منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 12:41 pm

 مقدمة الشارح الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

مقدمة الجامي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

مقدمة الشارح الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي

الحمد لله الذي جعل صفائح قلوب ذوي الهمم قابلة لنقش فصوص الحكم.
والصلاة على المظهر الأتم لإسمه الأعظم محمد وآله الهادين إلى الطريق الأقوم.
إيضاحات مهمة :
""الاسم الأعظم : يعني به كل من الأسماء الذاتية الأولية المسمی مجموعها بمفاتيح الغيب.
ويطلق الاسم الأعظم ويراد به اسمه "الله" تعالى لكونه هو الاسم الجامع الجميع الأسماء الإلهية""
""المظهر الأتم أو المظهر الجامع : هو الإنسان الكامل الحقيقي، سمي بذلك لكون شهود الحق تعالی الكامل الأسماء إنما يكون في هذا الإنسان الكامل الحقيقي الجامع لجميع المظاهر .""
""الأقوم: الأعدل. والطريق الأقوم هو : الدين الكامل الجامع لمقامات الإسلام والإيمان والإحسان ، الملك والملكوت والجبروت، تجليات الأفعال و تجليات الأسماء والصفات وتجليات الذات .""
حقيقة الحق سبحانه وتعالى ليست غير الوجود البحت من حيث هو وجود.
وإن أردت زيادة توضيح لما صورناه من المراتب الثلاث في الموجودية ، فاستوضح الحال فيما نورده في هذا المثال.
وهو أن مراتب المضيء في كونه مضيئا ثلاث أيضا:
الأول المضيء بالغير، أي الذي استفاد ضوءا من غيره، كوجه الأرض، الذي استضاء بمقابلة الشمس. فههنا مضيء وضوء يغايره وشيء ثالث أفاده الضوء
والثاني المضيء بالذات بضوء هو غيره، أي الذي يقتضي ذاته ضوءا بحيث يمتنع تخلفه عنه ، كجرم الشمس إذا فرض اقتضاؤه لضوئه كذلك ، فهذا المضيء له ذات و ضوء يغایر ذاته.
والثالث المضيء بالذات بضوء هو عينه، كضوء الشمس؛ فإنه مضيء بذاته ، الا بضوء زائد على ذاته .
فهذا أعلى وأقوى ما يتصور في كون الشيء مضيئا.
فإن قيل، كيف يوصف الضوء بأنه مضيء مع أن معنى المضيء كما يتبادر إلى الأفهام ما قام به الضوء؟
قلنا، ذلك المعنى هو الذي يتعارفة العامة، وقد وضع له لفظ «المضيء» في اللغة ؛ وليس كلامنا فيه.
فإنا إذا قلنا، الضوء مضيء بذاته ، لم نرد أنه قام به ضوء آخر، فصار مضيئة بذلك الضوء.
بل أردنا به أن ما كان حاصلا لكل واحد من المضيء بالغير والمضيء بضوء هو غيره - أعني الظهور على الأبصار بسبب الضوء - فهو حاصل للضوء في نفسه بحسب ذاته، لا بأمر زائد على ذاته .
بل الظهور في الضوء أقوى وأكمل ؛ فإنه ظاهر بذاته ظهورا تاما لا خفاء فيه أصلا ومظهر لغيره على حسب قابليته للظهور،
وإذا انكشف لك حال هذه المراتب في الأمور المحسوسة، فقس عليها حالها في الأمور المعنوية المعقولة.
وصل "ماهيته سبحانه"
قال بعض أهل النظر، «أما البرهان الموضح تحقیق كون وجوده سبحانه عین ماهيته وأن ليست له حقيقة وراء الوجود، فهو أنه لو كان له وجود وماهية ، لكان مبدأ الكل اثنين ، وكل اثنين محتاج إلى واحد هو مبدأ الاثنين .
والمحتاج إلى مبدأ لا يكون مبدأ للكل."
"فإن قيل، الماهية موصوفة، والوجود صفة، والموصوف متقدم على الصفة القائمة به، فالمبدأ الأول واحد، وهو الماهية ؛ قيل، الماهية على تقدير تقدمها على الوجود لا تكون موجودة، فإذن يكون مبدأ الموجودات غير موجود - وهذا محال» .
"فإن قيد بالإطلاق يشترط فيه أن يتعقل بمعنى أنه وصف سلبي، لا بمعنى أنه إطلاق ضده التقييد . بل هو إطلاق عن الوحدة والكثرة المعلومتين وعن الحصر أيضا في الإطلاق والتقيد وفي الجمع بين ذلك أو التنزه عنه - فيصح في حقه كل ذلك حال تنزهه عن الجميع."


وصل "الوجود"
وهو، أي الوجود، أظهر من كل شيء تحققا وافية - حتى قيل، إنية بديهي - وأخفى من جميع الأشياء حقيقة.
وليس عبارة عن الكون والحصول والتحقق إذا أريد بها المعاني المصدرية، لأنها مفهومات عقلية اعتبارية، لا تحقق لها إلا في الذهن.

وصل "الهوية الذاتية "
الهوية الذاتية مطلقة بالإطلاق الحقيقي، وهي تقتضي بحقيقتها أن لا تعلم ولا تحاط .
وحقيقة العلم الإحاطة بالمعلوم وكشفه على سبيل التمييز عن غيره : فحقيقة العلم لا تتعلق بها، إذ حقيقة الذات تقتضي أن لا تعلم، والشيء إذا اقتضی أمرة لذاته ، فإنه لا يزال عليه ما دامت ذاته .
وليس في قوة الحقيقة العلمية أن تحيط بما يقتضي عدم الإحاطة به لذاته ، لأن العلم سواء أضيف إلى الحق أو إلى الخلق لا تخرجه الإضافة عن حقيقته ، إذ الحقائق لا تتبدل .
والعلم على كل حال نسبة من نسب الذات، متميزة عن غيرها، فلا تحيط بالذات الغير المحاطة ؛ وإلا لزم قلب الحقائق، وخرجت الذوات عن مقتضياتها الذاتية . وذلك بين البطلان.
فإن قيل، العلم الذاتي عين الذات، فلا يكون من هذا الوجه غيرها، فلا تمتنع على العلم الذاتي الإحاطة بالذات ؛ قلنا، فعلى هذا لا يكون الإحاطة للنسبة العلمية من حيث هي كذلك .
بل، يكون الإحاطة للذات. ومرادنا قصور النسبة العلمية في حقيقتها - من كونها نسبة من النسب الإلهية - عن الإحاطة بكنه الذات المطلقة تعالت وتقدست .
فعلى كل تقدير الإحاطة بالذات المطلقة محال، فلا تعلم أصلا».
هكذا قال الشيخ مؤيد الدين الجندي في شرحه لفصوص الحكم.
وفي كتاب الفكوك : «إن تعلق علم الحق بذاته على نحوين: فإن للحق تعينا في عرصة تعقله نفسه ، ولهذا التعين الإطلاق بالنسبة إلى تعين كل شيء في علم كل عالم؛ بل، وبالنسبة إلى تعين الحق في تعقل كل متعقل.
ويتعلق علمه تعالی أيضا بذاته على نحو آخر، وهو معرفته بذاته من حيث إطلاقها وعدم انحصارها في تعينها في نفسها . وهذه المعرفة هي معرفة كلية جملية».
وقال بعضهم، «من ذهب من المحققين إلى أن حقيقة الحق مجهولة، فإنما يعني بذلك أن الحق من حيث الإطلاق المشار إليه لا يتعين في تعقل ولا يتجلى في مرتبة ولا ينضبط بمدرك». .
وفي كتاب مفتاح الغيب "في التصوف للشيخ صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي"  : «إن الجهل بهذه الذات عبارة عن عدم معرفتها مجردة عن المظاهر والمراتب والتعينات لاستحالة ذلك، فإنه من هذه الحيثية لا نسبة بين الله سبحانه وبين شيء أصلا.
وأيضا فيه :"ويتعذر معرفة هذه الذات أيضا من حيث عدم العلم بما انطوت عليه من الأمور الكامنة في غيب كنهها التي لا يمكن تعينها وظهورها دفعة، بل بالتدريج».

وصل "حقيقة الحق"
"ولما كان الحق سبحانه من حيث حقیقته في حجاب عزته لا نسبة بينه وبين ما سواه، كان الخوض فيه من هذا الوجه والتشوف إلى طلبه تضييعا للوقت وطلبا لما لا يمكن تحصيله، ولا الظفر به إلا بوجه إجمالي؛ وهو أن وراء ما تعين أمر به ظهر العلمية من حيث هي كذلك .
بل، يكون الإحاطة للذات ومرادنا قصور النسبة العلمية في حقيقتها من كونها نسبة من النسب الإلهية عن الإحاطة بكنه الذات المطلقة تعالت وتقدست .
فعلى كل تقدير الإحاطة بالذات المطلقة محال، فلا تعلم أصلا".
هكذا قال الشيخ مؤيد الدين الجندي في شرحه لفصوص الحكم.
وفي كتاب الفكوك : "إن تعلق علم الحق بذاته على نحوين:
فإن للحق تعينا في عرصة تعقله نفسه ، ولهذا التعين الإطلاق بالنسبة إلى تعيين كل شيء في علم كل عالم؛ بل، وبالنسبة إلى تعين الحق في تعقل كل متعقل.
ويتعلق علمه تعالی أيضا بذاته على نحو آخر، وهو معرفته بذاته من حيث إطلاقها وعدم انحصارها في تعيينها في نفسها . وهذه المعرفة هي معرفة كلية إجمالية».
وقال بعضهم، "من ذهب من المحققين إلى أن حقيقة الحق مجهولة، فإنما يعني بذلك أن الحق من حيث الإطلاق المشار إليه لا يتعين في تعقل ولا يتجلى في مرتبة ولا ينضبط بمدرك".
وفي كتاب مفتاح الغيب "في التصوف للشيخ صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي"  : "إن الجهل بهذه الذات عبارة عن عدم معرفتها مجردة عن المظاهر والمراتب والتعينات لاستحالة ذلك، فإنه من هذه الحيثية لا نسبة بين الله سبحانه وبين شيء أصلا".
وأيضا فيه :"ويتعذر معرفة هذه الذات أيضا من حيث عدم العلم بما انطوت عليه من الأمور الكامنة في غيب كنهها التي لا يمكن تعينها وظهورها دفعة، بل بالتدريج".

وصل "تضيع الوقت فى البحث عن حقيقة الحق"
ولما كان الحق سبحانه من حيث حقیقته في حجاب عزته لا نسبة بينه وبين ما سواه، كان الخوض فيه من هذا الوجه والتشوف إلى طلبه تضييعا للوقت وطلبا لما لا يمكن تحصيله، ولا الظفر به إلا بوجه إجمالي؛ وهو أن وراء ما تعين أمر به ظهر كل متعین .
لذلك قال سبحانه بلسان الرحمة والإرشاد : " ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد" [آل عمران: 30].
فمن رأفته أن اختار راحتهم وحذرهم عن السعي في طلب ما لا يحصل و لكن لهذا الوجود الحق من حيث مرتبته عروض وظهور في نسب علمه التي هي الممكنات. وتتبع ذلك العروض أحكام وتفاصيل وآثار بها يتعلق المعرفة التفصيلية وفيها ومنها يقع الكلام.
وأما ما وراء ذلك، فلا لسان له، ولا خطاب يفضله ؛ بل، الإعراب عنه يزيده إعجاما ، والإفصاح إبهام .

وصل "عين الوجود الحق المطلق"
ما في الوجود إلا عين واحدة هي وحقيقته، وهو الموجود المشهود، لا غير.
ولكن هذه الحقيقة الواحدة والعين الأحدية لها مراتب ظهور لا تتناهي أبدأ في التعين والتشخيص.
ولكن كليات هذه المراتب منحصرة في ست :
اثنتان منها منسوبتان إلى الحق سبحانه.
وثلاث منسوبة إلى الكون.
وسادستها هي الجامعة بينها.
وذلك لأن هذه المراتب لما كانت مظاهر ومجالي، فلا تخلو إما أن تكون مجلي ومظهرة يظهر فيه ما يظهر للحق سبحانه وحده، لا للأشياء الكونية.
أو تكون مظهرا يظهر فيه ما يظهر للحق وللأشياء الكونية أيضا.
فالأول يسمى "مرتبة الغيب"، الغيبة كل شيء كوني فيها عن نفسه وعن مثله .
فلا ظهور لشيء فيها إلا للحق تعالی .
وانتفاء الظهور للأشياء يكون بأحد وجهين :
أحدهما بانتفاء أعيانها بالكلية . حيث كان الله، ولا شيء معه - فينتفي الظهور لها علما و وجدانا لانتفاء أعيانها بالكلية .
وذلك المجلى هو التعين الأول والمرتبة الأولى من الغيب.
والوجه الثاني بانتفاء صفة الظهور للأشياء عن أعيان الأشياء مع تحققها وتميزها وثبوتها في العلم الأزلي وظهورها للعالم بها .
لا لأنفسها وأمثالها - كما هو الأمر في الصور الثابتة في أذهاننا.
وهذا المجلى والمظهر هو التعين الثاني وعالم المعاني والمرتبة الثانية .
ويعمهما اسم «الغيب» لما ذكرنا.
وأما ما يكون مجلي يظهر فيه ما يظهر للأشياء الكونية أيضا علما ووجدانا ، فهو ثلاثة أقسام :
1- فإنه إما أن يكون مظهرا ومجلي يظهر فيه ما يظهر للأشياء الكونية الموجودة البسيطة في ذاتها، فذلك يسمى «مرتبة الأرواح» .
2 - أو مظهرا و مجلي يظهر فيه ما يظهر للأشياء الموجودة المركبة، فتلك الأشياء الموجودة المركبة إما أن تكون لطيفة - بحيث لا تقبل التجزئة والتبعيض و الخرق و الالتيام - فمجلاها ومحل ظهورها ومحل الظهور لها يسمى "مرتبة المثال".
3 - وإما أن تكون الموجودات المركبة كثيفة بالنسبة إلى تلك اللطائف - أو على الحقيقة بحيث تقبل التجزئة والتبعيض والخرق والالتيام - فمجلاها و محل صفة ظهور ما يظهر لها فيه يسمى "مرتبة الحس" و"عالم الشهادة" و"عالم الأجسام".
والإنسان الحقيقي الكامل جامع للجميع. وقد انحصرت أقسام المراتب الكلية بعون الله تعالی .


وصل "التعيينات العارضة للوجود "

قال بعضهم، التعيينات العارضة للوجود إن كانت في مرتبة لا تفيد نسبة الوجود إليها بأن لا تفيد التعدد الوجودي، بل التعدد العقلي فقط.
يسمى ذلك التعين بـ «شيئية الثبوت»، وتلك المرتبة حضرة المعاني والأسماء والحقائق، وهي المسماة بـ «عالم الجبروت» عند الإمام الغزالي رحمه الله .
وإن كانت في مرتبة تفيد التعدد الوجودي الإضافي، يسمى بـ «شيئية الوجود» .
فإن لم تبلغ إلى حد تدركها القوة الجسمانية من الخيال والحس - بل إنما يدركها العقل بآثارها.
كالقوى السبع الجسمانية المودعة في البدن - تسمى تلك المرتبة "حضرة "الأرواح النورية والملكية من العقول والنفوس".
وهي حضرة الملكوت الأعلى والأسفل؛ وعند الشيخ الكبير"الشيخ الأكبر" رضي الله عنه ، "عالم الجبروت عالم النفوس".
وإلا، فإن بلغت إلى حد يدركها الخيال المطلق، فهي حضرة المثال المطلق، البرزخ الجامع بين الطرفين.
وإن بلغت إلى حد يدركها الخيال المقيد بالحيوان، فهي حضرة المثال المقيد.
وإن بلغت إلى حد من شأنه أن يدركها الحس، فهي حضرة الحس والشهادة والملك.
فهذه المراتب الكلية الخمس تسمى «الحضرات الخمس».
ولكونها مرتبة التعيينات الكلية التي لا تعين فوقها تسمى «الأسماء الذاتية» و«المفاتيح الأول» .
كذا ذكره الشيخ رضي الله عنه في شرح الحديث .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة أغسطس 02, 2019 3:43 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 12:53 pm

الفصل الأول "الأحدية والواحدية" .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفصل الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الفصل الأول "برزخ الأحدية والواحدية"

والتعين التالي الغيب الهوية واللاتعين هي هذه الوحدة التي انتشت منها الأحدية والواحدية.
فظلت برزخ جامعة بينهما، وهي عين قابلية الذات لبطونها وغيبها وانتفاء الاعتبارات عنها وحكم أزليتها و لظهورها أيضا وظهور ما تضمنت من الاعتبارات المثبتة حكم ابديتها لنفسها إجمالا ثم تفصيلا.
ولتلك الوحدة اعتباران أوليان:
أحدهما سقوط الاعتبارات عنها بالكلية . وفي الذات بهذا الاعتبار «أحدا»، ومتعلقه بطون الذات وإطلاقها وأزليتها.
وعلى هذا يكون نسبة الاسم الأحد إلى السلب أحق من نسبته إلى الثبوت والإيجاب .
والاعتبار الثاني ثبوت الاعتبارات الغير المتناهية لها مع اندراجها فيها في أول رتبة الذات ، كالنصفية والثلثية والربعية الثابتة و المندرجة في الواحد العددي، الذي ينتشي منه الأعداد.
والذات بهذا الاعتبار تسمى «واحد»، اسما ثبوتيا، لا سلبيا.
و متعلق هذا الاعتبار ظهور الذات ووجودها وأبديتها .
ولا مغايرة بين هذين الاعتبارين ولا بین اعتبار و اعتبار في أول رتبة الذات، لأن المغايرة من أحكام الكثرة، ولا ثمة كثرة .

وصل  "مقام الأحدية والواحدية"
الأحدية والواحدية ذاتيتان للذات الواحدة.
أما أحديتها، فمقام انقطاع الكثرة النسبية والوجودية واستهلاكها في أحدية الذات.
وأما واحديتها وإن انتفت عنها الكثرة الوجودية ، فالكثرة النسبية متعقلة التحقق فيها، إذ الواحد من كونه مبدأ للعدد نصف الاثنين وثلث الثلاثة وربع الأربعة وجزء من أي عدد فرض .
وهذه النسب ذاتية التحقق للواحد. ولكن ظهورها مشروط بتعدد الواحد بذاته في تفاصيل مراتب العدد وجودا وعلما.
فافهم : تفهم تقدم مقام الأحدية على مقام الواحدية والحضرات الأسمائية، إن شاء الله تعالی.

وصل " العقل و الحقائق الجمعية الأحدية "
الذات الإلهية حقيقة واحدة أحدية جمعية لكل المعاني والنسب بالذات، فهي فيها هي ليست زائدة عليها .  وإن تعقلت كذلك ، فليس ذلك إلا في التعقل.
وكذلك الذات المطلقة أيضا تعقل مطلقة عنها، وليست في الوجود مجردة عن هذه النسب ، ولا هي زائدة عليها.
ولكن العقل ينتزع الحقائق الجمعية الأحدية ويتعقل كل واحدة على حدتها ويحكم عليها بأنها زائدة على الذات في التعقل ويتعقلها مجموعة أحدية بمعنى استهلاك الكثرة الوجودية عنها.
وليس له أن يحكم عليها أنها زائدة على الذات في الوجود، فلا تمايز ولا تغاير إلا في التعقل.
ولكن العقول الضعيفة تغلط : فتحفظ، إن شاء الله العزيز .

وصل  "التعيين الأول - حقيقة الحقائق "
وعبر عنه ، أي عن التعين الأول، بعض الأكابر من حيث البرزخية المذكورة بـ "حقيقة الحقائق"، لكليته وكونه أصلا لكل اعتبار وتعين وباطن كل حقيقة إلهية أو كونية وأصله الذي انتشیء منه.
وهو سار بكليته فيه بحيث يكون في الإلهية إلهية وفي الكونية كونية ؛ والكل مظاهره وصور تفصيله.
وسماه بعضهم "البرزخ الأكبر" الجامع لجميع البرازخ وأصلها الساري فيها.
وكنى عنه الشرع بمقام "أو أدنى " [النجم: 9].
فإنه باطن مقام "قاب قوسين" [النجم: 9]، أي قرب قوسي الوحدة والكثرة .
أو قل : "الفاعلية والقابلية".
أو قل : "قوسي الوجوب والإمكان" .
وجمعهما وجعلهما دائرة واحدة متصلة، لكن مع أثر ما خفي من التميز والتكثر بينهما.
وباطن هذا المقام - وهو مقام "أو أدنى" من قرب القوسين المذكورين - لم يدع أثر التميز والتكثر في دائرة الجمعية بين حكم الأحدية والواحدية أصلا، وكني عنه بعضهم بـ "الحقيقة المحمدية" الثابتة في حاق الوسطية والبرزخية والعدالة بحيث لم يغلب عليه حكم اسم أو صفة أصلا.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: الفصل "الثاني مرتبة الألوهية والتعين الثاني والأعيان الثابتة" .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 1:04 pm

الفصل "الثاني مرتبة الألوهية والتعين الثاني والأعيان الثابتة" .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفصل الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الفصل "الثاني مرتبة الألوهية والنعين الثاني والأعيان الثابتة"

وصل "مرتبة الألوهية"
ويتعين في هذه المرتبة المرتبة الجامعة لجميع التعيينات الفعلية المؤثرة، وهي مرتبة الألوهية ؛ ثم المرتبة التفصيلية لتلك المرتبة الجمعية الإلهية.
وهي مرتبة الأسماء و حضراتها ؛ ثم المرتبة الجامعة لجميع التعيينات الانفعالية التي من شأنها التأثير والانفعال والانسفال والتقيد ولوازمها وهي المرتبة الكونية الخلقية.
ثم المرتبة التفصيلية لهذه الأحدية الجمعية الكونية، وهي مرتبة العالم ؛ ثم هكذا في جميع الأجناس والأنواع والأصناف والأشخاص .

وصل "التعين الثاني"
ثم إن هذا التعين الثاني المذكور سمي بأسماء كثيرة بحسب اعتبارات ثابتة فيه، مع توحد عينه .
فباعتبار أنه أصل ظهور التعيينات ومنشأها ومنشأ جميع الكمالات المضافة إلى كل واحد منها وقبلة توجهاتها ومرجعها، سمي بـ "مرتبة الألوهية".
وباعتبار تحقق جميع المعاني الكلية والجزئية وتميزها فيه، سمي بـ "عالم المعاني".
وباعتبار ارتسام الكثرة النسبية المنسوبة إلى الأسماء الإلهية والكثرة الحقيقية المضافة إلى الكون وحقائقه فيه، مي بـ "حضرة الارتسام".
وباعتبار تعلق العلم الازلي - الذي هو ثاني تعيناته الكلية التي أولها الحيوة - بباقيها على كثرتها وإحاطته بجميعها وحدة وكثرة، حقيقية ونسبية ، سمي بـ "حضرة العلم الأزلي".
وباعتبار كون المعلومات التي تعلق العلم الأزلي بها ما بين واجب ظهوره وتحققه بنفسه، وبين ممتنع ظهوره في نفسه في شيء من المراتب الكلية والجزئية ،
وبين متوسط بينهما نسبته إليهما على السواء، سمی المتوسط "مرتبة الإمكان".
وباعتبار أنه صورة التعين الأول - الذي هو أول مرتبة للذات الأقدس - مي با «المرتبة الثانية».
فمسمى جميع هذه الأسامي عين هذا التعين الثاني المذكور .

وصل "الأعيان الثابتة"
الوجود يتجلى بصفة من الصفات، فيتعين ويتميز عن الوجود المتجلي بصفة أخرى، فيصير حقيقة ما من الحقائق الأسمائية.
وصورة تلك الحقيقة في علم الحق سبحانه هي المسماة ب «الماهية» و«العين الثابتة».
وإن شئت قلت، تلك الحقيقة هي الماهية، فإنه أيضا صحيح.
فالأعيان الثابتة هي الصور الأسمائية المتعينة في الحضرة العلمية .
وتلك الصور فائضة من الذات الإلهية بالفيض الأقدس والتجلي الأول بواسطة الحب الذاتي وطلب مفاتيح الغيب - التي لا يعلمها إلا هو - ظهورها وكمالها.
فإن الفيض الإلهي ينقسم إلى الفيض الأقدس و الفيض المقدس:
وبالاول تحصل الأعيان واستعداداتها الأصلية في العلم.
وبالثاني تحصل تلك الأعيان في الخارج مع لوازمها وتوابعها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثالث عن الماهيات .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 1:12 pm

الفصل الثالث عن الماهيات .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفصل الثالث على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الفصل "الثالث عن الماهيات"

الأعيان الثابتة - وهي التي يسميها الحكماء «ماهیات» - غير مجعولة.
فقال بعضهم، نفي مجعوليتها إنما هو من حيث أنها صور علمية:" لأنها حينئذ معدومة في الخارج.
والمجعول لا يكون إلا موجودا؛ كما لا توصف الصور العلمية والخيالية التي في أذهاننا بأنها مجعولة ما لم توجد في الخارج.
فالجعل إنما يتعلق بها بالنسبة إلى الخارج".
وههنا بحث حاصله أن الماهية الممكنة كما أنها محتاجة إلى الفاعل في وجودها الخارجي، كذلك محتاجة إليه في وجودها العلمي، سواء كان ذلك الفاعل مختارة أو موجبا.
فالمجعولية - بمعنى الاحتياج إلى الفاعل - من لوازم الماهية الممكنة مطلقا.
فإنها أينما وجدت كانت متصف بهذا الاحتياج، سواء كان اتصافها به بينا أو غير بين.
وإن فسرت المجعولية بأنها الاحتياج إلى الفاعل في الوجود الخارجي، كان الكلام صحيحا، والتقييد تكلفا.
فالصواب أن يقال ، المراد بكون الماهيات غیر مجعولة أنها في حد أنفسها لا يتعلق بها جعل جاعل وتأثير مؤثر .
فإنك إذا لاحظت ماهية السواد مثلا، ولم تلاحظ معها مفهوما سواها، لم يعقل هناك جعل ؛ إذ لا مغايرة بين الماهية ونفسها حتى يتصور توسط جعل بينها، فيكون أحديهما مجعولة تلك الأخرى.
وكذا لا يتصور تأثير الفاعل في الوجود بمعنی جعل الوجود وجود؛ بل، تأثيره في الماهية باعتبار الوجود، بمعنى أنه يجعلها متصفا بالوجود، لا بمعنى أنه يجعل اتصافها موجودة متحققة في الخارج.
فإن الصباغ مثلا إذا صبغ ثوبا، فإنه لا يجعل الثوب ثوبا ولا الصبغ صبغا ؛ بل يجعل الثوب متصفا بالصبغ في الخارج، وإن لم يجعل اتصافه به موجودة في الخارج.
فليست الماهيات في أنفسها مجعولة، ولا وجوداتها أيضا في أنفسها مجعولة ؛ بل، الماهيات في كونها موجودة مجعولة .
وهذا المعنى مما لا ينبغي أن ينازع فيه.
ولا منافاة بين نفي المجعولية عن الماهيات بالمعنى الذي ذكرناه أولا وبين إثباتها لها بما بيناه آنفا.
فالقول بنفي  المجعولية مطلقا و بإثباتها كلاهما صحيح إذا حملا على ما صورناه .


وصل "الممكن والتعين"
الممكن هو الوجود المتعين . فإمكانه من حيث تعينه ، ووجوبه من حيث حقيقته : وذلك أن التعين نسبة عقلية، فهي بالنسبة إلى المرجح واجبة للمتعین .  
والتعين هو حدوث ظهور الوجود من وجه معين يعينه القابل المعين للوجود بحسب خصوصه الذاتي، فيمكن بالنظر إلى كل تعين حادث للوجود أن ينسلخ الوجود عنه ويتعين تعينا آخر، وينعدم التعيين الأول ؛ إذ نفس التعين هو الواجب الوجود الحق الساري في الحقائق، لا التعين المعين .
وليس كل تعيين معين واجبا له على التعيين إلا لموجباته.
فيمكن أن ينعدم، ويتعين الوجود تعينا آخر، إذ الوجود المتعين لا ينقلب عدما ؛ بل، يتبدل تعيناته بتعينات أخرى غير تعيينات قبلها.
فيتحقق من هذا حقيقة الإمكان للتعيين المعين، وهو نسبة عدمية في الوجود، فهو بين عدم ووجود: مهما رجح الحق إفاضة نور الوجود على ذلك الوجه المعين، بقي موجودا .
والكشف يقضي بالتبدل مع الآنات؛ وإن أعرض عنه التجلي الوجودي، انعدم وعاد إلى أصله، هذا أصل الإمكان.
وأما اسم «الغير» و«السوي» للممكنات، فذلك من حيث امتيازاتها النسبية والذاتية بالخصوصيات الأصلية.
فهي من هذا الوجه أغيار بعضها مع بعض.
وأما غیرتها للوجود المطلق الحق، فمن حيث أن كلا منها تعین مخصوص للوجود الواحد بالحقيقة يناير الآخر بخصوصيته ؛ والوجود الحق المطلق لا يغاير الكل ولا يناير البعض، لكون كلية الكل وجزئية الجزء نسبة ذاتية له، فهو لا ينحصر في الجزء ولا في الكل.
فهو مع كونه فيهما عينهما لا يغاير كلا منهما في خصوصهما.
ولكن غيريته في أحدية جمعه الإطلاقي مطلقة عن الكلية والجزئية والإطلاق.
فما في الحقيقة إلا وجود مطلق ووجود مقيد، وحقيقة الوجود فيهما حقيقة واحدة . و الإطلاق والتعين والتقيد نسب ذاتية له. فافهم .

وصل "الأثر و المراتب"
اعلم أن الأثر لا يكون لوجود أصلا من كونه وجودا فقط، بل لا بد من انضمام أمر آخر خفي إليه، يكون هو المؤثر، أو عليه يتوقف الأثر.
ولما كان أمر الكون محصورا بين وجود و مرتبة، وتعذر إضافة الأثر إلى الوجود - كما مر – تعين إضافته إلى المرتبة .
ومرتبة الوجود المطلق الألوهية ؛ فإليها وإلى نسبها المعبر عنها بـ «الأسماء» تستند الآثار.
والمراتب كلها أمور معقولة غير موجودة في أعيانها ؛ فلا أثر إلا الباطن.
ومتى أضيف إلى ظاهر، لغموض سره وصعوبة إدراكه بدون الظاهر؛ فمرجعه في الحقيقة إلى أمر باطن من ذلك الظاهر وفيه . فاعرف.
إذ كل ما هو ثابت للوجود الحق الواجب، فهو ثابت له أزلا وأبدا ؛ وكذا كل ما هو ثابت للممكن.
لكن كل واحد منهما مرآة للآخر يظهر به أحكامه.
فالمعرفة بالصفات والأحكام والنسب والمراتب وظهورها للممكنات هي الحادثة بحدوث الممكنات، لا ثبوتها وانتفاؤها لمن هي ثابتة له أو منتفية عنه. فافهم.
أعظم الشبه والحجب التعددات الواقعة في الوجود الواحد بموجب آثار الأعيان الثابتة فيه، فتوهم أن الأعيان ظهرت في الوجود وبالوجود.
وإنما ظهرت آثارها في الوجود، ولم تظهر هي ولا تظهر أبدا ؛ فالظهور إنما هو للوجود، لكن بشرط التعدد مع آثار الأعيان فيه .
والبطون صفة ذاتية للأعيان، وللوجود أيضا من حيث تعقل وحدته .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الرابع الأبدال .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 1:21 pm

الفصل الرابع الأبدال .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفصل الرابع على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصل الرابع الأبدال 
والنفوس الإنسانية الكاملة أيضا يتشكلون في هذا العالم بأشكال غير أشكالهم المحسوسة.
وهم في دار الدنيا ويظهرون بها على من يريدون الظهور عليه لقوة انسلاخهم من أبدانهم؛ وبعد انتقالهم إلى الآخرة أيضا، لازدياد تلك القوة بارتفاع المانع البدني، وهؤلاء هم المسمون بـ «البدلاء» .


وصل "عالم المثال"
اعلم أنه لما كان عالم الأرواح متقدمة بالوجود والمرتبة على عالم الأجسام، وكان الإمداد الرباني الواصل إلى الأجسام موقوفا على توسط الأرواح بينها وبين الحق سبحانه ؛ وتدبيرها . 
أعني تدبير الأجسام - مفوض إلى الأرواح ؛ وتعذر الارتباط بين الأرواح والأجسام للمباينة الذاتية الثابتة بين المركب والبسيط . 
فإن الأجسام كلها مركبة، والأرواح بسيطة ؛ فلا مناسبة بينهما، فلا ارتباط ؛ وما لم يكن ارتباط، لا يحصل تأثير ولا تأثر ولا إمداد ولا استمداد - فلذلك خلق الله سبحانه عالم المثال برزخا جامعة بين عالم الأرواح وعالم الأجسام ليصح ارتباط أحد العالمين بالآخر، فيتأتى حصول التأثر والتأثير ووصول الإمداد والتدبير . 
فبعالم المثال وخاصيته تتجسد الأرواح في مظاهرها المثالية المشار إليها بقوله تعالی : "فتمثل لها بشرا سويا" [مريم: 17]. 
وإلى عالم المثال يترقى المتروحنون في معارجهم الروحانية الحاصلة بالانسلاخ من هذه الصور الطبيعية العنصرية واكتساء أرواحهم المظاهر الروحانية .
وهكذا هو شأن روح الإنسان مع جسمه الطبيعي العنصري الذي يدبره ويشتمل عليه علما وعملا.
 فإنه لما كانت المباينة المشار إليها ثابتة بين روحه وبدنه ، وتعذر الارتباط الذي يتوقف عليه التدبير ووصول المدد إليه خلق الله نفسه الحيوانية برزخا بين الروح المفارق والبدن. 
فنفسه الحيوانية من حيث إنها قوة معقولة هي بسيطة تناسب الروح المفارق، ومن حيث إنها مشتملة بالذات على قوی مختلفة متكثرة منبثة في أقطار البدن ، متصرفة بتصرفات مختلفة، ومحمولة أيضا في البخار الضبابي الذي في التجويف الأيسر من القلب الصنوبري، تناسب المزاج المركب من العناصر. 
فحصل الارتباط والتأثير والتأثير ، وتأتى وصول المدد والتدبير .


وصل "المثالات المقيدة"
ثم اعلم أن العالم المثالي هو عالم روحاني من جوهر نوراني شبيه بالجوهر الجسماني في كونه محسوسا مقداريا، وبالجوهر المجرد العقلي في كونه نوراني . 
وليس بجسم مركب مادي، ولا جوهر مجرد عقلي، لأنه يرزخ و حد فاصل بينهما ؛ وكل ما هو برزخ بين الشيئين، لا بد وأن يكون غيرهما، بل له جهتان يشبه بكل منهما ما يناسب عالمه.
 اللهم إلا أن يقال ، إنه جسم نوري في غاية ما يمكن من اللطافة، فيكون حدا فاصلا بين الجواهر المجردة اللطيفة وبين الجواهر الجسمانية المادية الكثيفة، وإن كان بعض من هذه الأجسام أيضا ألطف من البعض، كالسماويات بالنسبة إلى غيرها. 
فليس بعالم عرضي - كما زعم بعضهم - لزعمه أن الصور المثالية منفكة عن حقائقها، كما زعم في الصور العقلية . 
والحق أن الحقائق الجوهرية موجودة في كل من العوالم الروحانية والعقلية والخيالية، ولها صور بحسب عوالمها. 
وإذا حققت، وجدت القوة الخيالية التي للنفس الكلية المحيطة بجميع ما أحاط به غيرها من القوى الخياليات محل ذلك العالم ومظهره .
وإنما سمي بـ «العالم المثالي» لكونه مشتملا على صور ما في العالم الجسماني، ولكونه أول مثال صوري لما في الحضرة العلمية الإلهية من صور الأعيان والحقائق. 
ويسمى أيضا بـ "الخيال المنفصل" لكونه شبيهة بالخيال المتصل, فليس معنى من المعاني الممكنة ولا روح من الأرواح إلا له صورة مثالية مطابقة لكمالاته، والمثالات المقيدة - التي هي الخيالات - متصلة بهذا العالم مستنيرة منه ،كالكوى والشبابيك التي يدخل منها الضوء في البيت. 
ولكل من الموجودات التي في عالم الملك مثال مقيد، كالخيال في العالم الإنساني، سواء كان فلكا أو كوكبا أو عنصرا أو معدن أو نباتا أو حيوانا. 
غاية ما في الباب أنه في الجمادات غير ظاهر كظهوره في الحيوانات. 
قال تعالى : "إن من شيء إلا يسبح بحمده  ولكن لا تفقهون تسبيحهم" [الإسراء: 44]. 
وقد جاء في الخبر الصحيح ما يؤيد ذلك : من مشاهدة الحيوانات أمورا لا يشاهدها من بني آدم إلا أرباب الكشف أكثر من أن تحصى. 

وذلك الشهود يمكن أن يكون في عالم المثال المطلق، ويمكن أن يكون في المثال المقيد. 
""عن أبي هريرة أن النبي صصلى الله عليه وسلم  قال : «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا. صحيح مسلم ""
والله تعالى أعلم.


وصل "برزخ الغيب الإمكاني و برزخ الغيب المحالي"
وعليك أن تعلم أن البرزخ الذي تكون الأرواح فيه بعد المفارقة من النشأة الدنياوية هو غير البرزخ الذي بين الأرواح المجردة والأجسام، لأن مراتب تنزلات الوجود ومعارجه دورية، والمرتبة التي قبل النشأة الدنياوية هي من مراتب التنزلات، ولها الأولية، والتي بعدها من مراتب المعارج، ولها الآخرية. 
وأيضا الصور التي في البرزخ الأخير إنما هي صور الأعمال ونتيجة الأفعال السابقة في النشأة الدنياوية ، بخلاف صور البرزخ الأول. 
فلا يكون كل منهما عين الآخر، لكنهما يشتركان في كونهما عالمة روحانية وجوهرة نورانية غير مادي مشتملا على مثال صور العالم. 
وقد صرح الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات بأن هذا البرزخ غير الأول، وسمي الأول بـ «الغيب الإمكاني» والثاني بـ «الغيب المحالي»، لإمكان ظهور ما في الأول في الشهادة وامتناع رجوع ما في الثاني إليها إلا في الآخرة. 
وقليل من یكاشف به بخلاف الأول. 
لذلك يشاهد كثير منا البرزخ الأول، فيعلم ما يقع في العالم من الحوادث، ولا يقدر على مكاشفة أحوال الموتى. 
والله هو العليم الخبير .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الخامس ظهور الوجود في عالم الأرواح أتم من ظهوره في عالم المعاني وعالم المثال وعالم الأجسام .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 1:31 pm

الفصل الخامس ظهور الوجود في عالم الأرواح أتم من ظهوره في عالم المعاني وعالم المثال وعالم الأجسام .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفصل الخامس على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الفصل "الخامس ظهور الوجود في عالم الأرواح أتم من ظهوره في عالم المعاني وعالم المثال وعالم الأجسام"

وصل  "تمامية ظهور الوجود وأكمليته"
ظهور الوجود في عالم الأرواح أتم من ظهوره في عالم المعاني، ثم عالم المثال، ثم عالم الأجسام - وفي هذا العالم تم ظهور الوجود. 
ولعلهم أرادوا بـ "تمامية ظهور الوجود وأكمليته" في المرتبة الأخيرة أن ما يكون مدركا على سبيل الإجمال ومعقولا على سبيل التفصيل ومخيلا أو موهوما ومحسوسا بالحواس الظاهرة.
فإن خواص الوجود وآثاره تكون فيه أكثر وأكمل مما لا يكون مدركا بجميع هذه الوجوه، على أن من البين أن الإنية المدركة المتصرفة في المرتبة الأخيرة مدركة بجميع هذه الإدراكات، بخلاف الإنية المدركة المتصرفة في المراتب الباقية التي هي فوق هذه المرتبة.
والإنسان المستكمل لا يكون كماله إلآ بأن تحصل له ملكات هذه الإدراكات في مراتبها.
ولا يكون الإدراك الحسي وما يلزمه من القيود الحاصلة له مانعة لسائر الضروب الباقية .
.

موسوعة شرح كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: الفصل "السادس عند الظهور غلبة الكثرة في أحكامها على أحكام الوحدة" .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 1:42 pm

الفصل "السادس عند الظهور غلبة الكثرة في أحكامها على أحكام الوحدة" .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفصل السادس على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصل "السادس عند الظهور غلبة الكثرة في أحكامها على أحكام الوحدة"
لما كانت الهوية الواحدة بالوحدة الحقيقية أحكام الوحدة فيها غالبة على أحكام الكثرة.
بل، كانت أحكام الكثرة منمحية بمقتضى القهر الأحدي في مقام الجمع المعنوي؛ ثم ظهرت في مظاهر متفرقة غير جامعة من مظاهر هذه العوالم العينية على سبيل التفصيل والتفريق.
بحيث غلبت الكثرة في أحكامها على أحكام الوحدة، وخفى هناك أمر الوحدة بحسب اقتضاء التفريق الفعلي والتفصيل العيني .
أراد أن يظهر ذاته في مظهر كامل يتضمن سائر المظاهر التورية والمجالي الظلية ويشتمل على جميع الحقائق السرية والجهرية ويحتوي على جملة الدقائق البطنية والظهرية.
فإن تلك الهوية الواجبة لذاتها إنما تدرك ذاتها في ذاتها لذاتها إدراكا غير زائد على ذاتها ولا متميز عنها، لا في التعقل ولا في الواقع .
وهكذا تدرك صفاتها وأسماءها نسبة ذاتية غيبية غير ظاهرة الآثار ولا متميزة الأعيان بعضها عن بعض .
ثم إنها لما ظهرت بحسب الإرادة المخصصة والاستعدادات المختلفة والوسائط المتعددة مفضلة في المظاهر المتفرقة من مظاهر هذه العوالم المذكورة، لم تدرك ذاتها وحقيقتها من حيث هي جامعة لجميع الكمالات العينية وسائر الصفات والأسماء الإلهية .
فإن ظهورها في كل مظهر ومجلي معين إنما يكون بحسب ذلك المظهر، لا غير. ألا ترى أن ظهور الحق سبحانه في العالم الروحاني ليس كظهوره في العالم الجسماني؟
فإنه في الأول بسيط فعلي نوراني
وفي الثاني ظلماني انفعالي تركيبي
فانبعث انبعاثا إرادية إلى المظهر الكلي والكون الجامع الحاصر للأمر الإلهي.
وهو الإنسان الكامل؛ فإنه الجامع بين مظهرية الذات المطلقة وبين مظهرية الأسماء والصفات والأفعال بما في نشأته الكلية من الجمعية والاعتدال وبما في مظهريته من السعة والكمال .
وهو الجامع أيضا بين الحقائق الوجوبية ونسب الأسماء الإلهية و بین الحقائق الإمكانية والصفات الخلقية.
فهو جامع بين مرتبتي الجمع والتفصيل، محیط بجميع ما في سلسلة الوجود، ليظهر فيه بحسبه ويدرك ذاتها حسب ما ذكرنا من الحيثية الشريفة الجامعة والجهة الكاملة.


وصل "فى الحقيقة الإنسانية الكمالية"
الحقيقة الإنسانية الكمالية حاصرة لجميع المظاهر في كل المراتب :
فإن المرتبة الأولى أعني التعين الأول :
يوجد فيها العلم بالذات وبسائر الصفات والتعينات والماهيات علما إجمالية غير تفصيلي.
وفي المرتبة الثانية - أعني التعين الثاني :
يوجد فيها العلم بالجميع علما تفصيلية.
وفي سائر المراتب - أعني المرتبة الروحانية والمثالية والحسية :
توجد تلك المعاني وجودة عينية تفصيلية.
وفي المرتبة الإنسانية الكمالية يوجد جميع ما في هذه المراتب ، لاشتمالها عليها مع اشتمالها على معنى الأحذية الجمعية الحقيقية الكمالية التي لا يتصور الزيادة عليها من جهة التمام والكمال.
فظهر أن الصورة الكاملة الإلهية الظاهرة بحسب جميع هذه المظاهر لا يمكن ظهورها من حيث هي كذلك إلا في هذا المظهر.
وبهذا يندفع ما يقال ، لما كان حقيقة الحق وصورته الحقيقية هي الوجود المتعين بجميع التعينات وسائر الصفات والإضافات، صح أن يكون مظهرها مجموع أجزاء العالم الكبير الواحد بالموضوع و بالهيئة الصورية الاجتماعية المتألفة.
مثل مجموع الإنسان المتألف من النفس المجردة والقوى الحساسة والبدن المادي .


وصل "الإنسان الكامل خليفة الحق سبحانه وتعالى"

فالإنسان الكامل هو خليفة الحق سبحانه وتعالى، وهو الذي يظهر فيه الكل من حيث هو كل.
وظهور الكل من حيث هو كل لا يكون إلا في الكل.
ولكن الكل له ثلاث مراتب :
الأولى مرتبة جمع الجمع والأحدية ، وهي الحقيقة الإلهية الإنسانية التي بني آدم عليها .
والثانية صورة التفصيل الإلهي الإنساني، أعني العالم بشرط وجود الإنسان الكامل فيه.
والثالثة صورة أحدية جمع الجمع الإنساني الكمالي .
وظهور الكل في مرتبة جمع الجمع الأحدي أحدي، لا تفصيل فيه ، وله مرتبة الإجمال.
وظهور الكل في المرتبة التفصيلية فرقاني، والكل ظاهر فيها بالكل في الكل، لا في كل واحد.
وظهور الكل في مرتبة صورة أحدية جمع الجمع الإنساني ظهور كل جامع بالقوة دفعة وبالفعل في كل زمان بالتدريج.
كما قال المترجم:
تجمعت في فؤاده همم     …. ملأ فؤاد الزمان إحداها
فإن أتى دهره بأزمنة     …. أوسع من ذا الزمان أبداها
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 1:53 pm

الفصل السابع كان الله ولم يكن معه شيء .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفصل السابع على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصل "السابع كان الله ولم يكن معه شيء "
وصل "السوي و الغير"
ليس حال ما يطلق عليه «السوي» و" الغير" إلا كحال الأمواج على البحر الزخار.
فإن الموج لا شك أنه غير الماء عند العقل من حيث أنه عرض قائم بالماء ؛ وأما من حيث الوجود، فليس شيء غير الماء.
فمن وقف عند الأمواج - التي هي وجودات الحوادث وصورها . وغفل عن البحر الزخار، الذي بتموجه يظهر من غيبه إلى شهادته ومن باطنه إلى ظاهره هذه الأمواج، يقول بالامتياز بينهما ويثبت الغير والسوي.
ومن نظر على البحر وعرف أنها أمواجها، والأمواج لا تحقق لها بأنفسها، قائل بأنها أعدام ظهرت بالوجود.
فليس عنده إلا الحق سبحانه ، وما سواه عدم تخيل أنه موجود متحقق.
فوجوده خیال محض، والمتحقق هو الحق، لا غير .
لذلك قال الجنيد  قدس سره: «الآن كما كان»، عند سماعه حديث رسول الله ، "كان الله ، ولم يكن معه شيء».
"" عن عمران بن حصین رضي الله عنهما قال دخلت على النبي وعقلت ناقتي بالباب .
فأتاه ناس من بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم
قالوا قد بشرتنا فأعطنا مرتين.
ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن
فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم .
قالوا قد قبلنا يا رسول الله .
قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر .
قال كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض.
فنادى مناد ذهبت ناقتك يا بن الحصين , فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها». رواه البخاري و الحاكم في المستدرك و ابن حبان في صحيحه""
""عن عمران بن حصين، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، قال فيه: قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر، قال: " كان الله ولم يكن شيء غيره، وعرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض ". رواه البخاري في الصحيح عن عمر بن حفص بن غياث، والمراد به والله أعلم، ثم خلق الماء، وخلق العرش على الماء، وخلق القلم، وأمره فكتب في الذكر كل شيء. رواه البيهقي في السنن "".

ولله در الشيخ مؤيد الدين الجندي حيث قال :
البحر بحر على ما كان في قدم    ……  إن الحوادث أمواج وأنهار
لا يحجبنك أشكال تشاكلها     …. عمن تشكل فيها فهي أستاره



وصل " سريانه في كل شيء بنوره الذاتي المقدس"


الوجود العارض للممكنات المخلوقة ليس بمغاير للوجود الحق الباطن المجرد عن الأعيان والمظاهر، إلا بنسب واعتبارات.
كالظهور والتعين والتعدد الحاصل بالاقتران وقبول حكم الاشتراك ونحو ذلك من النعوت التي تلحقه بواسطة التعلق بالمظاهر.
فللوجود اعتباران :
أحدهما من حيث كونه وجودا فحسب، وهو الحق. وإنه من هذا الوجه لا كثرة فيه ولا تركيب ولا صفة ولا نعت ولا اسم و رسم ولا نسبة ولا حكم، بل، وجود بحت. 
والاعتبار الآخر من حيث اقترانه بالممكنات وشروق نوره على أعيان الموجودات. وهو سبحانه إذا اعتبر تعين وجوده مقيدة بالصفات اللازمة لكل متعين من الأعيان الممكنة ، فإن ذلك التعين والتشخص يسمى " خلقا " و" سوی " ؛ وينضاف إليه سبحانه إذ ذاك كل وصف، ويسمى بكل اسم ويقبل كل
حكم ويتقيد بكل رسم ويدرك بكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم.
لي حبيب قد يسمى باسم كل من يسمى  ... فأنا عن ذاك أكني في صريح أو معمى
لست أعني برباب و بهند و بسلمى   … غيره فاعتبروه فهو الاسم و المسمي
وذلك لسريانه في كل شيء بنوره الذاتي المقدس عن التجزی والانقسام والحلول في الأرواح والأجسام ؛ ولكن كل ذلك متى أحب وكيف شاء
وهو في كل وقت وحال قابل لهذين الحكمين المذكورين المتضادين بذاته ، لا بأمر زائد عليه.
إذا شاء، ظهر في كل صورة؛ وإن لم يشاء ، لا ينضاف إليه صورة .
لا يقدح تعينه و تشخصه بالصور واتصافه بصفاتها في كمال وجوده وعزته وقدسه. ولا  ينافي ظهوره في الأشياء وإظهار تعينه وتقيده بها و بأحكامها من حيث هي علؤه وإطلاقه عن كل القيود وغناه بذاته عن جميع ما وصف بالوجود.
بل، هو سبحانه الجامع بین ما تماثل من الحقائق وتخالف من وجه، فيأتلف؛ وبين ما تنافر و تباین، فيختلف .


وصل "حقيقة الحروف"


حقيقة الحروف ألف مشكلة بأشكال مختلفة في اللفظ والخط.
فهي آية مبصرة المن تبصر دالة بالمماثلة على الوجود المطلق، الذي هو أصل الموجودات المقيدة :
لا قيد فيه ولا ظهور له إلا في ضمن وجود مقيد.
وحقيقة المقيد هو المطلق مع قيد.
فحقيقة جميع أجزاء الوجود وجود واحد ظاهر بسبب تعیناتها، محتجب بها، كظهور الألف بالحروف واحتجابها بأشكالها.
فمن كاشفه الله بحقيقة الوجود المطلق، أغناه عن تعلم حقائق وجود الأشياء - كمن أغناه عن تعلم حقائق الحروف بعدما أراه حقيقة الألف.
وكما أن في الحروف سر التوحيد واحتجاب الوحدة بالكثرة، فكذلك في الأعداد، لأن العدد هو الواحد المحتجب بلباس العدد.
ألا ترى أن العدد ملتئم من مادة - هي الواحد - وصورة - هي الوحدة ؟
أما كون مادته من الوحدان، فلا ريب فيه ؛ وأما وحدة صورته، فلأن كل عدد واحد من جنسه - كالاثنين والثلاثة والأربعة - كل منها فرد من أفراد العدد .
فالكل واحد محتجب بلباس العدد عن نظر القاصرين، كیلا يحظى برؤيته إلا نظر أرباب البصيرة النافذة عن سجاف الحكمة . "ستر الحكمة"

وصل "لا ينبغي نفي الأوصاف مطلقا كذلك لا ينبغي إثبات الأوصاف مطلقا"

كل ما لا تحويه الجهات، وكان في قوته أن يظهر في الأحياز، فظهر بنفسه أو توقف ظهوره على شرط أو شروط عارضة وخارجة عنه .
ثم اقتضى ذلك الظهور واستلزم اضافة وصف أو أوصاف إليه ليس شيء منها يقتضيه لذاته ، فإنه لا ينبغي أن تفي عنه تلك الأوصاف مطلقا ويژه عنها، وتستبعد في حقه وتستنكر ولا أن ثبت له أيضا مطلقة ويسترسل في إضافتها إليه.
بل، هي ثابتة له بشرط أو شروط، منتفية عنه أيضا كذلك.
وهي له في الحالتين وعلى كلا التقديرين أوصاف كمال، لا نقص، لفضيلة الكمال المستوعب والحيطة والسعة التامة مع فرط النزاهة والبساطة .
ولا يقاس غيژه مما يوصف بتلك الأوصاف عليه، لا في ذم نسبي - إن اقتضاه بعض تلك الأوصاف التي يطلق عليها لسان الذم أو كلها - ولا في محمدة، فإن نسبة تلك الأوصاف وإضافتها إلى ذات شأنها ما ذكرنا خالف نسبتها إلى ما يغايرها من الذوات .
والشروط اللازمة لتلك الإضافة يتعذر توجداها في المقيس عليه .
وهذا الأمر شائع في كل ما لا يتحيز ، سواء كان تحققه بنفسه ، كالحق سبحانه وتعالى، أو بغيره، كالأرواح الملكية.
وهذه قاعدة من عرفها أو شف له عن سرها عرف سر الآيات والأخبار التي
توهم التشبيه عند أهل العقول الضعيفة واطلع على المراد منها؛ فسلم من ورطتي التأويل والتشبيه وعاين الأمر كما ذكر مع كمال التنزيه .

وصل "سبحانه هو ذو الشؤون"
المسماة «موجودات» تعيينات شؤونه سبحانه، وهو ذو الشؤون.
فحقائق الأسماء والأعيان عين شؤونه التي لم تتميز عنه إلا بمجرد تعينها منه .
من حيث هو غیر متعین.
والوجود المنسوب إليها عبارة عن تلبس شؤونه بوجوده ؛ وتعددها واختلافها عبارة عن خصوصياتها المستجنة في غيب هويته. "المستجنة : غير الظاهرة /المختفية"
ولا موجب لتلك الخصوصيات، لأنها غير مجعولة.
ولا يظهر تعددها إلا بتنوعات ظهوره، لأن تنوعات ظهور ذاته في كل منها هو المظهر لأعيانها، ليعرف البعض منها من حيث تميزه البعض ومن أي وجه يتحد، فلا يغايره؛ ومن أيه يتميز، فيسمى "غيرآ" و "سوی".
وإن شئت ، فقل، كان ذلك ليشهد هو خصوصیات ذاته في كل شأن من شؤونه.
ومثال هذا التقلب في الشؤون - "ولله المثل الأعلى" [النحل: 60] .
تقلب الواحد في مراتب الأعداد لإظهار أعيانها ولإظهار عينه من حيثها ؛ فأوجد الواحد العدد، وفضل العدد الواحد؛ بمعنى أن ظهوره في كل مرتبة - مما نسميه في حق الحق "شانا".
كما أخبر سبحانه عن نفسه - يخالف ظهوره في المرتبة الأخرى ويتبع كل ظهور من حيث كل شأن من الأسماء والأوصاف والأحوال والأحكام بمقدار سعة ذلك الشأن وتقدمه على غيره من الشؤون.
فكل ما يرى ويدرك بأي نوع كان من أنواع الإدراك، فهو حق ظاهر بحسب شأن من شؤونه القاضية بتنوعه وتعدده ظاهرة من حيث المدارك، التي هي أحكام تلك الشؤون، مع كمال أحديته في نفسه - أعني الأحدية التي هي منبع لكل وحدة وكثرة وبساطة وتركيب وظهور وبطون.



وصل "الوجود من حيث صورته واحد مصمت"
اعلم أن الوجود، كما أنه من حيث حقيقته واحد غیر منقسم، فكذلك من حيث صورته هو واحد مصمت.   " المصمت : الذي لا جوف له"
والفواصل المعدة لهذه الصورة العامة الوجودية المشار إليها المشهودة للكل معان مجردة يظهر أثژها، لا عينها .
والظاهر العين ليس إلا صورة واحدة وطلسة واحدة "الطلسة = محو الكتاب"، لا يحكم عليها بالانقسام إلا من حيث أحكام هذه المعاني المحدثة للتمييز والمظهرة للتعدد في الأمر الواحد الغير المنقسم في ذاته انقسام تجزئة و تبعیض .
فالوجود رق واحد منشور، والفواصل برازخ معقولة ذات أحكام مشهودة بعينها.
وهذه الفواصل البرزخية هي الشؤون الإلهية، وهي على قسمين :
1- تابعة
2 - و متبوعة.
والمتبوعة على قسمين :
1- متبوعة تامة الحيطة
2- وغير تامة.
فالتابعة أعيان العالم، والمتبوعة التي ليست تامة الإحاطة هي أجناس العالم وأصوله وأركانه .
وإن شئت، سمها «الأسماء التالية التفصيلية»، وأنت صادق.
والمتبوعة التامة الحيطة والحكم أسماء الحق وصفاته .
وفي التحقيق الأوضح، فالجميع شؤونه وأسماء شؤونه وأسماؤه من حيث هو ذو شأن أو ذو شؤون.
فتسميته «واحدا» هو باعتبار معقولية تعينه الأول بالحال الوجودي بالنسبة إليه إذ ذاك، لا بالنسبة إليه من حيث تعين ظهوره في شأن من شؤونه وبحسبه .
وتسميته "ذاتا" هو باعتبار ظهوره في حالة من أحواله التي تستلزم تبعية الأحوال الباقية لها؛ وأحواله.
وإن كانت . كما قلنا - بعضها تابعة وبعضها متبوعة ، وحاكمة ومحكومة، فإن كلا منها من وجه له الكل، بل هو عينه.
وتسميته «الله» هو باعتبار تعينه في شأنه الحاكم فيه على شؤونه القابلة منه أحكامه وآثاره.
وتسميته «الرحمن» عبارة عن انبساط وجوده المطلق على شؤونه الظاهرة بظهوره؛ فإن الرحمة نفس الوجود، و«الرحمن» الحق من كونه وجود منبسطة على كل ما ظهر به ، ومن حيث كونه أيضا - باعتبار وجوده - له كمال القبول لكل حكم في كل وقت بحسب كل مرتبة وحاكم على كل حال .
وتسميته «رحيم» هو من كونه مخصصا ومحصصا، لأنه خصص بالرحمة العامة كل موجود، فعم تخصيه.
وظهوره سبحانه من حيث الحال المستلزمة الاستشراف على الأحكام المتصلة من بعضها بالبعض تبعية ومتبوعية وتأثيرا وتأثرا - كما قلنا - واجتماعا وافتراقا.
يتناسب و تباین و اتحاد و اشتراك يسمى «علما»، وهو من تلك الحيثية، وباعتبار كونه مدركا نفسه وما انطوت عليه في كل حال وبحسبه، سمى نفسه «عالما».  
والسريان الذاتي الشرطي من حيث التنزه عن الغيبة والحجبة ودوام الإدراك المتعدي حكمه إلى سائر الشؤون يسمى «حيوة» وهو «الحي» بهذا الاعتبار .
والميل المتصل من بعض الشؤون بسر الارتباط بشؤون أخر بموجب حكم المناسبة الثابتة في البين، المرجحة تغليب بعض الشؤون على البعض وإظهار التخصيص الثابت في الحالة المسماة «علما» لتقدم ظهور بعض الشؤون على البعض يسمى «إرادة» ؛ وهو من حيثها يكون "مريدا" .
والحالة التي من حيثها يظهر أثره في أحواله بترتيب يقتضيه التخصيص المذكور والنسب المتفرعة عن كل حال منها تسمى "قدرة" ؛ وهو من حيثها يكون "قادرا".
وانتظم أمر الوجود وارتبط، وزهق الباطل وسقط.
وها قد فتح لك باب لا يلجه ولا بطرقه إلا الندر من أهل العناية الكبرى.
فإن كنت ممن يستحق مثل هذا، فلج "أولج" وافتح بهذا المجمل مفصله،.
وكن بكليتك الله : "فمن كان لله، كان الله له" .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثامن لا توحيد إلا بفناء الرسوم والآثار كلها .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 2:10 pm

الفصل الثامن لا توحيد إلا بفناء الرسوم والآثار كلها .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفصل الثامن على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفصل " الثامن لا توحيد إلا بفناء الرسوم والآثار كلها "
وقال الشيخ أبو إسماعيل عبد الله أنصاري قدس الله تعالى روحه :
ما وحد الواحد من  واحد ….. إذ  كل من  وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته      ….. عارية  أبطلها الواحد
توحيده   إياه توحيده         …… ونعت  من ينعته  لاحد
وفي شرح منازل السائرين للشيخ كمال الدين عبد الرزاق الكاشاني رحمه الله :
"يعني ما وحد الحق تعالی حق توحيده أحد، إذ كل من وحده أثبت فعله ورسمه بتوحيده , فقد جحده بإثبات الغير، إذ لا توحيد إلا بفناء الرسوم والآثار كلها."
"توحيد من ينطق عن نعته عارية"، إذ لا نعت في الحضرة الأحدية ولا نطق ولا رسم لشيء، والنطق والنعت يقتضيان الرسم.
وكل ما يشم منه رائحة الوجود ، فهو للحق، عارية عند الغير؛ فيجب عليه ردها إلى مالكها حتى يصح التوحيد، ويبقى الحق واحدة أحدا.
فلذلك أبطل الواحد الحقيقي تلك العارية التي هي ذلك التوحيد مع بقاء رسم الغير، فإنه باطل في نفسه في الحضرة الأحدية.
"توحيده إياه توحيده"، أي توحيد الحق ذاته بذاته هو توحيده الحقيقي .
"ونعت من ينعته لاحد"، أي وصف الذي يصفه هو أنه مشرك، جائر عن طريق الحق، مائل عنه : لأنه أثبت النعت.
ولا رسم لشيء في الحضرة الأحدية : وإلا لم تكن أحدية .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 01. شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 2:31 pm

01. شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الآدمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
بسم الله الرحمن الرحيم

01. نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية

قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن الأسماء الحسنى تطلب بذواتها وجود العالم.
فأوجد الله العالم جسداً مسوى . وجعل روحه آدم عليه السلام .
وأعني بآدم وجود العالم الإنساني وعلمه بالأسماء كلها .
فإن الروح هو مدبر البدن بما فيه من القوى . وكذلك الأسماء للإنسان الكامل بمنزلة القوى .
لهذا يقال في العالم : " إنه الإنسان الكبير " . ولكن بوجود الإنسان فيه .
وكان الإنسان مختصراً من الحضرة الإلهية .
ولذلك خصه بالصورة فقال : " إن الله خلق آدم على صورته " وفي رواية : " على صورة الرحمن " .
وجعل الله العين المقصودة من العالم كالنفس الناطقة من الشخص الإنساني .
ولهذا تخرب الدنيا بزواله وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله .
فهو عبد الله ورب بالنسبة للعالم . ولذلك جعله خليفة وابناءه خلفاء .
ولهذا ما ادعى أحد من العالم الربوبية إلا الإنسان لما فيه من القوة .
وما أحكم أحد من العالم مقام العبودية في نفسها إلا الإنسان .
فعبد الحجارة والجمادات التي هي أنزل الموجودات .
فلا أعز من الإنسان بربوبيته . ولا أذل منه بعبوديته .
فإن فهمت فقد أبنت لك عن المقصود بالإنسان فانظر إلى عزته بالأسماء الحسنى وطلبها إياه تعرف عزته . 
ومن ظهوره بها تعرف ذلته .فافهم .
ومن هنا تعلم أنه نسخة من الصورتين : الحق والعالم .)

01 - شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية


"فص الشيء" خلاصته وزبدته.
و"فض الخاتم" ما بنزین به الخاتم ويكتب عليه اسم صاحبه.
وقال ابن السكيت، «كل ملتقى عظمين، فهو فص».
و«الحكمة» هي العلم بحقائق الأشياء وأوصافها وأحكامها على ما هي عليه وبالأقوال والأفعال الإرادية على وجه يقتضي سدادها.
و"الإلهية" اسم مرتبة جامعة لمراتب الأسماء والصفات كلها.
فإن الفص كما أنه قد انطوى على قوسي حلقة الخاتم واشتمل على أحدية جمعهما، وكما أنه يختم بما ينطبع فيه من الصور ويعرب عن كليتها.
وكما أنه تابع لقالبه من الخاتم في التربيع والتثليث والتدوير وغيرها ومستتبع لما يرد عليه.
كذلك قلب الإنسان الكامل له الانطواء على قوسي الوجوب والإمكان والانطباق على أحدية جمعهما؛ وله أن يعرب عما فيه من صور الحقائق وينبئ عن أحدية جمعها.
وكذلك له صورة تابعة المزاج الشخص، كما أن له أن يستتبع تجلي الحق ويصوره بصورته ، على ما نص عليه الشيخ رضي الله عنه في القص الشعيبي من فصوص الحكم.
وقوله : «فص حكمة إلهية» بناء على أن أحدية جمع الأشياء زبدتها وخلاصتها ؛ أو على أن الفص - الذي هو ملتقى قوسي حلقة الخاتم أو ملتقى كل عظمين - بمنزلة أحدية جمعهما.
فالحاصل أن خلاصة العلوم والمعارف المتعلقة بمرتبة الألوهية، أو المحل القابل لها، أو أحدية جمعها، متحققة في كلمة آدمية.
والمراد بـ "الكلمة" في كل موضع من هذا الكتاب عين النبي المذكور فيه من حيث خصوصيته وحظه المتعين له ولأمته من الحق سبحانه.
وهي في عرف التحقيق عبارة عن هيئة اجتماعية حرفية من حروف النفس الرحماني.
قال رضي الله عنه : (اعلم أن الأسماء الإلهية الحسنى تطلب بذواتها وجود العالم. فأوجد الله العالم جسدا مسوي وجعل روحه آدم ؛ وأعني ب «آدم» وجود العالم الإنساني .)
وفي كلام بعضهم : إن الحقائق العلمية إن كانت معتبرة لا بأحوالها، سمی "حروفا غيبية"، ومع أحوالها، «كلمات غيبية» ؛ والحقائق الوجودية إن كانت معتبرة لا بأحوالها، تسمى «حروف وجودية » ، ومع أحوالها، «كلمات وجودية».
(اعلم أن الأسماء الإلهية الحسنی)، التي كلياتها تسع وتسعون أو ألف وواحد؛ وأما جزئياتها، فغير محصورة، لأن الأسماء هي التعيينات الإلهية في حقائق الممكنات وهي غير متناهية لعدم تناهي الممكنات.
(تطلب) وتقتضي تلك الأسماء (بذواتها وجود العالم) روحا ومثالا وحا، ليكون مرائي لأنوارها المكنونة و مجالي لأسرارها المخزونة التي باعتبارها قال سبحانه ، كنت كنزا مخفيا» الحديث .
وإنما أسند ذلك الطلب والاقتضاء إلى الأسماء .
التي هي الذات مقيدة بالصفات - لا إلى الذات نفسها، لأن الذات من حيث إطلاقها لا يضاف إليها حكم، ولا تتعين بوصف ولا رسم.
ليس نسبة الاقتضاء إليها أولى من نسبة الاقتضاء، لأن كل ذلك يقضي بالتعين والتقيد ؛ ولا شك أن تعقل كل تعين يقضي بسبق اللاتعين عليه.
ثم اعلم أن ثبوت الكمال للحق سبحانه من وجهين: أحدهما كماله من حيث الذات . وهو عبارة عن ثبوت وجودها منها، لا من غيرها ، فهي غنية في وجودها وبقائها ودوامها عما سواها.
والكمال الثاني هو كمال تفصيلي للحق سبحانه من حيث أسماؤها الحسنى.
وذلك إنما يكون بظهور آثار النسب المرتبية والحقائق الأسمائية ونفوذ أحكامها في عوالمها ومظاهرها.
وكان الحق الواجب الوجود في كماله الذاتي وغناه الأحدي يرى ذاته في ذاته رؤية ذاتية غير زائدة على ذاته ولا متميزة عنها.
ويرى أسماءه وصفاته أيضا نسبة ذاتية لها وشؤونا غيبية مستهلكة الأحكام تحت قهر الأحدية غير ظاهرة الآثار ولا متميزة الأعيان بعضها عن بعض.
لكنه شاء أن يظهرها من حيث كماله الأسمائي ويراها في مظاهرها متميزة الأعيان والآثار.
(فأوجد) من حيث الاسم («الله» العالم)، وبسط نوره الوجودي على الممكنات المعلومة في الخلاء المتوهم، فصار مظهرة تفصيليا لحقائق الأسماء ومجلى فرقانيا لصفات الاعتلاء.
لكنه كان بدون وجود آدم (جسدا مسوي) ومزاج معدلا، لا روح فيه.
وبيان ذلك أن المقصود الأصلي والعلة الغائية من إيجاد العالم أن يحصل كمال الجلاء والاستجلاء.
اللذين هما عبارة عن ظهور ذاته سبحانه ورؤيته إياها في كل شأن سبق في علمه الذاتي ظهوره فيه متعينا بحسبه، متنوعة بموجب حكمه.
ويظهر كل فرد من أفراد مجموع الأمر كله بصورة الجميع ووصفه وحكمه بحيث يضاهي كل شأن من الشؤون الشأن الكلي الذي هو مفتاح مفاتيح الغيب، أعني التعين الأول.
فإذا لم يحصل الكمال المذكور على النحو المطلوب في العالم، لم يكن له سر و روح.
ولا شك أن ذلك لا يحصل إلا في المظهر الأحدي الجمعي الكمالي الإنساني .
فالعالم من غير وجود الإنسان فيه كان كمزاج معدل وجسد مسوى، لا روح فيه.
ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى جسدا ولا عدل مزاجأ إلا وكمله بنفخ الروح فيه.
فانبعث انبعاثا إراديا إلى تكمیل جسد العالم، (وجعل روحه)، أي روح العالم وسره المطلوب منه، (آدم).
وحيث لم يكن هذا الحكم مختصا بآدم أبي البشر عليه السلام؛ بل يشاركه فيه أولاده الكاملون، عمم الحكم وقال، (وأعني بـ «آدم» وجود العالم الإنساني)، أي الحقيقة النوعية الإنسانية الكمالية الموجودة في ضمن أي فرد كان من أفرادها.
قال رضي الله عنه :  (وعلمه الأسماء كلها، فإن الروح هو مدبر البدن بما فيه من القوى، وكذلك الأسماء)
(وعلمه)، أي علم الله سبحانه آدم، يعني الإنسان الكامل، (الأسماء كلها)، علم ذوق ووجدان بأن جعله جامعة لجميع الأسماء الإلهية الفعلية الوجوبية و مشتملا على جميع الصفات والنسب الربوبية، فهو واجب الوجود بربه، عرش الله بقلبه، حي، عالم، قدير ، متكلم، سميع ، بصير ؛ وهكذا جميع الأسماء .
وقال بعضهم في قوله تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" [البقرة: 31].
"أي ركب في فطرته من كل اسم من أسمائه لطيفة، وهيأه بتلك اللطائف للتحقق بكل الأسماء الجمالية والجلالية". وعبر عنهما بـ "یدیه" .
فقال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [سورة ص: 75].
وكل ما سواه "آدم" مخلوق بيد واحدة.
لأنه إما مظهر صفة الجمال، كملائكة الرحمة.
أو الجلال، كملائكة العذاب والشيطان .
أعلم أنك لا تعرف الغائب إلا بالشاهد.
ومعناه أنه كلما سألت عن كيفيته ، فلا سبيل إلى تفهیمك إلا أن يقرر لك مثال من مشاهدتك الظاهرة أو الباطنة في نفسك بالعقل.
فإذا قلت : "كيف يكون الأول عالما بنفسه؟"
فجوابك الشافي أن يقال :" كما تعلم أنت نفسك". فتفهم الجواب.
وإذا قلت: "كيف يعلم الأول غيره؟"
فيقال : "كما تعلم أنت غيرك". فتفهم.
وإذا قلت: "كيف يعلم بعلم واحد بسيط سائر المعلومات؟".
فيقال : "كما تعرف جواب مسألة دفعة واحدة من غير تفصيل، ثم تشتغل بالتفاصيل"
وإذا قلت: «كيف يكون علمه بالشيء مبدأ وجود ذلك الشيء؟»
فيقال : "كما يكون توهمك للسقوط على الجذع عند المشي عليه مبدأ السقوط ".
قال رضي الله عنه : (للإنسان الكامل بمنزلة القوي، ولهذا يقال في العالم، إنه الإنسان الكبير، ولكن)
وإذا قلت : كيف يعلم الممكنات كلها؟
فيقال : «یعلمها بالعلم بأسبابها، كما تعلم حرارة الهواء في الصيف القابل بمعرفتك تحقيقا أسباب الحرارة».
وإذا قلت: «كيف يكون ابتهاجه بكماله وبهائه؟»
فيقال : كما يكون ابتهاجك إذا كان لك كمال تتميز به عن الخلق، واستشعرت بذلك الكمال» .
والمقصود أنك لا تقدر أن تفهم شيئا عن الله تعالى إلا بالمقايسة إلى شيء في نفسك. نعم، تدرك في نفسك أشياء تتفاوت في النقصان والكمال، فتعلم مع هذا أن ما فهمته في حق الأول سبحانه أعلى وأشرف مما فهمته في حق نفسك ؛ فيكون ذلك إيمان بالغيب مجملا.
وإلا، فتلك الزيادة التي توهمتها لا تعرف حقيقتها، لأن مثل تلك الزيادة لا يوجد في حقك
فإذن إن كان الأول سبحانه أمر ليس له نظير فيك، فلا سبيل لك إلى فهمه ، البتة. وذلك هو ذاته ، فإنه وجود بلا ماهية، هو منبع كل وجود.
فإذا قلت: «كیف يكون وجود بلا ماهية؟ »
فلا يمكن أن يضرب لك مثل من نفسك؛ فلا يمكنك إذن أن تفهم حقيقة الوجود بلا ماهية وحقيقة.
وإن الاول سبحانه وخاصته هو أنه وجود بلا ماهية زائدة على الوجود، لأن إنيته وماهيته وأحدة.
وهذا لا نظير له فيما سواه؛ فإن ما سواه جوهر أو عرض، وهو ليس بجوهر ولا عرض , وهذا أيضا لا يتحققه الملائكة : فإنهم أيضا جواهر وجودها غير ماهيتها، وإنما وجود بلا ماهية ليس إلا الله تعالى.
فإذن لا يعرف الله إلا الله.
وإنما علم الله سبحانه الإنسان الكامل أسماء الحسنى وأودعها فيه، فإن الإنسان الكامل روح العالم، والعالم جسده . كما سبق.
(وإن الروح هو مدبر البدن) والمتصرف فيه (بما) يكون فيه من القوى الروحانية والجسمانية.
(وكذلك)، أي مثل ذلك المذكور من القوى، (الأسماء الإلهية للإنسان الكامل)؛ يعنى، إنها له بمنزلة تلك القوى الروحانية والجسمانية .
فكما أن الروح بدتر البدن ويتصرف فيه بالقوي، كذلك الإنسان الكامل يدبر أمر العالم ويتصرف فيه بواسطة الأسماء الإلهية .
اعلم أن كل حقيقة حقيقة من حقائق ذات الإنسان الكامل، ونشأته برزخ من حيث أحدية جمعها بين حقيقة ما من حقائق بحر الوجوب وبين حقيقة مظهرية لها من حقائق بحر الإمكان هي عرشها.
وتلك الحقيقة الوجوبية مستوية عليها، فلما ورد التجلي الكمالي الجمعي على المظهر الكمالي الإنساني، تلقاه بحقيقته الأحدية الجمعية الكمالية.
وسری سر هذا التجلي في كل حقيقة من حقائق ذات الإنسان الكامل. ثم فاض نور التجلي منها على ما يناسبها من العالم.
فما وصلت الآلاء والنعماء الواردة بالتجلي الرحماني على حقائق العالم إلا بعد تعينه في الإنسان الكامل بمزيد صبغة لم تكن في التجلي قبل تعيينه في مظهرية الإنسان الكامل.
فحقائق العوالم وأعيانها رعايا له، وهو خليفة عليها، وعلى الخليفة رعاية رعاياه على الوجه الأنسب الأليق ؛ وفيه يتفاضل الخلائف بعضهم على بعض.
لهذا قال تعالى : "إنا عرضنا الأمانة" [الأحزاب: ۷۲]، أي مظهرية هذه الجمعية وكمال الظهور، "على السماوات" أي ما علا من العالم، "والأرض" أي ما أسفل منه ، "والجبال" أي ما بينهما، "فأبين أن يحملنها" ، لعوز في كمال القابلية بغلبة حكم القيد والجزئية عليها، "وحملها الإنسان " [الأحزاب: ۷۲]، أي بهذه الصورة العنصرية لكمال القابلية .
(ولهذا)، أي لكون العالم بمنزلة الجسد وكون الإنسان الكامل بمثابة روحه، يقال في (حق العالم، «إنه الإنسان الكبير»).
فإنه كما أن الإنسان عبارة عن جسد وروح يدبره، كذلك العالم عبارة عنهما مع أنه أكبر منه صورة.
قال رضي الله عنه : (بوجود الإنسان فيه.  وكان الإنسان مختصرا من الحضرة الإلهية، ولذلك خصه)
(ولكن) هذا القول إنما يصح ويصدق (بوجود الإنسان) الكامل (فيه)، أي في العالم، فإنه لو لم يكن موجودة فيه، كان كجسد ملقى، لا روح فيه.
ولا شك أن إطلاق "الإنسان" على الجسد الذي لا روح فيه لا يصح إلا مجازا.
وكما يقال للعالم: «الإنسان الكبير»، كذلك يقال للإنسان: "العالم الصغير" .
وكل من هذين القولين إنما يصح بحسب الصورة.
وأما بحسب المرتبة ، فالعالم هو الإنسان الصغير، والإنسان هو العالم الكبير ..
قال أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه :
"دواؤك فيك وما تشعر        …… و داؤك منك و ما  تبصر
وتزعم أنك جرم صغير        …… وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي       …… بأحرفه يظهر المضمر"
وكان الإنسان الكامل كتابا (مختصرا) منتخبا (من) أم الكتاب، التي هي عبارة عن (الحضرة) الأحدية الجمعية (الإلهية)، مشتملا على حقائقها الأسمائية الفعلية الوجوبية ومنطوية على رقائق نسب صفاتها الربوبية بحيث لا يشذ عنه شيء منها سوى الوجوب الذاتي.
فإنه لا قدم فيه للممكن الحادث، وإلا لزم قلب الحقائق.
(ولذلك)، أي لكون الإنسان مختصرة من الحضرة الإلهية ، مشتملا على ما فيها من حقائق الصفات والأسماء اشتمالا أحديا جمعيا.
(خصه)، أي الله سبحانه الإنسان، (بالصورة الإلهية)، أي جعل الصورة مختصة به - بحسب الذكر .
وإن كان العالم أيضا على الصورة ؛ لأن كل ما إلى الوحدة أقرب، فإضافته إلى الحق أولى؛ وصورة الإنسان صورته الأحدية الجمعية، وصورة العالم صورته التفصيلية.
قال رضي الله عنه : (بالصورة، فقال: «إن الله خلق آدم على صورته»، وفي رواية : على صورة الرحمن».  وجعله الله العين المقصودة من العالم، كالنفس الناطقة من الشخص).
(فقال) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق آدم»)، أي قدره أولا في العلم و أوجده ثانية في العين، («على صورته») الألوهية الكاملة وصفته الربوبية الشاملة .
وحيث احتمل أن يعود الضمير في صورته» إلى آدم، كما ذهب إليه بعض، أردفه بقوله، (وفي رواية أخرى)، («على صورة الرحمن")، تفيا لذلك الاحتمال، ليكون نصا في مقصوده
وفي رواية معاني الأخبار للشيخ أبي بكر بن إسحاق رحمه الله : «لا تقبحوا الوجوه، فإن ابن آدم على صورة الرحمن».
وفي الصحيح: إنه صلى الله عليه وسلم قال في وصيته بعض أصحابه في الغزو : «إذا ذبحت، فأحسن الذبحة؛ وإذا قتلت ، فأحسن القتلة واجتنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته ».
قيل : «الصورة» هي الهيئة، وذلك لا يصح إلا على الأجسام.
فمعنى الصورة "الصفة"، يعني،" خلق آدم على صفة الله عز وجل"، أي حيا، عالما، مريدا، قادرا سميعا، بصيرا، متكلما.
ولما كان الحقيقة تظهر في الخارج بالصورة، أطلق «الصورة» على الأسماء والصفات مجازا، لأن الحق سبحانه بها يظهر في الخارج.
هذا باعتبار أهل الظاهر
وأما عند المحققين، في «الصورة» عبارة عما لا تعقل الحقائق المجردة الغيبية ولا تظهر إلا بها.
و"الصورة الإلهية" هو الوجود المتعين بسائر التعينات التي بها يكون مصدرا لجميع الأفعال الكمالية والآثار الفعلية .
(وجعله)، أي جعل الله الإنسان الكامل، (العين المقصودة) والغاية المطلوبة (من) إيجاد (العالم) وإبقائه، (كالنفس الناطقة)، التي هي المقصود (من) تسوية جسد
(الشخص الإنساني) وتعديل مزاجه الطبيعي الجسماني.
الحقيقة السارية في الكل تدرك ذاتها بذاتها وما عدا ذاتها من لوازم ذاتها علما عينية إجمالية في الإنسان الكامل والكون الجامع المتضمن لسائر المظاهر المشتمل على جملة المراتب .
ثم إنها تدرك الأمرين جميعا فيه ببعض التعينات والأسماء الإلهية إدراكا عقليا تفصيلية على حسب ما فيه من القوابل.
وتدركهما أيضا ببعض تعيينات وأسماء أخر إدراكا وهميا وخياليا على حسب ما فيه من قوابل آخر.
وتدرك أيضا ببعض تعينات وأسماء أخر إدراكات حسية على حسب ما فيه من القوابل التي تتعلق بها تلك التعيينات.
فهي إنما تدرك الكل بالكل بحسب ما فيه من الكل إدراكا تاما كاملا لا مزيد عليه أصلا.
قال رضي الله عنه: (الإنساني. ولهذا تخرب الدنيا بزواله، وينتقل العمارة إلى الآخرة من أجله.)
(ولهذا)، أي لأن المقصود من إيجاد العالم وإبقائه الإنسان الكامل، كما أن المطلوب من تسوية الجسد النفس الناطقة.
(يخرب) الدار (الدنيا بزواله)، أي بزوال الإنسان الكامل وانتقاله عنها.
كما أن الجسد يبلى ويفنى بمفارقة النفس الناطقة عنه فإنه تعالى لا يتجلى على العالم الدنيوي إلا بواسطته .
فعند انقطاعه ينقطع عنه الإمداد الموجب لبقاء وجوده وكمالاته، فينتقل الدنيا عند انتقاله، ويخرج ما كان فيها من المعاني والكمالات إلى الآخرة.
قال رضي الله عنه في كتابه المسمى به "القسم الإلهي بالاسم الرباني": «ألا ترى أن الدنيا باقية ما دام هذا الإنسان فيها، والكائنات تتكون، والمسخرات تتسخر؟
فإذا انتقل إلى الدار الأخرى، مارت هذه السماء مورا، وسارت الجبال سيرا، ودكت الأرض دكا، وانتثرت الكواكب، وكورت الشمس إلى غير ذلك.
وفي كتاب "الفكوك فى أسرار مستندات حكم الفصوص"  : «الإنسان الكامل الحقيقي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان والمرآة الجامعة بين صفات القدم وأحكامه وبين صفات الحدثان، وهو الواسطة بين الحق والخلق.
وبه ومن مرتبته يصل فيض الحق والمدد الذي هو سبب بقاء ما سوى الحق إلى العالم كله، علوا وسفلا.
ولولاه من حيث برزخيته التي لا تغاير الطرفين، لم يقبل شيء من العالم المدة الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط، ولم يصل إليه ، فكان يفنى، وإنه عمد السماوات والأرض.
ولهذا السر برحلته من مركز الأرض - التي هي صورة حضرة الجمع وأحديته ومنزل خلافة الإلهية - إلى الكرسي الكريم والعرش المجيد المحيطين بالسموات والأرض، ينخرم نظامها.
فبدل الأرض غير الأرض والسماوات .
ولهذا نبه أيضا عليه السلام على ما ذكرنا بقوله: «لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: «الله الله » » .
وأكده بالتكرير، يريد، وفي الأرض من يقول: «الله» ، قوة حقيقيا»، إذ لو أراد من يقول كلمة : «الله»، لم يؤد بالتكرار .
ولا شك أنه لا يذكر الله ذكرة حقيقية - وخصوصا بهذا الاسم الجامع الأعظم المنعوت بجميع الأسماء - إلا الذي يعرف الحق المعرفة التامة.
وأتم الخلق معرفة بالله في كل عصر خليفة الله ، وهو كامل ذلك العصر .
فكأنه يقول صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل».
وهو المشار إليه بأنه العمد المعنوي الماسك ؛ وإن شئت، فقل : «الممسوك لأجله». فإذا انتقل، انشقت السماء، وكورت الشمس، وانكدرت النجوم وانتثرت، وسيرت الجبال ، وزلزلت الأرض، وجاءت القيامة .
ولولا ثبوته من حيث مظهريته في الجنة التي محلها الكرسي والعرش المجيد، لكان الحال فيهما كالحال في الأرض والسموات.
وإنما قید ثبوته بقولي: «من حيث مظهريته»، من أجل ما أطلعني الله عليه من أن الجنة لا تسع إنسانا كاملا؛ وإنما يكون منه في الجنة ما يناسب الجئة، وفي كل عالم ما يناسب ذلك العالم وما يستدعيه ذلك العالم من الحق من حيث ما في ذلك العالم من الإنسان.
بل أقول: «ولو خلت جهنم منه، لم تبق ؛ وبه امتلأت».
و إليه الإشارة بـ «قدم الجبار» المذكور في الحديث عند قوله عليه السلام:
«إن جهنم لا تزال تقول: «هل من مزيد؟».
حتى يضع الجبار فيها قدمه ؛ فإذا وضع الجبار فيها قدمه، ينزوي بعضها إلى بعض.
وتقول: «قط قط»، أي «حسبي «حسبي» » .
وأخبر من جانب الحق أن القدم الموضوع في جهنم هو الباقي في هذا العالم من صور الكمل مما لا يصحبهم في النشأة الجنانية.
وكني عن ذلك الباقي ب "القدم" المناسبة شريفة لطيفة : فإن القدم من الإنسان آخر أعضاء صورته ؛ فكذلك نفس صورته العنصرية آخر أعضاء مطلق الصورة الإنسانية، لأن صور العالم بأجمعها كالأعضاء المطلق صورة الحقيقة الإنسانية .
وهذه النشأة آخر صورة ظهرت بها الحقيقة الإنسانية ، وبها قامت الصور كلها التي قلت"إنها كالأعضاء". التجليات الإلهية لأهل الآخرة إنما هي بواسطة الكامل، كما في الدنيا.
والمعاني المفضلة لأهلها متفرعة من مرتبته ومقام جمعه أبدا، كما تفرع منه أزلا.
وما للكامل من الكمالات في الآخرة لا يقاس على ما له من الكمالات في الدنيا، إذ لا قياس النعم الآخرة على نعم الدنيا.
وقد جاء في الخبر الصحيح: «إن الرحمة مائة جزء، جزء منها لأهل الدنيا، وتسعة وتسعون لأهل الآخرة".
واعلم أن دار الوجود واحدة، وانقسامها إلى الدنيا والأخرى بالنسبة إليك، لأنهما صفتان للنشأة الإنسانية، فأدني نشأتها الوجودية العينية النشأة العنصرية.
فهي الدنيا، لـ "دناءتها" بالنسبة إلى نشأتها النورية الإلهية ، أول "دنوها" عن فهم الإنسان الحيوان.
ولما كانت النشأة الإنسانية الكلية في الدنيا نشأتين، نشأة تفصيلية فرقانية ونشأة أحذية جمعية قرآنية ؛ وهذه النشأة الدنيوية كثيفة، وصورتها مقيدة سخيفة من مادة جامعة بين النور والظلمة.
والنفس الناطقة المتعلقة بها من بعض قواها القوة العملية ، وهي ذاتية لها وبها ؛ يعمل الله سبحانه لأجلها في كل نشأة وموطن صورة هيكلية تنزل معانيها فيها ويظهر قواها وخصائصها وحقائقها بها.
وكانت هذه النشأة الجامعة بين النور والظلمة لا تقتضي الدوام؛ بل لا بد لها من الانخرام والانصرام لكونها حاصلة من عناصر مختلفة متباينة متضادة تقتضي بحقائقها الانفكاك، وكون قوى مزاجها العنصري غير وافية بجميع ما في النفس من الحقائق والدقائق .
فإن في النفس ما لا يظهر بهذه النشأة العنصرية، مثل ما يظهر بنشأتها الروحانية النورانية ؛ وقد حصل لها بحمد الله سبحانه في مدة عمرها التي كانت تعمر أرض جسدها من الأخلاق الفاضلة والملكات الكاملة والعلوم والأعمال الصالحة الحاصلة كمال فعلي، لما صار بها جميع ما كان بالقوة بالفعل.
فينشئ الله سبحانه للنفس بالقوة العملية - إذا خرجت عن الدنيا - صورة أخروية روحانية ملائمة لها في جميع أفاعيلها وخصائصها من مادة روحانية حاصلة لها من تلك الأخلاق والملكات والعلوم والأعمال ؛ فتظهر بحقائقها وخصائصها وآثارها في تلك الصورة ظهورة يقتضي الدوام إلى الأبد، لأن مادتها روحانية وحدانية نورية.
فاقتضت تلك النشأة الروحانية الدوام والبقاء لرسوخ حقائقها وأصولها الروحانية في جوهر الروح ودوام التجلي النفسي الإلهي فيها.
فإذا انتقل الأمر إلى الآخرة ، فهو الأول بالقصد والآخر بالإيجاد والظاهر بالصورة والباطن بالسورة، أي المنزلة. فهو عبد الله رب بالنسبة إلى العالم، ولذلك جعله خليفة وأبناءه خلفاء .
وظهرت النفوس والأرواح الإنسانية في صورها الروحانية البرزخية والمثالية أو الحشرية، وغلبت الروحية على الصور، والنورية على الظلمة، واختزن الحق الأسرار والأنوار والحقائق في تلك الصور الأخروية، كان الإنسان بأحدية جمعه ختمة على تلك النشأة الأخروية، حافظة لها إلى الأبد. فافهم.
الممكنات كلها شؤون الحق في غيب ذاته وأسمائه .
ووقع اسم الغير عليها بواسطة التعين والاحتياج إلى من يوجدها في العين، وبعد الاتصاف بالوجود العيني صار واجبة بالغير لا يتعدم أبدا ؛ بل يتغير ويتبدل بحسب عوالمه وطريان الصور عليه.
(فهو)، أي الإنسان الكامل هو، (الأول بالقصد) والإرادة، لما جعله الله سبحانه العين المقصودة والعلة الغائية من إيجاد العالم؛ ومن شأن العلة الغائية التقدم في العلم والإرادة ، كما أن من شأنه أيضا التأخر في الوجود، كما أشار إليه بقوله.
(والآخر)، أي ذلك الإنسان هو المتأخر عما عداه ، (بالإيجاد) في سلسلة الموجودات، فإن أول ما أوجد بالوجود العيني هو القلم الأعلى، ثم اللوح المحفوظ، ثم العرش العظيم ، ثم الكرسي الكريم، ثم العناصر، ثم السماوات السبع، ثم المولدات ، ثم الإنسان : فإنه منتهي تلك الآثار ومجتمعها.
(و) هو (الظاهر) المحسوس (بالصورة) الجسمية العنصرية.
(و)هو (الباطن) الغير المحسوس أيضا، لكن (بالسورة)، (أي المنزلة) والشرف، فإنها باعتبار روحانيته . أو نقول، هو الظاهر في عرصة الوجود العيني بالصورة الأحدية الجمعية من جسم وروح وعقل وقوى وغيرها مما يصدق عليه إطلاق «الخلقية»، وهو أيضا الباطن، لكن بمرتبته التي هي الخلافة، فإن المراتب لا تزال أمورة معقولة لا وجود لها إلا بالمتعينات المترتبة فيها وجودة تتميز به عن المتعين بها وفيها.
كالسلطنة مثلا: فإن العقل يميز بينها وبين صاحبها - أعني السلطان - ولا يظهر لها في الخارج صورة زائدة على صورة صاحبها، لكن يشهد أثرها ممن ظهر بها ما دام له الظهور بها. ومتى انتهى حكمها، لم يظهر عنه أثژها، وبقي كسائر من ليست له تلك المرتبة .
(فهو) من حيث صورته الجسمية العنصرية، أو صورته الأحدية الجمعية المذكورة آنفا، (عبد) مخلوق مربوب (لله) سبحانه وتعالى ؛ (و) من حيث معناه وروحه أو مرتبته (رب) يتحقق ربوبيته (بالنسبة) والإضافة إلى أفراد العالم كله، غيبه وشهادته، روحانية وجسمانية .
(ولهذا ما ادعى أحد من العالم الربوبية إلا الإنسان لما فيه من القوة ؛ وما أحكم أحد)
قال الشيخ "ابن العربي" رضي الله عنه في إنشاء الدوائر:
الإنسان نسختان : نسخة ظاهرة ونسخة باطنة.
فنسخته الظاهرة مضاهية للعالم بأسره، ونسخته الباطنة مضاهية للحضرة الإلهية .
فالإنسان هو الكلي على الإطلاق والحقيقة . إذ هو القابل لجميع الموجودات، قديمها وحديثها.
وما سواه من الموجودات لا يقبل ذلك.
فإن كل جزء من أجزاء العالم لا يقبل الألوهية، والإله لا يقبل العبودية ، بل العالم كله عبد، والحق سبحانه وحده إله واحد صمد لا يجوز عليه الاتصاف بما يناقض الأوصاف الإلهية، كما لا يجوز على العالم الاتصاف بما يناقض الأوصاف الحادثة العبودية .
فالإنسان ذو نسبتين كاملتين :
نسية يدخل بها إلى الحضرة الإلهية ، ونسبة يدخل بها إلى الحضرة الكيانية .
فيقال فيه : «عبد»، من حيث أنه مكلف ولم يكن، ثم كان، كالعالم.
ويقال فيه: «رب»، من حيث أنه خليفة ومن حيث الصورة ومن حيث "أحسن تقويم".
قال الشيخ "ابن العربي" في «عنقاء مغرب» :
حقيقة  الحق لا  تحد ……      و باطن الرب لا يحد
فباطن لا يكاد يخفى         …… وظاهر لا يكاد يبدو
فإن  يكن باطنا فرب         …… و إن  يكن ظاهرا فعبد
(ولذلك)، أي لكون آدم له جهة ربوبية بها يناسب الحق سبحانه وجه عبودية بها يناسب الخلق، (جعله) الله سبحانه (خليفة) في خليقته، ليأخذ بجهة الربوبية ونشأته الروحانية عن الله سبحانه ما يطلبه الرعايا، ويبلغه بجهة العبودية ونشأته الجسمانية إليهم. فبهاتين الجهتين يتم أمر خلافته.
كما قال سبحانه : "ولو جعله ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون" [الأنعام: 9]، ليجانسكم، فيبلغكم أمري.
(و) كذلك جعل سبحانه (أبناءه) الكاملين (خلفاء) في العالم كله والغير الكاملين فيما يتعلق به، فإن لكل فرد من الأفراد الإنسانية نصيبا من هذه الخلافة يدبر به ما يتعلق به، كتدبير السلطان الملكه وصاحب المنزل لمنزله ؛ وأدناه تدبير الشخص لبدنه .. والخلافة العظمى إنما هي للإنسان الكامل.
(ولهذا)، أي لمعنى اشتمال آدم على جهتي الربوبية والعبودية، (ما ادعى أحد من العالم مقام من) أفراد (العالم الربوبية) والاتصاف بصفاتها في أعلى درجاتها (إلا الإنسان لما فيه)، أي في الإنسان، (من القوة) والتمكن من الاتصاف بالأوصاف الربوبية والنسب الفعلية الوجوبية، فمتى شاهدها في نفسه ، ولم يفتح الله عين بصيرته، لم يهتد إلى أنها صفات الحق انعكست في مرآة استعداده ؛ فتوهم أنها له على سبيل الأصالة . فظهر بدعوى الربوبية والألوهية، كالفراعنة .
قال رضي الله عنه : (العبودية في نفسه إلا الإنسان . فعبد الحجارة والجمادات، التي هي أنزل الموجودات وأسفلها . فلا أعز من الإنسان بربوبيته، ولا أذل منه بعبوديته . فإن فهمت، أنت لك عن المقصود بالإنسان .  فانظر إلى عزته بالأسماء )
(و) كذلك (ما أحكم أحد من) أفراد العالم مقام (العبودية في نفسه)، أي ما جعله محكمة راسخة بالهبوط في أقصى دركاته.
(إلا الإنسان)؛ فإنه منی شاهد تلك الأوصاف والنسب في غيره وتوهم أنها له بالأصالة، أقر له بالعبودية ، كعبدة الأوثان .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 2:48 pm

01. شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الآدمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01. نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثاني

(فعبد الحجارة) وغيرها من (الجمادات التي هي أنزل الموجودات وأسفلها)، لعدم خروج ما في قوة القابلية فيها من الصفات الوجودية - كالحياة والعلم وما يتبعهما ۔ إلى الفعل.
فلا شيء (أعز) وأرفع مرتبة (من الإنسان بربوبيته) ، أي بواسطة اتصافه بصفات الربوبية وظهورها به ، فإنه لا مرتبة أرفع منها."" 
(و) كذلك (لا) شیء (أذل) وأنزل مرتبة (منه)، أي من الإنسان، (بعبوديته)، أي بسبب اتصافه بصفات العبودية ؛ فإنه كما أن الربوبية أرفع المراتب، كذلك ما يقابلها . أعني العبودية - أنزلها.
وفي "كتاب "إنشاء الدوائر : 
كأن الإنسان برزخ بين العالم والحق تعالی وجامع لخلق وحق. 
وهو الخط الفاصل بين الظل والشمس، وهذه حقيقته ؛ فله الكمال المطلق في الحدوث والقدم. 
والحق له الكمال المطلق في القدم، وليس له في الحدوث مدخل - تعالی عن ذلك. 
والعالم له الكمال المطلق في الحدوث : ليس له في القدم مدخل. فصار الإنسان جامعا . 
فما أشرفها من حقيقة! وما أظهره من موجود! 
وما أخسها وما أدنسها أيضا في الوجود.
إذ كان منها محمد صلى الله عليه وسلم وأبو جهل، وموسى عليه السلام وفرعون.
فتحقق أحسن تقويم، وجعله مركز الطائعين المقربين؛ وتحقق أسفل سافلين، وجعله مركز الكافرين الجاحدين.
فسبحان من "ليس كمثله شئ وهو السميع البصير" [الشورى : ۱۱]
فإن فهمت ما سبق من البيان، (فقد أبنت) وكشف (لك) حجاب الإبهام (عن وجه المقصود بالإنسان)، أي الحقيقة التي تقصد بلفظ "الإنسان" ويعبر به عنه .
وحاصل ما أبانه رضي الله عنه أنه، أي الإنسان، حقيقة مطلوبا لأسماء الله الحسنى لكونه أحدية جمع جميع حقائق مظهرياتها مقصودا من إيجاد العالم.
نسبتها إليه نسبة الروح إلى البدن ، مدبرة له بما هو لها بمنزلة القوى مما أودع الله سبحانه فيها من أسمائه.
مختصرة من الحضرة الإلهية ، مخلوقة على صورتها، متوسطة بينه وبين خلقه في إيصال فيضه إليه، جامعة بين عز الربوبية وذل العبودية .
فسبحان الله ، ما أشرف حال الإنسان وما أعلى أمره إذا عرف قدره ولم يتعد طوره!
قال رضي الله عنه : (الحسني وطلبها إياه، فمن طلبها إياه تعرف عزته ، ومن ظهوره بها تعرف ذلته . فافهم.
ومن ههنا يعلم أنه نسخة من الصورتين : الحق والعالم)
وإذ فهمت ما أبنت لك، (فانظر) بعين بصيرتك (إلى عزته)، أي عزة الإنسان وشرفه الحاصل له (بالأسماء الحسنى)، أي بسبب اتصافه بها، (و) بسبب (طلبها)، أي طلب تلك الأسماء، (إياه)، أي الإنسان، ليكون لها مظهرا كاملا ومجلى شاملا.
فمن أجل طلبها، أي طلب تلك الأسماء، إياه، أي الإنسان، واقتضائها وجوده لما مز،
(تعرف عزته)، أي عزة الإنسان وشرفه ؛ لأن عزة المطلوب وشرفه إنما هي بقدر عزة الطالب وشرفه.
(و) كذلك من أجل ظهوره، أي الإنسان، (بها)، أي بتلك الأسماء ، ووجوده بها مع عدمه في حد ذاته وخفائه في نفسه، (تعرف ذلته)، إذ لا ذلة أعلى من الإنقهار تحت حكم العدم والاحتياج في الوجود إلى الغير، ولشدة غموض هذا المقام وصعوبة فهم المرام.
تردد الشيخ رضي الله عنه في فهم المخاطب أولا وأمره به ثانية بقوله، (فافهم).
(ومن ههنا)، أي من هذا المقام، حيث يفهم منه كون الإنسان ربا من حيث باطنه، عبدا من حيث ظاهره.
(يعلم أنه)، أي الإنسان، (نسخة) منتسخة (من الصورتين) مطابقة لهما:
صورة (الحق) المشتمل عليها نشأة جمعيته الباطنة.
(و) صورة العالم المشتمل عليها نشأة تفرقته الظاهرة. وهاتان الصورتان هما يدا الحق اللتان خلق بهما آدم .
قال سبحانه لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [سورة ص: 75].
ولما كان الفاعل والقابل شيئا واحدة في الحقيقة، ظاهرا في صورة الفاعلية تارة والقابلية أخرى، عبر عنهما ب «اليدين».
فيمناهما الصور الفاعلية المتعلقة بحضرة الربوبية، وهي اليد المعطية.
ويسراهما الصور القابلية المتعلقة بحضرة العبودية، وهي اليد الآخذة.
بل كلتا يدي الرحمن يمين، لأن القابلة في قوة القبول تساوي الفاعلة في قوة الفعل، لا تنقص منها.
والأكثر إنهم يفسرون «اليدين» بالصفات الجمالية والجلالية.
ويجمع المعنيين تفسيرهما بالصفات المتقابلة :
و الصفتان المتقابلتان هما يدا الحق اللتان توجهنا منه سبحانه على خلق الإنسان.
وخلقه سبحانه الإنسان الكامل بيديه عبارة عن استتاره بالصورة الإنسائية وجعل الإنسان الكامل منصف بالصفات الجمالية والجلالية .
وإبليس رأى من آدم صفات العالم من الانفعالات القابلة، كالخوف والرجاء، ولم ير الصفات الفعلية ولم يعرف أن القابلة أيضا صفات الله سبحانه: فإنها من الاستعداد الفائض عن الفيض الأقدس.
فلو لم يكن لآدم تلك القوابل، لم يعرف الحق سبحانه بجميع الأسماء ولم يعبده بها. وإبليس لم يعرف ذلك، لأنه جزء من العالم، لم يحصل له هذه الجمعية، فما عرف إلا ما هو من العالم.
فاستكبر وتعزز لاحتجابه عن معرفة آدم.
وما عرف أن الذي حسبه نقصا كان عين كماله.
ولم يحصل لإبليس هذه الجمعية التي لآدم لأن إبليس مظهر اسم «المضل»؛ وهو من الأسماء الداخلة في الاسم «الله» ، الذي مظهره آدم عليه السلام.
فلا يكون لإبليس استعداد القبول لجمعية الأسماء والحقائق .
فلذلك شطن، أي بعد.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 02 - نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 3:14 pm

02 - نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - متن نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن عطيات الحق على أقسام : منها أنه يعطي لينعم خاصة من اسمه الوهاب وهي على قسمين : هبة ذاتية ، وهبة أسمائية . فالذاتية لا تكون إلا بتجلٍ للأسماء ، وأما الذاتية فتكون مع الحجاب .
ولا يقبل القابل هذه الأعطية إلا بما هو عليه من الاستعداد وهو قوله : " أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه : 50] .
فمن ذلك الاستعداد يكون العطاء عن سؤال امتثال للأمر اإلهي ، وسؤال بما تقتضيه الحكمة والمعرفة لأنه أميرٌ مالك يجب عليه أن يسعى في إيضال كل ذي حقٍ حقه . مثل قوله عليه السلام : " إن لبدنك عليك حقاً ولنفسك ولعينك .. الحديث " .)

02 - شرح نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية

قال رضي الله عنه : (اعلم أن أعطيات الحق سبحانه على أقسام  )
لما سبق ذكر معنى «الفص» و«الحكمة» و«الكلمة »، لم يبق ما يجب التنبيه عليه في ترجمة كل فص إلا معنی انصاف كل حكمة بصفتها وسبب اختصاص تلك الحكمة بالنبي الذي نسبت إليه الكلمة .
فأقول «النفث» لغة إرسال النفس رخوا "به بخار ماء النفس"، وههنا عبارة عن إرسال النفس الرحماني، أعني إفاضة الوجود على الماهيات القابلة له والظاهرة به؛ أو عن إلقاء العلوم الوهبية والعطايا الإلهية في روع من أستعد لها وقلبه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :" إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها؛ ألا فأجملوا في الطلب ".
أو عن النفث المخصوص بأهل علم الروحانية والنيرنج والعزائم والرقي، شرعيها وحكميها : وهو بث الروحانية وبسطها في النفس وإرسالها صورة إلى الأمر المتوجه إليه.
وإنما خضت الحكمة النفثية بالكلمة الشبثية لأنه أول إنسان حصل له العلم بالأعطيات الحاصلة من مرتبة المصدرية والمفيضية، ونزلت عليه العلوم الوهبية الدينية، ونزلت عليه علوم الروحانيات والملائكة الخصيصة بالتسخير والتصريف والتصرف في الأكوان بالأسماء والحروف والكلمات والآيات وما شاكل ذلك.
ولما كان أول المراتب المتعقلة التعين الجامع للتعينات كلها، وله أحدية الجمع ؛ وكان المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية والفياضية؛ وكان آدم عليه السلام صورة المرتبة الأولى، كما كان شيث عليه السلام مظهر الثانية، قدم الفص الآدمي في الذكر وجعل الشيئي تلوه، موافقة للوجود الخارجي.
(اعلم أن أعطيات الحق سبحانه) -  "الأعطيات" إما بفتح الهمزة وتخفيف الياء
جمع «أعطية»، وهي جمع "عطاء" ، فهي جمع الجمع ؛ وإما بضم الهمزة وتشديد الياء جمع «أعطية»، على وزن أمنية .
وبالجملة، فأعطيات الحق سبحانه وتعالى مشتملة (على أقسام) جمة وأنواع كثيرة.
قال رضي الله عنه : (منها أنه يعطي لينعم خاصة من اسمه «الوهاب»، وهي على قسمين:
هبة ذاتية وهبة أسمائية. فالذاتية لا تكون إلا بتجلي.  وأما الأسمائية، فتكون مع الحجاب .)
(منها)، أي من تلك الأقسام، (أنه)، أي الحق سبحانه وتعالى، (يعطي) عطاء (لينعم)، أي يظهر إنعامه وجوده، بأن يكون مقصوده تعالى إظهار الإنعام (خاصة) بلا طلب عوض من المعطي له من حمد أو شكر أو غير ذلك.
ولا يكون هذا العطاء إلا من اسمه «الوهاب»، الذي هو المعطي ابتداء من غير مقابلة وجزاء، بحيث يتملك الموهوب له الشيء الموهوب بعد قبوله إياه ووقوعه عنده بأطيب موقع.
وتمام ذلك لا يكون إلا في النشأة الجنانية أو فيما يدوم أثره، كالإيمان والتوفيق للأعمال الصالحة، فإن ما عداها مما يتعلق بهذه النشأة الدنيوية كلها أمانة ورعاية واجب ردها، فلا يتملكها الموهوب له حقيقة .
(وهی)، أي الأعطية الحاصلة الواصلة من اسمه «الوهاب» إلى القابلين المستعدين لها، منطوية (على قسمين) مندرجين تحتها :
أحدهما (هبة) وعطية (ذاتية)، أي مستندة إلى ذات الألوهية، أحدية جمع جميع الأسماء؛ إذ الذات من حيث هي هي لا تعطي عطاء ولا تتجلى تجليا.
(و) ثانيهما (هبة) وعطية (أسمائية) من حيث حضرة من حضرات الأسماء، بحسب قبول المتجلي له وخصوص قابلیته ومقامه .
فإن قلت: «العطايا الحاصلة من الاسم الوهاب» أسمائية.  فكيف تنقسم إلى الذاتية والأسمائية؟»
قل : المراد به «العطايا الذاتية» ما يكون مبدأه الذات من غير اعتبار صفة من الصفات معها .
وإن كان لا يحصل ذلك إلا بواسطة الأسماء والصفات، إذ لا يتجلى الحق سبحانه من حيث ذاته للموجودات إلا من وراء حجاب من الحجب الأسمائية - وبـ "الأسمائية" ما يكون مبدأه صفة من الصفات من حيث تعينها وامتيازها عن الذات. فعلى هذا يمكن أن يكون بعض العطايا الحاصلة من الاسم «الوهاب» ذاتية.
(فالذاتية)، أي فالعطايا الذاتية ، (لا تكون) أبدا (إلا بتجلي) إلهي، أي بتجلي حضرة هذا الاسم الجامع الذي هو أحدية جمع جميع الأسماء، لا بتجلي الذات الأحدية، لما عرفت غير مرة أن لا حكم ولا رسم ولا اسم ولا تجلي ولا غير ذلك في الأحدية الذاتية .
فيكون تعيين التجلي من حضرة الألوهية ، فيضاف التجلي لهذا السر إلى ذات الألوهية، لا إلى مطلق الذات.
والتجلي من الذات لا يكون إلا على صورة المتجلى له - وهو العبد - وبحسب استعداده ، كما أن الحق يظهر في مرايا الأعيان بحسب استعداداتها وقابليتها بظهور أحكامه بها. غير ذلك لا يكون.
(وأما) العطايا (الأسمائية، فتكون) أبدأ (مع الحجاب)، أي مع حجابية التعين الاسمي، بما به يمتاز أحد الأسماء عن الآخر و يغایره، لا غير،
وأهل الذوق والوجدان يفرق بينهما، أي بين العطايا الذاتية والأسمائية، عند حصول الفيض والتجلي. ويعرف منبع فیضانه بميزانه الخاص له الحاصل من كشفه . والمراد ب «أهل الذوق» من یكون حكم تجلياته نازلا من مقام روحه وقلبه إلى مقام نفسه وقواه، كأنه يجد ذلك حتة ويدركه ذوقة؛ بل يلوح ذلك من وجوههم.
قال تعالى: "تعرف في وجوههم نضرة النعيم" [المطففين : 42].
وهذا مقام الكمل والأفراد، ولا يتجلى الحق بالأسماء الذاتية إلآ لهم.
قال رضي الله عنه :  (ولا يقبل القابل هذه الأعطية إلا بما هو عليه من الاستعداد، وهو قوله، "أعطى كل شيء" خلقه.)
(ولا يقبل القابل هذه الأعطية)، أي أعطيات الحق سبحانه، ذاتية كانت أو أسمائية، (إلا بما هو عليه)، أي إلا بمقدار ما يكون القابل عليه، (من الاستعداد) ، فإن التجليات في حضرة القدس وينبوع الوحدة وحدانية النعت، هیولانية الوصف .
لكنها تنصبغ عند الورود بحكم استعدادات القوابل ومراتبها الروحانية والطبيعية والمواطن والأوقات وتوابعها، كالأحوال والأمزجة والصفات الجزئية.
فيظن لاختلاف الآثار أن التجليات متعددة بالأصالة في نفس الأمر، وليس كذلك. قال سبحانه وتعالى: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" [القمر: 50].
فكما أن الحق سبحانه واحد من جميع الوجوه، كذلك فيضه وأمره - كما أخبر - لا كثرة فيه إلا بالنسبة إلى القوابل.
اعلم أن من المتفق عليه عند أهل الكشف وأهل النظر الصحيح من الحكماء أن حقائق العالم المسماة عند بعضهم بـ "الماهيات الممكنة" غير مجعولة، وكذلك استعداداتها الكلية - التي بها تقبل الفيض الوجودي من المفيض الحق سبحانه. والوجود الفائض واحد بالاتفاق بيننا وبينهم، وهو مشترك بين جميع الماهيات الممكنة.
فإذا كان كذلك، فالتقدم والتأخر الواقع بين الأشياء في قبول الوجود الفائض من الحق لا موجب له إلا تفاوت استعدادات تلك الماهيات.
فالتامة الاستعداد منها قبلت الفيض أسرع وأتم وبدون واسطة، كالقلم الأعلى المسمى بـ «العقل الأول».
وإن لم يكن الاستعداد تام جدا، تأخر القبول، وكان بواسطة أو وسائط، كما وقع وثبت شرعا وكشفا وعقلا. والموجب للتفاوت بالنقص والتمام الاستعدادات، لا غير.
والفيض واحد ، والاستعدادات مختلفة متفاوتة، مثل ورود النار على النفط والكبريت و الحطب اليابس والأخضر .
فلا شك أن أولها وأسرعها قبولا للاشتعال والظهور بصورة النار النفط، ثم الكبريت، ثم الحطب اليابس، ثم الأخضر .
فأنت إذا أمعنت النظر فيما ذكرنا، رأيت أن علة سرعة قبول النفط الاشتعال قبل غيره، ثم الكبريت - كما ذكر - ليست إلا قوة المناسبة بين مزاج النفط والنار واشتراكهما في بعض الأوصاف الذاتية، التي بها كانت النار نارة.
وكذلك سبب تأخر قبول الحطب الأخضر الاشتعال إنما موجبه حكم المباينة التي تضمنها الحطب الأخضر من البرودة والرطوبة المنافية لمزاج النار وصفتها الذاتية. (وهو)، أي الاستعداد، (قوله)، أي ما يدل عليه قوله عز وعلا، (" أعطى كل شيء" [طه: 50]) ۔ سواء كانت شيئيته شيئية ثبوتية أو وجودية .
فإنه كما أن الحق سبحانه أعطى الأشياء الثبوتية في مرتبة العلم الاستعدادات الكلية الغير المجعولة التي بها تقبل الوجود.
قال رضي الله عنه : (فمن ذلك الاستعداد . وقد يكون العطاء عن سؤال بالحال، لا بد منه، أو عن سؤال بالقول.)
كذلك أعطى الأشياء الوجودية في مرتبة العين الاستعدادات الجزئية المجعولة التي بها تقبل الأحوال الوجودية .
في «الاستعداد الكلي» ما به قبلت مثلا الوجود من الحق سبحانه حال تعيين الإرادة لك من بين الممكنات وتوجيه الحق نحوك للإيجاد.
و"الاستعداد الجزئي" ما تلبست به بعد الوجود من الأحوال الوجودية، إذ كل منها يعدك لما يليه، كما قال تعالى : " لتركبن طبقا عن طبق" [الانشقاق : 19]، أي حالا هو متولد عن حال.
والكلي الذي به قبلت وجودك ليس وجودية ؛ بل هو عبارة عن حالة غيبية لعينك الثابتة.
وما سواه من الاستعدادات الجزئية المشار إليها، فوجودية.
وبالجملة، فهو سبحانه "أعطى كل شيء" [طه: 50] علما وعينا ("وخلقه") [طه: 50]، أي ما قدر له من الاستعداد الكلي والجزئي وما يتبعهما.
فمن ذلك، أي من قبيل ما قدره الله سبحانه وأعطاه كل شيء، الاستعداد، كلية كان أو جزئيا .
(وقد يكون العطاء)، ذاتيا كان أو أسمائية، (عن سؤال) واقع من المعطى له بالحال الاستعدادي، أو الحال الباعث على السؤال باللسان.
ولم يرد رضي الله عنه ههنا (بـ «الحال») ما يقابل الاستعداد ؛ بل ما يشملهما جميعا : 
أما أولا، فلأنه لم يكن حينئذ أحد الأقسام الذي هو "السؤال بالاستعداد" مذكورا.
وأما ثانيا، فلأنه لا يصح حينئذ قوله، (لا بد منه)، أي من السؤال بالحال، فإنه قد يصل العطاء إلى المعطى له من غير سؤال منه بلسان الحال ، كما إذا صادف كنزا بغتة؛ فإن ذلك مما يسأله بلسان الاستعداد، لا بلسان الحال.
ومثال السؤال بلسان الاستعداد سؤال الأسماء الإلهية ظهور كمالاتها؛ وسؤال الأعيان الثابتة وجوداتها الخارجية.
ومثال السؤال بلسان الحال سؤال الجائع يطلب بجوعه الشبع، والعطشان يسأل بعطشه الري.
وإلى لسان الحال أشار من قال :
وفي النفس حاجات وفيكم فطانة     …… سكوتي بيان عندكم وخطاب
وأيضا لا بد في العطاء من سؤال الاستعداد، ولا يتخلف عنه العطاء.
وأما الحال، فهو الباعث على الطلب، وهو أيضا من الاستعداد .
فلو لم يكن في الاستعداد الطلب، لم يحصل الداعية. ولكن قد يكون العطاء بدونه، وهو لا يقتضي حصول العطاء على القطع.
قال رضي الله عنه : (والسؤال بالقول على قسمين : سؤال بالطبع، وسؤال امتثال للأمر الإلهي وسؤال بما يقتضيه الحكمة والمعرفة، لأنه أمير مالك يجب عليه أن يسعى في إيصال كل ذي)
(أو عن سؤال)، أي وقد يكون العطاء عن سؤال، (بالقول) باللسان.
(والسؤال بالقول) مشتمل (على قسمين):
أحدهما (سؤال بالطبع)، بأن يكون الباعث على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان خلق عجولا؛ يسأل ويطلب الكمال قبل حلول أوانه.
وذلك لأن من شأن الطبيعة وطين قابليتها اللازب أن يلتصق بما يستشعر فيه كماله عاجلا. وهذا القسم من السؤال إما أن يوافقه سؤال الاستعداد أو لم يوافقه.
فإن وافق، فلا بد من وقوع المسؤول في الحال ؛ وإن لم يوافق، فلا يقع في الحال ، البتة .
وثانيهما سؤال بغير الطبع، وهو أيضا قسمان :
الأول (سؤال امتثال للأمر الإلهي) في قوله تعالى : "أدعوني أستجب لكم " [غافر : 60]. فهذا السائل هو العبد المحض الذي لا يشوب صرافة عبوديته نسبة اختيار ولا إرادة مطلوب ولا طلب مراد، كما قيل:
سقط اختياري مذ قنيت بحبكم        …… عني فلا أرجو ولا أتطلب
ليس المحب حقيقة من يشتهي        …… أو يشتكي أو يرتجي أو يرهب
(و) الثاني (سؤال بما يقتضيه الحكمة والمعرفة)، أي بسبب اقتضاء الحكمة والمعرفة السؤال.
وذلك (لأنه)، أي السائل بمقتضى الحكمة والمعرفة، (أمير) منصرف في رعاياه - سواء كان رعيته أهل العالم كله أو أهل مملكته أو أهل داره أو بدنه - بقواه العلمية والعملية على حسب مرتبة السائل، (مالك) أزمة أمورهم، كفيل لمصالحهم، عالم بأن عند الله أمورا من مصالحهم قد سبق العلم الإلهي بأنها لا تنال إلا بعد سؤال ؛ فيسأل الله سبحانه ويدعوه ليحصل تلك الأمور ويوصلهم إليها، لأنه (يجب عليه)، أي على ذلك السائل، (أن يسعی) حسب المقدور (في إيصال كل ذي حق) من رعاياه (إلى حقه).
قال رضي الله عنه : (حق إلى حقه، مثل قوله: «إن لأهلك عليك حقا ولنفسك ولعينك ولزورك» الحديث.)
والذي يدل على هذا الوجوب (مثل قوله صلى الله عليه وسلم : «إن لأهلك»)، الذين يستاهلون لتربيتك، كالأزواج والأولاد في الآفاق وكالقوى الروحانية والجسمانية في الأنفس، («عليك حقا") ينبغي أن توصلهم إليه.
(و) كذلك («لنفسك»)، أمارة كانت أو لوامة أو مطمئنة، فإن لها في كل مرتبة عليك حقا يجب إيصالها إليه.
(«و») كذلك («لعينك»)؛ فلا تمنعها عن حقها، كالنوم مثلا، كل منع .
(«و») كذلك (لزوارك») الذين يزورونك - الحديث .
فالأمر كله يرجع إليه سبحانه ، منه ابتداؤه وإليه انتهاؤه ؛ ولا إله غيره .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت يوليو 27, 2019 3:33 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 03 - نقش فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 3:31 pm

03 -  نقش فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص النوحي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
03 - متن نقش فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
قال رضي الله عنه : (التنزيه للمنزه تحديد للمنزه . إذ قد ميزه عما لا يقبل التنزيه .
فالإطلاق لمن يجب له هذا الوصف تقييد فما ثم إلا مقيدٌ أعلاهُ بإطلاقه .
واعلم أن الحق الذي يطلب من العباد أن يعرفوه هو ما جاءت به ألسنة الشرائع في وصفه .
فلا يتعداه عقل قبل ورود الشرائع ومعرفة ما تلقاها من الشرائع .
ولكن شرطها أن يرد علم ما جاءت به إلى الله .
فإن كشف له عن العلم بذلك فذلك من باب العطاء الإلهي الذاتي وقد تقدم في شيث ..)


03 - شرح فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
قال رضي الله عنه : (التنزيه للمنزه تحديد للمنزه . إذ قد ميزه عما لا يقبل التنزيه . فالإطلاق لمن يجب له هذا الوصف تقييد فما ثم إلا مقيدٌ أعلاهُ بإطلاقه .)
" السبوح" المسبح والمنزه عن كل نقص وآفة ، ك «القدوس بمعنى المقدس . ولما كان بعد المرتبة الإلهية والمبدئية عالم الأرواح، التي هي العقول المجردة ، ولهم تنزيه الحق سبحانه من النقائص الإمكانية .
لأن جميع كمالاتهم بالفعل موجودة ، ونقصانهم إنما هو احتياجهم وإمكانهم بحسب وجوداتهم المتعينة وذواتهم المتقيدة؛ وكل منه إنما هو ينزه الحق عما فيه من النقص - أردف الحكمة النفثية بالحكمة السبوحية، ولما كان الغالب على نوح عليه السلام تنزية الحق سبحانه ، لكونه أول المرسلين .
ومن شأن الرسول أن يدعو أمته إلى الحق الواجب المنزه عن النقائص الإمكانية وينفي الإلهية عن كل ما وقع عليه اسم «الغيرية ؛ وإن كان يعلم أنه أيضا مجلي إلهي - وكان الغالب على قومه عبادة الأصنام، وهو ينزه عنها، قارن الحكمة السبوحية بالكلمة التوحية، ولما كانت الحكمة السبوحية عبارة عن علوم و معارف متعلقة بتنزيه الحق سبحانه، صدر النص المشتمل عليها بالبحث عن التنزيه .
فقال: (التنزيه) ، أي تنزيه الحق سبحانه، الصادر (من) العبد (المنزه) عن أمور بموجب استحسانه واستقباحه بفكرة العادي وعقله العرفي (تحديد) وتخصیص منه (للمنزه) الحق سبحانه بما عدا ما يثبت له تلك الأمور، (إذ قد میزه) أي العبد المنزه الحق المتره، (عما لا يقبل التنزيه) عن تلك الأمور، ولا تكون تلك الأمور منتفية عنه. ولا شك أن تمييزه عنه تحديد وتخصيص له بما سواه، فيكون التنزيه عين التحديد، وعلى قیاس ذلك.
(فالإطلاق) أيضا (لمن يجب له هذا الوصف)، أي الإطلاق، ويتقيد بها (تقييد) له بالإطلاق. (فما ثمة)، أي عند التقييد بالإطلاق، (إلا) إله (مقيد) بالإطلاق، (أعلاه) العبد المنزه (بإطلاقه) ، أي جعل رتبته فوق رتبة المقيدات بسبب تقييده له بالإطلاق.
ولم يتنبه أن ذلك أيضا تقیید مناف للإطلاق الحقيقي، إذ الإطلاق الحقيقي يشترط فيه أن يتعقل بمعنى أنه وصف سلبي، لا بمعنى أنه إطلاق ضده التقيد بل هو إطلاق عن الوحدة والكثرة المعلومتين وعن الحصر أيضا في الإطلاق والتقييد وفي الجمع بين كل ذلك أو التنزه عنه - فيصح في حقه كل ذلك حال تنزهه عن الجميع .
فنسبة كل ذلك إليه وغيره وسله عنه على السواء؛ ليس أحد الأمرين بأولى من الآخر.
وكما أن المنزه بالتنزيه العقلي ناقص المعرفة لكونه مقيدا للمطلق ومحددا لما لا حد له .
فكذلك المشبه من غير تنزيه غالط، لأن التشبيه تقييد وتحديد أيضا للمطلق الذي لا حد له يقيده ويحصره.
وذلك لأن المشبه يشبهه تعالى بالجسمائيات ويحصره فيها، والمنزه ينزه عنها كذلك.
فكل واحد منهما يقيده إذن بمفهومه ويحدده بمعلومه.
وحقيقته تعالی تقتضي الإطلاق واللاحصر .
لا تقل دارها بشرقي نجد        ….. كل نجد للعامرية دار
ولها منزل على كل ماء       ……. وعلی كل دمنة آثار
قال الشيخ رضي الله عنه :
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا     …… وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا  …… وكنت إماما في المعارف سیدا
قال قدوة المحققين الشيخ صدر الدين قونيوي رضي الله عنه في كتاب "مفتاح الغيب" باعتبار مرتبة التنزيه: «كل ما يدرك في الأعيان ويشهد من الأكوان بأي وجه أدركه الإنسان وفي أي حضرة حصل الشهود , ما عدا الإدراك المتعلق بالمعاني المجردة والحقائق في حضرة عينها بطريق الكشف.
ولذلك قلت : «في الأعيان»، أي ما أدرك في مظهر ما، كان ما كان  فإنما ذلك المدرك ألوان وأضواء وسطوح مختلفة الكيفية ، متفاوتة الكمية ، أو أمثلتها تظهر في عالم المثال المتصل بنشأة الإنسان أو المنفصل عنه من وجه على نحو ما في الخارج أو ما مفرداته في الخارج.
وكثرة الجميع محسوسة، والأحدية فيها معقولة أو محدوسية.
وكل ذلك أحكام الوجود أو قل : "صور نسب علمه"، أو "صفات لازمة له من حيث اقترانه بكل عین موجود بست ظهوره فيها وبها ولها وبحسبها"، كيف شئت وأطلقت ليس هو الوجود، فإن الوجود واحد، ولا يدرك بسواه من حيث ما يغایره".
وقال في تفسير الفاتحة باعتبار مرتبة التشبيه : «كل ما يرى ويدرك بأي نوع كان من أنواع الإدراك، فهو حق ظاهر بحسب شأن من شؤونه القاضية بتنوعه وتمدده ظاهرة من حيث المدارك، التي هي أحكام تلك الشؤون.
مع كمال أحديته في نفسه ، أعني الأحدية التي هي منبع لكل وحدة وكثرة وبساطة وتركيب وظهور وبطون. فافهم".

قال رضي الله عنه : (واعلم أن الحق الذي طلب أن يعرفوه هو ما جاءت به ألسنة الشرائع في وصفه . فلا يتعداه عقل. وقبل ورود الشرائع ، فالعلم به سبحانه تنزيهه عن سمات الحدوث) .
(واعلم أن) الطريق (الحق الذي طلب) الله سبحانه بمثل قوله : «أحببت» أو "أردت أن أعرف، فخلقت الخلق"، (أن يعرفوه) به (هو ما جاءت به ألسنة الشرائع) المنزلة على الرسل صلوات الله عليهم أجمعين .
كما يشير إليه قوله، "وتعرفت إليهم"، أي بألسنة الشرائع، "فعرفوني"، أي على ما عرفتهم فيما تعرفت إليهم .
(في وصفه الجامع بين التنزيه والتشبيه ؛ لأنه تعالى نزه وشبه وجمع بينهما في آية واحدة ، فقال: «ليس كمثله شيء" [الشورى : 11]، فنزه، "وهو السميع البصير" [الشورى: 11]، فشبه.
وهو جمع بينهما، بل في نصف هذه الآية - "وهو قوله: "ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱] ۔
جمع بين التنزيه والتشبيه على قول من يقول : "إن الكاف غير زائدة"، فإن فيه نفي مماثلة الأشياء لمثله.
فمثله المنزه، وهو إثبات للمثل المنزه. وهو عين التشبيه في نفس التنزيه .
بمعنى أن المثل إذا نزه . فبالأولى أن يكون الحق منها عن كل ما ينه عنه مثله، لأن تنزيه المثل المثبت في هذه الآية موجب لتنزيهه بالأحرى والأحق.
وكذلك النصف الثاني : فإنه صريح في التشبيه ، ولكنه في التحقيق وتدقيق النظر الدقيق عين التنزيه الحقيقي في صورة التشبيه.
لأن قوله : "وهو السميع البصير" [الشورى : 11]، يفيد تخصيصه بإثبات السمعية والبصرية، بمعنى أنه لا سميع ولا بصير في الحقيقة إلا هو.
فهو السميع بعين سمع كل سميع والبصير بعين بصر كل بصير.
فهو تنزيهه تعالى عن أن يشاركه غيره في السمع والبصر ، وهو حقيقة تنزيه المحققين.
(فلا يتعداه)، أي لا يتجاوز ما جاءت به السنة الشرائع في وصفه تعالى، (عقل) منور و فهم كامل.
بل يؤمن به على الوجه الذي أراده الله من غير تأويل بفكره.
فتنزيهه الفكري يجب أن يكون مطابقا لما أنزله على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم وفي كتبه المنزلة عليهم؛ وإلا ، فهو منزه عن تنزيه العقول البشرية بأفكارها.
فإن العقول المتعينة في القوى المزاجية المقيدة الجزئية مفيدة جزئية كذلك بحسبها . وأني للمقيد الجزئي أن يدرك الحقائق المجردة المطلقة من حيث هي, كذلك إلا أن ينطلق عن قيودها، أو يتقيد المطلقات بحسب شهودها ووجودها؟
قد علم مما ذكر أن معرفة الحق سبحانه بعد ورود الشرائع و إرسال الرسل إنما هي بالجمع بين التنزيه والتشبيه على وجه يطابق ما جاءت به الشرائع .
وأما قبل ورود الشرائع وأخذ العلم والمعرفة منها، (فالعلم به سبحانه تنزيهه عن سمات الحدوث). والتركيب والافتقار .
قال رضي الله عنه : (فالعارف صاحب معرفتين: معرفة قبل ورود الشرائع ومعرفة تلقاها من الشارع. ولكن شرطها أن يرد علم ما جاءت به إلى الله سبحانه . فإن كشف له عن العلم بذلك، فذلك من باب العطاء الإلهي الذاتي، وقد تقدم في شيث.
وهو التنزيه المشهور عقلا، ولا يتجاوزه العقل بمقتضى فكره أصلا (فالعارف) حقيقة (صاحب معرفتين) :
إحديهما (معرفة) يقتضيها العقل والدليل (قبل ورود الشرائع) وأخذ العلم والمعرفة منها.
وثانيتهما (معرفة تلقاها) العارف وقبلها من قبل (الشارع).
(ولكن شرطها)، أي شرط المعرفة المأخوذة من الشارع، (أن يرد) العارف (علم ما جاءت) الشرائع (به) عن الدليل العقلي (إلى الله سبحانه) ويؤمن به وبكل ما جاءت به الشرائع على الوجه الذي أراده الله سبحانه ، من غير تأویل بفكره ولا تحكم على ذلك برأيه وأمره، لأن الشرائع إنما أنزلها الله سبحانه لعدم استقلال العقول البشرية بإدراك الحقائق على ما هي عليه في علم الله سبحانه .
(فإن كشف) الله سبحانه (له)، أي للعارف، (عن العلم بذلك)، أي بما جاءت به الشرائع، ووهبه علما بمراده من الأوضاع الشرعية ومنحه اطلاع على حكمه من الأحكام الدينية الأصلية والفرعية بالإخبارات الإلهية التي يحيلها العقل بقوته الفكرية.
(فذلك) الكشف والاطلاع (من باب العطاء الإلهي) والفيض الرحماني (الذاتي).
وقيد "الذاتي" لم يوجد في بعض النسخ. وقد تقدم بيان العطاء الإلهي وأقسامه في فص شيث عليه السلام؛ فمن أراد الوقوف عليه ، فليرجع إليه .
اعلم أن المعرفة الحاصلة للعقلاء توجب باتفاقهم وتقتضي بإجماعهم وإطباقهم تنزيه الحق سبحانه عن صفات المحدثات و الجسمانيات و سلب النقائص عن جنابه ونفى النعوت الكونية الحدوثية عنه. فالعقول مطبقة على ذلك.
ولو كان المراد الإلهي من معرفته هذا القدر، لكان بالعقول استغناء عن إنزال الشرائع والكتب وإظهار المعجزات والآيات لأهل الحجب.
ولكن الحق سبحانه وتعالى غني عن تنزيه العقول بمقتضى أفكارها المقيدة بالقوى الجزئية المزاجية ويتعالى عن إدراكها ما لم تتصل بالعقول الكلية .
فاحتاجت من حيث هي كذلك في معرفته الحقيقية إلى اعتناء رباني وإلقاء رحماني يهبها استعدادا لمعرفة ما لا يستقل العقول البشرية بإدراكه مع قطع النظر عن الفيض الإلهي.
فلما جاءت ألسنة الشرائع بالتنزيه والتشبيه والجمع بينهما، كان الجنوح إلى أحدهما دون الآخر باستحسان فكري تقييدا أو تحديدا للحق بمقتضى الفكر والعقل من التنزيه عن شيء أو أشياء أو التشبيه بشيء أو أشياء.
بل مقتضى العقل المنصف المتصف بصفة نصفة أن يؤمن بكل ما وردت به الشرائع على الوجه المراد للحق من غير جزم بتأويل معين ولا جنوح إلى ظاهر المفهوم العام، مقيدة بذلك، ولا عدول إلى ما يخرجه عن ظاهر المفهوم من كل وجه، محددة لذلك.
ولكن الأحق والأولى أن نأخذ القضية شرطية، فنقول، إن شاء الحق سبحانه ، ظهر في كل صورة ؛ وإن لم يشأ، لم تنضاف إليه صورة .
بل الحق أن الحق منه في عين التشبيه ومطلق عن التقيد والحصر في التشبيه والتنزيه .
وذلك لأن التنزيه عن سمات الجسمانيات وصفات المتحيزات تشبيه استلزامي وتقييد تضمني بالمجردات العارية عن صفات الجسمانيات من العقول والنفوس التي هي عارية عن سمات المتحيزات، برية عن أحكام الظلمانيات.
وإن نزه الحق أيضأ منزه عن الجواهر العقلية والأرواح العلية والنفوس الكلية ، فذلك أيضا تشبیه معنوي بالمعاني المجردة عن الصور العقلية والنسب الروحانية والنفسانية.
وإن نزه عن كل ذلك، فذلك أيضا إلحاق للحق بالعدم، إذ الموجودات المتحققة الوجود والحقائق المشهودة على النحو المعهود منحصرة في هذه الأقسام الثلاثة ؛ والخارج عنها تحكم وهمي وتوهم تخيلي، لا علمي؛ وذلك أيضا تحديد عدمي بعدميات لا تتناهى . وعلى كل حال، فهو تحديد وتقييد.
وذلك تنزيه ليس له في التحقيق وجه سدید، وحقيقة الحق المطلق تأباه وتنافيه . ولا سيما وقد نزلت الشرائع بحسب فهم المخاطب على العموم، ولا يسوغ أن يخاطب الحق عبيده بما يخرج عن ظاهر المفهوم.
فكما أمرنا أن نكلم الناس بقدر عقولهم، فلا يخاطبهم أيضا كذلك إلآ بمقتضی مفهومهم ومعقولهم.
ولو لم يكن المفهوم العام معتبرة من كل وجه، لكان ساقطة، وكانت الإخبارات كلها مرموزة . وذلك تدليس، والحق تعالی يجل عن ذلك.
فيجب الإيمان بكل ما أخبر به من غير تحكم عقلي ولا تأويل فكري، إذ لا "يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به" [آل عمران: 7]
وحيث أقرت العقول بالعجز عن إدراك الحقائق، فعجزها عن إدراك حقيقة الحق أحق؛ فلا طريق لعقل عاقل ولا وجه لفكر مفكر أن يتحكم على الذات الإلهية بإثبات أمر لها أو سلب حكم عنها إلا بإخباره عن نفسه.
فإن الذات المطلقة غير منضبطة " لا يحاط بها ولاتدرك " في علم عقلي ولا مدركة بفهم فكري، ولا سيما لا وجه للحكم بأمر على أمر إلا بإدراك المحكوم به وبالمحكوم عليه وبالحكم حقيقة وبحقيقة النسبة بينهما.
وهذا مقرر عقلا وكشفا وإيمانا ؛ فليس لأحد أن يتحكم بفكره على إخبارات الحق عن نفسه ويأولها على ما يوافق غرضه ويلائم هواه .
فإن الإخبارات الإلهية مهما لم يرد فيها نص بتعيين وجه وتخصيص حكم، فهي متضمنة جميع المفهومات المحتملة فيها من غير تعيين مفهوم دون مفهوم.
وهي إما تنزل في العموم على المفهوم الأول وفي الخصوص على كل مفهوم يفهمه الخاصة من تلك العبارة.
والحق إنما ذكر تلك العبارة عالما بجميع المفهومات، محيطة بها.
وجميعها مراد له بالنسبة إلى كل فاهم؛ ولكن بشرط الدلالة اللفظية بجميع وجوه الدلالة المذكورة على جميع الوجوه المفهومة عنها في الوضع العربي أو غيره، أي لغة كانت تلك الإخبارات بها.
لأن للحق ظهورة في كل مفهوم و معلوم و ملفوظ و مرقوم، وفي كل موجود موجود، سواء كان من عالم الأمر أو من عالم الخلق أو من عالم الجمع. فهو الظاهر في الكل بالكل، وهو عين الكل والجزء وكل الكل.
فهو الظاهر في كل مفهوم بحسبه، غير منحصر فيه ولا في غيره من المفهومات.
وهو الباطن عن كل فهم ومفهوم، إلا من رزقه الله تعالى فهم الأمر على ما هو عليه : وهو أن يرى أن العالم صورة الحق، وهوية العالم هوية الاسم الظاهرة، وصورة العالم هو الاسم "الظاهر"، وهوية العالم هو الاسم «الباطن».
وهو من حيث هو المطلق عن التقييد بالظاهر والباطن والحصر في الجمع بينهما .
وهو الغير المتعين المطلق مطلقا في عين تعينه بعين كل عين من أعيان العالم. فافهم، والله الملهم.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 04 - شرح نقش فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 3:48 pm

04 - شرح نقش فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الإدريسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الإدريسي
04 - متن نقش فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
قال الشيخ رضي الله عنه : (العلو علوان:
علو مكان مثل قوله تعالى: " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه: 5]. والعماء والسماء.
وعلو مكانة مثل قوله تعالى: " كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [القصص: 88].
والناس بين علمٍ وعمل: فالعمل للمكان والعلم للمكانة.
وأما علو المفاضلة فقوله تعالى: " وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ "، " وَاللَّهُ مَعَكُمْ " [محمد: 35].
فهذا راجعٌ إلى تجليه في مظاهره.
فهو في تجلٍ ما أعلى منه في تجلٍ آخر مثل: " كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " [الشورى: 11].
ومثل: " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى" [طه: 46].
ومثل: " جعت فلم تطعمني .. الحديث القدسي الشريف ".)
بسم الله الرحمن الرحيم
04 - شرح فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
قال الشيخ رضي الله عنه : (العلو نسبتان، علو مكان وعلو مكانة. فعلو المكان «ورفعناه مكانا عليا». وأعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس،)
إنما أردف الشيخ رضي الله عنه الكلمة النوحية بالكلمة الإدريسية وإن كان إدريس قبل نوح عليهما السلام بحسب الزمان لمناسبة مخصوصة بينهما .
من حيث أن الصفة القدوسية تلي الصفة السبوحية في المعنى والمرتبة فإن السبوح هو الذي ينزه عن كل سوء.
والقدوس هو الطاهر عما يتوهم فيه من إمكان طرق نقص ما إليه بشینه، وأما سر اختصاص هذه الصفة بإدريس عليه السلام فلأجل أن الكمال الذي حصل له إنما كان بطريق التقديس وهو تروحنه وانسلاخه عن الكدورات الطبيعية والنقائص العارضية من المزاج العنصري ولما نزل في شأنه عليه السلام أنه رفع مكانة عليا ابتدأ رضي الله عنه حكمته بذكر العلو وبيان أقسامه وأحكامه.
فقال : (العلو نسبنان) أراد علوان كما صرح به في مختصره المسمى بنقش الفصوص ولكن لما كان العلو في ذاته أمرا نسبيا وكان امتیاز كل من قسميه عن الآخر أيضا بالنسبة والإضافة إلى موصوفه عبر عنهما بقول نسبتان أو المعنى العلو له نسبتان (علو مكان) يتصف به المكان أو لا والمتمكن ثانية (وعلو مكانة) أي منزلة ومرتبة ويوصف به كل موجود.
(فعلو المكان) يدل عليه قوله تعالى: ("ورفعناه مكانا عليا") [مريم: 57 ] فذلك يدل على رفعة إدريس عليه السلام، أو على علو مكانه وهو فلك الشمس، أما رفعته فتبعية مكانه .
وأما علو مكانه فلوجهين:
أحدهما باعتبار ما تحته من الكثرات الفلكية والعنصرية.
وثانيهما باعتبار المرتبة بالنسبة إلى جميع الأفلاك.
ولما كان علوه بالاعتبار الأول ظاهرا أعرض رضي الله عنه عن بيانه وتعرض للثاني بقوله (وأعلى الأمكنة) أي بالمكانة والمرتبة لا باعتبار الجهة فإن أعلاها بهذا الاعتبار هو العرش كما سيجيء.
(المكان الذي يدور عليه عالم الأفلاك) ويصل من روحانيته الفيض إلى سائر الأفلاك كما أن من كوكبه تتنوّر الأفلاك جميعاً، وذلك كما يقال على القلب يدور البدن أي منه يصل الفيض إلى سائر البدن (وهو) أي السكان الذي تدور عليه الأفلاك (فلك الشمس، وفيه)

قال رضي الله عنه : (وفيه مقام روحانية إدريس عليه السلام. وتحته سبعة أفلاك وفوقه سبعة أفلاك وهو الخامس عشر. فالذي فوقه فلك الأحمر وفلك المشترى وفلك كيوان وفلك المنازل والفلك الأطلس فلك البروج وفلك الكرسي وفلك العرش. والذي دونه فلك الزهرة وفلك الكاتب، وفلك القمر، وكرة الأثير، وكرة الهوى، وكرة الماء، وكرة التراب. فمن حيث هو قطب الأفلاك هو رفيع المكان. وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين. قال الله تعالى «وأنتم الأعلون والله معكم» والناس بين علم وعمل. فالعمل للمكان، والعلم للمكانة . )
أي في فلك الشمس (مقام روحانية إدريس عليه السلام) كما يشعر به حديث المعراج واجتماع به الشیخ رضي الله عنه هنالك.
وظهرت بينهما مفاوضات عليه وإسرار كلية الآنية.
فاطلبها من كتاب الأسرار وكتاب التنزلات نه (وتحته سبعة أفلاك) سمى رضی الله عنه كرات العناصر أيضاً أملاكاً تغليباً (وفوقه سبعة أفلاك وهو)، أي فلك الشمس هو (الخامس عشر فالذي فوقه فلك الأحمر)، أي المريخ (وفلك المشتري وفلك كيوان) يعني زحل (وفلك المنازل)، أي فلك الثوابت (وفلك الأطلسي) صاحب الحركة اليومية.
وفي النسخة المقروءۃ علی الشیخ رضي الله عنه و الفلك الأطلس ( وهو فلك البروج)، على أن تكون البروج عطف بيان الفلك الأطلس وتسميته بفلك البروج على أن البروج إنما تقدر فیه وإن كانت آسامیها بملاحظة ما يجذبها من كواكب فلك المنازل.
(وفلك الكرسي وفلك العرش) أثبت رضي الله عنه هذين الفلكين أيضاً في الباب الخامس والتسعين ومائتين من المفتوحات .
وذكر أن الأطلس هو عرش التكوين ، أي فظهر عنه الكون والفساد بواسطة الطبائع الأربع ومستوى الرحمن هو العرش العظيم الذي ما فوقه جسم ومستوى الرحيم هو الكرسي الكريم.
والحكماء أيضاً ما جزموا بأنه ليس فوق التسعة فلك آخر بل جزموا بأنه لا يمكن أن يكون أقل منه (والذي دونه)، أي دون فلك الشمس (فلك الزهرة وفلك الكاتب) ، أي عطارد (وفلك القمر وكرة الأثير)، أي النار (وكرة الهواء وكرة الماء وكرة التراب).
وتعبيره رضي الله عنه عن هذه الأربع بالكرة ههنا يدل على أن إطلاق الفلك عليها فيما تقدم كان تغليباً (فمن حيث هو)، أي فلك الشمس (قطب الأفلاك) بالمعنى المذكور (هو)، أي إدريس الذي رفع إليه (رفيع المكان) وعلوه علو المكان (وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين قال تعالى خطاباً لهم : " وَأَنتم الأعلُونَ " )
(و) ثانيهما (علو مكانة)، أي مرتبة. وما يقتضي نسبة على المكانة إليه قوله :
("كل شيء هالك إلا وجهه") [القصص: 88].
وقوله: ("وإليه يرجع الأمر كله") [هود: 123].
وقوله : ("أإله مع الله") [النمل: 63]؛ إذ البقاء مع هلاك الأشياء وكونه مرجع الأمور والانفراد بالإلهية منزلة عظيمة ومكانة رفيعة، لا يمكن أن تكون فوقها مرتبة.
وقد يخص علو المكانة بولاة الأمر - كالسلطان والحكام والوزراء والقضاة وكل ذي منصب.
ويسمى ما عدا ذلك بـ «العلو الصفاتي»، كعلو العلماء على غيرهم بسبب صفة العلم، والأول في معرض الزوال بخلاف الثاني.
ثم اعلم أن نسبة العلوين المكاني والمرتبي إليه سبحانه إنما هي بحسب المراتب والمظاهر والأسماء والصفات.
وأما بحسب الذات، فهو منزه عنهما. أما تنزهه عن العلو المكاني، فواضح لعدم تحيزه. وأما التنزه عن علو المكانة، فلأن كل علي بمكانة، فإنه يتقيد بها؛ وإن علوه إنما يثبت فيها من حيث هي لا غير.
وهو سبحانه يتعالی عن ذلك. فلا اشتراك بين الحق سبحانه وبين غيره فيما يفهمه الجمهور من العلو.
ولذلك قال سبحانه : "سبح أسم ربك الأعلى" [الأعلى: 1]، بمعنى أنه متی أضيف العلو إلى الحق بحسب معتقدهم، فالحق أعلى من ذلك.
والسر فيه أن الحق في كل متعین غیر متعين.
فكما ينتفى عنه الإشارة الحسية ، ينتفي عنه الإشارة العقلية .
فتقدس عما يتوهم فيه من الاشتراك بسبب المفهوم من المعية حيث أخبر أنه تعالى مع كل شيء ، مع أن الأشياء لا تخلو عن أحد العلوين.
فهو سبحانه مقدس عن مفهوم الجمهور من العلوین، منزه عنه.
فعلوه حيازته الكمال المستوعب كل وصف وعدم تنزهه عما يقتضيه ذاته من حيث إحاطتها واتسام كل وصف بصفة الكمال من حيث إضافة ذلك الوصف إليه.
فاعلم ذلك , تعرف سر العلو الحقيقي الذاتي اللائق إضافته إلى الحق وتنزهه عن العلوين المفهومين للجمهور المضافين إلى الغير .
(والناس) موصوفون بالعلوين، لأنهم دائرون (بين علم) بالله (وعمل) له سبحانه. فبعضهم يترقون في مراتب العلم بالله ، كالعارفين؛ وبعضهم يتدرجون في درجات العمل، كالعباد والزهاد؛ وبعضهم يجمعون بينهما، كالكمل .
(فالعمل) الصالح الخالص (للمكان) العلي، يعني أنه يثمر العلو المكاني، كالجئة ودرجاتها .
(والعلم) بالله (للمكانة) العلية، فإنه يوجب العلو في مراتب القرب إلى الله سبحانه ، وذلك لأن المكانة للروح، كما أن المكان للجسم.
والعلم روح العمل، والعمل جسده .
فاقتضى كل منهما بحسب المناسبة ما يشبهه ويماثله.
فعلو المكانة للعالم ، وعلو المكان للعامل؛ ومن جمع بينهما، فله العلوان.

قال رضي الله عنه : (وأما علو المفاضلة ، فقوله : « "وأنتم الأعلون والله معكم. فهذا راجع إلى تجليه سبحانه في مظاهره، فهو سبحانه في تجلى ما أعلى منه في تجلى آخر، مثل "ليس كمثله شيء" ومثل (إنني معكما أسمع وأرى ) ومثل «جعت، فلم تطعمني»..)
وإلى هذا أشار الشيخ رضي الله عنه بقوله  : (وأما علو المفاضلة)، أي العلو الإضافي الذي تكون لبعض العالين فيه فضيلة على بعض.
فقوله، أي فما يقتضي نسبته إلى الحق سبحانه قوله تعالى : (" وأنتم الأعلون والله معكم") [محمد: 35]، حيث أثبت الأعلوية للمخاطبين وأخبر أنه معهم في هذه الأعلوية ، فيلزم إثبات الأعلوية له سبحانه .
(فهذا) العلق ، أي علو المفاضلة ، (راجع إلى تجليه سبحانه) وظهوره (في مظاهره) المتكثرة المتفاضلة ، لا إلى أحدية ذاته .
(فهو سبحانه في تجل ما) من تجلياته (أعلى منه في تجل آخر) منها.
فإذا تجلی بصفة التنزيه مثلا، (مثل) قوله : ( "ليس كمثله شيء" ) [الشورى:11]، فهو أعلى منه إذا تجلی بصفة التشبيه.
وفي التجلي بصفة التشبيه إذا تجلى بالصفات الكمالية ، فهو أعلى منه إذا تجلی بغيرها بحسب الظاهر (و) الأول (مثل) قوله : ( إني ما أسمع وأرى) [طه: 46].
حيث تجلى بصفتي السمع والبصر، اللذين هما من الصفات الكمالية .
(و) الثاني (مثل) قوله : ("جعت، فلم تطعمني")، حيث تجلی بصفة الجوع، التي هي من الصفات الغير الكمالية.
" يشير الى الحديث القدسي: (يا عبدي! جعت فلم تطعمني، فيقول: وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!
فيقول: جاع عبدي فلان، فلو أطعمته لوجدتني عنده، يا عبدي!
مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب! وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟!
فيقول: مرض عبدي فلان، ولو عدته لوجدتني عنده.)"
فظهر أن على المفاضلة له سبحانه إنما هو باعتبار كثرة التجليات والاعتبارات، لا باعتبار أحدية الذات، وأن في مرتبة الأحدية ليس إلا العلق الذاتي الحقيقي، لا الإضافي.
لا ينافي ظهوره في الأشياء وتعينه وتقيده بها وبأحكامها من حيث هي وحدته وإطلاقه عن القيود، ولا غناه بذاته عن جميع ما وصف بالوجود.
بل هو سبحانه الجامع بین ما تماثل من الحقائق وتخالف من وجه، فيأتلف؛ وبين ما تنافر وتباین، فيختلف، بتجلية الوجودي.
ظهرت الخفيات ، وتنزل من الغيب إلى الشهادة البركات . إذا شاء، ظهر في كل صورة ؛ وإن لم يشأ، لا ينضاف إليه صورة .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 05 - شرح نقش فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 4:03 pm

05 - شرح نقش فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الإبراهيمي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الإبراهيمي
05 - متن نقش فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
قال الشيخ رضي الله عنه : (لابد من إثبات عين العبد وحينئذٍ يصح أن يكون الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله.
فعم قواه وجوارحه بهويته على المعنى الذي يليق به سبحانة وهذه نتيجة حب النوافل.
وأما حب الفرائض فهو أن يسمع الحق بك ويبصر بك.
والنوافل تسمع به وتبصر به. فتدرك بالنوافل على قدر استعداد المحل. وتدرك بالفرائض كل مدرك. فافهم. )

05 - شرح نقش فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
«الهيمان» شدة العشق. وهو صفة تقتضي عدم انحياز صاحبها إلى جهة بعينها بل إلى المحبوب في أية جهة كان، لا على التعيين وعدم امتیاز صاحبها بصفة مخصوصة تقيده .
وهذه المرتبة تحققت أولا في الأرواح العالية المهيمة : تجلى لهم الحق سبحانه في جلال جماله، فهاموا فيه وغابوا عن أنفسهم، فلا يعرفونها ولا غير الحق؛ وغلب على خلقيتهم حقيه التجلي، فاستغرقهم واستهلكهم.
وثانيا من كل الأنبياء في إبراهيم عليه السلام، حيث غلب عليه محبة الحق حتى تبرأ عن أبيه في الحق وعن قومه وذبح ابنه في سبيل الله وخرج عن جميع ما له مع كثرته المشهورة لله .
وأيضا من شدة المحبة جعل يطلبه في مظاهر الكواكب لظهور النورية فيها، ومن غلبة الهيمان قال : "لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين" [الأنعام: 79]، أي الحائرين في جمال الحق.
وعند كمال الهيمان فني عن نفسه، وتجلى له الحق، فبقي بالحق في مقام الجمع والفرق.
وأدركه في مظاهر سماوات الأرواح وأرض الأجسام والأشباح.
فقال : "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض" [الأنعام: 79] بتجليه الوجودي عليها وسريان ذاته فيها "حنيفا" [الأنعام: 79] مسلما فانيا عن الأفعال والصفات والذات في أفعاله وصفاته وذاته. "وما أنا من المشركين " [الأنعام: 79] المثبتين للغير. لوجد أن الذات الإلهية في صور جميع الأكوان بالكشف والعيان.
قد ظهر مما سلف وجه اختصاص حكمة التهييم بكلمة إبراهيم.
وإنما قرنها بالحكمة القدوسية لأنه وجب أن يذكر بعد الصفات التنزيهية السلبية أحكام الصفات الثبوتية ومراتبها وأول مظاهرها الإنسانية لتكميل مرتبة المعرفة بالذات. فإن السلوب لا تفيد معرفة تامة أصلا.
وكان الخليل عليه السلام أول مرة ظهرت بها أحكام الصفات الإلهية الثبوتية وأول من حاز التخلق بها.
فله أولية الظهور بالصفات الإلهية الثبوتية ، بمعنى أنه بحقيقته كسا الذات بالصفات. ولهذه المناسبة ورد في الصحيح، «إن أول من يكسي من الخلق يوم القيامة إبراهيم» ، لأنه الجزاء الوفاق .
ولما كان الخليل عليه السلام متحققا بالفناء في الحق سبحانه ، وكان المتوهم أن يتوهم أن الفاني لا شيء محض ، واللاشيء يستحيل أن يتصف بالصفات الثبوتية - فكيف يتصف الخليل عليه السلام بالصفات الإلهية الثبوتية؟ 


قال الشيخ رضي الله عنه : (لا بد من إثبات عين العبد. وحينئذ يصح أن يكون الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله . فعم قواه وجوارحه بهويته على المعنى الذي يليق به سبحانه . وهذه )
دفعه الشيخ رضي الله عنه بقوله: (لا بد)، أي في مقام الفناء في الله، (من إثبات عين العبد) الفاني فيه وذاته ، إذ ليس المراد بـ «الفناء» ههنا انعدام عين العبد مطلقا ؛ بل المراد منه فناء جهة البشرية في الجهة الربانية، إذ لكل عبد جهة من الحضرة الإلهية، هي المشار إليها بقوله تعالی : " ولكل وجهة هو موليها" [البقرة: 148]. وذلك لا يحصل إلا بالتوجه التام إلى جناب الحق المطلق سبحانه، إذ به تقوي جهة حقيته، فتغلب جهة خلقيته إلى أن تقهرها وتفنيها، كالقطعة من الفحم المجاورة للنار : فإنها بسبب المجاورة والاستعداد لقبول النارية والقابلية المختفية فيها تشتعل قليلا قليلا إلى أن تصبر نارا.
فيحصل منها ما يحصل من النار من الإحراق و الإنضاج والإضاءة وغيرها.
وقبل الاشتعال كانت مظلمة كدرة باردة.
وذلك التوجه لا يمكن إلا بالمحبة الذاتية الكامنة في العبد.
وظهورها لا يكون إلا بالاجتناب عما يضادها و يناقضها، وهو التقوى مما عداها. فالمحبة هي المركب، والزاد التقوى.
وهذا الفناء موجب لأن يتعين العبد بتعينات حقانية وصفات ربانية ، وهو البقاء بالحق ؛ فلا يرتفع التعين منه مطلقا .
(وحينئذ)، أي و حين إذ أثبت عين العبد حال الغناء في الله ، وبقي ببقائه سبحانه ولم ينعدم مطلقا، (يصح أن) ينضاف إليه الأمور، ويكون الحق سمعه الذي به يسمع (وبصره) الذي به يبصر (ولسانه) الذي به ينطق ويده التي بها يبطش (ورجله) التي بها پمشي.
(فعم) الحق سبحانه وتعالى (قواه)، أي قوى العبد الظاهرة والباطنة ، (وجوارحه) وأعضاءه البدنية (بهويته) السارية في الموجودات كلها (على المعنى الذي يليق) ذلك المعنى! (به سبحانه).
يشير رضي الله عنه إلى ما يخطر لبعض المحجوبين أن الحق تعالى، إذا كان عين سمع أو بصر أو غير ذلك، كان محدودا بحده، وهو غير محدود.
فنبه على أن عموم الحق قوى العبد وجوارحه إنما يكون على وجه يليق به سبحانه، وهو أن يحيط بالكل ويستغرق الكل غير منحصر في الكل.
لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها بعينه، فكان عينها ولم يتعين في عين على التعيين.
فلم يتحدد بحد مخصوص على التخصيص والتمييز ؛ فلم يدركه حد، ولم يبلغه حصر، وإن كان محدودة بكل حدا فإنه غير محصور في ذلك. فافهم، إن شاء الله العزيز .
(وهذه)، أي كون الحق سمع العبد وبصره وعمومه سائر قواه وجوارحه،


قال الشيخ رضي الله عنه : ( نتيجة حب النوافل. وأما حب الفرائض، فهو أن يسمع الحق بك ويبصر بك. والنوافل، فهو أن تسمع به وتبصر به . فتدرك بالنوافل على قدر استعداد المحل؛ ويدرك بالفرائض كل مدرك. فافهم
(نتيجة حب النوافل) وقربها في السير المحبى وتقدم السلوك على الجذبة وسبق الفناء على البقاء، حيث يتجلى الحق بالاسم «الباطن» ويكون آلة لإدراك العبد المتجلى له.
(وأما حب الفرائض) وقربها، أي نتيجتهما في السير المحبوبي وتأخر السلوك عن الجذبة وتقدم البقاء الأصلي على الفناء، حيث يتجلى الحق سبحانه بالاسم
"الظاهر"، ويكون العبد المتجلى له آلة لإدراك الحق المتجلي.
(فهو أن يسمع الحق بك) على أن يكون المدرك هو الحق سبحانه، وأنت آلة لإدراكه، (ويبصر بك) كذلك.
وأما حب (النوافل، فهو)، أي نتيجته، (أن تسمع به وتبصر به) على أن يكون الحق سبحانه آلة لإدراكك على عكس قرب الفرائض
اعلم أن الوجود الحق هو الأصل الواجب وهو الفرض؛ ووجود العالم - وهو العبد - نفل وفرع عليه.
فإذا ظهر الحق، خفي فيه العبد.
فكان العبد سمع الحق وبصره وسائر قواه وجوارحه، كما قال صلى الله عليه و سلم : «إن الله قال على لسان عبده: "سمع الله لمن حمده ".
"هذه يد الله"، واليد يد محمد  صلى الله عليه و سلم، وكذلك هو الرامي حقيقة في "إذا رميت" [الأنفال:17].
فيده يد الحق. وهو الرامي لنفيه الرمي عن محمد  صلى الله عليه و سلم في قوله : " ولكن الله رمى " [الأنفال: 17]، وإثباته الرمي للحق سبحانه بقوله : " ولكن الله " [الأنفال: ۱۷]. هذا قرب الفرائض،
وأما قرب النوافل، فهو كون الحق سبحانه محمولا في إنية العبد، مستورة باطنا فيه. فهو سمع العبد وبصره ولسانه وسائر قواه .
اعلم أن مراتب القرب - التي هي العلة الغائية لرفع الموانع من وجهي العناية بالجدية والهداية بالسلوك - منحصرة في رتب أربع :
أولها رتبة المحبة المترتبة على الجذبة المعنية بقوله: «ما تقرب أحد أحب إلي من أداء ما افترضته عليه»، أو على السلوك المعنية بقوله: «ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.
والثانية رتبة التوحيد المبنية على المحبة المعنية بقوله: «فإذا أحببته كنت سمعه وبصره.
والثالثة رتبة المعرفة المعنية بقوله : «فبي يسمع وبي يبصر وبي يعقل»، المعبر عنها في لسان
القوم به مقام البقاء بعد الفناء».
والرابعة رتبة التحقيق، وهي رتبة الخلافة والكمال المشتملة على الجميع، الجامعة بين البداية والنهاية .
وأحكامهما وأحكام الجمع والتفرقة والوحدة والكثرة والحقية والخلقية والقيد والإطلاق عن حضور من غير غيبة ويقين بلا ريبة، ثم فوق كل ذلك طور الأكملية المختصة بالحضرة المحمدية.
(فتدرك) أنت (بالنوافل)، أي بسبب القرب الحاصل منها حيث كان الحق سبحانه آلة لإدراكك ، (على قدر استعداد المحل)، الذي هو أنت لتجلي الحق فيه بصفة السمع والبصر وغيرهما.
فإن تجليه سبحانه بأي صفة كان ليس إلا بمقدار استعداد المتجلى له، لا على ما هو عليه في حد ذاته .
فإن ذلك لا يسعه مجلي، ولا يضبطه مظهر .
كيف؟ ولو لم يكن الأمر كذلك، للزم أن يكون كينونة الحق سمع عبده و بصره وعقله واقعة على نحو ما هو الحق عليه في نفسه.
فيرى العبد إذن كل مبصر ويسمع كل مسموع سمعه الحق وأبصره.
ولزم أيضا أن يعقل كل ما عقله الحق وعلى نحو ما عقله، ومن جملة ذلك، بل الأجل من كل ذلك، عقله سبحانه ذاته على ما هي عليه ، ورؤيته لها كذلك، وسماعه كلامها وكلام سواها أيضا كذلك.
وهذا غير واقع لمن صح له ما ذكرنا ولمن تحقق بأعلى المراتب وأشرف الدرجات . فما الظن بمن دونه؟
(ويدرك) الحق سبحانه بك حيث تكون الله له سبحانه (بالفرائض)، أي بسبب القرب الحاصل منها.
وفي بعض النسخ "وتدرك" بصيغة الخطاب ، وحينئذ يكون من قبيل إسناد الفعل إلى الآلة، أي يدرك الحق بك ، أو تدرك أنت حيث تكون الله لإدراكه
(كل مدرك) من غیر اختصاص بشيء دون شيء؛ لأن المدرك حينئذ هو الحق سبحانه، فيسري حكم إحاطته إلى الآلة.
قال الشيخ رضي الله عنه«إذا كنت مع الحق أينما كان فهو معك أينما كنت، فأنت الرجل».. وهذا من قرب الفرائض .
ولا يخفى عليك أن تلك الإحاطة الإدراكية لا يمكن وقوفها إلا بالتدريج والقوة، لا دفعة وبالفعل، لما مر آنفا.
(فافهم)، فإنه دقيق و بالتأمل حقيق.

والله ولي الهداية والتوفيق .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 06 - شرح نقش فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 4:16 pm

06 - شرح نقش فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الإسحاقي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

06 - متن نقش فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية

قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أن حضرة الخيال هي الحضرة الجامعة الشاملة لكل شيء وغير شيء فلها على الكل حكم التصوير وهي كلها صدق وتنقسم قسمين:
قسمٌ يطابق لما صورته الصورة من الخارج وهو المعبر عنه بالكشف.
وقسمٌ غير مطابق وفيه يقع التعبير.
والناس هنا على قسمين:
عالم ٌ.
ومتعلم.
والعالم يصدق في الرؤيا، والمتعلم يصدق الرؤيا حتى يعلمه الحق ما أراد بتلك الصورة التي حل له.  )

06 - شرح نقش فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أن حضرة الخيال هي الحضرة الجامعة الشاملة لكل شيء وغير شيء .
فلها على الكل حكم التصوير، وهي كلها صدق وتنقسم قسمين:
قسم مطابق لما )
لما كان أخص أحكام الصفقات السلبية سلب الكثرة عن وحدة الحق سبحانه .
كانت الموجودات الصادرة عن الحق من حيثية الصفات السلبية التنزيهية أقربها نسبة إلى الوحدة وأبعدها من مرتبة الظهور، وهي الأرواح.
بخلاف الصفات الثبوتية : فإنه يجب أن تكون الموجودات الصادرة عن الحق من حيثها أقرب نسبة إلى الظهور وأتم تحققا به.
وقد سبق أن أول حامل وظاهر بأحكام الصفات الثبوتية الخليل عليه السلام، فلزم أن يظهر في ولده - الذي هو نتيجته .
حكم عالم المثال، الذي إذا اعتبر مطابقته للواقع، يسمى «حقا».
فلذلك وصفت تلك الحكمة بـ «الحقية»، واختصت الحكمة الحقية بالكلمة الإسحاقية، وقرن فضها بالقصر الإبراهيمي.
(اعلم أن حضرة الخيال)، يعني المرتبة الجامعية للصور المرتسمة في القوة المتخيلة المتصلة بنشأة الإنسان وأي متخيل كان - ويسمى «مثالا مقيدا » أيضا، كما يسمى عالم المثال «خيالا مطلقا»؛ ونسبتها إلى حضرة المثال .
نسبة الجداول إلى النهر العظيم الذي منه تفرعت - (هي الحضرة الجامعة الشاملة لكل شيء) موجود في الخارج (و) لكل (غير شيء) موجود فيه، يعني الموجودات والمعلومات كلها.
(فلها)، أي لحضرة الخيال، (على الكل)، أي على كل واحد من الموجود والمعدوم، (حكم التصویر) وقدرة عرضهما على النفس في صور المحسوسات، نوما بالنسبة إلى عموم الناس ويقظة بالنسبة إلى بعضهم، سواء كان مع الغيبة عن الإحساس أم لا.
(وهي)، أي حضرة الخيال والصور المرتسمة فيه، (كلها صدق)، مطابقة للواقع، بشرط أن يكون انطباعها في الخيال من الجهة العلوية أو القلب النوراني، لا من الجهة السفلية.
فإن المعنى الكلي العلمي ينزل من أم الكتاب إلى عالم اللوح المحفوظ - وهو بمثابة القلب للعالم - ومنه إلى عالم المثال، فيتجسد فيه ؛ ثم إلى عالم الحس.
فيتحقق في الشاهد: وهو المرتبة الرابعة من الوجود النازل من العالم
قال : ( صورته الصورة من خارج، وهو المعبر عنه بـ «الكشف» . وقسم غير مطابق، وفيه يقع التعبير ).
العلوي إلى العالم السفلي ومن الباطن إلى الظاهر ومن العلم إلى الكون. والخيال من الإنسان هو عالم المثال المقيد، كما أن عالم المثال هو الخيال المطلق، أي خيال العالم، فللخيال الإنساني وجه إلى عالم المثال - لأنه منه، فهو متصل به  ووجه إلى النفس والبدن.
وكلما انطبع فيه نقش من هذه الجهة السفلية، وتمثلت فيه صورة، كان ذلك محاكاة لهيئة نفسانية أو هيئة مزاجية، أو لبخار يرتفع إلى مصعد الدماغ، كما للمحرورين وأصحاب الماليخوليا ولا حقيقة له ؛ ويسمى «أضغاث أحلام».
وكلما انطبعت فيه صورة من الجهة العلوية، أي من عالم المثال أو من القلب النوراني الإنساني، فيتجسد فيه، كان حقا، سواء كان في النوم أو في اليقظة .
(وتنقسم) الصور المرتسمة في حضرة الخيال (قسمين: قسم مطابق لما صورته) حضرة الخيال، (الصورة) الكائنة (من خارج)، أي من خارج ما في حضرة الخيال.
يعني يكون الصورة الخارجية مطابقة لما صورته القوة المتخيلة.
(وهو)، أي القسم المطابق هو، (المعبر عنه به "الكشف المجرد") عن تصرفات القوة الخيالية.
(وقسم) آخر (غير مطابق) لما صورته الصورة من خارج، لأن القوة المصورة تصرفت فيه وألبسته صورة مناسبة له، وإن لم تكن مطابقة. وهذا القسم يسميه بعضهم با «الكشف المخيل».
(وفيه)، أي في القسم الغير المطابق، (يقع التعبير)، وهو الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر.
وللصدق والإصابة أسباب بعضها راجع إلى النفس، وبعضها إلى البدن، وبعضها إليهما جميعا :
أما الأسباب الراجعة إلى النفس كالتوجه التام إلى الحق سبحانه والاعتقاد بالصدق وميل النفس إلى العالم الروحاني العقلي وطهارتها عن النقائص وإعراضها عن الشواغل البدنية واتصافها بالمحامد لأن هذه المعاني توجب تنورها وتقويها.
وبقدر ما قویت النفس وتنورت، تقدر على خرق العالم الحسي ورفع الظلمة الموجبة لعدم الشهود.
وأيضا تقوي المناسبة بينها وبين الأرواح المجردة لاتصافها بصفاتها. فيفيض عليها المعاني الموجبة للانجذاب إليها من تلك الأرواح، فيحصل الشهود التام.
ثم إذا انقطع حكم ذلك الفيض، ترجع إلى الشهادة متصف بالعلم، منتقشة بتلك الصور بسبب انطباعها في الخيال .

قال الشيخ : (والناس هنا على قسمين: عالم ومتعلم . والعالم يصدق في الرؤيا، والمتعلم )
والأسباب الراجعة إلى البدن صحته واعتدال مزاجه الشخصي ومزاجه الدماغي.
والأسباب الراجعة إليهما الإتيان بالطاعات والعبادات البدنية والخيرات واستعمال القوى وآلاتها بموجب الأوامر الإلهية .
وحفظ الاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط فيه ودوام الوضوء وترك الاشتغال بغير الحق دائما.
بالاشتغال بالذكر وغيره خصوصا من أول الليل إلى وقت النوم.
وأسباب الخطأ ما يخالف ذلك من سوء مزاج الدماغ و اشتغال النفس باللذات الدنيوية واستعمال القوى المتخيلة في التخيلات الفاسدة والانهماك في الشهوات والحرص على المخالفات، فإن كل ذلك ما يوجب الظلمة وازدياد الحجب.
فإذا أعرضت النفس من الظاهر إلى الباطن بالنوم، يتجسد لها هذه المعاني، فتشغلها عن عالمها الحقيقي ، فيقع مناماته أضغاث أحلام لا يؤبه بها، أو يرى ما تخيلته المتخيله
(والناس هنا)، أي في معرفة القسم الثاني من المنامات، (على قسمين) :
أحدهما (عالم) بموطن الرؤيا، يعلم ما أراد الله سبحانه بالصور المرئية ، كنبينا صلى الله عليه وسلم حيث أتي في المنام بقدح لبن.
قال: «فشربته حتى خرج الري من أظفاري، ثم أعطيت فضلی عمر".
قيل: «ما أولته يا رسول الله ؟ »
قال : «العلم».
وما تركه لبنا على صورة ما رأي لعلمه بموطن الرؤيا وما يقتضيه من التعبير
وهذا العلم لا يحصل إلا بانكشاف رقائق الأسماء الإلهية والمناسبات التي بين الأسماء المتعلقة بالباطن وبين الأسماء التي تحت حيطة الظاهر، لأن الحق سبحانه إنما پهب المعاني صورة بحكم المناسبة الواقعة بينها، لا جزافا .
كما يظن المحجوبون أن الخيال يخلق تلك الصور جزافا، فلا يعتبرون ويسمونها «أضغاث أحلام - يل المصور هو الحق من وراء حجابية الخيال، ولا يصدر منه ما يخالف الحكمة.
فمن عرف المناسبات التي بين الصور ومعانيها وعرف مراتب النفوس التي يظهر الصور في حضرة خيالاتهم بحسبها يعلم علم التعبير كما ينبغي.
ولذلك تختلف أحكام الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب، وهذا الانكشاف لا يحصل إلا بالتجلي الإلهي من حضرة الاسم الجامع بين الظاهر والباطن.

قال الشيخ : يصدق الرؤيا حتى يعلمه الحق ما أراد بتلك الصورة التي جلی له.
(و)  ثانيهما (متعلم) غير عالم بما أراد الله سبحانه بتلك الصور، لكنه مستأهل مستعد للترقي إلى مرتبة العلم.
(والعالم يصدق في الرؤيا)، أي يوفي حقها - من قولهم، "صدق في القتال"، إذا وفي حقه وفعل على ما يجب.
وعليه قوله تعالی : "رجال صدقوا ما عاهدوا الله "[ الأحزاب :23 ]، أي حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم ..
(والمتعلم يصدق الرؤيا)، أي يأخذ الصور المرئية صادقة مطابقة لما في نفس الأمر مما يجب عليه، ويجتهد في تحققها، (حتى يعلمه الحق) أنه (ما أراد) وأي أمر شاء (بتلك الصورة المرئية التي جلی) الحق سبحانه وكشفها (له) في المنام .
كالخليل صلوات الله عليه حيث رأى في المنام أنه يذبح ابنه ، وكان كبش ظهر في صورة ابنه .
فصدق الرؤيا ولم يعبرها، لأن الأنبياء والكتل أكثر ما يشاهدون الأمور في عالم المثال المطلق. وكل ما يرى فيه لا بد أن يكون حقا مطابقة للواقع.
فظن عليه السلام أنه شاهد فيه، فلم يعبرها.
فصدق منامه حتى علمه الله سبحانه أن المراد بصورة ابنه هو الكبش.
اعلم أن عالم المثال المقيد .
وهو عالم الخيال - إذا شوهدت فيه صورة ، وتجد له المعنى أو الروح في صورة مثالية أو خيالية ، ثم إذا رجع إلى الحس وشاهد حقية ذلك على الوجه المشهود.
فقد جعله الله حقا، أي أظهر حقية ما رأي في الوجود العيني حتة، فإن الخيال لا حقة له ولا ثبات.
كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام : "هذا تأويل ژینی من قبل قد جعلها ربي حقا " [يوسف : 100].
وكان هذا حال إبراهيم عليه الصلاة والسلام في مبدئه . فكان لا يرى رؤيا إلا وجد مصداقها في الحس ورأي حقيتها عينا. فكان عليه السلام لا أول رؤياه.  وهو نوع من الكشف الصوري.
وسر ذلك أن الوارد إذا نزل من الخارج على القلب، ثم انعكس من القلب إلى الدماغ، فصورته القوة المصورة في المتخيلة و جسدته، خرج على صورة الواقع، لأن عكس العكس مطابق للصورة الأصلية.
فيشاهد صاحب الكشف المذكور شاهد الوارد مطابقة للصورة الأصلية على ما رآه في عالم الخيال.
وكان مشاهد إبراهيم عليه السلام على هذا، وقد تعود بذلك.
ثم لما نقله الله سبحانه إلى مقام من وسع قلبه الحق، وصار محل الاستواء الإلهي، فلا ينطبع في قلبه غالبا أمر من خارج ؛ بل من قلبه يكون المنبع، والانطباع الأول في الدماغ.
فانبعث الوارد - یعني القربان - من قلبه إلى القوة المتخيلة .
فصورت له المصورة ذلك القربان - وهو الكبش - على صورة إسحاق عليه السلام لمناسبة واقعة بينهما، وهي إسلامه لوجه الله وانقياده لأحكامه.
وأيضا كان الكبش صورة السر الذي أوجب عليه القربان ، وهو استسلامه لله وفناؤه فيه ؛ و«الولد سر أبيه».
وحيث كان الانطباع واحدا، لم يظهر بصورة الأصل.
فاحتاج إلى التأويل المعرب عن الأمر المراد بذلك التصوير على نحو انبعاثه من القلب .
فلما استيقظ عليه السلام، لم يفسر رؤياه بمقتضى الموطن.
بل جرى على سيرته الأولى على ما اعتاده .
وكان مشهد إسحاق عليه السلام أيضا من هذا القبيل.
فلما قال له: " يا بني إني أري  في المنام أني أذبحك" [الصافات: 102].
أي لله قربانا ، قال : " يا أبت أبي أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" [الصافات: 102].
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 07 - شرح نقش فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 4:29 pm

07 - شرح نقش فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص الإسماعيلي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

07 - متن نقش فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية

قال الشيخ رضي الله عنه : ( وجود العالم الذي لم يكن ثم كان يستدعي نسباً كثيرة في موجده أو اسماً ما شئت فقل لا بد من ذلك. وبالمجموع يكون وجود العالم. فالعالم موجود عن إحدى الذات المنسوب إليها أحدية الكثرة من حيث الأسماء لأن حقائق العالم تطلب ذلك منه. ثم العالم إن لم يكن ممكناً فما هو قابل للوجود فما وجد العالم إلا عن أمرين:
عن اقتدارٍ إلهي منسوب إليه ما ذكرناه.
وعن قبول.
فإن المحال لا يقبل التكوين ولهذا قال تعالى عند قوله: " كُنْ "

قال: " فَيَكُونُ " [النحل: 40]. فنسب إلى العالم من حيث قبوله.)

07 - شرح نقش فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية


قال الشيخ رضي الله عنه : ( وجود العالم - الذي لم يكن، ثم كان - يستدعي نسبة كثيرة في موجده سبحانه ، أو أسماء - ما شئت. فقل، لا بد من ذلك. و بالمجموع يكون وجود العالم.)
إنما خصت الكلمة الإسماعيلية بالحكمة العلية لما شرف الله سبحانه إسماعيل عليه السلام بقوله : "وجعلنا لهم لسان صدق عليا" [مريم: 50]؛ ولأنه كان صادقا في الوعد - وذلك دليل على علو الهمة في الفعل والقول.
وأيضا كان كالوعاء الحامل لسر الكمال المحمدي الذي نسبه إلى ذات الحق أتم، كما أن إسحاق كان وعاء لأسرار الأسماء التي كان الأنبياء مظاهرها.
والإشارة إلى ذلك من القرآن العزيز قوله تعالى في سورة العنكبوت في قصة الخليل عليه السلام :"ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب" [العنكبوت : 27].
فكل نبي هو مظهر اسم من الأسماء، "والكتب" [العنكبوت: 27] ههنا الأمر الجامع للشرائع.
وانفرد إسماعيل بنبينا عليهما السلام الجامع لخواص الأسماء بشريعة جامعة لأحكام الشرائع.
فكان له علو بالنسبة إلى بقية أولاد الخليل عليهم السلام.
فقال مبتدئا بما يفضي إلى بيانهما، (وجود العالم، الذي لم يكن)، كما قال : «كان الله، ولم يكن معه شيء»، (ثم كان)، أي وجد بتكوين الحق إياه وإيجاده له، (يستدعي) بحسب ما فيه من الأعيان والحقائق القابلة للتجلي الوجودي والفيض الجودي (نسبا كثيرة) متعقلة (في موجده) سبحانه، (أو أسماء) أو صفات أو غير ذلك، (ما شئت) من العبارات.
(فقل)، إذ لا مشاحة فيها، (لا بد) في وجود العالم (من ذلك)، أي من تحقق الكثرة الأسمائية في موجده سبحانه .
(و بالمجموع) أي بمجموع تلك النسب والأسماء وأحدية كثرتها، (یكون وجود العالم)، لا باعتبار أحدية الذات، لأن الواحد من حيث هو واحد لا يكون منبعا للكثرة من حيث هي كثرة، إذ لا يصح أن يظهر من شيء .
كان ما كان - ما يضاده من حيث الحقيقة.
ولا خفاء في منافاة الوحدة للكثرة والواحد للكثير .

(فالعالم موجود عن أحدي الذات منسوب إليها أحدية الكثرة من حيث)
فتعذر صدور أحدهما عن الآخر من الوجه المنافي.
لكن للواحد والوحدة نسب متعددة، و للكثرة أحدية ثابتة.
فمتى ارتبطت إحداهما بالأخرى أو أثرت، فـ بالجامع المذكور.
وصورته فيما نروم بيانه أن للواحد حكمین :
أحدهما كونه واحدة لنفسه فحسب، من غير تعقل أن الوحدة صفة له أو اسم أو تعت أو حكم ثابت أو عارض أو لازم، بل بمعنى كونه هو لنفسه هو.
وثانيهما هو كونه يعلم نفسه بنفسه ويعلم أنه يعلم ذلك ويعلم وحدته ومرتبته وكون الوحدة نسبة ثابتة له أو حكمة أو لازمة أو صفة لا يشارك فيها، ولا تصح السواه . وهذه النسبة هي حكم الواحد من حيث نسبه .
ومن هذه النسبة انتشت الكثرة من الواحد بموجب هذا التعدد النسبي الثابت من حيث أن معقولية نسبة كونه يعلم نفسه بنفسه وكونه واحدة لذاته لا شريك له في وجوده مغايرة لحكم الوحدة الصرفة .
فالتعدد بالكثرة النسبية أظهر التعدد العيني.
وإذ قد نبهنا على مرتبة الوحدة، فلننبه على مرتبة الكثرة أيضا، 
فنقول الكثرة على قسمين:
أحدهما كثرة الأجزاء والمقومات التي تلتئم منها الذات، كجزئي المادة والصورة أو الجوهر والعرض بالنسبة إلى الجسم على اختلاف المذهبين، وكالأجناس والفصول بالنسبة إلى الأنواع الحاصلة منهما؛ وبالجملة، كثرة يفتقر إليها أولا ليتصور حصول الشيء منها ثانية.
والقسم الثاني كثرة لوازم الشيء. وهو أن يكون الشيء الواحد في نفسه الوحدة الحقيقية أو المركب من أجزاء أو مقومات تلزمه بعد وجوده - كیف ما كان - معان وأوصاف في ذاته، ولا تكون ذاته ملتئمة منها، سواء كان في نفسه ملتئمة من غيرها أو لم يكن .
بل تتبع ذاته ضرورة ووجودة بحيث لا يتصور وجود ذلك الشيء أو تعقله إلا ويلزمة تلك المعاني، كالستة مثلا.
التي لا يتصور وجودها إلا أن تكون زوجا - لا أن الزوجية جزء من أجزاء الستة، بل هي لازمة لها لزوم اضطرار وتأخر في الرتبة - وتتضمن أيضا معقولية النصف والثلث.
ومن هنا يتنبه الفطن الذي لم يبلغ درج التحقيق لمعرفة سر الإحاطة مع كون المحيط ليس ظرفا للمحاط به، ولا المحاط به جزء من أجزاء المحيط، وكون الصفات اللازمة غير قادحة في أحديته ، وغير ذلك.
(فالعالم) بكثرته الحقيقية ووحدته النسبية (موجود) صادر (عن) موجد (أحدي الذات)، أي واحد بالوحدة الحقيقية الذاتية، (منسوب إليها أحدية الكثرة) النسبية .


(الأسماء، لأن حقائق العالم تطلب ذلك منه .  ثم إن العالم إن لم يكن ممكنة، فما هو قابل للوجود. فما وجد العالم إلا عن أمرين : عن اقتدار إلهي منسوب إليه ما ذكرناه وعن قبول، فإن المحال لا يقبل التكوين.
ولهذا قال تعالى عند قوله ، ، «كن»، «فيكون». فنسب التكوين إلى العالم من حيث قبوله.)
وجمعيتها (من حيث الأسماء) والصفات، (لأن حقائق العالم تطلب ذلك) المذكور من أحدية الكثرة الأسمائية وجمعيتها (منه)، أي من موجده سبحانه. وذلك لأن الموجودات كلها، وإن كانت تحت ربوبية الاسم «الله» وإلهينه - والله هو رب الأرباب . ولكن كل جنس جنس و نوع نوع و شخص شخص له حصة خاصة من مطلق ربوبية الله به بها، ولا يصلح لتربيته إلا هي.
(ثم إن العالم) ليس بواجب، فهو ممكن، لأنه (إن لم يكن ممكنا)، فهو ممتنع ؛ وإذا كان ممتنعة، (فما هو قابل للوجود)؛ لكنه قابل للوجود، فهو ممكن. والممكن نسبتا طرفي الوجود والعدم إليه متساويتان .
فلا بد في وجوده من فاعل يرجح جانب وجوده على عدمه ومن قابلية من جانبه . (فما وجد العالم) - الذي ثبت إمكانه - (إلا عن أمرين : عن اقتدار إلهي منسوب إليه)، أي إلى موصوفه - يعني الذات الإلهية - (ما ذكرناه) من أحدية كثرة الأسماء والصفات، ليرجح جانب وجوده على عدمه، (وعن قبول) لصفة الوجود من جانبه؛ فإنه لو لم يكن قابلا للوجود، لم يكن ممكنا، فلا يتمكن الفاعل الموجد من تكوينه ، (فإن المحال لا يقبل التكوين) من الموجد تعالی.
(ولهذا)، أي لكون العالم بحيث لم يوجد إلا عن الأمرين المذكورين، (قال تعالی عند قوله : «كن») الدال على تعلق صفة الاقتدار بالشيء المراد، (قال «فيكون)، مقول القوله: «قال».
وذلك في مثل قوله تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن  فيكون" [يس: 82]،
أي فلم يلبث أن يمتثل الأمر، فكان عقيب الأمر. (فنسب التكوين)، أي التكون ۔ على أن يكون المصدر مبنية للمفعول، أو يكون للمبالغة في الكون، كـ «التقتيل» للمبالغة في «القتل» - (إلى العالم من حيث قبوله) للكون واستعداده له، فإن الكون كان كامنة فيه معدوم العين، ولكنه مستعد لذلك الكون بالأمر.
فلما أمر، وتعلقت إرادة الموجد بذلك، واتصل في رأي العين أمژه به ، ظهر الكوثر الكامن فيه بالقوة إلى الفعل ، فالمظهر لكونه الحق، والكائن القابل للكون. فلولا قبوله واستعداده للكون، لما كان.
فما كونه إلا عينه الثابتة في العلم باستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول: «كن» وأهليته لقبول الامتثال .
فما أوجده إلا هو، ولكن بالحق وفيه .
وقال بعضهم: ذات الاسم "الباطن" هو بعينه ذات الاسم «الظاهر».
والقابل بعينه هو الفاعل. فالعين الغير المجعولة عينه تعالى.
والفعل والقبول له يدان. فهو الفاعل بإحدى يديه والقابل بالأخرى.
والذات واحدة ؛ والكثرة نقوش. فصح أنه " ما أوجد الشيء إلا نفسه، وليس إلا ظهوره".
فلا تضيق صدرك مما سمعت واحمد ربك على ما فهمت.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 08 - نقش فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 4:47 pm

08 - نقش فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص اليعقوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
08 - متن نقش فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية  
قال الشيخ رضي الله عنه : (  الدين عند الله الإسلام. ومعناه الإنقياد.
ومن طلب منه أمراً فانقاد إلى الطالب فيما يطلب فهو مسلم. فافهم.
فإنه لا يسري والدين دينان:
دينٌ مامورٌ به. وهو ما جاءت به الرسل.
ودينٌ معتبر وهو الإبداع الذي فيه تعظيم الحق فمن رعاه حق رعايته ابتغاء رضوان الله فقد أفلج.
والأمر الإلهي أمران:
أمرٌ بواسطة فما فيه من الأمر الإلهي إلا صيغته واسطة وهو الذي لا يتصور مخالفته وبالواسطة قد يخالف وليس.
وأمرٌ بلا واسطة وإلا لكان خاصة لا الموجود.)


08 - شرح نقش فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية

قال رضي الله عنه : "الدين عند الله الإسلام». ومعناه الانقياد. ومن طلب منه أمر، فانقاد إلى الطالب فيما طلب، فهو مسلم. فافهم، فإنه يسري."
الظاهر أن «الروح» مفتوح الراء - وهو الراحة - أورده ملاحظة لقوله تعالی عن لسان يعقوب عليه السلام: "ولا تيأسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون" [يوسف : 87].
كما ذكر في حكمة كل نبي ما جاء في حقه في التنزيل ؛ لأنه يبين في هذه الحكمة أن الدين هو الانقياد، وبالانقياد تحصل الراحة الحقيقية ، ويترتب عليه الروح الدائم السرمدي ؛ لأن من انقاد لأوامر الحق وانتهى عن نواهيه وأسلم وجهه إلى الله، نال الدرجة العليا ووجد الراحة القصوى .
ويمكن أن يكون مضموم الراء، لأن معنى «الدين»  الذي هو الانقياد من شأن الروح المدبر للبدن؛ وإليه مال صاحب الفكوك "صدر الدين القونوي " قدس سره .
وتخصيصها بالكلمة اليعقوبية لأنه عليه السلام كان يعلم علم الأنفاس والأرواح، وكان كشفه روحانيا .
لذلك قال : "وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ " [يوسف: 87]، فإنه يجد في مقام روحه بقاء يوسف وأخيه وجدانا إجماليا، كما قال : "إني لأجد ريح يوسف" [يوسف: 94].
ولا يجده عيانا تفصيليا.
لذلك "وابيضت عيناه من الحزن " [یوسف: 84].
وذوق أهل الأنفاس عزيز المنال. قد جعل الله لهم التجلي والعلم في الشم .
قال رسول الله : «إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن».
قيل : إنه عليه السلام كنی بذلك عن الأنصار، وهم صور القوى الروحانية التي تصر بهم على صور القوى الطبيعية.
و«اليمن» أيضا من اليمين»، وهو إشارة إلى الروحية وعالم القدس.
قال الشيخ رضي الله عنه : («الدين عند الله الإسلام». ومعناه)، أي معنى الإسلام، لغة، (الانقياد).
فالدين هو الانقياد ظاهرا وباطنا. أما ظاهرا، بالإتيان بما أمر الله ورسوله ؛ وأما باطنا، فبالتصدیق بالقلب .
قال رضي الله عنه : (ومن طلب منه أمر)، كائنا من كان، (فانقاد إلى الطالب) وامتثل أمره (فيما طلب)والدين دينان : دین مأمور به ، وهو ما جاءت به الرسل؛ ودين معتبر، وهو"
ذلك الطالب منه، (فهو)، أي ذلك المنقاد الممتثل، (مسلم. فافهم) ما ذكرته من أن كل من طلب منه أمر، فانقاد، فهو مسلم: (فإنه)، أي هذا الحكم، (يسري) ويتعدى إلى الخلق كلهم، موافقين كانوا أو مخالفين، بل إلى الحق سبحانه و تعالی.
أما سرايته إلى الخلق إذا كانوا موافقين مطيعين لأوامر الحق ونواهيه، فظاهر، لا حاجة إلى البيان. وأما إذا كانوا مخالفين غير منقادين لأوامره ونواهيه، فلأن الأمر الإلهي ينقسم قسمين: أحدهما الأمر الإرادي، والآخر التكليفي، كما سنذكر .
والمخالفون وإن لم ينقادوا إلى الأمر التكليفي، فقد انقادوا إلى الأمر الإرادي.
وهذا ما قال بعض المحققين : إن الله تعالى أمرا إيجابيا وأمرا إيجادية، فلا يدخل المخالفة الأمر الإيجادي.
وأما سرايته إلى الحق سبحانه، فبيانه أن العبد المكلف إما منقاد بالموافقة ، وإما مخالف.
فالموافق المطيع لا كلام فيه لوضوحه، لأنه سبحانه ينقاد إليه بما يرضيه من إعطاء الجنة والخير والثواب.
والمخالف يطلب بخلافه أمر الحق أحد الأمرين:
إما العفو والمغفرة، ليظهر كمال الاسم "العفو" و"الغفور" وحكمهما، وحينئذ ينقاد إليه الحق سبحانه بما يرضيه من العفو والتجاوز عن سيئاته.
وإما المؤاخذة بذلك الخلاف، ليظهر حكم "المنتقم" و"القهار"، وحينئذ ينقاد إليه بما لا يرضيه من العذاب والعقاب .
فعلى كل حال ينقاد الحق سبحانه إلى عبده بإعطاء ما يطلب منه بحسب استعداداته الجزئية الوجودية .
ولا يخفى أن ما يطلبه العبد إنما هو جزاء لأعماله وأحواله ؛ فيتحقق «الدين» هنا بمعنی ثاني، وهو «الجزاء».
والجزاء حال من أحوال العبد، يعقب حالا آخر.
فيصدق الدین بمعنی ثالث، وهو «العادة» ، لأنه عاد إليه ما يقتضيه ويطلبه حاله .
وإلى هذين القسمين أشار الشيخ رضي الله عنه بقوله، (والدين) بحسب العرف الشرعي (دینان):
أحدهما (دین مأمور به)، أمر الله سبحانه عباده به. (وهو)، أي الدين المأمور به من عند الله هو، (ما جاءت به الرسل) ونزلت به الكتب من الأوضاع الشرعية والأحكام الأصلية والفرعية.
وهذا هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العلية على دين الخلق.
فقال تعالى : "وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (132) سورة البقرة. ، أي منقادون إليه .
وثانيهما (دین معتبر)، اعتبره الله سبحانه اعتبار ما شرعه من عنده ، لأن الغرض


قال رضي الله عنه : "الابتداع الذي فيه تعظيم الحق سبحانه . فمن رعاه حق رعايته ابتغاء رضوان الله سبحانه، فقد أفلح. والأمر الإلهي أمران: أمر بواسطة ، فما فيه إلا صيغته؛ وأمر بلا واسطة، وهو"

منه موافق لما أراده الله سبحانه من الشرع الموضوع من عنده، وهو تكميل النفوس علما وعملا. (وهو)، أي الدين المعتبر هو.
(الابتداع)، أي الطريق المبتدع المخترع، الذي فيه تعظيم الحق سبحانه وطلب لمرضاته، اصطلح عليه طائفة من أهل الصلاح استحسانا منهم.
يؤدي إلى سعادة المعاد والمعاش كالرهبانية، التي ابتدعها الراهبون، أعني علماء دين المسيح عليه السلام.
قال تعالى: "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " [الحديد: 27]، أي ما فرضنا عليهم تلك العبادة، "إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها"  [الحديد: 27].
أي الذين كلفوا نفوسهم بها، "حق رعايتها فانيتا الذين آمنوا" [الحديد: 27] بها، أي بتلك العبودية "أجرهم" [الحديد: 27]، من الأنوار القدسية والملكات النفسية، التي هي الأخلاق الشريفة والملكات الفاضلة.
"وكثير منهم " [الحديد: 27]، أي من هؤلاء الذين شرعت فيهم هذه العبادة - وهم المقلدون "فاسقون" [الحديد: 27]، أي الخارجون عن الانقياد إليها.
وكطريقة الصوفية في هذه الأمة، فإنهم أتوا بأمور زائدة على الطريقة النبوية ، موافقة للغرض منها - ما فرض الله ذلك عليهم - كتقليل الطعام والمنع من الزيادة في الكلام والخلطة بالأنام والخلوة والعزلة عنهم وكثرة الصيام وقلة المنام والذكر على الدوام وغير ذلك مما ذكروه في كتبهم - وفقنا الله تعالى لاقتفاء آثارهم والاهتداء بأنوارهم.
(فمن رعاه)، أي الدين المعتبر من هؤلاء الذين شرعوه أو الذين اتبعوهم، (حق رعايته)، بالإيمان به أولا والإتيان بما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه ثانية، (ابتغاء رضوان الله سبحانه)، أي خالصة لوجهه وطلبة لمرضاته، لا لأمر آخر من المطالب العاجلة والمآرب الآجلة ، (فقد أفلح) وفاز بالسعادة الأبدية والكرامة السرمدية .
ولما ذكر الأمر الإلهي في الأول من قسمي الدين، وكان ينقسم إلى قسمين، أراد الشيخ رضي الله عنه أن يشير إليهما ليعلم المراد منهما في هذا المقام، فقال ، (والأمر الإلهي)، أي الصادر من مرتبة الجمع الإلهي، (أمران):
أحدهما (أمر بواسطة)، أي بواسطة الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين ، حيث توسطوا بين الله سبحانه وبين عبيده ، فبينوا شرائعه لديهم وبلغوا أوامره وأحكامه إليهم.
(فما) يجب (فيه)، أي في الأمر بواسطة من حيث أنه أمر بواسطة مع قطع النظر


قال رضي الله عنه : "الذي لا يتصور مخالفته. وبالواسطة قد يخالف. وليس المأمور بلا واسطة إلا الكائن خاصة، لا الموجود."
عن الأمر التكويني، (إلا صيغته)، أي صيغة الأمر وهي «افعل كذا» - سواء تعلق الإرادة بتكوين الفعل المأمور به أو لم تتعلق. ويسمى هذا القسم بـ «الأمر التكليفي».
وثانيهما أمر بلا واسطة، أي بلا واسطة الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين . و(هو) «الأمر التكويني» الإرادي المتعين بكلمة «كن»، المتعلق بتكوين الشيء المعدوم المعلوم .
(الذي لا يتصور) من المأمور المراد تكوينه (مخالفته)، أي مخالفة ذلك الأمر، لامتناع تخلف المراد عن إرادته سبحانه، كما قال تعالى : " إنما قولنا للشيء إذا أردناه أن تقول له كن فيكون" [النحل: 40].
(و) الأمر (بالواسطة قد يخالف)، أي يخالفه (المأمور) ولا ينقاد إليه.
وذلك إذا لم يوافقه الأمر (بلا واسطة).
(وليس المأمور) بالأمر (بلا واسطة إلا) الشيء المعدوم المعلوم (الكائن) عند الأمر وبه (خاصة، لا) الشيء (الموجود) قبل الأمر، ضرورة امتناع إيجاد الموجود بخلاف المأمور بواسطة .
فإنه ليس إلا الموجود خاصة لامتناع تكليف المعدوم بالأوامر والنواهي .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 09 - نقش فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يوليو 27, 2019 5:00 pm

09 - نقش فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص اليوسيفي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

09 - متن نقش فص حكمة نورية في كلمة يوسفية

قال الشيخ رضي الله عنه : (  النور يكشف ولا يُكشف به .
وأتم الأنوار وأعظمها نفوذ النور الذي يُكشف به ما أراد الله بالصور المتجلية المرئية في النور وهو التعبير .
لأن الصور الواحدة تظهر له معانٍ كثرة مختلفة يراد منها في حق صاحب الصورة معنى واحد .
فمن كشفه بذلك النور فهو صاحب النور . فإن الواحد يؤذن فيه .
وآخر يؤذن فيسرق . وصورة الأذان واحدة .
وآخر يؤذن فيدعو إلى الله على بصيرة . والآخر يؤذن فيدعو إلى ضلالة .  )

09 - شرح نقش فص حكمة نورية في كلمة يوسفية

لما كان عالم المثال عالم نورانيا، وكان كشف يوسف عليه السلام مثاليا، وأيضا ظهر فيه عليه السلام سلطنة النورية العلمية المتعلقة بكشف الصور الخيالية والمثالية .
وهو علم التعبير على الوجه الأكمل؛ وكل من يعلم بعده ذلك العلم، فمن مرتبته يأخذ ومن روحانيته يستفيد، أضاف رضي الله عنه الحكمة النورية إلى الكلمة اليوسفية . 
اعلم أن النور الحقيقي يدرك به، وهو لا يذرك ، لأنه عين ذات الحق سبحانه من حيث تجدها عن النسب والإضافات.
ولهذا حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم :"هل رأيت ربك؟»، قال: «نور، أني أراه"»،رواه مسلم . أي النور المجرد لا يمكن رؤيته.
وكذا أشار الحق في كتابه لما ذكر ظهور نوره في مراتب المظاهر، وقال :" الله نور السماوات والأرض" [النور: 35].
فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل، قال : "نور على نور" [النور: 30],
فأحد النورين هو الضياء، والآخر هو النور المطلق؛ ولهذا تمم.
فقال : "يهدى الله لنوره من يشاء " [النور: 35]، أي يهدي الله بنوره المتعين في المظاهر إلى نوره المطلق الأحدي .
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رؤية النبي عليه السلام ربه ، أخبر أنه رآه ؛ فأخبر بقول عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سأله عن رؤية ربه وقوله عليه السلام : "نور، أني أراه؟» .
فراجع السائل ابن عباس في ذلك ، فقال ابن عباس : "ويحك ، ذاك إذا تجلى في نوره الذي هو نوره»، أي إنما يتعذر الرؤية والإدراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والإضافات ؛ فأما في المظاهر ومن وراء حجابية المراتب ، فالإدراك ممكن.
""حديث: سئل ابن عباس، فقيل: يابن عباس، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال: نعم، فقلت لابن عباس: أليس يقول الله"لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" [الأنعام: 103] ، قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء"" رواه المقدسي في المختارة والبيهقي وابن خزيمة وغيرهم.
كما قيل :
كالشمس تمنعك إجتلاك وجهها    …. فإذا اكتست برقیق غيم أمكنا
وإلى مثل هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم  في بيان الرؤية الجنائية المشبهة برؤية الشمس والقمر.

قال الشيخ رضي الله عنه : (  النور يكشف ويكشف به. وأتم الأنوار وأعظمها نفوذا النور الذي يكشف به)

فأخبر عن أهل الجنة أنهم يرون ربهم وأنه ليس بينه وبينهم حجاب إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن، فنبه صلى الله عليه وسلم على بقاء رتبة الحجابية، وهي رتبة المظهر. فاعلم ذلك.
"" أضاف المحقق:  يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن». رواه مسلم وغيره.""

وإذ قد نبهت على شأن النور الحقيقي وأنه يذرك به وهو لا يدرك، فاعلم أن الظلمة لا تدرك، ولا يدرك بها، وأن الضياء يدرك، ويدرك به.
ولكل واحد من الثلاثة شرف يختص به: فشرف النور الحقيقي هو من حيث الأولية والأصالة، إذ هو سبب انكشاف كل مستور.
وشرف الظلمة هو أنه باتصال النور الحقيقي بها يتأتى إدراك النور مع تعذر ذلك قبل الاتصال.
وشرف الضياء هو من حيث الجمع بالذات بين الأمرين واستلزام ذلك حيازة الشرفين.
ثم إن النور المحض المشار إليه لا يغادر الوجود الحق. ولا شك أن الوجود المحض يتعقل في مقابلة العدم المضاد له ؛ فإن للعدم تعينا في التعقل، لا محالة ؛ وله الظلمة ، كما أن الوجود له التورية.
ولهذا يوصف الممكن بالظلمة وأنه يتنور بالوجود، فيظهر. فظلمته من أحد وجهيه، الذي هو العدم.
وإليه الإشارة بقول النبي عليه السلام: «إن الله خلق الخلق في ظلمة. ثم رش عليه من نوره، فظهر».
وإذا تقرر هذا، فالعدم المتعقل في مقابلة الوجود لا تحقق له بدون التعقل. والوجود المحض لا يمكن إدراكه. فمرتبة العدم من حيث تعقل مقابليته للوجود كالمرآة له. والمتعين بين الطرفين هو حقيقة عالم المثال . والضياء صفته الذاتية .
ثم لما كان الغالب على عالم المثال النورية، لقربها من عالم الأرواح وما فوقه من عوالم الأسماء والصفات .
كما أن الغالب على صور عالم الكون والفساد الظلمة ، لكونها في مقابلة عالم الأرواح، الذي هو عالم النور وكان من حكم كل متوسط بين شيئين أنه إذا كان نسبته إلى أحد الطرفين أقوى من نسبته إلى الطرف الآخر أن يوصف بما يوصف به ذلك الطرف الغالب ويسمى باسمه.
لقب الشيخ رضي الله عنه هذه الحكمة بـ «النورية». وإلا، فهي في الحقيقة ضيائية ، لا نورية محضة.
وعبر عن الضياء بـ «النور» حيث قال، (النور)، أي ما عدا النور الوجودي الحقيقي ... الذي هو ذات الحق سبحانه - (يكشف)، أي يذرك لذاته ، (ويكشف به) أي يدرك به ما سواه.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ما أراد الله بالصور المتخيلة المرئية ، وهو علم التعبير، لأن الصورة الواحدة تظهر بمعان كثيرة مختلفة يراد منها في حق صاحب الصورة معنى واحد.
فمن كشفه بذلك النور ، فهو صاحب النور، فإن الواحد يؤذن ، فيحج؛ وآخر يؤذن، فيسرق، وصورة الأذان واحدة. وآخر يؤذن، فيدعو إلى الله على بصيرة. وآخر يؤذن، فيدعو إلى الضلالة.)


(وأتم الأنوار) التي تكشف ويكشف بها في الكاشفية (وأعظمها نفوذا) في الأشياء بالكشف عن حقائقها هو (النور) التام العلمي (الذي يكشف به) ويدرك (ما أراد الله بالصور المتخيلة المرئية في النوم)، المتغيرة عما كانت عليه في عالم المثال، ويصير مشاهدة في عالم الحس بتصرف القوة المتصرفة.
(وهو)، أي الكشف عما أراد الله بها هو، (علم التعبير).
وإنما كان ذلك النور التام العلمي أتم الأنوار وأعظمها نفوذا (لأن الصورة الواحدة) المتخيلة المرئية في النوم قد (تظهر) في خيال أشخاص متعددة (بمعان كثيرة مختلفة التفاوت استعدادات تلك الأشخاص واختلاف أمزجتهم وتباين أمكنتهم وأزمنتهم وغير ذلك.
لكن (يراد منها)، أي من هذه الصورة، (في حق صاحب الصورة)، أي صاحب كان، (معنى واحد) من تلك المعاني الكثيرة.
(فمن كشفه)، أي المعنى المراد، وميزه عن غيره وعبر الصورة المرئية به (بذلك النور) التام العلمي ، (فهو صاحب النور) الأتم.
ونوره أنه الأنوار لأنه يتميز به ما هو في غاية الالتباس ونهاية الاشتباه.
وإنما قلنا: «إن الصورة الواحدة تظهر بمعان كثيرة»، (فإن) الشخص (الواحد) من جماعة قد يرى في النوم أنه (يؤذن، فيحج) في عالم الحس.
(و) شخص (آخر) منهم يرى فيه أنه (يؤذن، فيسرق) في الحس.
أما الحج، فمن قوله تعالى : "وأذن في الناس بالحج" [الحج: 27]، وأما السرقة، فمن قوله تعالى: "ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون" [يوسف: 70].
(وصورة الأذان واحدة)، لكن التعبير مختلف، لاختلاف الرائين.
(و) كذلك شخص (آخر) يرى فيه أنه (يؤذن، فيدعو إلى الله على بصيرة. و) شخص (آخر) يرى أنه (يؤذن، فيدعو إلى الضلالة).
وذلك الاشتراك الأذان مع هاتين الدعوتين في مطلق الدعوة إلى أمر ما، وإنما اختلف المدعو إليه لاختلاف الرائي.
اعلم أن كل ما يظهر في الحس هو مثل ما يظهر في النوم والناس غافلون عن إدراك الحقائق ومعانيها التي تشتمل الصور الظاهرة عليها .
كما قال : «الناس نيام، فإذا ماتوا، انتبهوا» رواه أبو نعيم والزهري  . وكما يعرف العارف بالتعبير المراد من الصور المرئية في النوم،
كذلك يعرف العارف بالحقائق المراد من الصور الظاهرة في الحس؛ فيعبر عنها إلى ما هو المقصود منها.
فالعارف إذا شاهد صورة في الحس أو سمع كلاما، أو وقع في قلبه معنى من المعاني، يستدل منها على مبادئها ويعلم مراد الله من ذلك.
ومن هذا المقام ما يقال إن كل ما يحدث في العالم رسل من الله تعالى إلى العباد، يبلغون رسالات ربهم؛ يعرفها من يعرفها، ويعرض عنها من يجهلها».
قال تعالى: "وكأين من اية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" [يوسف: 105]، لعدم انتباههم ودوام غفلتهم.
ولا يعرف هذا المقام إلا من يكاشف جميع المقامات العلوية والسفلية ، فيرى الأمر النازل من الحضرة إلى العرش والكرسي والسموات والأرض ويشاهد في كل مقام صوره.
قال رضي الله عنه :
إنما الكون خيال     ….. وهو حق في الحقيقة
كل من يفهم هذا      …… حاز أسرار الطريقة

وفقنا الله للخروج من مضيق العلم إلى فضاء العين ورزقنا الجمع بين هاتين الحسنيين.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 10 - شرح نقش فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة أغسطس 02, 2019 3:44 pm

10 -  شرح نقش فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح نقش الفص الهودي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
10 - نقش فص حكمة أحدية في كلمة هودية
غايات الطريق كلها إلى الله والله غايتها . فكلها صراط مستقيم .
لكن تعبدنا الله بالطريق الموصل إلى سعادتنا خاصة وهو ما شرعه لنا . فللأول وسعت رحمته كل شيء .
فالمآل إلى السعادة حيث كان العبد وهو الوصول إلى الملائم من الناس .
من نال الرحمة من عين المنة .
ومنهم من نالها من حيث الوجوب ونال سبب حصولها من عين المنة ، وأما المتلقي فبله حالان : حال يكون فيه وقاية لله من المذام .
وحال يكون الله له وقاية فيه وهو معلوم .
10 - شرح نقش فص حكمة أحدية في كلمة هودية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( غايات الطرق كلها إلى الله سبحانه، والله غايتها. فكلها صراط مستقیم، لكن )
اعلم أن للأحدية ثلاث مراتب:
الأولى: وهي الأحدية الذاتية المطلقة.
وليست الوحدة من هذا الوجه نعت اللواحد، بل هي ذاته.
فمتى ذكرت الأحدية الذاتية، وكان المترجم عنها الحق سبحانه أو أحد من أكابر المحققين الراسخين في العلم، فإنما يطلقها بهذا الاعتبار.
ولكل شيء أحدية تخصه؛ وهي اعتباره من حيث عدم مغايرة كل شأن من الشؤون الذاتية اللذات المنعوتة بالأحدية بالتفسير المشار إليه.
الثانية : وهذه الأحدية هي أحدية الإلهية .
والوحدة بهذا الاعتبار نعت للواحد، لا ذاته ، وتسمى بـ «وحدة النسب والإضافات»، أي وحدة تعدده.
لا باعتبار الوجود المتعدد والتمييز الحقيقي، بل تعدد نسبي من حيث أن ذلك المتعدد عين ذلك الواحد؛ ک «الخالق» و"القادر" و"العالم" من حيث الذات التي ثبت لها هذه الأحكام.
 فإنها، أي تلك الأسماء من هذه الحيثية - أي حيثية وحدة الذات واحدة .
 
الثالثة : وهذه الأحدية هي أحدية الربوبية .
(غايات الطرق) التي يسلكها السالكون، صورية كانت أو معنوية، (كلها) راجعة إلى (الله سبحانه، والله غايتها).
وذلك لأن الحق سبحانه لما كان محيطا بكل شيء وجودا وعلما و مصاحبا كل شيء بمعية ذاتية مقدسة عن المزج والحلول والانقسام وكل ما لا يليق بجلاله.
 كان سبحانه منتهي كل صراط وغاية كل سالك.
 كما أخبر سبحانه بعد قوله : " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض" [الشوری : 52 - 53]، بقوله: "ألا إلى الله تصير الأمور" [الشوری : 53]۔ فنبه أن مصير كل شيء إليه.
 وكل من الأشياء يمشي على صراط، إما معنوي أو محسوس بحسب سالکه.
والحق غايته، كما قال :"وإلى الله المصير" [آل عمران : 28]، [النور: 43]، [فاطر: ۱۸].
فعرف سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم ليعرفنا. فقال : "وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم  [الشورى: 52] منها بالنسبة إلى غيره.
فهو تعالى غاية السائرين، كما أنه دليل الحائرين.
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( تعبدنا الله بالطريق الموصل إلى سعادتنا خاصة، وهو ما شرعه لنا. فللأول وسعت )
(فكلها)، أي كل الطرق، (صراط مستقیم)، باعتبار أنها موصلة إليه تعالی استقامة مطلقة، لا بالنسبة إلى الغير.
(لكن) لا شرف في مطلقاته التي يرتفع فيها التفاوت، كمطلق معيته ومصاحبته ومطلق استقامة صراطه ومطلق الانتهاء إليه من حيث إحاطته ومطلق توجهه الذاتي والصفاتي معا للإيجاد.
فإنه لا فرق بين توجهه إلى إيجاد العرش والقلم الأعلى وبين توجهه إلى إيجاد النملة من حيث أحدية ذاته ومن حيث التوجه.
قال تعالى : "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" [الملك: 3]، وهكذا الأمر في معيته الذاتية وصحبته، فإنه مع أدني مكوناته کـ هو مع أشرفها وأعلاها بمعية ذاتية قدسية لائقة.
وهكذا الأمر في إحاطته ؛ فإنه بكل شيء محيط رحمة وعلم. ورحمته هنا وجوده ، إذ ليس ثمة ما يشترك فيه الأشياء على ما بينها من التفاوت والاختلاف إلا الوجود. و علمه سبحانه في حضرة أحدية ذاته لا يغایر ذاته ولا يمتاز عنه، إذ لا تعدد هناك بوجه أصلا.
فإذن بمجرد ثبوت أنه غاية كل شيء ومنتهي كل طريق ومع كل شيء ومحيط بباطن كل شيء وظاهره، لا تعم الفائدة، ولا تتم السعادة .
وإنما تظهر الفوائد بتمييز الرتب واختلاف الجهات والطرق وتفاوت ما به يصحبك وما إليه يدعوك ويجذبك .
فلذلك (تعبدنا الله)، أي أخذنا عبادا نعبده، (بالطريق الموصل) لنا (إلى سعادتنا) - التي هي الفوز بالنجاة والدرجات خاصة، لا بأي طريق كان ، فإن كل طريق وإن كان يوصلنا إليه من حيثية اسم من الأسماء .
لأن كل اسم من وجه عين المسمى فذلك لا يجدي نفعا ولا يورث سعادة؛ فإنها، أي الأسماء، من حيث حقائقها وآثارها مختلفة: فأين «الضار» من «النافع» و«المعطي» من «المانع»؟!
وأين "المنتقم" من "الغافر" و"المنعم اللطيف" من «القاهر»؟!
 
(وهو)، أي الطريق الموصل لنا إلى سعادتنا هو، (ما شرعه) الله سبحانه لنا على لسان رسوله وأمره بأن يدعونا إليه بقوله : "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين" [يوسف: 108].
ولما كان في الدعوة إلى الله مما يكون المدعو فيه وعليه إيهام من وجه بأن الحق متعين في الغاية مفقود في الأمر الحاضر، وكان حرف «إلى» المذكور في قوله: "أدعو إلى الله " [یوسف: 108]، حرقة يدل على الغاية ويوهم التحديد، أمره أن ينبه أهل اليقظة واليقين على سر ذلك.
فكأنه يقول لهم: «إني وإن دعوتكم إلى الله بصورة إعراض وإقبال، فليس ذلك لعدم معرفتي أن الحق مع كل ما أعرض عنه المعرض، کـ هو مع ما أقبل عليه ؛ لم يعدم من البداية ، فيطلب في الغاية .
بل " أنا ومن اتبعني" [يوسف : 108] في دعوة
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( رحمته كل شيء، فالمال إلى السعادة حيث كان العبد، وهو الوصول إلى الملائم. )
 
الخلق إلى الحق "على بصيرة" [يوسف: 108] من الأمر.
"وما أنا من المشركين" [يوسف: 108]، أي لو اعتقد شيئا من هذا، كنت محددة للحق ومحجوية عنه ؛ فكن إذا مشركا.
"وسبحان الله" أن يكون محدودا متعبنا في جهة دون جهة أو منقسما، أو أن أكون من المشركين الظانين بالله ظن السوء.
وإنما موجب الدعوة إلى الله اختلاف مراتب أسمائه بحسب اختلاف من يدعي إليه . فيعرضون عنه من حيث ما تقی عنه ويحذر، ويقبلون عليه بما هدى وبصر لما يرجى من الفوز به وبفضلها .  فافهم وتدبر.
(فللأول)، أي فـ للأمر المذكور أولا . وهو کونه تعالى غاية لكل طريق ومحيطا بكل شيء .
(وسعت رحمته) الرحمانية ، بل الرحيمية أيضا، كل شيء من الأشياء .
وإذا وسعت رحمته (كل شيء)، (فالمال والرجوع عاقبة الأمر إلى السعادة حيث كان العبد) من الجنة والنار.
ولما كان المتوهم أن يقول، «السعادة هو الوصول إلى الجنة ودرجاتها، فكيف يكون مآل كل أحد إليها مع خلود بعض في النار؟»، عمم الأمر .
وقال، (وهو)، أي السعادة هي، (الوصول إلى) الأمر (الملائم) لمزاج العبد، سواء كان من درجات النعيم أو در کات الجحيم.
 
اعلم أن العبيد وإن استحقوا العقاب ودخلوا دار الشفاء - وهي جهنم . فلا بد أن يسبق رحمته غضبه في الأخير، فينقلب العذاب عذية عند أهل النار، وأن يؤول عواقب أهل العقاب إلى الرحمة بعد الأحقاب .
 
ولما كانت الرحمة المشار إليها آنفا نوعين :
رحمة ذاتية مطلقة امتنانية، هي التي وسعت كل شيء. ومن هذه الرحمة كل عطاء يقع لا عن سؤال أو حاجة ولا السابقة حق أو استحقاق لوصف ثابت للمعطى له أو حال مرضي يكون عليه ، كالدرجات والخبرات الحاصلة في الجنة لقوم بالسر المستمي في الجمهور "عناية".
لا لعمل عملوه أو خیر قدموه؛ كما ورد أنه يبقى في الجنة مواضع خالية يملأها الله بخلق يخلقهم لم يعملوا خيرا قط، إمضاء السابق حکمه وقوله: «لكل واحدة منكما ملؤها» . رواه الطبراني في مسند الشاميين
 
"" الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الجنة والنار احتجا، فقالت الجنة يدخلني سقطهم و ضعفاؤهم، وقالت النار: إني أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وأوحى الله إلى الجنة: إنك رحمتي أصيب بك من أشاء وأوحى الله إلى النار، إنك عذابي أصيب بك من أشاء لكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فتمتلئ، وأما الجنة فينشئ الله عز وجل خلقا منها ""
ومتعلق طمع إبليس هذه الرحمة الإمتنانية التي لا تتوقف على شرط وقيد
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن الناس من نال الرحمة من عين المئة، ومنهم من نالها من حيث الوجوب . ونال سبب حصولها من عين المئة.
وأما المتقي، فله حالان: حال يكون فيه وقاية لله تعالى من المذام ؛ وحال )
 
والرحمة الأخرى هي الرحمة الفائضة عن الرحمة الذاتية والمنفصلة عنها بالقيود التي من جملتها الكتابة المشار إليها بقوله:"كتب ربكم على نفسه الرحمة" [الأنعام: 54]، و بقوله: " فسأكتبها للذين يتقون " [الأعراف: 156]، فهي مقيدة موجبة بشروط من أعمال وأحوال وغيرهما
أراد الشيخ رضي الله عنه أن يشير إليهما، فقال: (ومن الناس من نال الرحمة) وأصابها (من عين المنة) ومحض الفضل من غير سابقة فعل يوجبها أو صدور عمل يجلبها، بل بها يحصل القدرة على كل الأفعال والتمكن من جميع الأعمال.
(ومنهم)، أي من الناس، (من نالها)، أي الرحمة، (من حيث الوجوب)، أي من جهة وجوبها على الله بإيجابه إياها على نفسه في مقابلة أعماله التي كلفه بها مجازاة له و عوضا عن عمله .
ولكن ذلك على سبيل الامتنان : فإن العبد يجب عليه طاعة سيده والإتيان بأوامره. فإذا أوجب على نفسه شيئا في مقابلة أعماله، يكون ذلك رحمة وامتنانا منه عليه . وإلى ذلك أشار رضي الله عنه بقوله، (ونال سبب حصولها)، أي سبب حصول الرحمة الوجوبية - الذي هو ذلك الإيجاب ، من عين السمنة ؛ فإنه ليس في مقابلة عمل ولا جزاء فعل.
ويحتمل أن يراد بـ "سبب حصولها" أعمال العبد وأفعاله : فإن التمكين والإقدار عليها، بل إيجادها فيه، من الرحمة الامتنانية أيضا،
وأما العبد (المتقي)، الذي كتب الله سبحانه على نفسه الرحمة، كما قال تعالى :" " فسأكتبها للذين يتقون " [الأعراف: 156].
 
(فله حالان):
أحدهما (حال يكون) ذلك العهد المتقي (فيه)، أي في ذلك الحال ، (وقاية الله تعالی)؛ أي اخذ نفسه وقاية يقي بها الله سبحانه من نسبة المذام والنقائص إليه.
 فإنه يضيفها إلى نفسه، لا إليه، كما يقتضيه التحقيق، إذ المدام والنقائص والقبائح كلها أحكام العدم اللازم للعبد الممكن القابل.
وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: "اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي»،
"" الحديث : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطاياي وعمدي، وكل ذلك عندي» . رواه البخاري وابن حجر العسقلاني فى الأدب المفرد و البغوي في شرح السنة  ""
 وبقوله عليه السلام: "والشر ليس إليك". رواه مسلم والترمذي وأبو داود وأحمد وغيرهم.
"" ورد فى حديث مسلم : عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا قام إلى الصلاة، قال: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك».
 وإذا ركع، قال: «اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي»، وإذا رفع، قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد».
وإذا سجد، قال: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين»، ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت». ""
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( يكون الله له وقاية فيه، وهو معلوم .)
(و) ثانيهما (حال يكون الله له)، أي للعبد المتقي، (وقاية فيه)، أي في ذلك الحال ، من أن يضاف إليه المحامد، فإنه يضيف الفضائل والمحاسن والمحامد والكمالات إلى الله سبحانه .
فكان وقاية له من إضافة ما ليس له من ذاته بالحقيقة ، لكونها أمورة وجودية، والوجود للحق؛ بل الوجود هو الحق حقيقة.
(وهو)، أي كون الله سبحانه وقاية للعبد المنقي في الحال الثاني، أمر (معلوم) مکشوف لظهور استناد الأمور الوجودية إليه سبحانه وهو أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب .
 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الأول .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت أغسطس 03, 2019 6:15 pm

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الأول .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الهودي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفص الهودي
10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية  الجزء الأول
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم. ) 
لما انجر كلامه رضي الله عنه في آخر الحكمة اليوسفية إلى الأحدية الذاتية والأحدية الأسمائية أردفها بالحكمة الهودية الموصوفة بالأحدية المعنية لدعوته قومه إليها استيفاء للأقسام .
(إن الله) أحدية جمع جميع الأسماء (الصراط المستقيم)، أي الجامع لجميع الطرق الواقعة لكل اسم اسم (ظاهر)، أي صراط الله أو كون الله على الصراط المستقيم ظاهر مكشوف لبعض الخلائق كما يدل عليه السلام.
(غير خفي في العموم)، أي ليس خفيا في عموم الخلائق بحيث لا يظهر على أحد بل هو ظاهر على بعضهم.
فقوله في العموم قيد للخفاء المنفى لا لظهور ولا لنفي الخفاء، ويجوز أن يكون قيدا لهما ويكون المعنى على أن صراط الله ظاهر متحقق غير خفي بعدم التحقيق في عموم الأسماء.
 لأن طرق الأسماء من جزئیات صراط الله أو في عموم الخلاننى لا أنهم على طرق الأسماء التي من جزئياته (في كبير وصغير عينه)، أي عينه الغيبية وهويته الذاتية سارية في كل كبير وصغير صورة أو مرتبة .
(و) في كل (جهول بأمور) لعذره قابلية العلم بها (و) في كل (عليم) بتلك الأمور ولوجدانه القابلية (ولهذا)، أي لسريانه سبحانه في كل شيء (وسعت رحمته التي هي الوجود الذي هو عينه (كل شيء من حقير وعظيم) صورة أو مرتبة ( من دابة) تدب وتتحرك لشعورها و إراداتها إلى غاية ما .
("إلا هو ")، أي الحق سبحانه بهويته الغيبية السارية في الكل (" آخذ بناصيتها") بمشي بها إلى غايتها (" إن ربي") ، أي الذي يربيني ويمشي بي ("على صراط مستقيم") (هود: 56].
بوصل من يمشي علية ومن يمشي به الماشي عليه إلى غايته المطلوبة (فكل ماش) يمشي (على صراط ما فعلی صراط الرب المستقيم) الذي يمشي به ربه عليه وإذا كان على الصراط المستقيم الذي ربه عليه السلام
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)
(فهو غير مغضوب عليه) لربه، لأن أحدا لا يغضب على من يعمل بمقتضى علمه وإرادته ولكن عدم مغضوبیته إنما تكون (من هذا الوجه)، أي من حيث الرب الذي يمشي به على الصراط المستقيم.
وأما من حيث العبد الذي يخالف ربه ويدعوه إلى صراط مستقیم بالنسبة إليه، فهو مغضوب عليه .
(وكذلك ما هو ضال) من هذا الوجه وإن كان من وجه أخر ضالا كما عرفته في الغضب.
(وكما كان الضلال عارضا)، لأن كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه (كذلك الغضب الإلهي) المسبب عن الضلال أيضا (عارض والمآل) بعد زوال الغضب العارض (إلى رحمة الله التي وسعت كل شي).
(وهي)، أي الرحمة هي السابقة على الغضب كما قال سبحانه : "سبقت رحمتي غضبي" .رواه البخاري ومسلم
ولما كان المتبادر من الدابة في فهم أهل الظاهر الحيوانات فقط، وذلك خلاف ما کوشف به العارفون.
قال : (وكل ما سوى الحق) حيوانا كان أو جماد أو نبات (فهو دابة فإنه) بحكم "وإن من شئ لا يسبح بحمده  ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [الإسراء: 44].
فكل (ذو روح) يدب علي صراط يوصله إلى غاية ما .
(وما ثمة)، أي فيما سوى الله الحق (من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره) الذي هو ربه (فهو يدب بحكم التبعية للذي)، أي لربه الذي (هو) يمشي
(على الصراط المستقيم) وإنما قلنا إنه يمشي على الصراط (فإنه)، أي الصراط (لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه).
وقد أثبت الحق سبحانه الصراط لنفسه حيث قال على لسان داود عليه السلام :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إذا دان لك الخلق ... فقد دان لك الحق
و إن دان لك الحق ... فقد لا يتبع الخلق
فحقق قولنا فيه ... فقولي كله الحق
فما في الكون موجود ... تراه ما له نطق
وما خلق تراه العين ... إلا عينه حق
ولكن مودع فيه ... لهذا صوره حق
اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى )
"إن ربي على صرط مستقيم" فينبغي أن يكون ماشيا عليه (إذا دان)، أي أطاع ومشى على طريق الانقياد.
قال رضي الله عنه :  (لك الخلق) الذي أخذ بناصية الخلق ومشى بهم على ذلك الصراط، لأن من يأخذ بناصية أحد ويمشي به عنی صراط لا بد أن يمشي عليه فهو يدب بالأصالة .
و من يمشي به يدب بالتبعية .
قال رضي الله عنه :  (فقد، دان)، أي أطاع ومشى على طريق الانقياد (لك الحق وإن دان لك الحق فقد لا يتبع الخلق) ولا يمشي على صراط الانقياد لك.
لأن كل ما يكون في مرتبة الجمع ليس يلزم أن يظهر في مقام الفرق بخلاف العكس، فإن كل ما يكون في منام الفرق لا بد أن يكون في مرتبة الجمع .
(فحقق)، أي أعتقد حقا وصدق (قولنا) الواقع (فيه)، أي فيما ذكرنا من أن انقیاد الخلق يستلزم انقياد الحق من غير عکس .
قال رضي الله عنه :  (فقولي كله) في أي شيء وقع هو (الحق) المطابق لما في نفس الأمر فإنه كما ذكر في صدر الكتاب من مقام التقديس المنزه عن الأعراض والتلبيس.
(فما في الكون موجود... تراه ما له نطق)، لأن الكل ناطق بتسبيح الله سبحانه وليس هذا النطق بلسان الحال كما يزعمه المحجوبون.
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الثاني من فتوحاته : قد ورد أن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس والشرائع والنبوات مشحونة من هذا القبيل ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف، فقد سمعنا الأحجار تذكر الله رؤية عين بلسان نطق يسمعه آذاننا ويخاطبنا مخاطبة العارفین بجلال الله مما لیس يدرکه كل إنسان .
قال رضي الله عنه :  (وما خلق تراه العين... إلا عينه) وحقيقته (حق) ظهر في صورة الخلق فهو من حيث الحقيقة عين الحق ومن حيث الصورة غيره.
وإلى الحيثية الأخيرة أشار بقوله: (ولكن مودع فيه). أي الحق مودع في الخلق أيداع المطلق في المقيد .
(لهذا)، أي للحق (صورة)، أي صورة الخلق (حق) بضم الحاء جمع حقة .
وكذلك الصور جمع صورة ، كلاهما كتمر وتمرة ، شبه صورة الخلق بالحقة والحق المودع فيه بما فيها.
قال رضي الله عنه :  (اعلم أن العلوم الإلهية)، أي الفائضة من الحضرة الإلهية سواء كان متعلقها الحق، أو الخلق، أو المتعلقة بذات الله وصفاته وأفعاله (الذوقية)، أي الكشفية الوجدانية لا الكسبية البرهانية .
(الحاصلة لأهل الله) بالتعرية الكاملة وتفريغ القلب بالكلية عن جميع التعلقات الكونية والقوانين العلمية مع توحد العزيمة ودوام الجمعية والمواظبة على هذه الطريقة دون فترة ولا تنسم خاطر ولا تشتت عزيمة .
قال رضي الله عنه :  (مختلفة باختلاف القوی الحاصلة) تلك العلوم
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة.
فإن الله تعالى يقول : «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها.
فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد. فالهوية واحدة والجوارح مختلفة.
ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح، كالماء حقيقة واحدة مختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه )
 (منها)، فإن لكل منها علما يخصه سواء كانت روحانية أو جسمانية ألا ترى أن ما يحصل بالبصر لا يحصل بالسمع و بالعكس، وما يحصل بالقوى الروحانية لا يحصل بالقوي الجسمانية وبالعكس.
 ويجوز أن يكون ضمير منها راجعا إلى العلوم كما هو الظاهر ويكون من الأجل، أي القوى الحاصلة من أجل تلك العلوم ليكون وسيلة إلى تحصيلها .
وإذا كان راجع إلى القوی کما في الوجه الأول في حق التركيب الحاصلة منها كما لا يخفى وجهه (مع كونها)، أي مع كون هذه القوى (ترجع إلى عين واحدة) هي الذات الأحذية فإنها التي أظهرت صور تلك القوى (فإن الله تعالى يقول: كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها فذكر أن هويته هي عين الجوارح) والقوى المنطبعة فيها .
(التي هي عين العبد فالهوية واحدة والجوارح) مع القوى المنطبعة فيها (مختلفة) راجعة إلى تلك النوبة الواحدة فالكل يرجع إلى عين واحدة (ولكل جارحة) وقوة (علم من علوم الأذواق بخصها) ذلك العلم لا يحصل من غيرها كإدراك المبصرات للبصر والمسموعات للسمع .
ولذلك قيل : من فقد حسا فقد فقد علم، وتلك العلوم كلها حاصلة (من عين واحدة) هي الذات الأحدية (تختلف بالجوارح) التي هي مظاهر لها ويمكن أن يراد بالعين الواحدة الحقيقة العلمية.
فإنها حقيقة واحدة مختلفة باختلاف القوى والجوارح، وهذه العين الواحدة سواء كانت الذات الأحدية أو الحقيقة العلمية (كالماء) .
فإنها (حقيقة واحدة تختلف في الطعم) کالعذوبة والملوحة (باختلاف البقاع فمنه عذب فرات) يروي شاربه ويزيل العطش (ومنه


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه.
وهذه الحكمة من علم الأرجل وهو قوله تعالى في الأكل لمن أقام كتبه: «ومن تحت أرجلهم». فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه، والسعي لا يكون إلا بالأرجل. )
 
ملح أجاج) لا يروي شاربه بل يزيد عطشه (وهو ماء في جميع الأحوال لا بتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه) باختلاف البقاع.
كذلك الذات الأحدية حقيقة واحدة تختلف بتجلياتها اختلاف المظاهر، وكذلك الحقيقة العلمية حقيقة واحدة تختلف أحوالها باختلاف القوى والجوارح الحاصلة هي منها .
وهذه الحكمة التي هي شهود أحدية من هو آخذ بناصية كل دابة (من علم الأرجل)، أي يحصل بالسلوك (وهو)، أي علم الأرجل ما يشير إليه (قوله تعالى في الأكل) الذي أثبته (لمن أقام كتبه) حيث قال : "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ "[المائدة: 66].
وهذه الإمامة إنما تتحقق بالقيام بحقها بتدبير معانيها وفهمها وكشف حقائقها ودرکها والعمل بمقتضاها وتوفية حقوق ظاهرها وباطنها ومطلقها.
فلو أقاموها كذلك "لأكلوا من فوقهم" ، أي تغذوا بالعلوم الإلهية الفائضة على أرواحهم من جانب الحق سبحانه سواء كانت متعلقة بكيفية العمل أو لا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم أو بالهام قبل العمل ("ومن تحت أرجلهم") ، أي بالعلوم الحاصلة لهم بحسب سلوكهم.
قال صلى الله عليه وسلم : "من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يعلم" أورده السيوطي فى الدر المنثور وابن كثير فى التفسير .
"وورد الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل بما يعلم ورثه الله ما لم يعلم»  فى حلية الأولياء لأبي نعيم "
فالأكل من فوقهم هو التغذي بالعلم المتقدم على العمل والأكل من تحت أرجلهم هو التغذي بالعلوم التي أورثها العمل .
فإن قلت : إذا كان الأكل من فوقهم التغذي بالعلم المتقدم على العمل فكيف يترتب على إقامة الكتب الإلهية فإن هذه الإقامة في العمل بمقتضاها.
قلنا: لا نسلم أولا أن إقامتها في العمل بمقتضاها بل هي أعم من أن تكون تدبر معانيها وكشف حقائقها أو العمل بمقتضاهما سلمنا لكن ترتبها إنما هو باعتبار اجتماعها مع العلوم المترتبة على العمل.
وإنما قلنا هذه الحكمة من علم الأرجل (فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه)، أي في ذلك الطريق.
(والسعي) أيضا إذا كان ذلك الطريق صوريا (لا يكون إلا بالأرجل) فشبهنا السلوك بالصوري المعنوي .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق.
«فيسوق المجرمين» وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم- وهو عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه.
فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة  )
وأثبتنا الأرجل للسالك المعنوي كالسالك الصوري فسمينا العلم الحاصل من سلو که المعنوي علم الأرجل على سبيل الشبه (فلا ينتج هذا الشهود)، أي شهود الأحدية (في أخذ النواصي).
أي في كون النواصي مأخوذة (بيد من هو على صراط مستقیم) یعنی لا ينتج في ذلك إلا الأخذ بشهود وحدة الأحد.
(إلا هذا الفن الخاص) ، بعني علم الأرجل الذي هو (من علوم الأذواق)، فإن العلم الحاصل بالسلوك يفضي إلى شهود وحدة أخذ نواصي الخلائق والتصرف فيهم فقوله : هذا الشهود منصوب على المفعولية ، و هذا الفن مرفوع على الفاعلية ، وفي أخذ النواصي متعلق بلا ينتج .
ولما ذكر أن الأخذ بالنواصي كلها والعائد لأصحابها إنما هو الحق سبحانه أراد أن ينبه على أنه كما لا قائد بهم يأخذ بنواصيهم إلا هو كذلك لا سابق لهم إلا هو فهو القائد والسائق فذكر قوله تعالی : (فيسوق المجرمين وهم)، أى المجرمون هم : (الذين استحقوا المقام الذي ساقهم) الله تعالى (إليه).
أي إلى ذلك المقام (بريح الدبور التي أهلكهم) الحق سبحانه (عن نفوسهم بها)، أي تلك الريح (فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم)، أي هو سبحانه يسوقهم بالریح فأسند الفعل إلى السبب ..
(وهي)، أي الريح (عين الأهواء التي كانوا عليها) ظهرت بصورة ريح الدبور لأنها انتشت من الجهة الخفية التي لها الأدبار (إلى جهنم وهي)، أي جهنم همي (البعد الذي كانوا يتوهمونه) فإنه لا بعد في الحقيقة إذ المقامات والمواطن كلها مراتب ظهوره سبحانه فلا بعد إلا على سبيل التوهم
(فلما ساقهم) الله سبحانه بريح الدبور التي كانت صورة أهوائهم (إلى ذلك الموطن)، يعني جهنم وأخذ منهم الاسم المنتقم حقه على مر السنين والأجناب وخلصوا عن أنفسهم وعرفوا أن لا ملجأ ولا منجا إلا الله سبحانه .
(حصلوا في عين القرب) وانكشف لهم أن البعد المسمى بجهنم ما كان إلا أمرا متوهما (فزال البعد فزال مسمي جهنم) الذي هو البعد المتوهم (في حقهم) لا ذاته التي هي ذلك الموطن (فازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق) يعني استحقاتهم المقام الذي ساقهم إليه وهو جهنم.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الاستحقاق لأنهم مجرمون.
فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة.
فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب.
«ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون»: وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء «فبصره حديد». وما خص ميتا من ميت أي ما خص سعيدا في القرب من شقي.
«ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وما خص إنسانا من إنسان. فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي.
فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى )
 (لأنهم مجرمون فما أعطاهم) الحق سبحانه (هذا المقام الذوقي اللذيذ) آخرا (من جهة المنة) من غیر عمل منهم (وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم)، أي أعيانهم الثابتة بعد اتصافهم بالوجود (من أعمالهم) بيان لما (التي كانوا عليها) مدة حياتهم. 
(وكانوا في السعي بعد أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم بيد من له هذه الصفة) يعني الاستقامة على الصراط (فما مشوا) إلى موطن جهنم (بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر) والقسر فإن ربهم الذي هو آخذ بنواصيهم جبرهم على ذلك المشي (إلى أن وصلوا إلى عين القرب) بزوال توهم البعد.
ولما أثبت القرب للمجرمين المبعدين استشهد عليه بقوله تعالى : ("ونحن أقرب إليه")، أي إلى المتوفي ("منكم ولكن لا تبصرون" وإنما هو)، أي المتوفي (يبصر فإنه مکشوف الغطاء فبصره حدید) غیر کليل ، فيبصر من هو أقرب الأشياء إليه .
(فما خص) في نسبة القرب إليه تعالى: (ميتا عن ميت، أي ما خص سعيدا في القرب) مميزة إياه (من شقي) بل شمل ذلك القرب الكل كما قال سبحانه في موضع آخر من غير تخصيص وهو قوله تعالى : (" ونحن أقرب به من حبل الوريد " فما خص إنسانا) بالقرب مميزا إياه (من إنسان) آخر في ذلك القرب.
(فالقرب الإلهي من العبد) سعيدا كان أو شقيا (لا خفاء به في الأخبار الإلهي فلا قرب أقرب من أن تكون هويته) تعالى (عين أعضاء العبد وقواه وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو)، أي العبد
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو حق مشهود في خلق متوهم.
فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود.
وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود. فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه.
فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها، فهي في حقه صراط مستقيم.
ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر.
فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة.
فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين، لأن الأرجل هي السفل من الشخص،)  
(حق مشهود في خلق متوهم)، وهو الظل المتخيل الذي سبق (فالخلق معقول) لا يدرك إلا بالعقل و الخيال بل لا وجود له إلا فيهما .
(والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود)، أي الوجودان (وما عدا هذين الصنفين)، يعني أهل الكشف والوجود والمؤمنين لهم فهم على عكس ذلك (فالحق عندهم معقول والخلق مشهود) وأراد بما عداهما المحجوبين كالحكماء والمتکلمین و الفقهاء وعامة الخلائق .
(فهم)، أي علمهم (بمنزلة الماء الملح الأجاج) لا يروي شاربه (و الطائفة الأولى) الذين هم أهل الكشف والوجود والمؤمنون لهم علمهم (بمنزلة الماء العذب الفرات السانغ لشاربه)، والنافع لصاحبه.
(فالناس على قسمين) من الناس (من يمشي على طريق يعرفها)، أنها هي الحق (ويعرف غايتها) أنها ألحق أيضا (فهي في حقه صراط مستقیم ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها)، إنها الحق (ولا يعرف غايتها)، إنها الحق (وهي عين الطريق التي عرفها النصف الآخر) في كون كل منهما حق منتهية إلى الحق لا فرق بينهما إلا بمعرفة السالكين عليها وجهالتهم .
(فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة) يعرف بها أنه سبحانه هو الداعي والمدعو والطريق ويعرف أيضا أنه غير منقود في البداية فهو يعرف أنه يدعو اسما على اسم إلى اسم.
(وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة)، فلا يعلم وحده هذه الأشياء وكونها عين الحق ويظن أنه مفقود في البداية ، والطريق موجود في النهاية (فهذا)، أي علم الكشف والوجوه (علم خاص يأتي)، أي يحصل (من أسفل سافلين
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق. فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه، فإن فيه جل وعلا تسلك وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عين الوجود والسالك والمسافر.
فلا عالم إلا هو فمن أنت؟
فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت.
وهو لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمه حق، فإن للحق نسبا كثيرة و وجوها مختلفة.
ألا ترى عادا قوم هود كيف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن)
لأن الأرجل هي أسفل من) أعضاء (الشخص وأسفل منها)، أي من الأرجل (ما تحتها وليس) ما تحتها (إلا الطريق) الذي يسلكه السالكون بالأرجل ويحصل لهم العلم بسلوکه بها فما يأتي عليهم إلا من أسفل سافلين.
(فمن عرف الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه فإن فيه)، أي في الحق (جل وعلا يسلك ويسافر) من عرف الحق فإن سفره ليس إلا في المعلومات التي هي الآثار ثم الأفعال ثم الأسماء والصفات وينتهي آخرة إلى الذات فلا يكون سفره إلا فيه تعالی .
(إذ لا معلوم) من تلك المعلومات (إلا هو)، لأنها مراتب ظهوره وهو الظاهر فيها (وهو عين السالك والمسافر) في تلك المعلومات العالم بها درجة درجة (فلا عالم إلا هو) كما لا معلوم إلا هو.
(فمن أنت فاعرف حقيقتك)، أي ماهيتك الموجودة (وطريقتك) التي بسلوكها تصل إلى كمالك فكل واحد منها هي الحتى لا غير (فقد بان لك الأمر) على ما هو عليه (على لسان الترجمان) الذي يترجم عن حقيقة الأمر (إن فهمت) ما ذكره لك، وذلك الترجمان نبينا صلى الله عليه وسلم حيث أني بحديث النوافل وهود عليه السلام حيث قال:"ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها" [هود: 56].
أو الشيخ رضي الله عنه حيث كشف هذه حقائق (فهو)، أي لسان الترجمان (لسان حق)، أي لسان هو حق كما ورد في الحديث القدسي:" كنت سمعه وبصره ويده ولسانه ".
(فلا يفهمه إلا من فهمه) على لفظ المصدر (حق) کسمعه وبصره وجميع قواه وجوارحه (فإن للحق نسبا كثيرة ووجوها مختلفة)، فهو بحسب بعض هذه النسب والوجوه لسان يترجم به عما يريده بحسب بعضها فهم، أي قوة فاهمة يدرك بها ما يترجم اللسان عنه .
ثم استشهد رضي الله عنه على كثرة نسبه واختلاف وجوهه بقوله : (ألا ترى عادا)  فوم هود
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ظن عبده به.
فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم»: فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة و السدف المدلهمة، 
 و في هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف . فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» وهي )
قال رضي الله عنه :   (كيف "قالوا هذا عارض ممطرنا" فظنوا خيرة بالله وهو) سبحانه (عند ظن عبده به فاضرب لهم الحق عن هذا القول) بقوله : "بل هو ما استعجلتم به " (فأخبرهم بما هو أتم وأعلا في القرب فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقي الحبة) الملقاة فيها فلا بد أن يمضي عليها زمان طويل و مدة مديدة حتى تحصل نتيجة.
ويحصل منها الغذاء الجسماني الذي هو من حظوظ أنفسهم (فلا يصلون إلى نتيجة ذلك المطر) هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه . 
وفي بعض النسخ: ذلك الظن أي ظن أنه عارض ممطر (إلا عن بعد فقال) سبحانه (لهم) مضربا عما قالوه ( "بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم" ) [الأحقاف : 24 ] فتجلى في خيالهم أولا بصورة العارض الممطر وفي جهنم ثانية بصورة "ريح فيها عذاب أليم" .
فظهر من ذلك كثرة نسبه و اختلاف وجوهه (فجعل) الحق سبحانه (الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة لهم) آخرا، بحسب روحانيتهم (فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة)، أي الصعبة (و السدف)، أي الحجب (المدلهمة)، أي المظلمة .
قال رضي الله عنه :  (وفي هذه الريح عذاب، أي أمر يستعذبونه) بحسب روحانيتهم (إذا ذاقوه إلا أنه يوجعهم في الحس الفرقة المألوفات فباشرهم العذاب) وأهلكهم . 
قال رضي الله عنه :  (فکان) في هذه الريح (الأمر)، أي الخير الذي توقعوه إليهم (أقرب مما تخیلوه)، أي الخير الذي تخيلوه في العارض الممطر .
قال رضي الله عنه :  (فدمرت)، أي أهلكت الريح ("كل شيء بأمر ربها") الذي هو بعض من الأسماء الجلالية كالقهار والمنتقم وأمثال ذلك ( "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " وهي)، 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية.
فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ.
وقد ورد النص الإلهي بهذا كله، إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته «حرم الفواحش» ) 
أي مساكنهم (جثثهم التي عمرتها أرواحهم الحقية) التي بواسطتها يرث الحق سبحانه أبدانهم.
أو التي هي مظاهر الاسم الحق الذي له الثبات والدوام فإن الأرواح لا يتطرق إليها فساد وهلاك بخلاف الأبدان وعمارة الأرواح الأبدان كتعمير الملائكة السماوات كما هو مذكور في الحديث وتعمير الصالحين المساجد وتعمير المنهجدين الليل .
وما قيل في قوله : عمرتها أرواحهم إشارة إلى أن الأرواح هي التي تعمر الأبدان وتكونها أولا في رحم الأم ثم تدبرها في الخارج، فهي موجودة قبل وجود الأبدان لا تصح إلا في الأرواح الكلية التي هي للكمل.
وأما الأرواح الجزئية التي لسائر الناس فلا يوجد إلا بعد حصول المزاج وتسوية البدن كما ذهب إليه الحكماء في الأرواح كلها، صرح بذلك الشيخ صدر الدین القونوي قدس الله سره في بعض رسائله (فزالت حقيقة هذه النسبة الخاصة)، أي ربوبيتها فيكون المراد بالنسب الخاصة أرواحهم التي خص كل واحد منها بدن آخر والتعبير عنها بالنسب.
إما بناء على أنها حاصلة من نسبة الروح الكلي إلى الأبدان أو على أن لها نسبة التدبير والتصرف إلى أبدانهم، فعبر عنها بالنسبة توسعة وتجوزوا.
ويمكن أن يراد بالنسبة : تعلقاتها بالأبدان في التدبير والتصرف، وبحقيتها : ثبوتها وبقاؤها قال رضي الله عنه :  (فبقيت على هياكلهم) بعد زوال الحياة (الحياة الخاصة بهم، أي بهياكلهم الناشئة (من) تجني (الحق سبحانه عليهم بالاسم الحي الساري في الكل فإن لأبدان الحيوانات نوعين من الحياة.
أحدهما : الحياة الحاصلة لها بواسطة تعلق الأرواح بها،
وثانيهما : الحياة اللازمة لها لسريان الوجود الحق لجميع صفاته كالحياة والعلم، وغيرهما في كل موجود .
فإذا انقطعت علاقة الأزواج من الأبدان زالت الحياة الأولى وبقيت الثانية الخاصة بها، أي الحاصلة لها من غیر توسط أمر مغاير لها.
وهذه الحياة الخاصة في (التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل)، كما وقع في الكلام الإلهي قال رضي الله عنه :  (وعذبات الأسواط والأفخاذ) كما ورد في الحديث النبوي. 
قال رضي الله عنه :  (وقد ورد النص الإلهي) إما من مقام الجمع الإلهي، أو الفرق النبوي كما ذكرنا بهذا الذي ذكرناه (كله إلا أنه مالی وصف نفسه) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم  (بالغيرة) حيث

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت أغسطس 03, 2019 6:16 pm

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الثاني .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الهودي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية  الجزء الثاني
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وليس الفحش إلا ما ظهر. وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له.
فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم )
قال صلى الله عليه وسلم : "إن سعدا لغيور وأنا أغير من سعد والله أغير منا" (ومن غيرته حرم الفواحش) ما ظهر منها وما بطن .
قال رضي الله عنه :  (وليس الفحش)، أي الفاحش (إلا ما ظهر)، أي ليس فحش الفاحش وشناعته إلا باعتبار ظهوره.
ولما كان هذا الحكم بحسب الظاهر منافيا لما وقع في الكلام الإلهي حيث قال : حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
دفعه بقوله : (وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر) ذلك الفحش الباطن (له) فثبوت الفحش له باعتبار ظهوره لا باعتبار بطونه فليس الفحش إلا لما ظهر .
قال رضي الله عنه :  (فلما حرم) الله سبحانه (الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه وهي)، أي حقيقة ما ذكرناه (أنه)، أي الله سبحانه (عين الأشياء) من حيث الحقيقة (فسترها)، أي تلك الحقيقة الواجب سترها عن المحجوبين (بالغيرة)، أي بستر الغيرية.
(وهو)، أي الغيرة والتذكير باعتبار الخبر (أنت)، أي أنانيتك إذا اعتبرتها ولاحظتها وأما إذا لم تعتبرهما ونظرت إليها بعين الفناء كما هي عليه في نفس الأمر فلا غيرة ولا غيرية (من الغير).
 أي الحكم بأنها أنت إنما هو باعتبار أنها مأخوذة من الغير فإنك من حيث أنانيتك مغاير له سبحانه (فالغير)، أي الذي هو غير الحق في نظره وكذلك الأشياء الأخرى مع مغايرة بعضها لبعض مغاير للوجود الحق (يقول السمع، سمع زید) مثلا.
قال رضي الله عنه :  (والعارف) بالأمر على ما هو عليه (يقول السمع)، أي سمع زيد منا (عين الحق وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء)، فهو مضاف إلى زيد وأمثاله عند الغير الذي هو جاهل و عین الحق عند العارف (فما كل أحد عرف الحق) على ما هو عليه من أنه عين الأشياء .
قال رضي الله عنه :  (فتفاضل الناس) في هذه المعرفة (وتميزت المراتب)، أي مراتبهم فيها (فبان الفاضل) الذي له فضل على ما سواه تفضيلة المعرفة عن المفضول (و) بان (المفضول) لعدمها عن الفاضل.
(واعلم أنه لما أطلعني الحق) سبحانه (وأشهدني أعيان رسله) في البرزخ المثالي 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود )
قال رضي الله عنه :  (وأنبيائه كلهم البشريين) قید به ليخرج رسل الملائكة . 
وقيل : لأن كل ظاهر نبي عن باطن فهو نبي بهذا الاعتبار عند العارفين .
وقيل : لأن لكل نوع عندهم نبيا هو واسطة بينه وبين الحق سبحانه كما أشار إليه قوله تعالى: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم".
قال رضي الله عنه :  (من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين في مشهد) حصل لي الشهود فيه (أقمت) بإقامة الحق إياي (فيه بقرطبة) مدينة من بلاد المغرب (سنة ست وثمانين وخمسمائة ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام).
وكأنه كان ذلك لمناسبة مشربه وذوقه عليه السلام بمشرب الشيخ وذوقه رضي الله عنه (فإنه) ، أي هود عليه السلام.
قال رضي الله عنه :  (أخبرني بسبب جمعيتهم) قيل : كان سبب جمعيتهم تهنئته قدس الله سره بأنه خاتم الولاية المحمدية و قيل كان سببها إنزاله في مقام القطبية.
ويخدش لوجه الأخير أن كلامه في مواضع من كتبه كالفتوحات و غيره : يدل على أنه من الأفراد ويمكن دفعه بأن كونه من الأفراد إنما هو في وقت تصنيفه تلك الكتب وكونه من الأقطاب إنما هو في وقت تصنيفه ذلك الكتاب لأنه أخر مصنفاته .
قال رضي الله عنه :  (ورأيته) أي هود عليه السلام (رجل ضخما من الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور وكاشفا لها ودليلي على كشفه لها) من القرآن (قوله تعالى: "ما من دابة إلا هو ، آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم" [هود: 26]. وأي بشارة للخلق أعظم من هذه) المقالة .
قال رضي الله عنه :  (ثم من امتنان الله علينا أن أوصل) إلينا (هذه المقالة عنه في القرآن ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان، أي هو عين الحواس) والأعضاء الظاهرة والقوى الروحانية المجردة عن المواد الهيولانية المظلمة (أقرب) إلى الله سبحانه (من) تلك (الخواص) و الأعضاء الجسمانية (فاكتفى) النبی صلى الله عليه وسلم  (بذكر الأبعد المحدود)، أي المعلوم حده وحقيقته
"" أضاف الجامع : الهيولي جوهر قابل لما يعرض للجسم من أشكال. كالخشب للكرسي والحديد للمسمار.  
يقول الشيخ رضي الله عنه  الهيولي : هو العنصر الأعظم ، الذي هو أصل السماوات والأرض وما بينهما ، وأصل أركانها ومادتها  .
ويقول الشيخ عبد الحق بن سبعين الهيولي : هو جوهر بسيط قابل للصورة  .
ويقول الشيخ كمال الدين القاشاني الهيولي : عندهم "الصوفية" اسم الشيء بالنسبة إلى ما يظهر فيه من الصور ، فكل باطن يظهر فيه صورة يسمونه هيولي  .
ويقول الشيخ شهاب الدين السهروردي : إن في الجسم ما يقبل الانفصال والاتصال . فالذي يقبل ذلك جزء للجسم فيه الاتصال ويسمى القابل : هيولي ، والمقبول : صورة . و الهيولي لا يتصور وجودها دون الصورة ، لأنها لم تخل حينئذ من الوحدة والكثرة ، وأيهما لزمها يكون اقتضاء لماهيتها واجبا بها  . "" 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( عن الأقرب المجهول الحد.
فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله مقالته بشرى: فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم «و ما يجحد بآياتنا إلا الكافرون» فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسدا منهم و نفاسة و ظلما.
وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أو صله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه.
أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء. فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق.) 
أي المعلوم حده وحقيقته (عن الأقرب المجهول الحد) .
والحقيقة فإنه إذا كان عين الأبعد يلتزم بالطريق الأولى أن يكون عين الأقرب (فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا) مفعول له .لقوله : ترجم

قال رضي الله عنه :  (وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن الله (مقاله)، أي متانة الله التي ترجم بها عن هود عليه السلام (بشرى) أيضا تنا (فكل العلم) بهاتين الترجمتين ("في صدور الذي أوتوا العلم"  "وما يجحد بها إلا الكافرون")، أي الساترون تلك الآيات بالجحود والإنكار .
قال رضي الله عنه :  (فإنهم يسترونها)، أي تلك الآيات (وإن عرفوها حسدا منهم)، على من تظهر فيه تلك الآيات (ونفاسة)، أي ضنا و بخلا على خزائن رحمة الله وعنايته أن يعطي غيرهم ما لم يعطهم (وظلما) على تلك الآيات وعلى من أتى بها وعنى أنفسهم أيضا.
قال رضي الله عنه :  (وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها) من مقام الجمع الإلهي (إو إخبار عنه) تعالى (أوصله إلينا) من مقام الفرق النبوي (فيما يرجع إليه)، أي في بيان معنى يرجع إليه من يتصف هو به .
قال رضي الله عنه :  (إلا) متلبسا (بالتحديد) والتقييد (تنزيها كان) مما يرجع اليه (أو غير تنزيه أوله)، أي أول ما يرجع إليه من الصنات (العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء وكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق) .
""أضاف المحقق : يشير المصنف الى حديث أبي رزين العقيلي :  
قلت: "يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال: هل ترون ليلة البدر القمر أو الشمس بغير سحاب؟
قالوا: نعم قال: فالله أعظم.
قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟
 قال: في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء". رواه ابن حبان في صحيحة وله شواهد وورد فى المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة  ""
 فالعماء لغة هو السحاب الرقيق الساتر لنور الشمس واصطلاحا ،

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم ذكر أنه استوى على العرش، فهذا أيضا تحديد.
ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد. ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا.
ونحن محدودون، فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله ليس كمثله شيء حد أيضا إن أخذنا الكف زائدة لغير الصفة.
ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود. فالإطلاق عن التقيد تقييد، والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم.
وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه، وإن أخذنا «ليس كمثله شيء» على نفي المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها.)
التعيين الجامع لجميع التعينات على سبيل الإجمال .
قال رضي الله عنه :  (ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا تحديد أيضا ثم ذكر أنه ينزل إلى سماء الدنيا فهذا تحديد) أيضا (ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض) كما قال تعالى، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، فهذا تحديد أيضا .
قال رضي الله عنه :  (و) ذكر (أنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عیننا ونحن محدودون فما وصف نفسه) في الصورة المذكورة (إلا بالحد وقوله : "ليس كمثله شئ") الذي هو بالغ في التنزيه (حد أيضا إن كانت الكاف زائدة لغير الصفة) فيكون المعنى ليس مثله شيء فقد تميز عن الأشياء المحدودة .
قال رضي الله عنه :  (ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين المحدود فالإطلاق عن التقييد تقیید) بالإطلاق (والمطلق) المقابل للمقيد (مقيد بالإطلاق لمن فهم وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه)، لأن في نفي مثل المثل إثبات المثل وهو تحديد.
قال رضي الله عنه :  (وإن أخذنا) قوله تعالى: ("ليس كمثله شئ" على نفي المثل) مطلقا سواء كانت الكاف زائدة وهو ظاهر أو غير زائدة على سبيل الكناية كما في قولك : مثلك لا يبخل.
(تحققنا)، أي علمنا حقيقة (بالمفهوم وبا لإخبار الصحيح أنه عين الأشياء). أما بالمفهوم فلأنه إذا نفي عن الأشياء مثليته يفهم منه بالمفهوم المخالف عينية .
وأما بالاخبار الصحيح فـ لقوله : "كنت سمعه وبصره" الحديث.

قال رضي الله عنه :  (والأشياء) كلها (محدودة وإن اختلفت حدودها فهو)، أي الحق سبحانه (محدود بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو)، أي ما يحد ذلك الشيء (حد للحق سبحانه
فهو)، أي الحق سبحانه 
قال الشيخ رضي عنه : ( فهو الله محدود بحد كل محدود.
فما يحد شيء إلا وهو الحق. فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود. فهو عين الوجود، «وهو على كل شيء حفيظ» بذاته، «ولا يؤده» حفظ شيء. فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه لصورته أن يكون الشي ء غير صورته.
ولا يصح إلا هذا، فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود.
فالعالم صورته، وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير.
فهو الكون كله ... وهو الواحد الذي )
بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو)، أي ما يحد ذلك الشيء (حد للحق سبحانه
فهو)، أي الحق سبحانه (الساري) بهويته العينية المطلقة (في مسمى المخلوقات) المسبوقة بالمدة والمادة (والمبدعات) الغير المسبوقة بشيء منها سريان المطلق في المقيد
قال رضي الله عنه :  (ولو لم يكن الأمر)، أي أمر سريان (كذلك)، أي بحيث يعم الكل (ما صح الوجود)، أي وجود حقيقة من الحقائق لا يكون إلا بسريانه فيها .
(فهو)، أي الحق سبحانه (عين الوجود) إذ ليس الوجود إلا ما تحقق الحقائق بسريانه فيها وإذا كان عين الموجود (فهو على كل شيء حفيظ) يحفظه عن الانعدام.
قال رضي الله عنه :  (بذاته)، أي حفظه للأشياء مقتضى ذاته ("ولا يؤده") ، أي لا يثقله ولا يتعبه (حفظ شيء)، إذ مقتضى ذات الشيء لا تثقله ولما كانت الأشياء صورته إذ المقيد صورة المطلق .
قال رضي الله عنه :  (فحفظه للأشياء كلها) عن أن تتقدم ظهوره لصورها (حفظه لصورته عن أن يكون الشيء غير صورته)، فإنه لما لم يكن الظاهر بصور الأشياء إلا شو فلا محالة لا تكون الأشياء غير صورته، فحفظه للأشياء على الوجه الخاص فيستلزم حفظها لها عن أن تكون غيره .
فيصح أن يقال : حفظه الأشياء حفظ لها عن أن يكون غير صورته (ولا يصح إلا هذا)، أي الشيء غير صورته، ولما كان المقيد صورة المطلق والصورة من حيث الحقيقة عين في الصورة و من حيث التعين غيره.
قال رضي الله عنه :  (فهو الشاهد من الشاهد) الذي هو بعض من صوره (وهو المشهود من المشهود) الذي هو بعض آخر من صوره وإذا كان بعض كل شيء صورته .
(فالعالم) بجميع أجزائه (صورته وهو)، أي الحق سبحانه (روح العالم المدبر له فهو)، أي العالم مع الروح المدبر له (الإنسان الكبير فهو)، أي الحق سبحانه (الكون كله)، أي الموجودات كلها لأنها 
قال الشيخ رضي عنه : (
قام كوني بكونه ... ولذا قلت يغتذي
فوجودي غذاؤه ... وبه نحن نحتذي
فبه منه إن نظرت ... بوجه تعوذي
ولهذا الكرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية من إيجاد صور العالم التي قلنا هي ظاهر الحق )

صوره، والصورة عين ذي الصورة بوجه (وهو الواحد الذي قام كوني بكونه)، أي وجودی بوجوده لظهوره بصورتي فأنا قائم موجود به وهو ظاهر بي (فلذا)، أي لقيام وجودي بوجوده بظهور وجوده بي.
قال رضي الله عنه :  (قلت بغندي)، أي يغتذي بي من حيث الظهور ظهوره متحقق وقائم بي كتحقق المغتذي وقيامه بالغذاء.
وفي بعض النسخ: وإذا قلت: يتغدي فهو شرط وجزاء قوله :
قال رضي الله عنه :  (فوجودي غذاؤه وبه)، أي بالحق سبحانه (نحتذي)، أي تغتذي فهو كما يغتذي بنا كذلك نحن نتغذى به لكن في الوجود والوجود کوجود المغتذي بالغذاء وإذا كانت الأشياء كلها عينه من حيث الحقيقة (فبه منه إن نظرت... بوجه)، أي بوجه الإطلاق والجمعية قال رضي الله عنه :  (تعوذي) كما قال صلى الله عليه وسلم : "وأعوذ بك منك ". رواه البيهقي وابن خزيمة فى صحيحه و ابن حبان وابن ماجة والمستدرك  .
"" الحديث : رسول الله وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» رواه مسلم ""

(ولهذا الكرب)، أي لكرب اندراج الكون كله في الحق سبحانه كما فهم من قوله وهو الكون كله (تنفس)، أي تجلى لإظهار ما في الباطن من أعيان العالم .
(فنسب) الحق سبحانه (النفس إلى) الاسم (الرحمن) على لسان نبينا .
حيث قال : "إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" .الطبراني و الجامع الصحيح للسنن والمسانيد.
وإنما نسب النفس إلى الاسم الرحمن لا إلى غيره من الأسماء (لأنه)، أي الحق سبحانه (رحم به)، أي بالرحمن (ما طلبته النسب)، أي الأسماء (الإلهية من ايجاد صور العالم) يعني صوره
الموجودة لأن متعلق الرحمة (التي) هي الوجود المنبسط على الماهيات إنما هو الصور الموجودة التي (قلنا هي)، أي صور العالم
قال الشيخ رضي عنه : ( إذ هو الظاهر، وهو باطنها إذ هو الباطن، و هو الأول إذ كان و لا هي، و هو الآخر إذ كان عينها عند ظهورها.
فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول، « وهو بكل شيء عليم» لأنه بنفسه عليم.
فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم فانتسبوا إليه تعالى فقال: «اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي» أي آخذ عنكم انتسابكم إلى أنفسكم وأردكم )

قال رضي الله عنه :   (ظاهر الحق إذ هو)، أي الحق (الظاهر وهو)، أي الحق (باطنها)، أي باطن تلك الصور .
قال رضي الله عنه :  (إذ هو)، أي الحق (الباطن) فظاهرية الحق إنما هي باعتبار ظهوره بصور العالم و باطنيته باعتبار بطونه فيها .
قال رضي الله عنه :  (وهو الأول إذ كان) هو (ولا هي) إذ كان الحق ولم يكن صور العالم
كما قال صلى الله عليه وسلم  : "كان الله ولا شيء معه" . فهو متقدم عليها وهذا التقدم، وهو المراد بالأولية.
الحديث أورده الحافظ ابن حجر فى فتح الباري وله شواهد  بصحته.

"" أضاف الجامع : الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس يسألون حتى يقولوا: كان الله قبل كل شيء فما كان قبله؟ . مسند أحمد و مسند البزار و ابن عساكر والسيوطي فى جمع الجوامع.
وأيضا حديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبلوا البشرى يا بني تميم» . قال: قالوا: قد بشرتنا فأعطنا. قال : «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن» .
قال: قلنا: قد قبلنا، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان؟
قال: «كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح ذكر كل شيء» مسند أحمد و ابي نعيم فى الحلية و الإبانة الكبرى لابن بطة و المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة. ""

قال رضي الله عنه :   (وهو) سبحانه (الآخر إذ كان عينها)، أي عين صور العالم (عند ظهورها) ولها التأخر فهو باعتبار ظهوره بها له الآخر به (فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول) هذا باعتبار التنزل من الحق إلى الخلق .
وأما باعتبار الترقي من الخلق إلى الحق فالآخر عين الباطن والظاهر عين الأول.
قال رضي الله عنه :  ("وهو بكل شيء عليم" لأنه بنفسه عليم) * [البقرة : 92]، وعلمه بنفسه عين علمه بالعالم (فلما أوجد) الحق سبحانه (الصور) التي هي عين العالم روحانية كانت أو جسمانية (في النفس) الرحماني الذي هو هيولى بصور الحروف والكلمات والكلام (وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء) .
لوجود مجالي تصرفاتها (صح النسب الإلهي للعالم)، أي أنساب العالم إلى الحق سبحانه بأنه مخلوق و مربوب له .(فانتسبوا)، أي أهل العلم إليه تعالی .
فقال تعالى: "يوم القيامه" ("اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي" أي أخذ عنكم انتسابكم)، أي انتسابكم ذواتكم وصفاتكم وأفعالكم . الحديث رواه الطبراني في الصغير و الحاكم في المستدرك 
قال الشيخ رضي عنه : ( إلى انتسابكم إلى.  أين المتقون؟
أي الذين اتخذوا الله وقاية فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة، وهو أعظم الناس وأحقه وأقواه عند الجميع.
وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية للحق بصورته إذ هوية الحق قوى العبد. فجعل مسمى العبد وقاية لمسمى الحق على الشهود حتى يتميز العالم من غير العالم.
«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)   
قال رضي الله عنه :  (إلى أنفسكم و أردكم إلى انتسابكم إلى) فترون ذواتكم عين ذواتي وصفاتكم عين صفاتي وأفعالكم عين أفعالي ولا تنسبوها إلا إلى.
قال رضي الله عنه :  (أين المتقون أي الذين اتخذوا الله وقاية) لأنفسهم حيث تحققوا بفناء أنياتهم وحقائقهم فكيف بفناء صفاتهم وأفعالهم (فكان الحق ظاهرهم، أي عين صورهم) العلمية والعينية (الظاهرة) أو ظهور العينية فـ بالنسبة إلى الصور العلمية.
وأما ظهور الصور العلمية فـ بالنسبة إلى ما هي صور له وهو الشؤون الذاتية وإنما كان الحق ظاهرهم، لأنه وقاية لهم والوقاية ظاهر من يسترها وهو باطنها.
والمراد بصورهم الظاهرة ما يعم القوى الظاهرة وما يعم القوى الظاهرة والباطنة ، بل الأعيان وباطنة فكلها صور ظاهرة الثابتة فإنها وإن كانت منقسمة إلى ظاهره - بالنسبة إلى أعيانهم الثابتة التي هي أيضا ظاهرة بالنسبة إلى الأسماء الإلهية وهي بالنسبة إلى عين الذات المجهول النعت.

قال رضي الله عنه :  (وهم)، أي المنقون بالمعنى المذكور حيث عرفوا فناءهم الأصلي فكان الحق وجوداتهم الظاهرة وأعيانهم الباطنة لفناء أنياتهم وحفائفهم فكيف بصفاتهم وأفعالهم، فهم الشاهدون له بذاته المشاهدون لجماله بعينه فهم (أعظم الناس) قدرة (وأحقهم) وجودة وقربا (وأقواهم) صفة وفعلا .
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وهو أعظم الناس بإفراد الضمير حملا على المعنى، أي المتقي أعظم الناس موافقة لقوله: (وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية اللحن بصورته) المحسوسة المشهودة لا بقواه الباطنة فيها (إذ هوية الحق) التي يكون العبد بصورته وقاية لها هي (قوى العبد) الباطنة فكيف يكون العبد بقواه الباطنة التي هي عين هوية الحق وقاية لها.

قال رضي الله عنه :  (فجعل مسمى العبد) بصورته المشهودة (وقاية بمسمى الحق)، الذي هو عين قوى الحق الباطنة فكل واحد من هذا الاتحاد والجعل إنما اعتبر إذا كانا مبنيين (على الشهود)، أي المشاهدة والكشف لا على الاستدلال والتقييد.
قال رضي الله عنه :  (حتى يتميز العالم) بالعلم الشهودي (من غير العالم) على هذا الوجه فغير العالم يشمل المستدل والمقلد كليهما .
قال رضي الله عنه :  ("هل يستوي الذين يعلمون ") الأمر على ما هو عليه علما شهوديا ("والذين لا يعلمون") الأمر كذلك 
قال الشيخ رضي عنه : (  إنما يتذكر أولوا الألباب» وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء. فما سبق مقصر مجدا كذلك لا يماثل أجير عبدا.
وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه والعبد وقاية للحق بوجه.
فقل في الكون ما شئت: إن شئت قلت هو الخلق.
وإن شئت قلت هو الحق.
 وإن شئت قلت هو الحق الخلق.
وإن شئت قلت لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه.
وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب.
ولو لا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول )

قال رضي الله عنه :  ("إنما يتذكر") بأمثال هذه العلوم ("أولوا الألباب") [الزمر: 9] المذكورة هذه العلوم وأمثالها في أصل فطرتهم (وهم الناظرون بعين الكشف) والمشاهدة بعد تصفية قلوبهم وتخليتها بالكلية عن الصور الكونية .
قال رضي الله عنه :  (في لب الشيء الذي هو المطلوب من) ذلك (الشيء) وهو الاسم الإلهي الذي يكون المقصود من وجود ذلك الشيء مظهريته .
قال رضي الله عنه :  (فما سبق مقصر) في هذه التصفية (مجدا) فيها بل لم يتحق، (كذلك لا يماثل أجير) يعمل للأجرة (عبدا) يعمل للعبودية فإن الأجير عند أجرته بتصرف من باب المستأجرة عند وصولها والعبد ملازم لباب سيده غير منصرف عنه على حالي أصلا فكذلك بعبدا الحق لمحض العبودية ليس من بعبده للفوز بالجنة والنجاة من النار.
قال رضي الله عنه :  (وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه) وهو وجه ظاهريه الحق للعبد (والعبد وقاية للحق بوجه) وهو وجه کون العبد ظاهرا للحق.
(فقل في الكون)، أي الموجودات الكائنة (ما شئت إن شئت قلت : هو الخلق) باعتبار كون الخلق ظاهرا والحق باطنا.
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت: هو الحق)، باعتبار کون الحق ظاهرا والخلق باطنا .
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت : هو الحق والخلق) بالاعتبارين .
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت لا حق من كل وجه)، لأنه بأحد الوجهين (ولا خلق من كل وجه)، لأنه بأحد الوجهين حق.
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت : بالحيرة في ذلك) لعدم التمييز بين الوجهين.
(فقد بانت)، أي ظهرت هذه (المطالب) المذكورة المفصلة (بتعينك) بحسب استعدادك وسلوكك (المراتب) فإن كنت في مرتبة قرب النوافل قلت : هو الخلق.
وإن كنت في مرتبة قرب الفرائض قلت : هو الحق.
وإن كنت في مرتبة الجمع بينهما قلت : هو الحق الخلق.
وإن كنت في مرتبة التحقيق والتمييز بين المراتب الإلهية والخلفية 
قال الشيخ رضي عنه : (  الحق في الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه.
فلا تنظر العين إلا إليه ... و لا يقع الحكم إلا عليه
فنحن له وبه في يديه ... و في كل حال فإنا لديه
لهذا ينكر ويعرف وينزه ويوصف.   
قلت : لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه. وإن كنت في مرتبة العجز وعدم التمييز قلت: بالحيرة.
ثم أنه رضي الله عنه أكد ما بصدد بيانه من أن كل ما ورد من عند الله فيما يرجع إليه إنما ورد بالتحديد بقوله : (ولولا التحديد) واقعة في نفس الأمر (ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصورة) بانخلاعه عن صورة وتلبسة بأخرى .
كما جاء في الحديث الصحيح:" أن الحق تعالى يتجلى يوم القيامة للخلق في صورة منكرة فيقول:" أنا ربكم الأعلى " [النازعات : 24].
فيقولون: "نعوذ بالله منك فيتجلى في صورة عقائدهم فيسجدون له" .

""حديث البخاري ومسلم : قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله.
 قال: " فإنكم ترونه، كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم.
فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم، سلم...الى آخر الحديث . رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم "".

قال رضي الله عنه :  (ولا وصفته الرسل بخلع الصور عن نفسه) بأن ينخلع عن الصور كلها فيحدد بتقييده بانخلاعه عنها وإذا كان الحق سبحانه ظاهرة في كل محدود و شاهد في كل مشهود قال رضي الله عنه :  (فلا تنظر العين)، أي عين البصر والبصيرة في المظاهر الصورية والمجاني المعنوية (إلا إليه) سبحانه (ولا يقع الحكم) الواقع من كل حاكم يحكم على تلك المظاهر والمجالي بأي حكم كان.
(إلا عليه) لأنه هو الظاهر فيها والظاهر عين المظهر من وجه.
قال رضي الله عنه :  (فنحن) عبيد (له) قائمون (به) حال كوننا مأسورين (في يدیه) يتصرف فينا كيف يشاء.
(وفي كل حال) يحولنا إليها (فإنا) حاضرون (لديه) لا ينفك عنا ولا نفك عنه كما قال تعالى : "وهو معكم أين ما كنتم " [الحديد: 4].
قال رضي الله عنه :  (ولهذا)، أي لاختلاف ظهوراته وتعدد مظاهره (ينکر) تارة فيما ينكر من المظاهر (ويعرف) أخرى فيما يعرف منها (و) 
قال الشيخ رضي عنه : (  فمن رأى الحق منه فيه بعينه فذلك العارف.
ومن رأى الحق منه فيه بعين نفسه فذلك غير العارف.
ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه بعين نفسه فذلك الجاهل.
وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها :
فإذا تجلى له الحق فيها عرفه و أقر به، و إن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه فلا يعتقد معتقد إلها إلا بما جعل في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما )

كذلك ينزه فيما (ينزه) من المظاهر المنزهة (ویوصف) بما تنزه عنه تلك المظاهر في مظاهر أخر.
أو نقول معناه ينكر في بعض المظاهر بأن يكون ذلك البعض ممن نكره ويعرف في بعضها بأن يكون ذلك البعض من القائلين بالتنزيه .
ويوصف، أي يشبه في بعض المظاهر إذا كان من القائلين بالتشبيه أو نقول معناه ينكر إذا کان متجليا في غير صورة معتقد المتجلى له.
ويعرف إذا كان على صورة معتقده وينزه إذا كان اعتقاده التنزيه ، ويوصف إذا كان اعتقاده التشبيه .

.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت أغسطس 03, 2019 6:17 pm

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية الجزء الثالث .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الهودي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية  الجزء الثالث
قال رضي الله عنه :  (فمن رأى الحق) رؤية منشأة (منه)، أي من الحق بأن يكون الرائي هو الحق (فيه)، أي في الحق بأن يكون المجلي أيضا الحق سبحانه (بعينه)، أي بعين الحق بأن تكون آلة الرؤية عين الحق لا عين نفسه.
قال رضي الله عنه :  (فذلك) الرائي هو (العارف ومن رأى الحق منه بعين نفسه فذلك غير العارف) الذي يعرف الحق بجميع اعتباراته.
فإنه وإن كان عارف بأن الراني والمجلى هو الحق لكنه لم يعرف أن عينه عین الحق، بل توهمها غيرها وتخيل أنه رآها بذلك الغير وليس هذا من مقتضیات المعرفة .
لأن العارف يعلم أن الحق لا يراه إلا عينه (ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه) في الآخرة (بعين نفسه) لا بعين الحق.
قال رضي الله عنه :  (فذلك الجاهل)، فإنه ما رآه في هذه البشارة وما أنتظر رؤيته في الآخرة على ما هو الأمر عليه في نفسه . فإن رؤيته في الآخرة تكون بعين الحق لا بعين الرائي.
قال رضي الله عنه :  (وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه برجع بها)، أي بتلك العقيدة (إليه) سبحانه إذا رجع إليه دنيا وأخرى (ویطلبه فيها)، أي في تلك العقيدة إذا طلبه.
(فإذا تجلى له الحق فيها)، أي في صورة عقيدته (عرفه) أنه ربه (وأقر به).
قال رضي الله عنه :  (وإن تجلى له في غيرها)، أي في غير صورة عقيدته (أنكره). ولم يعرفه (وتعوذ منه) أن يعتقده ربه (وأساء الأدب عليه في نفس الأمر) بنفي كونه ربه فإنه من بعض تجلياته (وهو عند نفسه أنه تأدب معه) حيث نفى عنه ما لا يليق به في زعمه.
قال رضي الله عنه :  (فلا يعتقد معتقد) من المحجوبين (إلها) إلا بما جعل، أي (إلا بجعله له في نفسه) وخلقه فيها فإن أصحاب الاعتقادات لا يعتقدون  

قال الشيخ رضي عنه : (  رأوا إلا نفوسهم و ما جعلوا فيها.
فانظر: مراتب الناس في العلم بالله تعالى هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة.
وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك . فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه. فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد فإنه يقول «فأينما تولوا فثم وجه الله» وما ذكر أينا من أين. ) 

بالألوهية إلا الاعتقادية المجعولة في أنفسهم التي جرموا بها واعتقدوا حنينها وبطلان ما يغادرها قال رضي الله عنه :  (فالإله في الاعتقادات) المنضوية على عقد القيود وهي اعتقادات المحجوبين لا تكون (إلا بالجعل فما رأوا) حين رأوا إلههم.
قال رضي الله عنه :  (إلا نفوسهم وما جعلوا فيها) من الصور الاعتقادية التي توهموا أن إلههم عليها فهذه الصور الاعتقادية وإن كانت الأصنام المتخذة في الجعل والتعمل .
لكن الحق سبحانه بسعة رحمته ينفخ فيها روح الحقية فرحم العائدين إليها بسبب صحة معاملاتهم معها على أمر ما أمروا به مع الحق الظاهر في تلك الصور الغير المحصورة فيها .

قال رضي الله عنه :  (فانظر مراتب الناس في العلم بالله) في هذه النشأة (هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة) فمن اعتقده منحصرا في صورة مخصوصة لا يراه يوم القيامة إلا فيها.
ومن لم يقيده برؤية مخصوصة واعتقد أنه المتجلي في كل الصور لا غير عرفه في كل صورة يراه .

قال رضي الله عنه :  (وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك)، أي لكون مراتب العلم غير مراتب الرؤية وذلك السبب المعلم به هو رجوع كل واحد إلى صورة معتقده، فمن کان سورة معتقده مقيدة لا يرى الحق إلا فيها، ومن لم تكن صورة معتقده مقيدة بل معلقة يراه في كل صورة.
قال رضي الله عنه :  (وإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير کبیر) وهو شهوده سبحانه فيما كفرت به (بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه السلام) فإنه غير محصور فيما قيدته به وكفرت بما سواه .
بل هو شامل للكل ظاهر في الجميع من غير تقييد .

قال رضي الله عنه :  (فكن في نفسك هیوای) قابلة (لصور المعتقدات كلها) وأقبل كل صورة ترد عليك وأعتقد أنها بعض مجانيه وهو غير منحصر فيها .
قال رضي الله عنه :  (فإن الإله) الحق تعالى (أوسع وأعظم) من (أن يحصره عقد دون عقد فإنه) تعالى (يقول: "فأينما تولوا فثم وجه الله " وما ذكر أينا)

قال الشيخ رضي عنه : (  وذكر أن ثم وجه الله، ووجه الشيء حقيقته.
فنبه بذلك قلوب العارفين لئلا تشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض، فقد يقبض في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على حضور.
ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا يلزم في الصورة الظاهرة والحال المقيدة التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته، و هو بعض مراتب وجه لحق من «فأينما تولوا فثم وجه الله». فشطر المسجد )
مميزة إياه (من أين) آخر (و) ما (ذكر أن ثمة)، أي في الأين الأول مثلا ("وجه الله") دون ألأين الآخر (ووجه الشيء حقيقته) فتكون حقيقة الحق سبحانه متجلية في كل أين وظاهرة في كل عين .
قال رضي الله عنه :  (فنبه بهذا) الذي ذكر (قلوب العارفين) على شمول وجه المطلق على كل أين وعين.
(لنلا يشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا) الوجه المطلق الغير المقيد بأين دون أين .
بل يستحضرونه في كل ما يرد عليهم من عوارض الحياة الدنيا فيحظون بالعلم الأتم والشهود الأعم .
كما أشار إليه الشيخ رضي الله عنه بقوله:
عقد الخلائق في الإله عقائدا     ……. وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
قال رضي الله عنه :  (فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض) فيستحضره في ذلك النفس وإذا لم يدر في أي نفس يقبض ولم يستوعب أستحضاره جميع الأنفاس (فقد بقبض) بعضهم في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على صفة (حضور) .
فإن الأول يحشر وجهه إلى غير الحق سبحانه فيستحق البعد والطرد .
والثاني بحشر ووجهه إلى الحق سبحانه مشاهد إياه فيسعد بالسعادة العظمى والمثوبة الكبرى .
قال رضي الله عنه :  (ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا)، أي بعدم انحصار الحق في أبنية خاصة وجهة معينة (يلزم)، أي يلازم في الصورة الظاهرة الحسية اللدنية لا في الصورة الباطنة القلبية الروحية .
قال رضي الله عنه :  (و) في (الحالة المقيدة) المخصوصة التي حالي الصلاة (التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام) انقيادا لأمر الحق سبحانه واتباع لشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم (ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته) غير منحصر فيها .
"" أضاف المحقق : حديث البخاري ومسلم :  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى الله عليه وسلم" . ورواه غيرهما""
قال رضي الله عنه :  (وهي)، أي قبلته (بعض مراتب) ظهور (وجه الحق) المفهومة من قوله تعالى: ("فأينما تولوا فثم 
قال الشيخ رضي عنه : (  الحرام منها، ففيه وجه الله.
ولكن لا تقل هو هنا فقط، بل قف عند ما أدركت و الزم الأدب في الاستقبال شطر المسجد الحرام و الزم الأدب في عدم حصر الوجه في تلك الأبنية الخاصة، بل هي من جملة أينيات ما تولى متول إليها. فقد بان لك عن الله تعالى أنه في أينية كل وجهة، و ما ثم إلا الاعتقادات.
فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي عند ربه )
 
وجه الله "، فشطر المسجد الحرام منها)، أي من تلك المراتب (ففيه)، أي في شطر المسجد الحرام ("وجه الله") وحقيقته لكنه غير منحصر فيه كما أشار إليه بقوله (و لكن لا تقل هو ههنا)، أي في شطر المسجد الحرام (فقط) وما أحسن ما قيل:
لا تقل دارها شرقي نجد    …… کل نجد للعامرية دار
فلها منزل على كل ماء    ….. وعلی کل دمنة آثار
قال رضي الله عنه :  (بل قف عندما أدركت) من كتابه سبحانه ولا يتجاوزه (والزم الأدب) ظاهرا (في الاستقبال شطر المسجد الحرام) ولا تتجاوزه .
كما أدركت من قوله تعالى : "فول وجهك شطر المسجد الحرام " [البقرة: 144]، (و) كذلك (الزم الأدب) باطنا (في عدم حصر الوجه في تلك الأينية خاصة) أو الجهة المنسوبة إلى الأين المسؤول عنها التي هي شطر المسجد الحرام ما أدركت من قوله تعالى : "فأينما تولوا فثم وجه الله".
قال رضي الله عنه :  (بل هي)، أي تلك الأينية الخاصة من جملة أينيات ما تولى متولي إليها، أي (من جملة أينيات) وجهات (ما تولی متول إليها) .
فقوله : أينيات بالتنوين و لفظة ما زائدة (فقد بان)، أي ظهر (لك عن الله) بهذه الآية (أنه في أينية كل وجهة) يتوجه إليها.
قال رضي الله عنه :  (وما ثمة) أي عند التولي إلى أينية كل وجهة (إلا الاعتقادات)، أي اعتقادات أن ثمة وجه الله ، فإن تلك الأينيات إن كانت أينية معنوية .
فالقول إليها عین اعتقادات وجه الله فيها ، وإن كانت صورته فالتولي إليها صورة لا تكون إلا بعد اعتقاد أن فيها وجه الله . 
فالاعتقاد الذي هو التولي المعنوي لازم على كل تقدير بخلاف التولي الصوري، فإنه غير لازم بل غير صحيح إذا كانت الأينية المتوجه إليها من الجهات المعنوية.
فليس عند التولي إلى الأينيات على وجه العموم واللزوم إلا الاعتقادات، فالاعتقاد أيضا تولي، فكل ما يعتقده المعتمدون یکون من الأينيات التي أخبر الله سبحانه بأن ثمة وجه الله (فالكل) من المعتقدين.
أي اعتقاد کان (مصيب) في اعتقاده ، لأن اعتقاده مما تولى إليه متول (وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي) عند ربه فكل من المعتقلين في الله ، أي اعتقاد كان مرضي عند ربه
قال الشيخ رضي عنه : (  وإن شقي زمانا ما في الدار الآخرة.
فقد مرض وتألم أهل العناية- مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق- في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم .)
قال رضي الله عنه :  (وإن شقی زمانا في الدار الآخرة)، فإن الشقاوة في بعض الأزمنة لا ينافي السعادة المطلقة (فقد مرض) ، أي فإنه قد مرض .
قال رضي الله عنه :  (وتألم أهل العناية) ولا شك أن كل واحد من المرض والتألم شقاوة (مع علمنا بأنهم سعداء أهل الحق في الحياة الدنيا) قوله : في الحياة الدنيا ، متعلق بقوله : مرض وتألم. أي فكذلك من عباد الله من تدركهم الآلام في الحياة الدنيا .
قوله : في الحياة الدنيا، متعلق بقوله : مرض وتألم (فمن عباد الله)، أي فكذلك من عباد الله ( من تدركهم الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى بجهنم ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر)، أي أمر دار جهنم .
قال رضي الله عنه :  (على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعیم خاص بهم)، لا يتجاوز إلى أهل الجنة وذلك النعيم الخاص (إما) يكون (بفقد ألم كانوا يجدونه) أو (فارتفع عنهم) آخرا (فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم) وخلاصهم عنه.
قال رضي الله عنه :  (أو يكون نعیم) وجودي (مستقل زائد) على الراحة والخلاص من الألم (کنعيم أهل الجنان في الجنان) فإن نعيمهم لیس مجرد خلاصهم عن ألم العذاب بل أمور زائدة عليه كما أخبرت به الشريعة الحقة.
(والله أعلم) بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل .

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 11 - شرح نقش فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 9:17 pm

11 - شرح نقش فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

11 - شرح نقش فصّ حكمة فاتحيّة في كلمة صالحيّة
فقال الشيخ رضي الله عنه : ( لما أعطيت الحقائق أن النتيجة لا تكون إلا عن الفردية والثلاثة أو الأفراد .
جعل الله إيجاد العالم عن نفسه وإرادته وقوله ....
والعين واحدة والنسب مختلفة .... )

لمّا كان «الفتوح» عبارة عن حصول شي‏ء ممّا لم يتوقّع ذلك منه، نسب رضى الله عنه حكمته إلى كلمة صالح عليه السلام، لخروج الناقة- التي هي معجزته- من الجبل و هو ممّا لم يتوقّع خروجها منه. و أيضا لمّا كان "الفتوح" مأخوذا من «الفتح»- إذ هو جمعه، كـ «العقول» لـ «لعقل» و "القلوب" لـ «لقلب».
و صالح مظهر الاسم «الفتّاح» لذلك انفتح له الجبل، فخرج منه الناقة و هو من جملة مفاتيح الغيب، قرن الحكمة الفتوحية إلى كلمته و بيّن فيها الإيجاد و كونه مبنيا على الفردية.
و إنّما قال، «فتوحية»، و لم يقل، «فاتحية»، لأنّ الفتوح أنواع عددها عدد مفاتيح الغيب فراعى في ذلك الأدب الإلهي و قصد الموافقة للحقّ سبحانه في التنبيه على البدء الايجادى من الغيب الذاتي و الوجود المطلق الاحاطى.
(لما أعطت الحقائق)، و اقتضت معرفتها على ما هي عليه، (أن النتيجة) ذهنا و خارجا (لا تكون)، أي لا توجد، أو لا تكون صادرة، (الا عن الفردية) العددية .
التي هي عدم الانقسام بمتساويين عمّا من شأنه الانقسام، (و الثلاثة أول الافراد)
و أقلّ ما به يتحقّق الفردية التي شرطت في ظهور النتيجة- ضرورة أنّ الفردية بالتفسير المذكور لا تشتمل الواحد، (جعل الله سبحانه ايجاد العالم) عن أمور ثلاثة:
(نفسه)، أي ذاته، و ارادته، التي هي نسبة التوجّه بالتخصيص لتكوين أمر ما،
(و قوله)، الذي هو مباشرة الأمر الايجادى بمعنى كلمة «كن».
(و العين)، يعنى الهوية الإلهية في هذه الصور، واحدة وحدة حقيقية و النسب و الاعتبارات (مختلفة) متكثّرة كثرة اعتبارية، فانّها باعتبار ظهورها في حالة من أحوالها التي تستلزم تبعية الأحوال الباقية لها تسمّى «ذاتا»، و باعتبار التوجّه التخصيصى المذكور «مريدا».
و باعتبار مباشرتها للإيجاد بكلمة «كن» " قائلا".
فقال الشيخ رضي الله عنه : (" إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ " [النحل : 40] .
ولا يحجبنك تركيب المقدمات في النظر فب المعقولات فإنها وإن كانت أربعة فهي ثلاثة لكون المفرد الواحد من الأربعة يتكرر في المقدمتين . فافهم .
فالتثليت معتبرٌ في الإنتاج والعالم نتيجة بلا شك . )

فقال سبحانه و تعالى مشيرا إلى الأمور الثلاثة: («إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ». )
فأشار إلى الذات في ثلاثة مواضع و إلى الإرادة في موضع واحد و إلى القول في موضعين.
و في تكرير الذات في المواضع الثلاثة إشارة إلى اعتباراتها الثلاثة مع وحدة العين .
و في الدلالة عليها آخرا بالضمير المستتر في القول إيماء إلى استتارها بصورة الشي‏ء المراد تكوينه عند تعلّق القول به.
و لمّا كان الذات و الإرادة في التكوين بمنزلة المادّة التي بها الشي‏ء بالقوّة، و القول بمنزلة الصورة التي بها الشي‏ء بالفعل، وقع ذكر القول مرّتين، ضرورة أنّ الصورة من الشي‏ء التي هي الغاية للحركة الايجادية لها تكرّر: تقدّم ذاتى أوّلا على الكل و تأخّر رتبى ثانيا عنه.
ثمّ اعلم أنّه كما ظهرت الفردية الثلاثية في جانب المكوّن الموجد سبحانه، كذلك ظهرت في جانب الشي‏ء المراد تكوينه:
و هي شيئيّته الثبوتية بأزاء ذاته سبحانه، و سماعه أمر «كن» بأزاء إرادته، و قبوله، و امتثاله لما أمر به من التكوّن بأزاء قوله.

(و لا يحجبنك)، أي لا يمنعنّك عن التصديق بما قلنا من اشتراط الفردية في صدور النتيجة، (تركيب المقدمات) المنتجة من أربعة أجزاء (في النظر) الفكرى (في المعقولات، فإنها)، أي تلك المقدّمات، (و ان كانت) بحسب الأجزاء (أربعة)، ضرورة تركّب كلّ من مقدّمتى القياس من أمرين محكوم عليه و محكوم به.
(فهي) في الحقيقة ثلاثة، (لكون المفرد الواحد) من تلك (الأربعة) و هو الحدّ الأوسط (يتكرر في المقدمتين)، أي الصغرى و الكبرى. و التكرار لا يخلّ بوحدته في نفسه، فيرجع إلى ثلاثة أجزاء الحدّ، الأصغر و الأكبر و الأوسط.
(فافهم) ذلك. فالتثليث معتبر في الإنتاج، ذهنا كان أو خارجا، و العالم نتيجة بلا شك. فالتثليث معتبر في ما ينتجه، كما سبق

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 12 - شرح نقش فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 9:18 pm

12 - شرح نقش فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

12 - نقش فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
اعلم أن القلب وإن كان موجوداً من رحمة ٍ فإنه أوسع من رحمة الله. لأن الله أخبر أن قلب العبد وسعه [ووسعني قلب عبدي .. ] ورحمته لا تسعه.
فإنها لا يتعلق حكمها إلا بالحوادث.
وهذه مسألة عجيبة إن عُقلت، وإذا كان الحق كما ورد في الصحيح يتحول في الصور مع انه في نفسه لا يتغير من حيث هو.
فالقلوب له كاشكال الأوعية للماء يشكل بشكلها مع كونه لا يتغير عن حقيقته. فافهم.
ألا ترى أن الحق كل يومٍ هو في شأن.
كذلك القلب يتقلب في الخواطر.
ولذلك قال: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " [ق: 37].
ولم يقل، عقل، لأن العقل يتقيد بخلاف القلب. فافهم.
 
إنّما خصّت الحكمة القلبية بالكلمة الشعيبية لأمرين:
أحدهما رعاية المفهوم من اسمه عليه السلام، و هو «التشعيب»، فانّ شعيبا عليه السلام كان من العرب، و اسمه اسم عربى كذا ورد في النقل أنّ هودا و صالحا و شعيبا و يونس و لوطا كانوا من العرب.
و بالجملة، فلمّا كان القلب منبع الشعب المنبثّة في أقطار البدن الإنساني- بل في سائر الحيوانات التامّة الخلقة و هو أوّل ما يتكوّن من الإنسان و الحيوان- و كان شعيب عليه السلام أيضا كثير الشعب لكثرة نتائجه و أولاده، ناسب التخصيص المذكور.
و الأمر الآخر أنّه كان الغالب على شعيب عليه السلام الصفات القلبية من الأمر بالعدل و إيفاء الكيل و الوزن بالقسط. و القلب هو مظهر العدل و صورة أحدية الجمع بين الظاهر والباطن واعتدال البدن وعدالة النفس، ومنه يصل الحياة والفيض إلى جميع الأعضاء على السوية بمقتضى العدل.
وله أحدية جمع القوى الروحانية والنفسانية و البدنية.
ومنه ينشعب هذه القوى بالقسطاس المستقيم و تتوزّع على كل عضو عضو بمقتضى استعداده و قوّة قبوله، و يأتى المدد إليها دائما على نسبة محفوظة القدر بالعدل.
و له إيفاء كل ذى حق حقّه.
(اعلم أن القلب)، يعنى قلب العارف باللَّه، لأنّ قلب غيره لا يسمّى‏ «قلبا» في عرفهم إلّا مجازا، كما قيل، وإنّما قلنا «باللَّه» لأنّ قلب العارف بغيره من الأسماء ليس له السعة المذكورة فيما بعد.

(و ان كان)، أي القلب، (موجودا من رحمة الله)، أي الوجود المفاض عنه على عباده، أو ما به يتعطّف عليهم و يشفق عليهم و يرحمهم، فيهب لهم الوجود، فإنه، أي القلب، أوسع من رحمة الله، لان الله أخبر على لسان رسوله صلّى الله عليه و سلم في حديث قدسي أن قلب العبد وسعه جمعا و تفصيلا.
حيث قال سبحانه، «ما وسعني»، أي من حيث مرتبتي جمعى و تفصيلى، «أرضى»، أي الأجسام السفلية، «و لا سمائى»، أي الأرواح العلوية، «و وسعني» من حيثهما «قلب عبدى المؤمن، فانّه يتقلّب معى و فىّ و بى و لي بحسب تقلّبى في الشؤون».
و رحمته لا تسعه إلّا في مرتبة تفصيله، فإنها، أي الرحمة، لا يتعلق حكمها الا بالحوادث، التي هي مرتبة تفصيله.
فان قيل، «رحمته تسع القلب، و القلب لا يسع نفسه، فلا يكون القلب أوسع» قلنا، «القلب يسع نفسه من حيث الاحاطة العلمية، و كيف لا، و قد وسع الحق جمعا و تفصيلا، فلا يشذّ عنه شي‏ء من الموجودات.»
(و هذه،) أي كون القلب أوسع من رحمة الله سبحانه، مسألة عجيبة و فائدة غريبة ان عقلت و فهمت منها المراد و استفدت منها ما ينبغي أن يستفاد. و الله ولى الرشاد و الموفّق للسداد.
اعلم أنّ لكل قلب خمسة أوجه:
وجه مواجه حضرة الحق سبحانه ، لا واسطة بينه و بين الحق .
و وجه يقابل به عالم الأرواح، و من جهته يأخذ من ربّه ما يقتضيه استعداده بواسطة الأرواح
و وجه يختصّ بعالم المثال، و يحتظى منه بمقدار نسبته من مقام الجمع و بحسب اعتدال مزاجه و أخلاقه و انتظام أحواله في تصرّفاته و حضوره و معرفته. 
و وجه يلي عالم الشهادة و يختصّ بالاسم «الظاهر» و «الآخر»،
و وجه جامع يختصّ بأحدية الجمع، و هي التي تليها مرتبة الهوية المنعوتة بالأوّلية و الآخرية و الظهور و البطون و الجمع بين هذه النعوت الأربعة.
ولكل وجه مظهر من الأناسى والذي هو صورة قلب الجمع والوجود، كنبيّنا صلّى الله عليه و سلّم، فانّ مقامه نقطة وسط الدائرة الوجودية.


فوجوه قلبه الخمسة تواجه كلّ عالم و حضرة و مرتبة و تضبط أحكام الجميع و تظهر بأوصافها كلها بالوجه الجامع المنبّه عليه آنفا.
و إذا عرفت هذا، فنقول، أعظم الأشياء الموصوفة بالسعة من جانب الحق و الرحمة و القلب الإنساني و العلم، فانّه قال في سعة الرحمة، «وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ».
و قال في الرحمة و العلم معا بلسان الملائكة، «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً»، و قال في سعة القلب الإنساني، «ما وسعني أرضى و لا سمائى، و وسعني قلب عبدى المؤمن» الحديث.
و لا شك أنّ بين سعة كل واحدة من هذه الثلاثة و بين الآخرين تفاوتا لا يعرف حقيقته ما لم يعرف حقيقة الرحمة و أحكامها و حقيقة العلم و كيفية تعلّقه بالمعلومات و حقيقة القلب الذي وسع الحق.
فلنبدأ- بتأييد الله و إمداده- بذكر سعة العلم الذاتي الإلهي و تعلّقه بالحق و بالمعلومات، فنقول، اعلم أنّ تعلّق علم الحق بذاته على نوعين، و كذلك تعلّقه بالمعلومات:
فانّ للحق تعيّنا في عرصة تعقّله نفسه، و لهذا التعيّن الإطلاق بالنسبة إلى تعيّن كل شي‏ء في علم كل عالم و بالنسبة إلى تعيّن الحق في تعقّل كل متعقّل، فعلمه سبحانه يتعلّق من حيث تعيّنه في نفسه و من حيث تعيّنه في تعقّل كل متعقّل.
و يتعلّق علمه تعالى أيضا بذاته على نحو آخر، و هو معرفته بذاته من حيث إطلاقها و عدم انحصارها في تعيّنها في نفسها.
و هذه المعرفة هي معرفة كلية جملية.
و يتعلّق علمه بالمعلومات أيضا على نحوين: 
أحدهما باعتبار تعيّنها في علمه و تعقّل امتياز بعضها عن بعض، غير أنّ هذا النحو من التعلّق العلمي لا يشمل جميع الممكنات، بل يختصّ بما قدّر دخوله في الوجود في دور أو أدوار محصورة.
و أمّا بالنسبة إلى جميع الممكنات من حيث أنّها غير متناهية، فانّ العلم لا يتعلّق بها إلّا تعلّقا كليا جمليا، كما أشرت إليه في شأن الحق سبحانه من حيث إطلاقه.
و علّة هذا الشبه والاشتراك التامّ بين الحق والممكنات هو أنّها في التحقيق الأوضح شئون ذاته الكامنة في إطلاقه و غيب هويته، و لا مخلص لأحد في علمه بالحق من تجاوز التعيّنات التعقّلية و الانتهاء إلى تعيّن الحق في تعقّله نفسه و شهوده.
اتّصال ذلك التعيّن من وجه بالإطلاق الذاتي الغيبى العديم الوصف و الاسم و الرسم و الحصر و الحكم، إلّا لمن كان حقيقته البرزخ الجامع بين الوجوب و الإمكان و أحكامهما فانّه يواجه باطلاقه غيب الذات باعتبار عدم مغايرته له دون توهّم تعدّد و امتياز.
فافهم و تدبّر غريب ما أسمعت و ما عليه نبّهت، تعرف أنّه ليس شي‏ء أوسع من العلم بشرط معرفته على الوجه المذكور.
 
و أمّا سعة الرحمة المشار إليها في الكتاب و السنّة، فتختصّ ببعض المحدثات المتعيّنة في اللوح المحفوظ بكتابة القلم الأعلى. 
و هي المنشعبة إلى مائة شعبة، كما أشار إليه صلّى الله عليه و سلّم.
و أمّا سعة القلب الذي وسع الحق، فهي عبارة عن سعة البرزخية المذكورة الخصيصة بالإنسان الحقيقي، الذي هو قلب الجمع و الوجود.
فالإنسان الحقيقي الذي هو قلب الجمع و الوجود، و قلبه برزخيته، و علمه المنبّه عليه آنفا. فافهم.
و إذا كان الحق سبحانه كما ورد في الصحيح يتحول يوم القيامة لأهل المحشر في الصور، أي صور اعتقاداتهم بحسب قابلياتهم و موجب استعداداتهم، (مع أنه تعالى في نفسه لا يتغير) عمّا هو عليه من حيث هو.
(فالقلوب) المتجلّى لها له، أي للحق سبحانه، (كأشكال الاوعية) المتشكّلة بأشكال مخصوصة، كالاستدارة و التثليث و التربيع و غيرها، (للماء)، الذي ليس مقيّدا بشكل مخصوص لكنّه (يتشكل بشكلها)، أي الأوعية، (مع كونه) في حد ذاته (لا يتغير عن حقيقته) المائية.


"" أضاف الجامع : قال الشيخ عبد الكريم الجيلي فى العينية :
و لكنها أحكام رتبتك اقتضت ..... …ألوهية للضد فيك التجامع
و ما الخلق فى التمثال إلا كثلجة ..... …و أنت بها الماء الذى هو نابع
فما الثلج فى تحقيقنا غير مائه ..... …وغير ان فى حكم دعتها الشرائع
و لكن بذوب الثلج يرفع حكمه ..... و يوضع حكم الماء و الأمر واقع
تجمعت الأضداد فى واحد البها ..... و فيه تلاشت فهو عنهن ساطع
فكل بهاء فى ملاحة صورة ..... …على كل قد شابه الغصن يانع   ""
(فافهم ) ما ذكرنا من المثال لتعرف منه حال الممثّل له، فانّه كما أنّ الماء لا شكل له في نفسه يتقيّد به- بل يتشكّل بشكل وعائه.
كذلك الحق المطلق سبحانه ليس له في ذاته صورة مخصوصة يتجلّى بها، بل يتجلّى على صورة العبد المتجلّى له، فانّ أهل التجلّيات إنّما يرد عليم التجلّى بحسب استعداداتهم و خصوص قابلياتهم الوجودية.
و كذلك استعداداتهم في عرصة الوجود العيني إنّما تكون بموجب استعداداتهم الغيبية الغير المجعولة في حضرة العلم الذاتي. فمهما حصل تجلّ لمتجلّى له في حضرة الوجود العيني، فانّما يحصل على صورة استعداد العين الثابتة الأزلية التي لهذا المتجلّى له.
 
فأرباب الاستعدادات المخصوصة التي تعطيهم استعداداتهم الاعتقادات الجزئية التقيّدية إذا تجلّى الحق لهم، رأى كلّ أحد صورة معتقده فيه فما رأى سوى نفسه و ما جعله في نفسه من صور الاعتقاد. 
و العبد الكامل ليس كذلك، فانّ له استعدادا كليا و قابلية أحدية جمعية، و خصوصه الإطلاق من كل قيد و السراح من كل حصر و الخروج عن كل طور. فهو يقابل باطلاقه عن نقوش القيود الاعتقادية إطلاق الحق و يقابل كذلك كلّ حضرة من الحضرات التي يكون منها و فيها و بحسبها التجلّى بما يناسبها ممّا فيه من تلك الحضرة.
فيقبل جميع التجلّيات مع الآنات بمرائيه و مجاليه التي فيه من غير مزاحمة.
و التجلّى الذاتي الغيبى دائم الاشراق من الغيب المطلق الإلهي الذاتي على غيب قلبه المطلق الإلهي الأحدى الجمعى الكمالي- جعلنا الله و إيّاك من أهله بحوله و طوله.
(ألا ترى) هذا توضيح و تنوير لما سبق من تحوّل الحق في الصور- (أن الحق «كُلَّ يَوْمٍ»)، أي كلّ آن- فانّ «الآن» هو يوم الذات، لا ينقسم أبدا- «هُوَ في شَأْنٍ» و ما أعظم شأن ذى الشأن الذي هذا شأنه في كل آن!
كذلك، أي كما يتقلّب الحق سبحانه في شئونه، كذلك، القلب يتقلب حسب تقلّبه سبحانه في الخواطر و الصفات و الأحوال. و لذلك، أي و لتقلّب القلب في الخواطر، قال سبحانه، «إِنَّ في ذلِكَ»، أي القرآن، «لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» يتقلّب في أنواع الصور و الصفات.
و لم يقل، «له العقل»، لان العقل يتقيد بالاعتقادات الجزئية، فيحصر الأمر الإلهي- الذي لا ينحصر- فيما يدركه، بخلاف القلب، فانّه لكونه محلّا لتجلّيات مختلفة من الإلهية و الربوبية و تقلّبه في صورها يتذكّر ما نسيه ممّا كان يجده قبل ظهوره في هذه النشأة العنصرية، و يجد هنا ما أضاعه، كما قال عليه السلام، «الحكمة ضالّة المؤمن». فافهم.
 
اعلم أنّ بين «القلب» و «القبول» و «القابلية» مناسبة معنوية و لفظية: أمّا المعنوية، فلأنّ له قابلية قبول صور جميع التجلّيات.
و أمّا اللفظية، فلأنّه لو لا قبليّة بعض حروف «القلب» و «القابل» و قلبه، لكان هو هو- و قلب الشي‏ء لغة أن يجعل أوّله آخره أو ظاهره باطنه جمعا و فرادى.
و إذا قلبت لفظ «القلب»، فانّ «القبول» و «القابلية» من تقاليبه.
و أمّا «العقل» لغة، فهو القيد و الربط و الضبط. فمقتضاه التقييد.
و حقيقة الذكرى بالحق عن الحق- المطلق عن كل قيد، حتّى عن قيد الإطلاق الذي يقابله التقييد- تنافي العقل، الذي حقيقته القيد و الضبط.
و لهذا ظهر هذا الحصر و القيد أوّلا في العقل الأوّل، الذي عقل نور التجلّى المطلق باستعداده الخصوصى التقييدى.
فأقامه الله لمظهرية هذا السرّ، و هو القيد.
فحقيقته تقييد النور المطلق. 
فقال له الحق، «اكتب»، أي قيّد و اجمع علمى في خلقى إلى يوم القيامة.
و ذلك قيد لقيد في قيد.
و قبول جميع التجلّيات الغير المتناهية دائما أبدا ليس إلّا للحقيقة الانسانية الإلهية الأزلية الأبدية الكمالية الجمعية الأحدية، فهي قلب الوجود الحق، و له حقيقة الذكرى.
 
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 13 - شرح نقش فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2019 9:19 pm

13 - شرح نقش فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

13 - نقش فص حكمة ملكية في كلمة لوطية

قال الشيخ رضي الله عنه :  (قال الله تعالى " الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً " [الروم: 54].
فالضعف الأول بلا خلاف ضعف المزاج في العموم والخصوص.
والقوة التي بعد قوة المزاج. وينضاف إليه في الخصوص قوة الحال.
والضعف الثاني ضعف المزاج وينضاف إليه في الخصوص ضعف المعرفة أي المعرفة بالله.
بضعفه حتى يلصقه بالتراب فلا يقدر على شيء فيصير في نفسه عند )
 
«الملك» بفتح الميم و سكون اللام هو الشدّة و القوّة التامّة. و إنّما قرن الشيخ قدّس الله روحه هذه الحكمة بالصفة الملكية مراعاة للأمر الغالب على حال لوط و أمّته و ما عامل الحقّ به قومه من شدّة العقوبة في مقابلة الشدّة التي قاساها لوط منهم، حتّى نطق لسان حاله معهم بقوله، «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ
قال الله تعالى، «الله الَّذِي خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ»، أي أساس أمركم و ما عليه جبلّتكم و بنيتكم الضعف- الذي هو عدم القوّة" يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ». [الحج : 5]
«ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً» [الروم : 54] حيث بلغتم وقت الاحتلام و الشبيبة و تلك حال القوّة إلى الاكتهال و بلوغ الأشدّ.
«ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً» [الروم : 54]، أي رددتم إلى أصل حالكم- و هو الضعف- بالشيخوخة و الهرم.


(فالضعف الأول بلا خلاف ضعف المزاج)  في فهم أرباب (العموم و الخصوص) جميعا.
(و القوة التي بعده) ، أي بعد الضعف الأوّل، (قوة المزاج) بحسب مفهومها الظاهر عندهم جميعا، و ينضاف اليه، أي إلى مفهومها الظاهر، في فهم أرباب الخصوص قوة الحال، و هي التي تقتضي التصرّف و التأثير في العالم بالهمّة.
(و الضعف الثاني ضعف المزاج) بموجب مفهومه الظاهر عند الجميع (و ينضاف اليه في) فهم أرباب (الخصوص ضعف المعرفة)، أي ضعف حصل بسبب المعرفة، (أي المعرفة باللَّه، تضعفه) و تخرجه عن قوّته العرضية و تردّه إلى ضعفه الأصلي،

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( نفسه كالصغير الرضيع عند أمه ولذلك قال لوط: " أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ " [هود: 80]. يريد القبيلة.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله لوطاً، كان يآوي إلى ركنٍ شديد ". يريد صلى الله عليه وسلم  ضعف المعرفة.
فالركن الشديد هو الحق سبحانه )
 
(حتى تلصقه بالتراب) الذي هو أصله- و تلحقه به.
فيرجع إلى ضعفه الأوّل، فلا يقدر على شي‏ء بالتصرّف و التأثير بقوّة الهمّة.
(فيصير في نفسه)، أي في حدّ ذاته مع قطع النظر عن ظهور الصفات الإلهية فيه، عند نفسه، أي في نظره و اعتقاده، كالصغير عند أمه الرضيع، أي كالطفل الصغير الرضيع عند أمه فكما أنّه لا يرى لنفسه قوّة و لا قدرة و يكل أمره بالكلية إلى أمّه التي ترضعه و تربّيه، فكذلك العارف بالنسبة إلى الوجود الحق الرب المطلق

و للشيخ الكامل العارف مؤيّد الدين الجندي رحمه الله هاهنا كلام، لخصه بعضهم بهذه العبارات: «و الوجه الثاني- و هو شهود أحدية المتصرّف و المتصرّف فيه- كما يمنع من التصرّف، فقد يقتضي التصرّف، لأنّه واقع في نفس الأمر، إذ ليس في الوجود إلّا الحق وحده، و التصرّف واقع.
فلو تصرّف العارف بالأحدية المذكورة، ما كان ذلك التصرّف إلّا للحق سبحانه و لا سيّما العبد الكامل: 
فانّه هو الذي له جميع ما للربّ من الحقائق الأسمائية الإلهية و ما للعبد من الصفات العبدانية بأحدية العين، و إلّا لم يكن كاملا. 
لكن لا يكون بإرسال الهمّة و تسليطها لئلّا يخلّ بمقام العبودية، بل باظهار الحق ذلك منه و ظهوره تعالى على مظهره بالتصرّف من غير تقيّد منه بذلك و لا إرسال همّة و لا تسليط نفس و لا ظهور به.
فالمانع بالحقيقة هو الوقوف في مقام العبودية الذاتية له و ردّ أمانة الربوبية العرضية إلى الله تأدّبا بآداب أهل القرب. 
فلا يتصدّى للتصرّف و التسخير، و يتوجّه بالكلية إلى الله الواحد الأحد المتفرّد بالتقدير و التدبير".
 
(و لذلك)، أي للضعف الحاصل بسبب المعرفة باللَّه و عدم الاقتدار على شي‏ء بالتصرّف فيه، (قال لوط عليه السلام)، «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً»، أي ليت لي بكم قوّة من الهمّة القوية أقاومكم بها و أقاويكم، "أَوْ آوِي"، أي ألتجئ، «إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ»، يريد لوط عليه السلام بـ "الركن الشديد" بحسب الظاهر القبيلة القوية الغالبة على أعدائها.
و يقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مشيرا إلى ما أراده لوط عليه السلام بـ "الركن الشديد" بحسب الباطن، «رحم الله أخى لوطا، لقد كان يأوي الى ركن شديد».
يريد صلّى الله عليه و سلّم «ضعف المعرفة»، أي يشير بهذا الكلام
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( مدبره ومربيه.)
 إلى ضعفه الحاصل له بسبب معرفته باللَّه حيث تعطّف عليه أوّلا بالدعاء له بالرحمة فانّ ذلك ينبئ عن ضعفه و عجزه عليه السلام.
و نسبه ثانيا إلى نفسه بالأخوّة المشعرة بمشاركته إيّاه في هذا الضعف الظاهر تحقّقه صلّى الله عليه و سلّم به. فـ «الركن الشديد» الذي‏ التجأ إليه لوط عليه السلام بحسب الباطن هو الحق سبحانه مدبره الذي يدبّر أمره بمقتضى علمه و حكمته و مربيه الذي يربّيه بموجب لطفه و رحمته.  
و الله الموفّق

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 14 – شرح نقش فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 10:14 am

14 – شرح نقش فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص العزيزي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
14 – شرح نقش فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (لله الحجة البالغة على خلقه. لأنهم المعلومون.  والمعلوم يعطي العالم ما هو)
"القضاء" عبارة عن الحكم الكلى الإلهي في أعيان الموجودات على ما هي عليه من الأحوال الجارية من الأزل إلى الأبد.
و «القدر» هو تفصيل ذلك الحكم بإيجادها في أوقاتها و أزمانها التي تقتضي الأشياء وقوعها فيها باستعداداتها الجزئية.
فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان معيّن و سبب معيّن عبارة عن "القدر".
و سرّ القدر أنّه لا يمكن لعين من الأعيان الخلقية أن يظهر في الوجود ذاتا و صفة و فعلا إلّا بقدر خصوصية قابليته و استعداده الذاتي.
و سرّ سرّ القدر أنّ هذه الأعيان الثابتة ليست أمورا خارجة عن الحق- قد علمها أزلا، و تعيّنت في علمه على ما هي عليه، بل هي نسب أو شئون ذاتية، فلا يمكن أن تتغيّر عن حقائقها فانّها حقائق ذاتيات، و ذاتيات الحق سبحانه لا تقبل الجعل و التغيير و التبديل و المزيد و النقصان.

فبهذا علم أنّ الحق سبحانه لا يعيّن من نفسه شيئا أصلا- صفة كان أو فعلا أو حالا أو غير ذلك- لأنّ أمره واحد، كما أنّه واحد. و أمره الواحد عبارة عن تأثيره الذاتي الوحدانى بافاضة الوجود الواحد المنبسط على الممكنات القابلة له، الظاهرة به و المظهرة إيّاه، متعدّدا متنوّعا مختلف الأحوال و الصفات بحسب ما اقتضته حقائقها الغير المجعولة المتعيّنة في علم الأزل.
 
فكان من مقتضى حقيقة عزيز عليه السلام و أحكام لوازمها انبعاث رغبة
منه نحو معرفة سرّ القدر و انتشاء فكره في القرية الخربة بصورة استبعاد إعادتها على ما كانت عليه. فأظهر الله له بواسطة فكره و استبعاده أنواعا من صور الاعادة و أنواعا من أحكام القدرة.
فلذلك‏ نسب رضى الله عنه الحكمة القدرية إلى الكلمة العزيرية.
 
"فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ" التامّة القوية (على خلقه) فيما يعطيهم و يحكم به عليهم من الكفر و الايمان و الطاعة و العصيان- لا للخلق عليه، كما قالت الجهلة البطلة الظلمة في حكمهم على الله سبحانه أنّه قدّر على الكافر و الجاهل و العاصي الكفر و المعصية و الجهل، ثمّ يؤاخذهم عليها بما ليس في قوّتهم و وسعهم- (لأنهم)، أي الخلق هم، (المعلومون) له، و هو العالم بهم.
(و المعلوم)، كائنا ما
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (عليه في نفسه. وهو العلم. ولا أثر للعلم في المعلوم. فما حكم على المعلوم إلا به. واعلم أن كل رسولٍ نبي وكل نبيٍ وليّ وكل رسولٍ ولي.)
كان، (يعطى العالم) به، كائنا من كان. أي يجعله بحيث يدرك، (ما هو عليه في نفسه)، أي في حدّ ذاته من الأحوال الجارية عليه من الأزل إلى الأبد و استعداداتها.
(و هو)، أي ذلك الإدراك هو، (العلم. و لا أثر للعلم في المعلوم) بأن يحدث فيه ما لا يكون له في حدّ ذاته، بل هو تابع للمعلوم، و الحكم على المعلوم تابع له.
(فلا حكم) من العالم (على المعلوم الا به)، أي بالمعلوم و بما يقتضيه‏ بحسب استعداده الكلى و الجزئى.
فما قدّر الله سبحانه على الخلق الكفر و العصيان من نفسه، بل باقتضاء أعيانهم و طلبهم بلسان استعداداتهم أن يجعلهم كافرا أو عاصيا، كما يطلب عين الكلب صورته الكلبية و الحكم عليه بالنجاسة العينية. و هذا هو عين سرّ القدر.
 
(واعلم أن كل رسول نبى) من غير عكس كلى فالرسالة خصوص مرتبة في النبوّة.
(و كل نبى ولى) من غير عكس كلى فالنبوّة خصوص مرتبة في الولاية.
(فكل رسول ولى)، كما أنّه نبى.
فالرسل صلوات الرحمن عليهم أعلى مرتبة من غيرهم لجمعهم بين المراتب الثلاث : الولاية و النبوّة و الرسالة.
 
ثمّ الأنبياء لجمعهم بين المرتبتين لكنّ مرتبة ولايتهم أعلى من نبوّتهم، و نبوّتهم أعلى من رسالتهم، لأنّ ولايتهم جهة حقّيّتهم لفنائهم فيه، و نبوّتهم جهة ملكيّتهم- إذ بها يحصل المناسبة لعالم الملائكة، فيأخذون الوحى منهم- و رسالتهم جهة بشريتهم المناسبة للعالم الإنساني.
 
و إليه أشار الشيخ رضى الله عنه بقوله،
مقام النبوّة في برزخ    ...... دوين الولى و فوق الرسول‏
أي النبوّة دون الولاية التي لهم و فوق الرسالة
فالولى هو الفاني في الله سبحانه و الباقي به و الظاهر بأسمائه و صفاته
 
قال الشيخ رضى الله عنه:
«إذا سمعت أحدا من أهل الله، أو ينقل إليك عنه أنّه قال، "الولاية أعلى من النبوّة"، فليس يريد ذلك القائل إلّا ما ذكرنا».و هو أنّ ولاية النبي أعلى من نبوّته .
«أو يقول، : «إنّ الولى فوق النبي و الرسول»، فانّه يعنى بذلك «في شخص واحد»، و هو أنّ الرسول من حيث أنّه ولى أتمّ منه من حيث أنّه نبى أو رسول، لا أنّ الولى التابع له أعلى منه".

 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 10:16 am

15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

الفص العيسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (من خصائص الروح أنه ما يمر على شيءٍ إلا حيي ذلك الشيء.
ولكن إذا حيي يكون تصرفه بحسب مزاجه واستعداده لا بحسب الروح. فإن الروح قدسيٌ.
ألا ترى أن النفخ الإلهي في الأجسام المسواه مع نزاهته وعلو حضرته كيف )
 
إنّما خصّت الحكمة النبوية بالكلمة العيسوية- و إن كانت جميع هذه الحكم نبوية- لأنّ نبوّته فطرية غالبة على حاله و قد أنبأ عن الله في بطن أمّه بقوله، «أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا»، و في المهد بقوله، «آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا»، إلى وقت بعثه- و هو الأربعون من سنة، لقوله عليه السلام "ما بعث نبى إلّا بعد الأربعين".
و قيل، إنّها ليست مهموزة من «النبإ»، بل ناقصة من «نبا ينبو نبوّا» بمعنى «ارتفع»، لارتفاع مقامه من أبناء البشر و لقوله تعالى، «بَلْ رَفَعَهُ الله»، و لختم الولاية عليه.
من (خصائص الروح) الذي هو نفس رحمانى من صفاته الذاتية الحياة- أنه ما يمر على شي‏ء من القوابل و لم يباشره بصورته المثالية (إلا حيي ذلك الشي‏ء) بقوّة قبوله، و ظهر فيه خاصية الحياة و أثر من آثارها بحسب تلك القوّة.
(و لكن إذا حيى ذلك الشي‏ء) الذي مرّ عليه الروح و باشره، و سرت الحياة فيه (يكون تصرفه) ، أي تصرّف الروح و تأثيره، (بحسب مزاجه)، أي مزاج ذلك الشي‏ء (واستعداده، لا بحسب الروح) نفسه، فان الروح أمر قدسي، ليس له حسب معيّن و حيثية مخصوصة.
(ألا ترى أن النفخ الإلهي)، أي الروح الإلهي المنفوخ، (في الأجسام المسواة)
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (يكون تصرفه بقدر استعداد المنفوخ فيه.
ألا ترى السامري لما عرف تأثير الأرواح كيف قبض فخّار العجل فذلك استعداد المزاج.)
 
لنفخ الروح فيها، (مع نزاهته) عن خواص تلك الأجسام (و علو حضرته) في حدّ ذاته عن التقيّد بصفاتها، (كيف يكون تصرفه)، أي تصرّف الروح في الجسم المنفوخ فيه أو فيما عداه بتوسّطه، (بقدر استعداد) الجسم (المنفوخ فيه) و قابليته، لا بحسب الروح في نفسه؟
(ألا ترى أن السامري لما عرف تأثير الأرواح) فيما تمرّ عليه و تباشره (كيف قبض) «قَبْضَةً من أَثَرِ الرَّسُولِ»؟ يعنى الروح الأمين- الذي هو جبرئيل- حين ظهر متمثّلا على البراق و كان البراق أيضا روحا متمثّلا.
فأثّر ذلك في التراب الذي مرّ عليه، و سرت الحياة فيه، فعرف السامري ذلك بنور باطنه و قوّة استعداده.
فقبض قبضة من أثره، فنبذها على صورة العجل المتّخذة من حلى القوم.
(فخار العجل) بعد ما حيى. (فذلك)، أي الخوار، سببه (استعداد المزاج) التابع لصورة العجل.

فلو كان صورة حيوان آخر، لنسب إليها اسم الصوت الذي لتلك الصورة، كالرغاء للإبل، و الثواج‏ للكبش، و اليعار للشاة، و غير ذلك. 
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 16 – شرح نقش فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي    كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 7:25 pm

16 – شرح نقش فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي 

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح نقش الفص السليماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
16 – شرح نقش فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لما كانت له من حيث لا يشعر.  قالت بالقوة: إنه كتابٌ كريم. وما ظهر "آصف" بالقوة على الإتيان بالعرش دون سليمان إلا ليعلم الجن أن)
 
إنّما اختصّت الكلمة السليمانية بالحكمة الرحمانية لعموم حكمهما، فانّه كما أنّ للاسم «الرحمن» شمول حكم على الموجودات كلها، كذلك للكلمة السليمانية إحاطة سلطنة و تصرّف في العالم كله، فسخّر الله له العالم الأعلى و الأسفل:
فأمّا تسخيره له العالم السفلى، فواضح بتحكّمه في الجنّ و الانس و الوحش و الطير و سائر الحيوانات البرّيّة و البحرية و تعدّى حكمه إلى العناصر فسخّر له الريح، تجرى بأمره. و سخّر له الماء، تغوص له فيه الشياطين النارية و هذا من أعظم التسخيرات لما فيه من الجمع بين ما من النار مع الماء و مع ما من الماء مع تضادّ طبائعهما. و لذلك نبّه سبحانه و تعالى بقوله، «وَ من الشَّياطِينِ من يَغُوصُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ» فأخبر تعالى أنّ كلّ ما كانوا يعملون له، فهو دون غوصهم، لما ذكرت من صعوبة الجمع بين الأضداد. و سخّرت له الأرض، يتبوّأ منها حيث يشاء.
 
و أمّا تسخير الحق له العالم العلوي، فواضح أيضا عند المستبصرين، فانّ كلّ ما تيسّر له عليه السلام في هذا العالم، فانّه من آثار تسخير الله له ذلك العالم و تعليمه إيّاه أسباب التصريفات. فافهم.
لما كانت بلقيس خالصة له، أي لسليمان عليه السلام بالانقياد إليه و الايمان به، من حيث لا تشعر هي بذلك، أي بكونها له-
و ذلك لمناسبة فطرية  و مجانسة ذاتية و توفيق إلهى-
قالت لقومها ظاهرة بالقوة، أي بقوّة الهمّة و التصرّف بها فيهم لينقادوا إليه في حق كتاب سليمان حين ألقاه الهدهد إليها، و أرتهم إيّاه، انه كتاب كريم، حيث قالت، «إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ»، أي مكرّم عليها معظّم عندها. «إِنَّهُ»، أي هذا الكتاب الكريم، «من سُلَيْمانَ»- هذا بيان لمرسل الكتاب أو إشارة إلى عنوانه- «وَ إِنَّهُ»، أي مضمونه، «بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ».
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (شرف سليمان عظيم إذ كان لمن هو حسنة من حسناته له هذا الإقتدار)
فتكريم بلقيس و تعظيمها لكتاب سليمان كان لعناية أزلية و مناسبة جبليّة، لا لما قال بعض أهل الظاهر من المفسّرين من أنّ السبب فيه تقديم سليمان اسمه على اسم الله- فانّه إنّما قدّم اسمه على اسم الله وقاية له أن يقع عليه الخرق و إنّه إن وقع الخرق، يكون على اسمه، لا على اسم الله و إنّ اسمه لكمال مهابته في قلوب البرية مانع لهم عن الخرق-
أمّا أوّلا، فلأنّ قوله، «إِنَّهُ من سُلَيْمانَ»، ليس من مضمون الكتاب، كما سبق إليه إشارة.
و أمّا ثانيا، فلأنّ بلقيس لو كانت مريدة للخرق و ما كانت موفّقة لاكرام الكتاب، لم يكن تقديم اسمه حاميا له من الخرق، و لا تأخيره. بل كانت تقرأ الكتاب و تعرف مضمونه، كما فعل كسرى، ثمّ كانت تمزّقه لو لم تكن موفّقة.
 
قال رضي الله عنه :  (و ما ظهر آصف)، وزير سليمان عليه السلام، بالقوة و جمعية الهمّة (على الإتيان بالعرش)، أي عرش بلقيس من سبا قبل ارتداد طرف الناظر إليه، (دون سليمان)، مع كونه عليه السلام أقوى و أقدر منه، (الا ليعلم) آصف (الجن)، الذي ادّعى عفريت منهم أنّه يأتى به قبل قيام القائم من مقامه- غيرة منه على سليمان و ملكه.
قال رضي الله عنه :  (أن شرف سليمان عظيم، إذ كان لمن هو حسنة من حسناته ) و أحد من خاصّته هذا الاقتدار العظيم و التصرّف القوى فكيف كان الحال لو تصرّف هو نفسه؟
اعلم أنّ آصف بن برخيا مع فنون علومه كان مؤيّدا من عند الله، معانا من عالم القدرة بإذن الله و تأييده أعطاه الله التصرّف في عالم الكون و الفساد بالهمّة و القوّة الملكوتية، فتصرّف في عرش بلقيس بخلع صورته عن مادّته في سبا و إيجاده عند سليمان، فانّ النقل بالحركة أسرع من ارتداد طرف الناظر إليه محال، إذ النقل زمانى، و حركة البصر نحو المبصر و عنه آنية، لوقوع الأبصار مع فتح البصر في وقت واحد.
 
فاذن ليس حصول عرش بلقيس عند سليمان بالنقل من مكان إلى مكان و لا بانكشاف صورته على سليمان في مكانه، لقوله تعالى، «فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ».
فلم يبق إلّا أنّه كان بالتصرّف الإلهي من عالم الأيد و القدرة.
 فكان وقت قول آصف :"أَنَا آتِيكَ به قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ"، عين وقت انعدام العرش في سبا و إيجاده عند سليمان عليه السلام.
و هذا التصرّف أعلى مراتب التصرّف الذي خصّ الله به من شاء من عباده و أقدره عليه.
و ما كان ذلك إلّا كرامة لسليمان عليه السلام حيث وهب الله لبعض أصحابه و أحد خاصته هذا التصرّف العظيم.
و هو من كمال العلم بالخلق الجديد، فانّ الفيض الوجودي و النّفس الرحمانى دائم السريان و الجريان في الأكوان، كالماء الجاري في النهر، فانّه على الاتّصال يتجدّد على الدوام.
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما قالت في عرشها: كأنه هو. عثورٌ على علمها بتجديد الخلق في كل زمان فأتت بكاف التشبيه. وأراها صرح القوارير "كأنه لجة" وما كان لجة.  كما أن)
فكذلك تعيّنات الوجود الحق في صور الأعيان الثابتة في العلم القديم لا تزال تتجدّد على الاتّصال.
فقد ينخلع التعيّن الأوّل الوجودي عن بعض الأعيان في بعض المواضع، و يتّصل به الذي يعقبه في موضع آخر.
و ما ذلك إلّا لظهور العين العلمي في هذا الموضوع و اختفائه في الموضع الأوّل، مع كون العين بحاله في العلم و عالم الغيب.
 
ولمّا كان آصف عارفا بهذا المعنى، معيّنا به من عند الله، مخصوصا منه بالتصرّف في الوجود الكونى- وقد آثر الله تعالى سليمان بصحبته وآزره وقوّاه بمعونته إكراما له، وإتماما لنعمته عليه في تسخير الجنّ والانس والطير والوحش، وإعلاء لقدره، وإعظاما لملكه- سلّط الغيرة على آصف، فغار على سليمان وملكه الذي آتاه من أن يتوهّم الجنّ أنّ تصرّفهم‏- الذي أعطاهم الله تعالى- أعلى وأتمّ من تصرّف سليمان وذويه.
 
فأعلمهم أنّ الملك والتصرّف الذي أعطى بعض أصحابه من خوارق العادات أعلى وأتمّ من الذي خصّ الجنّ به من الأعمال الشاقّة والخارجة عن قوّة البشر والخارقة للعادة بحسب الفكر والنظر.
واعلم أنّ الجنّ أرواح قوية متجسّدة في أجرام لطيفة، يغلب عليها الجوهر الناري و الهوائى، كما غلب علينا الجوهر الأرضى و المائى.
وللطافة جواهر أجسادهم وقوّة أرواحهم أقدرهم الله على التشكّل بأشكال مختلفة والتمكّن من حركات سريعة وأعمال عن وسع البشر متجاوزة، كالملائكة، إلّا أنّها سفلية، و الملائكة علوية. والله أعلم.
 
ولما قالت بلقيس في جواب السؤال عن عرشها، حيث قيل لها،  "أَهكَذا عَرْشُكِ"، قالت «كَأَنَّهُ هُوَ»،
أي كأنّ العرش المشاهد المشار إليه هو العرش الذي خلّفته في سبا،
ففيه، أي فيما قالت عثور و اطّلاع منّا على علمها، أي على كونها عالمة، بتجديد الخلق بالأمثال في كل زمان.
بل في كل آن فأتت بلقيس بكاف التشبيه في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ»، و حكمت بالمغايرة و المشابهة، فإنّ التشبيه لا يكون إلّا بين متغايرين.
و صدقت فيما قالت لما ذكرنا من تجديد الخلق بالأمثال فانّ مثل الشي‏ء لا يكون عينه من حيث التعيّن، و هو هو من حيث الحقيقة.
 
قال رضي الله عنه :  (وأراها)، أي سليمان بلقيس، (صرح‏ القوارير) فحسبته (كأنه لجة)، أي ماء، فـ «كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها» حتّى لا يصيب الماء ثوبها.
و ما كان لجة في نفس الأمر، (كما أن العرش المرئي) الموجد عند سليمان (ليس عين العرش) الذي
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (العرش المرئي ليس عين العرش من حيث الصورة. والجوهر واحد. وهذا سار في العالم كله .)
 
خلّفته  في سبا (من حيث الصورة)، فانّه قد انخلع عن الصورة الأولى و تلبّس بصورة أخرى.
(و) لكنّ (الجوهر) الذي تعاقبت عليه الصورتان (واحد)، و الصورتان متماثلتان.
 
فنبّهها بذلك على أنّ حال عرشها كحال الصرح في كون كل منهما مماثلا مشابها لآخر:
أمّا العرش، فلأنّه انعدم، و ما أوجده الموجد مماثل لما انعدم وأمّا الصرح، فلأنّه من غاية لطفه و صفائه صار شبيها بالماء الصافي، مماثلا له، و هو غيره.
فنبّهها بالفعل على أنّها صدقت في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ»، فإنّه ليس عينه، بل مثله. و هذا غاية الانصاف من سليمان عليه السلام، فانّه صوّبها في قولها، «كَأَنَّهُ هُوَ».
و هذا التنبيه الفعلى كالتنبيه القولى الذي في سؤاله، «أَهكَذا عَرْشُكِ»، حيث لم يقل، "أهذا عرشك». فافهم.
(وهذا)، أي تجديد الخلق مع الآنات، ليس مخصوصا بعرش بلقيس‏  بل هو (ساري في العالم كله)، علوّه و سفله، فانّ العالم بمجموعه متغيّر أبدا، و كل متغيّر يتبدّل تعيّنه  مع الآنات.
فيوجد في كل آن متعيّن غير المتعيّن الذي هو في الآن الآخر، مع أنّ العين الواحدة التي يطرأ عليها هذه التغيّرات بحالها، فالعين الواحدة هي حقيقة الحق المتعيّنة بالتعيّن الأوّل اللازم لعلمه بذاته.
وهي عين الجوهر المعقول الذي قبل هذه الصور المسمّاة «عالما»، و مجموع الصور أعراض طارية متبدّلة في كل آن.
والمحجوبون لا يعرفون ذلك.
فهم في لبس من هذا التجدّد الدائم في الكل.
 
وأمّا أهل الكشف، فانّهم يرون أنّ الله تعالى يتجلّى في كل نفس، ولا يتكرّر التجلّى: فانّ ما يوجب البقاء غير ما يوجب الفناء، وفي كل آن يحصل البقاء والفناء فالتجلّى غير مكرّر.
ويرون أيضا أنّ كل تجلّ يعطى خلقا جديدا و يذهب بخلق.
فذهابه هو الفناء عند التجلّى الموجب للفناء و البقاء، لما يعطيه التجلّى الآخر الموجب للبقاء بالخلق الجديد.
و لمّا كان هذا الخلق من جنس ما كان أوّلا، التبس على المحجوبين، و لم يشعروا التجدّد و ذهاب ما كان حاصلا بالفناء في الحق، لأنّ كل تجلّ يعطى خلقا جديدا و يفنى في الوجود الحقيقي ما كان حاصلا. و يظهر هذا المعنى في النار المشتعلة من الدهن و الفتيلة: فانّه في كل آن يدخل منهما شي‏ء في تلك النارية و يتّصف بالصفة النورية ثمّ تذهب تلك الصورة بصيرورته هواء. هكذا شأن العالم بأسره، فإنّه يستمدّ دائما من الخزائن الإلهية، فيفيض منها و يرجع إليها. و الله أعلم بالحقائق.
اعلم أنّ إمداد الحق و تجلّياته و اصل إلى العالم في كل نفس.
و في التحقيق الأتمّ ليس إلّا تجلّ واحد، يظهر له بحسب القوابل و مراتبها و استعداداتها تعيّنات.
فيلحقه
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (والمُلك الذي لا ينبغي لأحدٍ من بعد الظهور بالمجموع على طريق التصرف فيه ).
لذلك التعدّد والنعوت المختلفة والأسماء والصفات، لا أنّ الأمر في نفسه متعدّد، أو وروده طار ومتجدّد.
وإنّما التقدّم و التأخّر و غيرهما من أحوال الممكنات يوهم التجدّد والطريان والتقيّد والتغيّر ونحو ذلك، كالحال في التعدّد.
وإلّا، فالأمر أجلّ من أن ينحصر في إطلاق أو تقييد أو اسم أو صفة أو نقصان أو مزيد.
 
وهذا التجلّى الأحدى المشار إليه ليس غير النور الوجودي، ولا يصل من الحق إلى الممكنات بعد الاتّصاف بالوجود وقبله غير ذلك.
وما سواه، فانّما هو أحكام الممكنات وآثارها تتّصل من بعضها بالبعض حال الظهور بالتجلّى الوجودي الوحدانى المذكور.
ولمّا لم يكن الوجود ذاتيا لسوى الحق بل مستفادا من تجلّيه افتقر العالم في بقائه إلى الأمداد الوجودي الأحدى مع الآنات دون فترة ولا انقطاع إذ لو انقطع الأمداد المذكور طرفة عين، لفنى العالم دفعة واحدة، فانّ الحكم العدمي أمر لازم للممكن، و الوجود عارض له من موجده.
 
قال رضي الله عنه :  (و الملك الذي لا ينبغي لاحد من بعده)، أي من بعد سليمان عليه السّلام- كما سأله عن ربّه بقوله، «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ من بَعْدِي»-
هو (الظهور) في عالم الشهادة (بالمجموع)، أي بمجموع الأملاك المتعلّقة بالعالم، (على طريق التصرف فيه)، أي في العالم، لا الظهور ببعضها- فانّه عليه السلام قد شورك في كل جزء جزء من الملك الذي أعطاه الله- و لا الاقتدار و التمكّن من مجموعها من غير ظهور به: فانّ الأقطاب و الكمّل متحقّقون بهذا المقام قبله و بعده، لكن لا يظهرون به.
 
ألا ترى أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كيف مكّنه الله سبحانه تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليضلّ به؟ فهمّ بأخذه و ربطه بسارية من سوارى المسجد، حتّى يصبح، فيلعب به ولدان المدينة.
فذكر صلّى الله عليه و سلّم دعوة سليمان عليه السلام، فردّه الله - أي العفريت- خاسئا عن الظفر عليه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما  .
فلم يظهر صلى الله عليه و سلم بما أقدره الله عليه، و ظهر بذلك سليمان عليه السلام.
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (تسخير الرياح وتسخير الأرواح النارية. لأنها أرواح في رياح. بغير حساب. لست محاسباً عليها.)
 
قال رضي الله عنه :  (تسخير الرياح،)  الذي اختصّ به سليمان و فضّل به على غيره، و جعله الله له من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، هو تسخير الأرواح النارية التي تكون لنوع الجنّ، كما قال تعالى، «خَلَقَ الْجَانَّ من مارِجٍ من نارٍ»، لأنها، أي الأرواح النارية، (أرواح) متصرّفة (في رياح)، هي كالأبدان لها.
 
قال الشيخ رضى الله عنه، التسخير من حيث هو تسخير ليس ممّا يختصّ به سليمان، «فانّ الله يقول في حقّنا كلنا من غير تخصيص بأحد منّا، «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّماواتِ وَما في الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ»، و قد ذكر تسخير الرياح و النجوم و غير ذلك، و لكن لا عن أمرنا، بل عن أمر الله.
فما اختصّ سليمان- إن عقلت- إلّا بالأمر من غير جمعية و لا همّة، بل بمجرّد الأمر.
وإنّما قلنا ذلك لأنّا نعلم أنّ أجرام العالم تنفعل لهمم النفوس إذا أقيمت في مقام الجمعية.
وقد عاينّا ذلك في هذا الطريق.
فكان من سليمان مجرّد التلفّظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير همّة و لا جمعية.» يريد رضى الله عنه أنّ التسخير المختصّ بسليمان هو التسخير بمجرّد أمره، لا بالهمّة و الجمعية و تسليط الوهم و لا بالأقسام العظام و أسماء الله الكرام.
و الظاهر أنّه كان له أوّلا بأسماء الله و الكلمات التامّات و الأقسام ثمّ تمرّن حتّى بلغ الغاية، و انقادت له الخلائق، و أطاعه الجنّ و الانس و الطير و الوحش و غيرها بمجرّد الأمر و التلفّظ بما يريد منها من غير جمعية و لا تسليط وهم و همّة، عطاء من الله و هبة.
و كان «أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
و يحتمل أن يكون ذلك اختصاصا له من الله بذلك ابتداء.
قوله تعالى، «بِغَيْرِ حِسابٍ»، حيث قال سبحانه، «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ»، أي أعط، «أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ»، معناه (لست) يا سليمان (محاسبا) في الآخرة (عليها)، أي على ما أعطاكه الله من الملك و المال و تسخير الرياح و غير ذلك.
و في بعض النسخ: «ليست» على صيغة الغيبة، أي ليست تلك الأمور محاسبا عليها في الآخرة.
 
قال رضى الله عنه، «علمنا من ذوق هذا الطريق أنّ سؤاله عليه السلام‏  كان عن أمر ربّه. و الطلب إذا وقع عن الأمر الإلهي، كان الطالب له الأجر التامّ على طلبه»، لكونه مطيعا لربّه في ذلك، ممتثلا لأمره.
«و البارئ تعالى إن شاء، قضى حاجته فيما طلب منه و إن شاء، أمسك فانّ العبد قد وفى ما أوجب الله عليه من امتثال أمره فيما سأل ربّه فيه.
فلو سأل ذلك من نفسه عن غير أمر ربّه له بذلك، لحاسبه به. و هذا سار في جميع ما يسأل الله فيه.» و الله أعلم.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 17 – شرح نقش فص حكمة وجودية في كلمة داودية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت يناير 11, 2020 12:07 am

17 – شرح نقش فص حكمة وجودية في كلمة داودية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

17 – شرح نقش فص حكمة وجودية في كلمة داودية
إنّما خصّت الكلمة الداودية بالحكمة الوجودية لأنّ الوجود إنّما تمّ بالخلافة الإلهية في الصورة الانسانية، و أوّل من ظهر فيه الخلافة في هذا النوع كان آدم عليه السلام.
و أوّل من كمل فيه الخلافة بالتسخير- حيث سخّر الله له الجبال و الطير في ترجيع التسبيح معه.
كما قال تعالى: "إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ"و جمع الله فيه بين الملك و الحكمة و النبوّة، .
في قوله تعالى: «وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ»، و خاطبه بالاستخلاف ظاهرا صريحا، هو داود عليه السلام.
و لمّا كان التصرّف في الملك بالتسخير أمرا عظيما لم يتمّ عليه بانفراده، وهبه سليمان و شرّكه في ذلك، كما قال:«وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى‏ كَثِيرٍ من عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ»
و قال تعالى: "فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً."
و كان تتمّة لكماله في الخلافة بما خصّصه الله به من كمال التصرّف في العموم. فبلغ الوجود بوجوده كماله في الظهور.
وهذا هو السرّ في اقتران الحكمة الداودية بالحكمة السليمانية.
 
و تقديم السليمانية على الداودية للمزية الظاهرة له بخصوصيته:
فانّ داود عليه السلام كان مظهر كليات الأحكام الأسمائية و الصفات الربّانية و الآثار الروحانية و القوى الطبيعية و مجتمعها، فاستحقّ لظهور مقام الخلافة و أحكامها و أحكام الحكمة و فصل الخطاب .
وورثه سليمان في الجمع وزاد في التفصيل الفعلى والحكم الظاهر الجلي والتسخير العامّ الكلى العلى.
فما ظهر في الوجود أحد من الناس أعظم ملكا ولا أعمّ حكما منه، ولا يظهر بعده، لأنّه لمّا بلغ ظهور ما قدّر الله ظهوره من أسرار الربوبية و الأمور التي سبق ذكرها المضافة إلى الحق وإلى الكون من حضرة العلم إلى أقصى درجات الظهور المعلومة عند الله، وقع التحجير باجابة دعوته.
فعادت هذه الأمور بعد كمال ظهورها راجعة من حضرة الظهور إلى حضرة البطون بنحو من التدريج الواقع في أزمنة بروزها من حضرة البطون إلى حضرة الظهور فانّه ما ثمّ إلّا ظهور من بطون أو بطون من ظهور.
 فما نقص من الباطن، أخذه الظاهر، و بالعكس.
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهب داود فضلاً معرفة به لا يقتضيها عمله.
فلو اقتضاها عمله لكانت جزاء، ووهب له فضلاً سليمان عليه السلام: " وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " [ص: 30].
وبقي قوله: " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ " [سبأ: 10].
هل هذا العطاء جزاء أو بمعنى الهبة؟.)
 
اعلم أنّ النبوّة و الرسالة تكونان بالاختصاص الإلهي و ليستا بكسب و لا مجازاة عن عمل أو ثوابا عن سابق حسنة و طاعة تكونان نتيجة عنها، و لا لشكر أو عبادة متوقّعة منهم عليهما.
 
و إذا كانتا كذلك، فلا تحصلان لأحد بتعمّل و كسب و عمل، كما توهّم القائلون من أهل النظر الفكرى بأنّهما تحصلان لمن كمل علمه و عمله فانّ النبوّة عندهم عبارة عن كمال العلم و العمل فمن كمل علومه و أعماله، فهو نبى في زعمهم. و هذا باطل.
و إلّا لكان كلّ من تكامل علمه و عمله رسولا نبيا يوحى إليه، و ينزل عليه الملك بالوحي و التشريع.
فصحّ أنّهما ليستا إلّا من اختصاص إلهى، من لوازمهما كمال العلم و العمل.
فلا يتوقّف تحقّقهما على لوازمهما: فانّ‏ تحقّق وجود اللازم إنّما هو بتحقّق وجود الملزوم، لا بالعكس و هذا ظاهر.
و لمّا كانتا من اختصاص إلهى، لم يطلب منهم عليهما جزاء و لا شكورا.
و إن وقع الشكر منهم دائما، و أتوا بالأعمال الصالحات في مقابلتهما، فليس ذلك مطلوبا بالقصد الأوّل من الاختصاص، و لا هم مطالبون بذلك عوضا عنهما.
 
فلو اقتضاها، أي تلك المعرفة، عمله عليه السلام- كما قال النبي صلّى الله عليه و سلّم، «من عمل بما علم، ورّثه الله علم ما لم يعلم»- لكانت تلك المعرفة جزاء، لا هبة و عطاء. و قد سبق أنّ النبوّة و الرسالة اختصاص إلهى، لا مدخل فيهما للكسب و التعمّل، و كذلك أكثر ما يترتّب عليهما من المواهب و العطايا.
 
 
(و) كذلك (وهب) الله سبحانه (له) ، أي لداود، (سليمان عليه السلام)، ليكون تتمّة في كماله في خلافته، فقال تعالى، "وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ".
و بقي قوله تعالى، «وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا» في محلّ التوقّف، حيث لم يصرّح فيه بالهبة و لا بما يقابلها.
(هل هذا العطاء) المعبّر عنه بـ «إيتاء الفضل» عطاء جزاء لعمله، فيكون فضلا على مثل العمل- كقوله تعالى، «من جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها»- .
(أو) هو عطاء (بمعنى الهبة)، غير مترتّب على عمل
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقال: " وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ " [سبأ: 13]، ببنية المبالغة.
ليعم شكر التكليف. وشكر التبرع.
فشكر التبرع : (أفلا أكون عبداً شكوراً)، قول النبي عليه السلام.
وشكر التكليف ما وقع به الأمر مثل: (واشكروا لله)، (واشكروا نعمة الله).
وبين الشكرين ما بين الشكورين لمن غفل عن الله.
وداود "منصوصٌ" على خلافته والإمامة. وغيره ليس كذلك.)
 
و لا مطلوب منه جزاء؟
لكنّ الظاهر هو الثاني، لأنّه تعالى ذكر أنّه آتى داود فضلا، و لم يذكر أنّه أعطاه ما أعطاه جزاء لعمله. و لم يطلب منه جزاء على ذلك‏ الفضل.
و لمّا طلب الشكر على ذلك بالعمل، طلبه من آله، لا منه، كما قال تعالى، «اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً»، لأنّ النعمة على الأسلاف نعمة على الأخلاف فهو في حق داود عليه السلام عطاء هبة و إفضال، و في حق آله لطلب المعاوضة.
 
(و قال تعالى) بعد ما طلب من آل داود الشكر بالعمل، ("وَ قَلِيلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ". )
فأورد «الشكور» (ببنية المبالغة)- فانّ صيغة «فعول» هاهنا للمبالغة في فاعل- (ليعم) و يشمل (شكر التكليف)، الذي كلّف الله سبحانه به عباده، (و شكر التبرع)، الذي لم يكلّفهم به، لكنّهم أتوا به تبرّعا فانّ المبالغة في الشكر إنّما هو بالإتيان بقسميه كليهما.
 
(فشكر التبرع ) ما يشير إليه قوله، («أ فلا أكون عبدا شكورا»- قول النبي صلّى الله عليه و سلّم) حيث قام الليل كله حتّى تورّمت قدماه، فقيل له، «اقصر، فقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك‏[203] و ما تأخّر».
فقال‏  صلّى الله عليه و سلّم ذلك.
(و شكر التكليف ما وقع به الامر) التكليفي الإلهي، مثل قوله تعالى، (وَ اشْكُرُوا لِلَّهِ)، و قوله تعالى، ("وَ اشْكُرُوا نِعْمَتَ الله")، و غير ذلك ممّا ورد في الكتاب و السنّة.
 
(و بين الشكرين)  شكر التكليف و شكر التبرّع- من التفاوت و التفاضل (ما بين الشكورين) الشكور المكلّف و الشكور المتبرّع، فكما أن الشكور المتبرّع أفضل من الشكور المكلّف، فكذلك شكر التبرّع أفضل من شكر التكليف. و ذلك ظاهر جلى (لمن عقل) و فهم الأمور (من الله)، لا من نظره العقلي.
 
(و داود عليه السلام منصوص على خلافته) عن الله سبحانه في الحكم على الخليقة و التصرّف فيهم، كما قال عزّ من قائل، «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»، على صورة التفويض، مخاطبا إيّاه، آمرا له بالحكم، )و الامامة(، أي و كذلك هو عليه السلام منصوص على إمامته فانّ الامامة بالنسبة إلى الخلافة كالولاية بالنسبة إلى النبوّة، فكل خليفة إمام من غير عكس.
)و غيره ( ، أي غير داود، كآدم و الخليل عليهم السلام، )ليس كذلك  (منصوصا على خلافته و إمامته معا: أمّا الخليل عليه السلام، فلأنّه تعالى قال في حقّه، «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً»، و لم يقل، «خليفة».
و إن كنّا نعلم أنّ الامامة هاهنا خلافة، و لكن ما هي مثلها لو ذكرها بأخصّ أسمائها، أعنى «الخلافة».
و أمّا آدم عليه السلام، فلأنّه و إن نصّ على خلافته، فليس ما نصّ مثل التنصيص على خلافة داود عليه السلام فانّه تعالى قال للملائكة، «إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، و لم يقل، «إنّى جاعل آدم خليفة».
و ما ذكر في قصّته بعد ذلك لا يدلّ على أنّه عين ذلك الخليفة الذي نصّ الله عليه.
و أيضا لم يصرّح سبحانه بتحكيمه في الناس.
فيجوز أن يكون خلافة في الأرض أن يخلف فيها من كان قبله، لا أنّه نائب عن الله في خلقه بالحكم الإلهي فيهم- و إن كان الأمر في نفسه كذلك- إذ ليس كلامنا إلّا في التنصيص عليه و التصريح به.
و قال بعضهم قدّست أسرارهم، إنّ في قوله تعالى: «إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، احتمالا في حق آدم عليه السلام من كونه أوّل الخلفاء و أباهم.
و لكنّ الاحتمال متناول غيره من أولاده: و قرينة الحال تدلّ على أنّ الاحتمال في حق داود أرجح، لأنّ آدم ما أفسد و لا سفك الدماء.
 
و محاجّة الملائكة مع الربّ تعالى في جواب قوله، «إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، بقولهم، «أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ»، مرجّحة للاحتمال في حق داود، لأنّه سفك دماء أعداء الله من الكفرة كثيرا وقتل جالوت وأفسد ملكه وجعل كما قال تعالى حكاية عن بلقيس،
"إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ".
فظهر من داود عليه السلام هذا النوع من الفساد في الكفّار، الذين أمر الله داود و أولى العزم من خلفائه بإفساد ملكهم و حالهم، لأنّه عين إصلاح الملك و الدين.
فصحّت في حق داود عليه السلام ما قالت الملائكة.
فلقائل أن يقول : المراد على التعيين من قوله، «إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، هو داود عليه السلام.
و في كتاب الفكوك قدّس سرّ من أفاده: «و من جملة ما رجّحت به خلافة داود على خلافة آدم عليهما السلام أنّ حظّ آدم من الأسماء- على ما صرّح به- كان علمه بها.
و أمّا داود، فتحقّق بها علما و عملا و حالا:
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن أعطي الخلافة فقد أعطي التحكم والتصرف في العالم "ترجيع الجبال معهُ بالتسبيح والطير" تؤذن بالموافقة.  فموافقة الإنسان له أولى.)
فأمّا علما ...، فلأنّه لا يخفى على الألبّاء أنّ أعظم الشروط في التحقّق بمرتبة الخلافة و أوّلها و أولاها هو العلم.
و أمّا تحقّقه من حيث العمل، فاخبار النبي صلّى الله عليه و سلّم عنه أنّه كان أعبد أهل الأرض. 
و أمّا تحقّقه بها أعنى بالأسماء- حالا، فكون الحق سبحانه قدّر له تزويج تسع و تسعين زوجة ضرب مثال للأسماء الحسنى ...
(و أيضا فانّه) ، يعنى آدم، حين أعطى الخلافة لم يكن ثمّة من الناس من يحكم عليه.
و أمّا الجنّ، فلم يكن إلّا إبليس، الذي أبى أن يسجد له أوّلا، و أزلّه و زوجته و دلّاهما بغرور ثانيا .
بخلاف داود وسليمان عليهما السلام: فانّه نفذ حكمهما في الجنّ والانس وغيرهما من الموجودات.
فكانت الجنّ و الشياطين محكومين لهما بين «بنّاء» و غوّاص و آخرين مقرّنين في الأصفاد.  "فشتّان بين الأمرين!".
(و من أعطى الخلافة) العامّة عن الله سبحانه، (فقد أعطى التحكم و التصرف في العالم) كلّه.
 و داود عليه السلام من هذا القبيل: أعطى التصرّف في أنواع الموجودات، كما أشار إليه رضى الله عنه بقوله، ترجيع الجبال و ترديدها أصواتها معه،
أي مع داود عليه السلام، (بالتسبيح)، بحيث كلّما كان يرجّع التسبيح و يردّد صوته به، كانت الجبال ترجّعه و تردّد أصواتها به.
 وكذلك ترجيع الطير معه بالتسبيح (يؤذن بالموافقة)، أي بموافقة هذين النوعين و انقيادهما له.
 
والوجه في تخصيص هذين النوعين بالموافقة و المتابعة هو أنّهما أشدّ أنواع الأكوان ترفّعا على الإنسان و علوّا عليه و إباء لقبول الإذعان له، لغلبة القساوة و الخفّة فيهما.
وبيّن أنّ كلّا منهما يمنع الانقياد وقبول التصرّف:
أمّا الأوّل، فلإفراطها في طرف الكثافة العاصية عن القبول.
وأمّا الثاني، فلتفريطه في طرف الخفّة و عدم استقراره بين يدي الفاعل عند التأثّر و القبول.
وبيّن أنّ الطرفين، مع غلوّ إبائهما وعلوّ هما على الإنسان، إذا دخلا في انقياده وموافقته، (فموافقة الإنسان) الذي هو ممّا في أواسطهما ممّا يقرب إلى حدّ الاعتدال (له) ، أي لداود، (أولى) وأحرى، ضرورة أنّ رقيقة نسبته إلى الإنسان أوثق وأظهر.
 
ولا يخفى على الواقف المستبصر أنّ تأويل الجبال والطير هاهنا بـ "العظام" و "القوى" لا يوافق كمال خلافة داود عليه السلام وانقياد البرية له و تسلّطه عليها.
ثمّ هذا المعنى وإن كان له وجه في حدّه عند الكلام على الحكم الأنفسية، لكن لا يوافق المقصود، فانّه في صدد تسخير الأكوان الآفاقية له على ما هو من خصائص خلافته عليه السلام.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 18 شرح نقش فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد يناير 19, 2020 6:27 pm

18 شرح نقش فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح نقش الفص اليونسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
18 شرح نقش فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
قال الشيخ الكامل العارف مؤيّد الدين الجندي رحمه الله و هو الشارح الأوّل لفصوص الحكم.
 «إنّما أضيفت الحكمة النفسية إلى الكلمة اليونسية لما نفّس الله بنفسه الرحمانى عنه كربه التي ألبّت عليه من قبل قومه و أهله و أولاده و من جهة أنّه «فَكانَ من الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ»
فلمّا سبّح و اعترف و استغفر، فَنادى‏ ... أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمِينَ"، فنفّس الله عنه كربه ووهبه أهله و سر به. قال تعالى، فـ "نَجَّيْناهُ من الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ".
وقال أيضا رحمه الله، «وجدت بخطّ الشيخ المصنّف رضى الله عنه مقيّدا بفتح الفاء في «النفس»، فصحّحنا النسخ به. و كان عندنا بسكون الفاء فيها.
وقد شرح شيخنا الامام الأكمل أبو المعالي صدر الدين، محيى الإسلام و المسلمين، محمّد بن إسحاق بن محمّد في فكّ الختوم له :
على أنّها حكمة نفسية ... والوجهان فيها موجّهان."
 
قال رضى الله عنه في فكّ الختوم، «اعلم أنّ كل نبى وولى ما عدا الكمّل منهم فانّه مظهر حقيقة كلية من حقائق العالم و الأسماء الإلهية الخصيصة بها وأرواحها، الذين هم الملأ الأعلى على اختلاف مراتبهم ونسبهم من العالم العلوي.
وإليه الإشارة بقول النبي صلّى الله عليه و سلّم، «إنّ آدم في السماء الأولى، وعيسى في الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في‏  الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة صلوات الله عليهم أجمعين".
 
ومن البيّن أنّ أرواحهم غير متحيّزة. فليس المراد من ذلك إلّا التنبيه على قوّة نسبهم من حيث مراتبهم و علومهم و أحوالهم ومراتب أممهم إلى تلك السماء التي كانت أحوالهم هنا صورة أحكامها، أعنى أحكام المراتب والسموات.
ومن هذا الباب ما يذكره الأكابر من أهل الله في اصطلاحهم بالاتّفاق بأنّ من الأولياء من هو على قلب جبرئيل، ومنهم من هو على قلب ميكائيل، وثمّ من هو على قلب إسرافيل على جميعهم السلام ونحو ذلك.
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (عادت بركته على قومه لأن الله أضافهم إليه وذلك لغضبه.
فكيف لو كان في حاله حال الرضا. فظن بالله خيراً. فنجاه من الغم.
وكذلك ننجي المؤمنين. يعني الصادقين في أحوالهم.
ومن لطفه أنبت عليه شجرةً من يقطين إذ خرج كالفرخ.
فلو نزل عليه الذباب أذاه لمّا ساهمهم)
 
وإذا تقرّر هذا، فاعلم أنّ سرّ تسمية شيخنا قدّس الله روحه هذه الحكمة بـ «الحكمة النفسية» هو من أجل أنّ يونس عليه السلام كان مظهرا للصفة الكلية التي تشترك فيها النفوس الانسانية و مثالها من حيث تدبيرها للأبدان العنصرية، وأحواله عليه السلام صور أحكام تلك الصفة الكلية وأمثلتها بحسب ما يقتضيه مرتبته واستعداده".
 
(عادت بركته)، أي بركة يونس عليه السلام، (على قومه) بأن آمنوا، فنفعهم إيمانهم، وكشف عنهم العذاب، (لان الله سبحانه أضافهم اليه) و ألحقهم به إضافة الجزء إلى كلّه وإلحاق الفرع إلى أصله، وحكم الأصل يسرى إلى الفرع.
فلمّا وصلت عناية الله و رحمته إلى يونس، وصلت إلى قومه أيضا، كما قال تعالى، «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ».
وذلك، أي عود بركته إلى قومه، كان لغضبه عليهم فيه، أي في الله، حين حرج صدره لطول ما ذكّرهم، فلم يذكّروا وأقاموا على كفرهم، ففارقهم.
فظنّ أنّ ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلّا غضبا في الله و تعصّبا لدينه وبغضا للكفر و أهله.
وكان عليه أن يصابر و ينتظر الاذن من الله في المهاجرة عنهم. فابتلى ببطن الحوت.
و لمّا عادت بركته عليه السلام عليهم مع كون حاله معهم حال الغضب عليهم في الله، (فكيف) كان الأمر (لو كان حاله عليه السلام معهم حال الرضا) عنهم فيه سبحانه؟
 
(فظن) يونس عليه السلام باللَّه سبحانه (خيرا)، كما أخبر سبحانه عنه بقوله، «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»،
أي لن نضيّق عليه في مهاجرته قومه من غير انتظار لأمر الله.
(فنجاه (الله سبحانه (من الغم) ببركة ذلك الظنّ.
(و كذلك ينجى) الله سبحانه المؤمنين، يعنى المؤمنين (الصادقين في أحوالهم)، كصدق يونس عليه السلام في حاله، أعنى الغضب في الله.
)و من لطفه) سبحانه و عنايته به عليه السلام أنبت «عَلَيْهِ شَجَرَةً من يَقْطِينٍ»، أي الدّبّاء، فانّ من فوائد الدبّاء أنّ الذباب لا يجتمع عنده.
فكان يستظلّ بها (إذ خرج) من بطن الحوت و نبذ بالعراء، كالفرخ الذي ليس عليه ريش.
(فلو نزل عليه الذباب، آذاه.)
ثمّ إنّه (لما ساهمهم)، أي قارع أهل السفينة حين ذهب مغاضبا على قومه و ركب في السفينة، فوقفت فقالوا، «هاهنا عبد آبق من سيّده» و فيما يزعم البحّارون أنّ السفينة إذا كان فيها آبق، لم تجر- (أدخل نفسه فيهم)، أي في أهل السفينة، فقال، «اقترعوا».
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (أدخل نفسه فيهم. فعمت الرحمة جميعهم.)
 
فخرجت القرعة عليه. فقال، «أنا الآبق»، و أوقع نفسه في الماء، فالتقمه الحوت.
(فعمت الرحمة جميعهم) ببركة إدخاله نفسه فيهم عند تلك المساهمة، فانّ الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه، يتنفّس فيه يونس و يسبّح، و لم يفارقهم حتّى انتهوا إلى البرّ.
فلفظه سالما، لم يتغيّر منه شي‏ء. فلمّا شاهدوا ذلك، أدركتهم الرحمة، وأسلموا.
 
قال صاحب الفكوك قدّس سرّه، «لمّا كانت النفوس في الأصل منبعثة عن الأرواح العالية الكلية المسمّاة عند الحكماء بـ «العقول»، و كان للنفوس الانسانية شبه قوى بتلك الأرواح من وجوه شتّى- من جملتها البساطة و دوام البقاء ظنّت أنّ تعلّقها بالأجسام من حيث التدبير والتحكّم لا يكسبها تقييدا و تعشّقا و أنّها متى شاءت، أعرضت عن التدبير بصفة الاستغناء، وكانت كالأرواح التي انبعثت عنها.
وذهلت عن نزول درجتها عن درجة تلك الأرواح في هذا الأمر وعن عدم استغنائها عن التعلّق والتدبير.
 
فلمّا ألفت الأبدان و انصبغت بأحكام الأمزجة- حتّى أثّرت فيها، كما أثّرت هي في المزاج- و تعشّقت بها، و اشتدّ تقيّدها بصحبة البدن، أراها الحقّ عجزها و قصورها عن البلوغ إلى درجة من أوجدها الحقّ بواسطته.
 
و رأت فقرها و تعشّقها، فرجعت متوجّهة إلى الحقّ بصفة التضرّع و الافتقار الذاتي من الوجه الذي لا واسطة فيه بينها و بين الحق.
فأجاب الحق نداءها و أمدّها من لدنه بقوّة و نور استشرفت به على ما شاء الحق أن يطلعها عليه من حضراته القدسية و لطائف أسراره العلية.
فانعكس تعشّقها إلى ذلك الجناب الأقدس، و اتّصلت به. و حصل لها بذلك الاتّصال الرافع لأحكام الوسائط ما أوجب انتظامها في سلك أولى الأيدى و الأبصار.
و انفتح لها باب كان مسدودا. فصار تدبيرها مطلقا، غير مقيّد بصورة بعينها دون صورة بل حصل لها من القوّة و الكمال ما تمكّنت به من تدبير صور شتّى في الوقت الواحد دون تعشّق و تقيّد و ربّما أكسبتها العناية عزّا أنفت به أن تقف في مراتب الأرواح العالية و تكون كهي، لما رأت من حسن ما تجلّى لها من وراء باب الوجه الخاصّ الذي فتح لها بينها و بين موجدها و ما استفادته من ربّها من تلك الجهة.
و سرى من بركة ما حصّلته إلى صورتها- التي كانت مقيّدة بتدبيرها- قوى و أنوار سارية متعدّية في الموجودات علوّا و سفلا. و صارت حافظة بأحدية جمعها من حيث تلك الصورة التي كانت مقيّدة بتدبيرها صورة الخلاف الواقع و الثابت في الموجودات صورة و معنى، روحا و مثالا.
 
" وإذا فهمت هذا، فاعلم أنّ يونس عليه السلام من حيث أحواله المذكورة لنا في الكتاب العزيز مثال ارتباط الروح الإنساني بالبدن و الحوت مثال الروح الحيواني الخصيص به ،
والسرّ في كونه حوتا هو لضعف صفة الحياة فيه، فانّ الحوت ليست له نفس سائلة.
كذلك حيوانية الإنسان ذات حيوة ضعيفة، و لهذا يقبل الموت بخلاف روحه المفارق، فانّ حياته تامّة ثابتة أبدية و اليمّ مثال عالم العناصر، و وجه شبهه باليمّ هو أنّ تراكيب الأمزجة المتكوّنة من العناصر غير متناهية.
 
وأمّا موجب النداء و الاجابة و سرّ قوله تعالى، «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»،
فقد سبقت الإشارة إليه آنفا عند الكلام على أحوال النفوس المدبّرة للأبدان. و أمّا سرّ قوله تعالى، «وَ أَرْسَلْناهُ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ»،
فانّه إشارة إلى أمّهات حقائق العالم و قواه و أنّها على عدد الأنبياء و هم مائة و أربعة و عشرون ألفا فانّ كل نبى و وارث من الأولياء مظهر حقيقة كلية من حقائق العالم و الأسماء، كما أشير إليه في أوّل هذا الفص.
وأمّا سرّ قوله تعالى، «لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ في الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى‏ حِينٍ»، فهو مثال ما ذكر من أنّ لنفوس الكمّل بركة تسرى في أبدانهم و قواهم، فيحصل لها ضرب من البقاء، ولا تنحلّ صورة أبدانهم، وإن فارقتها أرواحهم بل يبقى إلى زمان انتشاء النشأة الأخراوية، كما قال النبي صلّى الله عليه و سلّم، «إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 19 – شرح نقش فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين يناير 27, 2020 4:21 pm

 19 – شرح نقش فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح نقش الفص الأيوبي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
 19 – شرح نقش فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
لمّا كانت أحواله عليه السلام في زمان الابتلاء و قبله و بعده غيبية، أسندت هذه الحكمة الغيبية إلى الكلمة الأيوبية:  أمّا قبل زمان الابتلاء، فلأنّ الله تعالى أعطاه من الغيب بلا كسبه ما لم يعط أحدا من المال و البنين و الزرع و الضرع و الخول و العبيد.
و أمّا في زمان الابتلاء، فلأنّه كان يصعد له من الأعمال الزاكية مثل ما يصعد من أهل الأرض أو أوفى، فغار عليه إبليس و بنوه، و قصده بالأذية هو و ذووه.
و كانوا يستكبرون ما يعمل و يستكثرونه. و كان الله تعالى يشكره في الملإ الأعلى و يذكره.
فقال إبليس، "مع هذه المواهب و النعماء و الآلاء التي أنعم بها الله عليه أعماله قليلة".
فلو كان في حال الابتلاء والفقر وصبر و لم يجزع، لكان ما يأتى من الأعمال أعظم قدرا و أعلى مكانة». فأذن له في اختباره و ابتلائه.
و القصّة مشهورة في بلائه . فسلّط الشيطان على ما تمنّى، فغارت العيون، وانقطعت الأنهار، وخربت الديار، ويبست الأشجار والثمار، وهلكت مواشيه، ومات من كان من بناته و بنيه، وهجره جلّ أهله و ذويه.
كل هذا ابتلاء غيبى من غير سبب معهود و موجب مشهود في مدّة يسيرة.
وبعد غيبته عن أهله وماله مسّه الشيطان بضرّ في نفسه. فظهرت من غيوب جسمه الآلام والأسقام، و تولّد الدود في جسمه و غيوب أعضائه و أجزائه.
فصبر لما عرف السرّ. و لم يجزع و لم يقطع الذكر و الشكر متلقّيا بحسن الصبر هذا الأمر. و لم يشك إلى غير الله إلى انقضاء مدّة الابتلاء.
و أمّا بعد زمان الابتلاء، فلأنّه لمّا بلغ الابتلاء غايته، و تناهي الضرّ نهايته، و لم ينقص من أعماله و طاعاته و أذكاره و أنواع شكره شيئا، و لم يظهر الشكوى و الجزع، تمّت حجّة الله على اللعين و على غيره من الشياطين.

فتجلّى من غيبه ربّه تجلّيا غيبيا، فنادى ربّه، "أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ".
فكشف عنه ما به من ضرّ و وهب «لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً» من عنده و خزانة غيبه.
و أظهر له من غيب الأرض

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لمّا لم يناقض الصبر الشكوى إلى الله ولا قاوم الإقتدار الإلهي لصبره .
وعُلم هذا منه . أعطاه الله أهله ومثلهم معهم .  وركض برجله عن أمر ربه . )

مغتسلا باردا و شرابا. و كل ذلك كان من قوّة إيمانه بالغيب و ثقته بما ادّخر الله له في الغيب. فكان أمره كله من الغيب.
(لما لم يناقض الصبر الشكوى الى الله سبحانه) - و لذلك أثنى الله‏ على أيّوب بالصبر مع دعائه في رفع الضرّ عنه.
(و لا قاوم) ، يعنى أيّوب عليه السلام، (الاقتدار الإلهي بصبره ) و حبسه النفس عن الشكوى إليه تعالى بل شكى إليه و ناداه، «أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» .
(و علم هذا) الأمر، يعنى عدم المقاومة، (منه)، أي من أيّوب، (أعطاه الله أهله) بأن أحيا من مات من بنيه و بناته و رزقه (مثلهم معهم) من الأولاد.
ذهب علماء الظاهر و أهل السلوك الذين لم يصلوا إلى مقام التحقيق بعد إلى أنّ الصبر هو حبس النفس عن الشكوى مطلقا، زعما منهم أنّ من يكون شاكيا لا يكون راضيا بالقضاء، سواء كانت الشكاية إلى الله أو إلى غيره.
و ليس كذلك، لأنّ القضاء حكم الله في الأشياء على حدّ علمه بها و ما يقع في الوجود المقضي به الذي تطلبه عين العبد باستعداده من الحضرة الإلهية.
و لا شكّ أنّ الحكم غير المحكوم به و المحكوم عليه، لكونه نسبة قائمة بهما.
فلا يلزم من الرضا بالحكم- الذي هو من طرف الحق- الرضا بالمحكوم به و من عدم الرضا بالمحكوم به لا يلزم عدم الرضا بالحكم.

و إنّما لزم الرضا بالقضاء، لأنّ العبد لا بدّ أن يرضى بحكم سيّده و أمّا المقضي به، فهو مقتضى عين العبد، سواء رضى بذلك أو لم يرض.
و ذهب المحقّقون من هذه الطائفة إلى أنّ الصبر هو حبس النفس عن الشكوى إلى غير الله، لا إلى الله، لأنّ الشكاية إلى الغير تستلزم الاعراض عن الله، و هو مذموم.
و الشكاية إلى الله تستلزم إظهار العجز و المسكنة و الافتقار إلى الله سبحانه و إظهار أنّ الحق قادر على إزالة موجبات الشكوى، و كلها محمودة.
قال الشيخ رضى الله عنه في فتوحاته المكية الباب الثالث والسبعون :
«إن كان الدعاء إلى الله في رفع الضرّ و دفع البلاء يناقض الصبر المشروع المطلوب في هذا الطريق، لم يثن الله على أيّوب بالصبر و قد أثنى عليه به. بل عندنا من سوء الأدب مع الله أن لا يسأل العبد رفع البلاء عنه، لأنّ فيه رائحة من مقاومة القهر الإلهي بما يجده من الصبر و قوّته.

قال العارف: "إنّما جوّعنى لأبكى"فالعارف و إن وجد القوّة الصبرية، فليفرّ إلى موطن

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فأزال بتلك الركضة آلامه . ونبع الماء الذي هو سر الحياة السارية في كل حي طبيعي . فمن ماءٍ خُلق . وبه يرى . فجعله رحمةً لهُ . وذكرى لنا وله .
ورفق به فيما نذره تعليماً لنا ليتميز في الموّفين بالنذر .
وجعلت الكفارة في أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم لسترهم عما يعرض لها من العقوبة في الحنث .
والكفارة عبادة .)

الضعف و العبودية و حسن الأدب، فانّ القوّة للَّه جميعا.
فيسأل ربّه رفع البلاء عنه أو عصمته منه إن توهّم وقوعه.
و هذا لا يناقض الرضا بالقضاء، فانّ البلاء إنّما هو عين المقضي، لا القصاء: فيرضى بالقضاء و يسأل الله في رفع المقضي عنه فيكون راضيا صابرا."

(و ركض) أيّوب عليه السلام (برجله)، أي ضرب الأرض بها، ركضة صادرة (عن أمر ربه)، حيث أمره بها بقوله، «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ».
(فأزال) ربّه (بتلك الركضة آلامه) و أماط بها أسقامه، (و نبع‏) بها، أي بتلك الركضة، من تحت رجله الماء، الذي هو سر الحياة و أصلها، فانّ بالماء حيى ما حيى من الأجسام الطبيعية العنصرية.
فهو أصل الحياة، أي الحياة (السارية في كل حى) جسمانى (طبيعى) عنصرى، فانّ كلّ ما له حيوة من الأجسام الطبيعية العنصرية خلق من الماء.

إذ النطف التي يخلق منها الحيوان ماء. و ما يتكوّن بغير توالد، فهو أيضا بواسطة المائية المتعفّنة.  و كذلك النبات لا تنبت إلّا بالماء.
(فمن ماء)، يعنى النطفة، خلق، و به، أي بالماء حين نبع من تحت رجله، (بري‏ء) من الآلام و الأسقام، فانّه عليه السلام لمّا ضرب برجله الأرض، نبعت عينان، فاغتسل بإحداهما حتّى ذهب الداء من ظاهره.
ثمّ شرب من الأخرى، فذهب الداء من باطنه. (فجعله)، أي جعل الله سبحانه الماء النابع من تحت رجله، (رحمة) من عنده (و ذكرى)، أي تذكيرا، (لنا و له)، أي لأيّوب عليه السلام.
يعنى جعله رحمة و ذكرى لكل واحد منّا و منه: أما كونه رحمة له، فلما بري‏ء به من الأسقام و أمّا كونه رحمة لنا، فلأنّ جعله تذكيرا لنا، هو عين الرحمة.
و أمّا كونه تذكيرا لنا، فلأنّ إذا سمعنا بما أنعم عليه لصبره، نرغب في الصبر على البلاء و أمّا كونه تذكيرا له، فبالنسبة إلى سائر أحواله و أوقاته.

و يجوز أن يكون قوله «لنا و له» نشرا على غير ترتيب اللفّ بأن يكون رحمة له و ذكرى لنا. و في بعض النسخ: «رحمة له و ذكرى لنا و له»، فيكون رحمة بالنسبة إليه عليه السلام و ذكرى بالنسبة إلى الكل.
(و رفق) الله سبحانه (به)، أي بأيّوب، و رخص له (فيما نذره) حين حلف في مرضه ليضربنّ امرأته مائة إن بري‏ء.
فلمّا بري‏ء، أمره الله سبحانه‏ أن يأخذ ضغثا، أي حزمة من الحشيش، يضرب بها امرأته.
فحلّل الله يمينه بأهون شي‏ء عليه و عليها،

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والأمر بها أمرٌ بالحنث . إذ رأى خيراً مما حلف عليه . فراعى الإيمان . وإن كان في معصية ذاكرٌ لله فيطلب العضو الذاكر نتيجة ذكره إياه .
وكونه في معصية أو طاعة حكم آخر لا يلزم الذاكر منه شيء . )


لحسن خدمتها إيّاه و رضاه عنها.
ثمّ إنّه سبحانه أخبرنا بذلك (تعليما) و ترخيصا (لنا، لنتميز) بهذا الرفق و الترخيص (في الموفين بالنذر)، أي فيما بين الذين يوفون بنذورهم و أيمانهم، فان هذه الرخصة باقية.
و عن النبي صلّى الله عليه و سلّم أنّه أتى بمخدج قد خبث بأمة، فقال، «خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ، فاضربوه بها ضربة".  رواه النسائي في السنن و أبن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والحافظ ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام من أدلة الأحكام.

(و جعلت الكفارة) و شرعت (في أمة محمد صلّى الله عليه و سلّم لتسترهم) الكفّارة (عما يعرض لها)، أي لهذه الأمّة، و يتوجّه إليها (من العقوبة) الواقعة (في) مقابلة (الحنث) في الأيمان.
و فيه إشارة إلى أنّ الكفّارة من «الكفر» بمعنى الستر، سمّيت بها لأنّها تستر الحالف و تحفظه عمّا يعرض له من عقوبة الحنث.
(و الكفارة عبادة) مأمور بها. (و الامر بها) قبل الحنث (أمر بالحنث)، ضرورة توقّف تحقّقها على تحقّقه فيكون الحنث أيضا مأمورا به،
لكن (إذا رأى) الحالف (خيرا مما حلف عليه، فراعى الله) سبحانه (الايمان)، أي راعى حقّها لاشتمالها على ذكره تعالى حيث شرع الكفّارة المانعة عن أن يعرض للحالف، عقوبة.


(و ان كان) الحالف (في معصية) بسبب الحنث، (فانّه)، أي الحالف، ذاكر للَّه في يمينه ببعض الأعضاء.
(فيطلب العضو الذاكر) منه- و هو اللسان- (نتيجة ذكره إياه سبحانه) من الرحمة و الثواب و حفظه مع سائر الأجزاء من العقاب، فانّه بالجزء الذاكر يحفظ باقى الأجزاء، كما يحفظ العالم بوجود الكامل، الذي يعبد الله في جميع أحواله، فكما أنّ الدنيا لا تخرب، و لا يستأصل ما فيها، ما دام الكامل فيها، فكذلك وجود العالم الإنساني يكون محفوظا بالعناية الإلهية ما دام جزء منه ذاكرا للحق سبحانه.

و كونه، أي كون الحالف، (في معصية أو طاعة حكم آخر لا يلزم) العضو (الذاكر منه)، أي من ذلك الحكم، (شي‏ء) من عقوبة و مثوبة فانّ الإنسان- من حيث أنّه مركّب من حقائق مختلفة روحانية أو جسمانية- كثير ليس أحدى العين، و إن كان من حيث كلّه المجموعى أحديا.
و ما يلزم من طاعة جزء ما و معصيته طاعة جزء آخر و معصيته.

 
اعلم أنّ البلايا و المحن التي تلحق بالأنبياء و الأكابر من أهل الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام، لكل قسم منها موجب و حكم و ثمرة:
فتارة تكون بالنسبة إلى البعض مصاقل لقلوبهم و متمّمات لاستعداداتهم الوجودية المجعولة، ليتهيّئوا بتلك الأمور لقبول ما يتمّ به لهم أذواق مقاماتهم التي حصّلوها، ولم يكمل لهم التحقّق بها.
فيكون تلبّسهم بتلك المحن سببا لاستيفائهم ذوق مقامهم الناقص وترقّيهم فيه إلى ذروة سنامه‏  الموجب للاطّلاع على ما فيه فانّه من لم يتكلّم على المقام، أيّ مقام كان، ولم يترجم عنه بطريق الحصر لأصوله والاستشراف على جملة ما فيه، فانّه إنّما يتكلّم على ذوقه من ذلك المقام، ليس بحاكم عليه و لا محيط به.  فافهم.

و موجب القسم الثاني هو سبق علم الحق سبحانه بأنّ المقام الفلاني سيكون لزيد، لا محالة، مع علم الحق أيضا أنّ حصول ذلك المقام لمن قدّر حصوله له لابدّ وأن يكون للكسب فيه مدخل فلا يتمحّض الموهبة الذاتية فيه.
فان ساعد القدر الإلهي والتوفيق بارتكاب الأعمال التي هي شروط في حصول ذلك المقام، كان ذلك ...
وإن لم يساعد القدر ولم يف العمر باستيفاء تلك الأعمال المشترط ارتكابها للتحقّق بذلك المقام، أرسل الله المحن على صاحب المقام ورزقه الرضا بها و الصبر عليها و حبس النفس فيها عن الشكوى إلى غير الله و الاستعانة في رفعها بسواه.
فكان ذلك كلّه عوضا عن تلك الأعمال المشترطة فيما ذكرنا و قائمة مقامها.

فحصل المقام المقدّر حصوله لصاحبه بالشروط التي يتوقّف حصوله عليها، فانّ الصبر والرضا والإخلاص للَّه دون الالتجاء إلى غيره وطلب المعونة من سواه كلها أعمال باطنة يسرى حكمها في الأحوال الظاهرة، كالنية ونحوها.
فاعلم ذلك و تدبّر ما ذكر لك تعرف كثيرا من أسرار محن أيّوب عليه السلام و ما ابتلى به وثمراته.
و أمّا موجب القسم الثالث، فهو سعة مرآة حقائق الأكابر المضاهية للحضرة الإلهية المترجم عنها بقوله تعالى، «وَ إِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ».

فمن كانت مرآة حقيقته أوسع، كان قبوله ممّا في الحضرة وحظّه منها أوفر.
فكما أنّ حظّهم ممّا يعطى السعادة و يثمر مزيد القرب من الحق سبحانه والاحتظاء بعطاياه الاختصاصية أوفر، فكذلك قبول ما لا يلائم الطبع والمزاج العنصري الذي به تمّت الجمعية، وصحّت المضاهاة المذكورة، يكون أكثر.
فافهم، فقد بيّن لك أسرار المحن و البلايا المختصّة بالأكابر محصورة الأقسام.

وأمّا الخصيصة بعموم المؤمنين، فهي وإن كانت من بعض فروع القسم الأوّل، لكن قد أخبرت الشريعة بأحكامها و ثمراتها فلا حاجة إلى ضبط القول فيها.
والله المرشد.
 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 20 – شرح نقش فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس فبراير 20, 2020 12:02 am

 20 – شرح نقش فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص في شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح نقش الفص اليحيوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
20 – شرح نقش فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية
إنّما اختصّت الكلمة اليحيوية بالحكمة الجلالية لأنّ من شأن الجلال القهر لما يقال له «الغير» و «السوي» و إثبات الوحدة الإطلاقية و نفى ما يشعر بالثنوية على ما هو مقتضى التعيّنات الجلائية، و لذلك يستلزم الأوّلية و الخفاء.
وكان في يحيى أيضا هذه الوحدة حتّى لا تغاير بين اسمه و صفته وصورته ومعناه، وبه صار مظهرا للأوّلية بأن لم يكن له سميّا قبله.
 
وأيضا كان الغالب على حاله أحكام الجلال من القبض والخشية والحزن والبكاء والجدّ والجهد في العمل والهيبة والرقّة والخشوع في القلب. 
روى أنّه بكى من خشية الله حتّى خدّت الدموع في خدّه أخاديد. و كان لا يضحك إلّا ما شاء الله.
و ورد في الحديث ما معناه أنّ يحيى و عيسى عليهما السلام تفاوضا،
فقال يحيى لعيسى كالمعاتب له لبسطه، «كأنّك قد أمنت مكر الله و عذابه».
فقال عيسى، "كأنّك أيست من فضل الله و رحمته".
فأوحى الله إليهما "أنّ أحبّكما إلىّ أحسنكما ظنّا بى".
و كل ذلك من مقتضيات حضرة الجلال و القيام بحقّها.
و لذلك قتل في سبيل الله، و قتل على دمه سبعون ألفا حتّى سكن دمه من فورانه.
 
اعلم أنّه ليس في الوجود موجود يستهلك كثرة صفاته و أفعاله في وحدة ذاته بحيث يضمحلّ لديها كلّ عدد و معدود إلّا الحق سبحانه.
فمن عنايته بشأن يحيى عليه السلام أن جعل له من هذا الكمال نصيبا، فأقامه مقام نفسه.
فأدرج اسمه و صفته و فعله في وحدة ذاته بأن جمع في اسمه بين الدلالة على ذاته و بين الدلالة على صفته و فعله فاتّحد الكل بحسب الوجود اللفظي:
أمّا دلالته على ذاته، فللعلمية و أمّا على فعله، فلأنّه صيغة فعل يدلّ على إحيائه ذكر زكريّا عليه السلام و أمّا على صفته، فلأنّه ليس
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( أنزله منزلته من الأسماء . فلم يجعل له من قبل سمياً . فبعد ذلك وقع الاقتداء به في اسمه . ليرجع إليه . وآثرت فيه همة أبيه لما أشرب قلبه من مريم . وكانت منقطعة من الرجال . فجعلهُ حصوراً بهذا التخيل .

والحكماء عثرت على هذا مثل هذا . فإذا جامع أحدٌ أهله فليخيل في نفسه عند إنزاله الماء أفضل الموجودات .
فإن الولد يأخذ من ذلك بحظٍ وافر . إن لم يأخذه كله .)
 
إحياؤه ذكر زكريّا إلّا للاتّصاف بصفاته و الظهور بها.
 
و لمّا كانت الوحدة تستلزم الأوّلية و عدم المسبوقية بالغير، (أنزله)، أي أنزل الله يحيى، أي (منزلة)، أي منزلة نفسه تعالى، (في) أوّلية الأسماء فكما كان لاسمه سبحانه الأوّلية- أعنى الاسم «الله»، حيث لم يسمّ به غيره سبحانه قبله و لا بعده- كذلك أعطاه الأوّلية في الاسم.
(فلم يجعل له)، أي ليحيى، (من قبل)، أي قبل تسميته بـ «يحيى»، (سميا)، أي مشاركا له في هذا الاسم. و المراد بأوّلية اسم الشي‏ء أن يكون اسميّته و علميّته أوّلا بالنسبة إلى ذلك الشي‏ء، لا إلى غيره.


فبعد ذلك، أي بعد أن أعطاه الأوّلية في ذلك الاسم، (وقع) من غيره (الاقتداء به)، أي بيحيى، (في اسمه) هذا، (ليرجع اليه) ، و يجعل أصلا في التسمية بهذا الاسم.
فمن سمّى به إنّما سمّى به على سبيل التطفّل و التبعية.
(و أثرت فيه)، أي في يحيى، (همة أبيه) زكريّا عليه السلام- فانّ الهمّة من الأسباب الباطنة- (لما أشرب قلبه) ، أي قلب أبيه زكريّا، (من) حبّ (مريم)، فانّ أوّل الأسباب في وجود يحيى استحسان أبيه عليهما السلام حال مريم.
فتوجّه بهمّته ملتجئا إلى ربّه بدعائه.
فاستجاب له ربّه و رزقه يحيى عليه السلام. (فجعله) الله أو أبوه (حصورا) لم يقرب النساء، حصرا لنفسه، أي منعا لها عن الشهوات، بهذا التخيل، أي بسبب تخيّله مريم و استحسانه أحوالها عند إرسال همّته على وجود يحيى.


و في بعض النسخ: «فجعله حصورا هذا التخيّل»، على أن يكون «هذا التخيّل» فاعلا لقوله "جعله".
(و الحكماء عثرت) و اطّلعت (على مثل هذا، فإذا جامع أحد أهله، فليخيل هو في نفسه) و أهله أيضا في نفسها (عند انزال الماء) في رحمها (أفضل الموجودات) المستحضرة عنده، (فان الولد يأخذ من ذلك التخيّل بحظ وافر) و نصيب كامل من الأمر المتخيّل و أحواله و أوصافه و أخلاقه، (ان لم يأخذ كله).
و ذلك لأنّ الولد إنّما يتكوّن بحسب ما غلب على الوالدين‏ من الصفات و الهيئات النفسانية و الأعراض الجسمانية و الصور الذهنية الخيالية.
 
فالصورة التي يشهدها الوالدان أو يتخيّلانها حال المواقعة لها تأثير عظيم في حال الولد حتّى قيل: "إنّ امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر، و جسمه جسم الحيّة و لمّا سئلت عنها، أخبرت بأنّها حين المواقعة رأت حيّة."

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 21 - شرح نقش فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس فبراير 20, 2020 12:02 am

21 - شرح نقش فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص في شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي  

شرح نقش الفص الزكرياوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
21 - شرح نقش فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لمّا فاز زكريا برحمة الربوبية ستر نداءه ربه عن أسماع الحاضرين .  فناداه بسره "نداءً خفياً" فأنتج من لم تجر العادة بإنتاجه . فإن العقم مانع . ولذلك )

اعلم أنّ سرّ وصف حكمته بالحكمة المالكية هو من أجل أنّ الغالب على أحواله كان حكم الاسم «المالك»، لأنّ الملك الشدّة، و المليك الشديد، و أنّ الله ذو القوّة المتين، فأيّده الله بقوّة سرت في همّته و توجّهه، فأثمرت الاجابة و حصول المراد.
وقد علمت أنّ الهمّة من الأسباب الباطنة و الأسباب الباطنة أقوى حكما من الأسباب الظاهرة المعتادة و أحقّ نسبة إلى الحق.
ولهذا كان أهل عالم الأمر أتمّ قوّة من أهل عالم الخلق و أعظم تأثيرا.
وأيضا فلنتذكّر قضية «وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ» فانّه لو لا إمداد الحق زكريّا و زوجته بقوّة غيبية ربّانية خارجة عن الأسباب المعتادة، ما صلحت زوجته، و لا تيسّر لها الحمل منه.
ولهذا لمّا بشّره الحق بيحيى، استغرب ذلك و قال، «رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ من الْكِبَرِ عِتِيًّا».
فأجابه الحق تعالى بقوله، «قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ قَدْ خَلَقْتُكَ من قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً»، أي و إن كان حصول مثل هذا من جهة الأسباب الظاهرة صعبا، بل متعذّرا، فانّه بالنسبة إلى ذى القدرة التامّة و القوّة و المتانة هيّن.
ثمّ إنّه كما سرت تلك القوّة من الحق في زكريّا و زوجته، تعدّت منهما إلى يحيى. و لذلك قال له الحق سبحانه، "يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ". فاعلم ذلك. و الله الهادي.

(لما فاز زكريا عليه السلام برحمة الربوبية) ، بمعنى التربية بالنعمة و المدد و القيام بما فيه صلاحه، و بمعنى الإصلاح أيضا لقوله تعالى، «وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ»، (ستر نداءه ربه) و دعاءه إيّاه سبحانه (عن إسماع الحاضرين فناداه بسره).
ليكون أجمع للهمّة و أبعد عن التفرقة، فيكون أقوى تأثيرا.
فأنتج نداؤه الخفىّ لقوّة تأثيره من لم تجر العادة بانتاجه، و هو يحيى، الذي ولد بين شيخ فان وعجوز عقيم لم يعهد إنتاجها، فان العقم مانع من الإنتاج.

قال الشيخ رضي الله عنه :  (قال : " الريح العقيم " وفرّق بينها وبين اللواقح .  وجعل الله يحيى ببركة دعائه وارث ما عنده . فأشبه وارث جماعة من آل ابراهيم .)

و لذلك، أيّ لكون العقم مانعا من الإنتاج، قال الله سبحانه، «الرِّيحَ الْعَقِيمَ».
فوصف سبحانه الريح بالعقم لعدم إنتاجها خيرا، و فرق بينها، أي بين الريح العقيم، (و بين «اللواقح»)، فـ «اللواقح» ما أنتجت خيرا من إنشاء سحاب ماطر، و «العقيم» ما كانت بخلافها، فالعقم أينما كان مانع من الإنتاج.

(و جعل الله يحيى ببركة دعائه)، أي دعاء زكريّا عليه السلام حيث قال، «فَهَبْ لِي من لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ من آلِ يَعْقُوبَ»، (وارث ما عنده) من العلم و النبوّة و الدعوة إلى الهداية و الابعاد من الضلالة و غيرها.
(فأشبه) يحيى عليه السلام مريم في الوراثة، لأنّه لمّا كفل زكريّا عليه السلام مريم و تصدّى لتربيتها، أورث فيها بعض صفاتها الكمالية، فهي ترث ما عنده أو في الحصورية، لأنّها كانت من جملة ما كان عند زكريّا لكفالته إيّاها فلمّا ورث يحيى ما عنده، ورث بعض صفاتها، فأشبهها فيه.
و كذلك جعله وارث جماعة من آل إبراهيم من الأنبياء و الأولياء و العلماء في الأمور المذكورة آنفا.


.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 22 – شرح نقش فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس فبراير 20, 2020 12:03 am

22 – شرح نقش فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص في شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح نقش الفص الإلياسي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
22 – شرح نقش فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
قال الشيخ رضي الله عنه : (" أحسن الخالقين " ويقول الله : " أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ" [النحل : 17] فخلق الناس : التدبر ، وهذا الخلق الآخر : الإيجاد.)
 
إنّما خصّت الكلمة الالياسية بالحكمة الإيناسية لأنّه عليه السلام قد غلب عليه الروحانية و القوّة الملكوتية حتّى ناسب بها الملائكة و أنس بهم، كما أنس بواسطة جسمانيته بالأنس . فقد أنس بالطائفتين و خالط الفريقين.
و كان له من كل منهما رفقاء يأنس بهم. و بلغ من كمال الروحانية مبلغا لا يؤثّر فيه الموت، كالخضر و عيسى عليهما السلام.
قال رضى الله عنه، «إلياس هو إدريس. كان نبيا قبل نوح عليه السلام. ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثمّ بعث إلى قرية بعلبكّ ... ثمّ مثّل له انفلاق الجبل المسمّى «لبنان» ... عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار. فلمّا رآه، ركب عليه، فسقطت عنه‏ .
كان الحكم بأنّ إلياس عين إدريس مستفاد من الشهود للأمر على ما هو عليه، فانّه رضى الله عنه كان يشاهد جميع أرواح الأنبياء عليهم السلام في مشاهده، كما صرّح به في فص هود عليه السلام من فصوص الحكم و في غيره من الكتب.
و يؤيّد ذلك قراءة ابن مسعود «و إنّ إدريس» في موضع "إلياس" و قراءة بعضهم «إدراسين» في موضع «إلياسين» على أنّهما لغتان في إدريس وإلياس. منه. الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة».
 
(يقول) إلياس عليه السلام مخاطبا لقومه العاكفين على عبادة صنم كانوا يسمّونه «بعلا»، «أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ» جعل عليه السلام صفة الخالقية مشتركة بين الحق سبحانه و بين من سواه.
(و يقول الله تعالى، "أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ")، أثبت الخلق لذاته و نفاه عمّن سواه.
فبين الكلامين بحسب الظاهر تدافع و تناقض.
فأشار رضى الله عنه إلى التوفيق بينهما بقوله، فخلق الناس المفهوم من كلام إلياس عليه السلام هو التقدير- فانّ الخلق في اللغة جاء على ثلاثة معان:
أحدها التقدير يقال، «خلقت النعل»، إذا قدّرته.
و ثانيها الجمع، و منه «الخليقة» لجماعة المخلوقات.
و ثالثها بمعنى القطع يقال، «خلقت هذا على ذاك»، أي قطعته على مقداره.
فمعنى كونه أحسن الخالقين أنّه أحسن المقدّرين.
(و هذا الخلق الآخر) المذكور في قوله تعالى، «أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ»، هو(الإيجاد) عرفا شرعيا، لأنّ الموجد سبحانه يجمع بين الوجود و الماهية و يقتطع من أشعّة مطلق نور الوجود قدرا معيّنا و يضيفه إلى الحقيقة الكونية بقطع نسبته من إطلاقه.
 
حال إدريس عليه السلام في الرفع إلى السماء كانت كحال عيسى عليه السلام.
وكان كثير الرياضة، مغلّبا لقواه الروحانية على النفسانية، مبالغا في التنزيه.
وقد تدرّج في الرياضة والسير إلى عالم القدس والتجرّد عن‏ لمّا رأى إلياس عليه السلام تمادى قومه على كفرهم، دعا ربّه أن يقبضه إليه، فيريحه منهم.
فقيل له، «انظر يوم كذا، فاخرج فيه إلى بلد كذا. فما جاءك من شي‏ء، فاركبه ولا تهبه».
فخرج، ومعه اليسع عليه السلام، حتّى إذا كان بالبلد الذي ذكر له في المكان الذي أمر به، أقبل فرس من نار حتّى وقف بين يديه.
فوثب عليه، فانطلق، وكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذّة المطعم و المشرب.
وطار في الملائكة وكان إنسيا ملكيا سمائيا أرضيا.
كذا في تاريخ ابن الجوزي رحمه الله..
 
منه علائق الحسّ حتّى بقي ستّ عشر سنة لم ينم ولم يأكل ولم يشرب على ما نقل.
فعرج إلى السماء الرابعة، التي هي محلّ القطب.
ثمّ نزل بعد مدّة ببعلبكّ، كما ينزل عيسى عليه السلام على ما أخبرنا نبينا صلّى الله عليه وسلم.
 
فكان «إلياس» النبي صلّى الله عليه وسلم و«الجبل المسمّى لبنان» حقيقته الجسمانية التي يبلغ فيها الروح الإنساني الإلهي لبانتها وحاجتها من تكميل قواها بها وفيها، و«انفلاقها» صورة الفرقان العقلي بين العالي الشريف والسافل السخيف من قواها وحقائق ذاتها، و«الصورة الفرسية المتمثّلة من نار» نفسه الناطقة،
وهي نور في صورة فرس من نار فالصورة النارية لشدّة الشوق والطلب الإرادي لاحراق القوى الشهوية وإحراق حجبها المانعة عن الانسلاخ والتقديس والطهارة عن الأوساخ والصورة الفرسية لحقيقة همّته المترقّية إلى أعالى ذرى العروج، و«جميع آلاته» صورة تكامل قواه الروحانية للانسلاخ والمفارقة عن الأدناس والأوساخ لأجل السير والسلوك الروحاني الذي كان بصدده.
فلمّا أمر بالركوب عليه، ركبه، فسقطت القوى الشهوية منه عن التعلّق بالملاذّ الجسمانية الطبيعية.
فبقي روحا مجرّدا عن الشهوات، كالملائكة و الأرواح.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 23 - شرح نقش فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:27 am

23 - شرح نقش فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص في شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح نقش الفص اللقماني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
23 - شرح نقش فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (لمّا علم لقمان أن الشرك ظلمٌ عظيم للشريك مع الله.)
الإحسان له ثلاث مراتب:
أحدها فعل ما ينبغي لما ينبغي كما ينبغي.
قال عليه السلام، «إنّ الله كتب الإحسان على كل شي‏ء فإذا ذبحتم، فأحسنوا الذبحة وإذا قتلتم، فأحسنوا القتلة» الحديث.
و ثانيها العبادة بحضور تامّ كأنّ العابد يشاهد ربّه، كما قال صلّى الله عليه و سلم، "الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه".
و ثالثها العبادة على المشاهدة دون "كأنّ"، كما قيل لبعض الأكابر، "هل رأيت ربّك"، فقال، "لست أعبد ربّا لم أره".
 
"" أضاف الجامع :
يقول القاشاني عن مرتبة الإحسان الشهودية :وهي المختصة بالعبودية على المشاهدة دون حجاب.
وإليه الإشارة بقوله صلى اللّه عليه وسلم «وجعلت قرة عيني في الصلاة». رواه النسائي
وبقوله صلى اللّه عليه وسلم: «الصلاة نور» . رواه مسلم وأحمد والترمذي
كما قيل لعلى كرم اللّه وجهه: هل رأيت ربك؟ فقال: «لست أعبد ربّا لم أره».
ولهذا كان إذا دخل فيها يرى من ورائه كما يرى من بين يديه. أهـ لطائف الأعلام ""
و إنّما خصّت الحكمة الإحسانية بالكلمة اللقمانية لأنّه صاحب الحكمة، بشهادة قوله تعالى، «وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ».
والحكمة وضع الشي‏ء في موضعه. فهي أي الحكمة والمرتبة الأولى من الإحسان من واد واحد. وأيضا الحكمة تستلزم الإحسان. فلذلك نسبت حكمته إليه.
 
(لما علم لقمان أن الشرك) باللَّه (ظلم عظيم للشريك مع الله)، لأنّه، أي الشريك، وجود متعيّن هو عين الوجود الحق المطلق مع التعيّن الذي هو من جملة شئونه و تجلّياته وقد اعتقده المشرك وجودا مغايرا مشاركا له تعالى في مرتبة الألوهية: فوضعه في غير موضعه وأوقعه في غير موقعه وليس المراد بـ «الظلم» إلّا هذا.
 
(فهو)، أي الشرك، (من مظالم العباد) عنده، لأنّ الشريك- كائنا ما كان- من جملة عباده سبحانه.
قال تعالى : "إِنْ كُلُّ من في السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً".
فالظلم في حقّه يكون من مظالم العباد. و لهذا بالغ في وصيته لابنه بعدم الإشراك، كما قال، «يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
قال رضي الله عنه :  ( فهو من مظالم العباد وله الوصايا بالجناب الإلهي وصايا المرسلين. وشهد الله له بأنه " أتاه الحكمة " فحكم بها نفسه وجوامع الخير.)
وكما أنّ الشرك ظلم للشريك، فكذلك هو ظلم للمرتبة الإلهية، فانّه حكم بانقسامها واشتراكها، مع أنّ الأمر في نفسه لا يقبل الاشتراك.
(وله)، أي للقمان، (الوصايا بالجناب الإلهي)، من ألإيمان به و عدم الإشراك معه و الائتمار بأوامره و الانتهاء عن ما نهى عنه، (مثل وصايا المرسلين) ، كما حكى الله سبحانه بعضها في سورته من القرآن.
(و شهد الله له) ، أي للقمان، (بأنه سبحانه آتاه الحكمة) في قوله تعالى، «وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ».
(فحكم‏ ) لقمان، أي قيّد و ضبط، (بها)، أي بتلك الحكمة، (نفسه).
ومن يقدر على ضبطه عن التصرّفات الغير المرضية والأقوال الغير المفيدة والآراء والتصوّرات الفاسدة؟
(و) لمّا آتاه الحكمة، آتاه (جوامع الخير) أيضا، أي الخيرات الجامعة الشاملة لجزئيات كثيرة، كما قال تعالى، "وَمن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: 24 – شرح نقش فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس مارس 12, 2020 2:33 am

24 – شرح نقش فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص في شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   

شرح نقش الفص الهاروني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
24 – شرح نقش فص حكمة إمامية في كلمة هارونية 
هارون لموسى بمنزلة نواب محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد انفصاله إلى ربه فلينظر الوارث من ورث وفيما استنيب.
فتعينه صحة ميراثه ليقوم فيه مقام رب المال.
فمن كان على أخلاقه في تصرفه كان كأنه هو.
اعلم أنّ الامامة المذكورة في هذا الموضع اسم من أسماء الخلافة.
و هي تنقسم إلى إمامة لا واسطة بينها و بين حضرة الألوهية و إلى إمامة ثابتة بالواسطة.
و التعبير عن الامامة الخالية عن الواسطة مثل قوله تعالى للخليل عليه السلام، «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» [البقرة : 124]، و التي بالواسطة مثل استخلاف موسى هارون عليهما السلام على قومه حين قال له، "اخْلُفْنِي في قَوْمِي". [الأعراف : 142]إذا عرفت هذا، فنقول، كل رسول بعث بالسيف، فهو خليفة من خلفاء الحق و إنّه من أولى العزم.
ولا خلاف في أنّ موسى و هارون عليهما السلام بعثا بالسيف. فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة و الخلافة.

فهارون له الامامة التي لا واسطة بينه و بين الحق فيها، و له الامامة بالواسطة من جهة استخلاف أخيه إيّاه على قومه.
فجمع بين قسمى الامامة، فقويت نسبته إليها. فلذلك أضيفت حكمته إليها دون غيرها من الصفات. فاعلم ذلك.

(هارون لموسى) عليهما السلام حين استخلفه على قومه و ذهب لميقات ربّه (بمنزلة نواب محمد) لمحمّد (صلّى الله عليه و سلم بعد انفصاله) عن هذه النشأة العنصرية ذاهبا الى ربه. فكما أنّ نوّاب محمّد صلّى الله عليه و سلم من الكمّل و الأقطاب ورثته و خلفاؤه في أمّته، يتصرّفون فيهم كتصرّفه صلّى الله عليه و سلم، فكذلك كان هارون وارثا لموسى عليهما السلام و خليفة عنه في قومه و متصرّفا فيهم مثل تصرّفه.

(فلينظر) الولى (الوارث) الذي يرث من قبله من الأنبياء (من يرث منهم)، فانّ الوارث إمّا محمّدى أو غير محمّدى، و الغير المحمّدى إمّا وارث لموسى أو عيسى أو إبراهيم أو غيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
و لينظر الوارث أيضا (فيما استنيب)، أو في العلم دون الحال و المقام، أو في العلم و الحال دون المقام كذي مقام ينصبغ بحال ذى حال ، إمّا بتأثيره الروحاني أو بكلامه و إرشاده فيسرى العلم و الحال.
فإذا سرّى عنه، انصبغ بحال مقام هو فيه.  (فتعينه)، أي الولى الوارث، (صحة ميراثه) و قوّة وراثته للنبي المورّث (ليقوم فيه)، أي فيما استنيب، (مقام) ذلك النبي الذي هو بمنزلة (رب المال) .

فيأخذ العلم مثلا من المأخذ الذي أخذ النبي المورّث أيضا منه، فانّ علوم الأنبياء كانت إلهية وهبية و كشفية بالتجلّى، لا بالكسب و التعمّل.فوجب أن تكون الوراثة الحقيقية كذلك وهبية، لا نقلية و لا عقلية.  
فيرث الولى الوارث العلم من المعدن الذي أخذه النبي و الرسول عنه ، فليس العلم ما يتناقله الرواة بأسانيدهم الطويلة،
فانّ ذلك منقول يتضمّن علوما لا يصل إلى حقيقتها و فحواها إلّا أهل الكشف و الشهود.
و النبي الرسول إنّما أخذ العلم عن الله، لا عن المنقول.
فالورث الحقيقي إنّما هو في الأخذ عن الله، لا عن المنقول.

قال سلطان العارفين أبو يزيد البسطامي رضى الله عنه لبعض علماء الرسوم و نقلة الأحكام و الآثار و الأخبار: «أخذتم علمكم ميتا عن ميت، و أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت». و كذا الحال في الأحوال و المقامات. فمن لم يأخذها عن الله كما أخذ الأوّلون عنه تعالى، بل حفظ كلماتهم و مقالاتهم و روى عنهم، فليس وارثا على الحقيقة، بل بالمجاز.

(فمن كان) من الأولياء الوارثين (على أخلاقه)، أي على أخلاق النبي المورّث و صفاته، (في تصرفه) فيما يرثه بإعطائه غيره أو في الخلق بالإرشاد و التكميل، كان ذلك الولى الوارث (كأنه هو) ذلك النبي المورّث بعينه، كما قال عليه السلام، "علماء أمّتى كأنبياء بنى إسرائيل".

 " فائدة: سئل الحافظ العراقي عما اشتهر على الألسنة من حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيلفقال: لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ ويغني عنه العلماء ورثة الأنبياء وهو حديث صحيح . فتح القدير للمناوي وقاله ابن حجر العسقلاني".


""أضاف الجامع :قال الشيخ فى الفتوحات  الباب الثاني والثلاثون :
"والعلماء ورثة الأنبياء أحوالهم الكتمان لو قطعوا إربا إربا ما عرف ما عندهم ، لهذا قال الخضر ما فعلته عن أمري فالكتمان من أصولهم إلا أن يؤمروا بالإفشاء والإعلان" أهـ.  ""

اعلم أنّ الأولياء الوارثين يأخذون العلوم و الأحوال و المقامات عن أرواح الأنبياء الذين كانوا فيها قبلهم.ويصل إمداد هؤلاء من أرواحهم ومنهم من يأخذها كما ذكرنا عن الله، إمّا في موادّ تلك الرسل والأنبياء أو في الحضرات الإلهية.
و الوارث المحمّدى يأخذ العلوم النبوية عن روح رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحسب نسبته منه.و الأعلى يأخذ عن الله في الصورة المحمّدية أو عن روح خاتم الولاية الخاصّة المحمّدية أو عن الله فيه كذلك.
فالمقامات الإلهية و الأحوال و العلوم معمورة أبدا بعد الأنبياء بالورثة المحمّديين و غير المحمّديين.

و يسمّيهم المحقّق «أنبياء الأولياء»، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلّى الله عليه و سلم بقوله، "علماء أمّتى كأنبياء بنى إسرائيل"، و في رواية، "أنبياء بنى إسرائيل"، بلا كاف التشبيه.
و الروايتان صحيحتان.

فالآخذون عن أرواح الرسل من كونهم رسلا ليست علومهم و أحوالهم و مقاماتهم جمعية أحدية محيطة. و الآخذون علومهم عن الله في الصورة المحمّدية الختمية هم الكمّل من أقطاب المقامات.و أكمل الكمّل وراثة أجمعهم و أوسعهم إحاطة بالمقامات و العلوم و الأحوال و المشاهد، و هو خاتم الولاية الخاصّة المحمّدية في مقامه الختمى.
فوراثته أكمل الوراثات في الكمال و السعة و الجمع و الاحاطة لعلوم رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أحواله و مقاماته و أخلاقه، و يطابقه في الجميع.

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس مايو 14, 2020 12:10 pm

25 – شرح نقش فص حكمة علوية في كلمة موسوية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص في شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   

شرح نقش الفص الموسوي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
25 – شرح نقش فص حكمة علوية في كلمة موسوية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( هارون لموسى بمنزلة نواب محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد انفصاله إلى ربه فلينظر الوارث من ورث وفيما استنيب. فتعينه صحة ميراثه ليقوم فيه مقام رب المال.
فمن كان على أخلاقه في تصرفه كان كأنه هو. )
اعلم أنّ الامامة المذكورة في هذا الموضع اسم من أسماء الخلافة.
و هي تنقسم إلى إمامة لا واسطة بينها و بين حضرة الألوهية و إلى إمامة ثابتة بالواسطة.
و التعبير عن الامامة الخالية عن الواسطة مثل قوله تعالى للخليل عليه السلام، «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» [البقرة : 124]، و التي بالواسطة مثل استخلاف موسى هارون عليهما السلام على قومه حين قال له، "اخْلُفْنِي في قَوْمِي". [الأعراف : 142]
إذا عرفت هذا، فنقول، كل رسول بعث بالسيف، فهو خليفة من خلفاء الحق و إنّه من أولى العزم.
ولا خلاف في أنّ موسى و هارون عليهما السلام بعثا بالسيف. فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة و الخلافة.
فهارون له الامامة التي لا واسطة بينه و بين الحق فيها، و له الامامة بالواسطة من جهة استخلاف أخيه إيّاه على قومه.
فجمع بين قسمى الامامة، فقويت نسبته إليها. فلذلك أضيفت حكمته إليها دون غيرها من الصفات. فاعلم ذلك.

(هارون لموسى) عليهما السلام حين استخلفه على قومه و ذهب لميقات ربّه (بمنزلة نواب محمد) لمحمّد (صلّى الله عليه و سلم بعد انفصاله) عن هذه النشأة العنصرية ذاهبا الى ربه. فكما أنّ نوّاب محمّد صلّى الله عليه و سلم من الكمّل و الأقطاب ورثته و خلفاؤه في أمّته، يتصرّفون فيهم كتصرّفه صلّى الله عليه و سلم، فكذلك كان هارون وارثا لموسى عليهما السلام و خليفة عنه في قومه و متصرّفا فيهم مثل تصرّفه.

(فلينظر) الولى (الوارث) الذي يرث من قبله من الأنبياء (من يرث منهم)، فانّ الوارث إمّا محمّدى أو غير محمّدى، و الغير المحمّدى إمّا وارث لموسى أو عيسى أو إبراهيم أو غيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.

و لينظر الوارث أيضا (فيما استنيب)، أو في العلم دون الحال و المقام، أو في العلم و الحال دون المقام كذي مقام ينصبغ بحال ذى حال ، إمّا بتأثيره الروحاني أو بكلامه و إرشاده فيسرى العلم و الحال.
فإذا سرّى عنه، انصبغ بحال مقام هو فيه.  (فتعينه)، أي الولى الوارث، (صحة ميراثه) و قوّة وراثته للنبي المورّث (ليقوم فيه)، أي فيما استنيب، (مقام) ذلك النبي الذي هو بمنزلة (رب المال) .

فيأخذ العلم مثلا من المأخذ الذي أخذ النبي المورّث أيضا منه، فانّ علوم الأنبياء كانت إلهية وهبية و كشفية بالتجلّى، لا بالكسب و التعمّل.
فوجب أن تكون الوراثة الحقيقية كذلك وهبية، لا نقلية و لا عقلية.  
فيرث الولى الوارث العلم من المعدن الذي أخذه النبي و الرسول عنه ، فليس العلم ما يتناقله الرواة بأسانيدهم الطويلة،
فانّ ذلك منقول يتضمّن علوما لا يصل إلى حقيقتها و فحواها إلّا أهل الكشف و الشهود.
و النبي الرسول إنّما أخذ العلم عن الله، لا عن المنقول.
فالورث الحقيقي إنّما هو في الأخذ عن الله، لا عن المنقول.

قال سلطان العارفين أبو يزيد البسطامي رضى الله عنه لبعض علماء الرسوم و نقلة الأحكام و الآثار و الأخبار: «أخذتم علمكم ميتا عن ميت، و أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت». و كذا الحال في الأحوال و المقامات. 
فمن لم يأخذها عن الله كما أخذ الأوّلون عنه تعالى، بل حفظ كلماتهم و مقالاتهم و روى عنهم، فليس وارثا على الحقيقة، بل بالمجاز.

(فمن كان) من الأولياء الوارثين (على أخلاقه)، أي على أخلاق النبي المورّث و صفاته، (في تصرفه) فيما يرثه بإعطائه غيره أو في الخلق بالإرشاد و التكميل، كان ذلك الولى الوارث (كأنه هو) ذلك النبي المورّث بعينه، كما قال عليه السلام، "علماء أمّتى كأنبياء بنى إسرائيل".

 " فائدة: سئل الحافظ العراقي عما اشتهر على الألسنة من حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل
فقال: لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ ويغني عنه العلماء ورثة الأنبياء وهو حديث صحيح . فتح القدير للمناوي وقاله ابن حجر العسقلاني".

""أضاف الجامع :
قال الشيخ فى الفتوحات  الباب الثاني والثلاثون :
"والعلماء ورثة الأنبياء أحوالهم الكتمان لو قطعوا إربا إربا ما عرف ما عندهم ، لهذا قال الخضر ما فعلته عن أمري فالكتمان من أصولهم إلا أن يؤمروا بالإفشاء والإعلان" أهـ.  ""

اعلم أنّ الأولياء الوارثين يأخذون العلوم و الأحوال و المقامات عن أرواح الأنبياء الذين كانوا فيها قبلهم.
ويصل إمداد هؤلاء من أرواحهم ومنهم من يأخذها كما ذكرنا عن الله، إمّا في موادّ تلك الرسل والأنبياء أو في الحضرات الإلهية.
و الوارث المحمّدى يأخذ العلوم النبوية عن روح رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحسب نسبته منه.
و الأعلى يأخذ عن الله في الصورة المحمّدية أو عن روح خاتم الولاية الخاصّة المحمّدية أو عن الله فيه كذلك.
فالمقامات الإلهية و الأحوال و العلوم معمورة أبدا بعد الأنبياء بالورثة المحمّديين و غير المحمّديين.
و يسمّيهم المحقّق «أنبياء الأولياء»، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلّى الله عليه و سلم بقوله، "علماء أمّتى كأنبياء بنى إسرائيل"، و في رواية، "أنبياء بنى إسرائيل"، بلا كاف التشبيه. و الروايتان صحيحتان.

فالآخذون عن أرواح الرسل من كونهم رسلا ليست علومهم و أحوالهم و مقاماتهم جمعية أحدية محيطة. و الآخذون علومهم عن الله في الصورة المحمّدية الختمية هم الكمّل من أقطاب المقامات.
و أكمل الكمّل وراثة أجمعهم و أوسعهم إحاطة بالمقامات و العلوم و الأحوال و المشاهد، و هو خاتم الولاية الخاصّة المحمّدية في مقامه الختمى.
فوراثته أكمل الوراثات في الكمال و السعة و الجمع و الاحاطة لعلوم رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أحواله و مقاماته و أخلاقه، و يطابقه في الجميع.

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس مايو 14, 2020 12:11 pm

26 - شرح نقش فص حكمة صمدية في كلمة خالدية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص في شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي  

شرح نقش الفص الخالدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
26 - شرح نقش فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( جعل آيته بعد انتقاله إلى ربه. فأضاع الآية. وأضاع قومه. فأضاعوه.)
"الصمد" يقال على ما لا جوف له: تقول، «هذا مصمود»، أي ليس بمجوّف، و يقال للمقصد و الملجإ: قال الله تعالى، "الله الصَّمَدُ".
و لمّا كان خالد عليه السلام في قومه مظهر الصمدية- يصمدون إليه في المهمّات و يقصدونه في الملمّات، فيكشف الله عنهم بدعائه البليات- و كان دعوته إلى الأحد الصمد، و مشهده الصمدية، و هجّيراه في ذكره الأحد الصمد، اختصّت الحكمة الصمدية بكلمته عليه السلام.
لمّا استشرف خالد بن سنان عليه السلام كمال نبوّة محمّد صلّى الله عليه و سلم و علم أنّه المبعوث رحمة للعالمين كافّة، تمنّى أن يكون له عموم إنباء و نبوّة مستندة إلى العلم الحاصل للكافّة بما في البرزخ بعد الموت، فانّ العامّة لا ينقادون لانباء الأنبياء انقيادهم لانباء من ينبئ بعد أن يموت، فيحييه الله، فيخبر بما شاهد هنالك، فانّ تأثير مثل ذلك في إيمان عموم الخلق أبلغ.
فلذلك جعل، أي خالد عليه السلام، آيته الدالّة على نبوّته بعد انتقاله الى ربه بالموت، و ما أظهر نبوّته في الدنيا. لذلك قال النبي صلّى الله عليه و سلم، «إنّى أولى الناس بعيسى بن مريم، فانّه ليس بينى و بينه نبى»،
أي نبى داع للخلق إلى الحق و مشرّع. فأضاع الاية حيث لم يظهرها في حياته، (و أضاع )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في ابنته: "مرحباً بابنة نبيٍ اضاعهُ قومه" وما أضاعه إلا بنوه حيث لم يتركوا الناس ينبشونه لما يطرأ على العرب من العار المعتاد.)
 
(قومه أيضا)، إذ لم يطلعهم عليها، (فأضاعوه)، أي أضاعوا وصيته و لم يبلّغوه مراده جزاء له.
(و لهذا)، أي لأنّ قومه أضاعوه، (قال النبي صلّى الله عليه و سلم في) حق (ابنته) حين جاءت إليه صلّى الله عليه و سلم بعد البعثة، "مرحبا بابنة نبى أضاعه قومه"، انتهى الحديث.
"" أضاف المحقق :
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلا، من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه: إني أطفئ عنكم نار الحدثان، قال: فقال له عمارة بن زياد، رجل من قومه: والله ما قلت لنا يا خالد قط إلا حقا فما شأنك وشأن نار الحدثان تزعم أنك تطفئها قال: فانطلق وانطلق معه عمارة بن زياد في ثلاثين من قومه حتى أتوها وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فيها
فقال: إن أبطأت عليكم فلا تدعوني باسمي فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا قال: فاستقبلها خالد فضربها بعصاه وهو يقول: بدا بدا بدا كل هدى زعم ابن راعية المعزى أني لا أخرج منها وثناي بيدي حتى دخل معها الشق
قال: فأبطأ عليهم
قال: فقال عمارة بن زياد: والله لو كان صاحبكم حيا لقد خرج إليكم بعد، قالوا: ادعوه باسمه، قال: فقالوا: إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه فدعوه باسمه
قال: فخرج إليهم وقد أخذ برأسه فقال: ألم أنهكم أن تدعوني باسمي قد والله قتلتموني فادفنوني فإذا مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانتبشوني فإنكم ستجدوني حيا، قال: فدفنوه فمرت بهم الحمر فيها حمار أبتر فقلنا: انبشوه فإنه أمرنا أن ننبشه.
قال عمارة بن زياد: لا تحدث مضر أنا ننبش موتانا والله لا ننبشه أبدا،
قال: وقد كان أخبرهم أن في عكم امرأته لوحين فإذا أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم سترون ما تسألون عنه وقال: لا يمسهما حائض،
قال: فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهي حائض
قال: فذهب بما كان فيهما من علم قال: فقال أبو يونس: قال سماك بن حرب سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ذاك نبي أضاعه قومه»
وقال أبو يونس: قال سماك بن حرب: إن ابن خالد بن سنان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مرحبا بابن أخي» قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، فإن أبا يونس هو الذي روى عن عكرمة هو حاتم بن أبي صغيرة وقد احتجا جميعا به واحتج البخاري بجميع ما يصح عن عكرمة، فأما موت خالد بن سنان هكذا فمختلف فيه»
فإني سمعت أبا الأصبغ عبد الملك بن نصر، وأبا عثمان سعيد بن نصر، وأبا عبد الله بن صالح المعافري، الأندلسيين وجماعتهم عندي ثقات يذكرون: «أن بينهم وبين القيروان بحر وفي وسطها جبل عظيم، لا يصعده أحد، وإن طريقها في البحر على الجبل، وأنهم رأوا في أعلى الجبل في غار هناك رجلا عليه صوف أبيض محتبيا في صوف أبيض، ورأسه على يديه، كأنه نائم لم يتغير منه شيء، وإن جماعة أهل الناحية يشهدون أنه خالد بن سنان والله تعالى أعلم» "" روه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير و تاريخ المدينة لابن شبة وإتحاف المهرة لابن حجر.
و يقول الشيخ رضى الله عنه، (و ما أضاعه الا بنوه، حيث لم يتركوا الناس المؤمنين ينبشونه لما يطرأ على العرب من العار المعتاد) فيما بينهم لحميتهم الجاهلية.
و قصّته أنّه كان مع قومه يسكنون بلاد عدن.
فخرجت نار عظيمة من مغارة، فأهلكت الزرع و الضرع، فالتجأ إليه قومه. فأخذ خالد يضرب تلك النار بعصاه حتّى رجعت هاربة منه إلى المغارة التي خرجت منها.
ثمّ قال لأولاده، «إنّى أدخل المغارة خلف النار حتّى أطفئها».
و أمرهم أن يدعوه بعد ثلاثة أيّام تامّة، فانّهم إن نادوه قبل ثلاثة أيّام، فهو يخرج و يموت.
و إن صبروا ثلاثة أيّام، يخرج سالما.
فلمّا دخل، صبروا يومين. و استفزّهم الشيطان، فلم يصبروا تمام ثلاثة أيّام، فظنّوا أنّه هلك.
فصاحوا به، فخرج عليه السلام من المغارة، و على رأسه ألم حصل من صياحهم. فقال، "ضيّعتمونى و أضعتم قولى و وصيتى".
وأخبرهم بموته وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوما، فانّه يأتيهم قطيع من الغنم، يقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب.
فإذا حاذا قبره و وقف، فلينبشوا عليه قبره، فانّه يقوم و يخبرهم بأحوال البرزخ و القبر عن يقين و رؤية. فانتظروا أربعين يوما، فجاء القطيع، و يقدمه حمار أبتر.
فوقف حذاء قبره. فهمّ مؤمنو قومه أن ينبشوا عليه.
(فأبى أولاده خوفا من العار)، لئلّا يقال لهم، "أولاد المنبوش".
فحملتهم الجاهلية على ذلك، فضيّعوا وصيته و أضاعوه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس مايو 14, 2020 12:12 pm

27 – شرح نقش فص حكمة فردية في كلمة محمدية .كتاب نقد النصوص في شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص في شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي   

شرح نقش الفص المحمدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
27 – شرح نقش فص حكمة فردية في كلمة محمدية
27 – شرح نقش فص حكمة فردية في كلمة محمدية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( معجزته القرآن . والجمعية إعجاز على أمر واحد لما هو الإنسان عليه ).
إنّما خصّت الكلمة المحمّدية بالحكمة الفردية لأنّه صلّى الله عليه و سلم أوّل التعيّنات الذي تعيّن به الذات الأحدية قبل كل تعيّن تظهر به من التعيّنات الغير المتناهية. وهذه التعيّنات مترتّبة ترتّب الأجناس و الأنواع و الأصناف والأشخاص، مندرج بعضها تحت بعض. فهو يشمل جميع التعيّنات.

فهو واحد فرد في الوجود، لا نظير له، إذ لا تعيّن يساويه في المرتبة، و ليس فوقه إلّا الذات الأحدية المطلقة المنزّهة عن كلّ تعيّن وصفة و اسم و رسم و حدّ و نعت.
فله الفردية مطلقا. وأيضا أوّل ما حصل به الفردية إنّما هو بعينه الثابتة، لأنّ أوّل ما فاض بالفيض الأقدس من الأعيان هو عينه الثابتة.
فحصل بالذات الأحدية والمرتبة الإلهية وعينه الثابتة الفردية الأولى.
و توصيف هذه الحكمة ب «الكلية»، كما وقع في بعض نسخ الفصوص، لشمول التعيّن الأوّل- الذي هو حقيقته عليه السلام- كلّ التعيّنات.

اعلم أنّ الحقائق العلمية إن كانت معتبرة لا بأحوالها، تسمّى "حروفا غيبية"، و مع أحوالها، «كلمات غيبية»، والوجودية بلا أحوالها، "حروفا وجودية"، ومعها، «كلمات وجودية»، فالدالّة منهما على جملة مفيدة، "آية"، والبعض الجامع لتلك الجمل، «سورة»، ومجموع المقولات أو الموجودات باعتبار التفصيل، "فرقانا"، و باعتبار الجمع، «قرآنا».
ولجمعيتها في الإنسان الكامل سمّى نفسه أيضا «قرآنا»، وعبارتها الواردة عليه من الحق أيضا "قرآنا".

إذا عرفت هذا، فنقول، (معجزته) الدالّة على نبوّته صلّى الله عليه و سلم هي القرآن، الذي هو نفسه و حقيقته باعتبار جمعيتها الحقائق كلها، أو العبارة الدالّة على تلك الجمعية الواردة عليه صلّى الله عليه وسلم من الحق سبحانه.

وأيّا ما كان، فهو معجز، فانّه ليس لحقيقة من الحقائق هذه الجمعية، لأنّ الحقائق كلها داخلة تحت الحقيقة المحمّدية دخول الجزء تحت الكل، ولا لكتاب من الكتب الدلالة على تلك الجمعية، فانّ القرآن أحدية جمع جميع الكتب الإلهية.
وقد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنّه قال، «أنزل الله مائة و أربع كتب من السماء.


قال الشيخ رضي الله عنه :  (من الحقائق المختلفة . كالقرآن بالآيات المختلفة بما هو كلام الله مطلقاً . وبما هو كلام الله . وحكاية الله . فمن كونه كلام الله مطلقاً هو معجز . وهو الجمعية .
وعلى هذا يكون جمعية الهمة : " وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ " [التكوير : 22] .
فما بخل بشيءٍ).

فأودع علوم المائة في الأربع، وهي التورية والإنجيل والزبور والفرقان.
ثمّ أودع علوم هذه الأربع في القرآن. ثمّ أودع علوم القرآن في المفصّل من سوره.
ثمّ أودع علوم المفصّل في الفاتحة. فمن علم تفسير الفاتحة، علم تفسير جميع كتب الله المنزلة. ومن قرأها، كأنّما قرأ التورية والإنجيل والزبور والفرقان.  اورده السيوطي الدر المنثور

و لمّا كانت جمعية الهمّة من بعض بطون معنى القرآن- كما وقعت الإشارة إليه في الفص الموسوي- أراد رضى الله عنه أن ينبّه على أنّ تلك الجمعية أيضا إعجاز، فقال، (والجمعية اعجاز على أمر واحد) ، أي جمعية الهمّة على أمر واحد إعجاز، (لما هو الإنسان عليه من الحقائق المختلفة) و القوى المتعدّدة المتكثّرة الروحانية أو الجسمانية.

و لكل من تلك الحقائق و القوى اقتضاء خاصّ و حكم متعيّن يغاير أحكام ما عداه.
فالجمعية التي هي استهلاك تلك الكثرة في الوحدة أمر خارق لعادة الجمهور، فهو إعجاز.

والإنسان المتكثّر بحقائقها المختلفة (كالقرآن) المتكثّر (بالآيات المختلفة)، أي المنقسم، ( بما هو كلام الله‏ مطلقا)، أي من غير أن يكون حكاية عن كلام أحد حكاية لفظية، (و بما هو كلام الله) من حيث أنّه سبحانه تكلّم به، و لكنّه في الحقيقة ليس كلام الله، بل (حكاية الله) عن كلام متكلّم آخر. حكاية لفظية.

(فمن كونه)، أي فالقرآن من حيث كونه، (كلام الله مطلقا هو معجز)، لا من حيث أنّ بعضه كلام متكلّم آخر حكاه الله سبحانه بلفظه، فانّه ليس يلزم أن يثبت له الاعجاز من هذه الحيثية.
(وهو)، أي كون القرآن المتكثّر بآياتها المختلفة متّحدا في كونه كلام الله هو، (الجمعية)، التي تستلزم الاعجاز.
(و على هذا)، أي على طريق تلك الجمعية، يكون جمعية الهمة للإنسان بحقائقها المختلفة. فكما أنّ تلك الجمعية إعجاز، فكذلك جمعية الهمّة، لما عرفت.
قال تعالى، «وَ ما صاحِبُكُمْ»، يعنى محمّدا صلّى الله عليه و سلم، «بِمَجْنُونٍ»،
 

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( مما هو لكم ولا " بِضَنِينٍ " . أي ما يتهم في أنه بخل بشيءٍ من الله هو لكم . الخوف مع الضلال قال : " مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " [النجم : 2] . )

من «الجنون» بمعنى الستر، (أي ما ستر عنه شي‏ء)، إذ "لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض" و لا في السماء من حيث حقّيّته،

وإن كان يقول، «أنتم أعلم بأمور دنياكم» من حيث بشريته. رواه مسلم
وذلك لأنّ الحقيقة المحمّدية- التي هي صورة الاسم الجامع الإلهي- هي التي تربّ صور العالم كلها بالربّ الظاهر فيها الذي هو ربّ الأرباب.

فلا بدّ لها من الاتّصاف بالصفات الإلهية كلها من العلم الشامل و القدرة الكاملة و غيرهما، ليتصرّف بها في أعيان العالم على حسب استعداداتها، ولكنّ ذلك إنّما هو من جهة حقّيّتها، لا من جهة بشريتها، فانّها من تلك الجهة عبد مربوب محتاج إلى ربّها، كما نبّه سبحانه على هذه الجهة بقوله، قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‏ إِلَيَّ، وعلى الجهة الأولى بقوله، وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ الله رَمى‏، فأسند رميه إلى الله.

والحاصل أنّ ربوبيته للعالم بالصفات الإلهية التي له من حيث مرتبته، وعجزه و مسكنته وجميع ما يلزمه من النقائص الامكانية من حيث بشريته، الحاصلة من التقيّد والتنزّل إلى العالم السفلى، ليحيط بظاهره بخواصّ العالم الظاهر وبباطنه بخواصّ العالم الباطن، فيصير مجمع البحرين ومظهر العالمين.


فنزوله أيضا كماله، كما أنّ عروجه إلى مقامه الأصلي كماله. فالنقائص أيضا كمالات باعتبار آخر يعرفها من تنوّر قلبه بالنور الإلهي.

"ولا بضنين"، من «الضنّ» وهو البخل أي ليس‏  صاحبكم صلّى الله عليه و سلم ببخيل،
(فما بخل بشي‏ء مما هو لكم) ، أي بشي‏ء يكون من جملة ما ينبغي لكم و يقتضيه استعداداتكم.
(و لا بظنين)، من "الظنّ" بمعنى التهمة، كما وقع في بعض القراآت، (أي ما يتهم في أنه بخل بشي‏ء ) حاصل لديه (من) عند (الله هو لكم)، لأنّه صلّى الله عليه و سلم بربوبيته المذكورة أعطى كل ذى حق حقّه و أفاض عليه جميع ما احتاج إليه و استحقّه.


ثمّ إنّه (لما كان الخوف) لا يتحقّق إلّا (مع الضلال)، الذي هو الحيرة- فانّ الخوف عبارة عن انسلاخ القلب عن طمأنينة الأمن لتوقّع مكروه ممكن الحصول، و لا شكّ أنّ توقّع المكروه من غير جزم به حيرة و تردّد- فحيث أراد الله تعالى نفى الخوف عنه صلّى الله عليه و سلم، حكم بنفي الضلال عنه، كما (قال سبحانه، «ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى‏» [النجم : 2].

و لكن ينبغي أن تعلم أنّ للضلال ثلاث مراتب: بداية و وسط و نهاية. و الضلال المنفي عنه صلّى الله عليه و سلم هو ما عدا المرتبة الأخيرة، فإنّ المرتبة الأخيرة هي مقامه صلّى الله عليه و سلم الذي طلب المزيد فيه بقوله، «ربّ زدني فيك تحيّرا»، كما أشار إليه رضى الله عنه بقوله،


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( أي ما خاف في حيرته لأنه من علم أن الغاية في الحق هي الحيرة فقد اهتدى فهو صاحب هدىً وبيانٍ في إثبات الحيرة .)
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم .

(أي ما خاف في حيرته)، التي هي المرتبة الأخيرة التي يتمنّاها الكمّل ولا يتعدّونها أبد الآباد.
وإنّما لم يخف صلّى الله عليه وسلم في هذه المرتبة  (لأنه)، أي لأنّ الشأن أنّه صلّى الله عليه و سلم علم أنّ الغاية القصوى في معرفة الحق هي الحيرة، و(من علم أن الغاية القصوى في) معرفة (الحق سبحانه هي الحيرة، فقد اهتدى) في حيرته إلى أنّها هي الغاية. و من اهتدى في حيرته إلى ذلك، (فهو صاحب هدى و بيان في اثبات الحيرة). و إنّها هي الغاية، فكيف يخاف فيها.

اعلم أنّ المرتبة الأولى من الضلال تختصّ بحيرة أهل البدايات من جمهور الناس، و حكم الثانية يظهر في المتوسّطين من أهل الكشف و الحجاب، و حكم الثالثة مختصّ بأكابر المحقّقين.

أمّا سبب  الحيرة الأولى العامّة، فهو كون الإنسان فقيرا طالبا بالذات، فلا يمرّ عليه نفس يخلو فيه من الطلب.
وذلك الطلب متعلّقه في نفس الأمر الكمال الذي هو غاية الطالب.
والغايات تتعيّن بالهمم و المقاصد و المناسبات الداعية الجاذبة. فما لم يتعيّن للإنسان وجهة يرجّحها أو مذهب أو اعتقاد يتقيّد به، بقي حائرا قلقا.
وأوّل مزيل لهذه الحيرة تعيّن المطلب المرجّح، ثمّ معرفة الطريق الموصل، ثمّ السبب المحصّل، ثمّ ما يمكن الاستعانة به في تحصيل الغرض، ثمّ معرفة العوائق و كيفية إزالتها. فإذا تعيّنت هذه الأمور، تزول هذه الحيرة.

ثمّ إنّ حال الإنسان بعد أن يتعيّن له وجهة، و يرجّح أمرا ما يراه الغاية، على ضربين: إمّا يستوعبه ذلك الأمر بحيث لا يبقى فيه فضلة يطلب بها المزيد، كما هو حال أهل الاعتقادات والنحل غالبا، أو يبقى فيه فضلة من صحو، فتراه مع ركونه إلى حال معيّن وأمر مخصوص يفحص أحيانا و يتلمّح، عساه يجد ما هو أتمّ ممّا أدرك. فان وجد ما أقلقه ونبّهه، انتقل إلى دائرة المرتبة الثانية.

 

وحاله في المرتبة الثانية كحاله فيما تقدّم من أنّه لا يخلو إمّا أن يكون في كلّ ما يحصل له مطمئنّا فاترا عن طلب المزيد، أو قد بقيت فيه فضلة تمنعه من الاستقرار، وسيّما إذا رأى المتوسّطين: قد تفرّقوا شيعا، وكل منهم يرى أنّه المصيب ومن وافقه و أنّ الغير في ضلالة.


ويرى مأخذ كل طائفة و متمسّكها، فلا يجده يقوم على ساق.
ويرى الاحتمال متطرّقا و النقوض واردة، فانّه يحار و لا يدرى أيّ المعتقدات أصوب في نفس الأمر.
فلا يزال حائرا حتّى يغلب عليه آخر الأمر حكم مقام ما من المقامات التي يستند إليه بعض أهل العقائد، فينجذب إليه و يطمئنّ، أو يفتّق له بالعناية أو بها وبصدقه في طلبه وجدّه في عزيمته وبذله المجهود الحجاب، فيصير من أهل الكشف.

و حاله في أوّل هذا المقام كحاله فيما سبق من أنّه إذا سمع المخاطبات العلية و عاين المشاهدات السنية و رأى حسن معاملة الحق معه و ما فاز به ممّا فات أكثر العالمين، هل يستعبده بعض ذلك أو كلّه، أو يبقى فيه بقية من غلّة الطلب.
فينظر في قوله تعالى:" وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ". [الشورى : 51]

وفي‏ أمثاله من الإشارات الربّانية والتنبيهات النبوية، فيتنبّه إلى أنّ كلّ ما اتّصل بالحجاب أو تعيّن بالواسطة، فللحجاب و الواسطة فيه حكم، لا محالة، فلم يبق على طهارته الأصلية.
فيتطرّق إليه الاحتمال، و سيّما إذا عرف سرّ الحال و المقام الذي هو فيه و الوصف الغالب عليه، و أنّ لكلّ ممّا ذكر أثرا فيما يبدو له و يصل إليه.
فلا يطمئنّ، و لا تبقى له في حضرة الحقّ من جهة معيّنة و اعتبار مخصوص رغبة، و يتعدّى مراتب الأسماء و الصفات و ما ينضاف إليها من الأحكام و الآثار و التجليّات.

فلم يتعيّن له الحقّ سبحانه في جهة معنوية أو محسوسة من حيث الظاهر أو الباطن بحسب العلوم والمدارك والعقائد والمشاهد والأخبار والأوصاف، لشعوره بعزّة الحقّ سبحانه وعدم انحصاره في كل ذلك أو في شي‏ء منه، ولعدم امتلائه ووقوف همّته عند غاية من الغايات التي وقف فيها أهل المواقف وإن كانوا على حق ووقفوا بالحق له فيه بل أدرك بالفطرة الأصلية دون تردّد أنّ له مستندا في وجوده، وأقبل عليه بأجلّ ما فيه، بل بكليته،

وجعل حضوره في توجّهه إليه سبحانه على نحو ما يعلم سبحانه نفسه في نفسه بنفسه، لا على نحو ما يعلم نفسه في غيره، أو يعلمه غيره، ولا بحسب علومه الموهوبة أو المكتسبة.

وهذه الحالة أوّل أحوال أهل الحيرة الأخيرة التي يتمنّاها الأكابر ولا يتعدّونها، بل يرتقون فيها أبد الآباد دنيا وبرزخا وآخرة.
ليست لهم وجهة معيّنة في الظاهر أو الباطن، لأنّه لم يتعيّن للحق عندهم رتبة يتقيّد بها في بواطنهم و ظواهرهم، فيتميّز عن مطلوب آخر.
بل قد أشهدهم إحاطته بهم من جميع جهاتهم الخفية والجلية وتجلّى لهم فيهم، لا في شي‏ء ولا جهة ولا اسم ولا مرتبة.
فحصلوا من شهوده في بيداء التيه، فكانت حيرتهم منه وبه وفيه.
وليكن هذا آخر ما أريد إيراده في هذا الكتاب و الله هو المرجع وإليه المآب.


.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي
» شرح الشيخ عيد الغني النابلسى كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين أحمد المهائمي فى شرح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
» شرح كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي شرح الشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: