منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالأحد يوليو 28, 2019 2:52 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

مقدمة كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

مقدمة الكتاب على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
مقدمة كتاب شرح كلمات فصوص الحكم ابن العربى الطائي الحاتمي 
الإهداء
إلى الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربى قدس الله سره العزيز،
الرجل الذي ملأ الدنيا وشغلها منذ أكثر من ثمانية قرون، وما احتلت الناس في أحد به النبوات مثل ما اختلفوا فيه، وكان هو في نفسه مرآة محمدية في غاية الصفاء والإستقامة ، فما رأى أحد فيه إلا نفسه , وما تكلم فیه تی متكلم إلا بما هو عليه المتكلم.
محمود محمود الغراب
دمشق
غرة جمادى الثاني  1405هـ
الموافق العشرين من شباط 1985 م

العلم بالله دینی إذ أدین به    ….. والجهل بالعین ایمانی وتوحيدي
                               محيي الدين ابن العربي
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله مؤتي الحكم ، سابغ النعم ، دافع النقم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المؤتی جوامع الكلم ، والهادي إلى الطريق الأمم ، وعلى آله وأصحابه وسلم ، أما بعد، فانه بعد صدور السلسلة الأولى من كتبنا التسعة عن الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي رضي الله عنه ، وهي :
الفقه عند الشيخ الأكبر .
الإنسان الكامل .
القطب الغوث الفرد .
شرح كلمات الصوفية .
الرد على ابن تيمية .
ترجمة حياة الشيخ الأكبر.
الحب والمحبة الإلهية .
الخيال عالم البرزخ والمثال .
الرؤيا والمبشرات .
والتي تعتبر مدخلا لقراءة كتب الشيخ، وتوجد بعض ما جاء من مفاهيم وعلومه ، في أبواب يسهل على القارىء استيعابها .
فإني أتقدم واسأل الله العون والتوفيق لشرح كتاب فصوص الحكم ، الذي أثار كثيرا من اعتراض بعض الأئمة وأهل العلم على الشيخ الأكبر قدس الله سره العزيز ، مثبتا في هذا الشرح ما صح نسبته إلى الشيخ ، ومحققا ما جاء في هذا الكتاب مما يخالف آراء الشيخ في كتبه الأخرى .
فأقول : الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
هو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد العربي ، ولد عام 560 هـ بمدينة مرسية بشرق الأندلس ، خرج حاجا من الأندلس عام 489  هـ ثم استقر به المقام في دمشق بعد رحلة مذكورة في ترجمة حياته ، غرق أهل العلم في شرح و تفسير إشاراته ، فغابوا عن علو مقام الشيخ الفقهي وانه امام صاحب مذهب مستقل من مذاهب أهل السنة
والجماعة ، واختلف فيه أهل الظاهر بين قادح ومادح ، واعتبره فلاسفة الغرب والشرق من أكبر فلاسفة الإسلام، ولقبه الأولياء واهل العرفان بسلطان العارفين وشيخ المحققين، له من المؤلفات ما ينيف عن ستمائة مؤقف بين رسالة وكتاب ، فقد جلها ، ولم يبق بخط يده إلا اليسير منها أهمها الفتوحات المكية ، توفي عام 638 هـ بمدينة دمشق .

فصوص الحكم
سمي هذا الكتاب موضوع البحث بـ " فصوص الحكم " إشارة إلى أن الحكم الواردة فيه كاملة النشأة ، محكمة لا يفضل منها شيء فلا زيادة فيها ولا نقصان ، فيقدح ذلك في كونها حكمة.
فإن الفص من الخاتم لا يفضل عنه شيء ، بل يكون على قدر محله وشكله ، فإن محله من الخاتم يكون مثله لاغير.
فهو مثال لوضع الحكمة في محلها الذي تثبت فيه فلا تضيع ، إشارة إلى إتيان الدعية أهلية ، فلا تظلم ولا يظلمون .
لم يرد ذكر أسم هذا الكتاب في أي من كتب الشيخ رضي الله عنه ، إلا أنه جاء ذكره في إجازة الشيخ للملك أبي بكر بن أيوب ، ضمن ما أجازه من قراءة كتبه المذكورة في الإجازة ، وذاك في مدينة 632 هـ ، وفي ديوانه وإذا اعتبرنا ذلك دليلا على نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ ، فيكون بذلك من أواخر الكتب التي ألفها ، حيث ذكر أنه الغه عام 627 هـ .
ولذلك نجد أنه قد أتى علی ذكر كتب التنزلات الموصلية والفتوحات المكية والتجليات في هذا الكتاب .
واشار : الرجوع إليها ، ولكن ما يجب أن يعلمه القارئ هو أن هذا الكتاب وإن كان من أواخر ما ألف الشيخ، إلا أنه ليس بآخرها كتابة .
فإنه ثابت أنه استمر في كتابة الفتوحات المكية حتى عام 935 هـ ، أي بعد ضمان سنوات من كتابة فصوص الحكم ، كما أن للشيخ على نسخة الفتوحات المكية المكتوبة بخط يده واحدة وخمسين سماعا من عام 633 هـ إلى عام 637 هـ ، وأقدم نسخة الفصوص هي المنسوبة إلى صدر الدين القونوي .
يوجد من الكتب المخطوطة بيد الشيخ رضي الله عنه في تركيا وبغداد ثمان وعشرون كتابا هي : الفتوحات المكية ، كتاب الأحدية ، كتاب الأزل ، كتاب ايام الشأن ، دیوان الشيخ الأكبر ، كتاب الجلالة ، كتاب حلية الأبدال ، كتاب مقام القربة ، كتاب التدبيرات الإلهية ، كتاب التراجم ، كتاب التجليات ، كتاب التنزلات الموصلية ، كتاب الياء ، كتاب جواب سؤال ابن سودكين ، كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل ، كتاب العظمة كتاب الحقائق الإلهية ، كتاب بحر الشكر ، كتاب الرد على اليهود ، كتاب الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذي الحكيم ، كتاب انخراق الجلود ، كتاب المحجة البيضاء في الأحكام الشرعية ، كتاب منازل المنازل الفهوانية ، رسالة القرار في نزول الأخبار ، كتاب نثر البياض في روضة الرياض ، كتاب شواهد الحق في القلب ، كتاب الوسائل في الأجوبة عن عيون المسائل ، تفسير جزئين من سورة البقرة من تفسيره إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ، طبع من هذه الكتب الخمسة عشر كتابا الأولى ، ولا يوجد في هذه الكتب كلها أي تعارض مع ما هو موجود في كتابه الفتوحات المكية .
الذي يعتبر بحق أما لجميع كتب الشيخ ، نعم يوجد في الفتوحات المكية تعارض في بعض المسائل ، ولكن نجد ذلك عند شرح مدلول لفظة من الفاظ الأضداد تحتاج إلى تخريج المعنى مع ما يناسب كلا من الضدين .
او نجد رأيين متعارضين عندما يقرر الشيخ راي علماء الكلام أو النظر او الفلك.
أو الطبيعة مع اختلاف آرائهم في نفس الموضوع ، ولكن لا يوجد أي تعارض عندما يتكلم الشيخ عن الحقائق ، فإن الحقائق لا تتبدل ، ولا يصح تعارض فيما يأتي به الكشف إن كان الكشف محققا ولم يدخله التأويل ولا النظر .
ولما كان هذا الكتاب « فصوص الحكم » مبنية على الحقائق وعلوم الإلهيات ، فإنه لا يتصور فيه تناقض مع ما ثبت عن الشيخ في كتبه الأخرى.
ولكن عند تحقيق ما ورد في هذا الكتاب ، نجد أن فيه كثيرا من المخالفات والعبارات التي تناقض تماما مذهب الشيخ وأسلوبه .
ولا يوجد وجه جامع يجمع بين هذه المتناقضات ، لذلك نجد أنه من الصعب التسليم بصحة نسبة كل ما جاء في هذا الكتاب الذي بين أيدينا إلى الشيخ.
و خصوصا عندما نرى تدنية في أسلوب الكتابة والتعبير المعهودين عن الشيخ ، وكذا ضعف الاستدلال بالشواهد في هذا الكتاب مع قوة الشواهد في نفس المسائل ووضوحها في الفتوحات المكية والكتب الأخرى المكتوبة قبل هذا الكتاب .
كما إننا لا نجد أي ذكر او إشارة إلى هذا التعارض في كتاب نقش الفصوص الذي كتبه إسماعيل بن سودكين التلميذ المقرب إلى الشيخ رضي الله عنه .
لذلك فإنني أنحو في شرحي لهذا الكتاب طريق التحقيق العلمي المستند إلى المراجع التي صحت نسبتها إلى الشيخ الأكبر رضي الله عنه.
فأوضح ما أبهم في هذا الكتاب بنص كلام الشيخ كما إنني اثبت ما جاء مخالفة لما في هذا الكتاب مما لا يصح نسبته إلى الشيخ دون أن أتكلف تأويله كما سبق ممن تعرض لشرح هذا الكتاب.
وسيرى القارئ مدى تجني منتقدي الشيخ على هذه المسائل دون أن يحققوا نسبتها إليه ، في أمور لا تصح نسبتها إلى الشيخ ، وفي أمور قصروا عن إدراك معانيها ويوضحها الشيخ في كتب أخرى .
وعند تحقیق ودراسة هذا الكتاب نجد أن جميع العلوم الأساسية فيه لم يتناولها أي تحريف أو تصرف، ولذلك يعتبر من هذه الناحية مختصرة مكثفا لبعض علوم الشيخ الرئيسة .
ونجد أن هذا الكتاب من جهة حقائقه العلمية يقوم على الفردية ، كما أن الوجود الحادث مبني على الفردية .
فالثلاث علوم الرئيسة فيه :
أولها وحدة الوجود من حيث أنه سبحانه هو الظاهر في المظاهر ، وأقرب مثال له هو الظهور في المرايا .
معبرة عن فهم الشيخ في قوله تعالى « كل شيء هالك إلا وجهه » وقوله : كان الله ولا شيء معه .
والثاني كون العلم تابعا للمعلوم وهو إشارة إلى قوله تعالى « فلله الحجة البالغة »
والثالث شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب . وذلك بالنظر إلى قوله تعالی « الرحمن على العرش استوى » .
وقوله تعالى « ورحمتي وسعت كل شيء » وسيجد القاريء جدولا مفصلا يبين تكرار هذه العلوم في أكثر فصوص هذا الكتاب .
وما عدا ذلك من العلوم فهو من العلوم الفرعية ، كما نجد أن الشيخ يضمن الفصوص الأخيرة من هذا الكتاب رأيه في العقائد وعلوم التوحيد، وما يتعلق بها من التنزيه المطلق والتشبيه: لطلق، ويوضح مذهبه في الجمع بين التنزيه والتشبيه القائم على النصوص الشرعية والجمالية في قوله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".
ثم يشرح تجلي الحق في صور المعتقدات مستندا إلى قوله صلى الله عليه وسلم  في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه من تحول الحق في الصور يوم القيامة .
ويلاحظ في هذا الكتاب أن الشيخ يتكلم فيه عن الحقائق والعلوم الذوقية دون لغز او رمز مما لا يصعب فهمه او يعسر حله إلا في فص واحد هو فص الحكمة النوحية 
ولهذا أحال الشيخ رضي الله عنه القارىء على التنزلات الموصلية ، فإنها مبنية على اللغز والرمز والأسرار المختصة بأهلها ، فمن فهمها هناك فهمها في ذلك الفص ، وقد اشرت بعلامة (0) إلى كل موضوع وقع فيه خلاف بين ما هو مذكور في فصوص الحكم وبين ما هو ثابت عن الشيخ في كتبه الأخرى .
ليتضح للقارىء مدى إصابة أو خطأ كل من تعرض لشرح هذا الكتاب ، ولذلك فإني أثبت في شرحي المراجع والمصادر في أماكنها ليرجع إليها من طلب تحقیق المسألة 
وأما عن نسبة كل حكمة إلى نبي من الأنبياء ، فإني أقدم لها بما فتح الله تعالی على ، موضحا المناسبة والوجه الجامع بين الحكمة وبين النبي المسند إليه هذه الحكمة ما المسه من الشيخ في مراعانه علم المناسبة وإن دقت او بعدت ، فأرجو الله تعالی التوفيق لإصابة المقصود من الشيخ رضي الله عنه .

شرح فصوص الحكم لهذا الكتاب
عدة شروح تربو على المائة منها ستة شروح مطبوعة ، اناقش مسألتين فقط جاءنا في فصوص الحكم في ثلاث من أهم هذه الشروح وهي شرح الملا عبد الرحمن الجامي المتوفي عام 898 هـ ، وشرح خليفة الصوفية بالي أفندي المتوفي عام 960 هـ، وشرح الشيخ العارف بالله عبد الغني النابلسي المتوفى عام 1143 هـ ، ومن مناقشة هاتين المسألتين مع النصوص
الثابتة عن الشيخ الأكبر رضي الله عنه يتضح للقارىء مدى إصابة كل من تصدى لشرح الفصوص قصد الشيخ ام خطؤه ، وهاتان المسألتان نموذج أقدمه وما عداهما فهو متروك للقارىء يقف عليه بنفسه عند قراءة هذا الشرح.
أما نقد وتعليق المرحوم الدكتور أبو العلا عفيفي ، فإني لا أتعرض له حيث انه تناول بالنظر الفكري عن طريق الفلسفة نقد ما كتب عن طريق الكشف والذوق، فخالف شرط المؤلف الثابت في نفس الكتاب حيث يقول الشيخ الأكبر في الفص رقم (۱)
"هذا الفن من الادراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه" وينص بصريح عبارته « أن الأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيدة عن نتائج الأفكار » .
فكيف تناقش بالدليل والبرهان ما جاء بالذوق والوجدان ؟!
وقد أوضحت في كتابي شرح كلمات الصوفية ص 375
كیف شرح المرحوم الدكتور أبو العلا عفيفي في كتابه « التصوف الثورة الروحية في الإسلام»
قول الشيخ الأكبر :
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوی  …. ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
فأفسد المعنى المقصود للشيخ بشعره ، وجانب جملة وتفصيلا ما نص عليه صاحب هذا البيت .
ولننظر إلى ما ذهب إليه هؤلاء الشراح الثلاثة في هاتين المسالتين .

مسالة استفادة خاتم الأنبياء العلم من خاتم الأولياء
اولا مسالة خاتم الأولياء :
وهي قوله في الحكمة الشيثية: « فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء ، وإن كان خاتم الأولية تابعة للحكم ما جاء به خاتم الرسل من التشريع ، فذلك لا يقدح في مقامه ، ولا يناقض ما ذهبنا إليه ، فإنه من وجه يكون أنزل ، كما أنه من وجه يكون أعلا » .
الملا جامي :
يقول الشيخ الملا عبد الرحمن جامي ما يلي :
خاتم الاولياء مظهر احذية جمعه صلى الله عليه وسلم و لحقائق ولايته الباطنة ، فالاستمداد من مشكاة خاتم الأولياء بالحقيقة هو استمداد من مشكاة خاتم الأنبياء ، فإن مشكاته بعض من مشكاته ، فلا استمداد في الحقيقة إلا من مشكاة خاتم الأنبياء ، وإنما أضيف الاستمداد إلى خاتم الأولياء باعتبار حقيقته التي هي بعض من حقيقة خاتم الأنبياء ، ومعنى استمداد خاتم الأنبياء منه بحسب ولايته استعداده بحسب النشاة العنصرية من حقيقة هي بعض من حقيقته .
وذلك الولي الخاتم مظهره، فهلا بالحقيقة استمداد من نفسه لا من غيره . والله أعلم بالحقائق.

بالي أفندي :
لاينبغي أن يتوهم افضلية خاتم الأولياء على خاتم الرسل وغيره في ذلك الوجه الخاص وهو كونه متبوعا لخاتم الرسل في رتبة علم التجلي الذاتي .
لأن قوله « من وجه يكون اعلى » لا يدل إلا على تقدمه في ذلك العلم ولا يلزم منه الأفضلية في تلك المرتبة ۰۰۰
فكان المراد من قوله « من وجه يكون أعلى » بیان لزيادة مرتبة خاتم الأولياء من الوجه المذكور ، ولا يلزم منه الأفضلية من هذا الوجه عند الله . 

الشيخ عبد الغني النابلسي :
« فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء " من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام كما مر ، فإن ختم الولاية في زمان المرسلين الماضين عليهم
السلام لم يكن إلا في ولاية النبوة، كولاية الخضر عليه السلام وولاية الرسالة فقط، وأما ولاية الإيمان فحقها في هذه الأمة في كل زمان إلى يوم القيامة ، ومعلوم أن المرسلين ليسوا في هذه الأمة « فكيف من دونهم من الأولياء » ولاية نبوة أو ولاية إيمان .
فإنهم لا يرون ذلك المسلم إلا من مشكاة خاتم الولاية بالطريق الأولى ، فأصحاب الولاية النبوية لا يرونه إلا من خاتم الولاية النبوية ، و أصحاب الولاية الإيمانية يرونه من خاتم الولاية الإيمانية « وإن كان خاتم الأولياء » سواء كان ولاية نبوة او ولاية رسالة أو ولاية إيمان « تابعا في الحكم » العملي « لما جاء به » من عند الله تعالی « خاتم الرسل » في كل زمان من الأزمنة الماضية بالنسبة إلى الأنبياء والمرسلين.
والمستقبلة بالنسبة إلى أولياء الإيمان « من التشريع » أي البيان الإلهي ۰۰۰ والحاصل إن الرسالة والنبوة اللتين انقطعتا الآن ، لهما ولايتان ، ولكل ولاية منهما خاتم في كل زمان من تلك الأزمنة الماضية .
وكذلك ولاية الإيمان الباقية إلى يوم القيامة ، لها خاتم في كل زمان ، وهذا العلم مخصوص بخاتم الولاية من المرسلين أو الأنبياء أو المؤمنين ، ولا يراه أحد من المرسلين أو الأنبياء في زمن وجودهم إلا من مشكاة خاتم ولايتهم .
فكذلك لا يراه أحد من أولياء المؤمنين إلى يوم القيامة إلا من مشكاة خاتم ولايتهم  « فذلك » اي كون خاتم الأولياء من المرسلين او الأنبياء أو المؤمنين تابعا لخاتم الرسل في التشريع «لا يقدح في مقامه » الذي هو ختم الولاية.
فإنه مقام عال بالنسبة إلى من لم يكن خاتما من نوعه ، ذلك لحصوله على ذلك العلم بطريق الأصالة وغيره بالتبعية له.
« ولا يناقض ما ذهبنا إليه » من كون من لم يكن خانما لا يرى ذلك إلا من مشكاة الخاتم بطريق التبعية له في نوقه ذلك «فإنه» اي خاتم الأولياء المذكور «من وجه يكون أنزل» أي أدنى منزلة من تابعه « كما انه » اي خاتم الولاية « من وجه » آخر « يكون أعلى» من غيره .
نجد في هذه الشروح الثلاثة تكلف الشارح في تخريج معنى صريح اللفظ ، فيذهب منلا جامي إلى أنه استمداد لرسول الله صلى الله عليه من نفسه ، وهو تأويل يصعب على القارىء قبوله .
ونجد أن بالي افندی انبت الاختصاص الإلهي للشيخ بهذا العلم وأن هذا لا يعني أفضليته على خاتم الرسل .
فكان أقرب الثلاثة وضوحا مع ظاهر اللفظ ، أما الشيخ عبد الغني فقد تعني في التكلف في شرح المسالة واخرجها كلية عن المعنى الظاهر ، وجانب بهذا التكلف مفهوم ختم الولاية كما جاء في كتب الشيخ بأسلوب واضح سهل لا غموض فيه ولا يحتاج إلى تأويل .
فتكلف الشراح الثلاثة شرح ما لم يصح نسبته إلى الشيخ من ثابت كلامه ، كما سيراه القارئ في محله في فص الحكمة

مسألة إدريس والياس علیهما السلام وأنهما واحد
يقول كل من الملا جامي
كان الحكم بالاتحاد بينهما بناء على مشاهدته الأنبياء عليهم السلام في مشاهداته ۰۰۰
او مستفاد من روحانيته ، فإن هذا الكتاب بلا زيادة ولا نقصان مأخوذ منه صلى الله عليه وسلم ، كما صرح به في صدر الكتاب .
فما وقع به في بعض كتبه رضي الله عنه أن الموجود من الأنبياء بابدانهم العنصرية اربعة :
إثنان في السماء إدريس وعيسى عليهما السلام.
واثنان في الأرض الخضر وإلياس ، على ما اشتهر من اثنينيتهما ، وما وقع في هذا الكتاب بناء على ما استقر كشفه علیه آخرا ، فإن هذا الكتاب خاتم مصنفاتهم ، أو نقول الحكم بالإثنينية باعتبار البدنين السماوي والأرضي ، والحكم بالاتحاد باعتبار الروحانية .
بالي أفندي :
وكون إلياس هو إدريس عليه السلام معلوم له من الكشف الإلهي وما ذكر في كتب التفاسير من قصة إدريس وإلياس ، وإن دل على تغاير الأحوال ، لكن لا يقل قطعا على تغايرهما في المسمى. 
الشيخ عبد الغني النابلسي
نقل الشيخ عبد الغني رضي الله عنه تعارض الأقوال واختلاف المفسرين في هذه المسألة فمن قائل إن إلياس غير إدريس ومن قائل إن إلياس هو إدريس وأورد عن الشيخ العز بن عبد السلام قوله عن إلياس عليه السلام " وقيل إنه إدريس» ونقل من صحيح البخاري في كتاب الأنبياء عليهم السلام قول البخاري « ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أن إلياس هو إدريس ».
ثم رجع الشيخ عبد الغني القول بان إدريس عليه السلام هو إلياس بقوله « وابن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو ترجمان القرآن ، وقد دعا له ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل أي تأويل القرآن ، فهو أدرى بالقرآن من غيره ، فقوله بإن إلياس هو إدريس عليه السلام أصح الأقوال ، خصوصا وقد وافقه ابن مسعود خادم رسول الله وغيره أيضا .
وجاء الكشف الصحيح المؤيد بالكتاب والسنة بذلك من حضرة المصنف قدس الله سره » اهـ
نجد أن الشراح الثلاثة قد نحوا إلى أن إلياس هو إدريس عليهما السلام .
واثبتوا ذلك ونسبوه إلى الشيخ كشفا ، غير أن الملا الجامي ، قد أثبت أن للشيخ رأيه مخالفا في كتبه.
ولكن ما جاء به في الفصوص هو ما استقر علیه كشفه .
كما نجد أن كلا من بالي افندي والشيخ عبد الغني لم يذكره راي الشيخ المخالف ولا أتيا عليه ، وما نحب أن نذكره هنا في هذه المسألة أن الراي المخالف لما في الفصوص من كون إلياس هو إدريس  عليهما السلام .
مذكور في الفتوحات المكية التي يقول عنها الشيخ ما هذا نصه (( هذا الكتاب مبني على الشرع وعلى ما يعطيه الكشف والشهود ، فإن العقول تقصر عن إدراك الأمر على ما يشهد به الشرع في حقه » ا هـ .
إلى غير ذلك مما تجده في كتابنا ترجمة حياة الشيخ ، فإذا اعتبرنا الشيخ قد اخطأ في كشفه الأول في الفتوحات المكية .
فلا يبعد أن يخطىء في كشفه الثاني في الفصوص ، وهذا هدم لكل ما جاء به الشيخ في مؤلفاته من علوم.
مع ثبوت الحقول المعارض بخط يد الشيخ في الفتوحات ، والقول الذي تكلف الشراح إثباته من النصوص منسوب إلى الشيخ غير محقق ، ويؤخذ على الشيخ عبد الغني في هذه المسالة ، ذهابه إلى ترجيح القول في الفصوص اعتمادا على ما جاء في صحيح البخاري غير مسند ولا مرفوع بكلمة « يذكر » وما جاء عن العز بن عبد السلام « قیل » ومعلوم لدى أهل العلم ضعف يذكر وقيل ، أما الترجيح بنسبة القول إلى ابن عباس وابن مسعود على ما جاء به الشيخ عبد الغني ، فكم من قول ثابت صحیح عنهما لم يأخذ به الفقهاء في ظاهر الشريعة .
ناهيك عن قول غير ثابت عنهما ، فإن قلت : 
ما حمل هؤلاء السادة الأفاضل على 
التكلف في شرح فصوص الحكم ؟
قلنا هو ما توهموه من صحة نسبة كل ما جاء في الفصوص إلى الشيخ ، والتسليم المطلق بذلك .
فإنه لم يكن يتوفر في ذلك الزمان التحقيق العلمي الذي يثبت كثرة النسخ التي تناولها التحريف والتصحيف .
أما مذهبنا في هذا الشرح فهو الاعتماد على ما يثبت بخط يد الشيخ رضي الله عنه في كتبه .
ورد كل ما سواه ، وإثبات ما صحت نسبته إلى الشيخ ولا شك أن كل من تعرض لشرح الفصوص أو نقدها قد اعتمد على صحة نسبة نسخة الصدر القونوي إلى الشيخ وهذا ما ننتقل لبحثه .
الصدر القونوي
هو محمد بن إسحاق بن محمد القونوي المتوفى عام 672 هـ لم يأت ذكر اسم الصدر القونوي المتوفى عام 672 هـ في أي من مؤلفات الشيخ رضي الله عنه على كثرتها ووفرتها.
كما أتي على ذكر خواص تلاميذه وأصحابه مثل بدر الحبشي المتوفى عام 625 ك وإسماعيل بن سودكين المتوفي عام 646 هـ ، ويلاحظ أن الفتوحات الملكية التي بخط يد الشيخ رضي الله عنه ، عليها سبع وخمسون سماعة عام 623 هـ في دمشق مسجلة داخل الفتوحات في الأجزاء والأبواب المختلفة ، حضر ولداه محمد سعد الدين ومحمد عماد الدين خمسة وعشرين سماعا عام 633 هـ ، وحضر ولده محمد سعد الدين سماعا واحدا عام 636 هـ ، وحضر تلميذه إسماعيل بن سودكين اثنا عشر سماعة عام 623 ك .
ولم يحضر الصدر القونوي إلا سماعا واحدا كتبه بخط يده لم يحدد فيه تاريخ السماع ولا الفقرة التي اسمعت.
وقد استمر الشيخ رضي الله عنه في إسماع فقرات من الفتوحات منذ عام 633 هـ حتى عام 637 هـ أي قبل وفاته بعام واحد .
وبعد ذلك سجل على الفتوحات بعد وفاة الشيخ اربعة عشر سماعا في حلب عامي 639 هـ و 640 هـ ، 
كان المسمع فيها إما إسماعيل بن سودكين أو صدر الدین القونوي ، ولم يدون الصدر أي مخالفة منها على نسخته من الفصوص ،ولا على هامش الفتوحات.
أما نسخة الفصوص المنسوبة الى الصدر القونوي فعليها سماع واحد مجهول المكان والفترة ، بل كتب على الغلاف ، كما لا يوجد سامعون ، فكان المسمع الشيخ رضي الله عنه و القارىء صدر الدين القونوي ، وذلك عام 630 هـ ، ومعلوم أن الشيخ كان في ذلك الوقت بدمشق .
وعدم وجود سامعين أثناء تلاوة مثل هذا الكتاب أمر يدعو إلى التوقف والتأمل مع كثرة السامعين المذكورين في الفتوحات من نساء ورجال .
كما أنه لا يعتمد السماع بوجوده على الغلاف دون تحديد الفقرة او الباب التي تلي في السماع ، فإذا أضفنا الى ان النسخة ليست بخط يد المؤلف مع اهميتها وأن ما كتبه بخط يده يعارض ما جاء فيها.
كان الأخذ بما جاء بخطة مقدما و أوثق مما جاء في الفصوص نقلا وعقلا وتحقيقا .

مخطوطات مكتبة الصدر القونوي
نسخة الفصوص الموجودة في متحف الأوقاف باستنبول نسخة خطية تحمل رقم 1933 ت وعليها سماع على الغلاف بتاریخ 630 هـ .
ولا يمكن استبعاد تزویر الكتب ونسبتها إلى المؤلفين في الزمان الغابر .
اما اذا صحت نسبة النسخة الى الصدر القونوي ، فلابد أن يكون قد كتبها من ذاكرته وليس إملاء من الشيخ أو نقلا عن نسخة الشيخ الخطية .
فإننا نجد ما أملاه الشيخ ابن العربي على تلميذه إسماعيل بن سودكين في كتابه المسمى « النجاة من حجب الاشتباه » في شرح كتابي الإسراء والمشاهد ، نجد اسلوب الشيخ واضحة متماسكا كما هو المعهود به ، ولا نجد في هذا الإملاء أي تناقض ما جاء في الكتب الأخرى.
في حين أننا نجد في نسخة الفصوص المنسوبة إلى الصدر القونوي كثرة المخالفات لأراء الشيخ واستشهاداته مما يدل على أنه قد وقع التصرف في أمور فرعية كثيرة من الكتاب وستجد ذلك في شرحنا للفصوص بعلامة (۰)۰
و لإثبات عدم الثقة بالمخطوطات المنسوبة إلى مكتبة الصدر القونوي اقدم القارىء هذا المثال عن كتاب « الخلوة المطلقة » وقد ذكره الشيخ فيما ذكر من كتبه مثل الفصوص ، وتوجد منه نسخة خطية للصدر القونوي بمكتبة فيانيدين بتركيا تحت رقم 1686 / 6 ب - 10 ب - وقد حصلنا على نسخة مكتبة برلين فوجدناها مطابقة تماما النسخة المكتبة الظاهرية بدمشق ، و اذا كانت النسختان متطابقتين للنسختين الموجودتين بتركيا ، فللننظر فيما يلي .
ذكر الشيخ هذا الكتاب في الفتوحات المكية الجزء الأول ص 391 ويقول عنه :
« وقد افردنا لهذه الطريقة خلوة مطلقة غير مقيدة في جزء ، يعمل عليها المؤمن فيزيد إيمانا ، ويعمل بها وعليها غير المؤمن من كافر ومعطل ومشرك ومنافق ، فإذا وفي العمل عليها وبها كما شرطناه وقررناه .
فإنه يحصل له العلم بما هو الأمر عليه في نفسه ، ويكون ذلك سبب إيمانه بوجود الله إن كان معطلا ، وبتوحيد الله إن كان مشركا ، وبحصول إيمانه إن كان كافرا ، و بإخلاصه إن كان منافقا أو مرتابا .
فمن دخل تلك الخلوة وعمل بتلك الشرائط كما قررنا اثمرت له ما ذكرنا ، وما سبقني إليها أحد في علمي إلا إن كان وما وصل إلي .
فإن الله لا تحجير عليه يؤتي الحكمة من يشاء ، فإني أعلم أن أحدا من أهل الطريق ما يجهلها إن كان صاحب كشف تام ، ولكن ما ذكروها ولا رأيت أحدا منهم نبه عليه ، إلا الخلوات المقيدة.
ولولا ما سالني فيها اخونا وولينا أبو العباس أحمد بن علي بن ميمون بن آب التوزري ثم المصري المعروف بالقسطلاني ، المجاور الآن بمكة ، ما خطر لنا الإبانة عنها ، فربما اتفق لمن تقدمنا مثل هذا فلم ينبهوا عليها لعدم السائل » اهـ.
فكيف تثبت مخطوطة مكتبة الصدر القونوي ونسبتها إلى الشيخ وهي في الخلوة المقيدة .
ويقول فيها « الأساس كله على التوجه الى الله تعالى بالتوحيد المطلق الذي لا يشوبه شرك خفي ولا جلي . ونحفظ من الشك والشرك والتعطيل » اهـ .
ويذكر فيها « إن الخيال لا حقيقة له في نفسه لأنه ليس بعالم مستقل » وكل كتب الشيخ من الفتوحات المكية و الإسراء والتنزلات الموصلية ، والتجليات إلى غير ذلك من الكتب تقوم على إثبات عالم الخيال ؟!!
(انظر كتابنا الخيال عالم البرزخ والمثال) وهل يوجد مثل ما جاء في هذا الكتاب من تناقض في كتب الشيخ رضي الله عنه حيث نجد في هذه النسخة قول الكاتب « ولو لم يكن له ( أي لصاحب الخلوة ) سوی ثوبین يتصدق بأحدهما ، أو ثوب واحد يمكن أن يباع بثوبين يستبدله بغيره ويتصدق بالفضل » اهـ .
ثم نجده يقول بعد ذلك « وتستعد ثيابا لطهرك تستبدلها في أكثر الأوقات » اهـ .
وهل يتصور عاقل له أدنى إلمام بكلام الشيخ وأسلوبه العلمي انه يقول لصاحب خلوة « وتستعمل في غذائك قلوب الهدهد تسحقها و تسفها سفا ، فإنك ترى عجایب ؟؟ » اهـ .
ولذلك تجد كل ما في هذا الكتاب « كتاب الخلوة » يناقض تماما ما جاء في كتاب مواقع النجوم الثابت للشيخ والذي يقول عنه في الفتوحات المكية ج4 ص 169 « هو كتاب شریف يقوم الطالب مقام الشيخ يأخذ بيده كلما عثر المريد ويهديه إلى المعرفة انا هو ضل وتاه » في ج4 ص 263 « وهو كتاب شريف يغني عن الشيخ في تربية المريد » اهـ .
هذا المثال اقدمه لكل طالب علم او محقق واجب عليه التحفظ من كل ما ينسب الى الشيخ الأكبر رضي الله عنه من كتب ولو دون عليها سماع أو نسبة الى احد تلاميذه حتى يرجع الى الأصل الذي كتبه الشيخ بخط يده ويكون صاحب إلمام بأسلوب الشيخ ونهجه في الكتابة والتأليف .

دمشق
غرة جمادى الثاني  1405هـ
الموافق العشرين من شباط 1985 م

محمود محمود الغراب
.
تعقيب الجامع على الشيخ أ.محمود محمود الغراب رحمه الله :
من هو الشيخ أبو المعالي صدر الدين القونوي ؟
(606 هـ ,1209م - 672 هـ /1274م)
صوفي تركي، وأحد تلاميذ الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي , له مؤلفات كثيرة أغلبها عن الشيخ محيي الدين ابن العربي وقد بقيت معظم مؤلفاته مازالت مخطوطات، من مؤلفاته:
تبصرة المبتدئ وتذكرة المنتهي، شرح الشجرة النعمانية للشيخ الأكبر ,فكوك النصوص في مستندات حكم الفصوص للشيخ الأكبر،
التجليات ، النفحات الإلهية وغيرها
نشأته :
هو محمد صدر الدين أبو المعالي بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن على، الشهير بالقونوي، وكان أبوه اسحاق من أشراف السلاجقة، ولد القونوي في محافظة ملاطية في آناضول سنة 606 هـ - 1209م.
نشأ صدر الدين في أسرة غنية تبدو عليه آثار الثراء،وكانت وفاته 672 هـ 1274م.
وأوصى أن يدفن في الحارة الصالحية بجانب الشيخ محيي الدين ابن العربي في دمشق، ولكن لم يتمكن ذلك.

علاقته بالشيخ الأكبر ابن العربي
عندما توفي أبوه حوالى 615 هـ وهو صغير، تزوجت أمه بأستاذه الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي على ما يروى، وكان عمر القونوي يتراوح بين الحادية أو الثانية عشر حينما تتلمذ عليه وذهب معه إلى دمشق ولم يفارقه إلى أن توفى ابن العربي.
ظل القونوي بعده في دمشق وشكل حلقة تدريسية لفترة ثم انتقل منها إلى حلب سنة 640 هـ / 1242م، ومنها خرج مسافراً إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، ثم ذهب إلى مصر وظل بها مدة، والتقى بمصر بابن سبعين الذي كان يقول بوحدة الوجود.
وكان أبو المعالي صدر الدين القنوي أستاذا لكل من الشيخ مؤيد الدين الجندي والشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني من كبار شراح فصوص الحكم .
فحياة الشيخ صدر الدين القونوي ونشأته الفكرية في كنف أستاذه الشيخ الأكبر ابن العربی، وكذلك مشاركته شيوخ عصره في مجلس الشيخ الأكبر والأخذ عنه، ثم الدروس التي ألقاها عن مصنفات شيخه بعد وفاته ,وكذلك جلسات السماع على كتب شيخة بعد انتقاله ، وكذلك المصنفات التي عني بتصنيفها والتي بلورت أبعاد نظريته في الوحدة الوجودية التامة.
علاقته يمولانا جلال الدين الرومي  :
كانت تربطه بجلال الدين الرومي رابطة قوية، وأوصى الرومي بأن يصلى القونوي على جنازته بعد وفاته من بين علماء قونية.
لمحة من أهمية وقدر الشيخ أبو المعالي صدر الدين القنوي :
أبو المعالي صدر الدين القونوی وفلسفته الصوفية كان محل دراسة عشرات الآلآف الدرسات والحصول على الماجيستير والدكتوراة على مر القرون فى الغرب والشرق لمكانته ولكونه  مفتاح لفهم كلام الشيخ الأكبر ، وهو موضوع على درجة كبيرة من الأهمية إذ أن شخصية القونوي من الشخصيات التي لم يلق على حياتها أو مذهبها ضوء كان مع أهميتها في مجال التصوف "الفلسفي" طبقا للتصنيف الأكاديمي الغربي ودارسي الأدب والعلمانيين .
وهو أول من وضع كتاب فى فك أسرار فصوص الحكم وسماه "الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص". وهو إحدي كتب الموسوعة .
يضاف إلى ذلك أن هذا الصوفي تلميذ الشيخ الأكبر ابن العربی، تعمق في فهم مذهبه ، ومن ثم أصبحت شروحه على مصنفات أستاذه مفتاحا لفهم شيخه واستاذه ابن العربی ومذهبه في وحدة الوجود. ومن هنا كان تأثير القونوي على شارحی مصنفات ابن العربی بالغا.
لأنه ربيب الشيخ الأكبر، وتلميذه النابغة الذي لازمه إبتداء من عام 612 هـ. وحتى عام 638 هـ.
وهي فترة تمتد منذ طفولة القونوي وحتى وفاة ابن عربي في السنة المذكورة.
وعلى الرغم من المكانة التي تمنع بها القونوي بين اخوانه ومريديه وشيوخ عصره، إلا أن مذهبه ظل مجهولا أو شبه مجهول، وظلت مصنفاته بعيدة عن الضوء لإنغلاق أسلوبها، أو لأنها متفرقة هنا وهناك بين مكتبات الشرق والغرب.
ونظرا للأهمية البالغة لأفكار هذا الصوفي الشهير ولأنه يعد حلقة أساسية في تاريخ المذاهب الروحية في الإسلام، فقد نبه أستاذنا
الأستاذ الدكتور أبو الوفا التفتازاني إلى ضرورة دراسته، والعناية بمصنفاته لما لأفكاره من خطورة وتأثير على الحياتين العقلية والروحية في الإسلام.
ولقد عنى أستاذنا د أبو الوفا التفتازاني بتجديد الدعوة إلى دراسة هذا الصوفي المتفلسف في كتابه «المدخل إلى التصوف الإسلامي"، وكذلك في بحثه عن الطريقة الأكبرية، في الذكرى المئوية الثامنة لوفاة ابن العربی.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد يوليو 28, 2019 7:12 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: 24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:13 am

24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه  

الفص الهاروني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
 الجزء الثاني
24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
من الله تعالی ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة . وإن ذهبت تلك الصورة بعد
……………………………………………….
وجودها خاصة ، ثم يعقبها في الزمان الذي يلي زمان وجودها الأمثال والأضداد ، فأعيان الجواهر على هذا لا تخلو من أحوال ، ولا خالق لها إلا الله ، فالحق في شؤون أبدا ، فإنه لكل عين حال ، فللحق شؤون حاكمة إلى غير نهاية ولا بلوغ غاية ، ولنا الأحوال ، 
فليس في العالم سكون البتة وإنما هو متقاب أبدا دائما ، من حال إلى حال ، دنیا وآخرة ، ظاهرا وباطنا ، إلا أن ثم حركة خفية وحركة مشهودة ، فالأحوال تتردد وتذهب على الأعيان القابلة لها ، والحركات تعطي في العالم آثارا مختلفة ، 

ولولاها ما تناهت المدد ولا وجد حكم العدد ، ولا جرت الأشياء إلى أجل مسمى ، ولا كان انتقال من دار إلى دار ، فمن المحال ثبوت العالم زمانين على حالة واحدة ، فمن المحال بقاء حال على عين تفسين أو زمانين للاتساع الإلهي لبقاء الافتقار على العالم إلى الله ، فالتغيير له في كل نفس ، والله خالق فيه في كل نفس ، فالأحوال متجددة مع الأنفاس على الأعيان .

واعلم أن الأسماء الإلهية التي يظهر بها الحق في عباده ، وبها يتلون العبد في حالاته ، هي في الحق أسماء وفينا تلوينات ، وهي عين الشؤون التي هو فيها الحق ، فكل حال في الكون هو عين شأن إلهي ، 

فالعالم كله على الصورة وليس هو غير الشؤون التي يظهر بها ، وهذه الانتقالات في الأحوال من أثر كونه كل يوم هو في شان ، فالشؤون الإلهية هي الاستحالات في الدنيا والآخرة ، فلا يزال الحق يخلع صورة فيلحقها بالثبوت والعدم ، 

ويوجد صورة من العدم في هذا الملأ ، فلا يزال التكوين والتغيير فيه أبدا، ويتميز الحق عن الخلق بأنه يتقلب في الأحوال لا تتقلب عليه الأحوال ، لأنه يستحيل أن يكون للحال على الحق حکم ، بل له تعالى الحكم عليها ،

فلهذا يتقلب فيها ولا تنقلب عليه ، فإنها لو تقلبت عليه أوجبت له أحكاما ، وعين العالم ليس كذلك ، تقلب عليه الأحوال فتظهر فيها أحكامها ، وتقليبها عليها بيد الله تعالى ، ولولا الأحوال ما تميزت الأعيان ، فإنه ما ثم إلا عين واحدة تميزت



ص 368


* * * * *
…………………………………………...
بذاتها عن واجب الوجود کما اشتركت معه في وجوب الثبوت ، فله تعالى الثبوت والوجود ، ولهذه العين وجوب الثبوت ، فالأحوال لهذه العين كالأسماء الإلهية للحق ، فكما أن الأسماء للعين الواحدة لا تعدد المسمى ولا تكثره ، 

كذلك الأحوال لهذه العين لا تعددها ولا تكثرها ، مع معقولية الكثرة والعدد في الأسماء والأحوال ، فجعل لهذه العين الكمال بالوجود الذي هو من جملة الأحوال التي تقلب عليها .

فما نقصها من الكمال إلا في حكم وجوب الوجود ، للتمييز بينها وبين الله ، 
إذ لا يرتفع ذلك ولا يصح لها فيه قدم، وهو تعالى في شؤون العالم بحسب ما يقتضيه الترتيب الحكمي ، فشأنه غدا لا يمكن أن يكون إلا في غد ، وشأن اليوم لا يسكن أن يكون إلا اليوم ، وشأن أمس لا يمكن أن يكون إلا أمس ، 

هذا كله بالنظر إليه تعالى ، وأما بالنظر إلى الشأن يمكن أن يكون في عير الوقت الذي نكون فيه لو شاء الحق تعالى ، وما في مشيئته جبر ولا تحير ، تعالى الله عن ذلك ، بل ليس للمشيئة إلا تعلق واحد لا غير ، 

فكل يوم هو في شأن ، وهو ما يحدث في أصغر يوم في العالم من الآثار الإلهية والانفعالات من ترکیب و تحليل وتصعيد وتنزيل وإيجاد وشهادة ، وکنى عز وجل عن هذا اليوم الصغير باليوم المعروف في العامة ، فوسع في العبارة من أجل فهم المخاطبين 

وقال « يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن » فالشأن مسألة السائلين ، فإنه ما من موجود إلا وهو سائله تعالى ، لكن هم على مراتب في السؤال ، فأما الذين لم يوجدهم الله تعالى عن سبب فإنهم يسألونه بلا حجاب ، لأنهم لا يعرفون سواه علما وغيبة ، 

ومنهم من أوجده الله تعالی عند سبب يتقدمه ، وهو أكثر العالم ، وهم في سؤاله على قسمين ، منهم من لم يقف مع سببه أصلا ولا عرج عليه وفهم من سببه أنه يدل على ربه لا على نفسه ، 

فسؤال هذا الصنف کسؤال الأول بغير حجاب ، ومنهم من وقف مع سببه ، وهم على قسمين ، منهم من عرف أن هذا سبب قد نصبه الحق وأن وراءه مطلبا آخر فوقه وهو المسبب له ، ولكن ما تمكنت قدمه في درج المعرفة لموجد السبب ، فلا يسأله إلا بالسبب



ص 369



* * * * *
……………………………..
لأنه أقوى للنفس ، ومنهم من لم يعرف أن خلف السبب مطلبا ولا أن ثم سببا ، فالسبب عنده نفس المسبب ، فهذا جاهل ، فسأل السبب فيما يضطر إليه لأنه تحقق عنده أنه ربه ، فما سأل إلا الله ، لأنه لو لم يعتقد فيه القدرة على ما سأله فيه لما عبده ، وذلك لا يكون إلا الله ، فهو ما سأل إلا الله ، 

ومن هذا المقام يجيبه الحق على سؤاله ، لأنه المسئول ولكن بهذه المثابة ، فعلى هذا هو المسئول بكل وجه وبكل لسان وعلى كل حال ، والمشهود له بالقدرة المطلقة النافذة في كل شيء ، 

فما من جوهر فرد في العالم إلا وهو سائله سبحانه في كل لحظة وأدق من اللحظة ، لكون العالم في كل لطيفة ودقيقة مفتقرا إليه ومحتاجا ، أولها في حفظه لبقاء عينه ومسك الوجود عليه بخلق ما به بقاؤه ، 

وليس من شرط السؤال هنا بالأصوات فقط ، وإنما السؤال من كل عالم بحسب ما يليق به ويقتضيه أفقه وحركة فلكه ومرتبته ، وقد قال تعالى فيما شرف سليمان به أنه علمه منطق الطير ، فعرف لغتها ، وتبسم ضاحكا من قول النملة للنمل ، وفي القرآن وفي الأخبار الصحيحة من هذا كثير ، فكلام كل جنس ما يشاكله وعلى حسب ما يليق بنشأته ويعطيه استعداد القبول للروحانية الإلهية السارية في کل موجود ، وكل يعمل على شاكلته ، 


فما من موجود بعد هذا إلا ويتفق منه السؤال ، فشأنه في كل دقيقة خلق السؤال في السائلين وخلق الإجابة بقضاء الحاجات ، وتنزل على أصحابها بحسب دورة الفلك الذي يخلق منه الإجابة ، فإن كان الفلك بعيدا أعني حركة التقدير التي بها تنزل على صاحبها بعد كذا وكذا حركة فتتأخر الإجابة ، وقد تتأخر للدار الآخرة بحسب حركتها ، 

وإن كان فلكها قريبة أعني حركة التقدير التي خلقت الإجابة فيها ظهر الشيء في وقته أو يقرب ، ولهذا أخبر النبي عليه السلام أن كل دعوة مجابة ، لكن ليس من شرطها الإسراع في الوقت ، فمنها المؤجل والمعجل بحسب الذي بلغ حركة التقدير ، فلا زال الخالق في شأن فلا تزال هذه الأيام دائمة أبدا ، 

ولا يزال الأثر والفعل والانفعال في الدنيا والآخرة ، وقد أثبت الحق تعالی دوام هذه الأيام فقال « خالدين فيها ما دامت السموات



ص 370



ذلك فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية. "11"
ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد إما عبادة تأله و إما عبادة تسخير.
فلا بد من ذلك لمن عقل. وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه: و لذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل رفيع الدرجة . فكثر الدرجات في عين واحدة. "12"
فإنه قضى ألا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل
………………………………………………….
والأرض » وخلودهم لا يزال هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، والسموات والأرض لا تزال والأيام دائمة لا تزال دائرة أبدا بالتكوين ، فالتنوعات والتبديلات ينبغي للعاقل أن لا ينكرها ، فإن الله في حق كل موجود في العالم شانا ، فانظر في هذا التوسع الإلهي ما أعظمه . 

الفتوحات ج 1 / 292 ، 295 ، 401 - ج 2 / 77 ، 171 ، 206 ، 287 ، 384 ، 431 ، 446 ، 520 ، 539 - ج 3 / 198 ، 199 ، 224 ، 254 ، 287 ، 295 ، 303 ، 314 ، 344 ، 395 - ج 4 / 267 ، 374 ، 424 ، 426 -  كتاب الشأن . 


11 - ملاحظة *
راجع هامش رقم 8 - وهذه الفقرة شاهد آخر على تدني الاستدلال مما لا يصح نسبته للشيخ رضي الله عنه .


 
12 - رفيع الدرجات *
هذا المعنى الذي ورد في هذا الفص يخالف تماما ما ذكره الشيخ بخط يده في شرح معنى « رفيع الدرجات » فتجده فيما أقدمه يراعي المناسبة في ورود الاسم ومعناه ، والاستشهاد بهذا الاسم هنا في هذا الفص لا يتناسب مع ما جاء ذكره في الآية حيث ورد هذا الاسم عند قوله تعالى « رفيع الدرجات يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ».


فيقول في ذلك الشيخ رضي الله عنه : « رفيع الدرجات » فالرفعة له سبحانه بالذات وهي للعبد بالعرض ، وجعل له سبحانه درجات يظهر فيها لعباده ، فإن لكل اسم من الأسماء الإلهية مرتبة ليست للآخر ، والمراتب لا تتناهى وهي الدرجات ، وفيها رفيع وأرفع ، وما ثم رتبة إلا رفيعة ، وتقع المفاضلة في الرفعة ، ودرجات الحق ليست لها نهاية ، لأن التجلي فيها وليس له نهاية ، ومن جهة أخرى فإن قوله « رفيع الدرجات » إنما ذلك على خلقه،


 
ص  371



درجة مجلى إلهيا عبد فيها.
وأعظم مجلى عبد فيه و أعلاه «الهوى» كما قال «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه» وهو أعظم معبود، فإنه لا يعبد شيء إلا به، ولا يعبد هو إلا بذاته، و فيه أقول: 
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... ولو لا الهوى في القلب ما عبد الهوى  "13"
……………………………………...
فبالرتبة علم الفاضل والمفضول ، وبها ميز بين الله والعالم ، وبها ظهرت حقائق ما هي عليه الأسماء الإلهية من عموم التعلق وخصوصه « ذو العرش » ومن هذه المنزلة تنزل النبوة ينزلها رفيع الدرجات ذو العرش على العبد بأخلاق صالحة وأعمال مشكورة حسنة عند العامة تعرفها القلوب ولا تنكرها النفوس، وتدل عليها العقول، وتوافق الأغراض وتزيل الأمراض ، فإذا وصلوا إلى هذه المنزلة ، 


فتلك منزلة الإنباء الإلهي المطلق لكل من حصل في تلك المنزلة من رفيع الدرجات ذي العرش ، فإن نظر الحق من هذا الواصل إلى تلك المنزلة نظر استنابة وخلافة ، ألقى الروح بالإنباء من أمره على قلب ذلك الخليفة المعتني به ، فتلك نبرة التشريع

قال تعالى : " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده "،
وقال تعالى : "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ".
وقال : "ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده " مثل ذلك "لينذر يوم التلاق" - يوم هم بارزون - نبوة تشريع لا نبوة عموم ، نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ، فالإنذار مقرون أبدا بنبوة التشريع . 
الفتوحات ج 2 / 90 ، 469 - ج 3 / 178 - ج 4 / 227 


13 - الهوى *
هناك فرق كبير بين ما جاء في هذا الفص من قوله « وأعظم مجلي عبد فيه (أي الحق تعالی) وأعلاه " الهوى " وبين ما جاء به الشيخ وهو قوله « إن الهوى أعظم إله متخذ عبد »، وسنوضح الفارق في الاستدلال .
فيما جاء به الشيخ حيث يقول في الفتوحات المكية :ج 3 / 117 ما يلي

 اعلم أنه لولا الهوى ما عبد الله في غيره ، وأن الهوى أعظم إله متخذ عبد فإنه لنفسه حكم ، وهو الواضع كل ما عبد وفيه قلت : 
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى …  ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى


ص 372

ألا ترى علم الله بالأشياء ما أكمله، كيف تمم في حق من عبد هواه و اتخذه إلها فقال «وأضله الله على علم» و الضلالة الحيرة: و ذلك أنه لما رأى هذا العابد ما عبد إلا هواه بانقياده لطاعته فيما يأمره به من عبادة من عبده من الأشخاص، حتى إن عبادته لله كانت عن هوى أيضا، لأنه لو لم يقع له في ذلك الجناب المقدس هوى وهو الإرادة 
………………………………..
قال تعالى: «أفرأيت من اتخذ إلهه هواد وأضله الله على علم» فلولا قوة سلطانه في الإنسان ما أثر مثل هذا الأثر فيمن هو على علم بأنه ليس بإله ، فإذا جسده قرره على ما حكم به فيمن قام به فحار وجاء وباله عليه فعذب في صورته . 
ويقول في الفتوحات ج 3 / 364 : 

الكون موصوف بالتحجير ، فتوجه عليه الخطاب بانه لا يحكم بكل ما يريد بل بما شرع له ، ثم إنه لما قيل له « احكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى » أي لا تحكم بكل ما يخطر لك . ولا بما يهوى كل أحد منك ، بل احكم بما أوحي به إليك ۰۰۰ فدل التحجير على الخلق في الأهواء أن لهم الإطلاق بما هم في نفوسهم ، ثم حدث التحجير في الحكم والتحكم ۰۰. فليست الأهواء إلا مطلق الإرادات ۰۰۰ 
ثم لتعلم أن الهوى وإن کان مطلقا فلا يقع له حكم إلا مقيدة ، فإنه من حيث القابل يكون الأثر ، فالقابل لابد أن يقيده . 


فإنه بالهوى يريد القيام والقعود من العين الواحدة التي تقبلهما على البدل في حال وجود كل واحد منهما في تلك العين ، والقابل لا يقبل ذلك ، فصار الهوى محجورة عليه بالقابل ، فلما قبل الهوى التحجير بالقابل علمنا أن هذا القبول له قبول ذاتي ، فحجر الشرع عليه فقبله وظهر حكم القابل في الهوى ظهوره في مطلق الإرادة فيمن اتصف بها .
ويقول في الفتوحات ج 4 / 206 

حضرة الاسم العزيز - من هنا ظهر كل من غلبت عليه نفسه واتبع هواه، ولولا الشرع ما ذمه بالنسبة إلى طريق خاص لما ذمه أهل الله ، فإن الحقائق لا تعطي إلا هذا فمن اتبع الحق فما اتبعه إلا بهوى نفسه ، وأعني بالهوى هنا الإرادة ، فلولا حكمها عليه في ذلك ما اتبع الحق ، وهكذا حكم من اتبع غير الحق ، وأعني بالحق هنا ما أمر الشارع باتباعه ، وغير الحق ما نهى الشرع عن اتباعه ، وإن كان في نفس الأمر


ص 373



بمحبة ما عبد الله ولا آثره على غيره.
وكذلك كل من عبد صورة ما من صور العالم و اتخذها إلها ما اتخذها إلا بالهوى. فالعابد لا يزال تحت سلطان هواه. ثم رأى المعبودات تتنوع في العابدين، فكل عابد أمرا ما يكفر من يعبد سواه، والذي عنده أدنى تنبه يحار لاتحاد الهوى بل لأحدية الهوى فإنه عين واحدة في كل عابد. "14"
……………………………………..
كل حق ، لكن الشارع أمر ونهی ، كما أنا لا نشك أن الغيبة حق ولكن نهانا الشرع عنها ، ولنا . 
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى   ….. ولولا الهوى في القلب ماعبد الهوى
فبالهوى يجتنب الهوى ،و بالهوی يعبد الهوى ، ولكن الشارع جعل اسم الهوى خاصا بما ذم وقوعه من العبد والوقوف عند الشرع أولى ، ولهذا بينا قصدنا بالهوى الإرادة لا غير.

للزيادة راجع كتابنا « شرح كلمات الصوفية ص 375 - 380 » فهل يعقل لمن يلتزم هذا الالتزام بالشرع أن يقول كما جاء في هذا الفص ( وأعظم مجلي عبد فيه ( أي الحق ) وأعلاه « الهوى » كما قال : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) ؟! 

نعم نجد أن الشيخ يرمز ويعرض بذلك ، ويصرح بتجلي الحق في المظاهر ما لم ينص الشرع على لفظ مذموم ، لذلك نرفض نسبة هذا الكلام للشيخ ولو صح المعنى.

 
14 - « أفرأيت من اتخذ إلهه هواه » الآية
لينظر القاريء والمحقق قوة الاستدلال في الفتوحات المكية وسمو المعانی السليمة المترابطة لما ذكر في هذه الفقرة من هذا الفص حيث يقول
« أفرأيت من اتخذ إلهه هواه » ليس الهوى سوى إرادة العبد إذا خالفت الميزان المشروع الذي وضعه الله له في الدنيا ، فلولا الهوى ما عبد الله في غيره ، ولما كان الإله له القوة في المألوه ، وإله هذا هواه فحكم عليه وأضله عن سبيل الله ، 
واعلم أن الآلهة المتخذة من دون الله آلهة طائفتان ، 
منها من ادعت ما ادعي فيها مع علمهم في أنفسهم أنهم ليسوا كما ادعوا ، وإنما أحبوا الرياسة وقصدوا إضلال العباد ، كفرعون وأمثاله ، وهم في الشقاء إلا إن تابوا ، 
وأما الطائفة الأخرى فادعيت فيها



ص 374

«وأضله الله» أي حيره «على علم» بأن كل عابد ما عبد إلا هواه ولا استعبده إلا هواه سواء صادف الأمر المشروع أو لم يصادف. "15"
والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه «ولذلك سموه كلهم إلها مع اسمه الخاص 
…………………………………...
الألوهة ولم تدعها لنفسها ، كالأحجار والنبات والحيوان وبعض الأناسي والأملاك والكواكب والأنوار والجن وجميع من عبد واتخذ إلها من غير دعوى منه ، فهؤلاء كلهم سعداء والذين اتخذوهم إذا ماتوا على ذلك أشقياء ، 
فإنه لما اتخذ هذا المشرك هواه إلها ، حكم عليه وأضله عن سبيل الله ، وأما قوله « وأضله الله على علم » يعني أنه أضله الله على علم ، لا أن الضال على علم ، 
فإن الضال هو الحائر الذي لا يعرف في أي جهة مطلوبه ، فمتعلق « على علم » أضله وهو العامل فيه . وهو فعل الله تعالی.
 الوجه الثاني « وأضله الله على علم » هو التارك ما أمره الله به عمدا ، مثل من يقول إن الحركات والسكنات كلها بيد الله ، وما جعل في نفسي أداء ما أمرني بأدائه ، فهو على بصيرة تشقيه و تحول بينه وبين سعادته ، فتضره في الآخرة وإن التذ بها في الدنيا. 
فهي مجاهرة بحق لا تنفع ، ولو كان عن ذوق منعته هيبة الجلال و عظیم المقام و سلطان الحال أن يترك أداء حق الله على صحو ، فمثل هذا العلم لا ينفع - الوجه الثالث . 
هذه الآية تدل على أن نور العلم غير نور الإيمان ، فقوله تعالی « وأضله الله على علم » فذلك نور العلم به لا نور الإيمان .
الفتوحات ج 1 / 478 - ج 2 / 306 - ج 3 / 117 ، 243 ، 305



15 - الضلال *
يقارن القاريء بين المفهوم من هذه الفقرة وبين ما جاء به الشيخ في مفهوم حظ الأولياء من الصفات المذمومة حيث يقول : 
الضالون هم التائهون الحائرون في جلال الله وعظمته ، كلما أرادوا أن يسكنوا فتح لهم من العلم به ما حيرهم وأقلقهم ، 
فلا يزالون حيارى لا ينضبط لهم منه ما يسكنون عنده ، بل عقولهم حائرة ، فهؤلاء هم الضالون الذين حيرهم التجلي في الصور المختلفة . 
الفتوحات ج 2 / 137 



ص 375

بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك.
هذا اسم الشخصية فيه.
والألوهية مرتبة تخيل العابد له أنها مرتبة معبوده، وهي على الحقيقة مجلى الحق لبصر هذا العابد المعتكف على هذا المعبود في هذا المجلى المختص. "16"
ولهذا قال بعض من عرف مقالة جهالة «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» مع تسميتهم إياهم آلهة حتى قالوا «أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب».  فما أنكروه بل تعجبوا من ذلك، "17"
فإنهم وقفوا مع كثرة الصور ونسبة الألوهة لها.    فجاء 
………………………………….

16 - راجع مشاهدة الحق في كل اعتقاد - فص 10 ، هامش 29، ص 159.


"" 29 - مشاهدة الحق في كل اعتقاد فص 10 ، هامش 29، ص 159.
ولله رجال أعطاهم الله الفهم والاتساع وحفظ الأمانة أن يفهموا عن الله جميع إشارات كل مشار إليه، وهم الذين يعرفونه في تجلي الإنكار الشاهدون إياه في كل اعتقاد ، والحمد لله الذي جعلنا منهم إنه ولي ذلك .
قال تعالى : "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " أي حكم ، وقضاء الحق لا يرد ، فقضى أن لا يعبد غير الله ، فمن أجل حكم عبدت الآلهة ، فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله .
فما عبد شيء لعينه إلا الله ، وإنما أخطأ المشرك حيث تصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق ، فشقي لذلك .
فإنهم قالوا في الشركاء « ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله » فاعترفوا به وأنزلوهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم ، وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم، فكان قوله تعالى "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" من الغيرة الإلهية حتى لا يعبد إلا من له هذه الصفة .

فكان من قضائه أنهم اعتقدوا الإله وحينئذ عبدوا ما عبدوا ، مع أنهم ما عبدوا في الأرض من الحجارة والنبات والحيوان وفي السماء من الكواكب والملائكة إلا لاعتقادهم في كل معبود أنه إله.
لا لكونه حجرا ولا شجرا ولا غير ذلك وإن أخطأوا في النسبة فما أخطأوا في المعبود .
فعلى الحقيقة ما عبد المشرك إلا الله ، وهو المرتبة التي سماها إلها لأنه لو لم يعتقد الألوهية في الشريك ما عبده •
فالكامل من عظمت حيرته و دامت حسرته ، ولم ينل مقصوده لما كان معبوده ، وذلك أنه رام تحصیل ما لا يمكن تحصيله ، وسلك سبيل من لا يعرف سبيله. والأكمل من الأكمل من اعتقد فيه كل اعتقاد ، وعرفه في الإيمان والدلائل وفي الإلحاد ، فإن الإلحاد ميل إلى اعتقاد معين من اعتقاد ، فاشهدوه بكل عين إن أردتم إصابة العين ، فإنه عام التجلي ، له في كل صورة وجه ، وفي كل عالم حال.
الفتوحات ج 1 / 238 ، 405 ، 589 - ج 2 / 92 ، 212 ، 326 ، 498 . ج 4 / 100 ، 101 ، 415.  أهـ ""


17 - « أجعل الآلهة إلها واحدا » الآية
" أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا الشيء عجاب" و قال المشركون لما دعوا إلى توحيد الإله في ألوهته بقوله تعالى «وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم» أكثروا التعجب وقالوا «أجعل الآلهة إلها واحدا » فهي حكاية الله لنا عن المشرك أنه قال هكذا إما لفظا أو معنى ، 
والمشرك هو من جعل مع الله إلها آخر من واحد فما زاد ، وكان ذلك من أجل اعتقادهم فيما عبدوه أنهم آلهة دون الله المشهود له عندهم بالعظمة على الجميع ، والذي قالوا فيه « ما تعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفی » 
« إن هذا الشيء عجاب » فالناس يحملون هذا القول أنه من قول الكفار حيث دعاهم إلى توحيد إله وهم يعتقدون کثرتها ، وما علموا أن جعل الألوهية من الكثيرين أعجب ، 
ففي الحقيقة ليس العجب ممن وحد ، وإنما العجب ممن كثر الآلهة بلا دلیل ولا برهان ، وهذا القول عندنا من قول الحق أو قول الرسول ، 
وأما قول الكفار فانتهى في قوله «إلها واحدا، والتعجب أنه بأول العقل يعلم الإنسان أن الإله لا يكون بجعل جاعل ، فإنه إله لنفسه ، ولهذا وقع التوبيخ بقوله تعالى « أتعبدون ما تنحتون» والإله من ضرورة العقل لا يتأثر ، 

وقد كان هذا خشبة يلعب بها ، أو حجرة يستجمر به ، ثم أخذه وجعله إلها يذل ويفتقر إليه ويدعوه خوفا وطمعا ، فمن مثل هذا يقع التعجب مع وجود العقل عندهم ، فوقع التعجب من ذلك ليعلم من حجب العقول عن إدراك ما هو لها بديهي وضروري ، ذلك لتعلموا أن الأمور بيد الله وأن الحكم


ص 376


الرسول ودعاهم إلى إله واحد يعرف ولا يشهد، بشهادتهم أنهم أثبتوه عندهم واعتقدوه في قولهم «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» لعلمهم بأن تلك الصور حجارة.
ولذلك قامت الحجة عليهم بقوله «قل سموهم»: فما يسمونهم إلا بما يعلمون 
………………………………………...

فيها الله ، وأن العقول لا تعقل بنفسها ، وإنما تعقل ما تعقله بما يلقي إليها ربها وخالقها ولهذا تفاوت درجتها ، فمن عقل مجعول عليه قفل ومن عقل محبوس في كن ومن عقل طلع على مرآته صدأ ، 
فلو كانت العقول تعقل لنفسها لما أنكرت توحيد موجدها في قوم وعقلته في قوم ، والحد والحقيقة فيها على السواء ، فلهذا جعلنا قوله تعالی « إن هذا الشيء عجاب » ليس من قول الكفار ، 

بل قال الله عند قولهم « أجعل الآلهة إلها واحدا » « إن هذا الشيء عجاب » حيث جعلوا الإله الواحد آلهة ، وخصوص وصفه أنه إله ، وبه يتميز فلا يتكثر بما به يتميز ، ويشهد لهذا النظر قولهم فيما حكی الله عنهم « ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفی » فهم يعلمون أنهم نصبوهم آلهة ، ولهذا وقع الذم عليهم بقوله « أتعبدون ما تنحتون » 

والإله من له الخلق والأمر من قبل ومن بعد ، واعلم أن الله تعالی عصم لفظ د الله ، أن يطلق على أحد ، وما عصم لفظ « إله ، فكثرت الآلهة في العالم لقبولها التنكير ، والله واحد معروف لا يجهل ، أقرت بذلك عبدة الآلهة ، 

فقالت ما تعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفی ، وما قالت إلى إله كبير هو أكبر منها ، ولهذا أنكروا ما جاء به صلى الله عليه وسلم  في القرآن والسنة من أنه إله واحد من إطلاق الإله عليه ، 

وما أنكروا الله ، ولو أنكروه ما كانوا مشركين ، فبمن يشركون إذا أنكروه ، فما أشركوا إلا بإله لا بالله ، 
فقالوا « أجعل الآلهة إلها واحدة وما قالوا "أجعل الآلهة الله " فان الله ليس عند المشركين بالجعل .
ومن ذلك قول السامري "هذا إلهكم وإله موسى" به في الجعل ، ولم يقل هذا «الله» الذي يدعوكم إليه موسى عليه السلام وقال فرعون "ما علمت لكم من إله غيري".
الفتوحات ج 2 / 409 ، 590 - ج 3 / 94 ، 178 ، 248 - ج 4 / 106 ، 254 - إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن



ص 377



أن تلك الأسماء لهم حقيقة. "18"
وأما العارفون بالأمر على ما هو عليه فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصور لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت لحكم الرسول الذي آمنوا به عليهم الذي به سموا مؤمنين.
فهم عباد الوقت مع علمهم بأنهم ما عبدوا من تلك الصور أعيانها، وإنما عبدوا الله فيها لحكم سلطان التجلي الذي عرفوه منهم ، وجهله المنكر الذي لا علم له بما تجلى، ويستره العارف المكمل من نبي ورسول و وارث عنهم. "19"
فأمرهم بالانتزاح عن تلك الصور لما انتزح عنها رسول 
………………………………………..
18 - « وجعلوا له شركاء قل سموهم » الآية
يريد أسماء الأعلام ، وذلك في معرض الدلالة ، فإذا سموهم قالوا هذا حجر، هذا شجر ، هذا كوكب ، والكل اسم عبد ، فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء الله فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " قل سموهم " فتعرفوا عند ذلك الحق بید من هو ، هل هو بأيديكم أو بيدي ؟ 

وقد قال الحق تعالی وأبان ذلك كله ليعقل عنه « إن هي إلا أسماء سميتوها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان » فلما عرفوا قوله وتحققوه ، علموا أنهم في فضيحة ، لأنهم إذا سموهم لم يسموهم بالله ، بل آباؤكم نصبوها آلهة ، وهذا الإله الذي أدعوكم إليه تعرفونه ، وأن اسمه الله لا تنكرونه ، وأنتم القائلون « ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفی » .
الفتوحات ج 2 / 417 - ج 3 / 544 - ج 4 / 11 ، 106


19 - موطن الإنكار عند العارفین *
الكامل من عظمت حيرته ، ودامت حسرته ، ولم ينل من مقصوده لما كان معبوده ، وذلك أنه رام تحصيل ما لا يملكن تحصيله ، وسلك سبيل من لا يعرف سبيله ، والأكمل من الكامل ، من اعتقد فيه كل اعتقاد ، 
وعرفه في الإيمان والدلائل وفي الإلحاد ، فإن الإلحاد ميل إلى اعتقاد معين من اعتقاد ، فإشهدوه بكل عين ، إن أردتم إصابة العين ، فإنه عام التجلي ، له في كل صورة وجه ، وفي كل عالم حال .
ورد في الخبر الصحيح في تجليه سبحانه في موطن التلبيس ، وهو تجليه في غير صور الاعتقادات في حضرة الاعتقادات ، فلا يبقى أحد يقبله ولا يقر به ، بل يقولون 

 
ص 378

الوقت اتباعا للرسول طمعا في محبة الله إياهم بقوله «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله».
 فدعا إلى إله يصمد إليه ويعلم من حيث الجملة، ولا يشهد «ولا تدركه الأبصار»، بل «هو يدرك الأبصار» للطفه و سريانه في أعيان الأشياء.
فلا تدركه الأبصار كما أنها لا تدرك أرواحها المدبرة أشباحها وصورها الظاهرة.
«وهو اللطيف الخبير» والخبرة ذوق، والذوق تجل، والتجلي في الصور.
فلا بد منها ولا بد منه ، "20" فلا بد أن يعبده من رآه بهواه إن فهمت "21" ،  وعلى الله قصد السبيل.
……………………………...
إذا قال لهم «أنا ربكم » " نعوذ بالله منك" ، فالعارف في ذلك المقام يعرفه ، غير أنه قد علم منه بما أعلمه ، أنه لا يريد أن يعرفه ( في تلك الحضرة ) من كان هنا مقيد المعرفة بصورة خاصة يعبده فيها ، 
فمن أدب العارف أن يوافقهم في الإنكار ، ولكن لا يتلفظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه ، فإنه يعرفه ، 
فإذا قال لهم الحق في تلك الحضرة عند تلك النظرة "هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها" ، فيقولون « نعم » فيتحول لهم سبحانه في تلك العلامة ، مع اختلاف العلامات ، فإذا رأوها وهي الصورة التي كانوا يعبدونه فيها ، حينئذ اعترفوا به ، ووافقهم العارف بذلك في اعترافهم ، أدبا منه مع الله وحقيقة ، وأقر له بما أقرت الجماعة . 
الفتوحات ج 2 / 212 ، 609 .  راجع هامش وفص 12 هامش 11 ص
راجع کتابنا الخيال ص 15 ، 24  -  وكتابنا ترجمة حياة الشيخ ص 171

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: 24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب   كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:14 am

24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه  

الفص الهاروني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
 الجزء الثالث
24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
تابع :-
""  راجع کتابنا الخيال ص 24 ، 25 
" ولما لم يكن له تعالى ظهور إلى خلقه إلا في صورة، وصوره مختلفة في كل تجل، لا تتكرر صورة، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين، ولا في صورة واحدة لشخصين،
ولما كان الأمر كذلك، لم ينضبط للعقل ولا للعين ما هو الأمر عليه، ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور، فإنه ينتقض له ذلك التقييد في التجلي الآخر بالصورة الأخرى،
وهو اللّه في ذلك كله، لا يشك ولا يرتاب إلا إذا تجلى له في غير معتقده، فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار، فيعلم أن ثمّ في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة، لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية، وإذا حكم بكيفية،


فيقول: الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور، فتكون الصور مشاءة، وكل مشاء معدوم بلا شك، فما ظهر لك إلا حادث في عين قديم، فما رأيت إلا حادثا مثلك، لأنك ما رأيت إلا صورة يقيدها نظرك ببصر هو الحق، في عين هو الحق، أعني في العين التي ظهرت في تلك الصورة، فهو مدرك
في حديث أبي سعيد الخدري أخرجه الشيخان مطولا، وفيه عن الحشر يوم القيامة «حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر، أتاهم اللّه في أدنى صورة من التي رأوه فيها. .
فيقول: أنا ربكم: فيقولون نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئا، مرتين أو ثلاثا، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟ فيقولون نعم. .» الحديث
عينا في الآخرة والنوم علما وشرعا، وغير مدرك علما «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»، ولا نشك - إيمانا وكشفا لا عقلا - أن بهويته أدرك المدرك جميع ما يدرك «كنت بصره الذي يبصر به" أهـ.""


 20 - راجع فص 23 هامش 10 ،14  
""  10 - الاسم اللطيف راجع فص 23 هامش 7 ، 10 ،14  ص 353


هذا المراد لا يستقيم بالاستدلال وشاهد اسم اللطيف في هذه الآية ضعيف بل المراد به هو ما جاء في شرح الهامش رقم 7، ويؤيده بمناسبة ذكر الرزق ما جاء في معنى الاسم اللطيف حيث ذكر في قوله تعالى « الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز » فإن اللطف الإلهي هو الذي يدرج الراحة من حيث لا يعرف من لطف به ، ومن لطفه أنه الذي يأتيهم بكل ما هم فيه ، ولا تقع أبصار العباد إلا على الأسباب التي يشهدونها فيضيفون ما هم فيه إليها .


أما المعنى المقصود هنا من أنه سبحانه هو الظاهر في المظاهر من حيث الاسم اللطيف فيتضمنه قوله تعالى « لا ندركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » البصر من العبد هوية الحق ، فعينك غطاء على بصر الحق ، فبصر الحق أدرك الحق ورآه لا أنت، فإن الله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ففي مدلول هذه الآية أنه يدرك تعالى نفسه بنفسه ، لأنه إذا كان بهويته بصر العبد ، ولا نفع الإدراك البصري إلا بالبصر ، وهو عين البصر المضاف إلى العبد ، وقال إنه يدرك الأبصار وهو عين الأبصار ، فقد أدرك نفسه . 


لذلك قال « وهو اللطيف » ولا الطف من هوية تكون عين بصر العبد ، وبصر العبد لا يدرك الله ، وليس في القوة أن يفصل بين البصرین ، اللطيف من حيث أنه لا تدركه الأبصار ، واللطيف المعني من حيث أنه يدرك الأبصار ، أي درکه للأبصار درکه لنفسه ، وهذا غاية اللطف والرقة ، فما لطفه وأخفاه إلا شدة ظهوره ، فإنه البصر لكل عين تبصر « الخبير » يشير إلى علم ذلك ذوقا ، فهو العليم خبرة أنه بصر العبد في بصر العبد ، و کذا هو الأمر في نفسه . 
فتوحات ج 2 / 542 ، 547 - ج 4 / 2 ، 238 ، 301


14 - الاسم الخبير *
وقع في هذه الفقرة خلط بين قوله تعالى « ولنبلونكم حتى نعلم » أي لنختبركم حتى نعلم ، من الاختبار ، فيقول الشيخ في ذلك : حكم الحق على نفسه
بما حكم لخلقه من حدوث تعلق العلم ، وهذا غاية اللطف في الحكم والتنزل الإلهي . فنزل مع خلقه في العلم المستفاد ، إذ كان علمهم مستفادة ، كما شرك نفسه تعالى مع خلقه في الأحكام الخمسة ، فمع علمه بما يكون من خلقه قال « حتى نعلم » وأعلم من الله لا يكون ، ومع ذلك أنزل نفسه في هذا الإخبار منزلة من يستفيد بذلك علما ، وهو سبحانه العالم بما يكون منهم في ذلك قبل كونه - 
الفتوحات ج 3 / 111، ج 2 / 423 


ويكون هذا الخبير كما جاء في شرح الأسماء الحسني 
الفتوحات ج 4 / 322 

حيث يقول : الخبير بما اختبر به عباده ، ومن اختباره قوله « حتى نعلم » فيرى هل ننسب إليه حدوث العلم أم لا ؟ 
فانظر أيضا هذا اللطف ، ولذلك قرن الخبير باللطيف فقال اللطيف الخبير ، فاختلط المعني هنا في هذه الآية « ولنبلونكم » من الاختبار وهو متعلق بالاسم الخبير بمعنى العليم خبرة وهو أيضا متعلق بالاسم الخبير في آية « يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير » 
- راجع هامش رقم  7 ، 10 .


"" 7  - الرزق مضمون مكفول        راجع هامش رقم  7 ، 10 .
ينبه الحق بهذه الآية على أن الرزق مضمون ، لابد أن يوصله للعبد. 
فإن رزقه ورزق عياله لابد أن يأتي به الله ، فيقول لقمان لابنه « يا بني إنها إن تكن مثقال حبة من خردل » أي أينما كان مثقال هذه الحبة من الخردل لقلتها بل خفائها « فتكن في صخرة » أي عند ذي قلب قاس لا شفقة له على خلق الله ، 

قال تعالى " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة » روي في النبوة الأولى أن له تعالی تحت الأرض صخرة صماء ، في جوف تلك الصخرة حيوان لا منفذ له في الصخرة ، وأن الله قد جعل له فيها غذاء ، 
وهو يسبح الله ويقول « سبحان من لا ينساني على بعد مكاني » يعني من الموضع الذي تأتي منه الأرزاق لا على بعد مكانها من الله « أو في السموات » بما أودع الله في سباحة الكواكب في أفلاكها من التأثيرات في الأركان لخلق أرزاق العالم ، أو الأمطار أيضا فإن السماء في لسان العرب المطر ، قال الشاعر « إذا سقط السماء بأرض قوم » يعني بالسماء هنا المطر .


أو في الأرض ، بما فيها من القبول والتكوين للأرزاق ، فإنها محل ظهور الأرزاق. كذلك الكوكب يسبح في الفلك ، وعن سباحته يكون ما يكون في الأركان الأمهات من الأمور الموجبة للولادة ، فأينما كان مثقال هذه الحبة « يأت بها الله » ولم يقل يأت إليها، فهو تعالى الأتي برزقك إليك حيث كت و كان رزقك ، فهو يعلم موضعك ومقرات، ويعلم عين رزقك « إن الله لطيف» أي هو أخفى أن يتعلم ويوصل إليه ، أي العلم به ، من حبة الخردل « خبير » للطفه بمكان من يطلب تلك الخردلة منه لما له من الحرص على دفع ألم الفقر عنه ، فإن الحيوان ما يطلب الرزق إلا لدفع الآلام لا غير . 

الفتوحات ج 1 / 506 - ج 4 / 114.   أهـ  ""



21 -  راجع هامش 13 


ص 379
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 5:32 am

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه  
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية               الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه : ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري.
فكان هذا أول ما شوفهت به من هذا الباب، فما ولد موسى إلا وهو مجموع أرواح كثيرة جمع قوى فعالة  "2" لأن الصغير يفعل في الكبير.  ألا ترى الطفل يفعل في الكبير
 
……………………………...
1- المناسبة
المناسبة في تسمية الحكمة بعلوية هي أنه لما ادعى فرعون الألوهية بقوله لقومه « أنا ربكم الأعلى » وخاف موسى عندما سحر السحرة أعيان الناس وخيل إليه من سحرهم أن حبالهم وعصيهم أنها تسعى ، فقال له الحق تعالى : لا تخف إنك أنت الأعلى ، فقابل دعوى علو فرعون بعلو موسى عليه السلام المؤيد من عند الله تعالی 
 
2 - حكمة قتل الأبناء *
هذه من المسائل التي لم يرد ذكرها في كتب الشيخ إلا هنا وفي ذلك نقول :
الإمداد إما أن يكون لحفظ الوجود ، وفيه يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية ج 1 ص 113.
على لسان الحق مخاطبا الروح الكلي بعد إیجاده " أمدك بالأسرار الإلهية وأربيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها ، وقد حجبتك عن كيفية إمدادي لك بها ، إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها ۰۰» .
ويطلب الروح من الحق تعالى بعد خلق النفس مثلما له فيقول « رب إنك ربيتني وحجبت عني سر
 
ص 380
 
* * * * * 
……………………….
الإمداد والتربية وانفردت أنت به فاجعل إمدادي محجوبا عن هذا الملك حتى يجهلني كما جهلتك ، ۰۰۰ " وتخيل ( الروح) أن ذلك هو نفس الإمداد ، فأراد الحق أن يعرفه أن الأمر على خلاف ما تخیل ، وأنه لو أعطاه سر الإمداد کما سأل لما انفردت الألوهية عنه بشيء ولاتحدت الإنية » …
 
وإما أن يكون الإمداد بالعلم ، 
وفيه يقول الشيخ رضي الله عنه في الجزء الأول ص 151 :-
«وأما القطب الواحد فهو روح محمد منه وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين والأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة » ..
 
وإما أن يكون الإمداد بالإفادة ، 
وفيه يقول الشيخ رضي الله عنه في الجزء الثالث ص 197 «ارتباط العالم العلوي بالسفلي ليفيد ، وارتباط السفلي بالعلوي ليستفيد ، والمفيد هو الأعلى أبدا والمستفيد هو السفلي أبدا » .
 
وإما أن يكون الإمداد بالنصرة والتثبيت 
وفيه يقول الشيخ رضي الله عنه عند شرحه لقوله تعالى ( وأيدناه بروح القدس » أي قويناه فإن الخوف مما تطلبه حکم الطبيعة في هذه النشأة فان لها خورا عظيما لكونها ليس بينها وبين الأرواح التي لها القوة والسلطان عليها واسطة ولا حجاب ، فلازمها الخوف ملازمة الظل للشخص ، فلا يتقوى صاحب الطبيعة إلا إذا كان مؤيد بالروح ، فلا يؤثر فيه خور الطبيعة ، فإن الأكثر فيه أجزاء الطبيعة ، وروحانيته التي هي نفسه المدبرة له موجودة أيضا عن الطبيعة فهي أمها وإن كان أبوها روحها ، وللأم أثر في الابن فإنه في رحمها تكون وبما عندها تغذي ، فلا تتقوى النفس بأبيها إلا إذا أيدها الله بروح قدمي ينظر إليها ، فحينئذ تقوى على حكم الطبيعة فلا تؤثر فيها التأثير الكلي وإن بقي فيه أثر ، فإنه لا يمكن زواله بالكلية .
الفتوحات ج 2 / 486 ، ج 4 / 323 
 
لذلك قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام «لا تخافا إنني معكما أسمع و أری» وفي ذلك يقول الشيخ رضي الله عنه في  الفتوحات ج 2 / 486 ، ج 4 / 323
" قال    



ص 381  
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( بالخاصية  "3"  فينزل الكبير من رياسته إليه فيلاعبه و يزقزق له و يظهر له بعقله.
فهو تحت تسخيره و هو لا يشعر، ثم شغله بتربيته و حمايته و تفقد مصالحه و تأنيسه حتى لا يضيق صدره.
هذا كله من فعل الصغير بالكبير و ذلك لقوة المقام، فإن الصغير حديث عهد بربه لأنه حديث التكوين و الكبير أبعد. فمن كان من الله أقرب سخر )
………………………….
لا تخافا إني معكما"، وهذه معية اختصاص لموسى وهارون عليهما السلام ، فهذه بشرى لهما حتى لا يخافا ، فامنهما الله مما خافا منه « أسمع وأرى » فهو السميع دعاء عباده إذا دعوه في مهماتهم فأجابهم من اسمه السميع « وأرى » من كونه تعالی بصيرا بأمور عباده ، فهو البصير الذي يعطي الأمان لا أنه يشهده ويراه فقط ، فإنه يراه حقيقة سواء نصره أو خذله أو اعتني به أو أهمله.
 
فأي إمداد يعود به الأبناء الذين قتلوا على موسى عليه السلام ومن أي نوع هو ؟ وكل ذلك منفي بما سبق أن ذكرناه من كلام الشيخ ، نعم لو قال كاتب هذه الكلمات إن الحكمة في قتل الأبناء إنما كان من الرحمة الإلهية بتسليط فرعون عليهم فيقتلون على الفطرة فلا يتعرضون للفتنة كما تعرضت لها بنو إسرائيل من عبادة العجل وغيرها ويعود وبال قتلهم على فرعون و آله، لكان هذا الكلام مناسبا لما جاء به الشيخ رضي الله عنه في قتل الخضر للغلام حيث يقول في ج 4 / 59 
 شهد الله للخضر بأنه رحيم ، اقتلع رأس الغلام وقال إنه طبع کافرا ، فلو عاش أرهق أبويه طغيانا وكفرا ، وانتظم الغلام في سلك الكفار ، فقتله الخضر رحمة به وبأبويه ، أما الصبي حيث أخرجه من الدنيا على الفطرة فسعد الغلام والله أعلم وسعد أبواه .
 
لهذا الذي أوردناه من كلام الشيخ يستحيل نسبه ما جاء في هذه الفقرة أن يكون من كلام الشيخ أصلاه
 
3 - راجع التسخير فص 24 هامش 9 *
والمقصود بالخاصية هنا هو ما ورد هناك بكلمة الحال و یستبعد أن يكون هذا من كلام الشيخ فإنه لا يعبر عن الحال بالخاصية ، فالكلام واضح فيه التحريف .
 
ص 382


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( من كان من الله أبعد، كخواص الملك للقرب منه يسخرون الأبعدين. كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبرز بنفسه للمطر إذا نزل ويكشف رأسه له حتى يصيب منه و يقول إنه حديث عهد بربه.
فانظر إلى هذه المعرفة بالله من هذا النبي ما أجلها وما أعلاها وأوضحها. )
 
……………………………………………..
4 - التسخير *
هذا التعليل يخالف ما جاء في كتب الشيخ ويخالف ما جاء في المتن فقرة 10 ص ۳۸۹ فهو القائل في قوله تعالی :
« ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات » من ملك وكوكب سابح في فلك . فمن الملائكة الموكل بالوحي والإلقاء ، ومنهم الموكل بالأرزاق ، ومنهم الموكل بقبض الأرواح ، ومنهم الموكل بإحياء الموتى ، ومنهم الموكل بالاستغفار للمؤمنين والدعاء لهم ، ومنهم الموكلون بالغراسات في الجنة جزاء لأعمال العباد « وما في الأرض » وما بينهما من الخلق جميعا منه ، 
قال تعالی " وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
فأدخل العالم كله أجمع تحت تسخير هذا الإنسان الأرفع ، فما من ملأ أعلى إلا به مستعل ، وما من ملا أدنى إلا يتضرع إليك ويبتهل ، فهم بين مستغفر لك ، ومصل عليك ، وملك بسلام يوصله من الحق تعالى إليك ، وإذا كان السيد يصلي عليه ، فكيف بملائكته ، وإذا كان ناظرا إليك فما ظنك بخليقته ، وما من فاكهة ونعمة عند تناهيها إلا متضرعة لك خاضعة أن تؤدي لك ما أودع الله من المنافع فيها ، فما في الوجود كله حقيقة ولا دقيقة إلا ومنك إليها ومنها إليك رقيقة ، فانظر أین مرتبتك في الوجود ، فالعالم كله على الحقيقة أيها الإنسان تحت تسخيرك إذا سلم من نظرك وتدبيرك ، فإن كل شيء خلقه الله للإنسان ومن أجله وسخر له لما علم الله من حاجته إليه ، فهو فقير إلى كل شيء ، ليس له غني عنه ، ولذلك استخدم الله له العالم كله ، فما من حقيقة صورية في العالم الأعلى والأسفل إلا وهي ناظرة إلى هذا الإنسان نظر کمال ، أمينة على سر أودعها الله إياه لتوصله إليه . 
راجع الفتوحات ج 1 / 60 - ج 3 / 38 - کتاب إنشاء الجداول والدوائر
 
ص 383
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( فقد سخر المطر أفضل البشر لقربه من ربه فكان مثل الرسول الذي ينزل بالوحي عليه، فدعاه  بالحال بذاته فبرز إليه ليصيب منه ما أتاه به من ربه فلو لا ما حصلت له منه الفائدة الإلهية بما أصاب منه، ما برز بنفسه إليه. "5"
فهذه رسالة ماء جعل الله منه كل شيء حي فافهم. )
 
…………………………………………...
5 . قوله في المطر « إنه حديث عهد ربه» *
يقارن هذا المعنى الذي يبعد أن يصدر عن الشيخ ، مع ما جاء في كتاب د روح القدس في محاسبة النفس » من جميل المعنى حين يقول عن شيخه أبي جعفر أحمد العريبي أن من كان معه قال : إن الشيخ استسقى لأهل قصر کتامة ، فسقاهم الله ونزلت الأمطار ، وكان الغيث ينزل عن يميننا ويسارنا وأمامنا وخلفنا ، ونحن نمشي لا يصيبنا منه شيء ، فقال لشيخه : عز علي حيث لم تصبك رحمة الله عز وجل ، فصاح الشيخ وقال : فزت بها يا محمد ، يا حسرة لو تذكرتها هناك .
ويقول الشيخ رضي الله عنه من حيث الاعتبار والإشارة في كتاب الأعلاق عند شرحه لقوله :
ريح صبا يخبر عن عصر ….    صبا بحاجر أو بمني أو بقبا
 
ريح صبا تخبر عن عصر صبا ، يقول نسیم روح المعارف من جانب الكشف والتجلي أخبر عن أوان زمان الشباب الذي أشار إليه رسول الله من عند نزول المطر فكشف رأسه عليه السلام حتى أصابه ، فقال عليه السلام إنه حديث عهد بربه ويقول في شرحه لشعره في نفس الكتاب:
سألت ريح الصبا عنهم لتخبرني  …. قالت وما لك في الأخبار من ارب 
في الأبرقين وفي برك العماد وفي …. برك العميم تركت الحي عن كثب
« عن كثب » عن قرب كما قال عليه السلام في المطر لما نزل ، ظهر له بنفسه صلى الله عليه وسلم حتى أصابه منه، قال إنه حديث عهد بربه فهذا معنى عن كثب.
 
- يراجع الشرح في ترجمان الأشواق . 
ويقول في الفتوحات ج 1 / 280  في معرض الإشارة إلى قوله تعالی «وهو معكم أينما كنتم» من كان معك بهذه المثابة من القرب مع دعواك العلم بذلك والإيمان به 
 
ص 384
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( و أما حكمة إلقائه في التابوت و رميه في اليم: فالتابوت ناسوته، واليم ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم مما أعطته القوة النظرية الفكرية والقوى الحسية والخيالية التي لا يكون شيء منها ولا من أمثالها لهذه النفس الإنسانية إلا بوجود هذا الجسم العنصري.
فلما حصلت النفس في هذا الجسم وأمرت بالتصرف فيه وتدبيره، جعل الله لها هذه القوى آلات يتوصل بها إلى ما أراده الله منها في تدبير هذا التابوت الذي فيه سكينة الرب.
فرمي به في اليم ليحصل بهذه القوى على فنون العلم فأعلمه بذلك أنه وإن كان الروح المدبر له هو الملك، فإنه لا يدبره إلا به.
فأصحبه هذه القوى الكائنة في هذا الناسوت الذي عبر عنه بالتابوت في باب الإشارات والحكم.
كذلك تدبير الحق العالم ما دبره إلا به أو بصورته، فما دبره إلا به كتوقف الولد على إيجاد الوالد ، والمسببات علىسبابها، والمشروطات على شروطها، والمعلولات على عللها ، و المدلولات على أدلتها، و المحققات على حقائقها. و كل ذلك من العالم و هو تدبير الحق فيه. فما دبره إلا به.
وأما قولنا أو بصورته أعني صورة العالم فأعني به الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تسمى الحق بها و اتصف بها. فما وصل إلينا من اسم تسمى به إلا وجدنا معنى ذلك الاسم وروحه في العالم. فما دبر العالم أيضا إلا بصورة العالم.
ولذلك قال في خلق آدم الذي هو  )
……………………………….
لم تترك الأخذ عنه والحديث معه وتأخذ عن غيره ولا تأخذ عنه فتكون حديث عهد بربك ، يكون المطر فوق رتبتك حيث برز إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم  بنفسه حين نزل وحسر عن رأسه حتى أصابه الماء فقيل له في ذلك 
فقال : إنه حديث عهد بربه ، تعليمه لنا وتنبيها .
 
ويرى القاريء التكلف الزائد هنا للاستدلال على التسخير بالحال ، وقد شرحه الشيخ بأسلوب سهل مبسط كما جاء في الفص 24 هامش 9. 
وهذا مما يدل على أن الكلام هنا مقحم على معنی أراده الشيخ ، فإنه لابد من نفع يعود على المسخر اسم فاعل سواء كان بالحال أم بالقوة ، وأي نقع يعود هنا على المطر ؟!
وهذا يدل على أن هذا الكلام لا يصح نسبته للشيخ. 
 
6 - الروح هو الملك المدبر للمملكة الإنسانية
راجع كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية
 
7 - راجع فص حكمة إبراهيمية رقم 5. ص 83
 
"" 5 - كل الأسماء والصفات الله تعالى بالأصالة     فص 5 رقم 5. ص 83
لما رأيت ما ينبغي الله وما ينبغي للعبة، ورأيت ما حجب الله به عباده المنسوبين إليه من حيث أنه جعل لهم في قلوبهم أنهم يعتقدون أن لهم أسماء حقيقة .
وأن الحق تعالى قد زاحمهم فيها ، وحجبهم عن العلم بأن تلك الأسماء أسماؤه تعالی ، زاحموه بالتخلق بالأسماء الإلهية.
وقابلوا مزاحمة بمزاحمة ، وما تفطنوا لما لم يزاحمهم فيه من الذلة والافتقار الذي نبه لأبي يزيد عليها ولنا اعتناء من الله .
فهذه أسماؤهم إلا ما ادعوها ، فزاحموه فيما تخيلوا من الأسماء أنها لهم وهم لا يشعرون .
ولقد كنت مثلهم في ذلك قبل أن يمن الله علي بما من به علي من معرفته ، فعلمني أن الأسماء أسماؤه وأنه لابد من إطلاقها علينا فأطلقناها ضرورة لا اعتقادا.
وأطلقتها أنا ومن خصه الله بهذا العلم على الله اعتقادا .
وأطلقها غيرنا اضطرارا إيمانا لكون الشرع ورد بها لا اعتقادا .
فحفظنا عليه ما هو له حين لم يحفظه ومكر بعباده ، فمن حفظ على نفسه ذله وافتقاره وحفظ على الله أسماءه كلها التي وصف بها نفسه والتي أعطى في الكشف أنها له . فقد أنصف فاتصف بأنه على كل شيء حفيظ .
والكل أسماء الحق تعالى والعيد لا اسم له ، حتى إن اسم العبد ليس له وهو متخلق به كسائر الأسماء الحسنى .
فالسير إلى الله والدخول عليه والحضور عنده ليس إلا بأسمائه ، وإن أسماء الكون أسماؤه ، وهو مجلي عزيز في منصة عظمى .
كانت غاية أبي يزيد البسطامي دونها فإن غايته ما قاله عن نفسه ،" تقرب إلي بما ليس لي"، فهذا كان حظه من ربه ورآه غاية .
وكذلك هو فإنه غايته لا الغاية ، وهذه طريقة أخرى ما رأيتها الأحد من الأولياء ذوقا إلا للأنبياء والرسل خاصة.
فكل اسم للكون فأصله للحق حقيقة وهو للخلق لفظا دون معنى وهو به متخلق ، فكل وصف صفة كمال الله تعالی فهو موصوف بها كما تقتضيه ذاته ، وأنت موصوف بها كما تقتضيها ذاتك.
والعين واحدة والحكم مختلف    ….. و العبد يعبد و الرحمن معبود
الفتوحات ج2 / 350  , ج3 / 228 . ""
 
 
ص 385
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال «إن الله خلق آدم على صورته». وليست صورته سوى الحضرة الإلهية.
فأوجد في هذا المختصر الشريف الذي هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهية وحقائق ما خرج عنه في العالم الكبير المنفصل، "8" وجعله روحا للعالم "9" فسخر له العلو والسفل لكمال الصورة.
فكما أنه ليس شيء من العالم إلا وهو يسبح بحمده، كذلك ليس شيء من العالم إلا وهو مسخر لهذا الإنسان لما تعطيه حقيقة صورته.
فقال تعالى «وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه».
فكل ما في العالم تحت تسخير الإنسان، "10" علم ذلك من علمه وهو الإنسان الكامل وجهل ذلك من جهله، وهو الإنسان الحيوان.
فكانت صورة إلقاء موسى في التابوت، وإلقاء التابوت في اليم صورة هلاك، وفي الباطن كانت نجاة له من القتل.
فحيي كما تحيا النفوس بالعلم من موت الجهل، كما قال تعالى «أو من كان ميتا» يعني بالجهل «فأحييناه» يعني بالعلم، «وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» و هو الهدى، «كمن مثله في  )
……………………………………………….
8 - الإنسان الكامل جامع لصورة الحق وصورة العالم *
راجع فص 1، هامش 16، ص 38
ويلاحظ أن كلمة « برنامج » المذكورة هنا ، لا توجد في جميع كتب الشيخ وليست من مصطلحاته ، ولا تفيد من الناحية اللغوية المعنى المقصود في هذا الوطن، مع ما هو معروف عن دقة الشيخ في اختيار اللفظ المناسب ، فهو يستعمل في هذا الموطن كلمة « المثل » أو « الصورة » أو « الحضرة » أو « الحقيقة » أما كلمة
"برنامج" فمعناها ، الورقة الجامعة للحساب ، وهي معربة - راجع القاموس المحيط.
 
"" 4 . خلق الله آدم على صورته  فص 1، هامش 4 = 16 ، ص 38
اعلم أنه لا يصح أن يكون شيء من العالم له وجود ليس هو على صورة الحق، فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى كل صنف من العالم ، والعالم عند الجماعة، هو إنسان كبير في المعنى والجرم.
يقول الله تعالى : "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
فلذلك قلنا في المعنى ، وما في العلم عن الكل وإنما نقاه عن الأكثر ، والإنسان الكامل من العالم وهو له کالروح لجسم الحيوان ، وهو الإنسان الصغير ، وسمي صغيرا لأنه انفعل عن الكبير وهو، مختصر فالمطول العالم كله والمختصر الإنسان الكامل ، فالإنسان آخر موجود في العالم لأن المختصر لا يختصر إلا من مطول وإلا فليس بمختصر ، فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق ، فهو نقاوة المختصر.
فلما كان العالم على صورة الحق وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله : " إن الله خلق آدم على صورته"، فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل من هذا العالم إذ لو كان لكان في الإمكان ما هو أكمل من الله .
 فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته ، وأكمل من صورة الحق فلا يكون ، وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان .
فمن كل شيء في الوجود زوجان الأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق ، فامتاز الإنسان الكامل عن العالم مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على الصورة بانفراده ، من غير حاجة إلى العالم .
فالإنسان الكامل وحده يقوم مقام الجماعة ، فإنه أكمل من عين مجموع العالم إذ كان نسخة من العالم حرفا بحرف (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) ، ويزيد أنه على حقيقة لا تقبل التضاؤل « خلق الله آدم على صورته » .
فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الكامل نسخة من العالم كله ، فما من حقيقة في العالم إلا وهي في   الإنسان .
فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهية التي توجهت على إيجاد العالم بأسره متوجهة على إيجاد هذه النشأة الإنسانية الإمامية ، فخلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصورة حقائق الحدث وأسماء القديم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقیقتين ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفين والرقيقتين ، أحكم بيديه صنعته وحسن بعنايته صبغته ، وكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخالقه، ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بخلقه، فتميز عن جميع الخلائق بالخلقة المستقيمة والخلائق ، عين سبحانه سره مثالا في حضرة الأسرار ، ومیز نوره من بين سائر الأنوار ، وقصب له کرسي العناية بين حضرتيه ، وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه .
فلم يخلق الله تعالى الإنسان عبثا بل خلقه ليكون وحده على صورته ، فكل من في العالم جاهل بالکل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الكامل وحده ، فإن الله علمه الأسماء كلها وآتاه جوامع الكلم ، فكملت صورته ، فجمع بين صورة الحق وصورة العالم ، فكان برزخا بين الحق والعالم ، مرآة منصوبة ، يرى الحق صورته في مرآة الإنسان ، ويرى الخلق أيضا صورته فيه ، لأن الإنسان فيه مناسب من كل شيء في العالم ، فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه ، ويخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما دون غيره من المناسب ، إذا كان له مناسبات كثيرة لوجوه كثيرة يطلبها بذاته، فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الكمال الذي لاأكمل منه في الإمكان، ومعنى رؤية صورة الحق فيه ، إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ، كما جاء في الخبر
"فبهم تنصرون" ، والله الناصر « وبهم ترزقون » والله الرازق « وبهم ترحمون ، والله الراحم ، وقد ورد في القران فيمن علمنا كماله صلى الله عليه وسلم واعتقدنا ذلك فيه أنه « بالمؤمنين رؤوف رحيم » ، « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » أي لترحمهم ، والتخلق بالأسماء يقول به جميع العلماء ، فالإنسان متصف يسمى بالحي والعالم المريد السميع البصير المتكلم القادر وجميع الأسماء الإلهية من أسماء تنزيه وأفعال .
ولذلك عبر عن الإنسان الكامل بمرآة الحق ، والحقيقة من قوله تعالی « ليس كمثله شيء " وهي مثلية لغوية ، وذلك عند بروز هذا الموجود في أصفى ما يمكن وأجلي ، ظهر فيه الحق بذاته وصفاته المعنوية لا النفسية ، وتجلى له من حضرة الجود ، وفي هذا الظهور الكريم قال تعالى : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم »
فالإنسان الكامل له الشرف على جميع من في السماء والأرض ، فإنه العين المقصودة للحق من الموجودات ، لأنه الذي اتخذه الله مجلي ، لأنه ما كمل إلا بصورة الحق ، كما أن المرآة وإن كانت تامة الخلق فلا تكمل إلا بتجلي صورة الناظر ، فتلك مرتبتها والمرتبة هي الغاية .
راجع الفتوحات  ج3 /152, 315 ,331 , 398 , 409.
 ج4 / 21 , 132 , 230 , 231 , 409.  عقلة المستوفز ۔ ذخائر الأعلاق ""
 
9 -  الإنسان الكامل روح العالم
لما أراد الله کمال هذه النشأة الإنسانية ، جمع لها بين يديه وأعطاها جميع حقائق العالم ، وتجلى لها في الأسماء كلها فحازت الصورة الإلهية والصورة الكونية. وجعلها روحا للعالم ، وجعل أصناف العالم له کالأعضاء من الجسم للروح المدبر له ؛ فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم ، فالدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه ۰فتوحات ج 2 / 468 
 
10 - راجع هامش 4 ، ص 383
 
 
ص 386
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الظلمات» وهي الضلال «ليس بخارج منها» أي لا يهتدي أبدا: "11" فإن الأمر في نفسه لا غاية له يوقف عندها.
فالهدى هو أن يهتدي الإنسان إلى الحيرة، فيعلم أن الأمر حيرة "12" و الحيرة قلق "13" و حركة، و الحركة حياة. فلا سكون، فلا موت، "14" و وجود، فلا عدم. "15" .   وكذلك في الماء الذي  )
…………………………………………..
11 - فال تعالى « أو من كان ميتا » أراد بالموت الجهل « فأحييناه » بالعلم . وهي الحياة العلمية التي تحيي بها القلوب ، فحياة العلم يقابلها موت الجهل . وبالنور يقع حصوله ، كما بالظلمة يكون الجهل.
الفتوحات ج 2 / 174 ، 342 - ج 3 / 369
 
12 – الحيرة راجع فص 3 ، هامش 10، ص 72
 
""  الحيرة  : راجع الفرق بين فهم الشيخ الأكبر وبين ابن تيمية في الحيرة
"رجال الحيرة هم الذين نظروا في هذه الدلائل (الدلائل المتعارضة للتنزيه والتشبيه) واستقصوها غاية الاستقصاء إلى أن أداهم ذلك النظر إلى العجز والحيرة فيه ، من نبي أو صديق .
قال : « اللهم زدني فيك تحيرا » فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة "فيه ، من نبي أو صديق" .
"وقال الشيخ : "اللهم زدني فيك تحيرا " ، فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة ، ولا سيما أهل الكشف لاختلاف الصور عليهم عند الشهود ، فهم أعظم حيرة من أصحاب النظر في الأدلة ، بما لا يتقارب."
 
يقول الشيخ الأكبر في ديوانه ص 71:
ليس إلى العلم بي سبيل ... ما لي إلى العلم بي دليل
واللّه إني عجزت عني ... فلا نبي ولا رسول
ولا العقول التي فرضتم ... تدرك أعيانها فقولوا
ما يصنع العالم الذي قد ... قيل له اعلم وما يقول
إن كان في العجز عين علمي ... به فقد هانت السبيل
قد حرت واللّه في وجودي ... فإنه جوده الأثيل
إن قلت إن الظهور فيه ... والحكم لي حارت العقول
أو قلت إن الظهور فينا ... به فما لي بذا دليل
حرنا وحار الوجود فينا ... فما لنا نحوه وصول
فما لنا بالإله علم ... إلا الذي أثبت الخليل
أعطاه علما به جليا ... مراتب النور والقبول
ثم نفى عنه ما رآه ... ربا ببرهانه الأفول
أثبته حجة على من ... أشرك من قومه الجليل
فوحد العين لا تثني ... فالنسب الغرّ ما تحيل
توحيده للذي تراه ... من نسب كلها أصول
 
ويقول الشيخ رضي اللّه عنه في الفتوحات الجزء الأول ص 270:
من قال يعلم أن اللّه خالقه ... ولم يحر كان برهانا بأن جهلا
لا يعلم اللّه إلا اللّه فانتبهوا ... فليس حاضركم مثل الذي غفلا
العجز عن درك الإدراك معرفة ... كذا هو الحكم فيه عند من عقلا
هو الإله فلا تحصى محامده ... هو النزيه فلا تضرب له مثلا
 
ويقول الشيخ الأكبر رضي اللّه عنه في الفتوحات المكية:
الجزء الأول الصفحة 270 - الباب الخمسون في معرفة رجال الحيرة والعجز -
أعلم أيدك اللّه بروح منه، أن سبب الحيرة في علمنا باللّه، طلبنا معرفة ذاته جل وتعالى بأحد الطريقين، إما بطريق الأدلة العقلية، وإما بطريق تسمى المشاهدة، فالدليل العقلي يمنع من المشاهدة، فالدليل السمعي قد أومأ إليها وما صرح، والدليل العقلي قد منع من إدراك حقيقة ذاته من طريق الصفة الثبوتية النفسية، التي هو سبحانه في نفسه عليها، وما أدرك العقل بنظره إلا صفات السلوب لا غير، وسمى هذه معرفة،
والشارع قد نسب إلى نفسه أمورا وصف نفسه بها، تحيلها الأدلة العقلية إلا بتأويل بعيد، يمكن أن يكون مقصودا للشارع ويمكن أن لا يكون، وقد لزمه الإيمان والتصديق بما وصف به نفسه، لقيام الأدلة عنده بصدق هذه الأخبار عنه، أنه أخبر بها عن نفسه في كتبه أو على ألسنة رسله، فتعارض هذه الأمور - مع طلبه معرفة ذاته تعالى، أو الجمع بين الدليلين المتعارضين - أوقعهم في الحيرة؛
فرجال الحيرة هم الذين نظروا في هذه الدلائل واستقصوها غاية الاستقصاء، إلى أن أداهم ذلك النظر إلى العجز والحيرة فيه، من نبي أو صديق،
قال صلى اللّه عليه وسلم: «اللهم زدني فيك تحيرا» فإنه كلما زاده الحق علما به، زاده ذلك العلم حيرة، ولا سيما أهل الكشف، لاختلاف الصور عليهم عند الشهود، فهم أعظم حيرة من أصحاب النظر في الأدلة بما لا يتقارب،
قال النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد ما بذل جهده في الثناء على خالقه بما أوحى به إليه «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»؛
وقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه في هذا المقام، وكان من رجاله «العجز عن درك الإدراك إدراك» أي إذا علمت أن ثمّ من لا يعلم، ذلك هو العلم باللّه تعالى، فكان الدليل على العلم به عدم العلم به، واللّه قد أمرنا بالعلم بتوحيده، وما أمرنا بالعلم بذاته، بل نهى عن ذلك بقوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ"
ونهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن التفكر في ذات اللّه تعالى، إذ من ليس كمثله شيء، كيف يوصل إلى معرفة ذاته؟
فقال اللّه تعالى آمرا بالعلم بتوحيده فـ " اعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ "
فالمعرفة به من كونه إلها، والمعرفة بما ينبغي للإله أن يكون عليه من الصفات، التي يمتاز بها عن من ليس بإله وعن المألوه، هي المأمور بها شرعا،
فلا يعرف اللّه إلا اللّه، فقامت الأدلة العقلية القاطعة، على أنه إله واحد، عند أهل النظر وأهل الكشف، فلا إله إلا هو، ثم بعد هذا الدليل العقلي على توحيده، والعلم الضروري العقلي بوجوده، رأينا أهل طريق اللّه تعالى من رسول ونبي وولي، قد جاؤوا بأمور - من المعرفة بنعوت الإله في طريقهم - أحالتها الأدلة العقلية،
وجاءت بصحتها الألفاظ النبوية والأخبار الإلهية، فبحث أهل الطريق عن هذه المعاني، ليحصلوا منها على أمر يتميزون به عن أهل النظر، الذين وقفوا حيث بلغت بهم أفكارهم، مع تحققهم صدق الأخبار،
فقالوا: نعلم أن ثمّ طورا آخر وراء طور إدراك العقل الذي يستقل به، وهو للأنبياء وكبار الأولياء، به يقبلون هذه الأمور الواردة عليهم في الجناب الإلهي، فعملت هذه الطائفة في تحصيل ذلك بطريق الخلوات والأذكار المشروعة، لصفاء القلوب وطهارتها من دنس الفكر، إذ كان المفكر لا يفكر إلا في المحدثات، لا في ذات الحق، وما ينبغي أن يكون عليه في نفسه الذي هو مسمى اللّه، ولم يجد صفة إثبات نفسية، فأخذ ينظر من كل صفة يمكن أن يقبلها المحدث الممكن، يسلبها عن اللّه، لئلا يلزمه حكم تلك الصفة كما لزمت الممكن الحادث، مثل ما فعل بعض النظار من المتكلمين، في أمور أثبتوها وطردوها شاهدا وغائبا، ويستحيل على ذات الحق أن تجتمع مع الممكن في صفة، فإن كل صفة يتصف بها الممكن يزول وجودها بزوال الموصوف بها، أو تزول هي مع بقاء الممكن، كصفات المعاني، والأولى كصفات النفس، ثم إن كل صفة منها ممكنة، فإذا طردوها شاهدا وغائبا، فقد وصفوا واجب الوجود لنفسه بما هو ممكن لنفسه، والواجب الوجود لنفسه، لا يقبل ما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون، فإذا بطل الاتصاف به من حيث حقيقة ذلك الوصف، لم يبق إلا الاشتراك في اللفظ، إذ قد بطل الاشتراك في الحد والحقيقة، فلا يجمع صفة الحق وصفة العبد حد واحد أصلا، أهـ
 
جاء في كتاب التجليات:
كيف تريد أن تعرف بعقلك من عين مشاهدته عين كلامه، وعين كلامه عين مشاهدته؟ ومع هذا فإذا أشهدك لم يكلمك، وإذا كلمك لم يشهدك.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 5:32 am

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه      
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية               الجزء الثاني
ويقول في كتاب التراجم:
الحيرة لا تكون إلا فيمن لا يتكيف.
وفيه يقول: الحيرة قبل. الوصول، والحيرة في الوصول، والحيرة في الرجوع، كيف لا تحار العقول والأسرار، فيمن لا تقيده البصائر والأبصار؟!
وفيه أيضا يقول: لو جلى الحق نفسك لك لحرت.
ومن وجه آخر في الحيرة،

يقول الشيخ رضي اللّه عنه في الجزء الثاني الصفحة 607 من الفتوحات المكية:
ما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال - يعني نسبتها - ولا سيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين، فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حال ظهورها عنهم، وأفعال اللّه كلها حسنة في مذهب المخالف، الذي ينفي الفعل عن المخلوق، ويثبت الذم للفعل بلا خلاف، ولا شك عنده في تعلق الذم بذلك الفعل من اللّه، وسببه الكسب لما وقع مخالفا لحمد اللّه فيه، مأمورا كان بفعله فلم يفعله، أو منهيا عن فعله ففعله، وهذا فيه ما فيه، وفي مثل هذه المسائل قلت:
حيرة من حيرة صدرت ... ليت شعري ثمّ من لا يحار
أنا إن قلت أنا قال لا ... وهو إن قال أنا لا يعار
أنا مجبور ولا فعل لي ... والذي أفعله باضطرار
والذي أسند فعلي له ... ليس في أفعاله بالخيار
فأنا وهو على نقطة ... ثبتت ليس لها من قرار
فقد أوقفناك بما ذكرناه في هذا الباب على ما يزيدك حيرة فيه.

الجزء الثاني من الفتوحات الصفحة 661:
لهذا كان العلم أشرف من المحبة، وبه أمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يسأله الزيادة منه، لأنه عين الولاية الإلهية، به يتولى اللّه عباده، وبه يكرمهم، وبه يعرفون أنه لا يعرف، وأما المحب إذا لم يكن عارفا، فهو يخلق في نفسه صورة يهيم فيها ويعشقها، فما عبد ولا اشتاق إلا لمن هو تحت حيطته، ولا يزيله عن هذا المقام إلا المعرفة، فحيرة العارف في الجناب الإلهي أعظم الحيرات، لأنه خارج عن الحصر والتقييد.
تفرقت الظباء على خداش ... فما يدري خداش ما يصيد

فله جميع الصور، وما له صورة تقيده، ولهذا كان يقول صلى اللّه عليه وسلم «اللهم زدني فيك تحيرا» لأنه المقام الأعلى، والمنظر الأجلى، والمكانة الزلفى، والمظهر الأزهى، والطريقة المثلى.

الجزء الثالث من الفتوحات الصفحة 490:
فلا أشد حيرة في اللّه من العلماء باللّه، ولذلك ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لربه «زدني فيك تحيرا» لما علم من علو مقام الحيرة لأهل التجلي، لاختلاف الصور، وتصديق هذا الحديث قوله «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» وقد علمنا ما أثنى اللّه به على نفسه، من بسط يديه بالإنفاق، وفرحه بتوبة عبده، وغير ذلك من أمثاله، ومنلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

 

الجزء الرابع الصفحة 196، 197:
الحضرة الإلهية اسم لذات وصفات وأفعال، وإن شئت قلت صفة فعل وصفة تنزيه، وهذه الأفعال تكون عن الصفات، والأفعال أسماء ولابد، والحضرات الإلهية هي التي كنى اللّه عنها بالأسماء الحسنى، ومن ذلك الحضرة الإلهية،
وهي الاسم اللّه، وهي الحضرة الجامعة للحضرات كلها، وهي وإن كانت جامعة للحقائق كلها، فأخص ما يختص بها من الأحوال الحيرة والعبادة والتنزيه، فأما التنزيه وهو رفعته عن التشبه بخلقه، فهو يؤدي إلى الحيرة فيه، وكذلك العبادة فأعطانا قوة الفكر،


الجزء الرابع الصفحة 245:
ما أثنى اللّه بشيء على أحد من المخلوقين، إلا وفيه تنبيه لمن لم يحصل له ذلك الأمر، أن يتعرض لتحصيله جهد الاستطاعة، فإن الباب مفتوح، والجود ما فيه بخل، وما بقي العجز إلا من جهة الطالب، ولهذا يقول: من يدعوني فأستجيب له؛ ومن نكرة، فما وقع العجز إلا منا، وهنا الحيرة، لأنا ما ندعوه إلا بتوفيقه، وتوفيقه إيانا لذلك من عطائه وجوده، واستعداد كنا عليه، به قبلناه فتأهلنا لدعائه.

الجزء الرابع من الفتوحات الصفحة 280:
صدّق اللّه هؤلاء الخواص في حيرتهم، بقوله لأخص خلقه علما ومعرفة "وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى " فنفى عين ما أثبت، فما أثبت وما نفى؟
فأين العامة من هذا الخطاب؟
فالعلم باللّه حيرة، والعلم بالخلق حيرة، وقد حجّر النظر في ذاته وأطلقه في خلقه، فالهداة في النظر في الخلق، لأنه الهادي وقد هدى، والعمى في النظر في الحق، فإنه قد حجر وجعله سبيل الردى، وهذا خطاب خاطب به العقلاء. . . فما زادهم إلا إيمانا بالحيرة وتسليما لحكمها. . ثم إنه من أعظم الحيرة في الحق، أن الحق له الوجود الصرف، فله الثبوت، وصور التجلي حق بلا شك، وما لها ثبوت وما لها بقاء، ما من صورة يتجلى فيها إلا إذا ذهبت، ما لها رجوع ولا تكرار. أهـ   ""


13 - ملاحظة  *
قوله : « الحيرة قلق » لا يتفق مع مفهوم الشيخ المنصوص عليه في جميع كتبه بأن الحيرة علم كما جاء ذلك في كتابه الفتوحات المكية  ج 1 / 270 ، 420 - ج 2 / 607 - ج 3 / 490 - ج 4 / 196، 197 ، 245 ، 280 - وفي ديوانه ص 71، وفي كتابه التجليات ، وفي كتاب التراجم ، ينص في هذه الكتب كلها على أن الحيرة علم لا قلق ، 
وهو يتفق مع شرحه لقوله من « اللهم زدني فيك تحيرا » 
حيث يقول رضي الله عنه : فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة - راجع كتابنا الرد على ابن تيمية لتفصيل ما أوجزناه من ص 50 إلى ص 90
وهذا يدل على أنه قد وقع التصرف في ألفاظ الشيخ في كتاب الفصوص فان القلق اضطراب وانزعاج ، لا يتفق مع طلبه من في قوله « اللهم زدني فيك تحيرا » أي زدني فيك علما ، وهو ما أوضحه الشيخ في كتبه المشار إليها.


14 - الحركة والسكون والحياة والموت
لتعلم أن التحقيق في الحركة والسكون أنهما نسبتان للذوات الطبيعية المتحيزة المكانية أو القابلة للمكان إن كانت في الإمكان ، 
وذلك أن المتحيز لا بد له من حيز يشغله من زمان وجوده فيه ، فلا يخلو إما أن يمر عليه زمان ثان أو أزمنة وهو في ذلك الحيز عينه ، فذلك المعبر عنه بالسكون ، أو يكون في الزمان الثاني في الحيز الذي يليه ، 
وفي الزمن الثالث في الحيز الذي يلي الحيز الثاني ، سمي ذلك الانتقال


ص 387


به حياة الأرض وحركتها، قوله تعالى «اهتزت» وحملها، قوله «وربت»، وولادتها قوله «وأنبتت من كل زوج بهيج». أي أنها ما ولدت إلا من يشبهها أي 
……………………………………...
حركة ، وانتقال الشيء من وجود إلى وجود یسمی متحرکا ، فعلم السكون والحركة هو علم الثبوت والإقامة وعلم التغيير والانتقال . وما من حركة يتحركها الإنسان إلا عن ورود اسم إلهي عليه .
أما قوله « حياة فلا موت » فالمراد به « وإن من شيء إلا يسبح بحمده » ولا يسبح إلا حي ، فتوحات ج 1 / 644 - ج 2 / 457 ، 458 ، 473 .

15 - عدم العدم وجود
الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمه ، قال تعالى " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه " وقال تعالى « ما نفدت كلمات الله » فالكلمات في خزائن الجود لكل شيء يقبل الوجود ، وقال تعالى: " وما ننزله إلا بقدر معلوم " من اسمه الحكيم ، فالحكمة سلطانة هذا الإنزال الإلهي ، وهو إخراج هذه الأشياء من الخزائن إلى وجود أعيانها، وعدم العدم وجود فهو نسبة كون الأشياء في هذه الخزائن محفوظة موجودة لله ، ثابتة لأعيانها غير موجودة لأنفسها ، فبالنظر إلى أعيانها هي موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى كونها عند الله في هذه الخزائن، هي موجودة عن عدم العدم وهو وجود ، وعلى هذا قلنا إن الأشياء مخلوقة من وجود لا من عدم ، فإن الأصل على هذا كان ، وهو العماء من النفس وهو وجود ، وهو عين الحق المخلوق به .
واعلم أن الله لا يرد ما أوجده إلى عدم ، بل هو يوجد على الدوام ولا يعدم 6 فالقدرة فعالة دائما ، فإنه ما شاء إلا الإيجاد ، ولهذا قال «إن يشأ يذهبكم» والذهاب انتقالكم من الحال التي أتم فيها إلى حال تكونون فيها « ويأت بخلق جديد » ویکسو الخلق الجديد عين هذه الأحوال التي كانت لكم لو شاء ، لكنه ما شاء ، فليس الأمر إلا كما هو ، فانه لا يشاء إلا ما هي عليه ، لأن الإرادة لا تخالف العلم والعلم لا يخالف المعلوم ، والمعلوم ما ظهر ووقع ، فلا تبديل لكلمات الله فإنها على ما هي عليه . الفتوحات ج 1 / 2 ، 281 ،310 - ج 2 / 281 - ح 3 / 548 - ج 4 / 93 ، 240 ، 414 

 

ص 388


قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».
فلو كممن يئس ما بادر إلى الايمان.
فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون  )

…………………………………………..

16 - « وترى الأرض هامدة » :
فإن الأرض فراش « فإذا أنزلنا عليها الماء ، فإذا نکج الجو الأرض وأنزل الماء « اهتزت » ودبرت الماء في رحمها آثار الأنواء الفلكيه « وربت » وهو الحمل « وأنبتت من كل زوج بھیج » فأولدها توأمين . فضحكت الأرض بالأزهار . وإنما كان زوجا من أجل ما يطلبه من النكاح ، إذ لا يكون إلا بين زوجين -  الفتوحات ج 3 / 517 - ج 4 / 415

 
17 - راجع « العين واحدة والحكم مختلف »
فص 3، هامش 5، ص 68

 
"" 5 - العين واحدة والحكم مختلف فص 3، هامش 5، ص 68
ما يعرف الله إلا الله فاعترفوا    …… العين واحدة والحكم مختلف

                                                     الفتوحات ج1 / 185 .
فالله والرب والرحمن والملك     ….. حقائق كلها في الذات تشترك
فالعين واحدة والحكم مختلف     …… لذا بدا الجسم والأرواح والفلك
                                               الفتوحات  ج3 / 310.

فالعين واحدة والحكم مختلف       ….. وذاك سر لأهل العلم ينكشف
                                            الفتوحات ج3 / 430

والعين واحدة والحكم مختلف      ….. إذا تنوعت الأرواح والصور
                                                الفتوحات  ج2 / 392

فالعين واحدة والحكم يختلف      ….. والقائلون بذا قوم لهم نظر
                                              الإسفار عن نتائج الأسفار ص 55

فالعين واحدة والحكم للنسب   …… والعين ظاهرة والكون للسبب
                                                  الفتوحات ج3 ص 525  

والعين واحدة والحكم مختلف    ….. والعبد يعبد الرحمن معبود
                                                 الفتوحات  ج2 ص 484
من الزوائد أن تعلم أن حكم الأعيان ليس نفس الأعيان ، وأن ظهور هذا الحكم في وجود الحق، وينسب إلى العبد بنسبة صحيحة، وينسب إلى الحق بنسبة صحيحة فزاد الحق من حيث الحكم حكما لم يكن عليه ، وزاد العين إضافة وجود إليه لم تكن يتصف به أزلا .
قال تعالى : « كل يوم هو في شأن » أحوال إلهية في أعيان کيانية بأسماء نسبية عينتها تغييرات كوئية ، فتجلى أحدي العين في أعيان مختلفة الكون ، فرات صورها فيه ، فشهد العالم بعضه بعضا ، في تلك العين ، فمنه المناسب وهو الموافق . ومنه غير المناسب وهو المخالف.    الفتوحات المكية ج2 ص 521 , 305 .
راجع وحدة الوجود - المرايا - فص 2 هامش رقم 4  . أهـ  ""
  
 

ص 389

 

على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله. "18" ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد

…………………………………………………..

18 - إيمان فرعون
قوله تعالى « فقولا له فولا لينا لعله يتذكر أو يخشی »
لعل كلمة ترج والترجي من الله إذا ورد واقع بلا شك ، ولهذا قال العلماء إن كلمة عسي من الله واجبة ، فعلم الله أنه يتذكر ، والتذكر لا يكون إلا عن علم سابق منسي ، فالترجي من الله واقع كما قالوا في عسى ، فإن لعل وعسى كلمتا ترج ، ولم يقل تعالى لموسى وهارون لعله يتذكر أو يخشى في ذلك المجلس ولا بد ، ولا خلصه للاستقبال الأخراوي . 

فإن الكل يخونه في ذلك الموطن ، فجاء بفعل الحال الذي يدخله الاحتمال بين حال الدنيا وبين استقبال التأخير للدار الآخرة ، وذلك لا يكون مخلصا للاستقبال إلا بالسين أو سوف ، ولما كان لعل وعسى من الله واجبتين . 

وقد ترجى من فرعون التذكر والخشية فلابد أن يتذكر فرعون ذلك في نفسه وأن يخشى ، والذي ترجى من فرعون وقع ، لأن ترجیه تعالی واقع ، فآمن فرعون وتذكر وخسي كما أخبر الله فإن تلك الخميرة ما زالت معه تعمل في باطنه - مع الترجي الإنهي الواجب وقوع المترجي - ويتقوى حكمها إلى حين انقطاع يأسه من أتباعه وحال الغرق بينه وبين أطماعه ، فلجأ إلى ما كان مستترا في باطنه من الذلة والافتقار ليتحقق عند المؤمنين وقوع الرجاء الإلهي كما أخبر الله ، 

فقال : « آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين » فأظهر حالة باطنه وما كان في قلبه من العلم الصحيح بالله ، فهذا يدلك على قبول إيمانه لأنه لم ينص إلا على ترجي الذكر والخشية ، لا على الزمان ، إلا أنه في زمان الدعوة ، ووقع ذلك زمان الدعوة في الحياة الدنيا .

الفتوحات ج 2 / 276 ، 417 - ج 3 / 264 ، 533.


«حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين».
لما علم فرعون الحق وأثبت في كلامه بأن موسى عليه السلام مرسل بقوله « إن رسولكم الذي أرسل إليكم لجنون » فإنه ما جاء من نفسه لأنه دعا إلى غيره، فبقيت
 

ص 390


أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها. ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى 
…………………………………………………..

تلك الخميرة عند فرعون تختمر بها عجين طينته ، وما ظهر حكيها ولا اختر عجينه إلا في الوقت الذي قال فيه « آمنت » فتلفظ باعتقاده الذي معه « أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل » وما سمي الله ليرفع اللبس والسك ، إد فد علم الحاضرون أن بني إسرائيل ما آمنت إلا بالإله الذي جاء موسى وهارون من عنده إليهم . 
فاو قال « آمنت بالله » وهو قد قرر أنه ما علم لقومه من إله عيره لقالوا لنفسه شهد لا للذي أرسل موسى إلينا ، كما شهد الله لنفسه ، فرفع هذا اللبس بما قاله . 
عند ذلك أخذ جبريل حال(1) البحر فألقمه في فم فرعون حتى لا يتلفظ بالتوحيد . 

ويسابقه مسابقة غيرة على جناب الحق ، مع علمه بأنه علم أنه لا إله إلا الله . 
وغلبه فرعود فإنه قال كلمة التوحيد بلسانه كما أخبر الله تعالی عنه في كتابه العزيز ، فجاء فرعون باسم الصلة وهو «الذي» ليرفع اللبس عند السامعين ولرفع الإشكال عند الأشكال. 
وهذا هو التوحيد الثاني عشر في القرآن ، وهو توحيد الاستغاثة وهو توحيد الصلة ، فإنه جاء « بالذي » في هذا التوحيد، وهو من الأسماء الموصولة . 
وقدم الهوية في قوله « أنه » ليعيد ضمين « به » عليه ، ليلحق بتوحيد الهوية . 

تم نسم وقال « وأنا من المسلمين » خطاب منه لتحق لعلمه بأنه تعالى يسمعه ويراه ، قال ذلك لما علم أن الإله هو الذي ينقاد إليه ، ولا ينقاد هو لأحد ، أعلم بذلك فرعون ليعلم قومه برجوعه عما كان ادعاه فيهم ، من أنه ربهم الأعلى ، فأمره إلى الله فإنه آمن عند رؤية البأس ، وما نفع مثل ذلك الإيمان فرفع عنه عذاب الدنيا إلا قوم يونس ، ولم يتعرض للآخرة ، ثم إن الله صدقه في إيمانه بقوله « الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين » .

قال تعالى لفرعون « الآن » قلت ذلك ، فأثبت الله بقوله « الآن » أنه آمن عن علم محقق والله أعلم وإن كان الأمر فيه احتمال ، فدل على إخلاصه في إيمانه ، ولو لم يكن مخلصا لقال فيه تعالى كما قال في الأعراب الذين

 

ص 391


أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به. كذلك علم الشرائع، كما 
……………………………………………….

قالوا « آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم » وشهد الله لفرعون بالإيمان ، وما كان الله ليشهد لأحد بالصدق في توحيده إلا وبجازيه به . وبعد إيمانه فما عصى . 
فقبله الله ، إن كان قبله طاهرا، والكافر إذا أسلم وجب عليه أن يغتسل . فكانه غرقه غسلا له وتطهيرا ، حيث أخذه الله في تلك الحال نكال الآخرة والأولى . 
وجعل ذلك عبرة لمن يختي ، وما أشبه إيمانه إيمان من غرعر . 
إن المغرغر موقن بأنه مفارق قاطع بذلك ، وهذا الغرق هنا لم يكن كذلك ، لأنه رأى البحر يبسا في حق المؤمنين ، فعلم أن ذلك لهم بإيمانهم ، فما أيقن بالمون بل غلب على ظنه الحياة ، فليس منزلته منزلة من حضره الموت ، فقال «إني نبت الآن ، ولا هو من الذين يموتون وهم كفار ، 
فأمره إلى الله تعالى ، « فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون » كان حكم آل فرعون في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه . فإنه علم صدق موسی عليه السلام .
وعلم حكم الله في ظاهره بما صدر منه وحكم الله في باطنه بما كان يعقده من صدق موسى فيما دعاهم إليه ، وكان ظهور إيمانه المقرر في باطنه عند الله مخصوصا بزمان مؤقت . لا يكون إلا فيه . وبحالة خاصة . 
فظهر بالإيمان لما جاء زمانه وحاله . 

فغرق قومه آية ، ونجا فرعون ببدنه دون قومه عند ظهور إيمانه آية ، فمن رحمة الله بعباده أن قال « فاليوم ننجيك ببدنك » يعني دون قومك « لتكون لمن خلفك آية » أي علامة لمن آمن بالله ، أي ينجيه الله ببدنه أي بظاهره ، فإن باطنه لم يزل محفوظة بالنجاة من الترك ، لأن العلم أقوى الموانع ، فسوى الله في الغرق بينهم وتفرقا في الحكم . 

فجعلهم سلفا ومشلا للآخرين ، يعني الأمم الذين يأتون بعدهم . وخص فرعون بأن تكون نجاته آية لمن رجع إلى الله بالنجاة ، فإن الحق خاطب فرعون بلسان العتب وأسمعه « الآن » أظهرت ما قد كنت تعلمه «وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين» فهي كلمة بشرى لفرعون . عرفنا الحق بها لنرجو رحمته مع إسرافنا وإجرامنا ، ثم قال "فاليوم ننجيك" ، فبشره قبل قبض روحه ، « ببدنك

 

ص 391



قال تعالى « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » أي طريقا . ومنهاجا أي من تلك
………………………………………………..
لتكون لمن خلفك » يعني لتكون النجاة لمن يأتي بعدك « آية » علامة إذا قالت ما قلته تكون له النجاة مثل ما كانت لك ، وما في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع ولا أن إيمانه لم يقبل ، وإنما في الآية أن بأس الدنيا لا يرتفع عمن نزله به إذا آمن في

حال رؤيته ، إلا ةوم يونس ، فقوله "فاليوم ننجيك ببدئك" ، إذ العذاب لا يتعلق إلا بظاهرك ، وقد أريت الخلق نجاته من العذاب ، فكان ابتداء الغرق عذابا ، فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم يتخللها معصية ، فقبضت على أفضل عمل ، وهو التلفظ بالإيمان ، كل ذلك حتى لا يقنط أحد من رحمة الله ، والأعمال بالخواتيم ، فلم يزل الإيمان بالله يجول في باطن فرعون ، وجاء طوعا في إيمانه ، وما عاش بعد ذلك ، 

فقبض فرعون ولم يؤخر في أجله في حال إيمانه لئلا يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى ، ثم قوله تعالى في تتميم قصته هذه « وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون » وقد أظهرت نجاتك آية أي علامة على حصول النجاة ، فغفل أكثر الناس عن هذه الآية ، وقضوا على المؤمن بالشقاء ، 

وأما قوله تعالی "فأوردهم النار" ، فما فيه نص أنه يدخلها معهم ، بل قال الله « ادخلوا آل فرعون » ولم يقل «أدخلوا فرعون وآله» ورحمة الله أوسع من حيث أن لا يقبل إيمان المضطر ، وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في حال الغرق ، والله يقول «أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء» فقرن للمضطر إذا دعاه الإجابة وكشف السوء عنه ، وهذا آمن خالصا ، وما دعاه في البقاء في الحياة الدنيا خوفا من العوارض أو يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاء به في هذه الحال ، فرجح جانب لقاء الله على البقاء بالتلفظ بالإيمان ، وجعل ذلك الغرق « نكال الآخرة والأولى ، فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج وقبضه على أحسن صفة ، هذا ما يعطيه ظاهر اللفظ ، وهذا معنی قوله « إن في ذلك لعبرة لمن يخشي » يعني في أخذه نكال الآخرة والأولى ، وقدم ذكر الآخرة وأخر الأولى ليعلم أن العذاب ، أعني عذاب الغرق هو نكال الآخرة ، فلذلك قدمها في الذكر على الأولى ، وهذا هو الفضل العظيم . 

الفتوحات ج 2 / 276 ، 410 - ج 3 / 90 ، 164 ، 533 - ج 4 / 60 

 

ص 393 

 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الطريقة جاء. "19"
فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.
فما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر يعني في الصورة: أعني قولي يكون حلالا، وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى، "20"  لأن الأمر خلق جديد و لا تكرار. فلهذا نبهناك. "21"
فكنى عن هذا في حق موسى بتحريم المراضع: فأمه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته، فإن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فتكون فيها و تغذى بدم طمثها من غير إرادة لها في ذلك حتى لا يكون لها عليه امتنان، فإنه ما تغذى إلا بما لو لم يتغذ به ولم يخرج عنها ذلك الدم لأهلكها وأمرضها.
فللجنين المنة على أمه بكونه تغذى بذلك الدم فوقاها بنفسه من الضرر الذي كانت تجده لو امتسك ذلك الدم عندها ولا يخرج ولا يتغذى به جنينها.
والمرضعة ليست كذلك، فإنها قصدت برضاعته حياته و إبقائه. "22"
فجعل الله ذلك لموسى في أم ولادته، فلم يكن لامرأة عليه فضل إلا لأم ولادته لتقر عينها) 

………………………………………………….

19 ، 20 - النسخ

النسخ في الحكم عبارة عن انتهاء مدة الحكم لا على البداء ، فان ذلك يستحيل على الله ، فما كان محرما في شرع ما حلله الله في شرع آخر ونسخ ذلك الحكم الأول في ذلك المحكوم عليه بحكم آخر في عين ذلك المحكوم عليه ، 

قال الله تعالى « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » فالنسخ لا أقول به على حد ما يقولون به ، فإنه عندنا انتهاء مدة الحكم في علم الله ، فإذا انتهى فجائز أن يأتي حكم آخر ، وبذلك يكون النسخ عبارة عن انتهاء مدة ذلك الحكم أعقبه حكم آخر ، لا أن الأول استحال ، بل انقضى لانقضاء مدته ، لارتباطه في الأصل بمدة يعلمها الله معينة .  الفتوحات ج 2 / 164 ، 473 - ج 3 / 61 - ج 4 / 107

 

21 - ملاحظة *
الحرام والحلال حكم الله وحكم الله ليس بمخلوق - فتوحات ج 1 / 44

 

22 - الأم على الحقيقة *
إياك وعقوق الوالدين إن أدركتهما ، فأشقى الناس من أدرك والديه ودخل النار ، 
قال تعالى : " ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ، وقال في الوالدين إذا


ص 394

 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( بتربيته و تشاهد انتشاءه في حجرها، «ولا تحزن».
ونجاه الله من غم التابوت، فخرق ظلمة الطبيعة بما أعطاه الله من العلم الإلهي وإن لم يخرج عنها، و فتنه فتونا أي اختبره في مواطن كثيرة ليتحقق في نفسه صبره على ما ابتلاه الله به.
فأول ما أبلاه الله به قتله القبطي بما ألهمه الله ووفقه له في سره  وإن لم يعلم بذلك، ولكن لم يجد في نفسه اكتراثا بقتله مع كونه ما توقف حتى يأتيه أمر ربه بذلك، لأن النبي معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتى ينبأ أي يخبر بذلك.
ولهذا أراه الخضر قتل الغلام فأنكر عليه قتله ولم يتذكر قتله القبطي فقال له الخضر «ما فعلته عن أمري» ينبهه على مرتبته قبل أن ينبأ أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر وإن لم يشعر بذلك. )

……………………………………………………..

كانا كافرين «وصاحبهما في الدنيا معروفا » وقال « أن اشكر لي ولوالديك ، ورجح الأم وقدمها في الإحسان والبر على ابيك ، ثبت أن رجلا قال لرسول الله و من أبر ؟ قال له أمك ، ثم قال له من أبر ؟ 
قال أمك ، ثلاث مرات ، ثم قال في الرابعة من أبر ؟ قال أمك ثم أباك ، فقدم الأم على الأب في البر وهو الإحسان ، كما قدم الجار الأقرب على الأبعد، ولكل حق . فتوحات ج 2 / 354 - ج 4 / 478.

 
 ويقول في كتابه « إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن » في تفسير قوله تعالى : « والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين » أمر خرج مخرج الخبر ، يقول حق على الوالدة رضاع ولدها ، والذي يقول إنه لا يجب عليها لقوله تعالى : " فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" ، وأنه إنما يجب على المولود له وهو الأب ، يقول پإيجابه إذا لم يقبل غير ثدي أمه أو يكون الوالد معسرة ، فالقرآن أوجب الرضاعة على الأم ، وأوجب على الأب نفقة الأم وكسوتها ما دامت ترضعه ، وذلك بالمعروف ، وهو أن لا تكلفه إلا على قدر ما يجده ولا تضاره ولا يضارها الأب بأن يأخذه منها بعد تألفه بها لتسقط عنه بذلك النفقة وما يجب لها ، وكل ضرر يتعلق بسبب الولد من كل واحد منهما بصاحبه ، 

وقوله « حولين » يقول سنتين ، وقوله « کاملين » رفعا للتجوز الذي يدخل الكلام في ذلك ، تقول في بعض اليوم الثاني : ما رأيت فلانة منذ يومين - من قبل أن ينقضي اليوم الثاني - فإذا قال « کاملين » رفع هذا الالتباس ، ولذلك قال " لمن أراد أن يتم الرضاعة "

 

ص 395

 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأراه أيضا خرق السفينة التي ظاهرها هلاك و باطنها نجاة من يد الغاصب.
جعل له ذلك في مقابلة التابوت له الذي كان في اليم مطبقا عليه. فظاهره هلاك و باطنه نجاة.
و إنما فعلت به أمه ذلك خوفا من يد الغاصب فرعون أن يذبحه صبرا  وهي تنظر إليه، مع الوحي الذي ألهمها الله به من حيث لا تشعر.
فوجدت في نفسها أنها ترضعه فإذا خافت عليه ألقته في اليم لأن في المثل «عين لا ترى قلب لا يفجع».
فلم تخف عليه خوف مشاهدة عين، ولا حزنت عليه حزن رؤية بصر، وغلب على ظنها أن الله ربما رده إليها لحسن ظنها به.
فعاشت بهذا الظن في نفسها، والرجاء يقابل الخوف واليأس، وقالت حين ألهمت لذلك لعل هذا هو الرسول الذي يهلك فرعون والقبط  )

……………………………………………….
والعامل في قوله « لمن » يرضعن ، فما أوجب سبحانه إتمام الرضاعة له ، ثم قال « وعلى المولود له » يريد الأب دون الأم ، فإن الولد للأب ۰۰۰ فلهذا أضيف إلى الأب ، وإذا أضيف الولد إلى أمه فمن كونه يكون في رحمها وكان غذاؤه منها في مدة كونه في بطنها :

وإنما أمهات الناس أوعية ومستودعات وللأبناء آباء وقوله : " وعلى الوارث مثل ذلك "، أحسن التأويلات فيه ، أن يكون المعني بالوارث الولد إذا مات أبوه ، أنفق عليه مما يرثه من أبيه من ماله ، 

وقوله : « مثل ذلك ، أي مثل ما كان يجب على الأب من النفقة والكسوة لمن يرضعه ، وقوله « فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ، يقول فإن أراد والداه بعد أن عرفا التحديد على أكمل الوجوه بذكر الحولين لمن أراد تميم الرضاعة ، يقول فإن تراضيا وتشاورا على فصاله أي فطامه من الرضاعة ، فلا جناح عليهما ، وسبب ذلك أن الأم أعلم بمصالح الصغير وتربيته فينبغي أن لا يكون الفصال إلا بعد مشورتها ومشورة الأب ورضاه لما يلزمه على ذلك ، فإذا رأيا الزيادة أصلح بالطفل زادا ، أو النقص من الحولين اتفقا على ذلك ، للحق الذي لكل واحد منهما في الولد …….
ورفع الله الإثم عن الأبوين في الزيادة والنقص عن التحديد الذي حد الله من النقص والتمام « وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم » الآية ، يقول إن امتنعت الأم عن رضاع ولدها ، إما إباية أو لعذر قام بها من انقطاع لبن أو فساده

 

ص 396


على يديه.  فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر إليها، وهو علم في نفس الأمر. "22"
ثم إنه لما وقع عليه الطلب خرج فارا خوفا في الظاهر، وكان في 

………………………………………………….

لمرض يخاف على الصبي إن شرب منه ، فأردتم أن تسترضعوا من يرضع أولادكم من النساء وهي الظئر،  "" الظئر الأم الراضعة لطفل غيرها""

فحذف أحد المفعولين « فلا جناح عليكم » يقول فلا حرج عليكم في دلك « إذا » شرطا ، يقول « سلمتم ما آتيتم بالمعروف » والتسليم الإعطاء بسهولة والانقياد إلى ذلك ۰۰۰ يقول إذا قبضتم الظئر ما آتيتم القدر الذي تعطونها من الأجرة على ذلك « بالمعروف » بالوجه المشروع من السماحة في العطاء والمبادرة إليه من غير نقص مما وقع عليه الاتفاق بينكم من غير مطل .

 

23 - « وأوحينا إلى أم موسی ۰۰.» *
الوحي هو المفهوم الأول والإفهام الأول ، ولا أعجل من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه . 
ألا ترى أن الوحي هو السرعة ، ولا سرعة أسرع مما ذكرناه ، فهذا الضرب من الكلام يسمى وحيا ، ولما كان بهذه المثابة وأنه تجل إلهي كان الوحي ما يسرع أثره من كلام الحق تعالى في نفس السامع ، ولهذا لا يتصور المخالف إذا كان الكلام وحیا ، فإن سلطانه أقوى من أن يقاوم "وأوحينا إلى ام موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم" ، 

وكذلك فعلت ولم تخالف مع أن الحالة تؤذن أنها ألقته في الهلاك ، فلم تخالف ولا ترددت ولا حكمت عليها البشرية بأن إلقاءه في اليم في تابوت من أخطر الأشياء ، فدل على أن الوحي أقوى سلطانا في نفس الموحى إليه من طبعه الذي هو عين نفسه ، فانظر في نفسك في التردد أو المخالفة فإن وجدت لذلك أثرا بتدبير أو تفصيل أو تفكر فلست صاحب وحي ، فإن حكم عليك وأعمالك وأصمك وحال بين فكرك وتدبيرك وأمضى حكمه فيك فذلك هو الوحي وأنت عند ذلك صاحب وحي . فتوحات ج 2 / 78
هذا المعنى يخالف تماما ما جاء في هذه الفقرة من وصف أم موسی بـ : لعل وغلبة الظن والتوهم إلى غير ذلك .

ص 397

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 5:33 am

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه 
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية               الجزء الثالث
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( المعنى حبا للنجاة.
فإن الحركة أبدا إنما هي حبية، ويحجب الناظر فيها بأسباب أخر، وليست تلك."24"
وذلك لأن الأصل حركة العلم من العدم الذي كان ساكنا فيه إلى الوجود، ولذلك يقال إن الأمر حركة عن سكون: فكانت الحركة التي هي وجود العالم حركة حب.
وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله «كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف ».  فلولا هذه المحبة ما ظهر العالم في عينه.
فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب الموجد لذلك: ولأن العالم أيضا يحب شهود نفسه وجودا كما شهدها ثبوتا، فكانت بكل وجه حركته من العدم الثبوتي إلى الوجود حركة حب من جانب الحق وجانبه : "25" فإن الكمال محبوب لذاته، وعلمه تعالى بنفسه من حيث هو غني عن العالمين، هو له.
وما بقي إلا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الذي يكون من هذه الأعيان، أعيان العالم، إذا وجدت.
فتظهر صورة الكمال بالعلم المحدث والقديم فتكمل مرتبة العلم بالوجهين، وكذلك تكمل مراتب الوجود: 
……………………………………………...
24 - فرار موسی علیه السلام
قال هذا الكلام موسى عليه السلام لفرعون و آله ، فإنه لما وقع من موسى عليه السلام ما وقع من قتل القبطي ففر إلى النجاة التي يمكن أن تحصل له بالفرار ، فإنه علم أن الله وضع الأسباب وجعل لها أثرا في العالم بما يوافق ألأغراض وبما لا يوافقها وبما يلایم الطبع وبما لا يلائمه ، فرأى أن الفرار من الأسباب الإلهية الموضوعة في بعض المواطن لوجود النجاة ، فهو فرار طبيعي لأنه ذكر أن الخوف من السبب جعله يفر ، لكنه معري عن التعريف بما ذكرناه من الوضع الإلهي فإن هذا كان قبل نبوته ومعرفته بما يريده الحق به ، ويحتمل أن يكون فرار موسى عليه السلام الذي علله بالخوف من فرعون وقومه ، ما كان خوفه إلا من الله أن يسلطهم عليه إذ له ذلك ، فإنه فعال لما يريد ولا يدري ما في علم الله ، فكان فراره إلى ربه ليعتز به . 
فتوحات ج 2 / 155 - ج 3 / 125 ، 264 - ج 4 / 183  
 
25 – الحب سبب وجود العالم
راجع فص 1، هامش 3، ص 23 
راجع فص 10، هامش 26، ص 154
 
""  3 - الحب سبب وجود العالم              فص 1، هامش 3، ص 23 
لما لم يكن علم الله تعالى بالعالم إلا علمه بنفسه إذ لم يكن في الوجود إلا هو.
فما ظهر في الكون إلا ما هو عليه في نفسه ، فلابد أن يكون العالم على صورته ، وصورة العالم على قدر الحضرة الإلهية الأسمائية ، فما في الحضرة الإلهية اسم إلهي إلا وهو على قدر أثره في نشء العالم من غير زيادة ولا نقصان ، فخلق الله العالم
في غاية الإحكام والإتقان كما قال الإمام أبو حامد الغزالي من أنه لم يبق في الإمكان أبدع من هذا العالم ..
فطابق العالم الأسماء الإلهية ، وكأنه تعالى كان باطنا فصار بالعالم ظاهرا ، فعرف نفسه شهودة بالظاهر بقوله : "فأحببت أن أعرف" - الحديث .
ولما أظهر العالم في عينه كان مجلاه ، فما رأي فيه غير جماله ، فالعالم جمال الله، فهو تعالى الجميل المحب الجمال ، ورد في الخبر الصحيح في صحيح مسلم عن رسول الله مع أنه قال : "إن الله جميل يحب الجمال"، فأوجد الله العالم في غاية الجمال والكمال خلقا وإبداعا ، فإنه تعالى يحب الجمال ، وما ثم جميل إلا هو ، فأحب نفسه ثم أحب أن يرى نفسه في غيره ، فخلق العالم على صورة جماله ونظر إليه فأحبه حب من قيده النظر ، فما خلق الله العالم
إلا على صورته ، فالعالم كله. جميل وهو سبحانه يحب الجمال.
كلمة الحضرة الإلهية وهي كلمة « کن » : لله تجل في صورة تقبل القول والكلام بترتيب الحروف ، « فكن » عين ما تكلم به فظهر عنه الذي قيل له كن ، فعين الأمر عين التكوين ، وما ثم أمر إلهي إلا كن ، فإذا نظرت إلى تكون العالم من النفس الرحماني الظاهر من محبة الله أن يعرفه خلقه ، علمت أن ما في العالم أو ما هو العالم سوی کلمات الله ، وكلمات الله أمره ، وأمره واحدة كلمح البصر أو هو أقرب .
وعلمت اختصاص كلمة الحضرة من الكلمات بكلمة كن لكل شيء مع اختلاف ما ظهره فليس الكون بزائد على كن بواوها الغيبية ، فظهر الكون على صورة كن ، وكن أمره وأمره كلامه وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته ، فليس للحق منزه ولا مجلي إلا العالم.
راجع الفتوحات المكية  ج2 /111 , 345 , 399 , 401 , 402 , 403
ج3/ 151 , ج4/ 269
 
26 - الحب سبب وجود العالم       فص 10، هامش 26، ص 154
الحب أصل سبب وجود العالم والسماع سبب كونه ، و بهذا الحب وقع التنفس. وأظهر العالم نفس الرحمن لإزالة حكم الحب ( الكرب ) وتنفس ما يجد المحب. وخرج ذلك النفس عن أصل محبة في الخلق الذي يريد أن يتعرف إليهم ليعرفوه .
فتوحات ج 2 / 111 ، 428  . راجع فص 1 هامش 3 ص 23   ""
 
 
ص 398
 
فإن الوجود منه أزلي و غير أزلي وهو الحادث.
فالأزلي وجود الحق لنفسه، و غير الأزلي وجود الحق بصورة العالم الثابت.
فيسمى حدوثا لأنه ظهر بعضه لبعضه وظهر لنفسه بصور العالم.
فكمل الوجود فكانت حركة العالم حبية للكمال فافهم. "26"
ألا تراه كيف نفس عن الأسماء الإلهية ما كانت تجده من عدم ظهور آثارها في عين مسمى العالم، فكانت الراحة محبوبة له ، و لم يوصل إليها إلا بالوجود الصوري الأعلى 
……………………………………………..
26 - كمال مرتبة العلم والوجود
اعلم أن العقل والحقيقة نقسم الوجود إلى ما له أول وإلى ما لا أول له ، وهو کمال الوجود ، فإذا كان ما لا أول له موجودا وهو الله تعالى ، والذي لم يكن ثم کان ويقبل الأولية الحادثة ليس بموجود ، فما كمل الوجود ما لم يكن هذا موجودا ، وذلك قوله تعالی لبعض أنبيائه وفد سأله لم خلقت الخلق ؟ 
فقال : « کنت کنزا مخفيا لم أعرف فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني » وذلك أن العلم بالله ينقسم إلى قديم وإلى محدث ، فعلم الله نفسه وألوهيته بالعلم القديم ، ونقص من مراتب الوجود العلمي العلم المحدث ، فخلق الخلق فتعرف إليهم فعرفوه بقدر ما يعطيه استعدادهم ، فوجد العلم المحدث فكملت مراتب العلم بالله في الوجود ، الا أن الله تعالى يكمل بعلم العباد .
واعلم أن الله تعالى ما خلق العالم لحاجة كانت له إليه ، وإنما خلقه دليلا على معرفته ليكمل بذلك ما نقص من مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة ، فلم يرجع إليه سبحانه في خلقه وصف كمال لم يكن عليه ، بل له الكمال على الإطلاق ، ولا أيضا كان العالم في خلقه مطلوبا لنفسه ، لأنه ما طرأ عليه من خلقه صفة كمال ، بل له النقص الكامل على الإطلاق سواء خلق أو لم يخلق ، بل كان المقصود ما ذكرناه مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة أن تكمل بوجود العالم وما خلق الله فيه من العلم بالله، لما أعطاه التقسيم العقلي ، فأراد الله سبحانه أن يعرف بالمعرفة الحادثة لتكمل مراتب المعرفة ويكمل الوجود بوجود المحدث ، ولا يمكن أن يعرف الشيء إلا نفسه أو مثله، فلا بد أن يكون الموجود الحادث الذي يوجده الله للعلم به على صورة موجده، حتى يكون كالمثل له ، فلو لم يكن في العالم من هو على صورة الحق ما حصل
 
 
ص 399
 
والأسفل.
فثبت أن الحركة كانت للحب، فما ثم حركة في الكون إلا و هي حبية."27"
فمن العلماء من يعلم ذلك ومنهم من يحجبه السبب الأقرب لحكمه في الحال واستيلائه على النفس.
فكان الخوف لموسى مشهودا له بما وقع من قتله القبطي، وتضمن الخوف حب النجاة من القتل. ففر لما خاف، و في المعنى ففر لما أحب النجاة من فرعون و عمله به.
فذكر السبب الأقرب المشهود له في الوقت الذي هو كصورة الجسم للبشر.
وحب النجاة مضمن فيه تضمين الجسد للروح المدبر له. "28"
والأنبياء لهم لسان الظاهر به يتكلمون لعموم الخطاب، واعتمادهم على فهم العالم السامع.
فلا يعتبر الرسل إلا العامة لعلمهم بمرتبة أهل الفهم، كما نبه عليه السلام على هذه المرتبة في العطايا فقال «إني لأعطي الرجل و غيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار».
فاعتبر الضعيف العقل والنظر الذي غلب عليه الطمع والطبع.
فكذا ما جاءوا به من العلوم جاءوا به وعليه خلعة أدنى الفهوم ليقف من لا غوص له عند الخلعة، فيقول ما أحسن هذه الخلعة ويراها غاية الدرجة.
ويقول صاحب الفهم الدقيق الغائص على درر الحكم بما استوجب هذا «هذه الخلعة من الملك». فينظر في قدر الخلعة وصنفها من الثياب، فيعلم منها قدر من خلعت عليه، فيعثر على علم لم يحصل لغيره ممن لا علم له بمثل هذا.
ولما علمت الأنبياء والرسل والورثة أن في العالم وأممهم من هو بهذه المثابة، عمدوا في العبارة إلى اللسان الظاهر الذي يقع فيه اشتراك الخاص والعام، 
……………………………………………………….
المقصود من العلم بالحق ، أعني العلم الحادث في قوله « کنت کنزا لم أعرف » فجعل تقسه کنزا ، والكنز لا يكون إلا مكتنزة في شيء فلم يكن كنز الحق نفسه إلا في صورة الإنسان الكامل في شيئيته وثبوته ، هناك كان الحق مكنوزا ، فلما كسا الحق الإنسان ثوب شيئية الوجود ، ظهر الكنز بظهوره ، فعرفه الإنسان الكامل بوجوده . وعلم أنه كان مكنوزا فيه في شيئية ثبوته وهو لا يشعر به ، فسبب وجود الممكنات کمال مراتب الوجود الذاتي والعرفاني لا غير . 
کتاب عقلة المستوفز - فتوحات ج 1 / 45 - ج 2 / 670 - ج 3 / 133 ، 266 ، 267 
 
27 - محاضرة الأسماء
راجع فص 1، هامش 2، ص 20 -  فص 15 ، هامش 23، ص 241
الحب سبب وجود العالم - راجع فص 1، هامش 3، ص 23 
 
""  2 - محاضرة الأسماء و تحاورها           فص 1، هامش 2، ص 20
اجتماع الأسماء في حضرة المسمى وظهور أحكامها
إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت في حقائقها ومعانيها ، فطلبت ظهور أحكامها حتى تتميز أعيانها بآثارها.
فإن الخالق الذي هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحيني والميت والوارث والشکور .
وجميع الأسماء الإلهية نظروا في ذواتهم ولم يروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.
فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي تظهر أحكامنا فيها فيظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهية التي تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عينه إلى الاسم البارئ فقالوا له : " عسى أن توجد هذه الأعيان لتظهر أحكامنا وينبت سلطاننا إذ الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا " .
فقال الباريء : « ذلك راجع إلى الاسم القادر فإني تحت حيطته ».
وكان أصل هذا أن الممكنات في حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال حال ذلة وافتقار .
وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا وعن معرفة مايجب لكم من الحق علينا، فلو أنكم أظهرتم أعیاننا و کسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الجلال والتعظيم ، وأنتم أيضا كانت السلطنة تصح لكم في ظهورنا بالفعل ، واليوم .أتم علينا.
سلاطين بالقوة والصلاحية، فهذا الذي نطلبه منكم. هو في حقكم أكثر منه في حقنا.
فقالت الأسماء : إن هذا الذي ذكرته الممكنات صحیح فتحركوا في طلب ذلك ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .
قال القادر : أنا تحت حيطة المزيد فالا أوجد عينا منكم إلا باختصاصه ، ولا يمكنني الممكن من نفسه إلا أن يأتيه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتكوين وقال له کن مکنني من نفسه و تعلقت بإيجاده فكونته من حينه.
فلجأوا إلى الاسم المريد ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه في إيجاد أعيانبا فأوقف أمر ذلك عليك فما ترسم ؟
وقال المريد صدق القادر. ولكن ما عندي خبر ما حكم الأمم العالم فيكم ، هل سبق علمه بإيجادکم فنخصص أو لم يسبق؟
فأنا تحت حيطة الاسم العالم ، فسيروا إليه واذكروا له قضيتكم.
فساروا إلى الاسم العالم وذكروا ما قاله الأسم المريد .
فقال العالم : صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ؛ ولكن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي الاسم الله .
فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء كلها في حضرة الله .
فقال : ما بالكم ؟
فذكروا له الخبر .
فقال : أنا اسم جامع لحقائقكم وإني دليل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه، فقفوا حتى أدخل على مدلولي ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممكنات وما تحاورت فيه الأسماء.
 فقال : اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بما تقتضيه حقیقته في الممكنات فإني الواحد لنفسي من حيث نفسي ، والممكنات إنما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة لا لي إلا الواحد خاصة فهو اسم خصيص بي لا يشاركني في حقيقته من كل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات.
فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للممکنات والأسماء، فذكر لهم ما ذكره المسمى ، فتعلق العالم والمريد والقائل والقادر .
فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم ، فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إليه من الأسماء ، فادي إلى منازعة وخصام.
فقالوا : إنا نخاف علينا، أن يفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذي كنا فيه .
فنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الأسم العلم والمدبر.
وقالوا : أنتم أيها الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إليه يحفظ علينا وجودا وتحفظ عليكم تأثيراتكم فينا ، لكان أصلح لنا ولكم ، فالجأوا إلى الله عسى يقدم من يحد لكم حدا تقفون عنده وإلا، هلكنا وتعطلتم .
فقالوا : هذا عين المصلحة وعين الرأي ، ففعلوا ذلك .
فقالوا : إن الاسم المدبر هو ينهي أمركم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .
فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .
وقال له : افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان هذه الممكنات .
فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزير الواحد الاسم المدبر ،والوزير الآخر المفصل.
قال تعالى : يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربکم توقنون، الذي هو الإمام، فانظر ما أحكم کلام الله تعالى ، حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة ليبلوكم أيهم أحسن عملا .
محاضرة الأسماء في حضرة الذات ... دليل على الماضي دليل على الآتي
أقول بها والكون يعطي وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات
فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من يدري وجود لأثبات
ويقول في موطن آخر :
اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهية لما كانت بأيديهم مقاليد السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقي كل سادن بمقلاده لا يجد ما يفتح .
فقالوا : يا للعجب خزان بمفاتيح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقاليد ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذين أعطونا هذه المقاليد ولم يعرفونا المخازن التي تكون عليها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعينها لكم إن شاء الله تعالى ، ولكن تعالوا نصل إلى من بقي من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهي إمام الأئمة ، فاجتمع الكل وهم بالإضافة إلى الإمام.
المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجميع ببابه فبرز لهم.
 وقال : ما الذي جاء بكم ؟
فذكروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى يضعوا كل مقلاد على بابه ، فقال : أين الإمام المخصص ؟
 فبادر إليه المريد ، فقال له : أليس الخبر عندك وعند العليم ؟
فقال له نعم ، قال : فإن كان فأرح هؤلاء مما هم فيه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العليم والمريد : أيها الإمام الأكمل .
 قل الإمام القادر يساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعينا أخويكما فيما هما بسبيله.
فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .
فقالا للجواد : عزمنا على إيجاد الأكوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتك حضرة الجود.
فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غاية الإحكام والإتقان ، فلم يبق في الإمكان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .
ولو بقي أبدع منه لكان الجواد قد بخل بما لم يعط وأبقاه عنده من الكمال ، ولم يصح عليه إطلاق اسم الجواد وفيه شيء من البخل .
فليس اسم الجواد عليه فيما أعطى بأولى من اسم البخيل عليه فيما أمسك ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخيل عليه محال ، فكونه أبقى عنده ما هو أكمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.
راجع فتوحات ج 1 / 323 – ج 2 / 556  , كتاب إنشاء الجداول والدوائر.



23 - محاضرة الأسماء ومحاوريها      فص 15 ، هامش 23، ص 241
يقول الشيخ في كتابه « عنقاء مغرب » في باب محاضرة أزلية على نشأة أبديه : اجتمعت الأسماء بحضرة المسمى اجتماعا كريما وتريا منزهة عن العدد ، من غير مادة الأمد ، فلما أخذ كل اسم فيها مرتبته ، ولم يتعد منزلته ، فتنازعوا الحدت دون محاورة ، وأشار كل اسم إلى الذي يجانبه دون ملاصقة ومجاورة ، وقالت . 
يا ليت شعرنا ، هل يتضمن الوجود غيرنا ، فما عرف أحد منهم ما يكون ، إلا اسان أحدهما العلم المكنون ، فرجعت الأسماء إلى الاسم العليم الفاضل : وقالوا أنت لنا الحكم العادل، فقال نعم " باسم الله"، وأشار إلى الاسم الجامع « الرحمن » وأشار إلى الاسم التابع «الرحيم»، وأشار إلى الاسم العظيم وصلى الله» ورجع إلى الاسم الجامع من جهة الرحمة « على النبي » وأشار إلى الاسم الخبير والعلي" ، بمحمد الكريم ، وأشار إلى الاسم الحميد « خاتم الأنبياء وأول الأمة، وصاحب لواء الحمد والنعمة » فنظر في الأسماء من لم يكن له فيما ذكره العليم حظ ، ولا جرى عليه من اسسه التكريم لفظ ، وقال العليم ، من ذا الذي صليت عليه ، وأثرت في كلامك إليه ، وقرنته بحضرة جمعنا (قرن الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) .
 
 وقرعت به باب سمعنا ، ثم خصصت بعضنا بالإشارة والتقييد، إلى اسمه الرحيم والحميد ، فقال لهم يا عجبا ، وهذا هو الذي سألتموني عنه أن أبينه لكم تحقيقا ، وأوضح لكم إلى معرفته طريقا ، هو موجود يضاهيكم في حضرتكم ، وتظهر عليه آثار نفحتكم، فلا يكون في هذه الحضرة شيء إلا ويكون فيه ، ويحصله ويستوفيه ، ويشارككم في أسمائكم ، ويعلم بي حقائق انبائكم ، وعن هذا الوجود المذكور الصادر من حضرتكم ، وأشار إلى بعض الأسماء منها الجود والنور يكون الكون ، والكيف والأين ، وفيه تظهر بالاسم الظاهر حقائقكم ، وإليه بالاسم المنان وأصحابه تستد رقائقكم ، فقالت تنبيها على أمر لم يكن به عليما ، وكان هذا الاسم - وأشارت إلى المفضل - علينا عظيما ، فمتى يكون هذا الأمر ، ويلوح هذا السر ؟ 
 
فقال سألتم الخبير ، واهتديتم بالبصير ، ولسنا في زمانه ، فيكون بيننا وبين هذا الكون مدة وأوان ، فغاية الزمان في حقنا ملاحظة المشيئة حضرة التقديم ، فتعالوا نسأل هذا الاسم الإحاطي في جنسه ، المنزه في نفسه ، وأشارت إلى المريد ، فقيل له متى يكون عالم التقييد في الوجود الذي يكون لنا فيه الحكم والصولة، ونجول بظهور آثارنا عليه في الكون على ما ذكره الاسم الحكيم جولة ؟ 
فقال المريد وكان به قد كان ، ويوجد في الأعيان ، وقال الاسم العليم ویسی بالإنسان ، ويصطفية الاسم الرحمن ، ويفيض عليه الاسم المحسن وأصحابه سوابغ الإحسان ، فأطلق الاسم الرحمن محياه ، وحيا الاسم المحسن وبیاه ، وقال نعم الأخ ونعم الصاحب ، وكذلك الاسم الواهب ، فقام الاسم الوهاب ، فقال وأنا المعطي بحساب وبعير حساب . 
فقال الاسم الحسيب ، أقيد عليكم ما تهبونه ، وأحسب عليكم ما تعطونه ، بشهادة الاسم الشهيد ، فإنه صاحب الضبط والتقييد ، غير أن الاسم العليم قد يعرفی المعطى له ما يحصل له في وقت ، ويبهم عليه الاسم المريد في وقت إبهامه يعلمه ولا يمضيه ، ويأمر بالشيء ويريد ضده فلا يقضيه ، فلا زوال لي عنكما ، ولا فراق لي منكما ، فأنا لكم لزيم ، فنعم الجار والحميم ، فتوزعت الأسماء كلها مملكة العبد الإنساني، على هذا الحد الرباني وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذائية بحقائقها . 
وبينت حكم مسالكها وطرائقها ، وتعجلت وجود هذا الكون ، رغبة في أن يظهر لهم عين ، فلجأوا إلى الاسم المريد ، الموقوف علیه تخصيص الوجود ، وقالوا سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا ، والذات التي شملتنا ، إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردته ، وأنت يا قادر سألناك بذاك إلا ما أوجدته ، وأنت یا حکیم سألناك بذلك إلا ما أحكمته ، وأنت يا رحمن سألناك بذاك إلا ما رحمته ، ولم نزل الأساء تسأل كلها واحدة واحدة ، قائما وقاعدة ، فقال القادر يا إخواننا على المريد بالتعلق وعلي بالإيجاد ، وقال الحكيم على القادر بالوجود وعلي" بالإحكام . 
 
فقام الرحمن وقال علي بصلة الأرحام فإنه شجنة مني فلا صبر لها عني ، فقال له القادر كل ذلك تحت حكمي وقهري ، 
فقال له القاهر لا تفعل إن ذلك لي وأنت خادمي ، وإن كنت صاحبي وحميمي ، فقال العليم أما الذي قال تحت حكمي فليقدم علي . 
فتوقف الأمر على جميع الأسماء ، وأن بجملتها يصح وجود عالم الأرض والسماء ، وما بينهما إلى مقام  الأستواء ، ولو فتحنا عليك باب توقفها والتجاء بعضها إلى بعض لرأيت أمرا يهولك منظره ، ويطيب لك خبره ، ولكن فيما ذكرناه ، تنبيه على ما سكتنا عنه وتركناه .
 
ولنرجع ونقول والله يقول الحق ويهدي السبيل ، فعندما وقع هذا الكلام الأنفس ، في هذا الجمع الكريم الأقدس ، تعطشت الأسماء إلى ظهور آثارها في الوجود ، ولاسيما الاسم المعبود ، ولذلك خلقهم سبحانه وتعالى ليعرفوه بما عرفهم ، ويصفوه بما وصفهم .
فقال « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون » فلجأت الأسماء كلها إلى اسم الله الأعظم ، والركن القوي الأعصم .
فقال ما هذا اللجاء ولأي شيء هذا الالتجاء ، فقالت أيها الإمام الجامع ، لما نحن عليه من الحقائق والمنافع ، ألست العالم أن كل واحد منا في نفسه على حقيقة ، وعلى سنة وطريقة ، وقد علمت يقينا أن المانع من إدراك الشيء مع وجود النظر ، کونك فيه لا اكثر ، ولو تجرد عنك بمعزل لرأيته ، وتنزهت بظهوره وعرفته .
ونحن بحقائقنا متحدون لا نسمع لها خبرا ، ولا نرى لها أثرا، ولو برز هذا الوجود الكوني ، وظهر هذا العالم الذي يقال له العلوي والسفلي ، لامتدت إليه رقائقنا ، وظهرت فيه حقائقنا ، فكنا نراه مشاهدة عين ، لما كان منا في أین ، وفي حال فصل وبين ، ونحن باقون على تقديسنا من الأينية ، وتنزيهنا عن إحاطتهم بنا من جهة الماهية والكيفية ، فغايتهم أن يستدلوا برقائقها على حقائقنا استدلال مثال ، وطروق خیال ، وقد لجأنا إليك مضطرين ، ووصلنا إليك قاصدين ، فلجأ الاسم الأعظم إلى الذات ، كما لجأت إليه الأسماء والصفات ، وذكر الأمر ، وأخبر السر ، فأجاب نفسه المتكلم بنفسه العليم ، لك ذلك .
قد كان بالرحمن ، فقل للاسم المريد يقول للاسم القائل يأمر بكن ، والقادر يتعلق بإيجاد الأعيان فيظهر ما تمنيتم ، ويبرز لعیانكم ما اشتهيتم ، فتعلقت الإرادة والعلم والقول والقدرة ، فظهر أصل العدد والكثرة، وذلك من حضرة الرحمة وفيض النعمة .""
  
الحب سبب وجود العالم – راجع هامش 25   
 
28 ، 29 - راجع هامش 24
 
ص 400
 
فيفهم منه الخاص ما فهم العامة منه وزيادة مما صح له به اسم أنه خاص، فيتميز به عن العامي. فاكتفى المبلغون العلوم بهذا.
فهذا حكمة قوله عليه السلام «ففررت منكم لما خفتكم»، ولم يقل ففررت منكم حبا في السلامة والعافية. "29"
فجاء إلى مدين فوجد الجاريتين «فسقى لهما» من غير أجر، «ثم تولى إلى الظل» الإلهي فقال «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» فجعل عين عمله السقي عين الخير الذي أنزله الله إليه، ووصف نفسه بالفقر إلى الله في الخير الذي عنده.
فأراد الخضر إقامة الجدار من غير أجر فعتبه على ذلك، فذكره سقايته من غير أجر، "30" إلى غير ذلك مما لم يذكر حتى تمنى صلى الله عليه وسلم أن يسكت موسى عليه السلام ولا يعترض حتى يقص الله عليه من أمرهما فيعلم بذلك ما وفق إليه موسى من غير علم منه.
إذ لو كان على علم ما أنكر مثل ذلك على الخضر الذي قد شهد الله له عند موسى وزكاه وعدله . ومع هذا غفل موسى عن تزكية الله وعما شرطه عليه في اتباعه، رحمة بنا إذا نسينا أمر الله.
ولو كان موسى عالما بذلك لما قال له الخضر «ما لم تحط به خبرا» أي إني على علم لم يحصل لك عن ذوق كما أنت على علم لا أعلمه أنا. فأنصف.
وأما حكمة فراقه فلأن الرسول يقول الله فيه «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا». فوقف العلماء بالله الذين يعرفون قدر الرسالة والرسول عند هذا القول.
وقد علم الخضر أن موسى رسول الله فأخذ يرقب ما يكون منه ليوفي الأدب حقه مع الرسول: فقال له «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني» فنهاه عن صحبته.
فلما وقعت منه الثالثة قال: «هذا فراق بيني و بينك».
ولم يقل له موسى لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه بقدر الرتبة التي هو فيها التي نطقته بالنهي عن أن يصحبه.
فسكت موسى ووقع الفراق. فانظر إلى كمال هذين الرجلين في العلم وتوفيقة الأدب الإلهي حقه وإنصاف الخضر فيما اعترف به عند موسى عليه السلام حيث قال له «أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، و أنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا».
فكان هذا الإعلام في الخضر لموسى دواء لما جرحه به في قوله «وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا» مع علمه بعلو رتبته بالرسالة، و ليست تلك الرتبة للخضر. "31"  و ظهر ذلك في الأمة 
……………………………………………..
30 - راجع هامش 31 
 
31 - الخضر وموسى عليهما السلام *
« فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما » « فوجدا » تنبيها من الله وتأديبا لموسى عليه السلام لما جاوزه من الحد في  
 
ص 401
 
المحمدية في حديت إبار النخل، فقال عليه السلام لأصحابه « انتم أعلم بمصالح 
………………………………………………..
إضافة العلم إلى نفسه ، بأنه أعلم من في الأرض في زمانه ، فلو كان عالما لعلم دلالة الحق التي هي عين اتخاذ الحوت سربا ، وما علم ذلك ، وقد علمه يوشع و نستاه الله التعريف بذلك ، 
ليظهر لموسى عليه السلام تجاوزه الحد في دعواه ، ولم يرد ذلك إلى الله في علمه في خلقه «عبدا من عبادنا ، فأضافه إلى نون الجمع ، وهو خضر واسمه بلیا بن ملکان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام ، كان في جيش ، فبعثه أمير الجيش يرتاد لهم ماء ، 
وكانوا قد فقدوا الماء ، فوقع بعين الحياة ، فشرب منه فعاش إلى الآن، وكان لا يعرف ما خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء « آتيناه رحمة من عندنا » الرحمة تقدم بين يدي العلم تطلب العبد ثم يتبعها العلم ، فالعلم يستصحب الرحمة بلا شك ، فإذا رأيت من بدعي العلم ولا يقول بشول الرحمة ، فما هو صاحب علم ، وهذا هو علم الذوق لا علم النظر ، 
قال تعالى في حق عبده خضر « آتيناه رحمة من عندنا » فقدم الرحمة على العلم ، وهي الرحمة التي في الجبلة ، جعلها فيه ليرحم بها نفسه وعباده ، فيكون في حق الغلام رحمة أن حال بينه وبين ما يكتسبه لو عاش من الآثام ، 
إذ قد كان طبع کافرا ، وأما رحمته بالملك الغاصب حتى لا يتحمل وزر غضب تلك السفينة من هؤلاء المساكين ، فالرحمة تنظر من جانب الرحيم بها لا من جانب صاحب الغرض فإنه جاهل بما ينفعه ، وإن أراد الله تعالى أنه أعطاه رحمة من عنده ، أي رحمناه فأعطيناه هذا العلم الذي ظهر به وهو ما أعطاه من الفهم ، « وعلمناه من لدنا علما » جودا ورحمة من الله فإنه لم يذكر له تعملا في تحصيل شيء من ذلك ، وجعل الكل منه امتنانا وفضلا ، 
فهو علم الوهب لا علم الكسب ، وهذا مقام المقربين بين الصديقية ونبوة التشريع ، فلم تبلغ منزلة نبي التشريع من النبوة العامة ولا هو من الصديقين الذين هم أتباع الرسل القول الرسل ، وغير الرسل من العلماء بالله مثل الخضر وأمثاله لم يكله إلى عنديته ولا إلى نفسه ، بل تولى تعليمه ليريحه لما هو عليه من الضعف ، وأعطاه هذا العلم من قوله « لدنا » والغصن اللدن هو الرطيب ، فهي هنا اللين والعطف وهي الرحمة
 
ص 402
 
دنیاکم » . ولا شك أن العلم بالشيء خير من الجهل به : ولهذا مدح الله نفسه بأنه بكل
………………………………………………………..
المعطوفة في المكروه ، وبهذه الرحمة قتل الغلام وخرق السفينة ، وبالرحمة التي في الجبلة أقام الجدار ، وأضاف الحق التعليم إليه تعالى لا إلى الفكر ، فعلمنا أن ثم مقاما آخر فوق الفكر يعطى العبد العلم بأمور شتى يقول عنه بعض العلماء أنه وراء طور العقل ، 
قال النبي مع « إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله » هذا من العلم الذي يكون تحت النطق . فما ظنك بالعلم الخارج عن الدخول نحت حكم النطق ، فما كل علم يدخل تحت العبارات ، وهي علوم الأذواق كلها وقال تعالى في حق عبده خضر « عبدا من عبادنا » فأضافه إلى نون الجميع « آتيناه رحمة من عندنا » بنون الجمع « وعلمناه » بنون الجمع « من لدنا » بنون الجمع « علما » أي جمع له في هذا الفتح العلم الظاهر والباطن ، وعلم السر والعلانية ، وعلم الحكم والحكمة ، وعلم العقل والوضع ، وعلم الأدلة والشبه ، قال له موسى «هل اتبعك على أن تعلمني ما علمت رشدا . 
اعلم أن الأنبياء أصحاب الشرائع هم أرفع عباد الله من البشر ، ومع هذا لا يبعد أن يخص الله المفضول بعلم ليس عند الفاضل ، ولا يدل تميزه عنه أنه بذلك العلم أفضل منه ، قال الخضر لموسى عليه السلام « أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت » قال إنك لن تستطيع معي صبرا ثم أنصفه في العلم وقال له « وأنت على علم علمه الله لا أعلمه أنا » « وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا » 
الخبر الذوق وهو علم حال لأنه وحي خاص إلهي ، ليس للملك فيه وساطة من الله ، فإن وحي الرسل إنما هو بالملك بين الله وبين رسوله ، 
فلا خبر له بهذا الذوق في عين إمضاء الحكم في عالم الشهادة فما تعود الإرسال لتشريع الأحكام الإلهية في عالم الشهادت إلا بوساطة الروح الذي ينزل به على قلبه أو في تمثله ، لم يعرف الرسول الشريعة إلا على هذا الوصف ، لا غير الشريعة ، فإن الرسول له قرب أداء الفرائض والمحبة عليها من الله ، وما تتج له تلك المحبة ، وله قرب النوافل ومحبتها وما يعطيه محبتها ، ولكن من العلم بالله لا من التشريع وإمضاء الحكم في عالم الشهادة ،

ص 403
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 5:34 am

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء الرابع .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه 
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية               الجزء الرابع
قال الشيخ رضي الله عنه : ( شيء عليم . فقد اعترف صلى الله عليه وسلم لأصحابه بأنهم اعلم بمصالح الدنيا منه لكونه لا خبره له)
…………………………………………………………..
فخرق الخضر السفينة وقتل الغلام حكما ، وأقام الجدار مکارم اخلاق ، عن حكم أمر إلهي ، فلم يحط موسى عليه السلام به خبرا من هذا القبيل ، فهذا القدر الذي اختص به خضر دون موسى عليه السلام ، 
فلما علم الخضر أن موسى عليه السلام ليس له ذوق في المقام الذي هو الخضر عليه قال الخضر لموسى عليه السلام « وکیف تصبر على ما لم تحط به خبرة » لأنه كان في مقام لم يكن لموسى عليه السلام في ذلك الوقت الذي نفاه عنه العدل بقوله وتعديل الله إياه بما شهد له به من العلم ، مع کون موسى عليه السلام كليم الله ، وكما أن الخضر ليس له ذوق فيما هو موسى عليه من العلم الذي عليه الله ، إلا أن مقام الخضر لا يعطي الاعتراض على أحد من خلق الله لمشاهدة خاصة هو عليها ، ومقام موسي و الرسل يعطي الاعتراض من حيث هم رسل لا غير ، في كل ما يرونه خارجا عما أرسلوا به ، ودليل ما ذهبنا إليه في هذا قول الخضر لموسى عليه السلام « و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا » فلو كان الخضر نبيا لما قال له « ما لم تحط به خبرا » فالذي فعله لم يكن من مقام النبوة ، 
وقال له في انفراد كل واحد منهما بمقامه الذي هو عليه « یا موسى أنا على علم - الحديث » فافترقا وتميزا بالإنكار ، وما رد موسي على الخضر في ذلك ولا أنكر عليه في قوله المذكور في هذه الآية بل قال له " ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا " .
« قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا » 
« فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا مرا » « قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا » . 
العلم حاكم فإن لم يعمل العالم بعلمه فليس بعالم ، العلم لا يمهل ولا يهمل ، لما علم الخضر حکم ، ولما لم يعلم صاحبه اعترض عليه ونسي ما كان قد ألزمه فالتزم « فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا » أي ينكره شرعي ، فما أنكر موسى عليه السلام إلا بما شرع له الإنكار فيه ، ولكن غاب عن تزكية الله هذا الذي جاء بما أنكره عليه صاحبه ، فهو في الظاهر طعن في المزكي ، واعلم أنه
 
ص 404
 
بذلك فإنه علم ذوق وتجربة ولا يتفرغ عليه السلام لعلم ذلك . بل كان شغله بالأهم
……………………………………………………...
ما أذهل موسى عليه السلام إلا سلطان الغيرة التي جعل الله في الرسل عليهم السلام على مقام شرع الله على أيديهم ، فلله أنكروا ، وتكرر منه عليه السلام الإنكار مع تنبيه العبد الصالح في كل مسألة ، ويأبی سلطان الغيرة إلا الاعتراض ، لأن شرعه دوق له ، والذي رآه من عيره أجنبي عنه ، وإن كان علما صحيحا ولكن الذوق أغلب والحال أحكم ، « قال ألم أقل لك إنك لن تستطع معي صبرا » « قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا » « فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ، فوجدا فيها جدارة يريد أن ينقض فأقامه ، قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا » 
فكانت الثالثة ونسي موسى حالة قوله : « إني لما أنزلت إلي من خير فقير » وما طلب الإجارة على سقايته مع الحاجة « قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم نسطع عليه صبرا » فحصل لموسى عليه السلام مقصوده و مقصود الحق في تأدیه ، فعلم أن الله عبادا عندهم من العلم ما ليس عنده « أما السفينة فكانت المساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا » « وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا » « فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما » « وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا کنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا » من کلام خضر يعلم أدب الإضافة ، فقال « فأردت أن أعيبها » لذكره العيب وهو ما يذم ، 
وقال في الغلام « فأردنا أن يدلهما » للاشتراك بين ما يحمد ويذم ، 
وقال في الجدار « فأراد ربك » التخليص المحمدة فيه ، فيكتسب الشيء الواحد بالنسبة ذما وبالإضافة إلى جهة أخرى حمدا وهو عينه ، 
وتغير الحكم بالنسبة « وما فعلته عن أمري » يعني جميع ما فعله من الأعمال وكل ما جرى منه ، وجميع ما قال لموسى عليه السلام عن ذلك ، يعني أن الحق علمني الأدب معه ، والوجه الثاني لولا أن الخضر أمره الله أن يظهر
 
ص 405
 
فالأهم. "32"  فقد نبهتك على أدب عظيم تنتفع به إن استعملت نفسك فيه.
وقوله
…………………………………………….
لموسى عليه السلام بما ظهر ، ما ظهر له بشيء من ذلك ، فإنه من الأمناء ، الوجه الثالث ، فعلم موسی علیه السلام أن فراق الخضر له كان عن أمر ربه فما اعترض عليه في فرافه،
وأما ما جاء هنا من امتثال الخضر نهي موسى عليه السلام ، فهو ما قاله الشيخ عن أبي مدين رضي الله عنه حيث يقول : قال شيخنا أبو النجا المعروف بأبي مدين لما علم الخضر رتبة موسی وعلو قدره بين الرسل امتثل ما نهاه عنه طاعة لله ولرسوله ، فإن الله يقول: "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
فقال له في الثانية: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني - فقال سمعا وطاعة ، 
فلما كانت الثالثة ونسي موسی حال قوله « إني لما أنزلت إلي من خير فقير » وما طلب الإجارة على سقايته مع الحاجة ، فارقه الخضر بعدما أبان له علم ما أنكره عليه ، 
فقد علم الخضر حق موسى وما ينبغي له وامتثل أمره فيما نهاه عنه من صحبته ، احتراما منه لمقام موسی وعلو منزلته ، وسکوت موسی عنه حين فارقه ولم يرجع عن نهيه ، لأنه علم أن الخضر ممن لم يسمع نهي موسى عليه السلام ، ولاسيما وقد قال له « وما فعلته عن أمري » فعلم موسى أنه ما فارقة إلا عن أمر ربه ، فما اعترض عليه في فرافه إياه.
دقق الخلاف بين ما ورد هنا وبين ما جاء في هذه الفقرة . 
راجع فتوحات ج 1 / 199 ، 393 - ج 2 / 19 ، 41 ، 51 ، 76 ، 79 ، 114 ، 158 ، 260 ، 261 ، 262 ، 420 ، 481 ، 644 - ج 3 / 366 - ج 4 / 55 ، 153 ، 345 ، 422  - کتاب الأعلاق .
 
 32 - قوله صلى الله عليه وسلم : « أنتم أعلم بأمور دنياكم »*
الإمام لا يقتني العلوم من فكره ؛ بل لو رجع إلى نظره لأخطأ ، فإن نفسه ما اعتادت إلا الأخذ عن الله ، وما أراد الله لعنايته بهذا العبد أن يرزقه الأخذ من طريق فكره ، فيحجبه ذلك عن ربه ، فإنه في كل حال يريد الحق أن يأخذ عنه ما هو
 
 
ص 406
 
 
«فوهب لي ربي حكما» يريد الخلافة، «وجعلني من المرسلين» يريد الرسالة : فما كل رسول خليفة.
فالخليفة صاحب السيف و العزل و الولاية. والرسول ليس كذلك: إنما عليه بلاغ ما أرسل به: فإن قاتل عليه و حماه بالسيف فذلك الخليفة الرسول.
فكما أنه ما كل نبي رسول، كذلك ما كل رسول خليفة أي ما أعطي الملك ولا التحكم فيه. "33"
وأما حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية فلم يكن عن جهل، و إنما كان عن اختبار حتى يرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربه وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم فيستدل بجوابه على صدق دعواه.
وسأل سؤال إيهام من
………………………………………………..
فيه من الشؤون في كل نفس ، فلا فراغ له ولا نظر لغيره ، وللعاقل إذا استبصر دلیل" قد وقع يدل على صحة ما ذكرناه ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن آبار النخل ، ففسد لأنه لم بار عن وحي الهي ، و نزوله يوم بدر على غير ماء ، فرجع إلى كلام أصحابه ، فإنه صلى الله عليه وسلم  ما تعود أن يأخذ العلوم إلا من الله ، لا نظر له إلى نفسه في ذلك . 
وهو الشخص الأكمل الذي لا أكمل منه ، فما ظنك بمن هو دونه ، وما بقي للعارفين بالله علاقة بين الفكر وبينهم بطريق الاستفادة ، ولا تنسى الشخص إلهية إلا أن لا يكون أخذه العلوم إلا عن الله من فتوح المكاشفة .. فتوحات ج 3 / 139
راجع هذا الشاهد في فص 2، هامش 8، ص 56
 
 
وكلام الشيخ في شرح قول الرسول صلى الله عليه وسلم : إنه « علم علم الأولين والآخرين » 
راجع فص 2، هامش 8، ص 51، ۰52
 
"" علمت علم الأولين والآخرين  فص 2، هامش 8، ص 51، ۰52
هذا ما ورد عن الشيخ رضي الله عنه في حق الأنبياء والرسل عامة وإليك ماكتبه بخط يده في هذه المسألة عن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم الفتوحات ج1/ 151
أما القطب الواحد فهو روح محمد ، وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين و الأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة .
الفتوحات ج1/ 143.  - جاء الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعلوم ما قالها أحد سواه .
الفتوحات ج1/ 144 .  - قوله صلى الله عليه وسلم " علمت علم الأولين" ، وهم الذين تقدموه د "والآخرين" ، وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين ، وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة.
 الفتوحات ج1/ 214.  - دخل في هذا العلم علم الأولين والآخرين كل معلوم معقول ومحسوس مما يدركه المخلوق .
الفتوحات ج1/ 696 – تقرر أنه صلى اللَّه عليه وسلم  أعلم الخلق بالله ، والعلم بالله لا يحصل إلا من التجلي ... محمد صلى اللَّه عليه وسلم هو أكمل العلماء بالله .
الفتوحات ج2/ 171  - كان صلى اللَّه عليه وسلم من أعظم مجلى إلهي علم به علم الأولين والآخرين ، ومن الأولين علم آدم بالأسماء ، وأوتي محمد صلى اللَّه عليه وسلم و جوامع الكلم ، وكلمات الله لا تنفد .
الفتوحات ج3/ 142 - وأما منزلته ( محمد صلى اللَّه عليه وسلم) في العلم فالإحاطة بعلم كل عالم بالله من العلماء به تعالی متقدميهم ومتأخريهم فلا فلك أوسع من فلك محمد صلى اللَّه عليه وسلم  فإن له الإحاطة ،وهي لمن خصه الله بها من أمته بحكم التبعية.
الفتوحات ج3/ 143 - أعطى هذا السيد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن ، والخصلة الثانية أوتي جوامع الكلم ، والكلم جمع كلمة ، وكلمات الله لا تنفد ، فأعطى علم ما لا يتناهی ، فعلم ما يتناهی بما حصره الوجود ، وعلم ما لم يدخل في الوجود وهو غير متناه ، فأحاط علما بحقائق المعلومات وهي صفة إلهية لم تكن لغيره .
الفتوحات ج3/ 456  - كل شرع ظهر وكل علم إنما هو ميراث محمدي في كل زمان و رسول ونبي من آدم إلى يوم القيامة ولهذا أوتي جوامع الكلم ومنها علم الله آدم الأسماء كلها .
يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 3 ص 496 في تقسيم الرحمة الإلهية : ما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا ، مع ظني بأن الله قد کشف لهم عن هذا ، وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين ،ومن نور مشكاتهم عرفناه.
فهل يصح نسبة ما جاء هنا في هذا الفص إلى الشيخ مع وضوح النصوص بكلمة « الإحاطة بعلم كل عالم بالله » و « كل علم إنما هو میراث محمدي » وهو نص في الاستغراق ، وقوله : « ومن نور مشكاتهم عرفناه » !!! . .
ويقول في الفتوحات ج2  ص 613 : اعلم أن جميع ما يحويه هذا المنزل من العلوم لا يوصل إليها إلا بالتعريف الإلهي بوساطة روحانية الأنبياء لهذا المكاشف .
وتلك الأرواح لا تعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها .
فأين إمداد روحانية خاتم الولاية المحمدية هنا للأولياء فضلا عن الأنبياء ؟! أهـ ""
 
 33 - الخلافة والرسالة
كان موسى عليه السلام خليفة رسولا ، لأن الرسول لا يكون حاكما حتی يكون خليفة .
واعلم أن الكمال المطلوب الذي خلق له الإنسان إنما هو الخلافة ، فأخذها آدم عليه السلام بحكم العناية الإلهية ، وهو مقام أخص من الرسالة في الرسل ، لأنه ما كل رسول خليفة ، فإن درجة الرسالة إنما هي التبليغ خاصة ، 
قال تعالى « ما على الرسول إلا البلاغ » وليس له التحكم في المخالف ، إنما له تشريع الحكم عن الله أو بما أراه الله خاصة ، فإذا أعطاه الله التحكم فيمن أرسل إليهم فذلك هو
 
ص 407
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( أجل الحاضرين حتى يعرفهم من حيث لا يشعرون بما شعر هو في نفسه في سؤاله: فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر أظهر فرعون إبقاء لمنصبه أن موسى ما أجابه على سؤاله، فيتبين عند الحاضرين لقصور فهمهم أن فرعون أعلم من موسى.
ولهذا لما قال له في الجواب ما ينبغي وهو في الظاهر غير جواب ما سئل عنه، وقد علم فرعون أنه لا يجيبه إلا بذلك فقال لأصحابه «إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون» أي مستور عنه علم ما سألته عنه، إذ لا يتصور أن يعلم أصلا.
فالسؤال صحيح، فإن السؤال عن الماهية سؤال عن حقيقة المطلوب، ولا بد أن يكون على حقيقة في نفسه .
وأما الذين جعلوا الحدود مركبة من جنس وفصل، فذلك في كل ما يقع فيه الاشتراك، ومن لا جنس له لا يلزم ألا يكون على حقيقة في نفسه لا تكون لغيره.
فالسؤال صحيح )
………………………………………………..
الاستخلاف والخلافة ، والرسول الخليفة ، فما كل من أرسل حكم ، فإذا أعطي السيف وأمضى الفعل حينئذ يكون له الكمال ، فيظهر بسلطان الأسماء الإلهية ، فيعطي ويمنع ، ويعز ويذل ، ويحيي ويميت ، ويضر وينفع ، ويظهر بأسماء التقابل مع النبوة ، لابد من ذلك ، 
فإن ظهر بالتحكم من غير نبوة فهو ملك وليس بخليفة ، فلا يكون خليفة إلا من استخلفه الحق على عباده ، لا من أقامه الناس وبايعوه وقدموه لأنفسهم وعلى أنفسهم ، فهذه هي درجة الكمال ، 
فلابد للخليفة أن يظهر بكل صورة يظهر بها من استخلفه ، فلابد من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي يطلبها العالم الذي ولاه عليه الحق سبحانه ، ولما اقتضى الأمر ذلك انزل أمرا منه إليه سماه شرعا ، بين فيه مصارف هذه الأسماء والصفات الإلهية التي
لابد للخليفة من الظهور بها وعهد إليه بها ، 
فكل نائب في العالم فله الظهور بجميع الأسماء ، ومن النواب من أخذ المرتبة بنفسه من غير عمد إلهي إليه ، وقام بالعدل في الرعايا . 
واستند إلى الحق في ذلك ، كسلوك زماننا اليوم مع الخليفة ، فمنهم السمع والطاعة فيما يوافق أغراضهم وما لا يوافق ، فهم فيه كما هم في أصل توليتهم ابتداء ، ومنهم من لا يعمل بمكارم الأخلاق ولا يمشي بالعدل في رعيته ، فذلك هو المنازع لحدود مكارم الأخلاق و المغالب لجناب الحق في مغالبته رسل الله ، كفرعون صاحب موسى عليه السلام وأمثاله ، وإن كان الحق ما استخلفهم بالخطاب الإلهي
 
ص 408
 
على مذهب أهل الحق والعلم الصحيح والعقل السليم، والجواب عنه لا يكون إلا بما أجاب به موسى.
وهنا سر كبير، فإنه أجاب بالفعل لمن سأل عن الحد الذاتي، "34"
فجعل الحد الذاتي عين إضافته إلى ما ظهر به من صور العالم، أو ما ظهر فيه 
……………………………………………………….
على الكشف ، لكنهم نوابه من وراء الحجاب ، فإذا ظهروا بصفات ما ينبغي للملك أن يظهر بها ولم يوافق بها المصارف الإلهية التي شرعها الحق - بألسنة الرسل نعت ذلك بالمنازع و المغالب ، فمهما ظهر كانت الغلبة له ، ومهما ظهر عليه كانت الغلبة للحق ، فكان الحرب سجالا له وعليه . 
راجع فتوحات ج 2 / 155 ، 272 - ج 4 / 3
 
34 - جواب موسی علیه السلام لفرعون *
"قال فرعون وما رب العالمين" ، لما دعا موسی فرعون إلى الله رب العالمين فسأله فرعون " وما رب العالمين" ، يسأله عن الماهية ، ولما كانت ذات الله لا يجوز أن تطلب بما كما طلب فرعون فأخطأ في السؤال ، 
لهذا عدل موسى عليه السلام عن جواب سؤاله ، لأن السؤال إذا كان خطأ لا يلزم الجواب عنه ، وكان المجلس مجلس عامة فلذلك تكلم موسى بما تكلم به ، 
والحق سبحانه لا يقال فيه إنه له ماهية ، وإن سئل عنه بما ، فالجواب بصفة التنزيه أو بصفة الفعل ، لا غير ذلك ، 
لذلك قال موسی علیه السلام « رب السموات والأرض إن کنتم موقنين » يقول إن استقر في قلوبكم ما يعطيه الدليل والنظر الصحيح من الدال ، 
فقال فرعون وقد علم أن الحق مع موسى فيما أجابه به ، إلا أنه أوهم الحاضرين واستخفهم ، لأن السؤال منه إنما وقع بما طابقه الحق وهو قوله "وما رب العالمين" ، فما سأله إلا بذكر العالمين ، فقال
موسی " رب السموات والأرض وما بينهما " فطابق الجواب السؤال ، 
فقال فرعون لقومه « لمن حوله ألا تستمعون » أسأله عن الماهية فيجيبني بالأمور الإضافية ، فغالطهم ، وهو ما سأل إلا عن الرب المضاف ، 
فقال له موسی « ربكم ورب آبائكم الأولين» فخصص الإضافة لدعوى فرعون في قومه أنه ربهم الأعلى «قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون » لما رأى فرعون أن موسى عليه السلام ما أجابه على
 
ص  409
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( من صور العالم. فكأنه قال في جواب قوله «وما رب العالمين» قال الذي يظهر فيه صور العالمين من علو وهو السماء وسفل وهو الأرض: «إن كنتم موقنين»، أو يظهر هو بها. "35" 
فلما قال فرعون لأصحابه «إنه لمجنون» كما قلنا في معنى )
………………………………………….
حد ما سأل ، لأنه تخيل أن سؤاله هذا متوجه ، وما علم أن ذات الحق لا تدخل تحت مطلب « ما » وإنما تدخل تحت مطلب « هل » وهل سؤال عن وجود المسؤول عنه هل متحقق أم لا ؟ فقال فرعون وقد علم ما وقع فيه من الجهل إشغالا للحاضرين لئلا يتفطنوا لذلك « إن رسولكم الذي أرسل إليكم » ولولا ما علم الحق فرعون ما أثبت في هذا الكلام أنه أرسله مرسل ، وأنه ما جاء من نفسه ، لأنه دعا إلى غيره، وكذا نسبه فرعون إلى ما كان عليه موسى بقوله « لمجنون » أي مستور عنكم فلا تعرفونه ، فعرفه موسي بجوابه إياه وما عرفه الحاضرون ، كما عرفه السحرة وما عرفه الجاهلون بالسحر ، 
والوجه الثاني " لمجنون " أي قد ستر عنه عقله ، لان العاقل لا يسأل عن ماهية الشيء فيجيب بمثل هذا الجواب 
فقال له موسى لقرينة حال اقتضاها المجلس ما قال إبراهيم عليه السلام للنمروذ " قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن کنتم تعقلون" ، ولو لم يقل « وما بينهما » لجاز ، لأنه ليس بينهما شيء، 
وذلك لأن عين حال الشروق في ذلك الحيز هو عين استوائها وهو عين غروبها ، فكل حركة واحدة من الشمس في حيز واحد شروق واستواء وغروب ، فما ثم ما ينبغي أن يقال "وما بينهما" ، 
لكنه قال " وما بينهما" و لغموضه على الحاضرين ، فإنهم لا يعرفون ما فصلناه في إجمال "وما بينهما" ، فجاء بالمشرق والمغرب المعروف بالعرف 
ثم قال لهم « إن کنتم تعقلون » فأحالهم على النظر العقلي .
فتوحات ج 3 / 90 - ج 4 / 20 ، 175 
 
35 - التجلي الصوري 
صور التجلي محدثة - في ج 4/ 266 
"" أضاف الجامع :
فما ثمَّ إلا الحجب .. ومطالعة وجه الذات في الدنيا محال .تَكَبَّرَ الحق على الصورة
والشأن فوق العقول والعيون ، والذات باطنة عن الإدراك حساً معنىً
كذلك الأمر ليس كما تدركه العين فجميع صور التجلي مُحدثة  أي طارئة متغيرة محدودة الآجال وما في الوجود إلا الحجب وهي موضع الإدراكات المختلفة .
 
قال الشيخ رضي الله عنه فى الباب الثامن والخمسون وخمسمائة :-
"وهكذا مثل الخضر لموسى بنقر الطائر في البحر بمنقاره وهو على حرف السفينة فقال له الخضر تدري ما يقول هذا الطائر 
وكان الخضر قد أعطى منطق الطير فكان نقره كلاما عند الخضر لا علم لموسى بذلك وكان الخضر قد ذكر لموسى عليه السلام أنه على علم علمه الله لا يعلمه موسى وموسى على علم علمه الله لا يعلمه خضر مع العلم الكثير الذي كان عند كل واحد منهما 
فقال ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا بقدر ما نقر هذا الطائر
ومعلوم أنه قد حصل شيئا من الماء في نقره كذلك حصل بما علمه موسى والخضر من العلم شركه مع الله في ذلك القدر 
فعلمنا من علم الله شيئا مما يعلمه الله فحقق ما حصل لك وما بقي ولم يحصل لك فوقع التشبيه الصحيح من جهة ما حصل لا من جهة ما لم يحصل لأن الذي لم يحصل من اليم متناه والذي لم يحصل من العلم لموسى والخضر غير متناه" أهـ
 
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثامن والخمسون وخمسمائة في معرفة الأسماء الحسنى:
"وهذا خطاب خاطب به العقلاء ما خاطب به أهل الجمع والوجود فما نظر قط أهل الخصوص في اكتساب علم به ولا بمعلوم وإنما جعل لهم أن يهيئوا محالهم ويطهروا قلوبهم حتى يأتي الله بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ من عِنْدِهِ بالفتح فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا في أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ ،
لأنهم عاينوا ما وصلوا إليه بالفتح الإلهي والأمر عين ما انفصلوا عنه فما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً بالحيرة وتَسْلِيماً لحكمها ،
ومن هذه الحضرة أثبت أن الباطل شيء قذف بالحق عليه فدمغه فإذا الباطل زاهق ،
ولا يزهق إلا ما له عين أو ما تخيل أن له عينا فلا بد له من رتبة وجودية خيالا كانت أو غير خيال قد اعتنى بها على كل حال ثم إنه من أعظم الحيرة في الحق إن الحق له الوجود الصرف فله الثبوت وصور التجلي حق بلا شك
 
وما لها ثبوت وما لها بقاء ..... لكن لها اللقاء فما لها شقاء
ما من صورة ينجلي فيها إلا إذا ذهبت ما لها رجوع ولا تكرار وليس الزهوق سوى عين الذاهب فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ فهل في الحق باطل أو ما هو الباطل وما اذهب الصورة إلا قذف الصورة الأخرى وهي تذهب ذهاب أختها فهي من حيث ورودها حق ومن حيث زهوقها باطل فهي الدامغة المدموغة فصدق من نفي رؤية الحق 
فإن الحق لا يذهب فإنه إن كانت الصور صورنا فما رأينا إلا أنفسنا ونحن ليس بباطل ،
وقد زهقنا بنا فنحن الحق لأن الله بنا قذف علينا فما أتى علينا إلا منا فالله بالحق قاذف والعبد للحكم الإلهي واقف
فالعين مني ومنه ..... لها البقاء والثبوت
من ذا الذي منه يحيى ..... أو من هو منه يميت
ومنه مني يحيي ..... أو منه مني يموت
قد حرت فيه وفينا ..... فنحن خرس صموت
لا تدعى فيه دعوى ..... فإنه ما يفوت
أصبحت لله قوتا ..... وإنه لي قوت
فالأمر دور وهذا ..... علمي به ما بقيت
فلا تعتمد على من له الزهوق فإنه ما يحصل بيدك منه شيء ولا تعتمد إلا عليك فإن مرجعك إليك وإلى الله ترجعون كما تُرْجَعُ الْأُمُورُ فمن هنا قال من قال من رجال الله أنا الله فأعذروه فإن الإنسان بحكم ما تجلى له ما هو بحكم عينه وما تجلى له غير عينه فسلم واستسلم فالأمر كما شرحته وعَلَى الله قَصْدُ السَّبِيلِ ... 
ولَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ" أهـ  ""
 
راجع الظاهر في المظاهر فص5 ، هامش 6، ص 84 
المرايا فص 2، هامش 6، ص 45
 
"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر  فص5 ، هامش 6، ص 84 
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606
"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . 
أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".
 
تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".
 
إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟
 
وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""

.
يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 5:35 am

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء الخامس .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه 
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية               الجزء الخامس

6 - وحدة الوجود – المرايا       المرايا فص 2، هامش 6، ص 45
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم   المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل
المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.  أهـ ""
 
 
ص  410
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( كونه مجنونا، زاد موسى في البيان  ليعلم فرعون رتبته في العلم الإلهي لعلمه بأن فرعون يعلم ذلك: فقال: «رب المشرق والمغرب» فجاء بما يظهر ويستر، وهو الظاهر والباطن، وما بينهما وهو قوله «بكل شيء عليم».
«إن كنتم تعقلون»: أي إن كنتم أصحاب تقييد، فإن العقل يقيد.
فالجواب الأول جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود.
فقال له «إن كنتم موقنين» أي أهل كشف ووجود، فقد أعلمتكم بما تيقنتموه في شهودكم ووجودكم، فإن لم تكونوا من هذا الصنف، فقد أجبتكم في الجواب الثاني إن كنتم أهل عقل و تقييد و حصر. ثم الحق فيما تعطيه أدلة عقولكم.
فظهر موسى بالوجهين ليعلم فرعون فضله وصدقه. "36"
وعلم موسى أن فرعون علم ذلك أو يعلم ذلك لكونه سأل عن الماهية، فعلم أنه ليس سؤاله على اصطلاح القدماء في السؤال بما  فلذلك أجاب.
ولو علم منه غير ذلك لخطأه في السؤال.
فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون.
فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة.
فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس. "37"
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند )
………………………………….
36 - راجع هامش 34 *
 
37 - المظاهر وتفاضل الأسماء والمراتب
راجع الظاهر في المظاهر وتفاضل الأسماء والمراتب فص 16 رقم 5
لا تشهد الأعيان إلا بمراتبها لا بأعيانها ، فإنه لا فرق بين الملك والسوقة في الإنسانية ، فما تميز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعض إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره وإن كان يقول
 
ص 411
 
 
الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.
ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة .
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر،  "38"
…………………………………….
إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، وما من حركة ينحركها الإنسان إلا عن ورود اسم إلهي عليه ، هذا مفروغ منه عندنا في الحقائق الإلهية ، والعارف يشهد الأسماء الإلهية «ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ) ومعها يتأدب.
الفتوحات ج 1 / 644 - ج 3 / 225
 
راجع الظاهر في المظاهر
"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر   قفرة 6 ص 84
 
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606  أهـ ""


"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".
 
تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".
 
إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟
 
وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""
 
 
9 -  تفاضل الأسماء والصفات الإلهية والمراتب    
تفاضل الأسماء والمراتب فص 16 رقم 9
للشيخ في هذه المسألة نظرتان :
الأولى من حيث دلالة الأسماء على الذات الإلهية الواحدة فلا تفاضل بينها ،
والأخرى من حيث دلالة كل اسم على معنی لیس للاسم الآخر في العموم والإحاطة وتعلقه بمتعلق أعم فالمراتب تتفاضل ، 
لذلك نراه يقول :
الحقائق والنسب الإلهية لا نهاية لها ولا يصح أن يكون في الإلهيات تفاضل لأن الشيء لا يفضل نفسه ، فكما هو الأول هو الآخر وكما هو الظاهر هو الباطن فالمراتب ما فيها تفاضل عندنا ، لارتباطها بالأسماء الإلهية والحقائق الربانية ، ولا تصح مفاضلة بين الأسماء الإلهية لوجهين ، الواحد أن الأسماء نسبتها إلى الدات نسبة واحدة فلا مفاضلة فيها ، فلو فضلت المراتب بعضها بعضا بحسب ما استندت إليه من الحقائق الإلهية لوقع الفضل في أسماء الله ، فيكون بعض الأسماء الإلهيه أفضل من بعض ، وهذا لا قائل به عقلا ولا شرعا ، ولا يدل عموم الاسم على فضله ، لأن الفضلية إنما تقع فيما من شأنه أن يقبل فلا يتعمل في القبول ، أو فيما يجوز أن يوصف به فلا يتصف به ؛ والوجه الآخر أن الأسماء الإلهية راجعة إلى ذاته والذات واحدة ، والمفاضلة تطلب الكثرة ، والشيء لا يفضل نفسه ، فإذا المفاضلة لا تصح ، ولا يقال إن خلة الحق أشرف من كلامه ، ولا إن كلامه أشرف من خلقه پیدیه ، بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الكثرة ولا العدد ، فهي بالنسبة إلى كذا خالقة ، وبالنسبة إلى كذا مالكة وبالنسبة إلى كذا عالمة إلى ما نسبت من صفات الشرف والعين واحدة .
أما بالنسبة للتعلق کتسبة العلم الإلهي إلى القدرة الإلهية ، فإن القدرة وإن تعلقت بما لا يتناهي من الممكنات فلا نشك أن العلم أكثر إحاطة منها ، لأنه يتعلق بها وبالممكنات والواجبات والمستحيلات والكائنات وغير الكائنات ، مع ما يعطي الدليل أن ما لا يتناهى لا يفضل ما لا يتناهى ، والقدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد ، فإن القدرة للإيجاد وهو العمل ، وهو العليم سبحانه بما يوجد ، القدير على إيجاد ما يريد إيجاده.
لا مانع له ، وقال تعالى : « أحاط بكل شيء علما» ولا تعم الإحاطة كل شيء إلا إذا كان معنى ، ولا يعلم الشيء من جميع وجوهه إلا الله عز وجل ، الذي أحاط بكل شيء علما سواء كان الشيء ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه ، فالمعلوم لا يزال محصورا في العلم لهذا كان المعلوم محاطا به ، 
فقال تعالى « أحاط بكل شيء علما » من الواجبات والجائزات والمستحيلات ، وهو تعلق أعم فأنزل الله العالم بحسب المراتب التعمير المراتب ليتميز الكثير الاختصاص بالله الذي اصطنعه الله لنفسه من عباد الله عن غيره من العبيد ، فلو لم يقع التفاضل في العالم لكان بعض المراتب معطلا غير عامر ، وما في الوجود شيء معطل بل هو معمور كله ، فلابد لكل مرتبة من عامر يكون حكمه بحسب مرتبته ، 
ولذلك فضل العالم بعضه بعضا ، وأصله في الأسماء الإلهية ، أين إحاطة العالم من إحاطة المريد من إحاطة القادر ، فتميز العالم عن المريد ، والمريد عن القادر ، بمرتبة المتعاق ، فالعالم أعم إحاطة ، فقد زاد وفضل على المريد والقادر بشيء لا يكون للمريد ولا للقادر من حيث أنه مريد وقادر ، 
فإنه يعلم نفسه ولا يتصف بالقدرة على نفسه ولا بالإرادة لوجوده ، إذ من حقيقة الإرادة أن لا تعلق إلا بمعدوم والله موجود ، 
ومن شأن القدرة أن لا تتعلق إلا بممكن أو واجب بالغير ، وهو واجب الوجود لنفسه ، فمن هناك ظهر التفاضل في العالم لتفاضل المراتب ، فلابد من تفاضل العامرين لها ، فلابد من التفاضل في العالم ، إذ هو العامر لها الظاهر بها ، وهذا مما لايدرك کشفا بل ادراکه بصفاء الإلهام ، فیکشف المكاشف عمارة المراتب بكشفه للعامرين لها ، ولا يعلم التفاضل إلا بصفاء الإلهام الإلهي . 
الفتوحات ج 1 /  141 - ج 2 / 61 ، 326 ، 501 ، 527 - ج 3 / 382 - ج 4 / 317 
 
"" أضاف الجامع : 
قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الأحد والسبعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله" :
قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في خطبته لما أثنى على ربه "فإنما نحن به وله". رواه ابو داود والبيهقي
فخاطب وسمع وهذا أمر لا يندفع فإنه عين الأمر غير إن الفضل بين الناس هو بما شاهده بعضهم وحرمه بعضهم
فيعلم العالم من غيره ما لا يعلمه الغير من نفسه مما هو عليه في نفسه
فظهر التفاضل ومع هذا الظهور لا يخرج المخلوق عن أن يكون الحق هويته بدليل تفاضل الأسماء الإلهية وهي الصفات وليست غيره
فلا يعلم الخلق إلا به   ..... ولا يعلم الحق إلا بها
وأما وصفه بالغنى عن العالم أنما هو لمن توهم إن الله تعالى ليس عين العالم
وفرق بين الدليل والمدلول ولم يتحقق بالنظر إذا كان الدليل على الشيء نفسه فلا يضاد نفسه
فالأمر واحد وإن اختلفت العبارات عليه
فهو العالم والعلم والمعلوم فهو الدليل والدال والمدلول
فبالعلم يعلم العلم ، فالعلم معلوم للعلم فهو المعلوم والعلم والعلم ذاتي للعالم وهو قول المتكلم ما هو غيره فقط
وأما قوله وما هو هو بعد هذا فهو لما يرى من أنه معقول زائد على ما هو
فبقي أن يكون هو وما قدر على أن يثبت هو من غير علم يصفه به  فقال ما هو غيره
فحار فنطق بما أعطاه فهمه
فقال إن صفة الحق ما هي هو ولا هي غيره
ولكن إذا قلنا نحن مثل هذا القول ما نقوله على حد ما يقوله المتكلم فإنه يعقل الزائد ولا بد ونحن لا نقول بالزائد
فما يزيد المتكلم على من يقول" إِنَّ الله فَقِيرٌ" إلا بحسن العبارة
ونعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فهذا بعض نتائج هذا الهجير.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . أهـ. ""
 
 
38 - الحقائق لا تتبدل والجوهر يخلع صورا ويلبس صورا * 
إن أعيان الصور لا تنقلب فإنه يؤدي إلى انقلاب الحقائق ، وإنما الإدراكات تتعلق بالمدركات ، تلك المدركات لها صحيحة لا شك فيها ، فيتخيل من لا علم له بالحقائق أن الأعيان انقلبت وما انقلبت ، مثل عصا موسى عليه السلام ما انقلبت حية تسعى ، فإن الأعيان لا تنقلب ، فالعصا لا تكون حية ولا الحية عصا ، ولكن الجوهر القابل صورة العصا قبل صورة الحية ، 
فهي صور يخلعها الحق القادر الخالق عن الجوهر إذا شاء ويخلع عليه صورة أخرى ، فلولا ما بين السيء والحسن مناسبة تقتضي جمعها في عين واحدة يكون بها حسنا سيئا ما قبل التبديل ، 
ومثال ذلك شخص في غاية الجمال طرأ عليه وسخ من غبار ، 
فنظف من ذلك الوسخ العارض، فبان جماله ، 
ثم كسي بزة حسنة فاخرة تضاعف بها جماله وحسنه ، 
ففي حق أهل الشهود الذين يرون ويشهدون الأفعال كلها لله ، :
فما كان من حسن أضافوه إليه تعالی خلقا فيهم 
وأضافوه إليهم من كونهم محلا لظهوره ، 
وإن كان سيئا أضافوه إليهم بإضافة الله فيكونون حاکین قول الله ، 
فيريهم الله حسن ما في ذلك المسمى سوءا
 
ص 412
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال،"39" 
فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة. فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه )
………………………………………………….
بأن يريه عين ما كان يراه سيئة حسنة ، وقد كان حسنها غائبا عنه بحكم الشرع ، فلما وصل إلى موضع ارتفاع الأحكام وهو الدار الآخرة ، رأى عند کشف الغطاء حسن ما في الأعمال كلها ، لأنه يكشف له أن العامل هو الله لا غيره ، فهي أعماله تعالی وأعماله كلها كاملة الحسن لا نقص فيها ولا قبح ، فإن السوء والقبح الذي كان ينسب إليها إنما كان ذلك بمخالفة حكم الله لا أعيانها ، فبدل الله سيانهم حسنات ، وما هو إلا تبديل الحكم لا تبديل العين .
الفتوحات   ج 1 / 236 - ج 2 / 141 ، 277 ، 278 - ج 3 / 403 - ج 4 / 34 .
 
39 - عصا موسى عليه السلام *
فلما ألقى موسی عصاه فكانت حية تلقفت تلك الحية جميع ما كان في الوادي من الحبال والعصي ، أي تلقفت صور الحيات منها المتخيلة في عيون الحاضرين ، فأبصرت السحرة والناس حبال السحرة وعصيهم التي ألقوها حبالا وعصيا كما هي وأخذ الله بأبصارهم عن ذلك ، فهذا كان تنقفها لا أنها انعدمت الحبال والعصي ، إذ لو انعدمت الدخل عليهم التلبيس في عصا موسى وكانت الشبهة تدخل عليهم ، فإن الله يقول " تلقف ما صنعوا " ، وما صنعوا الحبال ولا العصي ، وإنما صنعوا في أعين الناظرين صور الحيات وهي التي تلقفت عصا موسى ، 
وما قال تعالى « تلقف حبالهم وعصيهم » « إنما صنعوا کید ساحر » أي فعلوا ما يقارب الحق فإن الكيد من کاد وكاد من أفعال المقاربة ، أي فعلوا ما يقارب الحق في الصورة الظاهرة للبصر . 
الفتوحات ج 1 / 158 ، 235 
 
ص 413
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي "40" لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.
ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها "41"  لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: )
………………………………………………….
40 - راجع هامش 33
 
41 - تجلي الحق في صور الأسباب
لم يدع الألوهية لنفسه أحد من خلق الله إلا الإنسان الذي ظهر بأحكام الأسماء الإلهية والنيابة ، فكان ملكا مطاعا كفرعون وغيره ، ولما كان الإنسان فقيرا بالذات، احتجب الله بالأسباب وجعل نظر العبد إليها ، وهو من ورائها ، فأثبتها عينا وتفاها حكما ، فإنه لا يفتقر إلى أحد سوى الله ، وعند الكشف يعلم المحجوب أن أحدا ما افتقر إلا إلى الله ، لكن لا يعرفه لتجليه في صور الأسباب التي حجبت الخلائق عن الله تعالى ، مع كونهم ما شاهدوا إلا الله ، ولهذا نبههم لو تنبهوا بقوله تعالى وهو الصادق « يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله » فاتحجب الحق بالإرسال ، ائحجابه بالأسباب ، فوقع الذم على الأسباب ، فهي وقاية الرحمن ، فما خالف أحد الله تعالی وما خولف إلا الله تعالى ، فلا تزال حجب الأسباب للمحجوبين مشهودة ، ولا يزال الحق للعارفين مشهودا ، مع عقلهم الحجب في حق من حجبته ، فإن الله لا يعطل حکم الحكمة في الأشياء ، فالأسباب حجب إلهية موضوعة لا ترفع . 
الفتوحات ج 2 / 470 ، 533 - ج 3 / 411 ، 547 - ج 4 / 249 
 
ص 414
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : («ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين». "42"
والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة. )
…………………………………………………..
42 - الأعيان الثابتة برزت للوجود على ما هي عليه في العلم الإلهي
العين الثابتة اشتركت مع الحق في وجوب الثبوت ، فله تعالى وجوب الثبوت والوجود ، وللعين وجوب الثبوت ، فالأحوال لهذه العين كالأسماء الإلهية للحق ، فكما أن الأسماء للعين الواحدة لا تعدد المسى ولا تكثره ، كذلك الأحوال لهذه العين لا تعددها ولا تكثرها ، مع معقولية الكثرة والعدد في الأسماء والأحوال ، وبهذا صح لهذه العين أن يقال فيها إنها على الصورة أي على ما هو عليه الأمر الإلهي ، فحصل لهذه العين الكمال بالوجود الذي هو من جملة الأحوال التي تقلبت عليها ، فما نقصها من الكمال - ألا وهو نفي حكم وجوب الوجود - للتميز بينها وبين الله ، إذ لا يرتفع ذلك ولا يصح لها فيه قدم ، ولذلك تقسم الموجودات إلى قسمين إلى قديم وحادث ، فوجود الممكن حادث ، أي حدث له هذا الوصف ، ولم يتعرض للوجود في هذا التقسيم هل هو حادث أو قدیم ؟ 
لأنه لا يدل حدوث الشيء عندنا على أنه لم يكن له وجود قبل حدوثه عندنا ، 
قال تعالى :" وإن من شيء إلا عندنا خزائنه " إن هنا بمعنی ما ، فعم بها وبشيء ، وجعله مخزونا في خزائن غيبه ، ولهذا قلنا إن الكون صادر من وجود ، وهو ما تحويه هذه الخزائن ، إلى وجود وهو ظهورها من هذه الخزائن لأنفسها ، فلولا نحن ثابتين في العدم ، ما صح أن تحوي علينا خزائن الكرم ، فلنا في العدم شيئية غير مرئية ، فما ثم معقول ولا موجود يحدث عند الله ، 
بل الكل مشهود العين له بین ثبوت ووجود ، فالثبوت خزائنه ، والوجود ما يحدث عندنا من تلك الخزائن ، ومن هذه الخزائن تخرج الأشياء إلى وجود أعيانها ، 
فهي في الخزائن محفوظة موجودة لله ، ثابتة لأعيانها ، غير موجودة لأنفسها، فالأشياء الموجودة بالنظر إلى أعيانها موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى كونها عند الله في هذه الخزائن موجودة عن وجود ، 
فالأشياء عند الله مختزنة في حال ثبوتها ، فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلك الخزائن ، وأمرها أن تكتسي حلة الوجود ، فيظهر
 

ص 415
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 5:57 am

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء السادس .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه 
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية               الجزء السادس
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء )
………………………………………………..


عينها لعينها ، ولم تزل ظاهرة الله في علمه أو لعلمه بها ، فليست الخزائن إلا المعلومات الثابتة ، فإنها عنده ثابتة يعلمها ويراها ويرى ما فيها ، فيخرج منها ما شاء . 
الفتوحات ج 1 / 522 - ج 2 / 281 ، 587 - ج 3 / 314 - ج 4 / 130 ، 293 ، 340 

کلام الله قديم من كونه صفة المتكلم به وهو الله ، ووصف بأنه محدث الإتيان والنزول فهو محدث الإتيان والنزول ، أي حدث عندهم بإتيانه ، كما تقول حدث عندنا ضيف ، فإنه لا يدل ذلك على أنه لم يكن له وجود قبل ذلك . 
فتوحات ج 1 / 367 ، 552 - ج 4 / 266

أما الشاهد بقوله «لا تبديل لكلمات الله » فقول الشيخ في ذلك عند تفسيره لقوله تعالى « لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لا تبديل لكلمات الله ، ذلك هو الفوز العظيم ، لما كانت البشري من كلمات الله قال تعالى «لا تبديل لكلمات الله » وهو قوله تعالی « ما يدل القول لدي » أي قولنا واحد لا يقبل التبدیل ۰

وأما كلمات الله بمعنی خلق الله فجاءت في معرض تفسيره لقوله تعالی " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " - الآية - 
وفيها يقول : ما عبد كل عابد إلا الله في المحل الذي نسب الألوهية له ، فصح بقاء التوحيد الله الذي أقروا به في الميثاق وأن الفطرة مستصحبة «لا تبديل لخلق الله » وهو الفطرة ، وهو ما شهد به الله في أول مرة .. 

الوجه الثاني « لا تبديل لخلق الله » أي التبديل لله ليس للخلق تبديل ، وقد يكون معناه لا تبديل لخلق الله من كونه أعطى كل شيء خلقه ، وخلق الله كلماته ، فلا تبديل لخلق . 

لا تبديل للكلمات الله ، وإنما التبديل لله ، فيسوغ في هذه الآية أن خلق الله هي كلمات الله ، فهي عبارة عن الموجودات ، 

كما قال في عيسى عليه السلام « إنه كلمته ألقاها إلى مريم » فنفى أن يكون للموجودات تبدیل ، بل التبديل لله ، ولا سيما وظاهر الآية يدل على هذا التأويل ، أي ليس لهم في الفطرة تبدیل ، وهذه بشرى من الله بأن الله ما فطرنا إلا على


ص 416


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، "43"
فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة )
……………………………………………...

الإفرار بربوبيته ، فما يتبدل ذلك الإقرار بما ظهر من الشرك بعد ذلك في بعض الناس ، لأن الله نفي عنهم أن يكون لهم تبدیل في ذلك . بل هم على فطرتهم ، وإليها يعود المشرك يوم القيامة عند نبري الشركاء منهم . وإذا لم ينسف التبديل إليهم فهي بشرى في حقهم بمالهم إلى الرحمة وإن سكنوا النار فبحكم كونها دارا . 
الفتوحات ج 2 / 69 ، 564 ، 563 - ج 3 / 24 ، 177 ، 230 ، 255 - ج 4 / 347 .


43 - الإيمان عند رؤية البأس
« فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ، سنه الله التي قد خلت في عباده ، وخسر هنالك الكافرون » ۰۰. 
إن الإنسان ولد على الفطرة ، وهو العلم بوجود الرب أنه ربنا ونحن عبيد له ، والإنسان لا يقبض حين يقبض إلا بعد کشف الغطاء ،
 فلا يقبض إلا مؤمنا ، ولا يحشر إلا مؤمنا ، فلا يموت أحد من أهل التكليف إلا مؤمنا عن علم وعیان محقق لا مرية فيه ولا ش ك من العلم بالله والإيمان به خاصة ، هذا هو الذي يعم ، غير أن الله تعالى لما قال « لم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا » ولا بأس أشد من الموت ، فما بقي إلا هل ينفعه ذلك الإيمان أم لا ؟ 

فما آمنوا إلا ليندفع عنهم ذلك البأس ، فما اندفع عنهم وأخذهم الله بذلك البأس ، فما رفع العقوبة عنهم إلا من اختصه الله ، وما ذكر أنه لا ينفعهم في الآخرة، ويؤيد ذلك قوله تعالى « فلولا قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا » حين رأوا البأس " کشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا" ، 

فهذا معنی قولنا « فلم يك ينفعهم إيمانهم » في رفع اليأس عنهم في الحياة الدنيا كما نفع قوم يونس، فما تعرض إلى الآخرة ، أما الاستثناء هنا فلا حكم على الله في خلقه ، وأما نفع ذلك الإيمان في المال فإن ربك فعال لما يريد ، ومع هذا فإن الله يقيم حدوده على عباده


ص 417


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى.
ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه.  "44"  ثم لتعلم )
………………................……………………………...


حيث شاء ومتى شاء ، فقوله تعالی « سنة الله التي قد خلت في عباده » هو موضع استشهادنا ، فحقت كلمة الله وجرت سنته في عباده أن الإيمان في ذلك الوقت لا يدفع عن المؤمن العذاب الذي أنزله بهم في ذلك الوقت إلا قوم يونس كما لا ينفع السارق توبته عند الحاكم فيرفع عنه حد القطع ولا الزاني مع توبته عند الحاكم مع علمنا بأنه تاب بقبول التوبة عند الله ، 

وحديث ماعز في ذلك صحيح أنه تاب توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم ، ومع هذا لم يدفع عنه الحد، بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  برجمه ، كذلك كل من آمن بالله عند رؤية البأس من الكفار إن الإيمان لا يرفع البأس عنهم مع قبول الله إيمانهم في الدار الآخرة ، فيلقونه ولا ذنب لهم ، فإنهم ربما لو عاشوا بعد دلك اكتسبوا أوزارا ، 

فالرجعة إلى الله عند رؤية البأس وحلول العذاب نافعة في الآخرة وإن لم يكشف عنهم العذاب في الدنيا، وما اختص قوم يونس إلا بالكشف عنهم في الحياة الدنيا عند رجعتهم ، 

فيكون معنى قوله « فلم بك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا » يعني في الدنيا، فإن الله يقول « وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون » فقول الله تعالى في هذه الآية محقق في غاية الوضوح ، فإن النافع هو الله ، فما نفعهم إلا الله « سنة الله التي قد خلت في عباده » يعني الإيمان عند رؤيه البأس غير المعتاد ، 

وليس في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع ، ولا أن الإيمان لا يقبل وإنما في الآية أن بأس الدنيا لا يرتفع عن نزل به إذا آمن في حال رؤيته إلا قوم يونس.

الفتوحات ج 2 / 276 - ج 3 / 165 ، 318 ، 383 ، 533 


44 - راجع هامش رقم 18


ص 418


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين :  "45" و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.
فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.
فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .
فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.
فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.
فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه "46" )
……………………………………………...

45 - راجع هامش رقم 43


46 - تجلي الحق لموسى عليه السلام في النار
خرج موسى عليه السلام في طلب النار لأهله ، لما كان فيه من الحنو عليهم . فمشي في حق أهله ليطلب لهم تارة يصطلون بها ، ويقضون بها الأمر الذي لا ينقضي إلا بها في العادة ، وما كان عنده خبر بما جاءه ، فأسفرت له عاقبة ذلك الطلب عن کلام ربه ، فكلمه الله في عين حاجته ، وهي النار في الصورة ، ولم يخطر له عليه السلام ذلك الأمر بخاطر ، وأي شيء أعظم من هذا ، وما حصل له إلا في وقت السعي في حق عياله ، ليعلمه بما في قضاء حوائج العائلة من الفضل ، فيزيد حرصا على سعيه في حقهم « فلما أتاها نودي با موسی » فوقع له التجلي في عين صورة حاجته ، فرأى نارا لأنها مطلوبه فقصدها ، فناداه ربه منها وهو لا علم له بذلك لاستفراغه فيما خرج له « يا موسى إني أنا ربك ، فتجلى له الحق في عين حاجته فلم تكن ثارا .

الفتوحات ج 2 / 269 - ج 3 / 119 ، 336 .


ص 419

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 6:00 am

26 - فص حكمة صمدية في كلمة خالدية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه  

الفص الخالدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
26 - فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
وأما حكمة خالد بن سنان فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخية، فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالك إلا بعد الموت : فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أن الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا، فيعلم بذلك صدق الرسل كلهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا. "2"
فكان غرض خالد صلى الله عليه وسلم إيمان العالم كله بما جاءت به الرسل ليكون رحمة للجميع: فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم أن الله أرسله رحمة للعالمين.
ولم يكن خالد برسول، فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية
………………………...
1 - المناسبة
سميت الحكمة حكمة صمدية ، لأن خالد بن سنان كان يتمنى أن يخبر فومه عن حياة وعلم البرزخ ، وعلم البرزخ هو العلم الذي يستند ويصمد إليه فإن له الحكم في جميع الحضرات الوجودية.
 
2 ۔ حكم الخيال في الدنيا وفي البرزخ
من لا يعرف مرتبة الخيال لا معرفة له جملة واحدة ، يؤيد ما ذكرناه أنك لا تشك أنك مدرك لما أدركته أنه حق محسوس ، لما تعلق به الحس ، وأن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » 
فنبه أن ما أدركتسوه في هذه الدار مثل إدراك النائم ، بل هو إدراك النائم في النوم وهو خیال ، ولا تشت أن الناس في برزخ بين هذه الدار والدار الآخرة ، وهو مقام الخيال ، فانتباهك بالموت هو كمن يرى أنه استیقظ في النوم في حال نومه ، 
فيقول في النوم " رأيت كذا وكذا "، وهو يظن أنه قد استيقظ ، ثم إذا بعث في النشأة الآخرة يقول المبعوث " من بعثنا من مرقدنا هذا" ، فكأن كونه في مدة موته كالنائم في حال نومه ، مع كون الشارع سماه يقظة . 
الفتوحات ج 2 / 2113 ، 313 
 
ص 420
 
 
على حظ وافر.
ولم يؤمر بالتبليغ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حق الخلق. "3" فأضاعه قومه.
ولم يصف النبي صلى الله عليه و سلم قومه بأنهم ضاعوا وإنما وصفهم بأنهم أضاعوا نبيهم حيث لم يبلغوه مراده، فهل بلغه الله أجر أمنيته؟
فلا شك ولا خلاف أن له أجر الأمنية ، وإنما الشك والخلاف في أجر المطلوب: هل يساوي تمني وقوعه عدم وقوعه بالوجود أم لا.
فإن في الشرع ما يؤيد التساوي في مواضع كثيرة: كالآتي للصلاة في الجماعة فتفوته الجماعة فله أجر من حضر الجماعة، وكالمتني مع فقره ما هم عليه أصحاب الثروة والمال من فعل الخيرات فله مثل أجورهم.
ولكن مثل أجورهم في نياتهم أو في عملهم فإنهم جمعوا بين العمل والنية؟
ولم ينص النبي عليهما ولا على واحد منهما.
فالظاهر أنه لا تساوي بينهما. "4"
……………………………..
3 - علم البرزخ
البرزخ أتم المقامات علما بالأمور ، فإن البرزخ يعم الطرفين. وهو مقام الأسماء الإلهية ، فإنها برزخ بيننا وبين المسسی ، فلها نظر إليه من كونها اسما له . ولها نظر إلينا من حين ما تعطي فينا من الآثار المنسوبة إلى المسمي. فمعرف المسمي وتعرفنا .
فعلم البرزخ له من القيامة الأعراف . ومن الأسماء الاتصاف ، فقد حاز الأنصاف . 
فما هو عين الاسم ولا عين المسمى ، ولا يعرف هويه إلا من يفك المعمي. 
وقد استوي فيه البصير والأعمى ، وهو الظل بين الأنوار والظلم .
والحد الفاصل بين الوجود والعدم ، وإليه ينتهي الطريق الأمم ، وهو حد الوقفة بين المفامين لمن فهم .
له من الأزمنة الحال اللازم ، فهو الوجود الدائم . 
فمن أراد العلم بصورة الحال . فليحقق علم الخيال ، فيه ظهرت القدرة ، وهو الذي أنار بدره ، فلا ينقلب إلا في الصور ، ولا يظهر إلا في مقام البشر ، ولست أعني بالبشر الأناسي ، فإني كنت أشهد على نفسي بإفلاسي . 
فما ثم إلا وعاء وآنية ملاء ، فتدبر تتبصر 
الفتوحات ج 2 / 203 ، 609 - ج 4 / 377 ، 389 
 
4 - أجر تمني عمل الخير *
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي لا قوة له ولا مال له فيری رب المال الموفق يتصدق ويعطي في فك الرقاب ، ويرى أيضا من هو أجلد منه على العبادات
 
ص 421
 
ولذلك طلب خالد بن سنان الإبلاغ حتى يصح له مقام الجمع بين الأمرين فيحصل على الأجرين والله أعلم .

……………………….
التي ليس في قوة جسمه أن يقوم بها ، و يتسني أنه لو كان له مثل صاحبه من المال والفوة ، لعمل مثل عمله . فال صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء.
 
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم في الذي يفوته خير الدنيا ويرى من له شيء من ذلك الخير يعمل به في طاعة الله ، لو كان لي مثل هذا العامل من الخير لفعلت مثل ما فعل ، فهما في الأجر سواء.
 
فهذا قد فاته العمل وجني ثمرته بالنمحي وساوی من لم يفته العمل ، وربما اربي عليه لا بل أر بي عليه ، فإن العامل مسؤول ، ليسأل الصادقين عن صدقهم ، وهذا غير مسؤول لأنه ليس بعامل ، 
ومعنى ذلك أن الله يعطيه في الجنة مثل ذلك التني من النعيم الذي أنتجته تلك الأعمال ، فيكون له ما تسنى ، وهو أقوى في اللذة والتنعم مما لو وجده في الجنة قبل هذا التمني ، 
فلما انفعل عن تمنيه كان النعيم به أعلى ، فمن جنات الاختصاص ما يخلق الله له من هسته وتمنيه ، فهو اختصاص عن عمل معقول منوهم وتمن لم يكن لو وجد ثمرة في الدنيا ، فهذا لا يكون إلا لمن لم يعطه الله أمنيته من الخير الذي تمنى العمل به ، فإن أعطاه ما تمناه من الخير فليس له هذا الأجر ، وينتقل حكمه إلى ما يعمله فيما أعطاه الله من الخير . 
الفتوحات ج 1 / 322 - ج 2 / 182
 
ص 422
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 6:01 am

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص المحمدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء الأول

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية

 * * * * *
……………………………..........................................
1 - المناسبة
أنتقل هنا ما جاء في كتاب الننبيهات المنسوب إلى الشيخ رضي الله عنه حيث يقول في التنبيه السادس عشر :
إنما كانت حكمة فردية لانفراده صلى الله عليه وسلم بمقام الجمعية الإلهية الدي ما فوقه إلا مرتبة الذات الأحدية ، لأنه صلى  مظهر الاسم الله الأعظم . الجامع للأسماء كلها .
 ولأن أول ما فاض بالفيض الأقدس من الأعيان عينه الذاتية . وأول ما وجد بالفيت الأقدس من الأكوان روحه الشريفة ، فحصل بالذات الأحدية والمرتبة الإلهية وعينه الثابتة الفردية الأولى ، واعلم أن أول الأفراد الثلاثة ، وما زاد عليها فهو صادر منها . وهذه الثلاثة المشار إليها في الموجودات هي الذات الأحدية . والمرتبة الإلهية. والحقيقة المحمدية ، المسماة بالعقل الأول : ولما كانت تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشء، قال صلى الله عليه وسلم : حبب إلي من دنياكم ثلات . 
بما فيه من التثليث : وجعات المحبة التي هي أصل الوجود ظاهرة فيه . 
فقدم ذكر النساء ثم الطيب ثم قال وجعلت قرة عيني في الصلاة ، وإنما حبب النساء إليه صلى  لكمال شهود الحق فيهن ، إد لا يشاهد الحق تعالی مجردة عن المواد أبدا ، فإن الله تعالى بالذان غني عن العالمين. 
ولا نسبة بينه وبين شيء من هذا الوجه أصلا ، فلا يسكن شهوده تعالی مجردة عن المواد ، فإذا كان الأمر من هذا الوجه مستنعا ولم تكن المشاهدة إلا في مادة ، فنهود الحق تعالى في النساء أعظم الشهود وأكمله ، في حال النكاح الموجب لفناء المحب في المحبوب ، وأعظم الوصلة الجماع ، وهو نظير التوجه الإلهي على من خلقه على صورته ليخلفه ، فسرى فيه مثال صورته ، وكذلك النكاح يتوجه لإيجاد ولد على صورته ، ينفخ بعض روحه فيه ، يعني النطفة ، نیشاهد علتيته في مرآة ابنه ، ويخلفه من بعده ، فصار النكاح المشهور نظير النكاح الأصلي الأزلي . 
فصارت صورة الإنسان خلقة موصوفة بالعبودية ، وباطنه حق لأنه من روح الله الذي يدبر ظاهره . 
ويديه ، إذ هو الظاهر بصورة الروحانية ، والله سبحانه وتعالى أعلم
 
ص 423
 


قال الشيخ رضي الله عنه : ( إنما كانت حكمته فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني، "2"
ولهذا بدئ به الأمر وختم: فكان نبيا وآدم بين الماء و الطين، ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين"3"
وأول الأفراد الثلاثة، وما زاد على هذه الأولية من  )
………………………………...
2 - الفردية
كان الإيجاد بالفردية لا بالأحدية خلافا لمن يقول إنه ما صدر إلا واحد فإنه عن واحد . 
فهو قول صحيح لا أنه واقع ، نم جاء الكشف النبوي و الإخبار الإلهي بقوله عن ذات تسمى إلها : إذا أراد شيئا ، فهذان أمران ، قال له كن ، فهذا أمر ثاني ، والنلاثة أول الأفراد ، فظهر التكوين عن الفرد لا عن الواحد ، وهذه كلها راجعة إلى عين واحدة ، ومرتبة الإنسان الكامل من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان ، فهو الكامل الذي لا أكمل منه ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم فهو الإنسان الكامل الذي ساد العالم في الكمال . سيد الناس يوم القيامة . 
الفتوحات ج 3 / 186 ، 331 - ج 4 / 89 
 
3 - «كنت نبيا و آدم بين الماء والطين » – الحديث
اعلم أن للإنسان حالا قبل أخذ الميثاق عليه ، وهو الحال الذي كان فيها صلى حين عرف بنبوته قبل خلق آدم عليه السلام ، فكان له التعريف في تلك الحالة ، وذلك أن هذه النشأة الإنسانية كانت مبثوثة في العناصر ، ومراتبها إلى حين موتها التي تكون عليها في وجود أعيان أجسامها معلومة معينة في الأمر المودع في السموات ، لكل حالة من أحواله التي نتقاب فيها في الدنيا صورة في الفلك على تلك الحالة . 
قد أخذ الله بأبصار الملائكة عن شهودها ، مكتنفة عند الله في غيبه ، معينة له سبحانه لا يعلم السوات بها مع كونها فيها ، وفد جعل الله وجود عينها في عالم الدنيا في حركات تلك الأفلاك ، فمن الناس من أعطي في ذلك الموطن شهود نفسه ومرنبته . إما على غاياتها بكمالها ، وإما ينهد صورة ما من صوره . 
وهو عين تلك المرتبة له في الحياة الدنيا ، فيعلمها فيحكم على نفسه بها ، وهنا شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبوته ، ولا ندري هل شهد صورة جميع أحواله أم لا ؟ فالله أعلم ، 
فكان قوله صلى الله عليه وسلم « کنت نبيا و آدم بين الماء والطين » إنما كان هذا القول بلسان تلك الصورة التي هي فيها
 
ص 424
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الأفراد فإنها عنها.
فكان عليه السلام أدل دليل على ربه، فإنه أوتي جوامع الكلم التي هي )
………………………………..
من جملة صور المراتب ، فترجم لنا في هذه الدار عن تلك الصورة ، فهذا من أحوال الخلق .
ولما خلق الله الأرواح المحصورة المدبرة للأجسام بالزمان عند وجود حركة الفلك لتعيين المدة المعلومة عند الله ، وكان عند أول خلق الزمان بحركته ، خلق الروح المدبرة روح محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم صدرت الأرواح عند الحركات ، فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة ، وأعلمه الله بنبوته وبشره بها وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين ، وانتهى الزمان بالاسم الباطن في حق محمد صلى الله عليه وسلم إلى وجود جسمه و ارتباط الروح به اتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر ، فظهر محمد صلى الله عليه وسلم بذاته جسما وروحا ، فكان الحكم له باطنا أولا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين ، فكان روح محمد صلى الله عليه وسلم هو الممد لجميع الأنبياء والرسل والأقطاب من حين النشء الإنسائي إلى يوم القيامة، 
تم صار الحكم له ظاهرا فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر ، البيان اختلاف حكم الاسمين ، وإن كان المشرع واحدة ، وهو صاحب الشرع ، فإنه قال « كنت نبيا » وما قال « کنت إنسانا ، ولا «کنت موجودة » وليست النبوة إلا بالشرع المقرر عليه من عند الله ، فأخبر أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء الذين هم نوابه في هذه الدنيا ، وكان تأثيره صلى الله عليه وسلم بظهور جسمه أقوى في بعثه منه إذ كان نبيا و آدم بين الماء والطين ، فإنه نسخ بصورة بعثته جميع الشرائع كلها ، ولم يبق الشريعة حكم سوى ما أبقى هو منها ، من حيث هي شرع له ، لا من حيث ما هي شرع فقط ، فكانت استدارته انتهاء دورته بالاسم الباطن وابتداء دورة أخرى بالاسم الظاهر ، فقال إن الزمان استدار كهيئته يوم خلقه الله ، في نسبة الحكم لنا ظاهرا ، كما كان في الدورة الأولى منسوبة إلينا باطنة ، أي إلى محمد وفي الظاهر منسوبة إلى من نسبة إليه من شرع إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء والرسل ، ولما كانت العرب تنسا الشهور ، فلهذا قال في اللسان الظاهر « إن الزمان قد استدار
 
ص 425
 
 
* * * * *
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
کهيئته يوم خلقه الله ، كذلك استدار الزمان فأظهر محمدا صلى الله عليه وسلم جسما وروحا بالاسم الظاهر حسا ، فنسخ من شرعه المتقدم ما أراد الله أن ينسخ منه، وابقى ما أراد الله أن يقي منه ، وذلك من الأحكام الخاصة لا الأصول ، 
فالأنبياء عليهم السلام حجبة محمد صلى الله عليه وسلم من آدم عليه السلام إلى آخر نبي ورسول ، 
وإنما قلنا إنهم حجبته لقوله صلى الله عليه وسلم « آدم فمن دونه تحت لوائي » فهم نوابه في عالم الخلق - وهو روح مجرد عارف بذلك قبل نشأة جسمه ، قيل له « متى كنت نبيا » 
فقال « کنت نبيا و آدم بين الماء والطين » أي لم يوجد آدم بعد ، إلى أن وصل زمان ظهور جسده المطهر مع ، فلم يبق حکم لنائب من نوابه ، وهم الرسل ، فقرر من شرعهم ما شاء بإذن سيده ومرسله ، ورفع من شرعهم ما أمر برفعه و نسخه ، 
 
وربما قال من لا علم له بهذا الأمر « إن موسى عليه السلام كان مستقلا مثل محمد بشرعه » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  « لو كان موسی حیا ما وسعه إلا أن يتبعني »، وصدق صلى الله عليه وسلم فإن أول إنسان أنشأه الله هو آدم من حيث النشأة الترابية ومن حيث المقام ، 
فآدم ومن دونه إنما هو وارث محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين ، لم يكن بعد موجودة ، 
فالنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا آدم - والصورة الآدمية الطبيعية الإنسانية لآدم - ولا صورة لمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى آدم وعلى جميع النبيين ، فآدم أبو الأجسام الإنسانية ،
 ومحمد صلى الله عليه وسلم أبو الورثة من آدم إلى خاتم الأمر من الورثة ، ولهذا أوتي جوامع الكلم، ومنها علم الله آدم الأسماء كلها، فظهر حكم الكل في الصورة الآدمية والصورة المحمدية ، فهي في آدم أسماء وفي محمد صلى الله عليه وسلم كلم ، 
فكان قوله صلى الله عليه وسلم  « كنت تبية و آدم بين الماء والطين » يريد على علم بذلك ، 
فأخبره الله تعالی مرتبته وهو روح قبل إيجاده الأجسام الإنسانية ، كما أخذ الميثاق من بني آدم قبل إيجاد أجسامهم ، واستصحبه ذلك إلى أن وجد جسمه - في بلد لم يكن فيه موحد الله - ولم يزل على توحيد الله لم يشرك كما أشرك أهله وقومه إلى أن أرسله الله إلى الناس كافة ، فكان يذكر الله على كل أحيانه كما ذكرت عنه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وقال صلى الله عليه وسلم 
 
ص 426
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( مسميات أسماء آدم، فأشبه الدليل في تثليثه، "4" والدليل دليل لنفسه.
ولما كانت حقيقته تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشأة ،"5"
 لذلك قال في باب المحبة التي هي أصل الموجودات  "6" «حبب إلي من دنياكم ثلاث» بما فيه من التثليث، ثم ذكر النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة.
فابتدأ بذكر النساء و أخر الصلاة، وذلك لأن المرأة جزء من الرجل في أصل ظهور عينها.
ومعرفة الإنسان بنفسه مقدمة على معرفته بربه، فإن معرفته بربه نتيجة عن معرفته بنفسه. لذلك قال عليه السلام «من عرف نفسه عرف ربه».
فإن شئت قلت بمنع المعرفة في هذا الخبر و العجز عن الوصول فإنه سائغ فيه، وإن شئت قلت بثبوت المعرفة.
فالأول أن تعرف أن نفسك لا تعرفها فلا تعرف ربك: والثاني أن تعرفها فتعرف )
………………………………………………….
عن نفسه ، وهو الصادق ، إنه تنام عينه ولا ينام قلبه ، فأخبر عن قلبه أنه لا ينام عند نوم عينه عن حسه ، فكذلك موته إنما مات حسا كما نام حسا ، وكما أنه لم بنم قلبه لم يمت قلبه ، فاستصحبته الحياة من حين خلقه الله ، وحياته إنما هي مشاهدة خالقه دائما لا تنقطع ، فكان محمد صلى الله عليه وسلم عين سابقة النبوة البشرية بقوله معرفة إيانا « کنت نبيا وآدم بين الماء والطين » وهو عين خاتم النبيين بقوله تعالی " ولكن رسول الله وخاتم النبيين " فبه بدء الأمر وختم ، فكان نبيا وآدم بين الماء والطين ، والطين ما خمرت طينته وما علم ، وأخرت طينته صلى الله عليه وسلم إلى أن جاءت دورة الميزان الذي عدل حين حكم ، فهو واضع الشرائع ورافعها روحا ونفسا وعقلا وحسا ، خط ذلك كله في اللوح المحفوظ القلم . 
الفتوحات ج 1 / 134 ، 143 ، 145 ، 109، 151 ، 243 ، 244 - ج 2 / 108 ، 168 ، 387 ،  - ج 3 / 413 ، 456 ، 457 ، 495 ، 497 ، 513 ، 22 - ج 4 / 331 
 
4 - يريد أن الدليل يتكون من مقدمتين ورابطة فهذه ثلاثة 
 
5 -  يريد إنشاء اسمه صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أحرف من غير تكرار وهي الميم والحاء والدال.
راجع فص حكمة داودية فص 17، رقم 3، ص 276.


"" 3 - حروف اسم داود عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم - فص 17، رقم 3، ص 276.
لما كان داود عليه السلام في دلالة اسمه عليه أشبه بني آدم با دم في دلالة اسمه عليه ، صرح الله بخلافته في القرآن في الأرض كما صرح بخلافة آدم في الأرض ، فإن حروف آدم غير متصلة بعضها ببعض ، وحروف داود كذلك ، إلا أن آدم فرق بينه وبين داود بحرف الميم ، الذي يقبل الاتصال القبلي والبعدي ، فأتى الله به آخرا حتى لا يتصل به حرف سواه ، وجعل قلبه واحدا من الحروف الستة التي لا تقبل الاتصال البعدي ، فأخذ داود من آدم ثلثي مرتبته في الأسماء ، وأخذ محمد صلى الله عليه وسلم  ثلثيه أيضا وهو الميم والدال ، غير أن محمدا متصل كله ، والحرف الذي لا يقبل الاتصال البعدي جعل آخرة ، حتى يتصل به ، ولا يتصل هو بشيء بعده .
فناسب محمد آدم عليهما الصلاة والسلام من وجهين : 
الأول مناسبة النقيض بالاتصال بادم و آدم له الانفصال كداود ، والميم من آدم کالدال من محمد فجاءتا آخرا لذلك ، أعني في آخر الاسم منهما . 
والثاني مناسبة النظير التي بين آدم ومحمد. في كون الحق علم آدم الأسماء كلها ، وأعطى محمدا من جوامع الكلم ، وعمت رسالته كما عم التناسل من آدم في ذريته.
 فالناس بنو آدم ، والناس أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، من تقدم منهم ومن تأخر.
فتوحات ج 4 / 100 ""


6 - المحبة التي هي أصل الموجودات 
راجع فص 1 ، رقم 2، ص 25


""2 - محاضرة الأسماء و تحاورها فص 1 ، رقم 2، ص 20
اجتماع الأسماء في حضرة المسمى وظهور أحكامها
إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت في حقائقها ومعانيها ، فطلبت ظهور أحكامها حتى تتميز أعيانها بآثارها.
فإن الخالق الذي هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحيني والميت والوارث والشکور .
وجميع الأسماء الإلهية نظروا في ذواتهم ولم يروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.
فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي تظهر أحكامنا فيها فيظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهية التي تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عينه إلى الاسم البارئ فقالوا له : " عسى أن توجد هذه الأعيان لتظهر أحكامنا وينبت سلطاننا إذ الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا " .
فقال الباريء : « ذلك راجع إلى الاسم القادر فإني تحت حيطته ».
وكان أصل هذا أن الممكنات في حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال حال ذلة وافتقار .
وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا وعن معرفة مايجب لكم من الحق علينا، فلو أنكم أظهرتم أعیاننا و کسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الجلال والتعظيم ، وأنتم أيضا كانت السلطنة تصح لكم في ظهورنا بالفعل ، واليوم .أتم علينا.
سلاطين بالقوة والصلاحية، فهذا الذي نطلبه منكم. هو في حقكم أكثر منه في حقنا.
فقالت الأسماء : إن هذا الذي ذكرته الممكنات صحیح فتحركوا في طلب ذلك ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .
قال القادر : أنا تحت حيطة المزيد فالا أوجد عينا منكم إلا باختصاصه ، ولا يمكنني الممكن من نفسه إلا أن يأتيه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتكوين وقال له کن مکنني من نفسه و تعلقت بإيجاده فكونته من حينه.
فلجأوا إلى الاسم المريد ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه في إيجاد أعيانبا فأوقف أمر ذلك عليك فما ترسم ؟
وقال المريد صدق القادر. ولكن ما عندي خبر ما حكم الأمم العالم فيكم ، هل سبق علمه بإيجادکم فنخصص أو لم يسبق؟
فأنا تحت حيطة الاسم العالم ، فسيروا إليه واذكروا له قضيتكم.
فساروا إلى الاسم العالم وذكروا ما قاله الأسم المريد .
فقال العالم : صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ؛ ولكن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي الاسم الله .
فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء كلها في حضرة الله .
فقال : ما بالكم ؟
فذكروا له الخبر .
فقال : أنا اسم جامع لحقائقكم وإني دليل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه، فقفوا حتى أدخل على مدلولي ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممكنات وما تحاورت فيه الأسماء.
 فقال : اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بما تقتضيه حقیقته في الممكنات فإني الواحد لنفسي من حيث نفسي ، والممكنات إنما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة لا لي إلا الواحد خاصة فهو اسم خصيص بي لا يشاركني في حقيقته من كل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات.
فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للممکنات والأسماء، فذكر لهم ما ذكره المسمى ، فتعلق العالم والمريد والقائل والقادر .
فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم ، فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إليه من الأسماء ، فادي إلى منازعة وخصام.
فقالوا : إنا نخاف علينا، أن يفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذي كنا فيه .
فنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الأسم العلم والمدبر.
وقالوا : أنتم أيها الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إليه يحفظ علينا وجودا وتحفظ عليكم تأثيراتكم فينا ، لكان أصلح لنا ولكم ، فالجأوا إلى الله عسى يقدم من يحد لكم حدا تقفون عنده وإلا، هلكنا وتعطلتم .
فقالوا : هذا عين المصلحة وعين الرأي ، ففعلوا ذلك .
فقالوا : إن الاسم المدبر هو ينهي أمركم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .
فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .
وقال له : افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان هذه الممكنات .
فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزير الواحد الاسم المدبر ،والوزير الآخر المفصل.
قال تعالى : يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربکم توقنون، الذي هو الإمام، فانظر ما أحكم کلام الله تعالى ، حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة ليبلوكم أيهم أحسن عملا .
محاضرة الأسماء في حضرة الذات ... دليل على الماضي دليل على الآتي
أقول بها والكون يعطي وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات
فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من يدري وجود لأثبات
ويقول في موطن آخر :
اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهية لما كانت بأيديهم مقاليد السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقي كل سادن بمقلاده لا يجد ما يفتح .
فقالوا : يا للعجب خزان بمفاتيح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقاليد ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذين أعطونا هذه المقاليد ولم يعرفونا المخازن التي تكون عليها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعينها لكم إن شاء الله تعالى ، ولكن تعالوا نصل إلى من بقي من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهي إمام الأئمة ، فاجتمع الكل وهم بالإضافة إلى الإمام.
المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجميع ببابه فبرز لهم.
 وقال : ما الذي جاء بكم ؟
فذكروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى يضعوا كل مقلاد على بابه ، فقال : أين الإمام المخصص ؟
 فبادر إليه المريد ، فقال له : أليس الخبر عندك وعند العليم ؟
فقال له نعم ، قال : فإن كان فأرح هؤلاء مما هم فيه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العليم والمريد : أيها الإمام الأكمل .
 قل الإمام القادر يساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعينا أخويكما فيما هما بسبيله.
فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .
فقالا للجواد : عزمنا على إيجاد الأكوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتك حضرة الجود.
فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غاية الإحكام والإتقان ، فلم يبق في الإمكان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .
ولو بقي أبدع منه لكان الجواد قد بخل بما لم يعط وأبقاه عنده من الكمال ، ولم يصح عليه إطلاق اسم الجواد وفيه شيء من البخل .
فليس اسم الجواد عليه فيما أعطى بأولى من اسم البخيل عليه فيما أمسك ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخيل عليه محال ، فكونه أبقى عنده ما هو أكمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.
راجع فتوحات ج 1 / 323 – ج 2 / 556  , كتاب إنشاء الجداول والدوائر. ""




ص 427
 


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ربك. "7"
فكان محمد صلى الله عليه وسلم أوضح دليل على ربه، فإن كل جزء من العالم دليل )
…………………………………….
7 - «من عرف نفسه عرف ربه » - الحديث
جاء صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بمن، وهي نكرة فعم كل عارف، وعلق المعرفة بالرب، فالعلم به تعالی موقوف على العلم بنا ، أي أن المعرفة بالله ما لها طريق إلا المعرفة بالنفس ، فجعلك دليلا ، أي جعل معرفتك بك دليلا على معرفتك به ، أو جعلك دليلا عليه فعلمته ، فإما بطريقة ما وصفك بما وصف به نفسه من ذات وصفات ، وجعله إياك خليفة نائبا عنه في أرضه ، وإما بما أنت عليه من الافتقار إليه في وجودك ، وإما الأمران معا ، لابد من ذلك ، 
فإنك لو علمت نفسك علمت ربك ، كما أن ربك علمك وعلم العالم بعلمه بنفسه ، وأنت صورته فلابد أن تشاركه في العلم ، فتعلمه من علمك بنفسك ، إذ كان الأمر في علم الحق بالعالم علمه بنفسه ، وجعلنا دليلا عليه فقدم معرفة الإنسان نفسه لأنه عين الدليل ، ولابد أن يكون العلم بالدليل مقدما على العلم بالمدلول ، فجعل صلى الله عليه وسلم نفس العارف إذا عرفها العارف دليلا على معرفة الله ، 
فعلمنا به فرع عن علمنا بنا ، إذ نحن عين الدليل ، فمن عرف نفسه خلقا موجودا عرف الحق خالقا موجدا ، فإن الحق تعالی انتسب إلينا إيجادا واتسبنا إليه وجودا ، ومن عرف أنه لم تزل عينه في مكانها عرف ربه بأنه الموجود في الوجود ، ومن عرف التغييرات الظاهرة في الوجود أنها أحكام استعداد الممکنات عرف ربه بأنه عين مظهرها ، ومن عرف نفسه بأنه لا يماثله الحق عرف ربه فإنه لا يماثله الخلق ، فيعرف نفسه معرفة ذوق ، فلا يجد في نفسه للألوهة مدخلا ، فيعلم بالضرورة أن الله لو أشبهه أو كان مثلا له لعرفه في نفسه ، وعلم بافتقاره أني ثم من يفتقر إليه ولا يمكن أن يشبهه ، فعرف ربه أنه ليس مثله
وقد تكون المعرفة بالله الحاصلة بعد المعرفة بالنفس علما بالعجز عن البلوغ إلى ذلك فيحصل العلم بأنه ثم من لا يعلم ، فعند العارفين ، الشرع أغلق في هذا القول باب العلم بالله لعلمه بأنه لا يصل أحد إلى معرفة نفسه ، فإن النفس لا تعقل مجردة عن علاقتها بهيكل تدبره ، منورا كان أو مظلمة ، فلا تعقل إلا كونها مدبرة ، ماهيتها
 
ص 428
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( على أصله الذي هو ربه فافهم"8"
فإنما حبب إليه النساء فحن إليهن لأنه من باب حنين الكل إلى جزئه،"9"
 فأبان بذلك عن الأمر في نفسه من جانب الحق )
……………………………………..
لا تعقل ولا تشهد مجردة عن هذه العلاقة ، ولذلك الله لا يعقل إلا إلها ، غير إله لا يعقل ، فلا يتمكن في العلم به تجريده عن العالم المربوب ، وإذا لم يعقل مجردة عن العالم لا تعقل ذاته، ولا شهدت من حيث هي ، فأشبه الغلم به العلم بالنفس، والجامع عدم التجريد وتخليص حقيقة ذاته من العلاقة التي بين الله وبين العالم والعلاقة التي بين نفسك وبين بدنها ، وكل من قال بتجريد النفس عن تدبير هيكل ما فما عنده خبر بماهية النفس ، فما أظن والله أعلم أنه أمرنا بمعرفته وأحالنا على نفوسنافي تحصيلها ، إلا لعلمه أنا لا ندرك ولا نعلم حقيقة نفوسنا ونعجز عن معرفتنا بنا فنعلم أنا به أعجز فيكون ذلك معرفة به لا معرفة ، فمن عجز عن معرفة نفسه عجز عن معرفة ربه ، وقد تكون المعرفة بالشيء العجز عن المعرفة به ، فيعرف العارف أن هذا المطلوب لا يعرف . 
الفتوحات ج 1 / 63 ، 95 ، 112 ، 331 ، 328 ، 347 ، 353 ، 399 ، 472 ، 383 ، 591 ، 661 ، 695 .
ج 2 / 176 ، 153 ، 225 ، 243 ، 256 ، 298 ، 429 ، 470 ، 472 ، 479 ، 500 ، .
ج 3 /  / 44 ، 101 ، 109 ، 289 ، 301 ، 315 ، 363 ، 391 ، 401 ، 401 ، 404 ، 412 ، 503 ، 536 ، 544 ، 553 ، 556 ، 557 .
ج 4 / 91 ، 147 ، 423 ، 432 ، 416 ، 455 
 
8 - وله في كل شيء آية تدل على أنه واحد
راجع کتابنا شرح كلمات الصوفية ص 141 


"" وله في كل شيء آية تدل على أنه واحد  - کتابنا شرح كلمات الصوفية ص 141 
فإن الحق هو المشهود بكل عين في نفس الأمر، ولا يعلم ذلك إلا آحاد من أهل اللّه،
وهو مثل قول الصديق: ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه قبله فعرفته؛
فإذا ظهر ذلك الشيء لعينه المقيد، وقد رأى اللّه قبله، ميزه في ذلك الشيء، وعلم أن ذلك الشيء ملبس من ملابس الحق، ظهر فيه للزينة، فتلك زينة اللّه التي تزين بها لعباده، هذا مقام الصديق، فلا يتميز أهل اللّه من غيرهم إلا بالعلم بذلك، لأن الأمر في نفسه على ذلك، وعند العامة لا يكون ذلك إلا لأهل العناية المتحققين بالحق، وغيرهم هو عندهم خلق بلا حق.
(فتوحات ج 1/ 607 - ج 3/ 147).
قال اللّه تعالى لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ فإن قدّم صاحب الشهود نظره للّه على نظره لنفسه، فهو مقام الصديق «ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه قبله»
وإن قدّم نظره في نفسه على نظره في ربه، كما قال صلى اللّه عليه وسلم «من عرف نفسه عرف ربه» وهو مقام من قال: ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه بعده؛ أي ما رأيت شيئا إلا وكان لي دليلا على اللّه.
(فتوحات ج 1/ 483)




ونحن نعلم قطعا أن ذوق الرسل فوق ذوق الأتباع بما لا يتقارب، فلا تظن أن سؤال موسى رؤية ربه، أنه فاقد للرؤية التي كانت حالة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه في قوله:
ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه قبله؛ هذه الرؤية ما هي الرؤية التي طلبها موسى من ربه، فإنها رؤية حاصلة له لعلو مرتبته، فإن ذوق الصادق ما هو ذوق الصديق، فالرؤية ثابتة بلا شك ذوقا ونقلا لا عقلا، فإن رؤية اللّه تعالى من محارات العقول، ومما يوقف عندها، ولا يقطع عندها بحكم من أحكامها الثلاثة . الأحكام الثلاثة الوجوب والإمكان والمحال.


إذ ليس للأنبياء ولا للأولياء من أهل اللّه علم باللّه يكون عن فكر، قد طهرهم اللّه عن ذلك، بل لهم فتوح المكاشفة بالحق، فمن الناس من يفتح له بالإيمان العام، وهو مطالعة الحقيقة كأبي بكر، ومنهم من يفتح له بالإنباء العام الذي لا شرع فيه، وهذان الفتحان باقيان في هذه الأمة إلى يوم القيامة.
(فتوحات ج 3/ 116، 153) ""




9 - حنين الرجل إلى المراة
المرأة والرجل وإن اجتمعا في الإنسانية ولكن يتميزا بأمر عارض عرض لهما وهو الذكورية للرجل والأنوثة للمرأة ، وخلقت منفصلة عنه ليحن إليها حنين من ظهرت سيادته بها ، فهو يحبها محبة من أعطاه درجة السيادة ، وهي تحن إليه حنين الجزء إلى الكل ، وهو حنين الوطن لأنه وطنها ، مع ما يضاف إلى ذلك من کون کل واحد موضعا لشهوته والتذاذه . 
الفتوحات ج 1 / 679 
 
ص 429
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (في قوله في هذه النشأة الإنسانية العنصرية «و نفخت فيه من روحي».
ثم وصف نفسه بشدة الشوق إلى لقائه فقال للمشتاقين «يا داود إني أشد شوقا إليهم» يعني المشتاقين إليه.
وهو لقاء خاص: فإنه قال في حديث الدجال إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت، فلا بد من الشوق لمن هذه صفته.
فشوق الحق لهؤلاء المقربين مع كونه يراهم فيحب أن يروه و يأبى المقام ذلك. فأشبه قوله «حتى نعلم» مع كونه عالما.
فهو يشتاق لهذه الصفة الخاصة التي لا وجود لها إلا عند الموت، فيبل بها شوقهم إليه كما قال تعالى في حديث التردد و هو من هذا الباب «ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن يكره الموت و أكره مساءته و لا بد له من لقائي».
فبشره وما قال له لا بد له من الموت لئلا يغمه بذكر الموت.
و لما كان لا يلقى الحق إلا بعد الموت كما قال عليه السلام «إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت» لذلك قال تعالى «ولا بد له من لقائي».
فاشتياق الحق لوجود هذه النسبة:
يحن الحبيب إلى رؤيتي ... و إني إليه أشد حنينا
و تهفو النفوس و يأبى القضا ... فأشكو الأنين و يشكو الأنينا "10"  )
 
……………………………………………..
10 - نسبة الشوق إلى الحق تعالی
هذا خبر لا علم لي بصحته ، فإنه لا علم لي به لا من الكشف ولا من رواية صحيحة ، إلا أنه مذکور مشهور ، فإن صح الخبر فإنه شوق كما يليق بجلاله ، وهو أن ينيلهم الراحة بلقاء من اشتاقوا إليه ، والوقت المقدر الذي لم يتبدل لم يصل ، فلابد من تأخر ما وقع الشوق الإلهي إليه .
والحنين للاشتياق ، والأنين للهيمان ، ولقاء الأحبة وفراقها مرتبط بسبق العلم وحلول الوقت وكرور الدور .
أبدا  تحن إليكم  الأرواح ….     ووصالكم ريحانها والراح 
وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم …… وإلی زمان لقاكمو ترتاح 
وارحمنا للعاشقين تحملوا  …… ثقل المحبة والهوى فضاح
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم …..   وكذا دماء البائحين تباح 
الفتوحات ج 2 / 173 ، 364 - الأعلاق - المسامرات .
 
ص 430
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 6:02 am

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية الجزء الثاني .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص المحمدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء الثاني

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية

ص 430

قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما أبان أنه نفخ فيه من روحه، فما اشتاق إلا لنفسه.
ألا تراه خلقه على صورته لأنه من روحه؟
ولما كانت نشأته من هذه الأركان الأربعة المسماة في جسده أخلاطا، حدث عن نفخه اشتعال  بما في جسده من الرطوبة، فكان روح الإنسان نارا لأجل نشأته.
ولهذا ما كلم الله موسى إلا في صورة النار وجعل حاجته فيها.
فلو كانت نشأته طبيعية لكان روحه نورا.
وكنى عنه بالنفخ يشير إلى أنه من نفس الرحمن، فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه، وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتعال نارا لا نورا. "11"
فبطن نفس الرحمن فيما كان به الإنسان إنساناثم اشتق )
……………………………………...
11 - الأرواح المدبرة *
يراجع الباب الأول والثاني من كتاب التدبيرات الإلهية
التحقيق عندنا أن الأرواح المدبرة للصور كانت موجودة في حضرة الإجمال غير مفصلة لأعيانها ، مفصلة عند الله في علمه ، فكانت في حضرة الإجمال كالحروف الموجودة بالقوة في المداد ، فلم تتميز لأنفسها وإن كانت متميزة عند الله ، مفصلة في حال إجمالها ، فلما سوى الله صور العالم ، أي عالم شاء ، كان الروح الكلي كالقلم واليمين الكاتبة ، والأرواح كالمداد في القنم ، والصور منازل الحروف في اللوح . 
فنفخ الروح في صور العالم فظهرت الأرواح متميزة بصورها ، فقيل هذا زيد وهذا عمرو ، وهذا فرس وهذا فيل وهذه حية ، وكل ذی روح ، وما ثم إلا ذو روح ، لكنه مدرك وغير مدرك ، فمن الناس من قال إن الأرواح في اصل وجودها متولدة من مزاج الصورة ، ومن الناس من منع من ذلك ، والطريقة الوسطى ما ذهبنا إليه .  الفتوحات ج 3 / 12
ويظهر في هذه الفقرة الالتباس الذي وقع لكاتبها بين النفس والروح ، فری ذلك من كلام الشيخ رضي الله عنه حيث يقول في الأرواح في . الفتوحات ج 2 / 67.
 
اعلم أن أول ما خلق الله العقل وهو الذي ظهرت منه هذه العقول بوساطة هذه النفوس الطبيعية ، وسماه الله في كتابه العزيز الروح وأضافه إليه فقال في حق النفوس الطبيعية وحق هذا الروح وحق هذه الأرواح الجزئية التي لكل نفس طبیعية « فإذا سويته و نفخت فيه من روحي » وهو هذا العقل الأكبر .
 
ص 431


قال الشيخ رضي الله عنه : (منه شخصا على صورته سماه امرأة، فظهرت بصورته فحن إليها حنين الشيء إلى نفسه، و حنت إليه حنين الشيء إلى )
………………………………………….
أما عن النفس بسكون الفاء فيقول في. الفتوحات ج 2 / 568.
 أول البرازخ في الأعيان وجود النفس الكلية ، فإنها وجدت عن العقل والموجد الله فلها وجه إلى سببها ، ولها وجه إلى الله فهي أول البرازخ ، 
فإذا علمت هذا ، فالنفس التي هي لطيفة العبد المدبرة هذا الجسم لم يظهر لها عين إلا عند تسوية هذا الجسد وتعديله ، فحينئذ نفخ فيه الحق من روحه ، فظهرت النفس بين النفخ الإلهي والجسد المسوي ، ولهذا كان المزاج يؤثر فيها ، وتفاضلت النفوس ، فإنه من حيث النفخ الإلهي لا تفاضل ، وإنما التفاضل في القوابل ، فلها وجه إلى الطبيعة ووجه إلى الروح الإلهي .
ويقول في الفتوحات ج 3/ 125: النفوس عن الطبيعة كانت ، فهي أمها وأبوها الروح 
ويقول في الفتوحات ج 2 / 503 : سمیت حقيقة الإنسان لطيفة لأنها ظهرت بالنفخ عند تسوية البدن للتدبير من الروح المضاف إلى الله في قوله « فإذا سويته ونفخت فيه من روحي » وهو النفس الإلهي ، فهو سر إلهي لطيف ينسب إلى الله على الإجمال من غير تكييف .
أما ما جاء في هذه الفترة من قوله " فلو كانت نشأته طبيعية "، فلا يصح نسبة هذا إلى الشيخ إذ هو القائل في الفتوحات ج 1 / 723  « عن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد وجسماني في عالم الأجسام العلوي والسفلي »۰
وكيف أن ينسب إلى الشيخ قوله « فكان روح الإنسان نارا » وهو القائل في الفتوحات ج 2 / 354 :  الإنسان مجموع الطبع والنور ، فالطبع يطلبه والنور يطلبه ، وكلف النور أن يغتبن ويترك كثيرا مما ينبغي له وتطلبه حقیقته ، لما يطابه الطبع من المصالح ، وأمر النور الذي هو الروح أن يوفيه حقه ، وهو قوله صلى  لمن قال له من أبر ؟ 
قال « أمك » ثلاث مرات ، ثم قال له في الرابعة « ثم أباك » فرجح بر الأم على بر الأب ، والطبيعة الأم ۰۰۰ 
فهذا كله من حقوق الأم التي هي طبيعة الإنسان ، وأبوه هو الروح الإلهي وهو النور ، فإذا ترك أمورا كثيرا من محابه من حيث نوريته ، فإنه يتصف بأنه مضرور وهو مأمور بالصبر . 
راجع فص 15 هامش 19 - الطبيعة
 
ص 432
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (نفسه، و حنت إليه حنين الشيء إلى وطنه. "12"
فحببت إليه النساء، فإن الله أحب من خلقه على صورته و أسجد له ملائكته النوريين على عظم قدرهم و منزلتهم و علو نشأتهم الطبيعية. فمن هناك وقعت المناسبة.
والصورة أعظم مناسبة وأجلها و أكملها: فإنها زوج أي شفعت وجود الحق ،"13" . كما كانت المرأة شفعت بوجودها الرجل فصيرته زوجا.
فظهرت الثلاثة حق ورجل و امرأة، "14"
فحن الرجل إلى ربه الذي هو أصله حنين المرأة إليه. فحبب إليه ربه النساء كما أحب الله من هو على صورته.
فما وقع الحب إلا لمن تكون عنه، و قد كان حبه لمن تكون منه و هو الحق.
فلهذا قال «حبب» و لم يقل أحببت من نفسه لتعلق حبه بربه الذي هو على صورته حتى في محبته لامرأته، فإنه أحبها بحب الله إياه تخلقا إلهيا.
ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة )
…………………………………………….
ومعلوم لدى الشيخ رضي الله عنه وغيره من العلماء أن النور والنار ينسب إلى الأجسام لا إلى الأرواح ولا النفوس ، فيقال أجسام نارية وأجسام نورية ذات أرواح ، وأما التعليل بقوله " ولهذا ما كلم الله موسى إلا في صورة النار وجعل حاجته فيها" ، فلا يصح نسبته أيضا إلى الشيخ .
راجع في ذلك فص 25 هامش 45
كل ما قدمنا يقطع بعدم صحة ما جاء في هذه الفقرة إلى الشيخ رضي الله عنده.
 
12 - «وجعل بينكم مودة ورحمة » الآية
الرحمة المجعولة هي ما يجده كل واحد من الزوجين من الحنان إلى صاحبه ؛ فيحن إليه ويسكن ، فمن حيث المرأة حنين الجزء إلى كله والفرع إلى أصله ، والغريب إلى وطنه ، وحنين الرجل إلى زوجته حنين الكل إلى جزئه لأنه به يصح عليه اسم الكل ، وبزواله لا يثبت له هذا الاسم ، وحنين الأصل إلى الفرع ، لأنه يمده ، فبالمودة والرحمة طلب الكل جزأه والجزء كله . الفتوحات ج 3 / 18.
 
13 - الظاهر في المظاهر موضوع المرايا فص 2، رقم 6، ص 45
وشفعت وجود الحق القديم بالوجود الحادث.
 
14 - نفس المعنى هامش 22 ، ص 442
 
ص 433
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، "15" 
و لهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، و لذلك أمر بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة.)
……………………………………………...
15 ، 17 - حب النساء
ما عدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله « حبب » ولم يذكر من حبه إلا لمعنى ، فإنه لم يقل أحببت ، فذلك محبب إليه لا أنه أحبه من نفسه ، فكلامنا من كونه حبب إليه ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان نبيا و آدم بين الماء والطين ، فكان منقطعة إلى ربه لا ينظر معه إلى كون من الأكوان لشغله بالله عنه ، فإن النبي مشغول بالتلقي من الله ومراعاة الأدب فلا يتفرغ إلى شيء دونه ، فحبب إليه النساء فكان أكثر الأنبياء نكاحا ، وما ورد قط عن نبي من الأنبياء أنه حبب إليه النساء إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن كانوا قد رزقوا منهن کتیرا کسليمان عليه السلام وغيره ، فأحبهن عناية من الله بهن ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبهن بكون الله حببهن إليه ، 
فكان من سنته صلى الله عليه وسلم النكاح لا التبتل ، وجعل النكاح عبادة ، للسر الإلهي الذي أودع فيه ، وليس إلا في النساء ، وذلك ظهور الأعيان عن الإنتاج ، فإن أعظم نعمة تكون النكاح لما فيه من إيجاد أعيان الأمثال ، فإن ذلك إيجاد النعم الموجدة للسكر ، ولذلك حبب الله إليه صلى الله عليه وسلم النساء وقواه على النكاح وأثنى على التبعل وذم التبتل ، ولما كان النساء محل التكوين و كان الإنسان بالصورة ( أي الصورة التي خلق عليها ) يقتضي أن يكون فعالا ، 
ولابد له من محل يفعل فيه ، ويريد لكماله أن لا يصدر عنه إلا الكمال ، كما كان في الأصل الذي أعطى كل شيء خلقه ، وهو كمال ذلك الشيء ، ولا أكمل من وجود الإنسان ولا يكون ذلك إلا في النساء اللاتي جعلهن الله محلا ، 
والمرأة جزء من الرجل بالانفعال الذي انفعلت عنه ، فحبب إلى الكامل النساء ، ولما كانت المرأة كما ذكرت عين ضلع الرجل ، فما كان محل تكوين ما كون فيها إلا نفسه ، فما ظهر عنه مثله إلا في عينه ونفسه ، فحبب إليه صلى الله عليه وسلم النساء لأنهن محل الانفعال لتكوين أتم الصور وهي الصورة الإنسانية التي لا صورة أكمل منها ، فما كل محل انفعال له هذا الكمال الخاص ، فلذلك كان حب النساء مما امتن الله به على رسوله ج ، حيث حببهن
 
ص 434
 
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه )
………………………………………………………………..
إليه مع قلة أولاده صلى الله عليه وسلم ، فإنهن محل الانفعال والتكوين لظهور أعيان الأمثال في كل نوع ، ولا شك أن الله ما أحب أعيان العالم في حال عدم العالم إلا لكون تلك الأعيان محل الانفعال ، فلما توجه عليها من كونه مريدا قال لها «کن» فكانت فظهر ملکه بها في الوجود ، وأعطت تلك الأعيان له حقه في ألوهنه فكان إلها فعبدته بعالی . وإذا أحب المرأة لما ذكرناه فقد رده حبها إلى الله تعالی .
 
وحب النساء في هذا الحديث من الحب المطلق للنساء لا المقيد بشخص : وسبب الحب المطلق للنساء أن المرأة في الأصل خلقت من الرجل من ضلعه القصيری، فينزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الإنسان الكامل عليها ، وهي صورة الحق ، فجعلها الحق مجلى له ، وإذا كان الشيء مجلي للناظر فلا برى الناظر في تلك الصورة إلا نفسه ، فإذا رأى في هذه المرأة نفسه افتند حبه فيها وميله إليها ، لأنها صورته ، وقد تبين لك أن صورته صورة الحق التي أوجده عليها ، 
فما رأى إلا الحق ، ولكن بشهوة حب والتذاذ وصلة يفنى فيها فناء حق بحب صدق ، وقابلها بذاته مقابلة المثلية ، ولذلك فني فيها ، فما من جزء فيه إلا وهو فيها ، والمحبة قد سرت في جميع أجزائه فتعلق کله بها ، 
فلذلك فني في مثله الفناء الكلي بخلاف حبه غيره ، وأما تعلقه صلى الله عليه وسلم امرأة خاصة في ذلك دون غيرها ، وهو الحب المقيد ، وإن كانت هذه الحقائق التي ذكرناها سارية في كل امرأة فذلك لمناسبة روحانية بينه و بينها في أصل النشأة والمزاج الطبيعي والنظر الروحي . 
فكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة رضي الله عنها أكتر من حبه جميع نسائه ، وهذه هي المناسبات الثواني التي تعين الأشخاص ، والسبب الأول هو الحب المطلق .
فحب النساء فريضة اقتداء برسول الله مع ، فحنين الكامل إليهن حنين الكل إلى جزئه كاستيحاش المنازل إلى ساكنيها التي بهم حياتها ، ولأن المكان الذي في الرجل الذي استخرجت منه المرأة عمره الله بالميل إليها ، فحنينه إلى المرأة حنين الكبير وحنوه على الصغير ، فحبهن من شفقة الإنسان على نفسه ، ولأنهن محل
 
ص 435


قال الشيخ رضي الله عنه : (فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك"16"
فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل، و إذا شاهده في نفسه- من حيث ظهور المرأة عنه- شاهده في فاعل، و إذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة.
فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، و من نفسه من حيث هو منفعل خاصة.
فلهذا أحب صلى الله عليه و سلم النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا، فإن الله بالذات غني عن العالمين.
وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا، ولم تكن الشهادة إلا )

………………………………………………...

التكوين الصورة الكمال . 
أترى حبب الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما يبعده عن ربه ، لا والله ، بل حبب إليه ما يقربه من ربه . ولقد فهمت عائشة

أم المؤمنين ما أخذ النساء من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خيرهن ، فاختارته ، ولقد أبقى الله ملك اليمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة به بعد أن قال له «لا يحل لك النساء من بعد » لما جعل في قلبه من حب النساء ، وهذه من أشق آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن عرف فدر النساء وسرهن لم يزهد في حبهن ، بل من كمال العارف حبهن ، فإنه میراث نبوي وحب إلهي ، فإنه قال صلى الله عليه وسلم « حبب إلي » فلم ينسب حبه فيهن إلا إلى الله تعالى ، ومن أحب النساء حب النبي صلى الله عليه وسلم لهن فقد أحب الله ، فإن الله حبب النساء لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فما أحبهن طبعا ولكنه أحبهن بنحبيب الله إليه ، فهو عن تحبب لا عن حب طبيعي ، وما يعلم قدر النساء إلا من علم وفهم عن الله ما قاله في حق زوجتي رسول الله و عندما تعاونتا عليه وخرجتا عليه . 
الفتوحات ج 1 / 145 ، 444 - ج 2 / 49 ، 167 ، 190 ، 330 

الفتوحات ج 3 / 501 ، 503 ، 504 ، 55 - ج 4 / 84 ، 243 ، 269 ، 454 


16 - الاغتسال من الجنابة
الفناء يؤدي إلى عموم الطهارة ، فالغسل طهر يعم ، الغيبتك الكلية عن علم نكاح الصورتين المثلية العقلية والمثلية الشرعية ، « ليس كمثله شيء » مثلية عقلية ، « خلق الله آدم على صورته » مثلية شرعية .
راجع كتاب النزلات الموصلية


ص 436


قال الشيخ رضي الله عنه : (في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود و أكمله.
وأعظم الوصلة النكاح و هو نظير التوجه الإلهي على من خلقه على صورته ليخلفه فيرى فيه نفسه "17"
فسواه وعدله و نفخ فيه من روحه الذي هو نفسه، فظاهره خلق وباطنه حق.
ولهذا وصفه بالتدبير لهذا الهيكل، فإنه تعالى به «يدبر الأمر من السماء» وهو العلو، «إلى الأرض»، و هو أسفل سافلين، لأنها أسفل الأركان كلها.
وسماهن بالنساء وهو جمع لا واحد له من لفظه، ولذلك قال عليه السلام «حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء» ولم يقل المرأة، فراعى تأخرهن في في الوجود عنه ، فإن النسأة هي التأخير قال تعالى «إنما النسيء زيادة في الكفر».
والبيع بنسيئة يقول بتأخير، ولذلك ذكر النساء.
فما أحبهن إلا بالمرتبة و أنهن محل الانفعال فهن له كالطبيعة للحق التي فتح فيها صور العالم بالتوجه الإرادي و الأمر الإلهي الذي هو نكاح في عالم الصور العنصرية، و همة في عالم الأرواح النورية، و ترتيب مقدمات في المعاني للإنتاج.
و كل ذلك نكاح الفردية الأولى في كل وجه من هذه الوجوه.
فمن أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهي، و من أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة، فكان صورة بلا روح عنده، وإن كانت تلك الصورة في نفس الأمر ذات روح و لكنها غير مشهودة لمن جاء لامرأته أو لأنثى حيث كانت- لمجرد الالتذاذ،) 

……………………………………...

17 - راجع هامش 15
 

 18 - النكاح
النكاح أصل في الأشياء ، فله الإحاطة والفضل والتقدم ، ولهذا سرى النكاح في المعاني والمحسوسات ، فالمحيل أب ، والمستحيل أم . 
والاستحالة نكاح : والذي استحال إليها این ، فكل أب علوي فإنه مؤثر ، وكل أم سفلية فإنها مؤثر فيها ، وكل نسبة بينهما معينة نكاح وتوجه ، وكل نتيجة ابن ، فأول الآباء العلوية معلوم. وأول الأمهات السفلية شيئية المعدوم المسكن، وأول نکاح القصد بالأمر ، وأول ابن موجود عين تلك القيئية التي ذكرنا ، فهذا أب سار الأبوة ، وتلك أم سارية الأمومة : ودلك نکاح سار في كل شيء ، والنتيجة دائمة لا تنقطع في حق كل ظاهر العين ، فهدا يسمى عندنا النكاح الساري في جميع الذراري . يقول الله تعالى في الدليل على ما قلناه « إنما قولنا لشيء إذا أدرناه أن تقول له كن فيكون » ولنا فيه کتاب شریف،


ص 437


قال الشيخ رضي الله عنه : (ولكن لا يدري لمن.
فجهل من نفسه ما يجهل الغير منه ما لم يسمه هو بلسانه حتى يعلم كما قال بعضهم:
صح عند الناس أني عاشق ... غير أن لم يعرفوا عشقي
لمن كذلك هذا أحب الالتذاذ فأحب المحل الذي يكون فيه وهو المرأة، ولكن غاب عنه روح المسألة. فلو علمها لعلم بمن التذ ومن التذ وكان كاملا.
و كما نزلت المرأة عن درجة الرجل بقوله «وللرجال عليهن درجة» "19"
نزل المخلوق )
………………………………………….
منيع الحمي ، البصير فيه أعمى ، فكيف من حل به العمي ، فالحق أوجد العالم عن ذات موصوفة بالقدرة والإرادة . فتعلقت الإرادة بإيجاد موجود ما وهو التوجه . متل اجتماع الزوجين ، فنفذ الاقدار ، فأوجد ما أراد ، فعين الممكن يسي أهلا . والتوجه الإرادي الحبي نكاحا ، والإنتاج إيجادة في عين ذلك الممكن وجودا ، والنكاح الغيبي هو نكاح المعاني والأرواح فأشبهت المقدمات النكاح من الزوجين بالوقاع ليكون منه الإنتاج .
الفتوحات  ج 1 / 39 - ج 2 / 167 ، 412 ، 413 ، 656 - ج 3 / 365 ، 516 .

 

19 - وللرجال عليهن درجة - « الآية »
لم يكن للرجال على النساء درجة من حيث الإنسانية ، ففضل الذكور على الإناث مفاضله عرضية لا ذاتية. وإنما الدرجة هي أن حواء منفعلة عن آدم مستخرجة متكونة من الضلع القصير ، والمنفعل لا يقوى قوة الفاعل ، ففصرت بذلك أن تلحق بدرجة من انفعلت عنه ، فلا تعلم من مرتبة الرجل إلا حد ما خلقت منه ، وهو الضلع، فقصر إدراكها عن حقيقة الرجل، فبهذا القدر يمتاز الرجال على النساء وقد تبلغ المرأة من الكمال درجة الرجل غير أن الغالب فضل عقل الرجل على عقل المراة ، لأنه عقل عن الله قبل عقل المرأة لأنه تقدمها في الوجود ، والأمر الإلهي لا ينكرر . 
فالمشهد الذي حصل للمتقدم لا سبيل أن يحصل للمتأخر ، فآدم أصل الحواء . \
فصح للأب الأول الدرجة عليها ، لكونه أصلا لها ، فالدرجة درجة الانفعال، فإنها لما انفعلت عنه كان له عليها درجة السبق ، فالمرأة محل الانفعال والرجل ليس كذلك ، ومحل الانفعال لا يكون له رتبة أن يفعل فلها النقص . 
الفتوحات ج 1 / 136 ، 679 - ج 2 / 471 - ج 3 / 353 


ص 438


قال الشيخ رضي الله عنه : (على الصورة عن درجة من أنشأه على صورته مع كونه على صورته.
فبتلك الدرجة التي تميز بها عنه، بها كان غنيا عن العالمين وفاعلا أولا، فإن الصورة فاعل ثان.
فما له الأولية التي للحق. فتميزت الأعيان بالمراتب: فأعطى كل ذي حق حقه كل عارف. "20" 
فلهذا كان حب النساء لمحمد صلى الله عليه و سلم عن تحبب إلهي وأن الله «أعطى كل) 
…………………………………...
20 - إثبات وجه جامع بين الواجب واتمكن محال *
إضافة إلى ما سبق من الفعل والانفعال الصورة قد تكون في اللسان الأمر والشأن . 
فقوله إن الله حلق آدم علی صورته أي على أمره وشأنه . 
فيدلك ذلك على أنه ما أراد بالصورة النشأة وإنما أراد الأمر والحكم ، فأظهر الحق في الوجود صورتين متماتلتين . كصورة النار في المرآة ، ما هي عينه ولا هي غيره . فظهر المقدار والشكل الذي لا يقبله الواجب الوجود لنفسه وهو الناظر في المرآة . فهو من حیب حقائفه هو هو . ومن دیب مقداره وشكله ما هو هو . وإنما هو من أثر حضرة الإمكان فيه الذي هو المراد . فالإنسان يوازن بصورته حضرة موجده . ذاتا وصفة وفعلا . 
ولا يلزم من الورن الاشتراك في حقيقة الموزونين ، فإن الذي يوزن به الذهب المسكوك هو منجه حديد ، فليس يشبهه في ذاته ولا صفنه ولا عدده ، فليعلم الإنسان أن لا يوزد بالصورة الإنسانية إلا ما تطلبه الصورة بجميع ما تحوي عليه بالأسماء الإلهية الي توجهت على إيجاده ، وأظهرت آتارها فيه ، وكما لم نكن مسنجة الحديد نوازد الذهب في حد ولا حقيقة ولا صورة عين ، كذلك العبد وإن خلفه الله على صورته ، فلا يجتمع معه في حد ولا حقيقة ، إذ لا حد لذاته . 
والإنسان محدود بحد ذاتي الا رسمي ولا لفظي، وكل مخلوق على هذا الحد، والإنسان أكمل المخلوقات واجمعها من حيث نشأته ومرتبته ، فيجب أن يزول عنه ما ينوهمه في الصورة من أنه ذات وأنت ذات ، وأنك موصوف بالحي العالم وسائر الصفات ، وهو كذلك ، فليس المراد بالصورة هذا ، فإن الله الخالق وأنت العبد المخلوق ، وكيف للصنعة أن نكون تعلم صانعها ، وإنما تطلب الصنعة من الصانع صورة علمه بها لا صورة ذاته ، وأنت


ص 439
قال الشيخ رضي الله عنه : ( شيء خلقه» و هو عين حقه.
فما أعطاه إلا باستحقاق استحقه بمسماه: أي بذات ذلك المستحق.
وإنما قدم النساء لأنهن محل الانفعال، كما تقدمت الطبيعة على من وجد منها بالصورة.
وليست الطبيعة على الحقيقة إلا النفس الرحماني، فإنه فيه انفتحت صور العالم أعلاه و أسفله لسريان النفخة في الجوهر الهيولاني في عالم )
………………………………………………...
صنعة خالقك ، فصورت مطابقة لصورة علمه بك ، وهكذا كل مخلوق . ولو لم يكن الأمر كذلك وكان يجمعكما حد وحقيقة ، كما يجمع زيدا وعمرا لكنت أنت إلها . ويكون هو مألوها ، حتى يجمعكما حد واحد ، والأمر على خلاف ذلك . 
ولا تصح العبودية المحضة التي لا يشوبها ربوبية أصلا إلا للإنسان الكامل وحده ، ولا تصح ربوبية أصلا لا تشوبها عبودية بوجه من الوجوه إلا الله تعالى ، فالإنسان على صورة الحق من التنزيه والتقديس عن السوب في حقيقته . 

فهو المألوه المطلق ، والحق هو الإله المطلق ، وأعني بهذا الإنسان الكامل ، وما ينفصل الإنسان الكامل عن غير الكامل إلا برقيقة واحدة ، وهي أن لا يشوب عبوديته ربوبية أصلا.
أما عن أولية الحق فيقول الشيخ رضي الله عنه في قوله تعالى « هو الأول والآخر والظاهر والباطن » - الآية - اعلم أن الأزل عبارة عن نفي الأولية لمن يوصف به ؛ وهو وصف الله تعالى من كونه إلها . 

وإذا انتفت الأولية عنه من كونه إلها ، فهو المسی بكل اسم سسی به نفسه أزلا ، ولم يزل مسسي بهذه الأسماء ، وانتفت عنه أولية التقييد ، فسمع المسموع وأبصر البصر إلى غير ذلك وأعيان المسموعات منا والمبصرات معدومة غير موجوده، وهو يراها أزلا كما يعلمها أزلا، ويميزها ويفصلها از لا ولا عين لها في الوجود النفسي العيني . بل هي أعيان ثابتة في رتبة الإمكان ، فالإمكانية لها أزلا كما هي لها حالا وأبدا ، لم تكن قط واجبة لنفسها ثم عادت مسكنة ، ولا محالا ثم عادت ممكنة ، بل كان الوجوب الذاتي لله تعالى ازلا ، كذلك وجوب الإمكان للعالم أزلاء ، فالله في مرتبته بأسمائه الحسنى يسی منعوتأ وموصوفا بها ، فعين نسبة الأول له نسبة الآخر والظاهر والباطن ، لا يقال هو أول بنسبة كذا و آخر بنسبة كذا ، فإن الممكن مرتبط بواجب الوجود في وجوده وعدمه ارتباط 


ص 440
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 6:02 am

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية الجزء الثالث .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص المحمدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء الثالث

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية

ص 440
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الأجرام خاصة. "21"
وأما سريانها لوجود الأرواح النورية و الأعراض فذلك سريان آخر.
ثم إنه عليه السلام غلب في هذا الخبر التأنيث على التذكير لأنه قصد التهمم بالنساء فقال «ثلاث» ولم يقل «ثلاثة» بالهاء الذي هو لعدد الذكران، إذ وفيها ذكر الطيب وهو مذكر، وعادة العرب أن تغلب التذكير على التأنيث فتقول «الفواطم )
………………………………………...
افتقار إليه في وجوده ، فإن أوجده لم يزل في مكانه ، وإن عدم لم يزل عن إمكانه ، فكما لم يدخل على الممكن في وجود عينه بعد أن كان معدوما صفة تزيله عن إمكانه ، كذلك لم يدخل على الخالق الواجب الوجود في إيجاده العالم وصف يزيله عن وجوب وجوده لنفسه ، فلا يعقل الحق إلا هكذا ولا يعقل الممكن إلا هكذا ، فأولية العالم وآخرته أمر إضافي ، فالأول من العالم بالنسبة إلى ما يخلق بعده ، والآخر من العالم بالنسبة إلى ما يخلق قبله ، وليس كذلك معقولية الاسم الله الأول والآخر والظاهر والباطن ، فإن العالم يتعدد والحق واحد لا يتعدد ، ولا يصح أن يكون أولا لنا ، بل كان ينطلق علينا اسم الثاني لأوليته ولسنا بثان له تعالى عن ذلك ، فليس هو بأول لنا ، فلهذا كان عين أوليته عين آخريته ، فإن الله تعالى هو الأول الذي لا أولية لشيء قبله ، ولا أولية التي يكون قائمة به أو غير قائم به معه ، فهو الواحد سبحانه في أوليته فلا شيء واجب الوجود لنفسه إلا هو . 
الفتوحات ج 1 / 189 .

راجع فص 19، هامش 6، ص 256
"" 6 -  قوله تعالى « هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم » - فص 19، هامش 6، ص 256
اعلم أن الذات الأزلية لا توصف بالأولية ، وإنما يوصف بها الله تعالى ، فقوله : و هو "الأول " الضمير يعود على الله من « الله » في الآية السابقة ، والأول خبر الضمير الذي هو المبتدأ ، وهو في موضع الصفة لله ، ومسمى الله إنما هو من حيث المرتبة ، فهو الأول له منزلة الأولية الإلهية ، ومن هذه الأولية صدر ابتداء الكون ، ومنه تستمد كلها ، وهو الحاكم فيها ، وهي الجارية على حكمه وتفي السبب عنه ، فإن أولية الحق تمد أولية العبد، فإن الابتداء الأكوان شواهد فيها أنها لم تكن لأنفسها ثم كانت ، فمعقولية الأولية للواجب المطلق نسية وضعية لا يعقل لها العقل سوی استناد الممكن إليه ، فيكون أولا بهذا الاعتبار ،

ولو قدر أن لا وجود لممكن قوة وفعلا لاتفت النسبة الأولية إذ لا تجد متعلقا ، فلما كان أول مخلوق ظهر هو العقل أو القلم الإلهي كان الله الأول بالمرتبة فهو الأول بأولية الأجناس وأولية الأشخاص و « الآخر » فهو الآخر آخرية الأجناس لا آخرية الأشخاص ، فإليه يعود الأمر كله ، وقال « وإليه ترجعون » 
وقال « ألا إلى الله تصير الأمور » فهو الآخر كما هو الأول وكل مقام إلهي يتأخر عن مقام کوني فهو من الاسم الآخر مثل قوله تعالى : « فاذكروني أذكركم » 
وقوله : « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم » وقوله : « من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا » 
وقوله صلى الله عليه وسلم  : « فاتبعوني يحببكم الله » فالأمر يتردد بين الاسمين الإلهيين الأول والآخر ، وعين العبد مظهر لحكم هذين الاسمين فهو تعالى « الأول » بالوجود « والآخر» في الشهود .
فالأول الحق بالوجود  …. والآخر الحق بالشهود 
إليه عادت أمور کونی ….  فإنما الرب بالعبيد
فكل ما أنت فيه  …. حق ولم تزل في مزيد 
وهو الإله الظاهر والباطن ، فإنه لما كان العالم له الظهور والبطون ، كان هو سبحانه الظاهر لنسبة ما ظهر منه ، والباطن لنسبة ما بطن منه ، وهو تعالى « الظاهر » لنفسه لا لخلقه فلا یدر که سواه أصلا ، وأما ما ظهر فإنما هو ظهور أحكام أسمائه الحسنی ، وظهور أحكام أعياننا في وجود الحق ، وهو من وراء ما ظهر ، فلا أعياننا تدرك رؤية ، ولا عين الحق تدرك رؤية ، ولا أعيان أسمائه تدرك رؤبة : ونحن لا نشك أنا قد أدركنا أمرا ما رؤية ، وهو الذي تشهده الأبصار منا، فما ذلك إلا الأحكام التي لأعياننا ظهرت لنا في وجود الحق ، فكان مظهرا لها ، فظهرت أعياننا ظهور الصور في المرائي ، ما هي عين الرائي ، ولا هي عين المجلى ، « والباطن » البطون الذي يختص بنا كما يختص به الظهور ، وإن كان له البطون فليس هو باطن لنفسه ولا عن نفسه ، كما أنه ليس ظاهرا لنا ،

فالبطون الذي وصف نفسه به إنما هو في حقنا ، فلا يزال باطنا عن إدراكنا إياه حسا ومعنى ، فإنه ليس كمثله شيء ، ولا تدرك إلا الأمثال ، ولما كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلى وهو الاسم الظاهر ، فالظاهر للصور والباطن للعين ، فالعين غيب أبدا ، والصورة شهادة أبدا ، وكل زيادة في العلم أي علم كان لا تكون إلا عن التجلي الإلهي ، فالتجلي الصوري يدرك بعالم الحس في برزخ التمثل الظاهر النفس ، وإذا وفع التجلي بالاسم الظاهر الباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد ، وهو المعبر عنها بالنصوص ،

فالحق هو الظاهر الذي نشهده العيون والباطن الذي تشهده العقول ، فهو مشهود للبصائر والأبصار ، غير أنه لا يلزم من الشهود العلم بأنه هو ذلك المطلوب إلا بإعلام الله ،
فتجلي الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة إنما هو من الاسم الظاهر ،

وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أن لا يقع فيها تجل أبدا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأحوال العالم مع الله على ثلاث مراتب ، مرتبة يظهر فيها تعالى بالاسم الظاهر فلا يبطن عن العالم شيء من الأمر ، وذلك في موطن مخصوص ، وهو في العموم موطن القيامة ، ومرتبة يظهر فيها الحق في العالم في الباطن فتشهده القلوب دون الأبصار ،

ولهذا يرجع الأمر إليه ، ويجد كل موجود في فطرته الاستناد إليه والإقرار به من غير علم به ولا نظر في دليل ، فهذا من حكم نجليه سبحانه في الباطن ومرتبة ثالثة له فيها تجل في الظاهر والباطن ، فيدرك منه في الظاهر قدر ما تجلى به ويدرك منه في الباطن قدر ما تجلى به ، فله تعالى التجلي الدائم العام في العالم على الدوام وتختلف مراتب العالم فيه لاختلاف مراتب العالم في نفسها فهو يتجلى بحسب استعدادهم ، فهو عند العارفين اليوم في الدنيا على حكم تجليه في القيامة ، فيشهده العارفون في صور الممكنات المحدثات الوجود . 
وينكره المحجوبون من علماء الرسوم ، ولهذا يسمى بالظاهر في حق هؤلاء العارفين والباطن في حق هؤلاء المحجوبين ، وليس إلا هو سبحانه : فأهل الله الذين هم أهله لم يزالوا ولا يزالود دنیا وآخرة في مشاهدة عينية دائمة وإن اختلفت الصور فلا يقدح ذلك عندهم .
راجع فتوحات ج 1 / 46 ، 166 ، 175 - ج 2 / 31 ، 56 ، 95 - ج 3 / 161 ، 178 ، 484 ، 541 - ج 4 / 299 ، 301 - ديوان. أهـ ""

من هذا يتضح عدم صحة ما جاء في هذه الفقرة « نزل المخلوق على الصورة عن درجة من أنشأه على صورته ، وقوله " فإن الصورة فاعل ثان ، فما له الأولية التي للحق "، فإنه القائل « إثبات وجه جامع بين الواجب والممكن محال » - 

راجع کتابنا الرد على ابن تيمية من ص 43 إلى ص 48 .
فمن يقول ما أثبتناه هناك لا يمكن أن يقول أن المخلوق أنزل مرتبة من الخالق .


""رد ما قاله ابن تيمية من أن الشيخ الأكبر يجعل وجود المحدث عين وجود القديم:   کتاب الرد على ابن تيمية
أما المثال الذي أورده ابن تيمية في القديم والمحدث، مستدلا به على أن الشيخ الأكبر يذم الإمام الجنيد، فإن هذا الكلام غير موجود لا في الفتوحات المكية ولا في فصوص الحكم، ولا شك أن الإمام ابن تيمية دخل بين إمامين في علم الكشف والأذواق، وأقحم نفسه في علم لا يعرفه وليس له فيه قدم،
وإن كان الإمام من شيوخ الاسلام وإماما في الفقه، فلا أظن أن الإمام يعتقد في نفسه أنه إمام في كل فن وفي كل علم، ولو حاول هو ذلك بكلامه عن التصوف، والدليل على ذلك أن ابن تيمية يرد قول الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي فيما نسبة إلى الإمام الجنيد،
ويشرح فهمه من ذلك، وهو أن الشيخ الأكبر يقول: إن وجود المحدث هو عين وجود القديم؛ ويقول: إن الشيخ الأكبر ينكر التمييز بين القديم والمحدث وبين الخالق والمخلوق؛ وإليه ما يقوله الشيخ الأكبر في ذلك إن كان لم يعثر عليه، وهو في الفتوحات المكية.
 
الجزء الأول الصفحة 41: لا يصح أن يجتمع الخلق والحق في وجه أبدا من حيث الذات، لكن من حيث أن هذه الذات منعوتة الألوهة، فهذا حكم آخر تستقل العقول بإدراكه.
وفي الصفحة نفسها يقول: إثبات وجه جامع بين الواجب والممكن محال، فإن وجوه الممكن تابعة له، وهو في نفسه يجوز عليه العدم، فتوابعه أحرى وأحق بهذا الحكم، ويثبت للممكن ما ثبت للواجب بالذات من ذلك الوجه الجامع، وما ثم شيء ثبت للممكن من حيث ما هو ثابت للواجب بالذات، فوجود وجه جامع بين الممكن والواجب بالذات محال.
 
وفي الصفحة 46: أعلم الممكنات لا يعلم موجده إلا من حيث هو، فنفسه علم ومن هو موجود عنه، غير ذلك لا يصح، لأن العلم بالشيء يؤذن بالإحاطة به والفراغ منه، وهذا في ذلك الجناب محال، فالعلم به محال، ولا يصح أن يعلم منه لأنه لا يتبعض، فلم يبق العلم إلا بما يكون منه، وما يكون منه هو أنت، فأنت المعلوم - لو علمته لم يكون هو، ولو جهلك لم تكن أنت، فبعلمه أوجدك، وبعجزك عبدته، فهو هو لهو لا لك، وأنت أنت لأنت وله، فأنت مرتبط به، ما هو مرتبط بك.
 
وفي الصفحة 366: فكما لا يكون الرب عبدا، كذلك لا يكون العبد ربا، لأنه لنفسه هو عبد، كما أن الرب لذاته هو رب، فلا يتصف العبد بشيء من صفات الحق بالمعنى الذي اتصف بها الحق، ولا الحق يتصف بما هو حقيقة للعبد. . (إلى أن يقول). . وينبغي للعبد أن لا تظهر عليه إلا العبادة المحضة. . (إلى أن يقول). . . واللّه ما عرف اللّه إلا اللّه، فلا تتعب نفسك يا صاحب النظر، ودر مع الحق كيفما دار، وخذ منه ما يعرفك به من نفسه، ولا تقس فتفتلس، لا بل تبتئس.
 
الجزء الثاني الصفحة 166: الإجماع هو ما أجمع عليه الرب والمربوب، في أن اللّه خالق والعبد مخلوق.
 
الجزء الثالث الصفحة 224: فمن كان من أهل هذه الأرض الواسعة، حيل بينه وبين الصورة التي خلق عليها، فكان عبدا محضا، شاهدا بشاهد الحق في عين ذاته، فالشهود له دائم، والحكم له لازم، وهؤلاء هم المسودون « أي لهم السيادة »،  
الوجه « الوجه: وجه الشيء ذاته، أي لهم السيادة الذاتية، بمجرد نظر الناس إليهم في الدنيا، وفي الآخرة يعرفون أن هؤلاء هم السادة.»
في الدنيا والآخرة، إذا علمت ذلك، فالرب رب والعبد عبد، فلا تغالط ولا تخالط.
 
الجزء الثالث الصفحة 231: فما الأمر إلا عبد ورب، فما هو إلا أنت وهو، فالطائع مهتد، والعاصي حائر بين ما أريد منه وما أمر به.
 
الجزء الثالث الصفحة 371: كل ضدين وإن تقابلا أو مختلفين من العالم، فلا بد من جامع يجتمعان فيه، إلا العبد والرب، فإن كل واحد لا يجتمع مع الآخر في أمر ما من الأمور جملة واحدة، فالعبد من لا يكون فيه من الربوبية وجه، والرب من لا يكون فيه من العبودية وجه، فلا يجتمع الرب والعبد أبدا، وغاية صاحب الوهم أن يجمع بين الرب والعبد في الوجود، وذلك ليس بجامع، فإني لا أعني بالجامع إطلاق الألفاظ، وإنما أعني بالجامع نسبة المعنى إلى كل واحد على حد نسبته إلى الآخر، وهذا غير موجود في الوجود المنسوب إلى الرب والوجود المنسوب إلى العبد، فإن وجود الرب عينه، ووجود العبد حكم يحكم به على العبد، ومن حيث عينه قد يكون موجودا وغير موجود، والحد في الحالين على السواء في عينه، فإذا ليس وجوده عينه، ووجود الرب عينه، فينبغي للعبد أن لا يقوم في مقام يشم منه فيه روائح ربوبية، فإن ذلك زور وعين جهل.
وهذا الكلام الصريح من الشيخ الأكبر رضي اللّه عنه في هذه الأسطر البيّنة، يرد ما جاء في قول الإمام ابن تيمية من أن الشيخ الأكبر أنكر التمييز بين القديم والمحدث، وبين الخالق والمخلوق، ويرد فهم ابن تيمية بأن الشيخ الأكبر يعني أن وجود المحدث هو عين وجود القديم.
 
وفي الجزء نفسه الصفحة 374: وقد رميت بك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه، فتعلم من أنت ومن الحق، فيتميز الرب من العبد.
 
وفي الصفحة 378 يقول: فلا يجتمع الخلق والحق أبدا في وجه من الوجوه، فالعبد عبد لنفسه، والرب رب لنفسه، فالعبودية لا تصح إلا لمن يعرفها، فيعلم أنه ليس فيها من الربوبية شيء، والربوبية لا تصح إلا لمن يعرفها، فيعرف أنه ليس فيها من العبودية شيء، وإنا نعلم قطعا أن الأسماء الإلهية التي بأيدينا، تطلق على اللّه وتطلق علينا، ونعلم قطعا بعلمنا برتبتنا وبعلمنا برتبة الحق، أن نسبة تلك الأسماء - التي وقع في الظاهر الاشتراك في اللفظ بها - إلى اللّه غير نسبتها إلينا، فما انفصل عنا إلا بربوبيته، وما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا، فمن لزم رتبته منا فما جنى على نفسه، بل أعطى الأمر حقه.
 
وفي الجزء الثالث الصفحة 408: اعلم أن الحكمة في الأشياء كلها والأمور أجمعها، إنما هو للمراتب لا للأعيان، وأعظم المراتب الألوهية، وأنزل المراتب العبودية، فما ثمّ إلا مرتبتان، فما ثمّ إلا رب وعبد، لكن للألوهة أحكام، كل حكم منها يقتضي رتبة،
فإما يقوم ذلك الحكم بالإله، فيكون هو الذي حكم على نفسه، وهو حكم المرتبة في المعنى، ولا يحكم بذلك الحكم إلا صاحب المرتبة، لأن المرتبة ليست وجود عين، وإنما هي أمر معقول، ونسبة معلومة محكوم بها، ولها الأحكام، وهذا من أعجب الأمور، تأثير المعدوم، وإما أن يقوم ذلك الحكم بغيره في الموجود،
إما أمرا وجوديا وإما نسبة، فلا تؤثر إلا المراتب، وكذلك للعبودة أحكام، كل حكم منها رتبة، فإما يقوم ذلك الحكم بنفس العبد، فما حكم عليه سوى نفسه، فكأنه نائب عن المرتبة التي أوجبت له هذا الحكم، أو يحكم على مثله أو على غيره،
وما ثمّ إلا مثل أو غير في حق العبد، وأما في الإله فما ثمّ إلا غير لا مثل، فإنه لا مثل له،
 
فأما الأحكام التي تعود عليه من أحكام الرتبة: وجوب وجوده لذاته، والحكم بغنائه عن العالم، وإيجابه على نفسه بنصر المؤمنين بالرحمة، ونعوت الجلال كلها التي تقتضي التنزيه، ونفي المماثلة،
وأما الأحكام التي تقتضي بذاتها طلب الغير: فمثل نعوت الخلق كلها، وهي نعوت الكرم والإفضال والجود والإيجاد، فلا بد فيمن؟ وعلى من؟ فلا بد من الغير، وليس إلا العبد،
وما منها أثر يطلب العبد، إلا ولا بد أن يكون له أصل في الإله، أوجبته المرتبة، لابد من ذلك، ويختص تعالى بأحكام من هذه المرتبة لا تطلب الخلق كما قررنا، ومرتبة العبد تطلب من كونه عبدا أحكاما، لا تقوم إلا بالعبد من كونه عبدا خاصا، فهي عامة في كل عبد لذاته، ثم لها أحكام تطلب تلك الأحكام وجود الأمثال، ووجود الحق.
 
الجزء الثالث الصفحة 356: فثبت أنه ما ثمّ إلا حق لحق وحق لخلق، فحق الحق ربوبيته، وحق الخلق عبوديته، فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا، فإن النعوت عند المحققين لا أثر لها في العين المنعوتة، ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عينا.
 
الجزء الثالث الصفحة 397: إن كل ما سوى الحق عرض زائل وغرض ماثل، وإنه وإن اتصف بالوجود - وهو بهذه المثابة في نفسه - في حكم المعدوم، فلا بد من حافظ يحفظ عليه الوجود، وليس إلا اللّه تعالى، ولو كان العالم أعني وجوده لذات الحق لا للنسب، لكان العالم مساوقا للحق في الوجود، وليس كذلك، فالنسب حكم للّه أزلا، وهي تطلب تأخر وجود العالم عن وجود الحق، فيصح حدوث العالم، وليس ذلك إلا لنسبة المشيئة وسبق العلم بوجوده، فكان وجود العالم مرجحا على عدمه، والوجود المرجح لا يساوق الوجود الذاتي الذي لا يتصف بالترجيح.
 
ويقول في الجزء الثالث الصفحة 443: راجع قول الإمام ابن تيمية عن الحق والخلق ص 96.
 
الجزء الثالث الصفحة 506: تقدم حديث العماء وأن فيه انفتحت صور العالم، والذي يقوم عليه الدليل، أن كل شيء سوى اللّه حادث ولم يكن ثم كان، فينفي الدليل كون ما سوى اللّه، في كينونة الحق الواجب الوجود لذاته.
 
الجزء الثالث الصفحة 566: إن الأمر واحد في نفسه، فقد يتخيل العبد أن عينه الثابتة في العدم، ربما حصل لها الوجود، لما رآه من حكم عينها في وجود الحق، حتى انطلق عليه اسم هذا العين، وما علم أن الوجود وجود الحق، والحكم حكم الممكن، مع ثبوته في عدمه، فلما تخيل بعض الممكنات هذا التخيل، من اتصافه بالوجود، حكم بأنه قد شارك الحق في الوجود، وهو قد جهل في إمكانه نفسه، وأن جميع الممكنات مثله في هذا الحكم، فما ثمّ إلا أحدية مجردة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، فالأسماء والأحكام للممكنات، والوجود للحق تعالى.
 
الجزء الرابع الصفحة 226: اعلم أن الوجود قد انقسم في ذاته، إلى ما له أول وهو الحادث، وإلى ما لا أول له وهو القديم، فالقديم منه هو الذي له التقدم، ومن له التقدم له الرفعة، والحدوث له التأخر، ومن تأخر فله الانخفاض عن الرفعة، التي يستحقها القديم لتقدمه «ألا يكفي هذا النص الإمام ابن تيمية في تعريف الحادث والقديم».
 
الجزء الرابع الصفحة 314: فإنه (يعني الحق) لا يحمد ولا يمجد إلا بأسمائه، ولا تعقل مدلولات أسمائه إلا بنا، فلو زلنا نحن ذهنا ووجودا، لما كان ثمّ ثناء ولا مثن ولا مثنى عليه، فبي وبه كان الأمر وكمل، ومع هذا فهو غني عن العالمين، إذا لم يطلب كمال الأمر، فهو الكامل لنفسه وعينه وكونه، لأنه واجب الوجود لنفسه، لا تعلق له بالعالم لذاته،
وإنما كان التعلق من حيث أعيان الممكنات، لأنها تطلب نسبا تظهر بها عينها، وما ثمّ موجود تستند إليه هذه النسب إلا واحد، وهو اللّه الواجب الوجود لنفسه تعالى، فافتقرت إليه إضافات النسب، وافتقرت الممكنات إلى النسب، فافتقرت إليه، فهي أشد فقرا من النسب، فصح غناه عن العالم لذاته وعينه،
ولذلك نقول في التقسيم العقلي: إن الوجود طلب الكمال، والمعرفة طلبت الكمال، ولم تجد من بيده مطلوبها إلا الحق سبحانه، فافتقرت إليه في ذلك، فأوجد الحادث الذي هو عين الممكن، فكمل الوجود، أي كمل أقسام الوجود في العقل، وكذلك تعرّف إلى العالم فعرفوه بمعرفة حادثة، فكملت المعرفة به في التقسيم العقلي.
 
الجزء الرابع الصفحة 438: الوجود منقسم بينك وبينه، لأنه مقسوم بين رب وعبد، فالقديم الرب والحادث العبد، والوجود أمر جامع لنا.
وجاء في كتاب التراجم للشيخ الأكبر رضي اللّه عنه في ترجمة الكثيب.
ما ثمّ إلا حق وخلق، كل ما أقبلت على شيء أعرضت عن أمر آخر.
وجاء في كتاب المسائل للشيخ رضي اللّه عنه: لا يصح أن يجتمع الحق والخلق في وجه أبدا من حيث الذات.
وفيه يقول - وكيف للممكن أن يصل إلى معرفة الواجب بالذات، وما من وجه للممكن إلا ويجوز عليه العدم والدثور، فلو جمع بين الحق الواجب لذاته وبين العالم وجه، لجاز على الحق ما جاز على العالم من ذلك الوجه من الدثور، وهذا محال، فإثبات وجه جامع بين الحق والعالم محال.
وفيه أيضا يقول: ومن هنا زلت أقدام طائفة عن مجرى التحقيق،
فقالت: ما ثمّ إلا ما ترى، فجعلت العالم هو اللّه، واللّه نفس العالم ليس أمرا آخر، وسببه هذا المشهد لكونهم ما تحققوا به تحقق أهله، فلو تحققوا به ما قالوا بذلك، وأثبتوا كل حق في موطنه، علما وكشفا، فاترك تأويل الأخبار الواردة بالتشبيه لمن وصف بها نفسه، إذا لم تكن من أهل هذا الكشف والتحقيق، ولا تحمله عليك أصلا، فإنك تبطل أصلك، حيث تعتقد نفي التشبيه وما زلت منه، ولكن تركت التشبيه بالمخلوق المركب وأثبته بالمخلوق المعقول، وأنّى للممكن أن يجتمع مع الواجب بالذات في حكم أبدا.
ويقول في كتاب التراجم، ترجمة الإجابة:
معرفة الحق في وهبه، ولك التلقي، فبينك وبين الوهب مناسبة الكون، فمن الحق تعرف الحق لا من الخلق، وبالحق تعرف الحق لا بك، فالزم الحق للحق تجد الحق، فلا تطلب الحق من الطرق، فما ثمّ طريق إليه، لارتفاع الارتباط بين الحدوث والقدم.
 
ويقول في باب ترجمة الوجود من كتاب التراجم:
شأن القدم والحدوث ضدان، فإن سعدت فاشكر اللّه، وإن شقيت فلم نفسك أدبا.
وقد أوردت هذه النصوص، تأكيدا على أن فهم الإمام ابن تيمية من كلام الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي، أن وجود المحدث هو عين وجود القديم، ليس مقصودا لكلام الشيخ الأكبر، ولولا مخافة التطويل لأوردت من النصوص ما يحدد معنى وحدة الوجود، التي يخبط فيها الكثير خبط عشواء، ولا يفهمون لها معنى، ولا ماذا قصد القائلون بها، ولعل هذه النصوص تعطي بعض الضوء على معنى وحدة الوجود ، التي هي أم المشاكل عند كثير ممن يتهمون الشيخ الأكبر وأمثاله بالحلول والاتحاد، فلا هم فهموا القول ولا هم سلموه لقائله . أهـ. ""

21 - هو المراد بالنكاح هامش 18، ص 437
الطبيعة نفس الرحمن - فص 15، رقم 19، ص 237

ص 441


قال الشيخ رضي الله عنه : ( وزيد خرجوا» ولا تقول خرجن. فغلبوا التذكير وإن كان واحدا- على التأنيث وإن كن جماعة.
وهو العربي، فراعى صلى الله عليه و سلم المعنى الذي قصد به في التحبب إليه ما لم يكن يؤثر حبه.
فعلمه الله ما لم يكن يعلم و كان فضل الله عليه عظيما.
فغلب التأنيث على التذكير بقوله ثلاث بغير هاء. فما أعلمه صلى الله عليه و سلم بالحقائق، وما أشد رعايته للحقوق! ثم إنه جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التأنيث وأدرج بينهما المذكر.
فبدأ بالنساء و ختم بالصلاة و كلتاهما تأنيث، و الطيب بينهما كهو في وجوده، فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها و بين امرأة ظهرت عنه، فهو بين مؤنثين: تأنيث ذات و تأنيث حقيقي. "22"
كذلك النساء تأنيث حقيقي و الصلاة تأنيث غير حقيقي، والطيب مذكر بينهما كآدم بين الذات الموجود عنها و بين حواء الموجودة عنه و إن شئت قلت الصفة فمؤنثة أيضا، و إن شئت قلت القدرة فمؤنثة أيضا"23"
فكن على أي مذهب شئت، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم. والعلة مؤنثة.
وأما حكمة الطيب و جعله بعد النساء، فلما في النساء من روائح التكوين، فإنه أطيب الطيب عناق الحبيب.
كذا قالوا في المثل السائر. و لما خلق عبدا بالاصالة لم يرفع رأسه قط إلى السيادة، بل لم يزل ساجدا واقفا مع كونه منفعلا حتى كون الله عنه ما كونفأعطاه رتبة الفاعلية في عالم الأنفاس التي هي الأعراف الطيبة.
فحبب إليه الطيب: فلذلك جعله بعد النساء. فراعى الدرجات التي للحق في قوله «رفيع الدرجات ذو العرش» لاستوائه عليه باسمه الرحمن.
فلا يبقى فيمن حوى عليه العرش من لا تصيبه الرحمة الإلهية: و هو قوله تعالى «ورحمتي وسعت كل شيء»: والعرش وسع كل شيء، والمستوي الرحمنفبحقيقته يكون سريان الرحمة في العالم كما بيناه في غير موضع من هذا )
…………………………………………..
22 - هو ما ذكره في هامش 14 ص 433


23 - التذكير والتأنيث في الإلهيات
الإيجاد الإلهي بالقول وهو مذكر ، والإرادة وهي مؤنثة ، فأوجد العالم عن قول وإرادة ، فظهر عن اسم مذکر و مؤنث ، فقال « إنما قولنا لشيء » وشيء أنكر النكرات ، والقول مذکر "إذا أردناه" ، والإرادة مؤنثة ، «أن نقول له کن فیکون» فظهر التكوين في الإرادة عن القول ، والعين واحدة بلا شك.
الفتوحات ج 2 / 289 


ص 442

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو طيب، ومن حيث ما يحمد و يذم فهو طيب وخبيث. "27"
فقال في خبث الثوم هي شجرة أكره ريحها ولم يقل أكرهها.
فالعين لا تكره، و إنما يكره ما يظهر )     
……………………………………………………...
27 - افعال الله كلها حسنة
إن الأفعال كلها لله سواء تعلق بذلك الفعل ذم أو حمد ، فلا حكم لذلك التعلق بالتأثير فيما يعطيه العلم الصحيح ، فكل ما ينسب إلى المخلوق من الأفعال فهو فيه نائب عن الله ، فإن وقع محمودا نسب إلى الله لأجل المدح. 

فإن الله يحب أن يمدح ، كذا ورد في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن تعلق به ذم أو لحق به عيب لم ننسبه إلى الله ، فإن من الأفعال ما علق الله الذم بفاعله والغضب عليه واللعنة وأمثال ذلك ، ومن الأفعال ما علق الله المدح والحمد بفاعله ، ووصف نفسه بأنه يحب المتصفین بها، كما أنه لا يحب الموصوفين بالأفعال التي علق الذم بفاعلها ، مع قوله « والله خلقكم وما تعملون » "والأمر كله لله" ، وقال « الا له الخلق والأمر » فالأدب من العلماء بالله أن تكون مع الله في جميع القرآن ، وما صح عندك أنه قول الله في خبر وارد صحيح ، فما نسب إلى نفسه بالإجمال نسبناه مجملا لا نفصله ، وما نسبه مفصلا نسبناه مفصلا وعيناه بتفصيل ما فصل فيه ، لا تزيد عليه ، وما أطلق لنا التصرف فيه تصرفنا فيه لنكون عبيدا واقفين عند حدود سیدنا و مراسمه ، وأعمال السعادة علاماتها أن يستعمل الإنسان في الحضور مع الله في جميع حركاته وسكنانه ، وأن تكون مشاهدة نسبة الأفعال إلى الله تعالى من حيث الإيجاد والارتباط المحمود ،

لارتباط المذموم منها ، فإن نسبه إلى الله فقد أساء الأدب وجهل علم التكليف من تعلق ومن المكلف الذي قيل له افعل ، إذ لو لم يكن للمكلف نسبة إلى الفعل بوجه ما ، لما قيل له افعل ، وكانت الشريعة كلها عبثا ، وهي حق في نفسها ، فالاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد وظهرت الأفعال عن الخلق ، فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ولكن يختلف الحكم لأنه بواسطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه ، وإذا كان الأمر بين الشمس والبدر من الخفاء أن لا يعلمه كل أحد، فما ظنك بالأمر الإلهي في هذه المسألة مع الخلق أخفى وأخفي ، فمن وقف على هذا العلم فهو من أعلى


ص 444



قال الشيخ رضي الله عنه : ( منها. والكراهة لذلك إما عرفا بملاءمة طبع أو غرض، أو شرع، أو نقص عن كمال مطلوب و ما ثم غير ما ذكرناه"28"
ولما انقسم الأمر إلى خبيث و طيب كما قررناه، حبب إليه الطيب دون الخبيث "29" 
ووصف الملائكة بأنها تتأذى بالروائح الخبيثة لما في هذه النشأة العنصرية من التعفن ، فإنه مخلوق من صلصال )
………………………………………………...
علامات السعادة ، وفقد مثل هذا من علامات الشقاء ، وأريد بهذا سعادة الأرواح وشقاوتها المعنوية ، وأما السعادة الحسية والشقاوة فعلاماتها الأعمال المشروعة بشروطها وهو الإخلاص.
فالأعمال خلق الله مع كونها منسوبة إلينا ، فلم ينسبها إليه من جميع الوجوه ، قال تعالى « والله خلقكم وما تعملون » فخلق الله الأفعال كلها ، ثم قسمها إلى محمود ومذموم ، فانظر حيث يقيمك، 

"" فإن أقامك في مذموم فاعلم أنك في الوقت ممقوت، فاستدرك بالإزالة والتفرغ والإنابة، وإذا أقامك في محمود فاعلم أنك في الوقت محبوب. 
فإن فعلت ما لا يرضي الحق منك فارجع على نفسك بالمذمة والتقصير، فأنت مأجور في هذه الشركة، بل هو حقيقة التوحيد، فإن توحيدا بغير أدب ليس بتوحيد، فإن لم تر العيب من نفسك، ولا رجعت عليها بالذم، ولا ندمت على فعلك، لم يصح لك توبة، وإذا لم تتب لم تكن محبوبا ولا تنفعك تلك الحقيقة في الدنيا ولا في الآخرة.""
الفتوحات ج 1 / 348 - مواقع النجوم - رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات


28 - طهارة الأعيان
الأحكام لا تعلق بأعيان الأشياء ، وإنما تعلق بأعمال المكلفين . 
ولا أحكم بنجاسة المحرمات إلا أن ينص الشارع على نجاستها على الإطلاق ، وليس النص بالاجتناب نصا في كل حال ، فإن اجتنبناه فما أجتنبناه لنجاسته ، فإن كونه نجاسة حکم شرعي ، وقد يكون غير مستقذر عقلا ولا مستخبث ، فالنجاسات عوارض نسب ، والنسب أمور عدمية ، فلا أصل للنجاسة في الأعيان إذ الأعيان طاهرة بالأصل. 
إيجاز البيان - الفتوحات ج 1 / 381 ، 282 

 
29 - الطيب
لا يستعمل الطيب إلا لرائحته فهو من مدارك الأنفاس الرحمانية ، فيدفع التكريات ويرفع الهموم ويزيل الضيق والحرج ، ويؤدي إلى السعة والسراح والجولان في المعارف الإلهية ، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، فالطيب محبوب لذاته، فأشبه الكمال ، وشرع الطيب للإحرام والإحلال فجعل الطيب في الحالين تنببها على طيب الأفعال .
الفتوحات ج 1 / 721 ، 743

ص 445


قال الشيخ رضي الله عنه : ( من حمإ مسنون أي متغير الريحفتكرهه الملائكة بالذات، "30"
 كما أن مزاج الجعل يتضرر برائحة الورد و هي من الروائح الطيبة.
فليس الورد عند الجعل بريح طيبة."31"
و من كان على مثل هذا المزاج معنى و صورة أضر به الحق إذا سمعه و سر بالباطل: و هو قوله «و الذين آمنوا بالباطل و كفروا بالله»، و وصفهم بالخسران فقال «أولئك هم الخاسرون ... الذين خسروا أنفسهم» *. فإن من لم يدرك الطيب من الخبيث فلا إدراك له.
فما حبب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا الطيب من كل شيء و ما ثم إلا هو.
وهل يتصور أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلا الطيب من كل شيء، لا يعرف الخبيث، أم لا؟ قلنا هذا لا يكون:
فإنا ما وجدناه في الأصل الذي ظهر العالم منه و هو الحق ، فوجدناه يكره و يحب، و ليس الخبيث إلا ما يكره و لا الطيب إلا ما يحب.
والعالم على صورة الحق، والإنسان على الصورتين فلا يكون ثم مزاج لا يدرك إلا الأمر الواحد من كل شيء، بل ثم مزاج يدرك الطيب من الخبيث، مع علمه بأنه خبيث بالذوق طيب بغير الذوق، فيشغله إدراك الطيب منه عن الإحساس بخبثه. هذا قد يكون. "32"
وأما رفع الخبث من العالم- أي من الكون- فإنه لا يصح)
………………………………………..
30 - تأذي الملائكة بالروائح الخبيثة
اعلم أن الخلوف "خلوف فم الصائم " ليس للإنسان وإنما هو أمر تقتضيه الطبيعة للتعفين الذي يكون فيما يبقى في المعدة من فضول الطعام ، والملائكة ورجال الله لا يتأذون في مجالسة الصائم من خلوف فمه ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ، ورد ذلك في روائح الثوم وأمثاله ، لا في خلوف فم الصائم.
الفتوحات ج 1 / 654
أما قوله "فتكرهه الملائكة بالذات" ، فالضمير في تكرهه يعود على الخبيث فإنه يستحيل أن يكون القصد منه العود على الإنسان.


31 - راجع طيب كل شيء بعده. هامش 32 التالى


32 - طيب كل شيء *
جاء في الحديث أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، ولا أدري هل أعطى الله أحدا إدراك تساوي الروائح بحيث أن لا يكون عنده خبث رائحة أم لا، هذا ما ذقناه من أنفسنا ولا ثقل إلينا أن أحدا أدرك ذلك بل المنقول


ص 446

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ورحمة الله في الخبيث و الطيب. والخبيث عند نفسه طيب والطيب عنده خبيث.
فما ثم شيء طيب إلا و هو من وجه في حق مزاج ما خبيث:
وكذلك بالعكس. وأما الثالث الذي به كملت الفردية فالصلاة.
فقال «وجعلت قرة عيني في الصلاة» لأنها مشاهدة: وذلك لأنها مناجاة بين الله و بين عبده كما قال: «فاذكروني أذكركم»"33"
وهي عبادة مقسومة بين الله و بين عبده بنصفين: فنصفها لله  )
……………………………………………..
عن الكمل من الناس وعن الملائكة التأذي بهذه الروائح الخبيثة ، وما انفرد بإدراك دلك طيبا إلا الحق ، هذا هو المنقول ، ولا أدري أيضا شأن الحيوان من غير الإنسان في ذلك ما هو ، لأني ما أقامني الحق في صورة حيوان غير إنسان . 
كما أقامني في أوقات في صورة الملائكة .
الفتوحات ج 1 / 603 .
هذا يخالف تماما ما جاء هنا وفي الهامش 31

33 - وجعلت قرة عيني في الصلاة « الحديث »
حبب إليه صلى الله عليه وسلم الصلاة لما فيها من الجمع بين الشهود والكلام ، لأنه مناج مع اختلاف الحالات المحصورة من قیام و رکوع وسجود وجلوس بقوله « وجعلت قرة عيني في الصلاة ، وما تعرض لسمعه ولا للكلام ، لأن ذلك معروف في العموم أن الصلاة مناجاة بقوله يقول العبد « كذا » فيقول الله « كذا » وأنها مقسمة بين الله وعبده المصلي نصفين ، كما ورد في الحديث ، وما كانت الصلاة كبيرة إلا على غير المساهد ، وعلى من لم يسمع قول الحق مجيبا لما يقوله العبد في صلاته ، فهو صلى الله عليه وسلم مصل عن شهود من وقف يناجيه بين يديه من حضرة التمثيل وموطنه ، لأن فيه خطابا وردا وقبولا ، ولا يكون ذلك إلا في شهود التمثيل ، فإنه موطن يجمع بين الشهود والكلام ، فإن الله في قبلة المصلي ، وقد قال « اعبد الله كأنك تراه ، ومن أعظم المقامات مقام النيابة عن الحق تعالى ، ولما كان المصلي نائبا عن الحق في قوله « سمع الله لمن حمده » الذي لا يكون إلا في الصلاة ، كانت مرتبة الصلاة عظيمة ، فحبيت إليه صلى الله عليه وسلم ، وما حبب إليه صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة " النساء والطيب والصلاة "، إلا للمناسبة بينه وبينها ، فإن المناسبات تقتضي ميل المناسب إلى المناسب . 
المراجع - هي نفسها في هامش 15
الفتوحات ج 1 / 145 ، 444 - ج 2 / 49 ، 167 ، 190 ، 330 
الفتوحات ج 3 / 501 ، 503 ، 504 ، 55 - ج 4 / 84 ، 243 ، 269 ، 454 


.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 6:03 am

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية الجزء الرابع .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص المحمدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء الرابع

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية
ص 447

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى أنه قال «قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين: فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل.
يقول العبد بسم الله الرحمن الرحيم: يقول الله ذكرني عبدي.
يقول العبد الحمد لله رب العالمين: يقول الله حمدني عبدي.
يقول العبد الرحمن الرحيم: يقول الله أثنى علي عبدي.
يقول العبد مالك يوم الدين: يقول الله مجدني عبدي: فوض إلي عبدي.
فهذا النصف كله له تعالى خالص
ثم يقول العبد إياك نعبد و إياك نستعين : يقول الله هذه بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل. فأوقع الاشتراك في هذه الآية.
يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين: يقول الله فهؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل.
فخلص هؤلاء لعبده كما خلص الأول له تعالى.
فعلم من هذا وجوب قراءة الحمد لله رب العالمين. فمن لم يقرأها فما صلى الصلاة المقسومة بين الله و بين عبده.
ولما كانت مناجاة فهي ذكر، ومن ذكر الحق فقد جالس الحق وجالسه الحق، فإنه صح في الخبر الإلهي أنه تعالى قال أنا جليس من ذكرني.
ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر رأى جليسه. فهذه مشاهدة ورؤية.
فإن لم يكن ذا بصر لم يره. فمن هنا يعلم المصلي رتبته هل يرى الحق هذه الرؤية في هذه الصلاة أم لا.
فإن لم يره فليعبده بالإيمان كأنه يراه فيخيله في قبلته عند مناجاته، و يلقي السمع لما يرد به عليه الحق . فإن كان إماما لعالمه الخاص به )
…………………………………….
34 - قراءة الفاتحة في الصلاة

الصلاة جامعة بين الله والعبد في قراءة فاتحة الكتاب ، ومن هنا يؤخذ الدليل اتها على المصلي في الصلاة ، فمن لم يقرأها في الصلاة فما صلي الصلاة التي ، بينه وبين عبده ، فإنه ما قال قسمت الفاتحة ، وإنما قال قسمت الصلاة اللام اللتين للعهد والتعريف ، فلما فسر الصلاة المعهودة بالتقسيم جعل قسمة قراءة الفاتحة ، وهذا أقوى دليل يوجاء في فرض قراءة الحمد في ة ، والذي أذهب إليه وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة وإن تركها لم تجزه ه ، فقراءة أم القرآن في الصلاة واجبة إن حفظها ، وما عداها من القرآن ما فيه .
الفتوحات ج 1 / 413 - ج 3 / 173 
راجع وجعلت قرة عيني في الصلاة هامش 33


ص 448 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى أنه قال «قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين: فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل.
يقول العبد بسم الله الرحمن الرحيم: يقول الله ذكرني عبدي.
يقول العبد الحمد لله رب العالمين: يقول الله حمدني عبدي.
يقول العبد الرحمن الرحيم: يقول الله أثنى علي عبدي.
يقول العبد مالك يوم الدين: يقول الله مجدني عبدي: فوض إلي عبدي.
فهذا النصف كله له تعالى خالص.
ثم يقول العبد إياك نعبد و إياك نستعين : يقول الله هذه بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل. فأوقع الاشتراك في هذه الآية.
يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين: يقول الله فهؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل.
فخلص هؤلاء لعبده كما خلص الأول له تعالى.
فعلم من هذا وجوب قراءة الحمد لله رب العالمين. فمن لم يقرأها فما صلى الصلاة المقسومة بين الله و بين عبده.
ولما كانت مناجاة فهي ذكر، ومن ذكر الحق فقد جالس الحق وجالسه الحق، فإنه صح في الخبر الإلهي أنه تعالى قال أنا جليس من ذكرني.
ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر رأى جليسه. فهذه مشاهدة ورؤية.
فإن لم يكن ذا بصر لم يره. فمن هنا يعلم المصلي رتبته هل يرى الحق هذه الرؤية في هذه الصلاة أم لا.
فإن لم يره فليعبده بالإيمان كأنه يراه فيخيله في قبلته عند مناجاته، و يلقي السمع لما يرد به عليه الحق . فإن كان إماما لعالمه الخاص به )
………………………………….
34 - قراءة الفاتحة في الصلاة
الصلاة جامعة بين اللّه والعبد في قراءة فاتحة الكتاب، ومن هنا يؤخذ الدليل بفرضيتها على المصلي في الصلاة، فمن لم يقرأها في الصلاة فما صلى الصلاة التي قسمها اللّه بينه وبين عبده، فإنه ما قال قسمت الفاتحة وإنما قال قسمت الصلاة بالألف واللام اللتين للعهد والتعريف، فلما فسر الصلاة المعهودة بالتقسيم جعل محل القسمة قراءة الفاتحة، وهذا أقوى دليل يوجد في فرض قراءة الحمد في الصلاة، والذي أذهب إليه وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة وإن تركها لم تجزه صلاته، فقراءة أم القرآن في الصلاة واجبة إن حفظها، وما عداها "من القرآن" ما فيه توقيت.
عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاث غير تمام».
الفتوحات ج 1 / 413 - ج 3 / 173 
راجع وجعلت قرة عيني في الصلاة هامش 33

ص 449

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ما دامت- سوى الصلاةوذكر الله فيها أكبر ما فيها لما تشتمل عليه من أقوال )
…………………………………………………..
و « أثنى علي عبدي » إلا أهل الحضور معه عند التلاوة ، بأنه مناج نفسه بفعله ، والمناجي بإحاطته وذاته ، وأهل التدبر والتذكر لما أودع في كتابه العزيز من الأسرار والعلوم ، يفهم كل عبد على قدر مقامه وذوقه وكشفه ، بل أقول إن كل من قعد على منهج الاستقامة ، وكان حيلته الطاعة ، وكان اللسان صامتا عند تلاوة القرآن فإنه حامد لله بحاله ، شاكرا له بأفعاله ، 

ويقول الله فيه « حمدني عبدي » فإذا كان اللسان يقول « الحمد لله ، والقلب في الدكان أو في الدار أو في عرض من الأعراض ، متى عرف من هذه صفته أن يحمد الله ، وكيف ذلك والقلب غافل بما هو عليه عما جری به لسانه ، فإذا وفقك الله وتريد أن يسمع الحق جل اسسه منك تلاوتك ، ويرسمك في ديوان التالين ، ويقول لك على الكلمات و حمادني عبدي » فاعلم منازل التلاوة ومواطنها ، وكم التالين منك ، وذلك أن تعلم إن على اللسان تلاوة ، وعلى الجسم بجميع أعضائه تلاوة ، وعلى النفس تلاوة ، وعلى القلب تلاوة ، وعلى الروح تلاوة ، وعلى السر تلاوة ، وعلى سر السر تلاوة ، فتلاوة اللسان ترتيل الكلمات على الحد الذي رتب المكلف له ، وتلاوة الجسم المعاملات على تفصيلها في الأعضاء التي على سطحه ، وتلاوة النفس التخلق بالأسماء والصفات ، وتلاوة القلب الإخلاص والفكر والتدبر ، وتلاوة الروح التوحيد ، وتلاوة السر الاتحاد، راجع مفهوم الاتحاد عند الشيخ في كتابنا شرح كلمات الصوفية ص 99 - 107
وتلاوة سر السر الأدب ، وهو التنزيه الوارد عليه في الإلقاء منه جل وعلا ، فمن قام بين يدي سیده بهذه الأوصاف كلها فلم ير جزءا منه إلا مستغرقا فيه على ما يرضاه منه ، كان عبدا كليا ، 

وقال له الحق تعالی إذ ذاك « حمدني عبدي » أو ما يقول على حسب ما ينطق به العبد قولا أو حالا ، فإن كان فيه بعض هذه الأوصاف وتعلقت غفاة ببعض التالين فليس بعبد کلیه ، ولا يكون فيه للحق تعالى من عبودية الاختصاص إلا على قدر ما اتصفت به ذاته ، فثم عبد يكون الله فيه السدس ولهواه ما بقى ، ولله  




ص 450
* * * * *
………………………………………………..
فيه الخمس ولهواه ما بقي، والربع والثلث والنصف ، على قدر ما يحضر منه مع الحق تعالی :
يقول العبد « إياك نعبد وإياك نستعين » فوحد بحرف الخطاب فجعله مواجها لا على جهة التحديد ولكن امتثالا لقول الشارع . 
قال صلى الله عليه وسلم للسائل عن الإحسان « آن تعبد الله كأنك تراه » فلابد أن تواجهه بحرف الخطاب وهو الكاف ، وإنما وحده ولم يجمعه لأن المعبود واحد ، وجمع نفسه بنون الجميع في العبادة والعون المطلوب ، لأن العابدين من العبد كثيرون ، وكل واحد من العابدين يطلب العون ، والمقصود بالعبادات واحد ، فعلى العين عبادة وعلى السمع عبادة ، وعلى البصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ، فلهذا قال « نعبد » و « نستعين » بالنون ، فإذا نظر العالم إلى تفاصيل عالمه وأن الصلاة قد عم حكمها جميع حالاته ظاهرا وباطنا ، 

لم ينفرد بذلك جزء عن آخر ، فجميع عالمه قد اجتمع على عبادة ربه وطلب العون منه على عبادته ، فجاء بنون الجماعة في « نعبد » و « نستعين » فنرجم اللسان عن الجماعة كما يتكلم الواحد من الوفد بحضورهم بين يدي الملك . فعلم العبد من الحق لما أنزل عليه هذه الآية بإفراده نفسه أن لا يعبد إلا إياه ، ولما قيد العبد بالنون ، أنه يريد منه أن يعبده بكله ظاهرا وباطنا من فوی وجوارح ، ويستعين على ذلك الحد ، ومتى لم يكن المصلي بهذه المثابة من جمع عالمه على عبادة ربه لم يصدق في قوله « إياك نعبد وإياك نستعين » وهو مشغول في الالتفات ببصره والإصغاء إلى حديث الآخرين ، كان كاذبا في قراءته ، فإن الله ينظر إليه فيراه منلفا في صلاته أو مشغولا بخاطره وقلبه في دكانه وتجارته ، وهو مع هذا يقول « نعبد » فيقول الله له « كذبت » أين صدقك في قولك نعبد ؟ 
فيحضر العارف هذا كله في خاطره ويستحي أن يقول إياك نعبد لئلا يقول له كذبت ، فلابد أن يجتمع من هذه تلاوته على عبادة ربه حتى يقول له : صدقت في عبادني وطلب معوتني .


ص 451

قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأفعال "39"
وقد ذكرنا صفة الرجل الكامل في الصلاة في الفتوحات المكية كيف يكون لأن الله تعالى يقول «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، لأنه شرع للمصلي ألا يتصرف في غير هذه العبادة ما دام فيها و يقال له مصل.
«و لذكر الله أكبر» يعني فيها: أي الذكر الذي يكون من الله لعبده حين يجيبه في سؤاله.
والثناء عليه أكبر من ذكر العبد ربه فيها، لأن الكبرياء لله تعالى."40"
ولذلك قال: «والله )
………………………………………...
ولاختلاف أحوال الذاکرین أعني البواعث لذكرهم ، فذاكر نبعثه الرغبة ، وذاكر تبعنه الرهبة ، وذاكر يبعثه التعظيم والإجلال ، أجاب الحق على أدنى مراتب العالم ، وهو الذي يتلو بلسانه ولا يفهم بقلبه لأنه لم يتدبر ما قاله - إذا كان التالي عالمة باللسان - ولا ما ذكره . فإن تدبر تلاوته أو ذكره كانت إجابة الحق له بحسب ما حصل في نفسه من العلم بما تلاه ، فتدبر ما نصصناه لك.
الفتوحات ج 1 / 416 ، 423 - مواقع النجوم .


39 - تكبيرة الإحرام في الصلاة
سميت التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام ، أي يحرم على العبد في ص لاته أن يتصرف بعضو من أعضائه فيما ليس من الصلاة ، وكل ما أبيح له من الفعل فيها فهو من الصلاة ، ولكن لا من صلاة كل مصل إلا لمصل عرض له في صلاته من ذلك شيء تفعله مثل قتل العقرب والحية في الصلاة ، وهي الأمور المنصوص عليها ، وكل فعل يجوز أن يفعل في الصلاة فهو صلاة لأن الشارع عينها فلا تبطل الصلاة بفعل شيء منها ، وجعل الله أفضل أفعال الصلاة السجود وأفضل أقوالها ذكر الله بالقرآن.
الفتوحات ج 1 / 410 ، 443 - ج 3 / 503 .


40 - « إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اکبر» - الآية
« إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر » يعني بصورتها ، فإن التكبيرة الأولى تحریمها والسلام منها تحليلها ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، هكذا أخبر تعالی انباء عن حقيقة لأجل ما فيها من الإحرام ، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر بسبب تكبيرة الإحرام ، فإنه حرم على المصلي التصرف في غير الصلاة ما دام في الصلاة ، فذلك الإحرام نهاه عن الفحشاء والمنكر ، فإن الإحرام المنع من التصرف


ص 452
 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( يعلم ما تصنعون» وقال «أو ألقى السمع وهو شهيد».
فإلقاؤه السمع هو لما يكون من ذكر الله إياه فيها."41"
ومن ذلك أن الوجود لما كان عن حركة معقولة نقلت العالم من العدم إلى الوجود عمت الصلاة جميع الحركات وهي ثلاث: حركة مستقيمة وهي حال قيام المصلي، وحركة أفقية وهي حال ركوع المصلي، وحركة منكوسة وهي حال سجوده.
فحركة الإنسان مستقيمة، وحركة الحيوان أفقية، وحركة النبات منكوسة،"42" 
وليس للجماد حركة من ذاته: فإذا تحرك حجر فإنما )
……………………………………………..
في شيء مما يغاير كونه مصليا ، فانتهى المصلي . فصح له أجر من عمل بأمر الله وطاعه وأجر من انهي عن محارم الله في نفس الصلاة، وإن كان لم بنو دلك. فانظر ما أرى الصلاة كيف أعطت هذه المسألة العجيبة .
"ولذكر الله أكبر"، يعني القول فيها أشرف أفعال المكلف . فإنها نشتمل على أفعال وأقوال أي « ولذكر الله » فيها « أكبر » أعمالها وأكبر أحوالها . 

أي ذكر الله أكبر ما فيها ، فهو أكبر من جملة أفعالها فإنها تشتمل على أقوال وأفعال . فذكر الله في الصلاة أكبر أحوال الصلاة ، قال تعالى « اذكروني أذكركم » فذكر الله في الصلاه أكبر من جميع أفعالها وأقوالها ، فإنك إن ذكرن الله فيها كان جليسك في باك العبادة ، فإنه أخبر أنه جليس من ذكره « فيذكر الله الذاكر له أيضا ».
 

41 - « او القى السمع وهو شهيد» - الآية
« أو ألقى السمع » لخطاب الحق لما قيل له وعرف به . فالدي ينبغي للعبد أن يصغي إلى الحق ويخلي سمعه لكلامه ، حتى يكون الحق هو الذي يسلوه بلسانه ويسمعه ويتولى شرح کلامه ويترجم للعبد عن معناه ، فيأخذ العلم منه لا من فكره واعتباره . وإنما ألقى السمع لما يقوله الحق له « يا عبدي أردت بهده الآية كذا وكذا وبهذه الآية الأخرى كذا وكذا ».
الفتوحات ج 1 / 239 - ج 3 / 471 ، 484

42 - الحركات الثلاث
اعتبر العلماء الجهات بوجود الإنسان ، وجعلوا الاستقامة في نشأته وحركته إلى جهة رأسه فسموا حركته مستقيمة ، وكل حركة تقابل حركة الإنسان على سستها تسمى منكوسة فالنبات الذي لا حس له وله النمو حرکته كلها منكوسة ، وإذا كانت

ص 453
قال الشيخ رضي الله عنه : ( يتحرك بغيره.
وأما قوله «و جعلت قرة عيني في الصلاة ولم ينسب الجعل إلى نفسه فإن تجلي الحق للمصلي إنما هو راجع إليه تعالى لا إلى المصلي: فإنه لو لم يذكر هذه الصفة عن نفسه لأمره بالصلاة على غير تجل منه له.
فلما كان منه ذلك بطريق الامتنان، كانت المشاهدة بطريق الامتنان. فقال وجعلت قرة عيني في الصلاة.
وليس إلا مشاهدة المحبوب التي تقر بها عين المحب، من الاستقرار: فتستقر العين عند رؤيته فلا تنظر معه إلى شيء غيره في شيء و في غير شيء."43"
ولذلك نهي عن الالتفات في الصلاة، وأن الالتفات شيء يختلسه الشيطان من صلاة العبد فيحرمه مشاهدة محبوبه.
بل لو كان محبوب هذا الملتفت، ما التفت في صلاته إلى غير قبلته بوجهه.
والإنسان يعلم حاله في نفسه هل هو بهذه المثابة في هذه العبادة الخاصة أم لا، فإن «الإنسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره».
فهو يعرف كذبه من صدقه في نفسه، لأن الشيء لا يجهل حاله فإن حاله له ذوقي.
ثم إن مسمى الصلاة له قسمة أخرى، فإنه تعالى أمرنا أن نصلي له وأخبرنا أنه يصلي علينا. فالصلاة منا ومنه.
فإذا كان هو المصلي فإنما يصلي باسمه الآخر، فيتأخر عن وجود العبد: "44" )
……………………………………….
الحركة بين الحركة المنكوسة والمستقيمة يقابل المتحرك برأسه الأفق كانت حركته أفقية كالحيوان ۰الفتوحات ج 2 / 464.
فالصلاة تعم جميع المقامات الخصوصية بروحانية أهل السموات ، وحبيت بجميع الحركات . المستقيمة في الإنسانيات عند القرآن ، والأفقيات في الحيوانات عند الركوع للأذكار العظيمات، والمنكوسة في النباتات عند السجود لابتغاء القربات.
راجع كتاب التنزلان الموصلية.
 
43 - راجع حبب إلي من دنياكم ثلاث ص 434 - حب النساء
 
44 - الصلاة
اعلم أيدك الله بروح القدس ، أن مسي الصلاة يضاف إلى ثلاثة وإلى رابع" هو الحق تعالی" ثلاثة بمعنيين ، بمعنی شامل ، وبمعني غير شامل ، فتضاف الصلاة إلى الحق بالمعنى الشامل ، والمعنى الشامل هو الرحمة ، قال تعالى « هو الذي يصلي عليكم » فوصف نفسه بأنه يصلي أي يرحمكم بأن يخرجكم من الظلمات إلى النور ، يقول من الضلالة
 
ص 454
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده و هو الإله المعتقد. "45"
ويتنوع بحسب ما قام بذلك المحل من الاستعداد كما قال الجنيد )
………………………………………………..
إلى الهدى ، ومن الشقاوة إلى السعادة ، وتضاف الصلاة إلى الملائكة بسعني الرحمة والاستغفار والدعاء ، وتضاف الصلاة إلى البشر بمعنى الرحمة والدعاء والأفعال المخصوصة المعلومة شرعا. وتضاف الصلاة إلى كل ما سوى الله من جميع المخلوقات ملك وإنسان وحيوان ونبات ومعدن بحسب ما فرضت عليه وعينت له ، قال تعالى « ألم تر أن الله يسبح له من في السوان ومن في الأرض والطير صافات ، كل قد علم صلاته وسبيحه » فأضاف الصلاة إلى الكل . والصلاة لغة مشتقة من المصلي في الخيل وهو الذي يلي السابق في الحلبة . 
لذا كان السابق في القواعد ( حديث بني الإسلام على خمس ) الشهادة والمصلي هي الصلاه . وأخبرنا أنه يصلي علينا . والمفهوم من هذا أمران . 
الأمر الواحد أنه يصلي علينا فينبغي لنا أن نذكره بالمدح والثناء و نصلي له بكرة وأصيلا ، والأمر الآخر أنكم إذا صايم وذكرتم الله فإنه يصلي عليكم ، فإنه لما أمرنا بالذكر والصلاة فال « هو الذي بصلي عليكم » فصلاتنا وذكرنا له سبحانه بين صلاتين من الله تعالی . صلي علينا فصايا فصلى علينا ، فمن صلاته الأولى صلينا له ، ومن صلاته التانية علينا كانت السعادة لنا بأن جنينا ثمرة صلاتنا له وذكرنا ، لذلك جاءت إقامة الصلاة المفروضة بالفعل الماضي «فد قامت الصلاة » أراد قيام الصلاة من الله على العبد. ليقوم العبد إلى الصلاة فيقيم بقيامه نشأتها.
الفتوحات ج 1 / 386 ، 387 ، 539 .
أما من ناحية الاسم الإلهي الأول والاسم الآخر فليراجع التنزلات الموصلية في معرفة أسرار الفرق بين الفاتحة والسورة.
 
45 - إله المعتقد
في هذا المقام يقول العارف « أما أنا فعرفته وما بقي إلا أن يعرفني » عسر هذا الكلام على أكثر أهل الأفهام من السادات الأعلام ، وما علم المنكر أن لكل معتقد ربا في قلبه أوجده فاعتقده ، وهم أصحاب العلامة يوم القيامة ، فما اعتقدوا إلا
 
ص 455
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( حين سئل عن المعرفة بالله و العارف فقال لون الماء لون إنائه. وهو جواب ساد خبر عن الأمر بما هو عليه.  "46" فهذا هو الله الذي يصلي علينا.
وإذا صلينا نحن كان لنا الاسم الآخر فكنا فيه كما ذكرنا في حال من له هذا الاسم، فنكون عنده  بحسب حالنا، فلا ينظر إلينا إلا بصورة ما جئناه بها فإن المصلي هو المتأخر عن السابق في الحلبة.
وقوله «كل قد علم صلاته وتسبيحه» أي رتبته في التأخر في عبادته ربه، و تسبيحه الذي يعطيه من التنزيه استعداده، فما من شيء إلا وهو يسبح بحمد ربه )
…………………………...
ما نحتوا، ولذلك لما تجلى لهم في غير تلك الصوره بهتوا ، فهم عرفوا ما اعتقدوا ، والدي اعتقدوه ما عرفهم لأنهم أوجدوه ، والأمر الجامع أن المصنوع لا يعرف الصانع ، الدار لا تعرف من بناها ولا من عدلها فسواها . 
الفتوحات ج 4 / 391
 
46 - « نون الماء لون إنائه »
اعلم أنه لما لم يتقيد أمر الإله ولا انضبط ، وجهل الأمر ، وتبين أنه لم يكن معلوما في وفت الاعتقاد بأنه كان معلوما لنا ، ولم بحصل في العلم به أمر ثبوني بل سلب محقق ونسبة معقولة ، أعطتها الآثار الموجودة في الأعيان ، فلا كيف ولا این ولا مني ولا وضع ولا إضافة ولا عرض ولا جوهر ولا كم وهو المقدار ، وما بقي من العشرة إلا انفعال محقق وفاعل معين ، أو فعل ظاهر من فاعل مجهول يرى أثره ولا يعرف خبره ولا يعلم عينه ولا يجهل كونه ، فإنه ما تم من يقع عليه عين ، ولا يضبطه خیال ، ولا من يحدده زمان . 
ولا من تعدده صفات وأحكام . ولا من تكيفه أحوال ، ولا من يمیزه أوضاع . 
ولا من تظهره إضافة ، فهو لا يقبل الصفات ، والعلم يرفع الخيال . 
فالذي يحفظه الإنسان إنما هو اعتقاده في قلبه ، فذلك الذي وسعه عن ربه . 
فاعلم أنك ما زلت عنك ، ولا عرفت سوى ذاتك ، فالحادث لا يتعلق إلا بالمناسب . 
وهو ما عندك منه ، وما عندك حادت ، فما برحت من جنسك ، وما عبدت على الحقيقة سوى ما نصبته في نفسك ، ولهذا اختلفت المقالات في الله ، وتغيرت الأحوال ، فقالت طائفة في العلم به « لون الماء لون إنائه » .
الفتوحات ج 2 / 211
 
ص 456
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الحليم  الغفور. "47"
ولذلك لا يفقه تسبيح العالم على التفصيل واحدا واحدا"48"
وثم مرتبة يعود الضمير على العبد المسبح فيها في قوله «وإن من شيء إلا يسبح بحمده» أي بحمد ذلك الشيء.
فالضمير الذي في قوله «بحمده» يعود على الشيء أي بالثناء الذي يكون عليه كما قلنا في المعتقد إنه إنما يثني على الإله الذي في معتقده وربط به نفسه.
وما كان من عمله فهو راجع إليه، فما أثنى إلا على نفسه، فإنه من مدح الصنعة فإنما مدح الصانع بلا شك، فإن حسنها و عدم حسنها )
……………………………………………..
47 - «كل قد علم صلاته وتسبيحه » - الآية
الضمير يعود على الله من قوله صلاته ، أي صلاة الله عليه بنفس وجوده ورحمته به في ذلك وأضاف الله الصلاة في هذه الآية إلى الكل « وتسبيحه و الضمير يعود في تسبيحه على كل ، أي ما يسبح ربه به ، قال تعالی د تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن » « وإن من شيء إلا يسبح بحمده » فان الله ما خلق الأشياء من أجل الأشياء ، وإنما خلقها ليسبحه كل جنس من الممكنات بما يليق به من صلاة وتسبيح ، لتسري عظمته في جميع الأكوان وأجناس الممكنات وأنواعها وأشخاصها ، فالكل له تعالى ملك ، وباعادة الضمير في صلاته على الله ، وصف الحق نفسه بالصلاة وما وصف نفسه بالتسبيح ، فعم بهذه الآية العالم الأعلى والأسفل وما بينهما برحمته ، فإن صلاة الله هي رحمته ، والتسبيح تنزيه . 
الفتوحات ج 1 / 540 ، 386 - ج 2 / 200 - ج 3 / 555.
 
48 - « ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا » - الآية
فقوله تعالى " يسبح بحمده " تسبیح نطق يليق بذلك الشيء ، لا تسبیح حال، ولهذا قال « ولكن لا تفقهون تسبيحهم » لاختلاف ما يسبحون به إلا لمن سمعه ، فهذا التسبيح لا يفقه بالنظر العقلي من جهة الفكر والنظر ، إلا أن يمن الله على بعض عباده بعلم ذلك "إنه كان حليما" ، فلم يعجل عليكم بالعقوبة وأمهلكم حيث لم يؤاخذكم سريعة بما رددتم من ذلك وقلتم إنه تسبيح حال ، فلم يؤاخذ مع القدرة « غفورا » حيث ستر عنكم تسبيح هؤلاء فلم تفقهوه ، فكان غفورا أي ساترة نطقهم عن أن تتعاق به الأسماع إلا لمن خرق الله له العادة ، فإذا أراد العبد نجاة نفسه
 
ص 457
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( راجع إلى صانعها.
وإله المعتقد مصنوع للناظر فيه، فهو صنعه: فثناؤه على ما اعتقده ثناؤه على نفسه.
ولهذا يذم معتقد غيره، ولو أنصف لم يكن له ذلك.
إلا أن صاحب هذا المعبود الخاص جاهل بلا شك في ذلك لاعتراضه على غيره فيما اعتقده في الله، إذ لو عرف ما قال الجنيد لون الماء لون إنائه لسلم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده، وعرف الله في كل صورة وكل معتقد.
فهو ظان ليس بعالم، ولذلك قال «انا عند ظن عبدي بي» لا أظهر له إلا في صورة معتقده: فإن شاء أطلق و إن شاء قيد.
فإله المعتقدات تأخذه الحدود وهو الإله الذي وسعه قلب عبده،"49"  فإن الإله )
…………………………………...
وتحصيل أسباب سعادته فلا يحمد الله إلا بحمده كان ما كان على علم الله في ذلك من غير تعيين ، وهذه الآية إخبار من الحق عن الأشياء أنها تنزه بحمده أي بالثناء عليه، والتنزيه البعد، وما ذكر الله أنه أمرهم بتسبيحه بل أخبر أنهم يسبحون بحمده. الفتوحات ج 1 / 247 ، 398 - ج 2 / 510 - ج 3 / 375 ، 393
 
49 - رؤية الحق في كل اعتقاد
ورد في الحديث أن الله يتجلى يوم القيامة لهذه الأمة وفيها منافقوها ، فيقول : أنا ربكم فيستعيذون منه ، لا يجدون له تعظيمة وينكرونه لجهلهم به ، فإذا تجلى لهم في العلامة التي يعرفونه بها أنه ربهم حينئذ يجدون عظمته ، وحديث التجلي في الصور أخرجه مسلم في صحيحه ، فالحق سبحانه يتحول في الصور وهو سبحانه لا غيره ، فأنكر في صورة وأقر به في صورة ، والعين واحدة والصور مختلفة ، ولو لم يكن من شرف العلم إلا في تجلي الحق في صورة تنكر ثم تحوله في صورة تعرف [ وهو هو في الأولى والثانية ، وان موطن تلك المشاهدة لا يتمكن في نفس الأمر إلا أن تكون مقيدة ، لأن الذي يشهد وهو عين العبد مقید بامكانه ، فلا يمكن له شهود الإطلاق. ولا بد من الشهود ، فظهر له المشهود مقيدا بالصورة : مقيدا بالتحول في الصور ] فأعطى التحول الإنسان علما لم يكن عنده ، فعلم عند ذلك أن الأمر لا يتناهى ، وما لا يتناهى لا يدخل تحت القيد ، ويريد بذلك ارتفاع الشك في أنه المرئي تعالی لا غيره .
 
ص 458
 
 
* * * * *
……………………………………………...
والعالم والعارف أن الحق وإن احتجب ، فهو في تجل لا يعرفه كل عارف إلا من أحاط علما بما أحاط به الكامل من المعارف ، ألا ترى الحق يتجلى في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة، فينكرون ربوبيته ومنها يتعوذون وبها يتعوذون، ولكن لا يشعرون ، ولكنهم يقولون لذلك المتجلي نعوذ بالله منك ، وها نحن لربنا متنظرون ، فيخرج الحق عليهم في الصورة التي لديهم فيقرون له بالربوبية وعلى أنفسهم بالعبودية ، فهم لعلامتهم عابدون وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون ، فمن قال إنه عبد الله كيف يصح عندما يتجلى له أن ينكره ، فمن قيده بصورة دون سورة فتخيله عبد ، وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة ، فهو يتخيل أنه يعبده وهو يجحده ، والعارفون ليس في الإمكان خفاؤه عن أبصارهم ، لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم ، فلا يظهر لهم عندهم إلا الحق ، ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائه .
فالرؤية يوم الزيارة تابعة للاعتقادات في الدنيا ، فمن اعتقد في ربه ما أعطاه النظر وما أعطاه الكشف وما أعطاه تقليد رسوله ، فإنه يرى ربه في صورة وجه كل اعتقاد ربط عليه ، إلا أنه في تقليد نبيه يراه بصورة نبيه من حيث ما أعلمه ذلك الرسول فما أوحى به إليه في معرفته بربه ، فلمثل هذا ثلاث تجليات بثلاثة أعين في الآن الواحد ، وكذلك حكم صاحب النظر وحده أو صاحب الكشف وحده أو صاحب التقليد وحده ، والعارف الكامل يعرفه في كل صورة يتجلى بها ، وفي كل صورة ينزل فيها ، وغير العارف لا يعرفه إلا في صورة معتقده وينكره إذا تجلى له في غيرها.
عقد الخلائق في الإله عقائدا   ….. وأنا شهدت جميع ما اعتقدوه
لا بدا صورة لهم متحولا    ….. قالوا بما شهدوا وما جحدوه 
ذاك الذي أجني عليهم خلفهم  ….. بجميع ما قالوه واعتقدوه 
إن أفردوه عن الشريك فقد نحوا …..     في ملكه ربا كما شهدوه
 
ص 459
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء وعين نفسه: "50"
والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا لا يسعها فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
تم بحمد الله و عونه وحسن توفيقه، والحمد لله وحده و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه وسلم تسليما كثيرا.
وكان الفراغ منه في عاشر شهر جمادي الآخرة سنة تسع و ثلاثين و ثمانمائة أحسن الله عاقبتها بمحمد و آله آمين)
…………………………………………….
قد أعذر الشرع الموحد وحده    …. والمشركون شقوا وإن عبدوه 
وكذالك أهل الشك أخسر منهم  …. والجاحدون وجود من وجدوه 
والقائلون بنفيه أيضا شقوا      ….. مثل الثلاثة حين لم يجدوه 
أجني عليهم من تأله حين ما    ….. أهل السعادة بالهدى عبدوه
لو وافق الأقوام إذ أغواهم      ….. وتنزهوا عن غيه طردوه 
 
الفتوحات ج 2 / 85 - ج 3 / 132
 
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 6:03 am

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية الجزء الخامس .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص المحمدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء الخامس

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية

لا يتجلى الحق لعبد إلا في صورة نفسه - فص 12 ، هامش 9، ص 192
""9 – أ -  التجلي الإلهي :
لما كان العلم الأول في المعرفة هو العلم بالحقائق وهو العلم بالأسماء الإلهية كان العلم الثاني من علوم المعرفة هو علم التجلي ، وهو أن التجلي الإلهي دائم لا حجاب عليه ، ولكن لا يعرف أنه هو ، فإن الحضرة الإلهية متجلية على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عناء .
واعلم أن الحق له نسبتان في الوجود :
نسبة الوجود النفسي الواجب له .
ونسبة الوجود الصوري ، وهو الذي يتجلى فيه لخلقه .
إذ من المحال أن يتجلى في الوجود النفسي الواجب له ، فالتجلي الذاتي منوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر ، لأنه لا عين لنا ندر که بها، إذ نحن في حال عدمنا ووجودنا مرجحون ، لم يزل عنا حكم الإمكان ، فلا تراه إلا بنا من حيث ما تعطيه حقائقنا ، لأن التجلي على ما هو المتجلي عليه في نفسه محال حصوله لأحد ، فلا يقع التجلي إلا من دون ذلك مما يليق بمن يتجلى له .
فعلمنا قطعا أن الذات لا تتجلى أبدا من حيث هي ، وإنما تتجلى من حيث صفة ما معتلية ، والتجلي الإلهي لا يكون إلا للإله والرب، لا يكون الله أبدا فإن الله هو الغني .
كما لا يتجلى في الاسم الأحد ولا في الاسم الله ولا يصح النجلي فيه ، فإنه لا يعرف معناه ، ولا يسكن وقتا ما في معناه .
و بهذا السر تميز الإله من المألوه ، والرب من المربوب ، وما عدا هذين الأسمين من الأسماء المعلومات لنا فإن التجلي يقع فيها ، كما أن حضرة الجلال لها السبحات المحرقة، ولهذا لا يتجلى في جلاله أبدا ، ولكن يتجلى في جلال جماله لعباده ، فبه يقع التجلي .
إذا علمت هذا فلابد أن يكون تجلي الحق في الوجود الصوري ، وهو التجلي في المظاهر ، وهو التجلي في صور المعتقدات كائنة بلا خلاف ، والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف ، وهما تجلي الاعتبارات ، لأن هذه المظاهر سواء كانت صورالمعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم.
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمر لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم ، وليس وراء ذلك العلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا، وأما التجلي في الأفعال أعني نسبة ظهور الكائنات والمظاهر عن الذات التي تتكون عنها الكائنات وتظهر عنها المظاهر ، فالحق سبحانه قرر في اعتقادات قوم وقوع ذلك ، وقرر في اعتقادات قوم منع وقوع ذلك .
فالتجلي الصوري هو الذي يقبل التحول والتبدل ، فتارة يوصف به الممكن الذي يختلع به ، وتارة يظهر به الحق في تجليه ، فإن للألوهية أحكاما وإن كانت حکما ، وفي صورة هذه الأحكام يقع التجلي في الدار الآخرة حيث كان ، فإنه قد اختلف في رؤية النبي مع ربه كما ذكر ، وقد جاء حديث النور الأعظم من رفرف الدر والياقوت وغير ذلك .
واعلم أن الله تجليين ، تجليا عاما إحاطيا ، وتجليا خاصا شخصيا، فالتجلي العام تجل رحماني ، وهو قوله تعالى « الرحمن على العرش استوى » والتجلي الخاص هو ما لكل شخص شخص من العلم بالله .
فتوحات ج 1 / 41 ، 91 - ج 2 / 303 ، 542 ، 606 - ج 3 / 101 ، 178 ، 180 ، 516.
ذخائر الأعلاق - التنزلات الموصلية .


9 - ب - حظ العارف من العلوم في التجلي:
لما كانت العلوم تعلو وتتضع بحسب المعلوم لذلك تعلقت الهمم بالعلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زکت نفسه وعظمت مرتبته .
فأعلاها مرتبة العلم بالله ، وأعلى الطرق إلى العلم بالله علم التجليات ودونها علم النظر ، وليس دون النظر علم إلهي وإنما هي عقائد في عموم الخلق لا علوم، التجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، فأول مقام للعارف هو أن يتجلى له الحق في غير مادة ، لأن العارف أو العالم
في حضرة الفكر والعقل ، فيعلم من الله على قدر ما كان ذلك التجلي ولا يقدر أحد على تعيين ما تجلى له من الحق ، إلا أنه تجلى في غير مادة لا غير .
وسبب ذلك أن الله يتجلى لكل عبد من العالم في حقيقة ما هي عين ما تجلى بها لعبد آخر ، ولا هي عين ما يتجلى له بها في مجلى آخر .
فلذلك لا يتعين ما تجلى فيه ولا ينقال ، فإذا رجع العبد من هذا المقام إلى عالم نفسه عالم المواد صحبه تجلي الحق ، فما من حضرة يدخلها من الحشرات لها حكم إلا ويرى الحق قد تحول بحكم تلك الحضرة ، والعبد قد ضبط منه أولا ما ضبط ، فيعلم أنه قد تحول في أمر آخر ، فلا يجهله بعد ذلك أبدا ولا ينحجب عنه .
فإن الله ما تجلى لأحد فاتحجب عنه بعد ذلك ، فإنه غير ممكن أصلا ، فإذا نزل العبد إلى عالم خیاله وقد عرف الأمور على ما هي عليه مشاهدة وقد كان قبل ذلك عرفها علما و إيمانا ، رأى الحق في حضرة الخيال صورة جسدية ، فلم ينكره وأنكره العابر والأجانب .
ثم نزل من عالم الخيال إلى عالم الحس والمحسوس فنزل الحق معه لنزوله فإنه لا يفارقه ، فيشاهده صورة كل ما شاهده من العالم ، لا يخص به صورة دون صورة من الأجسام والأعراض ، ويراه عين نفسه ، ويعلم أنه ما هو عين نفسه ولا عين العالم.
ولا يحار في ذلك لما حصل له من التحقيق بصحبة الحق في نزوله معه من المقام الذي يستحقه ، وهذا مشهد عزیز .
ما رأيت من يقول به من غير شهود إلا في عالم الأجسام و الأجساد ، وسبب ذلك عدم الصحبة مع الحق لما نزل من المقام الذي يستحقه ، وما رأيت واحدا من أهل هذا المقام ذوقا .
إلا أنه أخبرتني أهلي مريم بنت عبدون أنها أبصرت واحدا وصفت لي حاله ، فعلمت أنه من أهل هذا الشهود إلا أنها ذكرت عنه أحوالا تدل على عدم قوته فيه وضعفه مع تحققه بهذا الحال .
ورد في الخبر الصحيح في تجابه سبحانه في موطن التلبيس ، وهو تجليه في غير صور الاعتقادات من حضرة الاعتقادات ، فلا يبقى أحد يقبله ولا يقر به ، بل يقولون
إذا قال لهم « أنا ربكم » « نعوذ بالله منك » فالعارف في ذلك المقام يعرفه ، غير أنه قد علم منه بما أعلمه أنه لا يريد أن يعرفه في تلك الحضرة من كان هنا مقيد المعرفة بصورة خاصة يعبده فيها .
فمن أدب العارف أن يوافقهم في الإنكار ولكن لا يتلفظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه ، فإنه يعرفه ، فإذا قال لهم الحق في تلك الحضرة عند تلك النظرة « هل كان بينكم وبينه علامة تعرفونه بها» فيقولون « نعم » فيتحول لهم سبحانه في تلك العلامة ، مع اختلاف العلامات .
فإذا رأوها وهي الصورة التي كانوا يعبدونه فيها ، حينئذ اعترفوا به ، ووافقهم العارف بذلك في اعترافهم ، أدبا منه مع الله وحقيقة ، وأقر له بما أقرت الجماعة .
راجع كتابنا الخيال ص 15 ، 24، وكتابنا ترجمة حياة الشيخ ص 171.
فتوحات ج 1/ 166 - ج 2 / 609 - ج 3 / 234 ، 235.
 
9 - ج - التجلي الإلهي للحس والبواطن من الاسم الإلهي الظاهر
إن الله جعل لكل شيء ونفس الإنسان من جملة الأشياء ظاهرا وباطنا.
فهي تدرك بالظاهر أمورا تسمى عينا، وتدرك بالباطن أمورا تسمى علما، والحق سبحانه هو الظاهر والباطن، فبه يقع الإدراك.
فإنه ليس في قدرة كل ما سوى الله أن يدرك شيئا بنفسه ، وإنما أدر که بما جعل الله فيه (راجع « كنت سمعه و بصره » الفص 10  ص 146 ) .
و تجلي الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة إنما هو من الاسم الظاهر ، وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أنه لا يقع فيها تجل أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة . 
إذ كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلي ، وهو الاسم الظاهر ، فإن معقولية النسب لا تتبدل وإن لم يكن لها وجود عيني لكن لها الوجود العقلي ، فهي معقولة ، فإذا تجلى الحق إما منة أو إجابة لسؤال فيه ، فتجلى لظاهر النفس ، وقع الإدراك بالحس في الصورة في برزخ التمثل ، فوقعت الزيادة عند المتجلى له في علوم
الأحكام إن كان من علماء السريعة، ومن علوم موازين المعاني إن كان منطقيا، ومن علم میزان الكلام إن كان نحويا.
وكذلك صاحب کل علم من علوم الأكوان وغير الأكوان تقع له الزيادة في نفسه من علمه الذي هو بصدده، فأهل هذه الطريقة يعلمون أن هذه الزيادة إنما كانت من ذلك التجلي الإلهي لهؤلاء الأصناف.
فإنهم لا يقدرون على إنكار ما کشف لهم، وغير العارفين يحسون بالزبادة وينسبون ذلك إلى أفكارهم، وغير هذين يجدون من الزيادة ولا يعلمون أنهم استزادوا شيئا فهم في المثل کمثل الحمار يحمل أسفارا.
وإذا وقع التجلي أيضا بالاسم الظاهر الباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد، وهي المعبر عنها بالنصوص. 
إذ النص ما لا إشكال فيه ولا احتمال بوجه من الوجوه، وليس ذلك إلا في المعاني، فيكون صاحب المعاني مستريحا من تعب الفكر، فتقع الزيادة عند التجلي في العلوم الإلهية وعلوم الأسرار وعلوم الباطن وما يتعلق بالآخرة، وهذا مخصوص بأهل طريقنا. 
فتوحات ج 1 / 166 . 

9 - د - التجلي لكل مخلوق من الوجه الخاص
اعلم أنه ما من موجود في العالم إلا وله وجه خاص إلى موجده إذا كان من عالم الخلق، وإن كان من عالم الأمر فما له سوى ذلك الوجه الخاص.
وأن الله يتجلى لكل موجود من ذلك الوجه الخاص فيعطيه من العلم به ما لا يعلمه منه إلا ذلك الموجود.
وسواء علم ذلك الموجود أو لم يعلمه، أعني أن له وجها خاصا، وأن له من الله علما من حيث ذلك الوجه، لا علم للعقل به، فإنه سر الله الذي بينه وبين كل مخلوق لا تعرف نسبته. 
ولا يدخل تحت عبارة، ولا يقدر مخلوق على إنكار وجوده، فهو المعلوم المجهول وما فضل أهل الله إلا بعلمهم بذاك الوجه، ثم يتفاضل أهل الله في ذلك.
فمنهم من يعلم العلم الذي يحصل له من التجلي، ومنهم من لا يعلمه، أعني على التعيين .
وما أعني بالعلم إلا متعلق العلم هل هو كون أو هو الله من حيث أمر ما.
 
فتوحات ج 2 / 304 - ج 4 / 222 .

9  - هـ - أنواع التجلي الإلهي
اعلم أن التجلي الإلهي لكل مخلوق من الوجه الخاص هو التجلي في الأشياء المبقي أعيانها .
وأما التجلي للاشياء فهو تجل يفني أحوالا ويعطي أحوالا في المتجلی له .
ومن هذا التجلي توجد الأعراض والأحوال في كل ما سوى الله ، ثم له تجل في مجموع الأسماء فيعطي في هذا التجلي في العالم المقادير والأوزان والأمكنة والأزمان والشرائع وما يليق بعالم الأجسام وعالم الأرواح والحروف اللفظية والرقمية وعالم الخيال .
ثم له تجل آخر من أسماء الإضافة خاصة ، كالخالق وما أشبهه من الأسماء ، فيظهر في العالم التوالد والتناسل والانفعالات والاستحالات والأنساب ، وهذه كلها حجب على أعيان الذوات الحاملات لهذه الحجب عن إدراك ذلك التجلي الذي لهذه الحجب الموجد أعيانها في أعيان الذوات . و بهذا القدر تنسب الأفعال للأسباب . 
ولولاها لكان الكشف فلا يجهل ، فـ بالتجلي تغير الحال على الأعيان الثابتة من الثبوت إلى الوجود ، وبه ظهر الانتقال من حال إلى حال في الموجودات، وهو خشوع تحت سلطان التجلي .
فله النقيضان يمحو ويثبت ، ويوجد ويعدم ، فالله متجلي على الدوام لأن التغييرات مشهودة على الدوام في الظواهر والبواطن ، والغيب والشهادة والمحسوس والمعقول ، فشأنه التجلي وشأن الموجودان التغيير بالانتقال من حال إلى حال ، فمنا من يعرفه ، ومنا من لا يعرفه . 
فمن عرفه عبده في كل حال ومن لم يعرفه أنكره في كل حال.
 فتوحات ج 2 / 303 ، 304 .

9  - و - الموانع من إدراك التجلي
القلوب أبدا لا تزال مفطورة على الجلاء مصقولة صافية ، فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي ياقوت أحمر ، الذي هو التجلي الذاتي ( هذا اصطلاح ليس المقصود منه تجلي الذات على ما هي عليه ) .
فذلك قلب المشاهد المكمل العالم الذي لا أحد فوقه في تجلي من التجليات ، ودونه تجلي الصفات ، ودونهما تجلي الأفعال ، ولكن من كونها من الحضرة الإلهية .
ومن لم تتجلى له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن الله تعالى المطرود من قرب الله تعالى .
فانظر وفقك الله في القلب على حد ما ذكرناه ، وإن اشتغل القلب بعلم الأسباب عن العلم بالله ، كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب لأنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب .
فما يجده عالم الطبيعة من الحجب المانعة عن إدراك الأنوار من العلوم والتجليات بکدورات الشهوات والشبهات الشرعية وعدم الورع في اللسان والنظر والسماع والمطعم والمشرب والملبس والمركب والمنكح ، و کدورات الشهوات بالانكباب عليها والاستفراغ فيها وإن كانت حلالا .
وإنما لم يمنع نيل الشهوات في الآخرة وهي أعظم من شهوات الدنيا من التجلي ، لأن التجلي هناك على الأبصار ، وليست الأبصار محل الشهوات .
والتجلي هنا في الدنيا إنما هو على البصائر والبواطن دون الظاهر ، والبواطن محل الشهوات .
ولا يجتمع التجلي والشهوة في محل واحد ، فلهذا جنح العارفون والزهاد في الدنيا إلى التقليل من نيل شهواتها والشغل بكسب حطامها .
ومن أحدث في نفسه ربوبية فقد انتقص من عبوديته بقدر ما أحدث ، وإذا انتقص من عبوديته بقدر ذلك ينتقص من تجلي الحق له ، وإذا انتقص من تجلي الحق له اتنقص علمه بربه ، وإذا انتقص علمه بربه جهل منه سبحانه وتعالى بقدر ما نقصه فتوحات ج 1 / 91 ، 154 ، 343.
 
 9 - ز - الإستعداد للتجلي
اعلم أن نور التجلي المنفهق يسري في زوايا الجسم فيبهت العقل وبهره ، فلا يظهر للمتجلي له تصريف ولا حركة لا ظاهرة ولا باطنة.
فإذا أراد الله أن يبقي العبد أرسل على القلب سحابة كون ما تحول بين النور المنفهق من التجلي وبين القلب .
فيتشر النور إليها منعکسا وتشرح الأرواح والجوارح ، وذلك هو التثبيت ، فيبقى العبد مشاهدا من وراء تلك السحابة ، لبقاء الرسم ، وبقي التجلي دائما لا يزول أبدا ، ولهذا يقول كثير إن الحق ما تجلى لشيء قط ثم انحجب عنه بعد ذلك ، ولكن تختلف الصفات .
 
واعلم أيدنا الله وإياك ، أن الأمر في التجلي قد يكون بخلاف ترتيب الحكمة التي عهدت ، وذلك أنا قد بينا استعداد القوابل .
وأن هناك ليس منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور [ فلو لم يكن المتجلى له على استعداد ، أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ، ما صح أن يكون هذا التجلي ، فكان ينبغي له أن لا يقوم به دك ولا صعق ، هذا قول المعترض علينا ] .
قلنا له يا هذا : 
الذي قلناه من الاستعداد ، نحن على ذلك ، الحق متجلي دائما والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص ، وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه ، فلا يخلو أن يكون له أيضا استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك .
فإن كان له ذلك فلابد أن يبقى ، وإن لم يكن له فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء .
ولا يصح أن يكون له فإنه لابد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غنية ، فإنه لا يبقى له مع النهود غير ما شهد فلا تطمع في غير مطمع.
 
إذا تجلى لمن تجلى ... أصعقه ذلك التجلي
وإن تولى عمن تولى ... أهلكه ذلك التولي
وإن تدلى بمن تدلى ... نوره ذلك التدلي
قلت الذي قدسمعتموه ... بالله يا سيدي فقل لي
لما رأيت الذي تجلى ... اشهدني فيه عين ظلي
من لي إذا لم أكن سواه ... وليس عيني قل لي فمن لي
الله لا ظاهر سواه ... في كل ضد وكل مثل
وكل جنس وكل نوع ... وكل وصل وكل فصل
وكل حس وكل عقل ... وكل جسم وكل شكل
فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي ، وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلى له من الاستعداد .
وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون ، کوجه الدليل في الدليل سواء ، بل هذا أتم وأسرع في الحكم ، ولا يدل تعدد التجليات ولا كثرتها على الأشرفية، وإنما الأشرف من له المقام الأعم، وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري.
ولابد مع التجلي من تعريف إلهي، إما بصفاء الإلهام أو بما شاء الحق من أنواع التعريف، ومن لم ير غير التجلي الصوري ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد، والذي ذاق الأمرين فرق ولابد.
الفتوحات ج 1 / 295 - ج 2 / 541 - ج 4 / 191 ، 192 - کتاب التدبيرات الإلهية . 
9 - ح - التجلي الإلهي في الصور في حضرة الخيال المطلق
الحقائق لا تنقلب فاللطف محال أن يرجع كثافة، ولكن اللطيف يرجع کثیفا کالحار يرجع باردا أو البارد حارا.
من هذا الباب يظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب حضرة الخيال.
فإن الحضرات تحكم على النازل فيها وتكسوه من خلعها ما تشاء، أين هذا التجلي من « ليس كمثله شيء» ومن « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » .
فالحكم للحضرة والموطن لأن الحكم للحقائق، والمعاني توجب أحكامها لمن قامت به ، فإن الله إذا تجلي في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنی ، وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضى والفرح والنزول والهرولة .
فإذا تجلى الحق للإنسان في المنام في صورته أو غيره في أي صورة تجلی، فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذاك الموطن ؛ فإن مراد الله فيها ذلك الحكم ولابد ، ولهذا نجلى فيها على الخصوص دون غيرها، ويتحول الحكم بتحول الصور .
فكما أن کل موجود هو إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق فكذلك الصورة تقبل القدم والحدوث.
ولذلك يتجلى الحق لعباده على ما شاءه من صفاته، ولهذا ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالی تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه. 
ويتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة عموما ، وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائق الذات هي المتجلية للصنفين في الدارين أن عقل أو فهم من الله تعالى ، المرئي في الدنيا بالقلوب والأبصار ، مع أنه سبحانه النبيء عن عجز العباد عن درك كنهه .
فقال « لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم « خبير » ضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما نعطيه الألوهية ، إذ لا طاقة للتحدث على حمل القديم.
الفتوحات ج 1 /  77 - ج 2 / 472 - ج 3 / 280 ، 286 - ج 4 / 289 .
 
واعلم أن الله تعالی ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك ولا كان عالما بك إلا منك. وأنت بذاتك أعطيته العلم بك، فإن الصورة تنقلب عليك إلى ما لا نهاية له، وتتقلب فيها أنت ، وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه .
ولكن حالا بعد حال ، انتقالا لا يزول؛ وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها ، فيتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها .
لأنك مقيد وهو غير مقيد ، بل قيده إطلاقه ، وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ، ولهذا ينكرون .
إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لاينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليه بعد ذلك فينكره.
حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله عليه وعام ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، و من عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها .
علم بحكم الوطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها ، فعلمها قبل أن يدخل فيها ، فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله ، فشكر الله الذي عرفه من موحان الإنكار . 
الفتوحات ج 4 / 109 ، 110 
وصاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی کفاحا في منامه في أي صورة يراه يقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا و يصدق ، ويصدق مع قوله تعالی «لیس کمثله شيء » .
فنفى عنه المماثلة في قبوله التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه .
فإن كل من سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى في شيء منها لنفسه ، وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، فيقول للصورة التي يدخل فيها من هذه صفته کن فتكون الصورة فيظهر بها من له هذا القبول إذا شاء الحق .
قال تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك "، فجعل التركيب الله لا له ، وفي نسبة الصورة لله تعالى يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل ، فلا يلتبس عليك الأمر في ذلك .
ولما لم يكن له تعالی ظهور إلى خلقه إلا في صورة ، وصوره مختلفة في كل تجل ، لا تتكرر صورة ، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين ، ولا في صورة واحدة لشخصين.
فإن الآية من كتاب الله ترد واحدة العين على الأسماع ، فسامع يفهم منها أمرا وسامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر .
وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام .
وهكذا في التجليات الإلهية ، فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين ، واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلى لهم .
ولما كان الأمر كذلك لم ينضبط للعقل ولا للعين على ما هو الأمر عليه ، وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فیضبطه الفكر .
ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور ، فإنه ينتقض له ذلك الأمر في التجلي الآخر بالصورة الأخرى ، وهو الله في ذلك كله .
لا يشك ولا يرتاب ، إلا إذا تجلى له في غير معتقده فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار .
فيعلم أن ثم في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية ، وإذا حكم ولابد بكيفية فيقول : الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور فتكون الصور مشاءة .
فالعارفون أهل الله علموا أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين.
فلم ينضبط لهم الأمر، لما كان لكل شخص تجلي يخصه ، ورآه
الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها ، فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجلي.
علم أن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون .
ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه .
أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله تعالى: « ليس كمثله شيء » فنفى المماثلة .
فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى . 
فتوحات ج 1 / 287 - ج 3 / 384 - ج 4 / 19 - کتاب التنزلات الموصلية .

9 - ط۔ - خلاصة بحث التجلي:
يقول الشيخ في مشاهدة مشهد البيعة الإلهية على لسان الحق :
إني وإن احتجبت فهو تجل لا يعرفه كل عارف ، إلا من أحاط علما بما أحطت به من المعارف .
ألا تراني أتجلى لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي ومنها يتعوذون و بها يتعوذون ، ولكن لا يشعرون .
ولكنهم يقولون لذلك المتجلي « نعوذ بالله منك وها نحن لربنا منتظرون » .
فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم ، فيقرون لي بالربوبية ، وعلى أنفسهم بالعبودية.
فهم لعلامتهم عابدون، وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون، فمن قال منهم انه عبدني فقوله زور وقد باهتني (يعني بقوله نعوذ بالله منك).
وكيف يصح منه ذلك وعندها تجلیت له أنكرني ، فمن قيدني بصورة دون صورة، فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة .
فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني، والعارفون ليس في الإمكان خفائي عن أبصارهم ، لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم ، فلا يظهر لهم عندهم سوائي، ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي ، فكل شيء ظهر لهم وتجلى . 
قالوا أنت المسبح الأعلى .
فتوحات ج 1 / 49  ""

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب    كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 14, 2020 6:04 am

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية الجزء السادس .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب

تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

الفص المحمدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الجزء السادس

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية
50 - وحدة الوجود
راجع الظاهر في المظاهر - فص 5، هامش 10، ص 87 

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر - فص 5، هامش 6 - 10، ص 87 
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .

ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ، فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606

"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".

تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".

إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟
وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى : إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""

راجع وحدة الوجود فص 2، هامش 6، ص 45
"" 6 - وحدة الوجود - المرايا        - فص 2، هامش 6، ص 45
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته.
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.

ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .

أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .

کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .

وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.


فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .


كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.


"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".


تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".


إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟
وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .


والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""


ص 460

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى الطائي الحاتمي أ.محمود محمود الغراب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عبد الرزاق القاشاني .على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عيد الغني النابلسى كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» شرح داود بن محمود بن محمد القَيْصَري فى كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم على فصوص الحكم الشيخ الأكبر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: