سيدي عبد السلام يضرب بالدف بين يدي فتح الله أبا رأس القيروان و الشيخ الدوكالي
---
ويذكر الشيخ البرموني أن الشيخ عبد السلام {رضى الله عنه}
في صغره كان قد قرأ على شيخه الدوكالي
( المختصر والرسالة والحكم والتوحيد والمعقول ) وغير ذلك من العلوم ،
حتى صار فقيهاً متفنناً محافظاً على السنة ، وكان لا يحب الدفوف ولا أهلهم ،
ولا المجاذيب ولا قربهم ، وكان يغسل الحصر التي يجتمع عليها الفقراء ويشدد في الإنكار عليهم .
ثم ذات يوم قصد زيارة قبور أجداده ،
فلما وصل وجد بازاء قبورهم طائفة من المغاربة يضربون الدفوف وينشدون أشعاراً منسوبة للشيخ ( ممشاد الدينوري ) ،
فلما سمعهم سيدي عبد السلام خر مغشياً عليه ، وأخذه حال البكاء والجذب ، وبقي يشطح .
وعلى أثر ذلك أمر الطائفة أن يضربوا الدفوف إلى أن بلغ خبره الشيخ الدوكالي ،
فتغير من ذلك ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، يضل من يشاء ويهدي من يشاء ،
وأمر بمقاطعته والامتناع عنه . وجاءت له جماعة من الأشراف والقبائل وطلبوا منه إعطائه الإذن في ضرب الدف ، فامتنع
وقال : من أعان إنساناً على معصية كان شريكاً له فيها ،
إلى أن قال لهم : إن الله لا يعبد بالشطح ولا بالردح ولا بالدفوف ولا بالكفوف .
فتغير سيدي عبد السلام وبكى بكاءً شديداً ،
وجعل الدف على ظهره وقصد الشيخ الأستاذ سيدي فتح الله أبا رأس القيرواني ،
فلما وصل إليه جلس بين يديه ، وذكر له ما وقع له مع شيخه الدوكالي ،
فتغير سيدي فتح الله وبكى ، ثم ركب فرسه وسيدي عبد السلام يمشي خلفه راجلاً حافياً في يوم حر إلى أن وصلا إلى الشيخ الدوكالي ، فوجداه يتوضأ للظهر فصليا معه الظهر جماعة ،
ثم قال سيدي فتح الله : ما بالك يا عبد الواحد مع تلميذك ؟
فقال له : عبد السلام ابتدع ، وركبه الجنون ، ورفض مذهب أهل السنة ، وطريقة الكتاب والسنة ،
عبد السلام خالف واتبع طريق الزفافين أهل الدفوف والكفوف والشيء الذي لا يعني .
فسكت سيدي فتح الله ساعة
ثم قال :يا عبد الواحد ، معذور من ذاق الشراب ولذائذه ،
ومعذور من لم يذقه ، وأنت يا عبد السلام ، أرنا دفك ، واضربه لنسمعه ،
فأخرجه من تحت إزاره وأنشد ..
وإذا بالشيخين قد أخذهما الجذب والارتعاش ،
فأما الشيخ الدوكالي فقد أغمي عليه وسقط على الأرض يتقلب يميناً وشمالاً نحو الساعتين ،
وأما أبو رأس القيرواني بقي قائماً يميد كالسكران ، ثم شخص نحو ثلاث ساعات ثم أفاق
وقال : يا عبد السلام ، قد سرح لك أهل السماوات والأرض في ضرب البندير أنت ومن تبعك ،
ولا قلت لك هذا إلا بإذن من الله ورسوله ..
فمن ذلك الوقت ، سلَّم له الشيخ الدوكالي ، واعترف بفضله ،
وصار لا يقدر أن يصبر على فراقه ،
وكان {رضى الله عنه} إذا أنشد وضرب ، يهتز كل من كان حوله من الناس حتى الجوامد
--
موسوعة الكسنزان