إلّا بصورة العالم .
ولذلك قال في آدم الّذي هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهيّة الّتي هي الذات والصّفات والأفعال : « إنّ اللّه خلق آدم على صورته » وليست صورته سوى الحضرة الإلهيّة . فأوجد في هذا المختصر الشّريف الّذي هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهيّة وحقائق ما خرج عنه في العالم الكبير المنفصل ، وجعله روحا للعالم )
 
العالم موقوفا بعضه على بعض ( تدبير الحق فيه فما دبره ) ، أي العالم ( إلا به ) ، أي بالعالم .
( وأما قولنا أو بصورته أعني صورة العالم فأعني به الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تسمى الحق بها ) ، باسم حسن ( واتصف بها ) بصفة علياء ( فما وصل إلينا من اسم تسمى به إلا وجدنا معنى ذلك الاسم وروحه في العالم ) ، ومن البين أن الاسم صورة لمعناه وروحه ، فإذا كان معناه وروحه مما في العالم يكون هو صورة ما في العالم ( فما دبر العالم ) إذ دبر بأسمائه الحسنى ( أيضا إلا بصورة العالم ) ، وكما أن الأسماء الحسنى والصفات العلى صورة العالم كذلك هي صورة الحضرة الإلهية ( ولذلك قال في حق آدم الذي هو البرنامج ) معرب برنامه .
وفي بعض النسخ هو الأنمونامج معرب بمونامه . وعلى التقديرين هو العنوان الجامع لما في صحيفة الكتاب من السلام والأوصاف والأحكام فإن آدم أيضا هو ( الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال : « إن اللّه خلق آدم على صورته » وليست صورته سوى الحضرة الإلهية . فأوجد في هذا المختصر الشريف الذي هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهية وحقائق ما خرج عنه في العالم الكبير المنفصل ) بعضها عن بعض وإنما قال : وحقائق ما خرج منه في العالم الكبير ، لأن جميع ما في العالم ليست موجودة في الإنسان بحسب صورها بل بحسب حقائقها التي هي بها هي ( وجعله ) ، باعتبار تلك الجمعية ( روحا للعالم ) ، بأن صير ذلك الكثير شخصا واحدا
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسخّر له العلو والسّفل لكمال الصّورة .
فكما أنّه ليس شيء في العالم إلّا وهو يسبّح اللّه بحمده ، كذلك ليس شيء في العالم إلّا وهو مسخّر لهذا الإنسان لما تعطيه حقيقة صورته .
فقال تعالى :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ[ الجاثية : 13 ] فكلّ ما في العالم تحت تسخير الإنسان علم ذلك من علمه - وهو الإنسان الكامل - وجهل ذلك من جهله ، وهو الإنسان الحيوان .
فكانت صورة إلقاء موسى في التّابوت ، وإلقاء التّابوت في اليمّ صورة هلاك في الظّاهر وفي الباطن كانت نجاة له من القتل . فحيّي كما تحيا النّفوس بالعلم من موت الجهل .
كما قال :أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً يعني بالجهل فَأَحْيَيْناهُ يعني بالعلم وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ[ الأنعام : 122 ] وهو الهدى كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ[ الأنعام : 122 ]
وهي الضّلال لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [ الأنعام : 122 ] أي لا يهتدي أبدا : فإنّ الأمر في نفسه لا غاية له يوقف عندها . فالهدى هو أن يهتدي الإنسان إلى الحيرة ، فيعلم أنّ الأمر حيرة .)
 
 
تصير الروح الأعضاء المتكثرة جسدا واحدا ( فسخر له العلو والسفل لكمال الصورة ) وجامعيتها الصورة الإلهية والكونية ( فكما أنه ليس من العالم إلا وهو يسبح اللّه بحمده ) ما يعطيه حقيقة ذاته والمسبح مسخر لمن يسبحه ( كذلك ليس شيء من العالم إلا وهو مسخر لهذا الإنسان لما تعطيه حقيقة صورته قال تعالى :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ[ الجاثية : 13 ] فكل ما في العالم تحت تسخير الإنسان علم ذلك من علمه وهو الإنسان الكامل ) ، إذ هو الذي يعلمه بالكشف والوجدان .
( وجهل ذلك من جهله وهو الإنسان الحيوان . فكانت صورة إلقاء موسى في التابوت والقاء التابوت في اليم صورة هلاك في الظاهر وفي الباطن كانت نجاة من القتل . فيحيا موسى بالإلقاء في اليم كما تحيا النفوس بالعلم من موت الجهل . كما قالأَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً يعني بالجهل فَأَحْيَيْناهُ يعني بالعلم وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ وهو الهدى كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ وهي الضلال لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [ الأنعام : 122 ] ، أي لا يهتدي أبدا وإنما كان لا يهتدي أبدا فإن الأمر ) ، أي أمر الضلال ( في نفسه لا غاية له يوقف عندها ) فينجو الضال الحائر من ضلالة الجهالة .
( فالهدى هو أن يهتدي الإنسان إلى الحيرة ) المحمودة الحاصلة من شهود وحدة التجليات المتكثرة المحيرة للعقول والأوهام وظهور الأنوار الحقيقية العاجزة عن إدراكها البصائر والأفهام وذلك عين الهداية ولذلك قال صلى اللّه عليه وسلم : « رب زدني تحيرا » ، أي هداية وعلما 
"" كان الشيخ الشبلي رضي الله عنه يقول  : يا دليل المتحيرين زدني تحيراً ""
( فيعلم أن الأمر حيرة )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والحيرة قلق وحركة ، والحركة حياة ، فلا سكون ، فلا موت ؛ ووجود ، فلا عدم .
وكذلك في الماء الّذي به حياة الأرض ، وحركتها ، قوله تعالى :اهْتَزَّتْ وحملها ، قوله :وَرَبَتْ [ الحج : 5 ] وولادتها قوله :وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ الحج : 5 ] . أي أنّها ما ولدت إلّا من يشبهها أي طبيعيّا مثلها . فكانت الزّوجيّة الّتي هي الشّفعيّة لها بما تولّد منها وظهر عنها .
كذلك وجود الحقّ كانت الكثرة له وتعدّد الأسماء أنّه كذا وكذا ، بما ظهر عنه من العالم الّذي يطلب بنشأته حقائق الأسماء الإلهيّة .  فثبت به وبخالقه أحديّة الكثرة .)
 
( والحيرة ) فيها ( قلق وحركة والحركة ) فيها ( حياة فلا سكون ) ، فيها ، أي في الحيرة لما فيها من الحركة المنافية للسكون وإذ لا سكون ( فلا موت ) ، فإن انتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم .
( و ) كما أن الحركة فيها حياة فكذلك فيها ( وجود ولا عدم ) ، لأنهما لا يجتمعان في محل واحد والحاصل أن العلم يعطي الهداية ، والهداية تعطي الحيرة ، والحيرة توجب الحركة ، والحركة فيها الحياة والوجود فلا موت فيها ولا عدم فيعطى العلم التقاء الأبدي ( وكذلك في الماء ) ، أي كحال العلم الحال في الماء ( الذي به حياة الأرض ) كما يدل عليه قوله تعالى :وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ الحج : 5 ] .
( وحركتها ) ، أي حركة الأرض اللازمة لحياتها مما يدل عليه ( قوله :اهْتَزَّتْ وحملها ) الذي أعطاه إنزال الماء عليها إنزال النطفة على المرأة ما يدل
( قوله : (وَرَبَتْ) ، أي ازدادت ( وولادتها ) بعد حملها ما يدل عليه ( قوله :وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ يعني أنها الأمر ما ولدت إلا من يشبهها ) ، ( أي أمرا طبيعيا مثلها ) ، فالروح عبارة عن الولد فإنه روح والده بحسب المماثلة الطبيعية ( وكانت الزوجية التي هي الشفعية ) ، حاصلة ( لها ) ، أي للأرض ( بما تولد منها يظهر عنها كذلك وجود الحق ) ، الذي هو أحديّ العين كالأرض الهامدة ( كانت الكثرة له وتعدد الأسماء أنه كذا وكذا بما ظهر عنه من العالم ) ، ظهور مّا أنبتته الأرض من كل زوج بهيج فإن العالم ( هو الذي يطلب بنشأته ) ، الحاملة للقوابل كلها ( حقائق الأسماء الإلهية ) التي هي كالأرواح الثابتة من أرض تلك القابليات ، ( فثبت ) بالثاء المثلثة كذا في النسخة المقروءة على الشيخ
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد كان أحديّ العين من حيث ذاته كالجوهر الهيولانيّ أحديّ العين من حيث ذاته كثير بالصّور الظّاهرة فيه الذي هو حامل لها بذاته .
كذلك الحقّ بما ظهر منه من صور التّجلّي، فكان الحقّ مجلى صور العالم مع الأحديّة المعقولة.
فانظر ما أحسن هذا التّعليم الإلهيّ الّذي خصّ اللّه بالاطلاع عليه من شاء من عباده .
ولمّا وجده آل فرعون في اليمّ عند الشّجرة سمّاه فرعون موسى : والمو هو الماء بالقبطيّة ، والسّا هو الشّجر فسمّاه بما وجده عنده ، فإنّ التّابوت وقف عند الشّجرة في اليمّ . فأراد قتله فقالت امرأته - وكانت منطقة بالنّطق الإلهيّ - فيما قالت لفرعون ، إذ كان اللّه خلقها للكمال كما قال عليه السّلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الّذي هو للذّكران ، فقالت لفرعون في حقّ موسى : قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [ القصص : 9 ] .)
 
رضي اللّه عنه . وصححه بعض الشارحين بالنون أي نبت ( به ) ، أي بالعالم ( وبخالقه أحدية الكثرة ) الأسمائية ( وقد كان أحديّ العين من حيث ذاته كالجوهر الهيولاني الذي هو أحدي العين من حيث ذاته كثير بالصور الظاهرة فيه التي هو حامل لها بذاته كذلك الحق سبحانه ) أحديّ العين من حيث ذاته كبير ( بما ظهر منه من صور التجلي ) التي هي الأسماء والصفات.
 
قال رضي الله عنه :  ( وكان ) الحق سبحانه ( مجلى صورة العالم ) ومرآتها فظهرت فيه كثرة صورها المشهورة ( مع الأحدية المعقولة فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص بالاطلاع عليه من شاء من عباده ) وذلك بلسان الإشارة حيث أشار بالأحوال الثابتة للأرض والطارئة لها بعد إنزال الماء عليها إلى أحد عينيته سبحانه وتعالى في حدّ ذاته وأحدية كثرته الثابتة له من حيث ظهور كثرة صورة العالم عنه .
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما وجده آل فرعون في اليم عند السحرة سماه فرعون موسى . والمو هو الماء بالقبطية والسّا هو الشجر فسماه بما وجده عنده فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم فأراد قتله فقالت امرأته وكانت منطقة بالنطق الإلهي ) الظاهر فيها من غير تعمد واختيار ولهذا كانت صادقة ( فيما قالت لفرعون إذ كان اللّه خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران ) ، قال صلى اللّه عليه وسلم : « كمل من النساء أربع : مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة وفاطمة رضي اللّه عنهن » رواه البخاري
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبه قرّت عينها بالكمال الّذي حصل لها كما قلنا ؛ وكان قرّة عين لفرعون بالإيمان الّذي أعطاه اللّه عند الغرق .
فقبضه طاهرا مطهّرا ليس فيه شيء من الخبث لأنّه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام . والإسلام يجبّ ما قبله . وجعله آية على عنايته سبحانه لمن شاء حتّى لا ييأس أحد من رحمة اللّهإِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ[ يوسف : 87 ] فلو كان فرعون ممّن ييأس ما بادر إلى الإيمان .)
 
(فقالت لفرعون في حق موسى إنه :"قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ" فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه اللّه عند الغرق لقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث ، لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله ) كما قال صلى اللّه عليه وسلم : « الإسلام يجب ما قبله »   رواه مسلم و ابن حبان ومسند أحمد وأبي داود ومنبع الزوائد الهيثمي وغيرهم .
والتوبة تجب ما قبلها أي يقطعان ويمحوان ما كان قبلهما من الكفر والمعاصي والذنوب
( وجعله آية على عنايته سبحانه لمن شاء ) من عباده كما قال تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92 ] .
( حتى لا ييأس أحد من رحمة اللّه فإنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون ) ، وفي حصر اليأس في الكافرين دلالة على عدم دخول فرعون فيهم ( فإنه لو كان ممن ييأس من رحمة اللّه ما بادر إلى الإيمان ) .
ثم قد رشح في نفوس العامة شقاوة فرعون وكفره ودخوله النار خالدا بما ثبت عنه قبل الغرق من المعاداة لموسى وبما قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى[ النازعات : 24 ] .
 
وبقوله : ما علمت لكم من اله غيري وغيره من أقواله وأفعاله السيئة إذ ذاك ، ولكن القرآن أصدق شاهد بإيمانه عند الغرق قبل أن يغرغر وتظهر أحكام الدار الآخرة عليه بعد تعطيل قواه الحسية ، فإن ذلك هو الذي لا يعتبر شرعا بل حال يمكنه من النطق من الإيمان ، و
علمه بأن النجاة في ذلك فقال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ، وهذا إخبار صحيح لا يدخله النسخ ولا نص على عدم قبول إيمانه هذا ،
فإن الآيات التي يستدل بها أهل الظاهر على عدم قبول إيمانه قابلة للتأويل على وجه لا ينافي قبول إيمانه كما أولها بعض الشارحين ،
ثم أن هذا الكلام لما كان تفرد به الشيخ رضي اللّه عنه بين أئمة الإسلام مع رسوخ اعتقاد كفر فرعون وعباده في النفوس شنع عليه القاصرون وبالغوا في إنكاره فلا حاجة إلى تلك المبالغة فإنه لا مبالغة رضي اللّه عنه ،
كذلك يقول في آخر هذا الفص : هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه لما استقر في نفوس عامّة الخلق من شقائه.
وما لهم نص في ذلك يستندون إليه .
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان موسى عليه السّلام كما قالت امرأة فرعون فيه :قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا [ القصص : 12 ] .
وكذلك وقع فإنّ اللّه نفعهما به عليه السّلام وإن كانا ما شعرا بأنّه هو النّبيّ الّذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله .
ولمّا عصمه اللّه من فرعون وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [ القصص : 10 ] من الهمّ الّذي كان قد أصابها .
ثمّ إنّ اللّه حرّم عليه المراضع حتّى أقبل على ثدي أمّه فأرضعته ليكمّل اللّه لها سرورها به .
كذلك علم الشّرائع ، كما قال تعالى :لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً أي طريقا )
 
 
(فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه إنه قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا وكذلك وقع فإن اللّه نفعهما به عليه السلام وإن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله .
ولما عصمه اللّه من فرعون وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [ القصص : 10 ] من الهم الذي كان قد أصابها ثم إن ) من جلة الاختصاصات والنعم التي كانت في حق موسى وأمه أن ( اللّه حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل اللّه سرورها به كذلك ) ، أي كما حرم اللّه عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه
 كذلك ( حرم على الشرائع ) التي نسخت بشريعته عليه حتى أقبل على الأصل الذي منه جاء ( كما قال تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً) ، أي
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وَمِنْهاجاً [ المائدة : 5 ] . أي من تلك الطّريقة جاء . فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الّذي منه جاء . فهو غذاؤه كما أنّ فرع الشّجرة لا يتغذّى إلّا من أصله.
فما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر يعني في الصّورة : أعني قولي يكون حلالا ، وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى ، لأنّ الأمر خلق جديد ولا تكرار . فلهذا نبّهناك .
فكنّى عن هذا في حقّ موسى بتحريم المراضع .
فأمّه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته ، فإنّ أمّ الولادة حملته على جهة الأمانة فتكوّن فيها وتغذّى بدم طمثها من غير إرادة لها في ذلك حتى لا يكون لها عليه امتنان ، فإنّه ما تغذّى إلّا بما لو لم يتغذّ به ولم يخرج عنها ذلك الدّم لأهلكها . )
 
طريقة ( ومنهاجا ) فسر الشريعة بالطريق والمنهاج أيضا هو الطريق ، لكن عند الوقف يصير منهاجا فتشبه الكلمتين إحداهما منها والأخرى جاء فيمكن أن يفهم من يفهم لسان الإشارة المعنى الذي ذكره ، وفهم هذا المعنى لا يتوقف على قراءة بعض القراء جاء بالمد ،
ولهذا قال : ( أي من تلك الطريقة جاء فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء ) ، إلى هذا العالم وليس إلا الحق ( فهو ) ، أي الأصل الذي منه جاء هو ( غذاؤه ) ، أي ما يتغذى منه ( كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله ) ولما أشار إلى أن شريعته نسخة الشرائع الأخر وذلك النسخ لا يكون إلا بتحليل ما كان حراما يكون بعينه حلالا .
 
أشار إليه بقوله : ( فما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر ) ، وبالعكس ( يعني في الصورة أعني قولي يكون حلالا ) ، يعني حكم أن ما كان حراما يكون بعينه حلالا إنما هو في الصورة ، ( ولكن في نفس الأمر ما هو ) أي ليس الذي هو حلال آخر ( عين ما مضى ) وكان حراما ( لأن الأمر ) ، أي أمر الوجود
( خلق جديد ولا تكرار ) في المتجلي الوجودي مع الآنات فكيف مع الدهور والأعوام فليس أحدهما عين الآخر بل مثله ( ولهذا ) ، أي لأن الأمر خلق جديد ( نبهناك ) على أن الاتحاد بينهما إنما هو بحسب الصورة لا بحسب نفس الأمر ( فكنى ) اللّه سبحانه ( عن هذا ) ، أي عن عدم تغذيته إلا من أصله
( في حق موسى بتحريم المراضع فأمه على الحقيقة من أرضعته ) وإن لم تك لا من ولدته ولم ترضعه وهذا بحسب الفرض والتقدير ، لأن ما أرضعته إلا أم ولادته وإنما قلنا أم الولد من أرضعته
( لا من ولدته فإن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فتكوّن فيها وتغذى بدم طمثها من غير إرادة لها في ذلك حتى لا يكون لها عليه امتنان فإنه ما تغذى إلا بما أنه لو لم يتغذ به ولم يخرج عنها)
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمرضها ، فللجنين المنّة على أمّه بكونه تغذّى بذلك الدّم فوقاها بنفسه من الضّرر الّذي كانت تجده لو امتسك هذا الدّم عندها ولا يخرج ولا يتغذّى به جنينها والمرضعة ليست كذلك . فإنّها قصدت برضاعته حياته وإبقاءه . فجعل اللّه تعالى ذلك لموسى في أمّ ولادته ، فلم يكن لامرأة عليه فضل إلّا لأمّ ولادته لتقرّ عينها أيضا بتربيته وتشاهد انتشاءه في حجرها ،وَلا تَحْزَنَ[ طه : 40 ] .
ونجّاه اللّه تعالى من غمّ التّابوت ، فخرق ظلمة الطّبيعة بما أعطاه اللّه من العلم الإلهيّ وإن لم يخرج عنها .
وفتنه فتونا أي اختبره في مواطن كثيرة ليتحقّق في نفسه صبره على ما ابتلاه اللّه به .
فأوّل ما ابتلاه اللّه قتله القبطيّ بما ألهمه اللّه ووفّقه له في سرّه وإن لم يعلم بذلك ، ولكن لم يجد في نفسه اكتراثا بقتله مع كونه ما توقّف حتّى يأتيه أمر ربّه بذلك ، لأنّ النّبيّ معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتّى ينبّأ أي يخبر بذلك .)
 
