منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:35 pm

الهوامش والشروح 01 - 36 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 01 - 36 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 01 - 36 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح ديباجة مولانا الدفتر الرابع المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي

[ شرح الأبيات ] 
1 - 10 : الخطاب لحسن حسام الدين ( انظر مقدمة الكتاب الأول ) يشير مولانا إلى حديث « إن لله عبادا قلوبهم أنور من الشمس » وقد وصف حسن حسام الدين في مقدمة الكتاب الأول بقوله « ألقت الشمس عليه رداءها وأرخت النجوم لديه أضواءها » 
وقال أبو الحسن الشاذلي « لو كشف من نور المؤمن الناقص لطبق ما بين السماوات والأرض فما ظنك بنور المؤمن الكامل ولقد سمعت شيخنا أبا العباس قال : لو كشف من نور الولي لعبد لهلك لأن أوصافه من أوصاف الله ولقوته من لقوته » ( انقروى 4 / 11 ) 
والمقصود بالبيت رقم 6 أن إرادة العبد المؤمن إن صحت نيته وقوى عزمه تكون من إرادة الله سبحانه وتعالى فالإرداة الإلهية يلزمها عمل من العبد ، ويفسرها بالبيت التالي مصداقا لحديث نبوي شريف « من كان لله كان الله له ( مولوى 4 / 9 والأنقروى 4 / 13 ) 
وفي قول لشوبنهور أن الإرادة هي أساس الوجود الإنسانى فهي التي تغير الإنسان ، وتغير الوجود وأحيانا يعرفها بالهمة ( همم الرجال تزيل الجبال ) وانظر الأبيات
 
« 375 »
 
2074 - 2077 من هذا الكتاب . ومن ثم فالمثنوى نفسه شاكر لحسن حسام الدين ، وما الغرابة في أن يشكر المثنوى ويهلل والجمادات كلها مسبحة بحمد الله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده ( سورة الإسراء - آية 44 ) وقد مر الحديث عن تسبيح الجماد في الكتاب الثالث ( حكاية صياد الحيات ) 
وفي الكتاب الأول ( حكاية قبول الخليفة لهدية الإعرابى ) ( انظر الكتاب الأول أول شرح الأبيات 2235 وما بعده ) كما ورد عند محى الدين بن عربى في الفتوحات المكية أن بعض الحروف في مرتبة النبوة وبعضها الآخر في مرتبة الرسالة ( انقروى 4 / 13 ) .
 
( 10 - 15 ) الشكر يستوجب الزيادة ، قال الله تعالى «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» ( سورة إبراهيم آية 7 ) فسجود الشكر هو القرب و « أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد » «كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» 


وانظر إلى هذه الصورة الكرم والشمس ، الكرم يجذب الشمس فتسطع الشمس تسطح عليه بجذبه إياها ، والكرم هو المثنوى والشمس هو حسن حسام الدين ، ظل يجذبه ، ويظل المثنوى متدفقا ما دام حسن حسام الدين يجذبه ، كما يجذب أمير الحج القافلة نحو بيت الله ، المراد بالحج في الشطرة الأولى من البيت 15 حج البيت ، أما المراد في الشطرة الثانية حج رب البيت وبينهما مراتب « انظر في أقوال الصوفية : حججت مرة فلم أر رب البيت . . إلى آخره باب الحج في شرح التعرف » .
أي إحرام نقوم به يا حافظ ما دامت تلك القبلة ليست هنا وأي جهد لنا في السعي ما دام الصفاء قد ذهب عن الكعبة ديوان حافظ ص 96
 
« 376 »
 
( 16 - 20 ) : الضياء للشمس والنور للقمر ومنزل الشمس أعلى من منزل القمر ، ومن ثم سميتك يا حسام الدين ضياء ولم أسمك نورا ، والحسام هو السيف وسيف الشمس من الضياء ، واقرأ هذا من القرآن الكريم «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ» ( سورة يونس آية 5 ) .
وفي تفسير نجم الدين كبرى « جعل شمس الروح ضياء ليستنير به عمى القلب » ( مولوى 4 / 10 ) ، وربما يفسر هذا البيت التالي فلا طريق في ضوء القمر ، بل لا بد من الشمس والدليل على أن مولانا جلال الدين يقصد بالشمس المرشد الكامل هو هذا البيت ، وكثيرا ما دق مولانا جلال الدين على هذا المعنى عن حديثه عن مرشده شمس الدين التبريزي ، والشمس هي التي تظهر حقيقة الأشياء ، أصالتها وزيفها كما يبدو من الأبيات التي تلت ذلك والتي يقدم فيها مولانا جلال الدين صورا من الواقع المعاش .
 
( 25 - 29 ) : مما يدل على أن مولانا جلال الدين كان يتحدث عن شمس غير الشمس ، وقمر غير القمر ، وأن المقصود هو شمس الطريقة أو الدرويش الكامل ما جمعه في البيت رقم 25 ، فالصوفى الذي يروج الزيف إنما هو عدو لروحه ، والزيف هنا هو زيف المادة وزيف الفكرة فإنما أول ما يضل إنما يضل نفسه ، وفي الشطرة الثانية يدخل عالمه الصوفي ، فمن يكون عدوا للدرويش الجوال إلا الكلاب التي تنبحه حيثما حل ، والكلاب هنا هي كلاب الصورة وكلاب السيرة ، ويشير الأنقروى أن المعنى مأخوذ من حكاية وردت عن أبي يزيد البسطامي عندما نبحه كلب فخلص نفسه منه بمشقة وعندما سأله أحدهم عن سر ذلك أجابه بقوله « يا أخي نحن مرآة مجلوة قد يرى كل أحد فينا صورته »
 
« 377 »
 
( القروي 4 / 17 ) ( وعن فكرة المرآة انظر الكتاب الأول / البيت 2365 وما بعده ) وهكذا أيضا الأنبياء فبينما يتحرش بهم كلاب الدنيا وطلاب جيفتها لأنهم المرايا التي ينظر فيها كل إنسان إلى صورته ، فبينما يدعو الملائكة بأن يحفظ الله هذا المصباح المضئ من الرياح العاتية : ويا رب سلم هو دعاء المؤمنين على الصراط ( استعلامى 4 / 192 - تهران 1369 هـ . ش ) 
فإنما يخشى النور من كان لصا محتالا ، وإنما يعادى الأنبياء من لا يسير على منهاجهم . . وماذا نقول ؟ ! 
إنما يعادى الشريعة من يرى أن أول ما يطيح سيفها البتار إنما يطيح برأسه الفاجرة ؟ ! 
حقائق لا يمكن أن يخفيها الجدل فهي من المسلمات التي يحدثنا بها مولانا جلال الدين في كل زمان ومكان .
 
( 30 - 39 ) : يخاطب حسن حسام الدين في عملية جذب مستمرة وهو من قبيل تواضع المرشد أمام المريد المستحق ، يطلب منه أن يصب النور على المثنوى أي أن يبدأ في الكتابة ، فكأن النور هنا من المريد وهو أصلا من الشيخ ، وكما أن الشمس تسطع من الفلك الرابع ، 


وها هو المجلد الرابع من المثنوى يسطع بنوره على البلاد والعباد ، فهو هدى لمن اهتدى ، أما الذين لم يعترفوا به فهو عليهم عمى ( انظر 3 شروح 1150 وما بعدها ) وهو مجرد حكايات لمن يقرأه كحكايات لكنه رجولة لمن يراه نقدا له وعطية إلهية ، تماما كما كان نيل مصر شرابا للصابرين وحسرة على آل فرعون الكافرين ، كما ذكر في مقدمة هذا الجزء ( وانظر أيضاً الأبيات 3431 وما بعدها من هذا الكتاب ) ويسوق الأنقروى والمولوي حكاية على تفسير البيت التالي ( 34 ) إذ روى أن حسام الدين قال : إني رأيت في هذا الوقت عند قراءة الأحباب المثنوى استغرق الناس بنوره ورأيت جماعات الغيب بيدهم سيوف يضربون بها كل من لم
 
« 378 »


يستمعه وينصت إليه فيعلقون عضد إيمانه واعتقاده ويرمون به منكوسا في سقر ( مولوى 4 / 13 وانقروى 4 / 19 ) . كما وردت الرواية في مناقب العارفين للأفلاكى ( 2 / 745 ) ، وهكذا يرى مولانا أن حسام الدين قد رأى أحوال متلقى المثنوى تماما ، فإنما يكون جزاؤه من جنس عمله ، ومصيره من جنس تلقيه ، وبصيرتك يا حسام الدين الناظرة إلى عالم الغيب أستاذة في هذه الأمور ، وهنا إشارة للأفلاكى ( نقلها من جامى في نفحات الأنس ) أن المريدين عندما كانوا يقرأون المثنوى كان الملائكة يراقبونهم وإن لم يسمعوا جيدا كان إيمانهم يسلب .



وبصيرة غيب حسام الدين هي على علم بهذا المصير ( استعلامى 4 / 193 ) ، فلا أنقص الله هذه البصيرة ولا غيبها عن الدنيا ، وهيا دعك يا حسام الدين من أولئك الذين ليسوا بأهل لهذا الكلام ، وليكن همك وهمتك حكرا على من هم أهل له وعد بنا إلى تلك الحكاية التي تركناها دون إنهائها في الكتاب الثالث .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا
* * *

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.pdf

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 37 - 520 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:36 pm

الهوامش والشروح 37 - 520 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 37 - 520 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 37 - 520 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس  
( 40 - 51 ) : يبدأ مولانا في إكمال الحكاية التي وردت في نهاية الكتاب الثالث بداية من البيت 4807 ، لكنه كعادته ودأبه في القص ، يقدم من خلال الحكايات أفكارا عديدة ، وها هو يحدثنا عن حال عاشقه الذي وقع على معشوقته فجأة ، كان المعشوق بالنسبة له كالعنقاء ، لم يكن يسمع عنه إلا الاسم ، لم يكن قد شاهدها إلا مرة واحدة ثم نفذ سهم القضاء ، وهكذا كل شئ فيما يرى مولانا . . . يكفى أن يومض كالبرق في حياة الإنسان المظلمة شهاب من معشوق حي أو معشوق ميت ، ليس هذا فحسب بل إن حادثة ما قد تغير الإنسان تغيرا تاما ، وهذا واضح في سير الصوفية جميعا كما تقص . . حادثة فجائية تغير فهم الإنسان من النقيض إلى النقيض ، ليس هذا في الطريق الصوفي فحسب بل وفي كل أمور الدنيا ، ويظل الإنسان في أثر هذا الشهاب الذي ذاق حلاوته مرة

« 379 »
 
واحدة ، وينتقل مولانا من المطلق إلى المحدود ، ويقدم صورا محسوسة إن عاشق كل حرفة وكل شئ إنما يعشقها لأن الله تعالى قد أذاقه حلاوته منذ البداية ( انظر للذوق 1 / 255 - 277 ) وهكذا فعشق عمل ما إنما يمثل أساس هذا العمل ، ثم توضع العراقيل لأن كل لذة تنافس لذه القرب باطلة ، وكل شئ ما خلا الله باطل ، وإنما يضع الله سبحانه وتعالى العراقيل لكل يدفع الطالب مهر مطلوبه ، ويؤمله ويؤيسه في كل لحظة حتى لا يكف عن الطلب ، فالطلب في حد ذاته نوع من العشق هو عبادة قد يبطلها الوصول ، ولكل إنسان مطلوب يقف على بابه ، فانظر ما يكون مطلوبك ، فهو بقدر همتك ، والباب يفتح فيكون رجاء ثم يغلق فيكون يأس واضطراب وفي هذه البوتقة يصهر الإنسان .
 
( 52 - 64 ) : يعود مولانا جلال الدين إلى الحكاية ، فها هو العاشق الذي وجد محبوبه بينما كانت الشرطة تطارده يطلق لسانه يطلب الرحمة للشرطة لكن مولانا لا ينسى أن يحلل طبيعة الشرطة التي تكون أكثر فتكا من السلطة التي تقصد حمايتها ، فمن الواضح أن العاشق لم يكن قد ارتكب ذنبا ما ، لكن الشرطة كانت تطارده فحسب لكي تأخذ منه بعض الدراهم ( ! ! ) وها هو يدعو الله أن يعوضهم عما كانوا سيأخذون منه بأضعاف أضعافه ( ! ! ) وليس هذا فحسب بل يدعو أن يخلصه الله من طبيعة الشرطي فيه ، وما هي طبيعة الشرطي ؟ إنه لا يريد الخير للبشر ، إنه يفرح إذا قسا الملك على الرعية ، ويحزن إذا رحمها ، إنه يعتبر هذا العمل ابتلاء من الله سبحانه وتعالى ، بل إنه ليضلل الحاكم لكي تطلق يده في الرعية .
 
( 63 - 77 ) : لأن هذا الشرطي الذي لا يتأتى منه الخير ، قد يأتي منه الخير للعاشق ، وإن لم يكن هذا بإرادته ، يخلص مولانا إلى أنه لا يوجد شر مطلق
 
« 380 »
 
في هذا العالم . فما يكون شرا بالنسبة لأحد ، يكون خيرا بالنسبة لآخر ( انظر 1 / 2005 - 2008 ) وهذا نفى لكل مدارس الفسلفة التي تحدد المشكلة ( جعفري 9 / 295 وما بعدها ) والفكرة واردة عن سنائى في الحديقة « وفي ذلك الزمان الذي خلق الله فيه الآفاق لم يخلق شرا على الإطلاق » ( انظر الترجمة العربية للحديقة البيت 459 ) كما وردت في معارف بهاء لد ( 1 / 389 ) ،
وهكذا فقد كان مولانا جلال الدين شأنه في هذا شأن الصوفية يؤمن بأن الخير هو الأصل في العالم ، ويرى ملا هادي سبزوارى أن الحكماء الإلهيين كانوا يرون الخير بالنسبة للوجود بديهيا لأن هذا الأمر متعلق بأصل الأصول أي التوحيد ( سبزوارى 4 / 262 ) ،
ويروى الأنقروى حكاية عن محى الين بن عربى في هذا المجال إذا كان جالسا ذات يوم في جماعة من مريديه فمر أحدهم ذو رائحة كريهة ، فسأل مريديه عن سر هذه الرائحة الكريهة فقال بعضهم : للتواضع ، والمسكنة ، وقال بعضهم هضما لنفسه ، وقال بعضهم : سترا عن الناس لأسرار باطنه ، وقال الشيخ : لا بل الوجود خير محض وهو نظر إلى هذه الحبة فاحتملها لأجل الخيرية ( الأنقروى 4 / 24 )
أو كما قال ابن الفارض :فلا عبث والخلق لم يخلقوا سدى * وإن لم تكن أفعالهم بالسديدةوإلى مثل هذا المعنى ذهب حافظ الشيرازي بقوله :
قال شيخنا إن قلم الصنع لم يجر بخطأ قط ويستمر مولانا على هذا النسق في تفصيل هذه الفكرة ، فالسم قد يكون لهذا غذاء لكنه لذاك موت ، تماما كما ذكر سنائى في الحديقة إشارة إلى شرب
 
« 381 »
 
خالد بن الوليد السم الذي وجد في غنائم المدائن لم يصبه بأذى ( حديقة البيت 460 وشروحه ) وهكذا أمور الدنيا بأجمعها إلى ما لا نهاية . . ولماذا نبتعد ؟ انظر إلى شخص واحد ولنفرض أنه زيد مثلا . . فزيد هذا تتعدد الآراء فيه بتعدد الناس لكنه ذات واحدة في ظاهر الأمر ، فإذا كنت تريد أن يبدو لك طيبا فانظر إليه بعين عشاقه ، انظر إلى المطلوب بعيون طالبيه واستعر عيونا من طالبيه إذا لا يحمل عطاياه إلا مطاياه ، انظر إلى المجنون بعيون ليلى .
 
( 78 - 80 ) : وإذا كان الأمر هكذا بالنسبة لزيد فما بالك بمعدن الجمال وسره والحقيقة الخالدة ، فإذا كنت تريد أن تأمن الكسل والملال ، فاقرأ ( من كان لله كان الله له ) ، واقرأ أيضا : « ما يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها » والنتيجة أن أي مكروه في سبيل الحبيب يكون محبوبا .
 
( 80 - 97 ) : لم ترد الحكاية التي تبدأ بهذه الأبيات في « مآخذ » فروزانفر ، وهي على كل حال قد تكون من مبتكرات مولانا جلال الدين نفسه ، وتدور في نفس السياق السابق ، فهذا الواعظ كان يرى في الشر نفسه خيرا ، وفي الأشرار فائدة للأطهار ، فكان دعاؤه كله وهو على المنبر للأشرار وقطاع الطريق والمشركين والمستهزئين بأهل الخير والدين ، وقد سئل كيف يدعو لأهل الضلالة ؟ فقال : لأدلهم علىَّ . . والحكاية في لبها أشبه بحكاية لقمان الذي سئل : ممن تعلمت الحكمة ؟ فقال : من الحمقى كلما فعلوا شيئاً تركته ، كما أشار عبد الباقي ( 25 / 4 ) إلى قول للإمام على قريب من هذا المعنى « كفاك أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك » فحتى شر الأشرار قد يكون خيرا على
 
« 382 »
 
غيرهم ، فإنما يعلمون أن الشر المجسد يرغب أهل الخير في الخير ، وكلما اتجه إليهم من طبع على الخير ولقى من شرهم العنت والأذى ابتعد عنهم إلى جنب الله ، كما تعود الشاة الخائفة إلى القطيع ، وهكذا فالأشرار هم الذين يهيئون عن غير قصد وعمد للأخيار طريقهم ، فكم من عالم فذ حاربه أهل السوء وعصبة الضلال من المحيطين به عن كيد وحسد فكانت خلوته إلى كتبه وعلمه وأبحاثه سببا في خيره ، ويقص الأنقروى عن نفسه حكاية من هذا القبيل فليطلبها في موضعها ( 4 / 29 - 30 ) من يريدها بتفصيلاتها ، وهذا هو اللطف المخفى في ثياب القهر والذي يلجؤك إلى الله سبحانه وتعالى ، أليس أعداؤك في النهاية هم الذين يلجئونك إلى حلقة الذكر والفكر ؟ ! وكم يكون هناك من قهر مخفى في ثياب اللطف : أليس من أولاد المرء وأزواجه من يكون عدوا له . . ترى ماذا تكون هذه العداوة إلا الصرف عن الذكر ؟ ( عبد الباقي 25 / 4 ) ، أليس أصدقاؤك ومحبوك هم الذين يأخذونك من حلقة الذكر والفكر ؟ ! إن نفس المؤمن إنما تطيب بالبلاء ، ومن هنا كان « أشد الناس بلاء الأنبياء فالأولياء ثم الأمثل فالأمثل . » .
 
( 98 - 109 ) : يواصل مولانا الحديث عن البلاء وكيف يصقل الإنسان وينضجه ، فالإنسان دون تجربة وبلاء كالجلد غير المدبوغ لا قيمة له ، فالبلاء للإنسان كالملح والدباغة بالنسبة للجلد ، والطائفي منسوب إلى الطائف وهو جلد شهير بجودته ، وحتى إن لم تستطيع أن تأخذ أجر الصابر ، فخذ أجر الراضي ، فأنت مأجور في كلتا الحالتين ، « فإن الله إذا أحب عبدا إبتلاه وإن رضى اصطفاه » والصفاء بعد البلاء ، وعلمه فوق تدبيرك ، وكل ما قدر يكون ، ولا حيلة لك إلا التسليم والرضا ، حينئذ يكون البلاء حلوا ، وإن الله يجرب عبده بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار ( استعلامى 4 / 196 ) ، هكذا رأى الحسين بن منصور الحلاج نفسه حيا بالموت فصاح
 
« 383 »
 
اقتلونى اقتلونى يا ثقات * إن في قتلى حياة في حياة( انظر أول 3949 - 3950 ) .
 
( 110 - 119 ) - يعود مولانا فيعلق على نفسية الشرطي ، إنه مردود عن باب الله وإن كان يعتبر نفعا لغيره ، إنه لا يسعى لنفسه بالأعمال الصالحات وفي حديث قدسي قال الله تعالى لموسى أتخاف غيرى ؟ ! قال : بل أخاف من لا يخافك قال الله تعالى : حق لك أن تخاف من لا يخافنى ، وهكذا فإن الشفقة التي هي من الإيمان مقطوعة عن الشرطي ، ولا تنزع الرحمة إلا من شقى » بل هي القسوة والغضب المسيطران على الشرطي ويسوق مولانا مثلان هذا المجال ، وهو مستند على حديث نبوي ، أن رجلا سأل عيسى عليه السلام فقال : يا عيسى ما أشد الأشياء : قال غضب الرب فقال : وبم النجاة منه قال : إذا غضبت أن تترك غضبك ، كما قال الله تعالى في حديثه القدسي : يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب ، ( انقروى 4 / 34 ) ورد فروزانفر أصل الحكاية إلى حديث نبوي سئل النبي ما يبعد عن غضب الله عقابي ؟ قال أن لا تغضب وروى عن سيدنا على رضي الله عنه : يباعدك من غضب الله أن لا تغضب ، كما نقل عن الإمام موسى الكاظم : من كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضب يوم القيامة ( مآخذ 129 ) .
 
ويخلص مولانا من جواب سيدنا عيسى إلى أن الشرطي هو مصدر الغضب وقد جاوز الوحوش في الغضبية ولا أمل له في رحمة الله ، وإنما يسوقه في غيه وضلاله أن النظام في العالم لا غنى له عنه ، هذا هو ما يدريه ، إذ لا علاقة هناك بين من يقيم النظام وهو مقيم على سجيته وعلى غضبه ، ويسوق مولانا تشبيها
 
« 384 »
 
في هذا المجال على ما ورد في النص هذا بالرغم من أن الروايات كانت تروى عن احترام السلطة لجلال الدين - الخوف هنا عن الحساسية من السلطة المطلقة التي لا يرد عنها رادع .
 
( 120 - 154 ) : عودة إلى حكاية العاشق الذي وجد محبوبته في البستان وها هو يراودها عن نفسها ، فلا شاهد عليهما إلا النسيم ، وترد عليه زاجرة إياه : وأين محرك النسيم ؟ ! وينطلق مولانا جلال الدين في هذه الفكرة : إن هذه الرياح الجزئية التي هي طوع أمرنا لا تتحرك إلا إذا حركناها نحن بالمروحة وهذا النفس إنما هو متحرك بحركة الله سبحانه وتعالى « ولا متحرك إلا بمحرك » ( سبزوارى 4 / 274 ) بل الكلام الذي تجعله حينا مدحا وحينا ذما لابد له من محرك وهكذا دواليك حتى الرياح الكلية ، تستطيع أن تتعرف على طبائعها قياسا على هذه الرياح الجزئية التي تلمسها وتحس بها ، أحيانا تكون على الدنيا ربيعا وأحيانا تكون ريحا صرصرا كما كانت على قوم عاد ، وهناك ريح السموم وريح الصبا وفي الحديث النبوي « نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور » . وهكذا الكلام حينا لطف وحينا قهر ، وهو نفس رحماني في كلتا الحالين على فحوى « لا تسبوا الريح فإنه من الرحمن »
( مولوى 4 / 35 ) وإذا كانت المروحة حينا تكون للترويح ولكنها هلاك للبعوض ، فكيف تنكر هذا على الرياح الكلية أي الأبراج السماوية الهوائية الجوزاء والميزان والدلو ( سبزوارى 4 / 264 ) .
وكما يقدم مولانا فكرته على مستويات : ألا يطلب الفلاح الرياح لكي يذرى محصوله ؟ ! أليس طلق الولادة من قبل الرياح ؟ ! أليس ألم الأسنان نوعا من الرياح ؟ ! وهل تراك ترى كل هذا ؟ ! ألست تعرفها بآثارها ؟ ! .
 
« 385 »
 
( 156 - 160 ) : يقول العاشق أنه إذا كان قد جاوز حد الأدب فإنه يغفر له عند محبوبته سعيه وطلبه ، وكأنما كان يقول بلغة معاصرة : أن يسعى إلى غاية قبيحة بوسائل شريفة ( ! ! ) وترد المحبوبة ساخرة أن ما رأته فيه من حسن الأدب حقا ، وهذا هو ما يظهره فما بالك بما يبطنه فلا هو مستهلك في المعشوق ظاهراً أو باطنا ، وإنما تريد القول أن ظاهره يدل على باطنه فإن كل إناء ينضح بما فيه ( بيت أورده الأنقروى 4 / 41 والمولوي 4 / 28 ولم يرد في طبعة نيكلسون ) ، وتضرب مثلا بحكاية الصوفي الذي ضبط زوجته متلبسة بجرم الزنا مع اسكاف فألبسته ملابس النساء وادعت أنها زوجة أحد الأعيان جاءتها طلبا لابنتها ، والحكاية من الحكايات الكثيرة التي تجاهلها فروزانفر في مصادر حكايات المثنوى ولعله لم يجد لها أصلا ، وقال استعلامى إنها من المأثور الشعبي المشهور 4 / 198 .
 
( 161 - 171 ) : يسوق مولانا داخل الحكاية بعض الأفكار تعليقا على زوجة الصوفي إلى عودة زوجها في ذلك الوقت من النهار لكن الأمان من مكر الله لا يستقيم على طول الخط ، « والقياس » المذكور في 164 تأكيد من مولانا جلال الدين على عدم الاعتماد على القياس ( انظر أيضا الأبيات 82 من الكتاب الثاني و 3994 من الكتاب الثالث ) فإنه مهما كان ستَّارا إلا أنه يجازى ويعاقب ، والإثم أشبه بالبذرة ، ولا بد للبذرة من أن تنبت نباتا يظهر فوق الأرض وينبئ عنها ، ثم يضرب مثلا بحكاية أخرى ( تجاهلها أيضا فروزانفر ) وفحواها حكاية ذلك اللص الذي ضبط في عهد عمر بن الخطاب فسلمه إلى الجلاد ، وأخذ اللص يصيح بأنها أول مرة يفعلها ، فأجاب سيدنا عمر - رضي الله عنه - بأنه : حاشا لله أن يفضح مذنبا عند أول فعله للمذنب ، إنه يستر مرات من فضله لكنه يفضح من أجل العدل ، وذلك حتى تتجلى صفتاه : اللطف والقهر .
 
« 386 »
 
( 172 - 185 ) - لقد فعلت زوجة الصوفي هذا الفعل مرات ومرات ولكن ليس في مرة تسلم الجرة ، وهكذا يصاب المنافق بموت الفجاءة كي تفوته فرصة التوبة ، وها هو الصوفي يخاطب الزوجة الفاجرة ، أن الله يعلم لكن غضبه يفعل فعله بالتدريج كمرض السل ، يظن المريض أنه صحيح بينما يقضى عليه المرضى لحظة بلحظة ، وهكذا فقد وجدت المرأة نفسها كأنها في العرصات يوم الحشر ، حيث لا ترى عوجا ولا أمتا يستطيع المجرم أن يختبىء خلفه ( انظر طه / 102 ، 107 ) .
 
( 186 - 209 ) : أخفت المرأة خدنها في ملابس النساء ، إن الرجل مفتضح داخل ملابس النساء كأنه جمل على رأس سلم ، لكن المرأة تواصل حديثها ، ولكي تتم السخرية لا تجد موضوعا تتحدث فيه إلا الشرف ، فإنه هذه المرأة من نسوة الأعيان جاءت خاطبة ابنتها ، كيف ؟ ! وأول شروط الزواج الكفاءة ، لا يهم هي لا تريد لابنها سوى الشرف والأصل والمنبت الطيب . .
كم من الغارقين في الإثم لا يتحدثون إلا عن الشرف ؟ ! وهل صادفت في أي زمان ومكان متشدقا بالشرف والعفة إلا وهو غريق في الإثم حتى أذنيه ؟ ! إنه نوع من الازدواجية حيث يبدو في الظاهر ما يتوق الباطن إليه . . جزئية من جزئيات الحياة اليومية التقت إليها مولانا بعينه الناقدة الفاحصة . . أشبه بنظريات الإسقاط في علم النفس الحديث ، فقد كانت المرأة تستطيع أن تدخل أي موضوع إلا موضوعات الستر والعفة والأصل والمنبت الطيب .
 
( 210 - 224 ) : هذا هو المستفاد من الحكاية : تواصل المعشوقة حديثها إلى عاشقها : لقد رويت لك هذه الحكاية حتى تكف عن التشدق بالكلام من افتضاح أمرك . . إنك أشبه بزوجة الصوفي غريق في الخيانة والإثم ومتشدق بكلام لا
 
« 387 »
 
جدوى منه ، إنك تخجل منى ، لكنك لا تخجل من الله سبحانه وتعالى ويواصل مولانا جلال الدين ( المعشوقة في الظاهر ) حديث عن صفات الله وهي أولى المشكلات الكلامية التي يخوض فيها في هذا الكتاب الرابع لقد سمى الله سبحانه وتعالى نفسه سميعا لكي تكف عن قول الهزل ، وسمى نفسه عليما حتى لا تفكر في الفساد خوفا منه ، وليست هذه كلها أسماء أعلام بالنسبة لله تعالى ، فمن الممكن أن تسمى الأشياء بأضدادها ، والاسم جامد ومشتق لكن أسماء الله قديمة ، ويرى ملا هادي سبزوارى
 
( 4 / 266 ) أن مولانا جلال الدين يرد بهذا على مذهبين : المذهب الأول هو مذهب المعتزلة الذين قالوا بنفي الصفات عن الله تعالى بالنيابة بمعنى أن الآثار المترتبة على الصفات تترتب عنده سبحانه وتعالى على الذات ، وقالوا ليس له صفة قائمة به بل صفته هي وصف له ( انقروى 4 / 53 )
وهذا مثل أحكام الفعل وإتقانه وهو من آثار العلم ، أوخذ الغايات ودع المبادئ وهذا خطأ محض لأن الأثر غير ابتداء الأثر ، وهو في حد ذاته مبدأ الكمال ، ومستجمع للكمال كله بالوجوب ، كما نفى أيضا مذهب الأشاعرة الذين قالوا بزيادة الصفات على الذات ،
وهذا يعنى أن الصفة قائمة بغيرها بحيث يعنى هذا أنها لا محالة زائدة على الذات وهذا باطل ، فالصفات عين الذات ، وكما قال أمير المؤمنين ، رضي الله عنه : كمال الإخلاص نفى الصفات عند الشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصفه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ،
وفي رأى العارفين المتألهين أنهم يقولون بالحقيقة النورية للوجود الصرف كوجوب محض دون تعينات الذات وكل حقيقة مأخوذة بتعين كمال يسمونها الصفة ويطلقون على مجموع الذات والصفة « اسما » ( سبزوارى 4 / 266 - 267 وانظر مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي ص 545 وما بعدها ) .
ولعل مولانا يقدم هنا رأيا جديدا ، وهو أن
 
« 388 »
 
الأسماء مشتقة من أوصاف قديمة ، والاشتقاق على نوعين اشتقاق انتزاعي بمعنى أن كون الله سميعا وبصيرا صفات منتزعة من صفاته القديمة بلا تأخر أو تقدم ، والمعنى الثاني الإشتقاق الفعلي أي أنها قديمة اشتقت منها الصفات له سبحانه وعالي من العالم المحدث ، كما يرد في البيت نفسه ( 219 ) أنه ليس سميعا على مثال العلة الأولى فقد سماه بعض الفلاسفة بالعلة الأولى أو علة العلل ( جعفري 9 / 363 - 365 ) .
 
ويواصل مولانا جلال الدين مناقشة القضية على طريقته ، فإنك إن فصلت الصفة عن الذات فكأنك تسمى الأصم سامعا والضرير ضياء أو تسمى الحيى وقحا ، والقبيح صبيحا والوليد حاجا ومن لم يغز غازيا فإذا كانت هذه الصفات موجودة في المسمى فهي مدح وإلا كانت من قبيل السخرية أو الجنون ، وتعالى الله سبحانه وتعالى عما يقوله الظالمون علوَّا كبيرا .
 
( 225 - 237 ) : وتعود المحبوبة لمخاطبة عاشقها أو مولانا لمريديه لا حاجة إلى لجاجك وعنادك ونقاشك ، لقد كنت أعرف قبل اللقاء أنك مجادل راسخ في الشقاء ، وليس مهما أن أراك ، فإن المرء يحسن بمرض عينيه مع أنه لا يراها وها هو الدليل من أول لقاء عندما رأيتني دون حارس ، ظننت أنه لا حارس لي ، بينما يبكى العاشقون حقيقة إذا نظروا حيث لا ينبغي النظر ، وهناك كثير من الروايات حول عاقبة النظر إلى ما لا يحل ( أنظر كشف المحجوب ص 396 - ص 398 ، وانظر حديقة الحقيقة الترجمة العربية ص 186 ) ،
إنما يصلهم العقاب الفورى من الحارس الذي لا ينام وحارسي هو الذي لا يغفل ولا ينام ، وهو الذي يعلم كنه الريح التي تهب علىَّ ، وهو ليس بغائب ، ترى كيف عرفتك من بعيد ؟ !
يكفى أن أعلم نفسك الشهوانية وهي تدل بعدها على كل شئ يتعلق بك ، وهي أي النفس الشهوانية عمياء عن الحق لا تراه ولا تسمعه ، أأسألك عن أي شئ يخصك . . وكيف أسأل من هو في مستوقد الحمام بين القمامة وأسباب الإحراق هل هو في نعمة أو في شقاء . . يكفى أن أنظر لحاله ؟
 
« 389 »
 
( 238 - 251 ) يقدم مولانا جلال الدين صورة للدنيا على أساس أنها كمستوقد الحمام ، إنه شديد القذارة ، لكن الحمام لا يقوم إلا به ، ولا يتم الطهر إلا إذا أوقد هذا الحمام واستقرت فيه النيران ، لكن بينما يكون للمتطهر المتقى الصفاء منه ، يكون أولئك الذين ينغمسون في هذا المستوقد في قذارة وشقاء ، فكأن الدنيا لا غنى لها عن هذا التكالب والتكاثر لكي يستقيم أمرها ، والأغنياء أو المهتمون بالمال عموما أشبه بمن ينقلون أنواع القمامات إلى مستوقد الحمام لكي يحتفظوا به مشتعلا ، إن حرصهم هو الذي يجعل هذا الحمام مشتعلا . . .
 
والحاصل أن عليك أن لا تكون من أهل المستوقد بل أن تكون من أهل الحمام ، إن مجرد ترك المستوقد يعنى أنك قد انتقلت إلى الحمام . أي أن مجرد الزهد في الدنيا يعنى أولى خطواتك نحو التطهر . ، وكل شخص من الفريقين ظاهر السمات والمتطهر يبدو ذلك من وجهه وهيئته ، كما أن المنغمس في ذلك الذي يبدو به كذلك .
وأنت إن لم تر وجه ذلك المتطهر فتنسم رائحته ، فالرائحة تعنى العصا لكل ضرير ، وإذا لم تكن تشم فاجعله يتحدث وفي حديثه إنباء به ،
نعم سوف نجد أولئك الذين يحملون القمامة إلى المستوقد يتفاخرون بعدد ما ينقلون إلى الحمام من سلال القمامة وكأنهم يتحدثون عن الذهب ، وهؤلاء لا أمل منهم فلا حياة لهم إلا في الدنس فيه حياتهم وفيه غاية همهم وفيه شقاؤهم أيضا .
 
( 257 - 275 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت يردها فروزانفر ( مآخذ / 129 ) إلى ما ورد في كيمياى سعادت لأبى حامد الغزالي « ومثله ( أي من لا يأنس إلى الحق ) مثل ذلك الكناس الذي ذهب إلى سوق العطارين فسقط مغشيا عليه من الروائح الطيبة وأخذ الناس يتقاطرون عليه يرشون عليه ماء الورد ويضمخونه
 
« 390 »
 
بالمسك بينما حاله يزداد سوءا ، حتى وصل أحد الكناسين إلى ذلك المكان وفهم حاله ، فأتى بقطعة من براز وجعلها لينة وحكها بأنفه فعاد إليه وعيه وقال يا لها من رائحة جميلة ، كما نظهما العطار في أسرار نامة ( ص ص 61 - 62 من تحقيق سيد صادق كوهرين )
وتشير الحكاية أن الذي يحيا في الدنس ويعتاد عليه ويكون قائما بالفساد لا حياة له إلا به ، تكون حياته في هذا الفساد إن ابتعد عنه مات ، ويكون الجو النظيف وبالا عليه ، وتصدق هذه الظاهرة على النظم أيضا فالنظام الذي يكون قائما على الفساد والنهب يظل بقاؤه ما دام الفساد والنهب قائما ، ومهما تشدق بالإصلاح فإنه أبعد ما يكون عن الإصلاح لأن في الإصلاح موته ونهايته ، فيتردى من فساد إلى فساد حتى يقتله نفس هذا الفساد .
 
( 276 - 288 ) : التعليق بالطبع من إفاضات مولانا جلال الدين ، فها هو يسوق على لسان أخ ذلك الدباغ الذي أغمي عليه في السوق أن هكذا أوصى جالينوس : « أعط المريض ما اعتاد عليه » لكن هذا القول ليس من أقوال جالينوس ، وهو منسوب إلى أبو قراط ونقله عنه ابن أبي أصيبعة « يتداوى كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تفزع إلى العادة » ( استعلامى 4 / 302 ) .
أو « داوها بالتي كانت هي الداء » ، فإن علاجه بخلاف عادته يزيد من مرضه ، وإن لم تكن تصدق هذا فاقرأ من القرآن الكريم « الخبيثات للخبيثين » واعلم ظهره وبطنه ، أي أعلم أنه وإن كان قد نزل في حالة خاصة هي حالة براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من حديث الإفك ، فإنما يقصد أن كل خبيث لخبيث وكل طيب لطيب ، وذلك مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام « اعملوا فكل ميسر لما خلق له » .
وكما قال في حديث قدسي : « خلقت الجنة وخلقت لها أهلا وخلقت النار وخلقت لها أهلا ( مولوى 4 / 43 ) » ولا يتواءم الخبيثون مع الطيبات ، أليسوا هم الذين لم يصل عطر الوحي إلى مشامهم ، فقالوا للأنبياء :
 
 
« 391 »
 
« إنا تطيرنا بكم » ( انظر الكتاب الثالث الأبيات : 2602 - 3094 وشروحها وانظر الكتاب الثاني حكاية ذي النون ) ، وكأنهم كانوا يقولون : لقد نشأنا على اللهو واللعب وسمنا به وتعودنا عليه ، إن قوتنا في هذا الهذر وفي هذا الفساد واللهو واللعب ولا حياة لنا إلا به ، إنكم تشبهون من يعالج العقل بالأفيون ، كأن مولانا كان تنبأ بمن سوف يقول « إن الدين أفيون الشعوب » ( جعفري ، 9 / 381 ) » .
 
( 289 - 295 ) : يواصل مولانا حكايته : ها هو الدباغ يصرف الخلق المتزاحمين حول أخيه المغمى عليه ليعالجه خفية بعلاجه الذي لا يزيد عن فضلات الكلاب ، ويفيق ، وها هم الخلق يظهرون عجبهم : يا لها من رقية عجيبة تلك التي تلاها في أذن المغمى عليه فأفاق للحظته ، غير واعين إلى أنه عالج فسادا بفساد ، وهكذا كل من الأدواء الفاسدة في كل العصور التي لا يزيد عن فضلات الكلاب يطرحها أولئك المحتالون على العقول الفاسدة ، فتدهش منها وتعجب ، كم من الأفكار المسمومة والفنون الهابطة تجد لها جماهير من المغيبين عقليا ، ويكون انتشارها دليلا على سحرها دون أن يكلف إنسان خاطره بأن يسأل عن كنهها ، وهكذا تكون حركة أهل الفساد ، حيث يكون الزنا والتلاعب بالحواجب ، وكلها مغيبات للوعى إلا أن أهل الفساد يرون فيها وعيهم وصحتهم ، وكل من لم يعتمد على الطهر تكون حياته بالفساد ، وكل من لم تشغله الكبائر شغلته الصغائر .
 
( 296 - 300 ) : ومن هنا قال الله تعالى : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا» ( التوبة : 28 ) وذلك لنجس باطنهم ( انظر نجس الباطن الكتاب الثالث ) والدود الذي تربى في البعر ، لا يتغير طبعه من
 
 
« 392 »
 
العنبر ، وأولئك الذين لم يصيبهم رش النور الذي ورد في الحديث النبوي الشريف « إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور فقد اهتدى ومن أخطأ فقد ضل » ( مولوى 4 / 45 ) أما من أصابه رش النور فإن بيضته تلد طائرا كما يحدث في مصر عندما توضع البيض في الزبل فتخرج منه فراريج ، إن رش النور الإلهى إذن يوجد اعتدالا طبيعيا ، يجعل الحياة تخرج من المزابل ، لا . . ليس المقصود هو ذلك الدجاج الهزيل بل دجاج العلم والمعرفة ، أولئك الدراويش المطعمين بالنور الإلهى الذين يعيشون في الخرابات ثم تفيض ألسنتهم بالحكمة الإلهية .
 
( 301 - 319 ) : عودة إلى حكاية المحبوبة وحبيبها في البستان إنك تبدو كمن حرم رش هذا النور ، فها أنت بعد ثماني سنوات من الفراق لم تنضجك التجربة ( يبدو أنها حكاية عاشق مدع في مقابل حكاية العاشق الناضج الواردة في حكاية وكيل صدر جهان في آخر الكتاب الثالث )
وها هو فراق ثماني سنوات لم يغير من عدم نضجك ومن تفاهتك ، وإن ثمان سنوات من الفراق تجعل من الحصوم زبديا لكنك لا زلت حصر ما متحجرا . .
ويرد العاشق ، والعاشق في الحقيقة لا يرد بل يتقبل كل ما يقوله المعشوق ، لكننا أمام عاشق مجادل يوقعه الجدل في الخطأ تلو الخطأ ويرده عن باب المعشوق ، ويزيده هجرا وفراقا ، وصرما لحبال الود ، وماذا كان رده ؟ !
إني أمتحنك لأرى إن كنت عفيفة أو غير عفيفة ، لكن متى يكون الخبر كالعيان ؟ !
إنك كالكنز في هذه الخرابة ( الدنيا ) والناس إنما يبحثون عن الكنوز إنما قمت بكل هذا حتى أتحدث مع أعدائك عن عفتك وصلاحك ( عن شرح الأنقروى ( 4 / 69 ) : الشيخ الذي هو إمام مرشد إذا امتحنه مريد فهو حمار )
 
« 393 »
 
وانظر إلى هذه الأجوبة الغثة مقارنا إياها مع هذا البحر الخضم في العشق في حكاية وكيل صدر بخارى في الكتاب الثالث إن العاشق يطمع أول ما يطمع في المشاهدة ولا يؤمن إلا بما يرى . . وإن كان قد تجاوز الحد فها هو يقدم روحه فداء على أن تسلب بيد المحبوبة ولا تحكم عليه بالفراق . . ، وهكذا عندما يصل الحديث إلى الفراق يفضل مولانا ألا يتحدث ( انظر هذا المعنى في الكتاب الثالث مقدمة حكاية وكيل صدر جهان ) .
 
( 320 - 338 ) : ترد المعشوقة كل ما تراه دفينا مستورا إنما هو نهار مضىء واضح أمامنا وضوح النهار وما فيك مستور ليل مظلم . . فإن كنت عاشقا صادقا كيف تأتى بهذه الحيل والألاعيب ؟ !
وإن صمتنا من رحمتنا بالعباد ، فلماذا تتجاوز الحد ؟ !
تعلم من أبيك الأول واستغفر لذنبك ولا تلج ، ولا تجادل ، فإنه لم ينتقل من غصن إلى غصن ، أي لم ينتقل من حديث إلى آخر لقد اكتفى بقوله : «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ( الأعراف : 22 ) انظر التفسير في الكتاب الأول ) .
ليس عليك إلا أن تكون نملة أمام سليمان وإلا مزقتك تلك الهراوات في أيدي الزبانية ، وليس لك إلا مقام الصدق ، لست محروما من البصر لكن القدر قد ضرب على بصرك وإذا جاء القدر عمى البصر ، ( انظر مقدمة هذا الكتاب وانظر الكتاب الثالث وانظر الكتاب الأول أبيات ( 1241 - 1244 ) .
 
إذا جاءت التقادير سلبت التدابير وخاصة عن القلب الذي هو سبعون طية ( سبزوارى 4 / 269 ) والأعمى يقع على الدوام في النجاسة لكن من النادر أن يقع فيها المبصر ، ومن هنا فالعين البصيرة بنور الله سبحانه وتعالى أفضل من مائة أم وأب ، والعين هي عين القلب وهي سبعون ضعفا من عين الجسدية ( انظر الكتاب الثالث ) وفي هذا تكون العين الجسد من طفيلى مائدتها ( انظر الكتاب الثالث ) .
 
« 394 »
 
( 339 - 351 ) : هناك كلام كثير ينبغي أن يقال عن الفرق بين عين النظر وعين القلب ، لكنها لحظة توقف من الحظات جلال الدين ، إنه يخشى أولئك الذين يقفون عند ظواهر الأمور ، يخشى العذل والملام ويخشى أكثر ألا يفهم كما ينبغي ، وألا تكون هناك الأفهام القادرة على تلقى هذه الأفكار والفكر المستنيرة التي تخيلها ( انظر الكتاب الثالث ) كما يخشى أهم من ذلك كله الغيرة الإلهية على تلك الأسرار عن أن تفشى لغير أهلها ، وعلى هذا فإن تلك الكلمات والإفاضات والمواجيد تلقى على عواهنها من غير ترتيب فإنما هي كالدرر التي يطحنها طاحون الغيرة الإلهية وحتى وهي مطحونة هكذا فإن من الدر المطحون يكون علاج العين الرمداء ، فيتم الكمال للدر والشفاء للعين فكمال الشئ باستخدامه حتى ولو حطم ، فانظر إلى القمح أيتم كماله إلا إذا صار طحينا ؟ ! وهكذا أنت أيها العاشق ، إن كمالك في أن تصير بددا ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتسليم ، لا تكن كإبليس جدلا ، ولا كأبى جهل الذي طلب معجزة من الرسول ، كن كآدم وكالصديق . . فمتى تصل أيها العاشق إلى مرتبة امتحان المعشوق .
 
( 325 - 365 ) : الحكاية الواردة هنا ردها فروزانفر إلى حلية الأولياء لأبى نعيم الأصفهاني « لقى عيسى بن مريم إبليس فقال : أمام علمت أنه لا يصيبك إلا ما قدر لك قال : نعم ، قال إبليس : فارق إلى ذروة هذا الجبل فترد منه فانظر أتعيش أم لا ؟ قال عيسى : أما علمت أمر الله تعالى قال : لا يختبرنى عبدي فإني أفعل ما شئت ( حلية الأولياء 4 / 12 ) كما وردت في تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 281 ( عن مآخذ ص 130 )
وردت أيضا في إنجيل متى الإصحاح الرابع ( عبد الباقي - ( 63 / 4 ) ويبدو أن الحكاية رويت عن أكثر من راو وبأكثر من صيغة ) والمراد بالحكاية كما هو واضح أن العبد لا يمتحن ربه ( العاشق لا يمتحن محبوبه ولا المريد يمتحن شيخه ) .
 
« 395 »
 
( 365 - 388 ) : الكلام على لسان المحبوبة ( وعلى لسان جلال الدين أيضا ) إن عذرك أقبح من ذنبك يا من تدعى العشق ، ثم يبين لنا مولانا جلال الدين : أنى لك امتحان ذلك الذي رفع السماء بغير عمد ، أولى بك أن تمتحن نفسك ، فأنت لا تعرف الخير من الشر ، وإذا شغلت بامتحانك لنفسك وشغلتك عيوبك فإنك لن تشغل بعدها بعيوب الآخرين .
إنك إن امتحنت نفسك باجتناب المعاصي وزينت نفسك تعلم فطرتك التي فطرت عليها هي مظهر للطف والعناية الإلهية ، وتعلم بلا امتحان أن الإله لم يرسل إليك لطفه في غير محله ، بل لأنك جدير بهذا اللطف ، وإلا فهل يرمى عاقل الدر الثمين في مجارى الفضلات ؟ !
وأي مريد هذا الذي يريد أن يمتحن شيخه ؟ ! إنه بهذا يدل على حماريته ، إنك إن فعلت هذا فسوف تقع أنت نفسك في الامتحان والبلاء ، وهكذا تدل سير المشايخ وحكايتهم عن مريدين عرضوا أنفسهم لهذا الامتحان ، فيتعرى جهلهم ، فكيف يمكن قياس الشيخ بميزان المريد ؟
إن الامتحان أشبه بمن يريد أن يتدخل في ملكه ، إنه أشبه بتمرد الصورة على المصور ، وأي قدر لصورتك هذه أمام المصور التي خلقها ، إن مجرد التفكير في هذا الامتحان هو وسوسة من الشيطان حلت بك ، وإن حلت بك هذه الوسوسة فعلاجها السجود والدمع حتى يخلصك الله من هذه الوساوس التي هي بمثابة إرهاص بخراب دينك كما كان ظهور نبات الخروب في المسجد الأقصى إيذانا بخراب المسجد .
 
( 389 - 405 ) : الرواية الموجودة هنا بشأن المسجد الأقصى موجودة في العهد القديم ، كما وردت في حلية الأولياء ج - 5
وأيضا رواية فصوص الحكم وفي تفسير أبى الفتوح الرازي ج - 4 ،
أما رواية الحلية وهي أقرب الروايات إلى مولانا « عن رافع بن عمير قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « قال الله تعالى لداود : « ابن لي بيتا في الأرض فبنى داود عليه السلام
 
« 396 »
 
بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر به فقال الله تبارك وتعالى : يا داود بنيت بيتك قبل بيتي قال : أي رب هكذا قلت فيما قضيت من ملك استأثر ثم أخذ في بناء المسجد فما تم السور سقط ثلثاه فشكى ذلك إلى الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه إنه لا يصلح أن تبنى لي بيتا قال : أي رب ولِمَ ؟ قال : لما جرت عليك من الدماء ، قال : أي رب أوليس ذلك في هواك ومحبتك ، قال : بلى ولكنهم عبادي ، وأنا أرحمهم قال : فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه أن لا تحزن فإني سأقضى ببنائه على يدي ابنك سليمان . فلما مات داود عليه السلام أخذ سليمان عليه السلام في بنيانه ( مآخذ 130 / 131 حلية الأولياء ج - 5 ص 246 - 247 ) ،
تجرى الحكاية التي وردت في الرواية السالفة إلا فيما يتعلق بالحوار الذي جرى بين داود عليه السلام والله تعالى ، وتفسير أن الدماء التي سفكت على يد داود عليه السلام إنما كانت دماء أولئك الذين أسلموا الروح بتأثير جمال صوته عند المواعظ واعتذار داود عليه السلام بأنه كان مغلوبا والمغلوب كالمعدوم ويرد على الله سبحانه وتعالى : بأن المغلوب ليس معدوما ، فمتى يكون الفاني في الله معدوما والفناء هو عين البقاء
( انظر مقدمة الكتاب الثالث ) ومثل هذا المعدوم التي غلبت عليه المحبة هو أعظم من كل الموجودات ، إنه ليس مضطرا ولكنه مختار إنه مختار من الولاء ، ومن ثم فكل الموجودات تحت سيطرته ، وكل الأرواح والأجساد في مرمى سهمه ، إن منتهى الاختيار أن يكون اختيار المرء تحت سيطرة اختياره هو سبحانه وتعالى والاختيار نفسه لا معنى له إلا إذا محيت منه الأنية محوا تاما ، تسليم المرء وجهه ووجهته وضميره وسره للَّه سبحانه وتعالى ،
وحين تنقطع اللذات الطبيعية أي حين يترك المرء لذائذ الدنيا تسفر له اللذة الباقية عن وجهها ، لذة تهون إلى جوارها كل اللذات ، أو كما يرى السبزواري : « منتهى الاختيار أن يذوب اختيار المحدود في اختيار الحق المطلق الموجود ( سبزوارى 4 / 270 ) ( انظر مقدمة الكتاب الخامس ) .
 
« 397 »
 
( 406 - 441 ) : أن يتم المسجد على يد سليمان دون داود ليس في هذا انقاص من قدر داود عليه السلام ، فالمؤمنون جميعاً نفس واحدة ( انظر الكتاب الثالث المقدمة الشعرية ) فالمؤمن مرآة المؤمن ، والمؤمن وحده جماعة سبزوارى 4 / 270 ) وما الذي يجمعهم ؟ !
إنه الإيمان ، فالرسالة واحدة والنبوة واحدة فكما أن الروح مشتركة بين الحيوان والإنسان إلا أن هناك فرقا بين روح الإنسان وروح الحيوان ، وهناك فرق أيضا في العقل والفهم ، وهذا التفاوت حاصل أيضا بين أرواح العوام وأرواح الأولياء ، والأرواح الحيوانية لا اتحاد بينها ، بل هناك تنافر وتصارع وتكاثر وتحاسد ، ويفسر السبزواري الروح الهواء بأنها الروح المحيطة بالبدن ، والبدن بمثابة الغلاف لها ،
 
وهي على ثلاثة أقسام :
الروح الدماغية بها الدماغ ومجراها الأعصاب والروح القلبية ومنبعها القلب ومجراها الشرايين والروح الكبدية ومجراها الأوردة ( 4 / 271 )
إنها لا تستحق الجمع إلا لفظا وإلا فهي أرواح شتى وإن تشابهت في البنية إلا أن أرواح أسد الله واحدة وإن تحدثنا عنها بأسلوب الجمع وهو ما يعبر عنه في كتب زيارة الأئمة بالعبارة « أنتم نور واحد » ( سبزوارى 4 / 271 )
يصور مولانا هذه الوحدة بأنها كنور الشمس واحدة لكنه متعدد في الأفنية وإن رفعت الجدران « الأجساد » عاد نورا واحدا ، وإلى مثل هذا ذهب ابن الفارض :
نسب أقرب في شرع الهوى ، بيننا من نسب أبوتى .
 
وقال في التائية :
وجل فنون الاتحاد ولا فخد إلى فئة في غيره العمر أفنت فكم واحد جمع غفير ومن عداه شرذمة حجبت بأبلغ حجة
 
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: شرح حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:37 pm

شرح حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )   

الهوامش والشروح 37 - 520 على مدونة عبدالله المسافر بالله

حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس المثنوي المعنوي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس 
« 398 »
( أنقروى 4 / 86 ) إذا انتفت القواعد إذن ( أي الأبدان ) عاد النور متحدا ، وقد يورد هذا التشبيه إشكالات لأن هناك فرقا بين الإنسان والأسد لكن المثل يتضح عند التضحية بالروح ، لا تشبيهات إذن إلا عند القيام بالعمل ولا صورة متحدة في هذه الدار : بل تفرق بينها الأشكال والأجساد وإن اتحدت الصفات وإلا ضربت لك مثالا ، فكل جماعة مظهر من مظاهر الصفات فالملوك هم مظهر لملوكية الله ، والعارفون هم مظهر نعيم الله ( سبزوارى 4 / 272 ) .
 
ويقرب مولانا جلال الدين - كما قال - الصورة التي يراها محيرة ، فلا شئ في الدنيا يشبه ما يريد أن يعبر عنه ، إن الأجساد في الدنيا أشبه بالمصابيح التي توضع ليلا في البيوت ، تحتاج إلى فتيل وإلى زيت من هذا وذاك ، وفتيلها هو تلك الحواس الخمسة ، فهو لا يحيا بلا نوم أو طعام ولا بقاء له دون زيت أو فتيل ، وهي أيضا لا وفاء لها بالزيت والفتيل ، إن طلوع النهار إيذان بموتها ، وهكذا جملة أحاسيس البشر فانية يوم الحشر ، وهذه الأحاسيس وإن تكن معدومة ، لكن الأرواح تظل موجودة ، وحقائقنا وماهياتنا وأعياننا الثابتة ليست قابلة للعدم لكنها مثل النجوم ومثل ضوء القمر تكون ممحوة في نور الشمس ، وهكذا مثلما ينمحى أثر لدغ البرغوت أن سعت الحية إليك ، ومثلما يهرب عريان في الماء حتى ينجو من لدغ الزنبابير تطوف فوق رأسه فرحة تنتظره أن يرفع رأسه من الماء لتلدغه . . فما هو الماء ؟ !
إنه ذكر الحق ، وما هي الزنابير في هذا الزمان ؟ !


إنها ذكر هذا وذاك ، فظل في الماء وأصبر حتى تنجو من الوساوس القديمة ، وسوف تأخذ بعدها طبع الماء الصافي بحيث تهرب منك وساوس الدنيا إلى الماء بدلا من أن تهرب أنت منها ، وبعدها ابتعد عن الماء إن استطعت فقد وصلت إلى سر التوحيد ، وصار قرينا لك ، مصاحبا إياك ، ويشير الأنقروى إلى معنى مشابه في شعر محيي الدين ابن العربى :
  
« 399 »
 
لقد كنت دهرا قبل أن يكشف الغطا * إخالك أنى ذاكر لك شاكر
فلما أضاء الليل أصبحت شاهدا * بأنك مذكور وذكرك ذاكر( أنقروى 4 / 91 ) 


( 442 - 466 ) : يواصل مولانا جلال الدين إفاضاته في هذا المجال إذن فالذين ذهبوا عن هذه الدنيا ليسوا بفانين أو معدومين وإنما هم في صفات الحق مغمورون ، وكل صفاتهم أمام صفات الحق فانية مختفية كأنها أنوار الكواكب أمام نور الشمس ، وإن جادلت في هذا فاستمع من القرآن الكريم «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ» ( يس : 22 )
قال نجم الدين في تفسيره « ما هي إلا جذبة واحدة بالخروج من لدنهم والغيب عنهم فاليوم لا تظلم نفس من استحقاقاتها وما هي مستعدة لقوله ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ، فمن عمل للدنيا يجز من الدنيا ، ومن عمل للآخرة يجز منها ، ومن عمل لله يجز من عواطف إحسانه ( مولوى 4 / 64 )
والمحضرون لا يكونون معدومين وحسبك هذا دليلا على بقاء الأرواح . . . وثمة عذاب آخر للأرواح مختلف عن عذاب الأجساد :
وهو أن تحجب الروح عن بقاء الحق وهذا هو عذابها ، أما أرواح الأنبياء والأولياء فتكون منتفية عن الحجاب ببقاء الله ،
وها أنا قد حذرتك وقلت لك : ألا تحجب من اتحاد من هذا المصباح الحسى الحيواني ، وصل روحك بأرواح السالكين القدسية ، فإن كان لك فإنه مصباح من قبيل مصابيح الحس فهي ليست متحدة ،
 ومن هنا فالحرب قائمة والخصومة مستمرة ، والجدل محتدم بين أصحاب المصابيح الحسية والأرواح الحيوانية ولم يسمع أحد أن حربا قد قامت بين الأنبياء فأرواحهم شموس ، وأنوارنا الحسية مصابيح وشموع ودخان يموت أحدها فيشتعل آخر حتى الصباح ( القيامة ) ،
لكن مصباح النبي إن مات أو طوى
 
« 400 »
 
فمتى يظلم بيت الجار من موته ، إن نوره باق ، لأنه مستمد من نور الله ، ونو الله لا ينطفي ، والأرواح الحيوانية موتها مؤقت بطلوع شمس الحقيقة ، والمصابيح المتفرقة بين الدور ، يقوم على كل منها نور كل بيت فحسب ، يظلم البيت بظلام مصباحه ، هذه هي الأرواح الحيوانية ، وهي مختلفة عن الروح الربانية التي هي أشبه بالقمر يسطع على كل البيوت فيأخذ كل بيت بقدر كوته ، وكلها نور واحد وهو بدوره باق ما بقي القمر ،
فإن سطعت الشمس فلا قمر ، وإن غابت الشمس فكل البيوت في ظلام .
ويعود مولانا جلال الدين فيذكرنا بأنها كلها أمثلة لمعان أكبر وأعظم لا تتأتى في بيان ، ومن هنا فإن المثل قد يهدى وقد يضل بقدر القابليات ، وويل لمن لا يفرق بين المثال والمثل وليس فيهما من المناسبة إلا شئ واحد وهو أن المحسوسات تتكشف بنور الشمس كما تتكشف المعقولات بالعقل ، وقد ضرب الله عز وجل بالمثل لنوره بقوله «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ . . .إلى آخر الآية »
 
وأي مماثلة بين نوره ونور الزجاجة والمشكاة والشجر والزيت وكذلك ضرب الله المثل للحياة الدنيا بالماء النازل من السماء وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل للإسلام بالقبة وضرب المثل للعلم باللبن والقرآن بالحبل ،
فأي مناسبة بين هذه الأمور وبين الأشياء المضروبة لها الأمثال ؟ !
ولكن لما كان الحبل يمسك به للنجاة والقرآن مثلا يمسك به للنجاة مع التمثيل وقس على هذا ( مولوى 4 / 67
نقلا عن عبد الوهاب الشعراني من الموازين ) وذلك السىء الطوية هو مثل العنكبوت ينسج حول نفسه شباكا من لعابه النتن ،
وهو أوهن البيوت إنه ينسج حول نفسه ما يحجب النور عنه ، وكذا كل من في الحياة الدنيا ،
إنما يقيم حول نفسه من نفسه ما يحجب عنه الحقائق ويمنع عنه النور قانع به مقيم عليه ، يظن أنه قد وصل من حيث إنه قد فصل ،
 
« 401 »
 
وقد اهتدى من حيث إنه قد ضل ، وذلك أنه يمسك بقدم نفسه الحيوانية من حيث يظن إنه قد أمسك بعنقها وسيطر عليها ، في حين إنه بإمساكه بقدمها إنما يدفعها إلى العثار والرفس ، دون لجام أو زمام من العقل ، ودون دليل من العقل أو الدين ، وإياك أن تظن أن هنا الطريق هين سهل سلس فهو في حاجة إلى صبر ، وإلى شق أنفس ،
وإلى مثل هذا ارشاد مولانا نجم الدين إلى « أن الصفات الحيوانية إنما خلقت فيكم لتحمل أثقال أرواحكم إلى عالم الجبروت الذي لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس لحمل أعباء الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال حملها وأشفقن منها وشق الأنفس نقصها بافنائها في عالم الجبروت » ( عن مولوى 4 / 68 ) .
 
( 467 - 483 ) : يقص مولانا جلال الدين كيفية بناء المسجد الأقصى الذي كان طاهرا كالكعبة وذا إقبال مكين . . إن الأبنية التي تبنى لله سبحانه وتعالى لا تشبه بقية الأبنية ، بل تتميز بالطهر والشموخ ، فليس كل ماء وطين يتميز بالكدر وليس كل فجر بالذي لا تضج فيه الحياة ، إن الأبنية الدينية تتمز بأن الله ييسر في بنائها بحيث تبعث الحياة في الحجارة فيختار الحجر المناسب نفسه ويطلب من البنائين أن يحملوه إلى مكانه ، وإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا ينبعث النور من قالب آدم مع أنه من ماء وطين ؟ !
بالطبع من النفخة الإلهية ، فإذا كانت المساجد هي بيوت الله على الأرض . . فلماذا لا ينبعث منها النور الإلهى ؟ !
وهكذا فإن كل ما اتصل به النفس الإلهى إنما يبعث فيه الحياة ، وهكذا تكون ثمار الجنة وأشجارها وأنهارها . .
تكون كلها في حديث وفي حوار ، وكل ما في الجنة عامر بالحياة . . إنما خلق الله من الطاعات ، فهذه الطاعات في الدنيا تترجم إلى ماديات من ماديات الجنة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3459 - 3484 وشروحها )
وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
 
« 402 »
 
« المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى شئ منه وجد ألم ذلك في سائر جسده وأرواحها روح واحد فإن روح المؤمن أشد اتصالا بروح الله من اتصال الشمس بها ( جعفري 9 / 459 ) . ومن شروط هذا كله أن يطهر القلب بالتوبة « سبزوارى 273 - 274 » 
« وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون » فالنشأة الآخرة أساسها على الحضور والجمع بعكس النشأة الأولى وأساسها على الغيب والفرق ، وما الدنيا وما فيها إلا كحلم النائم ، ويرى بعض علماء الكلام أن الجنة والنار قد خلقتا بالفعل ، ويرى بعضهم أنهما لم تخلقا بعد ، وإنما تخلقان فيما بعد من الأعمال والملكات والنوايا ، وتجسم الأعمال الذي يترجم إلى صور عينية في الجنة والنار ورد مرارا في الحديث الشريف في مثل قوله صلى الله عليه وسلم « في الجنة قيعان غراسها سبحان الله » وقد مر الحديث عن هذه الفكرة بالتفصيل في الكتاب الثالث ويرى مولانا جلال الدين أنه لن يستطيع أن يصل في هذا المضمار إلى نتيجة على أساس أن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فيعود إلى قصة سليمان والمسجد الأقصى .
 
( 483 - 486 ) : ينبه مولانا إلى أن سليمان عليه السلام كان يعظ بالقول والفعل ، ويدق على هذه النقطة القائلة أنه لا يغنى قول عن فعل ، وقد دق الصوفية كثيرا على هذه النقطة ، وفي هذا المجال قال سنائى في الحديقة :
« لا تقل إني سوف أفعل ، بل قل دائما لقد فعلت » ( بيت رقم 3972 ) ،
ولا جدال أن القدوة تتحقق بالفعل لا بالقول وفي قول لأبى عبد الله رضي الله عنه « كونوا دعاة للناس بأعمالكم ولا تكونوا دعاة بألسنتكم » ( جعفري 9 / 465 ) ونستطيع أن ندرك أهمية هذا الأمر في الإسلام إذا نظرنا إلى كثير من
 
« 403 »
 
القوالين دون أفعال في زمننا الحالي وفي كل عصر وزمان أولئك الذين يؤيسون الخلق ويصيبونهم بالقنوط دائما ، فبين أقوالهم وأفعالهم بعد المشرقين .
 
( 487 - 496 ) : يضرب مولانا المثل بقصة شاعت في مصادر متأخرة عن عثمان رضي الله عنه - حينما صعد المنبر وقال كلمته التي اشتهرت في هذا المجال « حاكم فعال خير من حاكم قوال » ولما ولى عثمان صدور المنبر فقال :
رحمهما الله - يقصد أبا بكر وعمر - لو جلسا هذا المجلس ما كان بذلك من بأس ، فجلس على ذروة المنبر فرماه الناس بأبصارهم ، فقال : إِنَّ أول مركب صعب وإن مع اليوم أياما وما كنا خطباء وإن نعش لكم تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله تعالى » . ( عيون الأخبار للدينوري ج 2 / ص 235 ، ماخذ 131 ) وقد فسر سنائى صمت سيدنا عثمان رضي الله عنه من الخطبة تفسيرا آخر إذ قال : إن الحياء قد عقد لسانه عن الخطبة ( حديقة البيت 214 وهكذا فسره الأنقروى 4 / 101 )


وهنا مغزى سياسي إسلامي شديد الأهمية والوضوح ، في تفسير مولانا على لسان عثمان رضي الله عنه لسبب تنسمه لذروة المنبر ،
 وهو أن أخذ السياسة والحكم عن الرسول مباشرة ، وما يعنيه هنا هو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أتمم الرسالة دنيا ودينا ، وإنما تختلف صورة التطبيق في بعض الأحيان لاختلاف بعض الأمزجة بين الشدة ولين الجانب ، وبين الأخذ بالعزائم والأخذ بالرخص . . إلى آخره
مما لم ينبه إليه المفسرون القدماء للمثنوى من ناحية ، وما لم ينبه إليه أيضا الباحثون في السياسة الإسلامية من المعاصرين .
 
( 497 - 511 ) : ينتقل مولانا جلال الدين إلى حديث عن الحقيقة فعندما تسطع شمس الحقيقة التي لا كسوف لها ولا غياب لأنها تشرق في القلب يرى
 
« 404 »
  
كل إنسان المسموع من الحقائق عيانا ، وهذا النور لا يحتاج إلى حديث ، لقد غمر المسجد النور دون أن يتفوه عثمان رضي الله عنه بكلمة واحدة ، بل إن الأعمى نفسه يدرك قبسا من هذه الشمس ، أليس الأعمى في النهاية يحس بسطوع الشمس على وجهه من حرارتها ، ومن تلك الضجة والحالة العامة التي تصاحب سطوعها ؟ إنك من مشاهدة قليلة يا فلان تصاب بالسكر . .
فلا تظنن أنك بطاعة قليلة قد وصلت إلى شمس الحقيقة ، إنها مجرد شعاع ، وإذا كان هذا هو نصيب الأعمى ( أي المحجوب ) من الشمس فتخيل أنت ما يمكن أن يصل إليه البصير ؟ ! !
إن من يكون مستنيرا بنور هذه الشمس لا يمكن أن يصل إلى كنهه عقل حي ولو كان من أقوى العقول كعقل أبى علي بن سيناء ولو جرد العقل وهتك أسرار المشاهدة وفضحها ومد يده ، في حرمها ، لقطع السيف الإلهى هذه اليد أي يد ؟ ! !
بل لقطع رأسه نفسها وما نبأ الحسين بن منصور الحلاج منك ببعيد .
 
( 512 - 520 ) : إن ما بين القيل والقال والادعاء والتفيهق وتحريك اللسان وبين العين البريئة من الشك بعد المشرقين ، لو قلت لك مئات الآلاف من السنين فهو قليل ، لكن إياك واليأس من وصول نور السماء إليك ، فعندما يشاء الله يصل هذا النور في لحظة من الزمان وإلا فإنه يوصل إلى المعادن من الكواكب رحمته وقدرته في كل لحظة فيتحول الحجر إلى معدن ثمين ،
وكواكب الرحمة غير تلك الكواكب التي في الفلك ، إن تلك الكواكب التي في الفلك يقضى عليها الظلام لكن كواكب الحق راسخة في صفاتها لا تجرى عليها ولا تخفيها شمس ، إن قدرته سبحانه وتعالى سيارة حتى زحل وبيننا وبينه مسيرة مئات آلاف
 
« 405 »
 
السنين وهذه القدرة مستمرة لحظة بلحظة ، وفي لحظة واحدة يقربها الله بيد القدرة الإلهية ، إنها كلها في يد القدرة الإلهية كالظل أمام الشمس ( لب لباب فلسفة جلال الدين . . . الأكوان كلها أمام الله سبحانه وتعالى كالظل أمام الشمس ) ، وهكذا فإن شمس الحقيقة تطوى آثار كل الكواكب كما يطوى الظل أمام الشمس ،
إن النور الحقيقي لا يصل من النجوم والكواكب إلينا ، بل يصل النور من النفوس النورانية للأنبياء والأولياء ( التي قبلت أكبر قدر ممكن من نور الله ) إلى الكواكب نفسها ومع أن الذي يبدو في الظاهر أن هذه الكواكب هي القوامة علينا . .
والتي تدبر أمورنا على أساسها . . لكن الإنسان ليس الإنسان المطلق بل الإنسان بباطنه هو القوام على الكون وهذا يشبه ما قاله ابن الفارض :
ولا فلك إلا ومن نور باطني . . . به ملك يهدى الهدى بمشيئتى .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 521 - 780 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:38 pm

الهوامش والشروح 521 - 780 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 521 - 780 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 521 - 780 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح بيان أن الحكماء يقولون أن الإنسان هو العالم الأصغر ويقول الحكماء الإلهيون : إن الإنسان هو العالم الأكبر ذلك لأن علم الحكماء كان مقصوراً على صورة الإنسان وعلم هؤلاء
( 521 - 530 ) : الإنسان هو العالم الأصغر والكون أو العالم هو الإنسان الأكبر . . هكذا تعارف الحكماء على أساس أن الإنسان بخلقه هو مثال لهذا العالم والكون بكل كواكبه وأفلاكه ومظاهر الطبيعة فيه ( انظر جامع الحكمتين لناصر خسرو ، الترجمة العربية للمترجم 377 - 382 )
وينسبون إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه تعبيره عن هذه الفكرة شعرا :
دواؤك منك وما تشعر * وداؤك فيك وما تبصر
وأنت الكتاب المبين الذي * بأحرفه يظهر المضمر
وتزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر
 
« 406 »
 
وينسب إليه أيضا رضي الله عنه :
والصورة الإنسانية هي أكبر حجج الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجموع صور العالمين وهو المحضرة من اللوح المحفوظ وهي الشاهدة على كل غائب ، وهي الحجة على كل جاحد وهي الطريق المستقيم إلى كل خير وهي الجسر الممدود إلى الجنة والنار ( سبزوارى 4 / 274 )
لكن الفكرة عند مولانا جلال الدين شأنه في هذا شأن الصوفية من قبله ومن بعده تتخذ أبعادا أخرى فإذا كان جسد الإنسان هو العالم الأصغر ، فإن روحه أو باطنه أو قلبه الملىء بالنور هو العالم الأكبر ، وكل ما في الكون إلى جواره صغير ،
بل هو المقصود من الخلق والخليقة كما تكون الثمرة هي المقصودة من الشجرة وهي أصل الشجرة هي الآخرة السابقة ( لنظر تفسير نحن الآخرون السابقون في شروح الكتاب الثالث في شرح البيت 1128 )
ولا يكتفى مولانا بهذا القدر بل يشير إلى تطبيق نفس الفكرة على الرسالة المحمدية وعلى شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو آخر الأنبياء بعثا لكنه أولهم خلقا ، وكان نبينا وآدم بين الماء والطين « وآدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة »
والأب مولود منه بالمعنى وإن هو ولد منه بالصورة :وإني وإن كنت ابن آدم صورة * فلى فيه معنى شاهد بأبوتىهذا هو أول الفكر آخر العمل ،
والعلة الغائية في العالم فاعل مقدم وفي العين مؤخرة للفعل ، إذن فأول الفكر آخر العمل ،
( انظر أيضا حديقة سنائى المقدمة ) خاصة إذا كان المقصود تلك الفكرة العظيمة أي وجود خاتم الأنبياء والمرسلين « لولاك ما خلقت الأفلاك » .
 
« 407 »
 
( 531 - 537 ) : وهكذا يدوم الفيض الإلهى وتظل الصلة بين العالمين موجودة على الدوام وظاهرة في كل مظاهر الكون ، ويكفى دليلا على وجودها تلك القوافل التي تمضى وتذهب من المواليد والموتى ، وربما يقصد مولانا جلال الدين أن أرواح الأنبياء وكل أرواح البشر هي في حالة تجوال دائم من الأرض إلى السماء . . ألا يمكن في لحظة ما أن ينفصل الإنسان عن كل ما يحيط به بحيث يكون جسده فحسب هو الموجود بينما روحه هائمة في ملكوت آخر ( جعفري 9 / 488 )
وفي الكتاب الأول :
ففي كل لحظة يا رب قافلة وراءها قافلة تسير من العدم إلى الوجود أو ليست جملة الأفكار والعقول - خاصة - تصير كل ليلة غرقى في سحر عميق ؟
 
أو ليست كل الملكات الإلهية ترفع كالأسماك رؤوسها في وقت الصباح ؟ !
وفي الخريف تذهب آلاف الأغصان والأوراق إلى بحار الموت وثانية يجئ الأمر من سيد الأرض فيقول للعدم رد ما أكلت ( 1 / - 1889 - 1894 ) ، قد تكون السماء هنا هي السماء المعنوية ولعل هنا في قول نكلسون نقله استعلامى 4 / 211 إشارة إلى قول ابن الفارض :
أسافر عن علم اليقين لعينه * إلى حقه حيث الحقيقة رحلتي
العلم المعنوي هو علم الله الحاكم والمحيط بجميع الأشياء ، فكما أن السماء الصورية مواليدها صور الأجسام تذهب وترجع كل آن بواسطة الكواكب وقطرات الأمطار فتوجد منها المواليد وتحيى بطريق تجديد الأمثال فإن وجود أفراد العالم في كل زمان تارة معدوم وفان وتارة حي وموجود ورؤيته على الدوام موجود من سرعة فيض الله ودوام إفاضته ( مولوى 4 / 76 ) ،
وليس الطريق بالطويل ، بل إن معجزة الخلق واستمرارية الخليقة تتم في هدوء وسكينة وبسرعة ، وانظر إلى السالك القوى الجلد ، إنه يجتاز كثيرا من
 
« 408 »
 
العوالم في نفس واحد ، ألا يعرج القلب ويحج إلى الكعبة في لحظة واحدة ؟ ! ! يستطيع القلب إن اتخذ صفة القلب ( نجا من الكدر وسكنه النور الإلهى ) أن يقوم بنفس الأمر ( طي المسافات عند الصوفي ) . 
( انظر سيرة ابن خفيف ص 153 وما بعدها - الترجمة العربية للمترجم - لجنة نشر الثقافة الإسلامية - القاهرة 1977 م ) ، فلا مسافات هناك أمام القلب ، إنما توصف الأجساد بالطول والقصر ، أما بالنسبة لله الواحد القهار فهلا قرب ولا بعد ولا طول ولا قصر في المسافات ، وعندما يشاء الله سبحانه وتعالى يبدل الجسم ( انظر فكرة التبديل في الكتاب الثالث شرح 4001 وما بعده ) فإن ذهابه يكون بلا مسافات . .
 
والمعراج خير دليل على ذلك وهذا في حد ذاته أيها الفتى يبعث في نفسك كثيرا من الآمال فخل الكلام واهتم بالعمل والرياضة الصوفية ، وسلوك طريق الله وتنقية القلب وجعله محلا للأنوار ، وإن فعلت فإنما مثلك يكون كمثل النائم في سفينة تقطع به الطريق وهو في حماية الربان ( النبي بالنسبة للأمة والمرشد بالنسبة للطريق ) تمضى بك السفينة هونا ، وأنت امن من أمواج البحر ( مصائب الحياة ووعورة الطريق ) .
 
( 538 - 551 ) : ولست أنا الذي أقول هذا بل يقوله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثل أمتي كسفينة نوح . . إلى آخره والخلاف هنا : هل قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثل أمتي أو قال مثل أهل بيتي ويميل الشيعة بالطبع إلى الرواية مثل أهل بيتي وقد اعترف بصحتها الإمام الشافعي نفسه في أبيات :
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في أبحر الغى والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل
( جعفري 9 / 494 )
 
« 409 »
 
أي كن من الأمة وإن لم تلحق بالنبي فأمامك الولي الشيخ المرشد فهو كالنبي في أمته وهو نبي وقته ( وانظر هنا شروح الأبيات 1774 - 1775 من الكتاب الثالث والأبيات 2283 - 2384 من الكتاب الثاني ) .
فاستمسك به ، وحذار من اعتمادك على حولك وقوتك وطولك واحتيالك ، استسلم لقيادة الشيخ الذي عونه جنده ، وجنود الأولياء من أنفاس الرحمن ولا تقس الشيخ بلطفه وبقهره ، فإن عاملك باللطف أو عاملك بالقهر فإن النتيجة واحدة ، وإنما هو يريد خيرك وأدرى بالوسيلة التي تليق بك . . .
إنه يجعل جسدك هذا التراب ينبت السوسن والريحان مما يراه الشيخ ولا يراه غيره ، فإياك وإنكار الشيخ حتى نجد الريحان في روضته ( الأسرار من عالمه )
وحتى تشم رائحة الخلد من الشيخ مثلما شمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قبل اليمن ( إني لأشم رائحة الرحمن قبل اليمن ) كناية عن ظهور أويس القرني رضي الله عنه .
 
( 552 - 562 ) : مثلما كان للرسول - صلى الله عليه وسلم - معراج وكان للأولياء أيضا معارج فإن لكل سالك في هذا الطريق بعون من المرشد معراجا ، والمرشد هو الذي يهيىء البراق ، والغاية هنا هي الوسيلة إذا كنت تريد الفناء أو العدم فإنما سيكون الفناء براقك الذي يجذبك ، إياك أن تفكر في المسافات وفي الأجسام وفي المراحل وفي الأرض وفي السماء ، فليس السفر هنا كسفر البحار من الأرض إلى السماء ، ولا المعراج من الأرض حتى القمر . . ؟ ! !
 
ولكنه كمعراج الجنين يتطور إلى مرحلة العقل والنهى ، أو كمعراج البوص يتحول إلى قصب سكر ، هذا معراج براقه الفقر والسلوك ، يكون أعلى من البحار والأقمار والكواكب يجوب هذه العوالم فلا يكاد يمسها بحافر ، فهيا عليك بتلك السفينة التي هي إرشاد الشيخ امض إليها خببا كأنك ماض إلى لقاء
 
« 410 »
 
معشوق ، أو كأنك روح من الأرواح تأتى من جانب العدم فلا يد لها ولا قدم ، عودتك إلى عالم الروح هي المقابل لمجىء الأرواح من عالم العدم إن كل ما أقوله هنا إنما أقوله على سبيل القياس ، وكان في إمكانى أن أترك هذا القياس وأتحدث صراحة لو لم يكن السامع غير متصف بالحيطة الكاملة ، إنما يريد الكلام الصريح المباشر مستمعا وها هو يدعو نفسه بضمير الغائب تواضعا فيدعو الغوث الأعظم وهو بمنزلة الفلك أن يمطر جواهر العطاء الروحي عليه ، فإنه إن فعل فسوف ترد عليه عطاياه فيضا ربانيا من عطاء الشيخ من حيث تتضاعف عطاياه وشفته صامته فكأن عطاء الشيخ للفلك يكون فوق عطاء الفلك للشيخ .
 
( 563 - 572 ) : قصة إرسال بلقيس ملكة سبأ هدية إلى سليمان . .
والحديث هنا موضعه تبادل الهدايا بين الشيخ والملك ( سليمان وبلقيس ) وكيف أن ما يمنحه الشيخ خير وأبقى ، لقد أرسلت بلقيس إلى سليمان عليه السلام هدايا الذهب والرواية واردة في قصص الأنبياء للثعالبي ص 266 لكن الصحراء السليمانية كانت مفروشة بالذهب النضار . .
وقبل أن تصل القافلة إلى سليمان أحست بعدم قيمة الهدية . فهيا . . انظر أية هدية تحملها من عندك إلى الحضرة الإلهية ؟ !
هدية من العقل ؟ !
وما قيمة عقلك الجزئي هذا إلى جوار العقل الكلى الذي يسيطر على العالم ؟ !
لكن هل كانت القافلة التي تحمل هذه الهدية تستطيع أن تعود ؟ ! لا ؟ ! بل لابد وأن تنفذ الأمر .
 
( 573 - 584 ) : ها هو سليمان عليه السلام يسخر من هذه الهدية التي يحملونها إليه ويسميها مجرد ثريد . . إنه لم يطلب هدية من بلقيس لكنه طلب منها أن تكون لائقة بالهدية التي يقدمها لها ، وكيف تقدم الهدية لمن أفاض عليه الغيب بالهدايا النادرة التي لم تتوفر لإنسان من قبله أو من بعده ؟ !
ألأنكم تسجدون للشمس التي تصنع هذا الذهب ترون أنه أفضل ما يقدم لإنسان ؟ ؟
 
« 411 »
 
اسجدوا للذي خلق الشمس إذن وأي سجود للشمس تقومون به ؟ ! إن الشمس مجرد منضج لطعامنا . . ليس أكثر . . فكيف تجعلون منها آلهة ؟ ! وماذا تصنع إذا أصاب هذه الشمس الكسوف ؟ !
ألست تتضرع إلى الله تعالى أن يعيد إليها ضياءها . . وإذا أرادوا قتلك في منتصف الليل ، فأين هذه الشمس لكي تشكو إليها في حادثات الليل ؟ ! ! . .
إنك إن سجدت لله صرت مسموحا له بالأسرار مثلنا . . وإذا بلغت هذه الدرجة لتحدثت معك بحيث خرجت تاما من آثار الطبيعية . .
ولا ستطعت أن تسيطر على الشمس نفسها وأن تستحضرها في منتصف الليل ، بل تستحضر شمس وجوده ، شمس الحقيقة . . أنوار التجليات وتشاهد الجمال الإلهى .
 
( 585 - 597 ) : تسألني عن شمس الحقيقة . . ماذا أقصد بها ؟ ! إنها تلك التي تشرق في الأرواح الطاهرة ليل نهار ، تلك الأرواح التي تبدلت فلا يحجب هذه الشمس أمامها حاجب . . فهي نور دائم في نهار دائم ليلها كنهارها . . هي المحجة البيضاء . .
إن شمس الفلك بالنسبة لشمس المعاني كأنها الذرة لا قيمة لها ولا خطر منها أمام تلك العين التي نورت بالنور الإلهى وذلك النور الإلهى فعله كفعل الكيمياء إن ضعت على دخان جعلت منه كوكبا . . فكيف إذا وقع هذا الأكسيد النادر على ظلام . . ويستمر مولانا في تعبيراته الفنية . .
إن هذا الفنان يعجب بعمل واحد جعل خواص كوكب زحل كالشعلة الدائرة في الكوكب فيه خواص السماء السابعة وخواص الأرض . .
وهكذا فاعتبر كل كواكب الروح وجواهرها . . افتح عين الروح تستطيع أن تتمثل كل هذه الكواكب والأفلاك داخل وجودك وداخل نفسك . .
وتحتوى على عالم كامل داخلك وانظر إلى عين الحس . . إنها لا تستطيع أن تحدق في هذه الشمس الأرضية فهي قطر ناري . .
لكن انظر بنورى أي بنور الله تختلف تماما عنه .
 
« 412 »
 
( 598 - 612 ) : تريد مثالا إذن عن ذلك الذي قبل النور والذي كان وجوده مشرقا للأنوار الإلهية ولم يكن نوره يغيب ليل نهار فإليك الشيخ أبو عبد الله المغربي الذي كان يمشى معه أصحابه بالليل ووراءه فكان إذا حاد أحدهم عن الطريق يقول يمينك يا فلان يسارك يا فلان ، وقد ورد في نفحات الأنس لعبد الرحمن الجامي وهو متأخر عن مولانا جلال الدين أن شيخ الإسلام ( وهو الأنصاري ) روى أنه لم ير ظلمه قط وما كان يبدو للخلق ظلاما كان له نورا . . وعندما كان يتحدث فوق جبل سيناء كان الحجر يتفتت ويتساقط إلى الوادي ( نفحات الأنس ص 90 )
وقال القشيري إنه مات سنة 299 عن مائة وعشرين سنة ( الرسالة / 38 ) علق فروزانفر على البيت 606 :
وجعل المغرب كالمشرق مشعا بالنور ( مأخذ / 133 ) .
 
ولقد جعله الله غارقا في الأنوار ، إنه الذي تنطبق عليه الآية الكريمةيَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا( التحريم : 8 ) . .
اطلب من الله تعالى هذا النور حتى في الدنيا ، . . فإنه يهب هذا النور للسحاب وللظلمة وهو نور الروح الذي لا تبقى بعده ظلمة ، حتى وإن كف البصر ، فالحديث عن النور الباطني لا النور الخارجي ، بهذا النور الذي يهبك الإله إياه تستطيع أن تمضى في أمان بين عقارب الناس وأفاعيهم .
 
( 614 - 624 ) : عودة إلى قصة سليمان عليه السلام وهدية بلقيس ، ها هو يطلب من الرسل أن يعودوا بذهبهم وأن يأتوه بقلوبهم ، يقول لهم : ضعوا ذهبي على ذهبكم . . فإن كانت له قيمة لما تزينت به مؤخرات البغال ( التعبير من سنائى ديوان ص 148 )
فهي لائقة بهذا الذهب ، لكن صفرة وجه العاشق تفضل صفرة الذهب ، فهي من عشقه الله تعالى . ومن نظرة الله تعالى له ، لكن صورة الذهب من تأثير الشمس وشتان بين من هو موضع نظر الله تعالى وبين
 
« 413 »
 
ما هو موضع نظر الشمس . . وإياكم وغضبى وأخذى . . وعليكم بالإيمان بالله تعالى وإن كنت أسارى لي . . وأنتم بصيرون . .
ما أشبهكم بطائر يفتح جناحيه يرفرف بهما على سطح منزل لكن بصره مثبت على الفخ وعلى الحب فهو مأخوذ مأخوذ حتى ولو لم يؤخذ بعد . هذا هو القيد الداخلي ، الوسوسة ، الوهم ، العكوف على التفكير ، في أمر يعنى مراقبة الظاهر دون مراقبة الباطن يقال إن فلانا ( سقط فجأة ) لا يسقط أحد فجأة . . هذه هي الأمور التي تحرم الإنسان الحرية الحقيقية ( جعفري 9 / 511 )
إنه سوف يسقط في الحمى ما دام يحوم حوله . . ها هو الطائر ينظر إلى الحب . . والحب في نفس الوقت ينظر إليه . . وأنت مأخوذ بالدنيا . . والدنيا سوف تأخذك ، إنك أدَمْتَ إليها النظر . .
 
وهي تأخذ منك أيضا الصبر والقرار وما دام هذا النظر يجذبك إلىَّ . . فأنا أيضا أحس بانجذابك إلىَّ وأسحبك خلفي .
 
( 625 - 652 ) : وما أشبه هذا الذي يحس أنه مأخوذ بالدنيا ميال إليها يجعلها كل همه ومبلغ علمه بذلك الذي ذهب يشترى سكرا لكنه عاشق للطين فأخذ يسرق من صنج الميزان وهي من حجر الطفل ( مأخوذة من حديقة سنائى أنظر الترجمة العربية الأبيات 6086 - 6100 ) إن الذي يسرق الطين ليأكله لا يدرى أنه بهذا ينقص من نصيبه من الكسب وهكذا أهل الدنيا جميعا ، يستغرقون فيها ، وهم يظنون أنهم يكسبونها .
 
( 653 - 677 ) : عودة إلى قصة سيدنا سليمان مع رسل بلقيس إنه يحدثهم عن الملك الإلهى ، والملك الدنيوي ، وما الملك الدنيوي بجوار الملك الإلهى إلا جبيرة ساق ، والممالك الإلهية أدنى درجاتها تفضل هذا الملك الدنيوي ، وذلك الذي لا يستطيع أن يسيطر على شبابه ، أن يمنع نفسه العجز والهرم والشيب كيف يسمى نفسه ملكا ؟ !
إن ملك الملوك يمنحك في مقابل العبودية ملكا عظيما
 
 
« 414 »
 
إن أحسست به مثقال ذرة لتركت الملك الصوري كما فعل إبراهيم ابن أدهم ، وملوك الدنيا هؤلاء من دناءتهم وخستهم لا يحسون بهذا الملك العظيم الذي يحس به من سجد للإله سجدة طاعة واحدة من القلب . . .
لكن الله تعالى زين في قلوبهم عروشهم وتيجانهم من أجل عمارة الدنيا . . وهم وإن فخروا بأنهم يجمعون من الناس الخراج . . إلا أنهم يتركون هذا الخراج ميراثا عنهم فدعك من هذا الذهب . .
ودعك من هذا الملك . . وأطلب من الله بصيرة سليمة تستطيع أن تدرك أن هذه الدنيا مجرد بئر متعلق بحبل الله فيوسف تعلق به فخرج به من البئر فكان أول ماصك مسمعه . . يا بشرى »
وفي ديوان شمس :
يا من أنت في روح يوسف * لماذ تبقى في البئر تمسك بحبل القرآن * فاصعد من بئر الظلمات وحتى إنهم يخسرون كل شئ حتى أنفسهم ، كم من ظامىء منهوم إلى مال أو حياة أو منصب يستغرقه هذا النهم ويفسد عليه دنياه وأخراه معا كآهل الطين تماما ، ويقدم مولانا مثالا آخر للطائر والحب ، من المشترى والعطار ،
فالمشترى يظن أنه بأكله للطين من صنج العطار إنما يغبن العطار ، والعطار يلاحظه ويراه ويتغافل عنه أملا في أن يأكل أكبر قدر من الطين فإن هذا سوف ينقص بالتأكيد نصيبه من السكر . . تماما كالطائر والحبة . . الطائر ينظر على البعد ، والحبة تقطع الطريق إليه . . الصياد يطلب الفريسة ، والفريسة نفسها تطلب الصياد . .
وهكذا تصاد الطيور حتى الطيور الضخمة تصاد من سهام النظر ، ومن هنا حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن النظرة سهم من سهام الشيطان ، وفكرة أكل الشواء من الجنب تبدو من أفكار سنائى وعن
 
« 415 »
 
الإمام الصادق - رضى اللَّه عنه - « ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغض البصر فإن البصر لا يغض عن محارم الله إلا وقد سبق إلى كلية مشاهدة العصمة والجلال ( جعفري 9 / 515 ) .
فالشهوة تجعل الناس أسارى للدنيا وهم يظنون أنهم أمراؤها ، يظنون أنهم ملوك وهم مملوكون ، سادة وهم عبيد ، وما السيد إلا من خلص روحه من إسار هذه الدنيا ، إن العارفين بالله هم الكيمياء التي تحول المعادن الرخيصة إلى ذهب فكيف يمكن أن يكون للذهب قيمة في عيونهم ؟ ! !
 
( 678 - 688 ) : إن لم تكن تصدق أن أولياء الله قادرون بنظراتهم على تحويل كل شئ ينظرون إليه إلى ذهب فإليك هذه القصة عن هذا الدرويش الذي طلب من الأولياء العظام رزقا بلا تعب . . .
فدلوه على غاية في جبل وجعلوا فواكهها البرية حلوة في فمه . . ومن هذه الفاكهة الحلوة جرى لسانه بالحكمة بحيث أصبحت أقواله فتنة للخلق أجمعين وكان الدرويش يخاف شبهة الرياء ، فأدرك ما في إقبال الخلق من فتنة تقف أمام سيره الصوفي ، فدعا الله أن يسلبها عنه ، فاسستجاب لدعائه . .
أعقبه سعادة في قلبه . .
هي سعادة الإخلاص والبعد عن الرياء تلك السعادة التي لا يحسها إلا ذلك الذي جعل علاقته مع محبوبه بحيث لا يطلع عليها بشر ولا يدركها ( غيره ) ، لقد بلغ درجة من السرور الباطني بحيث أصبح يظن أنه إن لم يكن في الجنة سوى هذا السرور جزاء للمؤمنين لكفاهم هذا . . . إلى هنا . .
الحكاية تعتبر مقدمة للحكاية الحقيقية التي يريد أن يضربها كمثال على قرة أولياء الله على تحويل كل شئ إلى ذهب مما يجعل الذهب غير ذي قيمة في أنظارهم .
 
« 416 »
 
( 689 - 710 ) : يقدم مولانا جلال الدين الجزء الثاني من الحكاية وهو مأخوذ من كشف المحجوب للهجويرى ( ص 297 - 298 مآخذ 134 - الترجمة العربية لكشف المحجوب ص 279 ) كان الدرويش يملك حبتي ذهب من أيام حاجة خاط عليهما جبته رأى حطابا فقيرا فحدثته نفسه أن يهبه حبتي الذهب ما دام قد فرغ من أمر الرزق ، عليه يفرغ هو الآخر من أمر رزقه عدة أيام ، لقد ظن الدرويش نفسه مقسما للأرزاق فلا بد وأن يأتيه الدرس الإلهى . . لقد كان الحطاب الفقير من رجال الله المطلعين على الأسرار السماعين لله وبنور الله . .
لقد أخذ يهمس :
أهذا يليق بالملوك ؟ ! كيف تفكر في أن تتصدق على ملك ؟ لقد كان يتحدث بلا لسان وكان حديثه ينطلق مباشرة إلى قلب الدرويش . . وها هو يبدي المعجزة . .
 
فإذا بهيبة شديدة تمطر عليه . . هيبة حولت كومة الحطب بدعائه إلى ذهب ثم أعادها ببركاته خوف الشهرة والفتنة إلى حطب مرة ثانية وحملها وانصرف إلى المدينة . . دون أن يجرؤ الدرويش أن يسأله الصحبة ، وقد خاطب ابن سينا منكري الكرامات بقوله « ولعلك قد يبلغك من العارفين أخبار تكاد تأتى بقلب العادة فتبادر إلى التكذيب مثلما يقال : إن عارفا استسقى للناس فسقوا أو استشفى لهم فشفوا أو دعا عليهم فخسف بهم وزلزلوا أو هلكوا بوجه آخر ، ودعا لهم فصرف عنه الوباء والموتان والسيل والطوفان ، أو خشع لبعضهم سبع ، أو لم ينفر عنه طائر أو مثل ذلك مما لا تؤخذ في طريق الممتنع الصريح فتوقف ولا تعجل فإن لأمثال هذه الأشياء أسبابا في أسرار الطبيعة
ثم يقول : « إياك أن يكون تكيسك وتبرؤك عن العامة هو أن تنبرى منكرا لكل شئ فذلك طيش وعجز وليس الخرق في تكذيبك ما لم يستبن لك بعد طلبه دون الخرق في تصديقك ما لم تقم بين يديك بينة بل عليك الاعتصام بحبل التوقف وإن أزعجك استنكار ما يقرع سمعك ما لم تتبرهن استحالته لك ، فالصواب أن
 
« 417 »
 
تطرح أمثال وتمده إلى بقعه الإمكان ما لم يذرك عنه قائم البرهان ، واعلم أن في الطبيعة عجائب وللقوى العالية الفعالة والقوى السافلة المنفعلة اجتماعات على غرائب ( عن جعفري - 9 / 533 - 534 )
وقد فسر مولانا جلال الدين في الكتاب الخامس كيف يعرف المرشد ما في ضمير السالكين :
- لقد كنست المنزل في الخير والشر فصار منزلا ممتلئا من عشق الأحد - وكل ما أراه غير الله ليس ملكي بل انعكاس صورة ذلك الشحاذ .
- فلو ظهر في الماء انعكس نخلة أو عرجون . . . فليس منه بل من النخل :
- وإن رأيت في قاع الماء صورة ما تكون انعكاسا لشئ في الخارج أيها الفتى - ولكن بشرط تنقية لماء من القذى فالتنقية شرط في نهر البدن - حتى لا يبقى فيه كدر أو غثاء حتى تصبح أمينا في عكس الوجوه - فأين في بدنك سوى الماء والطين أيها المقل صف الماء من الطين يا خصم القلب - وأنت مقيم في كل لحظة من النوم والأكل في طمس هذا النهر بالتراب أكثر ( الكتاب الخامس أبيات 2804 - 2811 ) .
 
( 711 - 716 ) : مثل هذا الرجل هم الملوك الحقيقيون ، هيبتهم هيبة
 
« 418 »
 
 حقيقية ، وعظمتهم عظمة حقيقية ، ليس المهم أن تملك ، بل المهم أن يكون في إمكانك أن تملك وأن تزهد في الملك ، كثيرهم أولئك البلهاء الذين يلتقون بهؤلاء الملوك دون أن يغتنموا الفرصة ، إنهم يستكثرون عطاءهم ، مثل ذلك المتسول الذي أعطوه كثيرا من لحم الأضحية فاعتقد أن الأضحية بقرة ، دون أن يعرف أنه هكذا يكون عطاء الملوك .
 
( 717 - 725 ) : إن مزاولة سليمان للملوكية هي في هذا القبيل ، إنه ملك في المجاز والحقيقة ، ومن ثم فعطاؤه هو عطاء الملوك الحقيقيين إنه يدعو بلقيس وكل من عندها أن يغترفوا من بحر الجود ، إنه يدعوهم إلى عطاء الجنة . .
يدعوها لتطلب ويدعو من لا يطلب لكي يضم طلبه إلى طلبها . . هكذا فأساس العطاء الطلب . . ادعوني استجيب لكم . . . لا تستكبر عن الدعاء ( الطلب ) لكي يكون الفتوح .
 
( 726 - 730 ) : ليست بلقيس ببدع في الملوك الذين تركوا الملك الصوري من أجل الملك الحقيقي . . فكثيرون هم الذين أشرقت عليهم هذه اللحظة فبدلتهم تماما ودلتهم على الطريق . . وكما يكون في الأنبياء . .
يكون في الأولياء وها هو إبراهيم بن أدهم مثال حي على أولئك الذين تركوا العرش المجازى في سبيل العرش الحقيقي ليس هذا فحسب فقد يجلس أحدهم ينظر خلفه عبر رحلة عمره ،
فيرى أنه قد أفنى هذا العمر في سبيل أن يكسب الدنيا ، وها هو في سبيله إلى الخروج منها كما دخلها عاريا ، فلا هو اكتسبها ولا هو اكتسب نفسه ، عشرات النماذج تقدمها سير الصوفية في هذا المجال بحيث لا يكاد يوجد صوفي واحد لم يخبر الدنيا قبل أن يسلك طريق الآخرة ، بل عاش معظمهم في حضيضها ،
فقد كان منهم قاطع الطريق والغانية والغارق في الفجور حتى أذنيه ، درس تقدمه سير الصوفية ، إن جوهر الإنسان يظل غاليا مهما تمرغ في الطين ، ويستطيع
 
« 419 »
 
بعد هذا التدهور ، ونسيان الأصل أن ينطلق من هذا الطين فإذا بالنفخة الإلهية ترفعه إلى آفاق لم تصل إليها الملائكة . . وإبراهيم بن أدهم مثال حي ، كان على كرسي الإمارة . . أي أن الدنيا كانت ملك يمينه والسبب هداية إلهية تأتى عبر حكاية غير متصورة ، وحادثة غير عقلانية فما الذي يوصل أولئك الذين يبحثون عن الجمل إلى سطوح دار الإمارة ؟ ! ! وهل يبحث الإنسان عن بعير ضال فوق سطوح دار الإمارة ؟ ! نعم . . إنه تماما كمن يبحث عن الحقيقة الإلهية وهه وفوق كرسي الإمارة ( انظر تذكرة الأولياء للعطار ج 1 ص 88 ) ويعلق شمس الدين التبريزي : هذا ما كان فحسب ومضى والقلوب في أثره ! ! ( مقالات ص 27 ) .
 
( 730 - 744 ) : كما لا يأتي الأمن من الحرس ، بل يتأتى من العدل ، فإن طرب ابن آدم لم يكن يتأتى من أصوات الصنج والرباب ومن ذوات الأوتار ، بل لأن هذا الطرب هو شوق إلى الخطاب الإلهى « فقد كانت هذه الأصوات موجودة في الجنة يستمع إليها آدم ونحن من أبنائه فيؤثر فينا إذن هذه الأَصوات وذلك الشوق الكامن في كل منا إلى الجنة أو إلى الخطاب الإلهى ألست بربكم » . .
 
ثم انظر إلى جلال الدين وهو يشبه صوت المزمار بالأنين وقرع الطبول بالتهديد ( لا يزال الموسيقويون الكبار بعبرون بالآلات الإيقاعية ومن أهمها الطبول عن ضربات القدر أو هزيم الرعد أو البعث . . ومثلها مثلا السيمفونية السابعة لبيتهوفن المسماة بالإيقاعية ) ويرى مولانا جلال الدين : أن هذا الحزن والتهديد لأنها صورة من الناقور الكلى « إشارة إلى الآية الكريمة »فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ» ( المدثر : 28 )
 
والفكرة كلها كما ذكر نيكلسون مأخوذة من آراء فيثاغورث ومنه اتخذت سبيلها إلى أعمال فلاسفة الإسلام في رسائل إخوان الصفا ، ويواصل مولانا جلال الدين : من هنا قال الحكماء ( والمقصود فيثاغورث ) أنهم أخذوا ألحانهم من مقامات وسبعة أصوات وأربعة وعشرين شعبة وثمانية وأربعين تركيب ، فالمقامات مقابلة للأبراج والأصوات
 
« 420 »
 
للكواكب السيارة والشعبة للساعات والتراكيب لجمعات السنة ( مولوى 4 / 103 انقروى 4 / 147 ) والخلق يحاكون هذه الحركات سواء بالموسيقى أو بالغناء ، هذا ما يقوله الحكماء ، أما ما يقوله المؤمنون فهو أن هذه الألحان هي آثار أصوات أشجار الجنة وأنهار وجدرانها فهي التي تجعل كل قبيح لطيفا حسنا مقبولا . .
 
ونحن جميعاً من آدم سمعنا كل هذه الأصوات في الجنة ولا زلنا نشتاق إليها . .
نشتاق إلى خطاب اللطف الإلهى «أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ» والشوق إلى الخطاب هو الشوق إلى يوم ألست يوم أقرت النطف في الأصلاب بالربوبية كما فسرها مولانا نفسه ( أتدري ما هو السماع ، إنه الاستماع إلى قوله بلى . . . وهو الانقطاع عن النفس والاتصال به ( استعلامى 4 / 229 ) .
 
لكن شتان بين هذه الألحان في أصولها الطاهرة وبين صورتها الإنسانية تمتزج الروح الطاهرة بالجسد النجس وتختلط على هذه الموسيقى برغائبنا وشهواتنا - وفي كليات شمس التبريزي يقول مولانا في إحدى الغزليات : إن علم الموسيقى هذا علم كأنه شهادة ، ولما كنت مؤمنا فإنني أتوق إلى الإيمان والشهادة ( غزل 457 ص 210 ) –
 
كما يختلط الماء العذب بالبول فيفقد عذوبته وطهر يختلط طهر الموسيقى بدنس الجسد ، لكن الماء مهما صار نجسا فإنه يستطيع أيضا أن يطفى نيران الهموم ، فكذلك الموسيقى والمعشوق الأوحد لا يمكن أن تطفى ناره هذه الموسيقى لكن السماع هو مدار العاشقين ، إذ أن « خيال » أو « ظن » اللقاء بالمحبوب يمكن في هذا السماع ، إنه مجرد شاهد للرغبة أيا كانت هذه الرغبة فإذا كانت رغبة في الدنيا اشتدت وإذا كانت رغبة في الآخرة اشتدت ، فالموسيقى والسماع إذن في رأى مولانا جلال الدين تحرك في الإنسان ما في داخله هو « وفي تعليق آخر نقله الأفلاكى ( 1 / 431 - 432 )
« سئل مولانا لماذا تقرع الطبول وتدق النقارات أيام الأعياء قال : إن الطبل من أجل الآذان الثقيلة حتى تنتبه من غفلتها وتستعد للعيد وهذا المعنى مأخوذ من نقر
 
« 421 »
 
صور القيامة وطبل يوم العرض فهي لبعضهم عيد ولبعضهم وعيد ، والعاشق إنما يجد لذة العشق في مجرد توهمه اللقاء بالمعشوق .
« فمن على سمعي بلن منعت أن أراك فمن قبلي لغيرى لذت » تماما كقصة من كان يلقى بالجوز في الماء .
 
( 745 - 759 ) : لم يورد فروزانفر هذه الحكاية في كتابه عن مصادر قصص المثنوى ، وقد وردت رواية أخرى للحكاية في الكتاب الثاني من كتب المثنوى
 
( الأبيات 1196 - 1212 ) كان يقف على الجدار الذي يحجزه عن الماء . .
وكان يقتلع منه الطوب ويلقى في الماء فيسر بصوت سماع الماء من ناحية . .
ويسرع في إزالة الجدار من ناحية أخرى . لقد كان ذلك الرجل فوق شجرة الجوز يلقى بثمارها في الماء الذي يجرى أسفلها في عمق وها هو ذلك العاقل الذي يقيس كل الأمور بعقله ، يعذله . . ما هذا الذي يقوم به ؟ !
يفقد الجوز ويزداد ظمأ إذ أن الماء يزداد ابتعادا لكن من الذي قال : إن الظمآن مراده الماء ؟ !
إنه إذا ظمأ إلى الماء لم يكن هذا الماء في متناول يده ، فإنما يكفيه أن يرى حباب الماء أن يسمع مجرد صوت الجوز في الماء نعم إنه الخيال والتصور فالظن الذي يبنى به الإنسان عالما خاصا به ، يجد فيه العزاء عن هذا الحرمان الذي يحيط به ، وأي حرمان أقبح من أن يحرم الإنسان الجنة ؟
وما الذي يهدف إليه الظمآن في هذه الدنيا إلا أن يطوف دائما حول حوض الماء إنه يجده من صوت الماء ؟
ومن خرير الماء - تماما كالحاج الذي يود أن يطوف حول الكعبة - وهكذا أيضا وانظر إلى جلال الدين في بعض تفسيره للعمل الأدبي والفنى يكون هذا المثنوى . إنه مجرد تعبير عن المقصود ، هو أنت يا حسن حسام الدين . .
إنه أنت الذي يجعل هذا المثنوى ينطلق من فمي ، ومن خيالي ومن وجداني أقدم هذا البناء الفنى العظيم الجدير بهذا الحرمان العظيم ، وقد يتساءل سائل هل من الممكن أن يكون هذا الأمر كما يعبر عنه جلال الدين . . أيكون ديوان شمس الدين التبريزي كله من أجل شمس الدين
 
« 422 »
 
والمثنوى بكل ما فيه من أجل حسن حسام الدين ويقدم جعفري ثلاثة احتمالات لهذا الموضوع : - الاحتمال الأول : إن الحالة النفسية لمولانا جلال الدين كانت تدفعه إلى أن يركز عالمه الذاتي الداخلي على نقطة معينة . . . يجعل نقطة محسوسة كجسر من الحقائق والصور التي يقدمها . . وبين عالم الوجود .
 
الاحتمال الثاني : إنه لم يقصد بشمس الدين أو بحسن حسام الدين شخصين محدودين بهذا الاسم . . بل كل السائرين في طريق الحقيقة والذين يرون فيه مصدر نجاتهم ومرشدهم ودليلهم إلى العالم الروحي العظيم .
 
الاحتمال الثالث : أن مولانا كان يرى في حسن حسام الدين المريد القادر على مواصلة الطريق والزهرة التي تبعث فيه التغريد فإن أرواح أولياء الله جديرة بالعشق الروحي ( جعفري 9 / 562 - 563 ) وأضيف أن كثيرا من المعلمين والأساتذة يرون في طالب معين من بين طلابهم مقدرة على سماعهم وتلقى أفكارهم فيكون بمثابة الملهم والجاذب لفكرهم ولأعظم ما فيهم . . الملهم موجود في التراث الإسلامي . . لكن منذ أن ابتلينا بغزو الثقافة الغربية . .
أصبح الملهم لا بد وأن يكون ملهمة وإلا فالويل كل الويل والاتهامات بالشذوذ الجنسي ( التفصيلات أكثر حول هذا المعنى انظر الكتاب الثالث شروح أبيات المقدمة الشعرية ) إنه النبات الذي زرعت أنت بذرته . . تنمو أزهارها وتنبثق بملازمتك أنت ، إنما أحب من ألفاظه أن أسمعها منك ، فإن صوتك هذا متصل بالأنوار الإلهية تنصب علىَّ هذه الأنوار الإلهية من هذا الصوت الذي يبدو في الظاهر صوتك . . ويجعل هذا المثنوى ينبثق بالرياضة والزهور .
 
( 760 - 764 ) : نعم هناك اتصال بلا تكيف ولا قياس ولا بشكل من الأشكال المصورة لرب الناس مع الناس « فإن روح المؤمن لأشد اتصالا
 
« 423 »
 
بروح الله من اتصال شعاع الشمس بالشمس ( حديث نبوي ) كما قال - صلى الله عليه وسلم : « ذهب الناس وبقي النسناس ، والناس كإبل مائة لا تجد منها راحلة وكما عبر نظامى عن هذا المعنى : إن من تراهم ليسوا كلهم بالبشر ، أغلبهم ثيران وحمر بلا ذيول لقد سلبت المعرفة من البشر فلم يعد هناك بشر موجودين ( أنقروى 4 / 155 ) ، الآدميين ، الأناسى - ولم أقل جنس النسناس الذي يشبه البشر في الشكل وليس ببشر ، أولئك الذي لهم صور البشر وأجساد البشر ينقرون كما ينقر الطائر ويرعون كما ترعى البهائم ( سبزوارى 4 / 278 ) ليس البشر إلا أولئك العارفين من أصحاب الأرواح التي تعرف روح الروح . .
 
الناس هم البشر وأين إنسان واحد ، « لقد كان الشيخ يطوف بالأمس بمصباحه في المدينة قائلا أبحث عن انسان . . أبحث عن إنسان كأسد الله وكرستم بن دستان . فقد ضاق صدري من هؤلاء الرفاق المخنثين . . الذين يتشدقون بالرجولة وما هو بالرجال . . حقيقة إنه يبحث عما لا يوجد ولكن البحث عما لا يوجد هو نهجنا الذي نسير عليه
( كليات ديوان شمس الدين التبريزي غزل 441 ص 203 ) إنك لم تر إنسانا واحدا ذلك لأنك ذيل من الذيول ( ترجمها الانقروى لم تر إنسانا لحظة ( 4 / 155 ) ولا شك إنه خطأ لأن « مردم » في الشطرة الأولى مضمومة الدال ولا بد أن تكون « دم » مضمومة الدال وليست مفتوحتها وهي بمعنى ذيل ) ولأنك ذيل تسير خلف العوام والسوقة والرعاع فإنك لا تستطيع أن تعرف الرؤوس أي الأولياء الذين يعرفون الناس . .
إن كل هذا الاتصال بين رب الناس والناس يتجلى في الآية الكريمة « وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى » لقد تجلى الله على عبده بصفة من صفاته فظهر عليه فعل هذه الصفة . تجلى على عيسى عليه السلام بصفة الإحياء وتجلى على محمد عليه السلام بصفة القدرة ( مولوى 4 / 107 ) فاترك الجسم من أجل الروح . .
أترك ملك الجسم من أجل الروح كما فعلت بلقيس من أجل سليمان النبي .
 
 
« 424 »
 
( 765 - 770 ) : يخاطب مولانا مستمعا وهميا يتصور أنه ينكر عليه هذا الحديث ، إنه يستعيذ بالله منه ويلجأ إلى الله من خيالاته التي تنكر عليه ما يقول ولا نستطيع أن تستوعب هذه الإفاضات ، وما ذلك الإنكار إلا من خياله الفاسد وظنونه الحمقاء . .
إنني ألجأ إلى الله تعالى وأستعيذ به لأنه في مثل هذه المواقف لا يملك الإنسان إلا أن يلجأ إلى الله تعالى فإنما يكون فهم كل إنسان بقدر همته ، ورب قارىء للقرآن لم يفهم فيه سوى الحرف ، وألم يقل أبو جهل إنه أساطير الأولين ( انظر الكتاب الثالث شروح أبيات 4385 وما بعدها ) فما دام حديثي قد وقف في حلقك لأن هذا الحلق لا يتسع لهذه اللقمة فلأ صمت أنا . .
وهات أنت ما عندك ، وحدثنا لا فض فوك بما تعلم أنت فها نحن كلنا آذان صاغية . . ما دام الفم لا يستطيع أن ينفخ في النادي جيدا . .
فانفخى أيتها المؤخرة وهذه الطريفة واردة في مقالات شمس تبريز ( ص 52 ) انظر كيف هبط مولانا في الحديث لكن هذا الهبوط في الحديث عند كبار شعراء الصوفية كان يحدث عندما يكون المخاطب من هذا القبيل « خاطبوا الناس على قدر عقولهم » لكن داخل هذا الهزل يكمن التعليم فالعارف هو في البداية معلم قد يلجأ داخل درسه إلى فكاهة قد توصل إلى طلابه ما لم يستطع الجد أن يوصله . .
 
وها هو الحكيم سنائى رغم جهامته الشديدة يهزل أحيانا . . لكن حذار من اعتباره هزلا . . إنه توحيد . . بل وقال مولانا جلال الدين في موضع آخر : إن بيت شعري ليس بيتا إنه إقليم كما أن هزلى ليس هزلا إنه تعليم ( مولوى 4 / 108 ) .
 
( 771 - 780 ) : يحدثنا مولانا جلال الدين عن الأدب ، ليس المقصود بالطبع الأدب المكتوب بل بمعناه الأخلاقي كعماد من عمد الطريقة ، فالأدب ليس إلا تحمل عديم الأدب ، بهذا تغلق أبواب عديده من الجدل ، ومن التلاحى ، ومن التعصب ، ومن ثم فإن كل شكاء من سوء خلق الناس لا بد وأن يكون هو نفسه
 
« 425 »
 
سىء الخلق ، فهو يشكو بدلا من أن يصبر ، لكن شكوى الشيخ مختلفة . إنها ليست غضبا ولا جدلا ولا هوى ، إنها من أمر الله تماما كأنها شكوى الأنبياء ، وإلا فهل يمكن أن نتصور نبيا لا يتحمل ، لا . . .
إنه في الحقيقة أكثر تحملا من الجبل ، أن يصدر ما يدل على الضعف من نبي تركيز على جانبه البشرى وتقريب له من أتباعه ، وإصلاح لأرواح قومه ، فهيا يا سليمان يا حسن حسام الدين ، كن مثالا على حلم الحق وتواءم مع الغربان « الوقحاء » أو الصقور ( الشرفاء ) من الناس . .
فإن كثيرا من أولئك المستعدين للدخول في الطريقة والمهيأين للإيمان كما هيئت بلقيس للإيمان بسليمان عليه السلام . هيا اقتد بالرسول - صلى الله عليه وسلم : - وقل اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون ولا تدع عليهم .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.docx   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:39 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.pdf




عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 781 - 1262 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:40 pm

الهوامش والشروح 781 - 1262 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 781 - 1262 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 781 - 1262 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك ،
وألا تتأخر ( في اللحاق به )
( 781 - 797 ) : عودة إلى قصة سليمان عليه السلام وبلقيس ، وها هو خطاب سليمان في التحذير من مغبة الكفر والعناد وعقاب الابتعاد عن طريق الإيمان ، حيث يفقد المرء توازنه ، ويكون صاحب السلطان بلا سلطان ، ينقلب عليه صاحب بابه ، يأتيه الموت من حرسه ، ويكون مساعده خصما له ، يكون كجسد أعضاءوه كلها في حرب ، فإن هذا الذي جعل أساسا للتناسق بين كافة عناصر الكون ، وبين كل جوانب الإنسان قد غاب وإن غاب يتفتت الوجود الإنسانى ، يكون كل جانب من جوانب الإنسان في حرب مع الجانب الآخر ، يعتريه القلق والاكتئاب ، يحس بأن حياته لا نفع فيها ، تستعبده الطواغيث ، ثم يؤخذ أخذ عزيز مقتدر من جند الله ، تريد أن تعرفي جند الله يا بلقيس ؟ !
إنها الريح التي اقتلعت قوم عاد ، والطوفان الذي أغرق قوم نوح ، والبحر الذي انشق لقوم فرعون ، والأرض التي ساخت بقارون ، والطير الأبابيل التي دقت الفيل ومزقته إِربا والبعوضة التي أهلكت النمرود ، والحجر الذي ألقاه داوود فتشقق
 
« 426 »
 
إلى ثلاثمائة قطعة وأهلك جند جالوت ، وهذه الحجارة التي أمطر بها قوم لوط حتى غرقوا في المياه السواد ، وكثير غيرها مما تظنونها جمادا لكنها كانت من جند الأنبياء ( انظر الروح الجمادية وتسبيحها الكتاب الثالث أبيات 1008 وما بعدها ) ولو تحدثت فيها لطال الحديث ولو شاء الله لأمر أعضاء جسدك نفسها بتأديبك إنها تطيعك أنت نفاقا ، ولكن طاعتها الحقيقية لله تعالى فلو أمر عينك بتعذيبك لرمدت وأدبتك ، ولو أمر أسنانك بتهذيبك لتألبت عليك وسلبت من عينك النوم . وافتح كتب الطب وأقرأ أبواب العلل . . وإذا كان الحق سبحانه وتعالى هو روح الروح فكيف يمكن أن تكون العداوة مع روح الروح من السهولة بمكان ناهيك عن عسكره من الجن والإنس .
 
( 798 - 805 ) : هيا يا بلقيس أتركى ملكك في البداية وإن تركت هذا الملك فقد وجدت الملك الحقيقي الذي لا ملك بعده ، سوف تعلمين أنت نفسك بمجرد أن تلحقى بي إنك كنت مجرد صورة جميلة لكن لا روح فيها ولا حياة مثل تلك الصور والنقوش التي تصور على جدران الحمامات :
لا آدم في الكون ولا إبليس * لا عرش سليمان ولا بقليس
الكل عباده وأنت المعنى * يا من هو للقلوب مغناطيس
( سبزوارى 4 / 279 )
وماذا تعنى صورتك أيا كانت الصورة دون تلك الروح ينفخها فيها ، إن زينتها ليست لها بل لغيرها ، إن تلك الصورة تفتح عينا لا ترى ، وفما لا يتحدث ، لقد فقدت نفسك جدلا وعصيانا فجعلت من نفسك مجرد شئ مع آخرين لا وجود له دون وجود آخرين وإلا فهل تستطيعين أن تؤكدى على أن هذه الصورة التي ترين أنها هي أنت . .
هي أنت بالفعل ؟ !
إنها مجرد حالة من حالاتك . . وهذا ليس إحساسك الحقيقي بل إن ما تحسين به هو ما يوحى به
 
« 427 »
 
إليك أتباعك من حولك وإلا فإنك لو ابتعدت عنهم لحظة واحدة لأحسست بالحزن وليس الحزن إلا لأنك وأنت بعيدة عنهم لا تشعرين أدنى شعور بذاتك لأن هذه الذات خاوية ، ذلك النموذج الإنسانى الموجود في كل عصر وكل زمان ، إن وجوده فارغ ، يجب دائما أن يملأ بالآخرين أما أصحاب الوجود الثرى الغنى فما يغنيهم الناس وكل منهم « عالم على قدمين » أما أصحاب الصورة أولئك الذين حرموا في الحقيقة فإنهم دائما ما يدورون حول أنفسهم .
 
( 806 - 811 ) : إن من يكون قائما بذاته ، ليس كالقشة مدفوعا بكل ريح لا يقر له قرار ، يكون جوهرا ، والجوهر ثابت الخاصية ، أما ما يكون فرعا لهذا الجوهر فإنما يكون عرضا لا بقاء له ولا ثبات ، يكون وجوده معتمدا على وجود العرض إن زال زال ، والباقي بشئ يكون بقاؤه بهذا الشئ ، وزواله بزوال هذا الشئ . فلماذا لا يكون ثباتك بالحي الذي لا يموت وبالباقي الذي لا يزول ؟ ! !
إنك إذا اعتمدت على سلطان فسلطانك هالك ، أو على جاه فجاهك إلى نهاية ، أو على مال فمالك إلى نفاد ، « وكل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون » وأنت في النهاية ابن آدم فيك كل ما في آدم ، فكن عبدا كآدم ، واعترف بالعبودية لله وحده وإياك أن تسأل : أين أنا من آدم . . إنه نبي وأنا مجرد إنسان . .
لا ليس الأمر هكذا ، فإن أقل القليل من الشئ يحتوى على خاصية الكثير جدا ممن هذا الشئ . .
فما الذي يوجد في ماء البحر ولا يوجد في القدر ؟
وما الذي يوجد في الدار غير الذي يوجد في المدينة ؟ !
بل إن العكس هو الصحيح .
إن هذه الدنيا بأجمعها هي القدر والبحر العباب هو قلب الإنسان هو المدينة العجيبة التي تسع الحقيقة الإلهية التي لا تسعها أرض وسماء ؟
فالزم عجائب مدينة القلب ، وسح في هذه المدينة ترى عجبا .
 
« 428 »
 
( 812 - 829 ) : عودة إلى خطاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس ، ها هو يعيد لها أنه يدعوها إلى الإيمان دعوة خالصة لله تعالى ، ولا دعوة تكون مخلصة إلا إذا كانت لله تعالى ، لا لغرض فيها ، ولا لشهوة إلى جمالها ، ولا لطمع في حسنها ، فكل هذه أصنام جاهلية يرتفع عنها المؤمن فما بالك بالنبي الذي هو سليل محطم الأصنام ، الأصنام هي التي تسجد له ، ولو حدث ودخل أحمد عليه السلام وأبو جهل إلى معبد الأصنام لكان هناك اختلاف كبير بين دخول ودخول ، فسوف يسجد أبو جهل للأَصنام
 
بينما تسجد الأصنام كلها لمحمد عليه السلام كما حدث بالفعل ( المولوي 4 / 115 ) وهذه الشهوات التي تسكن جسد الإنسان إنما هي على مثال معبد الأصنام . . يستوى في وجود هذه الشهوات الأنبياء والكفار ، فليس الأنبياء مبرأون من وجود الشهوة ، فهم بشر من خلقه سبحانه وتعالى ، لكن الشهوة تحت سيطرتهم ، فهم كالذهب النضار مهما تعرض للنار يزداد لمعانا ، بينما الكفار كالزيف ، يسود إن تعرض للنار ،
 
فلا تنظر إلى ملوك الدين على أنهم هم الآخرون مخلوقون من الطين ، وقد ركبت فيهم الشهوة ، فقد كانت هذه نظرة إبليس إلى آدم ، لم يكن في نظر سوى مجرد مخلوق من طين ، لم ينظر إلى ما تفوق به عليه أي نبوته وعلمه ،
وهكذا تكون نظرة العوام إلى الأولياء إنهم مجرد بشر وأنهم كلهم سواء ، ولا ينظرون إلى النور الذي اختصوا به لعظيم مجاهداتهم وارتفاعاتهم على بشريتهم ، هيا انهضى يا بلقيس ودعك من هذا الملك كما فعل إبراهيم بن أدهم ،
والخطاب هنا بالطبع لمولانا جلال الدين وليس لسليمان عليه السلام ، على أساس أنه لم يوجد في عالم الأنبياء ما حرم منه عالم الأولياء ، وأن الولاية في أوانها تقوم بما كانت النبوة تقوم به في أوانها وعلى أن المؤمنين كلهم جسد واحد .
 
« 429 »
 
( 835 - 839 ) : بعد أن يقص مولانا جلال الدين قصة توبة إبراهيم بن أدهم كما وردت في كتب الصوفية ، يقول إنه اختفى بعدها ولم يره أحد نعم لقد اختفى كما يختفى الجن عن عيون البشر ، ولكن هذا لا يعنى أنه لم يكن موجودا ، وإنه ليس موجودا إنه اختفى لأن معناه قد خفى على الخلق ، فالناس لا يرون إلا اللحية والخرقة ، وما دام إبراهيم بن أدهم لم يكن يهتم بلحية أو خرقة ، ولما غاب إبراهيم بن أدهم عن نفسه وعن ملكه وعن مظاهر ملوكيته وغاب عن أعين الخلق ، أصبح مشهورا بين الخلق كعنقاء جبل قاف التي لم يرها أحد ، لكنها أكثر شهرة من كل ما يمر به الناس كل يوم ويرونه أمام أعينهم ، إن كل الطيور ( الأولياء ) تهفو عليها وترفوف بأجنحتها شوقا إليها .
 
( 840 - 842 ) : لقد وصلت رسالة مشرق الهداية إلى سبأ ، فأحيت النفوس الميتة ، وأخرجت موتى الجسد من قبورهم ، وأخلت أرواحهم من قبور الأجساد ، أخذ كل منهم يبشر الآخر بأن البشرى قد وصلت من السماء ، هذا النداء يحيى النفوس كما يحيى المطر موات الأرض ويجعل القلوب تورق بأوراق الإيمان وثمار اليقين ، لقد كان هذا النداء من سليمان عليه وسلم كنفح إسرافيل في الصور جعل الموتى جميعا ينهضون من قبورهم . . ولتكن لك أيها المستمع سعادة كتلك التي مست أهل سبأ وأحيت موات قلوبهم ونفوسهم ، وأن تقبل رسالة سليمان عصرك وأونك . .
أي المرشد الشيخ الذي يقوم في أوانه يما كان يقوم به سليمان في أوانه .
 
( 845 - 859 ) : إن سبأ ليست سوى تلك الأرض التي مسها العشق الإلهى فبدلها وأحياها ، ومن ثم فإن مولانا مع عزمه على أن يتم القصة يعود إليها بوجد شديد كما يعود الصبا إلى مزرعة الشقائق ، وعندما يكون مولانا في
 
« 430 »
 
حال الوجد ، فإنه ينطلق بشعر عربى ، لقد التقت الأجساد بأرواحها وها هي أمة العشق الخفي ، لها السقيا دائما ، ولها البقاء فإن من عاش بالعشق لا يموت أبدا ، إن هذا النفس هو الذي رد يعقوب بصيرا وهل هناك من مرشد كامل جدير بأن يوجه رسائل العشق مثل سليمان عليه السلام ، لقد علم عليه السلام بنطق الطير ، وما الطيور التي يتحدث عنها مولانا هنا إلا أنواع من البشر تحدث إلى المؤمن بالجبر أن الجير لا يعنى اسقاط التكاليف ، وحدث كسيرى القلوب عن الصبر ، وحدث من اختار العزلة عن جبل قاف ، وحدث الضعفاء كالحمام بالاحتراز من الحكام الأقوياء حتى لا يجور وا عليهم بمخالب غضبهم وطغيانهم ، واجعل ذلك الخفاش الذي أئتلف بالظلمة وعاش فيها واستسلم لها قرينا قليلا لشئ من النور ، وعلم أولئك الذين يحيون الخصومة ويعيشون عليها مزايا العيش في سلام ، وعلم أولئك المستغفرين بالأسحار علامات الصبح الصادق . .
 
وهكذا فافعل مع كل الطيور من الهدهد إلى العقاب . . خاطب كل طائر بما يليق به ، ودل كل طائر إلى عالم العشق الأزلي بما هو جدير به من لغة ، وبما يفهمه من بيان ، فعالم العشق قابل لكل لون : الضعيف والقوى والمجادل والمسالم ، والظلماني والنوراني إنه عالم اللون الواحد وخاصة إذا عرف الطريق إليه .
 
( 860 - 868 ) : إنك تستطيع أيها الولي أن تخاطب كل إنسان على قدر عقله ، وأن تجد مدخلا إليه مما يهمه ، وأن تدق على الوتر الحساس عنده لكن هناك ممن يكون الله قد ختم على قلبه وعلى سمعه وعلى بصره ، فهو لا يستطيع أن يتقبل الرسالة اللهم إذا أسلم نفسه تماما للوحي وللولي كالميت بين يدي الغسال » ، حينئذ يستطيع أن يرد عليه سمعه وبصره وقلبه . . ثم يعود إلى قصة بلقيس لقد وجدت الرسالة صدى في قلب بلقيس ، فبطل كل ما كان أمامها ، تجلت لها حياتها السابقة بما لا يبعث إلا الندم والخزي ، وتدنت قيمة كل ما في
 
« 431 »
 
حياتها عند قبولها الرسالة ، لا بل أدركت قيمتها الحقيقة ، متاع الدنيا ، ومتاع الدنيا قليل وهكذا يكون العشق الإلهى ، يجعل كل ما تراه في الدنيا غير ذي قيمة وغير ذي موضوع ، وهذه هي قيمته الحقيقية ، وإنما يجليها العشق . .
وهذا هو ارتباط العشق بالحرف الأول من الشهادة « لا » نفى لكل شئ وسلب لكل شئ ، هي غيرة على الحقيقة الإلهية من كل شئ هذه هي الشهادة أيها السيد السند الجدير بهذه الأقوال ، هي التي تبدى لك محبوبك في سواد القدر حتى لو كان قمرا .
 
( 869 - 879 ) : يتجلى اتجاه مولانا جلال الدين الإنسانى في هذه الأبيات حقيقة أن كل إنسان يستطيع إذا قدر له وإذا تيسر له مرشد حاذق ، أن ينظر هذه النظرة إلى كل ما يحبه من أمور الدنيا ، لكن تبقى بعض الأشياء يكون من الصعب على المرء أن يتحمل فراقها أو التخلي عنها ، قد تكون شيئا صغيرا وقد تكون شيئا كبيرا . . وكل أشياء الدنيا صغيرة إلى جوار العشق الإلهى ، ومع ذلك فإن هذا الشئ الصغير يعز على المرء لارتباطه بأشياء معينة أو ربما لطول الألفة ، وهكذا فقد كان العرش عند بلقيس ، ليس العرش كرمز للسلطة ولكن العرش كعمل فنى ، كشىء ، وليس هذا ببعيد ، فإن المرء قد يألف قلما ما ويرتبط به ، لا لشئ إلا أنه مؤنس له ، إنه ليس من جنس الكاتب ، لكن المجانسة قد تحدث بين أشياء غير متجانسة ومتباينة ، إنه الميل ، ألفة القلب ، تعود العين ، طول العشرة .
 
( 880 - 896 ) : وها هو سليمان عليه السلام ، فهم كنه هذه العلاقة بين بلقيس والعرش ، وقدرها بسليقته النبوية ، وأدرك أنه بالرغم من أن الحقيقة الإلهية ، والعشق الإلهى ، سوف تقضى على كل شئ عندها حتى العرش بعد
 
« 432 »
 
فترة وجيزة من الزمان ، فإن إطلالة واحدة من الروح تقضى على كل تعلقات البدن تماما كما يجعل الدر المستخرج من قعر البحر الزبد والقذى حقيرين ، ولا قيمة لهما ، إن محبة الدنيا أشبه بذنب العقرب ، فذنب العقرب يختفى في الشمس ، تماما كما تختفى محبة الدنيا عندما تطل شمس الحقيقة . كل هذا حقيقي وكان سليمان عليه السلام يعرف حق المعرفة ، لكنه كان يعرف أيضا الضعف الإنسانى ، وأن ثمة وارد دنيوي واحد ، قد يؤخر الوصول إلى الحقيقة ، وقد يشوش فكر المريد ، ويعطل جمع خاطره ، وكان يريد أن يقدم للمريد العنيد درسا ، إنه يستطع أن يلبى له احتياجاته الدنيوية أيضا في حدود المشروع مهما بدت مستحيلة ،
فهو يريد أن يكون العرش إلى جوارها لتتذكر بها أيام ضلالها القديم ، وترى قدر نعمة الله عليها ، تماما كما كان إياز مملوك السلطان محمود الغزنوي المفصل يحتفظ بملابسه أيام الفقر في كوة مختفية بجناحه في قصر السلطان ،
وكان يخرجها كل يوم ليتذكر أيام فقره وبؤسه ، حتى يعلم أين كان وإلى أين وصل ( وردت القصة بالتفصيل في الكتاب الخامس أبيات 1857 وما بعدها ) .
فلتعلم بلقيس أيضا في أي ابتلاء كانت ، وإلى أين وصلت بعد أن تداركتها رحمة الله . . وهكذا أنت أيضا أيها الإنسان . .
 لم فخرك وقد كنت نطفة من منى يمنى ثم علقه ، ثم مضغة « ما لابن آدم وللفخر أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة »
أو كما قال تعالى في سورة المؤمنين » «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» ( المؤمنون : 14 ) .
 
وهكذا أنت أيها الإنسان : ألم تكن عاشقا لحالة كونك مضغة وعلقة ألم تكن تظن أنه لا حياة خارج هذا المضيق المسمى بالرحم ، ولا طعام سوى هذا الدم .
( انظر تفصيلات هذه الفكرة في الكتاب الثالث شروح أبيات 50 - 62 ) فلماذا لا
 
« 433 »
 
تؤمن أيضا بأن وراء نعيم الدنيا نعيما آخر ، وفوق أعظم لذاتها لذة أخرى لا تقل . . ولا تفنى ! ! لقد كنت تنكر الوصول إلى المرتبة الإنسانية ،
فلماذا بعد أن وصلت إليها تنكر ما بعدها وتجحده ؟ !
لماذا تظنها نهاية المطاف ؟ !
لماذا تنكر هذا على قدرة من صور من تراب بشرا سويا . .
نعم كنت تنكر أنذاك إذا لم يكن لك قلب أو روح ؟ ؟ ومجرد تحويلك من مرحلة الجمادية إلى مرحلة الحيوانية حشر في ذاته فلماذا الحشر بعد مرحلة الإنسانية ، ( للمراحل وتفصيلاتها انظر الكتاب الثالث شروح أبيات 3901 - 3906 ) .
 
( 898 - 902 ) : ما أشبهك وأنت تنكر الحشر بذلك الذي يدق عليه أحد بابه ، فيجيبه بصوته إنه ليس موجودا ، كيف وجوابه في حد ذاته هو الدليل على وجوده ، وهكذا فوجودك نفسه دليل على صدق ما تنكر ، وعلى أن الله يجعل الحي جمادا ومن الجماد حياة ، وهكذا في حشر متوال . .
لقد خلق أباك من تراب وأخرجك بواسطته ثم تنكر الحشر « وما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ» «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ» وكم من الصنائع الإلهية قد جرت على الإنسان أيها المنكر . .
وإن كنت لا تزال تنكر فأقرأ «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ، إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ، إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» ( الإنسان : 1 / 2 )
وهكذا الإنسان المخلوق من الماء والطين ينكر كالمغفل ، يخبر عن عدم وجود ذاته وهو داخل الدار ، فكيف تنكر وأنت نفسك الدليل على ما تنكره ، وإنكاره هنا هو عين إقراره ، إنني أشرح هذه الفكرة بمائة طريق ، وأدق عليها كثيرا ، فهي بداية الأمر ، ورأس الجهاد . .
لكنه أين الخاطر المتقيظ الذكي الذي يتقبل هذه المعاني ولا ينزلق منها ، ولا تنزلق هي أيضا على وجوده ولا تستقر أو تثبت .
 
« 434 »
 
( 903 - 907 ) : يناقش هنا الفرق بين السحر والنفخة الإلهية أو القدرة الإلهية فذلك العفريت الذي قال لسيدنا سليمان «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَهذا » ( النمل : 39 ) يعتمد على السحر ، أما آصف بن برخيا وهو الذي تتفق التفاسير على أنه المقصود بالذي عنده علم من الكتاب «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» إن النفس المبارك المقتبس من الولي أو المرشد أقوى في فعله من السحر ، وما حدث هذا إلى لكي يعلم الجن أن النفس الرحماني الذي يستطيع سليمان عليه السلام أن يمنحه للبشر القابلين أقوى من قوة الجن وقوة السحر ( محى الدين بن عربى فصوص الحكم ص 46 ) .
 
( 908 - 914 ) : ها هو سليمان عليه السلام يخاطب عرش بلقيس بأنه مجرد شجرة منقوشة ، وكم خدعت هذه النقوش كثيرا من البشر فسجدوا إليها والساجد والمسجود كلاهما لا علم لهما بالروح ، كلاهما في مرحلة الجمادية ، لأن من يدعى أنه ذو روح ومع ذلك لا يستطيع أن يصل إلى الحقيقة بتلك الروح ، فكأن لا فرق بينه وبين الجماد ، والعضو الذي لا يعمل كأنه غير موجود ،
يضعف ويضعف ويضعف حتى يتلاشى ، ومن هنا تسمع عن من ماتت أرواحهم وأصبحت الدنيا كل همهم ومبلغ علمهم سخرية ممن يتحدثون عن الروح ، وهكذا فإن الكفرة عندما رأوا أثرا قليلا وحركة قليلة من الحجر خروا لها ساجدين ،
 وألم تكن ناقة صالح من الحجارة وعجل السامري من الذهب لمجرد أثر من الروح سجدوا لها فما بالك بالروح ( سبزوارى 4 / 282 )
 
( سيرد هذا في القصة التالية ) ، وهكذا فإنهم أبدوا خدمتهم بالعكس ، فبدلا من أن تسجد الأصنام لهم . وربما كان وهما ، فإن الإنسان عندما يوجه عشقه واهتمامه إلى أي شئ حتى وإن كان حجرا ، ويقف في مواجهته مناجيا ، ويخيل إليه ويتوهم أن
 
« 435 »
 
هذا الحجر إنما يجيبه ويتوجه إليه بالحديث ، والصوفية أنفسهم يرون أن كل موجودات الكون تتحدث إليهم بكل لسان ( جعفري 10 / 55 - 56 ) كما سجدت الأصنام عندما سمعت أسم النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدوا هم لها ، لقد ظن الأشقياء أسد الحجارة أسدا حقيقية ، والأسد الحقيقي لأنه أسد حقيقي لا يزال يلقى بالعظام أمام هؤلاء الكلاب ، أجل فإن هذه العظام لا تساوى عنده شيئا حتى يجعلها لمن يحبونه فقط ولمن يعترفون به فحسب ، ولو كانت الدنيا تساوى عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ، فإياك أن تظن أن الدنيا تعطى لمن رضي الله عنه فحسب ، إنما يؤخرهم ويملى لهم ويمد لهم في طغيانهم ، حتى إذا أخذهم كان أخذه عزيزا ، إن العطاء عنده لطف عام لا يفرق بين أحد خاصة تلك الدنيا التي يظنها أهلها ذات شأن وهي مجرد ( عظام ) عنده سبحانه وتعالى .
 
( 915 - 964 ) : الإنسان يسجد للصنم لكن الصنم يسجد لخير البشر - محمد صلى الله عليه وسلم - بل يسجد لمجرد أن يسمع اسمه ، وهذا هو مولانا يفتتح الحكاية بقوله : إنه يقص حكاية عن حليمة ليذهب عن المستمع حزنا قد ألم به ، أي حزن ؟ !
إن المريد الذي يتميز بشفافية الباطن إنما يحس بالحزن عندما يرد ذكر الدنيا والتكالب عليها تكالب الكلاب حول الجيفة ، ومع ذلك فإنه عندما ينأى بنفسه عنها ، ينظر إليه هؤلاء باحتقار . .
أو أن يكون الحزن قد ألم بالمريد شوقا إلى هذا العالم الذي يتوق إليه . . وما أحراه أن يتعزى عندما يستمع إلى رواية من روايات معجزات خاتم الأنبياء والمرسلين ، والرواية واردة بتفصيل لا بأس به في دلائل النبوة للبيهقي
( ج - 1 ص 142 - 144 وطبقات ابن سعد ج 1 ص 70 وفي تفسير أبى الفتوح الرازي ج 5 / ص 546 - ص 547 انظر مآخذ
 
« 436 »
 
135 / 137 ) وفي الروايات أن حليمة السعدية رضي الله عنها تركت محمدا عليه السلام لبعض أمورها فعادت ولم تجده ، لكن مولانا بمذاقه الصوفي ، ولكن يذهب الحزن عن المريدين بمدحه للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، يروى أن حليمة سمعت وهي في الحطيم من يتغنى بمدح المصطفى عليه السلام ، لقد سطعت عليك أيها الحطيم اليوم شمس شديدة العظمة . . لقد صرت اليوم منزلا للأرواح . .
تأتيك أرواح الأنبياء والأولياء في موسم الحج ومواسم العمرة ، مليئة بالشوق ومفعمة بالعشق زمن العشق الإلهى على الأرض ، لقد أخذت حليمة رضي الله عنها تبحث عن مصدر الصوت فلما عادت لم تجد ربيبها في مكانه
ولأن هذه الأبيات تتفق أكثر مع رواية البيهقي دون تغيير يذكر نذكرها هنا « فقال الناس : رديه يا حليمة على جده عبد المطلب وأخرجيه من أمانتك قالت فعزمت على ذلك فسمعت مناديا ينادى هنيئا لك يا بطحاء مكة اليوم يرد عليك النور والدين والبهاء والكمال ، فقد أمنت أن تخذلين أو تحزنين أبدا الآبدين ودهر الداهرين فقالت : فركبت أنا ناقتي وحملت النبي بين يدي ، أسير حتى أتيت الباب الأعظم من أبواب مكة وعليه جماعة ، فوضعته لأقضى حاجة وأصلح شأني فسمعت هدة شديدة فألتفت فلم أره ، فقلت : معاشر الناس أين الصبى ؟
قالوا أي الصبيان ؟ قلت : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي نضر الله به وجهي ، وأغنى عيلتي ، وأشبع جوعتى ، ربيته حتى إذا أدركت به سروري وأملى وأتيت به أرده وأخرج من أمانتي ، فاختلس من يدي من غير أن تمس قدميه الأرض ، واللات والعزى لئن لم أره لأرمين بنفسي من شاهق الجبل ،
ولأتقطعن إربا إربا ، فقال الناس : إنا لنراك غائبة من الركبان ، ما معك محمد قالت الساعة كان بين أيديكم قالوا : ما رأينا شيئا ، فلما آيسونى وضعت يدي على رأسي فقلت :
 
« 437 »
 
وا محمداه ، واوالداه ! !
أبكيت الجواري الأبكار لبكائى وضح الناس معي بالبكاء حرقة لي ، فإذا أنا بشيخ كالفانى يرى متوكئا على عكاز له ، قالت : فقال : مالي أراك أيتها السعدية تبكين وتضجين قالت فقلت فقدت ابني محمدا . قال لا تبكى ، أنا أدلك على من يعلم علمه وإن شاء أن يرده عليك فعل ؟ !
قالت : قلت دلني عليه ، قال الصنم الأعظم : قالت : ثكلتك أمك كأنك لم تر ما نزل باللات والعزى في الليلة التي ولد فيها محمد ؟
قال : إنك لتهذين ولا تدرين ماذا تقولين أنا أدخل عليه وأسأله أن يرده عليك قالت حليمة : فدخل وأنا أنظر ، فطاف بهبل سبعا وقبل رأسه ونادى يا سيداه ، لم تزل منعما على قريش ، وهذه السعدية تزعم أن محمدا قد ضل قال فانكب هبل على وجهه ، فتساقطت الأصنام بعضها على بعض ، ونطقت - أو نطق منها - وقالت إليك عنا أيها الشيخ ، إنما هلاكنا على يدي محمد قالت : فأقبل الشيخ لأسنانه اصطكاك ولركبتيه ارتعاد ، وقد ألقى عكازه من يده وهو يبكى ويقول : يا حليمة لا تبكى فإن لابنك ربا لا يضيعه ، فاطلبيه على مهل .
قالت فخفت أن يبلغ الخبر عبد المطلب قبلي ، فقصدت قصده فلما نظر إلى قال : أسعد نزل بك أن نحوس ؟
قالت : قلت نعم ، بل نحس الأكبر ، ففهمها منى وقال : لعل ابنك قد ضل منك قالت : قلت نعم ، بعض قريش اغتاله فقتله ، فسل عبد المطلب سيفه وغضب ، وكان إذا غضب لم يثبت له أحد من شدة غضبه ، فنادى بأعلى صوته : يا يسيل وكانت دعوتهم في الجاهلية ، فأجابته قريش بأجمعها ،
فقالت : ما خطبك يا أبا الحارث ؟
فقال فقد ابني محمد ، فقالت قريش : اركب نركب معك فإن سبقت خيلا سبقنا معك ، وإن خضت بحرا خضنا معك قال : فركب ، وركبت معه قريش ، فأخذ على أعلى مكة وانحدر على أسفلها ، فلما أن لم ير شيئا ترك الناس واتشح بثوب وارتدى بآخر وأقبل إلى البيت الحرام فطاف أسبوعا ثم أنشأ يقول :
 
« 438 »
 
يا رب إن محمدا لم يوجد * فجميع قومي كلهم مترددفسمعنا مناديا ينادى في جو الهواء : معاشر القوم ، لا تصيحوا فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه فقال عبد المطلب : يا أيها الهاتف من لنا به : قالوا :
بوادي تهامة عند شجرة اليمنى ، فأقبل عبد المطلب فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل ، فصاروا جميعا فبيناهم كذلك إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم - قائم تحت شجرة يجذب أغصانها يعبث بالورق فقال عبد المطلب :
من أنت يا غلام ؟ قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قال عبد المطلب فدتك نفسي ، وأنا جدك عبد المطلب ثم احتمله وعانقه ولثمه وضمه إلى صدره وجعل يبكى ، ثم حمله على قربوس سرجه ، ورده إلى مكة فاطمأنت قريش ، فلما أطمأن الناس ذبح الشاة والبقر ، وجعل طعاما وأطعم أهل مكة .
 
( 970 ) فلما كان يوما من ذلك خرجوا يرعون بُهْما لنا حول بيوتنا ، فلما انتصف النهار إذا أنا بابنى « ضمرة » يعدو فزعا وجبينه يرشح قد علاه البهر باكيا ينادى : يا أبت ، يا أبه ، ويا أمه ، الحقا أخي محمدا فما تلحقاه إلا ميتا ، قلت : وما قصته ؟
قال : بينما نحن قيام نترامى ونلعب إذ أتاه أتاه رجل فاختطفه من أوسطنا ، وعلا به ذروة الجبل - ننظر إليه حتى شق صدره إلى عانته ، ولا أدرى ما فعل به ، ولا أظنكما تلحقا به إلا ميتا قالت فأقبلت أنا وأبوه - تعنى زوجها - نسعى سعيا فإذا نحن به قاعدا على ذروة الجبل شاخصا ببصره إلى السماء يبتسم ويضحك فأكببت عليه ، وقبلت بين عينيه وقلت فدتك نفسي ، ما الذي دهاك ؟
خيرا يا أماه ، بينما أنا الساعة قائم على إخوتي إذا أتاني رهط ثلاثة بيد أحدهم إبريق فضة وفي يد الثاني طستين من زمردة خضراء ملؤها ثلج ، فأخذوني فانطلقوا بي إلى ذروة الجبل ، فأضجعونى على الجبل إضجاعا لطيفا ثم شق صدري إلى عانتى ، وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك حسا ولا ألما ، ثم أدخل يده في جوفي فأخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ، ثم أعادها


« 439 »
 
وقام الثاني فقال للأول تنح ، فقد أنجزت ما أمرك الله به ، فدنا منى فأدخل يده في جوفي ، فانتزع قلبي وشقه فأخرج منه نكتة سوداء مملوءة بالدم ، فرمى بها فقال هذا حظ الشيطان منك يا حبيب الله ، ثم حشاه بشئ كان معه ورده مكانه ، ثم ختمه بخاتم من نور فأنا الساعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلى ، وقام الثالث فقال : تنحيا فقد أنجزتما ما أمر الله فيه ثم دنا الثالث منى فأمر يده ما بين فوق صدري إلى منتهى عانتى فقال الملك زنوه بعشرة من أمته ، فوزنونى فرجحتهم ثم قال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجح بهم ، ثم أخذ بيدي فأنهضنى إنهاضا لطيفا فأكبوا على وقبلوا رأسي مما بين عيني ، وقالوا : يا حبيب الله إنك لن تراع ولو تدرى ما يراه بك من الخير لقرت عيناك ، وتركوني قاعدا في مكاني هذا ، ثم جعلوا يطيرون حتى دخلوا حيال السماء وأنا أنظر إليهما ، ولو شئت لأريتك موضع دخولهما . ( البيهقي 1 / 140 - 141 ) .
 
( 996 - 1016 ) هناك إضافات لمولانا على الرواية المذكورة في المصادر الأصلية العربية فها هو النداء يأتي من داخل الكعبة بمديح للمصطفى صلى الله عليه وسلم يحتوى على أغلب ما تراه الصوفية فيه عليه السلام ،
إن النداء الإلهى يصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه محفوظ من قبل الله تعالى بإقباله وبأفواج من الملائكة ، وهو صلى الله عليه وسلم - ذو ظاهر مشهود أمام العالم هو ظاهره البشرى فهو عليه السلام بشر يأكل الطعام ويمشى في الأسواق ويجلس على الأرض ولا يميز بشكل أو إشارة عن أحد من أصحابه ، لكن ما يحتويه باطنه من عجائب لا يستطيع أحد أن يدركها فلا يستطيع أحد أن يوفيه حقه من المدح ،
إنه ذهبنا إلابريز وهذا الجسد الإنسانى بالنسبة لنا كالذهب ، نجعله حينا تاجا على الرأس من علوه وعظم مقامه ، وحينا أخر نجعله خلخالا في القدم ، حينا نعز به فنجعله حمائل سيف ، وحينا نذل من دونه
 
« 440 »
 
فنجعله طوق أسد ، حينا نجعله زينة للدنيا ، وأحيانا نجعل منه وسيلة للتقرب إلى الله تعالى ، هذا بالنسبة للإنسان العادي فما بالك الإنسان الذي هو محبوب لدينا والذي نحس بالحب نحوه ، نعم فإنه متصف بالرضا والتواضع ، ومن هنا فنحن نجعل منه ملكا ، ونجعل منه عاشقا لنا مدلها في حبنا طائراً في ملكنا ،
وهو التراب ( الإنسان ) هو المخصوص بالعشق هو المخصوص بالجدل ، وهو المخصوص بالخلافة ، وهو الذي تواضع فرفع ، وهو وإن كان من التراب ظاهراً ، إلا أن باطنه ملئ بالنور ،
ولا يزال طينه ونوره في حرب وفي قتال يظن جسده أنه هو ، فيقول باطنه ، حسبك وأنظر أمامك وخلفك إلى الأجساد التي ذهبت وإلى الأجساد التي تأتى ، كلاهما ينكر الآخر الظاهر ينكر الباطن والباطن ينكر الظاهر ، لكن بالرغم من هذا الظاهر العبوس ، هناك الباطن الملئ بالسرور والضحكات ،
ونحن كاشفو الأسرار نستطيع أن نخرج ما يخبؤه هذا التراب ( الإنسان ) من معجزات : معجزات في الفنون والآداب والفكر ، معجزات في التفوق على متطلبات الجسد والسمو عنها . أتدري بماذا ؟ ؟
بأن يتعرض لقدر من الابتلاء وقدر من الألم ، ومن ثم فإن الألم هو الذي يستطيع أن ينسى الإنسان هذا الجسد ، ويجعله يتنحى ليفسح للباطن ، والفكر بأن يخرج ما عنده ، وكان مولانا جلال الدين يرى أن الطريق إلى المعجزات الإنسانية إنما يتبع في البداية من معاناة الألم والمشقة ،
إن هذه الأنواع من التراب قد أبدت من جراء حبنا وتكريمنا وتسخيرنا كل شئ لها كثيرا من أنواع الفضل والعلم ، وما هذه الفضائل والعلوم إلا من قبل الإقرار بالفضل الإلهى والعطايا الربانية ، فالإبتلاء من الله تعالى لاستخراج جواهر الأخلاق الإنسانية من معادنها كما قال مولانا نجم الدين كبرى ،
وكما ورد في قوله تعالى : «إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» ( سورة الكهف : 7 ) .
 
« 441 »
 
( 1017 - 1029 ) إذا كانت هذه هي أنواع الفضل التي خصصنا بها البشر ، فما بالك بما خصصنا به صفوة البشر وسيد الخلق أجمعين ، لقد زاد على كل أولاد آدم ، زدته من محبتي وزدته من فضلى ، لقد ظهر من السماء والأرض ( الأب والأم )
مواليد كثيرة ، لكنهما لم يسعدا بأحد منها قدر سعادتهما بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إن السماء لتتفتح والأرض تمتلئ بالأزهار والرياحين . . ثم يعود مولانا جلال الدين فيتحدث عن الإنسان عموما ، ذلك المخلوق العجيب الذي يحتوى على كل المتناقضات ، فظاهره مع باطنه في نزاع ، وما هذا النزاع إلا من أجل أن يصل إلى الحق ، وأن يحقق مصداقية النفخة الإلهية ،
إنه يقاتل ما ركب في طبيعته من شهوات ونزوات
ومطالب جسدية وهي ما رمز إليها مولانا جلال الدين بالألوان ، إنه ظلمة ونور ، ومن كان نوره وظلمته معا في قتال فإن شمس روحه لا تغرب أبداً لأن الله سبحانه وتعالى يمدها بالنور الذي به يستطيع أن تهزم الظلمة ،
إن كل من يعاني المحن في سبيل هذا الجهاد ، يجعل الله من السماء تحت قدميه حتى يصل إلى سدرة المنتهى
وهكذا أنت يا أبن آدم مهما كنت فقيرا مسكينا متضرعا من ناحية الجسد ، فإن عالم الروح وأصلك ملك واسع ورياض متفتحة مفعمة بالسرور الروحاني لقربك من الحق ،
وما هذا الوجه العبوس إلا هبة من الله تعالى حتى لا يقترب منك كل من يريد أن يشغلك عن هذا النور داخلك ، المشايخ كالقنافذ داخل أشواكهم حتى لا يتجرأ كل عامي عليهم ويشوش أوقاتهم ،
إنهم كالحدائق التي تخفى خلف الأسوار الشركية التي تبعد اللصوص وأولئك الذين يتميزون بالجمال الظاهري والقبح الباطني الذين يقللون من كل سرور إلهي ومن كل رضا .
 
( 1035 - 1040 ) : روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : إن قريشا كانت نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام يسبح ذلك النور
 
« 442 »
 
وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور في صلبه فقال :
عليه السلام : فأهبطنى الله الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح وقذف بي في صلب إبراهيم عليه السلام ولم يزل الله ينقلنى من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجني من أبوى لم يلتقيا على سفاح قط . . .
وهذه الأنساب في حد ذاتها مجرد دريئة ، فإن الغرض من إيجاد كل من سبقوه في عالم الحس هو ظهوره عليه السلام فهو زبدة الكائنات وخلافة الموجودات وعزة آبائه إنما كانت بسببه ، وما كان فراره تحت الشجرة إلا ليستقبله أشراف قريش ويشهد عنه ذلك ما رواه على عن وائلة أنه عليه السلام قال : إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفانى من بني هاشم ( مولوى 4 / 141 ) .
وأي حاجة بها صلى الله عليه وسلم إلى النسب ، وهو أطهر وأصدق وأشرف من كل نسب وروحه هي أول روح خلقت فهو أبو الأرواح لم تولد روحه من أحد كي ينتسب إليه ، ونور الحق لا يمكن أن ينتسب إلى نسب ، ولا يبحث إنسان له عن أصل ، وخلقة الله سبحانه وتعالى إلى نسب في حاجة إلى مادة نسيج وإلى خيوط ، وإن كل من طلعت عليه من هذه الخليقة فإنها تجعله فوق شمس السماء ، فما بالك بروح رسول الله وخير خلقه ؟ ؟
 
( 1041 - 1044 ) الخطاب موجه إلى بلقيس أو النفس الأمارة بالسوء التي تجعل الإنسان الأمير ابن الخليفة يقنع بالأسمال ، عودي يا بلقيس النفس إلى الملك الباقي ، فإنك إن وصلت إلى ساحل البحر الإلهى ولم تقومى بالخوض فيه فلن يكون لك نصيب من الدر الذي تلقيه أمواج بحر الحقيقة على الساحل أليس هؤلاء المريدون الذين لم يخوضوا بعد في بحر الحقيقة يتلقون الدر من الشيخ ؟
 
هيَّا فإن إخوانك اللائي امن قبلك يسكن الجنان . .
فكيف تمارسين أنت السلطة على جيفة طلابها كلاب هيا فإخوانك من النفوس التي آمنت سواء كانوا
 
« 443 »
 
ذكرانا أو إناثا لا تعلمين ما يخفى لهم من قرة أعين . . . فكيف أخذت تقرعين الطبول مفاخرة بسلطنة تنتهى وملك يبلى على هذه المزبلة ومستوقد الحمام المسمى بالدنيا ؟ !
 
( 1045 - 1064 ) مر شرح الآية الكريمة في الكتاب الثالث في شرح حكاية الدقوقى ، والحكاية نفسها وردت في الكتاب الثاني
( أنظر الأبيات 2362 - 2369 من الكتاب الثاني ) والكلب الذي يهاجم العميان في الحي وفي الطريق رمز لأولئك الذين يستخدمون قواهم الكلبية وتكالبهم على الدنيا لإيذاء الناس واستضعاف الخلق بينما هناك من هم من جنسهم ويتشابهون معهم في الخلقة لكنهم عرفوا لأنفسهم قدرها وأهموها بما هو جدير بها فكأنهم يصيدون حمر الوحش في الجبال ولا يتجرأون على العميان في الطرقات –
 
ثم يخاطب مولانا هذا النوع من المخلوقات : دعك من هذا الاحتيال أيها الشيخ ، ، إن من تحسبهم مريديك قد اجتمعوا حولك هم في الحقيقة جماعة من عميان القلب ظنوا ماءك المالح الذي يزيدهم عطشا ماء إنك أشبه بمن يقول : هؤلاء هم المريدون لي يجلسون حولى يشربون منى ويتحولون جميعا إلى عميان . .
 
وكم من الشيوخ من أمثال هذا الشيخ يوجدون في الدنيا ووجدوا فيها وسيظل هذا النموذج من البشر موجودا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ترى أحدهم في كسوة أهل العلم ، يحمل أعلى الألقاب العلمية ، شاخ في عمره لا في عقله ، تجمع حوله جمع من المخدوعين فيقودهم إلى سراب .
هؤلاء الذين ليس لهم من المشيخة أو الأستاذية إلا هيأتها الظاهرة ، هؤلاء يفرخون جهلا لا علما ، ويقودون إلى الضلال والنار حتى من كان منهم ذرب اللسان يلوك بعض المقولات ذات الألفاظ الطنانة والرنانة ، هؤلاء هم شيوخ السوء الذين لم يأخذوا العلم من لدن الحكيم الخبير ، وأخذوا علمهم من ميت عن ميت ، ،
إن أشباه هؤلاء الشيوخ كلاب الحارة يصيدون العميان ، بينما أسد الله في الجبال يصيد
 
« 444 »
 
الوحوش إنهم يثملون بصيدهم ، إنهم أسد تصيدا أسدا . . لقد تركوا الصيد وفنوا في عشق الحبيب ، إن هذا العشق هو الشبكة التي يصيدون فرائسهم القوية بها ، إنهم أشبه بالطيور الميتة التي يضعها الصياد في موقع الفخ فتنزل عليها الطيور من الجو ، وهذا الطير الفاني مضطر لا اختيار له ، إنه بين يدي الشيخ كالميت بيد يدي الغسال ترك قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء بين صفتي جماله وجلاله وقهره ولطفه ( مولوى 4 / 144 )
فإياك أن تعتبره طائرا ميتا وتشيح بالوجه عنه فإن هذا الطائر الميت هو قائدك إلى الحي الذي لا يموت ، إنه ليس ميتا وليس ميتة ، فمن مات بالعشق لم يمت أبدا . . .
إنه متحرك بالله حي به منتعش بأنفاسه هذه هي الحركة الخالدة الباقية الصحيحة . .
هذا الضعف البادى قوة هائلة جبارة تستطيع أن تقضى على العنقاء إن أبدت أي إعوجاج في الطريق . . إنه يخاطبك قائلا : لست بالميت إنني في كف المليك تحركنى أصبعاه ، وإنما يدرك هذا من كان حيا بالفعل ومن كان عبدا لله لا عبدا لسواه من طواغيت الأرض .
 
( 1065 - 1069 ) ما دام الحديث عن العشق فلا بد لجلال الدين أن ينطلق ( عن العشق أيضا انظر الكتاب الثالث شروح الأبيات 3830
وما بعدها وخاصة الواردة في قصة وكيل صدر جهان ) إن كرم الله سبحانه وتعالى على عيسى معجزة إحياء الميت ، لكني في كف خالق عيسى هذا الكف هو الذي يحركنى فقد فنيت عشقا فيه وسلبت منى كل إرادة ، فإذا كانت كف عيسى قد أحيت الميت ، فكيف أكون أنا ميتا في كف من وهب عيسى هذا المعجزة ، إنني أنا أيضا عيسى لكن ذلك الذي أحييه لا يموت بعدها أبدا ، لقد أحيا عيسى أحدهم ، لكن هذا الذي أحياه عيسى عليه السلام مات ثانية وما أسعده ذلك الذي أحياه نفس العشق وسلم روحه وقلبه للمولى وحيا به ولقى مرتبة البقاء بعد الفناء ( أنظر مقدمة الكتاب الثالث ) إن الفاني في الله في أي مرتبة يكون الة في يد الحق ،
 
« 445 »
 
كالعصا في يد موسى وإن كان موسى لا يظهر لكنني أنا الظاهر ، نعم أنا بالنسبة للمؤمنين جسر على البحر لكني بالنسبة لفرعون عقاب . . إياك أن تعتبر أن عصا موسى عصا وحيدة انتهى أمرها ، فما دام الذي كان يحرك العصا موجودا وحيا وباقيا فإن عصيه كثيرة ، وإن لم تكن في صورة عصى ألم تكن له معجزات أخرى فعلت فعل العصى في حين أنها لم تكن عصى إن طوفان نوح من قبيل العصا . . إن عصى الله لا حصر لها ولا عدد لها ، ولو أنشئت في أي صور يجلى الله سبحانه وتعالى معجزاته ، لعلم أولئك المتظاهرون بالتقوى والصلاح والمحتالون على الخلق من أين يأتيهم العذاب وفي أية صورة سوف يفضحهم الله سبحانه وتعالى ولكن دعك منهم إنهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام من هذه الأعشاب المسمومة وذلك الرزق المخلوط بخوف الموت وخوف الفناء والنار مثوى لهم .
 
( 1070 - 1079 ) إن أمثال هؤلاء الناس لازمون للدنيا تماما ، هذا هو دفع الناس بعضهم ببعض الذي لولاه لفسدت الأرض هؤلاء لازمون لحركة الدنيا ولرواج هذا السوق ، كما أنهم أيضا لازمون للآخرة ، فكيف يبدو الصالح إن لم يكن الطالح ، إن لم يوجد الطغاة فلماذا خلق جهنم ومن أين تجد قوتها ؟
دع هذا الفرعون يزداد سمنة ودع من حوله ينفخون فيه كما تنفخ الدابة المذبوحة حتى تسلخ ، فإن كلاب جهنم في انتظار لحمه ، لقد خلق الله الجنة والنار ، . .
فمن أين تجد النار قوتها إن لم يوجد غضب ، إن لم يوجد الغضب لأطفأتها تلك الرحمة التي تسبق الغضب دائما ، إذن لكان هناك لطف فحسب دون قهر فمن أين إذن تتم للمليك صفاته ومن أخص سماتها أن تكون متقابلة . .
قد خلق الكون كما خلق الإنسان تماما في أحسن تقويم ، وما هذا التقويم الحسن إلا تعايش هذا المتضادات داخل الإنسان وداخل الكون وتصارعها في نوع من التناسق الرباني الذي لولاه لما كان لهذه الحياة طعم أو غاية .
.
يتبع

.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 781 - 1262 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:41 pm

الهوامش والشروح 781 - 1262 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 781 - 1262 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 781 - 1262 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك ،
وألا تتأخر ( في اللحاق به )
« 446 »
 
( 1080 - 1088 ) فإذا أنكر عليك أحدهم ما أنت فيه ، وإذا سخر أحدهم من الطريق الذي اخترته . .
فدعه يسخر فلطالما سخر المنكرون من الذاكرين ، وطالما سخر الكفار من المؤمنين «وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ» صاروا مادة للضحك والسخرية في بيوت المنكرين ،
فسوف يعلم يوم أن تنتهى حياته الدنيا أنه كان في ضلال مبين .
أما أنتم أيها المحبون فلتقيموا على هذا الباب الذي فتح لكم اليوم . . فحقيقة أنكم تعيشون مع هؤلاء المنكرين في الدنيا ، لكن ما أشبهكم بتلك الزروع والنباتات الموجودة في البستان لكن لكل منها حوضا خاصا بها ،
ولا يمكن أن تزرع نباتا في حوض مخصوص بنبات آخر ، كل نبات يروى مع جنسه ، وكذا الإنسان في بستان الحقيقة يرويه خالقه ، خلقه على أصناف وأنواع منه العاشق ومنه المنكر وكلهم يسقون بماء القدرة والحكمة
«وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ» ( الرعد : 4 )
 
فإذا كنت في حوض الطيبين الأطهار كن طاهرا طيبا ، رب نفسك على الطهر والطيبة حتى تصل إلى المقصود من خلقك في أحسن تقويم إلى الهدف من خلقك وهو العودة إلى الجنة والوصول إلى الملأ الأعلى ،
لا تختلط بالأوباش والعوام والكلاب التي تجمعت حول جيفة الدنيا ، وأنا بنفسك عنهم حتى لا تأخذ منهم عدوى الحماقة والانحطاط فالصحبة مؤثرة والطبيعة سارقة ، أنت مودع في مكان وهو مودع في آخر ، فاهجرهم مليا ،
وأرض الله واسعة وما هذه الأرض الواسعة التي توصف بأنها أرض الله إلا قلب العارف :
أصل أرض الله هي قلب العارف .
وهي في اللامكان ولا عال فيها ولا سافل .
ولا حد لريعها ولا حصر فأقل حبة تغل فيها سبعمائة حبة .
 
« 447 »
 
( 1089 - 1094 ) هذه الأرض التي قال الله عنها سبحانه وتعالى أنها واسعة ذرة في محيط كونه ، إنها واسعة لك إذا كنت مخلوقا أرضيا ، فما بالك إذا جالست أولياء الله ، وخرجت عن ريقة الجسد ، وصرت مخلوقا كونيا ، تخيل إذن تلك العوالم الواسعة التي سوف تفتح أمامك إذا دخلت عالم الحقيقة ، وما هذا العالم الذي نعيش فيه ونراه واسعا إلا مجرد صورة مصغرة له فأرض الحقيقة يتوه فيها الشيطان والجنى ، تتقطع في جبالها وصحاريها الأوهام والخيالات ، وما هذه الصحارى الشاسعة التي تراها هنا إلا كقطرة في بحر بالنسبة إلى صحارى عالم الحقيقة وفيافيه ، بل إن ماءها الراكد لأكثر حركة من أنهار هذا العالم الجارية إنه يجرى من داخله هو ، حياته وجريانه تلقائيان وما هذا الماء الراكد الباطني إلا ماء الفكر . . فهل جربت أن تجلس متأملا في أفكارك ، تترك لهذه الأفكار العنان ، فكرة وراء فكرة ، وفكرة تبث فكرة إلى ما لا نهاية . .
 
ألم تلاحظ أنها أكثر حياة من موج البحر ؟ ! تصور إذن أن هذا السير الباطني يكون على يد مرشد يهديك إلى عالم الحقيقة بصحاريه وفيافيه وجباله ووديانه ، تسير بالروح خارج الجسد تخيل هذا السير والسفر الساري في عوالم الكون .
ألن يكون بالتأكيد أكثر انطلاقا وخفة وأبعد أثرا وأكثر ثمرا من السير في عالم الدنيا ؟ ! ما هذا ؟ !
كأني بك أيها المريد قد تركت لنفسك العنان وحدك وسبحت في هذه العوالم . . ومن يدرى . . لعلى لا أستطيع أن آخذ بيدك منها . . فإنك تبدو كالنائم . .
وعلى أن أقصر هذا الخطاب . . . ما دام المستمع لا يملك يقظة تمكنه من أن يتابع هذه الإفاضات التي لا جدوى منها بالنسبة للمريد وكأنها نقش على ماء .
 
( 1095 - 1109 ) عودة إلى خطاب بلقيس أو تلك النفس التي تعرض عليها الهداية . وتكون قريبة منها ، وهي تتعلل بعرض من هذا الأدنى هيا يا بلقيس والحقي بالكسب ، فإن رواج سوق الدنيا كساد ، ونفعها خسارة وضرر ، هيا
 
« 448 »
 
أيتها النفس ولك الخيار من قبل أن يأخذ الموت بخناقك ، ويكون من وراءك برزخ إلى يوم يبعثون . .
هيَّا كفاك انغماسا في السرقات التافهة كذاك الذي يسرق سنابك الحمر ، هيا تعالى واظفرى بالياقوت وإذا سرقت فاسرقى الدرة ، أي ملك هذا الذي تتشبثين به ؟ !
أملك البؤس والظلم ، أملك إلى خراب ؟ تعالى إلى الملك الحقيقي ملك أولياء الدين ذلك الذي لا يساوى ملك الدنيا إلى جواره ذرة من تراب ، إنه بظهر الباطن في رياض من السرور والسعادة بينما يكون في الظاهر بين رفاقه ومريديه يحدوهم في طريق الحق ، وبرياض سروره وسعادته تمضى معه حيث يمضى وإن كان هنا مخفيا عن أعين الحق ،
إن ثمار بستانه المعنوي تتضرع إليه أن يأكل منها وماء الحياة ذلك الذي يهب الخلود يرجوه أن يشرب منه ، ولا تزال تلك الثمار وذلك الماء ترجوه أن يداوم تطوافه بين الأفلاك كالشمس والقمر ، إنك يا بلقيس النفس - في هذا السفر تكونين سارية في الأرواح ولا قدم آكلة للثمار المعنوية ولا فم ، فلا تمساح من الهم والحزن يهاجم سفينة وجودك ،
ولا موت يغير ملامحك ويذهب عنك هذا الجمال الذي تدلين به وتكونين الملكة والجيش ، فلا خوف يكون عندك من قبل الجيش كما يظل الحكام والملوك جميعا خائفين من جيوشهم ومن غضبة جيوشهم ومن تمركز جيوشهم ومن قول لحافظ الشيرازي سعادة امتلاك الدنيا لا يساوى لحظة من شغب العسكر ( ديوان حافظ ص 17 ) . فكأن الأمن من العسكر في رأى مولانا جلال الدين هو الملك الحقيقي ، والملك الدنيوي لا يدوم والإقبال يمضى من إنسان إلى آخر والملك عقيم والعرش الدنيوي مجرد جبيرة ساق .
 
( 1110 - 1112 ) إنك إن علقت على هذا الملك الدنيوي لبقيت في النهاية كالشحاذة ، إذ ماذا يخرج به الملك من الدنيا أكثر مما يخرج بالشحاذ ، فهيا حافظي على حظ نفسك من العلم والعمل ، ولا يمكن لك يا من تحمل هم المعنى وتترك القشور أن تضل . . كيف يمكن أن تضل ومصباحك في داخل
 
« 449 »
 
نفسك أو أن تظمأ ونهرك يجرى من داخلك . . أو أن تفتقر والملك والمال ينبعان من ذاتك أنت لا من خارجها ، هذا ديدن العظمة التي تنبع من داخل الذات . . لا يمكن أن تسلب منك .
 
( 1113 - 1121 ) يتابع مولانا جلال الدين بقية قصة بناء المسجد الأقصى على يد سليمان عليه السلام التي بدأها في البيت 389 وتركها في البيت 487 دون أن يكملها وها هو يخاطب سليمان أن يتم بناء المسجد الأقصى أي سليمان ؟ !
أو أي مسجد أقصى ؟ ! سليمان الإرشاد أي المرشد الكامل المسيطر على قلوب المريدين والعالم بدخائل أنفسهم والذي يبنى كل يوم مسجدا أقصى عن القلوب العامرة بالذكر الواسعة الرحبة التي تسع رحابة الأكوان ، كي تنزل فيها بلقيس النفس ، فتترك الهوى وتصفو من أدران الدنيا لكي تكون جديرة بالنزول في هذه القلوب ، هذا هو سليمان الإرشاد عندما يشرع في بناء القلوب ، تقوم الإنس والجن بالعمل معه ، طوعا أو كرها ، تماما كمريديهم في العبادة ، وفي الحياة وفي الكسب لقوت الدنيا ، جنونهم الدنيوي يجذبهم نحو السوق ، وما هي السلسلة التي تجر هذا المجنون وتجذبه ؟
إنها شهوة الحياة ومحبتها التي لا يخلو منها إنسان ، هناك جاذب يجذبه نحو كسبه ومن هذا قال تعالى «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» فهل كان في جيد زوج أبى لهب حبل من مسد إنه الحبل الذي يجذبها نحو ما تراه نفعا لها ( انظر تفسيرا آخر للآية في الكتاب الثالث شرح البيت 1664 ) .
هذا هو الحبل الذي يجذب الأعناق ، إن لم تكن تصدق قولي اقرأ الآية الكريمة «إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ» ( يس 7 - 9 ) .
لا يوجد إنسان منغمس في الشر والرذيلة أو طرحها عن نفسه وأبل منها إلا وطائره في عنقه أي عمله الذي قدر له منذ الأزل «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ» ( الإسراء : 13 ) .
 
« 450 »
 
( 1122 - 1129 ) وهكذا حرصك على العمل القبيح انظر كيف يزين لك العمل القبيح ، تماما كما تقوم النار بتجميل الفحم الأسود وتحويله إلى جمرة في لون النار ، وانظر عندما تخمد فيك الشهوة إلى هذا العمل القبيح وتنتفى عنه النار بعود الفحم المتبقى أو رماد الفحم إلى لونه الطبيعي يبدو الفعل القبيح بعيدا عن الحرص الذي يزينه لك مجرد عمل قبيح ، هذا الحرص هو الحبل الذي يجذبك نحو الفعل القبيح ، وعندما ينقضى هذا الحرص يبدو العمل مجرد فعل قبيح ،
وهذه النبتة الحامضة التي تفسد الأسنان المسماة بالغولة ويزينها الشيطان يظنها الأبله نباتا مفيدا لذيذا في حين أنه إذا ذاقها فسوف تفسد أسنانه ، هذا هو غول الحرص الذي يدعوك نحو المتاهات ويجعلك تضيع وتضل الطريق في صحراء الحياة هذه ،
وتحسب الفخاخ حبا والغول في المأثور الفارسي مخلوق خرافي يظهر في الصحارى ويضل السائرين عن الطريق المأهولة فيهلكون وهو في المأثور الصوفي رمز على المرشد المزيف ، أو الذي يدعو دعوة السوء يغلفها في إطار باهر من الخير .
 
( 1130 - 1145 ) كن حريصا فحسب في أمرين كلاهما متصل بالآخر وهما لا يتجزان : الدين والخير ، وعندما ينتفى الحرص ، تمضى خفيفا حاذ السير تستطيع أن تقطع الطرق الطويلة وتطوى المسافات الشاسعة ، يكون سير جسدك كسير الرمح لا يقف حائل أمامه ، فإن الخير في حد ذاته ليس نابعا من نفعه أو لأن أحدا زينه لك ، وإن مضت شعلة الحرص التي تضئ الطريق وتحفز على السعي فإن جمال الخير وحسنه في موضعه لا يتغير ، والحرص هذا ليس من أخلاق الرجال ، إنه من أخلاق الأطفال ، أولئك الذين يتصورون أذيال أثوابهم خيولا يركبونها ، انظر إلى نفس هؤلاء الأطفال عندما يصلون إلى مرتبة الرجولة إنهم يضحكون من الأطفال الذين يقومون بنفس العمل . .
يتذكر أيام الطفولة عندما كان الحرص يحول الأعيان عن خواصها بيدي الخل عسلا . . إن ما

 
« 451 »
 
يبينه الأنبياء هو الذي يكون خاليا من الحرص والهوى والغرض ، ومن ثم فإن أبنيتهم تزداد بهاءً وعظمة ورفعة مع مرور الزمان . . وما أكثر المساجد التي بنيت لكنها لم تحمل اسم « المسجد الأقصى » انظر أيضا إلى الكعبة هل زادها أصنام مثل اللات والعزى رونقا ومجداً ؟ !
إنما يكون مجدها وعظمتها من إخلاص إبراهيم عليه السلام ، إن شرف المسجد الحرام وحرمته ليست نابعة من حجارته ومن هيئته ومن الحجر الأسود ، بل لأن البناء قد تم على الوفاء والإخلاص في عبادة الله عز وجل ، لم يبن كبرا أو ردا أو حربا أو خصاما ، هكذا أبنية الأنبياء وهكذا مساجدهم ودورهم وأحوالهم ولا علاقة لها بما للآخرين ، وليس غضبهم ولا أدبهم ولا نكالهم ولا حرصهم ولا فعالهم كالآخرين ، بل إن طيران أرواحهم من جناح آخر ،
إنهم مختلفون عنا تماما ، فإن لأفعالهم صفرة الذهب الرنان وقيمته ، ومن ثم فقد انقشعت الظلمات أمام أرواحهم فصارت في ظلمات الليل ترى ضوء الفجر ، . . فهذه هي أرواحهم التي تضئ أمامهم ( أنظر قصة عبد الله المغربي في نفس هذا الكتاب شرح الأبيات 598 - 612 ) إن كل ما أتحدث به عن هؤلاء القوم مهما أفضت ومهما فصلت يظل ناقصا .
 
( 1146 - 1155 ) فهيا أيها الكرام هيئوا قلوبكم وهي لكم بمثابة المسجد الأقصى للمؤمنين ، فإن سليمان الإرشاد والطريقة قد أتى إليكم فاجعلوا هذه القلوب مستعدة لإفاضاته ، وإن تمردت عليك قوى النفس وأعرضت عن الطاعة فإن قوى الروح مستعدة لحصارها وقمعها وحملها على الجادة وها أنت أيها الروح السليمانية ، لو أن الشيطان إعوج لحظة واحدة ، فإن سياط العذاب الإلهى تلهب رأسه «وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ» ( سبأ : 12 ) .
فكن أنت في عظمة سليمان حتى تقوم قواك النفسانية أيضا بالمشاركة صاغرة في بناء إيوان قلبك ، فكما كان في الخاتم قوة لسليمان ، فإن خاتمك ومكمن قوتك ومفتاح هذه القوة هو هذا المضغة التي
 
« 452 »
 
إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ، هذا القلب ، فاحرص عليه وكن دائما مراقباً له ، حتى لا يقوم شيطان بالسيطرة على خاتمك هذا فإنه إن فعل يقوم بالسيطرة عليك سيطرة تامة ، فكن على حذر من شيطان ملك سطوة سليمان وقوته ، فإن القوة إن منحت لسليمان فإنه يستطيع أن يوظفها في الخير كله ، أما القوة في يد شيطان مريد ففيها خراب العالم كله ، انظر إلى سليمان عندما خلع الخاتم ، وسرقه الشيطان وسلب ملكه لأنه أطاع هواه مرة واحدة وتزوج من امرأة كانت تعبد الصنم في قصره ، «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ» ( سورة ص 34 )
 
وهذا وإن كانت السلطة السليمانية الحقيقية قد نسخت ، فإن سلطة القلب لا تنسخ إنها بالرغم منك تظل تعمل داخلك في باطنك ، تظل تؤرقك وتخزك وتدعوك إلى العودة مهما سيطر عليك الشيطان ، وحتى إن كان الشيطان قد سرق خاتم سليمان وسرق صورته فإن ثمة فرقا هائلا وكان شديد الوضوح بين هذا السليمان المزيف وسليمان الحقيقي ( انظر هذا الكتاب البيت 1264 )
 
وهناك فرق هائل على الدوام يكون شديد الوضوح لكل ذي عينين بين أصيل في شئ ومتظاهر به ، وليس كل ناسج يستطيع أن ينسج الأطلس ، وناسج الحصير ناسج أيضا وكلاهما في الظاهر ناسج يحرك يديه ويجلس إلى نول وأمامه خيوط لكن شتان بين ما ينسجه هذا وما ينسجه ذاك ، وإن لم يكن المعنى قد وصل إليك فإليك هذه الحكاية التي تدعوك إلى البعد عن الأسماء والمظاهر والبحث عن الأفعال والقلوب والأصول .
 
( 1156 ) لم يورد فروزانفر أصل الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، ولعلها - وإن لم يكن الأمر يبدو كذلك - من مؤلفات مولانا جلال الدين - والحكاية هنا قائمة على التشابه بين اسمى الوزيرين الوزير الأول الجواد الذي يحض على الجود والوزير الثاني البخيل الذي يأمر السلطان بالبخل ويزين له التضييق على
 
« 453 »
 
الشعراء والتضييق على الرعية وذلك حتى لا تقف عند الأسماء بل تقف عند الأفعال وفي خلال الحكاية هناك بالطبع بعض إفاضات مولانا جلال الدين .
 
( 1170 - 1179 ) إن اسم الإله مشتق كما قال سيبويه من أن الخلق يولهون إليه ، أي يلجأون إليه في حوائجهم من أله الفصيل إذا التجأ إلى أمه وهكذا فسره بهاء ولد ( 1 / 233 ) والحق تعالى منزه عن الوصف وعن الاشتقاق وعن الأسماء وعن الإشارات ، فأي موضع للبحث عن اللفظ والعبارة ، والإشارة لا تستوعب في هذا المجال ( ولا يحيطون به علما ) أي حديث لك عن الشرح والبيان وأي بحث لك عن الاسم والصفة حينما تحل « الوحدة » لا اسم لها ولا صفة ( انقروى 4 / 243 )
وهكذا فإن آلاف العقلاء يطلبون حاجاتهم منه ، يطلبون أن يرفع عنهم الألم أي يولهون إليه ، ومن المستحيل أن يلجأ الإنسان وقت الحاجة إلى من لا يجيب هذه الحاجة ، ومن لا يرفع الضر ، فإن لم يكن الناس قد أجيبت حاجاتهم آلاف المرات ما لجأوا إلى الفرد الديان الصمد في حاجاتهم ، لا ليس فحسب بل والأسماك في قيعان البحار والطيور في السماء وكل الوحوش ، والتراب والعناصر كلها تستمد حاجاتها منه وقوام وجودها منه سبحانه وتعالى ،
وهو أيضا الذي يمسك السماء أن تزولا إن رفعها بلا عمد وعندها حفظه سبحانه وتعالى . .
كل ما هو موجود في الكون يستمد وجوده في الوجود الكلى وكل وجوده ظل من وجوده الحقيقي .
 
( 1181 - 1184 ) ومن هنا فإن الأنبياء قد طلبوا الاستعانة بالصبر والصلاة عند طلب الحاجات منه سبحانه وتعالى وأمروا أتباعهم أن يطلبوا حاجاتهم من الذي لا ترد عنده الحاجات ، ولا ينقص ملكه على كثرة عطائه ، فهو البحر الفياض العباب ، وكل المحسنين مجرد جداول جافة ، بل إنك إن لجأت إلى غيره فهو أيضا العاطى هو الذي يوحى إلى المحسنين من البشر بالعطاء أو
 
« 454 »
 
بالمنع ، فإذا كان قد أعطى لقارون وهو يعرض عنه كل هذا المال فماذا يمكن أن يفعل إن توجه إليه أحدهم بالطاعات ؟ ! فالصلاة أم العبادات ومعراج المؤمنين والمؤمنات وأهل الطاعات ، قال سهل بن عبد الله : « استعينوا بالصبر على ما أمر الله به واصبروا على آداب الله » قال الضحاك : « استعينوا بالصبر أي بالصوم واصبروا على الصلاة » ( انقروى 4 / 245 ) .
 
( 1188 - 1199 ) يفسر مولانا جلال الدين ميل الإنسان الطبيعي إلى الشهرة وإلى الظفر بمدح الممدوحين ، والوصول إلى علو الذكر ، فهو في البداية يشبع حاجات جسده ، وعندما يحدث - وهذا من النادر أن يشبع الإنسان من حاجيات البدن - ، وانظر إلى قول مولانا جلال الدين « نادرا » أي إن المستغنى عن الدنيا مهما أخذ منها نادر تماما ، عندما يستغنى الإنسان عن الخبز يبدأ في البحث عن حسن الذكر وعلو الصيت ، أي ينبغي أن يحدث الاستغناء الخبز أو لا ، ثم يأتي بعدها حب الشعر وسائر الفنون والبحث عن علو الذكر ومن يبسط الحديث عن كرمه ومحاسنه لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى جعل خلقنا وخلقنا على صورته أي على صفاته والخلاق الفرد يجب أن يحمد ويشكر ،
ومن ثم قال فابن آدم أيضا يجب أن يحمد ويشكر ، خاصة إذا كان الممدوح من عباد الله تعالى الصالحين قد سما بالعبودية ، فإنه يمتلئ بالمدح كما يمتلئ الزق الصحيح بالهواء ولا يتسرب الهواء منه كما قال عليه السلام « إذا مدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه » ( الجامع الصغير - أنقروى 4 / 249 ) . وحديث آخر « لا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ولذلك مدح نفسه » ( استعلامى 4 / 256 ) .
 
أي يمتلئ قلبه بالسرور كما يمتلئ الزق بالهواء ، أما إن كان الممدوح من أهل الباطل ، فإنه يكون كالقربة الممزقة لا تمتلى ولا يربو ، وتقوى نفسه الأمارة لضعف قلبه ، إذ أثنى رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام « ويلك قطعت عنق أخيك » . . . إنني أحدثك بهذا حتى تعلم كم كان
 
« 455 »
 
المشركون مخطئين عندما عابوا على محمد - صلى الله عليه وسلم - حبه للمدح . . وماذا في المدح ما دام الممدوح يمدح بما هو فيه وما دام هو أعلى وأفضل من كل ما يقول المادحون فيه وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضع لحسان المنبر في المسجد فيقوم عليه فإنما كان يهجو من كان يهجو رسول الله فقال عليه السلام : إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله .
 
( 1205 - 1239 ) على عادة مولانا جلال الدين لا يترك فرصة دون أن يتحدث عن الظلمة في الأرض ، وانظر إليه وهو يصف الوزير الجديد ، ويجرى على لسانه الأحاديث التي يطلقها عادة الوزراء الذين يريدون التضييق على الشعوب والمناعون للخير في كل عصر وفي كل مكان ، وانظر إليه وهو يدبر بخسة كيف يحرم الشاعر من هبة الملك ، وكيف يسوف ، تركه منتظرا حتى يقبل ربع عشر المبلغ الذي قرره له الملك ، وها هو الشاعر ينتظر وينتظر بحيث بات كل همه أن يتلقى من الوزير الجديد « سلاخ الفقراء » السب والشتم والطرد أصبح يتمنى اليأس والمنع لا العطاء ، وانظر إلى هذه الصورة القاتمة من صور البخل والاحتيال والمكر التي يحترفها بعض السياسيين في كل عصر ومكان فيوسعون على من لا عمل له ، ويقترون على من يعمل ، وينفقون على وجوه لا لزوم لها ، ويقترون حيث يجب الإنفاق ، والصورة شديدة الحياة الطبيعية والحركة والدرس الذي يود مولانا أن يقدمه لنا ، أن الملك العادل في حاجة أيضا إلى وزير عادل . . وإلا فإن وزارة هامان جديرة بملك فروعون .
 
( 1240 - 1256 ) إن أرواح الفراعين الهشة كالزجاج هي التي تتأثر بنصائح أمثال هامان ، وإلا فإن الأنبياء مقنعون شديد والإقناع ولقد كان فرعون أحيانا يرق لقول موسى ( انظر الكتاب الثالث أبيات 1252 - 1259 ) لكن روحه لم تكن قوية لكي يتخلص من تراكمات السنين ومن الفرعونية ويؤمن بالله الواحد
 
« 456 »
 
القهار وهكذا بعض البشر ، إنما يمنعهم من الإيمان ضعف في أرواحهم ، فهم لا يستطيعون التخلص مما يسره لهم الكفر من ناحية ومن ناحية ثانية فهم لا يستطيعون الصمود بإيمانهم أمام الساخرين الهازئين ، وفضلا عن ذلك فإن الواحد من هؤلاء يكون كالقشة تتقاذفه كل ريح ، ويكون مستعدا لسماع من هم دونه يخوفونه ، ويردونه عن إيمانه ( فرعون وهامان ) فالقوة عند المؤمن قوة تنبع من الداخل ولا تنبع من السلطة ، وإلا فمن كان أقوى سلطة من فرعون من الناحية الظاهرية ، لكن من الناحية الباطنية كان ألعوبة في أيدي أمثال هامان . .
 
وعلى المستوى السياسي هكذا يكون وزير السوء الذي يكون مناعا للخير ، يعيش الخلق منه في ضنك ومسغبة ومع ذلك فهو ينقل الصورة إلى السلطان أن كل شئ على ما يرام وأن الناس يدعون له . . والوزير من السلطان بمثابة العقل من الروح ، صحيح إن البدن لا يحيا إلا بالروح ، لكن لا بد من عقل يحفظ هذه الروح ، ومن ثم فإن السلطان الذي يكون له مثل هذا الوزير يصبح سلطانا فاسدا . . . ويضرب مولانا مثلا على السلطان الحسن بسليمان ووزيره آصف وهما في الناحية المقابلة تماما لفرعون وهامان وهذا كله وارد في الحديث النبوي « إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد غير ذلك جعل له وزير سوء إذا نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه » ( مولوى 4 / 170 - انقروى 4 / 255 ) وعلى مستوى البدن والوجود الإنسانى فإن الملك الذي يكون مغلوبا لرأى وزيره الفاسد يشبه تماما العقل الذي يكون مغلوبا للهوى ، وهذا يكون قاطعا للطريق إلى الله وليس معينا عليه .
 
( 1258 - 1262 ) العقل الجزئي هو ذلك العقل الإنسانى الفردى المعتمد على ما تنقله إليه الحواس والذي دائما ما يتصرف في حدود هذه الحواس ، أما العقل الكلى فهو فوائد العقل على الإطلاق وما يستدعيه العقل على الإطلاق ، وهو أقرب عند الصوفية إلى لطيفة روحانية وليس بالمعنى الفلسفي والمشهور
 
« 457 »
 
والسلطان المخاطب في الأبيات هو الإنسان على وجه العموم ، وليس المقصود هو المعنى السياسي وهو هنا يرى للإنسان وجودا سياسيا مستقلا ، سلطانا وابن خليفة ، لكن الهوى يقطع عليه طريق العبودية ( الصلاة ) والعبودية لله هي السيادة الحقة ، فعند ما يكون المرء عبدا له فحسب فإنه لا يرهب سلطانا دنيويا مهما بلغت عظمته وسطوته والهوى ابن الحال وابن اللحظة وإلا فأي شهوة تدوم ، إنه يريد أن يعيش لحظته فحسب ، ولا يحسب حسابا للعواقب أما العاقل فهو يفكر في العواقب وفي يوم الدين ، والعقل هنا هو عقل المعاد وليس عقل المعاش وهو يتحمل مشاق الطاعات ومخاطر الطريق من أجل أن يجنى ورود الآخرة ، تلك الورود الدائمة التي لا تتساقط في الخريف والتي تكون في حاجة إلى أنف خاص يشمها .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1263 - 1738 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:42 pm

الهوامش والشروح 1263 - 1738 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1263 - 1738 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1263 - 1738 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح جلوس الشيطان في مقام سليمان عليه السلام وتشبهه في أعماله
بسليمان عليه السلام ، والفرق الظاهر بين السليمانية - الحقيقية )
وبين السليمانية الإسمية التي قام بها الشيطان

( 1263 - 1286 ) يستمر مولانا جلال الدين في مواصلة الحديث عن هذا الموضوع المحبب إليه . . إن التشابه في الهيئة لا يعنى التشابه في الباطن ، وأن التشبه لا يعنى بالمرة تغير الجبلة والطبيعة ، وإن الناس وإن تشابهوا في صورهم ، إلا أن القلوب تختلف اختلافا بينا ، وها هو يعود إلى قصة جلوس الجنى صخر على عرش سليمان عليه السلام وتشبهه به ، إلا أن الشيطان يظل شيطانا . . ولا يعنى تغير الصورة أن يتغير الباطن ( واردة في قصص الأنبياء ) ( عن مآخذ / 137 )

ففرق بين يقظ القلب والضمير ومستنير الباطن بنور الله ، ومجىء الصورة باهرة تخفى خلفها طبيعة شيطانية ، إن الازدواجية في الشخصية من الموضوعات المحببة عند مولانا جلال الدين والزيف في المظهر والذي ينبئ عنه المخبر ويفضحه ، ذلك النموذج الفذ في الأدب العالمي فيما بعد جلال الدين بمئات السنين عند فاوست جوته وصورة دوريان جراى لاسكار وايلد وعشرات من الشخصيات في الآداب العالمية ذات الظاهر الذي يقوم به المرء والذي يفضحه في نفس الوقت ، لأن المتظاهر يبالغ في الحقيقة فيفضح نفسه ،

« 458 »


دون أن يدرى ، وكلما جاهد الجنى في تقمص شخصية سليمان ازداد الخلق شكا ، إنه محروم من ذلك الصفاء ، إن الفرق بينه وبين سليمان مثل ذلك الفرق الشاسع بين الوزير أبى الحسن الجواد والوزير الآخر أبى الحسن البخيل ، ثم إن الشيطان يسقط على نفسه ، إنه يجسد سليمان الحقيقي ، فيقول للناس سوف يظهر شيطان على صورتي فإياكم أن تنخدعوا به ، وما يجول هذا الخاطر أبدا بخيال من تزين بالصفاء ، لقد فضح نفسه بنفسه ، ثم اعترف بلسانه ، لقد فهمه الطيبون والمستنيرون ويخاطبونه : إنك تخاطبنا تقصد شيئا ، لكن ما يصل إلينا هو عكس كلامك تماما أي الحقيقة التي تحاول أن تفر منها فتظهرها :

إن سليمان الحقيقي الظاهر بين وإن كان سليمان الحقيقي في الأسمال فإن نور الملوكية

( الإلهية ) ساطع من جبهته ، ومهما تظاهرت أيها الشيطان بالفخامة ، ومهما أسبغت على نفسك من مظاهر السلطنة وأبهتمها ومواكبها ، فأنت لا شئ ، لا طاعة لك علينا ، وحتى إذا أردنا أن نركع لك غفلة ، فإن يدا سوف تظهر من الأرض تمنع جباهنا من السجود لك ، وفي هذه الحالة سوف تفضح ويفتضح إدبارك . .
ويحس مولانا جلال الدين أن الفكرة لا تزال غامضة إلى حد ما . .
كيف يستطيع الخلق أن يطلعوا على الباطن وأن يكتشفوا الزيف من الحق . .
وأن يميزوا بين الخبيث والطيب . . يجيب إنه لو لم يخش من الغيرة الإلهية على كشف الأسرار لتحدث في هذا الموضوع واستفاض ، لكنه يرجىء هذا الأمر إلى وقت آخر . .
لقد سمى نفسه سليمانا النبي ، لكنه كان يحتال من أجل أن تخيل حيلته على كل صبي ، فدعك أيها المريد الطيب من الأسماء ، لا يغرنك فلان المشهور أو فلان الوزير أو فلان المفكر دعك من الأسماء ودعك من الألقاب وابحث عن العقل والمعنى .

( 1287 - 1300 ) أصل هذا الجزء من حكاية سليمان عليه السلام والمسجد الأقصى ورد في مصادر عديدة . . كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان النبي

« 459 »

عليه السلام وتكلمه بلسان ذلق فتقول : أنا شجرة كذا وفي دواء كذا فيأمر بها سليمان فيكتب اسمها ومنبعها وصورتها وتقطع وترفع في الخزائن حتى كان آخر ما جاء منها الخروبة فقالت : أنا الخروبة فقال سليمان الآن تعيت لي نفسي وأذن في خراب بيت القدس ( قصص الأنبياء للثعالبي ص 275 مآخذ / 138 ) ويعلق مولانا بأن الوحي أصل العلوم وإلا فهل يستطيع العقل الجزئي أن يكتشف ما لا سبيل إليه إلا به ؟ والثابت أن الأصول الأولى للعلوم مجهولة ، وأن الناس في العصور القديمة كانوا يقولون عن بعض كبار العلماء أنهم أنبياء بل كانوا يألهون بعضهم وربما نبعت الفكرة من هنا ويفسر عبد الباقي ( 209 / 4 )

بأن رأس أرباب الفتوة إدريس النبي وصناعة الدروع من الحديد داود وصنعة
( وعلمناه صنعه لبوس لكم ) النسيج للنبي شيث بل والزراعة لآدم ، لكن مولانا لا يقف عند هذا الحد ، فإذا كان العلم يبدأ بالأنبياء إلا أن البشر بالتجربة يطورونه وبالعقل يزيدون عليه . .
ولا يمكن للعقل الجزئي أن يتعلم حرفة دون أستاذ فهو قابل ومتلق . .
ولا يمكن أن تحصل حرفة دون أن يقوم أستاذ بتعليمها ، ولو كان الأمر غير ذلك لاستطاع العقل وحده أن يكتشف حرفة .

( 1301 ) كمثال يقدم مولانا جلال الدين نموذجا من قصة مصرع هابيل على يد قابيل ، وكيف أنه بعد قتله لم يستطع أن يوارى الجثة التراب لأنه لم يكن يعرف صنعة حفر القبور ( على بساطتها ) «فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ» ( المائدة : 31 )
وقد خاض المفسرون كثيرا في هذا الموضوع فليطلب من مظانه ، وثمة تفسير آخر صوفي قدمه مولانا نجم الدين كبرى جدير بالذكر : إن آدم الروح بازدواجه مع حواء القالب ولد قابيل النفس وتوأمته إقليما الهوى في بطن أولا ثم ولد هابيل القلب وتوأمته لبودا العقل وكانت إقليما الهوى في غاية الحسن في نظر قابيل النفس لأن النفس به تميل إلى الدنيا وما فيها وهي مزينة وفي نظر هابيل القلب أيضا لأن القلب به يميل

« 460 »

إلى طلب المولى وما عنده وهو محبب إليه ، وكانت لبودا العقل في نظر هابيل القلب في غاية القبح والدمامة لأن القلب يغفل به عن طلب الحق وأيضا في الله ولهذا قيل العقل عقيلة الرجال وفي نظر قابيل النفس أيضا في غاية القبح لأن النفس به تغفل عن طلب الدنيا والاستهلاك فيها فالله تعالى حرم الازدواج بين التوأمين كليهما وأمر بازدواج توأم كل واحد منهما إلى توأم الأخرى لئلا يغفل القلب عن طلب الحق بل يحرضه الهوى على الاستهلاك والفناء في اللهو لهذا قال بعضهم ولولا الهوى ما سلك أحد طريقا إلى الله ، فإن الهوى إذا كان قرين النفس يكون حرضا فيه وينزل النفس إلى أسفل سافلى الدنيا وبعد المولى وإذا كان قرين القلب يكون عشقا فيه يصعد القلب إلى أعلا عليى العقبى وقرب المولى ولذا سمى العشق هوى

كما قال الشاعر :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى * فصادف قلبا فارغا فتمكنا
ولتغفل السعي عن طلب الدنيا يحرضها العقل على العبودية وينهاها عن متابعة الهوى فذكر آدم الروح لولديه ما أمر الله ،
فرضى هابيل وسخط قابيل النفس وقال هي أختي يعنى إقليما الهوى ولدت معي في بطن وهي أحسن من أخت هابيل القلب يعنى لبودا العقل وأنا أحق بها ونحن من ولادة جنة الدنيا وهي من ولادة أرض العقبى فأنا أحق بأختى فقال له أبوه : فإنها لا تحل لك يعنى إذا كان الهوى قرينك تهلك في أودية حب الدنيا وطلب الدنيا لذاتها وشهواتها فأبى أن يقبل قابيل النفس هذا الحكم من آدم الروح
وقال : إن الله لم يأمره به وهذا من رأيه فقال له آدم الروح فقربا قربانا فإنه من يقبل قربانه فهو أحق بها فخرجا لتوهما وكان قابيل النفس صاحب زرع يعنى مدبر النفس النامية وهي القوة الثابتة فقرب طعاما من أردى زرعه وهو القوى الطبيعية وكان هابيل القلب راعيا لمواشى أخلاق الإنسانية وصفات الحيوانية فقرب فحلا يعنى صفة البهيمية وهي أحب الصفات إليه لاحتياجه لها لضرورة التغذى والبقاء ولسلامتها بالنسبة إلى

« 461 »

الصفات السبعية والشيطنة فوضعا قربانهم على جبل البشرية ، ثم دعا آدم الروح فنزلت نار المحبة من سماء الجبروت وأكلت حمل صفة البهيمية لأنها حطب هذه النار ولم تأكل من قربان قابيل النفس لأنها ليست من حظها بل هي حطب نار الحيوانية فطوعت نفس قابيل النفس قتل أخيه وهو القلب لأن النفس أعدى عدو للقلب فقتله فأصبح من الخاسرين يعنى في قتل النفس خسارة النفس في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فتحرم من الواردات والكشوف والعلوم الغيبية التي تنشأ من القلب وعن ذوق المشاهدات ولذة المؤانسات فيبقى في خسران جهولية الإنسان ، وأما في الآخرة فيخسر الدخول في جنات النعيم ، ( مولوى 4 / 179 - 180 )

وهناك تفسير آخر قدمه الفيلسوف الشهير الدكتور على شريعتي ويعد من أحدث التفاسير على القصة « من قصة ابن آدم يمكن فهم أول حرب وتناقض في حياة الإنسان على وجه الأرض ومن قصة قابيل وهابيل يمكن استنباط فلسفة التاريخ فقابيل بسبب مسألة جنسية هي عشقه لجمال أخته التي كانت خطيبة أخيه هابيل قام بأول ذنب وحقد وقتل للبشر وخيانة لأخيه وعصيان لأبيه وذنب أمام الله ، فمن بين ابنتي آدم تصير الأجمل خطيبة لهابيل ، ولا يقبل قابيل ويرفع آدم قضية الأخوين إلى حكم الله ، فيأمر بأن يقدم كل منهما قربانا إلى الله وأيهما يقبل قربانه سوف يكون هذا دليلا على حكم الله وعلى الآخر أن يقبله وقبل الأخوان ،
كان هابيل راعيا فاختار أفضل إبله الذهبية الغالية القوية ، وكان قابيل زارعا فقرب إلى الله حفنة من القمح المصفر العطن من مزرعته ، وواضح أن قربان هابيل الذي لم يدع حق أحد ولم يفكر في المال في سبيل إيمانه وقرب إلى معبوده أغلى وأعز ما عنده قد قبل ،
وفي نفس الوقت لم يستسلم قابيل وتمرد على حكم الله الذي لم يكن في صالحه ، وواصل تمرده في اعتدائه وقال هابيل : إني سلمت لحكم الله ولئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا باسط إليك يدي لأقتلك ولن أفصم عرى الأخوة

« 462 »

بيننا ، لكن قابيل قد جن جنونه استدرج هابيل إلى الخلاء وقتله خفية ، وسفك دم إنسان على يد إنسان لأول مرة على وجه الأرض : هذه القصة كما رويت تفهم غالبا على أنها حادثة تاريخية ونزاع بين أخوين حول شهوة ، وخبث جبلة قابيل وطهر جبلة هابيل . . إلى آخره في حين أن جبلة كل منهما واحدة ، كلاهما ولد من أب واحد وأم واحدة وربى في بيئة واحدة وعلى يد مرب واحد لم يكن المجتمع قد تكون بعد وتحول إلى البيئات المختلفة حتى تربى كل واحد بطريقة ،
وأولئك الذين قاموا بتحليل هذه القضية علميا ومنطقيا أرادوا أن يستنبطوا هذا المبدأ الذي يريد أن يقول : إن الشهوة أو الغريزة الجنسية هي السبب الرئيسي وعلة العلل في الجريمة والذنب وأن أول دم سفك في التاريخ كان من جراء الشهوة ،
هذا صحيح لكن هذا السؤال بقي بلا جواب وهو : لماذا يسقط قابيل فريسة للشهوة ولا يؤثر هذا العامل القوى على هابيل ويدفعه إلى الخيانة وسفك الدماء وقتل أخيه وارتكاب الذنب ؟
ففي هذين الأخوين العدوين ذات واحدة ولهما أب واحد وأم واحدة وبيئة تربية واحدة وبيئة طبيعية واحدة ومدرسة تربوية واحدة وتجربة كليهما واحدة فمن أين هذا التضاد في الخلق والجبلة والسلوك ؟ من هنا ينبغي من الناحية العلمية أن نبحث عن عامل يفسر هذين الشخصين المتناقضين ، . .
عامل لا يكون مشتركا بينهما وبالبحث نرى أن العامل غير المشترك في سيرة هذين الأخوين هو نوع العمل ووضع الحياة الاقتصادية لكل منهما فأحدهما راعٍ والآخر زارع ، وهذا الاختلاف جدير جدا بالتأمل . . ماذا يعنى الإنسان الراعي ؟ يعنى إنسان عصر سكنى الخيام والقبيلة إنسان بدائى ،
أي إنسان المرحلة التي لم تكن فيها الملكية قد ظهرت بعد ، مرحلة أن البشر يعيشون فيها جماعات في أحضان الطبيعة ويأكلون من مائدة الطبيعة العامة ، كان صيد البر والنهر والغابة هو مصدر الإنتاج ، ولما كان مصدر الإنتاج في الطبيعة السخية البكر موجودا بالتساوي تحت سيطرة الأفراد ، لم تكن

« 463 »

الملكية بالطبع موجودة إلا من مصادر الإنتاج الموجودة في الطبيعة ، لم تكن الملكية بمعنى احتكار فرد لمصدر الإنتاج وحرمان الآخرين فيه موجودة ، وكان المجتمع ينقسم إلى أفراد لا إلى طبقات فالطبقات الاقتصادية تتشكل على أساس الملكية والملكية أو احتكار مصادر الإنتاج تظهر عندما تصبح مصادر الإنتاج محدودة وهذا عندما يتحول شكل الإنتاج الاقتصادي من الصيد والرعى إلى الزراعة ،
وهابيل راعى أي إنسان مرحلة الحرية وتحرر الإنسان من الأرض أي الإنسان الذي ينتمى إلى مجتمع بلا طبقة ، الشركة الأولى ، العصر الذي كانت فيه الطبيعة العظيمة ملكا للمجتمع ملكا لكل من يعمل فيها ،
وقابيل زارع أي أن إنسان مرحلة السكنى وارتباط الإنسان بالأرض أي إنسان المجتمع الطبقي ، والملكية الفردية والاحتكار ، والامتلاك والحرمان ، استغلال الفرد للفرد ، تسلط الإنسان على الإنسان . . يدخل الإنسان مرحلة تاريخه الحاضرة بموت هابيل » ( على شريعتي : العودة إلى الذات الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ص 346 - 350 بتصرف الزهراء للإعلام العربي - القاهرة 1986 ) .

( 1307 - 1314 ) ها هو قابيل بعد أن رأى الغراب يدفن الغراب الآخر ، يعيب على عقله . الجزئي يا ويلتا . . شاه هذا العقل ! ! أيكون غراب أكثر منى علما . . هذا هو العقل الجزئي . . إياك أن تغتر به فقد يتفوق عليه فيه حيوان ، ويتلاعب مولانا جلال الدين بين عقل الزاغ ( نوع من الغربان شديد السواد اللون والكلمة عربت أيضا فيقال أسود من جناح الزاغ ) وعقل ( ما زاغ ) إشارة إلى الآية الكريمة ( ما زاغ البصر وما طغى ) وإنه هو العقل الكلى ، عقل المعاد ، عقل الروح . .
الذي لا يُعلم ، بل يأتيه العلم اللدني الذي يقذف في القلب إن هذا العقل في تفسير لنجم الدين : ما مال ببصره عن مرتبة المقصود له وما التفت إلى الجنة وزخرفها ولا إلى النار ومتاعبها وما طغى قدمه عن الصراط المستقيم ( مولوى 4 / 181 )
هذا العقل هو نور الخاصة خصهم به ربهم ، حتى لا يطيروا

« 464 »

خلف كل ناعق من غربان النفس فتحملهم نحو الجبانة ( الدنيا فكل ما فيها إلى موت وإلى فناء ) . لا نحو الجنان فإن النور الإلهى هو الذي يحمل إليها . .
فإذا كنت مستهديا فاستفت قلبك ولو أفتاك المفتنون ، فإن كانت النفس على مثال زاغ ، فإن القلب هو العنقاء . . يأخذك هاديا إلى المسجد الأقصى . .
والعنقاء هو المرشد يحلق عاليا بالمريد في سماوات لا يستطيع أن يحلق فيها وحده كما أنه هو الذي يستطيع أن يتبع كل ما يدور في قلبك .

( 1315 - 1320 ) إن أهواءك النفسية وأفكارك التي تمضى كل ان إلى كل صوب تنمو في قلبك كأنها النباتات التي كانت تنبت في ساحة المسجد الأقصى فإياك أن تهملها ، بل عليك أن تقوم كسليمان بتتبعها وتتبع خواصها ، لترى هل هذه الواردات التي وردت إلى قلبك أهي دينية أم دنيوية وإياك وإنكارها ، فقد يكون منك النافع ، كما أن منها الضار وما قلبك إلا أرضك وما ينبت فيها إلا ما يترجم عنها ، والهوى في الإنسان ميوله ورغائبه ، فإذا تركت هواك صرت جديرا برسالة الله ( 1 / 1101 ) . وهذه الفكرة واردة أيضا في الكتاب الثالث ( أبيات 360 وما بعدها ) .
انظر إلى هذه الأرض التي تنبت أنواع النبات سواء كانت من قصب السكر أو من البوص إن ما يخرج منها يترجم عن طبيعتها . . ومن ثم فأرض القلب نبتها الفكر ، وهذه الأفكار التي تبدو في أرض القلب هي التي تترجم أحوال القلوب . .
ولو أجد في هذا المجلس قابلا للكلم جاذبا له مستفيدا منه متجاوبا معه متحملا إياه . .
لأبديت لك ما في قلبي من أفكار ومعارف إلهية كأنها زهور الرياض لكني إن وجدت إنسانا غثا قاتلا للفكر فإن النكات العميقة تفر من القلب فإن هذا المنكر لن يستفيد من بيان هذه الأفكار .

( 1321 - 1329 ) وحركة كل امرئ إنما تكون نحو جاذب معين ، ما من كلمة يتفوه بها أحد أو تصرف يقوم به إنسان حقيرا كان أو خطيرا إلا وجاذب معين يجذبها منك فهي موجهة إليه ، وهو المقصود بها . . والجذب الصادق ليس

« 465 »

كالجذب الكاذب ، وهكذا فإنك تمضى حينا على الطريق المستقيم وحينا على طريق غير مستقيم ، والخيط الآخذ بناصيتك الذي يجذبك ليس ظاهرا ، هذا هو خيط القضاء والقدر بيد الله تعالى إنما يقف عليه أصحاب القلوب البصيرة ولا يقف عليه عمى البصيرة . . فانظر إلى نفسك كبعير أعمى لا تستطيع الخلاص ممن يقودك ، تحس به يجذبك لكن لا تنظر إليه . . وهناك حبل الشرع المتين يقود الأتقياء الأولياء ،
 أما أرباب الغفلة والأهواء فخيط إبليس هو الجاذب ، ولو أن ذلك الحبل قد ظهر ،
ولو انكشف هذا المقود ، وانكشف سر القضاء والقدر لما بقيت الدنيا دار الغرور ،
 وإن كل من فيها مغرور لأنه يحس بذلك الجذب لكنه لا يراه ولا يعرف مصدره إذ لو عرف المصدر لرأى المجوسي أنه يسير إثر نفسه الكلبية التي تجعله عبدا للشيطان الأكبر . . ولما مضى في أثره ، ولارتد سريعا ونجا . .
 تماما كالأنعام التي يقودها القصاب إلى المذبح . . لو كانت تعلم أنها تمضى إلى الذبح لما أسرعت هكذا في إثر القصاب ، ولما أكلت من يده . .
 ولو أكلت لما هضمت ذلك العلف . . لو علمت أن المقصود منه أن تسمن وتصير صالحة للذبح .

( 1330 - 1345 ) إذن فعماد الدنيا الغفلة ، وانتظامها ورواج سوقها إنما هو قائم على هذه الغفلة ولولا الحمقى ما قامت الدنيا من هذه الغفلة هي التي تجعل الحي يظن أنه حي أبدا . . وهذا المعنى وارد في معارف بهاء ولد 1 / 347 وما دولة الدنيا إلا سعى ( دُو ) ثم ( لت ) أي ضرب . .
أولها اسع اسع من ثم آخرها خذ على أم رأسك ضربا من العجز والشيخوخة والمرض ثم الموت والحساب . . وفيها يكون هلاك الحمار . . لأن الحمار فحسب هو الذي يهلك في سبيل ما لا نفع فيه . . .
فإنك إذا أقبلت على عمل معا فإن الله يخفى كل عيوب هذا العمل عليك فالله قد ستر العيوب من أجل عمارة الدنيا ، وجعل عمارة الدنيا من أجل تمحيص الذين آمنوا من الذين أشركوا ومن ثم فهي فتنة وهي دار الامتحان ،
إنك لن تستطيع أن تقوم بعمل ما إلا إذا أخفى عليك الخالق عيب هذا العمل ، « إن الله تعالى

« 466 »

إذا أراد إنفاذ أمر ، سلب كل ذي لب لبه » ( استعلامى 4 / 264 ) وكذلك كل فكرة ترد عليك وتنشغل بالتفكير فيها . . فلو اكتشفت فيها أي عيب ، لجفلت منها روحك وبعدت عنها بعد المشرقين . .
والحاصل أنك تندم فيه في نهايته . . فلو اكتشف عيبه من بدايته هل كان لك أن تندم ؟
هذا هو القضاء الذي يخفى عليك فإن ندمت من بعد الفعل فهذا الندم أيضا قضاء مقضى عليك به ، وإن استسلمت لهذا الندم صرت معتادا عليه ، والندم لا يورث إلا الندم ، وهكذا ينتهى نصف العمر في التشتت والفرقة ونصفه الآخر في الندم فاترك كل هذا وعليك بعمل أفضل وعليك بالبحث عن صديق أفضل يساعدك في الطريق هذا وإن لم يكن أمامك عمل أفضل . . فلأي شئ . . إذن يكون الندم ؟
هل خيرت بين عملين فاخترت أسوأهما ؟ إنما تعرف الأمور بأضدادها . . فمن أين لك أن تعلم الشر وأنت لم تعلم الخير . . وإن لم تعلم الخير . .
أي علم لك بأن ما تقوم به شر . . لقد عجزت عن ترك الذنب لأنك لا تعرف سواه . . إن عكوفك على الذنب عجز ، عكوفك على القبيح عجز عن إدراك الحسن ، فمتى وجد عجز مع قدرة ؟ وما دمت عاجزا فلم الندم ؟ !
ولو كان الله سبحانه وتعالى قد أطلعك على قبح فعل ما فهل كان يستطيع أحد أن يحملك على فعله ولو بالقوة الجبرية . .
هذا هو القضاء كما يفسره مولانا جلال الدين وهو لا يفتأ يعود إلى هذه النقطة ( انظر الكتاب الأول أبيات 260 - 263 و 1502 - 1512 والكتاب الثاني أبيات 61 - 62 والكتاب الثالث البيت 1369 ) ( عن عبد الباقي وانظر مقدمة الكتاب الخامس ) ، اطلب من الله تعالى أن يريك الأمور كما هي « اللهم أرنا الدنيا كما تريها صالح عبادك . »
 أن يخفى عليك عيب الفعل النافع وأن يبدي لك شر الفعل القبيح ، وإلا فارض بما قسم الله لك ، واستسلم لقضائه ، واعلم أن الإدارة والاختيار كليهما قضاء آخر أيضا في القضاء التعليقي ( سبزوارى 4 / 289 )
وكما ورد في الحديث ألا أخبرك بتفسير لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول عن معصيته الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله هكذا أخبرني جبريل ) ( أنقروى 4 / 278 ) .

« 467 »

( 1355 - 1372 ) وهكذا كان سليمان عليه السلام يمضى كل صباح إلى المسجد الأقصى ليرى ما نبت فيه من نبات ، لقد كان يرى بعينه الصافية ما خفى على العوام سواء من النباتات التي تنمو في صحن المسجد ، أو نباتات الفكر التي تنمو في قلوب المريدين . . لكن ألا يوحى سير سليمان النبي في الآفاق والأنفس . . مع وجود تلك الإلطافات الإلهية التي شملت وجوده كله والتي يستطيع فيها أن يتكشف كل ما يريد دون أن ينتقل من مكانه بتساؤل ما ؟ هنا يختلف مولانا جلال الدين في منطلقه الصوفي ، فإن كان الصوفية يقولون بالمراقبة في الخلوة ، فإن جلال الدين كان يرى المراقبة في الملأ ، ويرى في هذا اجتلاء لآثار رحمة الله في خلقه مراقبة أفضل من مراقبة الخلوة ، ويضرب مولانا بحكاية الصوفي الذي وضع رأسه بين ركبتيه متفكرا ومراقبا فطلب منه أحدهم أن يرفع رأسه ليرى آثار رحمة الله في الرياض والقصة مأخوذة عن تذكرة الأولياء للعطار ( 1 / 68 ) عن رابعة العدوية ، جلست في منزلها في فصل الربيع وقد طأطأت لرأسها فقالت خادمة يا سيدة اخرجى لتشاهدى الصنع ، قالت بل ادخلي أنت لتشاهدى الصانع ،

شغلتني مشاهدة الصانع عن مشاهدة المصنوع كما رويت الحكاية في مقالات شمس قيل لصوفى : ارفع رأسك وانظر إلى آثار رحمة الله - فقال آثار الآثار واردة في القلب ( مقالات شمس ص 196 )
وهذا لا يخرج عن احتمالين في إدراك الجمال :
الاحتمال الأول : إما أن يكون الجمال جمالا لأنه يصادف هوى داخل النفس ومن هنا يختلف تقديره .
والثاني : هو أن الجمال إدراك من الداخل إلى الخارج وليس العكس ( جعفري 10 / 183 - 184 ) والكلام معتمد على الآية الكريمة : «فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» . ( الروم : 50 ) قال نجم الدين : فانظر إلى آثار رحمة الله

« 468 »

الخاصة كيف يحيى أرض القلوب بالفيض الإلهى بعد موتها بكبائر الذنوب ( مولوى 4 / 184 ) ويجيب الصوفي إجابة الصوفي في رواية شمس الدين التبريزي ، إن الرياض والمروج هي في لب الروح أما ما هو موجود خارجها فهو انعكاسها تماما كما تنعكس صورة هذه المروج العينية المادية في الحياة ولطفها إنما يكون من لطف المياه . . وإن لم تكن هذه الأشياء انعكاسا فكيف سماها الله سبحانه وتعالى دار الوهم والخيال دوار الغرور ، وهذا يعنى أنها خيال :كل ما في الكون وهم أو خيال * أو عكوس في المرايا والظلال
لاح في كل الورى شمس الهدى * لا تكن حيران في تيه الضلال

( انقروى 4 / 283 ) إنها انعكاس للعالم الحقيقي والرياض الحقيقية والشموس التي لا تغيب ، والأنهار التي لا تنقطع الموجودة في قلوب الرجال الكاملين فهم « سر الهوية ومظهر نور الأحدية » ( مولوى 4 / 185 ) والناس مغرورون بالانعكاس والصور والخيالات والأوهام . . ولا يبحثون عن الأصول . . .
فإذا ماتوا علموا أنهم أضاعوا عمرهم في الخيالات والأوهام ونزلت عليهم الحسرات ، كما قال عليه السلام « ليس للماضين هم الموت إنما لهم حسرة الفوت » ( انقروى 4 / 284 ) ولا ينجو من هذا المصير إلا ذلك الذي مات قبل الموت ( انظر تفسير الموت قبل الموت في الكتاب الثالث الأبيات 3672 - 3678 ) .

( 1383 - 1401 ) المستفاد من قصة سليمان عليه السلام والخروب يقول مولانا : إن القلب هو مسجدك والجسد ساجد له أما الخروب الذي يؤدى إلى خراب المسجد فهو رفيق السوء عليك أن تهرب منه ما استطعت فاقتلعه من جذور قلبك ، أما أنت أيها العاشق فإن الخروب بالنسبة لك والذي ينذر بخرابك هو الاعوجاج . . وأنت كنت مجرما اعترف بإجرامك حتى تفتح عليك أبواب رحمة

« 469 »

المعلم ، هذا أفضل من أن تجمع بين الجهل والكبرياء وتعلم من أبيك الأول الاعتراف بالذنب «قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ( سورة الأعراف آية : 22 ) فلا هو حاول ولا هو احتال في حين أن إبليس شرع في الجدال . . لقد قال لله تعالى إنه هو الذي صبغه بصبغة الكفر والكبرياء . . وقال إن الله تعالى هو الذي أغواه . . وهذا هو قول الجبريين . . وأنذر بإغواء بني آدم في مقابل هذا الذي يظنه إغواء من الله سبحانه وتعالى . . . فإياك أنت أن تقول : إن الله سبحانه وتعالى قد كتب عليك المعصية وقدرها عليك وأنه لا محيص لك من ارتكابها ولا مهرب من إتيانها . .
والواضح أن مولانا جلال الدين شغل في الأبيات الأخيرة بمشكلة الجبر والاختيار فهو يتركها ليعود إليها وواضح أيضا أنه من أنصار حرية الإرادة والاختيار عن الإنسان ، وكيف يكون المرء مجبرا على شئ وهو يقوم به بكل هذه اللذة والسرور والإقبال كيف يكون المرء مجبرا وهو يدافع هكذا عما يقوم به منذ فكر ويسوق الحجة تلو الحجة على أنه هو الصواب والطريق المستقيم . .
وكيف تختار كل ما تأمرك به نفسك من المعصية والفساد وتترك كل ما يأمرك به عقلك هكذا يناقش مولانا جلال الدين المشكلة دون خوض في أقوال علماء الكلام ومشايخه . . إن الأمر كله من داخل الإنسان وأن إبليس لعنه الله كان أول الجيريين فقد اعتبر المعصية التي دفعه إليها كبرياؤه وأحتقاره لآدم قدرا مكتوبا عليه من الله سبحانه وتعالى وليس عصيانا أملته عليه نفسه المتكبرة المعوجة .

( 1402 - 1413 ) وهكذا كل إنسان يعلم أن الحيلة من إبليس لكن الخضوع والعشق من آدم ، وهذا الاحتيال أشبه بالسباحة في البحار ، حيث يعتمد السباح على مهارته وليس على أي شئ آخر فهو في النهاية غريق لا محالة « انظر النحوي والملاح » وإذا كان هذا شأنه وديدنه في البحار فما بالك بهذا البحر الذي تبدو البحار السبعة كقشة تتقاذفها أمواجه والبحار السبعة تعبير كان يستخدمه

« 470 »

القدماء للتعبير عن كل بحار الدنيا وهي في نظرهم سبعة : بحر الصين ( المحيط الهادي ) وبحر المغرب ( المحيط الأطلسى ) وبحر الروم ( البحر الأبيض ) والبحر الأسود ( وبحر طبرية ) والقلزم ( البحر الأحمر ) وبحر جرجان ( بحر الخزر أو ما نسميه قزوين ) وبحر فارس ( الخليج ) ( عبد الباقي 4 / 212 ) في مثل هذا البحر العشق هو سفينة النجاة وترك الاحتيال وازدياد التحير ( عن التحير انظر الكتاب الثالث شروح الأبيات 1108 - 1117 )

وفي حضور المصطفى صلى الله عليه وسلم اجعل عقلك حائرا لأنه ملاح سفينة العشق في بحر التوحيد ( مولوى 4 / 196 ) وهذا معناه أنك أصبحت مكتفيا بالله . . . ولا يزال مولانا يضرب الأمثال بأولئك الذين اعتمدوا على حيلة عندهم وعلى من اكتسبوه ومنهم كنعان بن نوح الذي رفض أن يركب السفينة رافضا أن يحمل منة من أحد على نفسه وكأن الله سبحانه وتعالى لم يقدم له من نعمة إلا أنه كان سينجيه من الطوفان ، وكأن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليضاعف إحسانه على نوح فضلا منه وشكرا على عشقه أليس هو سبحانه وتعالى الذي « يحبهم ويحبونه » فسبق ذكر حبه إياهم عن حبهم إياه ( انظر معاني أخرى عن قصة نوح عليه السلام مع كنعان في الكتاب الثالث شروح الأبيات 1306 - 1355 ) .

( 1414 - 1423 ) من هنا فإن العجز عن المعصية قد يكون سببا في نجاة المرء فلو لم يكن ابن نوح قد تعلم السباحة لألحق نفسه بسفينة نوح ، ولو كان كالأطفال بريئا من الاحتيال لتعلق بأذيال أمه ، وليته كان خاليا من ذلك الوهم المكتسب ،
إذن لوجد علم الوحي مكانا في قلبه فإنك إن استعنت بكتاب أو نقل مع وجود هذا النور عندك لعاتبتك ولحرمتك من علم اليقين ، ولحرمت قلبك من ذلك النور وللجأت إلى التيمم في وجود الماء أي إلى العلم النقلي في وجود قطب الزمان . .
 الذي يبغى أن تتبعه دون أن تظهر علما من لدنك أو احتيالا أو مهارة . . .
بل ينبغي أن تكون أبله ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال « إن أكثر أهل

« 471 »

الجنة البله » والبله جمع أبله وهو الغافل عن الشر المطبوع على الخير ، وقيل هم الذين غلبت سلامة صدورهم وأحسنوا الظن بالناس لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها وأقبلوا على آخرتهم فشغلوا أنفسهم بها فاستحقوا أن يكون أكثر أهل الجنة ، فأما الأبله وهو الذي لا عقل له فغير مراد في الحديث ( أنقروى 4 / 295 ) أما كثرة الفتن فهي تأتى بالكبر وتردى . . . ولست أقصد بالأبله ذلك الذي يكون سخرية الخلق لحمقه وضعفه وتذلله بل أقصد به الواله محبة الله تعالى الغافل عمن سواه .

( 1424 - 1435 ) ضحِّ إذن بهذا العقل المكتسب . ومن الرباعيات المنسوبة إلى أبي سعيد ابن أبي الخير :
ما دمنا قد شرعنا في طلب وصال الحبيب * فأول قدم أن صرنا غرباء عن الوجود إنه لم يكن يسمع العلم فأغلقنا الشفة * ولم يكن يشترى العقل فصرنا بلهاء ( سبزوارى 4 / 290 ) هو عقل المعاش في سبيل عشق الحبيب ، فالعقول كلها هبة منه سبحانه وتعالى ، وأصحاب العقول صرفوا عقولهم في محبة الله سبحانه وتعالى ، أما الحمقى المجانين فهم الذين احتفظوا بعقولهم . . فلو أن عقلك الجزئي هذا ضاع تحيرا في الله لصارت كل شعرة منك عقلا . .
لعوضك الله عما هو فوق العقول كلها بنوره تنظر به ويده تبطش بها وقدمه تسعى بها . . .
ولمنحك عقلا لا يسبب التفكير به ألما . . وإذا أهمل عقل المعاش هذا لظهرت في صحاريه الرياض والكروم تنبت الثمار الربانية حيث ينقضى وينتهى عقل المعاش . .
وعلى حافة العدم للعقل تسمع الرموز . . وينبت نخل وجودك بالمعارف الإلهية . .
وفي الطريق دعك من الفيهقة والتكبر وإياك والحركة ما دام دليلك لم يتحرك ، إنه منك بمثابة الرأس وكل الذي يتحرك بلا رأس يكون ذيلا . .
تكون حركته أذى وسما كأنها حركة العقرب يزحف ليلدغ قبيح الخطى أعشى

« 472 »

قبيح الشكل سم ، كل عمله هو لدغ الأجساد الطاهرة ومثل هذا حطم رأسه تلك التي لا تحمل للناس سوى الشر والأذى ، وصلاحه هو نفسه في تحطيم رأسه حتى تنجو روحه من الأذى الذي يشبه جسده ويشبه هواه . . هيا اسحب السلاح من يد المجنون فالسلاح يكون في يد الغازي المجاهد ، أما المجنون فسوف يرهب به الناس ويزهق أرواحهم . . فالسلاح في يد مجنون لا عقل له فيه أذى كثير ، هؤلاء الجبابرة أصحاب المناصب اعقد أيديهم خلف ظهورهم لئلا يظلموا الناس ويفسدون عليهم حياتهم .


( 1436 - 1451 )
قد يفهم بعض المتشدقين بالألفاظ وحملة الشعارات هنا أن مولانا جلال الدين ينادى بطبقية المال والتعليم وبالتالي المناصب وهو ما لم يدر لأحد بخلد ، فضلا عن وجود النظرة التي يقدمها مولانا جلال الدين الرومي هنا في المأثور الإسلامي ككل ، وفي الحديث النبوي الشريف . .
« لا تعلموا أولاد السفلة العلم » و « واضع العلم في غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر » وتكاد الأبيات تكون ترجمة لقولين مأثورين للإمام على - رضي الله عنه - الأول هو « لا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا » نهج البلاغة تحقيق مذكر فيض الإسلام ص 1116 ،
والكلمة الأخرى هي : احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع ( فيض الإسلام ص 1311 ،
والإشارة لعبد الباقي ( 217 / 4 ) وهناك قول آخر :
قيل لعلى صف لنا العاقل فقال - رضي الله عنه - هو الذي يضع الشئ مواضعه فقيل : وصف لنا الجاهل قال : قد فعلت ( ص 1191 ) فإن التجربة تثبت أن العلم والمنصب إن سقطا في أيدي من ليس بأهلها كانا وبالا على الناس ،
تصبح آلة للفساد ، قلة الأصل هنا ليس المقصود بها المعنى الطبقي أو حصر العلم في طبقة أبناء البيوتات حتى إن أثبتت التجربة أن العلم في طبقة أبناء البيوتات عطاء وليس أخذا ، والمقصود بسوء الأصل هذا سوء الطوية وسوء الخلق وعدم الاهتمام بالناس وحقوق الناس ، والجبروت والطغيان ، ومن يتصف

« 473 »

بهذه الصفات ثم يوضع في يده علم أو منصب بمثابة وضع السيف في يد زنجي ثمل فلا عقل عنده ولا إدراك ومع ذلك فالقوة البهيمية عنده شديدة القوة . .
وما الحل إذن إذا كان المنصب في أيدي من ليس بأهل له ومن يظلم الناس ويسعى في الأرض الفساد ؟ هنا يرى مولانا جلال الدين أن الجهاد مفروض على المسلم المؤمن في هذه الحالة حتى يأخذ السيف ( القوة أو السلطة ) من يد المجنون وأخذ السلطة من مستغلها استغلالا سيئا . . .

وما علامة استغلال السلطة ؟ ؟
علامتها تلك الفضائح التي لا يقوم بها مائة ملك متجبر ، ومن المفاسد ما لا يقوم به مائة وحش مفترس . . .

فإن السلطة هي التي تبدى عيوب كل جهول طاغية متجبر ، إذ أن جهله وطغيانه يظلان مخفيين ما لم يجد الآلة والوسيلة فإن وجد الآلة الوسيلة فقد ملأ الصحراء والوادي بالحيات والعقارب ( أعوانه وشرطته وعسسه ومخبريه والمستفيدين منه والطغاة والصغار والجهال الصغار الذين يزينون له الشر ) ،
وعلامته أن لا يضع الأمور في مواضعها ، فإما أن يبخل في غير موضع أو يسخو في غير موضع ، موازينه مختلة ، تقديره غائب ، يظنه جاها وهو بئر قد سقط فيه ، ولا هو يعلم السبيل فيعود ، بل تقوم روحه القبيحة بالقضاء على الأخضر واليابس ، وكيف يستطيع أن يبدي القمر ( المثل والقيم الجميلة ) وهو لم يره طوال حياته ؟
ثم يلقى مولانا بهذا الحكم الذي تردد عنده وعند كثير من الشعراء الإسلاميين ، عندما كانوا ينظرون إلى البون الشاسع بين قيم الإسلام من العدالة والمساواة وما كان الحكام في عصورهم يرتكبونه من مخازى ومفاسد ،
فيقول إن الحمقى هم الذين جلسوا على دست الحكم . أما العقلاء فقد أخفوا رؤوسهم تحت الأغطية ، وقبله بقرنين قال ناصر خسرو إن الدجال قد جلس على منبر الحق فاجلس أنت صامتا تحت المنبر ( ديوان ناصر خسرو ص 154 )
وبعده قال حافظ الشيرازي ( أخفى الملاك وجوده والشيطان يبدي دلال الحسن . . . وقد احترق العقل متسائلا أي عجب هذا ؟ ؟

« 474 »

( ديوان حافظ ص 77 ) ومن أجل القضاء على هذا الفساد كان بعث المصطفى - صلى الله عليه وسلم .

( 1452 - 1481 ) يبدأ الحديث عن دور المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وبعثته في القضاء على الظلم والفساد والجهل . . وقد قلنا في المقدمة إن العنصر الغالب على هذا الجزء هو توزيع الحديث حول التوحيد والدعوة والحرية . . والمزمل الملتف في ثيابه حين مجىء الوحي خوفا منه لمهابته ، وروى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعرض لاستنكاف من ملأ قريش عن الإيمان برسالته قدموه بأقوال فأتى وتغطي بثياب ونزلت «يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ» ( مولوى 4 / 202 )

والواقع أن السورة من السور التي نزلت للأمر بالجهر والدعوة ، وهو ما أشار إليه مولانا في الشطرة الثانية من البيت أي كفاك هربا حذرا من أهل الرياء فإنك بالرغم منهم جميعا العقل لهذا العالم وأنت الشمع المنير لهذا العالم ، هيا قم الليل فالليل هو ليل الجهالة وقيامك بالليل هو بمثابة بث النور في هذا الليل ،
ولا بد من وجودك ليل نهار فحتى النهار بدونك ليل ، كما أن الأبطال دون عون قلبك يفقدون كل قواهم ، وأنت السفينة في هذا البحر المواج فأنت نوح الثاني والقوم جميعا يكونون في حاجة إلى دليل « النبي والرسالة والمرشد في الطريقة » خاصة في البحار الهائجة بحار الجهالة وتفرق السبل والفترة ،
هيا انهض يا رسول الله وانظر إلى القافلة البشرية قد قطع عليها الطريق . . .

وفي كل ناحية غول قد ارتدى ثياب المرشد ودبج النظريات والمعتقدات ووصف الطرق التي تقود كلها إلى النار وإلى الدمار ، انهض يا رسول الله فقد أخذوا ديننا وأخفوه عنا وشوهوه في أنظارها وسلبونا أخص مقوماتنا ، ثم حقنونا بنفاياتهم ومشوه نظرياتهم ومردود أفكارهم ، وقادونا واستعبدونا وسلبوا عزتنا ، انهض يا رسول الله فأنت الخضر في زماننا هذا ، أنت غوث كل سفينة تائهة . .
أنت نبي الأمة وأنت قائد الجماعة لست نبي العزلة كعيسى . . فكيف

« 475 »


تكون معتزلا وأنت شمع هذه الأمة . . وكيف تكون مزملا والجماعة بك جماعة وبدونك غثاء كأنها السيل ، هيا انطلق إلى جماعتك فهذا ليس وقت العزلة فهيا يا عنقاء قاف الهدى واهد الناس . .
هيا فمتى يكف القمر عن الطلوع من عواء الكلاب . . . هيا فالناس جميعا عميان . . وأنت القائل أن « من قاد أعمى أربعين خطوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه » ( انقروى 4 / 308 )
فهيا اسحب هؤلاء العمى قافلة بعد قافلة هيا أيها الهادي فإن هذا هو عمل الهادي ، هيا فأنت السرور عندما تعم الأحزان الدنيا آخر الزمان . .
هيا يا إمام المتقين وحول أولئك الذين يحومون حول الظنون إلى اليقين . . .
هيا فإنا كفيناك المستهزئين وكل من يمكر بك أمكر به . .
أزيده عمى وأزيده من ذلك السم الذي يتناوله وهو يحسبه سكرا وكيف لا ؟
والعقول إنما تفكر بإرادته وكل من يمكر إنما يستمد حيله كلها من حيل الله تعالى ، وكلها كمنزل من شعر من ذلك يقيم به التركمان أمام قوائم الفيلة المقاتلة ، فماذا يكون مصباح الكافر بك أمام إعصارى يا رسولي العظيم ، قم أيها الرسول العظيم بنفخ ذلك الصور المهول الذي أنفخه في قلوب أتباعك بحولى وقوتى ، فيقوم الملايين من موتى الجهل من تراب العدم والمناصب الوافدة والغفلة وبيع النفس للكافر والاستضعاف والاستحمار والتخلف والضعف .
فإنك إسرافيل الوقت ، وأنت الذي تنفخ الصور فيبعث هؤلاء ويكون بعث قبل البعث وقيامة قبل القيامة . .
وكل من يسألك أيها المحبوب : أين القيامة ومتى الساعة ؟ قل له ها أنا القيامة . . أليس موتى الروح والفهم يحيون من رسالتي ؟ !
انظر ألم تقم مئات العوالم من هذه القيامة ؟ ألم يعذب الكفرة ويثاب المؤمنون فوق هذه الأرض ؟
ألم تبدل الأرض غير الأرض ؟ ! 
( 1482 - 1489 ) إن لم يكن ثمة سمع وإن لم يكن ثمة فهم وإن لم تستضاء القلوب بنور الله ، وإن لم يكن مخاطبك هو من أهل الذكر والقنوت والإيمان . . فأولى بك تسكت والخطاب هنا مزدوج : من الله سبحانه وتعالى


« 476 »
لنبيه المصطفى عليه الصلاة السلام ، ومن مولانا جلال الدين لنفسه أولى بك تسكت أيها النبي عن مخاطبة الكافر الذي طبع على قلبه وعلى سمعه وعلى بصره غشاوة ، أولى بك أن تسكت أيها المرشد عند مخاطبة هؤلاء القوم الملولين النيام . . فإن جواب الأحمق السكوت . . .
والسماء تسكت عندما لا يكون الدعاء مستجابا ، والمرشد يسكت أيضا عندما لا يكون المريد مستجيبا ثم يبدي مولانا أسفه وحسرته لقد آن أوان الجنى والمحصول . . لكن عمرنا لا يكفى لإدراكة أي وا أسفاه لقد أدركنا الرسالة ولم ندرك الرسول « قدمت حسرة على الفهم الصحيح » ( أنظر 3 / 2100 )
والإحاطة بهذه الرسالة والعمل بما يقضى حقها لا يكفيه عمر كامل ، والوقت ضيق وعمر كامل لا يكفى لبيان هذا الكلام ، كما ينبغي ، ليس ضيق الوقت فحسب بل ضيق الأفهام أيضا ، إن الحديث عن الرسالة والرسول أشبه باللعب بالحراب في طريق ضيق إنه يصيب اللاعبين بالضيق ، فإذا كان جواب الأحمق السكوت فما بالك تطيل في هذا الكلام ؟ إن الأحمق هنا هو ذلك الذي يشك في قيمة الرسالة . .
ويشك في قيمة الإرشاد ، لكن أمطار الرحمة تنزل على الأرض الصالحة والأرض البور .
يتبع
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1263 - 1738 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:43 pm

الهوامش والشروح 1263 - 1738 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1263 - 1738 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1263 - 1738 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح جلوس الشيطان في مقام سليمان عليه السلام وتشبهه في أعماله
بسليمان عليه السلام ، والفرق الظاهر بين السليمانية - الحقيقية )
وبين السليمانية الإسمية التي قام بها الشيطان

( 1490 - 1496 ) الحكاية هنا لم يجد فروزانفر أصلا لها وهي أقرب إلى التمثيل بمعنى أن يلبس الشاعر معانيه أشخاصا . . فالعبد هنا قد يكون الجسد والملك والروح . .
وعندما يكون الجسد ميت العقل حي الشهوة فإن لطافات الروح تقل ومهما يشكو العبد فإن الملك لا يجيبه على أساس أن الجسد مهما يشكو من علل تحيق به من جزاء فساده وحرصه فإن الروح لا تجيبه إلى هذا ، وهكذا فإن العبد لا يدقق في خدمة السلطان ولا يقوم بما ينبغي له من الطاعات ،
 وكان ينغمس في الفكر القبيح وهو يظنه حسنا ، وهكذا يأمر السلطان بأن يقللوا من كرايته وإن اعترض فاشطبوا اسمه تماما من ديوان الأرزاق - لكن ذلك العبد كان حرونا متمردا بطبيعته فلم يسأل من السبب في تقليل رزقه ولو كان له


« 477 »
عقل لراجع نفسه ليرى أين يكمن خطؤه وذنبه ، وهكذا فلا بد أن يقوم كل إنسان عندما يصيبه شئ باستخدام عقله أولا ثم بعد ذلك يبحث عن العوامل الخارجية وهكذا الحمار مقيد القدم عندما يحرن تقيد كلتا قدميه ولا يدرى من حماريته أن هذا جزاء عصيانه ، وهكذا المذنب عموما كلما انغمس في الذنب كلما ازداد شؤمه وإدباره وهو لا يدرى أن هذا من جزاء ارتكابه للذنب وعصيانه فهذا المملوك لفقدانه عقله وغلبة شهوته أقرب إلى البهيمية منه إلى الإنسانية .


( 1497 - 1505 ) هذا التقسيم الذي يقيمه مولانا بناء على هذا الحديث يريد أن يصل به إلى الإنسان الكامل وهو عند كل الصوفية محمد صلى الله عليه وسلم - الذي يفضل كل الملائكة ، ونص على فضله على جبريل - عليه السلام - ، مع ذلك أن الملائكة لا يعرفون بطبيعتهم إلا العبادة ، ولا محل للشهوة في تركيبهم ، وعملهم هو التسبيح فلا حرص ولا هوى بل نور مطلق حي بالعشق الإلهى يتغذى به ويعيش عليه ، وفي المقابل خلق البهائم ومن يشبهها من البشر الذين يأكلون ويتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ، وهم أشبه بالحيوانات لأنها لا ترى سوى الإصطبل والعلف أو على حد قول الإمام علي كرم الله وجهه : « إن البهائم همها بطونها وإن السباع همها العدوان على غيرها » ( فيض الإسلام 457 )
ولا علم لها بالضر والشرف ولا بالشقاء والسعادة هم من أبناء اللحظة لا تهمهم إلا اللحظة التي يعيشون فيها ، هذا هو الحيوان ومن يشبهه من البشر ، ثم خلق الله صنفا ثالثا هم البشر وهو مخلوق من النقيضين :
من أدنى عنصر الطين المخمر والحمأ المسنون وهو حيوان بجسده وأسمى عنصر وهو النفخة الإلهية وليس هذا الكلام بحديث نبوي إذ يستخدم مولانا كلمة الحديث واعتبره نيكلسون منقولا من أخلاق جلالي عن كلام سيدنا على وهو مذكور في وسائل الشيعة نقلا عن جعفر الصادق - رضي الله عنه - وذكره الغزالي دون إسناد ( استعلامى 4 / 273 ) .
« 478 » 


وهكذا يعبر مولانا جلال الدين عن هذه الثنائية المتصارعة التي يعبر عنها كل الصوفية والتي تعد الميدان الحقيقي للتصوف بأن نصفه مَلاكَ والنصف الآخر حمار فالنصف الحمارى منجذب إلى عنصره أي أصله إلى شهوات الجسد والنصف الملائكى منجذب أيضا إلى الملأ الأعلى أما الصنفان الآخران فمتوافقان تماما ومستريحان من هذا الصراع وهؤلاء البشر لكي يمتحنوا قسموا إلى ثلاثة أقسام . إنهم جميعا متساوون في الشكل والصورة لكن متى كان حديثنا عن الشكل أو الصورة أو الظاهر ؟ !


( 1506 - 1512 ) إن هؤلاء البشر مع أن أشكالهم وصورهم واحدة إلا أنهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام : وهذا التقسيم موجود في القرآن الكريم «وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ، فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ، وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» وأيضا « منهمظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ» ، ( سبزوارى 4 / 292 )
والحديث الشريف في العنوان روى أيضا عن علي - رضي الله عنه - وعن عبد الله بن سنان قال :
سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق فقلت : الملائكة أفضل أم بنو آدم فقال قال على ابن أبي طالب - رضي الله عنه - إن الله ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة وركب في بني آدم كليهما فمن غلب عقله شهوته كان خيرا من الملائكة ومن غلب شهوته عقله فهو شر من البهائم ( جعفري 10 / 215 )
فنوع عاشق مستغرق في عشقه فهو كعيسى عليه السلام قد انمحت عنه البشرية وأُلحق بالملائكة ، إنه حقيقة على هيئة الإنسان ، لكنه نجا من أسوأ ما في الإنسان من حرص وهوى وغضب وجدال ، إنه حي بالعيان والمشاهدة ، لقد انتفت صفاته البشرية بالرياضة والزهد ، حتى صارت العبادة غذاء له كالملائكة . .
أما النوع الثاني فهو على النقيض تماما من النوع الأول فقد ألحق بالأدنى ، أُلحق بالحيوان ، لأن الناحية الحيوانية قد تغلبت عليه فهو غضب محض وشهوة


« 479 »


مغلقة . . وهو لم يخلق هكذا بل كان فيه وصف الملائكة لكن هذا الوصف العظيم ضاق به وجوده الضيق ويستعير هنا صورة من سنائى الغزنوي عندما وصف رحيل عثمان - رضي الله عنه - بأن الرجل كان عظيما وكانت الدنيا ضيقة ( حديقة بيت 3398 ) وهكذا فإن أوصاف الملائكة تغادر هذا الوجود الضيق الذي لا يتسع لها ، وأمثال هؤلاء موتى لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، وكل ما تبقى منهم جانب الحمارية « أولئك كالأنعام بل هم أضل » والروح التي لا تهتم به روح دنية وهذا الكلام حق يعرفه كل صوفي .


( 1513 - 1519 ) إن الإنسان ليقوم لهذه الروح التي نفخت فيه بأكثر مما يقوم به الحيوان إنه يحتال ويقوم بكثير من الفنون فهو الذي يستطيع أن يقوم بكثير من الصناعات الدقيقة . .
ومنها دقائق الهندسة والنجوم والطب والفلسفة والتكنولوجيا ، لكن كل هذا يقوم به من أجل عمران دنياه كل هذا يقوم به على هذه الصفة من الوجود ، ولعل مولانا قد أدرك بثاقب حسه والعلوم ( لا تزال في بدايتها )
أن هذا العمران الدنيوي إنما يخرب جانبا من جوانب الإنسانية ، فهو لا نهاية له ، وهو في نفس الوقت يعطى الإنسان كبرياء يدمر به الآخرين ثم لا يلبث أن يدمر نفسه ، لأن النهاية في العمران الدنيوي الخراب « حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت » ،


ومن ثم فإن الحل في الإسلام هو وصل الدارين - عندما يتم تكامل الإنسان ماديا على أن يصل هذا التكامل بالدار الآخرة يكون الغرض من الأموال الاكتفاء للجميع ، ومن العلم العمارة ومعرفة الخالق وإلا فإن علماء المسلمين كانوا يستطيعون أن يصلوا إلى ما وصل إليه العلم الحديث لولا أنهم لم يكونوا بالفعل بحاجة إليه فأي حاجة إلى المدفع إذا تم الفتح بالسيف ؟ ! !
( 1520 - 1532 ) وغير هذه العلوم هناك علم آخر لا يغنى وجودها عن وجوده ، وبهذا العلم يفضل الإنسان ويتفوق على غيره من المخلوقات ، إنه العلم


« 480 »


الذي يصل بالإنسان مهما كان متكاملا وناضجا وحاويا لعلوم الدنيا بالملأ الأعلى وينجيه من التدحرج من فوق القمة إلى السفح ، وإلى المحاق بعد الاكتمال ، ويفتح أمامه الحياة الأبدية الخالدة ، فلا يفنى أبدا ، ذلكم هو علم معرفة الحق ومعرفة طريقه ، ومن ثم فقد جعل هذا التركيب الحيواني مؤتلفا مع العلم ، وإلا كان الإنسان أضل من الأنعام فبهذا العلم يكون الإنسان في يقظة ذاته ناجيا من الروح الحيوانية التي لا تعرف غير النوم « الحياة الدنيا على فحوى الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » ، وتلك الروح الحيوانية التي تجعل الناس يملكون أحاسيس معكوسة فيظنون النوم يقظة واليقظة نوما ، يفضلون الدنيا وهي خيال وحلم نائم على الآخرة التي هي دار البقاء وهي الحيوان لو كانوا يعلمون ، وعندما تأتى اليقظة يمضى النوم . . وعند ذاك تعلم أنك كنت في نوم ( انظر لشرح النوم الأول والنوم الثاني الكتاب الثالث شرح أبيات 1735 - 1739 )


وتقرأ في لوح وجودك ( قلبك ) أنك كنت نائما وتنتفى عنك الغفلة إذا ظهر هذا الحس ظهر عكسه تماما ومن هنا فالإنسان حيواني الحس يكون ( أسفل سافلين ) . . لقد خلق في أحسن تقويم وجمعت فيه الحقائق اللاهوتية والدقائق الملكوتية ، كما قال نجم الدين ثم رددناه « أسفل سافلين » الطبيعة ( المولوي 4 / 213 ) .
فكن كما كان الخليل رأس الموحدين فقال « لا أحب الآفلين » ، ودعك من الواهن العابر واختر المتين الثابت الباقي وحذار أن تخدع بالروح الحيوانية لأنها استطاعت أن تغير من أصل وجودك ، والحقيقة أن ضعفه هو الذي جعل الروح الحيوانية تنفذ إليه وتغيره وهي وإن كانت هكذا في الحيوان ،
فإن للحيوان عذره في البهيمية فهي طبعه ، أما الإنسان فهو الذي لديه استعداد الرقى ، واستعداد الصراع ضد الطبيعة ، والطبع والحيوانية هما اللذان يقودانه بالفعل ، فإن كل ما يفعله يزيده غفلة وقربا من الحيوان ،
بل إن أنواع العلاج تكون ذات نتائج عكسية تالية له . هذان هما النوعان الظاهران الواضحان من بين البشر من رقى إلى مرتبة الملائكية ومن


« 481 » 


نزول إلى مرتبة الحيوانية ثم يبقى قسم ثالث هو في صراع دائم بين النفس وبين العقل ليل نهار في صراع . . هذا الصنف هو الميدان الرئيسي للعرفان هذه الجدلية الموجودة في الإنسان المخلوق من الحمأ المسنون والنفخة الإلهية من الطين الذي ركب فيه عقل ينأى به عن ذلك الطين .


( 1533 - 1543 ) لم ترد هذه القصة في أخبار المجنون والبيت ورد في كتاب « النوادر » لأبى على القالى في قصيدة لعروة بن حزام ( مآخذ 4 / 139 ) كما روى مولانا نفس الحكاية في كتابه ( فيه ما فيه ) فميل المجنون للحرة أي ليلى أما الناقة فقد تركت فصيلها وميلها إليه ، فتنازع العقل والنفس كتنازع المجنون والناقة ، فالعاقل يريد أن يتقدم أما النفس فتريد أن تعود القهقرى ، ولو غفل المجنون ( العقل ) عن نفسه لحظة واحدة لانطلقت الناقة ( النفس ) إلى الوراء ، لكن عشق ليلى كان قد ملأ على المجنون كل وجوده ولم يكن هناك بد من أن يغيب عن نفسه قليلا . .
إن العقل هو الرقيب الذي يكبح جماح النفس ،
لكن عقل المجنون في يد ليلى ، أما الناقة فقد كانت فتية سريعة ، فأحست بأن زمامها مفلوت فأخذت ترجع القهقرى على الفور ،
وهكذا عندما تسيطر النفس فإنها تأخذ المرء معها إلى الهاوية ،
وعندما يفيق العقل يجد أنه قد تقهقر في الطريق وهكذا فإن الطريق الذي يمكن للعقل أن يقطعه في أيام ثلاثة يظل مترددا فيه لسنوات وهكذا يقول المجنون ، كلانا عاشق أيتها الناقة لكن عشقى مضاد لعشقك ولما كنا ضدين فليس زمامك وفق هواي فاللائق هنا ترك الصحبة واختيار الفراق .


( 1544 - 1551 ) وهكذا فالعقل والنفس كالمجنون والناقة ، كلاهما قاطع لطريق صاحبه ، وكذلك الروح والجسد ، فالروح من هجرانها للعرش وهو موطنها في فاقة ( انظر الكتاب الأول شرح الأبيات العشرة الأولى ) وفي مواضع أخرى شبَّه مولانا الجسد الإنسانى بأنه الناقة التي ترعى الشوك ( انظر


« 482 »


الكتاب الأول الأبيات 1966 - 1971 ) وانظر شرح مثنوى شريف لفروزانفر الجزء الثالث من الدفتر الأول انتشارات دانشگاه تهران 1348 ص 809 - 810 ) - في حنين دائم وفقر وفاقة واحتياج . . والجسد مطمئن إلى أجمة الشوك يرعى فيها كما تفعل الناقة ، والروح تخفق بأجنحتها إلى الملأ الأعلى ، بينما يتشبث الجسد بأظافره في الأرض . .


وكأنه يخاطب الروح قائلا : ما دمت معي يا غريبا عن وطنك . . فأنت ذليل ومبعد يا حبيبي ، وهكذا يمضى العمر على مثل هذه الأحوال ما دام الصراع لم يحسم ، وكأنه التيه وقوم موسى ، والطريق إلى الوصال كله خطوتان أقرب من حبل الوريد لكنه من مكرك أيتها النفس بقيت ستين سنة ، إن الطريق قريب لكني تأخرت . .


ومللت . . وأصابني الإنهاك والتعب من الروابى على مركب البدن الذي هو يعود بي القهقرى كناقة المجنون ولا يوصلنى إلى منزل المحبوب .
( 1551 - 1555 ) وهكذا عندما توصل المجنون ( العقل - السالك - الصوفي ) إلى هذا المعنى ألقى بنفسه من فوق الناقة . . وانظر إلى تعبير ( القى بنفسه ) أي لم يفكر ولم ينزل بتؤده ، ولم يجعلها تنزله ويهبط بل حزم أمره وألقى بنفسه . . قرر ونفذ ) قائلا : حتام الاحتراق في حزن التردد والتأخر عن المحبوب ،
وهكذا فقد ضاقت الصحراء الواسعة بالمجنون وعشقه فالقى بنفسه في أرض ذات أحجار فانكسرت قدمه . . هكذا تتوالى البلايا على المجنون دالة على صدق عشقه ( فالعاشق مبتلى ) وهكذا يربط قدمه . . لم يعد يستطيع السير فليتدحرج في سبيل ثنيات شعرها الذي يشبه الصولجان كأنه الكرة .
( 1556 - 1561 ) ومن هنا فإن مولانا سنائى يعيب على ذلك الذي يظل ممتطيا مركب البدن ، ويبدو عن هذا عند الحكيم في قوله : إنه لانعدام همة عجيب ألا يخرج المرء عن الروح وإنه لفارس بلا اقبال ذلك الذي لا ينزل عن الجسد ( ديوان 485 ) لقد فعل المجنون ذلك من أجل ليلى ومتى يكون عشق


« 483 » 
المولى أقل من عشق ليلى ؟ ! متى تكون الحقيقة أقل من المجاز ؟ !
فأولى بك يا عاشقا أن تصير كرة متدحرجة في ثنايات صولجان العشق . . فإنك إن نويت هذا السفر فلن تكون في حاجة إلى مركب ، نحن في حاجة إلى مركب الجسد طالما كنا في سفر الدنيا . .
أما سفر العشق عندما تتخلف من مركب الجسد فهناك الوسيلة وهي الجذب الإلهى الذي يجذبك إليه فجذبة من جذبات الرحمن توازى عمل الثقلين » ( ليس حديثا نبويا وورد في أحياء علوم الدين دون نسبة إلى أحد ونسبة عبد الرحمن الجامي إلى أبى القاسم النصر آبادي ) ( استعلامى 4 / 277 ) - جذبا خفيفا رفيقا فلا تحس بمشقة الرحلة بشكل لا يمكن أن يوصف . .


فلا يمكن أن يصفه جن أو أنس . . وليس ميسرا لكل إنسان ولا يستطيع أن يصل إلى استحقاقها عامي - فهي لخواص الخواص لقد وصفها فضل أحمد . . وهي الجذبة الأحمدية منحت لقطب الأقطاب ولا تتيسر إلا بالموت الإرادى فصاحبه يسير بالله في الله على الله ( مولوى 4 / 248 ) .


( 1562 - 1577 ) عودة إلى قصة الغلام الذي انقص أجره ( أو العبد الذي قدر عليه رزقه ) والتي بدأت بالبيت ( 1490 ) إن العبد الذي أنقص الملك أجره لم يتصرف كعبد أمام المليك بل ترك التسليم ، ولم يتأدب في الطلب ، بل ظن نفسه صاحب حق ، وكتب للملك رقعة مليئة بالإنكار والكراهية ، أما كان أولى أن ينظر في هذا الخطاب قبل أن يرسله إلى الملك . . هل هو جدير بأن يرسل إلى الملك أو لا ؟ ! وهكذا أنت أيها الإنسان ، انظر هذا الخطاب المسمى جسدك إن كان جديراً بالمليك فقدمه إليه - هيا تنح بنفسك جانبا واجمع نفسك ، وطالع صحيفة بدنك ، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب ، وراقب أعمالك هل هي لائقة بأن تقدم إلى السلطان أولا تقدم ، فإن لم تكن لائقة ، عليك أن تقوم بتمزيقها ، عليك أن تصلح صور أعمالك ، وأن تفتح صفحة جديدة لكن إياك أن تظن أن هذا الأمر سهل هين ، وإلا لكان الاطلاع على القلب ودونه فناء الجسد والطبائع - أمر هين


« 484 » 
بالنسبة لأي إنسان ، إن الاطلاع على صحيفة البدن أمر صعب إنه عمل الرجال أولئك الرجال الذين يستطيعون مواجهة النفس ، تتبع الأمراض التي تقع في وجودهم من أثره وأنانية وكبر وغرور وحسد ، كم من الناس يستطيع أن يخلو بنفسه ، ويطالعها بعد أن يجردها من كل هذا الزيف الذي يعلوها والذي يواجه به الناس . . هل تستطيع أن تتحمل مشاهدة ما فيها من مثالب وقبح ؟ !
من منا يستطيع مثلا قبل أن ينام - أن يخلع عن نفسه وجهه المستعار . . وأن يكون نافذا نظره ليدخل إلى أغوار النفس السحيقة فيطلع على ما فيها من وحوش كامنة تنتظر الفرصة للانقضاض ؟ ! . .
لا . . إننا جائعون قانعون يفهرس هذا الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر ، قنعنا بالقشور ولم نصل إلى اللباب ، ما هذا الفهرس ؟ هو الإقرار باللسان . . وما الإيمان إلا ما وقر في القلب وصدقه العمل . . فهيا طالع قلبك وافهم ما وقر فيه . . هل هو بالفعل موافق لاقرارك ؟ ! . هل أنت مسلم ؟ !
هل سلم الناس من لسانك ويدك ؟ ! هل أنت موحد . . ألا تعترف بجبار في الأرض فتكون قد سقطت في الشرك ؟ !
هل يوافق قلبك لسانك أو تكون قد سقطت في شراك النفاق ؟ !
إنك تحمل جوالا ثقيلا مليئا بكل عطايا الإله لك . . إنه لن يقل إذا ألقيت إليه نظرة قبل أن تقدمه إلى السلطان انظر إليه أولا . . فإذا كان لائقا احمله . . وإلا فاجعله خاليا في البداية من كل ما ليس له قيمة . . وخلص نفسك من العار . . وضع في جوالك ما هو لائق حتى لا تفتضح ولا تشعر بالخزى يوم أن يعرض ما يحمله الناس إلى رب العالمين .


( 1578 - 1589 ) الحكاية هنا لم يذكر لها فروزانفر أصلا وهو تمثل وقفة من وقفات مولانا جلال الدين لكي يقدم فكاهة أو طريفة توافق مقتضى الحال . .
وفي نفس الوقت يعطى نماذج شخصيته من مجتمعه ، فها هو الفقيه المسكين يرى كبر العمامة يوحى بكثرة العلم ( وكثيرون هم في عصرنا الحالي من أشباه الأساتذة يرون أن وجاهة الحلة والمظهر اللامع أجدى من الجد في العلم . . وهم أسرع في الوصول إلى المناصب والجاه لأنهم يتعاملون في زمن يرى أن هذه هي


« 485 »


قيمته الوحيدة ، ويكتب في إعلانات طلب الوظائف حسن المظهر ) . . هذه العمامة العظيمة الفخمة الضخمة مكونة من خرق مهلهلة ( أو هذا العلم الظاهري الذي يرمز إليه الفقيه مكون من معلومات قد قمشت من هنا وهناك ) وظاهر هذه العمامة كأنه حلة من الجنة ( ظاهر هذا الفقيه يوحى بأنه عالم فذ ) لكن باطنها خلقِ كالمنافق تماما ظاهرة مزدان وباطنه قبيح . . وها هو أحد خاطفى العمائم ينتظره في مكمن وهو في طريقه إلى المدرسة . . إن فضيحة هؤلاء المتظاهرين كثيرا ما يجعلها الله تعالى على أيدي أهون خلقه ، وما أفظعها رذيلة الادعاء .
فها هو يخطف العمامة من فوق رأسه ويقع نفسه في الفخ ، لقد ظن أنه قد سقط على كنز ثمين ولا يدرى أنه قد سقط على كومة من القمامة تماما مثل أولئك الذين يغترون بمظاهر بعض مدعى العلم ، فيطلبون العلم عليهم وهم أحوج الناس إلى التعليم ، . . وها هو الفقيه يناديه بعبارة صارت مثلا ، افتح العمامة ثم احملها إذا أردت أن تظفر بشئ فتأكد أولا بأي شئ ظفرت ، لا بالخرق البالية وبالقمامة . .
وكل ما بقي في يده من تلك العمامة العظيمة الكبيرة الفخمة ذراع من القماش القديم البالي . . وهكذا كل من يغتر في هؤلاء العلماء الذين يهتمون بالظاهر . .
كل ما يظفرون به لفافة خرق بالية لا تنفع ولا تجدى وهكذا أيضا كل من يغترون بظاهر الدنيا ويسرعون في أثرها .


( 1593 - 1609 ) ها هي الدنيا بالرغم من أنها مزدانة خلابة إلا أنها كالفقيه إياه تحدثك عن عدم وفائها هي من شقين كون وفساد . . والمراد مطلق الوجود ، الوجود والعدم في عالم الحركة فالبقاء والثبات لواجب الوجود وهو الله تعالى أما العالم الطبيعي فهو متجدد ( بين الوجود والعدم ) آنا بعد آن ( سبزوارى 4 / 294 ) غير أن مولانا يرى أن كونها وفسادها حادثان معا جنبا إلى جنب ، فما من كون إلا ويتبعه فساد ثم كون . . وهكذا دواليك ، فالدنيا تتحدث إليك بلسانين : كون يقول لك هلمَّ إلىَّ إنني مبارك الخطى محمود العاقبة . . لكن الفساد




« 486 »


سرعان ما يجيب : إليك عنى فأنا لا شئ . . فما من وجود إلا ويتبعه عدم . . ما من ربيع بهى إلا ويعقبه خريف كئيب . .
ما من شمس ساطعة إلا ويعقبها غروب . . وما من بدر إلا ويعقبه محاق هذه هي سنة الله في خلقه إن الطفل الجميل ينقلب إلى شيخ مخرف ، كان هذا الغلام الجميل الفاتن سالبا للب ، انظر إليه في شيخوخته كأنه حقل قطن من شيبه . .
فلو فكر العاشق في منتهى حسن الذي يسبيه لم يسبه ( أبو العلاء المعرى ) . .
كل ما في الكون إلى فساد وفكر معي وإلام يتحول ذلك الطعام الذي كنت تتناوله باشتهاء شديد على المائدة . . كانت هذه اللذة والشهية البادية عليها فما لك . . ما من شئ من طيبات هذه الحياة الدنيا إلا ويلحقه الفساد . . . انظر إلى هنا الأستاذ الماهر في صنعته ألا ترتعش أنامله فيما بعد فلا يحسن الإمساك بشئ . . وانظر إلى هذه العين الحسناء الفاتنة ألا تصاب بالعمش وينزف منها الماء . . وانظر إلى ذلك البطل الهمام الذي يشق الصفوف ألا يخاف من فأر في شيخوخته ، انظر إلى الدنيا بهذين المنظارين لطفها البادى ثم فسادها الحتمي .


( 1610 - 1621 ) إذا كانت الدنيا تبدى لك كل هذا ، وإذا كنت تشاهده وتلمسه . . فلا تقل إذن ولقد خدعتنى الدنيا بمكرها قال على - رضي الله عنه - : وقد سمع رجلا يذم الدنيا : أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها المخدوع بأباطيلها ، أتغتر بالدنيا ثم تذمها ؟ أأنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ؟ ! أمتي استهوتك ؟ !
أم متى غرتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ !
كم عدلت بكفيك وكم مرضت بيديك ؟ وكم مثلت لك به الدنيا نفسك وبمصرعه مصرعك ، إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود عنها ودار موعظة لمن اتعظ بها » ( جعفري 10 / 243 )
فالآن وقد أخبرتك وبينت لك : انظر إلى ظاهر الدنيا بعين البصر وإلى حقيقتها بعين البصيرة : انظر إلى أطواقها الذهبية وخمائلها وسلاسلها الذهبية ، ( زينة


« 487 » 


الرؤساء والملوك ) كيف تنقلب في النهاية إلى أغلال في الأعناق ( وأحيانا في الدنيا أيضا ) وقس على هذا فليس هناك أحب إلى قلب ابن آدم من الجاه ، والجاه قتَّال حتى في الدنيا نفسها ، قس على هذا ما هو أقل من هذا بكثير انظر إلى العواقب ، ولا تنظر إلى المعلف ، انظر بعينك حتى لا تكون أعور كإبليس ، فمن عوره نظر إلى آدم على أنه من طين فحسب ولم ينظر إلى الجانب الروحي فيه ، ولقد فضل الرجل على المرأة لأنه أكثر تقديرا للعواقب ، وليس بقوته ولا بشجاعته ، وإلا فمن الحيوانات من أشجع منه وأقوى .


( 1622 - 1640 ) هيا واحزم أمرك وتدبر العواقب فأنت بين اختيارين ، والدنيا تناديك بصوتين متضادين تماما ، أحد الصوتين نشور الأتقياء والآخر خداع للأشقياء ، هي تقول إنني ورد على غصن شوك سرعان ما يسقط الورد ويبقى الشوك . . الزهر يصيح ها هنا بائع الورد والشوك يصيح حذار منا وإليك عنا . . وإن قبلت جانبا فعليك أن تفقد الأمل في الجانب الآخر . . فسوف تصم وتعمى عما سوى ما ملت إليه . . هذا صوت يصيح ها أنا ذا حاضر لك هيت لك . .
، وصوت آخر يقول : بل انظر إلى عاقبة هذا الجمال والفتنة فها هو إلا مكر وكمين منصوب لك فانظر إلى عاقبة هذا الجمال ، وما أسعده ذلك الذي حزم أمره من البداية . .
وسمع أقوال الرجال الذي قالوا : يا دنيا غرى غيرى ، لقد أدرك من النهاية أن المكان خال فانتحى جانبا ورأى سوى كل ما اختار اعوجاجا يبدو في ثوب حسن وقشيب ، وخير ما فعل من البداية ، فإنك إن استخدمت الآنية الجديدة من البداية في البول فلن تستطيع مياه الأرض بعدها أن تطهرها فلقد تمكن البول من أصلها وهكذا كل من يجعل الدنيا همه من البداية يكون من الصعب بل من المستحيل أن يقلع عنها فكل شئ في الدنيا يجذب الصالح له الموافق له : الكفر يجذب الكافر والرشد يجذب الرشيد وكم هناك من شهوات في الدنيا ، الخير نفسه شهوة بالنسبة لمن لديه استعداد للخير ، والأشياء التي


« 488 » 


تجذب مختلفة الحديد يجذبه المغناطيس والقش يجذبه الكهرمان ، وما لا ينجذب إلى الأخيار يكون انجذابه إلى الفجار ، تماما من لم ينجذب لفرعون ويخدع به إنجذب إلى موسى واستجاب إليه ، وإذا عميت عليك معرفة أحد . . فانظر من اتخذ إماما في حياته فبإمامه وقدوته يعرف .
( 1641 - 1649 ) ما ورد في العنوان : أبيت عند ربى حديث نبوي وبقيته يطعمني ويسقيني ( انظر 1 / 3840 ) وفي الدفتر الخامس شرح آخر للحديث : إن كل إنسان يجذب إليه كل من هو من جنسه ألست ترى مهر كل حيوان يسرع في أثره ، إن تجانسه يبدو من هذه المتابعة ، وانظر إن وليد الإنسان يرضع من الصدر والصدر هو الطرف الأعلى في الإنسان ، بينما وليد الحيوان يرضع من الطرف السفلى لأمه فلم يكرم بالروح ولم يكرم بالاختيار والقسمة عادلة فلا ظلم هناك ولا جور . . بل أنت مختار حر الإرادة فإن كان ثمة جبر فمتى كنت تندم على فعلك القبيح ما دام الله قد قدره عليك ؟ !
وكيف يكون ثمة ظلم تعالى الله عن الظلم علواً كبيرا وهو خالقك وحافظك . . ها هو اليوم يقترب من نهايته لتكن بقية الدرس في الغد . . أي يوم وأي غد ؟ !
وهل يمكن للأيام أن تستوعب سرنا ؟ !
هل يمكن للأسرار أن تنقل في الأصل عبر الدروس ؟ هنا يحل ضيق بمولانا فيقف شاكا في قيمة ما يعمل . . بل شاكا في اخلاصه نفسه . .
ويخاطب نفسه أو أحدا آخر : حذار أن تكون واثقا مطمئنا إلى ما فعلت فليست النجاة بالعمل بل بالتوفيق الرباني وليس كل من عمل كثيرا رزق كثيرا بل الرزق مقسوم فكيف تثق وتطمئن إلى حديث سقته رياء ونفاقا . . لعلك بالغت فيه لكنه مثل حباب الماء سرعان ما يزول وينفجر وليست بذات قيمة لكنها واهية امتلأت نورا لكنه كنور البرق لا ثبات له ولا دوام ، ولا يستطيع السالكون السير في ضوء هذا البرق .


( 1650 - 1669 ) لا يزال مولانا في نفس « القبض » الذي سيطر عليه فهو قد فقد الأمل في هذه الدنيا وأهلها ، واعتراه القنوط من أن يرى منهم خيرا أو


« 489 » 


يدفع عن نفسه منم شرا : فهذه الدنيا لا نفع فيها لا هي ولا أهلها . . هم مثلها تماما لا وفاء لهم وابن الدنيا تماما مثل أمه لا وفاء عنده . . أما أهل ذلك العالم من الأولياء والأنبياء فهم محافظون على عهدهم وميثاقهم إلى الأبد ، ولذلك فهم في توحد ووحدة فهل سمعت أن نبيين تشاجرا معا ؟ !
هل سمعت أن نبيا سرق معجزة من نبي آخر ؟ ! وهذه الفكرة مأخوذة من شمس الدين التبريزي ( مقالات 356 ) .
إن ثمارهم من العالم الآخر ولذلك لا يطرأ عليها فساد بل هي نضرة دائما ، سرورهم دائم وسعادتهم مستمرة لأنها سعادة نابعة من العقل . .


وشتان ما بين هذا السرور وبين السرور الذي نتج عن اشباع شهوات النفس ، فالنفس لا عهد لها ومن ثم وجب قتلها إنها دنية وقبلتها الدنايا من شهوة وفسق ومعصية وكبر وتفاخر وغرور وهوى وهوس ومن ثم فهذا المحفل أي محفل الدنيا لائق بالنفوس . . كما يليق القبر أو الكفن بالميت والنفس وإن كانت ذكية عالمة بالدقائق أي إن كان أربابها أذكياء مدققون عالمون بالدقائق في صدر كل مجلس وقبلتها الدنايا فاعتبرها ميتة لكن هناك أمل في أن تحيا تلك النفوس الميتة إذا صب عليها ماء وحى الحق ، إن الإيمان والمعرفة اللدنية الإلهية منهما تكون الحياة الخالدة ، والصيت الذي لا يعقبه خمول ، وشعاع شمس الحقيقة التي لا يعقبها أفول . .


وهي شمس الإرشاد ، ودعك من تلك الفنون الدقيقة والجدل والنقل وعلوم الدنيا إنها بناء فرعون ألم يبن فرعون صرحا على الطين ؟ ! ألم يكن في قصر تجرى من تحته الأنهار ؟ !


ألم يأخذ من زينة الدنيا ؟ ! وهل يمكن لأحد أن يكون له ما كان لفرعون من زينة ومن جاه وسلطان لكن الأجل في انتظارها كأنه ماء النيل الذي تحول إلى دم ، إن هذه المعارف الدنيوية بأبهتها وقعقعتها وكبكبتها وسحرها بالرغم من أنها تجذب إليها الخلق أشبه بحيات سحرة فرعون ، إنها تسحر العيون فحسب لا تتجاوز الإبهار البصري إلى العقول والأفهام والقلوب ، والموت بالنسبة لها كحية موسى يبتلعها جميعا ، لقد


« 490 »


ابتلعت حية موسى كل السحر كعالم ملىء بالظلمة ابتلعه نور الصبح والنور الذي إبتلع ذلك الظلام لم يزدد به بل ظل على حاله الذي كان عليه ، من قبل ذلك نور الله الذي يسطع على الخلائق لا تزداد به ذاته الشريفة فالزيادة في الأمر وليست في الذات ومتى وجدت الموجودات بإيجاده كان كل شئ هالكا إلا وجهه كل فان فان في الأزل وهي باقية لم تزل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم - كان الله ولم يكن معه شئ وقال الجنيد قدس الله سره : الآن كما كان وقال عبد الرحمن الجامي : كان منجم الحسن ذاك ولم يكن ثم علامة عن الكون ، الآن آن عرفت ما عليه كان ( انقروى 4 / 362 - 363 )


فلا زيادة في ذاته من أخذ ولا نقص فيها من عطاء وهناك بلا شك فرق بين زيادة الأثر وزيادة الذات ، وزيادة الأثر اظهاره تعالى للأثر حتى تظهر صفاته الكاملة وقدرته الشاملة وغرائب صنعته الثابتة . .
والزيادة في الذات تدل على إنها حادثة وعليلة بالعلل ، وكما كان في غيب ذاته موصوفا بالكمال والغنى فهو بعد ايجاد الخلق منزه عن أوصاف الحوادث وغنى عن العالمين فالوجود لله تعالى حقيقة ولما عداه عارية كما قال في حديث القدس : « خلقت الخلق كي يربحوا على لا أن أربح عليهم » ( انقروى 4 / 364 ) .


( 1670 - 1676 ) ها هو موسى عليه السلام بالرغم من تمكينه ونبوته وثبات إيمانه ووفرة نصيبه من النور الإلهى ، يعتريه الخوف عندما يرى سحر السحرة قد اختطفت أبصار القوم وألبابهم ، وقيل بل خاف موسى لأن سحرهم من جنس معجزته فخاف أن يلتبس الأمر على الناس فلا يؤمنوا به –
وقال نجم الدين كبرى يشير إلى أن البشرية منه مأخوذة الحيلة الانسانية وكونه نبيا إلى أن ينزع الله الخوف منه ، ( مولوى 4 / 223 ) .
ويطمئن الحق موسى عليه السلام إنه سوف يخلق التمييز في الخلق ، فالتمييز هبة من الله وعطية من عطاياه فلو أنهم بدوا في أنظارك بحرا مرغيا مزبدا فإنك أنت الأعلى «فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ


« 491 »


وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ» ( الشعراء : 44 ) «فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ . . وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ ، فَوَقَعَ الْحَقُّ ، وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ» ( الأعراف : 116 - 122 )


لقد أرسل الله سبحانه إليهم معجزة من جنس ما كانوا يفخرون به كان فخرهم السحر فأرسل إليهم عصا أبطلت سحرهم ، وهكذا يكون المحك دائما من جنس الفخر ، فكل حي ادعى الملاحة والجمال فالموت في انتظاره ، المحك إذن في انتظار تمييز الذهب النضار رجل الحق من المزيف المدعى وبخاصة عند أولئك الذين يكشف لهم بعض الكشف فيغترون ويمتحنون ببعض الكرامات فيضلون ويدعون الارشاد وكل شئ يمضى ولا يتبقى إلا الاسم : مضى السحر إلى حال سبيله كما مضت المعجزة ، وانعدم الكل ولم يبق إلا الاسم ولم يبق من السحر إلا اللعنة ومن الدين إلا الرفعة .


( 1677 - 1694 ) وإذا كان المحك قد اختفى ، انتهت النبوة ولم يبق إلا المعاد محكا بالنسبة للرجال والنساء ، فهلم أيها الزيف هذا عصرك وأوانك فهيا تعال هنا وتنفج وتحدث بما ليس فيك ، فإن الأيدي سوف تتناوبك والناس سوف يلتفون حولك ، ما دام المحك ( الموت ) ليس موجودا ،
وها هو الزيف يجادل الذهب قائلا له متى كنت أيها الذهب أقل منك ،
 لكن الذهب يرد عليه قائلا قد يكون هذا في الظاهر أيها الرفيق لكن الموت آت لا محالة فكن منتظرا له « والموت هو هدية المؤمن » أليس من بعده يكون الفصل بينه وبين المنافق والموت تحفة المؤمن وريحانة المؤمن فهل ينقص الذهب الخالص من المقراض ؟
أو لو أدرك الزيف العاقبة لنجا من السواد في الآخرة ولنجا من النفاق ومن الغثاء ولطلب كيمياء من فضل الله عند الأولياء والمرشدين الذين يبدلون المنافق الشقي إلى مؤمن


« 492 »


وسعيد كما تبدل الكيمياء المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة ، ويغلب عقله وقلبه على نفاقه واحتياله ولتنازل عن كبريائه ولجأ إلى رب المنكسرين عبداً مسكينا ، إذن لجبر انكساره ولربطه على الفور برباط المنكسرين ونجاه من كبره ومن شقوته . لقد ساق الفضل الإلهى أولئك الكفار الذين يشبهون النحاس إلى الأكسير . . نعم لقد اعترفوا بأنهم كفار ، اعترف بعجزك أمام الله وبعبوديتك واحتياجك يهديك ، أما إذا كنت هكذا محتاجا متكبرا وكافرا منافقا متظاهرا بالإيمان تماما كالزيف المطلى بطلاء الذهب ، فسوف تظل محروما ، وإياك أيها الزيف من الدعوى فسرعان ما يفيق طالبوك والمتحلقون حولك فيرون زيفك ، إن ذلك الضياء الساطع الذي سيضىء عرصات المحشر سوف يفتح عيونهم وسوف يفتضح آنذاك كيف وضعت الكمائم على عيونهم ، وكيف خدعتهم وانظر آنذاك لأولئك الذين رأوا العاقبة كيف أصبحوا حسرة على الأرواح وحسدا للعيون . .


وانظر أيها الزيف إلى أولئك الذين اهتموا بالحال وكيف أبعدوا رؤسهم الفاسدة عن أصل السر والوطن الحقيقي وهجروا عالم المعنى كلية . . إن ذلك الذي يتعلق بالحاضر ويتعلق بالحال ولا يرى وجودا سوى وجود الدنيا وهو في جهل وشك يتساوى عنده الصبح الصادق ( المرشد الحقيقي ) مع الصبح الكاذب ( المرشد المزور أو المزيف ) وكم أهلك الصبح الكاذب من قوافل سارت على نوره المزيف فلم تلبث أن وجدت نفسها في الضلام الدامس وابتلعتها تلك الصحارى من الضلال ، وما من حال حاضر إلا وهو ماض في الضلالة أن نظرت إلى صورته ولم تدرك سره ، وهو جدير حقا بالأسف والحسره ذلك الإنسان الذي لا محك له ولا مقراض معه يستطيع بهما أن يختبر المعدن الذي يعرض عليه فيرى إن كان ذهبا خالصا أو كأسا مطليا بالذهب ، ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذباب ( انقروى 4 / 369 ) .

« 493 » 


( 1695 - 1706 ) إن مثال الزيف والمعدن الرخيص الذي ادعى أنه معدن نفيس هو مسيلمة الكذاب الذي سمى نفسه أحمد مدعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه محمد فحسب وإن أحمد رسول نص عليه في القرآن ، ويسمى برحمن اليمامة ، وقتل بحربة وحشى قاتل حمزة ! ! الذي قال هذه بهذه ( انظر تاريخ الطبري ج - 3 ص والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج - 1 ) هذا المدعى ادعى أنه سوف يقضى على دين محمد . .


فهيا قل لأبى مسيلمة الكذاب ولكل كذاب كفاك بطرا وجحودا ودعك من النظر إلى الدنيا وانظر إلى اللعنة التي سوف تصيبك في النهاية ، ولا تكن مرشدا للخلق وكل هدفك هو جمع المال وكن تابعا لشمع الدين لكي ينير لك الطريق ويخلصك من النفاق والكفر ويريك مقصدك كأنه القمر وترى أن كان في القمر نفع أو في هذا المصباح وهو الذي تستطيع أن تميز به بين الصقر ( المرشد الحقيقي ) لأنه قادر على إجتياز العقبات ولأنه في كف المليك ولأنه في حاد البصر ، - وتوصف روح الصوفي أو السالك أيضا بأنها كالصقر بينما وصف ابن سينا ( الفيلسوف ) الروح بأنها حمامة


- وبين الزاغ ( أي الشيخ المزور الكذاب ) وإن قلت أنك تستطيع أن تميز بينهما ، وأن الفرق بينهما بين واضح وليس في حاجة إلى المرشد ، أقول لك وإن طيور الزاغ أو الغربان تعلمت تقليد أصوات الطيور البيضاء أي الصقور البيضاء وهي أغلى أنواع الصقور ، أي إن أولئك الذين يدعون الإرشاد يقلدون حركات المرشدين ، وسكناتهم دون أن يكون لهم بواطنهم وعلمهم وإن تعلم أحد صوت الهدهد ، ( أي أرباب العلم والمعرفة )
فقل له أين سر الهدهد وأين الرسالة التي جاء بها من سبأ . .
نعم فأن لكل ظاهر باطنا يستتبعه ، والمنافق المدعى فحسب هو الذي يقف عند الظاهر والطيور كلها تغرد لكن فرقا شاسعا بين تغريد طائر محلق في أجواز الفضاء وتغريد طائر حبيس في ركن من قفص ،
أعلم هذا الفرق البين بين من لا تقف أمام أحاديثه حواجز والكون كله مفتوح أمامه وبين قانع بالمظهر لكن


« 494 » 
باطنه بلقع لا تجرى على لسانه حكمة الشيخ . . وميز بين تاج الهدهد وتاج الملك وإن كان كلاهما تاجا - إن أولئك الذين حرموا نعمة الحياء ( وهو من الإيمان ) أخذوا يتحدثون بأطراف ألسنتهم دون قلوبهم ( وقلوبهم خاوية ) بأحاديث المرشدين والعارفين وما كان هلاك الأمم إلا من اتباعهم لأمثال هؤلاء ، لقد ظنوا إن الصندل عود هذا بالرغم من أن تلك الأمم كانت تستطيع التمييز وكان لديها نفس المقاييس لكن الحرص والهوى يصمان ، حبك الشئ يعمى ويصم ، إن الأعمى ليس مبعدا عن رحمة الله ، بل أن الله سبحانه وتعالى يضع الرحمة في قلوب عباده بالنسبة له ويشفقون عليه لكن أعمى الحرص وأعمى الهوى وأعمى الغرض ليس معذورا ، وإن الذي يصلبه الملك ليس بعيدا عن الرحمة أيضا لكن الذي يصلبه الحسد أي يكون مبتلى بالحسد فيكون كالمصلوب الذي ينظر إلى موضع واحد وأفق نظره محدود تماما يكون في عناء وبلاء من حسده لكنه لا يستطيع أن ينجو منه لأنه مرض بلا دواء والعياذ بالله .


( 1707 - 1716 ) انظرى يا سمكة في بحر الحياة المتلاطم إلى الشص ، وقاومى ، فإن شهوة الحلق قد أغلقت عين العاقبة عندك . . هيا انظر بعينيك الاثنتين إلى البداية والنهاية ولا تكن أعور كإبليس اللعين ، والأعور هو الذي ينظر بعين واحدة وينظر إلى الحاضر فحسب ، ومن ثم فهو كالدواب لا علم لها عندها بما خلفها وقدامها عن الظاهر والباطن وعن المبدأ والمعاد ، ومن هنا فإن دية عيني بقرة هما كدية عين واحدة ، لأن بصرها محدود والفقهاء يفسرون ذلك بأن الدابة لها عيناها وعينا مستعملها فهي بمثابة عيون أربعة ، ومن ثم فالعينان بمثابة عين واحدة عند إنسان وقد قضى - صلى الله عليه وسلم في عين الدابة بربع القيمة ، ويفسر مولانا بأن عين البقرة تساويان نصف قيمة عين الإنسان لأنهما تعتمدان على عين الإنسان . . ولأن عيني الإنسان تقومان بالعمل دون مساعدة من الآخر . وبالطبع كان مولانا فقيها قبل أن يكون صوفيا ، لكنه


« 495 »


يسرع ويترك هذه المجادلة الفقهية لبفسر لنا تفسيرا صوفيا بأن عين الحمار ناظرة إلى اللحظة إلى الحاضر وليست ناظرة إلى العاقبة ، فحكم الحمار هو حكم الأعور ويرى نفسه سوف ينغمس مرة أخرى في المناقشة الفقهية فيقول بأن هذا الكلام كلام آخر وأن الغلام الذي أنقض أجره مشغول بكتابه رقعة طمعا في الرغيف .
ولكل اهتمامه ، فهمة المرشد إلى ما ينفع مريديه وهمة الغلام إلى ما يملأ بطنه .


( 1717 - 1728 ) عودة إلى قصة الغلام الذي أنقص أجره والتي بدأت بالبيت 1491 وأشار إليها إشارة عابرة في البيت 1563 فها هو يريد أن يضع وزر ما حاق به على كل الناس إلا على نفسه ، فها هو يجادل رئيس الطابخين الذي يحاول أن يقنعه أن الذي حدث لم يكن من فعله هو أولا ،
ثانيا : إن السلطان لم ينقص أجر الغلام بخلا منه . فالسلطان مشهور بالسخاء والجود وإنما يعطى لكل إنسان على قدر مصلحته « وإن من عبادي من يصلح لهم الغنى وإذا أفقرتهم فسدوا وإن منهم لمن يصلح لهم الفقر وإذا أغنيتهم فسدوا » .
( حديث نبوي ) وإنما هم عبيد مأمورون والعاطى في الحقيقة هو السلطان : فليدع السلطان ، ليدع الأصل وليترك الفروع ، هيا انظر إلى الآية الكريمة «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» ( الأنفال : 17 )


قال نجم الدين : نفى القتل عن الصحابة بالكلية وأثبته لنفسه ونفى الرمي عن حبيبه وأثبته له ثم أثبته لنفسه وهنا ما نفى الرمي عن النبي عليه السلام بالكلية بل أسند إليه الرمي ولكنه نفى وجوده بالكلية في الرمي وأثبته لنفسه أي ما رميت بك إذ رميت ولكن رميت بالله وذلك في مقام التجلي فإذا تجلى الله لعبد بصفته من صفاته يظهر على عبد منه فعل يناسب تلك الصفة .
كما كان من قال عيسى عليه السلام لما تجلى الله له بصفته الإحياء كان يحيى الموتى بإذنه وهذا كقوله : كنت له سمعا وبصرا ويدا ( مولوى 4 / 243 ) والغلام مع كل ذلك لم يرتدع . . فانتحى جانبا وكتب رسالة .


« 496 »


( 1729 - 1738 ) إن رقعة الغلام للملك شبيهة بأحاديثنا جميعا إلى السلطان : لقد أثنى الغلام في رقعته على السلطان ، تحدث عن جوده وسخائه وعن أنه أكرم من البحر والسحاب ، ذلك أن السحاب يجود بالمطر باكيا ، أما الملك فيجود بالعطية ضاحكا هذا هو المدح الموجود بالرقعة لكن رائحة الغضب تفوح منها وانظر إلى أي إنسان قدر عليه رزقه انظر إليه وهو ينادى : يا الله أهي رنة التضرع التي تفوح من قوله والاحتياج ، أو هي رنة العتاب والغضب . .
إنه خطاب غاضب هدفه اظهار الغضب ، وما الثناء والمدح هنا إلا من قبيل الرياء ويترك مولانا جلال الدين الغلام الذي يغضب ويمدح من أجل الخبز لا من أجل الرضا ، ويتجه بالحديث إلى غلمان السوء في الدنيا : من هذا فكل أفعالك أيها الغافل المرائي بلا نور ،
ليست أفعالك القبيحة بل عباداتك وطاعاتك أيضا لأنك بعيد تماما عن النور الطبيعي والنور الإلهى ، وهكذا أعمال الأخساء الأدنياء لا رونق فيها ولا ازدهار ولا طائل من ورائها مهما بدت طيبة ،


فهكذا شأن الفاكهة الفجة غير الناضجة تماما سريعا ما تعطن ، وهكذا رونق الدنيا وزخرفها ، لا طائل من ورائه فهي عالم الكون والفساد وطالما أنت تمدح أحدا باللسان دون أن يمدحه قلبك . فإن الصدور لا تنشرح بهذا المدح فالحقد في قلب المادح يمنع مدائحه من التأثير فلا صدق في التعبير ولا إخلاص فلا يتجاوز الآذان إلى القلوب . . فقبل أن تقرأ « الحمد » أخل قلبك في البداية من الحقد والكراهية ، فالحمد على اللسان . .
والاكراه في القلب يكون نوعا من خداع اللسان وغشه واحتياله إذ أن « الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم » الاخلاص في العمل إذن أساس قبول أي عمل أو نجاحه : لا تتحدث عن المستضعفين وأنت غارق في الرفاهية ، لا تكتب عن الجهاد وأنت خامل ضعيف لا يتأتى منك فعل ، لا تكتب عن العمل وأنت عاطل ، ولا تتحدث عن العطاء وأنت لا تفعل شيئا إلا أن تأخذ . . كثيرون هم أمثالك في هنا العالم .
.

.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1739 - 2201 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:44 pm

الهوامش والشروح 1739 - 2201 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1739 - 2201 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1739 - 2201 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك المداح الذي أخذ يثنى على ممدوحه على سبيل الفخر ،
بينما كانت رائحة همه وحزنه الداخلي وخلافة ثوبه تبدى
هذا الشكر كذبا وبهتانا
( 1739 - 1751 ) على مستوى آخر من التعبير مستوى السخرية القائمة التي تحتوى في ثناياها على المعاني العميقة ، لكن الصورة في مستوى المريدين العاديين . إن فحوى الحكاية من ذلك الشاعر الذي رد خائبا من خليفة العراق ، ومع رثاثة مظهره يسوق لرفاقه الأحاديث الطوال عن عطايا الخليفة له ، ويبدو فيما يقول فروزانفر أن الحكاية استيحاء من بيتي بشار بن برد :أثنى عليك ولي حال تكذبني * فيما أقول فأستحى من الناس
 
قد قلت إن أبا حفص لأكرم من * يمشى فخاصمنى في ذاك افلاسى
والبيت :
فإذا نطقت بشكر برك جاهدا * فلسان حالي بالشكاية ينطق
( مآخذ 4 / 140 ) .
وكذا المنافق تظهر على هيئته من آثار ما يكذب ظاهر أقواله إن لسانه يمدح ، لكن أعضاءه كلها تشكو وعندما يسأله الناس : « ألم يعطك الخليفة فيما أعطى نعلا وسروالا . . . ويظل سادرا في غيه ولم لا ؟ ! أعطاني ولكني آثرت به الفقراء والأيتام . . لقد أعطيت المال وظفرت بالعمر الطويل فالصدقة تزيد العمر » .
 
( 1752 - 1762 ) كل هذا الكلام جميل . . لكنه من علامات الذي يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ذلك الرضا الذي يفيض من داخله على ظاهره . . إن كنت قد أخذت . . وآثرت بما أخذت ، فقد قمت بالرضا مرتين مرة الأخذ ومرة بالايثار فلماذا إذن هذا الدخان الذي يتصاعده من النار المستعرة في داخلك . . لماذا هذا الانقباض ؟ !
إن هناك كراهة في باطنك تخزك كأنها الشوك . . وعلى وجهك الهم فمتى كان الهم هو دليل الاستبشار ؟ !
أين أمارات العشق والإيثار والرضا إذا كان ما قلته فيما مضى صحيحا ؟ !
نفرض أن المال قد أخذته وأنفقته فأين غنى القلب وميله إلى الملأ الأعلى ؟ !
إن السيل ليترك أثره حينما يمر . . فأين أثر ذلك
  
« 498 » 
 
السيل الذي تتحدث عنه ؟ وإذا كانت عينك سوداء فانتبه . . فلماذا هي الآن زرقاء كدرة بلا نور ؟ ! أيها العبوس أين أمارات الاخلاص ؟ إنك تجدف وتدعى . .
فاصمت . . فهناك مئات العلامات للإيثار في القلب وهناك مئات العلامات تراها على وجه المحسن « سيماهم في وجوههم » . .
إن العمل وإن كان مخلصا فإن سيماه على الوجه بشارة وتهلل وارتياح ورضا يشمل وجود المرء كله ، إن الذي أضاع ماله وأتلفه إيثارا يسمع من داخل قلب أن الله سبحانه وتعالى سوف يخلف عليه . . الحبة . . بسبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء فهل يمكن أن تكون هناك زراعة في أرض الله ثم لا يكون منها ربع ؟ ! أليس الصدقات والخيرات زراعة في أرض الله ؟
وإن لم يزدد ريع العناقيد والسنابل فمتى كان الله سبحانه وتعالى يصف أرضه بأنها واسعة ؟ !
وإذا كانت هذه الأرض الفانية أرض الدنيا تغل فيخلف عليك في الدنيا ، تزرعها وتحصد منها . . فكيف إذن تكون غلة الأرض الواسعة ؟ ! قارن وتصور ! !
 
( 1763 - 1772 ) عودة إلى خطاب الشاعر : لقد قلت الحمد فأين أمارته ؟
لا هي موجودة داخلك ولا هي ظاهرة عليك . . وذلك الغلام الأحمق قربه من السلطان قرب ظاهري لكنه بعيد بعد المشرقين ، « من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر على نعمائي فليخرج من أرضى وسمائي وليطلب ربا سواي » والرضا على الله تعالى في كل ما فعل أمات أو أحيى أفقر أو أغنى أبلى أو ابتلى أبهج أو أشجى فإن جميع ما يفعله فضل وعدل وكله عاقبته حميدة ، . .
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا أنعم الله على عبده نعمة فيقول العبد الحمد لله فيقول الله تعالى : أنظروا إلى عبدي أعطيته مالا قدرة له عليه فأعطاني ما لا قيمة له عندي ( انقروى 4 / 386 )
وقيل الشكر ثلاثة أنواع شكر باللسان وشكر بالقلب وشكر يجمع الجوارح على ما يليق بكل جارحة ، فشكر العينين غضهما عن محارم الله وعن عيوب الناس ، وشكر
 
« 499 »
  
الأذنين التصامم عن عيوبهم وعما لا يحل سماعه ، وشكر اليدين كفهما عن أموال الناس ، وشكر الرجلين كفهما عن المشي في المعصية ، وشكر العقل المعرفة وشكر اللسان الذكر والثناء ، وشكر الأعضاء الخشية من الله تعالى وشكر النفس العبادة والفناء ، وشكر الروح الخوف والرضا وشكر القلوب الصدق والوفاء ، وشكر العقل التعليم والسخاء ، وشكر المعرفة التسليم والرضا ، والحمد يوضع موضع الشكر وإن كان الحمد أعم من الشكر ، لأن الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاك من النعمة والحمد الثناء على الذات لصفاتها الحميدة كائنة ما كانت وفي الصحيح أن أول من يدخل الجنة الحامدون لله على كل حال وقال عليه السلام : الحمد لله شكر على كل نعمة ( مولوى 4 / 248 - وهذا المعنى وارد في شرح التعرف 3 / 137 مع بعض التفصيل ) ،
والحمد الحقيقي إنما يتأتى من العارف بالله تعالى بحيث تكون يده وقدمه شاهدين على هذا الحمد ، وإنما ذكر هنا البعض دلالة على الكل . . أي تكون كل جوارحه شاهدة على هذا الحمد وبهذا الحمد الذي يزيد النعم سحب العارف بالله من بئر جسده المظلم واشتراه من قيد سجن الدنيا ، وآية حمده التقوى بادية كأنها عباءة من الأطلس يضعها على كتفه والنور المؤتلف معه حيثما يمضى ولقد نجا في الدنيا فهو دائما في نزهة في بستان الطاعات وشارب من العين الجارية
وقال نجم الدين : العين الجارية من المعرفة والسرر المرفوعة أي الأسرار الرفيعة التي يصل إليها المقربون عبادة وهم أيضا في « مقعد صدق عند مليك مقتدر » « إن حمدهم بادي الأثر يفعل بالنفوس فعل الربيع بالرياض وله مئات الأمارات » والعلامات ، ومن حمده أي العارف آثار معنوية تفوق العيون والنخيل والزرع والأشجار من العارف تجلو بجلاء المعرفة وصقلت بصقال العلم والحكمة وشواهد حمده أكثر من أن تعد وتحصى لاحقة لهم كشهادة الدر على وجوده في الصدف أو قل : إنها مخفية كالدر الغالي في الصدف الرث المظهر .
  
« 500 » 
 
( 1773 - 1786 ) ها هو يخاطب النفاج الذي يثرثر بما لا يفهم ويدعى ما ليس فيه قائلا : إن رائحة الكراهية وعدم الرضا تفوح من فمك كأنها رائحة الثوم ، ومن رأسك ووجهك يتأجج حزنك أيها النفاج ، وهذه المعركة فيها علماء حاذقون بالروائح ذوو فراسة ، ينظرون بنور الله ، ويدركون ما تحت الظاهر الخلاب من فقر مدقع . إنها معركة ، فإياك أن تظهر من نفسك شجاعة ليست فيك وجلدا ليس من خلقك وإلا فضحك هؤلاء ، لا تتحدث عن المسك بينما يفوح منك البصل وكيف تقول لقد طعمت الورد المطبوخ بالسكر بينما تفوح منك رائحة البصل قائلة لك : لا تهرف ولا تجدف ولا تتحدث عبثا وهذرا ، ها أنت تتحدث عن الباقيات الصالحات وعن الطيبات وتصعد إلى سماوات من صنع خيالك ، وتحاكى الطبيعة متحدثا عن عالم لم تدرك منه لمحة واحدة لكن قدمك الثابتة في الطين تكذبك ، إن ما تفعله ليس إلا من قبيل تعلقك بالدنيا أيضا ، ثم أين ذلك النور الذي يشع من الأخيار الطيبين . . لعلك . .
 
تظن أن أحدا ليس مطلعا على قلبك ، ألا فاعلم أن لهذا البيت الواسع الموجود داخلك جيرانا حقيقيين يطلعون على أسراره وعلى ما يظن أنه خفى ، هم جواسيس القلوب يعرفون الناس بالتوسم ، يطلعون على القلوب من كوة لا اشتراك لك فيها ولا حصة لك منها ولا تدرى عنها شيئا هي حصة القلب المستنير بنور الله وإن كنت لا تصدق ذلك . . أن هناك من يرونك دون أن تراهم ، ومن يطلعون على أسرارك دون أن تعرف عنهم شيئا . فاقرأ في القرآن الكريم «إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ» ( الأعراف : 27 )
فها هو طريق لا يعرفه الإنس . . لأنه خارج نطاق معرفتهم وحواسهم فإياك والاحتيال والتصنع والتكلف في وسط هؤلاء الناقدين الذين ينقدون الزيف من الصحيح ، هم المحك المعنوي ، أليس المحك يكون عالما بسر القلب ، إذ جعله الله تعالى لكي يطهر القلوب ويجذب الأدران خارجها ، وكل هذا إنما يتم بالفراسة « واتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله » وإذا
 
« 501 »
 
سألت كيف ذلك ؟ ! أقول لك ولم لا ؟ ! ألم ينص القرآن على أن الشياطين مع غلظة طبعها تطلع على أمورنا من حيث لا نراها ؟ !
وألم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - « إن الشيطان يجرى من بن آدم مجرى الدم » وألا تتسلل الشياطين إلينا في مسارب عديدة إلى وجودنا وبواطننا فهل اطلعت أنت على مداخلها إلينا ؟ !
هل تتبعت تخريبها وتقليبها وتحطيمها لنا وأخذها لنا من الداخل ؟ إنها معروفة وبديهية فهل تدرى عنها شيئا ؟ ! !
( 1787 - 1794 ) فإذا كان الأمر كذلك . . فلماذا تكون الأرواح التي استضاءت بنور الله من الأولياء والمرشدين بلا علم عن أحوال باطنك ؟ !
لقد نجحت هذه الأرواح فيما لم تنجح فيه الشياطين ، لقد وجدوا طريقا إلى الفلك ، واستقروا فوق قمة الكون . .
ووصلوا إلى ما لا يتوهمه بشر ، بينما أغلق الملأ الأعلى أمام الشياطين الذين كانوا يتسمعون فيتبعهم شهاب ثاقب . . الشيطان لا يستطيع إذن أن يذهب إلى الملأ الأعلى إذ يتبعه في هذه الحالة شهاب ثاقب قينقلب كطعين السنان في الحرب . . فإذا كنت مشلول الفكر والخيال وأعمى البصيرة واهما . .
« لك عين لا تبصر بها وأذن لا تسمع بها » فلا تظنن أن أولياء الله مثلك وحذار أن تظن فيهم هذا الظن ، واخجل ولا تقامر بنفسك ، ولا تجلب على نفسك المشقة فمن الناحية الأخرى للجسد . . في الباطن . .
هناك جواسيس القلوب من أهل الصدق ، فإذا جالستموهم فجالسوهم بالصدق والخلوص فإنهم جواسيس القلوب داخلون في أسراركم من حيث لا تشعرون فإذا تأدبت معهم عالجوك ( مولوى 4 / 253 )
قول أبى يعقوب السوسي ( انقروى 4 / 396 ) على فحوى « وإذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق » .
 
( 1795 - 1801 ) إن أطباء القلوب هؤلاء لم يأتوا بجديد بل كل ما يقومون به وارد في القرآن الكريم وفي الطب النبوي الشريف ، إنهم يعالجون
 
« 502 »
  
المريض دون نبض أو قارورة كالأطباء الجسمانيين ، يعرفونه من لحن قوله . . «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» ( سورة محمد آية / 30 ) أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم - كان يعرف المنافقين من لهجتهم في الحديث والألفاظ التي يستخدمونها بل وطريقتهم في النطق ، ورواية الرسول عليه السلام إذ قال لعائشة رضي الله عنها : « إني لأعلم إذا كنت عنى راضية أو إذا كنت على غضبى قالت : فقلت ومن أين تعرف ذلك فقال عليه السلام وإذا كنت عنى راضية تقولين لا ورب محمد وإذا كنت علىّ غضبى قلت لا ورب إبراهيم - قالت : أجل والله لا أهجر إلا اسمك » وفي القرآن الكريم أيضا يخاطب رسوله عليه السلام « ولتعرفنهم بِسِيماهُمْ» ( سورة محمد آية 30 ) كما قال تعالى «وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» ( الزمر اية 45 )
 
وقد فسر أبو طالب المكي هذا بقوله :
وقد جعل الله وصف الكافرين أنهم إذا ذكر الله وحده في شئ انقبضت قلوب الكافرين وإذا ذكر غيره في شئ فرحوا وجعل من نعوتهم أنهم إذا ذكر الله بتوحيده وإفراده عظموا ذلك وكرهوه وإذا أشرك غيره في ذلك صدقوا ، وفيه دليل على أن المؤمنين إذا ذكر الله بالتوحيد والإفراد في شئ انشرحت صدورهم واتسعت قلوبهم واستبشروا بذكره وتوحيده وإذا ذكرت الأواسط والأسباب التي دونه كرهوا ذلك واشمأزت قلوبهم ، وهذه علامة صحيحة فاعرفها من قلبك ليستدل بها على حقيقة التوحيد في غير القلب لأن أجود خفاء الشرك والنيات في السر « وحديث عثمان رضي الله عنه عن معرفة مرتكب المعصية بالنظرة في عينيه مشهور ففي الرواية دخل عليه رجل وعندما وقعت عليه عينه قال : يا سبحان الله ما بالرجال لا يغضون أبصارهم عن محارم الله وكان ذلك الرجل قد أرسل نظره إلى ما لا يحل وقال له الرجل : أوحى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ولكنها فراسة ، ألم تسمع قول رسول صلى الله عليه وسلم :
اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله » . ( شرح الأنقروى 4 / 395 - 396 ) .
 
« 503 » 
 
وكذلك يكون للأطباء الإلهيين من المرشدين الصالحين الحقيقيين ما يكون للأنبياء والأولياء ، بل إنهم بمجرد سماع اسمك يغوصون إلى أعماق وجودك ، بل إنهم يرون بعد أحوالك قبل ميلادك بسنوات . . وتنبؤاتهم صادقة تماما لأن الوجود منذ الأزل إلى الأبد مكشوف أمام عيونهم وإن لم تصدق فاقرأ الحكاية التالية .
 
( 1802 - 1824 ) الرواية هنا منقولة عن تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ( الجزء الثاني ص 169 ) وفحواها أن الشيخ أبا يزيد البسطامي كان يخرج كل عام لزيارة دهستان حيث كانت قبور بعض الشهداء وعندما كان يمر على خرقان كان يقف ويتنفس نفسا عميقا وعندما يسأله المريدون : أيها الشيخ نحن لا نشم شيئا قال نعم إنني أشم من قرية اللصوص هذه رائحة رجل اسمه على وكنيته أبو الحسن يفضلنى بثلاث درجات ، يتحمل مئونة العيال ويزرع ويغرس الأشجار . . روى إن الشيخ ظل طيلة عشرة سنة يصلى العشاء في خرقان في جماعة ثم يتجه إلى قبر أبى اليزيد في بسطام ويقف ويدعو قائلا : « يا إلهي من تلك الخلعة التي أعطيتها لأبى اليزيد اعط بضعة قليلة لأبى الحسن ثم يرجع ويعود إلى خرقان عند الصبح »
وعن قاعدة أن ما يكون للأنبياء يكون للأولياء يبشر الأولياء بظهور بعضهم البعض ، وهنا يختلف التعبير بالطبع عند مولانا جلال الدين : فأبو يزيد يمر في سواد الري » يقول استعلامى أن ذكر الري هنا خطأ جغرافى لأن خرقان من أعمال بسطام ( 4 / 289 )
 
وكأنه ينبغي أن يشم أبو اليزيد رائحة الخرقانى الذي سوف يولد بعد عشرات السنين من وفاة أبى يزيد بالقرب من خرقان ، وفي سواد الري تفوح رائحة طيبة من خرقان ، يستنشقها أبو يزيد بحب ووجد وأنة مشتاق ، وكأنه يشرب من هذه الريح خمرا زلالا ، امتلأ بها بحيث طرب بها كما يظهر أثر الماء المثلج على ظاهر الإناء وليس ذلك من داخل الإناء بل من الهواء ، وعندما فاض الوجد والسكر بأبى يزيد سأله أحد المريدين عن سر ذلك الحال الذي لا تستطيع الحواس إدراكه . . فهذا الوجه . . وجه الولي تظهر عليه
  
« 504 » 
 
الأحوال في صورة ألوان تتغير بين لحظة وأخرى ، يتخذ وجهك أمارات البشارة ، تتنسم رائحة ولا ورود هناك . . فقل يا راو الواصلين . . هل تصلك كل لحظة رسالة من عالم الغيب أما أن البشرى تأتيك مع الرياح « في قول لسعد الدين الفرغاني : إعلم أن النفس الرحماني هو عين الرحمة السابقة الشاملة على كل شئ ظاهرا أو باطنا لما بدا من باطن الغيب بحكم اقتضاء فانبجست » ( انقروى 4 / 405 ) .
 
إما أنك كيعقوب يصلك من يوسف إلى مشامك شفاء في كل لحظة طالما كان القميص مع حامله يسرع إليك ، فهيا أيها المراد أعطنا قطرة من هذه الجرة . . وتحدث معنا بلمحة عن هذه الروضة ، أعطنا نصيبا قليلا من الانعامات الإلهية التي تفيض عليك . . وليس من عادتنا أيها السيد العظيم . . . أن تأكل أنت وحدك . . ونبقى نحن جياع . . فهيا يا طاوى الأفلاك . . ويا واصلا للمراحل قاطعا إياها بخطوات سريعة ، هبنا جرعة مما أكلت فلا شيخ سواك ولا أمير سواك في هذا الزمان يا سلطان العارفين وملك الطريق ،
فانظر إلى أحبابك وارحهم واجعلهم موضع نظرك ، وكيف يمكن لك أيها الشيخ العظيم أن تشرب هذا الشراب خفية ولا شراب هناك إلا بافتضاح وشهرة ، إنك تستطيع أن تخفى الرائحة لكن هل تستطيع أن تخفى خمار عينيك ؟ أعشق وإخفاء ؟ !
« وعندما يتحدث اللسان عن سره وعن لطفه تتلو السماء قائلة : يا جميل الستر ! ! أي ستر ؟ !
والنار في صوف وقطن مهما تخفيها تكون أكثر ظهورا ، وكيف أسعى في اخفاء سره ؟ وهو يطل كالعلم قائلا : ها أنذا : إنه يأخذ رغم أنفى بكلتا أذني قائلا : أيها الغبي ؟ ! كيف تخفيه ؟ ! اخفه إذن ( 3 / 4735 - 4738 وشروحها )
آلاف الحجب في الدنيا لا تستطيع أن تخفى سر العشق . . وسر هذا النفس الرحماني الذي امتلأت به الآفاق وجاوز الأفلاك الستة ، فهذا الدن مهما أغلق تفوح رائحة خمره ويسمع غليانها .
هنا تتجلى ضراعة المريد . . إنه يسأل فحسب ، بل ساق كما يستدعى أدب المريد
 
« 505 » 
 
مع الشيخ دلائل من الطريق ، دلائل أحقية سؤاله للشيخ ودلائل واجب الشيخ في أن يقتسم ما وصل إليه مع مريديه ، دلائل هذا هو الأمر الطبيعي فإن ما يصل إليه الشيخ أمور غير قابلة للإخفاء لأنها تظهر مهما أخفيتها .
 
( 1825 - 1832 ) يربط أبو اليزيد البسطامي بين ما يظهر له وبين ما ورد في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من قوله : إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن - يريد أويسا القرني . . وكل إنسان إنما يفوح برائحة المحبوب فرائحة رامين تصل إلى ويس لأنه فان فيها فكأنما رائحتها رائحته لقد طرب الرسول صلى الله عليه وسلم من رائحة جاءته من قرن اليمن لقد صار أويس سماويا وكان قد فنى عن نفسه . . ذلك الأرضي الإنسى كان قد صار سماويا وعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - خبره قبل أن يولد أو يوجد كبشر ، كما أن أويسا استطاع أن يعلم الطريق ويطوى درجاته دون أستاذ أو مرشد ، وبقي أويس القرني عند الصوفية رمزا للذي يستطيع بنور الباطن أن يصل دون أستاذ ودون مرشد ، وماذا في ذلك ،
إن ذلك النبات المر الذي يوضع في السكر لا يفقد مرارته بعد ، وذلك النبات المر الذي يخلص من الكبر والغرور بقيت له صورة النبات المر لكن طعمه تغير .
كثيرة هي هذه الأمثال عن التغير وعن التبدل في الطبع والطبيعة وإن لم تتغير الصورة فدعك من هذه الأمثال ولتنظر إلى ما قاله الرجل العظيم أبو اليزيد البسطامي .
 
( 1833 - 1848 ) قال أبو اليزيد : إن هذه الرائحة التي تهب من ذلك الصوب تنبىء أن سلطانا عظيما من سلاطين الطريقة سوف يولد فيها ، بعد كثير من السنين ، وسوف يكون مقره أعلى من الأفلاك » وجهه يكون مفعما بالحمرة من بستان ورد الحق ، سوف يكون مقبولا من الحق عاليا عنى في المقام . .
سوف يكون اسمه أبو الحسن وأخذ أبو يزيد في تعداد صفاته الجسمية
 
« 506 »
  
ووصف حلية الحاجب والذقن وقده ولونه وشكله . . كما بين حلية روحه . . أي ما سوف تتحلى به روحه وهي الدرجات الثلاث المذكورة في رواية العطار .
ويعلق مولانا على حديث الحلية . .
ويرى أن جمال الجسد عارية كالجسد فلا تتعلق فإن عمره ساعة وينتهى . . كا أن حلية الروح الطبيعية فانية أيضا . .
أي تلك الروح المتعلقة بالجسد والمعاونة له ، لكن اطلب حلية تلك الروح التي هي فوق السماء . .
إن ذلك الجسم الذي تسكنه تلك الروح الموجودة على السماء كأنه المصباح فوق الأرض ونور هذا الجسم الذي نورته هذه الروح فوق السماء السابعة . .
تماما كشعاع الشمس هذا الذي تراه في بيتك ، إن مصدره موجود على الفلك الرابع ، وهكذا الكامل من المرشدين الأولياء وشعلة أنواره في بيت جسده وأصلها في وسط الأفلاك الروحانية وكذلك الزهور تراها تحت أنفك لكن رائحتها تنبعث إلى أعلى الرأس ، أليس ذلك الرجل النائم يحلم بشئ يخيفه فإذا بجسده يعرق . . ويصحو فيجد العرق على جسده . .
وهكذا حال الجسم مع الروح فإنها وأن كانت بعيدة عن الجسم لكنها في تأثيرها ليست بعيدة عنه ، وكذلك الروح بعد الموت ولو كانت فوق الأفلاك التسعة - وانظر إلى قميص يوسف ، إنه في مصر لكن رائحته ملأت أرض كنعان أوصلته الصبا بإذنه تعالى من مسيرة شهر فلم يحجب أنف سيدنا يعقوب عليه السلام بعد المسافة . . أية مسافة ؟ !
 إن المسافات أمر نسبى أما أولئك الذين ارتفعوا عن الحس فإنها لا تعنى عندهم شيئا ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 4532 ) ثم عودة إلى نبوءة أبى يزيد البسطامي أخبرهم أبو يزيد بالتاريخ الذي سوف يولد فيه أبو الحسن فكتبوه وعندما حل ذلك التاريخ ولد ذلك السلطان .
 
( 1849 - 1855 ) لقد ولد أبو الحسن في نفس التاريخ ( توفى سنة 425 ه - ) وكانت كل صفاته كما أخبر بها أبو يزيد البسطامي . . نعم كان أبو اليزيد
  
« 507 »
  
يقرأ من اللوح المحفوظ ، وما وصف هذا اللوح بالمحفوظ إلا لأنه محفوظ من السهو والخطأ . . اللوح المحفوظ في رأى لابن عباس ومجاهد عبارة عن صفحة بيضاء بطول ما بين السماء والأرض وعرض ما بين المشرق والمغرب عليها كل الأحداث الكلية والجزئية لعالم الوجود من مبدئه إلى منتهاه ( جعفري 10 / 289 )
فإذا أراد الله أن يطلع الملائكة على غيب له أو يرسلهم إلى الأنبياء بذلك أمرهم بالاطلاع في اللوح المحفوظ محفوظا مما يؤدونه إلى من أرسلوا إليه وعرفوا منه ما يعلمون » ( عن جعفري 10 / 290 )
ويستطيع الملائكة قراءته بتجردهم وشرط الاطلاع عليه التجرد فيحدث الشهود المباشر ، وهو أعلى درجات الكشف عند الصوفية يقول « ابن سينا » ولنفسك أن تنتقش بنقش ذلك العالم بحسب الاستعداد وزوال الحائل وقد علمت ذلك فلا تستنكرن أن يكون بعض اليغب ينتقش فيها من عالمه ( عن جعفري 10 / 291 ) .
لم يكن الأمر بالتنجيم ولا بالرمل ولا بتعبير الرؤيا كان وحيا من الله سبحانه وتعالى في قلب أبى يزيد ، إن الصوفية خوفا من العوام وتعمية عليهم وخشية من التهم التي من الممكن أن توجه إليهم يسمونه « وحى القلب » وهكذا فعندما يكون القلب مرآة قد صقلت من الأدران والآفات والعلل فإنها تعكس المعرفة الإلهية ( انظر الكتاب الأول شرح الأبيات 20 - 30 )
وهكذا فاعتبره أنت أيضا وحى قلب والقلب هو موضع تجلى الله سبحانه وتعالى وهو موضع نظره فكيف يكون خطأ ما يظهر في قلب العارف بالله وما دام المؤمن ينظر بنور الله فإنه يكون امنا من الخطأ ومن النقصان .
 
( 1856 - 1863 ) لم يترك مولانا فرصة دون أن يهتبلها لكي يقدم تعليمه للمريدين فالمثنوى كتاب تعليمي في الأصل وإن كان يقدم تعليمه على مستويات عديدة من التعبير . . فغير ذلك الغلام الذي ملأ الدنيا بالشكوى وحقد
 
« 508 »
  
على المليك لأنه قدر عليه رزقه وأنقص أجره هناك قوم جوعهم هو عين الشبع وفقرهم هو عين الغنى ، والافتقار إلى الله تعالى هو منتهى أملهم ففي نقصان الطعام الجسماني زيادة في الطعام الروحاني ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - « أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني » قالوا : الظاهر والباطن كالليل والنهار كلما نقص من أحدهما زاد في الآخر » ( مولوى 4 / 261 )
ومن هنا فقد حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات » والرحمة مدخرة للعاجز المنكسر » « أنا عند المنكسرة قلوبهم » وذلك لأن في طبيعة النفس أن تعصى وتتمرد ، وأن تتكاسل في أداء التكاليف الشرعية ، كما أن الكبر والعنجهية يسدان باب الرحمة فالكبرياء هو إزار الخالق ، والعظمة رداؤه وحده جل شأنه ، إن الرحمة لا تقترب من ذلك الذي من علوه وتجبره يكسر رؤوس الناس ، لا يرحمه الحق بل يحيق به سخط من الله ولا رحمة من الخلق . .
وانظر إلى مولانا جلال الدين لا يفرق عند الحديث عن الظلمة والعالمين في الأرض بين رحمة الحق ورحمة الخلق فألسنة الخلق أقلام الحق والحق لا يغفر لمن يتجاوز حق الناس ويقطع مولانا كعادته عندما لا يريد الخوض في موضوع ما ، تكفيك هذه الإشارة فهذا الحديث لا نهاية له . .
لقد نسينا ذلك الشاب الذي صار عاجزا من تقليل أجره ومع ذلك لم يعد إليه مولانا جلال الدين على الفور بل استمر في الحديث عن الصوفي ، والتناسب العلمي بين الانعامات الإلهية وقلة الرزق .
 
إن ذلك الصوفي الذي يقل رزقه يكون ذلك الخرز أي الغذاء بالنسبة له كأنه الدر ويكون هو كأنه اليم يحتوى هذا الدر أي أن يتبدل إلى روحانية خالصة ، وفي قلة الغذاء منافع كثيرة منها أن يكون الرجل أصح جسما وأجود حفظا وأذكى فهما وأجلى قلبا وأقل نوما وأخف نفسا وأحد بصرا وأسمى طبيعة وأقل مئونة وأوسع مواساة وأكرم خلقا ( مولوى 4 / 261 ) وكل من علم قيمة هذا
 
« 509 »
 
الغذاء الروحاني فإنه جدير بالقرب ولائق ويكون كل خوفه ورعبه من نقصان هذه الإنعامات والإلطافات الإلهية الروحية، لأن ذلك معناه أنه قد أخطأ خطأ ما فنقص رضاء الله تعالى عليه.
 
( 1864 - 1873 ) هكذا فإن صاحب هذه الكراية التي نقصت كتب رقعة إلى صاحب البيت ورفعت إلى أمير العطايا ، لكنة لم يوقع بشئ على الرقعة لقد أهملها تماما ، فقد أدرك طبيعة هذا الغلام ، إنه لم يهتم بأن غضب السلطان قد يكون لخطأ قد بدر منه ، فلم يسأل عن خطئه ، إن كل ما يهتم به هو الطعام ، إن همه كله هو نقصان الكراية لا غضب السلطان ، إنه مهتم بالفروع وليس بالأصول ، إنه لا يهتم بالفراق والوصال إنه أحمق مستغرق في ذاته يرى نفسه طرفا والسلطان طرفا آخر فمن كثره اهتمامه بالفروع لا فراغ عنده لكي يهتم بالأصول .
 
وانظر إلى هذا المثال يقدمه مولانا جلال الدين لكي يبين أنه لا خطر لكل الفروع أمام الأصل ، إن وجود الكون كله بما فيه من سماوات وأراضين بمثابة تفاحة نبتت من شجرة قدرة الله ، فالتفاحة فرع وشجرة القدرة هي الأصل ، وأنت مجرد دودة في هذه التفاحة لا علم لك بالشجرة ولا علم لك بالبستانى وتظن أن كل عالمك هو هذه التفاحة الضئيلة ( انظر مثال القلم والكاتب والنملة الكتاب الرابع أبيات 3721 وما بعدها ) .
 
وهناك دودة أخرى موجودة أيضا في التفاحة لكنها تعرف خبرا عن العالم خارج هذه التفاحة . . إن حركتها الذاتية ومجاهداتها تشق فرجة في هذا العالم الضيق تطلع منه على العالم الواسع . . إن هذه الحركة منها تمزق الحجب ، إنها مجرد دودة حقيرة بالصورة . . لكنها تبين في الواقع الجرم الصغير الذي انطوى فيه العالم الأكبر .
  
« 510 »
  
( 1874 - 1885 ) انظر إلى كل شئ في هذا العالم يبدأ صغيرا ضعيفا واهنا ، لكنه في النهاية يكون صاحب تأثير قوى وخطر عظيم ، تلك الشرارة التي تنطلق من اصطدام قطعتى حديد ، إذا اقترب منها قليل من القطن سرعان ما يندلع لهيبها حتى الأثير ، وهكذا الإنسان يبدأ جنينا ، وتبدو أمارات الحياة ضعيفة فيه لكنه إن وجد الظروف المناسبة ، ومثيل للقطن والكبريت ( الأم والأب ) ينمو ويترعرع ويصل طموحه وعلمه ونوره حتى السماوات العلا ، يترك هذه الأرض ، ويتمرد على الطين الذي منه خلق ويثور على الظلمة التي تحيط به ، يملأ العالم بالنور ويقوم بكل معجز من الأعمال حتى ليقتلع قطعة الحديد الضخمة بإبرة ( وينسف الجبال ويخترقها بالأنفاق ، ويصعد إلى السماء حقيقة لا مجازا وبجسده هذه المرة لا بروحه بل بجسده وروحه ويتنقل بين الكواكب ويرسل عنها الصور إلى الأرض . . .
 
ويهبط إلى سابع أرض ويبنى المدن تحت المدن ويقوم بما كان يحسب في يوم من الأيام حلما من الأحلام ومن يدرى ؟ !
لكن ألم تكن كلها أحلاما نحلم بها الروح والفكر والخيال والوهم في البداية ؟ !
هذا الحلم الإنسانى ميدان من ميادين العرفان .
الحلم بالعودة إلى الجنة ، أو على الأقل الخروج عن مقررات الجسد وما يستدعيه ولا يعنى الإنسان في كل طموحاته هذه إلا ذلك ما العالم العظيم الذي يسع الألوان كلها وهو الروح ، هي السارية في الأكوان سريان النار التي وإن كانت تسرى فهي ليست روحانية ، هي مجرد جسم سريانها ينتهى عند نهايته ، لكن الروح هي المختصة بهذا العز ولا نصيب لأي جسم كان فهو بالنسبة للروح كالقطرة أمام المحيط ، وهو الذي تحيا به بالروح ،
وإلا فانظر إلى الجسد عندما تغادره الروح إلى أي شئ ينقلب وماذا يصبح . .
ومن هنا فالجسد محدود بذراع أو بذراعين أي أن إدراك قدر قامته لا يتجاوز هذا الذراع أو الذراعين أما الروح فهي تقوم بجولات واسعة في السماوات . .
تستطيع أن تكون في مقامك هذا ( في قونية )
 
« 511 »
  
وتهاجر روحك في رحلة إلى سمرقند أو إلى بغداد وفي الفصوص : كل إنسان يخلق في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها وهذا هو الأمر العام لكل إنسان والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة ( سبزوارى 4 / 299 ) .
فمتى كانت الحواجز تقف أمامها ، ومتى كانت المسافات حائلا أمامها . .
 
وكل أجزاء جسدك . . إذا نظرت إليها كجسد فهي لا شئ لكن إذا نظرت إلى الروح الكامنة خلفها والتي تقوم بالعمل في خلالها لاستطعت أن تدرك قوتها ، إليك على سبيل المثال لا الحصر : عينك هذه التي لا يزيد وزنها عن درهمين إلا أن النور المنبعث من روحها يصل إلى عنان السماء . .
وعندما تغمض هذه العين فإن الروح الكامنة فيها ترى ومن هنا ترى في النوم . . وبلا هذه الروح فإن العين لا شئ .
 
( 1886 - 1890 ) ولا علاقة لهذه الروح بقوة الجسد ولا بشكله ولا مظهره العام ( بل قد يكون العكس هو الصحيح إذا غالبا ما يخفى الاهتمام بقوة الجسد وحسن المظهر خواء بلقعا في الروح ) أي أن الروح لا تعتمد على الجسد في شئ وإن كان الجسد هو الذي يعتمد على الروح في كل شئ - وهذا هو ديدن ( برنامج ) الروح الحيوانية إذ أن الله سبحانه وتعالى أمرها بأن تترقى وتتقدم لتعاين جمال الروح الإنسانية ، ذلك لأن الإنسان لا يكون إنسانا كاملا إلا بالروح فهيا اعبر أيها الإنسان مرتبة القيل والقال ، ومرتبة العلوم النقلية والجدل اللفظي وكن رجل عمل ، ولا تقنع بترديد ما قاله الآخرون ، واعبر مرتبة عالم الناسوت إلى مرتبة عالم الملكوت . . المكنى عنه هنا بشاطىء بحر روح جبريل ومن بعدها تشير إليك روح أحمد ( التي عبرت هذا البحر ) ويتقهقر جبريل مثلما تقهقر عندما وصل مع أحمد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى . . وتقهقر وقال : ( لو دنوت خطوة لاحترقت )
 
« 512 »
 
ويستدل الصوفية في هذه الرواية على عظم مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وبالتالي الأولياء ) عن مقام الملائكة المقربين .
 
( 1891 - 1896 ) عودة إلى قصة الغلام الذي أنقصت كرايته ويوهمنا مولانا هنا أن التعرض هنا هو قصة الغلام وأن الإفاضات الربانية هي مجرد حاشية على القصة . . والعكس بالطبع هو الصحيح . . وهذا هو الغلام يتساءل :
عجبا كيف لم يجبني الملك ؟ !
وها هو من سوء طويته لا يتخيل أن الملك ربما يكون غاضبا عليه . . بل يتعلق بأسباب أخرى ويتهم حامل الرقعة بأنه خان ولم يوصل الرقعة ، هيا فلأكتب رقعة أخرى وأبحث عن رسول آخر إنه لا يستطيع أن يعترف بالجهل على نفسه فهو بيد أمير الأرزاق والرسول . . إنه لا يفكر في أنه أخطأ وأتى سلوكا فيه اعوجاج كعابد الصنم .
 
( 1897 - 1912 ) إن هذا الغلام الجهول يظن نفسه أعلى من سليمان عليه السلام ، فإن سليمان عليه السلام لما افتتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه فأخذه سليمان وإعادة عليه فسقط من يده فلما رآه سليمان لا يثبت في يده أيقن بالفتن فقال آصف لسليمان إنك مفتون بذنبك والخاتم لا يتماسك أربعة عشر يوما ففر إلى الله تائبا من ذنبك وأنا أقوم مقامك وأسير في عملك وأهل بيوتك بسير إلى أن يتوب الله عليك ويردك إلى ملكك ففر سليمان هاربا إلى ربه وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت
( قصص الأنبياء للثعالبي ص - 322 من طبعة البابي الحلبي )
إلا أن مولانا هنا استبدل الرياح بالخاتم فإن الرياح أنى كانت في طوع سليمان عليه السلام كانت في طوعه هو ما دام في طاعة الله فلما فتن ( بالنسبة للفتن انظر قصص الأنبياء ص - 320 وما بعدها )
خرجت عن طاعته ، وهكذا أيضا مال التاج على رأسه وكلما أصلحه على رأسه مال .
وقد روى مولانا القصة في المجالس السبعة أن سليمان عليه السلام كان ذات يوم
  
« 513 »
  
جالسا على عرشه وكانت الطيور قد وصلت ما بين أجنحتها وحومت على رأسه فيما يشبه المظلة وفجأة عبر خاطره فكر غير لائق بشكر هذه النعمة . . فمال التاج فقال له أيها التاج استقم . . فقال التاج . . إلى آخر الرواية الواردة هنا ( جعفري 10 / 304 ) وما ميل التاج إلا رمز لقرب زوال السلطة فكان التاج لا يريد أن يبقى على رأس الذي خرج عن طاعة الله ، فلما علم سليمان سر الفتنة وصحح باطنه ، استقامت له الريح واستقام التاج على رأسه مهما كان هو يضعه مائلا والصورة مليئة بالحوار الحي بين سليمان والريح وسليمان والتاج والتاج يعتذر له بأنه مأمور بألا يستقيم فوق رأسه ويرجوه ألا يطلب منه تفصيلا أكثر فإن الإنسان بما أكتسب رهين وتعالى الله جل شأنه عن ظلم أحد من عبيده علوا كثيرا .
 
( 1913 - 1924 ) وهكذا فإياك أن تسىء الظن في الآخرين وترى أنهم السبب لما حاق بك يا تابعا لنفسه الأمارة بالسوء ولا تفعل من مكر ما فعله ذلك الغلام . . .
أحيانا يكون قتاله مع الطباخ وأحيانا مع الرسول وأحيانا مع الملك نفسه ، إنه يصب جام غضبه على الجميع دون أن يحاسب نفسه دون أن يصحح باطنه ربما كان العيب منه إنه كفرعون في تخبطه كأن يقتل أطفال الخلق وترك موسى
( انظر لتفصيلات الكتاب الثالث ابيات 963 - 968 وشروحها ) . إنه مثل فرعون وجسمه يكون له بمثابة موسى ( عدو ) وهو يعدو في الخارج قائلا أين العدو ؟
 ( 2 / 774 ) كان عدوه الحقيقي في صدر منزله لكنه من عمى قلبه كان يقتل الأطفال الآخرين ، الحقيقة أن عمى القلب هذا من ختم الله على قلبه لكي يجرى ما كتب في سابق علمه ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )
وهكذا أنت أيضا يا من صرت في هوى نفسك أنت تعادى الناس لكنك تصاحب نفسك التي بين جنبيك وهي أعدى أعدائك وهي التي
 
« 514 » 
 
توقعك في كل هذه الشرور ، أنت تدللها . . وتضع التهم على الناس من حولك وهكذا أنت كفرعون أعمى وأعمى القلب . . تصاحب عدوك وتعادى الأبرياء . .
وكفاك يا فرعون ، كفاك هذا التناقض وهذا السوء الذي أصابك فمن نفسك ، إنه ختم الحق ختم على سمعه وبصره وختم الحق إن ختم على عين وعلى سمع لا ينفع بعدها علم أو عقل أو ذكاء أو وعى حتى ولو كان أفلاطون وحكم الحق ظاهر فوق اللوح المحفوظ وحكم الحق نافذ . . كما أن نبوءة أبى يزيد بظهور أبى الحسن لا بد وأن تحدث ولا محل هنا للمقارنة بين حكم الحق ونبوءة أبى اليزيد لكن مولانا أراد أن يربط بين الموضوع الذي كان يتحدث عنه وبين الموضوع التالي له في الحديث .
 
( 1925 - 1934 ) عودة إلى نبوءة أبى يزيد ، بظهور أبى الحسن الخرقانى لقد ظهر أبو الحسن كما تنبأ به أبو يزيد تماما ، كما سمع أبو الحسن هذه الرواية من الناس وسمع هو نفسه هذه النبوءة من أبى اليزيد في رؤيا ( رؤيا الأولياء كرؤيا الأنبياء صدق ) بأن أبا الحسن سوف يكون مريدا لأبى اليزيد وسوق يتلقى درسا من قبره . . فكان كل صباح يتجه نحو القبر ويقف في غاية الانتباه حتى الضحى يستمع من الشيخ أبى اليزيد فإما يتمثل له الشيخ أو يرى المشكلات التي في صدره تحل دون سؤال وجواب ، وحتى جاء صباح وغطى الثلج المقابر فسمع صوتا يناديه بألا ينكص عن محضر الشيخ وإن كان الثلج قد غطى العالم بأجمعه ومنذ ذلك اليوم بلغ أبو الحسن الخرقانى من الولاية ما بلغ . . .
 
ماذا يريد مولانا جلال الدين بهذه الرواية ؟ !
من نافلة القول بالطبع أن أول ما يتبادر إلى الذهن من هذه الحكاية أن الأولياء كلهم روح واحدة وأن ليس في عالمهم تلك الفرقة الموجودة في عالم البشر العاديين « انظر الكتاب الثالث الأبيات 31 - 35 وشروحها » ، هذا من ناحية ومن
 
« 515 »
  
ناحية أخرى فإن الولي لا يموت بل ينتقل من دار ويظل حيا إما أن يتمثل أو يحل في القلب عن طريق الاستحضار . . . واستحضار الشيخ أو صورة الشيخ عندما يكون المريد مضطربا . . . تقليد صوفي معروف ويظل الغامض في هذه الحكاية ما هو موقعها هنا ؟ ! إنها تكاد تكون خارجة عن السياق تماما .
 
( 1935 - 1945 ) عودة إلى رواية الغلام الذي أنقصت كرايته ، ان الملك لا يرد فالغلام مصر على حمقه ، ولا خير في جواب للأحمق إلا بسكوت ، فإنك إن رددت عليه لن يقتنع ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنني إن سامحته فكأننى أكثر حماقة وهذا هو معنى أن إصابه الملك بالعدوى من علة الغلام إن الحمق أكثر خطرا من الجرب ، فبالحمق يمتنع الناس عن الدعاء فيجف السحاب وانظر إلى ما حاق بالبشر من كوارث أليس كل هذا من حمقهم ، أليس الكفر من الحمق في النهاية وأليس من الكفر كان طوفان نوح ؟ !
 
( 1946 - 1951 ) وما دام الحديث عن الحمق وعواقبه فلا بد من حديث عن العقل ، وبالطبع ليس المقصود هنا هذا العقل الجزئي الذي يتلقى من الحواس ولا يحيط إلا بمقدار ما تحيط به هذه الحواس لا بل المقصود به ذلك العقل الذي هو قبس من العقل الكلى وجزء منه ، هو عقل القلب وعقد الروح الذي يمكن له الإحاطة دون استعانة بالحواس وخارج منطقة الحواس ومن هنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم « الأحمق عدوى والعاقل صديقي » وقد سبق في الكتاب الثالث شرح المقصود بالحمق في قصة سيدنا عيسى عليه السلام وهروبه من الأحمق ( انظر شروح الأبيات 1027 وما بعده من الكتاب الثالث ) .
 
فالعاقل روح وريحان لصاحبه والعاقل حتى وإن شتم فإن شتائمه تتقبل بالرضا لأنه العاقل يستفيض من الفياض « العقل الكلى » أما الأحمق فإن حلواه مرض وصحبته لا متعة فيها ولا لذة ، فإن كلامه كضراط الحمار قبيح نتن إنه
  
« 516 »
  
يصيب شاربك بالنتن ولن تحصل على فائدة منه إلا على سواد الثوب ، فقد أشار عبد الباقي ( 283 / 4 ) إلى أن بعض هذه المعنى مأخوذ من بعض ما نسب إلى الامام على رضي الله عنه « يا بنى احفظ عنى أربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن إن أغنى الغنى العقل وأكبر الفقر الحمق وأوحش الوحشة العجب وأكرم الحسب حسن الخلق ،
يا بنى إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه ، وإيك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه وإياك ومصادقة الكذاب فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب » ( نهج البلاغة - فيض الاسلام / 1104 - 1105 ) ( 1954 - 1959 )
إن لذة مائدة العقل ليس بما تقدمه من خبز وشواء إن الطعام الذي يقدمه العقل هو النور ( لتعريف النور انظر كفافى الكتاب الأول ص 496 ) والانسان الحقيقي يرى أنه روح يحيط بها جسد ويحبسها وليس مجرد جسد هو الذي يتغذى بهذا النور ، أما هذه الأطعمة الصورية فعليك أن تنقطع عنها فهي طعام الحمير وليست للانسان الحر الذي حرره الله من كل العلائق الأرضية ، ومن هنا فإن الجوع هو طعام الصديقين وعن الجوع تحدثنا آنفا
( انظر شرح الأبيات 1856 - 1863 من هذا الكتاب )
هذا البعد عن الغذاء الجسماني يجعلك قابلا لطعام النور فهذا النور هو غذاؤك الأمثل قبل أن تنزل إلى هذا العالم ،
وما هذا الخبز الذي نتناوله إلا انعكاس لهذا النور فإذا الذي تطلبه من صنع هذا الخبز هو العلم والمعرفة والعقل والحكمة وكلها وسائط قامت بنور العقل ومن فيض تلك الروح الكلية التي هي نفخة الهية فإن تلك الروح الحيوانية عن طريق النطقة أإن كل ما لديك هو قبس من ذلك الكل ( مولوى 4 / 273 )
 

فلماذا ترضى بهذا القبس إنك إن ذقت مرة خبز النور وطعام الإله « أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني » ، فإنك لن تستطيع أن تتلذذ بهذا الخبز الصوري « خبز التنور » مرة أخرى فسوق تعتاد على غذاء النور .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1739 - 2201 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:45 pm

الهوامش والشروح 1739 - 2201 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1739 - 2201 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1739 - 2201 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك المداح الذي أخذ يثنى على ممدوحه على سبيل الفخر ،
بينما كانت رائحة همه وحزنه الداخلي وخلافة ثوبه تبدى
هذا الشكر كذبا وبهتانا
« 517 » 
 
( 1960 - 1967 ) يقسم مولانا جلال الدين العقل على أساس شعر للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه :رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع * ولا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع( أنقروى 4 / 433 ) فالعقل المسموع هو ما يسميه مولانا بالعقل الجزئي وهو من الكتاب والأستاذ والذكر والفكر والحفظ والقراءة والكتب بها يمكن بك أن تتفوق على الآخرين ،
لكنها قد تثقل عليك وقد تقعدك عن الطريق إذا ظننت أنها كل شئ في هذه الحالة تكون لوحا حافظا واللوح الحافظ كما فسر أستاذنا كفافى هو العقل المفعم بالمعارف فإذا أصبح العلم بالنسبة للطلب لوحا محفوظا فقد بلغ أسمى مراتب المعرفة الروحية ( أول كفافى ص - 493 شرح البيت 1064 )
أي تتكشف له المعارف المسجلة في اللوح المحفوظ ومن هنا يوهب عقلا من لدن الحكيم الخبير هو مظهر الوحي الإلهي به تبدو خفايا الأسرار ، هذا هو الماء النابع من الداخل الذي لا يسد طريقه ولا يأسن ، هو العين المنحدرة من داخل القلب ، هو بعكس العقل الكسبى أو التحصيل الذي يشبه الجداول التي تشق في الشوارع لتدخل البيوت إذا انقطع طريقها تنقطع عن البيوت .
 
( 1968 - 1992 ) لم يذكر فروزانفر أصلا للحكاية التي تبدأ بهذا البيت ومن الواضح أنها أقرب إلى المثل منها إلى الحكاية وترجمة للمثل الشائع عدو عاقل خير من صديق جاهل ، لأن العدو العاقل سوف يمنعه عقله عن ايذائك لكن مولانا يتخذ من المثل تكئة للحديث عن موضوعين الأول هو موضوع الصحبة وكيف أن أضيق السجون هي معاشرة الأضداد ، ولو كان ذلك في
« 518 »
  
الحدائق والرياض ( مولوى 4 / 275 ) والثاني أن ذلك العقل الموهوب من لدن الله سبحانه وتعالى سوف يتغلب على الهوى ، وسوف يتغلب على الطبيعة نفسها فمن الطبيعة ألا يترك المرء فرصة دون أن يهتبلها لايذاء عدوه ، إلا أن العاقل يمسكه عقله من ايذاء من جاء يسترشد به ويستشيره ، فهذا العقل الذي يسميه مولانا العقل الإيمانى هو بمثابة الشرطي لمدينة القلب وبمثابة الحاكم العادل فهو لا يدع النفس والطبيعة تتجاوز حدودهما ، إنه بمثابة القط والنفس بمثابة الفأر تظل في مكمنها ما دام القط مفتوح العينين ثم يستدرك مولانا : أي قط ؟ بل إن هذا العقل أسد يجندل الأسود وهو حاكم على طبيعة البدن وزئيره يمنع بهائم السيرة من الرعى في مملكة القلب ، ولا بد لمدينة وجودك من وجود هذا العقل فهي مليئة باللصوص الذين يتسلطون على وجودك ويبدلون أمنك خوفا .
 
( 1992 - 2000 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت كما أشار فروزانفر مأخوذة عن الرواية التالية : بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا وامر عليهم أسامة ابن زيد فطعن بعض الناس في إمارته فقال النبي إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله وأيم الله إنه كان خليقا بالإمارة وإنه كان لمن أحب الناس إلى وإن هذا لمن أحب الناس إلى بعده ( مآخذ 141 )
يقول مولانا إن لم ترزق هذا العقل الإيمانى فلا محيص من مرشد عاقل يأخذ بيدك فهو رئيسك كما أن الجيش بقائده والقوم بإمامهم ، إنك هكذا تبدو ذابلا ميتا لأنك تركت مرشدك كبرياء وأنانية ، وما أشبهك إذن بتلك الدابة التي تفر من صاحبها إلى الجبل ويكون الذئب في انتظارها .
تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يؤخذ الشاة القاصية ويترك الدانية فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة ( مولوى 4 / 277 ) .
 
« 519 »
 
( 2003 - 2016 ) ينصرف مولانا جلال الدين كعادته عن قصة تأمير الشاب الهذلي متتبعا الفكرة متقصيا إياها : وأنت أيضا دابة يا من غلبت عليك نفسك فصرت مركبا لها ولم تصر هي مركبا لك ، والحكم للغالب ومن ثم فإن من غلبت عليهم طبيعة الملائكية يكونون أقرب إلى الملائكية ومن تغلبت عليهم أحوال البهائم والسباع يكونون أقرب إليها وهلم جرا ( شرح السبزواري 4 / 300 ) هذا في حين أن الله يخاطبك بتعال وهذا الذي يخاطب به الجياد لا الحمر إن الله يعتبرك جوادا أصيلا يقول لك «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً» الأنعام / 151 )
 
وما أشبه الرسول صلى الله عليه وسلم بكبير رائضى ذلك الإصطبل المسمى بالدنيا ، إنما أرسل لهذه الدواب الجامحة القاسية التي تظن نفسها بشرا يدعوها قائلا «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً» إنه يناديكم ليروضكم والرياضة كما ورد في الفتوحات تذليل النفس والجامها بالعبودية وهي عند القوم قسمان رياضة الأدب ورياضة الطلب : فرياضة الأدب هي الخروج عن طبع النفس ورياضة الطلب هي صحة المراد أي بالطلب اما الرياضة عندنا فهي تهذيب الاخلاق
وقال شيخ الإسلام في منازل السائرين : والرياضة على ثلاث درجات : رياضة العامة وهي تهذيب الأخلاق بالعلم وتصفية الأعمال بالاخلاص وتوفية الحقوق في المعاملات ، ورياضة الخاصة حسم التفرق وقطع الالتفات إلى المقام الذي جاوزه ، ورياضة خاصة الخاصة تجريد الشهود عن ثبوت الشاهد والمشهود والصعود إلى الجمع ورفع المعارضات ( عن مولوى 4 / 379 )
كما يشير هذا البيت إلى ما شاع عند الصوفية من اعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم رأسا لكل الطرق الصوفية ومنبعا لها فهو المرشد الأول لكل المسلمين ولأن الرائض غالبا ما يتعرض للركل من الدواب الجامحة الشموس فإن أغلب البلاء يتنزل بالأنبياء مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم . « أشد
 
« 520 »
 
الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل » كما ورد « ما أو ذي نبي قط مثلما أوذيت » ( مولوى 4 / 379 ) وهكذا فإنكم دواب كسولة بطيئة متعثرة لكنكم بترويضى وبشريعتى تسيرون على الجادة وتصبحون جديرين بالانقياد والطاعة لسلطان الحقيقة ، فهيا تعالوا ، هكذا يقول لكم ربكم ، لكن ان لم يأتوا أيها الرسول لا تكن محزونا عليهم «وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» ( آل عمران / 176 )
 
وإياك أن تكون غاضبا أو في باطنك شئ أن نفرت منك تلك الفرقتان « اليهود والنصارى » الذين لا تمكين لديهم ولا ثبات «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( آل عمران / 64 )
 
فإن هناك من لهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم قلوب لا يفقهون بها أولئك كالأنعمام بل هم أضل ، وكل دابة من هذه الدواب لها اصطبل خاص بها كما أن لكل طائر قفصه الخاص ، به هكذا أراد الله الناس . . فلا تنظر إلى هذه التفرقة ولو شاء الله لهداهم أجمعين .
 
بل إن الملائكة وهم أرواح خالصة عملهم هو أنهم «يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ» الأنبياء / 20 قد انقسموا صفوفا صفوفا كما ورد في سورة الصافات حاكيا سبحانه وتعالى عن الملائكة «وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ» الصافات / 164 - 166
وتتجلى في هذه الأبيات نظرة مولانا جلال الدين إلى الأديان : فليس الأمر كما يدعى بعضهم انه كان ينظر إلى الأديان كلها نظرة واحدة على أساس أنها طرق فاضت من نبع واحد ، لا بل كان يرى أن الدين عند الله هو الإسلام لكن كل دابة لها حظيرتها الجديرة بها . .
وإن الهدى هو هدى الله . . وان كفر الكافر لن ينقص من ملكوته سبحانه وتعالى مثقال ذرة .
 
« 521 »
 
( 2016 - 2024 ) لا يزال مولانا جلال الدين يعبر عن نفس الفكرة بمستويات أخرى من التعبير وذلك لبيان أن الاختلاف في الأديان ورفض أهل الكتاب الدخول في دين الله ليس لأنهم رأوا عيبا في الرسالة فهم أدرى الناس بحقيقتها ، بل إن الأمر في رأى مولانا أن الناس يتفاوتون في تقبل الهدى كما تتفاوت مستويات التلاميذ الصغار في المدارس ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1523 وما بعدها ) ثم يضرب مولانا أمثلة يدق عليها كثيرا . فلكل حس من الحواس منصب منوط به وعمل كل حس لا تستطيع أحاسيس كثيره ولو اجتمعت ان تقوم به . . . وهكذا الأحاسيس العشرة : الخمسة الظاهرة والخمسة الباطنة كلها في صف ولكل منها درجة . . وكل من تمرد عن صف الدين القويم آخر إلى صف آخر به « ليست وحدة بين الأديان إذن حتى ابن عربى
قال : لقد صار قلبي قابلا كل صورة . . صورة . . صورة وليست حقيقة فالحقيقة واحدة ، أجل لكن لها صورة نهائية لها صورة نهائية لها صورة ناسخة لكل الصور لها صورة لم تعرف »
 
( 2025 - 2029 ) إذا كان الأمر كذلك فحذار من أن تعطى أمر الله سبحانه وتعالى ( تعالوا ) أذنا بها وقر ، فإذا كانت الكيمياء تحول المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة وتبدل طبيعة الأشياء فإن هذا الكلام الذي نزل على محمد بن عبد الله كيمياء شديدة العجب « وأي عجب أشد من تحويل جندب بن جنادة إلى أبي ذر الغفاري ووائد البنات إلى عمر بن الخطاب ؟ ! !
حتى وإن نفر منك ومن كلامك نحاسى بطبعه فلا تبخل بالكلام عنه . . فمن يدرى ؟ ! !
إن كانت نفسه الساحرة قد سدت عليه الطريق . . فربما يجدى كلامك فيه في النهاية ، أليس من العجيب انه لا يكاد يوجد صوفي واحد من كبار الصوفية لم يكن في هوى نفسه قبل ان تنزل عليه
 
« 522 »
 
الهداية ؟ ! ألم يسرف الكثيرون منهم على أنفسهم ؟ ! فهيا أيها الغلام ( لعله يخاطب غلاما من المريدين ) ادع الناس إلى هذه الحضرة «وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ( يونس / 25 ) وأنت يا من تظن بنفسك الرئاسة . هذا الكلام موجه إليك أنت أيضا . . ارجع عن كبريائك وسيادتك وتعال إلى حضرة المرشد .
 
( 2030 - 2046 ) عودة إلى قصة تأمير الرسول للشاب الهذلي : فها هو أحد أولئك الفضوليين الذين يتدخلون فيما لا يعنيهم وفي ما لا يفهمون قد اعترض لا عن سبب بل لمجرد الحسد ، ولا يترك مولانا هذا المعترض على علم الهدى ورحمة العالمين وخير البشر دون تعليق . .
يقول : انظر كيف ان الخلق في ظلمة وكيف فنوا في هذا المتاع الفاني . . وكيف انهم في تفرقة من كبريائهم وكيف انهم بجوار محيى الأرواح ومع ذلك أرواحهم ميتة يحيون بالشعوذة وفي عالم الطبيعة ( سبزوارى 4 / 300 ) أرواحهم في سجن ( انظر 1 / 525 )
ومفاتيح السجن في أيديهم وما هذا السجن الا سجن الدنيا ، وما المفتاح إلا أن يتدبروا في أنفسهم وفي خلقهم «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ» ( الذاريات / 21 )
« دواؤك فيك ولا تبصر ( منسوب إلى الامام على ) لكن هيهات : فما أشبه هذا المعترض بغريق في الدنس والعصيان والشر ونهر الهداية والهدى يجرى إلى جانبه ، وها هو يتقلب ذات اليمين وذات اليسار وبجواره موضع الراحة والتطهير والملجأ لكل البشر . . فالنور خفى . .
لكن سعيهم في البحث عنه دليل على وجوده ، ليس كل ما يخفى غير موجود ، بل إنه عندما يبحث يبحث عن المجاز دون الحقيقة فطالب الغنى وطالب البقاء إنما يصلان إلى غنى مجازى هو عين الفقر وبقاء مجازى هو عين الفناء . .
( سبزوارى 4 / 301 ) « عن الطلب انظر الكتاب الثالث شروح 979 و 1435 وما بعدهما « وإذا لم
 
« 523 »
 
يكن هناك مناص من سجن الدنيا ( سجن المؤمن وجنة الكافر ) لو لم يكن وراءها دار أخرى أبقى هل كانت تبدو بهذا الهول وكان القلب يبحث عن خلاص منها ؟ ! إن وحشتك من الدنيا لدليل آخر يطلب منك أن تبحث عن دار الآخرة وتطلبها وهكذا فإن هذا الطريق اللائح المضئ كامن . . ومن جد وجد فاسع كثيرا وابحث كثيرا فإن العثور على الطريق رهن بالبحث فإنما تعرف الأمور بأضدادها ، انظر إلى النباتات التي كانت قد ماتت في البستان قد نهضت كأنها تقول لك : ها نحن شهود على أن الذي أماتنا يحيينا فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ( الروم / 50 ) :
وفي الكتاب الأول :
- أوليست جملة الأفكار والعقول خاصة تصبر كل ليلة غرقى في بحر عميق .
- وفي الخريف تذهب آلاف الأغصان والأوراق منهزمة إلى بحار الموت .
- وبينما الغراب يرتدى السواد كالحزين وينوح على الخضرة في البستان .
- وثانية يجئ الامر من سيد الأرض فيقول للعدم : رد ما أكلت .
- أيها الموت الأسود رد ما أكلت من زرع وأعشاب وورق وحشائش .
- فيا أخي اجعل عقلك معك لحظة واحدة إن بك كل لحظة ربيعا وخريفا .
- وانظر بستان قلبك أخضر ريانا حافلا ببراعم الورد والسرو والياسمين .
 
( أول ابيات 1890 - 1897 ) وانظر إلى السجناء « سجناء الدنيا » أليست أعينهم مركزة كل لحظة على باب السجن . . متى كانوا يركزون أبصارهم هكذا على الأبواب إن لم يكن هناك مبشر بأن ثمة خلاصا قادما في الطريق ؟ ! ! وآلاف الماوثين المدنسين
 
« 524 »
 
يطلبون ماء النهر يطلبون الهداية والتوبة . . كيف يطلب هؤلاء ما ليس له وجود ؟ ! ! وهل يستقر لك قرار إن طلب منك أن تنام على الأرض بلا فراش أو لحاف وفي منزلك فراش ولحاف وكونك لا تريد أن تنام على الأرض دليل على انك لست معتادا على هذا النوم ؟ !
وهل يمكن أن يكون هناك قلق يكون قلقاً وهو لا يعرف لنفسه مقرا ؟ وهل يمكن أن يسكر انسان دون أن يعلم أن هناك مزيلا لخمار قد يصيبه ؟ ! ألا يدل كل هذا على وجود ما لا تراه لمجرد طلبك إياه وجودا حقيقيا لا لبس فيه ولا شبهة ولا شك .
 
( 2047 - 2059 ) عودة إلى قصة المعترض الذي اعترض على تأمير الشاب الهذلي والواقع ان المعترض يثير هنا قضية عامة تثار في كل زمان ومكان . .
لمن تكون القيادة . . هل تكون للشيوخ المجربين أو للشباب المجددين . . .
والمعترض في أعتراضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم درسا في المعارضة إنه يعلم إنه يعارض الذي يوحى إليه . .
مع ذلك فهو يحاول أن يلزمه الحجة من كلامه هو عليه السلام والإشارة هنا إلى حديث منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم « كبروا الكبر أو الكبر الكبر ( استعلامى 4 / 301 )
على أن الرياسة تحتاج إلى شيخ والجيش ملىء بالشيوخ ، صحيح أن أوراق أشجارهم قد تبدو صفراء لكن ثمار أفكارهم ناضجة وما الأوراق الصفراء إلا علامة النضج والكمال والورقة الصفراء في الشجرة هي بمثابة اللحية البيضاء التي هي علامة على النضج . .
أما العيدان الخضراء فلا تدل إلا على فجاجة الثمرة . . . لكن القدرة على الاستغناء
 
( تعبير من سنائى والواقع أن التلاعب هنا لفظي من برك بمعنى ورقة وبرك بمعنى زاد ) هي من علامات الكمال من الأولياء ولا يعيب صفرة الذهب الصيرفي « فالصفرة خضاب المؤمن والحمرة خضاب المسلم » ( انقروى 4 / 460 )
ويستمر الهذلي من المقارنة بين الشباب والشيوخ : قد تكون أقدام
 
« 525 »
 
الشيوخ مرتعدة لكنهم يطيرون بجناح من العقل فوق الأوج . . تماما مثلما رزق الله جعفر ابن أبي طالب جناحين بدلا من يديه وقدميه اللذين قطعا في غزوة مؤتة قبل استشهاده ( انظر 2 / 577 ) .
 
( 2060 - 2064 ) يعبر مولانا عن حرجه عندما ورد مدح الشيخ والشيوخ في كلام هذا الفضولي الذي وجهه في حضرة المصطفى عليه الصلاة والسلام فكأنه حتى لم يكن يرضى بأن يمدح الشيخ أو المرشد في موضع اعتراض على خاتم الأنبياء ورأس المرشدين صلى الله عليه وسلم ما كان أحرى به أن يصمت .
فإذا كان الكلام كالنهر فالصمت بحر . وكل كلام مهما كان حسنا مآله إلى الفناء والصمت ، فإياك أن تتمرد على إشارات البحر . . والبحر هنا هو محمد عليه الصلاة والسلام وربما كما فسر المولوي اترك الفرع أي جدول الكلام وتمسك بالأصل أي بحر الصمت ( 4 / 387 ) .
 
( 2065 - 2074 ) عودة إلى القصة إن الخلاف هنا بين خبر ونظر فالمعترض يعطى الكلام حقه وحديثه ظاهر الإقناع . .
 
لكن هل هو أدرى بالمصلحة عمن يعاين الأمور برأي العين أو يكون الخبر كالمعاينة وبالطبع يريد مولانا جلال الدين أن يشير إلى موضع آخر إلى المريد الذي يعترض على تصرفات الشيخ التي قد تكون ظاهرة الخطأ فالمريد لا يرى الأمور إلا مجزأة وطبقا لمعطياته وعقله القاصر لكن الشيخ يعاين الأمور . . المريد يرى الأمور الحاضرة . . .
 
لكن الشيخ يضع في الحسبان ما غاب من أمور ومن ثم فلا أحد يشاهد ما يشاهدة الشيخ فالشيخ أشبه بمن بلغ وصال المحبوب والمريد يريد أن يتحدث عن « الدلالة » و « الواسطة » وما هذا إلا من قبيل اللغو عند من بلغ مرتبة الرجولة في الطريق وترك مرتبة الطفولة ، تكون الكتب عنده ذات قيمة وإلا فما طلب الدليل بعد الوصول إلى المقصود ( انظر الكتاب الثالث شروح أبيات

« 526 »
 
( 1401 - 1046 ) وفي تعليق للأفلاكى : من عرف الله كل لسانه ( مناقب العارفين 1 / 279 ) . ومن الحماقة المؤكدة أن تذكر خبر الشئ أمام من عاينه . . . فليس على المريد إلا الطاعة إن أمر بالصمت أن يصمت وإن قال لك أفض ، فتكلم لكن تكلم بحياء وخجل وأدب وكن مطيعا .
 
( 2075 - 2080 ) يسمى مولانا المثنوى هذه التعويذة أو الرقية الجميلة إنه يضرب مثالا حيا على الشيخ والمريد . . لكنه يجعل من حسام الدين شيخا له . .
إنه هو الذي يغريه بالمقال وبالتطويل والبسط كلما أراد الاختصار للمصلحة ويخاطبه قائلا : يا حسام الدين . . يا ضياء ذي الجلال . . أي حاجة بك إلى المقال . . .
ما دمت تعاين الأمور وتشاهدها . . . لعل هذا لأنك تحب أن تسمع . .
وأن تعطى الأذن حقها من المتعة . . تماما كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أن يتلى عليه القرآن وعليه أنزل . . أو كأنك ذلك الشاعر الذي
قال « هو أبو نواس »
ألا فاسقنى خمرا وقل هي الخمر * ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
وبح باسم من أهوى ودعني عن الكنى * فلا خير في اللذات من دونها ستر( ديوان أبى نواس . . انقروى 4 / 366 مولوى 4 / 389 )
 
ويعلق الأنقروى بأن الأولياء على نوعين عند المشاهدة ، نوع لا يحب أن يتحدث مصداقا ل - ( من عرف الله كل لسانه ) ونوع آخر ينطلق في الحديث ( من عرف الله طال لسانه ) . . .
فعندما يكون كأس الأسرار الإلهية على اللسان نضبح الأذن : وأين نصيبي ، . . ألا يكفيك أن يكون نصيبك هو هذا السكر وتلك الحرارة . . لا . .
إن هذا لا يكفى ، ينبغي أن تسمع الأذن أيضا ويعلم الجميع أن المتعة تتضاعف عندما تشارك الأذن .
 
« 527 »
 
( 2081 - 2088 ) عودة إلى قصة المعترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما زاد المعترض عن حده فإن من نزلت فيه الآيتان الكريمتانوَالنَّجْمِ إِذا هَوى . ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى( النجم / 1 - 2 ) وعَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى( عبس / 1 - 2 )
أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم بالرغم من أن القرآن نزل بعضه يبرؤه من الضلال فإنه تذكر أنه أخطأ ذات مرة عندما أشاح بوجهه عن ابن أم مكتوم فنزلت الآية الكريمةعَبَسَ وَتَوَلَّى .
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى. فعض شفتيه ، لكنه الآخر لم يفهم فأخذ يضع يده على فمه الشريف بما يوحى له بأن يمتنع وهذا هو الأدب النبوي العظيم في معاملة الرعية لم يأمر بالقبض عليه في المجلس أو حتى إخراجه من المجلس ، كل ما فعله أن وضع يده على فمه هو بما يوحى بأنه يريد أن يقول : ماذا تريد أن تقول أمام العالم بالأسرار ، وأي حديث هذا الذي تتشدق به ؟
كأنك تضع بعرا تحت أنفك وتقول ما أجمله وما أحسنه ؟
هكذا وتستحسن هذا القول لكي تروج بضاعتك من الكلام المنمق وتتظاهر وأنت تشم هذا البعر بأنك أيضا تشم ما بلغ المشام النبوية الشريفة من زهور الأفلاك والعلوم اللدنية . . لقد كان حلم الرسول عظيما لكنه كان يريد الرحمة حتى لذلك المعترض بأن يعرفه بقدر نفسه « رحم الله امرئ عرف قدر نفسه » .
 
( 2089 - 2096 ) لكن إياك أن تغتر بهذا الحلم بل عليك أن تستحى ، فإذا انبسط الولي وانشرح عليك ألا تسيىء الأدب . . وهذا العظيم وإن تناوم فلا تسىء الأدب معه وتظنه نائما ، فهو شديد اليقظة ويخاطب مولانا المعترض على المصطفى : حتام تتحدث بهذا المكر أمام المصطفى عليه الصلاة والسلام ؟
إن هذه الجماعة أي جماعة العارفين تعرف آلاف الأنواع من الحلم كل منها كالجبل وهكذا فإن هذا الحلم يجعل الذكي أبله أي يعتمد على هذا الحلم فيعتمد على
 
« 528 »
 
ذكائه فيقع في عين البله . . وكذلك أيضا يجعل ذلك الأديب الذي له مائة عين يضل ، فما تنفع كل هذه العيون الحسية . . دون عين من تشرف على الأمور تقوده . وحلمهم كالشراب الخالص المنقى غير المغشوش يذهب أعلى الرأس لكنه رويدا رويدا فيصاب بالسكر ويفقد وعيه ويمشى بشكل معوج كحركة « الحصان » في الشطرنج فيقع الملىء بالعجب بنفسه مجندلا .
 
( 2097 - 2101 ) هذا الشراب متعدد لكن أقواه ذلك الشراب الذي يشرب من دن « بلى » أي دن الإقرار بالعبودية منذ الأزل في يوم ألست ( انظر شروح الأبيات 12341 - 2110 - 2111 من الكتاب الأول والأبيات 1667 - 2970 - 3137 من الكتاب الثاني والأبيات 2344 - 2348 - 2470 من الكتاب الثالث )
هذا هو شراب العشق الأزلي هو ذلك الذي سلب الوعي من أصحاب الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ، ومنها أيضا شرب نسوة مصر فقطعن أيديهن قال نجم الدين كبرى : فلما وقعن على جماله وكماله أكبرن أن يكون جماله جمال البشر ( مولوى 4 / 391 )
كما آمن السحرة بموسى عليه السلام لأنهم شربوا من هذا الشراب ولم يأبهوا بتهديد فرعون فقد توصلوا إلى الروح ولم يعد يهمهم الجسد إن قطع أو صلب . .
ومن هذا الشراب أيضا شرب جعفر الطيار فضحى بذراعيه وساقيه . . .
 
البيت 2102 : الحكاية التي بدأت بهذا البيت وردت في تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار على النحو التالي : كان ذات يوم في الخلوة فقال سبحانى ما أعظم شأني وعندما أفاق حدثه المريدون قائلين : ما هذا الذي تفوهت به ؟
 
فقال : ناشدتكم الله ، وأنا لكم خصم إن سمعتمونى أتفوه بهذا الحديث هلا مزقتمونى إربا ، وكان أن رددها مرة أخرى فهم المريدون بقتله ، فملئت الدار بأبى يزيد فأخرج المريدون لبنة من الجدار وطعنه كل منهم بسكين : فكأنهم طعنوا بها ماء ، وعندما مرت بضع لحظات وأخذت الصورة أي صورة أبى يزيد تصغر ظهر أبو
 
« 529 »
 
 
يزيد صغيرا كصعوة جالسا في المحراب فسأله المريدون عن هذا الأمر فقال لهم يا يزيد هو ما ترونه ، ولم يكن الآخر أبو يزيد ثم قال : نزه الجبار نفسه على لسان عبده ( تذكرة الأولياء 1 / 134 ) كما وردت في تلبيس إبليس لابن الجوزي 324 - 345 والفتوحات المكية 1 / 354 ( عن مآخذ 4 / 142 ) وواضح أن القصة عند مولانا تختلف عن هذا الأصل .
 
( 2103 - 2121 ) يرى مولانا أن أبى يزيد البسطامي قال ما قاله وهو في حالة سكر صوفي . . لقد كان فانيا في الله سبحانه وتعالى فنطق بما نطق به . .
وهو ما ذهب إليه الشيخ الأكبر ولا بد من إثبات عين العبد في الفناء في الله وحينئذ يصح أن يكون الحق سمعه وبصره ولسانه ، كأن الحق قال على لسان با يزيد لا إله إلا أنا فاعبدون وهذا هو تفسير السراج والهجويرى . لقد أمرهم با يزيد بأن يعملوا مديهم في بدنه إن تفوه بهذا ، فإن كل القائل جسدا فسوف يقتل وإن كان القائل روحا فلن تؤثر فيه المدى شيئا . . . وهذه زيادة في الحكاية من مولانا جلال الدين وهي بالطبع في إطار الموضوع موضع الكلام . . أي عدم الاعتراض على الشيخ الذي يشاهد من المريد الذي يحكم طبقا لمعطياته ، وعندما ثمل أبو يزيد من شراب العشق الإلهى ضاع منه العقل ، فالعقل كالشمع والعشق كالصبح وإذا طلع الصباح بطل المصباح ، ويدق مولانا جلال الدين على هذا المعنى : إن العقل كالشرطى والعشق كالسلطان وأي قيمة للشرطى في حضرة السلطان والعقل هو ظل الحق . . والحق هو الشمس وأي بقاء للظل عندما تطلع الشمس . . .
وإذا كنت لا تصدق غلبة العشق . . فكيف تصدق غلبة المصروع ، ألست تقول أن جنيا تلبسه ؟ ! فهو لا يقول إلا ما يقوله ذلك الجنى .
 
وإذا كان هذا شأن الجنى فما بالك بخالق الجنى ؟ أليس المصروع يتحدث أحيانا بلغة لا يعرفها وهو مفيق مثاله ما ورد في تائية ابن الفارض :
 
« 530 »
 
وأثبتت بالبرهان قولي ضاربا * مثال محق والحقيقة عمدتى
بمتبوعة ينبئك في الصرع غيرها * على فهمها في مسها طيف جنة
ومن لغة تبدو بغير لسانها * عليه براهين الأدلة صحت انقروى 4 / 475 - 476 
أليس من شرب خمرا دنيوية وأبدى ضروب الشجاعة تقول إن الخمر هي التي فعلت ذلك وإن تحدث حديثا فصيحا تقول إن الخمر هي التي ساعدته وأطلقت لسانه ؟ !
أتقول بكل هذه القدرة لخمر دنيوية ولا تعترف بهذه القدرة لنور الله تعالى ؟ !
ثم أليس القرآن من فم محمد صلى الله عليه وسلم . وكل من لا يقول إنه كلام الله على لسان محمد فقد كفر .
 
ويشير في الشطرة الثانية في 2115 إلى ما قاله أبو الوفاء الكردي البغدادي ومنسوب أيضا إلى بابا طاهر أمسيت كرديا وأصبحت عربيا ( استعلامى 4 / 305 ) ومن بحث لجعفرى في هذا الموضوع أن ما يراه جلال الدين هنا إن الجانب الإنسانى في أبى اليزيد أدنى من أن يتفوه بمثل هذه العبارة والقائل في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى . .
مثلما نطقت الشجرة عند اقتراب موسى «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» ( طه / 14 ) . . ويقول محمود الشبسترى في هذا المجال أيليق هذا من شجرة ولا يليق من مقبل من المقبلين ؟ ( جعفري 10 / 350 - 351 ) .
 
( 2122 - 2130 ) عودة إلى قصة أبى يزيد مع مريديه : عندما فنى أبو اليزيد عن نفسه بدأ مرة ثانية في التفوه بأمثال هذه العبارات فقال هذه المرة « ما في الجبة غير الله » وهذا القول منسوب أيضا إلى أبي سعيد بن أبي الخير لقد كان بايزيد يقصد أنه امتلأ بالله بحيث لم يعد يحس بأي شئ سواه لقد نفى

 
« 531 »
 
الغيرية نفيا تاما وهي قمة من قمم التوحيد ومنتهاه وردت في الحديث النبوي . . .
فإذا أحببته كنت له يدا وقدما وسمعا وبصرا فبى يبطش وبي يسعى وبي يبصر وبي يسمع ، ومع ذلك فإن المريدين الذين يقفون عند ظاهر العبارات ويعرفون ظاهرا من القول وليس هذا بمستبعد عن الفانين في الله الباقين به ، عندما يستغرقون استغراقا كليا ، ولعل المريدين لم يشاهدوا طوال أعمارهم نور الله متجلبا في خلقه الله ( الولي الفاني في الله ) فهذا ليس بمستغرب عليهم . . . . .
مع أنك إن أردت السعادة فعليك بأن تتجاوز العادة ( سبزوارى 4 / 302 )
وهكذا فإن هؤلاء المريدين الذين لم يفهموا من كلام ابن اليزيد إلا ظاهره شرعوا مديهم كملاحدة كردكوه ( وهو جبل في مازندران كان سكنا لطائفة من إسماعيلية إيران المشهورين بالحشاشين وبالملاحدة )
 
وأخذوا يطعنونه بالمدى وما الطعن بالمدى هنا إلا سوء الظن والوقوف على الظاهر ، وهنا يأتي التجديد في تناول مولانا جلال الدين للحكاية فإن هذا الجسد الذي ضربوه بالمدى لم يكن جسدا . .
بل كان روحا خالصة وبالطبع فإن الذي يهاجم روحا خالصة إنما يرتد كيده إلى نحره . .
ويجسد مولانا جلال الدين هذه الصورة تماما فالذي يطعن صدر الولي يرتد طعنه إلى صدره هو ، والذي يطعن جنبه يرتد الطعن إلى جنبه هو وهلم جرا وما القتل الذي حاق بالمريدين إلا ذلك القتل المعنوي . . . القتل في الطريقة . . فليس هناك من ذنب أفظع من الشك في المرشد والتطاول على مقامه وكان الذي نجا هو الذي لم يبالغ في طعن شيخه .
 
( 2137 - 2147 ) يتحدث مولانا عن الفانين في الله المنسلخين عن ذواتهم ويحذر من أنه لا شأن لك بهؤلاء فهؤلاء في أمان وطمأنينة لأن الأذى إنما يحيق بالجسد وهؤلاء لا شأن لهم بالجسد ، لقد انقلب إلى مرآة تتجلى فيها كل ما ينظر إليها فحذار من إبداء الرأي السىء فيه ، فهذه الصورة القبيحة صورتك أنت

« 532 »
 
قد تجلت في مرآة وجوده لقد حدثتك قبل ذلك عن أبي جهل عندما نظر إلى أحمد المصطفى عليه السلام فقال له « ما أقبحك » فقال له أحمد صدقت ثم رآه الصديق فناداه يا شمس الروح فقال صدقت وكان تعليق الرسول عندما سئل عن السبب في تصديقه هذين الرأين المتناقضين : إنني مرآة صقلتها يد العرش الإلهية فالترك والهنود يشاهدون في حقيقة كيانهم ( مثنوى . . أول . . الأبيات 2365 - 2370 وانظر أيضا الكتاب الثالث شرح الأبيات 488 - 496 )
ويرى مولانا نفسه مقبلا على شرح مزيد من الأسرار ويعبر عن هذا الخطر بأنه على حرف السطح أي معرض للسقوط . . . فزم شفتيك وأغلق فمك . . . وما دمت ثملا بخمر العشق الإلهى . . . فحاول أن تجلس في مكان منخفض وأن تخاطب كل امرئ بقدر فهمه .
 
( 2148 - 2152 ) يفسر مولانا جلال الدين ما الذي يعنيه بقوله على حرف السطح . . فهذا البسط الذي يحدث للصوفى الثمل من تواتر الألطاف الإلهية والكشوف الإلهية عليه هو حافة الخطر ومن ثم فهذا الذي يعبر عنه الصوفية بالوقت والوقت العزيز والوقت الحلو ( انظر شرح الأبيات 1427 من الكتاب الثالث ) هو مكمن الخطر ، وهو السيف القاطع . . .
هذا الفرح بالكشف والفرح بالوصول والفرح بالإنعامات الإلهية قد ينسى العارف نفسه فيبوح بما لا ينبغي البوح به ومن ثم يستحب الحزن : هنا في هذا الوقت ينبغي الخوف والحذر من الغيرة الإلهية والخشية من مصير كمصير إبليس الذي أعجب بنفسه فعند الولاء يأتي البلاء . . .
واحذر زوال هذه الدولة في قمتها ، فإن الشئ إذا تم نقص ودنا زواله وإن لم تصدقني فانظر إلى كل نكال أصاب قوما ما إنما أصابهم بغتة وهم في سرورهم ولهوهمحَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها . . . .
 
« 533 »
 
( سورة يونس / آية 24 ) وطالع مصائر الأمم السالفة كقوم نوح وقوم لوط فلولا خافوا ما سقطوا .
 
( 2152 - 2160 ) أتدري لم تخبط ذلك الشاب الذي اعترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقط كل هذا السقوط ؟ ! لقد حدث له كل هذا من فرط سروره وانبساطه ونشوته وسكره لأن قبسا من النبوة قد سطع على روحه بينما كان جالسا في محضر النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن روحه مستعدة له . . . فضل هكذا حتى خسر الدنيا . . . ولإنها تزيد المؤدب الوقور الأصيل أدبا ووقارا ونجابة ، وهكذا بالنسبة لوضع المهذار . . تزيده وضاعة وهذرا من هنا حرمت الخمر لأن أغلب الناس من هذه الطينة الوضيعة التي تزيدها الخمر شرا وشررا والشرع عادة ما يكون في سبيل الأغلبية أو الأكثرية ولا يشرع في الإسلام لمصلحة أقلية من الناس وليسلب هذا السيف من يد قاطع الطريق لأنه توسل بالقوة لا بالبيعة ! !
 
( 2161 - 2169 ) من الأوفق أن يبدأ ما تحت العنوان بهذا البيت وهو ما اتبعه يوسف بن أحمد والأنقروى . . وها هو الرسول عليه الصلاة والسلام يفسر ما هو المقصود بالشيخ المجرب ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 2282 - ومن 1791 إلى 1800 )
فليس الأمر هنا مما يؤخذ على ظاهره فليست الشيخوخة بمظاهرها ، فرب شاب أكثر تجربة وعلما وحكمة من كثير من الشيوخ ، ورب شيخ أشيب الشعر لكنه أسود القلب ، فالشيخ هو شيخ العقل وترى من كان أكثر طعنا في السن وله مظاهر الشيوخ أكثر من إبليس ؟ ألم يعبد الله ألف عام ؟ !
وألم يكن عيسى طفلا ومع ذلك أوتى الحكم صبيا . . .
إن الأمر كما يبدو في الظاهر فحسب وعند من ينظر إلى ظاهر الأمور يبدو العقل والنضج مرتبطا بالشيخوخة وهذا له قيمته عند المقلد وليس المحقق ( انظر للمقلد والمحقق 2 / 490 - 494 ) .
 
« 534 »
 
 
( 2170 - 2176 ) المقلد هو الذي يبحث عن الأمارات والعلامات والدلائل أما المحقق فهو الذي ينظر بنور الله ويشق حجب المظاهر والدلائل نافذا فيما وراءها إلى لب الحقيقة ، إن الزيف والنقد أمام المقلد الذي ينظر إلى الألوان سيان ، لكن المحقق يعرف ما في داخل القوصره « القوصرة : صندوق يوضع فيه البلح »
سبزوارى ( 4 / 304 ) وما أكثر الأشياء التي تعمى ظواهرها وتخفى ملامحها الثمينة لتنجو من يد كل عدو ، أليس الملامتية من أهل التصوف هم الذين يخفون حقيقتهم عن الناس بكل ما يستوجب اللوم ؟
إنما نحن فقط أهل التحقيق الذين ننظر إلى الباطن ولا ننظر إلى الظاهر ، أما القضاة فهم الذين يحكمون على الظاهر وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لم أؤمر أن أنقب على قلوب الناس ولا أشق بطونهم ، وما أكثر المنافقين الذين استفادوا من هذا وأراقوا دماء المؤمنين ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( البقرة / 8 ) .
 
فجاهد إذن حتى تكون شيخا من شيوخ العقل حتى تكون كالعقل الكلى ( للعقل الكلى انظر 1 / 1899 وانظر الكتاب الثالث 2529 ) ، أو من لهم نصيب من العقل الكلى ناظرا إلى الأشياء كما هي وإلى بواطنها .
 
( 2177 - 2187 ) فصل في مدح العقل . . . وعندما أسفر عن وجهه أي خلقه أعطاه الله ألف اسم على أسمائه هو جل شأنه هذا في رأى للسبزواري ( 4 / 303 )
وفي رأى يوسف بن أحمد فإن علماء الرسوم قالوا لهذه العزيزة العقل النظري والعلمي والكسبى والحصولي والعقل بالفعل والعقل المستفاد والعقل المنفعل والفعال والكلى ، وقالت الحكماء : الجوهر المفارق وقالت الصوفية القلب ،
وقال بعضهم نور القلب والروح والنفس الناطقة ، وقالت المشايخ المستقدمون لهذه العزيزة القلم والروح القدسي وباعتبار أنه منور الباطن ومظهر صور
 
« 535 »
 
العقول واللمات الملكية لوح ( نجم الدين كبرى ومجد الدين البغدادي وعلاء الدولة السمناني ) وباعتبار تحريره التجليات ونقشه الحروف العاليات والواردات الإلهية على صحائف قلوب أهل الكمال : قلم ، وباعتبار أنه منشأ النزاهة من شوائب أدناس البهيمية وأوساخ الطبيعية والشيطان روح القدس ، وبهذه المناسبة قال سهل بن عبد الله التستري : للعقل ألف اسم ولكل اسم ألف اسم ذكر منها القليل ليدل على الكثير ( 4 / 301 وانقروى 4 / 490 - 491 )
 
وأقل هذه الألفاظ أنه المستغنى عن كل شئ بالله تعالى وأنه لا يحتاج إلى أحد ، وهو وإن تمثل نوره جسدا سويا لأزرى بنور الشمس ،
 
وهذا كما قال أبو الحسن الشاذلي قدس الله سره فلو كوشف أنوار القلوب لانطوى نور الشمس والقمر مشرقات أنوار قلوب أولياء الله فقلوب أولياء الله لا كسوف لها ولا غروب
( ينظر عجائب القلب في الإحياء للغزالي ) كما قيل :
إن شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب ليست تغيب كما قال ابن الفارض :فبدرى لم يأفل وشمسي لم تغب * وبي تهتدى كل الدراري المنيرة( الانقروى 4 / 492 )
 
وإذا كان العقل نورا فالحمق ظلام ، لا يعيش الأحمق إلا في الظلام كالخفاش فائتلف بالنور ، وإلا كنت خفاشا عاشقا لكل مكان تكون فيه العقبات والمشاكل عدوا لكل مكان فيه مصباح ، عابدا للدنيا جامعا لفتاتها غافلا عما فيك من سوء وجبلة سيئة .
 
( 2188 - 2201 ) يقسم مولانا جلال الدين البشر إلى ثلاثة أصناف ، عاقل ونصف عاقل وشقى مغرور : والعاقل هو ذلك الذي يملك الشعلة أي شعلة
 .
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1739 - 2201 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:46 pm

الهوامش والشروح 1739 - 2201 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1739 - 2201 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1739 - 2201 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك المداح الذي أخذ يثنى على ممدوحه على سبيل الفخر ،
بينما كانت رائحة همه وحزنه الداخلي وخلافة ثوبه تبدى
هذا الشكر كذبا وبهتانا
« 536 »
المعرفة ونور الهداية ، فهو بذلك دليل القافلة وذلك الإمام يقتدى بنور ذاته ويتبع تلك الذات التي أفناها في ذات الله ، فآمنوا أنتم أيضا أنه يستطيع أن يقودكم لتصلوا إلى ذلك النور الذي وصل إليه ، وهناك نصف العاقل وهو الذي يتخذ من عاقل عينه التي ينظر بها . .
لقد أمسك به كما يمسك الأعمى بدليله فهو يبصر ويتحرك ويحفظ توازنه ووقاره به ، أما الثالث فهو الذي ليس لديه نور يهتدى به كما أنه لا يمسك بأحد العقلاء ، إنه لا يعرف الطريق لكنه يحس بالعار من أن يتبع أحدا ، يمنعه كبرياؤه من التعلم ، ويملى عليه عجبه إن على الناس أن يتعلموا منه ، وهو ينطلق كيفما اتفق في هذه الصحراء القاحلة ، يسرع حينا ويبطىء حينا دون أن يعلم متى يبطىء ومتى يسرع ، فلا نور لديه من عقل . .
 
ولا نصف شمعة من سؤال ، فلا هو بالعاقل ليعيش بالعلم كالأحياء ، ولا بنصف عاقل لكي يبحث عمن يكمل له عقله ينقذه من الحضيض الذي يعيش فيه إلى السطح ، فإن لم يكن لك عقل عامل فاعتبر نفسك ميتا في حضرة العقلاء الذين يحيون بكلامهم موتى القلوب ، إن مثل هذا كمثل الذي لا هو بالحي لكي يكون لائقا بصحبة من هم في قوة عيسى الروحية ، وليس بالميت لكي يحاول هؤلاء إحياءه .
إن روحه العمياء تخبط خبط عشواء ، إنها تسعى كثيرا وتكد كثيرا لكنها لا تصل إلى نتيجة ترجى ولا تنجو بسعيها هذا .
 
( 2202 ) يقدم مولانا مستوى آخر من التعبير عن الفكرة السابقة والحكاية التي تبدأ بهذا البيت من الحكايات المشهورة في كليلة ودمنة باب الأسد والثور قال ومنه : زعموا أن غديرا كان فيه ثلاث سمكات : كيسة وأكيس منها وعاجزة ، وكان ذلك الغدير بنجوة من الأرض لا يكاد يقربة أحد ، وبقربة نهر جار فاتفق أنه اجتاز بذلك النهر صيادان ،
فأبصرا الغدير ، فتواعدا أن يرجعا إليه بشباكهما يتصيدا ما فيه من السمك ، فسمعت السمكات قولهما ،
 
« 537 »
 
فأما الأكيس لما سمعت قولهما وارتابت لهما وتخوفت منها ، فلم تعرج على شئ حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير ، وأما الكيسة فإنها مكثت مكانها حتى جاء الصيادان فلما رأتهما وعرفت ما يريدان ، هبت لتخرج من حيث يدخل الماء فإذا بهما قد سدا ذلك المكان فحينئذ قالت :
فرطت وهذه عاقبة التفريط فكيف الحيلة على هذه الحال ؟ !
وقلما تنجح حيلة العجلة والإرهاق ، غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي ، ولا ييأس على حال ولا يدع الرأي والجهد ، ثم إنها تماوتت فطفت على وجه الماء متقلبة على ظهرها تارة ، وتارة على بطنها ، فأخذها الصيادان فوضعاها على الأرض بين النهر والغدير فوثبت إلى النهر فنجت .
أما العاجزة فلم تزل في اقبال وإدبار حتى صيدت ( كليلة ودمنة - ترجمة ابن المقفع ص 43 من طبعة دار الشعب ) 
كما اشتق المراد بهذه الحكاية من قول منسوب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الرجال ثلاثة رجل ينظر في الأمور قبل أن تقع فيصدرها مصدرها ، ورجل متوكل لا ينظر فإذا نزلت به نازلة شاور أهل الرأي وقبل قولهم ، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا
( البيان والتبيين للجاحظ / 3 ص - 182 طبعة مصر 1932 بتحقيق حسن السندوبى ( مآخذ 4 / 142 - 143 ) وقد ذكر مولانا مصدر الحكاية لكنه استدرك بأنها في كليلة ودمنة مجرد صورة لكنها في المثنوى روح ومعنى .
 
( 2206 - 2212 ) السمكة العاقلة الحازمة لم تقدم حتى بمجرد استشارة رفيقتها فهي بعقلها وحزمها أدركت أن مشورة من يقل عقلا أو يعدمه خالية من القيمة وإنه من الممكن أن يثبطاها عما عزمت عليه . .
ومن ناحية أخرى كانت تعلم أنها سوف يحدثانها عن حب الوطن وأن الهجرة عن هذا الوطن أمر صعب على نفسيهما : فالمسافر عليه أن يستشير مسافرا مثله ، استشر عموما من هو


« 538 »
 
في مثل حالتك أو من خبرها أو من مرت عليه ، سل حكيما وسل عالما ، إن هاتين السمكتين سوف تتعللان بحب الوطن وحب الوطن من الإيمان حديث صحيح لكن متى كان المقصود هو هذا المكان الذي نعيش فيه وهل نسيت أن وطنك الحقيقي هو في تلك الناحية ، هو ذلك الذي خلقت أولا فيه ونفيت عنه ومن واجبك أن تعود إليه ، فاقرأ الحديث لكن لا تقرأه مقلوبا ، إن الله يرغبك في أن تعمل لكي تعود إلى وطنك لا أن يكون همك هذا التراب الذي تعيش عليه والدنيا التي تحجب عنك الوطن الحقيقي وقد أشار عبد الباقي


( 4326 ) إلى أن المعنى مأخوذ من قول للإمام على « إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب وما شئ بينهما كلما قرب عن واحد بعد منى الآخر وهما بعد ضرتان ( نهج البلاغة - فيض الإسلام / 1003 ) أدرك هذا وإلا صرت مثل الذي قلب الدعاء عند الوضوء .
 
( 2213 - 2220 ) الخبر الذي يشير إليه مولانا جلال الدين في هذه الأبيات :
إذا أردت الشروع في الوضوء تقول أولا : نويت الوضوء لله تعالى ورفعا للحدث والاستباحة للصلاة ، ثم بعد الاستعاذة والبسملة تقول : اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم والهلكة ،
فإذا تمضمضت تقول : 
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأعنى على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ، 
فإذا استنشقت بأنفك اطلب من الرب الغنى رائحة الجنان وقل اللهم أرحنى رائحة الجنة وارزقني من نعيمها ولا ترحنى رائحة النار ،
وإذا غسلت وجهك تقول :
اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، وإذا غسلت يدك اليمنى تقول اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبنى حسابا يسيرا ، 
وإذا غسلت يدك اليسرى تقول : اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي وتحاسبنى حسابا
 
« 539 »
 
عسيرا ، وإذا مسحت رأسك تقول : اللهم غشني برحمتك وأنزل على من بركاتك وأظلنى تحت ظل عرشك ، وإذا مسحت أذنيك تقول : اللهم اجعلني ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأسمعنى منادى الجنة مع الأبرار ، وإذا مسحت رقبتك تقول اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال ، وإذا غسلت رجلك اليمنى تقول اللهم ثبت قدمي على الصراط مع أقدام المؤمنين ، وإذا غسلت رجلك اليسرى تقول اللهم أعوذ بك من أن تزل قدمي على الصراط يوم تزل أقدام المنافقين ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم « من ذكر الله عند الوضوء طهر جسده فإن لم يذكر اسم الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء ( مولوى 4 / 306 ) 
وعند الاستنجاء يستحب أن يدعى الله سبحانه وتعالى بأن يطهر النفس من جنابتها وأن ينقى الباطن من الأدران : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من العلماء الراشدين واجعلني من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( أنقروى 4 / 499 ) .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2202 - 2627 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:48 pm

الهوامش والشروح 2202 - 2627 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 2202 - 2627 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2202 - 2627 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة ذلك الجدول والصيادين والسمكات الثلاثة العاقلة ونصف العاقلة
 وقد ذكر مولانا مصدر الحكاية لكنه استدرك بأنها في كليلة ودمنة مجرد صورة لكنها في المثنوى روح ومعنى .
 
( 2206 - 2212 ) السمكة العاقلة الحازمة لم تقدم حتى بمجرد استشارة رفيقتها فهي بعقلها وحزمها أدركت أن مشورة من يقل عقلا أو يعدمه خالية من القيمة وإنه من الممكن أن يثبطاها عما عزمت عليه . .
ومن ناحية أخرى كانت تعلم أنها سوف يحدثانها عن حب الوطن وأن الهجرة عن هذا الوطن أمر صعب على نفسيهما : فالمسافر عليه أن يستشير مسافرا مثله ، استشر عموما من هو
« 538 »
 
في مثل حالتك أو من خبرها أو من مرت عليه ، سل حكيما وسل عالما ، إن هاتين السمكتين سوف تتعللان بحب الوطن وحب الوطن من الإيمان حديث صحيح لكن متى كان المقصود هو هذا المكان الذي نعيش فيه وهل نسيت أن وطنك الحقيقي هو في تلك الناحية ، هو ذلك الذي خلقت أولا فيه ونفيت عنه ومن واجبك أن تعود إليه ، فاقرأ الحديث لكن لا تقرأه مقلوبا ، إن الله يرغبك في أن تعمل لكي تعود إلى وطنك لا أن يكون همك هذا التراب الذي تعيش عليه والدنيا التي تحجب عنك الوطن الحقيقي وقد أشار عبد الباقي ( 4326 ) إلى أن المعنى مأخوذ من قول للإمام على « إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب وما شئ بينهما كلما قرب عن واحد بعد منى الآخر وهما بعد ضرتان ( نهج البلاغة - فيض الإسلام / 1003 ) أدرك هذا وإلا صرت مثل الذي قلب الدعاء عند الوضوء .
 
( 2213 - 2220 ) الخبر الذي يشير إليه مولانا جلال الدين في هذه الأبيات :
إذا أردت الشروع في الوضوء تقول أولا : نويت الوضوء لله تعالى ورفعا للحدث والاستباحة للصلاة ، ثم بعد الاستعاذة والبسملة تقول : اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم والهلكة ،
فإذا تمضمضت تقول :
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأعنى على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ، فإذا استنشقت بأنفك اطلب من الرب الغنى رائحة الجنان وقل اللهم أرحنى رائحة الجنة وارزقني من نعيمها ولا ترحنى رائحة النار ،
وإذا غسلت وجهك تقول :
اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، وإذا غسلت يدك اليمنى تقول اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبنى حسابا يسيرا ، وإذا غسلت يدك اليسرى تقول : اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي وتحاسبنى حسابا
 
« 539 »
 
عسيرا ، وإذا مسحت رأسك تقول : اللهم غشني برحمتك وأنزل على من بركاتك وأظلنى تحت ظل عرشك ، وإذا مسحت أذنيك تقول : اللهم اجعلني ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأسمعنى منادى الجنة مع الأبرار ، وإذا مسحت رقبتك تقول اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال ، وإذا غسلت رجلك اليمنى تقول اللهم ثبت قدمي على الصراط مع أقدام المؤمنين ، وإذا غسلت رجلك اليسرى تقول اللهم أعوذ بك من أن تزل قدمي على الصراط يوم تزل أقدام المنافقين ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم « من ذكر الله عند الوضوء طهر جسده فإن لم يذكر اسم الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء ( مولوى 4 / 306 ) وعند الاستنجاء يستحب أن يدعى الله سبحانه وتعالى بأن يطهر النفس من جنابتها وأن ينقى الباطن من الأدران : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من العلماء الراشدين واجعلني من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( أنقروى 4 / 499 ) .
 
( 2221 - 2230 ) هذا المثال الساخر ورد في مقالات شمس الدين التبريزي ( مقالات شمس ص 361 مآخذ / 143 ) إن الدعاء صحيح لكن موضع الدعاء خطأ . . وهذه الشطرة ضل فجوة الدعاء أو اشتبهت عليه فجوة الدعاء مما يجرى مجرى الأمثال الساخرة في اللغة الفارسية لمن يطلب الشئ طلبا صحيحا لكنه يطلبه من غير موضعه أو في غير أواه أو للذي يستخدم الشئ في غير موضعه ( انظر داستانهاى أمثال ص 284 )
 ويضرب مولانا هذا المثل لخطأ ذلك الذي يذكر حب الوطن من الإيمان على أساس أن الرسول عليه السلام يقصد به هذا الوطن في الدنيا ، بل هو وطن الآخرة ، كما أن رائحة الجنة بفتحة الأنف وليس بهذه الفتحة الدنيا . . .
وهذا التفسير يمكن أن يكون أبلغ رد على دعاة القومية الضيقة الذين يعبدون التراب ، ويستشهدون بها الحديث
 
« 540 »
 
قائلين إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى حب الوطن ، غافلين عن أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى وطن ما فهو على الأقل هذا الوطن الذي ينضوى تحت رسالته وهو العالم أجمع أو حيثما يرتفع أذان من مسجد والرأي ما قاله العارفون .
 
( 2231 - 2234 ) تكون الشورى والخطر جاثم وماثل ووشيك ضربا من الحماقة ، أو عندما يكون ما على الإنسان أن يفعله واضحا ولا مجال فيه للاختيار بين رأيين ، فالسمكة العاقلة أو الرجل الحازم العاقل لا يضيع وقتة عند الخطر ، ويضرب المثل في الشطرة الثانية بالإمام على رضي الله عنه وتأوهه في البئر بدلا من أن يفشى الأسرار ، وفحوى الإشارة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسر ببعض الأسرار إلى سيدنا على . . .
وطلب منه عدم إفشائها وبعد عدة أيام ضاق صدره عن حملها . . فذهب إلى بئر وأسر إليه ببعض ما عنده فتحول ماء البئر إلى دم ومر الرسول بهذا البئر فطلب من بعض صحابته أن يستخرجوا منه بعض الماء . فوجدوه دما فقال صلى الله عليه وسلم ما هذا إلا لأن علىَّ تكلم فيه بالسر ( المولوي 4 / 309 - الانقروى 4 / 503 )
وزاد السبزواري على الرواية إن عليا رضي الله عنه قال حديث طويل رواه كميل آه آه إن هاهنا لعلما جمالو أصبت له حملة ( سبزوارى 4 / 304 ) وقد نظم العطار الجزء الخاص بمرور الرسول على الرسول على البئر في منظومته منطق الطير فقال نزل المصطفى في موضع من الطريق ،
فقال هاتوا الماء للمعسكر من البئر فذهب ثم عاد مسرعا قائلا : إن البئر ملىء بالدم ولا ماء فيه فقال لعله من الألم الذي أصابه عندما بث المجتبى فيه أسراره
( منطق الطير الأبيات 523 فما بعدها ) ويضيف المولوي رواية أخرى إن قصب الناى نبت في البئر فجاء شاب وقطع منه عودا أخذ ينفخ فيه فاسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يخبرني عن
 
« 541 »
 
الأسرار التي قلتها لعلى والرواية هنا محرفة عن حكاية لسنائى الغزنوي وردت في الحديقة ( انظر حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة الترجمة العربية ص 46 ) منسوبة إلى حلاق الإسكندر الأكبر والمراد هو حبس الأسرار عمن لا يستحقها من ناحية وحبسها عند الاستماع إليها على أساس أن « قلوب الأحرار قبور الأسرار » ، كما أشار سنائى إلى الواقعة في شطرة واحدة من البيت 3302 من الحديقة وقليل من يستحقون هذه الأسرار فتوار كالعسس وسر ليلا وليحفك ظلام الليل إن كنت غير أهل للأسرار وجاهد في ترك هذا الجدول ذي الماء الآسن واطلب بحر الحقيقة المحيط ( لبحر المعنى انظر 1 / 295 وما بعده ) .
 
( 2235 - 2237 ) ما أقرب التعبير هنا إلى محتوى الحديث النبوي الشريف ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها ( مولوى 4 / 310 - انقروى 4 / 504 ) .
 
( 2245 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من المأثورات المشهورة وردت في كتب كثيرة من أمثال العقد الفريد لابن عبد ربه وحلية الأولياء ( ج - 4 / ص 316 ) وإحياء علوم الدين وكتاب الأذكياء لابن الجوزي كما نظمها العطار في إلهي نامه ( مآخذ 144 / 145 ) .
 
( 2271 - 2273 ) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وموتوا قبل أن تموتوا . وقد مر تفسير الموت قبل الموت في الكتاب الثالث ( شرح الأبيات 3762 - 3768 ) ويريد مولانا هنا بالموت بالغنى أي الموت بمغريات الدنيا من ناحية والموت الاضطراري أي موت البدن دون توبة أو رجوع .
 
( 2282 - 2283 ) قال تعالى في سورة الملك «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ
 
« 542 »
 
الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها : أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ؟ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ» ( آيات 6 - 9 ) .
 
( 2287 - 2300 ) قال تعالى «وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ( الأنعام / 27 - 28 )
ويجرى الحوار بين العقل والسمكة الحمقاء وهو في الحقيقة بين العقل وكل أحمق قلبه غلف لا يعرف العذاب إلا عندما يرى نفسه فيه ، وذلك لغياب عقله ، والخطاب موجه إلى السمكة وإلى كل أحمق : اذهب يا عديم القيمة فإن هذا التمني أيضا ليس من العقل فهو من قبيل تمنى المحال « كلا وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» ( سورة المؤمنون / آية 100 )
 
فهذه الفراشة تعود إلى النار مهما تدفع عنها ، ومهما تذق من لهيبها ، والندم أيضا من أمارات الحمق فهو لا يغير من الحقيقة شيئا ، وهو أيضا من ألم العقاب لا من ألم الذنب ، وهذه التوبة ليست في محلها وإنما تكون التوبة قبل التعرض للعقاب . .
إنما تكون التوبة من قريب وإلا فإن الذي ينتظر التوبة حتى الموت كالذي يسخر من خالقه وعندما يذهب الألم عنه ، يمضى ندمه وتمضى توبته كالقائل قولا بليل ( ليل الألم والعذاب والظلام ) فإذا طلع عليه النهار نسي ما بدر منه من ندم وتوبة ومن ثم فإن العقل يرد عليه ( ولو ردوا لعادوا ) .
 
( 2300 - 2306 ) ينشد مولانا الحقيقة دائما ، فيرى أن هناك ما يشبه العقل وليس بعقل ، بل هو وهم يبدو كأنه عقل ، كما يبدو الزيف كأنه ذهب ولهذا الوهم يحاول أهل الباطل قتل الحقيقة كما جادل فرعون موسى عليه السلام .
ويقول السهروردي في هياكل النور الوهم ينازع العقل حتى إن المنفرد يبيت بالليل يفر منه عقله ووهمه حتى ربما يغلب تخويفه ، فينفرد الإنسان وهو يخالف العقل في أمور غير محسوسة حتى أن الذين يتبعون قضاياه ينكرون
 
« 543 »
 
ما وراء المحسوسات » ( أنقروى 4 / 515 ) الفيصل إذن في التمييز بين العقل والوهم عند صاحب الهياكل أن صاحب الوهم ينكر ما وراء المحسوسات ، وعند مولانا محك آخر فإن الذي يدبر من أجل شهوات الدنيا ليس عقلا بل هو وهم . . . على أساس أنه يدبر ويفكر في الزيف والوهم . . وهناك محك آخر يقدمه مولانا : اعرض أفعالك على معيار القرآن وأحوال الأنبياء ، وها هو العقل يخاطبك : إن تعرض نفسك على هذا المحك سوف ترى نفسك لست أهلا لطريقتى ، ولا صبر لك على ما أمليه عليك . . لكن العقل الحقيقي إن تعرض لأشد أنواع العذاب حتى لو قسم بالمنشار فهو يضحك لأنه يعلم أن هذا البلاء مخصوص به الأولياء وأنه دليل على صدق معدنه ( انظر الكتاب الثالث / 1511 - 4120 - 4123 ) .
 
( 2307 - 2321 ) يجسد مولانا المعاني ليقربها فموسى عليه السلام هو العقل ، اما الوهم فهو فرعون الذي أحرق العالم بنيران ظلمه وجبروته وتعديه على العباد وجرأته على الحق ، وهكذا يدير مولانا حوارا بين موسى وفرعون :
فرعون لا يرى من موسى إلا ما يعرفه عنه وهو الذي رباه ولا يعرف عنه شيئا يذكر ( الوهم ) وموسى يحاول ان يفهم فرعون أنه وجود غير الذي رباه ، وانه وهب ما لم يكن آلاف الفراعين يستطيعون ان يهبوه إياه دون فائدة ، ان فرعون يسأله : من تكون ؟ !
قال له : « إني رسول من رب العالمين » لكن هذه النسبة بالذات لا يريدها فرعون فيقول له : دعك من هذا الادعاء أذكر نسبك القديم عندما كنت تعيش بيننا ، يجيب موسى بأن النسبة الحقيقية له أنه عبد الله من نسل عبيد وإماء وأنا من تراب ومرجعي إلى التراب مثلك تماما أيها المهول فهذا هو نسبك أيضا الذي خرجت منه ، ومرجعنا جميعا إليه سبحانه وتعالى يوم لا أنساب بينهم ولا يتساءلون ، أنسابنا واحدة نحن الأنبياء والعصاة ونحن جميعا
  
« 544 »
  
من هذه الناحية أكفاء غير أن فرعون يريد أن يذكر موسى عليه السلام بأنه كان مجرد عبد لهأَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ( الشعراء / 18 - 19 ) بل أنت عبد متمرد عاص هربت من وطنك بعد جريمتك المشئومة ، إن كلام فرعون كله واضح الصدق لكنه بعيد عن الحقيقة وأقرب إلى الوهم ، كل القياسات التي يقدمها صادقة وذلك لأنه لا يعلم أن موسى عليه السلام أصبح عبدا ربانيا .
 
( 2322 - 2340 ) ينفد موسى عليه السلام خطاب فرعون إليه إلى أي مدى هو كاذب رغم لهجة الصدق التي يتحدث بها ، فموسى هو عبد الله وحاشا أن يكون عبدا لسواه ، وحاشاه أن يكون له شريك في ملكه ، ثم إن الله هو خالقه ولا يستطيع فرعون أن يصور حاجبا واحدا من حاجبيه ، فمن أين يستطيع أن يعرف ما يدور في روحه ، ثم إن فرعون هو الطاغية المشئوم لأنه يدعى الملك مع الله ، ثم إن فرعون الملوث الأيدي بدماء الآلاف من آل يعقوب يعير موسى بفعلة واحدة لم يفعلها عن عمد أو عن قصد لقد وكزه فقضى عليه ومتى كانت الوكزة تقتل انسانا لا يريد الله سبحانه وتعالى له أن يقتل ؟ لقد قتلت كلبا كافرا . . .
 
وقتلت أنت آلاف الأبرياء ، وكنت أنا المقصود ولكن الله سبحانه وتعالى اجتبانى واصطفانى برغمك . وهكذا عندما يفحم فرعون لا يجد ما يقوله امام الناس ، إلا أن موسى عليه السلام أساء الأدب . .
لقد حط من كرامة فرعون أمام الناس ، انه لم يفكر في يوم الحشر العظيم ، انه سوف يذل أمام الخلق أجمعين وهكذا فإن النفس الفرعونية في كل عصر وكل أوان ، داخل كل لباس . .
عندما تحصر ولا تحار جوابا لا تملك إلا أن تتوسل بظاهر المبادئ الأخلاقية وكيف يجرؤ على من رباه ؟
وإن لم يكن قد رباه كيف يجرؤ على كبير القوم ورب الأسرة ؟
كيف يحطم ما بناه رب الأسرة ؟ وكيف يخرب بنيانه ؟ إن هذا المنطق يغفل عن نقطتين
 
« 545 »
 
مهمتين : الأولى أنه لا شئ يعلو على الله وإذا كانت القضية حق الله وحقوق الناس فلا كرامة لأقرب الأقربين : «قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» ( التوبة / 24 ) .
 
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى : فإن ليس كل هدم تراه بالهدم وغالبا ما تكون العناصر الهدامة تسعى في هدم بناء واه لكي تقيم مكانه صرحا عاليا ، والبقاء في الفناء فكرة دق عليها مولانا جلال الدين كثيرا وهي الفكرة الجامعة للكتاب الثالث
 
( انظر مقدمة الكتاب الثالث ) ، كما وردت في الكتاب الأول بشكل مختصر « وصحة حسن الدنيا تجىء من سلامة البدن وأما صحة حسن الدين فتأتي من خرابه وأن طريق الروح يخرب الجسم لكنه يعود فيعمره بعد هذا التخريب ، فهو كمن خرب دارا من أجل كنز من الذهب ، ثم زادها عمرانا بذلك الكنز ذاته ، أو كمن قطع الماء وطهر مجرى النهر ثم عاد وأجرى ماء الشرب فيه ، « أوكمن » شق الجلد وانتزع منه رأس الحربة فنما على الجرح بعد ذلك جلد جديد ، أو كمن هدم القلعة وأخذها من الكفار ثم أقام على أرضها مائة برج وسد ، ومن ذا الذي يصف من لا شبيه له ؟
إن ما قلته ليس إلا ما تمليه الضرورة ( الأبيات 305 - 311 من الكتاب الأول )
وانظر أيضا مثال قيمة الحرص في الكتاب الثالث
( الأبيات 4159 وما بعده ) ( 2341 - 2354 ) ورد هذا المثل في مقالات شمس الدين التبريزي ( 295 ) ( مآخذ / 146 ) ويضرب مولانا أمثلة عديدة من الواقع المعاش :
حراثة الأرض :
جراحة التقيح ، والخياط عندما يقطع الملابس والأدوية عندما تدق والقمح عندما يطحن ليكون دقيقا ، وكل بناء قديم يراد تجديده ، أجل كل بناء قديم يراد
 
« 546 »
 
تجديده لا بد وأن يهدم هذا البناء من البداية لكي يقام البناء الجديد خاليا من كل عيوب البناء القديم . . دعك من كل الألفاظ والمصطلحات المعاصرة كالأصولية والراديكالية وما إليها ، فهذه هي روح الإسلام الحقيقية ، كل واقع جديد لابد وأن يقوم على أنقاض القديم ، وألا يقبل الرسول أن يحكم عاما وقريش عاما آخر . .
 
أو لتنازل لهم عن بعض ما كانوا يطالبون به من مسائل قد لا تمس روح الدين ، لكن الأمور كلها لا تتجزأ ، ولست أقول إنها روح الاسلام فحسب لكنها أيضا روح الفطرة التي يدق عليها مولانا جلال الدين كثيرا . .
فالعالم كله في حالة تهدم وبناء ، وقديم يمضى وجديد يأتي ، وكل شئ هالك الا وجهه .
إن ما يظنه فرعون تخريبا من موسى وحطا من شأنه هو في الحقيقة عمل من شأنه أن يعلى من شأنه ويخلصه وهو السمكة الحقيرة من شص الدنيا والإصرار على الذنب الذي أمسك بحلقها ، وعلى المستوى الصوفي والتربوي النفسي : عدم الوجود المادي يؤدى إلى عمران الوجود المعنوي ( انظر 1 / 1897 - 1906 وما بعدها ) .
 
( 2355 - 2359 ) لا يزال الحديث موجها من موسى عليه السلام أو العقل إلى فرعون لعنه الله أو الوهم : لقد جعلت من نفسك حية تسعى ذات فحيح وهي مجرد دودة ، وهذا هو فعل الوهم وهو أن يضخم الشئ الحقير التافه ويجعله كبيرا ، ويجعل المرء الهالك الميت يظن في نفسه ما ليس فيها حتى ينقلب إلى فرعون ، ولأن دودة فرعون نفسه قد صارت أفعى ولأن فرعون الذي لا يزيد عن دودة قد ظن بنفسه أنه أفعى فقد أحضر الأفعى من أجله ، فلا يصلح للأفعى إلا الأفعى ولا يكسر حية النفس الفرعونية إلا حية موسوية فإن رضيت يا فرعون نجوت من هاتين الحيتين حية نفسك وحيتى .
 
« 547 »
 
( 2360 - 2375 ) رد فرعون على موسى انه ألقى بسحره في الأرض الفساد وفرق بين الخلق ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 1067 - 1085 ) ، لكن موسى يفرق بين ما يراه سحرا وبين الاستغراق في الرسالة الإلهية الذي يجعل من موسى مخلوقا إلهيا ساعيا بالله ناطقا به وليس مجرد ساحر . وشتان ما بين الرسالة والسحر ، فالسحر من الغفلة والكفر ، وأي شبه لي بالسحرة ومتى كانت أنفاس الساحر تحيى الموتى ، ومتى كانت الكتب المنزلة تستضاء بنور السحرة ، ان هذا الذي يظنه فرعون في موسى ليس إلا من أوهام فرعون التي تستنكر على موسى الرسالة ، وانه إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يلقاه من توهم ، إنما ترى العالم كما تكون ، فإذا كنت دائر الرأس ترى المنزل يدور بك .
 
وإذا كنت في سفينة تسير بك في اليم فذلك ترى الساحل يسير بينما تكون أنت السائر لا الساحل ، وأنت في الحرب في ميدان القتال عندما يضيق بك الحال ألست ترى الدنيا أيضا قد ضاقت بك في حين أن الدنيا هي الدنيا بل الضيق نابع منك أنت ، أنت الذي يمكن تحس بهذا العالم كأنه روضه ومن الممكن أن تحس أنه مجرد سجن لك وأنت ترى من العالم ما يفيض من داخلك أنت وهذا المثال ورد في معارف بهاء ولد ( 1 / 234 )
 
قلت لنفسي : إذا كنت خربا فكل العالم المعمور خراب وإذا كنت ضياء فكل الظلمات ضياء وإذا كنت متعبا فكل ألوان الراحة تعب وإذا كنت عامرا فكل أنواع الخراب عمران المدرك والمدرك من جنس واحد فإذا كنت فانيا عن نفسك يكون العالم أمامك فانيا ، وإذا كنت باقيا يكون العالم أمامك باقيا ، وإذا صرت نورا يكون العالم نورا لا أرضا ولا سماء ولا عناصر ولا مواليد كما يقول القائل في مقام الشهود لا إلا ولا لا كل ما يبدو للنظر هو الله هو الله هو الله . .
إن المكرم يرى كل شئ مكرما وهكذا ترى العين الطاهرة فمدرك النور يرى نورا ، ومدرك الظلمة يرى الظلمة وما أصدق ما يقول مجد الدين سنائى » الصوفية يقيمون كل نفس عيدين . . بينما تقدد


« 548 »
 
العناكب الذباب ( سبزوارى 4 / 305 - 306 ) وهكذا يستمر مولانا جلال الدين في تقصى فكرته : لا بالسفر ولا بالإقامة فحيثما ذهبت لا ترى إلا ما يفيض من نفسك ، وما تكون هذه النفس مهيأة لرؤيته أنه كاللحم القديد المنشور على وتد الطبيعة . . هل يتغير هذا اللحم وهل يحس وهل يبدر منه ما يدل على أنه موجود ! ( 2380 - 2383 )
لكنك إذا كنت في أرض تخرق فيها الأسباب والعلل لا يرتبط ما فيها بمنطق الأشياء وبما يفيض من النفس إلى الخارج ، فأنت قد أصبحت في أرض الله ، وأرض الله توصف بأنها واسعة حيث تفنى المظاهر وما يرتبط بها من أسباب أو علل ، هي أرض القلب حيث تتفتح العوالم الرحبة ، وحيث تتبدل صورها هي أمامك كل لحظة ، لا بتلك الصور التي تنبت من وهمك ومن ظنك ومما تفيض به نفسك ، وكأنها تلك الصور التي يراها عالم الأرواح . .
 
ان هذا الحسن من التبدل الذي يطرأ عليها ، من الجديد الذي تبديه لك كل لحظة وأخرى ، فلو أن الجنة نفسها كانت ثابتة الصور لا نقلبت إلى صورة قبيحة من دوامها واستمرارها على وتيرة واحدة ، فإن اللذة في التغير لكن ليس التغير على عواهنه ، بل التغير الذي تسيطر عليه الروح والذي يكون تابعا للقلب ، هذه هي النعمة التي لا توصف .
 
( 2384 - 2399 ) وإذا كنت لا تصدق ان المدركات الروحانية تختلف من إنسان إلى إنسان ، فأمامك في خلقتك أنت الدليل ، هذه الحواس وآلاتها المركب فيك : فلا الأنف يستطيع أن يبصر ، ولا العين تستطيع أن تشم ، ولا الأذن تستطيع أن تلمس ، كل آلة من هذه الآلات أستاذة في فنها ، لكنها إن كانت معطوبة أو تشكو آفة ما فإنها لا تدرك المدركات إدراكا صحيحا مهما كانت هذه المدركات صحيحة ، إن عين الأحول لا ترى الوحدانية ، هي دائما في شرك ( انظر
 
« 549 »


مثالا على هذا الكتاب الأول ، فهذه الحواس إذن في حاجة إلى غسل حتى تكون طاهرة ولا تريك إلا الطاهر ، وهذا ما يسمى عند الصوفية بتطهير الثياب : ذكر عن أبي الحسن الخرقانى رأيت رسول الله في النوم فقال لي يا أبا الحسن طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس ( انقروى 4 / 515 ) والكلام لا يزال لموسى : وحتى تدرك يا فرعون أن هناك فرقا شاسعا بيني وبينك لا تنظر إلى بعينك ولكن انظر إلى بعيني أنا . . ترى عالما من العشق ، وهذا عندما تنجو من البدن ومن آلات البدن ومن الاثنينية .
 
( 2400 - 2411 ) عندما تنجو من البدن فإن كل قوانين البدن تنعدم ، ومنها تلك القوانين التي تحكم كل اله بأن تدرك جانبا من المدركات فتستطيع الأذن والأنفس أن تكون عينا ليس هذا فحسب بل كما قال ذلك الملك حلو البيان « إن كل شعرة من شعور العارفين تنقلب إلى عين ( انقروى 4 / 539 ) قال جعفري انه أبو اليزيد البسطامي ( 10 / 419 ) وقال استعلامى انه أبو اليزيد البسطامي اعتمادا على رواية وردت في تذكرة الأولياء لقد هتف به جزاء عبادته ثلاثين عاما : يوم القيامة أحول وجودك الجسدي إلى ذرات وأهب كل ذرة منها بصيرة ( 4 / 320 )
وما أشبه البيت بما ورد عند ابن الفارض :
فكلى لسان ناظر مسمع يد * لنطق وادراك وسمع لبطشت
فعينى نامت واللسان مشاهد * وينطق منى السمع واليد أصغت
وسمعي عين تجتلى كلما بدا * وعيني سمع ان شدا القوم تنصت
ومنى عن يد لساني يد كما * بدى لي لساني في خطابي وخطبتي
كذاك يدي عين ترى كلما ترى * وعيني يد مبسوطة عند بسطتى
وسمعي لسان في مخاطبتى كذا * لساني في اصغائه سمع منصت
( أنقروى 4 / 538 )
 
« 550 »
 
ألم يكن هكذا الجسم في البداية عندما كان جنينا دون عين ؟ ! فهل تظن أنت أن النور من هذه الشحمة ؟ ! والشيطان يرى والجنى يرى دون هذه الشحمة المسماة بالعين ، فليست هذه الشحمة إذن هي السبب في الرؤية وإلا ما رأت العين شيئا في النوم ، إنما يضع الله فيها النور ، فليست الشحمة إذن هي سبب النور وإلا فأية صلة للانسان المخلوق من التراب بالتراب ، وهل الجن يشبه النار ؟
والطير من الهواء فهل يشبه الهواء ؟ ،
إن هذه الفروع منسوبة إلى أصلها بلا كيفية ، والافاى شبيه للتراب مع الانسان أو الانسان مع التراب ؟ ! !
إن كان ثمة شبه فهي مخفية عن العقل ، إنها بلا كيفية وكيف يفهم العقل ما لا كيفية له .
 
( 2412 - 2422 ) الموضوع المفضل عند مولانا جلال الدين : كيف تعطى الجمادات الإدراك من لدن الله مباشرة ، والدليل على ذلك أنه سلط الريح على قوم عاد فكانت تفرق بين المؤمن والكافر ببصيرة ممنوحة من الله سبحانه وتعالى ، وإذا لم تكن هناك بصيرة عند نار النمرود فكيف عرفت إبراهيم الخليل وامتثلت للأمر ولم تحرقه ؟
وإذ لم يكن للنيل هذه البصيرة فكيف كان تتحول دما لآل فرعون ويظل على طبيعته المائية لقوم موسى ؟
وكيف أوب الجبل مع داود إن لم يكن له سمع وبصر ونطق ؟ !
وإذا لم يكن لهذه الأرض عين وروح فكيف ابتلعت قارون وما رأيك في الجذع الحنان ؟
وفي الحصى الذي نطق بنبوءة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وإذا لم تكن تصدق فاقرأ «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَهافكيف تزلزل الأرض إن لم يكن عندها حياة وإحساس ؟ !
 
( 2423 - 2434 ) الخطاب ما زال لفرعون ومولانا شديد الاهتمام بقصة موسى وفرعون على أساس أن فرعون وموسى موجودان في كل جبلة وفي كل ذات يتصارع هذان القطبان المتنافران ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 975 و 1259 و 971 و 1252 ومقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) ، إن مجرد
 
« 551 »
 
إرسالى إلى مثلك أميرا لدليل على أن الله سبحانه وتعالى لطيف وخبير يعلم بأنك على كثرة ما عندك إنسان ضعيف في حاجة إلى هداية ، وهو يرى أن داءك الوبيل الذي لا شفاء منه يحتاج إلى هذا العلاج أي العصا ، بهذه العصا سوف يكسر قرن وقاحتك وجبروتك ، وقد أنذرك الله وحذرك وأبدى لك من الواقعات المخفية ما كان فيه رادع لك لكنك أولتها كلها واعتبرتها أضغاث أحلام من النوم الثقيل وعميت عن فحواها ، وصرت أصم عن سماع النذير فيها ، وسار منجموك وبحثوا لها عن أسباب أخرى غير طغيانك وكفرك ذلك لأنهم رأوك لست مجرد طالب نصح مسكين ، بل خافوا منك لجبروتك وظلمك وتعطشك للدماء ، فسددت على نفسك بذلك أبواب النصح ومضيت في وادى الهلاك .
 
( 2435 - 2436 ) والملك الحقيقي هو الذي لا يسفك الدم إلا لمصلحة ، والذي تخلق بخلق الله فتسبق رحمته غضبه ، كما ورد في الحديث القدسي سبقت رحمتي غضبى .
 
( 2441 - 2445 ) هذا مثال على أساس أن أهل الدنيا عندما يأنسون غفلة من أهل الدين يهاجموهم هم ، ويحاولون قطع الطريق عليهم حتى في الأصلاب والأرحام ، كما فعل فرعون عندما أراد أن يمنع ميلاد موسى ( لتفصيلات في الكتاب الثالث شرح الأبيات 840 - 845 ) ،
وهذا على أساس أن المسلم إن لم يغز غزى هو في عقر داره ، وفي خطبة للإمام على رضي الله عنه : ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا وقلت لكم أغزوهم قبل ان يغزوكم فوالله ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ( عن جعفري 10 / 463 )
وهكذا عندما حلم أهل الروح على فرعون ، تجرأ بطبيعته الخسيسة وأراد أن يقطع الطريق على مجىء موسى . . . فكأنه أراد أن يسد الطريق التي جعلها الله للتناسل فكانت السخرية منه في قمتها وكان موسى المقصود في صدر داره وهو منهمك في جرمه .
 
« 552 »
 
( 2458 - 2467 ) إن الله سبحانه وتعالى عادل يعطى لكل إنسان ما يستحقه تماما وما يليق به ، ومتى قام الإنسان بشر أو عصيان والتواء لم ير من بعده ما يناسبه من جزاء ؟ ! ! على المرء أن يكون مراقبا لفعله ووجوده ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا . .
حينذاك لا تكون في حاجة إلى قيامة وحساب ما دامت كل لحظة من لحظات وجودك قيامة وحساب ، وذلك الحر الذي تكفيه الإشارة متى كان في حاجة إلى القول الصريح ؟ !
أن البلاء قد حاق بك من حمقك أنك لم تفهم الرموز . . وإلا فهل كان فرعون في حاجة إلى الأنبياء بعد الآيات التسع . . وفي هذا تنبيه على فرعون كل زمان إذا ظهر في زمانه شئ من التسع أو غيرها تزداد حتى يهلك وإن تاب ورجع تاب الله عليه . . . ويتوب الله على من تاب ( مولوى 4 / 338 ) .
 
وإياك والعكوف على الذنوب حتى لا يسود قلبك ، ولا يكون لك أمل في عودة أو أوبة أو توبة مصداقا للحديث النبوي الشريف إذا أذنب العبد ذنبا حصلت في قلبه نكتة سوداء ، إن تاب واستغفر صقلت ، وإن عاد زيدت حتى يسود قلبه ، إن كل فعل خيرا كان أو شرا يتولد لك منه شئ في داخلك .
 
( 2468 - 2472 ) هذا الجسد الذي أصله من الطين كحديد حسن الصنف ، يمكن أن يصقل فيتحول إلى مرآة يتجلى فيها كل شئ ، وعادة ما يضرب الصوفية بهذا مثلا على أن الجسد وهكذا طبيعته يستطيع أن يسمو عنها لكي يصير مرآة يتجلى فيها كل شئ . . . فما بالك بالروح وطبيعتها أنها نفحة أو نفخة من ذي الجلال .
 
( 2475 - 2486 ) لقد أعطى الله سبحانه وتعالى العقل لكي يكون صقالا لهذا الجسد ولكي ينور القلب . . . وما العقل هنا إلا العقل القدسي ، لكنك بتركك للصلاة عطلت هذا العقل عن عمله وأطلقت يد الهوى تفعل فيك فعلها ،
 
« 553 »
 
ولو أنك حبست الهوى وأطلقت العقل لصقل جسدك لكنك فعلت العكس وهذا هو السعي بالفساد في الأرض منذ عطلت آلة الاصلاح أي العقل وأطلقت آلة الفساد « الهوى » ولا تكدر ماء الجدول ( القلب ) حتى ترى الجواهر أو المعاني الإلهية في قاعه وروح الإنسان مثل الهواء إن علق بها التراب يحجب السماء ( الدعاء والرحمة ) بل ويمنع الشمس نفسها من الظهور فانظر إلى الكدر والتراب ماذا يفعلان في الكون حتى تطهر وجودك من كدر الخطايا وتراب الدنس وتصقله ، وانظر رحمة الله بك . . . إذ يرسل إليك في منامك التحذيرات ويدعوك إليه على فحوى الحديث المروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم « إذ أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه » ( مولوى 4 / 341 ) .
 
( 2487 - 2500 ) ها هو موسى عليه السلام يفاجئ فرعون بما كان يعن له . . . بالنذر الإلهية التي أيسرها انقباض النفسي واكتئابها . كانت أفعال فرعون السوداء ترتد على ذاته كما تعكس المرآة صورة حاملها عله يحاول التخفيف من قبحه ، لكن النفسي الفرعونية كلما جوبهت بعيوبها ازدادت فسادا وصلفا ، كان فرعون يرى قبحه مجسدا في النوم ، فكان يفر منه دون أن يعلم أن قبحه معه ، كذلك الزنجي الذي رمى المرآة مدعيا أنها قبيحة ( مثل ورد عند سنائى الغزنوي انظر . حديقة الحقيقة الأبيات 4035 - 4040 وشرحها )
 
وتكررت في أكثر من موضع من مقالات شمس ولها أصل عربى . إن كل ما يحدث لك أعرفه . . . كل الكوابيس التي تتوالى عليك . . .
 وكل الأصوات التي تسمعها وهي تلعنك وتنذرك بسوء العقاب إلى غير ذلك مما لا يليق بنبي أن يتفوه به ، وما يحدث لك كثير ، بل ذكرت لك قليلا من كثير لتعلم أنى عالم بكل أحوالك خبير بها ، هذا الكفر يجعلك تتجاهل كل هذه النذر كما تجاهلت الآيات التسع وقد دفع إلى شقاء الكفر والعصيان وادعاء الربوبية فلم تنفع معه كل هذه النذر .
 
« 554 »
 
( 2505 ) في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم « باب التوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب مكللان بالدر والياقوت ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاما للراكب وهو مفتوح منذ خلقه الله تعالى إلى طلوع الشمس من مغربها » ( مولوى 4 / 343 ) وفي حديث آخر من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ( انقروى 4 / 565 ) .
 
( 2506 ) للجنان الثمانية ثماني أبواب وهي عدن والوسيلة والفردوس والخلد والنعيم والمأوى ودار السلام ودار القرار ويقال لباب جنة عدن باب التوبة ويقال لباب الوسيلة باب الزكاة ويقال لباب الفردوس باب الصلاة ويقال لباب الخلد باب الريان يدخل منه الصائمون ويقال لباب النعيم باب الحج ويقال لباب المأوى باب الجهاد ويقال لباب السلام باب الورع ويقال لباب دار القرار باب صلة الرحم ( مولوى 4 / 343 )
 
( 2507 ) الحوار الذي يبدأ بهذا البيت ورد في موضعين من قصص الأنبياء للثعالبي . . قل له : ان ناصيته بيدي ولا يطرف ولا ينطق ولا يتنفس عن شئ إلا بعلمى وأخبره بأنى من العفو والمغفرة أسرع منى إلى الغضب والعقوبة . .
وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة وقد أمهلك في طول هذه المدة ، وفي كلها تدعى الربوبية دونه وتصد عن عبادته ومع كل ذلك يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض ويلبسك العافية حتى لا تهرم ولا تسقم ولا تفتقر ولا تغلب ( ص 170 ) 
والموضع الثاني : فأوحى الله لموسى أن قل لفرعون : إنك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك ورددتك شابا طريا ، فاستنظره فرعون ، فلما كان من الغد دخل إليه هامان فأخبره فرعون بما وعده موسى من ربه فقال هامان :
والله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا ونفخ في منخره ، فقال له هامان
 
« 555 »
 
أنا أردك شابا فأتى بالوشم فخضبه به ( ص 184 ) فهو أول من خضب بالسواد فلذلك كرهه صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ( قصص الأنبياء المسمى عرائس المجالس للثعالبي ط 4 / 1954 القاهرة ) ،
ومن قائل إن وعود موسى لفرعون كما وردت على لسان مولانا جلال الدين مستوحاة من حديث نبوي : « إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا » استعلامى 4 / 273
 
( 2515 - 2522 ) الأنهار الأربعة في الجنة تعبيرات عن بعض أخلاق المؤمنين في الدنيا . لتفصيلات أكثر انظر ( الكتاب الأول شرح الأبيات 3459 إلى 3484 وهذا الكتاب شرح الأبيات 476 / 483 ) وتدعوهم إلى هذه الأخلاق .
 
( 2523 - 2527 ) تماما كما أنها أنهار الجنة الأربعة هي انعكاس وتعبير وتمثيل عن بعض أخلاق المؤمنين في الدنيا ، فإن بعض أخلاق الكفار والأشقياء تجد انعكاسها في بعض صفات الجحيم . . فنار الغضب من نار غضب الله سبحانه وتعالى « من غضب منكم فليتوضأ فنار الغضب من النار » . .
 
ومن الغاشية ( حية جهنم ) صار فرعون كأنه الحية يبث سمومه في المؤمنين ومن ماء الحميم الذي يسقاه أهل الجحيم يكون الظلم ، ظلم كل فرعون يترك الخلق كالرميم ، وهو من انعكاس مصيره عليه ، يمثل تماما هذا المصير ، هو مثال لجهنم على الأرض ، تلك التي يعذب فيها الفقير والمظلوم .
 
( 2532 - 2538 ) سوف تتمنى الموت إن كنت طائعا . . لا فرارا من عجزك في الدنيا بل طمعا في كنوز الآخرة . . سوف ترى الدنيا كالخرابة إن هدمتها وجدت تحتها كنزا . . سوف ترى هذه الدار حائلا دون الكنز العظيم ، تراها كأنها حبة واحدة حجبت عنك البيدر كله . . تكون إن قنعت بها كدودة قنعت بورقة
 
« 556 »
 
واحدة من الكرمة وعكفت عليها ، لكنها إن استيقظت من جهلها هذا بكرم الله استطاعت أن تفترس حيات الجهل .
 
( 2540 - 2560 ) لقد شبه الله تعالى نفسه بأنه كنز مخفى . . أو قال في حديث قدسي « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني » وفي تفسير للآية الكريمة «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» أي ليعرفون . . ومن ثم فإن أساس الوصول إلى الكنز السعي من أجله ويدق مولانا على هذا المثال كثيرا ويشبه وجود الإنسان في الدنيا بإقامة في خرابة تحتها كنز . .
لكنه لا يريد أن يهدم الخرابة ليجد الكنز ، وفي النهاية فإن الخرابة سوف تتهدم وحدها . .
لكنه لن ينال شيئا ، وما هذا البيت الذي أنت فيه إلا بيت بالكراء هو ليس لك ببيع أو شراء . .
وهذا الكراء بالأجل . . وسوف تخرج منه دون أن تستفيد شيئا ، ثم يقدم مولانا مثالا آخر : إنك تقوم بخصف النعال في دكان بالكراء . .
في حين أن هذا الدكان تحته كنزان . . ها أنت تعيش في ذلة ما لم تهدم هذا الدكان . .
وما هذا الرتق إلا تعلقك بالطعام والشراب فإن ترتق وجودا مآله إلى الفناء . . وتترك الكنزين : القلب والروح . . أنت ترضى لنفسك هذه الذلة في حين أنك عريق الأصل : أنت ابن الخليفة . . ألست ابن آدم آخر الأمر . . أم ينص على أن آدم خليفة . . أليست هذه الأرض منفاه ومنفاك ؟
أليس هذا الكنز هو الذي سوف ينجيك من السعي والشقاء ؟ !
 
سوف ينتهى إيجاز الدكان في النهاية وسيخرجونك منه عندما يجئ الأجل ، وسوف تعض بنان الندم على أنك لم تستفد شيئا عندما كان كل شئ مهيئا لفائدتك « يوم يعض الظالم على يديه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا » .
 
( 2563 - 2567 ) أتدري لم كل هذا ؟ ! لأنك مجرد طفل لم تبلغ مرحلة الرجولية . . لقد رأيت الدار منقوشة مزدانة فلم تهن عليك ، والبيت والأبيات التالية كلها مستوحاة من بيت واحد لسنائى :
 
« 557 »
 
كل نصيحتى لك هي هذه أنك طفل والدار ملونة . ( حديقة بيت 6440 ) .
 
( 2585 ) الحديث « من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة » موضوع من الأحاديث الضعيفة ويرى الشيعة أنه موضوع على أساس أن الرسول ، قد توفى - طبقا للروايات الشيعية - في السابع أو الثامن والعشرين من صفر ، بينما تجعل أغلب الروايات السنية وفاته ، في الثاني عشر من ربيع الأول وبعض الروايات تجعله في الثالث عشر من ربيع الأول . . وقد ضرب بالحكاية كلها مثلا على اشتياقه ، إلى الملأ الأعلى . . إذ كان دعاؤه ، في أخريات أيامه « اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى » .
 
( 2594 - 2595 ) عن انتقال الرجال من هذا العالم وعن أن الموت عند الصوفية المحققين هو عبارة عن زفاف ، ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 3519 - 3536 ) والماء المالح هو الدنيا والماء العذب هو الآخرة ولمولانا في ديوان شمس تبريز :
فلترحل من الماء المالح نحو ماء الحياة وعد من صف النعال نحو الصدر ( كليات ديوان شمس غزل 1353 ص 525 ) .
 
( 2598 - 2627 ) لم تؤد مشورة فرعون مع زوجته المؤمنة آسية عليها السلام إلى نتيجة وإن استطاعت الرسالة أن تؤثر في قلب آسية المؤمنة بحيث تواجدت من هذا الفتوح الذي نزل على زوجها دون استحقاق ، وأن يصير مطلوبا هكذا دون أن يقوم بأي جهد في الطلب ، إنها تعلم أنه مثل إبليس ، لكن هل يفتقد الله سبحانه وتعالى إبليس . . نعم - كل عاص مهما بلغت درجة عصيانه يظل الله سبحانه وتعالى يناديه ، وآسية عليها السلام هي رمز للقوة الإيمانية تلجأ إليها النفس الأمارة بالسوء ، وفي تفسير لنجم الدين كبرى لقوله تعالى «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ( التحريم / 11 ) أي ضرب الله مثلا
 
« 558 »
 
للقوى المؤمنة من قوى النفس اللوامة امرأة فرعون أي القوى الصالحة القابلة تحت القوة الفاسدة الفاعلة المستكبرة ( مولوى 4 / 355 ) . وها هي تتعجب كيف لم يؤمن في التو واللحظة وقد عرض عليه تاج من الإيمان يخفى « قراع » نفسه وكفرها ؟ وأي غفلة هذه زادت عن الحد الذي يحفظ المرء . . أجل قليل من الغفلة ينفع . . وإلا لو لم يكن فرعون غافلا لهلك لساعته فرحا من هذا الطلب وهذا العرض وفي الحديث جعلت معصية ابن آدم سببا لعمارة الكون ( استعلامى 4 / 232 ) ولكن أن تكون الغفلة لهذا الحد هو أيضا من قبيل الهلاك . .
وإلا فمن الذي يرفض مائة أجمة من الأشجار عوضا عن بذرة واحدة . .
 
ومن الذي يرفض مائة منجم عوضا عن حبة واحدة ؟ أن يكون إنسان لله فيكون الله له . . أن تأمن القطرة من الرياح والتراب وتعود سالمة إلى لجة البحر . . لكن النفس الفرعونية تظل النفس الفرعونية وإلا لما ألهم فرعون استشارة هامان ولما سقط بين يدي هامان كما سقط البازي في يد المرأة العجوزة المعتوهة .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 7:50 pm

الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )

الهوامش والشروح 2628 - 3084 على مدونة عبدالله المسافر بالله      

الهوامش والشروح 2628 - 3084 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مشورة فرعون مع وزيره هامان في الإيمان بموسى عليه السلام

وقد ذكر مولانا مصدر الحكاية لكنه استدرك بأنها في كليلة ودمنة مجرد صورة لكنها في المثنوى روح ومعنى .
 
( 2206 - 2212 ) السمكة العاقلة الحازمة لم تقدم حتى بمجرد استشارة رفيقتها فهي بعقلها وحزمها أدركت أن مشورة من يقل عقلا أو يعدمه خالية من القيمة وإنه من الممكن أن يثبطاها عما عزمت عليه . .
ومن ناحية أخرى كانت تعلم أنها سوف يحدثانها عن حب الوطن وأن الهجرة عن هذا الوطن أمر صعب على نفسيهما : فالمسافر عليه أن يستشير مسافرا مثله ، استشر عموما من هو
« 538 »
 
في مثل حالتك أو من خبرها أو من مرت عليه ، سل حكيما وسل عالما ، إن هاتين السمكتين سوف تتعللان بحب الوطن وحب الوطن من الإيمان حديث صحيح لكن متى كان المقصود هو هذا المكان الذي نعيش فيه وهل نسيت أن وطنك الحقيقي هو في تلك الناحية ، هو ذلك الذي خلقت أولا فيه ونفيت عنه ومن واجبك أن تعود إليه ، فاقرأ الحديث لكن لا تقرأه مقلوبا ، إن الله يرغبك في أن تعمل لكي تعود إلى وطنك لا أن يكون همك هذا التراب الذي تعيش عليه والدنيا التي تحجب عنك الوطن الحقيقي وقد أشار عبد الباقي ( 4326 ) إلى أن المعنى مأخوذ من قول للإمام على « إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب وما شئ بينهما كلما قرب عن واحد بعد منى الآخر وهما بعد ضرتان ( نهج البلاغة - فيض الإسلام / 1003 ) أدرك هذا وإلا صرت مثل الذي قلب الدعاء عند الوضوء .
 
( 2213 - 2220 ) الخبر الذي يشير إليه مولانا جلال الدين في هذه الأبيات :
إذا أردت الشروع في الوضوء تقول أولا : نويت الوضوء لله تعالى ورفعا للحدث والاستباحة للصلاة ، ثم بعد الاستعاذة والبسملة تقول : اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم والهلكة ،
فإذا تمضمضت تقول :
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأعنى على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ، فإذا استنشقت بأنفك اطلب من الرب الغنى رائحة الجنان وقل اللهم أرحنى رائحة الجنة وارزقني من نعيمها ولا ترحنى رائحة النار ،
وإذا غسلت وجهك تقول :
اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، وإذا غسلت يدك اليمنى تقول اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبنى حسابا يسيرا ، وإذا غسلت يدك اليسرى تقول : اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي وتحاسبنى حسابا
 
« 539 »
 
عسيرا ، وإذا مسحت رأسك تقول : اللهم غشني برحمتك وأنزل على من بركاتك وأظلنى تحت ظل عرشك ، وإذا مسحت أذنيك تقول : اللهم اجعلني ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأسمعنى منادى الجنة مع الأبرار ، وإذا مسحت رقبتك تقول اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال ، وإذا غسلت رجلك اليمنى تقول اللهم ثبت قدمي على الصراط مع أقدام المؤمنين ، وإذا غسلت رجلك اليسرى تقول اللهم أعوذ بك من أن تزل قدمي على الصراط يوم تزل أقدام المنافقين ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم « من ذكر الله عند الوضوء طهر جسده فإن لم يذكر اسم الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء ( مولوى 4 / 306 ) وعند الاستنجاء يستحب أن يدعى الله سبحانه وتعالى بأن يطهر النفس من جنابتها وأن ينقى الباطن من الأدران : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من العلماء الراشدين واجعلني من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( أنقروى 4 / 499 ) .
 
( 2221 - 2230 ) هذا المثال الساخر ورد في مقالات شمس الدين التبريزي ( مقالات شمس ص 361 مآخذ / 143 ) إن الدعاء صحيح لكن موضع الدعاء خطأ . . وهذه الشطرة ضل فجوة الدعاء أو اشتبهت عليه فجوة الدعاء مما يجرى مجرى الأمثال الساخرة في اللغة الفارسية لمن يطلب الشئ طلبا صحيحا لكنه يطلبه من غير موضعه أو في غير أواه أو للذي يستخدم الشئ في غير موضعه ( انظر داستانهاى أمثال ص 284 )
 ويضرب مولانا هذا المثل لخطأ ذلك الذي يذكر حب الوطن من الإيمان على أساس أن الرسول عليه السلام يقصد به هذا الوطن في الدنيا ، بل هو وطن الآخرة ، كما أن رائحة الجنة بفتحة الأنف وليس بهذه الفتحة الدنيا . . .
وهذا التفسير يمكن أن يكون أبلغ رد على دعاة القومية الضيقة الذين يعبدون التراب ، ويستشهدون بها الحديث
 
« 540 »
 
قائلين إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى حب الوطن ، غافلين عن أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى وطن ما فهو على الأقل هذا الوطن الذي ينضوى تحت رسالته وهو العالم أجمع أو حيثما يرتفع أذان من مسجد والرأي ما قاله العارفون .
 
( 2231 - 2234 ) تكون الشورى والخطر جاثم وماثل ووشيك ضربا من الحماقة ، أو عندما يكون ما على الإنسان أن يفعله واضحا ولا مجال فيه للاختيار بين رأيين ، فالسمكة العاقلة أو الرجل الحازم العاقل لا يضيع وقتة عند الخطر ، ويضرب المثل في الشطرة الثانية بالإمام على رضي الله عنه وتأوهه في البئر بدلا من أن يفشى الأسرار ، وفحوى الإشارة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسر ببعض الأسرار إلى سيدنا على . . .
وطلب منه عدم إفشائها وبعد عدة أيام ضاق صدره عن حملها . . فذهب إلى بئر وأسر إليه ببعض ما عنده فتحول ماء البئر إلى دم ومر الرسول بهذا البئر فطلب من بعض صحابته أن يستخرجوا منه بعض الماء . فوجدوه دما فقال صلى الله عليه وسلم ما هذا إلا لأن علىَّ تكلم فيه بالسر ( المولوي 4 / 309 - الانقروى 4 / 503 )
وزاد السبزواري على الرواية إن عليا رضي الله عنه قال حديث طويل رواه كميل آه آه إن هاهنا لعلما جمالو أصبت له حملة ( سبزوارى 4 / 304 ) وقد نظم العطار الجزء الخاص بمرور الرسول على الرسول على البئر في منظومته منطق الطير فقال نزل المصطفى في موضع من الطريق ،
فقال هاتوا الماء للمعسكر من البئر فذهب ثم عاد مسرعا قائلا : إن البئر ملىء بالدم ولا ماء فيه فقال لعله من الألم الذي أصابه عندما بث المجتبى فيه أسراره
( منطق الطير الأبيات 523 فما بعدها ) ويضيف المولوي رواية أخرى إن قصب الناى نبت في البئر فجاء شاب وقطع منه عودا أخذ ينفخ فيه فاسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يخبرني عن
 
« 541 »
 
الأسرار التي قلتها لعلى والرواية هنا محرفة عن حكاية لسنائى الغزنوي وردت في الحديقة ( انظر حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة الترجمة العربية ص 46 ) منسوبة إلى حلاق الإسكندر الأكبر والمراد هو حبس الأسرار عمن لا يستحقها من ناحية وحبسها عند الاستماع إليها على أساس أن « قلوب الأحرار قبور الأسرار » ، كما أشار سنائى إلى الواقعة في شطرة واحدة من البيت 3302 من الحديقة وقليل من يستحقون هذه الأسرار فتوار كالعسس وسر ليلا وليحفك ظلام الليل إن كنت غير أهل للأسرار وجاهد في ترك هذا الجدول ذي الماء الآسن واطلب بحر الحقيقة المحيط ( لبحر المعنى انظر 1 / 295 وما بعده ) .
 
( 2235 - 2237 ) ما أقرب التعبير هنا إلى محتوى الحديث النبوي الشريف ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها ( مولوى 4 / 310 - انقروى 4 / 504 ) .
 
( 2245 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من المأثورات المشهورة وردت في كتب كثيرة من أمثال العقد الفريد لابن عبد ربه وحلية الأولياء ( ج - 4 / ص 316 ) وإحياء علوم الدين وكتاب الأذكياء لابن الجوزي كما نظمها العطار في إلهي نامه ( مآخذ 144 / 145 ) .
 
( 2271 - 2273 ) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وموتوا قبل أن تموتوا . وقد مر تفسير الموت قبل الموت في الكتاب الثالث ( شرح الأبيات 3762 - 3768 ) ويريد مولانا هنا بالموت بالغنى أي الموت بمغريات الدنيا من ناحية والموت الاضطراري أي موت البدن دون توبة أو رجوع .
 
( 2282 - 2283 ) قال تعالى في سورة الملك «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ
 
« 542 »
 
الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها : أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ؟ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ» ( آيات 6 - 9 ) .
 
( 2287 - 2300 ) قال تعالى «وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ( الأنعام / 27 - 28 )
ويجرى الحوار بين العقل والسمكة الحمقاء وهو في الحقيقة بين العقل وكل أحمق قلبه غلف لا يعرف العذاب إلا عندما يرى نفسه فيه ، وذلك لغياب عقله ، والخطاب موجه إلى السمكة وإلى كل أحمق : اذهب يا عديم القيمة فإن هذا التمني أيضا ليس من العقل فهو من قبيل تمنى المحال « كلا وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» ( سورة المؤمنون / آية 100 )
 
فهذه الفراشة تعود إلى النار مهما تدفع عنها ، ومهما تذق من لهيبها ، والندم أيضا من أمارات الحمق فهو لا يغير من الحقيقة شيئا ، وهو أيضا من ألم العقاب لا من ألم الذنب ، وهذه التوبة ليست في محلها وإنما تكون التوبة قبل التعرض للعقاب . .
إنما تكون التوبة من قريب وإلا فإن الذي ينتظر التوبة حتى الموت كالذي يسخر من خالقه وعندما يذهب الألم عنه ، يمضى ندمه وتمضى توبته كالقائل قولا بليل ( ليل الألم والعذاب والظلام ) فإذا طلع عليه النهار نسي ما بدر منه من ندم وتوبة ومن ثم فإن العقل يرد عليه ( ولو ردوا لعادوا ) .
 
( 2300 - 2306 ) ينشد مولانا الحقيقة دائما ، فيرى أن هناك ما يشبه العقل وليس بعقل ، بل هو وهم يبدو كأنه عقل ، كما يبدو الزيف كأنه ذهب ولهذا الوهم يحاول أهل الباطل قتل الحقيقة كما جادل فرعون موسى عليه السلام .
ويقول السهروردي في هياكل النور الوهم ينازع العقل حتى إن المنفرد يبيت بالليل يفر منه عقله ووهمه حتى ربما يغلب تخويفه ، فينفرد الإنسان وهو يخالف العقل في أمور غير محسوسة حتى أن الذين يتبعون قضاياه ينكرون
 
« 543 »
 
ما وراء المحسوسات » ( أنقروى 4 / 515 ) الفيصل إذن في التمييز بين العقل والوهم عند صاحب الهياكل أن صاحب الوهم ينكر ما وراء المحسوسات ، وعند مولانا محك آخر فإن الذي يدبر من أجل شهوات الدنيا ليس عقلا بل هو وهم . . . على أساس أنه يدبر ويفكر في الزيف والوهم . . وهناك محك آخر يقدمه مولانا : اعرض أفعالك على معيار القرآن وأحوال الأنبياء ، وها هو العقل يخاطبك : إن تعرض نفسك على هذا المحك سوف ترى نفسك لست أهلا لطريقتى ، ولا صبر لك على ما أمليه عليك . . لكن العقل الحقيقي إن تعرض لأشد أنواع العذاب حتى لو قسم بالمنشار فهو يضحك لأنه يعلم أن هذا البلاء مخصوص به الأولياء وأنه دليل على صدق معدنه ( انظر الكتاب الثالث / 1511 - 4120 - 4123 ) .
 
( 2307 - 2321 ) يجسد مولانا المعاني ليقربها فموسى عليه السلام هو العقل ، اما الوهم فهو فرعون الذي أحرق العالم بنيران ظلمه وجبروته وتعديه على العباد وجرأته على الحق ، وهكذا يدير مولانا حوارا بين موسى وفرعون :
فرعون لا يرى من موسى إلا ما يعرفه عنه وهو الذي رباه ولا يعرف عنه شيئا يذكر ( الوهم ) وموسى يحاول ان يفهم فرعون أنه وجود غير الذي رباه ، وانه وهب ما لم يكن آلاف الفراعين يستطيعون ان يهبوه إياه دون فائدة ، ان فرعون يسأله : من تكون ؟ !
قال له : « إني رسول من رب العالمين » لكن هذه النسبة بالذات لا يريدها فرعون فيقول له : دعك من هذا الادعاء أذكر نسبك القديم عندما كنت تعيش بيننا ، يجيب موسى بأن النسبة الحقيقية له أنه عبد الله من نسل عبيد وإماء وأنا من تراب ومرجعي إلى التراب مثلك تماما أيها المهول فهذا هو نسبك أيضا الذي خرجت منه ، ومرجعنا جميعا إليه سبحانه وتعالى يوم لا أنساب بينهم ولا يتساءلون ، أنسابنا واحدة نحن الأنبياء والعصاة ونحن جميعا
  
« 544 »
  
من هذه الناحية أكفاء غير أن فرعون يريد أن يذكر موسى عليه السلام بأنه كان مجرد عبد لهأَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ( الشعراء / 18 - 19 ) بل أنت عبد متمرد عاص هربت من وطنك بعد جريمتك المشئومة ، إن كلام فرعون كله واضح الصدق لكنه بعيد عن الحقيقة وأقرب إلى الوهم ، كل القياسات التي يقدمها صادقة وذلك لأنه لا يعلم أن موسى عليه السلام أصبح عبدا ربانيا .
 
( 2322 - 2340 ) ينفد موسى عليه السلام خطاب فرعون إليه إلى أي مدى هو كاذب رغم لهجة الصدق التي يتحدث بها ، فموسى هو عبد الله وحاشا أن يكون عبدا لسواه ، وحاشاه أن يكون له شريك في ملكه ، ثم إن الله هو خالقه ولا يستطيع فرعون أن يصور حاجبا واحدا من حاجبيه ، فمن أين يستطيع أن يعرف ما يدور في روحه ، ثم إن فرعون هو الطاغية المشئوم لأنه يدعى الملك مع الله ، ثم إن فرعون الملوث الأيدي بدماء الآلاف من آل يعقوب يعير موسى بفعلة واحدة لم يفعلها عن عمد أو عن قصد لقد وكزه فقضى عليه ومتى كانت الوكزة تقتل انسانا لا يريد الله سبحانه وتعالى له أن يقتل ؟ لقد قتلت كلبا كافرا . . .
 
وقتلت أنت آلاف الأبرياء ، وكنت أنا المقصود ولكن الله سبحانه وتعالى اجتبانى واصطفانى برغمك . وهكذا عندما يفحم فرعون لا يجد ما يقوله امام الناس ، إلا أن موسى عليه السلام أساء الأدب . .
لقد حط من كرامة فرعون أمام الناس ، انه لم يفكر في يوم الحشر العظيم ، انه سوف يذل أمام الخلق أجمعين وهكذا فإن النفس الفرعونية في كل عصر وكل أوان ، داخل كل لباس . .
عندما تحصر ولا تحار جوابا لا تملك إلا أن تتوسل بظاهر المبادئ الأخلاقية وكيف يجرؤ على من رباه ؟
وإن لم يكن قد رباه كيف يجرؤ على كبير القوم ورب الأسرة ؟
كيف يحطم ما بناه رب الأسرة ؟ وكيف يخرب بنيانه ؟ إن هذا المنطق يغفل عن نقطتين
 
« 545 »
 
مهمتين : الأولى أنه لا شئ يعلو على الله وإذا كانت القضية حق الله وحقوق الناس فلا كرامة لأقرب الأقربين : «قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» ( التوبة / 24 ) .
 
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى : فإن ليس كل هدم تراه بالهدم وغالبا ما تكون العناصر الهدامة تسعى في هدم بناء واه لكي تقيم مكانه صرحا عاليا ، والبقاء في الفناء فكرة دق عليها مولانا جلال الدين كثيرا وهي الفكرة الجامعة للكتاب الثالث
 
( انظر مقدمة الكتاب الثالث ) ، كما وردت في الكتاب الأول بشكل مختصر « وصحة حسن الدنيا تجىء من سلامة البدن وأما صحة حسن الدين فتأتي من خرابه وأن طريق الروح يخرب الجسم لكنه يعود فيعمره بعد هذا التخريب ، فهو كمن خرب دارا من أجل كنز من الذهب ، ثم زادها عمرانا بذلك الكنز ذاته ، أو كمن قطع الماء وطهر مجرى النهر ثم عاد وأجرى ماء الشرب فيه ، « أوكمن » شق الجلد وانتزع منه رأس الحربة فنما على الجرح بعد ذلك جلد جديد ، أو كمن هدم القلعة وأخذها من الكفار ثم أقام على أرضها مائة برج وسد ، ومن ذا الذي يصف من لا شبيه له ؟
إن ما قلته ليس إلا ما تمليه الضرورة ( الأبيات 305 - 311 من الكتاب الأول )
وانظر أيضا مثال قيمة الحرص في الكتاب الثالث
( الأبيات 4159 وما بعده ) ( 2341 - 2354 ) ورد هذا المثل في مقالات شمس الدين التبريزي ( 295 ) ( مآخذ / 146 ) ويضرب مولانا أمثلة عديدة من الواقع المعاش :
حراثة الأرض :
جراحة التقيح ، والخياط عندما يقطع الملابس والأدوية عندما تدق والقمح عندما يطحن ليكون دقيقا ، وكل بناء قديم يراد تجديده ، أجل كل بناء قديم يراد
 
« 546 »
 
تجديده لا بد وأن يهدم هذا البناء من البداية لكي يقام البناء الجديد خاليا من كل عيوب البناء القديم . . دعك من كل الألفاظ والمصطلحات المعاصرة كالأصولية والراديكالية وما إليها ، فهذه هي روح الإسلام الحقيقية ، كل واقع جديد لابد وأن يقوم على أنقاض القديم ، وألا يقبل الرسول أن يحكم عاما وقريش عاما آخر . .
 
أو لتنازل لهم عن بعض ما كانوا يطالبون به من مسائل قد لا تمس روح الدين ، لكن الأمور كلها لا تتجزأ ، ولست أقول إنها روح الاسلام فحسب لكنها أيضا روح الفطرة التي يدق عليها مولانا جلال الدين كثيرا . .
فالعالم كله في حالة تهدم وبناء ، وقديم يمضى وجديد يأتي ، وكل شئ هالك الا وجهه .
إن ما يظنه فرعون تخريبا من موسى وحطا من شأنه هو في الحقيقة عمل من شأنه أن يعلى من شأنه ويخلصه وهو السمكة الحقيرة من شص الدنيا والإصرار على الذنب الذي أمسك بحلقها ، وعلى المستوى الصوفي والتربوي النفسي : عدم الوجود المادي يؤدى إلى عمران الوجود المعنوي ( انظر 1 / 1897 - 1906 وما بعدها ) .
 
( 2355 - 2359 ) لا يزال الحديث موجها من موسى عليه السلام أو العقل إلى فرعون لعنه الله أو الوهم : لقد جعلت من نفسك حية تسعى ذات فحيح وهي مجرد دودة ، وهذا هو فعل الوهم وهو أن يضخم الشئ الحقير التافه ويجعله كبيرا ، ويجعل المرء الهالك الميت يظن في نفسه ما ليس فيها حتى ينقلب إلى فرعون ، ولأن دودة فرعون نفسه قد صارت أفعى ولأن فرعون الذي لا يزيد عن دودة قد ظن بنفسه أنه أفعى فقد أحضر الأفعى من أجله ، فلا يصلح للأفعى إلا الأفعى ولا يكسر حية النفس الفرعونية إلا حية موسوية فإن رضيت يا فرعون نجوت من هاتين الحيتين حية نفسك وحيتى .
 
« 547 »
 
( 2360 - 2375 ) رد فرعون على موسى انه ألقى بسحره في الأرض الفساد وفرق بين الخلق ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 1067 - 1085 ) ، لكن موسى يفرق بين ما يراه سحرا وبين الاستغراق في الرسالة الإلهية الذي يجعل من موسى مخلوقا إلهيا ساعيا بالله ناطقا به وليس مجرد ساحر . وشتان ما بين الرسالة والسحر ، فالسحر من الغفلة والكفر ، وأي شبه لي بالسحرة ومتى كانت أنفاس الساحر تحيى الموتى ، ومتى كانت الكتب المنزلة تستضاء بنور السحرة ، ان هذا الذي يظنه فرعون في موسى ليس إلا من أوهام فرعون التي تستنكر على موسى الرسالة ، وانه إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يلقاه من توهم ، إنما ترى العالم كما تكون ، فإذا كنت دائر الرأس ترى المنزل يدور بك .
 
وإذا كنت في سفينة تسير بك في اليم فذلك ترى الساحل يسير بينما تكون أنت السائر لا الساحل ، وأنت في الحرب في ميدان القتال عندما يضيق بك الحال ألست ترى الدنيا أيضا قد ضاقت بك في حين أن الدنيا هي الدنيا بل الضيق نابع منك أنت ، أنت الذي يمكن تحس بهذا العالم كأنه روضه ومن الممكن أن تحس أنه مجرد سجن لك وأنت ترى من العالم ما يفيض من داخلك أنت وهذا المثال ورد في معارف بهاء ولد ( 1 / 234 )
 
قلت لنفسي : إذا كنت خربا فكل العالم المعمور خراب وإذا كنت ضياء فكل الظلمات ضياء وإذا كنت متعبا فكل ألوان الراحة تعب وإذا كنت عامرا فكل أنواع الخراب عمران المدرك والمدرك من جنس واحد فإذا كنت فانيا عن نفسك يكون العالم أمامك فانيا ، وإذا كنت باقيا يكون العالم أمامك باقيا ، وإذا صرت نورا يكون العالم نورا لا أرضا ولا سماء ولا عناصر ولا مواليد كما يقول القائل في مقام الشهود لا إلا ولا لا كل ما يبدو للنظر هو الله هو الله هو الله . .
إن المكرم يرى كل شئ مكرما وهكذا ترى العين الطاهرة فمدرك النور يرى نورا ، ومدرك الظلمة يرى الظلمة وما أصدق ما يقول مجد الدين سنائى » الصوفية يقيمون كل نفس عيدين . . بينما تقدد


« 548 »
 
العناكب الذباب ( سبزوارى 4 / 305 - 306 ) وهكذا يستمر مولانا جلال الدين في تقصى فكرته : لا بالسفر ولا بالإقامة فحيثما ذهبت لا ترى إلا ما يفيض من نفسك ، وما تكون هذه النفس مهيأة لرؤيته أنه كاللحم القديد المنشور على وتد الطبيعة . . هل يتغير هذا اللحم وهل يحس وهل يبدر منه ما يدل على أنه موجود ! ( 2380 - 2383 )
لكنك إذا كنت في أرض تخرق فيها الأسباب والعلل لا يرتبط ما فيها بمنطق الأشياء وبما يفيض من النفس إلى الخارج ، فأنت قد أصبحت في أرض الله ، وأرض الله توصف بأنها واسعة حيث تفنى المظاهر وما يرتبط بها من أسباب أو علل ، هي أرض القلب حيث تتفتح العوالم الرحبة ، وحيث تتبدل صورها هي أمامك كل لحظة ، لا بتلك الصور التي تنبت من وهمك ومن ظنك ومما تفيض به نفسك ، وكأنها تلك الصور التي يراها عالم الأرواح . .
 
ان هذا الحسن من التبدل الذي يطرأ عليها ، من الجديد الذي تبديه لك كل لحظة وأخرى ، فلو أن الجنة نفسها كانت ثابتة الصور لا نقلبت إلى صورة قبيحة من دوامها واستمرارها على وتيرة واحدة ، فإن اللذة في التغير لكن ليس التغير على عواهنه ، بل التغير الذي تسيطر عليه الروح والذي يكون تابعا للقلب ، هذه هي النعمة التي لا توصف .
 
( 2384 - 2399 ) وإذا كنت لا تصدق ان المدركات الروحانية تختلف من إنسان إلى إنسان ، فأمامك في خلقتك أنت الدليل ، هذه الحواس وآلاتها المركب فيك : فلا الأنف يستطيع أن يبصر ، ولا العين تستطيع أن تشم ، ولا الأذن تستطيع أن تلمس ، كل آلة من هذه الآلات أستاذة في فنها ، لكنها إن كانت معطوبة أو تشكو آفة ما فإنها لا تدرك المدركات إدراكا صحيحا مهما كانت هذه المدركات صحيحة ، إن عين الأحول لا ترى الوحدانية ، هي دائما في شرك ( انظر
 
« 549 »


مثالا على هذا الكتاب الأول ، فهذه الحواس إذن في حاجة إلى غسل حتى تكون طاهرة ولا تريك إلا الطاهر ، وهذا ما يسمى عند الصوفية بتطهير الثياب : ذكر عن أبي الحسن الخرقانى رأيت رسول الله في النوم فقال لي يا أبا الحسن طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس ( انقروى 4 / 515 ) والكلام لا يزال لموسى : وحتى تدرك يا فرعون أن هناك فرقا شاسعا بيني وبينك لا تنظر إلى بعينك ولكن انظر إلى بعيني أنا . . ترى عالما من العشق ، وهذا عندما تنجو من البدن ومن آلات البدن ومن الاثنينية .
 
( 2400 - 2411 ) عندما تنجو من البدن فإن كل قوانين البدن تنعدم ، ومنها تلك القوانين التي تحكم كل اله بأن تدرك جانبا من المدركات فتستطيع الأذن والأنفس أن تكون عينا ليس هذا فحسب بل كما قال ذلك الملك حلو البيان « إن كل شعرة من شعور العارفين تنقلب إلى عين ( انقروى 4 / 539 ) قال جعفري انه أبو اليزيد البسطامي ( 10 / 419 ) وقال استعلامى انه أبو اليزيد البسطامي اعتمادا على رواية وردت في تذكرة الأولياء لقد هتف به جزاء عبادته ثلاثين عاما : يوم القيامة أحول وجودك الجسدي إلى ذرات وأهب كل ذرة منها بصيرة ( 4 / 320 )
وما أشبه البيت بما ورد عند ابن الفارض :
فكلى لسان ناظر مسمع يد * لنطق وادراك وسمع لبطشت
فعينى نامت واللسان مشاهد * وينطق منى السمع واليد أصغت
وسمعي عين تجتلى كلما بدا * وعيني سمع ان شدا القوم تنصت
ومنى عن يد لساني يد كما * بدى لي لساني في خطابي وخطبتي
كذاك يدي عين ترى كلما ترى * وعيني يد مبسوطة عند بسطتى
وسمعي لسان في مخاطبتى كذا * لساني في اصغائه سمع منصت
( أنقروى 4 / 538 )
 
« 550 »
 
ألم يكن هكذا الجسم في البداية عندما كان جنينا دون عين ؟ ! فهل تظن أنت أن النور من هذه الشحمة ؟ ! والشيطان يرى والجنى يرى دون هذه الشحمة المسماة بالعين ، فليست هذه الشحمة إذن هي السبب في الرؤية وإلا ما رأت العين شيئا في النوم ، إنما يضع الله فيها النور ، فليست الشحمة إذن هي سبب النور وإلا فأية صلة للانسان المخلوق من التراب بالتراب ، وهل الجن يشبه النار ؟
والطير من الهواء فهل يشبه الهواء ؟ ،
إن هذه الفروع منسوبة إلى أصلها بلا كيفية ، والافاى شبيه للتراب مع الانسان أو الانسان مع التراب ؟ ! !
إن كان ثمة شبه فهي مخفية عن العقل ، إنها بلا كيفية وكيف يفهم العقل ما لا كيفية له .
 
( 2412 - 2422 ) الموضوع المفضل عند مولانا جلال الدين : كيف تعطى الجمادات الإدراك من لدن الله مباشرة ، والدليل على ذلك أنه سلط الريح على قوم عاد فكانت تفرق بين المؤمن والكافر ببصيرة ممنوحة من الله سبحانه وتعالى ، وإذا لم تكن هناك بصيرة عند نار النمرود فكيف عرفت إبراهيم الخليل وامتثلت للأمر ولم تحرقه ؟
وإذ لم يكن للنيل هذه البصيرة فكيف كان تتحول دما لآل فرعون ويظل على طبيعته المائية لقوم موسى ؟
وكيف أوب الجبل مع داود إن لم يكن له سمع وبصر ونطق ؟ !
وإذا لم يكن لهذه الأرض عين وروح فكيف ابتلعت قارون وما رأيك في الجذع الحنان ؟
وفي الحصى الذي نطق بنبوءة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وإذا لم تكن تصدق فاقرأ «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَهافكيف تزلزل الأرض إن لم يكن عندها حياة وإحساس ؟ !
 
( 2423 - 2434 ) الخطاب ما زال لفرعون ومولانا شديد الاهتمام بقصة موسى وفرعون على أساس أن فرعون وموسى موجودان في كل جبلة وفي كل ذات يتصارع هذان القطبان المتنافران ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 975 و 1259 و 971 و 1252 ومقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) ، إن مجرد
 
« 551 »
 
إرسالى إلى مثلك أميرا لدليل على أن الله سبحانه وتعالى لطيف وخبير يعلم بأنك على كثرة ما عندك إنسان ضعيف في حاجة إلى هداية ، وهو يرى أن داءك الوبيل الذي لا شفاء منه يحتاج إلى هذا العلاج أي العصا ، بهذه العصا سوف يكسر قرن وقاحتك وجبروتك ، وقد أنذرك الله وحذرك وأبدى لك من الواقعات المخفية ما كان فيه رادع لك لكنك أولتها كلها واعتبرتها أضغاث أحلام من النوم الثقيل وعميت عن فحواها ، وصرت أصم عن سماع النذير فيها ، وسار منجموك وبحثوا لها عن أسباب أخرى غير طغيانك وكفرك ذلك لأنهم رأوك لست مجرد طالب نصح مسكين ، بل خافوا منك لجبروتك وظلمك وتعطشك للدماء ، فسددت على نفسك بذلك أبواب النصح ومضيت في وادى الهلاك .
 
( 2435 - 2436 ) والملك الحقيقي هو الذي لا يسفك الدم إلا لمصلحة ، والذي تخلق بخلق الله فتسبق رحمته غضبه ، كما ورد في الحديث القدسي سبقت رحمتي غضبى .
 
( 2441 - 2445 ) هذا مثال على أساس أن أهل الدنيا عندما يأنسون غفلة من أهل الدين يهاجموهم هم ، ويحاولون قطع الطريق عليهم حتى في الأصلاب والأرحام ، كما فعل فرعون عندما أراد أن يمنع ميلاد موسى ( لتفصيلات في الكتاب الثالث شرح الأبيات 840 - 845 ) ،
وهذا على أساس أن المسلم إن لم يغز غزى هو في عقر داره ، وفي خطبة للإمام على رضي الله عنه : ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا وقلت لكم أغزوهم قبل ان يغزوكم فوالله ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ( عن جعفري 10 / 463 )
وهكذا عندما حلم أهل الروح على فرعون ، تجرأ بطبيعته الخسيسة وأراد أن يقطع الطريق على مجىء موسى . . . فكأنه أراد أن يسد الطريق التي جعلها الله للتناسل فكانت السخرية منه في قمتها وكان موسى المقصود في صدر داره وهو منهمك في جرمه .
 
« 552 »
 
( 2458 - 2467 ) إن الله سبحانه وتعالى عادل يعطى لكل إنسان ما يستحقه تماما وما يليق به ، ومتى قام الإنسان بشر أو عصيان والتواء لم ير من بعده ما يناسبه من جزاء ؟ ! ! على المرء أن يكون مراقبا لفعله ووجوده ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا . .
حينذاك لا تكون في حاجة إلى قيامة وحساب ما دامت كل لحظة من لحظات وجودك قيامة وحساب ، وذلك الحر الذي تكفيه الإشارة متى كان في حاجة إلى القول الصريح ؟ !
أن البلاء قد حاق بك من حمقك أنك لم تفهم الرموز . . وإلا فهل كان فرعون في حاجة إلى الأنبياء بعد الآيات التسع . . وفي هذا تنبيه على فرعون كل زمان إذا ظهر في زمانه شئ من التسع أو غيرها تزداد حتى يهلك وإن تاب ورجع تاب الله عليه . . . ويتوب الله على من تاب ( مولوى 4 / 338 ) .
 
وإياك والعكوف على الذنوب حتى لا يسود قلبك ، ولا يكون لك أمل في عودة أو أوبة أو توبة مصداقا للحديث النبوي الشريف إذا أذنب العبد ذنبا حصلت في قلبه نكتة سوداء ، إن تاب واستغفر صقلت ، وإن عاد زيدت حتى يسود قلبه ، إن كل فعل خيرا كان أو شرا يتولد لك منه شئ في داخلك .
 
( 2468 - 2472 ) هذا الجسد الذي أصله من الطين كحديد حسن الصنف ، يمكن أن يصقل فيتحول إلى مرآة يتجلى فيها كل شئ ، وعادة ما يضرب الصوفية بهذا مثلا على أن الجسد وهكذا طبيعته يستطيع أن يسمو عنها لكي يصير مرآة يتجلى فيها كل شئ . . . فما بالك بالروح وطبيعتها أنها نفحة أو نفخة من ذي الجلال .
 
( 2475 - 2486 ) لقد أعطى الله سبحانه وتعالى العقل لكي يكون صقالا لهذا الجسد ولكي ينور القلب . . . وما العقل هنا إلا العقل القدسي ، لكنك بتركك للصلاة عطلت هذا العقل عن عمله وأطلقت يد الهوى تفعل فيك فعلها ،
 
« 553 »
 
ولو أنك حبست الهوى وأطلقت العقل لصقل جسدك لكنك فعلت العكس وهذا هو السعي بالفساد في الأرض منذ عطلت آلة الاصلاح أي العقل وأطلقت آلة الفساد « الهوى » ولا تكدر ماء الجدول ( القلب ) حتى ترى الجواهر أو المعاني الإلهية في قاعه وروح الإنسان مثل الهواء إن علق بها التراب يحجب السماء ( الدعاء والرحمة ) بل ويمنع الشمس نفسها من الظهور فانظر إلى الكدر والتراب ماذا يفعلان في الكون حتى تطهر وجودك من كدر الخطايا وتراب الدنس وتصقله ، وانظر رحمة الله بك . . . إذ يرسل إليك في منامك التحذيرات ويدعوك إليه على فحوى الحديث المروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم « إذ أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه » ( مولوى 4 / 341 ) .
 
( 2487 - 2500 ) ها هو موسى عليه السلام يفاجئ فرعون بما كان يعن له . . . بالنذر الإلهية التي أيسرها انقباض النفسي واكتئابها . كانت أفعال فرعون السوداء ترتد على ذاته كما تعكس المرآة صورة حاملها عله يحاول التخفيف من قبحه ، لكن النفسي الفرعونية كلما جوبهت بعيوبها ازدادت فسادا وصلفا ، كان فرعون يرى قبحه مجسدا في النوم ، فكان يفر منه دون أن يعلم أن قبحه معه ، كذلك الزنجي الذي رمى المرآة مدعيا أنها قبيحة ( مثل ورد عند سنائى الغزنوي انظر . حديقة الحقيقة الأبيات 4035 - 4040 وشرحها )
 
وتكررت في أكثر من موضع من مقالات شمس ولها أصل عربى . إن كل ما يحدث لك أعرفه . . . كل الكوابيس التي تتوالى عليك . . .
 وكل الأصوات التي تسمعها وهي تلعنك وتنذرك بسوء العقاب إلى غير ذلك مما لا يليق بنبي أن يتفوه به ، وما يحدث لك كثير ، بل ذكرت لك قليلا من كثير لتعلم أنى عالم بكل أحوالك خبير بها ، هذا الكفر يجعلك تتجاهل كل هذه النذر كما تجاهلت الآيات التسع وقد دفع إلى شقاء الكفر والعصيان وادعاء الربوبية فلم تنفع معه كل هذه النذر .
 
« 554 »
 
( 2505 ) في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم « باب التوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب مكللان بالدر والياقوت ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاما للراكب وهو مفتوح منذ خلقه الله تعالى إلى طلوع الشمس من مغربها » ( مولوى 4 / 343 ) وفي حديث آخر من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ( انقروى 4 / 565 ) .
 
( 2506 ) للجنان الثمانية ثماني أبواب وهي عدن والوسيلة والفردوس والخلد والنعيم والمأوى ودار السلام ودار القرار ويقال لباب جنة عدن باب التوبة ويقال لباب الوسيلة باب الزكاة ويقال لباب الفردوس باب الصلاة ويقال لباب الخلد باب الريان يدخل منه الصائمون ويقال لباب النعيم باب الحج ويقال لباب المأوى باب الجهاد ويقال لباب السلام باب الورع ويقال لباب دار القرار باب صلة الرحم ( مولوى 4 / 343 )
 
( 2507 ) الحوار الذي يبدأ بهذا البيت ورد في موضعين من قصص الأنبياء للثعالبي . . قل له : ان ناصيته بيدي ولا يطرف ولا ينطق ولا يتنفس عن شئ إلا بعلمى وأخبره بأنى من العفو والمغفرة أسرع منى إلى الغضب والعقوبة . .
وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة وقد أمهلك في طول هذه المدة ، وفي كلها تدعى الربوبية دونه وتصد عن عبادته ومع كل ذلك يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض ويلبسك العافية حتى لا تهرم ولا تسقم ولا تفتقر ولا تغلب ( ص 170 ) والموضع الثاني : فأوحى الله لموسى أن قل لفرعون : إنك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك ورددتك شابا طريا ، فاستنظره فرعون ، فلما كان من الغد دخل إليه هامان فأخبره فرعون بما وعده موسى من ربه فقال هامان :
والله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا ونفخ في منخره ، فقال له هامان
 
« 555 »
 
أنا أردك شابا فأتى بالوشم فخضبه به ( ص 184 ) فهو أول من خضب بالسواد فلذلك كرهه صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ( قصص الأنبياء المسمى عرائس المجالس للثعالبي ط 4 / 1954 القاهرة ) ،
ومن قائل إن وعود موسى لفرعون كما وردت على لسان مولانا جلال الدين مستوحاة من حديث نبوي : « إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا » استعلامى 4 / 273
 
( 2515 - 2522 ) الأنهار الأربعة في الجنة تعبيرات عن بعض أخلاق المؤمنين في الدنيا . لتفصيلات أكثر انظر ( الكتاب الأول شرح الأبيات 3459 إلى 3484 وهذا الكتاب شرح الأبيات 476 / 483 ) وتدعوهم إلى هذه الأخلاق .
 
( 2523 - 2527 ) تماما كما أنها أنهار الجنة الأربعة هي انعكاس وتعبير وتمثيل عن بعض أخلاق المؤمنين في الدنيا ، فإن بعض أخلاق الكفار والأشقياء تجد انعكاسها في بعض صفات الجحيم . . فنار الغضب من نار غضب الله سبحانه وتعالى « من غضب منكم فليتوضأ فنار الغضب من النار » . .
 
ومن الغاشية ( حية جهنم ) صار فرعون كأنه الحية يبث سمومه في المؤمنين ومن ماء الحميم الذي يسقاه أهل الجحيم يكون الظلم ، ظلم كل فرعون يترك الخلق كالرميم ، وهو من انعكاس مصيره عليه ، يمثل تماما هذا المصير ، هو مثال لجهنم على الأرض ، تلك التي يعذب فيها الفقير والمظلوم .
 
( 2532 - 2538 ) سوف تتمنى الموت إن كنت طائعا . . لا فرارا من عجزك في الدنيا بل طمعا في كنوز الآخرة . . سوف ترى الدنيا كالخرابة إن هدمتها وجدت تحتها كنزا . . سوف ترى هذه الدار حائلا دون الكنز العظيم ، تراها كأنها حبة واحدة حجبت عنك البيدر كله . . تكون إن قنعت بها كدودة قنعت بورقة
 
« 556 »
 
واحدة من الكرمة وعكفت عليها ، لكنها إن استيقظت من جهلها هذا بكرم الله استطاعت أن تفترس حيات الجهل .
 
( 2540 - 2560 ) لقد شبه الله تعالى نفسه بأنه كنز مخفى . . أو قال في حديث قدسي « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني » وفي تفسير للآية الكريمة «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» أي ليعرفون . . ومن ثم فإن أساس الوصول إلى الكنز السعي من أجله ويدق مولانا على هذا المثال كثيرا ويشبه وجود الإنسان في الدنيا بإقامة في خرابة تحتها كنز . .
لكنه لا يريد أن يهدم الخرابة ليجد الكنز ، وفي النهاية فإن الخرابة سوف تتهدم وحدها . .
لكنه لن ينال شيئا ، وما هذا البيت الذي أنت فيه إلا بيت بالكراء هو ليس لك ببيع أو شراء . .
وهذا الكراء بالأجل . . وسوف تخرج منه دون أن تستفيد شيئا ، ثم يقدم مولانا مثالا آخر : إنك تقوم بخصف النعال في دكان بالكراء . .
في حين أن هذا الدكان تحته كنزان . . ها أنت تعيش في ذلة ما لم تهدم هذا الدكان . .
وما هذا الرتق إلا تعلقك بالطعام والشراب فإن ترتق وجودا مآله إلى الفناء . . وتترك الكنزين : القلب والروح . . أنت ترضى لنفسك هذه الذلة في حين أنك عريق الأصل : أنت ابن الخليفة . . ألست ابن آدم آخر الأمر . . أم ينص على أن آدم خليفة . . أليست هذه الأرض منفاه ومنفاك ؟
أليس هذا الكنز هو الذي سوف ينجيك من السعي والشقاء ؟ !
 
سوف ينتهى إيجاز الدكان في النهاية وسيخرجونك منه عندما يجئ الأجل ، وسوف تعض بنان الندم على أنك لم تستفد شيئا عندما كان كل شئ مهيئا لفائدتك « يوم يعض الظالم على يديه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا » .
 
( 2563 - 2567 ) أتدري لم كل هذا ؟ ! لأنك مجرد طفل لم تبلغ مرحلة الرجولية . . لقد رأيت الدار منقوشة مزدانة فلم تهن عليك ، والبيت والأبيات التالية كلها مستوحاة من بيت واحد لسنائى :
 
« 557 »
 
كل نصيحتى لك هي هذه أنك طفل والدار ملونة . ( حديقة بيت 6440 ) .
 
( 2585 ) الحديث « من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة » موضوع من الأحاديث الضعيفة ويرى الشيعة أنه موضوع على أساس أن الرسول ، قد توفى - طبقا للروايات الشيعية - في السابع أو الثامن والعشرين من صفر ، بينما تجعل أغلب الروايات السنية وفاته ، في الثاني عشر من ربيع الأول وبعض الروايات تجعله في الثالث عشر من ربيع الأول . . وقد ضرب بالحكاية كلها مثلا على اشتياقه ، إلى الملأ الأعلى . . إذ كان دعاؤه ، في أخريات أيامه « اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى » .
 
( 2594 - 2595 ) عن انتقال الرجال من هذا العالم وعن أن الموت عند الصوفية المحققين هو عبارة عن زفاف ، ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 3519 - 3536 ) والماء المالح هو الدنيا والماء العذب هو الآخرة ولمولانا في ديوان شمس تبريز :
فلترحل من الماء المالح نحو ماء الحياة وعد من صف النعال نحو الصدر ( كليات ديوان شمس غزل 1353 ص 525 ) .
 
( 2598 - 2627 ) لم تؤد مشورة فرعون مع زوجته المؤمنة آسية عليها السلام إلى نتيجة وإن استطاعت الرسالة أن تؤثر في قلب آسية المؤمنة بحيث تواجدت من هذا الفتوح الذي نزل على زوجها دون استحقاق ، وأن يصير مطلوبا هكذا دون أن يقوم بأي جهد في الطلب ، إنها تعلم أنه مثل إبليس ، لكن هل يفتقد الله سبحانه وتعالى إبليس . . نعم 
- كل عاص مهما بلغت درجة عصيانه يظل الله سبحانه وتعالى يناديه ، وآسية عليها السلام هي رمز للقوة الإيمانية تلجأ إليها النفس الأمارة بالسوء ، 
وفي تفسير لنجم الدين كبرى لقوله تعالى «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ( التحريم / 11 ) أي ضرب الله مثلا
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 8:01 pm

الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 2628 - 3084 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2628 - 3084 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مشورة فرعون مع وزيره هامان في الإيمان بموسى عليه السلام

« 558 »
 
للقوى المؤمنة من قوى النفس اللوامة امرأة فرعون أي القوى الصالحة القابلة تحت القوة الفاسدة الفاعلة المستكبرة ( مولوى 4 / 355 ) . وها هي تتعجب كيف لم يؤمن في التو واللحظة وقد عرض عليه تاج من الإيمان يخفى « قراع » نفسه وكفرها ؟ وأي غفلة هذه زادت عن الحد الذي يحفظ المرء . . أجل قليل من الغفلة ينفع . . وإلا لو لم يكن فرعون غافلا لهلك لساعته فرحا من هذا الطلب وهذا العرض وفي الحديث جعلت معصية ابن آدم سببا لعمارة الكون ( استعلامى 4 / 232 ) ولكن أن تكون الغفلة لهذا الحد هو أيضا من قبيل الهلاك . .
وإلا فمن الذي يرفض مائة أجمة من الأشجار عوضا عن بذرة واحدة . .
 
ومن الذي يرفض مائة منجم عوضا عن حبة واحدة ؟ أن يكون إنسان لله فيكون الله له . . أن تأمن القطرة من الرياح والتراب وتعود سالمة إلى لجة البحر . . لكن النفس الفرعونية تظل النفس الفرعونية وإلا لما ألهم فرعون استشارة هامان ولما سقط بين يدي هامان كما سقط البازي في يد المرأة العجوزة المعتوهة .
 
( 2628 ) وردت الحكاية التي تبدأ بهذا البيت في الكتاب الثاني من كتب المثنوى ( انظر الأبيات 325 - 337 وشروحها ) وقد وردت القصة في كشف المحجوب إشارة » ولا محالة أنه عندما يطير بازى الملك فوق جدار امرأة عجوز فإنها تقص جناحه وقوادمه ( النص الفارسي ص 8 العربي ص 11 )
كما وردت نظما في أسرار نامه للعطار ص 101 / 102 ، كما وردت أيضا في مقالات شمس الدين التبريزي ( مآخذ / 44 - 45 ) ولا جدال أن البازي هنا رمز لمن يلجأ إلى من لا يعرف قيمته
 
وقدره ، أو إلى الروح الغالية ومكانها ساحة الملك لكنها تقع في يد العجوز ( الدنيا ) التي ترهقها من أمرها عسرا وعند استعلامى أنه العبد الذي يبتعد عن طريق الحق ( 4 / 333 ) وهو مستبعد إذ يشبه مولانا الروح
 
« 559 »
 
دائما بالبازى ، وهكذا يكون فرعون وهو على أبواب الهداية يطلب مشورة هامان فيضله .
 
( 2635 - 2644 ) من هنا زيادة عن الحكاية الواردة في الكتاب الثاني : أن العجوز تزيد في تعذيب البازي عندما لا يلتفت إلى ما تظنه كرما منها وعطفا على البازي وتزداد العجوز سوءا . . فتصب الماء الساخن على رأسه وتجعل الدموع تسيل من عينه تلك العين التي كانت تنظر إلى عوالم لا تراها العين الطبيعية . .
وهكذا تصاب العين الناظرة إلى الملأ الأعلى بالأذى في الدنيا من تلك العيون الأرضية التي لا ترى أبعد من مؤطئ قدمها . .
وينصرف مولانا عن عين البازي الوارد في الحكاية وينطلق إلى وصف عين العارف التي تتجاوز المحسوسات وترى بالغيب وترى انبساط المحيط كأنه شعرة واحدة .
أو التي عبر عنها ابن الفارض بقوله :ومن مطلعى نور البسيط كلمعة * ومن مشرعى بحر المحيط كقطرة .( انقروى 4 / 597 ) هذه العين لها صفات أود لو أقولها ولكن أين هي الأذن التي تسمع ؟
 
( 2645 - 2650 ) كان البازي يذرف الدموع وجبريل يأخذ هذه الدموع مع شرفه ومرتبته فيدهن بها جناحه ومنقاره ، وهكذا أيضا قطرات دموع العارفين ( أنين المحبين وبكاء المستغفرين أحب إلى الله من تسبيح الملائكة ) ( أنقروى 4 / 599 ) وكان البازي يتصبر . . ان الدنيا وإن أذلته هكذا فلم تقض على دينه وعلمه والنور الذي أخذه من المليك . . إن الجفاء كان على ناقة البدن لا على صالح الروح . . وما دام صالح الروح موجودا فإنه بنفس واحد من أنفاسه المباركة يستطيع أن يجعل متن الجبل يلد مائة ناق . .
وهكذا ينطلق البازي في الحديث :
إلا أن القلب يصيح به : أصمت كفاك بوحا بالأسرار وإلا فإن الغيرة الإلهية سوف
 
« 560 »
 
تنتقم منك وتمزق سداك ولحمتك جزاء على إفشائك هذه الأسرار .
 
( 2562 - 2657 ) عودة إلى فرعون : إن كبرياء الملك منعه من سماع النصيحة ليس الكبرياء فحسب بل لأن الشقاء قد كتب عليه وضرب ما بينه وبين الهداية سورا : فهو لم يمل إلى هامان إلا لأن هامان من جنسه ، وهكذا فإن لكل ملك وزراء من جنسه ، وكل طاغوت إنما يحيط نفسه بطواغيت صغار ، يكون هو مثلهم في الطاغوتية ، وهكذا فإن أبا لهب كان مستشارا لأبى جهل بينما كان الصديق هو مستشار المصطفى ، هذا هو عرق التجانس يجعل «الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ» و « الجنس إلى الجنس يميل » .
 
( 2658 ) قال فروزانفر إن أصل الحكاية في الرواية التالية « عن جابر قال :
كنا عند النبي فجاءه رجل من الأنصار
فقال إن ابنا لي دب من سطح إلى ميزاب فادع الله أن يهبه لأبويه ، فقال النبي : قوموا . .
فقال جابر : فنظرت إلى أمر هائل فقال النبي : ضعوا لي صبيا على السطح فوضعوا له فناغاه ، فدب الصبى حتى أخذه أبواه . فقال رسول الله هل تدرون ما قال له .
قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : لم تلقى بنفسك فتتلفها . قال : إني أخاف الذنوب .
قال : فلعل العصمة أن تلحقك . قال وعسى فدب إلى السطح » ( مآخذ : 147 ) وواضح أن مولانا استفاد من الجزء الأول من الرواية .
 
( 2670 - 2682 ) إن التجانس يكون في الصورة وفي المعنى فقد بعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء صلوات الله عليهم من البشر وذلك لكي ينجذب البشر إليهم وإن كان هناك بين معنى النبي ومعاني بقية البشر بعد المشرقين «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ *» . .
وجاذبية التجانس عجيبة ، إنها هي التي تبين في النهاية الإنسان . وإن لم تعرف الإنسان فانظر إلى من يصاحب ومن يجالس . .
 
« 561 »

ألم يكن عيسى وإدريس وهما بشر من جنس الملائكة فسكنا السماء مع الملائكة ؟ ! وألم يكن هاروت وماروت من جنس البشر مع أنهما من الملائكة فكانت عاقبتها أن هبطا إلى الأرض ؟ !
أليس الكفار من جنس الشياطين فتعلموا من الشياطين مئات الآلاف من الخصال الذميمة أقلها الحسد الذي حرم إبليس من رحمة الله تعالى ومن الفردوس . . نعم تعلم الكفار من الشياطين الحقد والحسد على بني آدم إذ كانوا يحسدونهم على ملك الأبد ، وعن التجانس تحدث بهاء ولد بأن كل ما في الخلق له مغناطيسه ( 1 / 421 ) 357 كما أن هناك بيت شعر فارسي جرى مجرى الأمثلا « كل يطير مع من هو من جنسه ، الحمامة مع الحمامة والصقر مع الصقر ( عبد الباقي 385 / 4 )
 
وانظر إلى هذه الصورة :
إنما يصاب الشيطان بمرض القولنج عندما يرى إنسانا متصفا بالكمالات الروحانية عن يمينه أو عن شماله . . وهو أن حصل على الكمال لما أحس بحسد بالنسبة لكمال الآخرين . . فاطلب من الله أن يدفع عنك الحسد ، وأن يشغلك بتربية الباطن عن الاهتمام بالظاهر .
 
( 2684 - 2690 ) إن أنواع السكر في هذه الدنيا كثيرة ، والله سبحانه وتعالى يخلص الأشرار من شرهم ، ويريح العاشقين من عشقهم بوسائل عديدة ، إنه يعطى لجرعة من الشراب خاصية الإراحة من قيود الدنيا والآخرة ، فما بالك بسكران الخمر الإلهية ؟ وفي المخدرات ألا توجد هذه الخاصية . . ينسى متعاطيها كل ما يحيط به . . والنوم . . أليس النوم عطية في النهاية لكي يستطيع الإنسان أن ينجو من تفكيره في هذا العالم ( انظر تفصيلات رائعة عن النوم . . الكتاب الأول . الأبيات 385 - 406 ) ،
أو يشغل المرء بشئ من خلقه . . كما شغل المجنون ببضعه من الجلد . . وهناك مئات آلاف من أمثال هذه الوسائل يطلقها الله سبحانه وتعالى على إدراكاتك ، مئات من خمور الشقاء التي تعبها النفس أو خمور السعادة التي يصيبها العقل . . بحيث يجد الإنسان مطلبه دون
 
« 562 »
 
أن ينتقل من مكانه ، أن يخلع خيمة الفلك . . ألا تكون خيمة الفلك مانعا بالنسبة له ، وأن يتجاوز أقطار السماوات .
 
( 2691 - 2720 ) لكن ليست كل أنواع السكر تيسر لك ذلك ، فحذار ، لا تغتر أيها القلب بأي سكر ، فليس سكر عيسى من تلك الخمر التي تظنها ، فأبحث عن هذه الخمر من هذه الدنان الإلهية ، من الخمر الصافية لا من الدردى ، وذق من الشراب بكل حذر حتى تتبين أولا بأي شراب سوف تسكر . . فكل الدنان تسكرك . ، لكن شتان بين دن يعطيك المرودن يجذبك إلى رب السماوات .
 
. ينجيك من كل وسواس ، يصفيك من كل شر . . وهكذا جذب الأنبياء إلى حيث يكون الملائكة لأنهم من جنسهم . . وإليك هذا المثل البسيط : الريح من جنس النار . . فكلاهما نزاع إلى العلو . . وإن وضعت كوزا فارغا على الماء فإنه لا يغوص أبدا . . إنه مملوء بالهواء والهواء ينزع به إلى أعلى . . وهكذا أرواح الأنبياء انها نزاعة إلى العلو لأنها من جنس أرواح الملائكة ، وذلك لأن عقولها ناجية من الشك . . ذلك الشك الذي يأخذ العقول وينزع بها إلى أدنى وإلى أسفل . . وهكذا فإن آل فرعون من جنس فرعون . . وهامان من بينهم أكثر تجانسا . .
 
ومن ثم فقد جذبه معه إلى قاع الجحيم . . لأنهما معا من جنس النار . . فكل منهما محرق كالنار . . ولان المؤمن ليس من جنس النار فإن النار تقول له : جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ ناري . . « تقول النار اللهم أجرني من المؤمن كما يقول المؤمن اللهم أجرني من النار » والمراد بهذا الحديث أن تنظر إلى نفسك أنت . . إلى أي شى تنجذب . . إلى من تنجذب . . هل أنت ميال إلى النفس والهوى أو ميال إلى العقل والقلب ؟ ويكفيك في هذا الصراع فخرا وسرورا أن تنتصر في كل لحظة على عدوك « نفسك التي بين جنبيك » والتي تجرك جرا إلى الأسافل .
 
« 563 »
 
( 2722 - 2736 ) هذا رأى هامان ، وانظر إلى كمية المغالطات التي يقدمها هامان ، أنه لا يرد على ما اقترح موسى ، لكنه يعدد في فرعون ما ليس فيه وإن كان فيه فهو وقتي وعابر ولا دوام له ، إنه يتساءل : كيف هانت على فرعون نفسه وأبهته وعظمته وكبرياؤه حتى سمح لموسى أن يقول ما قاله ؟ !
وكيف يهون عليه كل هذا الملك ليسجد لواحد من عبيده ؟ !
هكذا فهم هامان الدعوة ، وهكذا يفهم كثير من المتكبيرن الدعوات الكبرى ، احتقار لصاحب الدعوة يمنع من مجرد التفكير في الدعوة . . تماما كبعض كفار مكة : لم ينكروا القرآن لكنهم أنكروا أن ينزل على يتيم أبى طالب . .
وقالوا : « لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم » . . إن مجرد قبول فرعون لدعوة موسى لا يترتب عليه كل ذلك . . لن يترتب عليه أن يكون فرعون عبدا لموسى . . لن يترتب عليه سرور الأعداء « أعداء فرعون » وحزن الأصدقاء . . لكن متى كان هامان يقف عند منطق ، ومتى كان المنطق الهامانى يقف عند حدود المعقول ؟ !
 
( 2737 - 2755 ) تفسير للمنطق الهامانى : إنه يقسم الناس إلى أعداء وأصدقاء بينما لا عدو له سوى نفسه . . إنه يفسر الأمور بالمقلوب ، فما هذا الملك الذي يتحدث عنه . . ولمن دام قبل فرعون حتى يدوم لفرعون . . وهل هذه الأرض نفسها ساكنة حتى يكون من عليها ساكنا ؟ ! يقول ناصر خسرو :
أي انتظار لديك للاستقرار تحت هذا الفلك ما دام هذا الفلك نفسه لا يقر له قرار (ديوان / 9).
 
إن كل الذي جرى أن سجود الناس لفرعون وهامان كان كالسم الذي اختلط بروحيهما . . وما أكثر المتكبرين الذين يرديهم إقبال الناس عليهم . . وما أكثر الطواغيت الذين يصنعهم البشر ثم يضجون منهم بالشكوى . . كل قوم خالقو نيرونهم ، إن هذا الملك وهذا الكبرياء كالخمر المسمومة ، إنه يحرك رأسه سكرا للحظة واحدة . . وسرعان ما يفعل السم فعله . . الكبرياء
 
« 564 »
 
كالخمر المسمومة « ورد عند بهاء ولد ( معارف 1 / 387 ) وإن لم يكن سما . .
فلماذا يدفعه إلى كل هذا الظلم ؟ ! لماذا يرديه فعله ؟ لماذا يقتل الأبرياء ؟ ! حتى قاطع الطريق لا يهاجم فقيرا . . حتى الذئب لا يعض ذئبا ! إن الأنبياء والأولياء قد يقومون ببعض ما يظنه الآخرون ظلما لكنه عين العدل . . والخضر قد حطم السفينة فنجت من الفجار . . فكن كسيرا تنجو . . وكن فقيرا تنجو ، ولابن الفارض : ( متى عصفت ريح الولا قصفت أخا عناء ولو بالفقر هبت لربت ) ( انقروى 4 / 620 ) فحتى الجبل لا ينجو من ضربات المعاول طمعا لما فيه . .
 
الخلاصة أن الذي أردى فرعون هو كبرياؤه « الكبرياء ردائي والعظمة إزاري » وفي خطبة للإمام على « الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء واختارهما لنفسه دون خلقه وجعلهما حمى وحرما على غيره واصطفاهما لجلاله وجعل اللعنة على من ينازعه فيهما » ( عن جعفري 10 / 497 ) ، وروى الأفلاكى :
طوبى لمن زلت نفسه وحسنت خليقته وطابت سريرته ( 1 / 298 ) الكبرياء اشراك . . هذا هو الأصل وناهيك عن فروعه .
 
( 2775 - 2777 ) الخلاصة أن هذه العطية لم تكن من نصيب فرعون لقد قنع بسلطان العوام ولم يرض بالسلطان الذي يمنحه الله تعالى . . رضى بالسلطان المستعار الفاني . . ولم يرض بالسلطان الباقي ، رضى بسلطان محل تنازع ، ولم يرض بالسلطان الذي لن ينازعه فيه أحد ، فإن السلطان الذي يستند على شرع الله فحسب هو السلطان الباقي ، وأما السلطان الذي يعتمد على شريعة البشر ، فإنه فرعونى ، وكل فرعون يحاول أن يمحو آثار من سبقه ليكون هو وحده . . ومن ثم لا يدوم ذكر فرعون واحد بالخير بل يدوم ذكره بالسوء .
 
« 565 »
 
( 2779 - 2786 ) من الغريب أن فروزانفر لم يلتفت إلى الحادثة التي تبدأ بهذا البيت كما لم أجد لها أصلا ، اللهم إلا ما يقال من أن كفار مكة عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة أن يحكم عاما ويحكموا عاما . .
أو أن يعبدوا الله عاما وتعبد آلهتهم عاما . ورفض رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الحل ( الوسط ) ! !
ومولانا يفرق هنا بين نوعين من الولاية : الولاية الإلهية المعقودة لمحمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين . . فكل من يحكم بالشريعة التي جاء بها إنما يكون نائبا له في الحكم ، والحكم الحقيقي لصاحب الشريعة ، وهي أيضا ولاية دينية باقية ما بقي الدين . .
ولا يمكن أن تعين فحسب بالفترة التي أسس فيها النبي صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية في المدينة . .
أما الملك الدنيوي ، فهو مجرد عارية . . لقد أتى عادة بالميلاد ( البيت 2785 ) وقد ترجمها نيكلسون من أجل الزاد على أساس أن زاد عربية بينما أن زاد الموجودة في البيت فارسية ومعناها التوالد والمقصود أنه يأتي بالإرث ، وواضح بالطبع أن الملك القائم على الدين لا وراثه فيه . .
 
( 2790 - 2810 ) لم أعثر أيضا على بقية الخبر . ويقيم مولانا جلال الدين مقارنة بين الحراب التي ألقاها أمراء العرب في طريق السيل وبين القضيب الذي ألقاه المصطفى عليه السلام . وفي نسخة جعفري ( عاشر / ص 507 ) بيت يقول أن هؤلاء الثلاثة هم أبو جهل وأبو لهب وأبو سفيان ( ط 11 بهار 1367 ه - ش ) . لقد جرف السيل كل حراب أمراء العرب بينما بقي القضيب النبوي - رمز حكم النبوة - تدق له الطبول الخمسة كل يوم ( الصلوات الخمسة ) حتى تقوم القيامة . . وإما أن ترضخ بعقلك . . لكن إن كنت يا فرعون حمارا لا عقل لك فقد خلق الله العصا . . يسوقك بها خارج اصطبل الدنيا لينجو من شرك . . وإن لم تنفعك العصا وكنت أكثر فرعونية فإنه يحول لك العصا إلى
 « 566 »

حية . . لكي ترى الجحيم في الدنيا . . ما دمت تنكر وجود الجحيم في الآخرة . .
وتتساءل أين جحيم الله ؟ ! .
 
( 2811 - 2819 ) إن عذاب الله ليس مخصوصا بالآخرة ، بل أحيانا يجعل الفضاء ضيقا على الطائر فيقع على الشراك ( إن جاء القضاء ضاق الفضاء ) أو يبتليك بألم من آلام الجسد كألآم الأسنان ومن شدة هذه الآلام تقول إنها كالجحيم وكالأفاعى . . يجعل ريقك حلوا . . وكأنما السكر من تحت اسنانك فتحس أنك في جنة ونعيم . . وهذا كله مرتبط بتعاملك مع خلق الله فقلل إذن من ظلمك للخلق فإن الظلم ظلمات وليس في القيامة فحسب بل وفي الدنيا أيضا . . وإلا فلم أنزل الله العذاب بآل فرعون في الدنيا فجعل عليهم ماء النيل دما ولقوم موسى ماء ، فكيف كان الماء يتحول هكذا ؟ ! لقد منحه الله التمييز . .
بينما قد يحرم الإنسان والمفروض فيه العقل من التمييز ومن العقل فيصبح سفاحا سفاكا لدماء أخيه مثل قابيل .
 
( 2820 - 2831 ) عن وجود العقل في الجمادات وعن تسبيحها أنظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 1008 - 1028 ( 2833 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت ببعض التصرف في تذكرة الأولياء أن مالك بن دينار تناظر مع دهري ، وطالت المناظرة فاتفقا أن يضع كلاهما يده في النار ، ومن تحترق يده فهو على الخطأ ، فوضعا أيديهما ، فلم تحترق ، فذهب مالك إلى داره محزونا وركع مخاطبا ربه : لي سبعون سنة وأنا على الإيمان حتى أتساوى مع أحد الدهرين فسمع هاتفا : إنما حفظت يدك يد الدهري ، دعه يضع يده وحده ثم أنظر النتيجة ( تذكرة الأولياء 1 / 50 - 51 ) كما وردت نفس الحكاية عن كرامات الحسن البصري في نفس الكتاب ص 34 وما بعدها ( عن مآخذ ص 145 ) والجو العام للقصة
 
« 567 »
 
يشبه إلى حد كبير مناظرة الإمام أبي حنيفة مع الدهري التي نظمها سنائى في قصيدة طويلة في ديوانه ( ديوان سنائى 238 - 246 ) ( 2834 - 2837 ) الاختلاف هنا واضح بين نظرة المتفلسف ونظرة الصوفي ، وهذا الاختلاف ناشئ من اختلاف وجهة نظر كل منهما في الإنسان :
 
فالإنسان عند المتفلسف عبارة عن ذرة في هذا الكون الواسع ، هو بمصطلح الخيام : قطرة ماء ثم توحدت بالبحر ذرة تراب وتوحدت بالأرض : ومجيئتنا ما هو إلا مجئ ذبابة . . دخلت ثم اختفت ( من رباعيات الخيام ) لكن الأمر يختلف عند الصوفية . . فهو أول الفكر وهو آخر العمل وهو سيد الخليقة وهو ابن الخليفة وفيه النفخة الإلهية .
 
( 2850 - 2862 ) من الواضح أن الحجج التي يقدمها « السنى » أو المتصوف لا تنفع المتفلسف فهي كلها حجج نابعة من الباطن والمتفلسف يريد حججا ظاهرة وواضحة يستطيع أن يدركها بمحسوساته ، إن الإيمان بالخالق عند الصوفي خفى وواضح مثل سر العاشقين ولا تبقى إلا نار الامتحان . .
والامتحان هنا غريب على مولانا جلال الدين فإن امتحان النار فيه اختبار لله إلى حد كبير وهو ما هجمه مولانا في أول هذا الكتاب ( شرح الأبيات 352 - 365 ) لكن الموضوع قد يختلف هنا إلى حد ما ، فإن المناقشة العلنية أمام الناس كان من الممكن أن تزلزل إيمان بعضهم ، ويشير مولانا إلى أن الباطن لا يصلح إلا للتعامل مع أهل الباطن ، أما أهل الظاهر فلا بد من التعامل معهم بما يفهمون « خاطبوا الناس على قدر عقولهم » و « إن الله لا يرضى أن يضيع إيمانكم » .
 
( 2863 - 2871 ) إذا قال لك هذا المتفلسف : إن ما أنت عليه هو التقليد ، فهل رأيت الأنبياء والرسل - فقل إن الأذان شاهد عليها وعلى أنها وجدت
 
« 568 »
 
وسوف يظل الأذان باقيا إلى يوم الدين ، والشريعة تدل على المشرع . . وهناك في كل العصور أمثال هذه الرهانات وهذه المباهلات والمجادلات التي تمزق منها المنكرون ، إن حجة المنكر هي إصفرار وجهه وضعف حاله ، وانظر إلى أي منكر للألوهية فلا بد أن تجد فيه عيبا ظاهرا وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يبدي غضبه على وجهه . . فهل سمعت عن منبر يذكر فيه منكر والألوهية . .
( إن أي منكر للألوهية في عصرنا الحالي . . عصر الدين أفيون الشعوب - لا يستطيع أن يجهر هذه الدعوة عيانا ، بل يغلفها بكثير من الأشياء كالهجوم على رجال الدين ، أو وصف المتدين بالرجعية . . والروايات لا تنتهى عن أقوال كبار الملحدين عند اختبار الموت . . )
وأخيرا فإن الجهر بهذا السوء خف كثيرا ، ولم يكن مولانا جلال الدين عندما قال هذه الأبيات يتصور أنه سوف يخرج من بين المسلمين من يقول إن الإسلام مرحلة وانتهت وأنه كان مجرد وسيلة لسيطرة الجنس العربي . . ومن يجعل الدين الذي نزل للناس كافة دينا لشعب واحد . . ومن يقول إن الغلبة للعلم وكأن الإسلام ينافي العلم . . لكن إن هي إلا مرحلة قصيرة من مراحل التاريخ أثبتت فشلها وعقمها ولم تقدم الناس جنة على الأرض بل قدمت لهم جحيما مركبا . . أي جحيما بلا أمل .
 
( 2872 ) في الكتاب الأول :
واسم أحمد هو اسم جميع الأنبياء .
فعندما يصل العدد إلى مائة تكون التسعون متضمنة فيه .
أنظر البيتين 1105 - 1106 وشرحهما .
 
( 2875 - 2880 ) إن لم يكن هذا يكفيك أيها المنكر ، فيكفيك القرآن بيانا ، إنه يحدثك بمائة لسان أو سمى بذلك لأنه أصل كل الكتب الإلهية التي نزل كلَّ
 
« 569 »
 
منها بلسان قومه وهو مبين لجميعها وهو أم الكتاب . . فهل يستطيع أحد أن ينقص منه حرفا أو يزيد عليه حرفا إلى يوم الدين . . إنه محفوظ من لدن الله سبحانه وتعالى وهو الغالب . . فكن مع الغالبين . . إن المنكر أنه يقيم على الظاهر لا يرى سواه وهذا من حمقه وسذاجته . . أليس يرى أن في بعض الأشياء الظاهرة باطنا هو مكمن الفائدة فيها ؟ ! إذن فلتعلم أن لكل ظاهر باطنا هو فائدته ولبه وحقيقته.. تماما كالدواء نفعه كامن في داخله المختفى وفي باطنه.
 
ويقدم مولانا في غزليات شمس الدين التبريزي ( غزلية 472 ص 212 ) ردا آخر :
- أيه علامة هناك على أن هناك عالما آخر * تجدد الأحوال وذهاب تلك الأحوال القديمة - يوجد صباح جديد ومساء جديد وحديقة جديدة مع نفع جديد * وكل نفس فكرة جديدة وسعادة جديدة وفيئ جديد - فمن أين يصل الجديد وإلى أين يذهب القديم * إن لم يكن وراء النظر عالم لا نهاية له - إن العالم يبدو كأنه جدول متجمد لكنه * يمضى ويعود من جديد فمن أين هذا ؟ !
 
( 2881 - 2892 ) المقصود بتفسير الآية الكريمة ( الحجر / 58 ) أي أننا لم نخلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بمقتضى الحكمة . . وليس لأجل الظاهر الذي ترونه . . بل خلقناهم من أجل المعنى والحكمة الباقية التي لا ترونها ( مولوى 4 / 397 ) وإن كنت لا تصدق . . أو لا يزال عندك شك من

« 570 »
 
 
هذا الأمر فأي صانع ممن تراه من الصانعين يصنع الصنعة لذات الصنعة ؟
حتى المصور إنما يقصد من الصور التي يرسمها والتي تظنها بلا فائدة المتعة للصغار والكبار ( كل المتع الفنية من موسيقى وتصوير وخطوط وما إلى ذلك كان مولانا جلال الدين يراها نوعا من المحاكاة الإلهية ، أو محاكاة الخالق الصغير المبدع الفنان من البشر لسيد الخالقين ولأحسن الخالقين ) . ويصور نفسه في غزليات شمس مصورا يخلق من المعاني تماثيل :
- أنني مصور نقاش أصنع تمثالا في كل لحظة ، ثم أذيب كل هذه التماثيل في حضرتك .
- أنني أخلق مائة صورة أمزجها بالروح ، وعندما أرى صورتك . . ألقى بها كلها في النار ( غزليات باهتمام فروزانفر ص 199 - 200 ) والمعنى ورد برمته في معارف بهاء ولد ( 1 / 422 )
إن هذه الصورة الظاهرة من أجل معنى خفى . . وعندما يصير المعنى الخفي ظاهرا ، إنما يظهر لكي على يدل معنى خفى وراءه وهكذا دواليك بقدر قدرتك على النظر . .
هذا النقش علة لما بعده وما بعده معلول له ، وهو في نفس الوقت إن ظهر لك له لشئ آخر من مراتب الخلق والأمر وهي جد كثيرة لا يعلمها إلا هو . .
وإذا كان لاعب الشطرنج يجعل كل لعبة قائمة على ما قبلها وممهدة لما بعدها حتى يصل إلى الانتصار ، فكيف تظن أن الخالق قد خلق السماوات والأرض وما بينهما دون حكمة ، حتى اللاعب له خطة تكفل له النصر . . فما بالك أنت بهذا الكون ؟ أتظنه دون الألعوبة ؟ إنك إذا حركت ذرة واحدة من مكانها لاختل نظام الكون وهو ما عبر عنه فيما بعد الشيخ الشبسترى « إنك إذا حركت ذرة واحدة من مكانها لأصاب الخلل كل العالم ( انقروى 4 / 652 ) .
 
« 571 »
 
( 2894 - 2900 ) حتى الشهوات ، ليس لمجرد المتعة والعبث . إن شهوتك للطعام هي دون أن تقصد من أجل المنى . . والمنى هو الذي يتحول إلى نسل يعمر الأرض وتكتحل بهم عيناك . . لكن بطئ الرؤية لا يرى في الشهوة إلا الشهوة . .
إنه لم يجاوز مرحلة النباتية فهو كالنبات ثابت الجذور في الطين ، وإياك أن تظن أن النبات يتحرك حتى لو حركة نسيم الصبا فحركته ليست منه ولكنها مستعارة . . أنه يقول لريح الصبا « سمعنا » لكن جذوره الممتدة في الطين لا تتحرك وتقول « عصينا » . .
وهذا الذي لا يعلم السير في الآفاق والأنفس - والنظر بعين البصيرة لحكمة الخلق ، وتتبع هذه الحكمة - إنما هو من العوام ( والعوام كالأنعام ) . . أنه يضع قدمه كيفما اتفق . . دون بصيرة ودون تفكير . .
 
كما يفعل الأعمى . . ويقول أنه يفعل هذا على التوكل . . أي توكل هذا . . إنه توكل العابثين لاعبى النرد . . ينتظر ما يأتي به الزهر . . إنما يكون التوكل مع المجاهدة . . والمجاهدة لابد لها من مرشد . . والتوكل التام شديد الندرة .
 
( 2901 - 2911 ) في مقابل هؤلاء العوام كالأنعام هناك أصحاب البصيرة النفاذة غير الجامدة . . إنها بصيرة نفاذة تمزق الحجب . . تعلم قوانين العلية والسبية . . تدرك عواقب الأمور التي يمكن أن تجد بعد عشرة سنوات بنظرة واحدة . . وهكذا فكل امرئ بقدر نظره يستطيع أن يسير هذا السير المعنوي « والعارف بقدر همته » . . إنه المشرف على الأزل والأبد : يرى ما حدث يوم الخلق ، يوم أنكر الملائكة على الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة . .
ثم يلقى بنظرة إلى الأبد فيرى حتى الحشر ، أنه مشرف على أصل الأصل ويرى ما هو آت حتى يوم الفصل وبأي شئ تيسر له هذه المعرفة الشاملة ؟ بهذا القلب الموجود دوما بين إصبعين من أصابع الرحمن . . بقدر جلائه تنعكس فيه صور الماضي والحاضر . . فإذا قلت : إنه من فضل الله إنه من العطاء ولا دخل للإنسان
 
« 572 »
 
فيه . . إن الله يهب هذا لمن يشاء من عباده ويرضى عنهم . . وانه لا دخل للانسان في العطية . أقول لك مجاهدتك أيضاً من العطيات وصقلك للقلب من العطيات والله سبحانه وتعالى لا بد وأن يهيئ الأسباب .
 
( 2912 - 2920 ) وكله بفضل همتك ، حتى الطلب والدعاء بقدر الهمة . .
والعطيات بقدر القابليات ، والقابليات إنما تتحدد تبعا للهمم ، والله تعالى أيضا واهب الهمم ، من الناس من تطمح همته إلى الملك ، ومنهم من تكون همته قاصرة على ما يسد شهوات الجسد و «أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» . .
والله سبحانه وتعالى لم يخص أحدا بشئ أو بعمل . . لم يخلق إنسانا للملك وإنسانا للكدح ، لم يخلق أحدا تجرى في عروقه الدماء الزرقاء . .
وأحدا تجرى في عروقه الدماء الحمراء . . وأحدا لا تجرى في عروقه دماء قط . .
وإلا لكان ذلك جبرا على الإنسان ، والحق سبحانه تعالى عن الظلم علوا كبيرا بحيث يجبر أحدا على شئ ثم يحاسبه عليه ( انظر مناقشة الموضوع في الكتاب الثالث في شرح بيت الحكيم سنائى الغزنوي - شرح الأبيات 2741 - 3761
وانظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) لكن الشقي الذي إذا ابتلى كفر أما السعيد فإنه كلما ابتلى صبر وشكر . . العمل واحد وهو الابتلاء . .
لكن الهمة الواهنة الضعيفة تجعل الشقي يكفر . . أما همة السعيد فإنها تجعله يصبر ويشكر ويزداد عبادة .
 
( 2916 - 2920 ) وإن أردت أن تنكر أن رد الفعل لعمل واحد قد يختلف عند شخصين فإليك مثل يتكرر أمامك عندما تقوم حرب : الجبان يهرب خوفا على حياته . . لكن الشجاع يقدم ويهاجم خوفا على حياته أيضا . . انظر هو خوف واحد على الحياة ، لكنه أدى إلى تصرفين متناقضين تماما وهذا المعنى مأخوذ من قول الشاعر العربي أبى الطبيب المتنبي :

 
« 573 »
 
- أرى كلنا يبغى الحياة لنفسه * حريصا عليها مستهاما بها صبا
فحب الجبان النفس أورده التقى * وحب الشجاع الحرب أورده الحربا
ويختلف الرزقان والفعل واحد * إلى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا
( ديوان - دار صادر / ص 327 د . ت )
فالمحك يبدي الشجاع من الجبان ( أنظر أيضا الكتاب الثالث تفسير قول الإمام على رضي الله عنه لا شجاعة يا فتى قبل الحروب ) .
 
( 2921 ) يرى فروزانفر أن الموضوع الوارد في الأبيات التي تبدأ بهذا البيت وقيل المتوكل كالطفل لا يعرف شيئا يأوى إليه إلا أمه كذلك المتوكل لا يهتدى إلا إلى ربه ( الرسالة القشيرية ) والدرجة الثانية من درجات التوكل وهي أقوى وهي أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل مع أمه فإه لا عرف غيرها ولا يفزع إلى أحد سواها ولا يعتمد على إلا إياها فإذا أول سابق إلى لسانه يا أماه وأول خاطر على قلبه أمه ، فإنها مفزعه ( إحياء العلوم ج - 4 ص 185 ) وقد أخذ على شريعتي الجدلية وجعلها للشعوب المغلوبة ( الطفل ) والشعوب الغالبة ( الأم ) ( أنظر العودة إلى الذات ) .

( 2926 - 2931 ) ليكن خاطرك أيها الآمن متعلقا بالله تعالى تعلق الطفل بأمه ، وليكن كل ما هو سوى الله عندك كالحجر والمدر وهذا هو معنى « إياك نعبد وإياك نستعين » ، و « إياك » هنا هي للحصر ونفى الرياء في نعبد وهي للحصر في نستعين : أي أنت فحسب نعبد ومنك فحسب نطلب العون . . وقد وردت في الفاتحة معاني كثيرة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : نعبدك ولا نعبد غيرك .
 
« 574 »
 
( 2932 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قائمة على حكاية وردت في تذكرة الأولياء ( 2 / 191 / 192 ) وفي الرسالة القشيرية ( 10 ) عن أبي على الدقاق أن سيدا غضب على عبده فتقدم أحد الشفعاء حتى عفا عنه وظل العبد يبكى : فقال الشفيع : لقد عفا عنك فلم البكاء ، قال السيد : إنه يطلب رضاى ولا طريق عنده إليه ولذلك فهو يبكى ( مآخذ 49 ) والواقع أن الحكاية قائمة على بعض المعاني التي تكررت عند الصوفية من أن « كل ما يأتي من المحبوب محبوب » و « وأن ظلم الحبيب أحلى من رعاية الشفيع » وإن « حقيقة الحب ألا يحاول المحب الشكوى من ظلم حبيبه له « وعليها معاني عديدة والمحب أو النديم هو العبد والمليك هو الملك . . ولا يستبعد هذا الرمز الصوفي ( أنظر قصة وكيل صدر جهان في الكتاب الثالث ) .
 
( 2941 ) إن الشفيع هنا من جنس المشفع إليه . . والحب بينهما قائم . . فبه يرى وبه يسمع وبه يسعى وبه يبطش : ( انظر الكتاب الثالث / البيت 2220 ) .
 
( 2944 - 2949 ) ليس المقصود أن أبين قدر شفاعتك أو أن أمن عليك بل المقصود أن أبين مدى عزتك . . فالسلطان هو هو السلطان الحق الواحد وعماد الملك المتشفع هو المحمدي المشرب الذي ذابت صفاته في صفات المليك . . والنديم المجرم هو العاشق إذا كان خليلي المشرب ناجيا من حب السوى والأغيار مفوضا جميع أموره لربه تعالى .
 
كان له من علو المرتبة وشرف الرفعة بحيث إذا شفع في ألوف المجرمين لا ترد شفاعة من الله تعالى . ( مولوى 4 / 396 ) ولأن الشفيع هكذا فلم يقم بالشفاعة بل قام بها المشفع إليه . . فما أعطاه لم يعطه هو بل أعطاه المليك . . ما دامت صفاته فانية في صفات المليك « من رآك رآني ومن أهانك أهاننى ومن أعطاك أطاعني فإذا أعطيت لأحد شيئا فأنا قد أعطيته ، وأنا الدائم القائم ولا موجود سواي وأنا أعلم بالرشاد وإلى المبدأ والمعاد ، ( انقروى 4 /
 
 
« 575 »
 
670 ) ومعنى خذك « إلا » مكانا بجوار لا : أي أعبر مقام النفي والفناء واتخذ لك مقاما بجوار البقاء أي لا تيأس من رحمة الله وروح الله فأنت الأسير في الدين الأمير على المخلوقات .
 
( 2959 - 2967 ) إن المعفو عنه ضائق من تدخل الشفيع لأنه كان يريد أن يبذل الروح في سبيل المليك ، والشكر ليس للشفيع ، فقد تدخل بين العاشق ومنتهى أمله . . وحياته الدائمة ، وخلوده ، فكأنه أضره من حيث أراد نفعه ، وفصلة من حيث أراد وصله ، وضيع « ذلك الوقت » العزيز الذي كان له . .
والصوفي هو ابن وقته لا يريد ضياعه بعد أن عثر عليه « ولى مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل » حديث نبوي ورد في الكتاب الأول فليطلب تفسيره عند الأنقروى في طلب الرسول فتح مكة . . وإن قهر الحبيب في حد ذاته التفات واهتمام ، وقتله للمحب حياة خالدة . . فهو إن أخذ روحا يهب أرواحا . . وإن خلص الإنسان من عالم ضيق يهبه عوالم واسعة . . وكان قهر المليك فتحا وظنه الشفيع غضبا . . كان لطفا مخفيا في ثوب القهر ، وكيف تستطيع الألفاظ أن تعبر عن هذه المعاني وهي فوق الألفاظ ؟ وآفة الحال ادراك المقال .
 
( 2968 - 2974 ) يضيف مولانا تفسيرات جديدة إلى فكرته عن قصور الألفاظ الأرضية عن التعبير عن أمثال هذه المعاني ، وبخاصة عن تجربة العشق الصوفي . . فتعبيرات العشق أشد خفاءً يكرر مولانا صفة الخفاء للتوكيد . . إن هذه الأسماء التي تعلمها آدم جاءت مناسبة لقول آدم ( في نص المولوي ) أو لجسد آدم ( في نص نيكلسون ) والمراد احتياجات آدم . . فلا يخص العشق معانيها ولا يقدر على النطق بأسرارها . أنه أشبه بصب البحر في كوز . . لقد علم آدم الأسماء بالإلهام . . وليس في ثياب الحروف . . وعندما خلق جسد آدم من الماء والطين . فإن الأسماء الروحانية والمعاني الروحانية لم تستطع تحمل
 
« 576 »
 
هذا الجسد ولفها الطين في ظلامه وهبط بها فتلفعت في حجب الحروف والألفاظ لتبدو معانيها للماء والطين . . فكشف عن بعض معانيها أو كشف عنها في وجه لكنها أخفيت من عدة وجوه . . أي فقدت كثيرا من أبعادها الروحانية لمجرد وضعها في نقاب الحروف . . فكلما أردت أن تكشفه باللفظ فقد حصرته في نطاق هذا اللفظ . .
 
وتكون قد ألغزت من حيث أردت التوضيح وأشكلت من حيث أردت اليسر ، وهذا هو معنى آفة الحال إدراك المقال أو معنى غسل الدم بالدم ( ورد في الكتاب الثالث وبعد تقديم الكتاب الثالث للطبع اكتشفت أن هذا التعبير غسل الدم بالدم ليس لمولانا جلال الدين في الأصل بل هو لسنائى وورد في الحديقة ( بيت 6420 ) ولا يفزع القلب إن أمن كثرة الكلام فلماذا غسل الدم بالدم ؟ ! .
 
( 2975 - 2984 ) الخبر الذي يبدأ بهذا البيت ورد مصادر عديدة منها قصص الأنبياء وإحياء علوم الدين . . والرواية أقرب إلى رواية كشف المحجوب للهجويرى ( ص 83 ) ( الترجمة العربية ص 89 ) . مثلما أشعل النمرود نارا ووضع إبراهيم عليه السلام في المنجنيق فجاء جبريل عليه السلام وقال : هل لك من حاجة ؟ ،
وقال : أما إليك فلا ، قال : فاطلب إذن من الله سبحانه وتعالى . فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي ( مآخذ / 149 ) ويشبه مولانا في معالجته لهذا الخبر الشفيع بالواسطة من بعد العيان ( أو بحديث الدلالة في وجود المحبوبة ) طلب الدليل بعد الوصول إلى المدلول قبيح .
 
فالواسطة هنا في الدنيا ولو أن كل قلب كان يسمع حديث الحق لما كانت هناك حاجة للحروف والأصوات في الدنيا . . 
ويعود من البيت 2980 إلى حديث العاشق المعفو عنه : إن عماد الملك بالرغم من مرتبته ، إلا أنني أدق حالا منه . . فالخير الذي أبداه هو شر بالنسبة لصفتى أنا . . وإن الموضوع لمتعلق باللطف والقهر وهي أمور نسبية فحسنات الأبرار سيئات المقربين : وما قد وجده العوام لطفا قد يكون قهرا للواصلين كما يقول ابن الفارض :
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 8:02 pm

الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 2628 - 3084 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2628 - 3084 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مشورة فرعون مع وزيره هامان في الإيمان بموسى عليه السلام

« 577 »
 
وكل أذى منك في الحب قد بدا * جعلت له شكري مكان شكايتى
وما حل بي من محنة فهو منحة * وقد سلمت من حل عقد عزيمتي .
و « وسبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته ولأعدائه في سعة رحمته ( انقروى 4 / 681 ) 
وهذا الكلام والحديث هو مجرد واسطة ، لكنه عند الواصلين يحجب الكثير من مواجيدهم ويكون أشبه بالشوك في الطريق .
 
( 2985 - 2989 ) لكن ما هو الفيصل ؟ ! هو تحمل البلاء فبتحمل البلاء تنجو الروح من قيد الحروف . . فمع المعاني مباشرة يلقى بها في القلب . . هذا البلاء للأمثال فالأمثل . . يكون بشرى عند قوم . . ونذيرا عند قوم آخرين . . هو لقوم سعادة ولآخرين شقاء . . أنهم سوف يقفون عن الأسماء دون البحث عن المسمى . . وكلما رأى الصالحون ثمار البلاء . . يعرضون أنفسهم للبلاء أكثر . .
ومن هنا تكون « الدنيا مزرعة الآخرة » ليس تحمل البلاء من أجل البلاء نفسه . .
من أجل ما يتأتى وراءه من نفع ، وفي بوتقه الامتحان يصبح الذهب النضار أصفى لونا ، أما الزيف فيسود ويحترق .
 
( 2990 - 3000 ) وهكذا كل أمور الدنيا ، فهل رأيت « عقدا » مطلوبا في حد ذاته ؟ ! إنما يكون العقد من أجل النفع الذي يتأتى منه ؟ ! هل رأيت منكرا من أجل الإنكار نفسه ؟ ! إنه يكون من أجل قهر الخصم أو إظهار النفس . . وهذا التفوق في سبيل طمع آخر ، فلا قيمة لكل هذه الصور دون معانيها المستترة خلفها وكما أن المقصود من وضع الزيت في القنديل ( صورة ) هو الضياء ( معنى ) فكذلك المقصود من كل صورة معانيها . . وإلا فلماذا
 
« 578 »
 
الاستفهام عن أسباب الأفعال إن قولك لماذا هو سؤال عن الفائدة . . فلماذا تطلب الفائدة إذا كانت الفائدة متضمنة في صورة الشئ وليست كامنة فيه . .
ومن ثم فإن السماء والأرض وما فيهن من صور ليست حكمتها أنها هكذا ، فإذا لم يكن الصانع حكيما وعليما فمم هذا الترتيب ؟ !
ولما ثبت أنه حكيم وعليم فكيف يكون فعله خاليا من الفائدة ؟ !
إذا كنت تريد أن تبحث عن الفائدة . فاعلم أنه لم يوضع شئ في الأرض أو السماء دون فائدة أو نفع .
 
( 3001 ) الرواية التي تبدأ بهذا البيت وردت في حلية الأولياء « قال موسى عليه السلام ، يا رب خلقت خلقا وهم عبادك ثم تحرقهم بالنار ، قال يا موسى أذهب فازرع زرعا قال قد فعلت قال فأحصده ، قال قد فعلت قال فأجعله في كدوسه قال قد فعلت قال : فلا تدع منه شيئا إلا رفعته قال قد فعلت قال فلعلك قد تركت منه شيئا قال : لا إلا ما لا بال به ، قال فمثل أولئك أدخل من عبادي النار ( حلية الأولياء ج - 4 ص 360 وأيضا ص 286 وج - 5 ص 94 عن مآخذ ( 150 ) .
 
( 3003 - 3011 ) السؤال من موسى عليه السلام لرب العالمين ليس صادرا عن غفلة أو عن هوى أو عن اعتراض ، ولكن كسؤال إبراهيم عليه السلام « رب أرني كيف تحيى الموتى » « والسؤال نصف العلم مأخوذ عن حديث منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم العلم خزائن ومفتاحها السؤال ، فإن المتنزه عن السؤال المستنكف عنه يظل مأخوذا بورطة الجهل . . هكذا يكون الجهل المركب ومن السؤال يأتي الجواب . .
وهناك جواب كالشوك ، وجواب كالورد ، وهناك جواب مضل وهناك جواب هاد وشاف . . تماما كما يقوم الحب والبغض من التعارف أولا . . فإن من لا تعرفه لا تحبه ولا تبغضه ، يبتليك التعارف بالمحبة أو البغض أو كما يصيبك الطعام بالقوة أو السقم والمرض .
 
« 579 »
 
( 3012 - 3014 ) وما كان موسى عليه السلام بالجاهل ، لكنه تجاهل تجاهل العالم ، والأعجمى في مصطلح مولانا هو الجاهل . . وقد تجاهل موسى ليجعل الجهال عالمين بالسر . . ونحن أيضا معشر العارفين نتظاهر بأننا جهال بالسر مصداقا ل - « إذا كان العارف بين أعاجم يتعاجم » وكل جماعة فيما بينها وبين أنفسها هكذا تعمل . . لكي تتفتح أمورها ، حتى باعة الحمر يصطنعون خصومة فيما بينهم لكي يروجوا سلعهم .
( 3022 ) قال يحيى بن معاذ بن الرازي : الدنيا مزرعة الله تعالى والخلق زرعه والموت حصاده وسيدنا عزرائيل أكله والمقبرة بيته ، والجنة والنار مقره ( مولوى 4 / 405 ) .
 
( 3025 - 3029 ) وهكذا ديدن الله سبحانه وتعالى ، فهناك في الخلائق أرواح طاهرة وأرواح دنسة ، ولا بد أن تعود هذه الأرواح إلى بارئها ليحاسبها ، وليميز الخبيث من الطيب ، وليعلم الصابرين ، وهذا التمايز موجود بين كل أنواع الخلق ، كما تحتوى صدفة على درة وصدفة أخرى على سبه . . وإذا أردت أن تفهم هذا المعنى فعد إلى تفسير « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني » وجاهد كي تعرف روح الوحي عندك وهي كامنة في طبقات من الخلق عندك .
 
( 3030 - 3035 ) يحاول مولانا جلال الدين أن ينقل إلى سامعيه فكرته على اختلاف مستوياتهم متوسلا بصور من الواقع المعاش ، وفي الكتاب الثالث رأينا كيف استطاع أن يدير حوارا بين حبة الحمص وبين السيدة التي تقوم بإنضاجها ، وهو هنا توسل بهذه الصورة المعاشة اليومية في كل منزل إيرانى أو تركى ، اللبن المخيض الذي يسمى في الفارسية « دوغ » وفي التركية « إيران » فجوهر الصدق أو روح الوحي خفية في الجسد كما يخفى الزيت في المخيض ، و
 
« 580 »
 
من هنا يرسل الله تعالى الرسل ليحرك تلك القرب بنسق ونظام وفن وما هو صالح للبشر يمكن أن تستخرج أفضل ما فيهم لا يؤيسهم ولا يقنطهم ، كما لا يقوم بجعلهم يأملون أملا واهيا . . إنه يخضها برفق حتى يصعد الزيت على وجه المخيض وهذا واجب الأنبياء ، وواجب العرفاء والأولياء بعد ختم النبوة .
 
( 3036 - 3040 ) لكن ليس الكلام فحسب اللازم بل وأن تكون أذن المؤمن منصته لنا ، تمتلئ بكلامنا فتنطق . . تماما كالطفل يمتلئ في البداية بكلام أمه ثم ينطق . . وإن لم تكن أذن الطفل صحيحة فإنه لا يستمع الكلام ويكون أخرس وكل أبكم في البداية أصم ، ومن ثم فمن كان بأذنه آفة فهو غير قابل للتعلم ومولانا يرى أن الطالب المستعد ليس أقل أهمية من العارف المتعلم ( أنظر الكتاب الثالث أبيات 3602 وما بعدها ) وأول كلمة في المثنوى هي « استمع » ( البيت الأول : أستمع للناى يأخذ في الحكاية.. ومن الفرقة يمضى في الشكاية).
 
( 3041 - 3050 ) النطق بلا تعليم خرق للأسباب والعلل ، والله سبحانه وتعالى هو الناطق بلا تعليم ، إنه لا تجرى عليه عللنا ، وآدم عليه السلام علمه الله إذ لا أم له ، وعيسى في المهد لكي يبرئ أمه البتول عليها السلام من افتراءات اليهود . . لكن مع هذا التحريك للمخيض ، ينبغي أن تكون هناك حركة ، جهد ، كدح ، فالزيت مكتوم والجسد بين ظاهر ، في حين أن الظاهر هو القشر وهو الواهي وهو المؤقت ، والباقي هو الذي يبدو فانيا . . وإذا كنت قد وصلت إلى مرحلة الشيخوخة ، فلا تنفق هذا المخيض الذي يبدو بلا زيت ، بل جاهد في أن تقوم بتنشيطة وتدويره وتحريكه بالعلم حتى يبدو ما هو خفى فيه من زيت ، ذلك أنه ما دام هذا البدن الفاني موجودا فهو دليل على وجود الروح الباقية ، تماما كما تدل ضجة السكارى على وجود الساقي .
 
« 581 »
 
( 3051 - 3060 ) يقدم مثالا آخر : أليس هذا الأسد المرسوم على العلم مجرد صورة ميتة . . أنظر حركاته وهو يهتز . . أليس اهتزازه هذا دليلا على وجود رياح تحركة ؟ وإن لم تكن هذه الرياح فكيف ومتى كان لهذه الصورة الميتة أن تبدو لك وكأنها تفقز متوثبة ؟ ! لتكن هذه الريح ، ليس من المهم أن تكون من رياح الصبا أو رياح الدبور ( رياح اللطف ورياح القهر ) المهم أن المتحرك لا بد وأن يلزمه محرك - هذا البدن إذن مجرد صورة أشبة بأسد العلم » لكن « الفكر » هو الذي يحركها . . هذا الفكر من جانب الروح أو القلب ( الصبا الريح الشرقية ) أو من جانب النفس والهوى
 
( الرياح الغربية أو ريح الدبور ) ( في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا وأهلك قوم عاد بالدبور ) ، وحتى لا يلتبس عليك الأمر بالمشرق والمغرب المكانين أقول لك أن الفكرة الشرقية مشرقها الله سبحانه وتعالى ، أما الفكرة الغربية فمشرقها النفس والهوى والشيطان . .
 
ومشرق أي فكرة من جنس هذه الفكرة . . فالقمر ومشرق الفلك جماد أيضا . .
لكن مشرق روح روح الروح ( الحقيقية ) هو الفؤاد ولابن الفارض :ومن مشرعى بحر المحيط كقطرة * ومن مطلعى نور البسيط كلمعة.ولا فلك إلا ومن نور باطني * به ملك يهدى الهدى بمشيئتى .( انقروى 4 / 699 ) وإن عين البعير لهذا تكون ممطرة نورا ، فإنه يرعى الشوك من أجل ( الحصول على ) نور العين ، وتلك الشمس ، وشمس الحقيقة التي تسطع
 
« 582 »
 
فتنيره هي الشمس الحقيقية ، وهي لب الشمس ، بينما تمثل تلك الشمس الساطعة على الأفلاك قشرا لها وانعكاسا لها . . لأن ذلك اللهيب المسمى بالروح إن غادر الجسد مات الجسد . . ولم يعد له ليل أو نهار ، لكن إذا قويت فيه الروح ملك الشمس الباطنية لأصبح نوره دائما لا مغرب له ولا ليل له ( انظر مشكاة الأنوار للغزالي ) .
 
( 3061 - 3069 ) : وبنور الروح ترى العيون في الأحلام ، ولما كان « النوم أخ الموت » فاستدل على الأخ الذي تعرف من الأخ الذي تعرف : وإن قال لك واحد منهم : إن النوم فرع لكن الموت أصل لا تستمع إليهم ، بل استمع إلى قوله تعالى «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ( الزمر / 42 ) . وترى روحك في النوم من المشاهد ما لا تستطيع أن تشاهده في عشرين عام وما لم تشاهده قط في عالم اليقظة ، وتسرع أنت خلف معبرى الأحلام الدهاة تسألهم ، فإن كان هذا يحدث لك فلماذا تنكر وتسميه فرعا إذن . . هذا هو حلم العوام ، وحلم الخواص اجتباء واختصاص . . .
 
لماذا ؟ ! لأن . . كل إنسان يحلم ليلا بما يمسك عليه فكره نهارا ، يرى علماء النفس المعاصرون أن ثمة شيئين يسيطران على ما يمكن أن يحلم به الإنسان أولهما : ما يعيشه بالعقل نهارا وثانيهما ما يتمناه وما يتمسك به خياله ( انظر الأحلام لسيجموند فرويد ) .
وفي ديوان شمس الدين يقول :

« 583 »
 
ليلة الأمس تذكر فيلنا الهند ثانية فأخذ يمزق حجاب الليل من جنونه حتى الصباح .
( غزل 735 / 306 ) وهكذا فالفيل هو الذي يحلم بالهند ( وهو مثل أيضا في الفارسية عن الإنسان الذي يحلم بما كان في حياته الماضية ، ولعب الصوفية الفرس على هذا المعنى كثيرا على أساس أن الإنسان دائم الحلم بالجنة . .
كما أنه عندما يقال إن فيل فلان تذكر الهند يعنى أنه ارتكس بعد هدى وحن إلى حياته القديمة بعد أن تأقلم بالحياة الجديدة ) وهكذا لا يحلم الحمار بالهند لأن الحمار لم يغترب عن الهند .
 
( 3070 - 3084 ) : ومن هنا ينبغي أن تكون الروح قوية ( في قوة الفيل وقدرته ) حتى تستطيع أن تذهب إلى « هندها » أي إلى عالم الملكوت ( المثنوى كله حنين الروح إلى أصلها وتربية الانسان لكي يكون جديرا بالعودة من منفاه أي الأرض لموطنه ) . . إن الفيل يرى الهند لأنه يطلبها طلبا حثيثا طوال النهار وبمجرد أن يغفل صاحبه عنه يغمض عينيه ويمضى إليها ، وكذلك كل ما تذكره بالنهار ، ومن هنا فإن « ذكر الله » ليس عمل الأوباش الرعاع ، كما أن الروح التي ترجع إلى ربها راضية مرضية ليست روح أي محتال . . . 
ولكن لا تيأس : إن لم تكن فيلا فجاهد ، وبدل نفسك بالتدريج إلى فيل ، واعرض نفسك على المشتغلين بكيمياء الرجال من العارفين الذين يبدلون نحاس الرجال ذهبا وأوباشهم إلى عارفين وحمرهم إلى فيلة . . 
واستمع في معملهم إلى هذا الطنين الذي يصحب عملية التبديل هذه ، انهم هم الذين يرسمون في أجواء الفلك يخرقون العادة . .
يهيئون الأمور لي ولك أي لنا جميعا . يطوفون أجواء الفلك من أجلى وأجلك ، وإن لم تكن تبصر هؤلاء الأولياء فأنت أعشى ولا بد أن تعالج
 
« 584 »
 
نفسك في البداية من هذه الآفة لكي تكون مستعدا للرؤية ففي كل لحظة هناك آفة فوق إدراكك . . وينبت منك من الوساوس الشيطانية والخواطر الابليسية أولا بأول ، ولأن إبراهيم بن أدهم كان يملك هذه الرؤية فقد بسط له العالم أثناء النوم ( أو بين النوم واليقظة إن شئنا الدقة ) فلا جرم أنه من هذه الرؤيا قطع كل علائقه ، وترك الملك واختفى . .
وأهمل كل شئ ، وهذه هي علامة النور كما قالها المصطفى صلى الله عليه وسلم أي التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار السرور كما ورد في الحديث النبوي « الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا وهما حرامان على أهل الله » وورد عن ابن مسعود أنه عليه السلام قرأ « من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء » 
ثم قال « إذا دخل النور في القلب انشرح وانفسح قالوا وما علامة ذلك يا رسول الله قال عليه السلام » التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار السرور والتأهب للموت قبل نزوله » ( مولوى 4 / 415 ) .

.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.docx   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 8:03 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.pdf

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3085 - 3636 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 8:04 pm

الهوامش والشروح 3085 - 3636 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 3085 - 3636 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3085 - 3636 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك الأمير الذي اتجه اليه الملك الحقيق

( 3085 ) : هذه القصة كما يتضح من مبتكرات مولانا جلال الدين والتراب ربيع الصبيان حديث نبوي والمقصود جفت عينه فلم يعد فيها دمع وهو تعبير عن شدة الحزن .
 
( 3092 - 3093 ) : إن شعلة الروح تموت من الحزن الزائد ، كما أنها تموت من السرور الزائد . . والوجود الإنسانى حي بين موتين ولذلك لا يمكن الاعتماد عليه وهو مطوق بين موتين . . إنه أمر يثير السخرية والشفقة .
 
( 3095 - 3099 ) : القبض والبسط كلاهما من الله تعالى ، فقد انقبض الملك في نومه ، ولما استيقظ أحس بانشراح لا سبب له ، وكأنه شئ واحد له وجهان وجه فيه الحياة ووجه فيه الموت ، هو حياة بالنسبة لإنسان وموت بالنسبة لآخر ، هو هلاك لإنسان وحياة لإنسان آخر كما قال سنائى :
 
« 585 »
 
السم لهذا حياة ولذاك موت هو « هلاك للروح الحيوانية بقاء للروح الإلهية » وكل شئ تراه في الدنيا له نسبتان بالنسبة لبعض الأشياء ضرر وموت وبالنسبة لبعضها حياة وفي القرآن «فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ» ( الحديد / 13 )
أي من ناحية المؤمنين رحمة ومن ناحية المنافقين عذاب .
( مولوى 4 / 417 ) وهكذا فسرور البدن كمال دنيوي لكنه نقص أخروي وإذا كنت تعلم أن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فاعتبروا أعمالهم هنا من قبيل الأحلام ، تعبيرها وتفسيرها وموجود في العالم الآخر ، فالضحك في النوم تعبيره البكاء والبكاء في النوم فرح وسرور .
 
( 3100 - 3112 ) : عودة إلى الملك : إن الحزن يمضى والفرح ، ولكن لا شئ يمضى دون أن يترك أثرا . . حتى وخز الشوك لا يمضى دون أثر ، وهكذا فهو يفكر في وفاة ولده التي رآها في النوم ، إن مضى الورد ( الابن ) فينبغي أن يكون له منه تذكار ، وإن من الصعب أن تقف أمام الموت ، فلا محيص عنه ولا مهرب منه . . وهناك مئات الأبواب إليه فأي باب تسد ونحن نسمع صريرها ، وإن من لا يسمع صريرها إنما يكون ذلك من انشغاله بالدنيا . . وإلا فإن هذه الأبواب وصريرها ليست مما يستبعد أو يتجاهل إلا إذا كان الإنسان شديد الغفلة شديد الانشغال بالدنيا . . أتدري ما هو هذا الصرير : إنه الآلام التي تسكن البدن . . وجفاء الخصوم وعداوتهم . . واقرأ فهرس الأمراض والعلل في كتب الطب . .
 
كلها كالعقارب كامنة في الجسد الإنسانى في انتظار الأمر أن تخرج وتلدغ . .
هذه هي الرياح الصرصر العاتية التي لا يصمد أمامها مصباح . . فما بالك والمصباح
( الابن ) شديد الضعف . . . إن الملك يفكر إن ذهب هذا المصباح فلا أن يحل محله مصباح آخر ، إنه كالعارف يشعل قلبه شمعا لكي يعوض مصباح الجسد الناقص ، حتى إذا ماتت تلك الشمعة ذات يوم . . يضع أمام عينيه شمع الروح الباقي أي يحيا بنور الحق الذي هو على صلة بهذا القلب ويستمد منه
 
« 586 »
 
هذا القلب ، هذا هو الاستبدال الحقيقي والتعويض الحقيقي ، لكن ليس كالسلطان الذي يستبدل فانيا بفان ولم يفكر في الباقي الذي لا يفنى .
 
( 3117 - 3119 ) : الناس يعلمون أولادهم حرفهم وصنعاتهم وعلمهم أو يميلون إلى ذلك في الغالب الأعم ، لكي يكون الابن استمرارية للأب ليس لمجرد الجسد بل للمعاني التي يزاولها الأب ، الله سبحانه وتعالى وضح هذا الأمر في خلقة البشر وفي جبلتهم لكي تبقى هذه الحرف في الدنيا ، والمعلم أب معنوي لتلميذه ومن هنا يكون الولد « سر أبيه الصوري وسر أبيه المعنوي » . .
وقد ركب الله تعالى فيهم الحرص على تعليم كل صغير ، . .
وليس كل صغير فحسب ، بل كل صغير « مستعد » بنص مولانا جلال الدين فاستعداد الصغير أهم من الرغبة الطبيعية الكامنة في الأب لتعليم ولده .
 
( 3121 - 3126 ) : الملك في الحقيقة هو الله ، ومن البشر الصالح الذي لا يملكه شئ . . لا قلق ولا فرح ، والرجل هو من سيطر على شهوات نفسه ، هو الأشعث الأغبر ذو الطمرين الذي لو أقسم على الله لأبره . . لكن الناس دأبوا على تسمية أسارى الدنيا وعبيد شهواتهم وطلاب الزيادة في الدنيا بالملوك من قبيل تسمية الشئ بضده كتسمية العبد الأسواد كافورا والبادية مفازة والمسافرة قافلة . .
وهكذا يسمى العوام من به ترجى الدنيا ( صاحب السعادة وصاحب السيادة ) ويسمون أسير الشهوة والأمل « الصدر الأجل » وهو إن شئت الحقيقة في صف النعال ، أما أسير الأجل فهو الأمير الأجل » .
 
( 3131 - 3136 ) : إن تسمية الصالح الدرويش بالشحاذ أمر شديد الخطأ لا يقل خطأ عن تسمية أسير الأجل والشهوة والحرص بالأمير ، وهناك فرق بين أن يكون فقرك تقى وغنى بالله وتعففا عما في أيدي الخلق ، وأن يكون هذا الفقر ناتجا عن خسة ولؤم وكسل ، فقر الدراويش قناعة وتقى لكن فقر
 
« 587 »
 
الأدنياء مختلف ، فهم إن وجدوا لا يتعففون ولا يقفون بل يضعون الدانق على الدانق والدرهم على الدرهم ، هؤلاء هم الشحاذون على وجه الحقيقة ، وليس الغنى من كثرة العرض . كل ملك يأكل من الحرام ولا يرحم الرعية ويكون عليهم وعلى أموالهم سبع ضار هو مجرد شحاذ وليس ملكا مهما كان له من الأموال وهذا المعنى ورد عند مصلح الدين سعدى الشيرازي .
 
لو أن أحدا كان ملكا على كل الآفاق صلى الله عليه وسلم عندما يأخذ المال من غنى فهو شحاذ ( كليات سعدى / بوستان ص 238 )
( 3137 ) : إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم « من جعل الهموم هما واحدا وقاه الله سائر همومه » .
 
( 3141 ) : إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم « تنكح المرأة لثلاث لجمالها ومالها ودينها فانكح ذات الدين تربت يداك « وفي تفسير »رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ« قال الإمام على رضي الله عنه « الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة والحسنة في الآخرة الزوجة المطهرة » ( انقروى 4 / 722 ) .
 
( 3142 ) : إذا ملكت الآخرة ، فقد تبعتها الدنيا كما يتبع ملكيتك لقطيع من الجمال ملكيتك للصوف والوبر ، لكن إذا ملكت الدنيا فليس من المحتم أن تتبعها الآخرة فملكيتك للصوف والوبر لا تدل على ملكيتك لقطيع من الجمال .
 
( 3154 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف « داووا مرضاكم بالصداقة فإنها تدفع عنكم الأحراض والأمراض » ( الجامع الصغير 2 / 14 )
 
( 3156 ) : قيل « إذا انقطعت الأسباب فالسبب هو الدعاء لله » .
 
« 588 »
 
( 3159 - 3163 ) : كانت العجوز ساحرة ماهرة ، ولا يفل سحرها إلا ساحر أستاذ وهكذا تطلب الأمور من أسبابها « وفوق كل ذي علم عليم » ولا يكون في أي فن إلا ويوجد من هو أعلى يدا منه ، والمنتهى إلى الله تعالى ، فكل علم العلماء قطرة من محيط علمه « وما أوتيتم من العلم إلا قليلا » .
 
( 3167 ) : فرق بين سحر وسحر ، وبين السحر الموسوي وسحر السحرة فرعون ( انظر الكتاب الثالث - لقاء الساحرين على قبر والدهما ) وشتان ما بين سحر للإفساد وسحر من ذلك الطرف يوهب لبعض الناس فلا يستخدم إلا في الخير .
 
( 3172 ) : واضح أن الحكاية من الحكايات الشعبية التي كانت معروفة على عهد مولانا جلال الدين وإلا ما ترك بعض تفصيلاتها لا تهم السامع في شئ أو على أساس أن معظم السامعين يعرفونها ، أو ربما لأن التفصيلات لا تخدم الرموز التي ينوى الحديث عنها فيما بعد . . كما أن عدم ذكر تفصيلات عن شفاء الأمير حتى لا يفهم المريدون أن الشفاء تم عن طريق السحر ، فالشافي حقيقة هو الله سبحانه وتعالى ، والوسيلة دعاء الوالد والساحر الإلهى مجرد « دريئة » أي مجرد حجاب لإظهار السبب الحقيقي وهو بين .
 
( 3182 ) : هكذا يكون الإنسان عندما يشاهد الجمال الحقيقي ، بعد أن ينجو من القبح الذي يظنه جمالا ، والجمال الدنيوي كله لا يساوى عشر معشار الجمال الإلهى ، وهو ما هو موجود في الدنيا من جمال عارية . . فما بالك بمعدن الملاحة . . إن الأمير كان لا يزال ينظر إلى هذا الجمال الجديد بنفس تلك الحواس التي كان ينظر بها إلى الجمال . . فلم يتحمل . . ولمولانا في ديوان شمس الدين التبريزي :
في يد كل ما هو موجود فتات من الجمال * وإنما رغبتي هو معدن الملاحة وذلك المنجم غزل 441 ص 203


« 589 »
 
( 3185 - 3187 ) تذكار أيام الكفر يتذكرها المؤمن التائب حينا على سبيل الندم وحينا على سبيل السخرية والمزاح من نفسه كيف كان مدفوعا إلى هذه الحمأة دون أن يدرى ؟ ! نعم إنه لم يكن يدرى « وزين لهم الشيطان أعمالهم » .
 
( 3190 - 3198 ) : يقدم مولانا جلال الدين رموز القصة وخلاصتها والمطلوب منها فالأمير ابن الخليفة هو الإنسان ولد في العالم القديم فكل من ولد لآدم ، والسلطان هو آدم ، والعجوز الكابلية الساحرة هي الدنيا « وهي أسحر من هاروت وماروت » فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس « يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صور عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية لا يراها أحد إلا كرهها فتشرف على الخلائق فيقال لهم : أتعرفون هذه ؟
فيقولون : نعوذ بالله من معرفتها فيقال لهم : الدنيا التي تفاخرتم بها وتقاتلتم » ( انقروى 4 / 730 - 731 )
 
والنجاة من سحرها إنما يكون بالاستعاذة ، حتى تحل عقدها التي تزينها عما يخالف الشرع والعقل . . إنها تنفث السحر في القلوب ، ولو كان العقل يصلح لعلاج سحرها لما أرسل الله الأنبياء والأولياء ، إنها تزين كل شئ للعقل . . بحيث يكون اتباعها أحيانا من مطالب العقل نفسه ، وما هذا العقل ؟ !
أليس يقال لكل إنسان يحاول أن يقف ضد مفاسد الدنيا : إعقل . . فالعقل دنيوي ولا بد لك من نبي لينجيك منها أو ولى عظيم .
 
( 3199 - 3206 ) : هيا فإن الأمير قد مكث سنة في حبائل العجوز الساحرة ، وأنت إن لم تجتهد بقيت في حبائلها ستين عاما بل بقيت إلى آخر العمر . . فإن الستين هنا كناية عن آخر العمر مصداقا لحديث البشير النذير ( أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين ) . . وأنت عرفت أنها بهذا القبح وتعلقت بها فقد خسرت الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ، وما النجاة من نفخها
 
« 590 »


الخلاق الفرد . . وذلك عن طريق الولي الكامل . . القابل للفيض ، والفياض على الخلائق فنفخة سحر الدنيا هي نفخة القهر ، ولا بد لعلاجها من نفخة اللطف الإلهي ، وإذا كانت الرحمة قد سبقت الغضب فاسع بالرياضة وابحث عن رحمته ، ابحث عن السابق إليها واقتبسها منه ففي الحديث النبوي « لكل قرن من أمتي سابقون » وجاء في القرآن الكريم «السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» ( الواقعة / 10 )
وفي وصية الرسول لعلى رضي الله عنه « يا علي إذا تقرب الناس إلى خلقهم بأنواع البر فتقرب إلى الله بأنواع العقل لتسبق الناس درجة وزلفى عند الله في الدنيا والآخرة » ( انقروى 4 / 38 ) ،
وذلك حتى تنجو من العجوز القبيحة وتزوج بالحور العين بناء على قوله تعالى «وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ» ( التكوير / 7 ) ( نقلا عن أحاديث المثنوى ص 120 مع شئ من التصرف ) .
 
( 3207 - 3209 ) : إذن الخيار في يدك : فإما العجوز الشمطاء وإما تلك الحورية الجميلة ، ولا تظنن أنه من الممكن أن تجمع بينهما ، فهما كما يقول سيد البشرية صلى الله عليه وسلم الدنيا والآخرة ضرتان بقدر ما ترضى أحدهما تسخط الأخرى ، ومن هنا ينبغي لك من فراق ووصال . . وصحة جسدك هنا سقام للروح .
 
( 3200 - 3215 ) : وعليك أنت أن تقارن وأن تقيس إذا كنت تحس بكل هذه المشقة للزهد في الدنيا والانصراف عنها وهي مجرد ممر ومعبر وحلم نائم ومزرعة للآخرة ودار امتحان . . فما بالك بالمقر ، وإذا كنت متعلقا هكذا بالصورة هلا فكرت في فراقك للمصور وبعدك عنه ، وإذا كنت بلا سكوت ولا صبر عن هذا الشرب . . فكيف تبتعد عن الأبرار وعما يشربون ، «إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً» ( الإنسان 5 / 6 ) . . إنني أقول لك كل هذه المعاني في معنى واحد :
 
« 591 »
 
إنك إن أبصرت جمال الخالق العظيم لألقيت في النار بالروح والوجود أي لفرطت في كل روحك ووجودك فداء لهذا الجمال الذي يبدو جمال دنياك كله إلى جواره قبحا .
( 3218 - 3219 ) : افناء الذات والانسلاخ عنها هو الوصول إلى البقاء الكامل ( أنظر مقدمة الكتاب الثالث ) .
 
( 3220 - 3227 ) : إن مجرد ترددك في هذا الأمر وتعثرك هكذا هو من قصور نظرك الذي لا يرى عثرات الطريق ، فاجعل دليلا إلى الحق كما كانت رائحة قميص يوسف عليه السلام تملأ أنف يعقوب في كنعان وهي التي ردت إليه بصره . . ومن الممكن أن يكون قميص يوسف هنا رمزا للمرشد والشيخ ومن الممكن أن يكون رمزا للمجاهدات ومن الممكن أن يكون رمزا للقرآن الكريم وفي رأى لاستعلامى إنه آثار عالم المقر 4 / 363 إن صورته خفية . . لكن نور وجهه أضاء وجوه الأنبياء . . وهذا هو المعنى الذي عبر عنه مولانا في ديوان شمس الدين التبريزي قوله :
إنه خفى عن الأبصار وكل ما تعبرون عنه .
ومطلبي هذا الخفي الواضح ، في صنعته ( غزل 441 ص 203 ) .
عليك إذن بطلب هذا النور ، فهو النور الحقيقي . . وكل الأنوار انعكاس أو قبس منه
( انظر مشكاة الأنوار للغزالي ) وكلها إلى جواره أنوار مستعارة . .
إن النور الذي ترى به العين إنما به ترى به للحظتها فحسب ، ويصيب العين والجسم والروح بداء الجرب ( الأجرب مشغول بحك نفسه فحسب مبتعد لآفته عن الناس ) أي يجعل الجسم والنفس والروح مشغولة بما يفيدها في اللحظة الحاضرة بعيدة عن الطريق وعن الجهاد للوصول إلى النور الأصلي إنه
 
« 592 »
 
في الصورة نور لكنه في الحقيقة نار . . فابتعد عنه . انظر إلى البصيرة والروح ، التي تكون بنت لحظتها لا ترى إلا الحاضر وإلا اللحظة وإلا المنفعة الحاضرة إنما تتعثر وتسقط على وجهها لأن الحاضر لا يدوم واللحظة لا تستقر ولا تثبت . .
انظر إلى ابن لحظته دائما يلهث . . لا يستقر على حال . . يظن كل ما يجده شيئا ثم لا يلبث أن ينصرف عنه . . كأنما يجرى أحد وراءه بسوط . . وفي النهاية يسقط وقد خسر كل شئ . . لكنه غير الباحث عن الثابت . . عن القيمة . .
عن خلود الروح بالعلم والعبادة .
 
( 3228 - 3241 ) : إن حديثي عن رؤية من نوع آخر . . لكن ليست رؤية تلك العين وحدة بصرها الحسى ، إن العين التي تكون خالية من الفضل « النور الإلهي » قد ترى على البعد لكنها مثل رؤية شئ على البعد في النوم . .
تماما كالنائم ظمآنا إلى جوار نهر . . فالنور أقرب إليك من حبل الوريد ، ليس بينك وبينه إلا الإخلاص والطلب ومع ذلك فإنك إلى جوار هذا النهر الفياض تنام ظمآنا . . ( تظل متعلقا بالدنيا ) وتسرع في إثر سراب . . أليس نعيم الدنيا كله سرابا ؟ ! ألا يتوقف كل التمتع بالحياة على فترة من الزمن . .
 
وألذ لذائذ الدنيا تدوم متعتها بعض لحظة . . ما أشبه عابد الدنيا بنائم على شاطىء جدول ويحلم بالماء ويسرع خلف السراب . . ويعجب بسعيه ، يجلس متفاخرا متعاظما يضع يده تحت إبطيه ويلعب إصبعيه من بين دخان سيجاره قائلا : لقد بنيت نفسي بنفسي . . منذ سنوات قليلة لم أكن أملك شيئا . . خفف قليلا من غلوائك ربما بعد لحظة تخرج منها عاريا ( ! ! )
 
هذا تماما ما عبر عنه مولانا في البيت 3230 يجلس أحدهم بين أصحابه . . ها لقد وصلت إلى الماء ، وعندي « خميرة » جيدة . .
افعلوا مثلي وأنت في الحقيقة تبتعد عن الماء لحظة بعد لحظة . . الماء تحت قدمك . . وعزمك هذا ورحيلك نحو الماء هو الحجاب الذي يبعدك عن الماء
 
« 593 »
 
الحقيقي ، فكأنك تضع بيدك حجابا على حجاب . . وما أكثر البشر الذين يرحلون عن موضع فيه عزهم الحقيقي . . يعيشون من خوف الفقر في فقر ، ويجهلون وهم يظنون أنهم يعلمون ، فإياك ورؤى النائمين ونفاجهم فهي لا فائدة منها . .
إنها ليست سوى خيال . . إنها ليست حقيقة ، إنها تبعدك من حيث تظن أنها وصل . . وإن كنت ولا بد عاشقا للنوم فنم . . لكن في طريق الله . . أليس هناك من النوم ما هو عبادة . . نم عن أذى الناس . . أو نم في طريق تعلم أن أهل الله يسلكونه ربما تعثر بك سالك فأيقظك من نوم عميق وأخذ بيدك . . هذا هو فيض الله الذي يمكن أن يأتيك في نومك . . إن النائم ( محب الدنيا ) مهما كان دقيق الفكر . . فإن فكره يظل محصورا في نطاق هذه الدنيا وهي ساحة ضيقة أضيق مما تظن . . إن كل فكره العظيم لا يستطيع أن يدله على طريق الحي الذي فيه المحبة والصفاء . . مهما كان فكره مضاعفا فقد تضاعف خطوه أيضا . . إن موج الرحمة ، الإلهية يتخاطفه بينما هو نائم في صحراء قاحلة لا يحس به وإن لم يكن أي حي يعتمد على حفظ الله ورحمته فعلام يعتمد ؟ ! إن الرحمة أقرب إليه من حبل الوريد بينما هو يمضى في عطش شديد .
 
( 3242 ) : يرى فروزانفر أن الحكاية التي تبدأ بهذا البيت واردة في جوامع الحكايات لمحمد عوفي في ذكر سبب توبة الصوفي شقيق البلخي ، وقال بعضهم إن سبب توبته إن الخلق ذات سنة بلغت قلوبهم الحناجر من القحط ، وصار الخبز أندر من الكبريت الأحمر ، وأمسك المطر ، وكان القوم قد خرجوا للاستسقاء كثيرا ، أخذوا يطلبون من الله المطر بضراعة وبكاء وأثناء ذلك رأى شقيق غلاما زنجيا يمرح ويضحك ، فقال له شقيق : أي مرح هذا تمرح ألا ترى هموم الناس ؟ ألا تشاهد محنتهم إذ سفك بسيف عقاب القهر دماءهم . . فقال ذلك الغلام : وأي بأس عندي عن القهر . . إن لي سيدا عنده مخزنان من الغلة وأفهم أنه لن يضيعني ( فروزانفر - مآخذ ص 150 )
 
« 594 »
 
( 3247 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف « المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه اشتكى كله وإن اشتكى عينه اشتكى كله » ( انقروى 4 / 747 ) والحديث النبوي الشريف « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى » .
 
( 3249 - 3255 ) : إن الزاهد يرى أن القحط من الله ، فالبلاء على المؤمن فيض ونعمة ورحمة ، ومن ثم فإن كل مظاهر القحط تنقلب إلى ضدها ، أليس هذا هو مصيرها في النهاية ، إن صبر المؤمنون على القحط ، وراجعوا أنفسهم ، وأصلحوا ذات بالهم . . وليس هذا ببعيد أن يرى الزاهد ذلك . . ألم يكن النيل ماء لقوم موسى دما لقوم فرعون وغير هذا ألا يغضب الإنسان أحيانا حتى على أبيه . . فيراه في أسوأ صورة . . ثم يرضى فيراه أبا رحيما ؟ ! إن الناس من سخطهم يرون قحطا والزاهد من رضاه وأمله في عفو العفو الغفور يراه رحمة . .
إنهم ينظرون بعين الظاهر التي ترى اللحظة . . وهو يرى بعين الباطن ترى العاقبة :وعين الرضا عن كل عيب كليلة * ولكن عين السخط تبدى المساويا
 
( 3259 - 3262 ) : يرى المولوي ( 4 / 441 ) أن العقل الكلى هنا هو الحقيقة المحمدية كما يرى الانقروى ( 4 / 750 ) نفس الرأي ويرى السبزواري ( 4 / 318 ) أن المراد بالعقل الكلى علم الحق بالكل فصور العالم من الجبروت إلى الناسوت مسبوقة في علم الحق والمعلومات طبقا للصور العالية وهذه الصور العالية برزخية ورابطة بين الوحدة والكثرة وهذا بناء على أن علم الحق صوري كما يقول بذلك أغلب الحكماء وعلى الأخص المشاؤون ، أما الإشراقيون فيرون أن الوجود من الذرة إلى الذرة في علم الحق الحضوري ، وصفحة نفس الأمر وصحيفة الأعيان بالنسبة للحق مثل الأذهان بالنسبة للنفس
 
« 595 »
 
الناطقة . . والكل بإرادته ولم يجر خطأ على قلم الصنع . . وتفسير مولانا جلال الدين هنا شديد الوضوح : العالم كله . . الوجود كله صورة للعقل الكلى . .
جداول تنبعث من المحيط الأعظم . . ظل الشمس شمس الحقيقة ومن ثم يكون التصرف على كل ما يحدث في هذا الكون متعلقا بموقف منه سبحانه وتعالى . . ويرى الأنقروى والمولوي أن المقصود بأهل المقال . . أي كل الناطقين ( انقروى 4 / 771 - مولوى 4 / 441 ) بيما يرى السبزواري أنهم أهل خطاب الحق كالأنبياء والعلماء ذوى وراثة العلم مصداقا لقول نبينا عليه الصلاة والسلام « إن في أمتي مكلمين محدثين ( 4 / 318 ) ،
وهذا العقل الكلى بمثابة الأب الرفيق بالوجود الراعي له ، فإذا كنت ساخطا على هذا الأب فقد ضاقت بك الأرض بما رحبت ورأيت في الوجود كل ما يسخطك . . وإن كنت راضيا وفي صلح وسلام فقد ظهر لك الوجود وهو من ماء وطين وشيا منمنما على سجادة ذهبية فإن وصلت إلى مرحلة الرضا فقد قامت القيامة بالنسبة لك . . وصفت لك الجنة على الأرض ، بل وبدلت الأرض غير الأرض والسماء غير السماء ، عن علي رضي الله عنه أنه قال « تبدل أرضا من فضة وسماء من ذهب » وعن ابن مسعود « ويحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة » وعن ابن عباس رضي الله عنهما « هي تلك الأرض وإنما تتغير صنعا فقط » .
 
( 3263 - 3270 ) : نادرا ما يتحدث مولانا جلال الدين بضمير الأنا ، وهو عندما يتحدث عن نفسه فإنما يقصد الولي أو المرشد الكامل على وجه العموم وربما يكون هذا إكمالا لكلام الزاهد . . فهو يقول الولي دائما في حالة صلح مع هذا الأب ومن ثم فهو يرى جنته على الأرض ، جمالها وحسنها متجددان ويراها مليئة بالنعيم . . وإذا كان هذا الجمال كلة ينعكس في اللباد ( نهر وفي رواية للسبزواري أنه الماء القليل ) ( سبزوارى 4 / 318 ) فما بالك إذا كان إنعكاسه في مرآة صافية . . إنني لن أتحدث . . فالآذان مليئة بالشك والأفكار ، إذا تحدث عن أرض وأنتم ترون بأعينكم القاصرة أرضا أخرى مليئة بالقحط
 
« 596 »
 
والكوارث والمجاعات . . إنه ليس بشارة بما سيحدث ، وليس وهما . . إنه نقد الحال . . . والحقيقة القائمة .
 
( 3271 ) : عزير في رأى المفسرين وقصاص الأخبار هو الذي ورد في الآيات الكريماتأَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ : أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ ، قالَ : لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ، قالَ : بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ : أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( البقرة / 259 ) .
قال أبو إسحاق الثعلبي وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ أي عبرة ودلالة على البعث بعد الموت ، وقال الضحاك هو أنه عاد إلى قريته وأولاده وأولاد أولاده فوجدهم شيوخا وعجائز وهو أسود اللحية ( قصص الأنبياء / ص 345 ) . . وما جاء أولاد عزير للتفحص بل دلتهم عليه أمة كانت له .
 
( 3276 - 3285 ) : هي عند الجاهل الذي ينتظر ما سيأتي بشرى ، لكنها عند ذلك الذي يعلم أن الجنة والجحيم موجودان هي نقد حال وواقع معاش . .
والذي يراها بشرى إنما حجبه الوهم . . مثل أولئك الذين يظنون من وهمهم أن الله تعالى غائب عن الأبصار فهو غائب . . وهكذا فإنه ألم بالنسبة للكفار لكنه بشرى للمؤمنين . . والعاشق فوق المؤمن والكافر ، فإنه ثمل دائما بالمشاهدة الإلهية . . الجنة والنار بالنسبة له نقد حال وواقع معاش ، لكنها وجود دائم مستمر ، الكفر والإيمان بالنسبة إليه كالقشر ،
وإن كان الكفر قشرا باليا مرا ( متصلا بثمار المر وأصل المرارة في وجوده ) والإيمان قشر حلو ( متصل بمنبع الحلاوة والجمال في وجوده ) ، لكنه قشر على كل حال ، وهذا على كل حال كلام لا يلقى على عواهنه فعد عنه وارجع « موسى الروح » إلى بحر الحقيقة وشقه حتى يرتفع الغبار منه . . فالعاشق فوق الكفر والإيمان « لأن الدنيا والآخرة حرامان على أهل الله » وفي ديوان شمس تبريز :
 
« 597 »
 
- من الذي رأى الإيمان هو في مقابل الكفر بك أيها المليك .
- إن العنقاء التي تطوى الفلك أمامك مجرد ذبابة .
- وماء حياة الإيمان وتراب الكفر الأسود .
- إلى جوارنا ( عشقك ) كلاهما كالقذى .
- وليل الكفر ، وصباح الإيمان ، سطعت الشمس .
- قال الإيمان للكفر ، لقد ضعنا وكفانا هذا .
( كليات ديوان شمس غزل 608 ص 261 - 262 ) ( 3286 - 3293 ) : إن ما قلته يكفى العوام : ولا بد أن يخفى بقيته عنهم فهم ليسوا أهلا له . . إن عقولهم أشبه بشذرات الذهب ، ليس ذهبا مسبوكا أستطيع أن أمهره بخاتم الحقائق الإلهية ، وأستطيع أن أخاطبه بهذا الكلام الذي يمكن أن يخاطب به الخواص وخواص الخواص ، أولئك الذين جمعت هممهم وأصبح همهم واحدا لا أولئك العوام الذين تفرقت قلوبهم وتفرقت هممهم وتعددت مشاغلهم ولا جامع لكل هذه الشتات إلا العشق ، فالعاشق له هم واحد ، وهو به سعيد . . كأنه سمرقند أو دمشق .
 
يحس أن العالم كله في جمال سمرقند ومجد دمشق « سمرقند جمال الموطن ، دمشق حيث كان شمس الدين » وحين يصير مجموعا لا مجرد شذرات يمكن حينذاك أن يكون ذا قلب صلب كأنه الكأس في يد المليك . . أو يجعل من وجودك موضعا للتجليات الإلهية ، تكون آنذاك من ذوى اللون الواحد الذي لا يتغير . .
ويصير حتى خبزك وشرايك ومصباحك ونقلك وكل عيشك وطربك وطعامك وشرابك هو ، تراه في كل شئ ( تراه في كل معنى دقيق رائق بهج ) .
 
« 598 »
 
( 3294 - 3299 ) : وهكذا تكون الجماعة رحمة « الجماعة رحمة والفرقة عذاب » من أحاديث المثنوى ( استعلامى 4 / 396 ) ألا تتوزع بين الهموم وتتقاذفك كالقشة ، فإن كنت مجموعا ( أي جمعت كل همتك في وقتك أو مرشدك ) ( ، شرح التعرف 4 / 65 ) قد نجوت والتفرقة أعمال البدن والجمع حصول المشاهدة ، والتفرقة حضور لكن الجمع غيبة ( شرح التعرف / 63 - 64 ) ويضرب الأفلاكى ( 1 / 552 ) حكاية عن الجمع والتفرقة يقول :
سئل أنوشيروان : ما أفضل شئ في العقل والمال والدولة قال : اتفاق الخلق واجتماع الأصدقاء أي كلما حدث اجتماع واتفاق حدثت هذه الأمور الثلاثة ، تستطيع أن تعطى كل اهتمامك للمرشد . . وأستطيع أن أحدثك آنذاك بكل ما هو موجود لأن حديثي سوف يجد منك آنذاك استعدادا للقبول . فالإنسان يتحدث من أجل أن يؤمن الناس بحديثه لا من أجل مجرد الحديث ، والروح التي تكون محلا للشرك ( ليس بمعناه المعهود بل المشاركة أي همم سوى الله ) لا موضع عندها لحديث الإيمان . . إن الروح التي توزعت على ستين رغبة في وسط الفلك ومن محتويات الفلك . . أولى بك أن تصمت أمامها حتى تثبت علي حال من الأحوال . . لأن الكلام يزيدها اضطرابا وقد لا يصادف رغبة واحدة من رغباتها . . وإني لأعرف كل هذا ومع ذلك أتحدث مع أنى أنوى الصمت . . لكن متى يستطيع ذلك الذي يغلى باطنه بهذه الأفكار أن يصمت ؟ ! إن الوجد الذي يملؤنى يجعلني أفتح فمي بهذا الحديث بالرغم منى . . إنه من الطبيعي جبرا أن أتحدث ، تماما كالعطس والتثاؤب . . تقوم بهما مرغما . . وهكذا أنا لا أستطيع أن أحبس هذه الأحاديث في باطني .
 
( 3300 - 3310 ) : الحديث الشريف « إنه ليغان قلبي وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة » ، وفي رواية « سبعين مرة » والغين حجاب رقيق ، وقال
 
« 599 »
 
 
بعض العلماء الغين هو التقليد بأحوال فئة أو الانقياد لهم ولو كانت هذه من رحمته بعباده لكنها أيضا نوع من الحجاب تمنع القلب من التلذذ بالجمال الإلهى ومن هنا طلب المغفرة ( مولوى 4 / 450 ) ، لكن هذا السكر - والحديث لمولانا - يجعلني دائما أرجع عن توبتي ، إنه ينسبنى ما أزمعت عليه ويجعلني انطلق في الحديث ، إنها الحكمة الإلهية لإظهار الأسرار ، هي التي تجعل هذا السكر الإلهى يصيب العالم بالأسرار ( أي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ) حتى يبوح بهذه الأسرار ولا يضن بها ، هذه الأسرار هي ظاهرة منذ الأزل ذات طبل وعلم منذ جف القلم الإلهى من كتابة اللوح المحفوظ وقدر ما سوف يحدث إلى يوم القيامة وهذه الأسرار تفور كالماء الجاري في أودية قلوب العارفين . . ولا بد من السكر حتى تفوه بها ألسنة الأنبياء والعارفين وإلا ما عرفها أحد ، فهم في السكر مغلوبون كالمجنون لا رابط على لسانه ( شرح التعرف 4 / 145 )
وهذا في حد ذاته من رحمة الله سبحانه وتعالى بعبيده . . وهي لا تنقطع في أي زمان لكنكم نائمون عن إدراكها أيها الخلق . . وما أشبهكم بنائم على جدول ماء ( غشاه النعاس ) ثيابه تبتل من ماء وهو في نومه ( حياته الدنيوية ) يسرع في أثر سراب أوهامه وأفكاره فيغلق طريق الرحمة على نفسه ، إنه يظل يعدو في أثر السراب ويزداد بعدا عن الرحمة . .
إنهم فيما يتصل بالدنيا يتميزون بحدة النظر لكن أرواحهم نائمة ، لا ترى أبعد من هممهم ، فآتوهم بالرحمة أيها السالكون في طريق الحق العالمون بمرتفعاته ووهاده ومصاعبه . .
والعجب أنهم ينامون وهم ظمأى ، فأي ظمأ هذا الذي يجلب النوم سوى ظمأ الأحمق الذي لا عقل له . .
ولست أقصد بالحق ذلك الذي سميته أنت عقلا.. بل أقصد به ذلك الذي يرعى من فضل الإله.
 
« 600 »
 
( 3311 - 3322 ) : إن صاحب عقل المعاش أو العقل الجزئي لا يرى إلا ما يستطيع هذا العقل أن يدركه ، أما صاحب عقل المعاد فهو الذي يدرك إلى أبد الآبدين ، فابحث إذن عن عين الغيب واستفد منها في التطلع إلى ساحات الآخرة وإلى ذلك العالم الذي لا تدركه عينك الدنيوية - حينذاك يفتح عليك كما فتح على موسى عليه السلام ، وهل وجد موسى عليه السلام ما وجده من معجزات بعكوفه على الكتب أو ملازمته لأستاذ ( أي من استخدام هذا العقل الجزئي ) . .
فاستمع وانظر في صنع الله وكن مستمعا أفضل لك من أن تكون متحدثا ، فإن منصب التعليم شهوة . . والرسول عليه الصلاة والسلام يقول « الشهوة الخفية والرياء شرك » ،
هذا الكلام أو الحديث من قبيل الفضول وهو آفة الحال ، ولو أن كل فضولي عرف الطريق وحده إلى الله بهذه الشقشقة في الألفاظ إذن لما كان الله سبحانه وتعالى قد أرسل الرسول ، والمعنى قريب من بيت لسنائى الغزنوي :
متى وصل كل خسيس من تلوين الكلام إلى هذا الطريق ، ينبغي ألم محرق للعمر وأن يكون المرء موفقا ( ديوان سنائى / 458 ) .
 
إن هذا العقل الجزئي مؤقت ، ذكاؤه مؤقت ، ووميض فكره مؤقت تماما كوميض البرق ضعيف سريع الزوال ، لا يمكن السفر فيه إلى بلد بعيد ، إنه إيذان فحسب ببكاء السحاب ومن ثم فكلما أجهد هذا العقل الجزئي نفسه . .
أدرك أنه قاصر.. لا يستطيع أن يقدم حلا لكل المشكلات فيكون ذلك إيذانا ببكاء الطبيعة،..
حيث تنقشع غيوم العقل الجزئي وتطلع شمس عقل المعاد وبنورها ينجو الإنسان من ظلمات الغفلة والجهل . . ويحس المرء بضعفه إذن ويبكى . .
من كونه عدما شوقا إلى الباقي الذي لا ينعدم . . إنه وسيلة تدلك على الصلاح . .
لكنه ليس الصلاح في حد ذاته .
 
« 601 »
 
( 3324 - 3330 ) : إن عقل المعاد هذا ذو وسيلة واحدة هم الأنبياء والرسل والأولياء هم حملة الأسرار . . وحتى الشياطين نفسها كانت تسترق السمع علها تعرف بعض الأسرار فكانت تتبعها الشهب ، قال الله تعالى في كتابه العزيز «إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ ، وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ ، دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ ، إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ» ( الصافات 6 - 10 ) وكان عليها أن تطلب هذا العلم من الرسل لا من استراق السمع . . وعليهم طلب العلم من بابه . . اطلبوا هذه الأسرار من الإنسان ، المخلوق من تراب والذي كرم بالأمانة وفضل بالعلم واصطفى للرسالة .
 
( 3332 - 3334 ) : ظهور الخضرة من التراب كناية عن الحياة من بعد الموت ، وأولئك الذين يبتعدون عن الرسل والأولياء أموات ، وهذه الخاصية خاصية الأحياء واخضرار الأرض القاحلة كيف تكون لحافر جواد جبريل ولا تكون للأولياء ،
 
قال الثعلبي : « لما أهلك الله فرعون وقومه قال موسى : إني ذاهب إلى الجبل لميقات ربى وآتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون وما تذرون وواعدهم ثلاثين ليلة واستخلف عليهم أخاه هارون فجاء جبريل عليه السلام على فرس يقال له فرس الحياة وهي بلقاء أنثى لا تصيب شيئا إلا حيى ، فلما رآه السامري على تلك الفرس عرفه ، وقال إن لهذه الفرس شأنا عظيما ، وأخذ قبضة من تراب حافر فرس جبريل » ص 208 –
 
فإذا كانت هذه الخاصة في تراب حافر جواد الروح القدس فكيف لا تكون هذه الخاصية في أصحاب روح القدس من الأنبياء ؟
( مولوى 4 / 457 ) . لقد أخذ السامري قبضة من أثر الرسول فوضعها في قلب العجل الذي صنعه من ذهب المصريين المسروق فخار العجل «قالَ فَما
 
« 602 »
 
خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ ، قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي» ( طه 95 - 96 ) . .
قال نجم الدين : يشير بهذا إلى أن الكرامة لأهل الكرامة كرامة ولأهل الغرامة فتنة واستدراج والفرق بين الفريقين أن أهل الكرامة يصرفونها في الحق والحقيقة وأهل الغرامة يصرفونها في الباطل والطبيعة ( مولوى 4 / 457 ) لقد كانت الفتنة في أن السامري أخرج لهم من الحلى ( عجلا جسدا له خوار ) .
 
( 3335 - 3338 ) : كن صامتا إذن لتسمع من الناطقين ، وكن أمينا واتجه إلى أهل السر ، فإن فعلتم رفعت عن عيونكم الغمامة التي تغطي عين الصقر وعرفه أثناء تدريبه ، وما هذه الغمامة إلا الجسد أنتم منه في نصب مثلما يكون الصقر في نصب وعذاب من هذه الغمامة التي تفصله عمن هم من جنسه ، فإذا رفعت الغمامة عنه ورأى وجه الملك أصبح متجانسا معه لا يستريح إلا على ساعده ، وهكذا البشر إذا رفعت غمامة الجسد أصبحوا من جنس سلاطين الدين .
 
( 3339 - 3347 ) : إن العقل الجزئي . . عقل المعاش . . مستبد ، لا يرى إلا في حدود ذاته . . ومن هنا كان مطرودا من الله تعالى ومأمورا بأن يكون تابعا للقلب فهو أكثر علما وساحته أكثر رحابة ، وكن عبدا لسلطان عادل خيرا من أن تكون أنت نفسك سلطانا لكنك ظالم ، فالعبودية لله تعالى أعظم من ملك الدنيا . . لا كإبليس عندما قال « أنا خير منه » أي من آدم عليه السلام . . أو طاغية متكبرا كإبليس إن المتواضع هو المقصود بقول صلى الله عليه وسلم « طوبى لمن ذلت نفسه » وأصل الحديث « طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل في نفسه من غير مسكنة وأنفق من مال جمعه في غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة ورحم أهل الذل والمسكنة ( الجامع الصغير 2 / ص 55 ) ، فاختر إذن بين ظل طوبى وبين الطغيان في الدنيا والضلال .
 
« 603 »
 
( 3348 - 3352 ) : البيتان المذكوران في العنوان أغلب الظن أنهما لسنائى الغزنوي وإن كنت لم أستطع العثور عليهما من الديوان أو من الحديقة ومع ذلك لم أنصرف عن الاعتقاد أنهما لسنائى ، وقد رحج عبد الباقي أيضا ( 4 / 478 - 479 ) فأرجع البيت الأول إلى سورة الحجرات «لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» لكنه رأى أن البيت الثاني على وزن الحديقة وإن لم يجده في الحديقة ، والواقع أنني اكتشفت أن الشطرة الأولى من البيت الأول هي الشطرة الثانية من بيت ورد بالفعل في حديقة سنائى « فكن رجل همة لا رجل شهوة ، وما دمت لست رسولا فكن من الأمة » . ( البيت رقم 2531 من الحديقة ) عليك إذن أن تمضى صامتا ، ولا تهزل بما لا تفهم واستمع إلى قول الشيخ وعش تحت ظله ، فأنت غالب في ظلال الغالبين . .
وإلا أذهب استبدادك هذا بظنك أنك قد وصلت وتشدقك بألفاظ الكمال . . فما دمت قد أصبحت في حاجة إلى عطاء الواصلين فكيف يهبونك هم هذا العطاء . . فلا تغتر ببدايات الفتوح ، واصبر مع شيخ الصناعة حتى تستطيع أن تتقنها وإلا بقيت عند درجاتها الدنية ، فإن أولئك الدين يقومون بخصف النعال لو صبروا على الصنعة لصاروا فيها عمالا مهرة .
 
( 3353 - 3356 ) : إنك إن لم تصبر مع شيخك وأستاذك واعتمداك على عقلك فسوف تقول في نهاية المطاف « إن العقل عقال » قد عقلك عن الانطلاق في ساحات القلب الواسعة والقطاف من بساتين الصالحين من الأولياء والمرشدين ، مثل ذلك الرجل المتفلسف الذي رأى على أعتاب الموت قيمة عقله الحقيقية دون زيادة ونقصان فاعترف قائلا : لقد سقنا جيادنا على الظن قاصدا أننا اتبعنا عقولنا الجزئية والظن لا يغنى من العلم شيئا . .
ومن الغرور ابتعدنا عن رجال الله وسبحنا في بحر الخيال ، والمقصود هنا أبو النصر الفارابي الذي رأى أن السعادة لا تحدث إلا حين يموت الجسد وفي قول إنه الفخر الرازي الذي كان يردد قبل أن يسلم الروح :وكم قلت للقوم أنتم على * شفا حفرة من كتاب الشفا
فلما استهانوا بتوبيخنا * فزعنا إلى الله حتى كفى
فماتوا على دين أرسطاطاليس * وعشنا على دين المصطفى
 
« 604 »
 
 
( مآخذ / 151 - 152 . انقروى 4 / 786 . . مقالات شمس / ص 24 ) .

يتبع
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3085 - 3636 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 8:07 pm

الهوامش والشروح 3085 - 3636 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 3085 - 3636 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3085 - 3636 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية ذلك الأمير الذي اتجه اليه الملك الحقيق

( 3357 - 3361 ) : لا جدوى من السباحة في بحر الخيال والاعتماد علي هذا العقل الجزئي بإمكانياته القاصرة ، وما ينفع لهذا البحر العباب إلا سفينة نوح ، وسفينة نوح هنا ممثلة في الرسالة المحمدية الشريفة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم « مثل سنتي كمثل سفينة نوح من تمسك بها نجا ومن تخلف عنها غرق » وفي رواية أخرى « مثل أهل بيتي » وفي رواية ثالثة « مثلي ومثل علماء أمتي » ، فمن لم يتمسك بهذه السفينة غرق ولو كان في علم علي بن سينا . .
وشبيه بهذا قول شهاب الدين عمر السهروردي :
نهاية أقدام العقول عقال * وأكثر سعى العالمين ضلال
ولم تستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جميعنا فيه قيل وقالوا
وأرواحنا في وحشة من جسومنا * وحاصل دنيانا أذى ووبال
( انقروى 4 / 786 ) وهكذا فالرسول عليه الصلاة والسلام هو سفينة النجاة ومن يحكم من بعده بشريعته « قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني » .
 
( 3363 - 3376 ) : إن كنعان السيرة هو الذي يرى فكره وحوله وطوله أعظم من هذه السفينة وكثيرون جدا من أمثال كنعان يعيشون بيننا ، يرى أنه أعلى وأسمى فكرا من أن يتبع الشريعة ، ويسميها رجعية وسلفية ، ويرى أنها لا تصلح لهذه العصر ، ومهما كان جبل فكره زائد العلو فإنه لن يستطيع أن ينجو به من هذا الطوفان . .
ولكن هيهات أن يسمع كنعان نصيحة نوح . .
لقد ختم على سمعه وعى بصره غشاوة ، وإنما أواجهك بهذا الحديث علك لا تكون في باطنك من أمثال كنعان ، وأستطيع أن أوقظك ، وتستطيع أن ترى العاقبة ، فكل من نظر في أول الطريق إلى نهايته نجا . .
وإذا أردت أن تنجو يا كنعان من هذا العثار الذي يوقعك فيه ضعف بصيرتك وعقلك القاصر ، واعتمادك على حولك وطولك ، فاكتحل بتراب أقدام العارفين ، فإذا أقدامهم حيثما تطأ تهب الحياة
 
« 605 »
 
وتستطيع أن تتغلب بها على شياطين الإنس والجن . . تتحول من إبرة لا حول لها ولا طول إلى سيف في عظمة ذي الفقار ، إن هذا الكحل قد يحرق عينيك لكنه سيصلحها ، سيهب لك بدلا منها عينا ناظرة للعواقب ، متبصرة ما وراء الظواهر ، ألا ترى أن الجمل يشرف بعينه على كل الوهاد ، ويرى نهاية طريقه وهو لا يزال في أوله . . ويصبر كل هذا الصبر . . أتدري لماذا ؟! 
لأنه يقنع بالشوك ويعيش عليه ومن هنا امتاز على غيره من الدواب أيمكن أن تكون أقل حصافة من جمل ؟
 
( 3337 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت مكررة إذ وردت في الكتاب الثالث ( انظر شرح الأبيات 1746 - 1754 ) والحكاية هنا فيها إضافات جديدة .
 
( 3393 - 3406 ) : الصدر الأجل هنا هو كل من عرف الله حق معرفته وعبده حق عبادته ونور قلبه بنوره ، وصار عالما من لدنه . . تتكشف له المستورات ، وترتفع من أمام أبصاره الحجب فيرى كل ما هو آت ماثلا أمامه كأنه يراه في التو واللحظة ، فالنور ساكن في عينه وفي قلبه . . يتخذه موطنا . . ولا يغادره من حبه له . . 
وإن لم تكن تصدق ذلك فانظر إلى أحوال الماضين : ألم ير يوسف عليه السلام من البداية أن الشمس والقمر قد سجدا له . . ولم يحدث ذلك إلا بعد سنين . . ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : « اتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله » . . 
أما أنت أيها الغافل ( أيها السفلى فالخطاب من الجمل إلى البغل ) ليس في عينك هذا النور ، لأنك رهين الحس الحيواني لم تتخلص من الجسد كي يسكنك النور . . وإنك لضعيف في سيرك لأنك تتبع ضعيفا ، فبصرك ضعيف ، والبصر هو القائد الذي يرى المكان الصالح للسير والمكان غير الصالح للسير ، ثم إن الجمل من أولاد الحلال . . جاء من ناقة وبعير ، أما البغل فهو لا يشبه أباه ولا يشبه أمه . . هو هجين مخلط لا هو بالحصان ولا هو بالحمار . . والأصلاب الطاهرة ذات معول عظيم . . فإن السهم إذا انطلق من قوس معوج أو من يد معوجة أخطأ هدفه وغير اتجاهه وهو مثل فارسي .
 
« 606 »
 
( 3407 - 3416 ) : من هذا البيت إضافات على الحكاية وتوسعة فيها عن الجزء الثالث لم يجادل البغل ولم تأخذ العزة بالإثم ، بل طلب من الجمل أن يكون مقتداه وهكذا ينجو المرء إذا أخذ بذيول أثواب الناجين وتبعهم ، ينجو من البلاء ويصير من أهل الولاء فإن البغل لم يكن سىء الجبلة . . فيجحد وينكر .
كآدم عليه السلام ، كانت زلته عارية ، شيئا مؤقتا ، فسرعان ما تاب على عكس إبليس كان سيئا في أصله وفي جبلته لم يتب وقال « رب بما أغويتني » وقال « إن هي إلا فتنتك » .
 
( 3417 - 3422 ) : الحديث موجه إلى التائب عموما : لقد وجدت أيها التائب مضمون قوله تعالى : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» . . وعندما اطمأنت نفسك قلت «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» فأخذ الله تعالى بيدك وأدخلك جنة النعيم . . لقد كنت نارا فصرت نورا ، وكنت حصرم فتم نضجك وصرت عنبا بل زبيبا ، لقد كمل النقص فيك بتوبتك . . لقد كنت كوكبا صغيرا فصرت شمسا . . لقد تم نضجك تماما فاسعد وكن هانئا ، فإن ظل المرشد قد نشر على رأسك . . إن طبيعتك كاللبن قابلة للتغيير ، سريعة العطب ، أقل قذى يبدو على سطحها ويعكرها . .
ولا بد لهذا اللبن من عسل المرشد ، يمزج به فيخلصه من آفة سرعة التغير والفساد ، ويراقب أحواله ، ويدل على وقته ، ويأخذ بيده حالا بعد حال .
 
( 3423 - 3430 ) : الخطاب لحسن حسام الدين : المراد بشهد العسل المثنوى المعنوي والمراد بحوض اللبن العلم والمعرفة ( فاللبن يعبر عنه في الأحلام بالمعرفة ) ( سبزوارى 4 / 321 ) والمراد : يا حسام الدين امزج معرفتك التي هي دون معرفة المرشد بهذا الشخص الخالص الناجي من آفات التغيير والتبدل . .
وذلك حتى يكون جديرا بالاتصال ببحر العلم الإلهى الموجود منذ « يوم الميثاق » و « يوم العهد » و « يوم الإقرار » بعبودية الخلق كلهم لله سبحانه وتعالى . .
 
« 607 »
  
وبعدها لا يتأثر السالك . . وكيف يتأثر وقد صار متصلا ببحر الحقيقة مباشرة ، حينذاك يبلغ الإنسان الضعيف المتهالك حول جيفة الدنيا مرتبة أسد الحق يزأر فيصل زئيره إلى السماء السابعة ( يدعو فيصادف دعاؤه الاستجابة ) يقول فينفذ قوله من خلال الأكوان ، يسيطر بصوته على كل ما في الكون . . كل هذا يبلغه المريد السالك الواعي بقوة المرشد العظيم . . فهيا يا حسام الدين اكتب هذا المثنوى بمادة الذهب فهو أحوالك أنت ، وهو أحوال أهل الله في الحقيقة ، وأنت جامع لها فإن هذا المثنوى ما ألف إلا للخواص من أهل الحق الذين يطلبونه من حيث يوجد . . إنه كما النيل عذب زلال كما قال في الديباجة « وهو كنيل مصر شراب للصابرين وحسرة على آل فرعون والكافرين » فاجعله يا إلهي دما في عيون قوم فرعون حتى لا يقتربوا منه ويسيئوا فهمه . .
ويفسرونه بأفكارهم القاصرة .
 
( 3431 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت في قصص الأنبياء للثعالبي « فأرسل الله عليهم الدم ، وذلك أن الله تعالى أمر موسى أن يذهب إلى شاطىء البحر فيضربه بعصاه ففعل ذلك ، فسال عليهم النيل دما ، وصارت مياههم كلها دماء ، وما يسقون من الأنهار والآبار إلا وجدوه دما أحمر عبيطا ، فشكوا ذلك إلى فرعون وقالوا : إنا قد ابتلينا بهذا الدم ، وليس لنا شراب غيره فقال لهم : إنه قد سحركم موسى ، فكان يجتمع الرجلان على الماء الواحد ، القبطي والإسرائيلى يستقيان من ماء واحد ، فيخرج ماء القبطي دما وماء الإسرائيلى ماء عذبا ، وكانا يقومان إلى الجرة التي فيها ماء فيخرج للإسرائيلى ماء وللقبطى دم ، حتى أن المرأة من آل فرعون تأتى إلى المرأة من بني إسرائيل حتى يجهدها العطش فتقول : استقنى من ماءك فتسكب لها جرتها أو تصب لها من قربتها فتعود في الإناء دما حتى إنها تقول لها اجعليه في فمك ثم مجيه في فمي فتأخذ في فمها ماء فإذا مجته صار دما ( الثعالبي ص 194 ) ، والمثال ورد أيضا بنصه
 
« 608 »
 
في معارف بهاء ولد ( 1 / 37 ) .
 
( 3445 - 3452 ) : إنما يشرب من هذا الماء من هو متقى ، إنما يتلقى الإفاضات الربانية من هو جدير بها ، ويفهم هذا المثنوى من هو جدير به ، والمتقى الجدير بالإفاضات هو ذلك الذي يضيق بكل فرعون ، ولا ينضم إليه . .
ولا يأكل من فتاته ولا يتبجح بعزه الزائل الذي لا يستطيع أن يهب شربة ماء إلا إذا أرادها الله ، ولا يتكبر بكبرياء فرعون ، فأفق إذن وتصالح مع قمر الطريق ونبي الله حتى تستطيع أن تنظر إليه . . فكيف يمكن أن تعرفه وأنت تنكره ، وأن تنتفع به وأنت تنكره ، أول درجات الشفاء أن تكون معترفا بقيمة طبيبك مصدقا له ، فإن صدقته استمعت إلى تعليماته ، وإن وثقت به قرب إليك الشفاء دون أن تحس أما أن يكون المرء كافرا ويطلب مساعدة المؤمن ، فإن كفره يكون سوف يكون في ثقل جيل قاف مانعا من تلقى الفائدة ، وظلمه لعباد الله يجعلان ولوج الجبل في إبرة أيسر من ولوج ظالم الخلق إلى جنة الإله ، فاجعل هذا الجبل قشة باستغفارك عما بدر منك . . وحينذاك تمسك بكأس الإفاضات الربانية التي هي من نصيب المغفور لهم وتشرب منها .
 
( 3453 - 3458 ) : كيف تستطيع بهذا التزوير وهذا النفاق وهذا الكفر أن تشرب من ماء المتقين ؟ ! وهب إنك تتوسل بصداقتى ، فهل تغنيك هذه الصداقة عن الإيمان بالله ؟ لقد حرمه الله على الكافرين . . إن الله يعلم فيك هذا التزوير والنفاق . . وهو خير الماكرين . . وهو أعلم بمكرك منك فكيف يمكن أن يتقبل منك هذا المكر ؟ لا حيلة لك إلا أن تقبل دعوة موسى عليه السلام ، وإلا فإن سمحت أنا لك بالماء فإن الماء نفسه سوف يتحول بمجرد أن يلمس شفتيك إلى سم ، لن يخالف الماء أمر الله سبحانه وتعالى . . إن كل ما يذهب إلى جوفك في حالة عصيانك إنما يتحول إلى سم يفت في عضدك ، ينقلب خبزك إلى سم .
 
« 609 »
 
فإنما يصلح الخبز ذلك الوجود الذي يكون لله فحسب . . كن جديرا بالعطايا الإلهية . . حتى تفعل هذه العطايا الإلهية فعلها ( لتفصيلات كيف يتحول القوت إلى سم . . وكيف تضيق الروح بكل ما به الجسد . . عندما يغيب الإيمان . انظر الكتاب الثالث قصة قوم سبأ شرح الأبيات 2602 وما بعده ) .
 
( 3459 - 3463 ) : إياك أن تظن إذن إنك مجرد أن تقرأ المثنوى تكون قد فهمته وأدركته . . وأن هذا أمر يحدث لك بالمجان : هكذا دون جهاد ودون استحقاق ودون قابلية ودون صقل لمرآة قلبك ، وجلاء يزين نفسك وانصراف عن متابعة هواك ؟ ! تراك إذن بمجرد أن تقرأه قد أصبح لك ! ! إنك تقرأه لكنه يصل إليك كالأساطير ، فهكذا همتك وهكذا استحقاقك إنه يبدي لك قشره لكنه لا يسفر لك عن لبه ، لقد اختفى أمامك كما يخفى المحبوب وجهه بالبرقع والحجاب . . ذلك أنك غير خبير بأقدار الكتب ، بحيث يبدو لك القرآن من تجبرك وعنادك مجرد أساطير وحكايات كأنه كتاب الشاهنامه أو كتاب كليلة ودمنة .
 
( 3464 - 3472 ) : إن الفرق بين أن تدرك المجاز من الحقيقة ، ليس حولك أو طولك أو عقلك الجزئي بل العناية الربانية التي تكتحل بها عيناك « فبى يبصر » وهذا البصر لا يزيغ ولا يطغى ، وإلا فإن الروائح تستوى عند الأخشم ، كما تستوى المرئيات عند ذلك الذي ينظر بعين الجسد ، فإن نظر بعين الجسد فالقرآن كتاب وكليلة ودمنة أو الشاهنامة كتاب . . وكل الكتب عنده تكون لهدف واحد . . هو لمجرد قتل الوقت ودفع الملل ، وليس التفكر والتدبر فسيان لإطفاء نار الملل قدر من الماء الطاهر أو البول - كلاهما يستطيع أن يطفئ نار الوسواس والغم لكن هناك من ألوان الهموم ما لا يستطيع أي ماء أن يطفئه ، بل يلزمه الماء الطاهر الذي يقطع دابر الوسواس ، ويجد قلبك الطريق إلى رياض الجنة . .
وما هذه الكتب إلا الصحف الإلهية وإلا هذا الكتاب الذي اقتبس من هذه الكتب .
 
« 610 »
 
( 3473 - 3483 ) : وأنت لا ترى هذا الكتاب على حقيقته من إنكارك وكفرك ونفاقك تماما كنظراتك إلى وجوه الأولياء . . فهل تظن إننا نرى وجوه أولياء الله كما هي بالفعل ؟ هل نراها نحن كما تراها أنت ؟ لقد تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من أن المؤمنين لا يرون النور الذي في وجهه ويرونه بشرا كالبشر ورجلا كالرجال . . كيف لا يرون نور الحق في أوصافه في وجودي « من رآني فقد رأى الحق » ( انقروى 4 / 812 ) وإذا كانوا يرونه . . فلماذا هذه الحيرة والحق قد صار واضحا ولائحا وليس الإيمان في حاجة إلى تردد . . وهكذا حتى يرد جبريل عليه السلام : إنه بالنسبة لك نور ، وبالنسبة لهم سحاب ، وذلك حتى لا يرى الكافر هذا النور بالمجان أي دون أن يتقدم إيمانه على رؤيته . . إنه بالنسبة لك حب . . لكن الآخرين يرونه فخا . . لكيلا يكون هذا الشراب - وشرطه الإيمان - لكل إنسان مؤمنا كان أو كافرا . . وهكذا قال الله تعالى في شأنهم «وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» ( الأعراف / 198 ) وارجع الضمير إلى الأصنام فكأن الكفار والأصنام واحد ، وهم نقش حمام ، صور تبدو لك حية لكن عيونها ميتة لا تنظر ولا ترى ، خشب مسندة ، إنه لا يرد عليك تحية ، ولا يحمل منة منك من السجود له . . ولا يجازيك عليه ، وأهل الدنيا مثلهم تماما صور بلا أرواح . . فليصبك اليأس مما في أيديهم ، ولتتجه إلى ذي العطايا والمنن .
 
( 3484 - 3493 ) : لكن انظر إلى اللذة التي يهبك إياها الحق من عبادته ، إنه لا يحرك رأسا في الظاهر ، إنك لا تراه ، لكنك بعبادتك إياه تحس بلذة عطاياه تسرى في داخلك ، تزداد سرورا ، إنه لا يحرك رأسه لك لكنه يمنحك قبسا منه يجعل العالم كله يسجد لك . . إنه يضع في الحجر سرا فيصبح ذهبا ، ويجعل من قطرة الماء العذبة التي تقع في الصدفة درة يتيمة ، وكرم الإنسان المخلوق من تراب فجعله سيدا على كل الدنيا ، في حين أن هذه الدنيا تضل الآخرين ، وتجعلهم يحيدون عن الطريق ، وتجعل من سلاطينها وقادتها فتنة للمؤمنين
 
« 611 »
 
وهم صور بلا معنى ، تغمز لك الدنيا بعينها فتقع صريع هواها خادما لها . .
وقد خلقت في الأصل لتخدمك . . بشرط أن تكون عبدا لله وحده .
 
( 3494 - 3498 ) : إن الرجل من قوم فرعون لا يملك الفم الذي يدعو به ( انظر الكتاب الثالث : ادعوني بفم لم تذنب به . شروح الأبيات 180 وما بعدها ) فمن دعاء المؤمن المستجاب الدعاء تتبدل المصائر ، يفتح الله أقفال القلوب ، ويحول المسخ إلى حسن الجمال ، كما تحول الغصن اليابس بهمة مريم إلى غصن مثمر يفوح برائحة المسك .
 
( 3499 - 3503 ) : ها هو السبطى ينطلق في الدعاء ، والله سبحانه وتعالى هو الذي يضع الميل إلى الدعاء عند الإنسان ، فكأنه يدعوه إلى الدعاء ، الدعاء هو عين الاستجابة ، ولبيك هي عين الدعاء ( انظر الكتاب الثالث شروح الأبيات 189 وما بعدها ) فالداعى والمدعو هو الله سبحانه وتعالى . . ونحن عدم في عدم لا يتأتى منا شئ . . وظل هكذا يدعو حتى سقط مغشيا عليه . . أي أن جسده الواهي لم يتحمل هذا الاتصال وهذا الوجد . . ثم عاد إلى وعيه ليرى آثار سعيه بالدعاء ( الدعاء هو أيضا من قبيل السعي : انظر الكتاب الثالث قصة الذي كان يطلب رزقا بلا كدح : شروح الأبيات 1450 وما بعده 2315 وما بعده ) .
 
( 3504 - 3509 ) : لقد دعا السبطى ، ومن بركة دعائه اهتدى الفرعونى فهكذا أصاب الدعاء الاستجابة ، لقد أحس الفرعونى بأن النار قد أضرمت في كل روحه ، إنه يطلب من السبطى أن يعرض عليه الإيمان ، وكأن الإيمان قد وقر في روحه في البداية دون أن يعلم له اسما ، وما دور السبطى هنا الآن إلا أن يضع ما أحس به الفرعونى في إطار الحروف ، وكم من واجد للمعنى لا يجد لسانا للحديث ، وكم من صاحب لسان منطلق لم يذق ذرة من معنى ! ! وهكذا تكون الأخوة النافعة ، والصداقة المثمرة ، وانظر إلى ذلك الفرعونى الذي كان يطمع في ماء يتحول في فمه إلى دم يجرفه سيل الإيمان حتى بحر الحقيقة يكتال منه كيلا
 
« 612 »


بكيل . . بحيث لا يصبح لماء الدنيا قيمة عنده وقد ارتوى بماء الإيمان وشرب شربة منه لا يظمأ بعدها شاربها أبدا .
 
( 3510 - 3520 ) : وها هو السبطى يعرض عليه الماء ، لكن أي ماء ؟ لقد شرى الله روحه وشرب شربة لن يصيبه من بعدها ظمأ أبدا . . لقد تفجرت عيون الماء داخله أي معرفة المقر ولن يحتاج بعدها إلى ذلك الماء الذي يأتي من الخارج ويمكن يسد عليه الماء : بل إن كبده الحرى التي يطفئ الماء حرارتها لم يعد للماء عندها أي قيمة . . فهو الكافي لعباده ، وإن لم تكن تفهم اقرأ «كهيعص» بلسان القلب . . وهذه الكاف دليل على صدق وعده . . وقد قال أصحاب التحقيق إن كل حرف مفتاح كل اسم فالكاف تدل على اسمه الكافي ، والهاء تدل على اسمه الهادي والياء تدل على بسط يده بالرزق لعباده والعين تدل على اسمه العليم والصاد تدل على صدق وعده وعن علي رضي الله عنه ( إن لكل كتاب سرا ، وسر القرآن الحروف المقطعة التي في أوائل السور وهي سر من أسرار الله استأثر الله بعلمها ) ( انقروى 4 / 821 ، ومولوى 4 / 482 ) ولابن عربى في الكاف حديث مطول فحواه « إن الكاف من عالم الغيب والجبروت ، يرفع من اتصل به عند أهل الأنوار ولا يرفع عنده الأسرار » ( الفتوحات / أول ص 68 . طعبة صادر ) وهذا هو معنى الكافي : أهبك الخير كله بلا واسطة ، اشبعك بلا خبز ، أجعلك رئيسا بلا جيش ، أقويك دون دواء . .
أجعل البئر الضيق والقبر المظلم واسعين عليك ، أعطيك النرجس والنسرين دون ربيع ، أعلمك بأن أقذف العلم اللدني في قلبك فتصير عالما دون كتاب أو أستاذ . . وهذا عطائي فأمنن أو أكثر بغير حساب .
 
( 3521 - 3528 ) : انظر إلى عطائي لموسى عليه السلام : عصا تنقلب إلى حية ، يد بيضاء تزرى بضوء الشمس . . إنني لا أخلط ماء النيل بالدم بل أحول الماء نفسه إلى دم هذا أيضا عطاء ، فبعض عبادي لا يصلح له إلا القهر ، ولا أستدعيه باللطف ، وكم من لطف خفى في ثياب القهر ، فأحول فرحك
  
« 613 »
 
وسرورك إلى غم حتى تجأر بالشكوى إلى وتدعوني أنا البر الرحيم . .
وتقوم بتجديد إيمانك وتبتعد عن فرعون وفراعنة كل عصر وتقاومهم وتفضح ظلمهم وألا عيبهم . . فترى موسى الرحمة قد حل بك . . ودعاك . . وحول لك الدم إلى ماء فينقلب حزنك إلى سرور حقيقي . . فلا سرور حقيقي إلا بي ، إن ما يبقى لك هو أن تحتفظ بطرف خيط الإيمان في داخلك ، وحذار أن ينفرط منك هذا الخيط ، فما دمت متمسكا بعروة الإيمان ، تلك العروة الوثقى ، فإن نيل ذوقك « طهرك ومعرفتك » لن ينقلب إلى دم « شهوة وغضب » أبدا ، لن يتبدل سرورك إلى حزن أبدا . . بل ستظل في فيض من الألطاف الإلهية .
 
( 3529 - 3536 ) : عودة إلى الفرعونى الذي آمن : لقد كان ظنه أن يؤمن حتى يشرب الماء . . فإذا بالألطاف الإلهية تجرى نيلا ( من الفيض في داخلي ) وأنا ثابت على حالتي الأولى أمام الآخرين . . ويعلق مولانا : إن هذا يشبه ذلك العالم الذي يبدو أمامنا صامتا وهو أمام النبي غارق في التسبيح . . أن عالم الجماد مغلق ميت أمام العوام . . وهذا لأنهم حجبوا عن الحقيقة . . والمقابر سواء أمامنا . . لكنها عند النبي صلى الله عليه وسلم « إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار » .
3537 - 3543 : حذار من الأخذ بالظاهر ، فإن الظاهر موقوف على العين الناظرة : لقد كان العوام يرون النبي صلى الله عليه وسلم عبوسا ، لكن إن نظرتم بعيوننا وجدتموه بشوشا ضاحكا رحمة للعالمين . . وتروا الضحك والاستبشار والنضرة والنعيم في الآيات الواردة في سورة هل أتى ، وترى النضرة والنعيم في اليوم العبوس القمطرير ، فها هي شجرة الكمثرى التي تنظرون من فوقها ، وشجرة الأنية والوجود الجسدي وعين الجسد التي ترى الظاهر : فانزلوا لتروا الأمر على حقيقته وتخلصوا من أنيتكم ، إنك من فوق هذه الشجرة ترى عالما دنسا مليئا بالحيات والعقارب والفاحشة لكن إن تخلصت منها ونزلت من فوقها وجدت العالم على حقيقته مليئا بالنضرة والنعيم والجمال والرعاية
 
« 614 »
 
( 3544 ) - يبدو أن الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من المأثور الشعبي ووردت قبل المثنوى في كتاب الأذكياء لابن الجوزي ويضيف عبد الحسين زرين كوب « سرني 1 / 324 » أن قصة شبيهة بها وردت في قصص الديكاميرون لبوكاتشيو
( 1313 - 1372 م ) وفي قصص كانتربرى لتشوسر ( 1400 - 1430 م ) . وانتيه نيكلسون إلى هذا الموضوع ( استعلامى 4 / 382 ) وكان الصوفية لا يستنكفون استخدام بعض الصور والحكايات التي تسمى بمصطلح عصرنا « الخارجة » لبيان أفكارهم ، فضلا عن أن تلك العصور لم تكن تنظر إلى هذه الحكايات نظرتنا إليها اليوم وعند سنائى الغزنوي رغم جهامته بعض هذه الحكايات التي أشار إليها بقوله :
 
- هزلى ليس هزلا إنه تعليم وبيتي ليس بيتا إنه إقليم . ( الحديقة 718 سطر 9 ) ولا تكاد توجد موسوعة من موسوعات التراث العربي الإسلامي تخلو من أمثال هذه الحكايات ومولانا جلال الدين نفسه يشير من خلال الحكاية إن كل إنسان يأخذ منها ما يوافق مقتضى حاله بقوله :
- إن كل جد هزل أمام الهازلين ، وكل هزل جد عند العاقلين وهو يذكر بقول ابن الفارض :
-فلا تك باللاهى عن اللهو معرضا * فهزل الملاهي جد نفس مجدة( انقروى 4 / 841 )
 
( 3559 - 3563 ) : إن هذا الذي تظنه هزلا تعليم والبيت حرفيا مأخوذ من سنائى .
 
« 615 »


بيتي ليس بيتا بل إقليم * وهزلى ليس هزلا بل تعليم
ورواه الأفلاكى لمولانا على هذا النسق :
هزلى ليس هزلا إنه تعليم * من أجل إرشاد الحلقة والتفهيم
( مناقب 1 / 374 )
 فخذه على سبيل الجد لا على سبيل الهزل إن كنت عاقلا ، فالكسالى فقط هم الذين يقفون على ما حدث حول شجرة الكمثرى ولا يبحثون عن المغزى الذي وراءها والمقصود من روايته ، والعقلاء يعلمون أن المقصود منها هو شجرة الوجود الإنسانى التي تحجب الحقيقة أمام طالبها ، وبين طلب العقلاء لها وطلب الهازلين بون شاسع . . فدعك من شجرة الكمثرى هذه ، تخل عن وجودك وهوى نفسك وأنيتك فهي التي جعلتك هكذا ضعيف البصر تمشى على العمياء . . تخل عنها إذن ليتخلى عنك العوج .
 
( 3564 - 3575 ) : هناك غير هذه الشجرة الخبيثة شجرة أخرى طيبة تمد فروعها إلى السماء السابعة ، وهي شجرة إقبالك . . تصل إليها عندما تتخلى عن تلك الشجرة الخبيثة ، وهذا هو التبديل ، هذه هي الكيمياء الإلهية التي تبدل الإعوجاج إلى استقامة . . لقد نزلت من فوق تلك الشجرة الخبيثة تواضعا لله وطلبا للحقيقة . . فيريك الله الأشياء كما هي مصداقا لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم « اللهم أرنا الأشياء كما هي » . . وهذه الشجرة هي الشجرة الموسوية ، يظهر فيها التجلي الإلهى ، تجعلها النار خضراء نضرة ، تهتف فروعها « إني أنا الله » وتقضى كل الحاجات تحتها ، وهذه هي الكيمياء الإلهية الحقيقية التي بدلت موسى عليه السلام من طريد خائف تارك لدياره إلى حامل للقبس الإلهى ، وإلى مدمر لعرش فرعون عصره . . وحين تتبدل هكذا ، لا يبقى جسدك جسدا . .
 
« 616 »
 
بل يصير هو الآخر وجودا نورانيا حلالا عليك يتصف بالصفات الإلهية ، تصير بأجمعك روحا ، لأن صفات ذي الجلال قد تلبستك . . فتلك الشجرة المعوجة :
شجرة وجودك قد قومت وصارت موضع تجلى للحق ، لا لتلك الرؤى الذميمة الدنسة ، لقد صارت شجرة عظيمة أصلها ثابت وفروعها في السماء ( انظر تفسيرها في الكتاب الثالث في حكاية عاشق صدر جهان ) . . لم تعد مجرد شجرة معوجة ، إذ جاءها الأمر فاستقم . . إشارة إلى قوله تعالى في سورة هود «فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ» وقد مر تفسيرها في الكتاب الثالث في حكاية ذلك الرجل الذي كان يدهن شاربه بشحمة ( شرح الأبيات 740 وما بعده ) .
 
( 3576 - 3589 ) : عودة إلى سيرة سيدنا موسى وفرعون : إن الوجود الإنسانى بمثابة عصا موسى خيرها وشرها . . فانظر ما الذي تحولت إليه هذه العصا التي كان يسقط بها أوراق الأشجار للحملان ؟ لقد باتت مسيطرة على رؤوس آل فرعون وأتباعه . . وانظركم من المصائب والكوارث قد توالت على آل فرعون بكفرهم وصدهم عن السبيل . . بحيث رق لهم قلب موسى عليه السلام وصاح : يا إلهي لأي شئ كل هذا ، ما دامت هذه الجماعة من الكفار لن تؤمن . . لكن متى كان لرسول شأن بهداية قوم أو عدم هدايتهم ، إنما هو مبلغ ولكل قوم هاد ، وما عليه إلا البلاغ ، فالهدى والإضلال من الله سبحانه وتعالى . . إن أقل حكمة من إرسال الرسل ، ومن وعظ العارفين ، هو إلزام الناس الحجة ، حتى لا يقولوا فيما بعد ما جاءنا من رسول ، فضلا عن أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يظهر ما في الناس من بغى وعتو وضلال . . فالمقصود من الوجود كله هو الإظهار « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني » ، وينبغي عجم عيدان البشر بالإغواء . . لابد أن يفعل الشيطان فعله ليفعل النبي فعله ، وليميز الله الخبيث من الطيب . . وورد عن النبي صلى
 
« 617 »
 
الله عليه وسلم « بعثت داعيا مبلغا وليس إلى من الهدى شئ ، وخلق إبليس مزينا للضلال وليس إليه من الضلال من شئ . . » وما للنبي للشيخ « فالشيخ في قومه كالنبي في أمته » .
 
( 3590 - 3604 ) : مقابلة بين الطغيان الفرعونى والرحمة الإلهية ، فها هو فرعون عندما يتضرع إلى الله . . والله يعلم إنه لكاذب ، ويعلم أنه لو رد لعاد إلى ما نهى عنه ، إلا أنه سبحانه وتعالى يأبى مع كل علمه بأن يعامل عباده كما يعاملوه ، ولا يرضى بأن يخدع موسى عليه السلام في مقابل خدعته «إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ» ( النساء / 142 ) بل عليه أن يبين معجزة دون أن يتدخل موسى فهذا الفرعون لا يستحق إلحاحا في الهداية ولن يزيد ملك الله به خردلة . . ليرد التراب ثانية ما أكله الجراد دون زرع ولا رى . . ليعلم الجميع أن ملك الله كله خرق للأسباب ، وإن كل الأسباب إنما هي مجرد دريئة وغطاء على المقدرة الإلهية حتى يلتمس الناس الأسباب ، وحتى يعمل الناس ويكدحون ، لكي يلتمس الطبيب الدواء ولكي يتجه المنجم إلى النجوم وينصرف التاجر إلى دكانه وتعمر الدنيا فإنما يقوم عمرانها على الأسباب ، ولكن يكون طعام الجحيم من لم يحقق عبوديته ويتعبد وظل منصرفا إلى طلب اللقمة .
 
( 3605 - 3610 ) : فكرة أن كل شئ آكل ومأكول : انظر تفصيلات في صدر الكتاب الثالث شرح أبيات ( 18 وما بعده ) .
 
( 3611 - 3615 ) : إن الإنسان هو عقله ووعيه ، وهناك لمولانا بيت آخر .
- أيها الإنسان إنك أنت الفكر ، وما تبقى منك عظام وعروق .
ومن ثم فإن كل شهوة تفعل فعلها هي كالخمر وكالحشيش تذهب العقل . .
فليست الخمر وحدها هي التي تذهب العقل ، بل إن كل شهوة تغلق العين
 
« 618 »
 
والأذن ، وهل كان إبليس سكرانا عندما ارتكب المعصية الكبرى ، أبدا لقد كان ثملا بالكبرياء . . والسكران حقيقة هو الذي يرى نفسه معدوما ، ويخطئ في تقييم الأشياء فيرى النحاس ذهبا .
 
( 3616 - 3624 ) : عودة إلى موسى وفرعون ، الروح والجسد ، والعقل والهوى ، النبي والطاغية ، الذائب في وجود الحق والهارب من الهداية . . ثنائيات الجدلية الصوفية التي يمثلها مولانا جلال الدين دوما في هذين العلمين ، لقد نبت النبات ثانية لقوم فرعون ، فلم يفهموا تلك المعجزة التي حولت الأرض الجدباء إلى خصبة دون أسباب ، بل انطلقوا يأكلون كما تأكل الأنعام ، ونسوا تماما ثم شبعوا وطغوا ، «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» ( العلق / 6 - 7 ) وهكذا النفس داخل الإنسان ، إنها مثل فرعون ، إنها حديد بارد غير قابل للطرق فما لم يلحقها شرار الإيمان لا تدق عليها وإن بكت وأنت فإن بكاءها من أجل القوت لا من أجل الملكوت .
 
( 3629 - 3635 ) : في مقابل النفس انظر إلى الروح تنسى موطنها ، كرجل يحلم أنه في مدينة جديدة ينسى دائما مدينته القديمة ويظن أنه عاش في هذه المدينة الجديدة طول حياته ، الروح تنسى موطنها . . لقد مرت بمدن عديدة ومراحل عديدة ولم تنفض التراب عن إدراكها . . ولك أن تجتهد لكي يطالع القلب تلك الرحلة التي تكلفتها ، لقد جاءت نائمة ، ورحلت نائمة فالدنيا حلم ( انظر الكتاب الثالث - الأبيات 1535 وما بعده ) .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.pdf

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3637 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 8:55 pm

الهوامش والشروح 3637 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 3637 - 3858 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3637 - 3858 فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح أطوار خلق الإنسان ومنازلة من البداية
( 3637 - 3646 ) : مر الحديث عن الأطوار الخلقية للإنسان ، وعن قوس الصعود وقوس النزول في الكتاب الثالث ( انظر شروح الأبيات 3906 - وما بعده ) وإن كان مولانا يتوسع بعض الشئ في هذه الأبيات ، ويرى أنه بما أن الإنسان هو العالم الأكبر ، والجامع لكل ما في الكون فإنه لا يعبر مرحلة من

« 619 »

المراحل حتى ينساها تماما وإن احتفظ في خلقته وخلقه ببعض ما فيها ، انظر إلى ميل الإنسان إلى النبات وإلى الخضرة خاصة في فصل الربيع ، إن هذا من آثار المرحلة النباتية . . إنه مثل ميل الأطفال إلى الرضاع طبيعي تماما كميل المريد إلى شيخه . . لماذا ؟ ! لأن عقله الجزئي جزء من عقل الشيخ الكلى . وكل شئ يحن إلى أصله ، وعندما ينمحى المريد في ظل الشيخ ، يعرف سر الميل إلى المرشد . . يكون منه كغصن من شجرة ، وهل يتحرك الغصن إن لم تتحرك الشجرة ، هذا هو الحنين إلى الأصل ، وكل ما في الإنسان يحن إلى أصله ، الطاهر يحن إلى الطاهر والتراب يحن إلى التراب ، ويمضى كل جزء إلى معدنه الأصلي .

( 3647 - 3654 ) : وهكذا من إقليم إلى أقليم حتى يصبح عاقلا وعظيما وهو لا يتذكر عقوله الأولى وعندما ينجو من عقل المعاش الملئ بالحرص والطلب يربى عقولا عجيبة تعد بالآلاف ، والإشارة هنا إلى ما يقوله الحكماء الإشراقيون إنه بإزاء كل نوع من الجواهر الموجودة في هذا العالم للأجسام سواء كانت نفوسا أو أجساما طبيعية يوجد عقل يحفظ عليها علاقتها بالعالم الأعلى على نحو أكمل وأتم ، والأنوار المدبرة التي هي النفوس الآنية عندما تصل إلى الكمال بعد طرح جلابيب الأبدان وطي الفيافي والبرزخ ملتحقة بالأنوار القاهرة والعقول المفارقة ، ومن ثم تعدد العقول غير متناه وسوف يزداد وفيض الله لا ينقطع ونور الله لا يأفل وكلمه الله لا تنفد ( سبزوارى 4 / 323 - 324 )

والإنسان وإن كان نائما ناسيا للمراتب التي قطعها من قبل ، فإنه لا يترك لهذا النسيان ، بل ينبه من نومه هذا ، فيسخر من كل العالم لمعرفته بالعوالم التي قطعها من قبل ، ويتساءل أية أشياء هذه تلك التي جذبت اهتمامى في عالم الدنيا ، لقد كان هذا من قبيل المرض والنوم والخداع . . وهكذا الدنيا مجرد حلم نائم ، يظنها النائم دائمة ، وهي حلم ، والرجل فيها كطالب القافلة والقرار فيها كقدر المتخلف

« 620 »

عن القافلة وما بينها وبين الآخرة غمضة عين ، وسرعان ما يشرف على الدنيا صبح الأجل فينبه الناس من ظلمات الظن والخداع والاحتيال .

( 3655 - 3667 ) : وهكذا فكل مرحلة تأتى يحس المرء بعبث المرحلة التي تسبقها وعندما يجد الإنسان نفسه في مستقره يضحك من اهتماماته السابقة ويسخر منها وكل ما تراه في الدنيا ( النوم ) يفسر لك في الآخرة . . حتى لا تظنن أن أحلامك التي حلمتها دون تعبير . . ضحك في الدنيا بكاء في الآخرة ، بكاؤك ونواحك وحزنك سرور وحبور . . إن كنت مزقت جلود الطيبين فسوف تنهض من نومك ذئبا ، خصالك الذميمة سوف تتحول كلها إلى ذئاب تنهش كل أعضائك . . الدم لا ينام والثأر لا ينام . . إياك أن تظن إنك بموتك قد نجوت من الثأر ومن عاقبة ظلمك للناس . . لكنك نجوت من قصاص هين إلى قصاص شديد ، إن قصاص الدنيا مجرد لعب بالنسبة لقصاص الآخرة ، ومن هنا قال الله تعالى «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ» ( الأنعام / 32 ) جزاء الدنيا بالنسبة لجزاء الآخرة كالختن بالنسبة للإخصاء . . فكن على حذر ، « فإن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من جهنم » كما ورد في الحديث الشريف .

( 3668 - 3676 ) : هيا يا موسى دع هؤلاء الناس في نوم الغفلة ، دع هذه الحمر ترعى في عشبها حتى تسمن ، فإن كلاب الجحيم في انتظارها . . فسمنها لهم . . كفاك دعوة لكي ينقلبوا إلى بشر . . فليست الهداية من رزقهم . . هيا اجعلهم غارقين في النعمة كي يغطوا في نوم الغفلة والكسل . . وعندما يستيقظون يكون شمع الهداية قد انطفأ . . وساقى الفيض الإلهى قد مضى إلى حال سبيله . . طالما هديت ولا مهتد ، دعهم يتحسرون يوم القيامة عندما يرون مصداق قوله تعالى في أهل الجنة «وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً» ( الإنسان / 12 ) .


« 621 »


( 3677 - 3682 ) : إنهم لم يتقبلوا الهداية . . فليتحملوا العدل ، لقد كان ذلك المليك معهم : أقرب إليه من حبل الوريد ، ولم يتابعوه وتابعوا الشيطان ، تماما كما يكون العقل مشرفا على الجسد في حين أن المنصرف إلى شهوات جسده لا علم له بالعقل . . فأي عجب أن يكون خالق العقل أيضا معكم ؟ أنت غافل عنه وهو ليس بغافل ، عنك إنه يلومك كلما أسرعت في أثر جسدك وشهواتك ولا تستطيع نفسك أن تلقى بك في الشر إلا إذا غفلت عن العقل .

( 3685 - 3692 ) : إن علاقتك بالعقل هي ميزان على سطوع الحقيقة على وجودك . . وأنت تفكر أن العقل قريب منك ساكن معك ، إذن فاعلم أن هذا القرب قرب بلا كيفية تماما كقرب المليك منك ، وحركة إصبعيك هل تستطيع أن تحدد كيفية قربها من هذا الأصبع ؟ ! أليست تغادره هذه الحركة عند النوم والموت ثم تعود عند اليقظة ؟ ! فمن أي طريق تأتيه هذه الحركة وتذهب عنه ؟ ! ونور عينيك من أين جاء ؟ ! إنه من عالم الأمر . . عالم المجردات . . وكل ظنك وفكرك من عالم الخلق . . فكيف يمكن أن تصل إلى عالم الأمر ؟


( 3694 - 3699 ) : إذا كان العقل بلا جهات تحده . . فما بالك بخالق العقل ؟ ! لا يوجد مخلوق غير مرتبط . . ولكن كيفية هذا الارتباط خافية وفي الروح لا فصل ولا وصل . . بينما الوهم لا يمكنه أن يفكر إلا في الفصل والوصل والاتصال والاختلاف . . فافهم من دليلك شيئا غير الفصل والوصل ، وإن كان هذا الفهم لن يشفى غليلك لأنك لن تقنع ، وإن كنت رجلا فجاهد حتى تصل إلى الوصل وتنجو من الفصل . . وحذار أن تحاول فهم هذا بالعقل . .

فالعقل هو الآخر لا يفكر إلا في الوصل والفصل .

( 3700 - 3710 ) : من هنا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم « تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فتهلكوا » ( كنوز الحقائق بهامش الجامع

« 622 »

الصغير ) وفي رواية أخرى « تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله » وفي رواية ثالثة « تفكروا في كل شئ ولا تفكروا في ذات الله » إن كل ما تصل إليه الأوهام في ذاته . . إنما تنبع من ذات المفكر لا ذاته هو ، فهناك مئات الآلاف من الحجب على ذاته مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم « إن لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو انكشفت لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره » وقال على رضي الله عنه « كل ما يعلم عقلك فالله خالقه » فالعقل والفكر لا مدخل له في هذا الخصوص وكل ما يعلمه فهو عين الحجاب . .



وكل من ظن أنه وصل فهو في حجاب ، ومن ثم فقد جاهد المصطفى صلى الله عليه وسلم في دفع هذا الوهم ، ومن ابتعد عن الأدب فإن مصيره الانتكاس . . إنه ينزل من حيث يظن أنه يصعد ، يظن أنه في السماء وهو في الأرض ، وهذا هو حد من تاه عقله من الخمر ، وما عليك إلا أن تفكر في خلقه وفي آلائه وفي عجائبه . .

واعلم أنك لن تحيط بها وأنت ذرة في بحر علمه ، وهي كلها صنعه الذي تعلمه فما بالك بالذي لا تعلمه . . ولتقف أمام هذا الصنع خاشعا متنازلا عن كبريائك . . ولا تقترب من الصانع . . وقل كما قال خير خلق الله وأجدرهم بمعرفة ذات الله إن كان يمكن معرفتها والإحاطة بها « لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك » واعتبر بعالم عظيم جليل مثل ابن سينا الذي قال :

-اعتصام الورى بمغفرتك * عجز الواصفون عن صفتك-تب علينا إننا بشر * ما عرفناك حق معرفتك( المولوي 4 / 508 - 509 - الأنقروى 4 / 861 - 863 )


( 3711 ) - الحكاية التي تبدأ بهذا البيت تعتمد على رواية وردت عند الثعلبي « قال وهب إن ذا القرنين أتى على جبل قاف فرأى حوله جبالا صغارا ،


« 623 »


فقال له : من أنت ؟ قال : أنا قاف ، قال : فأخبرني ما هذه الجبال التي حولك ؟

قال : هي عروقي ، فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أمرني فحركت عرقا من عروقي فتزلزل الأرض المتصلة به ، فقال : يا قاف أخبرني بشأن عظمة الله تعالى ، فقال : إن شأن ربنا عظيم تقصر عنه الصفات ، تنقضى دونه الأوهام ، قال :

فأخبرني بأدنى ما يوصف منها ، قال : إن ورائي أرضا مسيرة خمسمائة عام من جبال الثلج يحطم بعضها بعضا ومن وراء ذلك جبال من البرد مثلها ولولا ذلك الثلج والبرد لاحترقت الدنيا من حر جهنم ( الثعلبي قصص ص 5 ) وفي المأثور الفارسي أن قاف اسم على جبلين يمسك كل منهما بطرف من أطراف الأرض ، وأن طائر العنقاء يقيم خلف هذا الجبل .


( 3720 ) : المثال الذي يبدأ بهذا البيت ورد في إحياء علوم الدين للغزالي « مثال النملة لو خلق لها عقل ، وكانت على سطح قرطاس ، وهي تنظر إلى سواد الخط فتعتقد إنه بفعل القلم ولا تترك في نظرها إلى مشاهدة الأصابع ثم منها إلى اليد ، ثم منها إلى الإرادة المحركة لليد ثم منها إلى الكاسب القادر المريد ثم منها إلى خالق اليد والقدرة والإرادة ، فأكثر نظر الخلق مقصور على الأسباب القريبة السافلة مقطوع من الترقي إلى مسبب الأسباب ( إحياء / أول / ص 30 - مطبعة عيسى البابي الحلبي / القاهرة 1957 ) .


( 3728 - 3730 ) : إن عظيمة النمل . . وهي رمز على ذلك الإنسان المتعالم الذي يظن أنه أحاط بالكون علما وهو لا يعدو نملة تنظر إلى خط في كتاب ترى أن العقل والفؤاد هو السبب في الصورة والنقش ، ولم يصل علمها إلى معرفة أن بدون خالق العقل والفؤاد لا يمكن أن يأتي العقل والفؤاد بشئ ، بل إن أعقل العقلاء إذا تخلت عنه رعاية الله لحظة واحدة لأتى عقله من ضروب البله ما يفوق الحمقى أجمعين .


« 624 »

( 3740 - 3754 ) : تعليق على رواية جبل قاف : إنه لو لم توجد جبال الثلج هذه لاحترق جبل قاف من الشوق . . ليس هذا فحسب بل إن الغافلين هم بمثابة جبال الثلج في هذا العالم ولولا هم لاحترق العاقلون من نار التجلي ، فكأن هؤلاء الغافلين يخففون من نار التجلي التي لو تجلت لأحرقت العالم كله . . ثم ماذا تكون هذه النار إلى جوار الغضب الإلهى ، إنها مجرد سوط ( درة ) في يده يهدد بها اللئام في الدنيا . . وأنت لا تزال تردد أن الرحمة قد سبقت الغضب ، فإن رأيت السابق والمسبوق فقد اعترفت بالإثنينية . . إنه سبق معنوي ، وإلا اقتضى وجود سابق ومسبوق في الذات الإلهية ، وأنت إن لم تدرك هنا فلك عذرك فإن ذلك من نقصك . . فأنت من تراب وما للتراب ورب الأرباب . . أنت طائر طيني من الصعب عليك أن تصل إلى فلك الدين . . وما الذي تستطيع أن تفعل كن طائرا مندهشا ( عن الحيرة انظر الكتاب الثالث / شرح الأبيات 1108 - 1117 ) قل : اللهم زدني تحيرا ، لا تصدق ولا تنكر ، فإنك إن صدقت تكلفت ، فكيف تصدق ما لا تحيط به ، وإن أنكرت فكأنك أنكرت صفات رب العالمين وجلبت القهر على نفسك . .

فكن طائرا مندهشا مبهوتا صامتا حتى تنزل عليك رحمة الله ويبدو لك الصعب سهلا والمشكل واضحا ومحلولا ، فالأمر إنما تشكل على المنكر ، أما المقر عجزه وحيرته أمام الصنع الإلهى والصفات الإلهية فقد استجلب لنفسه اللطف والرحمة .


( 3755 ) - الرواية هنا أقرب إلى رواية الإحياء ( ج - 4 ص 130 ) ولذلك قال النبي لجبريل عليه السلام : أحب أن أراك في صورتك التي هي صورتك فقال :

لا تطيق ذلك . قال : بل أرى ، فواعده البقيع في ليلة مقمرة فأتاه فنظر النبي فإذا هو به قد سد الأفق يعنى جوانب السماء فوقع النبي مغشيا عليه ، فأفاق وقد عاد جبريل إلى صورته الأولى » .

« 625 »


( 3757 - 3764 ) : إن الحس وإن كان حس المصطفى صلى الله عليه وسلم ضعيف ، محدود القدرة ، لا يستطيع أن يستوعب حتى بعض المحسوسات ، ولولا القوة الموجودة في باطن الإنسان ما استطاع أن يطمح إلى إدراك ما هو فوق محسوسه . . وانظر إلى الصورة في البيت التالي : قد يكون جسد الإنسان مجرد حديد وحجر ، أي مجرد جماد . . لكن حتى من الحديد والحجر يتولد الشرر ومن جسم الإنسان هذا تتولد طموحات عظيمة ، منهما ما يمكن أن يحرقه هو نفسه كما يحرق الشرر الحديد والحجر وهو متولد منها . . لكن الإنسان ليس حجرا أو حديدا بل إن فيه شعلة تحرق برج النار نفسه وتكون النار بلا حيلة أمامه ، كأنها النار التي ألقى فيها إبراهيم الخليل ومن هنا قال الرسول عليه الصلاة والسلام « نحن الآخرون السابقون » ( انظر شرحها في الكتاب الثالث شرح الأبيات 1126 - 1135 )


( 3765 - 3767 ) : إن هذه القداحة ( التي يخرج منها الشرر ) والمقصود الإنسان تبدو في الظاهر وكأن حديد السندان يستطيع أن يفلها . . لكنها في الباطن والحقيقة أقوى من مناجم الحديد ، إنه ضعيف من حيث هو جسد ، هو فرع وهو العالم الصغير باعتبار الجسد لكنه أصل العالم بالنسبة للروح هو أول الفكر وآخر العمل ، هو الأخير السابق ، هو ثمرة شجرة الوجود والمقصود منها ، ظاهره تستطيع أن تصيبه بعوضة بالأذى لكن باطنه محيط بالوجود كله .


( 3771 - 3785 ) : إن تلك المهابة التي أصابت الرسول صلى الله عليه وسلم عندما مد جبريل جناحيه هي من نصيب الحس ، لكن تلك الملاطفة التي أبداها جبريل هي من نصيب الأحباب ، هذه المهابة لأهل الدنيا هلاك ولأهل الآخرة رعاية . . إنها أشبه بتلك المظاهر التي يحيط بها السلطان نفسه من حرس


« 626 »


ومطرقين . . هي ردع للعوام وإرهاب لهم بمظاهر السلطة كيلا تسول لهم أنفسهم الثورة على السلطان . . لكن السلطان في مجلسه بين أصحابه وندمائه مختلف تماما ، هو ملئ باللهو والموسيقى والحبور . . وهذا كلام يبدو بلا نهاية . .
إذ يطول شرح تلك الأحوال التي يكون فيها سلاطين الدنيا . . فما بالك بسلاطين الدين وقلوبهم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، أصبع للطف وأصبع لقهر .


( 3786 - 3799 ) : وهكذا أحمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حسه الذي لم يطق رؤية جبريل غارب وآفل وموجود الآن حيث يثوى جسده الشريف صلى الله عليه وسلم تحت تراب يثرب ، لكن تلك الروح العظيمة حالها دون تغير ودون تبدل « في مقعد صدق عند مليك مقتدر » فإن البدن هو محل التغيير أما الروح الباقية فهي الشمس التي لا تأفل ، شمس الحقيقة وموضع السر الإلهى ، لأنها لا شرقية ولا غربية ، هي من نور الله ، لا شرقية : أي ليست من شرق الأزل والعدم ولا غربية : أي ليست من غرب الفناء والعدم كعالم الأجساد ( مولوى 4 / 521 ) ومن ثم فإن الجسد وإن اندهش ولم يحتمل رؤية جناح جبريل فكيف تندهش الروح وهي شمس من ذرة . ومتى يفقد الشمع الوعي من فراشة تطوف به ، هذا التغير لائق بالبدن ، كما يجرى عليه المرض والنوم والألم ، أما الروح فلا تجرى عليها هذه الأوصاف . . هي ظاهرة منفردة ، عالم أكبر انطوى في جسد الإنسان ، وشتان ما بينه وبين جسد الإنسان . .

عالم لا يوصف ولا توصف دقائقه ( انظر الكتاب الثالث قصة الدقوقى شرح البيت رقم 2063 ) فلو تحدثت لزلزل المكان والزمان ، فإذا كان الجسد قد فتر فلأن الروح قد تكون قد غفلت ونامت لحظة واحدة . لكنه نوم الأسد . . يتناوم ليرى ماذا تفعل كلاب الطبع . . لقد كانت تلك الدهشة أشبه بخدش في كف زبد بحر أحمد ، لكن روحه التي كانت في سعة المحيط كانت تفور وتلقى بالزبد . .

والقمر ( روح أحمد ) هو كف ناثر للنور ، وإن لم يكن للقمر كف فماذا يكون ؟

« 627 »

( 3800 - 3804 ) : ولو أن أحمد المصطفى فتح جناحيه أي أبدى عظمة روحه لأغمى على جبريل إلى الأبد ، وإلا فاقرأ في المعراج النبوي الشريف : أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وصل إلى سدرة المنتهى قال له جبريل :

تقدم أنت لأننى لو دنوت أنملة لاحترقت . . لقد جاوزه الرسول صلى الله عليه وسلم ( الإنسان الكامل أعلى مرتبة من الملائكة وهذه قمة الإنسانية عند الصوفية ) .

( 3805 - 3809 ) : يا لها من حيرة تثيرها هذه القصص ، إنها حيرة الخواص أولياء الله . . والملائكة المقربين في الأخص أي محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين ، إن كل أنواع الغياب عن الوعي هنا مجرد ألعوبة . .
إنها ليست جديرة بأقل من التضحية بالروح فحتام تحتفظ بروحك . . ويا جبريل أو يا من أنت في مقام جبريل كفاك فخرا بجناحك ، بالرغم من عزتك وشرفك لست أنت بالشمع ، فالشمع هو الحضرة الإلهية والفراشة هي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو الجدير بالمشاهدة . .
والجدير بالفناء في ذات الله لأن في فنائه بقاء في بقاء . . ودعك من هذا الحديث المنقلب ، انتبه : لقد قلبت الحديث جعلت الأسد صيد الحمار الوحشي . . والأولى بك أن تخفى هذا . .
ثم قلبته مرة ثانية فوضعت الأسد في موضعه الصحيح . . فعد واجعل من أسد الحقيقة صيدا لحمار الوحش ، حتى يجد الخلق سبيلا إليه . . وحتى يطلع العارف على باطنه . .
ولا يراه شيئا فوق مستوى المثال ، هيا اختم النص حتى لا تنساق إلى قول ما لا تريد .


( 3810 - 3819 ) : كلامك هذا يتناثر بالرغم منك كأنه البول . . فكف عنه . .
وكفاك هذرا . . فأي أسد وأي حمار وحشى . . وما هذا الكلام تلقيه أمام أولئك الذين لا يزالون متشبثين بالأرض ورهن الطين . . وهو يبدو أمامهم معكوسا

« 628 »

ويسيئون فهمه . . دارهم . . فقد أمر الرسول بمداراة الناس ومخاطبتهم على قدر عقولهم . . وأنت غريب في دارهم وظعين مسافر ، وبينك وبينهم ما بين الرازي والمروزي من بعد ومسافة ( الري غرب إيران ومرو أقصى شرقها ) فدارهم حتى تصل إلى سلطان الحقيقة . . ويا من أنت تتخذ من موسى مرشدا تحدث إلى فرعون الزمان بالحديث اللين . . فإنك إن وجهت إلى غلاظ القلوب الذين تشبه قلوبهم زيتا مغليا كلاما قاسيا ( الماء البارد ) لا شتعل الإناء واشتعلت الأثافى ولهدمت من حيث أردت أن تبنى . . تحدث بالكلام اللين لأنه يمكن أن تقول الصواب بالكلام اللين .


( 3820 - 3825 ) : إيذان بختم هذا الكتاب الرابع : لقد حل العصر ، فلأقصر الكلام . . والعصر في المأثور الصوفي هو زمان خاتم الأنبياء بالنسبة لزمان آدم فكأن علينا ونحن في أوان خاتم الأنبياء ألا نطيل الكلام ، وإن كان هذا الكلام تنبيه وتوعية لأهل العصر . . وهو الذي يعطيهم شهد الروح ويبعدهم عن طين الدنيا وطين النفس . . والكلام موجه إلى حسن حسام الدين : إنك روضة روحانية ومستغن عن الحروف والأصوات بالنسبة لفهمى . .

لكن لا محيص من اللجوء إلى هذه الحروف والأصوات حتى يفهم الناس ويدرك العوام ، أولئك الذين يكونون في حاجة إلى حروف وكلمات ، ألست ترى الرياض والبساتين يضع فيها الناس ملواحا على شكل رأس حمار ، هكذا الكلمات والحروف والأمثال والحكايات في المثنوى . . وكثير من الناس يرى رأس الحمار ولا يرى الروضة ورياحينها وثمارها . . وكثير من الناس أيضا يحيطها بالأشواك . . ويظن المحروم من بعيد أن البستان هو هذا فحسب ، فيتقهقر عن الروضة كأنه كبش مغلوب . .

فهيا يا حسام الدين هات رأس الحمار ( الحروف والأصوات والحكايات ) وضعها في مزرعة البطيخ هذه . . فإن رأس الحمار وإن كانت ميتة ( الحكايات المنسية ) فإنها ترتد حية مرة أخرى في أذهان العوام من وضعها في هذا المكان لأنها تصبح ذات معنى وفائدة .

« 629 »

( 3826 - 3834 ) : إن التصوير فن لكنك أنت الذي تبعث فيه الروح . . لا . .

لقد أخطأت فالصورة والمعنى كلاهما منك ( في الحقيقة الصورة والمعنى يسيطر عليهما المخاطب وليس المتحدث ) إنك محمود كالأولياء في السماء . . فلتكن محمودا إلى الأبد في الأرض ، وذلك حتى يتوحد الأرضي مع السماوي وتنتفى التفرقة والاثنينية والشرك ، فإن هذا العمل المسمى بالمثنوى مع عظمته هذه هو من توحد روحينا وعندما تتوحد أرواح الطيبين الأولياء يحدث التغيير في الأرض ، فإن الأفكار بين الأرواح حجاب ، حجاب يوضع على وجه الحقيقة فيخفيها الغرض ويخفيها المرض . . وكثيرا ما عرف الناس الحقيقة فأداروا لها وجوههم ، فغضب ذلك الولي الكامل القمر المنير والرسول المصطفى فغضبه من غضب الرب .


( 3835 - 3844 ) : ومن هنا ولعدم التجانس فإن روح الشرير لم تتعرف على روح النبي وجهلتها وأعرضت عنها . . وكل هذا قرأته . . فاقرأ «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ، رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ، فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ» إن عناد الكفار ولجاجهم لمما يحير : قبل أن يظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم في الدنيا . . كان ورد ألسنتهم ، كان ذكره كالتعويذة ، كانوا ينتظرونه . . كانت قلوبهم تخفق بذكره ، وألسنتهم تلهج بالثناء عليه . . كانوا يدعون الله صباح مساء أن يعجل بعثته ، كانوا يستفتحون باسم الرسول أحمد .

 قال تعالى «وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ» ( البقرة / 89 )

( ينظر أيضا البيهقي دلائل النبوة / 1 ) كانوا يستنجدون به في حروبهم وعند مرضهم ، كانت صورته تبدو لهم


« 630 »

في طرقهم . . لا . . إن صورته لا يستطيع أي كافر أن يتخيلها ، لقد كانت مجرد صورة في مخايلهم .


( 3845 - 3847 ) : إن هذه الصورة لو انعكست على جدار دمى قلب ذلك الجدار . . ولأصابت الجدار بركة انعكاس هذه الصورة عليه ونجا من كونه ذي وجهين . . ولصار جديرا بأن يكون ذا وجه واحد كأهل الصفاء .


( 3848 - 3855 ) : كل هذا التعظيم والوداد ذهب أدراج الرياح بمجرد أن رأوه كانوا زيفا عرض على النار فاسود وافتضح . .
وهكذا الزيف يهزل طالبا المحك ، وهو يعلم أن المحك سوف يفضحه ، كان يفعل ذلك حتى يلقى بمريديه في الشك والظين في صلاحه ، وهكذا يقع من ليس بأهل في حبال مكره ، وينخدع فيه كل خسيس ، نعم إن مجرد طلبه للمحك دليل على صدقه . .
وهو لن يعرض نفسه على المحك أبدا ، وإن عرض نفسه على محك فسوف يطلب محكا زائفا مثله . .
والشيخ الذي يخفى عيب كل وجه من أجل كل ديوث في الطريقة ليس بشيخ بل هو منافق . . فابتعد عنه ما استطعت فهو لا يخفى عيبا ، واختم يا حسام الدين إذن هذا الكتاب الرابع والله الموفق .

( تم الكتاب الرابع من المثنوى بحمد الله تعالى ويليه الكتاب الخامس بإذنه تعالى ) .

  *
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الرابع د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.docx   الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالجمعة يناير 22, 2021 8:56 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 4.pdf

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: