نهاية الفهوم بداية العلوم - نص للإنسان

أنفاس أهل الله واحدة

أمس واليوم وغداً

في الشرق وفي الغرب يصدرون من مشكاة الغيب على أقدام النبوات مهما اختلفت صورهم وأجناسهم.

فذاك الشيخ الحاتمي الطائي قبل ثمان قرون يكتب في فتوحاته

: " لما كان اليقين فيه رائحة من مقاومة القهر الإلهي مثل الصبر ترك أهل الله الإتصاف به وتعمله"[1]

فهذا التعريف للحقيقة يعادل التعبير عن الإيمان فدون مخاطرة لا يوجد إيمان.

فإذا استطعت أن أدرك الله موضوعياً فأنني لا أؤمن

ولكن بالضبط لأني لا أستطيع أن أفعل هذا يجب أن أؤمن.

يقول كيركجورد:

وعنصر المخاطرة في الإيمان أنه إيمان بالغيب، والغيب يرادف عدم اليقين الموضوعي لأن اليقين بالغيب لا يتحقق بالطريق الموضوعي وإنما بالتحقق الذاتي قال تعالى:

وفي الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين

وإذا كان اليقين يبلغ ذروته في العجز عن الإثبات،

فليس معنى ذلك أن الموضوعية أمر خليق بالإهمال والازدراء،

فليس اللهاث وراء التدقيق الموضوعي وإقامة البراهين إلا لنقص اليقين الذي لا يتوثق ببناء صرح للحقيقة خارجنا،

بل في معاناة الوجود لأننا نواجه الحقيقة بوجودنا لا بعقولنا.

وإذا كان اليأس الشيطاني يدفع الإنسان إلى الانغلاق والاعتصام في دائرة بؤسه،

فان نوعاً آخر من اليأس قد يكون منقذاً من غرور الموضوعية فيكون علامة على إنسانية تدرك نفسها على أنها متناهية ولا متناهية في آن واحد،

فيفتح اليأس باباً إلى علو المطلق فينا فهو يثير قطع العلائق الموضوعية والوثبة التي يفلت المرء بها من قيوده نحو وجوده الكامل،

وهو ما يؤكده كيركجورد بقوله:

وفي الحديث القدسي :

ففي طريق المعرفة الذاتية لابد من تخلية القلب من حجاب المعارف الموضوعية والصبر على عبيء اللامعرفة العصيب،

إلا إن هذا اللاقرار هو حقيقة المعرفة فإن ماهية المعرفة هي البحث عن الحقيقة لا امتلاكها .

وقد روي عن الإمام علي A قوله:

أن تعرف الله يعني أن تكون في الطريق إن الأسئلة في معرفة الله،

ومع ذلك فإن كون الإنسان سائراً في الطريق-وهو قدره في الزمان- لا يحذف احتمال سكينة عميقة،

بل نوع من الإنجاز في بعض اللحظات العليا،

هذا الإنجاز ليس أبداً معرفة قابلة لأن تصاغ،

أو تقريرات ومعتقدات يجاهر بها.

وهكذا تسعى المعرفة إلى تلمح الواقع الأصلي

، وفتح كياننا على أعماق الشامل فليس موقع المعرفة فوق شيء،

يقول أفلاطون "الدهشة هي الحال الذي يميز الفيلسوف حقاً وليس للفلسفة مبدأ سواه"[9].

ومع كل ذلك فإن للشيخ الأكبر ذوقاً محمدياً في مسألة اليقين انفرد به عن سواه من أهل الله فهو يقارن في فصوصه بين قول الخليل عليه السلام

: "ليطمئن قلبي" وقول الحبيب المصطفى: "زدني تحيرا"

ويخلص إلى أن اليقين سكون لا يليق بالمحمدي الذي لا يسعه مقام ولا تضمه حضرة بل هو يزداد في حيرته علماً

فهو يزداد مع الأنفاس ولو ركن إلى يقين لما كان على صورة " كل يوم هو في شأن".

[2] جوليفييه –المذاهب الوجودية

[3] عصر الأيديولوجيا ص301.

[4] البقرة2،3).

[5] الصحيفة السجادية، مناجاة العارفين، ص417

[7] الشعراني، عبد الوهاب (ت973هـ)، لواقح الأنوار المحمدية في بيان العهود المحمدية، ط2، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1393هـ، ص411 والبحار 70/157 عن دعوات الراوندي

[8] القندوزي، ينابيع المودة، ج3 ص209

[9] تيتانوس ص100، عن هيدجر ماالفلسفة، ص51-51