ولأمرضها وللجنين المنة على أمه بكونه تغذى بذلك الدم فوقاها بنفسه من الضرر الذي كانت تجده لو امتسك ذلك الدم عندها ولا يخرج ولا يتغذى به جنينها والمرضعة ليست كذلك فإنها قصدت بإرضاعه حياته وإبقاءه فجعل اللّه ذلك لموسى في أم ولادته فلم يكن لامرأة عليه فضل إلا لأم ولادته لتقرّ عينها بتربيته وتشاهد انتشاءه في حجرها ولا تحزن ونجاه اللّه من غم التابوت ) .
غم التابوت إشارة إلى ظلمة الطبيعة والنجاة منها إنما يكون بالعلم ؛ ولذلك قال :
( فحرق ظلمة الطبيعة بما أعطاه اللّه من العلم الإلهي وإن لم يخرج منها ) ، فالخلاص منها بالكلية لا يتيسر في هذه النشأة ( وفتنه فتونا ) ، إشارة إلى قوله : وفتناه والتلاوة وفتناك فتونا ، ( أي اختبره في مواطن كثيرة ليتحقق في نفسه صبره على ما ابتلاه اللّه . فأول ما ابتلاه اللّه به قتله القبطي بما ألهمه اللّه ووفقه له في سره ) متعلق بالهمة ( وإن لم يعلم بذلك ) الإلهام والتوفيق .
( ولكن ) كان فيه علامة على ذلك وهو أنه ( لم يجد في نفسه اكتراثا ) يعني مبالاة ( بقتله مع كونه ما توقف حتى يأتيه أمر ربه بذلك ) الفعل يعني القتل كما هو مقتضى منصب النبوة فعدم مبالاته بقتله مع عدم انتظاره الوحي علامة كونه ملهما به في السرور وألا ينبغي أن تعتريه وحشة عظيمة من ذلك الفعل
وإنما قلنا : إنه عليه السلام كان ملهما في قتل القبطي ( لأن النبي معصوم الباطن ) ، أي باطنه معصوم عن أن يميل إلى أمر لم يكن مأمورا به من عند ربه ( وإن كان في السر من حيث لا يشعر حتى ينبأ أي يخبر بذلك ) ، أي بأن ذلك الأمر مأمور به في السر .
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا أراه الخضر قتل الغلام فأنكر عليه قتله ولم يتذكّر قتله القبطيّ فقال له الخضر وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[ الكهف : 82 ] ينبّهه على مرتبته قبل أن ينبّأ أنّه كان معصوم الحركة في نفس الأمر وإن لم يشعر بذلك وأراه أيضا خرق السّفينة الّتي ظاهرها هلاك وباطنها نجاة من يد الغاصب . جعل له ذلك في مقابلة التّابوت الّذي كان في اليمّ مطبقا عليه . فظاهره هلاك وباطنه نجاة .
وإنّما فعلت به أمّه ذلك خوفا من يد الغاصب فرعون أن يذبحه صبرا وهي تنظر إليه .
مع الوحي الّذي ألهمها اللّه تعالى به من حيث لا تشعر . فوجدت في نفسها أنّها ترضعه .
فإذا خافت عليه ألقته في اليمّ فإنّ في المثل « عين لا ترى قلب لا يفجع » فلم تخف عليه خوف مشاهدة عين ، ولا حزنت عليه حزن رؤية بصر ، وغلب على ظنّها أنّ )

 
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 12:24 pm

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر  

الفص الموسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
( ولهذا ) ، أي لكون النبي معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتى ينبأ ( أراه الخضر ) حين قصد تنبيهه على ما ذهل عنه من كونه ملهما بقتل القبطي ( قتل الغلام فأنكر عليه قتله ولم يتذكر قتله القبطي فقال له الخضر وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[ الكهف : 82 ] ينبهه على مرتبته قبل أن ينبأ ) ، أي يخبر بأنه كان من سره مأمورا بقتل القبطي
( أنه كان معصوم الحركة في قتله في نفس الأمر وإن لم يشعر بذلك ) ، وقدم ذكر قتل الغلام لعظم شأنه وإلا فالمقدم وجودا وذكرا أمر السفينة ( وأراه أيضا خرق السفينة التي ظاهرها ) ، أي ظاهر خرقها ( هلاك وباطنها ) ، أي باطن خرقها ( نجاة من يد الغاصب جعل له ذلك في مقابلة التابوت الذي كان في اليم مطبقا عليه فإن ظاهره هلاك وباطنه نجاة .
وإنما فعلت به أمه ذلك خوفا من يد الغاصب فرعون أن يذبحه صبرا وهي أن تنظر إليه ) .
فإن هذه الصورة هي أشد ما يكون تأثيرا في الأم فقوله : صبرا بالصاد المهملة وبالياء الموحدة لأنه العبارة المتعارفة في مثل هذا القتل لا بالضاد المعجمة والياء المنقوطة من تحتها بنقطتين فإنه تصحيف والذبح صبرا هو أن تحبس ذو روح لأن يرمى عليه لقتله
( مع الوحي الذي ألهمها اللّه به من حيث لا تشعر فوجدت في نفسها أنها ترضعه فإذا خافت عليه ألقته في اليم فإن في المثل : « عين لا ترى قلب لا يفجع » ) ، أي لا يوجع من أفجعته المصيبة إذا أوجعته المصيبة ( فلم تخف عليه خوف مشاهدة عين ولا حزنت عليه حزن رؤية)
 


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اللّه ربّما ردّه إليها لحسن ظنّها به ، فعاشت بهذا الظّن في نفسها ، والرّجاء يقابل الخوف واليأس ، وقالت حين ألهمت لذلك لعلّ هذا هو الرّسول الّذي يهلك فرعون والقبط على يديه .
فعاشت وسرّت بهذا التّوهم والظّنّ بالنّظر إليها ؛ وهو علم في نفس الأمر .
ثمّ أنّه لمّا وقع عليه الطّلب خرج فارّا خوفا في الظّاهر وكان في المعنى حبّا في النّجاة ، فإنّ الحركة أبدا إنّما هي حبّيّة ، ويحجب النّاظر فيها بأسباب أخر ، وليست تلك .
وذلك لأنّ الأصل حركة العالم من العدم الّذي كان ساكنا فيه إلى الوجود ، ولذلك يقال إنّ الأمر حركة عن سكون : فكانت الحركة الّتي هي وجود العالم حركة حبّ . وقد نبّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك بقوله : « كنت كنزا مخفيّا لم أعرف فأحببت أن أعرف » .
فلو لا هذه المحبّة ما ظهر العالم في عينه . فحركته من العدم إلى الوجود حبّ الموجد لذلك ، ولأنّ العالم أيضا يحبّ شهود نفسه وجودا كما شهدها ثبوتا ، فكانت)
 
بصر وغلب على ظنها أن اللّه ربما رده إليها لحسن ظنها به فعاشت بهذا الظن في نفسها والرجاء يقابل الخوف واليأس )
فحين جاء الرجل انكسرت سورة الخسوف واليأس ( وقالت حين ألهمت لذلك ) ، أي لقولها ( لعل هذا هو الرسول الذي يهلك فرعون والقبط على يديه فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر إليها ) ، إذ لم يكن عندها دليل يفيد العلم بذلك ( وهو ) ، أي ذلك التوهم والظن ( علم ) باعتبار أن متعلقها حق مطابق للواقع متحقق ( في نفس الأمر) .
(ثم أنه لما وقع عليه ) ، أي على موسى ( الطلب ) لأجل قتل القبطي ( خرج فارا خوفا ) من القتل ( في الظاهر وإن كان في المعنى فارا حبا في النجاة فإن الحركة أبدا إنما هي حبية ويحجب الناظر فيها ) ، أي في الحركة عن الأسباب الحقيقية ( بأسباب أخر ) ، غير حقيقية ( وليست ) هذه الأسباب الغير الحقيقية ( تلك ) الأسباب الحقيقية ( وذلك لأن الأصل ) في الحركات ( حركة العالم من العدم ) الإضافي الذي هو الوجود العلمي ( الذي كان ) العالم ( ساكنا ) ، أي ثابتا ( فيه إلى الوجود ) العيني بل من مرتبة للوجود باطنة إلى مرتبة أخرى له ظاهرة ( ولذلك يقال إن الأمر ) ، أي أمر الوجود ( حركة عن سكون فكانت الحركة التي هي وجود العالم حركة حب وقد نبه الرسول صلى اللّه عليه وسلم على ذلك بقوله ) عن اللّه عز وجل : ( كنت كنزا مخفيا لم أعرف فأحببت أن أعرف فلو لا هذه المحبة ما ظهر العالم في عينه ) ، أي في وجوده العيني ( فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب . الموجد لذلك ) ، أي لوجود العالم إذ به تظهر كمالات ذاته وآثار أسمائه وصفاته ( ولأن العالم أيضا يحب
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( بكلّ وجه حركته من العدم الثّبوتي إلى الوجود حركة حبّ من جانب الحقّ ومن جانبه فإنّ الكمال محبوب لذاته .
وعلمه تعالى بنفسه من حيث هو غنيّ عن العالمين هو له وما بقي له إلّا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الّذي يكون من هذه الأعيان ، أعيان العالم ، إذا وجدت .
فتظهر صورة الكمال بالعلم المحدث والقديم فتكمل مرتبة العلم بالوجهين .
وكذلك تكمل مراتب الوجود ؛ فإنّ الوجود منه أزليّ وغير أزلي وهو الحادث .
فالأزليّ وجود الحقّ لنفسه ، وغير الأزليّ وجود الحقّ بصور العالم الثّابت . فيسمّى حدوثا لأنّه ظهر بعضه لبعضه وظهر لنفسه بصور العالم فكمل الوجود فكانت حركة العالم حبّية للكمال فافهم . )
 
شهود نفسه وجودا كما شهدها ثبوتا ) ، أي حيث الثبوت العلمي ( فكانت بكل وجه حركته من العدم الثبوتي ) ، أي العدم الذي ليس للعالم فيه إلا الثبوت في العلم ( إلى الوجود ) العيني ( حركة حب من جانب الحق ومن جانبه ) ، أي جانب العالم ( فإن الكمال محبوب لذاته ) وهو لا يظهر إلا بالوجود العيني .
 
ولما كان لقائل أن يقول كان علم الحق قبل وجود العالم متعلقا بذاته وصفاته وكمالاته فما فائدة وجود العالم دفعه بقوله : ( وعلمه تعالى بنفسه من حيث هو غني عن العالمين هو ) حاصل ( له ) أزلا وأبدا ( وما بقي له إلا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الذي يكون ) ظاهر ( من هذه الأعيان أعيان العالم إذا وجدت . فتظهر صورة الكمال بالعلم المحدث والقديم فتكمل مرتبة العلم بالوجهين ) ، وكذا غيره من الأسماء والصفات كالإرادة والقدرة وغيرهما .
 
وفي الفتوحات المكية وجود الممكنات لكمال مراتب الوجود الذاتي والفرقاني والعلم الحادث الذي يظهر في المظاهر هو المشار إليه بقوله : ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه
( وكذلك تكمل مراتب الوجود فإن الوجود منه أزلي وغير أزلي وهو الحادث فالأزلي . وجود الحق لنفسه وغير الأزلي وجود الحق ) ، وظهوره ( بصور العالم الثابت ) في مرتبة العلم ( فيسمى ) ظهوره بصورة العالم ( حدوثا لأنه ظهر بعضه ) ، أي بعض العالم ( لبعضه ) بعدما لم يكن ظاهرا له ( وظهر لنفسه بصور العالم ) ، بعد ما لم يكن ظاهرا بها ( فكمل الوجود ) بانضمام الوجود الحادث إلى الوجود القديم ( فكانت حركة العالم ) من العين إلى العين ( حركة حبية ) منبعثة من الحق أو العالم ( للكمال ) ، أي لظهور الكمال الإلهي أو الكوني ( فافهم) .
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه كيف نفّس عن الأسماء الإلهيّة ما كانت تجده من عدم ظهور آثارها في عين مسمّى العالم فكانت الرّاحة محبوبة له .
ولم يوصل إليها إلّا بالوجود الصّوريّ الأعلى والأسفل . فثبت أنّ الحركة كانت للحبّ ، فما ثمّ حركة في الكون إلّا وهي حبّيّة .
فمن العلماء من يعلم ذلك ومنهم من يحجبه السّبب الأقرب لحكمه في الحال واستيلائه على النّفس.
فكان الخوف لموسى مشهودا له بما وقع من قتله القبطيّ ، وتضمّن الخوف حبّ النّجاة من القتل . ففرّ لمّا خاف ؛ وفي المعنى ففرّ لمّا أحبّ النّجاة من فرعون وعمله به . فذكر السّبب الأقرب المشهود له في الوقت الّذي هو كصورة الجسم للبشر .
وحبّ النّجاة مضمّن فيه تضمين الجسد للرّوح المدبّر له .
والأنبياء صلوات اللّه عليهم لهم لسان الظّاهر به يتكلّمون لعموم الخطاب ، واعتمادهم على فهم السّامع العالم . فلا يعتبر الرّسل إلّا العامّة لعلمهم بمرتبة أهل)
 
ألا تراه ) ، أي الحق سبحانه ( كيف نفس عن الأسماء الإلهية ) ، أي أزال عنها ( ما كانت تجده ) تلك الأسماء من الكروب ( من عدم ظهور آثارها في عين مسمى العالم فكانت الراحة ) ، بزوال كرب ظهور الأسماء بآثارها واندراجها في مرتبة البطون ( محبوبة له تعالى ولم يوصل إليها إلا بالوجود الصوري ) العيني الشاهدي ( الأعلى والأسفل فثبت أن الحركة مطلقا كانت للحب فما ثمة حركة في الكون إلا وهي حبية فمن العلماء من يعلم ذلك ومنهم من يحجبه السبب الأقرب لحكمه ) ، أي حكم السبب الأقرب ( واستيلائه في الحال على النفس ) ، أي نفس المحجوب ( فكان الخوف لموسى مشهود له بما وقع من قتل القبطي وتضمن الخوف حب النجاة لموسى من القتل ففر ) في الظاهر ( لما خاف والمعنى : فرّ لما أحب النجاة من فرعون وعلمه به ) الباء متعلقة بعلمه والضمير راجع إلى موسى ، أو متعلقة بالنجاة والضمير للموصوف ( لذكر ) موسى ( السبب الأقرب المشهود له في الوقت ) ، أي وقت الفرار السبب ( الذي هو كصورة الجسم للبشر ) من حيث أنه هو المشهود أولا ( وحب النجاة مضمن فيه ) ، أي في السبب الأقرب أعني الخوف ( تضمين الجسد للروح المدبر له .
والأنبياء صلوات اللّه عليهم لهم لسان الظاهر ) ، الذي تفهمه الخواص والعوام ( به يتكلمون لعموم الخطاب ) ، أي لعموم خطاب كل من أرسلوا إليه فينبغي أن يكون خطابهم على وجه تفهمه العامة ( واعتمادهم على فهم السامع العالم ) الذي يفهم بمجرد
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الفهم ؛ كما نبّه عليه السّلام على هذه الرّتبة في العطايا فقال : « إنّي لأعطي الرّجل وغيره أحبّ إليّ منه مخافة أن يكبّه اللّه في النّار » .
فاعتبر الضّعيف العقل والنّظر الّذي غلب عليه الطّمع والطّبع .  فكذا ما جاؤوا به من العلوم جاؤوا به وعليه خلعة أدنى الفهوم ليقف من لا غوص له عند الخلعة ، فيقول ما أحسن هذه الخلعة ! ويراها غاية الدّرجة . ويقول صاحب الفهم الدّقيق الغائص على درر الحكم - بما استوجب هذا - « هذه الخلعة من الملك » . فينظر في قدر الخلعة وصنفها من الثّياب ، فيعلم منها قدر من خلعت عليه ، فيعثر على علم لم يحصل لغيره ممّن لا علم له بمثل هذا .)
 
ما سمع الكلام الملقى إلى العامة الحقائق بضرب من الإشارات الخفية التي لا يفهمها العامة ( فلا تعتبر الرسل ) في خطاباتهم ( إلا العامة لعلمهم بمرتبة أهل الفهم ) ، فاكتفوا في مخاطبتهم بإشارة غامضة وتنبيهات خفية منطوية تحت ما ألقوا إليّ العامة
( كما نبه صلى اللّه عليه وسلم على هذه المرتبة في العطايا وقسمتها فقال : إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه مخافة أن يكبه ) ، أي يلقي ( اللّه ) ذلك الرجل على وجهه ( في النار ) لو لم أعطه ( فاعتبر ) رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قسمة العطايا ( الضعيف العقل والنظر الذي غلب عليه الطمع والطبع ) إما بفتح الباء أي الذين أشار إلى قوله :طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ[ النحل : 108 ]
كما قال :بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ[ المطففين : 14 ] أو بسكونها وبه قيد النسخة المقروءة عليه رضي اللّه عنه هوى الطبع فهو بحكمه لا بحكم الشرع على الطبع فكما اعتبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الضعيف العقل في العطايا .
 
( فكذا ما جاؤوا ) ، أي الأنبياء ( به من العلوم جاؤوا به وعليه خلعة أدنى الفهوم ) ، أي خلعة يصل أدنى المفهوم إلى ما تحتها في أول مرتبة ( ليقف من لا غوص له عند الخلعة فيقول : ما أحسن هذه الخلعة ويراها غاية الدرجة ) ، هذا مثال لعلماء الظاهر وإرسال إلى علماء الباطن بقوله : ( ويقول صاحب الفهم الدقيق الغائص على درر الحكم ) ، عند الخوض في بحور معانيه ( بما استوجب هذا ) ، أي بموجب استحقاقه هذا القول ( هذه الخلعة من الملك ) هذا مقول القول ( فينظر ) بعد هذا القول ( في قدر الخلعة وصنفها ) بين الخلع والفصاحة والبلاغة وغيرهما وصنفها ( من الثياب ) أعربية هي أم سريانية أو غيرهما ( فيعلم منها قدر من خلعت عليه ) من الحقائق والدقائق ( فيعثر على علم لم يحصل لغيره ممن لا علم له بمثل هذا ) الذي ذكر من قدر الخلعة وصنفها وقدر من خلعت عليه .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولمّا علمت الأنبياء والرّسل والورثة أنّ في العالم وفي أمّتهم من هو بهذه المثابة ، عمدوا في العبارة إلى اللّسان الظّاهر الّذي يقع فيه إشتراك الخاصّ والعامّ ، فيفهم منه الخاصّ ما فهم العامّة منه وزيادة ممّا صحّ له به اسم أنّه خاصّ فتميّز به عن العامّي . فاكتفى المبلّغون العلوم بهذا .
فهذا حكمة قوله : عليه السّلام :فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ [ الشعراء : 21 ] ولم يقل ففررت منكم حبّا في السّلامة والعافية .
فجاء إلى مدين فوجد الجاريتين فَسَقى لَهُما من غير أجر .ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلّ ِالإلهيّ فقال :رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[ القصص : 24 ] فجعل عين عمله السقي عين الخير الذي أنزل اللّه إليه ، ووصف نفسه بالفقر إلى اللّه في الخير الذي عنده .
فأراه الخضر إقامة الجدار من غير أجر فعتبه على ذلك فذكّره سقايته من غير أجر ، إلى غير ذلك ممّا لم نذكر حتّى تمنّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - أن يسكت موسى عليه السلام  )
 
( ولما علمت الأنبياء والرسل والورثة في العالم وفي أمتهم من هو بهذه المثابة عمدوا في العبارة ) عن مقاصدهم ( إلى اللسان الظاهر الذي يقع فيه اشتراك الخاص والعام فيفهم منه الخاص ما فهم العامة منه وزيادة مما صح له به اسم أنه خاص فتميز به عن العامي فاكتفى المبلغون العلوم بهذا ) القدر من الإيمان والإشارة في حق الخواص ( فهذا الأمر حكمة قوله فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ [ الشعراء : 21 ] ) 
حيث عبر عن سبب فراره وحركته بالخوف الذي هو السبب الأقرب المشاهد للعامة ( ولم يقل ففررت منكم حبا في السلامة والعافية فجاء إلى مدين فوجد الجاريتين فَسَقى لَهُما من غير أجر ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ الإلهي فقال :فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[ القصص : 24 ] فجعل عين عمله السقي ) منصوب على أنه مفعول لعمله لأنه مصدر وقيل مجرور على أنه بدل من عمله أو عطف بيان ( عين الخير الذي أنزله اللّه ، ووصف نفسه بالفقر إلى اللّه في الخير الذي عنده ) ، لا إلى ما أنزل إليه ولهذا قال :لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّولم يقل إلى ما أنزلت ( فأراه الخضر إقامة الجدار من غير أجر فعتبه على ذلك فذكره بسقايته من غير أجر إلى غير ذلك مما لم يذكر ) في هذا الكتاب بل في القرآن .
روي عن الشيخ رضي اللّه عنه أنه اجتمع بأبي العباس الخضر صلوات اللّه عليه فقال له : كنت أعددت لموسى بن عمران ألف تفصيلة مما جرى عليه من أول ما ولد إلى زمان اجتماعه فلم يصبر على ثلاث وكان ما أعده الخضر لموسى عليهما السلام كثيرا
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( السّلام ولا يعترض حتّى يقصّ اللّه عليه من أمرهما ، فيعلم بذلك ما وفّق إليه موسى عليه السّلام من غير علم منه .
إذ لو كان عن علم ما أنكر مثل ذلك على الخضر الّذي قد شهد اللّه له عند موسى وزكّاه وعدّله ومع هذا غفل موسى عن تزكية اللّه وعمّا شرطه عليه في اتّباعه ، رحمة بنا إذ نسينا أمر اللّه .
ولو كان موسى عالما بذلك لما قال له الخضر ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً[ الكهف : 68 ]
أي إنّي على علم لم يحصل لك عن ذوق كما أنت على علم لا أعلمه أنا .
فأنصف . وأمّا حكمة فراقه فلأنّ الرّسول يقول اللّه فيه :وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[ الحشر : 7 ] فوقف العلماء باللّه الّذين يعرفون قدر الرّسالة والرّسول عند هذا القول . وقد علم الخضر أنّ موسى رسول اللّه فأخذ يرقب ما يكون منه ليوفّي الأدب حقّه مع الرّسول .)
 
( حتى تمنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يسكت موسى عليه السلام ولا يعترض حتى يقص اللّه عليه ) ، أي على الرسول صلى اللّه عليه وسلم ( من أمرهما ) ، أي موسى والخضر ( فعلم بذلك ما وقف عليه موسى عليه السلام ) من الأعمال ( من غير علم منه ) واختيار ( إذ لو كان عن علم ) فيما صدر منه من الأعمال ( ما أنكر مثل ذلك على الخضر الذي قد شهد اللّه له عند موسى بالعلم ) ، حيث قال :وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ( وزكاه وعدله ) حيث قال : وآتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا (ومع هذا غفل موسى عن تزكية اللّه وعما شرطه ) الخضر ( عليه في اتباعه ) حيث قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً [ الكهف : 70 ] ، وإنما غفل موسى عما غفل ( رحمة بنا إذا نسينا أمر اللّه ) ، فإنه لما نسي تزكية اللّه ولم يؤاخذ بذلك علمنا أنه لم يؤاخذ أحدا بالنسيان فكان ذلك رحمة بنا .
( ولو كان موسى عالما بذلك لما قال له الخضر ) عليه السلام (ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً أي إني على علم لم يحصل لك عن ذوق ) ، فإن الخبرة هي العلم الحاصل من الذوق ( كما أنت على علم لا أعلمه أنا فأنصف ) ، الخضر عليه السلام من نفسه ( وأما حكمة فراقه ) مع أن في مواصلتها فائدة لهما وبكل من سمع قصتهما من العالمين ( فلأن الرسول يقول اللّه فيه ) ، أي في شأنه (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وَاتَّقُوا اللَّهَ [ الحشر : 7 ] .
( فوقف العلماء باللّه الذين يعرفون قدر الرسالة والرسول عند هذا القول وقد علم الخضر أن موسى رسول اللّه فأخذ يرقب ما يكون منه ليوفي الأدب حقه مع الرسل)
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقال له :إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي[ الكهف : 76 ] فنهاه عن صحبته . فلما وقعت منه الثّالثة قال :هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ[ الكهف : 78 ] .
ولم يقل له موسى لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه بقدر الرّتبة الّتي هو فيها الّتي أنطقته بالنّهي عن أن يصحبه .
فسكت موسى ووقع الفراق. فانظر إلى كمال هذين الرّجلين في العلم وتوفية الأدب الإلهيّ حقّه.
وإنصاف الخضر عليه السّلام فيما اعترف به عند موسى عليه السّلام حيث قال له : « أنا على علم علّمنيه اللّه لا تعلمه أنت ، وأنت على علم علّمكه اللّه لا أعلمه أنا » .
فكان هذا الإعلام من الخضر دواء لما جرّحه به في قوله : وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [ الكهف : 68 ] مع علمه بعلوّ رتبته بالرّسالة ، وليست تلك الرّتبة للخضر ، وظهر ذلك في الأمّة المحمّديّة في حديث إبار النّخل ، فقال عليه السّلام لأصحابه : « أنتم أعلم بمصالح دنياكم »  ولا شكّ أنّ العلم بالشّيء خير من الجهل به )
 
 فقال موسى له :إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي فنهاه عن صحبته ، فلما وقعت منه الثالثة قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ولم يقل له موسى : لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه ) ، أي لعلم موسى ( بقدر الرتبة التي هو ) ، أي موسى ( فيها ) وهي الرسالة ( التي أنطقته بالنهي عن أن يصحبه فسكت موسى ) عند إخبار الخضر إياه بالفراق ( فوقع الفراق فانظر إلى كمال هذين الرجلين في العلم وتوفية الأدب الإلهي حقه ) ، فإن توفية كل منهما حق الأدب بالنسبة إلى الآخر كان للّه ومن اللّه فكان أدبهما إلهيا .
( وإنصافه الخضر فيما اعترف به عند موسى عليه السلام حيث قال له : « أنا على علم علمنيه اللّه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه اللّه لا أعلمه أنا ») رواه البخاري  و مسلم وابن حبان في صحيحه  والترمذي و البيهقي ورواه غيرهما .
"" أضاف الجامع :
من حديث مسلم : (.....  فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ [ص:1849] قال: نعم، قال: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى عليه السلام: "هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا". قال: إنك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا) قال له الخضر "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا" [الكهف: 70]، قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر.....) . ""
 
(فكان هذا الإعلام من الخضر لموسى دواء لما جرحه به في قوله :وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً( 68 ) مع علمه بعلو مرتبته بالرسالة وليست تلك المرتبة للخضر وظهر مثل ذلك ) الإنصاف الذي ظهر من الخضر من محمد صلى اللّه عليه وسلم ( في ) شأن ( الأمة المحمدية في حديث إبار النخل فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه : « أنتم أعلم بمصالح دنياكم » ) « رواه ابن حبان في صحيحه ،  والطبراني في المعجم الكبير ورواه غيرهما »
"" أضاف الجامع :
حديث مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون، فقال: «لو لم تفعلوا لصلح» قال: فخرج شيصا، فمر بهم فقال: «ما لنخلكم؟» قالوا: قلت كذا وكذا، قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم») رواه مسلم والترمذي ومسند السراج ومسند أحمد و الجامع الصغير للسيوطي .""
 
فاعترف بأعلميتهم في المصالح الجزئية ( ولا شك أن العلم بالشيء ) مطلقا جزئيا كان أو كليا
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا مدح اللّه نفسه بأنّه بكلّ شيء عليم . فقد اعترف صلى اللّه عليه وسلم بأنّهم أعلم بمصالح دنياهم منه لكونه لا خبرة له بذلك فإنّه علم ذوق وتجربة ولم يتفرّغ عليه السّلام لعلم ذلك ، بل كان شغله بالأهمّ فالأهمّ .
فقد نبّهتك على أدب عظيم تنتفع به إن استعملت نفسك فيه .
وقوله :فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً يريد الخلافة ؛وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ [ الشعراء : 21 ] يريد الرّسالة : فما كلّ رسول خليفة . فالخليفة صاحب السّيف والعزل والولاية .
والرّسول ليس كذلك : إنّما عليه بلاغ ما أرسل به . فإن قاتل عليه وحماه بالسّيف فذلك الخليفة الرّسول . فكما أنّه ما كلّ نبيّ رسولا ، كذلك ما كلّ رسول خليفة أي ما أعطي الملك ولا التّحكّم فيه .
وأمّا حكمة سؤال فرعون عن الماهيّة الإلهيّة فلم يكن عن جهل ، وإنّما كان عن اختبار حتّى يرى جوابه مع دعواه الرّسالة عن ربّه - وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم - فيستدلّ بجوابه على صدق دعواه .)
 
( خير من الجهل ، ولهذا مدح اللّه نفسه بأنه بكل شيء عليم ، فقد اعترف صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه بأنهم أعلم بمصالح الدنيا منه لكونه لا خبرة له بذلك فإنه علم ذوق وتجربة ولم يتفرغ عليه السلام لعلم ذلك بل كان شغله بالأهم فالأهم ) ، ما له دخل في أمر الرسالة
( فقد نبهتك على أمر عظيم تنتفع به إن استعملت نفسك فيه ) ، وتأدبت بين يدي اللّه مع عباد اللّه تعالى بالاتصاف وعدم الظهور بالدعوى والإنابة .
( وقوله :فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً يريد الخلافة وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ [ الشعراء : 21 ] يريد الرسالة فما كل رسول خليفة فالخليفة صاحب السيف والعزل والولاية ) ، بالظهور والغلبة ( والرسول ليس كذلك إنما عليه البلاغ لما أرسل به ) لا غير كما قال تعالى :ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ[ المائدة : 99 ] .
( فإن قاتل عليه ) ، أي على ما أرسل به ( وحماه بالسيف فذلك الخليفة الرسول فكما أنه ما كل نبي رسول كذلك ما كل رسول خليفة ، أي ما أعطي الملك ولا التحكم فيه ) .
ولما أظهر موسى عليه السلام مع فرعون ما كان عليه من أمر الرسالة والخلافة واقتضى الوقت أن يظهر فرعون أيضا ما كان عليه من الكمال كما أشار إليه رضي اللّه عنه بقوله : ( وأما حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية ) مع تنزهه عنها إذا أريد بها الماهية المركبة من الجنس والفصل ( فلم يكن ) ناشئا ( عن جهل ) من فرعون تنزهه تعالى عن التركب من الجنس والفصل ( وإنما كان ) ناشئا ( عن ) قصد ( اختبار حتى يرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربه وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم ) باللّه على ما هو المطابق للواقع ( فيستدل
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسأل سؤال إيهام من أجل الحاضرين حتّى يعرّفهم من حيث لا يشعرون بما شعر هو في نفسه في سؤاله .
فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر، أظهر فرعون إبقاء لمنصبه أنّ موسى ما أجابه على سؤاله .
فيتبيّن عند الحاضرين - لقصور فهمهم - أنّ فرعون أعلم من موسى . ولهذا لمّا قال له في الجواب ما ينبغي وهو في الظّاهر غير جواب ما سئل عنه .
وقد علم فرعون أنّه لا يجيبه إلّا بذلك - فقال لأصحابه إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [ الشعراء : 27 ] أي مستور عنه علم ما سألته عنه ، إذ لا يتصوّر أن يعلم أصلا .
فالسّؤال صحيح ؛ فإنّ السّؤال عن الماهيّة سؤال عن حقيقة المطلوب ، ولا بد أن )
 
بجوابه على صدق دعواه ) الرسالة ( وسأل سؤال إبهام ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يسأل بما في قوله : وما رب العالمين عن تمام وحدة المشتمل على الجنس والفصل كما كان في مصطلحاتهم المعهودة عندهم .
وثانيهما : أن يسأل به عن حقيقته التي هو عليها في نفسه .
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه سؤال إيهام بنقطتين تحته ، أي سؤالا يوهم خلاف مقصود السائل فإنه قصد به السؤال عن حقيقته تعالى على ما هو عليه في حدّ ذاته لا عن الحد المشتمل على الجنس والفصل لكنه يوهمه وكان ذلك الإيهام في السؤال
 
( من أجل الحاضرين ) من أصحاب موسى وأصحاب فرعون ( حتى يعرفهم ) أن جوابه غير مطابق لسؤاله ، فهو أعلم منه ( من حيث يشعرون بما شعر هو في نفسه في سؤاله ) ، من احتمال الوجهين بل كانوا يحلونه على ما هو المتعارف عندهم ( فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر أظهر فرعون ) ، بعد ما عرف صدق دعواه في رسالته .
( إبقاء لمنصبه أن موسى ما أجابه على ) طبق ( سؤاله فيتبين عند الحاضرين لقصور فهمهم ) عن إدراك ما والمقصود من السؤال ومطابقة الجواب له ( أن فرعون أعلم من موسى ولهذا لما قال له في الجواب ما ينبغي ) أن يجاب به ( وهو في الظاهر ) ، أي في ظاهر ما كان معتادا لهم ( غير جواب ) منطبق على ( ما سئل عنه وقد علم فرعون أنه لا يجيبه إلا بذلك ) ، ويفهم من ذلك تصديقه برسالته باطنا وإن لم يكن معترفا بها ظاهرا .
 
( فقال لأصحابه إن رسولكم الذي أرسل إليكم ) على زعمه ( لمجنون أي مستور عنه علم ما سألته عنه إذ لا يتصور أن يعلم ) ، على البناء للمفعول أي لا يتصور أن يعلم الحق الحقيقة ( أصلا ) أو على البناء للفاعل، أي لا يتصور أن يعلم مرسلكم الذي أرسل إليكم حقيقة الحق أصلا.
( فالسؤال صحيح فإن السؤال عن الماهية سؤال عن حقيقة المطلوب ولا بد أن)
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( يكون على حقيقة في نفسه . وأمّا الّذين جعلوا الحدود مركّبة من جنس وفصل ، فذلك في كلّ ما يقع فيه الاشتراك ، ومن لا جنس له لا يلزم أن لا يكون على حقيقة في نفسه لا تكون لغيره . فالسّؤال صحيح على مذهب أهل الحقّ والعلم الصّحيح والعقل السّليم ، والجواب عنه لا يكون إلّا بما أجاب به موسى عليه السّلام .
وهنا سرّ كبير ، فإنّه أجاب بالفعل لمن سأل عن الحدّ الذّاتي ، فجعل الحدّ الذّاتي عين إضافته إلى ما ظهر به من صور العالم ، أو إلى ما ظهر فيه من صور العالم . فكأنّه قال له في جواب قوله :وَما رَبُّ الْعالَمِينَ [ الشعراء : 23 ] قال الّذي يظهر فيه صور العالمين من علو وهو السماء  وسفل - وهو الأرض إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ [ الشعراء : 24 ] أو يظهر هو بها .)
 
يكون ) المطلوب ( على حقيقة في نفسه . وأما الذين جعلوا الحدود مركبة من جنس وفصل ، فذلك في كل ما يقع فيه الاشتراك ) ، في الجنس فيحتاج إلى الفصل المميز ( ومن لا جنس له ) ولا فصل ( لا يلزم أن لا يكون على حقيقة في نفسه لا تكون ) تلك الحقيقة ( لغيره فالسؤال صحيح على مذهب أهل الحق والعلم الصحيح والعقل السليم والجواب عنه لا يكون إلا بما أجاب به موسى عليه السلام ) ، فإن تعريف البسائط لا يكون إلا بلوازمها البينة ( وهنا ) ، أي هذا السؤال والجواب ( سر ) مستور عن نظر العقل ( كبير ) جليل قدره فإنه حقيقة مسألة التوحيد ومخها وهو أن رب العالمين عين العالم والعالم عينه ( فإنه ) ، أي موسى ( أجاب بالفعل ) ، أي بفعل الربوبية التي ليست الأظهر والرب بصورة المربوب ( لمن سأل عن الحد الذاتي فجعل الحد الذاتي عين إضافته ) ، أي إضافة الحق معبرا عنه بالرب يعني جعله عين الرب المضاف ( إلى ما ظهر ) الحق ( به من صور العالم أو ما ظهر فيه من صور العالم ) ، فيكون الظاهر صور العالم والوجود الحق مظهرا ومرآة لها ،


( فكأنه ) ، أي موسى ( قاله له ) ، أي لفرعون ( في جواب قوله : وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قال ) 
تأكيد القال الأول : رب العالمين هو ( الذي يظهر فيه صور العالمين من علو وهو السماء ) ، أي سماء الروحانيات المجردة ( وسفل وهو الأرض ) ، أي أرض الجسمانيات المادية السافلة ( وما بينهما ) ، أي البرزخ الجامع بينهما وهو عالم المثال المطلق والمقيد .
( إن كنتم موقنين ) ، أي أصحاب إيقان شهودي ولا تقييد في هذا الشهود فإن الصور لا تقيد المرآة فإن المرآة تسعها وغيرها .
( أو يظهر هو ) ، أي الحق ( بها ) ، وفيها ولا بد حينئذ من تقييد فإن الحق لا يظهر في مرآى الصور الكونية إلا بقدرها وحسب استعدادها ،
فالآية باعتبار هذا المعنى من قبيل الجواب الثاني ؛ فلهذا أخر قوله : أو يظهر هو بها عن قوله :إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ[ الشعراء : 24 ] .
ولما سمع فرعون هذا الجواب قال لمن حوله : ألا تستمعون فتهيؤوا لسماع كلامهم ، فلذلك عدل إلى مخاطبتهم ومؤداه مؤدى الجواب الأول .
وقالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ( 26 ) [ الشعراء : 26 ] ، فإن المشار إليه بآبائهم كماله دخل في وجودهم من السماوات والأرض وما بينهما فمرجع هذا الخطاب إلى ذلك الجواب ولهذا أطواه الشيخ رضي اللّه عنه عن البين
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلمّا قال فرعون لأصحابه :إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ[ القلم : 51 ] كما قلنا في معنى كونه مجنونا .  
زاد موسى في البيان ليعلم فرعون مرتبته في العلم الإلهيّ لعلمه بأنّ فرعون يعلم ذلك فقال :رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فجاء بما يظهر ويستتر وهو الظّاهر والباطن ، وما بينهما وهو قوله :بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ البقرة : 29 ] .إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[ الشعراء : 28 ] أي إن كنتم أصحاب تقييد ؛ فإنّ العقل يقيّد .  فالجواب الأوّل جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود .
فقال لهم :إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ[ الشعراء : 24 ] أي أهل كشف ووجود ، فقد أعلمتكم بما تيقّنتموه في شهودكم ووجودكم .
فإن لم تكونوا من هذا الصّنف ، فقد أجبتكم في الجواب الثّاني إن كنتم أهل)
 
وقال : ( فلما قال فرعون لأصحابه :إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ كما قلنا في معنى كونه مجنونا ) ، أي مستورا عنه علم ما سئل عنه ( زاد في البيان موسى ليعلم فرعون رتبته في العلم الإلهي لعلمه بأن فرعون يعلم ذلك ) ، أي العلم الإلهي ( فقالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فجاء بما يظهر ) ، وهو المشرق فإنه موضع ظهور النيران فنبه به على كل ما ظهر من عالم الشهادة وهو الاسم الظاهر ( وبما يستر ) .

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي   شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 12:25 pm

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر  

الفص الموسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثالث
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
وفي النسخة المقروءة عليه نفعنا اللّه وما ستر من الثلاثي على صيغة المجهول وهو المغرب فإنه موضع استتارات النيرات ، فنبه على كل ما بطن من عالم الغيب وهو الاسم الباطن وإلى هذين الاسمين أشار بقوله : ( وهو ) ، أي ما يظهر وما يستر ( الظاهر و ) الاسم ( الباطن ) المذكوران في قوله تعالى :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ[ الحديد : 3 ] .
( و ) رب ( ما بينهما ) ، أي بين المشرق والمغرب ( وهو ) ، أي ما يدل على ما بين الظاهر والباطن في الآية المذكورة .
( قوله : وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فإن الشيء متناول لما بين الظاهر والباطن كما هو متناول لهما (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، أي إن كنتم أصحاب تقييد فإن للعقل التقييد ) .
وفي النسخة المقروءة : فإن العقل يقيد
( فالجواب الأول جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود فقال لهم : إن كنتم موقنين ، أي أهل كشف ووجود فقد أعلمتكم بما تيقنتموه في شهودكم ووجودكم ، فإن لم تكونوا من هذا الصنف فقد أجبتكم في الجواب)


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( عقل وتقييد وحصرتم الحقّ فيما تعطيه أدلّة عقولكم فظهر موسى بالوجهين ليعلم فرعون فضله وصدقه ، وعلم موسى أنّ فرعون علم ذلك - أو يعلم ذلك لكونه سأل عن الماهيّة ، فعلم أنّه ليس سؤاله على اصطلاح القدماء في السؤال بما ، فلذلك أجاب فلو علم منه غير ذلك لخطّأه في السّؤال .
فلمّا جعل موسى المسؤول عنه عين العالم ، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون . فقال له : لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [ الشعراء : 29 ] .
والسّين في « السّجن » من حروف الزّوائد : أي لأسترنّك فإنّك أجبتني بما أيّدتني)

الثاني : إن كنتم من أهل عقل وتقييد وحصرتم الحق فيما تطلبه أدلة عقولكم ) والسر في أن الكشف والوجود يعطي الإطلاق والعقل التقييد ، أن صاحب الكشف يعرف الحق أولا على ما هو على من القدس والإطلاق ويتنزل من معرفته إلى معرفة مظاهره المقيدة ، فهو يعرف الأشياء بالحق لا الحق بالأشياء .

وأما العقل فلا يعرف الحق إلا بالأشياء والأشياء مقيدات لا تعطي إلا التقييد ، كما أنك إذا لم تعرف زيدا أو وصل إليك كتابه فما تعرفه إلا بكونه كاتبا فهذه المعرفة لا تعطي إلا التقييد ، بخلاف ما إذا عرفت زيدا أولا بما هو عليه في نفس الأمر فتنزل من معرفته إلى معرفة كمالاته ، فلا شك أن لا تقيده بالكتابة إذا كان هناك كمالات أخر ،
فإن قلت : كما من الاثنين يحتمل الإطلاق والتقييد فلو حملتم الآية الأولى على الإطلاق الذي هو مقتضى الكشف والوجود ، والثانية على التقييد الذي هو مقتضى العقل .
قلنا : لئلا يلزم التكرار في الجواب فإنه لا يناسب الكمال الموسوي والقرينة على ذلك قوله :إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ وإِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ.
( فظهر موسى بالوجهين ) : الكشفي والعقلي ( ليعلم فرعون فضله وصدقه ) في ادعائه الرسالة ( وعلم موسى أن فرعون علم ذلك أو ) من شأنه ( أنه يعلم ذلك لكونه سأل عن الماهية فعلم موسى أن سؤاله ليس على اصطلاح القدماء في السؤال بما ؛ فلذلك أجاب بالوجهين ) : الكشفي والعقلي . ( فلو علم منه غير ذلك لخطأه في السؤال ) ، فإن تمكين المخطىء على الخطأ في قوة الخطأ حاشاه من ذلك فعلم من تمكين موسى له أن له علما بذلك .
( فلما جعل موسى المسؤول عنه ) يعني رب العالمين ( عين العالم ) بلسان التوحيد وفرعون من العالم ( خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون فقال له :لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [ الشعراء : 26 ] والسين في « السجن » من حروف الزوائد ) ،
فلم يبق فيه من الحروف الأصلية إلا ما هو مادة الجنون أعني الجيم والنون ، وهذا الستر وإن لم يكن مضاعفا فإن اعتبار ذلك إنما يكون في لسان العبارة ،
وأما في لسان الإشارة فيكفي في الدلالة على المعنى المشار إليه بعض حروف اللفظ الدال عليه فلا يعتبر الوضع الاشتقاق فيه كمن فهم من سعتر اسع ترى فوجد وجدا عظيما ، فلهذا

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( به أن أقول لك مثل هذا القول .
فإن قلت لي : فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إيّاي ، والعين واحدة ، فكيف فرقت فيقول فرعون إنّما فرقت المراتب العين ما تفرّقت العين ولا انقسمت في ذاتها .
ومرتبتي الآن التّحكّم فيك يا موسى بالفعل ، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرّتبة .
فلمّا فهم ذلك موسى منه أعطاه حقّه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك ، والرّتبة تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه : لأنّ الحقّ في رتبة فرعون من الصّورة الظّاهرة ، لها التّحكّم على الرّتبة الّتي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس .
فقال له يظهر له المانع من تعدّيه عليهأَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ[ الشعراء : 30 ] .
فلم يسع فرعون إلّا أن يقول له :فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[ الشعراء : 31 ] حتّى لا يظهر فرعون عند الضّعفاء الرّأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه ، وهي)

قال بيان معناه ( أي لأسترنك ) تحت ظهوري وغلبتي عليك ( فإنك أجبت بما أيدتني به ) وهو قولك : رب العالمين عين العالم ، وأنا من العالم فأيدني هذا القول منك ( على أن أقول لك مثل هذا القول ) المشعر بظهوري عليك وسترك تحت ظهوري .
ولما كان لموسى أن يقول في مقابلته كما أن قولي : يؤيدك كذلك يؤيدني فإنه كما أنك من العالم الذي هو عين الحق كذلك أنا أيضا منه فمن أين ظهورك علي ؟

فدفعه فرعون بقوله : ( فإن قلت ) : يا موسى ( لي بلسان الإشارة فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي ) بالسجن والستر ( والعين ) الظاهرة فيك وفيّ ( واحدة فكيف فرقت ) بيننا بظهورك عليّ وانقهاري تحت ظهورك ( فيقول : فرعون إنما فرقت المراتب ) المتكبرة المتفرقة ( العين ) الواحدة ، أي أريتها متكبرة متفرقة ( ما تفرقت العين ) في نفسها ( ولا انقسمت في ذاتها ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى ) ، والظهور عليك ( بالفعل ) ، والتأثير فيك بأن أسجنك وأسترنك بحسب مرتبتي ( وأنا أنت بالعين وأنا غيرك بالرتبة . فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك ) ، أو لا تقول فإن حقه أن لا يقول له ذلك كيف ( والمرتبة تشهد له ) أي لفرعون ( بالقدرة عليه ) ، أي على موسى ( وإظهار الأثر فيه لأن الحق في رتبة فرعون من الصور الظاهرة لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس ) لا في آخر الأمر ( فقال ) موسى ( له ) ، أي فرعون ( يظهر له المانع من تعديه عليه ) بالستر والسجن .
(أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) [ الشعراء : 30 ] ، أي وتفعل ذلك لو جئتك بآية مظهرة لي عليك ( فلم يسع فرعون إلا أن يقول :فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه ، وهي


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الطّائفة الّتي استخفّها فرعون فأطاعوه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ[ الأنبياء : 74 ] أي خارجين عمّا تعطيه العقول الصّحيحة من إنكار ما ادّعاه فرعون باللّسان الظّاهر في العقل ، فإنّ له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين .
ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصّة . فَأَلْقى عَصاهُ وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ [ الشعراء : 32 ] أي حيّة ظاهرة .
فانقلبت المعصية الّتي هي السّيّئة طاعة أي حسنة كما قال :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [ الفرقان : 70 ] يعني في الحكم .
فظهر الحكم ههنا عينا متميّزة في جوهر واحد . فهي العصا وهي الحيّة والثّعبان الظّاهر ، فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصيّ من كونها عصا . فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال .
فكانت للسّحرة حبال ولم يكن لموسى حبل . والحبل التّلّ الصّغير أي مقاديرهم )

الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه « إنهم كانوا قوما فاسقين » ، أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون ) ، إفكا ( باللسان الظاهر ) صدقه ( في ) غريزة ( العقل فإن له ) ، أي للعقل ( حدا يقف ) العقل ( عنده ) ، أي عند ذلك الحدّ ( إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين) .
(ولهذا ) ، أي لتفاوت مرتبتي العقل والكشف ( جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) المشاهد لإطلاقه ( والعاقل ) القابل بتقييده ( خاصة فألقى موسى عصاه وهي صورة ما عصى به ) ، أي ملكه كفر وعناد عصى بها ( فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته فإذا هي ثعبان ) ، تثعب منه وتنفجر منه عيون علم وكشف من ثعب الماء فانثعب ، أي فجرته فانفجر


( مبين ) ، ولما كانت الحيات الحقيقية هي الحيات العالمية فسر الثعبان المبين بقوله : ( أي حية ظاهرة فانقلبت ) العصا ثعبانا كما تنقلب
( المعصية التي هي السيئة طاعة ، أي حسنة كما قال تعالى :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ يعني في الحكم ) فإن الأعيان أنفسها لا تتبدل ولن تنقلب أحكامها ( فظهر الحكم هنا ) ، أي في مادة انقلاب العصا ثعبانا ( عينا متميزة ) ، أي ظهور عين متميزة الأحكام ( في جوهر واحد فهي العصا ) حيث كان يتوكأ عليها ( وهي الحية ) من حيث أنها يحس منها الحث والحركة
( والثعبان الظاهر ) باعتبار التقامها أمثالها من الحيات والعصي ( فالتقم أمثاله من الحيات من كونها ) ، أي من حيث كونها ( حية والعصا من كونها عصا فظهر حجة موسى على حجج فرعون ) الظاهرة ( في صورة عصيّ وحيات وحبال فكانت للسحرة الحبال ولم يكن


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( بالنّسبة إلى قدر موسى عند اللّه كنسبة التّلال الصّغيرة إلى الجبال الشّامخة .
فلمّا رأت السّحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم ، وأنّ الّذي رأوه ليس من مقدور البشر وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلّا ممّن له تميز في العلم المحقّق عن التّخيّل والإيهام ، فآمنوا بربّ العالمين ربّ موسى وهارون : أي الرّبّ الّذي يدعو إليه موسى وهارون ، لعلمهم بأنّ القوم يعلمون أنّه ما دعا لفرعون .
ولمّا كان فرعون في منصب التّحكّم صاحب الوقت ، وأنّه الخليفة بالسّيف - وإن جار في العرف النّاموسي - لذلك قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى أي وإن كان الكلّ أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظّاهر من التّحكّم فيكم .
ولمّا علمت السّحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه وأقرّوا له بذلك فقالوا له :فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا [ طه : 72 ] فالدّولة لك . فصحّ قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [ النازعات : 24 ] وإن كان عين الحقّ فالصّورة لفرعون ، فقطّع الأيدي )

لموسى حبل والحبل التل الصغير ) وهو الممتد من الرمل المستطيل الذي به يهتدي الساري إلى بيته ( أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى عند اللّه بمنزلة الحبال ) ، أي التلال الصغيرة ( من الجبال الشامخة .
فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى ) وعلو قدره ( في العلم وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام فآمنوا برب العالمين ) .

وهذا القول عند القوم كان مجملا لا دعاء فرعون أنه ذلك فبينوه بقولهم (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) 122 ) [ الأعراف : 122 ] ، أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ) ، أي موسى مع أخيه هارون : ( ما دعا لفرعون ) ، أي إلى فرعون فلا إجمال فيه ( ولما كان فرعون في منصب التّحكم صاحب الوقت وأنه ) ، أي صاحب الوقت هو ( الخليفة بالسيف ) ، 
أي خليفة الدولة الظاهرة ( وإن جاز في العرف الناموسي ) ، أي وإن كان جائزا بموجب الحكم الشرعي ( لذلك ) ، أي لكونه خليفة بالسيف ( قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، أي وإن كان الكل أربابا بنسبة مّا فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم .

ولما علمت السحرة صدقه في ما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك ، فقالوا له : إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) المبني أمرها على الغلبة بالسيف ( فاقض ما أنت قاض ) فيه وحاكم عليه في هذه النشأة الجسمانية ( فالدولة ) التي هي الخلافة الصورية ( لك فصح قوله لهم :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فإنه وإن كان عين الحق فالصورة التي تعينت العين بها

 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والأرجل وصلب بعين حقّ في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلّا بذلك الفعل .  فإنّ الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأنّ الأعيان الثّابتة اقتضتها ؛ فلا تظهر في الوجود إلّا بصورة ما هي عليه في الثّبوت إذ لا تبديل لكلمات اللّه .
وليست كلمات اللّه سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها كما تقول حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنّه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث .
ولذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه :
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ  [ الأنبياء : 2 ]
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ  [ الشعراء : 5 ] .
والرّحمن لا يأتي إلّا بالرّحمة. ومن أعرض عن الرّحمة استقبل العذاب الّذي هو عدم الرّحمة .)

لفرعون فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل ) فإن من جملة ما تعينت به عين الحق صورة الباطل .
قال الشيخ أبو مؤيد الدين قدس اللّه سره : لا تذكر الباطل في طوره فإنه بعض ظهوراته ( وذلك ) القطع والصلب إنما هو ( لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل ) أما من طرف فرعون ليظهر بحكمه وسلطنته لينقاد لها الآخرون وأما من طرف السحرة ليصلوا إلى الدرجات العالية والمراتب الكمالية وإنما لا تنال تلك المراتب إلا بالفعل ( فإن ) ذلك الفعل من قبيل الأسباب لها وأن ( الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة ) المرتبط بعضها ببعض بالسببية والمسببية في الثبوت العلمي ( اقتضتها فلا تظهر في الوجود ) العيني ( إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت ) العلمي فكل مسبب يكون مرتبطا بسبب في الثبوت العلمي لا يتحقق في الوجود العيني إلا به ( إذ لا تبديل لكلمات اللّه ، وليست كلمات اللّه سوى أعيان الموجودات فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها ) ، في الحضرة العلمية 

( وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها ) في المراتب الوجودية ( وظهورها فيها كما تقول : حدث اليوم عندنا إنسان زائر أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في ) شأن ( إتيانه مع قدم كلامه ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ) ، أي محدث إتيانه به

وكذلك قوله تعالى : ( وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ [ الشعراء : 5 ] ، والرحمن سبحانه لا يأتي إلا بالرحمة ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة ) ثم إنه لما ذكر الحكم والأسرار التي تضمنتها الآيات الواردة في شأن موسى وفرعون أراد أن يبين أن مثل هذا الإيمان أي إيمان فرعون وغيره


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [ غافر : 85 ] إلّا قوم يونس ، فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء إلّا قوم يونس .
فأراد أنّ ذلك لا يدفع عنهم الأخذ في الدّنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه .
هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك السّاعة . وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال أنّه عاين المؤمنين يمشون على الطّريق اليبس الّذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر . فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذ آمن ، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به .
 
من آمن عند اليأس من غير أن يقع في الغرغرة ويرى العذاب الآخر وبأسها نافع في الآخرة وإن يكن نافعا في الدنيا فقال : ( وأمّا قوله تعالى ) في سورة المؤمن : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) [ غافر : 85 ]

وكذا قوله مع الاستثناء في سورة يونس فلو لا كانت قرية آمنت ، يعني عند رؤية العذاب فنفعها إيمانها ( إلا قوم يونس فلم يدل ذلك ) المذكور من الآيتين ( على أنه ) ، أي إيمانهم عند البأس ( لا ينفعهم في الآخرة ) وعدم هذه الدلالة إنما هو ( بقوله ) ، أي بدليل قوله ( في الاستثناء إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ، فإنه لما استثناهم في عدم انتفاعهم بالإيمان عند رؤية البأس بين انتفاعهم بالإيمان عند رؤية البأس بقوله : لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

ولا يلزم من ذلك عدم انتفاعهم ، أي انتفاع المستثنى والمستثنى منه جميعا به في الآخرة ولما كان عدم انتفاع المستثنى منهم بالإيمان في الحياة الدنيا مقطوعا به بمقتضى الآيتين بخلاف عدم انتفاعهم به في الآخرة .
حملها الشيخ رضي اللّه عنه على ما هو مقطوع به

فقال:( فأراد ) الحق ( أن ذلك ) ، أي الإيمان عند رؤية البأس ( لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا فلذلك ) ، أي لأجل أنه لا يرفع العذاب في الحياة الدنيا ( أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه هذا إن كان أمره ) ، أي أمر فرعون ( أمر من تيقن بالانتقال ) من الدنيا إلى الآخرة ( في تلك الساعة وقرينه الحال تعطى أنه كان على يقين من ذلك الانتقال ، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر فلم يتيقن فرعون الهلاك إذا آمن بخلاف المحتضر ) ، أي حين آمن إيمانا ملتبسا بمخالفة إيمان المحتضر فإن إيمانه لم يكن على تيقن من الهلاك بخلاف المحتضر فإنه على تيقن من الهلاك وإنما آمن على هذه الصفة ( حتى لا يلحق به ) ، أي بالمحتضر في عدم قبول إيمانه .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فآمن بالّذي آمنت به بنو إسرائيل على التّيقّن بالنّجاة ، فكان كما تيقّن لكن على غير الصّورة الّتي أراد ، فنجّاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّا بدنه كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92 ] .
لأنّه لو غاب بصورته ربّما قال قومه احتجب . فظهر بالصّورة المعهودة ميّتا ليعلم أنّه هو . فقد عمته النّجاة حسّا ومعنى .
ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ولو جاءته كلّ آية حتّى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي .
فخرج فرعون من هذا الصّنف . هذا هو الظّاهر الّذي ورد به القرآن . ثمّ إنّا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه . وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه .
ثمّ ليعلم أنّه لا يقبض اللّه أحدا إلّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة : وأعني من المختضرين ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة .)

( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان ) ، أي حصل ( الأمر ) ، أي النجاة ( كما تيقن به لكن على غير الصورة التي أراد ) ، فإنه أراد النجاة من عذاب الدنيا ( فنجاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ) ، أي روحه حين وفقه للإيمان ( ونجى بدنه عن الغرق ) بقذفه إلى الساحل ( كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه : احتجب ) عن الأبصار فارتقى إلى السماء أو غاب بنوع آخر على ما اعتقدوه بالألوهية ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو فقد عمته النجاة حسا ) من حيث بدنه

( ومعنى ) من حيث نفسه وروحه ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية ) ، كأبي جهل فإنه قال لقاتله : قل لصاحبك يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم : ما أنا بنادم على مخالفتك في هذه الحال أيضا (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ، أي يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف . هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه ) موكول ( إلى اللّه لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه وما لهم نص في ذلك ) ، أي في شقائه ( يستندون إليه ) في إثبات الشقاء له
( وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضع ذكره . ثم ليعلم أنه ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية وأعني بذلك من المحتضرين ) ، الذين حضرهم الموت واقفون عليه حاضرون به ( ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة ) .



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فأمّا موت الفجأة فحدّه أن يخرج النّفس الداخل ولا يدخل النّفس الخارج .
فهذا موت الفجأة . وهذا غير المحتضر . وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر : فيقبض على ما كان عليه من إيمان وكفر . ولذلك قال عليه السّلام : « ويحشر على ما عليه مات » .
كما أنّه يقبض على ما كان عليه :  والمحتضر ما يكون إلّا صاحب شهود ، فهو صاحب إيمان بما ثمّ فلا يقبض إلّا على ما كان عليه ، لأنّ « كان » حرف وجوديّ لا ينجرّ معه الزّمان إلّا بقرائن الأحوال :  فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميّت فجأة كما قلنا في حدّ الفجأة . )

قيل "قتل الغفلة" ههنا بحسب اللغة قتل الغيلة بالغين المعجمة والياء المنقوطة من تحت بنقطتين وكأنه صحفه الناسخون ( فأما موت الفجأة فحده أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج فهذا موت الفجأة ، وهذا غير المحتضر ، وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر ولذا قال عليه السلام : « ويحشر على ما عليه مات ») . رواه مسلم  وابن حبان في صحيحه ورواه غيرهما .

 (كما أنه يقبض على ما كان عليه . والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود ) ، للملائكة وأحوال الآخرة قبل موته ( فهو صاحب إيمان بما تم فلا يقبض إلا على ما كان عليه ) ، أي على ما هو عليه عند الموت لا في زمان سابق عليه ( لأن كان ) الواقع عبارة الحديث النبوي ( حرف وجودي ) ، أي كلمة تدل على وجود خبرها لاسمها وثبوته ( لا ينجر معه الزمان ) ، أي لا يدل على الزمان كقوله تعالى :وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وكان زيد قائما فإن معناه ثبوت الخبر للاسم ووجوده على الصفة المذكورة فلا يفهم منها الزمان ( إلا بقرائن الأحوال ) .

كما إذا قال الشيخ الهرم : كنت شابا قويا هذا والظاهر من علوم القواعد العربية أنه نص في الزمان حتى لا ينخلع عنه المعنى بدخول حرف الشرط مثل أن عليه ، وانخلاعه عنه إنما يكون بالقرينة على عكس ما ذكرها هنا .

وكان هذا ميل إلى ما اصطلح عليه أهل الميزان لجعلهم إياها رابط على أنهم أيضا يسمونها رابطة زمانية ( فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة والميت فجأة كما قلنا في حد الفجأة ) الفرق بينهما ظاهر لكن الكلام في أنه هل ينفعه

 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة التّجلّي والكلام في صورة النّار ، فلأنّها كانت بغية موسى عليه السّلام ، فتجلّى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه . فإنّه لو تجلّى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همّه على مطلوب خاصّ .
ولو أعرض لعاد عليه فأعرض عنه الحقّ ، وهو مصطفى مقرّب ، فمن قربه أنّه تجلّى له في مطلوبه وهو لا يعلم .)
(كنار موسى رآها عين حاجته  .... وهو الإله ولكن ليس يدريه)

إيمانه بما لم يعتقده قبل ذلك وإن قبض عليه عند الموت فلم يخبر الشيخ رضي اللّه عنه عن ذلك والحق أنه لا ينفعه لقوله تعالى :يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً.

( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار فلأنها كانت بغية موسى عليه السلام فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه حينئذ على مطلوب خاص ) ، غير ما تجلى فيه ( ولو أعرض لعاد عمله ) ، أي حكم عمله ( عليه فأعرض عنه الحق ) ، أي جاراه بالإعراض عنه جزاء وفاقا .

( وهو مصطفى ) لقوله :إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى( مقرب ) لقوله : قربناه نجيا ( فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم ) أولا لأنه هو المطلوب الحقيقي في صورة مطلوبه المجازي
( كنار موسى رآها عين حاجته . . وهو الإله ولكن ليس يدريه ) .
وتذكير الضمير في وهو الإله لتذكير الخبر وفي يدريه لأنه راجع إلى الإله أي ليس يعرف الإله المتجلي فيها أو إلى النار بالتأويل المذكور ، ووفقنا اللّه معشر الطالبين لجمعية الهمة على مطلوب ينشق عن وجه جمال المطلوب الحق وجمال وجه المطلوب المطلق .

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
» شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عبد الرزاق القاشاني .على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عيد الغني النابلسى كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» شرح داود بن محمود بن محمد القَيْصَري فى كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم على فصوص الحكم الشيخ الأكبر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: