بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد, والصلاة والسلام على محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
هذه محاولة على الطريق أتمنى من الأحبة في المودة أن يقوموها ويتمموها.
الشرح:
قبل ان يصل الشيخ الى هذا المقطع في هذا الوصل, تحدث عن المحرمين وهم ثلاثة (المتمتع والقارن والمفرد), فالمتمتع والقارن لانهما من خارج مكة وهي حرم الله, فعليهما الهدي, وهي النفس, والفرق بينهما ان المتمتع يتصف بصفة سيادة من تخلق الهي, ثم يحل ليعود الى صفة حق عبودية, ثم يرجع الى صفة سيادته في حضرة واحدة. واما القارن فهو الذي يقرن بين صفات الربوبية وصفات العبودية, واما المفرد فهو في الحرم, وهو قوله (ليس لك من الامر شئ), او( قل ان الامر كله لله) او (واليه يرجع الامر كله) واشباه ذلك, ولا يتصور الهدي في حقه, ففي انفراده يرى نزول الحق لعباده, واذا طاف, فهو ظهوره بصفات الحق, الى غير ذلك مما قدمه في هذا الفصل, فجره الحديث عن الطائف والمستلم, الى التطرق لمسألة صفات التشبيه وصفات التنزيه.
...................................................................................................
الصفات الظاهرة في هذا العالم ليس الظاهر فيها الا الله, والأولياء وأهل الكشف والشهود, يرون ذلك رؤية محققة وان الله هو الظاهر الذي ما غاب قط, وان العالم غيب ما ظهر قط, كما قال الشيخ الأكبر, الا ان العقول تحيل اتصاف الحق بها, تنزهه عن ذلك, وان الحوادث لا تقوم به سبحانه وتعالى, وهذا التنزيه في الحقيقة هو عين البعد عن الله, فان غاية ما أوصلهم اليه نظرهم ان جعلوه مطلقا, وما عرفوا ان الاطلاق تقييد وتحديد, لانهم جعلوه مقيدا باطلاقه, بمقابلته للمقيد, فالمقيد غيره, مع انه سبحانه وتعالى مطلق عن الإطلاق, وقد أخبرنا الشرع بلسان مترجمه الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى, بان الله له الاوصاف الظاهرة في هذا العالم, وهو عين ما تحققه الأولياء في رؤيتهم للحق, من أمور وصف الحق بها نفسه من الضحك والتبشبش والسعي والهرولة والمرض والجوع والعطش والمعية واتيان ومجئ ونزول وبصر وعلم وكلام وصوت ورضا وغضب الخ, والتي عبر الشيخ عنها هنا (وصفة إلهية تقتضي التشبيه كالمتكبر والمتعالي وما وصف الحق به نفسه مما يتصف به العبد) وكل تلك المعاني تحيلها العقول وتجهل كيفية نسبتها الى الله مع انه ليس كمثله شئ, فليس من طريق لمعرفة كيفية نسبة ذلك اليه, مع ثبوت كل ذلك قطعا بلسان الشرع وبما تحققه اهل الكشف والشهود في معرفتهم لله, فيظطر أهل العقول الى تأويل كل ذلك, ليتفق مع رؤيتهم, فهم يتبعون نظرهم العقلي, ولا يقبلون الا ما قبلته قياساتهم, وأما أهل الايمان فقبلوه بإيمانهم, وتحرروا من اعتقال العقول, فما أغرب هذا الأمر, حين يقف الانسان بين ما يحكم به الرب على نفسه وبين ما يحكم به العقل, فيتبع ما يحكم به عقله, عمى وجهلا مركبا, وسوء أدب مع الله, وقد ذكر الشيخ ذلك في عدة مواضع من فتوحاته, فما أجهل العقل بقدر ربه, كيف قلد فكره, في مقابلة ما جاء به الرسل والأولياء, والأغرب من ذلك ان أهل النظر هؤلاء يروون عن الرسول صلى الله عليه وآله النهي عن التفكر في ذات الله, وقوله من تفكر في ذات الله تزندق, والنهي عن وصف ذاته تعالى بغير ما وصف به نفسه, لكنهم معقولون بنظرهم, ومأسورون بسلسلة أفكارهم, كلما أضاء لهم نظرهم مشوا فيه, وإذا أظلم عليهم قاموا, فعملوا بعكس ما أمر الله ورسوله, وفكروا في ذات الله وحكموا عليها بالتنزيه وأولوا كل ما ورد عن الله ورسوله مما يخالف عقولهم, بل أنكروا كل ما هو خلاف ما أدى اليه نظرهم, فكذبوا الرسل, واذا قبلوا تلك الاخبارات النبوية, فانهم يأولونها باشكال مختلفة, كل ذلك لما جبلت عليه العقول من التقييد والنفوس من الجبن, فمن هاله ما هو من جنسه فهو جهول ظل عن نفسه, كما قال الأكابر, ولوعرف ان تلك الأوصاف ما ظهر بها الا الله لما هاله الأمر, فان كل ما في أعياننا انما ظهر فيه, فما رأيناه إلا به لا ببصرنا ولا سمعنا كلامه إلا به لا بسمعنا.
فاياك يا حبيبي ان تنفي تلك الصفات عنه مما وصف به نفسه بما هو لنا, فانه سوء ادب وتكذيب للحق فيما اخبر به بل هو صاحب تلك الصفات عند أهل المعرفة, فعين ما يقوم فيه الانسان من وصف في الكون, عين ما يقوم الحق فيه, من غير تكييف فالكل صفات الحق, واذا أطلقناها على الخلق, وقبلوها بحكم الصورة, فليس بطريق الاستحقاق وانما هو بحكم الإعارة, فهي لله حقيقة, وقد نعتنا بها والبستنا أياها الاسماء الإلهية, في تلبسنا بالموجودية, وهو في أسمائه الأصل لا نحن فكل ذلك له, فاذا كان العبد ما عنده من ذاته سوى عينه, فبالضرورة يكون الحق, جميع صفاته, فما سمع سامع في نفس الامر الا بالحق, ولا ابصر الا به, ولا علم الا به, وهكذا في كل وصف وصف, فلا اقرب من الله الينا فهو القريب, الذي لا يبعد الا بعد تنزيهه, وهو الظاهر الذي تشهده العيون, والباطن الذي لا تشهده العقول, ونحن على أصلنا في ثبوتنا, ظهر في كل مظهر, باسمائه التي ملأت أركان كل شئ, بحسب استعداداتنا في العلم, فهو المشهود لنا في حال وجودنا وعدمنا, مشهود لنا بنعت الظهور والبطون للبصائر والابصار.
وقد مثل الشيخ لصفات التشبيه هنا بالمتكبر والمتعالي, وقد ورد ان (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) وهكذا في غيرها من الصفات كالعظمة والعزة والغنى, فيتوهم من يتوهم ان تلك الصفات صفات تنزيه, يعني ان الله لا يتصف بنقائض تلك الصفات, والأمر ليس كذلك, وانما هو منزه عن قيام الكبرياء به, بأن يكون محلا له, لأن محل الكبرياء هو السماوات والأرض, بصريح القرآن, قال عز من قائل: (وله الكبرياء في السماوات والأرض), ثم ان تسمية الكبرياء بالرداء, إشارة كافية لمن القى السمع وهو شهيد, والرداء لابد من أصل له هو مرتديه, فان المرتدي من وراء ردائه.
وقال تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) فعلمنا ان هناك من يحجب بنفسه عن آيات الصفات, في مقام القلب, وان هناك من يظهر بصفة الحق فيقوم كبرياؤه فيه, قال بعض الأكابر في جواب من قال له : فيك كل فضيلة إلا أنك متكبر, فقال : لست بمتكبر ، ولكن كبرياء الله تعالى قام مني مقام التكبر .
ومن كان هو الرداء كان مطابقا للمرتدي, فان ردائك يلامس بشرتك, إذ الرداء تمام صورة المرتدي, ومن هذا التطابق التام بين الرداء والمرتدي نفرع الحديث عن الحكمة في نسبة تلك الصفات لنا في تلبسنا بالوجود, مع انها له في الحقيقة, فان الانسان يقبل أسماء الرحمة التي يباشر بها الله عباده في اظهارهم, فيستأنس بها العبد لترادف الأسماء الكثيرة عليه, ففي كل مرأي يتحقق بوجه جديد, ويعرف نفسه بتلك المظاهر, حتى يأنس المحل بذلك, فتتداوله الاسماء الالهية, كل اسم بحكم غير الذي للآخر, ويرى من نفسه القبول لكل ما ظهر, فيستشرف على تعرف هذا الظهور ومن الظاهر فيه, والذي تقدم تفصيله هنا, فيعرف حينها انه هو الذي قبل كل ظهور الحق, فيعرف نفسه, ولا تشاغله الجهات ولا اسماء الاشتراك في العالم, بل تتساقط بحقه التقابلات, فيخاطبه الله, (اترك نفسك وتعال), وتطلبه الاسماء الذاتية التي لا تشترك في هذا العالم, وهو لا يحسب انها له, لأنه يرى ان كل ما في العالم متوجه اليها, توجه الصفة للذات, أو الفرع للأصل, فيعرض عنها في شهوده للحق, وهي تتوارد عليه, كلما تطرق بابه يقول ما هاهنا أحد , لأنه ما عرف غير نفسه, فإذا تركها, ودخل في ذاته, ليس بمعنى الترك, ولكن ان يكون ذاتا لما اتصف به في العالم, قبل تلك الاسماء, فوجد انها له بالذات, وانه لم يكن يوما غير الحق, لا في الظاهر ولا في الباطن, ويرى ان الله هو الظاهر في صفاته كلها, ويتحقق بما تحقق به الاكابر من معرفة حقيقة صفات التشبيه, فينوب ظاهره عن باطنه, وينوب باطنه فيما بطن عن الذي ظهر, فان ظاهران لا يجتمعان, والا لم يظهر هذا العالم, فلابد إذا ظهر العبد المحقق فيما ذكرناه, ان يبطن الآخر, فان من تحقق حقيقة الأمر من نفسه بنفسه, عرف سر الكعبة وطواف الصفات حولها, فإن ظهر وكان هو الطائف, كانت الكعبة هي الحق الرب الذي هو الباطن, وان دخل الى الحرم, واستلم الحجر, الذي هو يمين الله, كان الله هو الظاهر له.
والصلاة والسلام على أكمل العالم الذي جمع بين الصورتين, وكان برزخا ميز الطرفين علوا وسفلا بجمعيته, والحمد لله رب العالمين.