منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 4:48 am

مقدمة المحقق أحمد فريد المزيدي لكتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشريف ناصر السبتي الكيلاني 

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

مقدمة المحقق على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
مقدمة التحقيق للكتاب الشيخ أحمد فريد المزيدي الأكبر المصطفوي الجزء الأول
الحمد لله الذي أوضح لأوليائه سیل الهدايات، ورقاهم بمعرفته إلى أعلى المقامات، وسني الدرجات، ووصلهم به إليه فنالوا الفوز بشر یف المخاطبات، و كشف لهم عن سبحات وجهه فشهدوا مكنونات الصفات، وقربهم بمجالسته فمنحوا بشریف المكالمة، وتلقي الإفاضات، واصطفاهم واصنعهم لنفسه دون سائر البريات، واختصهم ومحبته فوقفوا على أسرار كرائم التحيات المباركات، و الصلوات الطيبات.
وأشهد وجوههم حقيقة نظره المكاشفات، و نزه أفئدتهم و أسرارهم عن ملا حفلة السوي ولفتة الغفلات، وروح أرواحهم بأريج الروح والريحان في رياض الفردوسیات.
فولجوا في رحاب حضرة القدس، ولبسوا حلل الكرامات، وفرغ قلوبهم من سواه، فأضاءت بإشراق أنوار التنازلات.
وكتب فيها أحرفا إيمانية فتأيدت بروج الأنس والمخاطبات، وفتح ما كان مقفة عليها من ملاحظة نيل الكرامات، والاشتراك في الأعمال للثواب والجزاء في بلوغ رفيع الدرجات.
وشرح صدورهم لقبول إسلام الاستسلام، فوقر فيها رشق سهم التوجه للذي فطر الأرضين والسماوات.
وزكی نفوسهم وطهرها فنقت من دنس شبه الشهوات، ورقت في درج الطمأنينة إلى أقصى النهاية في الدرجات، وصفی هياكلهم الجسمانية فتلطفت بنزع أثواب الطبیعات.
وتخلصت من درن لوث الكدورات، فقامت على أقدام العبادات بأوصاف العبودية، والمثابرة على الأعمال الصالحات، فوصفت بالتشريف والتكريم، وحظيت بالدخول في أهل الاختصاصات من عباد الله المصطفين.
ودخول الجنات تلو سيد إمام الملأ الأعلى، والأنبياء والمرسلين من أهل الأرضين والسموات: سیدنا محمد إمام رسل وأنبياء رب العالمين، وسيد ولد آدم من مضى منهم و من هو آت إلى يوم الدين.
صلى الله عليه وعلى آله صلاة لا يبلغ حصرها وعدها أهل الأرضين والسموات، ولا يدرك وصفها الثقلان وسائر المخلوقات.
وبعد..
فهذا كتاب يشرح فصين من فصوص الحكم (الأدمي و الشيثي) للخاتم الثاني من الختام الثلاثة:
فإن الخاتم الأول: سیدنا محمد كما قال الله تعالى: "لكن رسول الله خاتم النبيين" [الأحزاب:40]
والخاتم الثاني: الشيخ محيي الدين بن العربي قدس سره، ختم الله به الولاية الخاصة المحمدية، كما أعلمه تعالى بأنه خاتم الولاية بمدينة فاس سنة 591هـ.
وأما الخاتم الثالث: فهو سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام ختم الله تعالى به الولاية العامة كما ورد: إنه ينزل من السماء، ويكسر الصليب، ويدعوا الناس إلى دين نبينا صلى الله عليه وسلم ، و يكون وليا تابعا نفعنا الله بهم، وأفاض علينا من بركاتهم.
وكتاب الفصوص ألفه الشيخ في دمشق سنة 627 هـ قد احتوى على «27 » فصا، كل منها يحتوي على جوهرة ثمينة ترمي إلى جانب عظيم من الحكمة الإلهية ، أوحي إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام، ابتداء بفص آدم عليه السلام (حكمة إلهية في كلمة آدمية) وانتهاء بالفص المحمدي (حكمة فردية في كلمة محمدية).
وقد قام الشيخ الشريف ناصر الحسيني الكيلاني بشرح فصين (الآدمي و الشيثي) وأجاد في شرح و أفاد، حيث أعد هذا الشرح من أفضل الشروح، ولو كمل شرحه السائر الفصوص، لكان أوسعها وأعظمها، ولكنها حكمة ربانية.
هذا .. وقد أذن لنا شيخنا قدس سره، وحثني على تحقيق هذا الشرح، بعدما قرأ عليه، فحصل الثناء الحسن.
فقمت بالتحقيق و العزو والتخريج و التعليق لبعض المغاليق، وما كان ذلك إلا فتحة من الله وتوفيق، والفضل عائد إلى الله ثم إلى شيخ الطريق، سيدي مصطفى بن عبد السلام الملواني، إمام أهل عصره، وعمدة أرباب التحقيق، قدس الله سره ونور ضريحه... أمين.
وشكر الله لإخواننا في طريق القوم، سائلا الله أن يشرح الصدور، وينورما بنور أول نور، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
ترجمة الشيخ الأكبر صاحب الفصين
قال صاحب جلاء القلوب: وأما الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر ذو المحاسن التي تأخذ القلوب وتبهر العالم العادل، القدوة الكامل، إمام الواصلين. قرة عيون الكاملين، فخر الأولياء والأقطاب العارفين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، قطب دائرة المحققين، صفوة الصفوة من المقربين، ذو المقامات الفاخرة والكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة، سلطان أهل الحقيقة على الإطلاق، و شيخ مشايخ أهل المعرفة بالاتفاق، و كاشف الأسرار الإلهية، الموصوف نختم الولاية الجامعة المحمدية، الذي قيل فيه: إنه لا تسمع مثله الدهور والإعصار، ولا يأتي بقرينة الفلك الدوار، الوارث المحمدي محيي الملة والحق والدين: أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن العربي - بالألف واللام - على ما وجد بخطه، وهو الموجود في عدة نسخ من فتوحاته وبخط جماعة من العلماء.
وذكر جماعة أخرون منهم صاحب القاموس: أن القاضي أبا بكر المالكي وهو محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي دفين فاس وصاحب التصانيف المشهورة التي منها عارضة الأحوذي في شرح الترمذي قال معرفا بالألف واللام.
وأن الشيخ محيي الدين هذا يقال منكرا بلا ألف و لام، وهو اصطلاح اصطلح عليه الكثير وتداولوه، وسمع أيضا من أفواه الثقات، وكأنه للتفرقة بينهما، حتى لا يلتبس أحدهما بالآخر.
وفي «نفح الطيب» كان في المغرب يعرف بابن العربي بالألف واللام، واصطلح أهل المشرق على ذكره بغير ألف ولام فرق بينه وبين القاضي أبي بكر بن العربي .انتهى.
و نكروا الأول لمناسبة كونه باطنية أي: يميل إلى باطن الشريعة، وهو الحقيقة، والباطن غير مألوف.
الطائي نسبا، من ذرية عبد الله بن حاتم الطائي أخي عدي بن حاتم، وأما عدي فلم يعقب.
الظاهري مع الاجتهاد في شيء من الفروع مذهبا وتعبد، الصوفي مشربا وأدبا، الأندلسي إقليما، المرسي مولدا، الدمشقي دارا ووفاة ومزارا.
فإني اقتبست كثيرا من فتوحاته البهية، و تحليت بها ما أمكنني من فصوصه الشهية اللذين هما من آخر ما ألف، و لفضلهما تأنس بمطالعتهما والاقتباس من أنوارهما كل من له ذوق و تألق.
وقد علم من هذا أنه رضي الله عنه من أهل الأندلس الذين هم من أهل المغرب الأقصى في الفضائل المعروفة ظاهرة و نصا.  
وقد أقام بفاس مدة، ولقي بهما من الأفاضل عدة، وكان له بها مسجد بعين الخيل منها يوم فيه، ولا زال كثير من أهل الخير إلى الآن يقصده يتبرك به وينتحبه.
وهذا المغرب الأقصى وخصوصا منه فاسا ونواحيها هو الذي خرجت منه الأولياء الجماهير، والكبار المشاهير، كالشيخ الأكبر هذا.
و كالإمام الشهير أبي عبد الله: محمد بن سليمان الجزولي مؤلف «دلائل الخيرات» 
والشيخ أبي الحسن الشاذلي شيخ الطريقة الشاذلية المشهورة شرقا وغربا.
والقطب سيدي أحمد البدوي دفين طنطا.
والقطب الغوث سيدي عبد العزيز بن مسعود الدباغ.
والغوث الذي مكث جل عمره في الغوثانية سيدي علي الجمل.
وتلميذه مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي شيخ الطريقة الشاذلية الدرقاوية وإمامها.
والقطب سيدي أحمد بن إدريس العرائشي المشهور باليمن، صاحب الأحزاب والصلوات، والذي تفرعت عنه طرائق مختلفات .
وغيرهم ممن يكثر جدا، ولكنه هاجر الكثير منهم إلى البلاد المشرقية ليعم النفع كم سائر البرية، ولأها منبع الأنوار والحقائق بحلول سید السادات ها و خير الخلائق و وفي ذلك يقول صاحب الترجمة عنه :
رأى البرق شرقيا فحن إلى الشرق      ….. ولو لاح غرببا لحن إلى الغرب
إن غرامي بالبريق ولمعه       …… وليس غرامي بالأماكن والترب
ولد رضي الله عنه ليلة الاثنين سابع رمضان المعظم سنة ستين وخمسمائة مرسية، ثم انتقل منها لإشبيلية وللمرية، وطاف وجال في البلاد المغربية.
وكتب لبعض الولاة بالأندلس، ثم ترك ذلك وخرج تائها في البراري إلى أن نزل في قبر فمكث فيه أياما ، ثم خرج يتكلم بهذه العلوم التي نقلت عنه.
ولم يزل سائحا في كل بلد بحسب اللذة، ثم يرحل منها، ويخلف ما ألفه من الكتب فيها، وارتحل إلى المشرق حاجا فحج و زار، وأقام بالحجاز مدة، ودخل مصر و بغداد والموصل وبلاد الروم وسكنها مدة ، ولقي جماعة من العلماء والصلحاء وجهابذة الحديث، وأخذ عنهم و أجازوه، و لقيه هو جماعة من العلماء والمتعبدين وأخذوا عنه، وكان آية من آيات الله علما وعملا ودينا، وتقى وزهدا وتوكلا ويقينا، وكان أعلم زمانه بحيث إنه كان في كل فن متبوعا لا تابعا لأحد من أقرانه.
وكان في الكشف والتصوف والتحقيق بحر لا يجارى وإماما لا يغالط ولا يباري متضلعا بالحقيقة والشريعة، متمسكا منهما بأقوي ذريعة .
وله في التوحيد القدم الراسخة، وفي العلوم اللدنية والمعارف الإلهية الذروة الشامخة ، محیط بما في الكتاب والسنة من العلوم.
مستنبط منهما ما تقف دون إدراكه أقدام الفهوم، منصفا بالولاية العظمى والصديقية الكبرى، وما له من المناقب والكرامات ما لا تحصره مجلدات.
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الله القوري والشيخ أبو العباس زروق وغيرهما من الفحول العارفين بالفروع والأصول: أنه كان أعرف بكل فن من أهله وذويه، وأتقن في كل علم ممن يحاوله وينتقيه.
الأكبر في عرف، القوم فهو المراد، هو في كلام بعضهم أنه أعطي نواطق أكثر أهل القرب والوداد، ووصل في العلوم كلها إلى مرتبة الاجتهاد.
و سبب فتحه و منة الله عليه كان بمحاماته لفقراء الصوفية ومدافعته عنهم وانتصاره لهم كما في كتابه روح القدس في ترجمة شيخه أبي محمد المروزي: ولم أزل أبدا والحمد لله أجاهد الفقهاء في حق الفقراء السادة حق الجهاد، وأذب عنهم وأحمي وبهذا فتح لي ومن تعرض الذمهم والأخذ فيهم على التعيين، و حمل من لم يعاشر على من عاشر، فإنه لا نحفاء لجهله ولا يفلح أبدأ .
وقال في كتابه «شرح الوصية اليوسفية»: ولقد رأيت - والله أعلم - رسول الله في النوم أو بعض المعصومين فقال: أتدري بم نلت ما نلت من الله تعالى؟
قلت: لا.
قال: باحترامك من يدعي أنه من أهل الله سواء كان ذلك في نفس الأمر كما ادعاه أم لا، فراعى الله تعالى تلك ذلك وشكره منك، فأعطاك ما قد علمت.
ومن شيوخه وعمده في الطريق الشيخ أبو جعفر العربي لقيه بإشبيلية في أول دخوله في طريق القوم، وكان الشيخ أبو جعفر هذا بدويا أمية لا يحسب ولا يكتب، وإذا تكلم في علم التوحيد، فحسبك أن تسمع.
ومنهم الشيخ الإمام أبو يعقوب يوسف، بن يخلف الكوفي العبسي من أصحاب شیخ المشایخ و سید العارفين وقدوة السالكين أبي مدين شعيب بن الحسين المغربي البجادي دفين عباد تلمسان، ولسان هذه الطريق و محييها ببلاد المغرب.
قال الشيخ: دخلت تحت أمره فربي وأدب، فنعم المؤدب ونعم المربي.
وقال: وسمعته يقول: إذا شاء الشيخ أخذ بيد المريد من أسفل سافلين وألقاه في عليين في لحظة واحدة.
قال: وجل ما أنا فيه من بركته وبركة أبي محمد المروزي يعني عبد الله ابن الأستاذ المروزي من أصحاب الشيخ أبي مدين أيضا وأشياخ صاحب الترجمة.
قال له: عاشرته معاشرة انتفعت به، وأطلعنى الله ليلة على المقامات و مشي في عليها حتى وصلت مقام التوكل، فرأيت شيخنا عبد الله المروزي في وسط ذلك المقام، والمقام يدور عليه كدوران الرحى على قطبها وهو ثابت لا يتزلزل فكتبت په بذلك
ومنهم الشيخ سيدي أبو مدين المذكور، فإنه رضي الله عنه كان معاصرا له في حياته بأشبيلية، والشيخ أبو مدين ببجاية وبينهما مسيرة خمسة وأربعين يوما، وكان يريد الرحلة إليه شديد الرغبة في لقائه، و يتمني أن يجتمع به وقد سكن أبو مدين إذ ذاك عن الحركة فأتاه غيبا وأمده بروحانیته، فاكتفى بذلك عن رؤية الحس و مصاحبته وصار يحليه بشيخنا و بسیدنا و بخلاصة الأبرار، ويذكر أحواله ومآثره، ويعظمه كثيرا ويحتج بكلامه، وقد لقي كثيرة من أصحابه، وأخذ من أخباره عنهم ما تضيق به العبارة.
وأرسل الشيخ سيدي أبو مدين مع بعضهم وهو الشيخ أبو عمران موسی السدراني و كان من الأبدال - يقول له: أما الاجتماع بالأرواح فقد صح بيني و بينك وثبت، وأما الاجتماع بالأجسام في هذه الدار فقد أبي الله ذلك.
فسكن خاطري والموعد بيني وبينك عند الله في مستقر رحمته، ذكر ذلك الشيخ في رسالته روح القدس.
والشيوخ الذين لقيهم وأخذ عنهم وانتفع بهم كثيرون، وقد صرح بذكر الكثير منهم في بعض كتبه ك «الفتوحات»، ورسالة «روح القدس» وألف فيهم كتابا سماه «الدرة الفاخرة في ذكر من انتفعت به في طريق الآخرة». .
ومن أسباب فتحه أيضا دخول الخلوة، قال العارف بالله القطب سيدي عبد الوهاب بن أحمد الشعراني في كتابه الذي سماه بـ «الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار و العلوم»، وهو كتاب ذكر فيه من علوم القرآن العظيم نحو ثلاثة آلاف علم.
قال في كتابه «المیزان»: لا مرقي لأحد من طلبة العلم الآن فيما نعلم إلى التسلق أي: التسور إلى معرفة علم واحد منها بفكر وإمعان نظر في كتاب، وإنما طريقنا الكشف الصحيح. انتهى من نصه.
ومنها - يعني من علوم الخلوة - أن يفتح عليه - أي: على المختلي - بما شاء من نواطق الأولياء كما وقع لأخي الشيخ أبي العباس الحريثي والشيخ عمر البجائي ففتح على الأول بناطقة الشيخ عبد القادر الجيلي .
وفتح على الثاني بناطقة أبي الحسن الشاذلي وسيدي علي بن وفا.
ولم يكن يعهد منهما قبل الخلوة شيء من ذلك، و كانت خلوة أبي العباس أربعين يوما، و خلوة الشيخ عمر البجائي سبعة أيام كما أخبراني بذلك.  
وأكمل من بلغني أنه أعطي نواطق غالب الصوفية الشيخ محيي الدين بن عربي رضي الله عنه و كانت خلوته ثلاثة أيام بلياليها في قير مندرس.
ثم خرج بهذه العلوم التي انتشرت عنه في أقطار الأرض، وكان موقعا يعني كاتب إنشاء عند بعض ملوك المغرب، ولم يكن يعهد منه علم واحد مما أبداه في كتبه قبل تلك الخلوة.
كما ذكره الشيخ عز الدين ابن جماعة، والشيخ محمد الدين الفيروزابادي صاحب «القاموس» رضي الله عنه انتهى.
ويقال : إنه رضي الله عنه أول من بسط الكلام في الحقائق الإلهيات والمعارف الربانیات، وصنف الكتب الكثيرة في هذا الشأن تنشيطا وتمثيلا على أهل السلوك في طريق العرفان، وكلامه أول دليل على مقامه الباطن.
وقد أخبر حسبما في «فتوحاته» وهو الصادق أنه دخل مقام القرية وتحقق به، وذلك في شهر محرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة، ومقام القربة هذا بين الصديقية و النبوة، وهو مقام الخضر عليه السلام كما يأتي .
وقال في الباب الحادي عشر وثلاثمائة: ما أعرف اليوم في علمي من تحقق بمقام العبودية أكثر مني وإن كان ثم فهو مثلي فإني بلغت من العبودية غايتها، فأنا العبد المحض الخالص لا أعرف للربوبية طمعا. انتهى
وذكر في الباب السادس والثلاثين: أن بدايته كانت عيسوية، ثم نقل إلى الفتح الموسوي الشمسي ثم إلى هود، ثم إلى جميع النبيين، ثم إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
وفي الباب الثالث والستين وأربعمائة: أنه رأى جميع الرسل والأنبياء كلهم مشاهدة عين، ورأى المؤمنين كلهم مشاهدة عين أيضا، من كان منهم ومن يكون إلى يوم القيامة، وصاحب من الرسل وانتفع به سوی محمد صلى الله عليه وسلم جماعة منهم إبراهيم الخليل عليه السلام  قرأ عليه القرآن، وعيسى تاب على يديه.
وموسى أعطاه علم الكشف والإيضاح وعلم تقليب الليل والنهار.
وهود سأله عن مسألة فعرفه بها، فوقعت في الوجود كما عرفه.
وعاشر من الرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم وموسى و عیسی و هود أو داود عليهم السلام وما بقي فرؤية لا صحبة.
وقال أيضا في الكلام على حضرة الجمال من الباب الثامن والخمسين وخمسمائة :
وهنا سر نبوي إلهي خصصت به من حضرة النبوة مع كوني لست بني وإني الوارث ثم أنشد:
إني خصصت بسر ليس يعلمه   ..... إلا أنا والذي في الشرع نتبعه
هو النبي رسول الله خير فتى   ..... بالله نتبعه فيما يشرعه
وقال في الباب السادس والعشرين وخمسمائة: وقد ذكر كتابه مواقع النجوم الذي ألفه، وهو في المرية بلاد الأندلس ما نصه: وهو كتاب يقوم للطالب مقام الشيخ يأخذ بيده كلما عثر المريد ويهديه إلى المعرفة إذا هو ضل وتاه به. انتهى المراد
وذكر الشيخ الشعراني في «الأجوبة المرضية» عنه أنه قال في باب الحج من الفتوحات المكية: إن الكعبة كلمته وكذلك الحجر الأسود، وأنا طافت به ثم تلمذت له، وطلبت منه ترقيتها إلى مقامات في طريق القوم فرقی بها و ناشدها أشعارا و ناشدته.
وقال تلميذه القونوي: كان شيخنا ابن العربي متمكنا من الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين على ثلاثة أنحاء:
إن شاء استنزل روحانيته في هذا العالم، وأدركه مجسدا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسية العنصرية التي كانت له في حياته الدنيوية.
وإن شاء أحضره في نومه.
وإن شاء انسلخ من هيكله واجتمع به، وهذا معدود من كراماته رضي الله عنه.
وقد أشار في غير ما كتاب من كتبه نظما ونثرا إلى أنه خاتم الولاية المحمدية الخاصة، وأقر ذلك عليه غير واحد من العارفين كسيدي علي الخواص وغيره كما يأتي وفي ذلك يقول:  
بنا ختم الله الولاية فانتهت    ….. إلينا فلا ختم يكون من بعدي 
وما فاز بالإرث الذي لمحمد  …… من أمته في الكون إلا أنا وحدي 
وعندما تحقق بمظهرية الذات والأسماء والصفات وصار خليفة الله في خلقه. 
وأنشد لنفسه: 
في كل عصر واحد يسمو به       ……. وأنا لباقي العصر ذاك الواحد 
و من نظمه رضي الله عنه  : 
خصصت بعلم لم يخص بمثله    ….. سواي من الرحمن ذي العرش 
وأشهدت من علم الغيوب عجائبا    …… تصان عن التذكار في عالم الحس
فيا عجبا إني أروح وأغتدي     …….. غريبا وحيدا في الوجود بلا جنس
لقد أنكر الأقوام قولي وشنعوا    ……. علي بعلم لا ألوم به نفسي 
فلا هم مع الأحياء في نور ما أرى  ….. ولاهم مع الأموات في ظلمة الرمس
فسبحان من أحيا الفؤاد بنوره    …… و أفقدهم نور الهداية بالطمس
علوم لنا في عالم الكون قد سرت ……    من المغرب الأقصى إلى مطلع الشمس
تجلى بها من كان عقلا مجردا   ….. عن الفكر والتخمين والظن والحدس
وأصبحت في بيضاء مثلي نقية    …… إماما وإن الناس فيها لفي لبس
ومن نظمه أيضا:
أنا المختار لا المختار غيري    …… على علم من اتباع الرسول
و دنت الهاشمي أخا قريش   …… بأوضح ما يكون من الدليل
أبايعه على الإسلام كشفا     ……. وإيمانا  لألحق بالرعيل
أقدم به وعنه إليه حتى       ……. أبينه  لأبناء السبيل
وقد كان بعض الأولياء من أهل المعرفة الإلهية يقول:
أعطي الشيخ الأكبر التفصيل و نحن أعطينا التفصيل والإجمال.
فظن بعض الناس من هذا أن هذه زيادة على الشيخ الأكبر.
قال بعضهم: وأنا أقول ليس الأمر كذلك، لأن الله تعالى يقول:
"وكل شيء قناة تفصيلا" (الإسراء:12] فعلم الله كله مفصل ويستحيل عليه الإجمال.
والشيخ الأكبر كان كلما وجد الحق فصيرته إلى شيء أدر كه تفصيلا من غير إجمال.
وهذا العارف كان العلم الذي يلقي إليه فيه التفصيل والإجمال، فكان مقام الشيخ أعلى.
ومن كراماته رضي الله عنه  :
ما حكاه صاحب «القاموس» في جواب له من أنه لما فرغ من تصنيف «الفتوحات المكية» وضعها على ظهر الكعبة ورقا مفرقا من غير وقاية عليه، فمكث على ظهرها سنة، ثم أنزلها فوجدها كما وضعها ولم يمسسها مطر، ولا أخذ منها الريح ورقة واحدة مع كثرة الرياح والأمطار وهذا من أعظم الكرامات وأكبر الآيات وهو ما يدل على إخلاصه في تأليفها.
وأنه بريء مما نسب إليه في تصنيفها، وما أذن للناس في كتابتها وقراءتها إلا بعد ذلك
ومنها أيضا: ما حكي عنه من أنه مكث مرة ثلاثة أشهر على شيء واحد، وأنه اقتات من أول المحرم إلى عيد الفطر بلوزة واحدة.
ومنها: ما حكاه الشعراني في «طبقاته» من أن شخصا من المنكرين عليه أتى بعد صلاة العشاء بنار يريد أن يحرق بها تابوته، فخسف به دون القبر بتسعة أذرع وغاب في الأرض، فلما علم أهله بالقصة جاءوا وحضروا فوجدوا رأسه ، فلما حفروا نزل وغر في الأرض إلى أن عجزوا و ردموا عليه التراب.
وكراماته ومناقبه لا تحصرها مجلدات.
ومما اتفق له أنه لما أقام ببلاد الروم أمر له ملكها بدار تساوي مائة ألف درهم، فلما نزل ما وأقام بها مر به في بعض الأيام سائل، فقال له: شیء الله، فقال: ما لي غير هذه الدار، خذها لك، فتسلمها السائل وصارت له.
ولما حل دمشق حصلت له بها دنيا كثيرة، فما ادخر منها شيئا.
وقيل: إن صاحب حمص رتب له كل يوم مائة درهم، والقاضي ابن الزكی كل يوم ثلاثين درهما، فكان يتصدق بالجميع.
وكان يقول: أعرف اسم الله الأعظم، وأعرف الكيمياء والسيمياء بطريق التنازل، لا بطريق التكسب.
وحكى الشيخ عبد الغفار القوصي في كتاب «الوحيد في أخبار أهل التوحيد"
قال: حدثنا الشيخ عبد العزيز المنوفي عن خادم الشيخ محيي الدين بن العربي قدس الله سره قال: كان الشيخ يمشي و إنسان يسبه وهو ساكت لا يرد عليه.
فقلت يا سيدي ما تنظر إلى هذا؟
قال: ولمن يقول؟
قلت: يقول لك؟
فقال : ما يسبي أنا،
قلت: كيف؟
قال: تصورت له صفات ذميمة وهو يسب تلك الصفات، وما أنا موصوف بما انتهى.
وهذه فضيلة تدل على غاية الفضل والكمال، وهي شبيهة بما ورد في حديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد" أخرجه البخاري .
رواه الحميدي في كتاب «الجمع بين الصحيحين» من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
وقد ترجمه غير واحد ممن عاصره أو تأخر عنه من الكبار، كالشيخ الإمام العارف بالله أستاذ الحقيقة و شيخ الطريقة صفي الدين حسين بن علي بن أبي المنصور الأزدي الأنصاري في رسالته الفريدة المحتوية على من رأى من سادات مشايخ عصره. قال فيها: «رأيت في دمشق الشيخ الإمام الوحيد العالم العامل محيي الدين ابن العربي، وكان من أكبر علماء الطريق، جمع بين سائر العلوم الكسبية وما وقر له من العلوم الوهبية، ومنزلته شهيرة، وتصانيفه كثيرة، وكان غلب عليه التوحيد علما و خلقا و حالا، لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا.
وله أتباع علماء أرباب تواحید و تصانیف، وكان بينه وبين سيدي أبي العباس الحذاء إخاء ورفقة في السياحات".
والشيخ الحافظ محب الدين ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد:
وقال فيه: «كانت رحلته إلى المشرق، وألف في التصوف وفي التفسير ونمير ذلك تواليف لا يأخذها الحصر ، وله سمعة وتصرف في الفنون من العلم وتقدم في الكلام والتصوف».
وقال أيضا: «صحب الصوفية وأرباب القلوب، وسلك طريق القوم، وحج وجاور، وصنف وكتب في علم القوم وفي أخبارهم، وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادهم، وله أشعار حسنة وكلام مليح، اجتمعت به في دمشق في رحلتي إليها، وكتبت عنه شيئا من شعره، ونعم الشيخ».
والشيخ صلاح الدين الصفدي في كتابه الجليل الذي وضعه في تاريخ علماء العام، وهو في مجلدات كثيرة.
وقال الشعراني في كتابه «الیواقیت والجواهر »: ممن أثنى عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي في «تاريخ علماء العصر » وقال: من أراد أن ينظر إلى كلام أهل العلوم اللدنية فلينظر في كتب الشيخ محيي الدين، انتهى.
والشيخ الإمام شمس الدين محمد بن مسدي في معجمه البديع المحتوي على ثلاث مجلدات، فإنه ترجمه فيه ترجمة عظيمة مطولة، ومن جملتها قوله: وكان يلقب القشيري لقب غلب عليه، لما كان يشتهر به من التصوف، وكان جميل الجملة والتفصيل محصلا لفنون العلم أتم تحصيل، وله في الأدب الشأن الذي لا يلحق، و التقدم الذي لا يسبق.
وقوله أيضا: وكان ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات، خاض بحار تلك العبارات، وتحقق بمحيا تلك الإشارات، وتصانيفه تشهد له عند أولي النظر بالتقدم والإقدام، ومواقف النهايات في مزالق الأقدام، وهذا ما ارتبت في أمره، والله تعالى أعلم بسره، انتهى.
والشيخ العلامة فريد زمانه و نادرة أوانه أبي العباس أحمد المقري وذلك في كتابه الذي سماه «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» فإنه ترجمه فيه ترجمة حسنة طويلة، ونقل فيها كلام غير واحد ممن ترجمه، قال: «وقد زرت قبره و تبركت به مرارا، ورأيت لوائح الأنوار عليه ظاهرة، ولا يحيد منصف محيد الإنكار ما يشاهد عند قبره من الأحوال الباهرة». .
وغيرهم ممن يكثر جدا من أهل المشرق والمغرب، ووصفه الكثير منهم بالولاية الكبرى والصلاح والعرفان والعلم والأدب وعزة الشأن.
وفي "لسان الميزان" للحافظ الذهبي قال: قد اعتد بالمحتج ابن العربي أهل عصره، فذكره ابن النجار في «تاريخ بغداد» وابن نقطة في «تكملة الإكمال»، و ابن العديم في «تاريخ حلب» والزكي المنذري في «الوفيات» راجع كلامه.
وقد ذكر بعضهم أن شيخه الشيخ سيدي أبا مدين الغوث كان يلقبه بسلطان العارفين، ويسميه بالشيخ الأكبر .
وسئل عنه الإمام القطب سعد الدين الحموي حين رجع من الشام إلى بلده : كيف وجدت ابن عربي؟
فقال: وجدته في العلم والزهد والمعارف بخرة زاخرة لا ساحل له.
وحكي اليافعي في كتاب «الإرشاد» أن الشيخ رضي الله عنه اجتمع مع الشهاب السهروردي فأطرق كل منهما ساعة ثم افترقا من غير كلام.
فقيل للشيخ: ما تقول في السهروردي؟
فقال: مملؤ سنة من قرنه إلى قدمه.  
وقيل للسهروردي: ما تقول في الشيخ محيي الدين؟
فقال: بحر الحقائق.
وكان الشيخ كمال الدين الزملكاني من أجل مشايخ الشام يقول: " هو البحر الزاخر في المعارف الإلهية".
ويقول: ما أجهل هؤلاء ينكرون على الشيخ محيي الدين ابن العربي من أجل كلمات وألفاظ وقعت في كتبه، قد قصرت أفهامهم عن درك معانيها فليأتوني لأحل لهم مشكلاتهما، وأبين لهم مقاصدها بحيث يظهر لهم الحق، ويزول عنهم الوهم.
وكان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء يحط عليه كثيرا ، ويقول: إنه زنديق.
فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي وعرف أحوال القوم وطريقهم صار يترجمه بالولاية والعرفان والقطبية، حتى أنه سئل مرة عن القطب الفرد الغوث في زمانه، فتبسم وقال: الشيخ محيي الدين ابن عربي.
ورفع سؤال في شأنه وفي شأن الكتب المنسوبة إليه ك "الفتوحات" و "الفصوص" هل تحل قرائتها و إقرأوها و مطالعتها إلى الإمام بعد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي الصدیقی صاحب «القاموس» في اللغة .
فقال في جوابه و أنصف: الحمد لله، اللهم أنطقنا بما فيه رضاك، الذي أعتقده في حال المسئول عنه وأدين الله به أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما، وإمام الحقيقة حقيقة ورسم ، ومحيي رسوم المعارف فعلا واسما : قال الطيب المتنبي :
إذا تغلغل فكر المرء في طرف   …… من علمه غرقت فيه خواطره
عباب لا تكدره الدلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، كانت دعوته تخترق السبع الطباق، وتفرق بركاته فتملأ الآفاق، وإنى أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته، وناطق بما كتبته، وغالب ظني أني ما أنصفته :
وماعاش إذا ما قلت معتقدي        …… دع الجهول يظن الحق عدوانا
والله والله والله العظيم ومن       ……. آفاقه حجة الدين برهانا
إن الذي قلت بعض من مناقبه    …… ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا
قال: وأما كتبه ومصنفاته فالبحار الزواخر الي جواهرها وكثرتها لا يعرف لها أول ولا آخر، ما وضع الواضعون مثله، وإنما خص الله معرفة قدرها أهلها.
ومن خواص كتبه أن من واظب على مطالعتها والنظر فيها، والتأمل لمبانيها انشرح صدره لحل المشكلات وفك المعضلات.
قال : وهذا الشأن لا يكون إلا لأنفاس من خصه الله بالعلوم اللدنية الربانية.
راجع كلامه، وراجع أيضا رسالته التي خاطب با سلطان زمانه، وهي التي سماها
"بالاغتباط بمعالجة ابن الخياط" وهو رجل من أهل اليمن اسمه: رضا الدين أبو بكر الخياط، عرضت عليه فتوى بكر الدين المذكور، فعارضها وخالفها.
وكتب مسائل في درج مشتملة على عقائد زائغة ومسائل خارقة للإجماع، ونسبها للشيخ رضي الله عنه وأرسل إلى العلماء ببلاد الإسلام يسألهم عنها.
وكتب ذلك في كتاب، فانتدب المجد الرد كلامه في هذا الكتاب، وأطال في ذكر مناقب ، الشيخ له وللمحقق المدقق العالم العامل شيخ الإسلام أحمد بن سليمان ابن كمال باشا مفتي الدولة العثمانية فتوی أبدع فيها في مدحه ووصفه.
ثم قال بعد ذلك: وله مصنفات كثيرة منها فصوص حكمية وفتوحات مكية، بعض مسائلها مفهوم النص والمعنى و موافق للأمر الإلهي والشرع النبوي وبعضها خفي عن إدراك أهل الظاهر دون أهل الكشف والباطن، ومن لم يطلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام لقوله تعالى : "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" [الإسراء: 36 }.  
وكان قاضي القضاة الشافعية في عصره الشيخ شمس الدين الخزرجي يخدمه خدمة العبيد.
وقاضي القضاة المالكية زوجه بابنته، وترك القضاء وتبع طريقته بنظرة وقعت عليه.
وكان الشيخ مؤيد الدين الجندي يقول: ما سمعنا بأحد من أهل الطريق اطلع على ما اطلع عليه الشيخ محيي الدين.
وكذلك كان يقول الشيخ العارف صاحب «عوارف المعارف» المجمع على إمامته في العلوم الظاهرة والباطنة شهاب الدين السهروردي، وكذا الشيخ كمال الدين القاشاني وقال فيه: إنه الكامل المحقق صاحب الكمالات والكرامات.
وكان الشيخ محمد المغربي الشاذلي شيخ السيوطي يترجمه بأنه مربي العارفين، كما أن الجنيد مربي المريدين ويثني عليه بغير هذا من الكلام.
ومن أثنى عليه الشيخ الإمام العلامة الزاهد الورع الصوفي العارف بالله تعالى عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن أسعد اليمني اليافعي نزيل الحرمين.
وأحد الأئمة الشافعية والأولياء الكبار، وصاحب المصنفات العديدة التي منها «روض الرياحين» وذلك في كتابه «الإرشاد والتطريز في ذكر الله وتلاوة كتابه العزيز ».
قال : وقد مدحه وعظمه طائفة كالنجم الأصبهاني، والتاج ابن عطاء الله وغيرهما، وتوقف فيه طائفة، وطعن فيه اخرون، وليس الطاعن بأعلم من الخضر عليه السلام إذ هو أحد شيوخه، وله معه اجتماع كثير . ثم قال: وما ينسب إلى المشايخ له محامل ثم ذكرها.
وكذا ذكره وأثنى عليه في كتابه «غاية المعتقد ونهاية المنتقد»، والشيخ الإمام العارف الهمام تاج الدين أبو العباس أحمد بن عطاء الله السكندري في كتابه «لطائف المنن». .
قال السيوطي في «تأييد الحقيقة وتشييد الطريقة الشاذلية»: وهما - يعني اليافعي وابن عطاء الله - شاهدا عدل مقبولان في تزكية مثل هذا، فإنما فقيهان صوفيان .
وأثنى عليه أيضا الشيخ عبد الرؤوف المناوي شارح "الجامع الصغير".
والشعراني في ترجمته من «طبقات الصوفية» لهما، وتكلم الثاني على علومه وأحواله في كتابه «تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء»، وكذا في كثير من كتبه ككتاب «الیواقیت والجواهر » فإنه ذكر فيه نبذة من أحواله، وجماعة ممن مدحه وأثنى عليه من العلماء، واعترف له بالفضل، فليرجع إلى ذلك من أراده
وممن أثنى عليه أيضا العارف بالله سيدي مصطفى البكري في كتابه :"السيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد" ، ونقل الثناء عليه من سيدي أبي مدين و غيره من العلماء والأولياء، وذكر عباراهم، ثم نقل كلام صفي الدين أحمد القشاشي في آخر رسالته «وحدة الوجود» فيه.
وقوله: فلو استقصى إنسان وتتبع مناقبة التي تذكر بالسياق والتقريب في مصنفاته وفتوحاته لكان مجلدات، وذكر من جملتها قوله في باب الحب بعد ما ذكر من ذاب منه وصار ماء بين يدي شيخه وإن حبه كان طبيعيا ولم يكن إليا، وإلا لثبت ولم يذب ما نصه : " والله ثم والله لقد أعطاني الله من هذه المحبة ما لو وضع جزء يسير منه على السماوات والأرض لذابتا، ولكن الله تعالى قواني عليها. "
ثم ذكر سيدي مصطفى أبياتا وقصائد مدحه بها، فانظرها.
وممن أثنى عليه الشهاب أحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي في غير ما كتاب من كتبه المشهورة، وقد قال في شرحه لهمزية الإمام البوصيري لدي قولها:
«والكرامات منهم معجزات... » البيت، بعد ما ذكر أن من الكفر الصراح قول بعض الكرامية: إن الولي قد يبلغ درجة النبي، وبعض جهلة المتصوفة: إن الولاية فوق رتبة النبوة، وإن الولي قد يبلغ حالة يسقط عنه فيها التكليف.
ونقل عن الغزالي أن قتل الواحد من هؤلاء خير من قتل مائة كافر. لأن ضررهم في الدين أشد.
ما نصه: وليس من أولئك العارفان العالمان المحققان الوليان الكبيران المحيوي ابن العربي والسراج ابن الفارض وأتباعهما بحق خلافا لمن زل منهم قدمه وطغى قلمه، إلا أن يكون أراد ما قاله الذب عن اعتقاد ظواهر عباراتهم المتبادرة عند من لا يحيط باصطلاحهم انتهينا.
و كتب محشية القطب الحفي على قوله: «وليس من أولئك... » ما نصه:
أشار بذلك للرد على ابن تيمية حيث جعلهما منهم، حاشاهما وبئس من نسبهما إلى أدن ضلالة رضي الله عنهما وتبعنا بهما، انتهى.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة أغسطس 02, 2019 9:48 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: مقدمة المحقق أحمد فريد المزيدي الجزء الثاني .لكتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشريف ناصر السبتي الكيلاني    كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 4:49 am

مقدمة المحقق أحمد فريد المزيدي الجزء الثاني .لكتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشريف ناصر السبتي الكيلاني 

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

مقدمة المحقق على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
مقدمة التحقيق للكتاب الشيخ أحمد فريد المزيدي الأكبر المصطفوي الجزء الثاني
ومن كان يثني عليه ويعتقده ويحبه المحبة البالغة ويعتقد أيضا تلميذه ابن الفارض، ويحبه العلامة سراج الدين الهندي الحنفي أحد الأئمة الحنفية وقاضي قضاها بالديار المصرية، وصاحب التصانيف الجليلة ك «شرح الهداية» و «شرح المغن».
وورث عنه هذه المرة تلميذه العلامة قاضي القضاة شمس الدين البساطي المالكي شارح "مختصر خليل" وكل منهما له شرح على تائية ابن الفارض، وواقعة البساطي هذا مع الشيخ علاء الدين البخاري الذي كان يبالغ في الإنكار على صاحب الترجمة مشهورة، وهي تتضمن كرامة للإمام البساطى بسبب انتصاره لصاحب الترجمة.
وللشيخ سراج الدين المخزومي شيخ الإسلام بالشام كتاب في الرد عنه سماه "کشف الغطاء عن أسرار كلام الشيخ محيي الدين".
وقال: كيف يسوغ لأحد من أمثالنا الإنكار على ما لم يفهمه من كلامه في «الفتوحات» وغيرها، وقد وقف على ما فيها نحو من ألف عالم و تلقوها بالقبول، وأطال في هذا الكتاب في مدحه ومدح كتبه ونقل الثناء عليه من غير ما واحد من العلماء المتبحرين کشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني والشيخ تقي الدين السبكي وذكر أنهما رجعا عن الإنكار عليه حين تحققا كلامه وتأويل مراده، وندما على تفريطهما في حقه في البداية ، و سلما له الحال فيما أشكل عليهما عند النهاية.
وللحافظ السيوطي کتاب سماه «تنبيه الغبي على تنزيه ابن العربي» ذكر فيه أن الناس افترقوا فيه فرقتين، الفرقة المصيبة تعتقد ولايته، والأخرى بخلافها، ثم ارتضى هو اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه، يعني على من لم يكن أهلا للنظر فيها، بأن كان عاميا أو فقيها في حكمه لعدم مخالطته لأهل هذا الفن، فمطالعته لها إنما هي بالحذر والظن والتخمين، لا بالفتح والتمكين، وحينئذ فإما أن يتأول الكلام على خلاف المراد فيضل ويضل، أو يضيع العمر في تصفح تلك الكتب بلا فائدة.
أو يحمل الكلام على ظاهره فيسيء الظن بصاحبه، وربما كفره أو بدعه، أو نسب إليه ما هو بريء منه.
ولذا نقل عن الشيخ أنه كان يقول"نحن قوم يحرم النظر في كتبنا لمن لم يعرف مذهبنا."
وفي لفظ: «لمن لم يكن في مقامنا»، نقله الشعراني في «الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية» وغير واحد.
وعن الشيخ أيضا أنه كان ينشد ويقول من جملة أبيات:
تركنا البحار الزاخرات وراءنا     …… فمن أين يدري الناس أين توجها
وأما إن كان أهلا بأن كان مفتوحا عليه أو مشرفا على مقام الفتح، أو كان يطالعها بحضرة شیخ عارف يفهمه إياها كما ينبغي فلا بأس.
وذو الفتح السائب والبصيرة النافذة والعلم الراسخ يأخذ منها كل مأخذ، وينال جميع ما يراد من الخير ، ويقصدها فيزداد بها فتحا وإيمانا و قربا إلى الله وإيقانا.
وعلى هذا القسم يحمل کلام العلماء الذين حثوا على مطالعتها، والأولياء الذين كانوا يحضون بعض تلاميذهم وإخوانهم على معاناها، كالشيخ إسماعيل الجبرتي شيخ الشيخ سيدي عبد الكريم الجيلي وغيره
لأن من كان مفتوحا عليه تقرب المسافة البعيدة إليه، وتسهل الطريق الصعب لديه، ولا ينافي هذا ما ذكروه من أن كتب الشيخ كتب فتح لا كتب سلوك، لأن مرادهم أنه لا يسلك بما من كان عامية أو في حكمه، وتأمل ما مر عن المجد الفيروزآبادي : أن من خواص كتب الشيخ أن من واظب على مطالعتها انشرح صدره لحل المشكلات وفك المعضلات.
وفي نقل الشعراني عنه في كتاب «الیواقیت والجواهر» أن مطالعة كتبه قربة إلى الله تعالى ومن قال غير ذلك فهو جاهل زائغ عن طريق الحق.راجعه.
و من قصيدة للشيخ سيدي عبد الغني النابلسي في مدحه به ذکرها آخر كتابه: "الرد المتين" .
كتبه النور لمن يبصرها     ….. وهي تروي كل صادي القلب ري
من كتاب الله والسنة قد     ……. خرجت تختال في أي حلي
وقد ألف السيوطي كتابا أخر سماه: «قمع المعارض في نصرة ابن الفارض»
وللشيخ الإمام العارف سيدي عبد الغني النابلسي كتاب «الرد المتين على منتقد العارف محيي الدين» نقد فيها رسالة لبعض علماء الرسوم في الطعن على هذا القطب المكتوم.
وكشف فيها عن معاني العبارات المشكلة في كلامه، و أفصح عن رفيع مقامه، وناقش عبارات المعترضين فيها بصريح كلامه، ثم ختمها بذكر من أثين عليه من العلماء الأعلام، وذكر من سئل عنه فأفي فيه بالخير من أئمة الإسلام
وللكازروني شارح «الفصوص» کتاب بالفارسية سماه «الجانب الغربي » رد به عن الشيخ مما اعترض به على كلامه، كقوله بإيمان فرعون، وقد نقله إلى العربية عالم المدينة السيد محمد بن رسول البرزنجي وسماه: «الجاذب الغيبي».
وللشيخ الإمام العارف المربي أبي الحسن علي بن ميمون شيخ الطريقة الميمونية رسالة في مدحه والثناء عليه والحط على المنكرين لديه
وللإمام الأجل مفتي دمشق حامد بن علي العمادي رسالة سماها: «قرة عين الحظ الأوفر في ترجمة الشيخ محيي الدين الأكبر». .
والمثنون عليه لا يحصون كثرة وعددا، وهم أوفر علما وأقوى مددا، وقد أخذ عنه وتخرج به أئمة كبار، منهم أخص تلاميذه الشيخ عبد الله بدر الحبشي والشيخ إسماعيل ابن سودكين، والشيخ صدر الدين القونوي الرومي ربيبه، والشيخ عمر بن الفارضوقد حكي في «نفح الطيب» عن المقريزي في ترجمة سيدي عمر بن الفارض أن صاحب الترجمة بعث إليه يستأذنه في شرح تائيته الكبرى .
فقال له: كتابك المسمی بـ «الفتوحات» شرح لها، انتهى
قال بعض: وهذا يؤذن بأنه كان يستمد في تائيته من فتوحات الشيخ، وأن استمداده كان من فيض إمداده، ويؤيد هذا ما ذكره النجم الغزي في «الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة» في ترجمة القاضي زكريا الأنصاري نقلا عن بعض إخوانه -أي: إخوان النجم- أنه سمعه بحكي أنه روي أن الشيخ محيي الدين ابن العربي كان يعرض عليه سيدي عمر بن الفارض فيقول: هو كلامنا لكنه أبرزه في قالب آخر.
وكان يقول: هو ماشطة كلامنا.
قال النجم الغزي: والذي يظهر من كلامهما أن ابن العربي أوسع في المعرفة، وأن ابن الفارض أدخل في المحبة أنتهی.
وله و مصنفات كثيرة ورسائل صارت كما الركبان، منها ما هو کراسة واحدة، ومنها ما يزيد على مائة بجلد وما بينهما، وقد عد هو في إجازة كتبها للملك المظفر بهاء الدين غازي بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب نيفا وأربعمائة مصنف
ومن عبارة لبعضهم أنها تقارب الألف، منها تفسير القرآن العظيم المسمى بـ «الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل» وهو تفسيره الكبير في نيف وستين مجلد)، بلغ فيه إلى قوله تعالى في سورة الكهف "وعلمناه من لدنا علما" االكهف: 65 ].
واستأثر الله فقبض روحه عند هذه الكلمة الشريفة، فكان ذلك أعظم برهان وأتم دلیل وبيان على ما أوتيه من كمال العلم، واختص به من الأسرار البديعة والفهم، وهذا التفسير کتاب عظیم، کل سفر منه بحر لا ساحل له، ولا غرو فإنه صاحب الولاية العظمى والصديقية الكبرى.
ومنها: «فصوص الحکم» وقد ذكر هو في أولها: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم  و بیده الكريمة كتاب، فقال له: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس - يعني بهم ناس المخصوص- ينتفعون به.
ثم قال : فلا ألقي إلا ما يلقي إلى ولا أنزلی في هذا المسطور إلا ما ينزل علي ولست بښي ولا رسول، ولكني وارث، ولآخرتي حارث.
وقد ذكروا أنه أودع فيه جميع علمه مع صغر حجمه، وكشف فيه عن الحقيقة الإنسانية، وبين مظاهرها النبوية.
وقال رضي الله عنه من معشراته:
فرصة قد أودعت علمي لديها     ….. في كتاب وسمته بالفصوص
قال الشيخ صدر الدين القونوي في أول نصوصه: وهي خواتم منشآته وأواخر تنزلاته ورد عن منبع المقام المحمدي والجمع الأحمدي فجاء مشتملا على زبدة ذوق نبينا. انتهى
وقال بعضهم: من أراد الاطلاع على أذواق مشارب الأنبياء فعليه بكتاب فصوص الحكم» لأنه ذكر في فص كل نبي ذوقه ومشربه.
وفي معروضات المفتي أبي السعود الحنفي أنه تيقن أن بعض اليهود افترى عليه في كتابه هذا كلمات تباين الشريعة، وأنه تكلف بعض المتصلقين - أي: المتكلفين - لإرجاعها إلى الشرع، قال: فيجب الاحتياط بترك مطالعة تلك الكلمات انتهى  .
قلت: إن صح هذا فهذه الكلمات لا تعرف الآن باليقين، وإنما هي ظن و تخمین ، والله أعلم بالواقع.
وقد طعن في الشيخ رضي الله عنه بسبب كتابه هذا وغيره من كتبه کـ «الفتوحات» جماعة من علماء الرسوم من لم يفهم مقاصده فيها ولا رموزه وإشاراته ، وحمل الكلام على أول احتمالاته، كسعد الدين التفتازاني والشيخ ملا علي القاري، فألف
كل منهما رسالة في الرد والتكفير، و بالغ في التضليل والتنفير، وأورد الثاني في رسالته نص كلامه في مواضع من «الفصوص» وهي بضع وعشرون موضعا، وردها كلها بغاية الرد.
وألف رسالة أخرى سماها «العون على من يدعي إيمان فرعون» وما هذه بأول هفوة صدرت منه.
وللشيخ تقي الدين الفاسي المكي کتاب «تحذير النبيه و الغبي من الافتتان بابن عربي» والمحققون والعلماء وأهل الله على خلاف كلامهم، وعدم قبول ثلمهم، وعده من هفواتهم، و قبيح ما يؤثر من عثراتهم.
وقد ذكروا أن الشيخ رضي الله عنه في أن يجمع بين كتابه هذا - أعني الفصوص - وبين غيره من الكتب في جلد واحد.
وإن كان من مؤلفاته، لأنه من الإرث المحمدي وقد شرحه من لا يحصى من العلماء، كالشيخ مؤيد الدين الجندي والكازروني والكاشي و القيصري والقاشاني. وكمال الدين الزملكاني، وسعد الدين الفرغانی , وعفيف الدين التلمساني، والشيخ عبد الرحمن الجامعي، وعلى المهایمی و الجلال محمد الدواني وعبد الله الرومي والشيخ بدر الدين ابن جماعة، وعبد الغني النابلسي وغيرهم ممن يكثر.
ومنها كتاب «الفتوحات المكية» وقد قال عنه في الباب الثالث و الستين وثلاثمائة منه: والله ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني، انتهي
وقال في موضع آخر منه: وهذا الكتاب مع طوله وكثرة أبوابه وفصوله فما استوفينا فيه خاطرة واحدا من خواطرنا في الطريق.
قال الشيخ العارف بالله الأستاذ سيدي مصطفى بن كمال الدين البكري في «روضاته العرشية» بعد نقله ما نصه: باب في النفس الواحد يدخل قلب العارف من الحكم والمعارف ما لا يدخل تحت حد و حساب لأنه عن فيض الوهاب، انتهى
وقال في الفصل الرابع عشر من الباب الثامن والتسعين ومائة في معرفة النفس ما نصه : وإنما نورد في كتابنا وجميع كتبنا ما يعطية الكشف ويمليه الحق، انتهى.
وما أنشده بعضهم رضي الله عنه :
هو الشيخ محيي الدين عارف وقته    ….. وأفكار أهل الجهل عن علمه تقصر
وقد شاع إيماني بكل كلامه      ……. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
ومن أحسن ما مدح به قول القائل، وهو الشيخ محمد بن سعد الكاشي كما ذكره في «نفح الطيب» مشيرا لتاريخ وفاته :
إنما الحاتمي في الكون فرض     …… وهو غوث وسيد وإمام
کم علوم أتى بها من غيوب       …… من بحار التوحيد با مستهام
إن سألتم می توفي حميدا    ……. قلت: أرخت مات القطب الهمام
و مجموع ذلك ستمائة وثمانية وثلاثون، وهي سنة وفاته،
وكانت على التحقيق ليلة الجمعة سابع أو ثامن عشر ربيع الآخر منها بدمشق الشام، ودفن بسفح جبل قاسيون بتربة القاضي ابن الزکی وقبره هناك مشهور تستجاب عنده الدعوات.
وتكشف الخطوب والأزمات، وقد دفن عنده ولداه الإمامان محمد سعد الدين المتوفي سنة ست وخمسين وستمائة، ومحمد عماد الدين المتوفى سنة سبع وستين وستمائة ، وقد اعتنى بتربته بصالحية دمشق سلاطين ابن عثمان، وبين عليه السلطان المرحوم سليم خان قبة وضريحا، وهو الذي أظهره ولم يكن ظاهرا، وبني أيضا بجواره تكية وجامعا للخطبة، ورتب له الأوقاف، فجزاه الله على ذلك خيرا،.
ومن قصيدة لسيدي عبد الغني النابلسي رضي الله عنه  في مدحة ، ذكرها في آخر كتابه «الرد المتين»:
إن محيي الدين أحيا الدين قل    …… والمسمى غالبا طبق السما
زره وأغنم فضل قبر ضمه    …… وانشق من نحوه طيب الشذا
و توسل عند مولاك به       …... كلما نابك خطب يا أخا
فالذي يقصده فاز وما         ….. خاب من يلجأ إلى ذاك الحما
لم يزل رضوان ربي دائما     ……. عنه ما حن اشتياقا ذو الهوا
وفي "الطبقات الشعرانية" قال: أجمع المحققون من أهل الله عز وجل على جلالته في سائر العلوم، كما يشهد لذلك كتبه، وما أنكر من أنكر عليه إلا لدقة كلامه لا غير ، فأنكروا على من يطالع كلامه من غير سلوك طريق الرياضة خوفا من حصول شبهة في معتقده يموت عليها لا يهتدي لتأويلها على مراد الشيخ، انتهى.
قال الشيخ مولانا عبد الغني في شرحه للديوان الفارضي:
ولقد أنصف الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الغفار رحمه الله تعالى في قوله في شأنه قدس سره
حاشاك يا محيي الدين الذي اجتمعت   ….. له الفضائل في علم وفي عمل
أن تقتضي غير ما جاء الكتاب به     …… أو تبتغي بدلا عن أشرف الملل
وأن تهد أساس الشرع معتقدا     ……. فيه عقيدة أهل الزيغ والزلل
عمري لقد كذبوا في كل ما نسبوا ……    إليك من خطأ يضميك أو خطل
إن غرهم كلمات منك ظاهرها     …. يخالف الشرع في فهم لهم خبل
فذكرهم قول عبد الله حسبك أو    ….. أبي هريرة أو قول الإمام علي
أو ينشدوا شعر زين العابدين وإن   …. شاءوا فقصة موسى أوضح السبل
وقد أراد بعبد الله، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وسيأتي كلامه مع كلام أبي هريرة وعلي، وكذا كلام زين العابدين، وأراد بقصة موسى قصته مع الخضر عليهما الصلاة والسلام وهي معلومة.
وقال الشيخ مولانا عبد الغني أيضا في مدحه تعريبا لأبيات في ذلك باللغة التركية البعض فضلاء الروم
طيب محيي الدين مسك في الورى  ….. فساح لكن كل أنف لا يشم
وعلوم خرجت من فيه     …… كل فهم بهداها ما لا يلسم
قوسه من ذا الذي يرمي به  …… غرض التحقيق با قوس هلم
قلت: سبب الاعتراض و الملام عدم فهم المراد - كما أشير إليه من الكلام - بسبب الجهل بما في كلامه من الرموز والروابط والإشارات والضوابط والحذف لمضافات، هي في علمه و علم أمثاله معلومات.

وما فيه من الألسن المنوعة، و الطرائق المتنوعة، والمناهج والاصطلاحات والمذاهب المختلفات:
فتارة تجده فقيها مقلدا.
وتارة إماما مجتهدا.
وتارة صوفيا كاملا.
وتارة بالحقيقة المغطاة عاملا.
وتارة بالمجردة قائلا.
وتارة لا يدري وجهه ومقصده.

وتارة يكون عن كشف و ذوق و شهود و عیان خبره و شهده.
وهذه الألسن كلها طرائق و مسالك و مناطق، ولكل طريق منها أنوار، يدركها أرباب المعارف والأسرار.

وكلامه فيها هو كسبب مقتضى حاله، وما يوقعه المولى تبارك وتعالى في قلبه وباله، ثم له هو اصطلاح خاص سوى ما يتبعه من اصطلاح غيره من الصوفية الخواص.
فمن ثم يختلف على المطالع لكلامه الأمر أحيانا، وحذر الناصحون من مطالعته لا من رسخ في العلم، أو یدر كه بالذوق إيقانا.
وقال بعض المحققين: ليس الشأن في فهم مرامه، إنما الشأن في الجمع بين كلامه.
وفي "الرحلة العياشية" نقلا عن كثير من المشايخ من جملتهم شيخ الإسلام وإمام الأئمة الأعلام أبي محمد سيدي عبد القادر بن على الفاسي:
إنهم كانوا يقولون محكم كلامه يقضي على متشابه، و مطلقه يرد إلى مقيده، ومجمله إلى مبینه، و مبهمه إلى صريحه، كما هو شأن كل كلام ظهرت عدالة صاحبه.
وإذا علم هذا فليحذر القابل للنصيحة كل الحذر من التعرض للإنكار عليه وعلى أحد ممن ظهرت عدالته، و ثبت لدى أهل المعرفة والتوفيق فضله وكرامته.
فإن ذلك بالتجربة والمشاهدة والعيان سم قاتل، وبحر إلى الطرد والمقت والخزي والهوان ، و ليقدر كلام الأولياء قدره، وليعظم شأنه وأمره، وليلحظ باطن اشاراتهم.
ولا ينظر إلى ظاهر عباراتهم، لأنه ليس مبنيا على العقول والأذهان، ولا على ترتيب النطق و فصاحة اللسان، بل على نور القلب و قواعد العرفان، فمن كان من أهل هذا الشأن فسيغنيه الشهود والعيان عن الدليل والبرهان، وإلا فعليه بالتعليم والإذعان، فإنه أولى بأهل التثبت والإيمان، لئلا يقعوا في البعد والحرمان.
لا تكن قانتا في حكم أمور    ….. لطوال الرجال لا للقصار
وإذا لم تر الهلال فسلم      …… لأناس رأوه بالأبصار

قال الشيخ عبد الرءوف المناوي الشافعي في كتابه «إرغام أولياء الشيطان بذكر مناقب أولياء الرحمن»: ولا زال أهل العلم والأخبار والأكابر يلتمسون لكلام هذه الطائفة أحسن المخارج، لعلمهم أن كلامها يرتقي عن دائرة العقول، ويشذ على ظواهر المنقول، فإما تأويل حسن، وإما ظن حسن .

وقال السيد الشريف مسعود بن حسن بن أبي بكر القباب الشافعي في شرحه للامية ابن الوردي لدى قوله:
لا تخض في سب سادات مضوا     ……. إنهم ليسوا بأهل للزلل 

ما نصه: وكذا يحرم التكلم في السادات الذين تكلموا في الطريق، وأظهروا خوارق العادات، كالسري السقطي وأبي القاسم الجنيد، والحسين الحلاج، وأشباههم من المتقدمين، وكالشيخ محيي الدين ابن العربي وسيدي عمر بن الفارض، وغيرهما من المتأخرين، فهولاء السادات رضی الله عنهم وإن كانوا قد تاهوا و تكلموا بأشياء
خارقة، فلا يجوز سبهم، ولا اعتراض عليهم حال من الأحوال.
لأنهم ملازمون القواعد الشرع، فلا يصدر منهم قول و فعل مخالف للشرع، وما أحسن قول بعضهم من لم يعرف مصطلحنا لا يجوز له الخوض في طريقتنا.
فيجب على كل مسلم أن يلزم الأجوبة الحسنة عن الأكابر المتقدمين من أنبياء وصحابة وتابعين و مجتهدین و عارفين. انتهى منه بلفظه.

وقال الشيخ إبراهيم بن حسين الكوراني:
في «تنبيه العقول على تنزيه الصوفية عن اعتقاد التجسيم والعينية والاتحاد والحلول» قال الشيخ محيي الدين نفع الله به في كتاب «الفناء في المشاهدة»ينبغي لمن وقع في يده كتاب في علم لا يعرفه ولا سلك طريقه أن لا يبدي فيه ولا يعيد، وأن يرده إلى أهله، ولا يؤمن به ولا يكفر، ولا يخوض فيه البتة، رب حامل فقه ليس بفقيه "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه"

[يونس: 39]، "فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون» [آل عمران:66] . فقد ورد فيهم الذم حيث تكلموا فيما لم يسلكوا طريقه.
قال: وإنما سقنا هذا كله لأن كتب أهل طريقتنا مشحونة من هذه الأسرار ، ويتسلط عليها أهل الأفكار بأفكارهم، و أهل الظاهر بأول احتمالات الكلام، فيقعون فيهم، ولو سئلوا من مجرد أصطلاح القوم الذي تواطئوا عليه في عباراتهم ما عرفوه، فكيف ينبغي لهم أن يتكلموا فيما لم يحكموا أصله. انتهى منه بلفظه.
وقد نقل كلام الشيخ هذا أيضا الشيخ سيدي عبد الغني النابلسي في «شرحه للطريقة المحمدية» بعد أن صدره بقوله:
وقال الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي قدس الله سره في رسالته التي صنعها في تحقيق مقام الفناء في الشهود: فينبغي... إلى

وقال أيضا في شرحه المذكور بعد ما نقل فيه عن بعضهم: إن من ولي هذا المنصب فارتقى من مقام الولاية إلى مقام الوراثة عظمت عداوة الجهال له ما نصه:
ومن هنا خوض السفلة ورعاع المتفقهة في حق الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي والشيخ شرف الدين ابن الفارض، والعفيف التلمساني وابن سبعين، ونحوهم مما لا يعرفه الفقيه المحجوب بحجب عالم الخلق عن أسرار عالم الأمر.
الذي هو كلمح البصر، وخاضوا في فهم كلماتم ما هم بريئون منه، وافتروا عليهم في نسبة المعاني الفاسدة التي تخالف الشريعة إليهم.
و سووا بينهم وبين الباطنية و الزنادقة و الملحدين، ولم يقدروا - من كثرة جهلهم وشدة غباوكم مع دعواهم العلم- أن يفرقوا بين كلامهم وكلام الكفار، فوسوسوا في صدور عامة المؤمنين الذين هم خير منهم, وأفسدوا عليهم اعتقادهم في أولياء الله تعالى و حرموهم التماس بركاتهم، وأوقعوهم في الإنكار عليهم، وعرضوهم لغضب الله تعالى وحرمانه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .انتهى.

وقال أيضا فيه في موضع آخر ما نصه:
ومن أجل الحكماء الإلهيين الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي والشرف ابن الفارض، والعفيف التلمساني وابن سبعين، وغيرهم رضي الله عنهم من العارفين المحققين.

فإن كلامهم أنفع للفقيه إذا سلك به في معرفة أسرار الفقه، ولكن بعد اعتقادهم و محبتهم، ونبذ كلام من تكلم فيهم بسوء من أهل الجهل والغباوة الذين هم ليسوا على طريقهم، ولا يعرفون اصطلاحهم، فإن من جهل شيئا عاداه.
ولا عبرة بنقل المنكرین علیهم الكلامهم وزعمهم أنهم فهموه، لأنهم إن فهموه لما ظهر من تقريرهم كفر أو إضلال بل كان يظهر إيمان وتوحيد.
ولكن كل إناء بالذي فيه ينضح، و آنيتهم لما تنجست بكفر الإنكار على أولياء الله تعالى وبغضبهم والتعصب عليهم.
كان كل كلمة من كلام أهل الله تعالى إذا دخلت ذلك الإناء النجس تنجست به وكانت إيمانا في الآنية الطاهرة فصارت كفرا في الآنية النجسة القذرة، ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء. انتهى.

وفي رسالة المحافظ السيوطي المسماة بـ «تنبيه الغبي» :
أن الصوفية تواطئوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها بين الفقهاء.
فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم كفر أو كفر.
نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه، وقال: إنه شبيه بالمتشابه في القرآن والسنة من أن حمله على ظاهره كفر، وله معنى سوى المتعارف منه.

وفيها أيضا أنه سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية في عصره:
ما حملكم على أنكم اصطلحتم على هذه الألفاظ الي يستشكل ظاهرها؟

فقال: غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه، ويدخل فيه من ليس من أهله.
وقد ذكرت أني أعد كتابا موسعا يشتمل في الرد على الشيخ فيما اعترض عليه فيه، وذلك بالدفاع عنه، بنقل أقوال الأئمة الأعلام أهل الذوق والأفهام ، مع حرصنا الشديد في تحقيق ما تيسر لنا من كتبه ورسائله، ونشر علمه الذي لا ينتهي، والاجتهاد في ذلك قربة إلى الله، في محبة صاحب الحقيقة المحمدية.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: مقدمة المحقق أحمد فريد المزيدي الجزء الثالث .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشريف ناصر السبتي الكيلاني    كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 4:50 am

مقدمة المحقق أحمد فريد المزيدي الجزء الثالث .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشريف ناصر السبتي الكيلاني 

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

مقدمة المحقق على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
مقدمة التحقيق للكتاب الشيخ أحمد فريد المزيدي الأكبر المصطفوي الجزء الثالث
وأرى أن أفرد بعض مصنفاته التي اشتهر بها، ومن ضمنها ما تقدم في كلام الشيخ الكتان.
فأذكر بعضها وبالله التوفيق:
1- التنزلات الوجودية من الخزائن الجودية، يسر الله لنا تحقيقه.
2 - التنزلات الموصلية .
3 - الشجرة النعمانية .
4 - العبادلة.
5 -  الفتوحات الملكية .
6 - المبادئ والغايات في معان الحروف والآيات. بتحقيقنا.
7 - الرسالة الإلهية.
9 - الرسالة القدسية.
10  - الرسالة الاتحادية.
11- الرسالة السريانية.
12 - الرسالة المشهدية.
13  - الرسالة الفردوسية .
14- الرسالة العذرية.
15 - الرسالة الوجودية.
16 - الصحف الناموسية و السجف الناوسية . بتحقيقنا.
17 - تحفة السفرة إلى حضرة البررة.
18 - تنزل الأملاك من عالم الأرواح إلى عالم الأفلالك .
19 - ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق.
20 - رؤية الله.
21 - رد المتشابه إلى المحكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .
22 - كتاب الفناء في المشاهدة.
23 - كتاب الجلال والجمال.
24 - كتاب الألف وهو كتاب الأحدية .
25 - كتاب الشأن.
26 - كتاب القربة.
27 - كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام.
28 - كتاب الميم والواو والنون.
29 -  رسالة القسم الإلهي.
30 - كتاب الياء.
31 - كتاب الأزل.
32 -  رسالة الأنوار .
33 - كتاب الإسرا إلى مقام الأسري.
34 - رسالة في سؤال إسماعيل بن سويد كين.
35 - رسالة الشيخ إلى ما لا يعول عليه.
36 - مرآة المعاني في معرفة العالم الإنساني. بتحقيقنا.
37 - كتاب منزلي القطب ومقامه وحاله.
38 - رسالة الانتصار .
39 - كتاب المسائل .
40 - كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار .
41 -  كتاب الوصايا.
42 - كتاب حلية الأبدال.
43 - كتاب اصطلاح الصوفية.
44 - عين الأعيان.
45- خروج الشخوص من بروج الخصوص.
46 - انخراق الجنود إلى الجلود وانغلاق الشهود إلى السجود.
47 - شرح رتبة الشيوخ.
48 - أحوال المريد مع الشيخ وما هو الصاحب والمصحوب والمحب والمحبوب.
49 - شرح سكان الارتباط و الظاعنين من دائرة الاختلاط إلى نقطة الالتقاء
50 - بحر الشكر في نهر النكر.
51- فصل في شرح مبتدأ الطوفان .
52 - المقدار في نزول الجبار.
53 - خاتمة المقدار في نزول الجبار .
54- نشر البياض في روضة الرياض.
55- الرد على اليهود.
56 - كشف سر الوعد وبيان علامة الوجد.
57 - النزلات الليلية في الأحكام الإلهية.
58 - الخلوة المطلقة.
59 - الموعظة الحسنة.
60- الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار .
61 - تنبيهات على علو الحقيقة المحمدية العلية .
62 -  كتاب الباء.
63 - كتاب أيام الشأن.
64- كتاب الكنه فيما لابد للمريد منه ،
65 - العاجلة.
66 - مشكاة المعقول. بتحقيقنا.
67 -  كتاب الحق.
68 - كتاب نسخة الحق.
69 - كتاب مراتب علوم الوهيبه.
70 - كتاب العظمة.
71 - رسالة التأييد والنصر .
72- حق الوقت و الساعة و حظ الحالة والطاعة.
73 - حرف الكلمات وصرف الصوات.
74- الكلمات الإنجيلية الناطقة بأمور جلية.
75 - المعراج وتنزيل حرف الإدخال والإخراج.
76 - إشارة المنصف.
77 - مقدمة الإنصاف في الأوصاف.
78 - ظهور الباني في السبع المثاني.
79 - الإفادة في الشهادة والصلاة في الإعادة .
80 - كشف المشاهدات في أقل الدرجات.
81 - المقصود من الوصل المحمود.
82 - اللطائف والأسرار.
83 - معقل العقول في انشقاق القبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
84- المناصفة في حقيقة المكاشفة.
85- مراتب ضرب الحق على لسان الخلق.
86 - اللمعة الموسومة بكشف الغطا عن إخوان الصفا۔
87 - رسالة في أسرار الذات الإلهية.
88 - القطب والإمامين و المدلجين.
100 - المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات.
101 - القطب والنقباء.
102 - رسالة الاتحاد الكوني في حضرة الإشهاد العيني.
103 - الموازنة.
104 - مشاهد الأسرار القدسية و مطالع الأنوار الإلهية. بتحقيقنا.
105 - نتائج الأذكار في المقربين والأبرار. بتحقيقنا.
107 - كتاب الغايات فيما ورد من الغيب في تفسير بعض الآيات. بتحقيقنا.
107 - تفسير سورة الفاتحة.
108 - شجون المسجون وفنون المفتون.
109 - روح القدس في محاسبة النفس.
110 - عنقا مغرب في ختم الأولياء و شمس المغرب.
111 - كتاب اليقين.
112 - كتاب الحجب.
113 - كتاب إنشاء الدوائر.
114- كتاب محاضر الأبرار ومسامرة الأخيار
115 - كشف المعنى عن سر أسماء الله الحسني.
116 - كلمة الله.
117 - مختصر الدرة الفاخرة.
118 - مشكاة الأنوار فيما روي عن الله سبحانه وتعالى من الأخبار .
119 - مناجاة الرحمن بآيات القرآن .
120 - منزل المنازل الفهوانية.
121 - مواقع النجوم و مطالع أهلة الأسرار والعلوم.
122 - نسبة الحرقة.
123 - الجفر .
124 - تلقيح الأذهان و مفتاح معرفة الإنسان.
125 -  كشف الستر.
126 - المقنع في إيضاح السهل الممتنع.
127 - التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية.
128 - كشف البيان والران . بتحقيقنا.
129 - شرح روحانية الشيخ الكردي، (اليوسيفية) بتحقيقنا.
130 - المصباح في الجمع بين الصحاح.
131 - المنعش.
132 -  سر المحبة.
133 - سجود القلب.
134 - ساعة الخير.
135 - الألواح، بتحقيقنا.
136 - الفتوة.
137 - الفتن.
138 - الفتوح والمطالعات.
139 - الفتوحات الفاسية .
140 - الفتوحات المصرية .
141 - مختصر المحلى لابن حزم.
وترجمة الشيخ رضي الله عنه طويلة جدا، وهذا قل من كثر، للتبرك به و بذكره، رزقنا الله محبته ومحبة أهل الله كلهم ورضاهم.
وجعلنا من جملتهم وفي زمرتهم وتحت لوائهم آمین.
ترجمة الشيخ شارح الفصين 
هو الشيخ الإمام العالم الفقيه الرباني سيدي ناصر بن الحسن الشريف الحسيني السبتي، الكيلاني، الحنفي، نزيل طيبة. عرف بالحكيم. 
لم ينصف في ترجمته مثل كثيرين من العلماء المحققين . 
فما وصلنا عنه سوى التعريف به رضي الله عنه وأرضاه من كتبه:
• شرح مختصر القدوري في الفقه الحنفي. 
• مطالع النقش والنصوص في شرح الفصوص لسيدي محيي الدين بن عربي.
• حكم الفتوحات وحكم الفصوص، المسمی: مجمع البحرین شرح الفصين . 
كان حيا سنة 940 هـ.
و انظر :
• هدية العارفين للبغدادي (2 / 488) 
• كشف الظنون لحاجي خليفة (2 / 1261)
• معجم المؤلفين لكحالة (4 / 7 )
• أعلام القادرية الدرقية
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: مقدمة الشيخ ناصر بن الحسن الشريف الحسيني السبتي .كتاب حكم الفصوص وحكم الفتوحات المسمى مجمع البحرين في شرح الفصين   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 5:12 am

مقدمة الشيخ ناصر بن الحسن الشريف الحسيني السبتي .كتاب حكم الفصوص وحكم الفتوحات المسمى مجمع البحرين في شرح الفصين

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

مقدمة المصنف على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

مقدمة المصنف الشيخ ناصر بن الحسن الشريف الحسيني السبتي   الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مخصص قلوب الكلم، مخصوص فصوص نوادر تنزلات الحكم، وصلى الله على من أوتي جوامع الكلم، المنعوت بالنور الأقدم، والقيل الأقوم، والمبعوث إلى كافة الأمم بالشرع الأعم الأشمل الأتم على الصراط السوي، والسبيل الأهم، منه افتتح خزائن الجود والكرم، و به اختتم حتى صار به الفاتح الخاتم، وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد :
فإن كتاب فصوص الحكم من نصوص الوارث العلم من جلالة قدره حف القلم وورث الجود والعلم والكرم على الوجه الأحسن الأكمل الأتم، فتح الوجود محسن الاتباع، وعبر على العلم بأحسن الاطلاع، وختم خزائن الجود بوضع القدم على القدم.
طنت بصيت مفاخره آذان الزمان، وتعلقت بمحامده ألسنة الأكوان، وتعطرت بنفائس أنفاسه مشام عوالم الحدثان، ورأت عين الكمال بعينه إنسان عين كمال الإنسان، لا تحصره الأسماء الحسنى، ولا يقيده الوصف والتخلق بالأسماء.
فكل رداء خيط من نسج تسعة  ...… وتسعين اسما عن معاليه قاصر
"وما قدروا الله حق قدره" [الأنعام: 11].
والأمر كما قيل:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح   …… فأنت الذي تثى وفوق الذي
أعني الشيخ الأكبر أبا عبد الله محمد بن علي الطائي الحاتمي الخاتم رضي الله عنه وأرضاه وجعل البقاء على الأصل منزله ومأواه.
كتاب ظهر بين أظهر الناس بحكم أعز الإشارة، وأشرف الالتماس، لعمرك!
إنه فصل الخطاب باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، كلا إلها عصا ألقاها موسى.
قال تعالى : " فألقاها فإذا هي حية تسعى" [طه:20 ] ، فمن الناس من إليها سعی، و منهم من أدبر يسعى.
قال تعالى :"الذين آمنوا يعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا" [البقرة: 26].
ثم إني كنت برهة من الزمان مشغوفا بأن امتثل أمره حيث أمر بقوله: بالفهم فصلوا، وأجمعوا.
و مشغوفا أن أتمثل بين يدي نهيه حيث نهيه؛ حيث نهي وقال : لا تمنعوا، وكنت أقدم رجلا، وأوتر أخرى، أطلب منه إشارة الإذن و البشرى حتى رأيت في مبشرة في سنة ست وثلاثين وتسعمائة بالمدينة المشرفة على مشرفها أفضل التسليم و التحية أنه رضي الله عنه وضع فمه على فمي وعليه أثر ماء الوضوء، وفي سنة قبلها بمكة المعظمة. |
رأيت أيضا في مبشرة كأني في مجلسه رضي الله عنه  و عنده شخص معروف بالصلاح والخير، وبيده كتاب من كتب الشيخ رضي الله عنه يقرأ عليه، فكلما قرأ سطرا وينتظر منه بيانه، وأنا جاث بين يديه أخذ من لسانه، و أشرح ما فيه، فينشرح رضي الله عنه  حتى أحس منه أثر السرور والقبول.
وأرى منه الإذن في هذه الفصوص، ثم انتبهت من النوم، وشملتني بركة تلك الليلة إلى اليوم.
فجمع أمري، وأحضر ضميري فتوجهت إلى روحه الأقدس، وقلبه الأطهر الأقدس توه من ظن ألا ملجأ منه إلا إليه.
فاستعنت عليه، ففصلت معضلات المحملات باستنباط الجزيئات، وأجملت المفصلات تحت القواعد الكليات بإيضاح المعضلات، بفتوح العبارات ونصوص «الفتوحات» ؛ ليكون في أسوة حسنة في الشارحين، فافتديت بمداهم في الإنشاء والإملاء، ولم نقتد بهم في بيان معاني الكلام ولم نشأ.
فأسسته بأصول غير واهية، وجعلت قطوفها دانية؛ لنجعلها لكم تذكرة، وتعيها أذن واعية وإن كان الأمر كما قيل:
وما كل معلوم يباح مصونة      …… وما كل ما أملت عيون الظبا
لعمري! إني شرحت فيه للحقائق صدرا، ورفعت لها في ظهور المراتب قدرا و سرحت تحت أستار الأسرار سرا وجهرا، ونشرت أعلام الآثار و الأخبار نشر تنشرح به صدور العرفان، و يؤاخي بين الإيمان والعيان.
قال تعالى: "هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي" [يوسف: 10]
فقرر في نفس الأمر أن يكون الكلام على الكمال والتمام من الافتتاح إلى الختام منه إليه باللفظ والمعنى: أي بصريح العبارة، أو بنقل المعين حتى لا تكون من الخائضين فيما ليس لنا حظ فيه، فإن الجهل يقصر عما يوافيه فاسمعوا.
قال الله تعالى: "ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون" [الأنفال:21]، فلما جمعت كتابي هذا :
"حكم الفتوحات" و "حكم الفصوص" كما ستقف عليه بأوضح الأدلة و النصوص، فحق له أن يسم «مجمع البحرين»،
أما الفصوص فكما عرفته من خصوص الحكم الى حدها له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما "الفتوحات" فحدها الله الحكيم.
إلا كما قال تعالى: "كتاب أحكمت آیاتة ثم فصلت من لدن حكيم خبير" [هود:1 ].
قال رضي الله عنه في الباب الثالث و التسعين وثلاثمائة من «الفتوحات»: فوالله ما كتبنا من "الفتوحات" حرفا إلا عن إملاء إفي، وإلقاء رباني، أو نفث روحاني في فروع كتابي.
قال رضي الله عنه  في الباب السادس والتين والثلاثمائة: إن جميع ما أتكلم به في مجالسي وفي تصانيفي، إنما هو من حضرة القرآن وخزائنه، أعطيت مفتاح الفهم فيه، والإمداد منه وهذا حتى لا نخرج عند انتهاء كلامه رضي الله عنه .
وقال رضي الله عنه  : إن الله سبحانه وتعالى قد أمرني على لسان نبيه رضي الله عنه  بالنصيحة لله ولرسوله، وللأئمة المسلمين وعامتهم خطايا عاما، ثم خاطبني على الخصوص من غير واسطة غير مرة بمكة و بدمشق
فقال لي: انصح عبادي في مبشرة أريتها، فتعين على الأمر أكثر مما تعين على غيري، فالله يجعل ذلك من الله عناية وتشريفا لا ابتلاء و تمحيصا ۔
وأما العبد المتعدي هذا الجمع الفقير الفاني شريف بن ناصر الحسيني الكيلاني ، فهو ترجمان أعرب المعجمات بمحاسن البیان و لم يعجم، وأضرب العنان عن الموهمات ولم يبهم، واستعان لاقتناص الناس بالاقتباس
ورد في الحديث: «إن المؤمن ليؤجر في تعبيره بلسانه عن الأعجمي» رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه .
فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب، فكلما أسندته إلى ألماخذ، فهذا هو الذي أسندته، وأما الذي أطلقت ولم يسند فإني ما أخذت شيئا إلا عنه رضي الله عنه على حسب فهمي منه، ولم أكذب عليه إن شاء الله تعالى.
فإذا كانت المسألة صافية عن غبار العبارة ذكرتها بلا إسناد للاعتماد على القابل المستعد المؤمن وافي العيار، فإنه يفهم بصفاء الصدر من وراء حجاب الإيمان.
وإذا كانت من أعمال الكشف فذكرت المسألة لصرافتها، وأخيرت بمأخذها و محلها الذي ذكرها فيه الشيخ الأكبر رضي الله عنه .
فلا تعجل يا أخي في الخوض فيها إن بحرها عميق، وغورها غريق، وبدقة التدبير جدير حقيقي.
قال تعالى: "إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه" [ القيامة:17 - 18 - 19] .
فأوجز البيان في مواطن الإيجاز، وأسهب و أطنب في محال الإسهاب والإطناب على طرز جديد، ونمط سديد.
وكلما لا يمكنني التصريح به دفعة واحدة قد أعيد ذكره بتعريف آخر.
ولقب غير اللقب الأول؛ لأكشف بذلك قناع الحجاب حيث لم ألثم ولم أوضح اقتداء بالكتاب، واقتفاء بفصل الخطاب فاقنع، واستبصر .
قال تعالى : " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" [القمر:17]
قال تعالى : " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" [ق: 37]. والله الهادي والناصر .
فأرجو من الله الكريم أن أكون ممن أيد بالفهم والبيان، ووعي للتفصيل التفصيل في الآجال، والإجمال في التفصيل على مقتضى الأصل الأصيل، وعثر على المراد ما ضل وما غوى.
فسألت الله أن يجعلني ممن له قلب، وممن ألقى السمع إلى من له قلب، ويوفقه لإلقاء ما سمع إلى من ألقى السمع وهو شهيد حاضر منتهي لقبول ما يرد عليه منه قابل لفهمه، إنه على كل شيء قدير، والإجابة عبده لما يريد منه حقيق جدير.
فقدمت من المقدمات ما يجري مجرى الأمهات, لتكون مراعاتها بصيرا و يحفظها مستظهر الضيرا، لعلك تحل بما عقدا، وتكون لكشف المعضلات لك جندا، وفي حل المشكلات ظهرا ومددا.
ففصلتها وصولا لمباني أصول وحدة الوجود عونا بحصول المقصود، ولأنه شاهد و مشهود، و وارد ومورود
قال تعالى: "قد قصتنا الآيات لقوم يعلمون" [الأنعام: 97] . "قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون" [الأنعام: 98].
فهموا إلى أبكار المعاني والبيان، و كشف قناع الخدرات التي هي مقصورات في الخيام لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان.
فإن لذلك المقام أحكام متداركة متقاربة متباعدة متعانقة متمانعة على الطباع المتعصبة العادية عسيرة، وعلى الطبائع الغليظة المحصبة العادية غير يسيرة، رب يسر ولا تعسر إنك المدبر ألمير.
واعلموا جعلنا الله وإياكم من أهل الكشف في الوجود، وجمع لنا بين الطرفين المعقول والمشهود أن العالم كان من كان على ثلاث مراتب:
عالم علمه زائد عليه إما موهوب، وإما مكتسب، وهذه المسألة حكم في الإلهيات، ولها حكم في الكون في بيانه إشاعة بشاعة، وفي محاققته كشف ما لا ينبغي كشفه.
ولكن سأبرز نبذا من تلك الأسرار إلى إخواني مرحوا لأنس الغائلة مع تحقیق الفائدة بين التصريح والإلغار والإخفاف والإغلاق والله المستعان.
فاعلم أن العالم الذي علمه عين ذاته في الإلهيات ظاهر، فإن علمه تعالى عين ذاته تعالى، وأما في الكون حين شهود وحدة العالم والمعلوم، والعلم يشهد ذلك فافهم .
وأما العلم الموهوب، والمكتسب بالنسبة إلى الكون فظاهر الدرك هين الخطب.
قال الله تعالى في عبد من عباده"وعلمناه من لدنا علما" [الكهف:65].
و هو علم الإقرار .
وأما العلم الكسبي كالعلوم التي هي نتائج الأفكار، والأعمال المشروعة التي ورث العلم .  
أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيديقال سيدي محمد وفا رضي الله عنه : العلم هو ما حصل عقب النظر الصحيح ضرورة، وقام بالدلالة والواضحة والبراهين القاطعة، إن كان مكتسبا؛ وإلا فوجدان يقوم بالنفس، مستغنيا في تعلقه عن نصب الأدلة وقيام الحجة كالضروريات، وحقيقته: صفة تستلزم الإحاطة بمتعلقها، ولا يفتقر في ذلك الحكم الوجود.
وغايته: كشف في إحاطة يستحيل معه تصور الغيب بالنسبة إليه ، ولا يتعلق بغير موصوفه؛ إذ لم يكن زائدا عليها" اهـ "
قال الله سبحانه وتعالى:"واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم" [البقرة:282].
" أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي: قال سيدي محمد وفا رضي الله عنه في النفائس: اعلم أن القطبية على قسمين: قطبية في العلوم اللدنية ، و قطبية في العلوم الدينية ، و الفرق بينهما أن الأولى علوم تعريفية، والأخرى تكليفية.
وكل واحد ينقسم إلى ثلاثة مراتب: الولاية، ثم النبوة، ثم الرسالة.
وفي اللدنية بالعكس؛ لأن الأولى في الديانات: من تولى الله بأوامره ونواهيه.
وفي المدنية : الولي من تولاه الله.
أما بالذات : فإذا أحببته كنت هو.
أو بالصفات: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به».
أو بالأفعال: «افعل ما شئت مغفور لك»، والجمع بينهم كما لا يدرك.
والنبوة اللدنية و الرسالة الدينية سارية في أعماق الروحانية بدرجة الجلالة مع الهوية السارية، والله عليم بذات الصدور، وإذا فهم هذا الخطاب علم الفرق بين الموسوية والخضرية، والله ولي التوفيق."
و أما هذان العلمان في الإلهيات فصعبا التصور؛ لأنه تعالى منزه عن ذلك، ولكن قال الله تعالى عن نفسه "حتى نعلم"، فأنزل نفسه في هذه الأخبار منزلة من يستفيد بذلك علما وهو سبحانه وتعالى العالم بما كان وما يكون.
وقولنا: إن العلم تابع للمعلوم وحسبه، فأعطي المعلوم من نفسه للعالم به العلم على ما هو عليه، فكل عطاء بلا عوض فهو هبة، فافهم، فإن المقام ليس مقام المحاققة فتأدب.
 قال تعالی: "وقل رب زدني علما" [طه:114].  
اعلم ثانيا أن المعلوم كان ما كان حقا كان أو خلقا ما لا يعلم بغيره أصلا وليس له دليل قاطع عليه سوى نفسه، والبصر له الشهود، والعقل له القبول، وهذا هو التحقيق الأتم، و الذوق الصحيح الأشمل الأعم، وغير هذا الذوق تمويه وتمريج.
فمن تطلب معرفة الأشياء كما هي بالدلائل الخارجية الغريبة التي ليست عين المطلوب، فمن المحال أن يحصل ذلك، بل استسمن الورم، ونفخ النار بلا ضرم ولا تظفر يداه إلا بالخيبة.
فلهذا نص أهل الحق رضي الله عنهم، وأهل العقول السليمة على أن الشيء لا يدرك ما يغايره في الحقيقة، ولا يؤثر شيء فيما يضاده وينافيه من الوجه المعتاد والمنافي، بل يدرك بغلبة حكم ما به الاتحاد والاشتراك على ما به الامتياز، فافهم.
و بیانه أن إدراك الأشياء كانت ما كانت بكنهها، ولو كان متعذرا من حيث
الفكر والنظر، ولكن لإدراكها وجه آخر يسمى الوجه الخاص، وهو ارتفاع حكم النسب الجزئية والصفات التقليدية من العالم العارف حال تحققه.
بمقام: «كنت سمعه و بصره»، فمن كان الحق سمعه و بصره وجميع قواه فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وفي المرتبة التي فوقها المجاورة لها المختصة بقرب الفرائض، وقد ثبت عند أرباب الكشف أن الأمر كان ما كان ما يدرك منه إلا وجه ما به الاشتراك لا ما به الامتياز.
فإذا أراد عالم علم شيء فتوصل إليه بوجه المضاهات ، وعلم ذلك الشيء بنفسه في نفسه؛ لأن الإنسان الكامل مضاه للحق والخلق، فإنه ينزل إلى أسفل سافلين من مقام أحسن التقويم؛ لأنه على الصورة الإلهية.
وله الأولية والآخرة وذلك لتمكنه في مقام الجمع الأحدي الذي صممت له المحاذاة و امتحانات والمطابقات وصورته أن الإنسان برزخ بين الحضارات الإلهية والكونية ونسخة جامعة لهما، ولما اشتملتا عليه حرفا حرفا، فليس شيء من الأشياء إلا وهو مرتسم في مرتبته التي هي عبارة عن جمعية.
والمتعين مما اشتملت عليه نسخة من وجوده، و حوتها مرتبته في كل وقت وحال، ونشأة، وموطن إنما هو ما يستدعيه حكم المناسبة التي بينه و بين ذلك الحال، والوقت، والنشأة، والموطن، وأهله كما هو سنة الحق من حيث نسبة تعلقه بالعالم، وتعلق العالم به.
فمهما لم يتخلص الإنسان من ربقة قيود الصفات الجزئية الحاكمة عليه على الوجه المذكور، فلا يدرك بها إلا ما يقابلها من أمثالها، وما تحت حيطتها لا غير.
فإذا تحد من أحكام القيود، وتخلص من زيوف الميول والمجازيات الإنحرافية الأطرافية الجزئية.
وانتهى إلى مقام الاعتدالي إلى الجمعي الوسطي الذي هو نقطة المسامية الكلية، ومركز الدائرة الكبرى الجامعة لمراتب الاعتدالات كلها المعنوية والروحانية والمثالية والحسينية المشار إليها، واتصف بالحال الذي حررناه، قام للحضرتين في مقام محاذاته المعنوية البرزخية، فواجهها بذاته كحال النقطة مع كل جزء من أجزاء المحيط، وقابل كل حقيقة من الحقائق الإلهية والكونية ما فيه منها من كونه نسخة من جملتها، ومع كل شيء له نسبة ثابتة لا جرم فيها ما يقتضي الانجذاب من نقطة الوسط الذي هو أحسن تقويم إلى كل طرف.
والإجابة لكل داع، فأدرك بكل فرد من أفراد نسخة وجوده ما يقابلها من الحقائق في الحضرتين، فحصل له العلم المحقق بحقائق الأشياء وأصولها ومبادئها.
لإدراكه لها في مقام تجريدها، ثم أدر كها من حيث جملتها و جمعيتها بجملته و جمعيته، فلم يختلف عليه أمر، ولم ينتقض عليه حال ولا حكم.
ولولا القيود الكمالية لاستمر حكم هذا الشهود، وظهرت أثاره على المشاهد على الاستمرار و الدوام، ولكن الجمعية التامة الكمالية تمنع من ذلك.
لأنها تقتضي الاستيعاب المستلزم للظهور بكل وصف، والتبس بكل حال وحكم، فالثبات على هذه الحالة الخاصة المذكورة وإن جل فالمرور عنه أجل.
لأنه يقدح فيما ذكرناه من الحيطة الكمالية والاستيعاب الذي ظهر به الحق تعالى من حيث هذه الصورة العامة الوجودية الامة التي هي الميزان الأتم والمظهر الأكمل الأشمل الأعم، فافهم.
فما ليس كذلك من العلوم والعلماء و المعلومات فليس بالعلم الحقيقي الذي نحن صدر بيانه إلا بنسبة ضعيفة بعيدة، ولا يعد صاحبها عند أكابر المحققين عاما، فإن صاحب العلم الحقيقي هو الذي يدرك حقائق الأشياء كما هي.
ومن سواه إنما يسمى بمعنى أنه عارف باصطلاح بعض الناس و اعتقاداتهم، أو صور المفهومات من أذواقهم أو ظنونهم، و مشخصات صور أذهانهم، ونتائج تخيلاتهم ونحو ذلك من أعراض العلم ولوازمه وأحكامه في القوابل.
بل باعتبار كمال إطلاق هذا العلم الحقيقي، وتوجهه، وسعة دائرة مرتبته، وانسلانحه من قيود الأحكام، لغلبة صفة أحدية الجمع بعظم إدراكه، ومعرفته، وعلمه، وإحاطته بالأشياء التي علمها من هذا الوجه، بهذا الطريق حكم الحق تعالى في علمه الأحمدية الأصل، و المرتبة، ووحدة المأخذ
فافهم أنه تعالى أشار إليه بقوله: "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" [البقرة: 255].  ولكن يبقى هناك فروق أخرى بين العلمين، فمثل هذا الذوق يسمى علما حقا، و نورا صدقا، فإنه كاشف س، ورافع كل شك وريب، فافهم هذا الباب فإنه لي المعارف الإلهية.
ثم لتعلم قلة حذوي الاستدلال، ونهاية وصول العقل، و الوهم، والخيال، وبيانه أن الله تعالى لما خلق النفس الناطقة، وخلق فيها قوة معنوية نسبة معقولة وهي عين ما اتصفت بها في الخارج كالأسماء الإلهية في الإلهيات، فكانت، من القوى قوة تسمى مفكرة، إذا استعملها الوهم، و میز الحق تعالى هذه النفس الناطقة الحضرات الثلاثة، وولاها عليها وهي حضرة المحسوسات، وحضرة المعاني الصرفة المجردة عن المواد وإن لم تظهر بعضها في المواد، وحضرة الخيال.
وهي حضرة متوسطة بين طرفي الحس والمعين، وهي خزانة الجباية التي تجيبها، وجعل فيها: أي في حضرة الخيال قوة مصورة تحت حكم العقل والوهم، فيتصرف فيها العقل بأمر والوهم بأمر آخر، ويقوى في هذه النشأة سلطان الوهم على سلطان العقل كما هو محسوس لأكثر الناس.
وذلك لأنه لم يجعل في قوة أن تدرك من المعدات كالصفات التنزيهية إلا العقل، ومع هذا
لم يكن في قوة العقل إذا خاض في الإدراك أن يدركها إلا بتصور ذلك الأمر المجرد، وهذا التصور من حكم الوهم ولا بد، وذلك لأن التصور ليس غير الصورة التي لا يحكم بها إلا الوهم.
فصار فيما هو به عام بالنظر والفكر، أسير الوهم مقيدا بلا شك، فله الحكم والسلطنة على العقل من حيث التصور، فافهم.
ووجه آخر في ضعف العقل وقصوره، وقلة جدواه في الإدراك، وهو أن القوة الفكرية لو كانت صفة من صفات الروح وخاصة من خواصه، أدركت صفة مثلها، ومن حيث أن القوى الروحانية عند المحققين رضي الله عنهم لا تغاير الروح فصح أن تسلم للناظر أنه عرف حقيقة ما، ولكن من الوجه الذي يرتبط بتلك الصفة التي هي منتهى نظره ومعرفته.
وقد اعترف أستاذ أهل النظر و مقتداهم عند عثوره على هذا السر) إئا بالذوق وإما خلف حجاب القوة الفكرية بصحة القطرية، أنه ليس في قوة البشر الوقوف على حقائق الأشياء و عوارضها الذاتية ذكره في القانون في بحث المزاج، بل ولا الذاتيات؛ لأن معرفتها فرع لمعرفة الذات.
فمن لم يعرف الذات كيف يعرف النسب المخصوصة لتلك الذات المخصوصة، فلا شفاء في الفكر أصلا، فلهذا قيل: العقل عقال، والانسلاخ عنه مطالب الرجال.
ولكن إدراك العقل على قسمين:
غير ذاتي وهو الذي ذكرته أنفا، فإنه يدرك بالآلة التي هي المفكرة، و بالآلة التي هي الحسن.
فالخيال يقلد فيما يعطيه، والفكر ينظر في الخيال فيحد الأمور مفردات، فيجب أن ينشئ منها صورة يحفظها العقل، فينسب بعض المفردات إلى بعض، فقد يخطئ في نسبة الأمر على ما هو عليه، وقد يصيب فيحكم على ذلك الحد فيخطئ ويصيب، وهذا طريق الفكر الذي هو حرام على المريدين خاصة، فافهم.
ليسوا من أهل الفكر والنظر، وإنما الفكر لإناث الرجال وهم الفلاسفة، وأهل الأرصاد.
فإن قيل: هذا الحكم الذي: ليت تحكم على أحكام العقل أيضا من أحكام النظر والفكر؛ لأنه ليس من مدركات الخمس ولا من البديهيات فلم يبق إلا النظر ، فكيف تثبت به مدعاك.
قلنا: ليس كما تقول؛ بل هو من الإعلام الإلهي والإلهام الرباني، فتتلقاه النفس الناطقة من ربها كشفا وذوقا من الوجه الخاص، فإذا صورت المسألة بعد الكشف يكون هذا مصداقه.
فإن قيل: إن الله تعالى أمر بالتفكر، ومدح التفكر، قال تعالى : "ويتفكرون في خلق السماوات والأرض" [آل عمران:191] في مقام المدح.
وقال تعالى : "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" [الغاشية:17].
وقال الله تعالى: "أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض" [الأعراف: 185].
وقال: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل" [ الفرقان:45]، وأمثالها من الآيات كثيرة التي تدل على ثناء الاستدلال، و استعمال الفكر.
قلنا: ما ذهبنا إلى أن الفكر ليس له نتيجة، بل وما خلقه الله سدى، ولكن أهل الله لما علموا أن الفكر يخطئ ويصيب، وأنه غاية علم الرسوم، وأهل الاعتبار من الصالحين.
وأنه يعطي المناسبات بين الأشياء تركوه لأهله، واتقوا منه أن يكون حالا لهم؛ ليلحقوا بالذين فطروا على العلم بالله، والموحي إليهم ابتداء من الله وعناية بهم كالملائكة والأنبياء، والأولياء عليهم السلام .
هكذا ذكره رضي الله عنه في الباب الرابع والأربعون ومائة، والخامس والأربعون ومائة.
بل قال رضي الله عنه في "مواقع النجوم" : "إن العلم الكسبي يحصل للنبي والولي من غير فكر و اكتساب، بل يعطي الدليل و المدلول ابتداء من غير نظر وفكر"، فافهم
قال رضي الله عنه  في «الفتوحات» في الاسم «المؤمن»: في تحققه بهذا الاسم عصمني الله من التفكر في الله، فلم أعرفه إلا من قوله، وخبره، وكشفه، وشهوده، و بقي الفكر مني معطلا في هذه الحضرة، وشكرني فكري على ذلك.
وقال لي : الحمد لله الذي عصمني بك من التصرف و التعب فيما لا ينبغي إلى أن أتصرف فيه.
فصرفته في الاعتبار، وما يعني على أني لا أصرفه إلا في الشغل الذي خلق له مني، صرفته فأجبته إلى ذلك فما قصرت في حق قواي كلها؛ حيث لم أتعد بما ما خلقت له وحصل لها الأمان من جهتنا في ذلك، فأرجو أنها تشكرني عند الله تعالى، وأعني القوى الروحانية التي خلق الله، فافهم.
وأما القسم الآخر : وهو الإدراك الذاتي، وهو فيه كالحواس لا يخطئ أبدا وهو إدراك بحت صرف، و قبول محض خالص من إلقاء إلهي أو رباني أو إيماني بإلقاء التراجح، فهو صحيح لا فساد فيه أصلا،
فلهذا كثيرا ما يقول له: إن العقل لا يستقل بالإدراك، ولم يقل رضي الله عنه أنه لم يدر كه؛ لأن الله تعالى ما جعل لإدراك الأمور سيما المجردات الصرفة سوى العقل.
ورد في الخبر: «إن الناس يعملون بالخير، وإنما يعطون أجورهم على قدر عقولهم» رواه الحكيم عن أنس ذكره في جمع الجوامع
ولكن بالفكر تك شبه وهمية كما فهمته، أما ترى صاحب الناموس الأكبر صلى الله عليه وسلم نهي عن التفكير،وأمر بالتخيل.
حيث قال : «لا تفكروا في ذات الله» . ورد في الخبر عنه : «إلا في الله لا تفكروا ثلاثا»  ذكره أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة عن يونس بن ميسرة مرسلا.
وقال تعالى : "ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد" [آل عمران: ]30.
قال العلماء الراسخونهو التفكير في الذات .
وقال الشيخ رضي الله عنه في «الفتوحات»: كما أمرنا أن نقول: لا إله إلا الله مانا أن نتفكر في ذات الله.
" أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيديقال سيدي علي في "الوصايا": أينما توجه الفكر لا يأتي إلا بمغايرات الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، فهو لا يأتي في الحقيقة إلا بضلال عن الحقيقة، التي هي الخير المحض، فهو لا يأتي بخير محض قط، فما انكشف فيه الحق بتحقيقه ولو بوجه ما؛ قهر وجه علمي، أعني وجودي لا فكري، وأيته ألا يحتمل النقيض في محله باليقين، فافهم.
وقال الشيخ الشعراني قدس سره في "اليواقيت و الجواهر" في سبب المنع من التفكر في ذات الله: أن سبه ارتفاع المناسبة بين ذاتنا وذات الله عز وجل، ومن هنا أنف أهل الله أن يجعلوا التفكر من دأبهم؛ لأنه حال لا يعطي الحفظ، فلا يدري أيصيب أم يخطئ."أهـ .
وفي التخيل قال صلى الله عليه وسلم«في الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» .
قال رضي الله عنه في الفص الشعيبي: إن صاحب الإحسان شهيد للحق مشاهد له، فلهذا أعرض الأنبياء عليهم السلام كلهم عن الفكر والنظر.
قال تعالى على لسان نبيه:" إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت تي عذاب يوم عظيم" [يونس: 15].
وهو عين القبول من الحق كما ذكرناه علمهم بقصور العقل من حيث نظره، وفكره عن إدراك الأشياء على ما هي عليه ولو كان في الأدلة الفكرية، والتقريرات الجدلية غناء أو شفاء لم تعرض عنها الأنبياء عليهم السلام، ولا وارثوهم العالمون
حجج الحق، و الحاملون لما يرضي الله عنهم .
كفاك أن العقل بالنظر والفكر يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له، وذلك لوحدة العين.
قال أبو سعيد الخراز البغدادي قدس الله سره : 
وهو وجه من وجوه الحق، ونائب من نوائبه ، ولسان من ألسنته ينطق عن كشفه، و شهوده، و تحققه، عرفت الله بجمع الأضداد ثم تلا: 
"هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم" [الحديد:3].
أي من عين واحدة، ونسبة واحدة لا من نسبتين مختلفتين، ففارق قدس سره المعقول ولم يقيده العقل بل هو انتهی.
حقيقة الحق بما أشهده فيه، وهو فاني عن شهود نفسه.
قال تعالى : "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " [الأنفال:۱۷]
فاثبت، و نفی وعری، و كسی ما اسرع ما نفي! وما أسرع ما أثبت! فإن العين واحدة، والمقام يعطي ذلك.
" أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي:   قال سيدنا القطب عبد الحق ابن سبعين قدس سره في رسائله: فإن قال قائل: كيف أثبت الرمي ثم نفاه عنه؟
فالجواب عن ذلكأن الرمي يحتوي على أربعة أشياء:
على القبض والإرسال
و التبليغ والإصابة.
فكان القيض و الإرسال من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والتبليغ والإصابة من الله سبحانه عز وجل  . " أهـ.
فلهذا سميت هذه المنازلة بالمسلك السيال تشبيها بسيلان الماء الذي لا يلبث على شيء بعينه، وذلك ليس بمحال عند أرباب الكشف.
قال تعالى : "إن الله على كل شيء قدير" [البقرة:148].
وجمع الأضداد من الشيء، فعلمنا أن العقول قاصرة عن إطلاق هذه الآية، وأنه قادر على جميع الأضداد و خلق المجالات.
بل هو جامع الأضداد بل هو عين الأضداد، فإذا علمت غاية أمر العقل من حيث النظر والفكر، وقلة جدواه، وثمرته،وغايته.
فلتعلم أنه لم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي، وكشف ما يكشف الحق تعالی عن أعين البصائر والبصيرة، فيدرك الأمر قديمه، و حادثه، وعدمه، ووجوده، وواجبه ، وجائزه، و محاله على ما هو عليه في حقائقه و أعيانه، فافهم.
فقد نبهتك على أمر عظيم، لتعرف لماذا يرجع علم العقلاء من حيث أفكارهم ويتبين لك أن العلم الصحيح الذي هو الكشف الصريح.
والنص الصحيح لا يعطيه الفكر والنضر، بل هو نور يقذفه الله تعالى في قلب أي عبد شاء، فلا تتكل على عقلك الأبتر الأجذم.
أما ترى في قياس العقل بل في واضح القياسات في المعتقدين موت المجاهدين المقتولين في سبيل الله إفم أموات بالعلة الجامعة، فافهم.
قاسوا أخطأوا في القياس حتى كذبهم الله تعالى. ونفى العلم عمن ألحقهم بالأموات.
وقال تعالى : "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" [آل عمران: 169].
وقال تعالى : "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون" [البقرة: 154] .
فلا قياس للعقل أحلى من ذلك، ولا أوضح، ولا أصرح ومع هذا كذبهم الله تعالى في قياسهم، فافهم.
فما فوق ذلك البيان بيان، وما بعد هذا إلا التعسف والحرمان والتعصب والخسران وعلی الله قصد السبيل.
اعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن العلوم على ثلاثة أنواع:
"العلم" الأول: علم العقل وهو كل علم حصل لك ضرورة، أو عقيب نظر وفكر في دليل بشرط العثور على وجه ذلك الدليل، وشبهه من جنسه.
والعلم الثاني: علم الأحوال ولا سبيل إليها بالعقل، فلا يقدر عاقل أن يحدها ولا أن يقم على معرفتها دليلا يعلمها البتة كالعلم بحلاوة العسل والسكر، ومرارة الحنظل، وشبهه كوجدان الحلو مرا، والمر حلوا كما يقع في بعض الأمر.
والعلم الثالث: علوم الأسرار وهو علم فوق طور العقل: أي العقل لا يستقل بإدراكه وهو نفث روح القدس في الروع، يختص به النبي والولي.
قال من هذا المقام: «إن روح القدس نفث في روعي، إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها» الحديث.
وهو على نوعين: نوع يدرك بالعقل كالعقل كالعلم الأول، لكن لا بالنظر والفكر، بل بالوجه الخاص الذي عرفته في الوصل الأول.
والنوع الآخر على ضربين:
ضرب منه: يلحق بالعلم الثاني الذي هو علم الأحوال، لكن حاله أشرف.
والضرب الآخر : من علوم الأخبار، وهي التي يدخلها الصدق والكذب إلا أن يكون المخبر به قد ثبت صدقه عنده وعصمته فيما يخبر به، وبقوله كخبر الأنبياء عليهم السلام عن الله تعالى كإخبارهم بالجنة والنار وما فيهما فقوله: إن ثمة حنة من علم الخبر إذا كان غير تعریف.
وقوله في الجنة: «إن فيها نهو أحلى من العسل » رواه الترمذي . من علم الأحوال إن كان عن ذوق كما ذكر صلى الله عليه وسلم : «إنه عرضت له الجنة فأراد قطف عنقود من شجرها» الحديث مشهور رواه ابن عدي في الكامل.
وهو علم الذوق و قوله: «كان الله ولا شيء معه؟» والآن كما كان و شبهه من العلوم السرية المذكورة بالنظر، والفكر الصادر عن العقول القدسية بنور، وقوته فتكون قياساته مركبة من المعلومات الإيمانية كما نقول: رؤية الله بالعين جائزة بأن يكون ألحق عين البصر بقرب النوافل، فرؤية "تجلي" الحق بالحق وهو ليس محال.
وهذا الصنف الثالث هو علم الأسرار، والعالم به يعلم بعلم المعلوم كلها ويستغرقها، وليس صاحب العلمين كذلك فلا علم أشرف من هذا العلم الثالث الحاوي المحيط على جميع المعلومات، وما بقي إلا أن يكون المخبر به صادقا عند السامع معصوما، هذا شرطه عند العامة.  
وأما العاقل اللبيب الناصح نفسه فلا يرضى به، ولكن يقول هذا جائز أن يكون صدقا فيتوقف، وأن صدقه لم يضره؛ لأنه أتي في خبره بما لا يحيله ولا يهد ركنا من أركان الدين، ولا يبطل أصلا من أصوله.
فإن كل ما يؤدي إلى هدم قاعدة من قواعده فإنه مهدوم و مذموم، فصاحب الدعوى إن كان بدعيا صفعنا قفاه، وضر بنا وجهه بدعواه، فإن كل كرامة لا تكون من نتيجة التقوى رد واستدراك، ومكر، وخداع
قال تعالى: "فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" [الأعراف: 99 ] عصمنا الله وإياكم منه.
قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" [آل عمران: 31 ]. فاتباع السنة السنية صحت المحبة، وحصلت السعادة، فالزم الاقتداء، والاتباع واجتنب الأهواء، والابتداع، ولا تطأ موطأ لا ترى فيها قدم نبيك صلى الله عليه وسلم . وضع قدمك على قدمه، وقف على حدوده؛ لتفوز بالدرجات العلا، والمكانة الزلفي، ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ،ولا ينالون من عدو نية إلا كتب لهم به عمل صالح.
قال أبو سليمان الداراني قدس الله سره: ربما تنكت الحقيقة في قلبي أربعين يوما فلا أأذن لها في أن تدخل قلبي إلا بشاهدين الكتاب والسنة.
قال إنه في كتاب الحج في «الفتوحات»: لا شك أن من ترك شيئا من الاتباع ما لم يفرض عليه، فإنه ينقص من محبته الله إياه على قدر ما نقص من أتباع السنة.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: مقدمة الشيخ ناصر بن الحسن الشريف الحسيني السبتي الجزء الثاني .كتاب حكم الفصوص وحكم الفتوحات المسمى مجمع البحرين في شرح الفصين   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 5:12 am

مقدمة الشيخ ناصر بن الحسن الشريف الحسيني السبتي الجزء الثاني .كتاب حكم الفصوص وحكم الفتوحات المسمى مجمع البحرين في شرح الفصين

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

مقدمة المصنف على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

مقدمة المصنف الشيخ ناصر بن الحسن الشريف الحسيني السبتي   الجزء الثاني

فإنه قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم وبكم والله غفور رحيم " (آل عمران: 31 ]  ما خص الله تعالى في شيء دون شيء، وأما عند أهل الطريقة لو اتبعه في جميع أموره، واخل بالأتباع في أمر واحد مما لم يفرض عليه فما اتبعه قط.
وإنما اتبع هوى نفسه هذا مقرر عندهم؛ وذلك لأن الله جعل الاتباع دليل صدقهم في المحبة لله تعالى، وأما العذر فحبس إلهي عن الاتباع في أمر ما، فالحق تعالى ينوب عنه.
 قال أبو يزيد قدس الله سره في هذا المقام:
«كنت في بري بأمي وأبي ما أقوم بحظ النفس، بل لتعظيم الشريعة، فقالت لي في ليلة باردة شديدة البرد: اسقني يا أبا يزيد، فثقل على التحرك والقيام، فتثاقلت فعرفت منه أن بري كان من حظ النفس لا بمحبة الأمر، والاتباع من حيث لم أشعر .
فقلت لنفسي حبط عملك وعرفت أن أعمالها كلها هكذا من حيث لم أشعر، ودخلت في حكم قوله تعالى: "ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل".[التوبة: 38]. هذه معاملاتهم ومحاسبتهم على أنفسهم، فافهم ولا تزنهم بميزانك بإبطال».
أعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن كل علم إذا بسطته بالعبارة حسن وفهم معناه، أو قارب وعذب فحواه عند السامع الفهيم إلا علم الأسرار.
فإنه إذا أخذته بالعبارة ربما سمح ونقل على الطباع الغليظة، والأفهام غير السليمة بل ربما تحته العقول الضعيفة، والطباع المتعصبة التي لم تتوفر لتصريف حقيقتها التي جعلها الله تعالى فيها من النظر والبحث، ولهذا صاحب العلم المؤدب كثيرا ما يكتم ولا يتكلم عنه إلا بضرب الأمثال، والخطابات الشعرية كما كانت عادة السلف رضي الله عنهم.
ورد في الخبر أنه قال: "أوتروا يا أهل القرآن إن الله وتر يحب الوتر، فقال أعرابي: ما تقول يا رسول الله؟ قال: ليست لك ولا لأصحابك" . رواه أحمد وابن ماجة أبو داود عن ابن مسعود، ورواه ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة مرسلا
كان سيدنا علي رضي الله عنه يقول: "إن بين جنبي علما لو قلته لخضبتم هذه من هذه."
وقال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لو ذكرت ما أعلم في قوله تعالى : "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما" [الطلاق:12 ] لرجمتموني، أو - قلتم أني کافر - على شك الراوي.
وقال سيدنا علي زین العابدین رضي الله عنه:
إني لأكتم من علمي     ……          كي لا يرى الحق ذو جهل
وقد تقدم في هذا أبو حسن   …..        إلى الحسين وأوصى قبله
 یا رب جوهر علم لو أبوح  …..          قيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولا ستحل رجال مؤمنون      ……        يرون أقبح ما يأتونه حسنا

وهولاء كلهم سادات أبرار قد عرفوا قدر هذا العلم، وسكتوا لعدم القابل، كان  سيدنا علي ،رضي الله عنه وكرم الله وجهه يضرب على صدره، ويقول: إن هاهنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة: أي لأظهرتها.

قال الشيخ الحاتمي الخاتمي رضي الله عنه  في كتاب الياء وهو كتاب الهو: «وقد تمنيت أن يحصل بيدي من يترك النظر في الأشياء بحكم الفرض والوضع، وينظر فيها بما قلناه وما وجدناه حتى الآن، وأنا لا أزال متعوبا بما يروه علي، ولا أجد محلا أضعه فيه من فهم ثاقب، ولا تسليم كامل وهذه نفثه مصدور». انتهى كلامه  رضي الله عنه.

وذلك لعزة هذا العلم وعزة طالبيه، فلهذا قيل: إذا رأيت من يؤمن به فهو من الصديقين وله النور لصدقه؛ إذ لولا النور لما عاين صدق المخبر والخبر من خلف حجاب هذا الهيكل، فطوبى لهم وحسن مآب.

فإن قيل: فإذا كان الأمر على هذا الكتمان فلم أظهرت ما كتموه؟

قلنا: الزمان ما هو كالزمان، بل كثرت القابليات، وظهر العلم، وقوي الإيمان، فكشف الحقائق من وجوهها قناع الاختفاء والحجاب، ليعبر بها أولو الأبصار والألباب.

"أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي: " قال الشيخ القاشاني في معنى الحجاب: كل ما سمر مطوية عن عينك، وذلك منك، ومن انحصارك في كل ما تراءى لك من عالم النور، أو الظلمة، لا من غيرك.""

بيت للشيخ الكناني:

وما كنت ممن يظهر البر إنما       ……. عروس هواها في ضميري

قال الشيخ رضي الله عنه في كتابه الإسفار في نتائج الأسفار: " أن زماننا اليوم ليس هو كالزمان الماضي، وسبب ذلك قربه من الدار الآخرة دار الحياة، فظهرت حياة العلم على أهله، وكثرت الكشوف، وصارت لوائح الأرواح تبدوا وتظهر، فأهل زماننا اليوم أسرع كشفا، وأكثر شهودا، وأقل عملا، والأمر في مزيد إلى نزول عيسى القلب على نبينا ، أما ترى ما قال : «لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل فخذه بما فعل أهله، وتقول الشجرة هذا يهودي خلفي فاقتله".  الحديث رواه البخاري ومسلم

وما هذا كله إلا خوارق العادات وظهور الكرامات بل هذا مقتضى تردد العادات وظهور الكرامات بل هذا تردد الحديث الذي ذكره أبو نعيم الأصفهاني في الخلية وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «مثل أمتي كالغيث لا أدري الخير في أوله أو في آخره»  رواه أحمد في مسنده والترمذي  وأبو يعلى.

وفي آخر: «مثل أمتي كالمطر يجعل الله في أوله خيرا وفي آخره خيرا» رواه عمار، وهذا ما يناقض الحديث المشهور. ذكره العجلوني في كشف الخفاء و الهيتمي فى مجمع الزوائد .

وهو «خير القرون قرني، ثم يليه» رواه مسلم

لوجوه منها: احتمال أن يكون هذا خيرا من وجه، والأخر حيرا من وجه فلا منافاة، أو يكون المراد من قرنه ابتداء ظهوره إلى يوم القيامة هذه دورة فإنها كلها قرنه، ثم ما يليه من القرون مما يظهر بعدها، أما ترى إشارة قوله سبحانه أنه جعله أمة وسطا "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" [البقرة: 143] وهذا من بعض محتملات الآية، فافهم.

فإن الحركة دورية و منها ما قال رضي الله عنه في كتاب «تلقيح الأذهان»: " إن قرنه و الذي هو خير الناس لم يزل موجودا، فخير الناس قرنه: أي الذين هم قرنه، ثم الذين يلونهم، ويقارنوهم وهم العلماء الآخذون من ذلك المعدن، فلذلك خصهم بالإخوة، فإنهم كأنبياء بني إسرائيل يأخذون من المعدن الذي أخذ منه صلى الله عليه وسلم " ، فافهم.

فمن كان عنده من هذا العلم شيء فيظهر عليه في هذا الزمان الذي نحن فيه لما عرفته، فإن علمه غالب عليه؛ لكثرته وقوته وكثرة المسامرين القائلين.

قال التلمساني قدس الله سره:  

وما السر في الأحرار إلا وديعة     ….. ولكن إذا ذاق الشراب فمن

اعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن هذا العلم من حيث الذوق ولو كان لم يقع عليه اصطلاحا أصلا كما قال رضي الله عنه :

وعز الأمر أن يدري فيحكي     …… و جل  فليس يضبطه

و كلامهم رضي الله عنهم ليس عين فتحهم؛ لأن فتحهم أذواق ومواجيد و معاني مجردة لا يقبل العبارة بل ما يذوق منه شخص غير ما يذوق منه شخص آخر جملة واحدة.

وذلك لوسع دائرة الأسماء، وعدم تكرار التجلي، ويشير إليه ما نقل عن أبي طالب المكي في معنى لا تكرار في التجلي.

فإنه قال: "لم يتجل الواحد بتجل واحد مرتين،ولم يتحل لاثنين بتجل واحد، فلا يقدر عارف أن يضبط الأمر في قاعدة كلية".

ومن هذا المقام ما ورد عن سيد الطائفة أبو القاسم الجنيد بن محمد ابن الجنيد الخراز القواريري قدس سره أنه سئل عن حقيقة الأمر فأجاب الجواب، ثم قال السائل: لم أفهمه أعد علي، فأجابه بأمر آخر.

ثم قال له: هكذا الأمر، فقال السائل أمله على.

فقال قدس الله سره : إن كنت أنا أجريه فأنا أمليه, يعني ذلك علم الله لا يدخل تحت فصول منحصرة، ولا يجري على

قانون فكري، ولا يحكم عليه میزان، ولكن لما رأى أهل الله رضي الله عنهم أنه تعالى قد أعتير الإشارة والأمثال، فاستعملوها فيما بينهم، وبينوا معناها، ومحلها ووقتها فلا يستعملوها فيما بينهم إلا عند مجالسة الأغيار، يقربون المعاني بالوصف وضرب الأمثال للمريدين.

ومن أعجب العجائب وأغربه في هذه الطريقة المثلى أنه ما من طائفة إلا ولهم اصطلاح لا يعلمه الدخيل فيهم إلا بالتعليم بخلاف طريقهم رضي الله عنهم، فإن المريد الصادق لا يكون عنده خبر من تلك الألفاظ الموضوعة للإشارة، فبمجرد أن فتح الله عين بصيرته، وأخذ عن ربه في أول ذوقه يشاركهم في الكلام به معهم على سندستهم ولا يستغرب ذلك من نفسه.

قال له: بل هذا يعرف صدقه عندهم قدس الله سرهم، ويجد علم ذلك ضروریا لا يقدر على رفعه، ولا يدري كيف حصل له ذلك.

وأما أول من تكلم في هذا العلم.

فقال شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله الأنصاري قدس سره:

أن أول من عثر عن اشاراتهم قدس أسرارهم «ذو النون» قدس سره، ثم جاء الجنيد س سره في الطبعة الثانية كتب هذا العلم في الدفاتر ودون ورتب و بسط لطائفهم وإشاراتهم.
ثم جاء  أبو بكر الشبلي البغدادي قدس سره وأظهره على المنابر في المحافل، ذكره سیدنا عبد الرحمن الجامي رحمه الله في كتابه: «نفحات الأنس» وكل ذلك إنما هو شفقة و تشویق يشوقون به همم المريدين، يأخذ ذلك بقبول، ويتوجه توجها صحيحا، ويفتقر إلى الله فتدركه النفحات الإلهية، أو لا مانع من فيض الفياض إلا آباؤك وعدم قبولك والسلام.

اعلم أيدك الله وإيانا بروح القدس، وجعلنا من الذين سبقت لهم الحسني بالصالحين الذين لهم الزيادة من الكمال الأسنى أن جميع العلوم الرسمية لها مسائل مقررة ثابتة عند أهلها يسمونها في الرياضيات مثلا الأصول الموضوعة.

يقبلها الخصم بلا طلب دليل، ثم يبنون عليها القواعد، والعقائد وإنما سميت بالأصول؛ لأها يتفرع منها فروع الفن، وإنما سميت بالموضوعة؛ لأن أرباب الفنون وضعوها وأنزلوها منزلة المسائل المقررة المبرهنة المسلمة.
فالناظر في نظره فيها يصدقها إما لوضوح بداهتها، وإما لحسن الظن بالواضع، أو يجعلها بمنزلة البديهة لضرورة البيان والتوصل إليه، ولو لم يفعلوا هكذا لتعسر عليهم إثبات مسألة من مسائل النظر والفكر، بل يتعذر إثباتها؛ لأنها تعطي التسلسل والدور.
وهكذا الأمر في هذا العلم الذي نحن بصدد بيانه، فإن له أصولا موضوعة لو لم تصدقها بحسن الظن لا يمكنك إثبات فروعهم أصلا، ولما هذه الأصول والأمهات مسألة وحدة الوجود .

فإنهم أنفقوا: أي المحمديون طائفة بالكشف الخاص هم من دون الأمم أن الوجود واحد، والكثرة موهومة كالبحر إذا تنفس ستمي بخارا، فإذا تراكم ستمي سحابا، فإذا تقاطر ستمي مطرا، فإذا سال ستمي سيلا ، فإذا اجتمع ورجع إلى البحر عاد له الاسم الأول
فمن نظر إلى هذه الأمور غافلا عن البحر حكم بالامتياز، وأثبت الكثير، ومن نظر إلى البحر، وعرف أنما أحكامه حكم بأنها عين البحر لا أمر زائد إلا الشخص وهو أمر عدمي نسبي لا وجود له.

شعر :
البحر بحر على ما كان من قدم   …… إن الحوادث أمواج وأنا
لا يحجبئك أشكال تشاكلها      ….. عمن شكل فيها فهي أستار

وقال الآخر:
هو الواحد الموجود في الكل       ….. سوى أنه في الوهم سمي
فإن قيل وحدة الوجود على مذهب بعض الصوفية الوجودية لا كلهم.
قلنا: ليس الأمر كما فهمت؛ لأن الأمر ما يتم إلا بهذا القول، وهو مخ التصوف، وملاك أمره بل كلهم على كلمة سواء بينهم
قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" [يوسف: 41] فلو كان في الوجود موجودان كيف تصح ضميمة سير الطائفة قدس سره التي ضمها إلى الحديث وهو: «كان الله ولم يكن معه شيء»، وهو الآن كما كان فلم يصدق قدس سره في قوله: وهو صادق.

"قال الملا الهروي القاري في مرقاة المفاتيح : في عبارة السادة الصوفية: كان الله ولم يكن معه شيء، ثم قالوا: والآن على ما عليه كان، لأن وجود الشيء الممكن في جنب وجود الواجب كلا شيء.
ولذا قال بعضهم: ليس في الدار غيره ديار.
وقال آخر: سوى الله والله ما في الوجود، أو لأن الأشياء إنما هي مظاهر صفاته ومرامي ذاته.
فقد روي: كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لأعرف.

وفي قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] إشارة إلى ذلك على تفسير حبر الأمة أي ليعرفون."
"كان الله ولم يكن معه شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء هو كائن، وخلق السماوات والأرض". كنز العمال

"قال الملا الهروي القاري في مرقاة المفاتيح: ولما وقع في الحديث (كان الله ولم يكن معه شيء، وكان عرشه على الماء) وهو يوهم أن هذه المعية لازمة أزلا دفعه البخاري بان زاد في الترجمة {وهو رب العرش العظيم} دلالة على أنه مخلوق من مخلوقاته مربوب له."أهـ

وقال الله تعالى : "فأينما تولوا فثم وجه الله" [البقرة: 115].
وقال الله تعالى: "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم"[ الفتح:10] وقال: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" [الأنفال:17].
وقال: "من يطع الرسول فقد أطاع الله" [النساء:80].
وقال: " كل شيء هالك إلا وجهه [القصص:88]. وما قال: يهلك، فافهم.
وورد في الخبر الصحيح، والنص الصريح عند أهل الكشف، والشهود : «لو دلی أحدكم حبله، هبط على الله». رواه الطبري في تفسيره والبيهقي في الأسماء والصفات و الترمذي في سننه و العظمة لأبي الشيخ الأصفهاني والهروي فى مرقاة المفاتيح
وورد في الحديث الصحيح فقال صلى الله عليه وسلم «إن أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل" عن أبي هريرة، والباطل لا وجود له. رواه البخاري و أحمد و البيهقي فى الشعب.

قال تعالى: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" [الأنبياء: 18] فالباطل زهوق عدم لا وجود له، فافهم الإشارة النبوية إن كنت ذا لب حتى يظهر لك وجه الموافقة مع الآية. 
فإن الآية تدل على أن العالم ليس بباطل.
والحديث يدل على أنه باطل؛ لأنه سوى الله وكل شيء سوى الله باطل فلا يمكن الجمع بينهما إلا بالقول بوحدة الوجود.
فإن الحق وجه كل شيء، ووجه الشيء عينه، وذاته تعالى الوجود، فالوجود في الكل واحد، ويفني النسب والاعتبارات.

كما أشار إلى هذا قوله سبحانه وتعالى:" كل من عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" [الرحمن: 26 - 27 ] .
فإن الوجود من كل شيء ما ينعدم، بل الذي ينعدم نسبه وإضافاته.
فمعنى الآية كل شيء من حيث النسب فانى، ومن حيث الذات باق.

قال سيدنا علي رضي الله عنه :  يشير إلى هذا المقام في خطبة من خطبه:
لم يحل في الأشياء فيقال: هو كائن ولم ينأى عنها.
فيقال هو منها بائن ويشير إلى وحدة العين أيضا.
اللهم أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك.
لأن المستخلف لا يكون مستصحبا لله، والمستصحب لا يكون مستخلفا.
وفي خطبة أخرى قال رضي الله عنه : مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزائلة.

من نهج البلاغة
قال سيد العشاق الشيخ ابن الفارض قدس الله سره في نظم السلوك حكاية عن هذا المقام الأسنى نظم  :
وأشهدتني إياي أو لا سواي في   ….. شهودي موجود فيقضي برحمة

قال الشيخ أبو مدين قطب وقته قدس سره في هذا المقام: أي إشارة إلى وحدة الوجود إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره.
وقال الجنيد قدس سره: إذا قورن الحادث بالقدم لم يبق له أثر.

وقال أبو عبد الله المغربي وهو من الطبقة الثانية يشير إلى هذا المقام: يا من يعد الوصال ذنبا لأنها ثنوية: أي في إثبات الوصل.
وقال الخراز قدس سره: كنت أطلبه، ولم أجد سوى نفسي والآن أطلب نفسي فلم أجدها إلا هو.
وقال الجنيد قدس سره: التوحيد معنى يضمحل فيه الرسوم، و تندرج فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل.
ومنه قال ممشاد الدينوري قدس سره: رؤية غير الحق شرك.

ومن هذا قوله تعالى : "ما زاغ البصر وما طغى". [النجم:17].
وقال تعالى:" قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" [الأنعام: 91] . انتهى.

وقال ذو النون المصري قدس سره : الإشارة عن المشير شرك، فإنها للإثنيئية فأين التوحيد، نظم :ى "ألا كل شيء ما خلا الله باطل "
والباطل لا وجود له، فكيف يشار إليه انتهى كلامه.

قال الشيخ عبد الله الأنصاري قدس سره: التوحيد نفي الحدث وإقامة الأزل .
والشيخ العارف عفيف الدين التلمساني قدس سره أشار إلى هذا المقام نظما:
وقال:
شهدت نفسك فينا وهي      ….. كثيرة ذات أوصاف و اسما
ونحن فيك شهدنا بعض كثرتنا …..     عینا بها اتحد المرئي والرائي

قال الشيخ عبد الله الأنصاري قدس سره في بعض مناجاته: إلهي ما فعلت في أوليائك من طلبهم وجدك، ومن لم يرك ما عرفهم صيرتي مرآة من يبقيك من يراني يراك.
و أرباب الحجاب قلت فيهم: وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون إشاراتهم رضي الله عنهم كلهم إلى وحدة الوجود، فافهم.
عباراتنا شتى وحسنك واحد    …… وكل إلى ذاك الجمال يشير
إن هؤلاء كلهم سادات الأبرار و معادن الجود والكشف والأسرار، بل نقل عن قدماء الحكماء بإذعان هذه المسألة، وأن أفلاطون الإلهي صرح بتوحيد الوجود.
وهكذا يظهر ما نقل عن أفلاطون في كتاب: «حكمة الإشراق في مبحث الأنوار».
وفي غير ذلك الكتاب من مؤلفاته المقبولة، ورأيت في بعض تصانيف المتأخرين أن فيثاغورث الإلهي الذي هو أستاذ أفلاطون صرح بتوحيد الوجود وسریان وجوده الوحداني بذاته في جميع الموجودات.
والمفهوم من كلامه أن فيثاغورث عبر عن الوجود المطلق الوحداني الساري في الكل بذاته بالوحدة الطاقة السارية في الكل.
وصرح بهذه المسألة أبن سينا في النمط التاسع من كتاب: «الإشارات في بيان مقامات العارفين» بل صرح به في أماكن كثيرة من كتبه كالشفاء، والنجاة ، و التعليقات، وحكمة العلائي وممن تتبع كلامه يظهر له ما قلناه فأعتبر بكلامهم.

و كن من الذين يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل الثمر أطايبه، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيله سواء السبيل.
واعلم أن أعظم الشبه أيضا والحجب: هو التعددات الواقعة في الوجود بموجب
أحكام الأعيان الثابتة فيه، فتوهم أن الأعيان تعددت و تكثرت بالوجود وظهرت في الخارج به، وبرزت متصفة بالوجود.
وليس كذلك بل إنما هي آثارها في الوجود والوجود واحد، والأعيان ما شممت رائحة الوجود و أيضا كما أن الوجود من حيث حقيقته واحدة غير منقسم.

فكذلك من حيث الصورة هو واحد مصمت؛ لأنه أحد صمد و ذلك؛ لأن العوالم كلها برازخ.
ومن أحكام النشأة البرزخية أن يرى واحدا في صور كثيرة، وأماكن مختلفة في الآن الواحد الغير المنقسم، و تعلم أنه ليس غيره في كل صورة وبرزة، وهو مع كونه واحدا عين كل صورة، ويسمى هذا الظهور في بعض البروز بروز الكمل لهم الاقتداء بهذا التحول، والتصور والتصرف فيهما كيف شاء، وفي هذه الدار دار الدنيا.

وفي هذا المقام قال الشيخ ابن الفارض قدس سره شعر:
وما القوم غيري في هواها وإنما   …… ظهرت لهم للبس في كل هيئة
تجليت فيهم ظاهرا واحتجبت  با …..    طنا بهم فأعجب لكشف  سترة
و هكذا في النشأة الأخرة اليرز حية، أما ترى أن الناس يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن القيامة وهم يجدونه في كل موطن بحسب الشخص.
وأقرب من هذا ما ترى في منامك، فإنك ترى فيها العوالم ولا هنا غيرك فافهم الإشارة. فإما أقرب تمثيل يضرب لرؤية الكثرة في الواحد.

قال الشيخ ابن الفارض شعر:
أتحسب من جاراك، في سنة الكرى، ... سواك بأنواع العلوم الجليلة
تجمعت الأضداد فيها لحكمة، ... فأشكالها تبدو على كل هيئة
وكل الذي شاهدته فعل واحد ... بمفرده، لكن بحجب الأكنة
إذا ما أزال الستر لم تر غيره، ... ولم يبق، بالأشكال، إشكال ريبة

وإنما ذكرت هذه المسألة: أي مسألة وحدة الوجود من الأمهات بضميمة هذه الروايات تأنيسا للمحجوبين و تسكيا للمترددين، وتذكرة للمشاركين المؤمنين
" أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي: قال السيد مصطفى البكري: وأما قول أهل الحق القائلين بوحدة الوجود على الوجه الأحق، فإذا قالوا: ما في الوجود إلا الله مثلا فمرادهم من حيث القيومية فإن به تعالى قيام كل شيء .
وهو القائم على كل نفس بما كسبت ومن حيث عليه و إمداده و توليه، لا أن هذه الصور الحادثة الفانية القيادة المحدودة وجوده.
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وتختلف أذواق أهل هذه المشاهده، فمنهم من يكون ذوقه صديقا، فيقول: ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله.
فأولا رأي قيمة الحق وتجليه على الشئ، ثم رأى الشيء ولم ينفه ولو نفاه ؛ لكان سكرا، فكان مشهده كاملا حيث جمع بين شهود الحق والخلق في أن، لكنه غلب عليه شهود الحق، فرآه أولا ثم رأي الخلق.

و منهم من يكون مشهده فاروقيا، فيقول: ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه: أي متحليا بقيو مينه عليه، وهذا المشهد دون الأول من حيث الذوق.
ومنهم من يكون مشهده مشهدا عثمانيا، فيقول: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله معه .
ومنهم من يكون مشهده مشهدا علويا، فيقول: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله بعده .
وثم فوق هذه الأذواق أذواق كثيرة لا حد لها ولا نهاية، قد ذاقها الأصحاب والأحباب، ساروا على منهج السنة والكتاب.
ولقد سألت شيخنا الهمام سيدي الشيخ عبد الغني حفظ الله وجوده للأنام عن مقام المعرفة الخاصة، هل يكون بدون جد واجتهاد؟.
فقال: لا.
فقلت: ولا بد فيه من الذوق والوجدان، والقال لا يكفي دون الحال.
فقال: نعم.
فقلت: وكيف السبيل إلى طريق الذوق والوجدان.
فقال: وملازمة الطاعات ونوافل الخيرات والاشتغال بالله والإقبال عليه، كما نصت عليه الأشياخ فبهذا يحصل الذوق لطالبه أو ما هذا معناه.
و سألته عن:  أهل مقام الجمع.
فقال : أولئك قوم سكاری، فالسكران لا يعول على قوله .
فإنه يقول: أرى كذا وكذا والصاحي ينكر قوله؛ لعلمه أن ما يدعيه غير صحيح في نفس الأمر، وإنما تخیل لفرط سكره، إن الأمر كما أختبر وليس كذلك، بل الأمر كما هو عند الصاحي فإن السكر حال مدهش يذهب بعقل صاحبه فلا يعتد بكلامه . بما معناه.
فقول السكران: ما في الوجود إلا الله حق من وجه؛ لأن الوجود الحادث قائم به تعالى، فالوجود على الحقيقة له؛ إذ قيام الكل به. لكنه لما أنكر وجود الخلقية بالكلية

قلنا: بسكره، ورددنا قوله . فإنها ثابتة حسا وشرعا وعقلا.
وقد يقول الصاحي مثل قول السكران، لكنه يعني من وجه دون وجه، فمن حيث أن الكل هالك بالنظر لنفسه فإن الشيء لا يعطى لنفسه و جودا.
فإنه معدوم بالنظر لها أيضا، وأما بالنظر، لمفيض الوجود عليه فهو ثابت به باق بإبقائه. "له".

فقول سيدي محيي الدين قدس الله سره: (فلولاك ما كنا): أي من حيث أن وجودنا بك، ولولاي لم نكن: أي آثار اسمائك الحسنى.
فإن الأسماء تطلب الآثار، فإن المانع يطلب من يمنعه، والمعطي كذلك ولا ظهور للآثار إلا بظهور المؤثرات .
و هذا لم يكن ظهور الكون إلا عن الأسماء و طلبها، كما ذكره الشيخ في « إنشاء الدوائر»، وفي "عنقاء مغرب".
وأما بالنظر إلى الذات العلية المتعزز درك كنهها بالكلية؛ فهي مطلقة غنية عيني عن الإطلاق والكل في قيد وفي وثاق، فلا تعلق لها بشيء إلا من حيث الإمداد، ولا يتعلق بها شيء إلا من حيث الاستمداد، والأسماء الحسنى هي الوسائط التي تولاها كنا من البسائط.

ثم قال: «كنت: أي كنزا مخفیا» ولم تزل على ما كنت عليه إلى الأبد في الأزل وكنا بك أعيان ثابتة في العلم ثم أبرزت صورة ما في علمك لا الذي في علمك، فإنه قديم لا تحله الحوادث.
وهذا معنى قول الشيخ الأعيان الثابتة: أي في العلم ما شمت رائحة الوجود، أي في العين ثم قال: والحقيقة لا تدري إلا بمنحة منك و كشف عنها، فهنا يكون الإدراك بك وإذا كان . بك فلا إدراك، أو يكون أراد بالحقيقة الحقيقة الإلهية .

وهي كما قال رضي الله عنه : فالأنبياء والمرسلون لايدركون كنه الذات العلية ؛ بل عم بالنظر إلى الكنه في حيرة جلية.
وأما التجليات الواقعة في الدنيا والآخرة فلا تخرج عن رتبة التقييد والتجليات المطلقة، فلا حظ للعبد فيها.
إلا أن رتبة التقييد وإدراك التجلي المطلق لا يتخلص للعبد على ما حققه الشعراني رضي الله عنه في "ميزان الذرية" إلا عند فنائه لا في حال بقائه مع الحق، وحينئذ فما رأى إطلاق الحق إلا الحق فافهم.

قال: وإياك والغلط، فإنه لا حول ولا اتحاد ولا يلحق عبد ربه الحق أبدا ولو صار الحق معه وبصره وجميع قواه، فإن الحق تعالى قد أثبت عين العبد معه بالضمير في قوله في الحديث القدسي: «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به»، إلى أخر النسق، فإن قيل أن كلام الحق تعالى قديم .
وقد قال: "وهو معكم أين ما كنتم" [الحديد: 4]. وهذا يشعر بأنا معه في الأزل، كما يقول بذلك الفلاسفة.
قلنا: التحقيق أن العالم قديم في العلم الإلهي، حادث في الظهور، فشهود الحق في رتبة التقیید، يخص الحق تعالى به أفراده العبيد، ولشهود الحق علامة فمن شهدها في نفسه كان في قوله صادقا, وإلا كان مبطلا لدعاويه الكاذبة موافقا." أهـ. "

قال تعالى: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" [الذاريات : 55].
فقبلة مخاطبي هذه بالقصد الأول المؤمنون بكلام الشيخ رضي الله عنه من أهل القلوب المنورة الصافية وأرباب النظر السليم والعقول الوافرة، الغير المعتصبة الواقية، والفهوم الثاقبة الوافية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.

قال تعالى: "الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" [الكهف: 28].
ورد في الحديث: «في طائفة يغبطهم الأنبياء يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطیبه» رواه الطبراني عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه ذكره في جمع الجوامع.

" قال المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي: قال سيدي الشيخ الأكبر محيي الدين رضي الله عنه في باب «الوصايا»: «اعلم أن علامة من يدعي أنه يشاهد الحق تعالى إذا عكس مرآة قلبه إلى الكون؛ يعرف ما في ضمائر جميع الحلق ويصدق الناس على ذلك الكشف »."
فإنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، لصفاء طوية و حسن نية، بصفاء تام وتوجه عام بعد تطهير محلهم عن صفتي الجدل والنزاع.
متصفا بنعتي التشويق والاتباع، متعرضين لنفحات جود الجواد الكريم، مراقبين وازنين بميزان الحق والعدل القويم، فمن هذه صفاقم هم المتأهلون للانتفاع بنتائج الأذواق الصحيحة وعلوم المكاشفات الصريحة
يعرفنا من كان من جنسنا     ….. وسائر الناس لنا منكرون

* * *
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: فصل شريف ونص لطيف في سبب الاختلافات الواقعة في الكشوف والأذواق .كتاب حكم الفصوص وحكم الفتوحات المسمى مجمع البحرين في شرح الفصين   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 5:21 am

فصل شريف ونص لطيف في سبب الاختلافات الواقعة في الكشوف والأذواق .كتاب حكم الفصوص وحكم الفتوحات المسمى مجمع البحرين في شرح الفصين

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

فصل شريف على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

فصل شريف ونص لطيف في سبب الاختلافات الواقعة في الكشوف والأذواق
اعلم أن سبب الاختلافات التي وقعت في الكشوف والأذواق حتى طعنوا فيهم وقالوا: لو كان كشفا صريعا وعلما صحيحا لما وقع الاختلاف بينهم.
فحملوا مسائلهم الكشفية على المسائل النظرية الفكرية التي هي تخطئ وتصيب، هو عدم الاستشراق على أمهات الحقائق وأصول المقامات.
بل يتكلمون على تفاصيل منتقلين من بعض الفروع إلى بعض آخر، فلذلك يقع الخلاف بينهم ويرد النقض عليهم، و يبدوا حكم الحيرة فيهم عند المحاققة، كما يقع بين المتوسطين وأهل البدايات من أهل الله أصحاب المكاشفات الظاهرة، الذين تبرز لهم الحقائق والحضوات و غيرهما، مما لا يدرك إلا كشفا، ولكن بحكم الطبيعة فإن لها حكما عليهم ما داموا في ربقة الطبيعة، فتختلف الكشوف باختلاف الطبائع فيخطئ ويصيب، بل الكشف لا يخطئ أبدا، فإن المتكلم في مدلوله يخطئ ويصيب كالرؤيا، فإن كشفه صحيح فما يقع من الغلط إلا في التعبير .

أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي: قال الشيخ الشعراني: الحيرة في الله من كمال المعرفة به، وهي سارية في العالم الثوري والاري و الترابي، لأن العالم ما ظهر إلا على ما هو عليه من العلم الإلهي، وما هو في العلم الإلهي , وما هو فى العلم الإلهي لا يتبدل.
"فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ان الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (الروم: 30 ] الآية.
فما فطر العالم إلا على الحيرة، وذلك لأن المرتبة الإلهية تنفي بذاتها التقييد عنها ، والتوا كیك تنفي الإطلاق عنها، ولا تشهد إلا صورتها من التقييد.
فهذا هو سبب شدة الحيرة في الوجود، ولا أحد أشد حيرة في الله من العلماء به، ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلم .
كان يقول: "زدني اللهم فيك تحيرا". ومع ذلك فأعلى ما يصل إليه العلماء بالله تعالى من طريق نظر هم مبتدأ البهائم؛ لأنها كغيرها مفطورة على الحيرة في الله عز وجل، والإنسان يريد أن يخرج بما أعطاه الله تعالى من العقل والرؤية و إمعان النظر عن الحيرة التي فطر عليها، فلا يصځ له ذلك.
وعلى هذا الذي قررناه الإشارة بقوله تعالى في حق قوم:" أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كا عام بل هم أضل سبيلا" [الفرقان:44] .
فإن التشبيه بالأنعام إنما هو في الحيرة لا في المحار فيه، فليس ذلك نقصا في الأنعام، والحيرة عمي بلا شك "ومن كان في هذه أعمى فهو في الأخرة أعمى وأضل سبيلا" [الإسراء: 72 ] .أعني جاهلا بالذات.لا كما هو في الدنيا.
ولذلك كان العارف المحقق عمرو بن عثمان الملكي يقول في صفة العارفين:
وكما هم اليوم يكونون غدا، فعلم أن من طلب معرفة الذات من طريق الفكر والنظر كان مآله إلى الحيرة.
كما أن من طلب الواحد في عينه لم يتعمل إلا على الحيرة.
فإنه لا يقدر على الانفكاك من السمع والكثرة في الطالب و المطلوب، وكيف يقدر على ذلك، وهو يحكم على نفسه بأنه طالب، وعلى نفسه بأنه مطلوب.
و مقام الواحد يتعالى أن يحل في شيء، أو يحل فيه شيء؛ لأن الحقائق لا تتغير عن ذاتها.
إذ لو تغيرت لتغير الواحد في نفسه، و تغيير الحق في نفسه و تغيير الحقائق محال.
واعلم أن حيرة أهل الكشف والشهود أعظم من حيرة أصحاب النظر في الأدلة؛ لاختلاف الصورة عليهم عند الشهود فإن أصحاب النظر والفكر ما برحوا بأفكارهم في الأكوان، فلهم أن يحاروا و يعجزوا، وهؤلاء ارتفعوا عن الأكوان، وما بقي لهم شهود إلا فيه، فهو مشهودهم، فكانت حيرتهم باختلاف التجليات أشد من حيرة النظار في معارضات الدلالات، وفي الحقيقة ما في الوجود إلا الله.
ولا يعرف الله إلا الله، فمن وصل إلى الحيرة من المقرين فقد وصل، والسلام.
وسمعت شيخنا رضي الله عنه يقول: العلماء بالله على أربعة أصاف:
صنف ما لهم علم بالله إلا من طريق النظر الفكري، وهم القائلون بالسلوب.
وصنف ما لهم علم بالله إلا من طريق التجلي، وهم القائلون بالثبوت، والحدود التابعة للصورة.
وصنف يحدث لهم علم بالله بين الشهود والنظر، فلا بقون مع الصورة في التحلي، ولا يصلون إلى معرفة هذه الذات الظاهرة بهذه الصورة في أعين الناظرين.
وصنف ليس واحد من هؤلاء الثلاثة ولا يخرج عن جميعهم، وهو الذي يعلم أن الله تعالى قابل لكل معتقد في العالم، من حيث أنه عين الوجود، وهذا القسم ينقسم إلى صنفين:
صنف يقول عين الحق هو المتجلي في صور الممكنات.
صنف يقول أحكام الممكنات، وهم الصور الظاهرة في عين الوجود الحق.
وكل قال ما هو الأمر عليه، ومن هنا فشت الحيرة في المتحيرين، وهي عين الهدى في كل حائر، فمن وقف مع الحيرة حار، ومن وقف مع كون الحيرة هدي وصل. ومن وصل لا يرجع، لأن من المحال الرجوع بعد كشف الحجاب إلى الحجاب؛ إذ المعلوم لا يجهله العالم بعد تعلق العلم به.
و مرادنا بالوصول الوصول إلى السعادة الدائمة وهو معنى قوله: «فإذا أحببته كنت سمعه وبصره" الحديث.
وأنشدوا في ذلك:
وكل حب علم له بدء ويحققه علمي      …… سوى حسب رمال ثاني
وغاية الحب في الإنسان وصله    …… روح بروح و جثمان بجثمان
وغاية الوصل بالرحمن زندقة     ….. فإن  إحسانه  جزاء إحسان
إن لم أصوره لم تعلم ما كلفت     …… نفسي وتصويره رد لبرهانی وأنشدوا أيضا في نحو ذلك :
الله الله لا عقل يصوره        ……. والوهم يعبده في صورة البشر
والشرع يطلقه وقتا ويحصره    …… والكون، يثبته في سائر الصور"

أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي:  وكان شيخنا رضي الله عنه يقول:
من الرجال من زالت عنه الحيرة في الله عز وجل .
فقلت له: كيف ذاك؟
فقال: إذا تحلى الله تعالی للقلب في غير عالم المواد زالت الحيرة، و علم من الله على قدر ذلك التجلي من غير تعيين؛ إذ لا يقدر احد على تعيين ما قد تجلى له الا كونه تجلى في غير مادة لا غير.
ثم إذا رجع من هذا التجلي إلى عالم المواد صحبه تخیل تجلي الحق تعالي.
فما من حضرة يدخلها إلا و يعرف الله تعالى في تجليها؛ لأنه قد ضبط من معرفته أولا ما هبط ،
فيعلم أن التجلي قد تحول في أمر آخر، فلا يجهله بعد ذلك أبدا، ولا ينحجب عنه، فإن الحق تعالى ما يتجلى لأحد هذا التجلي، فانحجب عنه بعد ذلك أبدا.
فإذا نزل العبد إلى عالم خياله وقد عرف الأمور على ما هي عليه مشاهدة بعد أن عرفها قبل ذلك علما و إيمانا .
رأى الحق تعالي في صورة الخيال مقيدا فلم ينكره، لكن لا يسعه إلا السكوت، لأنه حينئذ يرى أن لا معلوم إلا الله.
وإذا كان لا معلوم إلا الله فلا يدري أحد ما يقول . ولا كيف ينسب الأمور .
وأنشدوا في تجلي عالم المواد :
من قال يعلم أن الله خالقه        ……. ولم يحر كان برهانا بأن جهلا
العجز عن درك الإدراك معرفة   ……. كذا هو الحكم فيه عند من عقلا
- انظر: الميزان الذرية (ص73) بتحقيقنا. أهـ    "
ذكره الشيخ رضي الله عنه في باب إحدى وثلاثمائة من «الفتوحات» بخلاف المتمكنين من أهل الله رضي الله عنهم في علمهم الموهوب، وكشفهم التام المطلوب، يعرفون غاية ما أدرك كل بفكره، واطلع بحسبه و نظره، ويعرفون سبب تخطيه الناظرين بعضهم بعضا، وما الذي أدركوه و أصيبوا ما الذي فالذي, فافهم.
ومن أي وجه أصابوا ومن أي وجه أخطأوا، وهكذا حالهم رضي الله عنهم مع أهل الأذواق والمكاشفين الذين لم يتحققوا بالذوق الجامع.
ويعرفون أيضا حال المتمكنين، ومن غلب عليهم من الأسماء والأحوال والمقامات، التي أوجب لهم تعشقهم وتقيدهم بما هم فيه.
ومن الذي له أهلية الترقي من ذلك، ومن ليس له ذلك فيقيمون رضي الله عنهم أعذار الناس وهم لهم منكرون، وبمكانكم جاهلون، وعن مقامهم عمون..
ولهذا التحقق والإشراف لم يقع بين الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام
" قال أبو المعالي صدر الدين القونوي في كتاب إعجاز البيان في تأويل أم القرآن :  
أهل الأذواق الذي لم يتحقق بالذوق الجامع وغيرهم من أهل الاعتقادات الظنية والتقليدية فانه يعرف مراتب الذائقين والمقلدة وما الحاكم عليهم من الأسماء والأحوال والمقامات الذي أوجب لهم تعشقهم وتقيدهم بما هم فيه ومن له أهلية الترقي من ذلك ومن ليس له فيقيم اعذار الخلائق أجمعين وهم له منكرون وبمكانته جاهلون.
فهذا يا اخواني حال المتمكنين من أهل الله في علمهم الموهوب وكشفهم التام المطلوب ولا تظنوها الغاية التامة فما من طامة إلا فوقها طامة ولهذا التحقق
والاستشراف لم يقع بين الرسل والأنبياء والكمل من الأولياء خلاف في أصول مأخذهم ونتائجها وما بينوه من أحكام الحضرات الأصلية الإلهية وإن تفاضلوا في
الإطلاع والبيان وما نقل من الخلاف عنهم فانما ذلك في جزئيات الأمور والأحكام الإلهية المشروعة لكونها تابعة لاحوال المكلفين وازمانهم وما تواطئوا عليه وما
اقتضته مصالحهم فتتعين الأحكام الإلهية في كل زمان بواسطة رسول ذلك الزمان بما هو إلا نفع لأهله حسب ما يستدعيه استعدادهم وحالهم وأهليتهم وموطنهم. وأمّا هم فيما بينهم بعضهم مع بعض عليهم السلام فيما يخبرون به عن الحق مما عدا الأحكام الجزئية المشار إليها فمتفقون وكل تال يقرر قول من تقدمه ويصدقه لاتحاد اصل
مأخذهم وصفاء محلهم اريد الغيب المطلق ومتي اضفت شيئا إلى الطبيعة فقلت الطبيعي فالمراد كل ما للطبيعة فيه حكم والطبيعة عندنا عبارة عن الحقيقة الجامعة
للحرارة والبرودة والرطوبة وإلىبوسة والحاكمة على هذه الكيفيات إلاربع والعنصري ما كان متولدا من إلاركان إلاربعة النار والهواء والمار والتراب والسمأوات السبع وما فيها عند أهل الذوق من العناصر فاستحضر ما نبهت عليه وما سوي هذا الغيب والنفس من المراتب فاني اعرفها عند ذكري لها بما يعلم منه المقصود. أهـ"
خلاف في الأصول من أحكام الحضرات الأصلية الإلهية وإن تفاضلوا في الإطلاع وما نقل من خلاف عنهم صلوات الله عليهم إنما ذلك.
في جزئيات الأمور والأحكام الفرعية الشرعية؛ لكونها تابعة لأحوال المكلفين وازمانهم، وما تواطئوا عليه، وما اقتضته مصالحهم فتنعين الأحكام الإلهية في كل زمان بواسطة رسول ذلك الزمان، بما هو الأنفع لأهله، و أما هم صلوات الله عليهم مما عدا الأحكام المذكورون فمتفقون، وكل تال يقرر قول من تقدمه ويصدقه، لاتحاد أصل مآخذهم صلوات الله عليهم أجمعين وصفاء محلهم حال التلقي من الحق سبحانه عن أحكام العلوم المكتسبة، و العقائد المقيدة، والتعلقات الطبيعية ونحو ذلك.
أما ترى قوله تعالى يشير إلى هذا المقام "إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا تعبد إلا الله ولا تشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" [آل عمران:14].
فليس بين القوم بحمد الله خلاف فيما يتحققون به، بل هم في شغلهم أحق وأصح من أهل الحسن فيما يدر كونه بحواسهم، بل ولا نقول أن الحق مع أحد القولين أو مع إحدى الطائفتين، بل نقول: إن الحق مع كل طائفة، و كلهم صادقون في قولهم ولكن باعتبار المواطن والمصارف.
فإن كنت عارفا بالمواطن وعرفت صدق كل من هذا، وعرفت أن كل مجتهد مصيب ما معناه فقم في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن، والمواطن شهد أحق عدل عند الله، فإنها لا تشهد إلا بصدق فافهم.
فإني أديتك الأمانة مع السلامة من البشاعة.  
اعلم أن الحق سبحانه وتعالى ربط العوالم والموجودات جليلها وحقيرها، كبيرها وصغيرها بعضها ببعض، وجعل بعضها مرائي ومظاهر للبعض، فالعالم السفلي بما فيه مرآة للعالم العلوي، ومظهر لآثاره.
وكذلك العالم العلوي مرآة تتعين فيه أرواح أفعال العالم السفلي تارة وصورها تارة أخرى، والمجموع تارة أخرى.
وعالم المثال الكلي من حيث تقيده في بعض المراتب، ومن حيث عموم حكمه وإطلاقه أيضا
مرآة لكل فعل وموجود، ومرتبته وانفراد الحق سبحانه بإظهار كل شيء على حد علمه به لا غير.
وجعل ذلك الإظهار تابعا لأحكام النكاحات الخمس التابعة للحضرات الخمس، فظهور الموجودات على اختلاف أنواعها وأشخاصها متوقف على سر الجميع النكاحي على اختلاف مراتبه المذكورة، وأحكامها المشار إليها، فإن قيل: ما الخضرات الخمس وما بيانها؟ .
قلنا: اعلم أن الحضرات الكلية التي إليها الاستناد و المرجع هي الخمسة التي:
أولها الغيب الإلهي الذي هو معدن الحقائق والمعاني المجردة الإجمالية .
وثانيها الغيب الإضافي وهو عالم الأرواح المجردة.
وثالثها عالم المثال يتصور فيها الأرواح كالأشباح.
ورابعها عالم الشهادة ولها الصور المركبة الطبيعية والبسيطة.
وخامسها الأمر الجامع وكل موجود لابد أن يستند إلى أحد هذه المراتب الخمس، أو يكون مظهر الحكم الجميع كالإنسان الكامل.
ولها باعتبار آخر تفصيل آخر وهو هكذا:
غيب الغيب، وهو التعيين الأول الإجمالي، والغيب الثاني هو التعين الثاني حضرة حقائق الأسماء والأعيان الثانية،
والشهادة الإضافية وهي عالم الأرواح
والشهادة الحقيقية، وهي عالم الأشباح وعالم المثال ما بين الشهادتين، وهي عالم تنزل فيه الأرواح على صورة الأشباح، و تتروحن الأجسام إليه وتصير أجسادا. فالأمر الجامع هذا الاعتبار تصير المرتبة السادسة الجامعة للكل فافهم.
ثم اعلم ثانيا أن أول المراتب والاعتبارات العرفائية المحققة لغيب الهوية هو الاعتبار المسقط لسائر الاعتبارات، وهو الإطلاق الصرف عن القيد والإطلاق، وعن الحصر في أمر من الأمور الثبوتية والسلبية كالأسماء والصفات.
وكلما يتصور ويعقل ويفرض بأي وجه تعقل و تصور وفرض فهو غير ذلك.
وليس لهذا المقام لسان فغاية التنبيه عليه هذا، وأمثاله هذا هو حقيقة الحق الي لا تدرك ولا تعلم ولا يحكم عليها، بسلب ولا بإيجاب.
وتسمى هذه المرتبة مرتبة لا تعين، وإنما سموها هذا الاسم الضرورة البيان والتواصل إلى الإفهام، وإلا فهي منزهة عن الإحاطة علما وشهودا ووجود سیما عن التسمية، وكيف لا والمسمى مدرك، وقد قررنا أنما ما تدرك، فإن قيل فكيف اصل علمنا بهذا المشهد الأنزه الغريب والمقام الأنوه العجيب.
قلنا: ذكر صدر الدين القونوي قدس سره في شرح الفاتحة إن هذا القدر من المعرفة المتعلقة بهذا الغيب ولا غيب إنما هي معرفة إجمالية حاصلة بالتعريف الإلهي الأجلى الأعلى، أو بالكشف الأجلي الذي لا واسطة فيه غير نفس التحلي المتعين من هذه الحضرة الغير المتعينة، وكوشف صاحب الكشف الأوسع الأتم أن كل تعين مسبوق بلا تعين، ثم الاستدلال عليه ثانيا بما ظهر منه وامتاز عنه من الأسماء والآثار الوجودية والتجليات النورية فإنه أصل كل عيب فافهم".
و استخلص المقصود من الكلام غير متقيد بالألفاظ وأدوات التوصيل، فإن المقام ما هو مقام المحاققة فافهم.
فإذا فهمت هذا فلنرجع ونقول: أول الاعتبار اعتبار علمه نفسه بنفسه، و كونه هو بنفسه هو فحسب من غير تعقل تعلق، أو اعتبار حكم، أو تعين أمر ثبوتي أو سلبي كان ما كان مما يقبله غيره بوجه من الوجوه ما عدا هذا الاعتبار الواحد المنفي حكمه عن سواه.
وهو مستند الغنى والكمال الوجودي الذاتي والوحدة الحقيقة الصرفة وقوله: «كان الله ولا شيء معه» ونحو ذلك وهو أول ما يصح أن يعلم المسمى بالتعين الأول، فعلم نفسه بنفسه غني عن العالمين فافهم.
والاعتبار الثاني: شهوده نفسه في مرتبته سواه من غير أن يدرك ذلك الغير نفسه ؛ القرب نسبته وعهده ممن امتاز عنه، ولغليته حكم الغيب المطلق و التجلي الوحداني، ثم ظهر حكم تعلق الإرادة بنسبتي التفضيل و التدبير.
لاتحادي عالم التدوين والتسطير ، وإبراز الكلمات الإلهية التي هي مظاهر نوره و ملابس نسب، علمه ومرائي أسمائه و تعيناتها في رق مسطور.
فكانت ثمرته شهود الظاهر نفسه في مرتبة الغير والسوي الممتاز عنه في الشهادة الأولى المسمى بها خلقا، وسوى هذا غاية الخلق و حكمه الإيجاد وهي قوله صلى الله عليه وسلم :
"أحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف" .
"أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي: قال سيدي علي وفا رضي الله عنه  : الوجود الإلهي هو العليم الحكيم، فلا علم ولا حكمة في كل مقام فرقي بحسبه إلا منه وله، وما هو وجود العدل النظري العارف فهو العارف و التعرف، وحيث تعرف بشواهد المرتبة الإلهية إلى هذا العمل حتى أدرك ما ناسبه منها في إدراكه الخاص ومرتبته النظرية المسماة بالمعرفة، كان الله الإله بذلك هو العارف والمعروف حقيقة ما هو نفسه المرتبية حقيقة هنالك، والمعروف للمرتبة العقلية مجازا فرقا في ذلك.
فهو العارف والمعروف حقيقة بما هو الوجود القابل، والفاعل للمعرفة في هذه المرتبة النظرية، وهو المعروف ما هو الفاعل فيها، والتعرف العارف بالتعرف ما هر القابل فيها:
الأول بما هو الحى القائم على خلقه، والقيوم بأمره.
والثاني بما هو الخلق المتقوم بحقه، والقائم بربه، القائل بعض نواطقه: «كنت كنزا لا أعرف».
أي حيث لم تدمير مرتبة النظر التي هي ذات الإدراك السمی عرفانا و تصورا وتصديقا تمييز الفصل الفرقي الإمكاني.
«فأحببت أن أعرف»: أي باقتضاء الحقائق الوجوبية مثالاتهما الإمكانية، «فخلقت خلقا»، هم مراتب كون العقول النظرية، «وتعرفت إليهم»: أي بشواهد أعيان غيوب المعاني الإلهية، «فبي عرفوني»: لأني وجودهم ووجود عقولهم، ووجود شواهد شهودها، وهذه الصورة الإلهية العرفانية هي التي ما تصورت في إدراك إلا عامل مدركه، مهما عامله حكمه هذا المعروف الروح القدوس السبوح العليم الحكيم، بحسب إدراكه وتحققه به تصورا وتصديقا.
وغلبته بحكمه عليه تخلقا وفعلا، فهذه هي المعاشرة بالمعروف، أعلى المعاشرة بالحكمة في كل مقام بحسبه . أهـ "
وهذا معنى قوله رضي الله عنه في أول الكتاب: إن رؤية الشيء نفسه بنفسه ليس مثل رؤية نفسه في أمر آخر يكون كالمرآة، فشاء أن يخلق الخلق حتى يكون مرآة يرى فيها فافهم.
ونص متم الأمر وحدة الوجود، والذي هو العين المقصود، واعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن كل ما ظهر في الوجود، وامتاز من الغيب على اختلاف الظهور، والامتياز في التحقيق الأتم، ليس إلا تجل واحد يظهر له بحسب القوابل ومراتبها و استعداداتها تعينات، فيلحقه لذلك التعدد، والنعوت المختلفة والأسماء والصفات؛ لأن الأمر في نفسه متعدد، ووروده طار ومتجدد، هذا حقيقة معين مقول القوم لا تكرار في التجلي.
ذكر الشيخ رضي الله عنه  في «الفتوحات» هذه الكلمة عن أبي طالب المكي قدس سره : و إنما التقدم والتأخر وغيرهما من أحوال الممكنات يوهم التجدد والطريان والتقيد والتغير ونحو ذلك كالحال في التعدد، وإلا فالأمر أجل أن ينحصر في إطلاق أو تقیید أو اسم أو صفة أو نقصان أو مزيد.
وهذا التجلي الأحدي المشار إليه ليس غير النور الوجودي، ولا يصل من الحق تعالى إلى الممكنات بعد الاتصاف بالوجود، ولا قبله غير ذلك، وما سوى ذلك فإنه أحكام الممكنات وآثارها تتصل من بعضها بالبعض حال الظهور بالتجلي الوجودي الوحداني المذكور، ولما لم يكن الوجود ذاتيا لسوى الحق سبحانه ؛ بل مستفاد من تجلية اقتضى العالم في بقائه إلى الإمداد الوجودي الأحدي مع الأنات دون فترة ولا انقطاع؛ إذ لو انقطع الإمداد المذكور طرفة عين في العالم دفعة واحدة، فإن الحكم العدمي أمر لازم للممكن، والوجود عارض له من موجده فافهم لتفهم سر وحدة الوجود، وهذا هو الأصل في كل موجود، فإذا أشرق نور التجلي الوحداني على القلب الوحداني توحدت أحكام الأحديات، و اختفت آثار الكثرات فيها.
وشهد أن التجلي هو التجلي الذاتي والفيض فيض الأقدس دون المقدس، وأن ما في العالم سواه؛ بل هو المتجلي والمتجلي له، والتجلي هذا هو: المعتمد والمعتني والمعول عليه وغير هذا الذوق لا تمل إليه ولا تحول لديه فافهم.
واشكر هذه النعم؛ حيث جعلك الله ممن قرع سمعك أسرار الله المخبوءة في خلقه، يخص الله بها من يشاء من عباده، وأنبت لما يلقي
قال تعالى : "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" [المزمل: 5].
فتبتل إلى إصغائه وإذعانه تبتيلا جميلا، وكن له من القابلين المؤمنين القائلين بها ولا تحرم التصديق بها فتحرم خيرها، و تجمع بين الحرمانين عدم الاتصاف الإيمان والإنصاف.
قال تعالى: «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات". [المجادلة:11].
ورد في الحديث الصحيح: «إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا نطقوا به لم يكره إلا أهل الغرة بالله» ذكره الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وهو من العلم الذي يكون تحت النطق والبيان فما ظنك بما عندهم مما هو خارج عن حكم الدخول تحت النطق والبيان، فما كل علم يدخل تحت السيارة وهو علوم الأذواق كلها.
فإذا رأيت فيك شعرة من قابلية قبول كلامهم، فأبشر فإنك سعید فإنهم قوم لا يشقى جليسهم فكيف من يجد في نفسه رائحة ذوقهم وبارقة فهم كلامه؟!
وما ذلك إلا لمناسبة موجودة، و أنت ما تدري كما قيل أن المناسبة علة الضم.
قال الشيخ الإمام خواجة عبد الله الأنصاري قدس سره: إن أول علامة القبول قبول كلامهم وعدم الإنكار عليهم.
وقال به الشيخ الأكبر في «الفتوحات»إذا حسن عندك كلامهم وقبلته، وآمنت به فأبشر فإنك على كشف منه ضرورة، وأنت لا تدري لا سبيل إلا هذا؛ إذ لا يثلج الصدور إلا بما يقطع بصحته وليس للعقل هنا مدخل؛ لأنه ليس من دركه إلا إن أتي بذلك معصوم حينئذ يثلج صدر العاقل، وأما المعصوم فلا يلتذ بكلامه إلا صاحب ذوق.
فلهذا قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره: "الإيمان بعلمنا ولاية".
"أضاف المحقق الشيخ أحمد فريد المزيدي: وقال سيدي علي وفا رضي الله عنه : إذا نطق بالحق أهله فمن علم الله فيه خيرا أسمعه، وإلا فلا، من اختاره أسمعه منه، "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى " [طه: 13].
لسان الصدق معه التصديق، سمع هذا اللسان ولاية من تليها فهو معزول.
"وما تنزلت به الشياطين . وما ينبغي لهم وما يستطيعون . إنهم عن السمع لمعزولون" [الشعراء: 210 - 212].
قال الجنيد رضي الله عنه : «الإيمان بطريقتنا ولاية»، إذا كان سمع هذا اللسان ولاية فكيف بفهمه فكيف بوجده، إذا سمعت بنطقك ترجمة معنى على صيغة ثم أسمعتها بنطق سواك على صيغة سواها، فلا تشتغل بتلحينها عن تلمح معناها.
ولكن أشهد أن مناجيك يريد أن يمتعك بفنون مناجاته ، ويوسع عليك مسالك تنزلاته، ومجالي تجلياته، ألم تسمع قول السيد الكامل حين أنزل الكتاب على حرف واحد: «رب وسع على امتي». فوسع إلى سبعة أحرف.
إذا كنت في مقام السمع فاستمع وأنصت؛ فإن الرحمة في ذلك.
ومن ثم تقول أئمة محاسن الأخلاق: «من أدب السماع ألا تقترح على مسمعك، ولا يعب اللسان الرباني لسان الوجود الحكيم».
والشيطان صورة الوهم البهيم الذي هو ضد الروح الحكيم عينا وأثرا، فلا يمكن تنزل الشياطين بهذا النور المبين؛ لاستحالة انقلاب الحقائق، من نزل به فهو روح حكيم. أهـ ."
وقال رضي الله عنه : في «الفتوحات» في الباب الثالث والسبعين عن أبي يزيد البسطامي قدس سره أنه قال لأبي موسى الديلي :
يا أبا موسى إذا رأيت من يؤمن بكلام هذه الطائفة،
فقل له: يدعو لك فإنه يجاب الدعوة. وهو أبو يزيد من أحد النواب.
ثم قال رضي الله عنه : وكيف لا و المسلم في بحبوحة الحضرة، ولكن لا يدري أنه فيها لجهله بها ولا يغرك أيها الناظر قول العموم أن كل علم لا يكون عن حال فليس بشيء كما يتخيله الجهال والعوام .
فإنه رضي الله عنه ذكر في الفصل الرابع في المنازل من «الفتوحات»: إن الرجولية ليست فيما يتخيله الجهال من عامة الطريق بطريق الله، فيتحجبون بالحال عما يقتضيه العلم والمقام يقولون: كل علم لا يكون بالحال، فليس بشيء
فقل له : لا تقل ذلك يا أخي فإنه خلاف الأمر وإنما الصحيح أن تقول: كل علم لا يكون عن ذوق فليس بعلم أهل الله، فأراك لا تفرق بين الحال والذوق، وما تم علم قط إلا عن ذوق لا يكون غير هذا , والمتمكن في العبودية لا حال له البتة مخرجه عن عبوديته ، فلو لم يكن في الأحوال من النقص إلا أن يخرج من مقامه إلى ما لا يستحقه، وهو لا حق له حتى أنه لو مات في حال الحال لما مات صاحب نقص  و حشر صاحب نقص.
فليست الأحوال من مطالب الرجال لكن الأذواق من مطالبهم، وهي لهم فيها من العلوم منزلة الأدلة لأصحاب النظر فيها . انتهى كلامه رضي الله عنه.
فلا يصرفنكم صارف عما تلوته عليكم ولو شاء الله ما فعلته.
قال تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" [الكهف: 29 ]۔
قال تعالى : "وعلى الله قصد السبيل" [النحل : ۹] أن تستفتحوا، فقد جاءكم الفتح.
و الحمد لله رب العالمين.
.

تحميل كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات وورد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الأول .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 12:48 pm

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الأول .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

شرح خطبة الشيخ على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم  الجزء الأول

قال الشيخ الأكبر الحاتمي رضي الله عنه :
(بسم الله الرحمن الرحيم) كلمة بسم الله من الإلهيين بمنزلة كلمة الحضرة.
فلما أراد رضي الله عنه ظهور عين الكتاب المسطور في الرق المنشور، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، فالأديب خلاق في هذه الدار ببسم الله الرحمن الرحيم ؛ ليعصم في معاملته من مشاركة الشيطان حيث أمره بالمشاركة في الأموال والأولاد، فهو ممتثل هذا الأمر الإلهي وحريص عليه، ونحن مأمورون بألقابه في هذه المشاركة، فطلبنا وطلبنا ما نتقيد به لكونه نجیا عئا لا نراه فأعطانا الله اسمه تعالى.
فلما سمينا الله تعالى أعمالنا عند الشروع فيها توحدنا بهما، وعصمنا الله من مشاركة الشيطان.
فإن الاسم الإلهي هو الذي يباشرها، ويحول بيننا وبينه حتى أن بعض أهل الكشف يشهدون هذه المدافعة التي بين الاسم الإلهي من العبد في حال الشروع و بين الشيطان.
وإذا كان العبد بهذه الصفة كان على بينة من ربه، وفاز ونجا من هذه المشاركة، وكان له البقاء في الحفظ والعصمة في جميع أعماله وأحواله.
ذكره رضي الله عنه في الباب الثالث والخمسين وثلاثمائة من «الفتوحات» وإنما عدل رضي الله عنه عن قوله: "كن أدبا مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
، فإنه إذا أراد شيئا يقول له كن وحيث صدر منه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: «كن أبا ذر» الحديث.
"نظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كن أبا ذر" فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده" . المستدرك على الصحيحين
قال انه في «الفتوحات»الباب 595 : "من أراد التكوين فليقل بسم الله وإن كتبه فليكتبه بالألف وقال الأدب مع الله أن لا تشارك فيما أنت فيه مشارك " فافهم
بعض أسرار بسم الله على العموم لا باعتبار خصوص المقام.
اعلم أنه لما ثبت أن الأسماء الإلهية سب وجود العالم، وأنها المسلطة عليه والمؤثرة لذلك، قال : بسم الله خير مبتدأ مضمر ، وهو ابتداء العالم وظهوره كأنه يقول ظهور العالم بسم الله الرحمن الرحيم، فظهر به العالم.
واختصت به ثلاثة من الأسماء؛ لأن الحقائق تعطى ذلك:
فالله هو الاسم الجامع الأسماء كلها
والرحمة صفة عامة فهو رحمن الدنيا ما رحم كل شيء من العالم في الدنيا،
ولما كانت الرحمة في الآخرة لا تختص إلا بقبضة السعادة، وانفرد عن أخيه في الآخرة.
فتم العالم بهذه الثلاثة الأسماء جملة في الاسم الله، وتفصيلا في الاسمين الرحمن الرحيم .
قوله: (بسم الله): بالباء ظهر الوجود، وبالنقطة تميز العابد من المعبود.
قيل للشبلي قدس سره أنت الشبلي، قال: «أنا النقطة التي تحت الباء».  
وهو إشارة إلى وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية.
"قال العارف سيدي ابن الفارض سلطان العاشقين مشيرا إلى ذلك بقوله:
ولو كنت لي من نقطة الباء خفضة     …… رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
فبالتعين وقع التميز، وقد علمت أن أول تعين هو الحقيقة المحمدية، وهذه النقطة المراد بها ما ذكرناه مظهر هذه الحقيقة، والظاهر عين المظهر باعتبار، فكان صلى الله عليه وسلم هو هذه النقطة الجامعة لما يكون و كان."
"واعلم أن الذات تبارك وتعالى لا تعلق له بالعالم ولا بشيء لغناه الذاتي.
وأن الذي له التعلق والتأثير بالعالم هو الأسماء والبسملة كافية للعالم، وبها يتم أمره فإنها مشتملة على الأسم: الله والرحمن الرحيم، أما الأول فإنه له جمعية الأسماء جمعية إجمال، والاثنان الباقيان لهما جمعية ذلك تفصيلا. "
ونقل الشيخ رضي الله عنه عن الشيخ أبي مدين قدس سره أنه قال«ما رأيت شيئا إلا ورأيت الباء عليه مكتوبة». فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق في مقام والفناء.
ثم جاءت إلها آخر إشارة إلى بقاء وجوده أخرا عند محو الرسوم، وهذا هو المقام الذي يضمحل فيه أحوال السائرين، وتنعدم فيه مقامات السالكين حتى يفنى ما لم يكن، ويبقى من لم يزل لا غير؛ ليثبت لظهوره ولا ظلام يبقى لنوره.
ويشير إلى هذا المقام قوله تعالى: "لا تبقي ولا تذر" [المدثر : 28]
وقوله : «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فالألف المحمولة بالإضافة .
أعني: ألف الله إشارة إلى تحقيق اتصال الوحدانية، وتمحيق انفصال الغيرية وهو تحقيق المتصل بتمحيق المنفصل، فافهم.
والألف الثانية في اللام الثانية تمحو آثار الغير المتحصل: أي من الوهم المكتسب وظهور اللام بالاستقلال، وإما إلها للهوية السارية إشارة إلى أنه منها بدأ وبها ختم وملكها الأمر في الوجود والعدم.
وجعلها دالة على الحدوث و القدم، والله بكل شيء محيط، وصير الكل استما ومسمي، وأرسله مكشوفا و معما الله هو الولي الأعلى
أما ترى أن اللام الثانية لما كانت مراده الكل مجتباه كيف أعربت و اتصلت بألف الوحدانية اتصالا شافيا حتى صار وجودها نطقا يدل على الألف دلالة صحيحة، وإن كانت الذات فيت فإن لفظك باللام تحقيق الاتصال.
ويشير إلى هذا قول أعلم الخلق بالله صلى الله عليه وسلم : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» فمن عرف اللام الثانية عرف اللام بخلاف اللام الأول، فإنه مع الهمزة ولا يظهر الألف.
أما ترى تعانق الكلام مع الألف تعانقا حبيبا عشيقا لا يفارقها أبدا؛ بل في ظهور الأول ثابت الهمزة عنها: أي عن الألف، وهي في حجاب غرة البطون لا تقبل الحركة والخروج لو شاء لجعله ساكنا.
قال الله تعالى: "وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم" [الانعام : 13]، فافهم ولا تكن غليظ الطبع قدما أصم أعمى أبكم وعلى الله قصد السبيل.
وأما قوله رضي الله عنه عن الرحمن فاعتبر فيه وجهان: فمن أعربه بدلا جعله ذاتا.
قال تعالى : "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا له الأسماء الحسنى" [الإسراء:110]
ومن أعربه نعتا فقد اعتبره صفة قال : «إن الله خلق آدم على صورته» وفي رواية: «على صورة الرحمن» و هذه الرواية ذكرها رضي الله عنه  في الباب الخامس من «الفتوحات» وقال: إنها صحيحة من طريق الكشف، فمن أعربه بدلا أشار إلى التحقيق بمقام الجمع الذاتي وفناء الصفات.
كما قيل: التوحيد إسقاط الإضافات و هو مقام أن الله خلق آدم على صورته ، وذلك وجود العبد في مقام قرب الحق في حد الخلافة. فافهم
وأما من أعربه نعتا فإنه أشار إلى رتبة الجمع الصفاتي، وهو من مقام خلق آدم على صورة الرحمن وهذا مقام الوراثة ولا يكون إلا بالحجاب، وهو المعبر عنه بالمثل، وفيما قررناه دل على ما أضمرناه لمن له قلب.
قال تعالى: "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال" [الأحزاب:25] فكن المعمي ولا تكن من هو أضل و أعمي.
وأما الرحيم من البسملة صفة محمد صلى الله عليه وسلم بلا شبهة ولا مراء، كما شهد الله له بقوله: "بالمؤمنين رءوف رحيم" [التوبة:128]، "وكفى بالله شهيدا" [النساء: 79] ، تمت البسملة وبتمامها تم العالم خلقا وإبداعا، وكان صلى الله عليه وسلم مبدأ الوجود عقلا و نفسا
ورد: «كنت نبيا و آدم بين الماء والطين».  أي العلم والعين وصار به ختما
و به  صلى الله عليه وسلم ختم المقام روحا وجسما , كان آدم أبو البشر حامل الأسماء وهو صلى الله عليه وسلم حامل الاسم والمعين
قال : «مثلت في أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها» ذكره الديلمي عن أبي رافع .
فالشهود في الماء والطين أتم وأعم من الشهود في عالم الأرواح أو المثال فافهم.
فإني ما ذكرت لك في مقام البسملة سوى قشور ما فهمته من معارفه لانه وذلك لأن الفائدة في المحاورة و التعريف لا يكون إلا إفهام المخاطب، و إلا ما يقع في التعريف فائدة، ولما كان فهم المخاطبين بحسب إدراكهم فيما خوطبوا به مما ظهر منا إلا بحكم الحكيم.
وإلا قال بانه: إنه وجدت البسملة أنها تتضمن ألف معنى كل معنى منها لا يحصل إلا بعد انقضاء حول.
ولا بد من حصول هذه المعاني؛ لأنه ما ظهر إلا ليعطي معناه، فلا بد من كمال ألف سنة لهذه الأمة، وهي أول دورة الميزان ومدها ستة آلاف سنة روحانية محققة.
ولهذا ظهر في هذه الأمة من العلوم الإلهية ما لم يظهر الغير هذه الأمة، فإن هذه الدورة التي انقضت كانت ترابية فغاية سعيهم علما وعملا بالطبائع و الإلهيون فيهم غربا قليلون جدا.
يكاد ألا يظهر لهم عين، ثم أن المقالة منهم أيضا ممتزج بالطبيعة، ولا بد ما صرف خالص سائغ للشاربين، ولا سبيل لحكم الطبع عليه أصلا، هذا هو مال اليتيم الذي لا يقربه أحد إلا بالتي هي أحسن: أي باستحقاق الوراثة المحمدية فافهم.
نكتة: اعلم أن البسملة أربعة ألفاظ لها أربعة معاني معان فتلك ثمانية :
وهم العرش المحيط، وهم الحملة، فهم حملة من وجه و عرش، من وجه ذكره عند في «الفتوحات» ثم قال: فانظر واستخرج من ذاتك لذاتك،
فقلت: إطاعة لخطابه المستطاب إنهم من حيث الصور حملة، ومن حيث المعاني عرش؛ لأن الصور يصح أن يقال فيها أنها حافلة الأرواح، فلهذا تظهر في الآخر ثمانية؛ لأن المعاني فيها تظهر صورة قائمة بنفسها والله أعلم.
بشارة في البسملة وهي: إنه تعالى لكمال العناية بالعباد كما أبطن اسم المنتقم في الجلالة، وأظهر اسما الرحمة العامة والخاصة في الوجودين الكتابة والقراءة، كذلك أظهر حكمها في وجودي الدنيا والآخرة وأبطن حكم المنتقم فيها إشارة إلى سريان حكم الرحمن في الوجود فافهم.
إن هذا معنى ما قاله به في «الفتوحات»: إن من كرمه سبحانه أن جعل تعالى في مقابلة الوعيد مانعا وهو: العفو والتجاوز وأمرنا به، ولم يجعل للوعد مانعا قال مخلوق من مخاليقه نظم
وإني إذا أوعدته أو وعدته     ….. إني إذا أوعدته أو وعدته
هذا وهو محتاج فقير يتيم، قال تعالى : "ما غرك بربك الكريم " [الانفطار: 6].
قال الشيخ الأكبر: [الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلف النحل والملل لاختلاف الأمم. وصلى الله على محمد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم].
قال الشيخ الكيلاني الشارح:
(الحمد لله) حقيقة، الحمد هو العبد المقدس المنزه قدمت الذات تنويها وتشريفا وتعريفا بأن النفس قد عرفت، وتصديقا و اقتداء لبي.
قال تعالى : "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" [النمل:30]
كأنك ما فهمت ما ذكره لك بلسان آخر من ألسنته رضي الله عنه ؛ لاتساع الرحمة وإطاعة الأمر حيث كي لا تمتعوا هذه الرحمة التي وسعتكم
فاعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن الحمد و ثناء وله ثلاث مراتب:
1 - حمد الحمد
2 - وحمد المحمود لنفسه،
3 - وحمد غيره له
وما تم مرتبة رابعة، ثم في الحمد الذي يحمد الشيء نفسه، أو بحمده غيره تقسیمات، إما أن يحمده بصفة فعل، وإما بصفة تنزیه و ماثم حمد ثالث بهذا التقسيم
وأما حمد الحمد له فهو في الحمدين بذاته لو لم يكن لما صح أن يكون لها حمد.
ثم أن الحمد على المحمود قسمان، منه أن يحمد بما هو عليه وهو الحمد الأعم.
ومنه أن يحمد على ما يكون منه وهو الشكر العرفي الأخص، فانحصرت الأطراف و اجتمعت المحامد.
وإما تعيين الكمالات التي تدل على ما ذكره لا يتناهى كما أخبر أعلم الخلق بالله لا حيث قال في بيان المقام المحمود: «فأحمده بمحامد لا أعلمها الآن»
وقال صلى الله عليه وسلم : «لا أحصي ثناء عليك» ؛ لأن ما يتناهى لا يدخل في حيطة الإحصاء والوجود، ولما كان كل عين حامدة ومحمودة في العالم كلمات الحق الظاهرة من نفس الرحمن بفتح الفاء ونفس الرحمن ظهور الاسم الباطن، والحكم الغيب فهو الظاهر والباطن فرجعت إليه عواقب الثناء كله؛ بل إليك فافهم.
فلا حامد ولا محمود بل ولا الحمد إلا الله، ولا الحمد إلا العبد، فإن من هذا المشرب ما قلناه: إن حقيقة الحمد هو العبد المقدس فلا تقف مع ساحل الألفاظ، و خض بحر المعاني مجرد عن لباس الصور والأوان، لعلك تقدي بهذا فإن صعب عليك المرام من حيث أنه إلغاز وإيهام.
قل: إن الحمد في العرف إظهار كمال المحمود في ظهور العبد الكامل على صورة إظهار الكمال، بل كمال الإظهار، فإن ما في الإمكان أبدع مما كان هل يكون شيء أبدع من صورة المبدع والله هو البديع؟!
فاقنع هذا وخذ ما آتيتك، وكن من الشاكرين فإن المقام مقام الحيرة والكيل كيل السندرة لله.
الاسم الله اسم مرتبة أزلية قديمة، وهو مقام انفصال وجود من وجود الإله، ثم غيبه عن وجوده بوجوده سبحانه الأزلي الأبدي، فلما جمع الأبد والأزل جمع الحرفين، ولف الطرفين، وطي البردين في اعتدال البردين .
فأوصل اللام باسم الجلالة ؛ الكمال الاتصاف وغاية العدل والإنصاف.
(وقال الله) لتحقق الاتصال التام و تمكنه في ذلك المقام، فخرج من مضمون مجموع ما ذكرته إن فهمته أن غاية الأمر أنه حمد نفسه التي رآها وهذا من محتملات الآية، إذا كانت الكاف غير زائدة وصار الموجود مرآة فلا تحلت صور الممثل في مرآة الذات.
قال لها تعالى حين أبصرت الذات وعطست و میزت نفسها: احمدي من رايت فحمدت نفسه التي رأت في المرآة.
فقالت: الحمد لله.
فقال لها: يرحمك ربك يا آدم لهذا خلقتك فسبقت بهذا القدم رحمته غضبه.
وإنما قلت: إن الله اسم للمرتبة لا اللذات .
لقوله فيه في أجوبة الترمذي رحمه الله: إن مدلول الله يطلب العالم بجميع ما فيه فهو له كاسم الملك والسلطان، فهو اسم للمرتبة لا للذات انتهى كلامه رضي الله عنه.
و كيف لا والحمد ما يقع إلا على الأسماء للذات البحت؛ لأنها لا تدرك.
قال صدر الدين القونوي في شرح الفاتحة: إن الحمد هو الثناء في الحقيقة تعريف، والتعريف لا يصح بدون معرفة المعرف بالفتح فافهم. فكيف تقبل الحمد.
و أيضا: إن الحمد من مقام التفصيل والجمع لا الأحدية الذاتية فافهم.
فإذا فهمت هذا فاعلم أن الشارح الذي شرح الله صدر الخطبة بالذات المطلقة المعراة عن جميع النسب حتى عن نسبة التجرد والإطلاق ما اتصف، وكيف يصدر من العارف ما يخرج عن ميزان القسط والعدل فافهم.
فإن قيل: لم قال له الحمد لله ولم يقل بالله؟
كما يقول، العارف، قلنا: لشرف مقام اللام فإن الحمد له أعلى من الحمد بالله؛ لأن الحمد بالله أبقى الحامد وهو مقام قرب النوافل، والحمد لله أفي الحامد وهو من مقام قرب الفرائض.
فإذا قال العالم : الحمد الله: أي لا حامد لله إلا هو فأجري ألا يكون محمودا سواه.
وقال الجاهل: الحمد لله : أي لا محمود إلا الله فاشتركا في اللفظ، و افترقا في المعنى فالعالم أفني الحامدين والمحمودين من الخلق.
والمحجوب أفني المحمود من الخلق فقط.
وأما العارفون هم البائيون فلا يتمكن لهم أن يقولوا الحمد لله إلا مثل العامة، وإنما مقامهم الحمد بالله؛ لبقاء نفوسهم عندهم وغاية الأمرين ونهايته أنها قائمة بالله وهم أهل مشهد لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلما كان له به رتبة العلم فقال: الحمد لله وما قال: الحمد بالله فإن دون رتبته.
قال له في «الفتوحات» نقلا عن أبي العباس العريف أنه قال: العلماء لي والعارفون بي يشير إلى ما ذكرناه.
فأثبت المقام العالي للام؛ لأن اللام لا تبقي ولا تذر.
فالعلماء هم اللاميون، و العرفاء هم البائيون، فافهم
(منزل الحكم)، مخففة من باب الأفعال يشير فنه إلى مرتبة الإنزال الإجمالي إلى حضرة النفس الكلي التي عبر عنها بلسان الشرع، أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ من المحو والإثبات.
كما أشار إلى هذا الإنزال الإجمالي قوله تعالى : "إنا أنزلناه في ليلة القدر" 1 سورة  القدر .
وهو إنزال إجمالي إلى النفس المحمدية المعبر عنها بلسان العموم السماء الدنيا.
قال بعض المفسرين: إنه تعالى أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر والشرف.
أو نقول: منزل بالتشديد من باب التفعيل: أي منزل الحكم على سبيل التدريج بحسب المصالح كما قال تعالى في القرآن
"ما ننزله إلا بقدر معلوم" [الحجر: 21] اقتضته حكمة الحكيم.
وقال تعالى : "ونزلناه تنزيلا" [الإسراء:106] : أي مرتبا بحسب المصالح.
وقال تعالى : "فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" [البقرة: 97]؛ لأنه محل التفصيل بخلاف النفس إذا إجمال بالنسبة إلى قلب القلب، وفيه تفصيل كل أمر فهكذا نزول الحكم على الكلم على النفوس مرة، وعلى القلوب تارة أخرى.
فالأولى أشرف وأعلى، والثاني أنتم وأولى ولهذا خوطب صلى الله عليه وسلم حين كان يعجل بالقرآن قبل الفرقان
فقال تعالى: "ولا تعجل بالقرآن" [طه: 114] : أي بالإجمال قبل التفصيل إشارة إلى أن الفرقان بعد القرآن أتم وأولى، فافهم .
وأما الحكم وهي جمع حكمة، قال تعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" [البقرة:269]، وما كثره الله تعالى لا يدخله قلة وأمتن على نبيه وخليفته داود عليه السلام ، وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأن أتاه الحكمة وفصل الخطاب، وهو من ثمرة الحكمة أو الحكمة نفسها.
وهو إيجاز البيان في موطن الإطناب والإسهاب في الآخر على ما يقتضيه المقام والحال، وأوتي صاحب جمع الجمع صلى الله عليه وسلم ما لم يؤتوا وهو صدق قوله: «أوتيت جوامع الكلم»وهو من أكبر فصول الخطاب جزء من أجزاء هذا الكتاب.
وعلى لسان رتبته صلى الله عليه وسلم .
قال ولي من أوليائه "الشيخ عبد القادر الجيلاني" : "يا معشر الأنبياء أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا".
أو نقول: منزل بالتشديد من باب التفعيل: أي منزل الحكم على سبيل التدريج بحسب المصالح كما قال تعالى في القرآن
"ما ننزله إلا بقدر معلوم" [الحجر: 21] اقتضته حكمة الحكيم.
وقال تعالى : "ونزلناه تنزيلا" [الإسراء:106] : أي مرتبا بحسب المصالح.
وقال تعالى : "فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" [البقرة: 97]؛ لأنه محل التفصيل بخلاف النفس إذا إجمال بالنسبة إلى قلب القلب، وفيه تفصيل كل أمر فهكذا نزول الحكم على الكلم على النفوس مرة، وعلى القلوب تارة أخرى.
فالأولى أشرف وأعلى، والثاني أنتم وأولى ولهذا خوطب صلى الله عليه وسلم حين كان يعجل بالقرآن قبل الفرقان
فقال تعالى: "ولا تعجل بالقرآن" [طه: 114] : أي بالإجمال قبل التفصيل إشارة إلى أن الفرقان بعد القرآن أتم وأولى، فافهم .
وأما الحكم وهي جمع حكمة، قال تعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" [البقرة:269]، وما كثره الله تعالى لا يدخله قلة وأمتن على نبيه وخليفته داود عليه السلام ، وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأن أتاه الحكمة وفصل الخطاب، وهو من ثمرة الحكمة أو الحكمة نفسها.
وهو إيجاز البيان في موطن الإطناب والإسهاب في الآخر على ما يقتضيه المقام والحال، وأوتي صاحب جمع الجمع صلى الله عليه وسلم ما لم يؤتوا وهو صدق قوله: «أوتيت جوامع الكلم»وهو من أكبر فصول الخطاب جزء من أجزاء هذا الكتاب.
وعلى لسان رتبته صلى الله عليه وسلم .
قال ولي من أوليائه "الشيخ عبد القادر الجيلاني": «يا معشر الأنبياء أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا».
ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات" عن قطب وقته و فرد عصره عبد القادر الجيلاني قدّس سره . 
"أضاف الشيخ المحقق للكتاب :
قال الشيخ العطار : وأما قول سیدنا سلطان الأولياء عبد القادر : «معاشر الأنبياء أو تیتم
اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا» فهو من باب قول الخضر لموسى عليهما السلام "أنا على علم أو تيته لم تؤته" أو معنى ذلك، مع أنا لا نتوقف في فضل موسى على الخضر، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
كيف وعلم رجال هذه الأمة موروت عنه صلى الله عليه وسلم ، وقد علم ما لم يعلمه غيره ممن سبقه من الأنبياء عليهم السلام ، فقد فاز رجال هذه الأمة بالعلم الموروث عنه صلى الله عليه وسلم .
وقال أيضا الشيخ الشعراني معقبا على ذلك: اعلم أن قوله رضي الله عنه : «إنما أوتيتم اللقب» أي حجر علينا لقب النبي ، وإن كانت النبوة سارية إلى يوم القياسية في أكابر الرجال لأنهم نواب الأنبياء وورثتهم.
وأما قوله: «وأوتينا ما لم تؤتوا».. فهو معنى قول الخضر عليه السلام الذي شهد بعدالته وتقدمه في العلم لموسى عليه السلام " أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت" يريد من الوجه الخاص الذي بين كل إنسان وبين ربه.
ويحتمل أن يريد الشيخ عبد القادر بالأنبياء هنا أنبياء الأولياء أصحاب التعريف الإلهي، فتكون تصريحا منه بأن الله تعالى قد أعطاه ما لم يعطهم، والله أعلم. "
والحكمة علم خاص و الفرق بين الحكمة و العلم المطلق أن لها الجعل و التحكم بخلاف العلم فإنه تابع المعلوم، فالحكيم من قامت به الحكمة فكان الحكم لها . 
قال تعالى إشارة إلى هذا المقام: "كتب على نفْسِهِ الرّحْمة" [الأنعام: 12] لأنها مقتضى الحكمة . 
قال رضي الله عنه في الاسم الحكيم: إنّ العارف يقدم الحكيم على العليم، فالحكيم خصوص و العليم عموم، و لذلك ما كل عليم، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
وذلك لأنه ثبت عند أهل الكشف الأتم والتحقيق الأوسع الأعم أن الترتيب ثابت في الأعيان الثابتة في الحال بثبوتها في معدتها، وتعلق العلم الإلهي بحسب ما هي مرتبته، وما ترتبت إلا بالحكمة لأنه ما من ممكن مضاف إلى ممكن أخوالا ويمكن إضافته إلى ممكن آخر لنفسه مع قطع النظر عن أمر آخر، لكن الحكمة اقتضت هكذا وهو ذاتيّ لها، والظاهر في العالم الشهادي ظلّ ذلك العالم المعنوي على ترتيبه. 
قال رضي الله عنه: هذا هو العلم الذي انفرد به الحق، و جهل منه فافهم، فظهرت به الحكم في الوجود بالوجود على ترتيب أعيان الممكنات في حال ثبوتها قبل وجودها روحا و صورة، فبان لك الفرقان بين العلمين العلم والحكمة وكلاهما . 
قال الحكيم العليم: "ما يبدّلُ القوْلُ لديّ"  [ ق: 29] لأنه مخالف الحكمة و هي تأبى التبدّل الخارج بخلاف النسخ فإنه من الحكمة البالغة . 
قال تعالى: "ما ننْسخْ مِنْ آيةٍ أوْ نـنْسِها ن أْتِ بخيْرٍ مِنْها أوْ مِثلها" [ البقرة : 106] فافهم .
فالعلم بالحكمة المنزلة تخفيفا أو تثقيلا إمّا بكشف سبحات الوجه حتى يرى ما في العين الثابتة، فإنها حكم مرتبة من حكيم عليم، هذا الإنسان عين صفاء خلاصة الخاصة، و إمّا ما يكشف الغطاء عن البصر والبصيرة، أو بتعريف إلهي حتى يرى أو يعلم ما في الوجود من الحكم المرتبة ترتيب عليم حكيم . 
أمّا قوله رضي الله عنه: بالإنزال أو التنزيل المشير إلى التنزل من العلو، فلأن الأمر نزول من علو أحدية الذات إلى أحدية الجمع باعتبار الإنزال أو التنزيل الذي من المقام الأقدم الذي هو الولاية المطلقة التي هي باطن النبوة.
أو من أحدية إلى ساحة الفرق باعتبار التنزيل و التفصيل في مرتبتي النبوّة و الرسالة المطلقة العامة و الخاصة.
فإذا فهمت ما سردته لك فهم منصف ظهر لك أنّ القول بأن التنزيل أولى من الإنزال كما ذهب عليه الشارحان القيصري و الجامي قدّس سرهما ترجيح بلا مرجح، بل بالعكس أولى و أحرى.
لأن الشيخ رضي الله عنه قال: إن الحكم من المقام الأقدم بأحدية الطريق الأعم، و هما بالإجمال أقرب من التفصيل، بل هما عينا الإجمال و محلا الإهمال فافهم، فإنها من فيض الأقدس لا المقدس. 
كما صرّح به رضي الله عنه بعد هذا في قوله: ما بقي إلا قابل و القابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس، ثم الاستدلال بأنه لا يكن ظهور الحكم على القلوب بالفعل، إلا على سبيل التدرج إدخال الزمان على الإلهيات و الخروج عن الموطن المبحوث فيه، فإن المقام مقام الأقدم . 
قال رضي اللّه عنه في الباب السادس و السبعين في فصل من "الفتوحات" : 
ليس في حق الحق ماض و لا آت و آن، و إنه ما زال و لا يزال لا يتصف بأنه لم يكن ثم كان، و لأمر القضاء بعد ما كان و ربما يعطي الله تعالى هذه القوة لمن يشاء من عباده، و قد ظهر منها نفحة على النبي صلى الله عليه و سلم علم الأولين و الآخرين فعلم الماضي و المستقبل في الآن، فلو لا حضور المعلومات له في حضرة الآن لما وصف بالعلم بها في حضرة الآن فافهم.
مع أن شيخنا نور الدين عبد الرحمن الجامي قدّس سره اعترف في خطبة كتابه:
إن من عجائب هذا النوع ما فاض من قلبه إلا نور و روحه إلا ظهر كتاب "فصوص الحكم و الأسرار" دفعة واحدة على قلب المصنف رضي الله عنه انتهى كلامه . 
و أما قول الشارح القيصري قدّس سره: إنّ التنزيل أولى ثم الاستدلال بأن نزول الحكم على كتاب استعدادات الأنبياء عليهم السلام، و لو كانت دفعة واحدة و لكن ظهورها بالفعل لا يمكن إلا على سبيل التدريج، فخروج عن المقصود لأن المراد من المبحث كيفية النزول لا كيفية ظهور المنزل، فافهم .
و لا تنظر إلى من قال، و انظر إلى ما قال لتكون من الرجال و لا تحرم من حقيقة صدق المقال، و تكن من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
( على قلوب) اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أنّ القلب عبارة عن النشأة الجامعة بين الحقائق الجسمانية و القوى المزاجية، و بين الحقائق الروحانية و الخصائص النفسية، و هو جوهر برزخي له وجه إلى جميع الأطراف و له مقام المضاهات، وأن يتسع لانطباع التجلي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الأعلى و الأسفل بما اشتملا عليه . 
كما ورد به الإخبار الإلهي من مشكاة النبوّة، وهو قوله سبحانه: "ما وسعني أرضي وسمائي ويسعني قلب عبدي"  
وأن يكون مستوي له و ظاهرا بصورته، فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء، مصقولة صافية وكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي هو الياقوت الأحمر، و هذا هو التجلي الذاتي فذلك قلب المشاهد الكامل المكمّل العالم الذي لا أحد فوقه في تجلّ من التجليات . 
قال سبحانه: "إنّ في ذلك لذكْرى لمنْ كان لهُ قلْبٌ" [ ق: 37] لأن التقليب و التقلب في القلب نظير التحوّل الإلهي في الصور، فلا يقابل التحول الغير المتناهي إلا التقلب الغير المتناهي فلا تكون معرفة الحق إلا بالقلب.
ثم يقبلها العقل القدسي من القلب كما يقبل من الفكر، فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها بالعقل لأنه يقيد و الأمر مطلق غير مقيد، بل القلب بين الإصبعين يقلبها كيف يشاء العبد، أو الحق فهو متقلب بتقلب التجليات، و التجليات بحسب الشئون كل يوم هو في شأن .
أو نقول: إنه يتقلب بتقلب التجليات، و التجليات بحسب استعدادات الأعيان، فالقلب مرآة مصقولة كلها وجه لا تصدأ، و إن أطلق عليه يوما ما الصدأ . 
كما ورد في الحديث :  " إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد ".  
الحديث ليس المراد بهذا الصدأ أنه طخا و طلع على وجه القلب، بل لما تعلق و اشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالمسبب، فكان تعلقه بغير الله هو الصدأ، فهذه المرآة المصقولة التي هي القلب مقابلة للوجه المطلق، فتظهر فيها صور الشئون . 
قال الله تعالى :  " لا يسعني أرضي و سمائي".  
يشير إلى العلويات و السفليات فإنه تعالى عرض عليها الأمانة، فأبين أبا استعداديا . 
ثم قال  "و يسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي".  رواه الديلمي والعجلوني
، وذلك لوسع دائرته، بل لعدم تناهيه و حسن المقابلة و كمال الموطأة و المواجهة.
فأين هذه السعة من سعة العارف القابل؟
لو أبقيت العرش و ما حوله ألف ألف مرة في زاوية قلب العارف ما أحسّ به، و أين المتناهي من غير المتناهي؟ . 
فقلب العبد , العبد الخصوصي بيت الله سبحانه و موضع نظره و معدن علومه و حضرة أسراره و مهبط ملائكته و خزانة أنواره و كعبته المقصودة و عرفانه المشهودة رئيس الجسم و مليكه.
إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . مع السلامة من الآفات و زوال الموانع، بل بصلاحه صلاح البدن و بفساده .
فساده هو الموصوف بالسكر، و الصحو في الإثبات و المحو، و له الأسرار و التنزل هو ذو الجلال و الجمال و الأنس و الهيبة هو قابل المعاني، و مدبر الأواني و هو صاحب الجهل و الغفلة و الكفر و الشرك إمّا مضل، و إمّا هاد بل هو مضل هاد .
( الكلم) جمع كلمة و هي ليست سوى صور الممكنات، فالمراد هنا من الكلم أعيان الكمّل من الأنبياء و الرسل صلوات الله عليهم أجمعين . 
قال تعالى في عيسى عليه السلام: "و كلمتهُ ألقاها إلى مريم و روحٌ مِنْهُ فآمِنوا باللّهِ ورسُلِهِ ولا تقُولوا ثلاثةٌ انتهُوا خيْرًاً لكُمْ  إنّما اللّهُ إلهٌ واحِدٌ سُبْحانهُ أنْ يكُون لهُ ولدٌ لهُ ما في السّماواتِ وما في الْأرضِ وكفى باللهِ وكيلًا" [ النساء: 171] . إنما سميت كلمة لأنها مجتمعة من الحروف العاليات . 
قال رضي الله عنه في بعض أشعاره : 
كنا حروفا عاليات لم نقل     ....... متعلقات في ذرى أعلى القلل
و هي كالكلمة الحرفية المركبة من حروف النفس بفتح الفاء، و ذلك لأن كل معلوم في عرضه الإلهي له رتبة الحرفية فبالانصياع بنور الوجود بحركة معنوية ذاتية يظهر مجموع من الحروف العاليات المسماة بالأعيان الثابتة في مرآة الوجود، فيسمّى ذلك الظاهر المجموع بالكلمة، فكل نبي و ولي  كلمة، و نبينا صلى الله عليه و سلم بجامع الكلم . 
و من هذا المقام قال :  "أوتيت جوامع الكلم"  
وكذا الوارث من أمته صلى الله عليه وسلم فإن لهم فيه صلى الله عليه وسلم أوتي هذه الأمة التي هي مجموع الكلمات لأنه من بعض محتملات الحديث المذكور. 
.
يتبع الجزء الثاني

تحميل كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات وورد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الثاني .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 12:48 pm

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الثاني .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

شرح خطبة الشيخ على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم  الجزء الثاني

قال صلى الله عليه وسلم :  "أوتيت جوامع الكلم"  : أي أعيان أوليائه، و أرواح وارثيه، بل كل واحد منهم جامع الكلم بقدر الاتباع و الوسع، و من وفى حقّ اتباعه كان له حكمة . 
كما قال صلى الله عليه و سلم : "ادعوا إلى الله علي بصيرة أنا و من اتبعني" وهذا الاتباع أنتج  
المحبة والمحبة أثمرت أن يكون الحق سمعه، و بصره، و جميع قواه صحّ له أن يكون جوامع الكلمات، و مجامع الخيرات، فافهم .
و من هذا المقام ما  ورد : "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"  
و يخبر صلى الله عليه و سلم في أحاديث كثيرة بأخوة الأنبياء عليهم السلام . 
و في حديث الأخوة حين قالوا: "نحن إخوانك يا رسول الله
قال: لا أنتم أصحابي، و إخواني الذين يأتون بعدي آمنوا بي ولم يروني الحديث" و الإخوة هي الأسوة الحسنة فيما أخذوا من المعدن، فافهم . 
( بأحدية الطريق الأمم) و الأمم بفتح الهمزة هو: المستقيم و فيه تقديم و تأخير: أي بطريق الأحدية الذاتية الحاصلة من الفناء الذاتي فإنه أقرب طريق إلى البقاء ، و أقومها للوصول إليه لا الأحدية الأسمائية.
لأن الأول من المقام الأقدم و فيضه الأقدس.
و الثاني من المقام القديم و فيضه المقدس.
و الأمر في نفس الأمر أقدس من أن يكون مقدّسا و معرفة هذا موقوف على معرفة الأحدية و الواحدية لتعلم مراتب الفيضين: أي الأقدس و المقدّس المرتبين على المرتبتين . 
فاعلم أن الأحدية و الواحدية و لو كانتا ذاتين لوحدة الذات، و لكن أحديتها مقام انقطاع الكثرة الوهمية، و النسب العلمية جملة واحدة، و فيضها بذاتها لذاتها أقدس من أن يتوهم فيها الغير . 
وأمّا واحديتها وإن انتفت الكثرة الوجودية، ولكن الكثرة العلمية والنسب الوهمية حاصلة لا محالة، و فيضها بذاتها لذاتها لكن بتوهم الغير فهو مقدّس عن  وجود الغير لا عن توهمه، فافهم. بل الواحد أول العدد في تفصيل مراتب الأعداد .
فحضرة الأحدية هي حضرة الذات .
و حضرة الواحدية هي الأسماء.
فإذا عرفت هذا فاعلم أنه رضي الله عنه يقول: تنزّلي بالحكم بطريق أحدية الذات و لها المقام الأقدم فهي عين الذات لا بطريق الواحدية القديمة لأنه صرّح بعده . و قال من المقام الأقدم .
فإن قيل: إن التجلي من الأحدية لا يصح لأن الأحدية لا تقبل المثاني . 
قلنا: صدقت إن الأحدية لا تقبل المثاني: أي الثاني الذي غيره، و نحن ذهبنا إلى أن القابل في الأحدية إنما هو نور الحق، فقبل التجلي الحق بالحق لا غير و لا ثاني، فافهم . 
فالتجلي الذي من الأحدية بقبل الفيض الأقدس لكمال قدسه عن شائبة الكثرة كما فهمته، بل هو أقدس من المقدس، و التجلي الذي هو من الواحدية بقبل الفيض المقدس و فيه الكثرة الوهمية الاعتبارية العلمية، أو نقول بأحدية طريق الأمم أنه أشار رضي الله عنه إلى الصراط المستقيم الأسد الأقوم الأقرب، والأحسن الأسهل الأنسب . 
أمّا صراط الله الذي هو عليه، وهو الصراط العام فيدخل فيه كل شرع وموضوع عقلي فهو يصل إلى الله، فيعم الشقي في شقاوته، و السعيد في سعادته . 
قال تعالى: "إنّا هديناهُ السّبِيل إمّا شاكرًاً وإمّا كفُورًاً" [ الإنسان: 3] . 
و قال تعالى:" قال ربُّنا الّذِي أعْطى كُلّ شيْءٍ خلْقهُ ثمّ هدى" [ طه: 50] .
فأثبت الهداية في الكل وهو صراط الله الذي : " لهُ ما في السّماواتِ وما في الْأرضِ ألا إِلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ" [ الشورى: 53]: أي على صراطه . 
وقال تعالى: "ما مِنْ دابّةٍ إلّا هُو آخِذٌ بناصِيتها إنّ ربِّي على صِراطٍ مُسْتقِيمٍ" [ هود: 56] .
فهو أحدية الطريق الجامع لجميع الطرق الواقعة لكل اسم "اسم".
فمن عرف الحق عاين الطريق، فقد عرف الأمر على ما هو عليه، فافهم . 
وأمّا صراط الذين أنعم عليهم من النبيين و الصدّيقين صلوات الله عليهم أجمعين .
وهو أحدية الصراط المستقيم المحمّدي، فإنه جامع الطرق كلها مع كثرتها، و له أحدية تستهلك فيها الطرق كلها لأن شرعته صلى الله عليه و سلم عامة تتضمن جميع الشرائع، بل شرعه عين جميع ما تقدّم من الشرائع بالزمان . 
قال تعالى: "شرع لكُمْ مِن ِّالدينِ ما وصّى بهِ نوحاً والّذِي أوْحيْنا إليْك وما وصّينا بهِ إبراهِيم و مُوسى  وعِيسى" [ الشورى:  . [13
وذكر الأنبياء في آية أخرى، وقال: "أولئك الّذِين هدى اللّهُ فبهُداهُمُ اقتدِهْ" [ الأنعام: 90] .
وهو الصراط الجامع إقامة الدين، وأن لا يتفرق فيه، وما قال وبهم اقتده لأن الصراط له صلى الله عليه و سلم مساوي لجميع الأنبياء الذين ذكرهم الله عليهم السلام.
فإن لكل نبيّ شرعة، و منها جاء كما ذكر فهو سبحانه نصب الشرائع، و أوضح المناهج و ذلك كله فيه صلى الله عليه و سلم و في شرعه : 
و ليس على الله بمستنِكر ......     أن يجمع العالم في واحد
و من هذا المقام قوله سبحانه: "إنّ إبراهِيم كان أمّةً قانِتاً للّهِ حنيفاً ولمْ يكُ مِن المُشْركين" [ النحل: 120] . 
( من المقام الأقدم ): أي أقدم من القديم، و هو أحدية الذات التي هي منبع فيضان الفيض الأقدس على الأعيان الثابتة . 
و إنما قال رضي الله عنه: من المقام الأقدم لأن أحدية الذات أقدم من أحدية الأسماء المسمّاة بالواحدية القديمة التي هي مرتبة الألوهية، فافهم . 
(وإن اختلفت الملل و النحل لاختلاف الأمم) قال تعالى: "ولوْ شاء ربُّك لجعل النّاس أمّةً واحِدةً ولا يزالون مُخْتلفِين" [ هود: 118] .
فما زلنا من الخلاف لأنهم: أي أهل التحقيق قد خالفوا المختلفين، ولذلك خلقهم، فما تعدّى كل خلق ما خلق له، فالكل طائع في عين الخلاف . 
كما ورد الحديث الصحيح، و النص الصريح : "كلّ ميسّر لما خلق له" فافهم . رواه البخاري ومسلم والنسائي .
فقال رضي الله عنه: و إن اختلفت و بانت كثيرة ولكن لا تناقض الكثرة الموهومة الأحدية الحقيقية، كما أن كثرة الأعيان الثابتة، و المظاهر الخارجية لم تمنع وحدة الوجود و الحال كالحال . 
وأمّا الاعوجاجات الوهمية لا تناقض الاستقامة لأن الكل في أحدية صراط الله أخذ بناصية كل دابة و هو على صراط مستقيم، فأين المفر؟ و هكذا الأمر لأن استقامة القوس في اعوجاجه، فافهم، فإذا كان الأمر هكذا . 
قال تعالى: "وما تفرّق الّذِين أوتوا الكِتاب إلّا مِنْ بعْدِ ما جاءتْـهُمُ البيِّنةُ" [ البينة: 4]. فتفرقوا بعلم و بينة . 
قال تعالى: "قدْ علم  كُل أناسٍ مشْربهُمْ" [ البقرة: 61] . 
قال الله تعالى: "و هُو معكُمْ أينما كُنْتمْ واللّهُ بما تعْملون بصِيرٌ" [ الحديد: 4].
ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا و أنه على صراط مستقيم، فافهم .  
و هنا مسألة دورية ذكرها الشيخ رضي الله عنه في "الفتوحات" : 
و هي إن الشرائع اختلفت لاختلاف النسب الإلهية . 
و اختلاف النسب لاختلاف الأحوال . 
و اختلاف الأحوال لاختلاف الأزمان . 
و اختلاف الزمان لاختلاف الحركات الفلكية . 
و اختلاف الحركات الفلكية لاختلاف التوجهات . 
و اختلاف التوجهات لاختلاف المقاصد . 
و اختلاف المقاصد لاختلاف التجليات . 
و اختلاف التجليات لاختلاف الشرائع . 
و اختلاف الشرائع لاختلاف النسب الإلهية، فدار الدور. وانتهى كلامه رضي الله عنه .
ثم نرجع و نقول:
إن اختلاف الأمم باختلاف الاستعدادات والقابليات المختلفة كالماء فإنها حقيقة واحدة تختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنها عذب فرات ومنها ملح أجاج وهو ماء واحد في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت الطعوم.
كذلك أحدية الطريق أنها حقيقة واحدة تختلف أحكامها باختلاف القوابل، يعرف ما قلنا من عرف وحدة الوجود مع الكثرة المشهودة بالذوق، فافهم . 
( و صلى الله على ): أي أفاض الاسم الجامع لجميع الكمالات رحمته لجامع جميع التجليات ذاتا و اسما و صفة، فلما  كان المقام مقام الدعاء عدل من الجملة الإسمية إلى الجملة الفعلية ليدل على التجدد و الاستمرار. يشير إلى أن الصلاة من الله تعالى مجدد دائما أبدا على ممد الهمم . 
( الهمم) جمع همّة، و الهمة تجريد القصد كحصول المطلوب، و هي و لو كانت كمالا و لكن هي للمتوسطين العارفين للترقي لأن كمال العلم يمنع التصرف بالهمة و التحكم بها و هما لأرباب الأحوال لا للمتمكنين.
فإن كان الأكابر يرون التصرف مزاحمة، و يتركون التصرف للحق في خلقه، فإن ظهر شيء فهو لا عن قصد منهم، فالنبي صلى الله عليه و سلم يرقيهم.
ويمدهم بالتميز بين الخواطر المذمومة والمحمودة حتى لا تتعلق هممهم بدون الحق، ويرقيهم إلى طلب الأنفس بالمقام الأقدس.
ويرغبهم في الله لا فيما عند الله، فإذا فتحت العين بذلك المراد على فضاء الإطلاق، وشهود أحدية المتصرف والمتصرّف فيه فلا يرى الغير، فعلى من يرسل الهمّة، فلهذا يرى العارف التام المعرفة بغاية العجز والفقر والضعف .
قال رضي الله عنه في "الفتوحات" : إن بعض الأبدال أرسل إلى أبي مدين قدّس سره وهو يسأل لأي شيء لا يعتاص علينا، وأنت تعتاص عليك الأشياء؟
و نحن راغبون في مقامك، و أنت غير راغب في مقامنا، انتهى كلامه . 
أما ترى صلى الله عليه وسلم كيف أمر بقول: "لا أدري ما يفعل بي ولا بكم"  .
وهو قائل صلى الله عليه وسلم: "بإني علمت علم الأولين والآخرين". رواه البيهقي في الشعب والطبراني في الكبير    
فكان الماضي و المستقبل في الآن، فلو لا حضور المعلومات له في حضرة الآن لما وصف بالعلم بها في حضرة الآن، و مع هذا يتأدّب، و يقول : "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم"  
. أمّا قوله صلى الله عليه وسلم : "كن أبا ذر" . رواه الحاكم، وابن عساكر عن ابن مسعود  
ليس من مقام الهمّة بل هذه كلمة حضرة مختصّة بالإلهيين إذا أراد الله شيئا أن يقول له كن فيكون، أو نقول: إن إمداد الهمم للترقي إلى ما لا يستقبل عقول الأمة بإدراكه دون التعريف الإلهي من طريق الكشف المحقق والوحي لتسموا همم النفوس إلى طلبه.
وتهتم في تحصيله من مظنته وتحصيل معرفة كيفية التوجّه إلى الحق بالقلوب والقوالب أيضا من حيث تبعيتها لأحكام القلوب من خزائن الجود والكرم. 
قال رضي الله عنه في "مواقع النجوم": الجود عطاء بغير سؤال، والكرم عطاء بسؤال بطيبة النفس. 
وقال رضي الله عنه في "الفتوحات": الجود من الحق امتناني ذاتي، و الجود من الأعيان ذاتي فهذا الفرق بين الجودين.
وهذا معنى قول من قال في الجود: إنه العطاء قبل السؤال، انتهى كلامه رضي الله عنه .
والخزائن ما سمّيت خزائن إلا باعتبار ما يختزن فيها من نفائس الجواهر والأموال وهي نفائس مكارم الأخلاق والأحوال، ومن هذه الأخلاق خلق الجمع الدال على الفرق، والفرق الدّال على الجمع، و خلق الجمع بينهما، وهو خلق جمع الجمع، وهو من أكبر الأخلاق، وأعلاها، وأسناها. 
و بهذا خوطب صلى الله عليه و سلم: "وإنّك لعلى خُلقٍ عظِيمٍ" [القلم: 4]. وهو الخلق النور المستور، وهذا من أعزّ المعارف إذ لا يمكن أن يكون النور مستورا لذاته، فإنه لذاته يخرق الحجب، و يهتك الأستار، فافهم . 
وأمّا أصول هذه النفائس فمتناهية، وهي الأخلاق التي منحت عطاء وجودا وكرما،وهي ثلاثمائة. 
كما ورد في الحديث الصحيح :
"إن لله تعالى ثلاثمائة خلق من تخلق بواحد منها دخل الجنة" ذكره رضي الله عنه في الفتوحات.
رواه الطبراني في الأوسط والحكيم الترمذي والديلمي في الفردوس والدرقطني في العلل.
وهذه الأخلاق خارجة عن الكسب، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إنما هذه الأخلاق بيد الله فمن شاء أن يمنحه الله خلقا حسنا فعل". ذكره الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أبي المنهال، ذكره في جمع الجوامع . رواه البيهقى في الشعب وابن معمر في جامعة. 
فلهذا قال رضي الله عنه: (من خزائن الجود والكرم ): أي من الخزائن التي ملئت من الجود والكرم، وهي خزائن المنن فلا يخرج إلا بالجود والكرم بسؤال، وبغير سؤال فلمّا كانت المنن كثيرة متعددة طلبت عين كل منة منها خزانة.
فلهذا تعددت الخزائن بتعدد المنن الإلهية، فإذا كان هو عين المنة فأنت الخزانة.
فالعالم خزائن المنن الإلهية، ففيك اختزنت منته تعالى، بل أنت الخازن، و أنت الخزانة، و أنت ما يختزن فيها فلا يجمعهما إلا أنت فمنك إليك، فافهم.
فليس الرجل من تحقّق بربه، و إنما الرجل من تحقّق بعينه .
قال رضي الله عنه: وما فاز بهذه الدرجة ذوقا إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وكشفا إلا الرسل عليهم السلام، و راسخوا هذه الأمة المحمّدية الذين هم ورثته.
ومن سواهم، فلا قدم لهم في هذا الأمر، فرفع بعضهم فوق بعض درجات اختصاصا، ولا يصلح التكسّب بها لأنها لا أثر لها في الكون بل هي لرفيع الدرجات ذي العرش.
وإنما هي إعدادات قابليات بأنفسها لتجليات إلهيات على عددها للذين هم درجات عند ربهم . 
فقوله صلى الله عليه وسلم : "من تخلق بواحد منها" كما سبق في لفظ الحديث، و سبق الكلام باعتباره . 
أراد صلى الله عليه و سلم من قام به، و ظهر فيه آثار تلك الأخلاق، فافهم . 
وأمّا الخزائن على عدد أصناف الموجودات، واعتبار أشخاصها فغير متناهية، وما سمّيت خزائن إلا باعتبار ما يختزن فيها من الأخلاق المخزونة.
ولكن كل ما يدخل منه في الوجود منتاه، وأمّا من حيث الأنواع والأمهات فمتناهية الأصول فافهم.
وأمّا الخزائن باعتبار ما تحوي، فثلث خزانة تحتوي على ما تقتضيه الذوات من حيث ما هي ذوات، و خزانة تحوي على ما تقتضيه النسب الموجبة للأسماء من حيث أنها أفعال لا من حيث المفعولات ولا الانفعلات ولا الفاعلات . 
وكل خزانة من هذه الخزائن تنفتح إلى خزائن، وتلك الخزائن إلى خزائن أخرى وهلمّ جرّا، فهي تدخل تحت الكم بوجه ولا تدخل بوجه آخر . 
فالحاصل أنه كل ما دخل منها في الوجود حصره الكم، فافهم . 
فإذا انكشف للعالم المكاشف خزائن الأعيان لا يخشى من الإنفاق، أما ترى إشارة جوامع الكلم في خطاب المؤمنين وهو قوله سبحانه: "قلْ لوْ أنْـتمْ تمْلكُون خزائن رحْمةِ ربِّي إذاً لأمْسكْتمْ خيشْة الِإنفاقِ" [ الإسراء: 100] .
الممسوك عند العالم بالأعيان الثابتة، وعارفها هو خشية الإنفاق: أي لا تخشون النفاد والقلة لا خزائن الرحمة، فإنه ينفق بلا خشية إملاق لعلمه أن المخزون ينفد وما عند الله باق. 
ومن هذا المقام ما ورد في الخبر عن بلال رضي الله عنه أو عن غيره من الصحابة أنه قال له صلى الله عليه وسلم : "أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال: بهذا أمرت " . ذكره القاضي عياض في"الشفاء" فافهم . رواه الضياء في المختارة.
(بالقيل الأقوم): أي الأبين المتوسط بين إفراط التنزيه و تفريط التشبيه . 
قال رضي الله عنه: لو أتى نوح عليه السلام ما أتى به النبي صلى الله عليه و سلم لأتته قومه لأنه عليه السلام جادلهم بالتي هي أحسن بالقول الأسدّ الأقوم .
وهو قوله تعالى: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ وهُو السّمِيعُ البصِير"ُ [ الشورى: 11] . 
فإنه جمع التنزيه و التشبيه في آية واحدة، بل في نصفها هذا من جوامع الكلم و فصل الخطاب جمع الأضداد، و قطع الخصومة و العناد .
بخلاف نوح عليه السلام، فإن دعوته تنزيه بحت فما قبل من الأمة إلا قليل، و قد انقطع بعده بخلاف المحمديين فافهم . 
في الزيادة إلى نزول عيسى عليه السلام بل إلى يوم الدين فافهم،
وذلك من اعتدالهم وكونهم وسطا: أي لا إفراط فيهم ولا تفريط . 
قال الله تعالى: "جعلْناكُمْ أمّةً وسطاً " [ البقرة: 143] . 
سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم جمع الله سبحانه لاسمه الأشرف بين حروف الاتصال و الانفصال، ليدل الاسم على وصول المسمى به تعالى فبحرف الانفصال أشار بفصله عن العالم، و بحروف الاتصال أشار باتصاله بالأصل إشارة إلى جمعه بين الحالين، و حيازته الأمرين التنزيه والتشبيه ويتم له صلى الله عليه و سلم الأمر من جميع جهاته اسما ومسمى، والحمد لله المنعم المفضل . 
"" قال الشيخ جلال الدين السيوطي في الخصائص:
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قرن اسمه باسمه في كتابه عند ذكر طاعته ومعصيته وفرائضه وأحكامه ووعده ووعیده؛ تشريفا وتعظيما.
قال تعالى : "وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" [الأنفال : 1].
قال تعالى : "ويطيعون الله ورسوله" [التوبة: 71].
قال تعالى : " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله " [الحجرات: 15]
قال تعالى : " براءة من الله ورسوله" [التوبة:1].
قال تعالى : "وأذان من الله ورسوله " [التوبة:3].
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ولرسوله" [الأنفال: 24].
قال تعالى : "ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب" [الأنفال:12].
قال تعالى : "ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب " [الحشر:4].
قال تعالى : " ومن يعص الله ورسوله" [الجن:23].
قال تعالى : "ويحاربون الله ورسوله" [المائدة:33]
قال تعالى : " من دون الله ولا رسوله"  [التوبة:16].
قال تعالى : "ما حرم الله ورسوله" [التوبة:29].
قال تعالى : "قل الأنفال لله والرسول" [الأنفال: 1].
قال تعالى : "فردوه إلى الله والرسول" [النساء: 59].
قال تعالى : "ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله" [التوبة:59]
قال تعالى :  "أغناهم الله ورسوله من فضله" [التوبة: 74].
قال تعالى :  "كذبوا الله ورسوله" [التوبة:90].
قال تعالى :  "أنعم الله عليه و أنعمت عليه " [الأحزاب:37]، انتهى. ""
وكذلك اسمه أحمد صلى الله عليه وسلم بل العارفون يعرفون أخلاق الناس بحروف الأسماء، و يستدلون بها على أطوار المسمين، و ذلك من علم المناسبات .
و إنه قال صلى الله عليه و سلم : "لكل نبيّ آل وعدة وآلي وعدتي المؤمن" .
و في حديث أنس رضي الله عنه : "آل محمد كل تقيّ "  .
""قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب الثالث والسبعون في الرد على الحكيم الترمذي السؤال الحادي والخمسون ومائة : قوله آل محمد؟
الجواب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لكل نبي آل وعدة وآلي وعدتي المؤمن ومن أسمائه تعالى الْمُؤْمِنُ وهو العدة لكل شدة"
و الآل يعظم الأشخاص فعظم الشخص في السراب يسمى الآل فآل محمد هم العظماء بمحمد.
ومحمد صلى الله عليه وسلم مثل السراب يعظم من يكون فيه وأنت تحسبه محمدا العظيم الشأن كما تحسب السراب ماء وهو ماء في رأى العين.
فإذا جئت محمدا صلى الله عليه وسلم لم تجد محمدا ووجدت الله في صورة محمدية ورأيته برؤية محمدية.
كما أنك إذا جئت إلى السراب لتجده كما أعطاك النظر فلم تجده في شيئيته ما أعطاك النظر ووجدت الله عنده .
أي عرفت أن معرفتك بالله مثل معرفتك بالسراب أنه ماء فإذا به ليس ماء وتراه العين ماء فكذلك إذا قلت عرفت الله وتحققت بالمعرفة عرفت أنك ما عرفت الله .
فالعجز عن معرفته هي المعرفة به فما حصل بيدك إلا أنه لا يتحصل لأحد من خلقه
وكل من استند إلى الله عظم في القلوب وعند العارفين بالله وعند العامة .
كما أنه من كان في السراب عظم شخصه في رأى العين .
ويسمى ذلك الشخص آلا وهو في نفسه على خلاف ما تراه العيون من التضاؤل تحت جلال الله وعظمته .
كذلك محمد يتضاءل تضاؤل السراب في جنب الله لوجود الله عنده فهذا إذا فهمت ما قلناه معنى آل محمد. "" أهـ.
( و سلم) قال رضي الله عنه: بعد الصلاة إطاعة أمره و رضا نفسه حيث قال سبحانه : 
"صلُّوا عليْهِ وسلِّمُوا تسْلِيماً "[ الأحزاب: 56] . بالتأكيد يريد السلامة عن سطوات التجليات الجلالية والانحرافات الطبيعية التي هي أسفل سافلين.
وذلك من تجلي الاسم السلام المؤيد للسلامة عن كل ما يوجب النقصان في الكشف والعيان، و للناجي بين العيان والإيمان . 
قال تعالى: "ما زاغ البصرُ وما طغى" [ النجم: 17] فله حاق الوسط بلا إفراط ولا نقصان . 

قال الشيخ الأكبر :  [ أما بعد : فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع و عشرون و ستمائة بمحروسة دمشق، و بيده صلى الله عليه و سلم كتاب، فقال لي: هذا »كتاب فصوص الحكم« خذه و اخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع و الطاعة لله و لرسوله و أولي الأمر منا كما أمرنا] 
قال الشارح قوله: (أما بعد فإني رأيت) أسند الرؤية إلى نفسه الكريمة مع تأكيد قوله، فإني إشارة إلى بقائه وحضوره التام بعد الفناء العام وكمال الفرق بعد الجمع و الفرقان بعد القرآن.
كما هو حال العالم الوارث الباقي بنفسه، وهو أتم من أن يرى بالحق كالعارف الفاني عن نفسه، فالرائي هو العبد لا الحق .
قال رضي الله عنه في الفصل التاسع و الأربعين من "الأسئلة ":
قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه : "انا سيد الناس ولا فخر" بالراء والزي روايتان أي أقولها غير متبجح بباطل أي أقوالها ولا أقصد الأفتخار على من بقي من العالم .
فانى وان كنت أعلى المظاهر الانسانية فانا أشد الخلق تحققا بعيني فليس الرجل من تحقق بربه وانما الرجل من تحقق بعينه .
لما علم ان الله أوجده له تعالى لا لنفسه وما فاز بهذه الدرجة ذوقا إلا محمد صلى الله عليه وسلم وكشفا إلا الرسل وراسخوا علماء هذه الأمة المحمودية .
ومن سواهم فلا قدم لهم في هذا الأمر وما سوى من ذكرنا ما علم ان الله أوجده له تعالى بل يقولون انما أوجد العالم للعالم فرفع بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وهو غني عن العالمين هذا مذهب جماعة من العلماء بالله.
قال رضي الله عنه في الباب الرابع عشر من "الفتوحات" : إن المكاشف يعاين النبي صلى الله عليه و سلم و يسأله عن الأحاديث وصحتها فينكرها أو يصدقها . 
ثم قال: إن الولي يشترك مع النبي في إدراك ما تدركه العامة في النوم في حال اليقظة سواء . 
وقال رضي الله عنه في الباب الثامن و الثمانين و مائة من "الفتوحات " : و قد يتقوى الأمر على بعض الناس فيدركون في اليقظة ما كانوا يدركونه في النوم . 
ويشير إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم : "ومن رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي" ذكره السيوطي في "جمع الجوامع" . و رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة، والترمذي و الطبراني في "الكبير" عن مالك بن عبد الله الخثعمي . 
وقال رضي الله عنه: ذلك نادر وهو لأهل هذه الطريق من نبيّ ووليّ، هكذا عرفناه. انتهى كلامه. 
وإنما قلنا: إنّ الرؤية والأخذ كانتا في الحس لا في النوم للأصلين الثابتين عنه رضي الله عنه أنّ الحس لا غلط فيه. 
كما قال رضي الله عنه في الباب الرابع و الثلاثين: إنه ما غلط حسّ أبدا.
فإن قيل: إن الصفراوي يرى السكّر مرّا، و ليس هذا إلا من غلطه الحسي .
قلنا: هذا الغلط من الحاكم الذي هو العقل و ذلك لأن المنسوب إلى الحس إدراك المرارة، و هو واقع بلا شبهة، و لكن إسناد هذه المرارة إلى السكر غلط العقل.
فإن الخلط الصفراوي حائل بين الذائقة و بين السكر، فما أدرك مما أدرك إلا الصفراء و هي مرة بلا شك.
وكذلك راكب السفينة يرى حركة ولكن قائمة على من في البر، فرؤية الحركة صحيحة من الحس ولكن نسبتها إلى الخارج من حكم العقل، و قد غلط في حكمه فلا ينسب الغلط أبدا في الحقيقة إلا إلى الحاكم لا الشاهد . 
أما ترى في شرف الحواس أنه قال تعالى فيه : "كنت سمعه و بصره"  .
و ما ذكر فيه القوى العقلية و الروحية، و لا أنزل نفسه تعالى منزلتها منزلة الافتقار إلى الحواس، و الحق لا ينزل منزلة يفتقر إلى غيره . 
وأمّا الحواس فمفتقرة إلى الله لا إلى غيره، فنزل لمن هو يفتقر إليه و لم يشرك به أحدا، فأعطاها الغنى فهو يأخذ منها و عنها، ولا تأخذ هي عن غيرها من القوى إلا من الله تعالى، فاعرف شرف الحس و قدره و أنه عين الحق.
ولهذا لا تكمل النشأة إلا به، فالقوى الحسية هم الخلفاء على الحقيقة في أرض هذه النشأة عن الله تعالى . 
أما ترى أنه سبحانه وصف نفسه بأنه سميع بصير، و لم يصف بأنه عاقل يفكر مخيل، و ما أبقى له من القوى الروحانية إلا ما للحس مشاركة فيه، كالحافظ و المصور فافهم حتى تعلم ترجيح جانب الحس عن الخيال، ووجه اختيارنا الحس من بين القوى جعلنا الله و إياكم ممن مشي على مدرجته، حتى يلحق بدرجته آمين . 
و ثانيهما: أي من الأصلين أنه لو كان يطلب التعبير، و معنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر.
فإن كان أخذ الكتاب من موطن الرؤيا لعبره رضي الله عنه، فلما لم يعبره علمنا قطعا أنه كان في الحس لا في الخيال .
أما ترى ما يقوله رضي الله عنه بطريق الذم بقي ابن مخلد حين رأى لبنا سقاه النبي صلى الله عليه و سلم فصدق الرؤيا، فاستقاه فقال: لبنا، و لو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما، فحرّمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب فافهم . 
و ما كان الله ينهانا عن أخذ الربا و هو يأخذ منا، و ما كان رضي الله عنه يأمرنا بمكارم الأخلاق، و يكون جنابه العالي خال منها . 
أما ترى في قوله في "الفصوص" في ذكر ابن مخلد: فإن خرج في الحس كما كان في الخيال، فتلك لا تعبير لها و لهذا اعتمد ابن مخلد فإنه ذكره في مقام التقصير لا من حيث المحمدة . 
ذكر ابن سودكين و هو أبو الطاهر إسماعيل بن سودكين بن عبد الله النوري شارح كتاب "التجليات" للشيخ رضي الله عنه في شرحه : لقد قال لي إمامي و قدوتي إلى الله تعالى ذات يوم: يا والدي رأيت البارحة كأني أعطيتك هذه العمامة التي على رأسي، و أصبحت علي أن أعطيتكما، ثم أحببت أن يكون تأويله ذلك ما يقتضي باطن الرؤية، و حقيقتها فتركت إيصالها لك ظاهرا يا والدي لهذا السرّ.
فانظر: أي هذا المنع الذي قد ملأ عطاء، فافهم .
فإن خالفنا في هذا التأسيس و النمط الشرّاح بأسرهم لهذين الأصلين المذكورين . 
( رسول الله صلى الله عليه و سلم) أشار بقوله: رسول الله و لم يقل: نبي الله، إلا أن الأمر الإلهي بواسطة الرسول، فافهم .
(في مبشرة ) قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الباب العاشر و ثلاثمائة من "الفتوحات ": إن المبشرات التي أبقيت علينا من آثار النبوّة وهي الرؤيا يراها الرجل، أو ترى له وهي حق ووحي، ولا يشترط فيها النوم لكن قد يكون في النوم، وفي غير النوم و في أي حال كانت، فهي رؤيا في الخيال بالحس لا في الحس والتخيل قد يكون من داخل القوة، وقد يكون من خارج بتمثيل روحاني أو التجلي المعروف عند القوم. ولكن هو خيال حقيقي إذا كان المزاج المستقيم مهيأ للحق سبحانه. انتهى كلامه رضي الله عنه. 
أو يقول في بيان قوله رضي الله عنه في مبشرة أو تصديق قوله صلى اللّه عليه و سلم : "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا". رواه البيهقي  و أبو نعيم بالحلية والمناوي في فيض القدير
قال رضي الله عنه: الأمر و الله في غاية الأشكال، لأنا خلقنا في هذه الدنيا نياما فلا تدري لليقظة طعما، فنبه بلفظ مبشرة أنّ ما أدركتموه في هذه الدنيا هو مثل إدراك النائم بل هو إدراك النائم في النوم فسماه مبشرة . 
أما ترى قوله تعالى: "وما جعلنا ُّالرؤْيا الّتي أرْنياك إلّا فتْنةً للنّاسِ والشّجرة الملْعونة في القُرْآنِ و نخِّوفُـهُمْ فما يزيدُهُمْ إلّا طغْياناً كبيرًاً" [ الإسراء: 60] .
وأراد تعالى بالرؤيا العيان الذي رأى صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، فسمّاه الرؤيا وهو رؤية عيان لا منام بالإنفاق . 
قال تعالى: "ومِنْ آياتهِ منامُكُمْ باللّيْلِ والنّهارِ" [ الروم: 23] . ولم يذكر اليقظة وهي من جملة الآيات، فذكر المنام دون اليقظة في حال الدنيا، فدلّ على أن اليقظة لا تكون إلا عند الموت.
وأن الإنسان في الدار الدنيا نائم أبدا، فإن لم يمت وإنه في منام بالليل والنهار في يقظته ونومه. 
أما ترى عدم إعادة الباء في قوله(والنهار) واكتفى بباء الليل يشير إلى التحقق بهذه المشاركة، ويقوى الوجه الذي أثر زيادة في هذه الآية.
فلهذا جعل الدنيا عبرة و جسرا ليعبر: أي يعبر كما يعبر الرؤيا التي يراها الإنسان في المنام المعتاد.
فلهذا قيل في المثل المضروب: الدنيا جسر يعبر ولا يعمر.
فكلما يرى العارف أو يسمع كان ما كان: أي من كان بأي وجه كان يأخذ لنفسه حظا منه، إن كان بشارة فبشارة وإن كان إنذارا فإنذار، كما يفعله صاحب الرؤيا المعتاد. 
صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل و يقول بالتفاؤل حتى كان صلى الله عليه و سلم إذا سيق له لبن في اليقظة تناوله كما رؤياه.
أما سمعت أنه صلى الله عليه و سلم لما أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن، و إناء فيه خمر، فشرب اللبن .
فقال له الملك: أصبت الفطرة أصاب الله بك أمتك، فجعله بمنزلة الرؤيا للنائم خيالا لا بد من تأويل فافهم .
قال صلى الله عليه و سلم في الباب الثاني و السبعين و ثلاثمائة من "الفتوحات": إن ما في الكون كلاما لا يتأوّل، و لا يعبر عنه و لذلك .
قال تعالى: "ولنعلِّمهُ مِنْ تأويلِ الْأحادِيثِ" [ يوسف: 21] وكل كلام يصدق أنه حادث عند السامع فمن التأويل، ما يكون إصابة لما أراد المتكلم بحديثه، ومنه ما يكون خطأ عن مراده لا في نفس الأمر.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الثالث .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 12:49 pm

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الثالث .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

شرح خطبة الشيخ على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم  الجزء الثالث

فإن ما من أمر إلا وله وجه صواب فيعرفه من يعرف المواطن وأحكامها، والتأويل عبارة عما يؤّوّل إليه ذلك.
والتعبير عبارة عن الحوز بما يتكلم به من حضرة نفسه إلى نفس السامع فهو ينقله من خيال إلى خيال لأن السامع يتخيله على قدر فهم .
فقد يطابق الخيال: أي خيال المتكلم خيال السامع، و قد لا يطابق فإذا طابق سمّي فهما منه، و إن لم يطابق فليس بفهم .
و قد لا يطابق فإذا طابق سمّي فهما منه، و إن لم يطابق فليس بفهم .
وإنما قصدنا بهذا الذكر أن يقرع أذنك ما أنت غافل عنه، وهو معنى الحديث المشهور :"والناس نيام".الحديث .
وإنك خيال و كل ما تدركه خيال فالوجود كله خيال في خيال، والوجود الحق إنما هو لله خاصة من حيث ذاته لا من حيث أسمائه، فإن الأسماء نسب و النسب لا عين لها.

قال رضي الله عنه: و الكل بحمد الله خيال في نفس الأمر لأنه لا ثبات له دائما على حال واحد و الناس نيام، و كل ما يراه النائم قد عرف ما يرى و في حضرة، فإذا ماتوا انتبهوا من هذا النوم. في النوم فما برحوا في رؤيا، فلم يزل الأمر كذلك, ولا يزال في الحياة الدنيا والآخرة فافهم .

ذكره رضي الله عنه في الباب الرابع عشر وأربعمائة من "الفتوحات": فإن قيل فإذا كان الأمر هكذا فلما لم يأوّل آخذ الكتاب؟!
قلنا: إن التأويل الذي على مذهب الشيخ للرؤيا التي بالخيال لا الذي رآه بالحس فافهم.
ولا تخلط المواطن بالمواطن لتكون عارفا قابلا للمحاورة والمكالمة، أن لكل موطن حكما لا يتغير، وإنما سمّيت مبشرة لتأثيرها في بشرة الإنسان، فإن الصورة البشرية تتأثر بما يرد عليها فيظهر لذلك أثر في البشرة لا بد من ذلك، فإنه حكم الحضرة الطبيعية، وإن لم يكن وجه التسمية مطردا. 

( أريتها) يشير رضي الله عنه إلى أن الرؤية كانت من أداة الحق لا بتعمّله وقصده . 
قال تعالى: "سنريهِمْ آياتنا فِي الْآفاقِ وفي أنْـفُسِهِمْ حتّى يتبيّن لهُمْ أنّهُ الحق أو لمْ يكْفِ بربِّك أنّهُ على كُل شيْءٍ شهِيدٌ" [ فصلت: 53] . 
وهذا من مقام قوله صلى الله عليه وسلم "أراني ليلة عند الكعبة فرأيت" الحديث من الأحاديث المتفق عليه . 
( في العشر الأخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق وبيده) "كتابٌ مرْقومٌ" [ المطففين: 9] "يشْهدُهُ المُقرُّبون" [ المطففين: 21] . 
قال رضي الله عنه في الباب الخامس و الستين و مائة:
" قوله تعالى في عيسى إنه كلمة الله والكلمة جمع حروف وسيأتي علم ذلك في باب النفس بفتح الفاء فأخبر أنه آتاه الكتاب يريد الإنجيل ويريد مقام وجوده من حيث ما هو كلمة والكتاب ضم حروف رقمية لإظهار كلمة أو ضم معنى إلى صورة حرف يدل عليه فلا بد من تركيب فلهذا ذكر أن الله أعطاه الكتاب مثل قوله "أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ" ويريد بالوصية بالصلاة والزكاة العبادة كما تدل على العمل " أهـ
إنّ الكتاب ضمّ حروف رقمية، أو ضمّ معنى إلى صورة حروف تدل عليه، فكان مرتبة الحروف في مرتبة الأعيان،ثم نزل من العلم إلى العيان. 
قال تعالى: "كتابٌ أحْكِمتْ آياتهُ ثمّ فِّصلتْ مِنْ لدُنْ حكيمٍ خبيرٍ" [ هود: 1] ولا يعلم ما قلناه إلا من كان خلقه القرآن، بل من كان قلبه القرآن فإنه يتقلب بتقلبه، و يدور حيثما دار . 
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم : "خرج وفي يده كتابان مطويان قابض بكل يد على كتاب فأخبر: "إنّ في الكتاب الذي بيده اليمنى أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من أول خلقهم إلى يوم القيامة، والكتاب الآخر فيه أسماء أهل النار, إنّ في الكتاب الذي بيده اليمنى أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من أول خلقهم إلى يوم القيامة، والكتاب الآخر فيه أسماء أهل النار". رواه الترمذي والشيباني و أبو نعيم .
على الشرح المذكور ولو كان بالكتاب الغير المعهود ما وسع ورقة المدينة، ذكره رضي الله عنه في الباب السادس و السبعين من "الفتوحات" . 
وهكذا فيما نحن بصدد بيانه فلا يكون إلا مكتوبا مقروءا ملفوظا، وإلا فلم يسمّ كتابا فافهم كما يفهم من الحديث الشريف . 
فإن لخاتم الولاية أسوة حسنة في خاتم النبوّة في الأخذ والعطاء فافهم.
فقال لي : هذا كتاب (فصوص الحكم) و المشار إليه هو المجموع المرتب الذي كان بيده صلى الله عليه و سلم، فإن المشار إليه لا يكون إلا موجودا . 
وأما قوله: هذا كتاب "فصوص الحكم" فيحتمل أن تكون التسمية من الحق تعالى، أو من النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان ظهور الحكم الختمية من يد الخاتم إلى يد الخاتم فناسب أن يكون فصوصا وعلى الحكم الخاتمية نصوصا. 
( خذه واخرج به ) : أي خذ الكتاب حسّا واخرج به شهادة . 

قال الشارح القيصري قدّس سره:
 واخرج به إلى الحسن بتعبيرك إياه وتقريرك معناه بعبارة تناسبه وإشارة توافقه . انتهى  كلامه . 
و هذا خروج عن ظاهر منطوق العبارة بلا ضرورة، فإنه قال: خذ الكتاب واخرج به والكتاب على رأي الشيخ رضي الله عنه كما فهمته سابقا ضمّ حروف رقمية، أو ضمّ معنى إلى صورة حروف، أو على الطريقين ليس الكتاب هو المعاني الصرفة وأيضا على رأي القيصري قدّس سره: يلزم تنزيل مرتبة الشيخ رضي اللّه عنه من الأكمل إلى الأدنى كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى فافهم . 

( إلى الناس ) : الناس مشتق من النسيان: أي خذه و أخرج به إلى الناس تذكرة للناسين 
قال رضي الله عنه في الباب السابع و السبعين و مائتين من "الفتوحات" : 
إن علم الناس دائما إنما هو تذكّر، فمنا من إذا ذكر تذكّر أنه كان علم ذلك المعلوم ونسبه لذي النون المصري قدّس سره، ومنا من لم يتذكر مع إيمانه به أنه قد كان شهده كما أنساهم الله تعالى شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق، مع كونه قد وقع وعرفناه ذلك بتعريف إلهي، فافهم .
فالمراد من الناس المطلعون على الكتاب المذكور، وأمّا المتأهلون وهم أهل التذكرة فإذا ذكروا تذكّروا، وأمّا المتأهلون وهم أهل التقوى وأهل المغفرة وهم أهل الحجاب والستر القابلون للتعريفات الإلهية، ينتفعون به بإثبات النون خبرا عن الصادق وبشارة منه يتحقق النفع به البتة، فمن لم ينتفع به فليس من الناس، فافهم . 
وعلى الجملة الناظر إليه والمطلع عليه إمّا متحقق وإمّا متوقف فيه، وإمّا منكر له فالكل منتفع به وإن كانت المنافع مختلفة باختلاف القوابل . 
أمّا انتفاع المتحقق والمؤمن فظاهر، وأمّا المتوقف فيه فلو لا إيمانه ما توقف، وإمّا نفع المنكر . 

فقال رضي الله عنه في "الفتوحات": إن الكامل يعفو عمّن سمع بذكره، أو رأى أثره فسبه و ذمّه، وهذا ذقته من نفسي وإعطاء نية ربي بحمد الله، و وعدني بالشفاعة بهم يوم القيامة . 
ونقل رضي الله عنه فيها عن المشايخ أنهم أوّل ما يشفعون يوم القيامة فيمن آذاهم، فقيل : المؤاخذة . 
وقال هذا نص أبي يزيد قدّس سره وهو مذهبنا، فإن المحسنين إليهم يكفيهم عين إحسانهم و العافين عن الناس هم المحسنون، ومن هذا المشرب ما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لربه عزّ و جل : 
"يا رب إني بشر أغضب كما يغضب البشر، اللهم من دعوت عليه أو سببته يعني في وقت غضبه، فأجّل ذلك حتى أنه يوما دعا صلى الله عليه وسلم على صبية صغيرة أضجرته فخافت من دعائه، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تخافي فقد سألت الله". رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
وذكر هذا الخبر فكان دعاؤه بالشرّ خيرا في حق المدعو عليه. ذكره الشيخ رضي الله عنه في "سرّ الألفاظ اليوسفية" فافهم.
(ينتفعون به) وأذن بالكتاب فانتفع كل من عليه أطلع.
 (فقلت: السمع و الطاعة لله و لرسوله و أولي الأمر منا كما أمرنا ). 
أشار إلى امتثال قوله تعالى: "أطِيعوا اللّه وأطِيعوا الرّسُول وأولي الْأمْرِ مِنْكُمْ" [ النساء: 59] و هم الأقطاب والخلفاء والولاة منا ولهم لأمر فيما هو مباح لهم ولنا، فإذا أمرونا بالمباح و أطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع الله فيما أوجبه عليه.
وذلك لأنه إذا أمر الإمام المفترض الطاعة بأمر مباح وجبت إطاعته، وارتفع حكم الإباحة، فافهم لتعلم ما منزلة الخلافة والإمامة وما أثمرت هذه المرتبة. 
فكأنه قال رضي الله عنه: السمع و الطاعة للمتحقق بأحدية الجمع، والمتنزل إلى مرتبة الفرق بالرسالة، و المتلبس بخلعة الخلافة و النيابة آمرا و ناهيا من نبي وأطعته بالانقياد له مع تحقيقي بمرتبة الجمع لتحقيقي بجمع الجمع، فافهم . 
وإنما أظهر رضي الله عنه اللام في الرسول ليفصل بين الحق والخلق بإعادة حروف الجر ولم يجمع بين الله و الرسول فيه إشارة إلى بعد الحقائق الخفية والخلقية . 
ورد في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه و سلم قال لخطيب : "بئس الخطيب أنت". رواه مسلم و أبو داود و النسائي.
لما سمعه قد جمع بين الله تعالى ورسوله في ضمير واحد لا يوحي من الله تعالى ومن يعصمها، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم كفاية لمن أنار الله بصيرته . 
أما ترى عدم إظهار اللام في قوله رضي الله عنه: و أولي الأمر منا بلا إعادة لقرب المناسبة و الدلالة على أنهم منه صلى الله عليه و سلم . قال الله تعالى: "لقدْ جاءكُمْ رسُولٌ مِنْ أنْـفُسِكُمْ" [ التوبة: 128] . 
فمن شدة الملابسة حذف اللام في الثاني، و لبعد المناسبة أثبت في الأول ليكون أدل على الفصل فافهم 

قال الشيخ قدس سره: [فحققت الأمنية، و أخلصت النية و جردت القصد و الهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير زيادة و لا نقصان و سألت الله تعالى أن يجعلني فيه و في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، و أن يخصني في جميع ما يرقمه بناني و ينطق به لساني و ينطوي عليه جناني بالإلقاء السّبوحي و النفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي حتى أكون مترجما لا متحكما، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها  التلبيس] ."
قال الشارح: قوله رضي الله عنه: (فحققت الأمنية ) أي جعلت مواد رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا، وأظهرت عتبة في الخارج إخراجا محققا. 
قال الشارح القيصري قدّس سره: أي جعلتها حقا محققا أي ثابتا في الخارج و ظاهرا في الحس بتعبيري إياه، و إظهاري فحواه. 
كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: “هذا تأويلُ رؤياي مِنْ قبْلُ قدْ جعلها ربِّي حقًّا" [ يوسف: 100]: أي أخرجها في الحس انتهى كلامه . 
اعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن تعبير الرؤيا عند المصنف رضي الله عنه هو الجواز عن صورة ما رآه إلى صورة أخرى، والتأويل عبارة عما يؤّوّل إليه تلك الرؤيا ويراد منها، والرؤيا موطن التعبير والتأويل كان ما كان، والرأي كان من يكون هذا مذهبه رضي الله عنه، فالتعبير جواز من صورة المرئي إلى صورة تناسبها. 

فلهذا قال الشيخ رضي الله عنه: إن التجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر وهو علم المناسبات تدرك به ما أراد الله بهذا مثلا أن المعاني التي رؤيت في الرؤيا يأخذها، و يكسبها ألفاظ و يعبر بها عن المعاني التي رآها كما يفعل لإخبار معناها وإعلام فحواها.
وذلك وإن كان تعبيرا ولكن ليس هو التعبير المصطلح الذي نحن بصدد بيانه وما ذلك إلا مغالطة واشتباها . 

وأما قوله قدّس سرّه: إن هذه الحكاية كحكاية يوسف عليه السلام . 
قال تعالى: "هذا تأويلُ رؤياي مِنْ قبْلُ قدْ جعلها ربِّي حقًّا" [ يوسف: 100] . 
فليست الحكاية كالحكاية ولا الرؤيا كالرؤيا، وكيف لا؟
و رؤية يوسف عليه السلام هي المثل المضروب، وهي رؤية الإخوة، و الأبوين ساجدين له على صورة الكواكب، والشمس، والقمر فصدق في قوله عليه السلام: هذا تأويل رؤياي فإنه جاوز، وعبر من صورة إلى صورة أخرى أريد منها قد جعلها حقّا في الخارج، فعرف أن الذي رآه  أريد منها هذه إلا ما رأى من الكواكب، والشمس، والقمر فأين صورة رؤياه عليه السلام ؟
فإنها مثل مضروب وجسر يعبر، وصورة مسألتنا .

فإنه رضي الله عنه أمر بإبراز عين الكتاب بلا تأويل و لا تعبير سيما إن كانت صورة واقعته رضي الله عنه في الرؤيا كما قررناه، فيكون في اليقظة عند اتخاذ المدارك، فيرى في اليقظة ما يرى في المنام، و لا يسمّى ذلك رؤيا المنام لأنه في اليقظة، فافهم . 
( و أخلصت النية ): أي جعلتها للإطاعة خالصة، فجردت القصد . 
( الهمّة) المراد من الهمّة الهمّة الحقيقية التي هي جمع الهمم بصفاء الإلهام ، فتلك همم الشيوخ الأكابر من أهل الله، فتجريدها جمع الهمم، و تفريدها بأحدية الهمّة و جعلها همّة واحدة لأحدية المتعلق كما أن تجريد القصد أن تجعل المقاصد المتكثرة مقصدا واحدا هربا من الكثرة لتوحيد الكثرة أو للتوحيد، فافهم . 
إلى إبراز هذا الكتاب قوله رضي الله عنه: هذا الكتاب مشير إلى أنه كان بالألفاظ و الحروف المرتبة و ذلك لأن مخدرات المعاني من حيث أنها معان صرفة قاصرات الطرف ما تبرجن عن خيام المراتب، و لا تبرزن إلى مراتب الصون إلا مبرقعات بحجاب صور الألفاظ، و الحروف، و القوالب . 

فلهذا ما أمر رضي الله عنه إلا ليبرز ما كان مستورا و هو كتاب فصوص الحكم حيث كان في أمر الكتاب مسطورا كما حدّها لي رسول الله صلى الله عليه و سلم، يشير إلى ما صرّح رضي الله عنه في آخر الخطبة بأن ما وقف عليه لا يسعه كتاب ولكن ما أظهر.
( إلا ما حدّه له صلى الله عليه و سلم ): أي بحدود الألفاظ، و رسوم قوالب العبارات المدوّنة المبوّبة المسمّاة بفصوص الحكم، فإنه كتاب فصّلت آياته، و خطاب بينت متشابهاته، فمحكماته متشابهات، و متشابهاته محكمات من غير زيادة و لا نقصان.
ولو رام رضي الله عنه زيادة على ذلك ما استطاع لأنه غير مختار بل هو فيه  مجبور مقهور، فإنه الحضرة حضرة الأمانة، فكما لا تقبل النقصان كذلك لم تقبل الزيادة فإن التصرف بغير الإذن خيانة مع أن الزيادة في غير محلها نقصان و جناية، أما ترى أن الأصابع خمسة فإن زادت فالزائد منها نقص . 
( و سألت الله) فسأل الكل من الكل . 
قال تعالى: "وآتاكُمْ مِنْ كُل ما سألتمُوهُ وإنْ تعُّدوا نعْمت اللّهِ لا تحْصُوها إنّ الِإنسان لظلُومٌ كفّارٌ [ إبراهيم: 34] . 
قال رضي الله عنه في الباب السابع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات ": إن من ينزل عن سؤال أعظم لذة من النزول عن غير سؤال، فإن في ذلك إدراك البغية، و ذلة الافتقار، و إعطاء الربوبية حقّها، و العبودية حقها، فإن العبد مأمور أن يعطي  كل شي ء حقه كما أعطي الله كل شي ء خلقه . 

و في العلم المنزل عن السؤال من علو المنزلة ما لا يقدّر قدره إلا الله، و أما تعيين السؤال إذا كان فيما يرجع إلى أمر الدارين، فليعين ما شاء و لا مكر فيه، و لا تمايله هكذا ذكره الشيخ رضي الله عنه . 
( أن يجعلني فيه ): أي في الإبراز المذكور، و في جميع أحواله من عباده إنما قال: من عباده رغبة منه إلى مرتبة العبودية المحضة الخالصة، فإنها أعلى مراتب العبد . 
قال رضي الله عنه: إذا أقامك الحق في مقام العبودية المطلقة التي ما فيها ربوبية فأنت خليفة له حقا، فإنه لا حكم للمستخلف فيما ولي فيها خليفة عنه جملة واحدة و الخليفة استقل بها استقلالا ذاتيا . 
قال تعالى في معرض المدح: "سُبْحان الّذِي أسْرى بعبْدِهِ " [ الإسراء: 1] . فجعله عبدا محضا، و جرده من كل شيء حتى يكون له كل شيء فأسري به ليكون يسري به فما أضاف إليه شيئا، بل جعله مجبورا لاحظ له في الربوبية فافهم .

( الذين ليس للشيطان عليهم سلطان )، قال تعالى: "إنّ عِبادِي ليْس لك عليْهِمْ سُلْطانٌ" [ الإسراء: 65] . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": اعلم يا أخي إني اتبعت ما حكي عن إبليس من الحجج فما رأيت أقصر منه حجة، ولا أجهل منه بين العلماء، وإن يخصني في جميع ما يرقمه بتأني، وينطق به لساني، وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي، والنفث الروحي . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات " الباب الثاني والتسعون ومئتان:  فاعلم إن لله جودا مقيدا وجودا مطلقا . فإنه سبحانه قد قيد بعض جوده بالوجوب ,
فقال : "كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ".
أي أوجب وفرض على نفسه الرحمة لقوم خواص نعتهم بعمل خاص وهو أنه "من عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ من بَعْدِهِ وأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ".
فهذا جود مقيد بالوجوب لمن هذه صفته وهو عوض عن هذا العمل الخاص والتوبة والإصلاح من الجود المطلق فجلب جوده بجوده فما حكم عليه سواه ولا قيده غيره . والعبد بين الجودين عرض زائل وعرض ماثل .
قال سهل بن عبد الله "التستري" عالمنا وامامنا لقيت إبليس فعرفته وعرف مني أني عرفته فوقعت بيننا مناظرة .
فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث إن وقفت ووقف وحرت وحار فكان من آخر ما قال لي : يا سهل الله عز وجل يقول "ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " فعم ولا يخفى عليك إني شيء بلا شك لأن لفظة كل تقتضي الإحاطة والعموم وشيء أنكر النكرات.
فقد وسعتني رحمته؟!.
قال سهل : فو الله لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية .
وفهم منها ما لم نفهم وعلم منها ومن دلالتها ما لم نعلم فبقيت حائرا متفكرا وأخذت أتلو الآية في نفسي , فلما جئت إلى قوله تعالى فيها "فَسَأَكْتُبُها " لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف "الآية سررت وتخيلت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم ظهره .
وقلت له يا ملعون إن الله قد قيدها بنعوت مخصوصة يخرجها من ذلك العموم .
فقال: "فَسَأَكْتُبُها" فتبسم إبليس وقال يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل هذا المبلغ ولا ظننت إنك هاهنا ألست تعلم يا سهل أن التقييد صفتك لا صفته.
قال سهل: فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي و والله ما وجدت جوابا ولا سددت في وجهه بابا وعلمت أنه طمع في مطمع.
وانصرف وانصرفت و والله ما أدري بعد هذا ما يكون فإن الله سبحانه ما نص بما يرفع هذا الإشكال فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه في ذلك بأمد ينتهي أو بأمد لا ينتهي.
فاعلم يا أخي أني تتبعت ما حكي عن إبليس من الحجج فما رأيت أقصر منه حجة ولا أجهل منه بين العلماء .
فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكى عنه سهل ابن عبد الله تعجبت وعلمت أنه قد علم علما لا جهل فيه فهو أستاذ سهل في هذه المسألة .
وأما نحن فما أخذناها إلا من الله فما لإبليس علينا منة في هذه المسألة بحمد الله ولا غيرها وكذا أرجو فيما بقي من عمرنا وهي مسألة أصل لا مسألة فرع.
فإبليس ينتظر رحمة الله إن تناله من عين المنة والجود المطلق الذي به أوجب على نفسه سبحانه ما أوجب, وبه تاب على من تاب وأصلح , "فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ" عن التقييد في التقييد فلا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه .""
( السبوح ) كالقدوس بمعنى: المسبح كالمقدّس أسماء المفعول: أي الإلقاء المطهر عن التغيير في ذاته، و النفث لغة بسكونالفاء و الثاء المثلثة إرسال النفس بفتح الفاء رخوا و هنا عبارة عن إفاضة النفس الروحاني الذي يحيى بنفخة، و من عادة الروح ما يمر على محل إلا قد أحياه . 

في (الروع) و الورع بضم الراء المهملة هو القلب وهو القوة التي طورها وراء طور العقل، ينقلب بتقلب التجليات وهو برزخ بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء من رحمة إلى رحمة، فافهم . 
( النفسي) قال تعالى: "ونفْسٍ وما سوّاها * فألهمها فجُورها وتقْواها" [ الشمس: 7، 8].
فجعل النفس برزخا وسطا وحلا قابلا لما يلهم من الفجور والتقوى، فتميز الفجور فتجتنبه، و التقوى فتسلك طريقه و من وجه آخر تطلبه الآية . 
( و هو أنه إنما ألهمها عراها عن الكسب ): أي عن، أن يكون لها فيها كسب و تعمّل بل إنما هي محل ظهورهما، فهي برزخ بين هذين الحكمين.

وأما الخاطر المباح مندرج في قوله: و ما سوّاها لأن المباح ذاتي لها فبنفس ما خلق عينها ظهر عين المباح فهو من صفاتها النفسية التي لا تعقل النفس إلا به . 
فالخاطر المباح على الحقيقة نعت خاص للإنسان، و إن لم يكن من الفصول المقوّمة فهو حد لازم رسمي فإنه من خاصية النفس جلب المنافع، و دفع المضار، و إنها هي المحركة بما يغلب عليها إمّا من ذاتها، أو مما يقبله فيما يلهمها به الملهم من ملك، أو شيطان، فافهم .
فالقلب النفسي هو القلب البرزخي المتقلب بإحكام النفس المحركة المميزة بين الفجور و التقوى، فافهم . 

أو تقول: إن النفس بسكون الفاء هي النفس الكلي التي هي اللوح المحفوظ ذكر الشيخ رضي الله عنه في رسالة القدس من هذا المقام عن عبد الله بن سهل أنه قال: سمعت أبا يزيد، و سئل عن اللوح المحفوظ، فقال: أنا اللوح المحفوظ، و إنما أضاف هنا القلب إلى النفس لأنها أصل و إجمال لما فصّل في القلب . 

( بالتأييد الاعتصامي )، قال تعالى: "ومنْ يعْتصِمْ باللّهِ فقدْ هُدِي إلى  صِراطٍ مُسْتقِيمٍ" [ آل عمران: 101]، و الاعتصام بالله هو الترقي عن كل موهوم و التخلص عن كل تردد، و هو شهود الحق تفريد إلا شيء معه، و ذلك لفناء الشاهد في المشهود.
حتى أكون: أي في جميع أحوالي و في جميع ما يرقمه بناني، و ينطق به لساني مترجما . 
اعلم أن العارف التام المعرفة بالمقامات والمواطن و الآداب والحكم ترجمان لسان الحقائق إن ادّعي إلى الحق يشهد من يسمع، ومن يرد فيتنعّم بالقبول والرد لصدق مشهده أحكام الأسماء الإلهية هو الدّاعي، واسم وهو القابل، واسم وهو الرادّ . 
وهذا العارف متفرّج بحياة طيبة بهذا الكشف والشهود إلى هذا المقام حرض الله حبيبه صلى الله عليه وسلم إلى هذا الشهود الأتم . 
قوله رضي اللّه عنه (حتى أكون): يتعلق بسألت،.

فإن قيل قوله رضي الله عنه حتى أكون متن بما يدل على أنه كان أخذ المعاني و ترجمها بألفاظ و عبارات مناسبة من عنده كما هو عادة الترجمان، قلنا: ليس الأمر هكذا بل الترجمة تطلق أيضا على إبعاد الكلام من الأصل . 
كما قال الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و العشرين و ثلاثمائة في القرآن: إنه كلام الله بلا شك، و الترجمة للمتكلم به كان ممن كان انتهى كلامه رضي الله عنه . 
فما ترجم في القرآن إلا أنه قرأ مثل ما سمع.
و قال رضي الله عنه: خلق الإنسان علمه البيان، فنزل عليه القرآن ليترجم عنه كما علمه الحق من البيان الذي لم يقبله إلا هذا الإنسان فافهم. 

أو يقول: بل هو سؤال مستأنف و إضراب عن الأول، و يطلب هذا الحال في جميع الأحوال و الأقوال، إلا أنه كان ترجمان لهذا الكتاب و أراد ثبوته و تحققه كما فهمه الشارح القيصري، و حكم به رحمة الله ببادئ الرأي فافهم . 
( لا متحكّما) التحكم: التصرف لإظهار الخصوصية بلسان الانبساط في الدعاوى، و هذا أضرب من الشطح، أو قريب منه لما يتوهّم من دخول حظ النفس فيه إلا أن يكون عن أمر إلهي . 

قال رضي الله عنه : 
مهما تحكّم عارف في خلقه    ...... من غير أمر فالرعونة قائمة
ترك  التحكّم  نعت كل  .....    لزم الحياء و لو أتته راغمة

( ليتحقّق ): أي أبرزت الكتاب على الوفق المشروح ليتحقق من وقف عليه من أهل الله الذين لهم أحدية الأسماء الإلهية، لا المقيدون بالأذواق، و المشارب، و لا المتوسطون من أرباب الأحوال . 
( أصحاب القلوب ): أي أعني من أهل أصحاب القلوب أن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب فينقلب مع الحق حيث يتجلى، و لا يتقيد فيعلم أنه: أي الكتاب بألفاظه و حروفه و نظمه و ترتيبه، فإنه ما يسمى الكتاب كتابا إلا بهذه الأشياء من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفيسة، و المقدّس عن لوث شرب الحدوث، فإذا عرف صاحب قلب من أهل الله هذا التحقيق من الشيخ رضي الله عنه أقرّ بكماله، و أثنى عليه، و سبحه بحمده . 
ورد في الحديث الصحيح : "ليس شيء أحب إلى الله من أن يمدح" رواه المناوي فيض القدير .
ذكره رضي الله عنه هذا الحديث في الباب الثامن والتسعون ومائة  من الفتوحات :  "وقد ورد في الصحيح ليس شيء أحب إلى الله من أن يمدح  ,والمدح بالتجاوز عن المسيء غاية المدح فالله أولى به تعالى" .أهـ
وذكره رضي  الله عنه هذا الحديث في الباب التاسع والخمسون وخمسمائة من الفتوحات : " ولا يوصف بالكرم فما في الوجود إلا تاجر لمن فهم ما شيء أحب إلى الله من أن يمدح وما يمدح إلا بما منح فما جاد الكريم إلا على ذاته بما يحمده من صفاته ".أهـ
وذكره رضي  الله عنه هذا الحديث في الباب التاسع والخمسون وخمسمائة من الفتوحات :  " والأصلح لما جبلت عليه النفوس من دفع المضار وجلب المنافع وقال :قد ثبت في الخبر أنه ليس شيء أحب إلى الله من أن يمدح وهو لا يتضرر بالذم وأنت تتضرر لأنك تألم " .أهـ
وذكره رضي  الله عنه هذا الحديث في الباب الموفي ستين وخمسمائة من الفتوحات :
" فهذا معنى قوله الدين النصيحة لله أي في حق الله فإنه يسعى في أن يثني على الله إذا عفا بما يكون ثناء حسنا ولا سيما وقد ورد في الحديث الثابت أنه لا شيء أحب إلى الله من أن يمدح " .أهـ
5198 – "أما إن ربك يحب المدح - وفى لفظ الحمد" (أحمد، والبخارى فى الأدب، والنسائى، وابن سعد، والطحاوى، والباوردى، وابن قانع، والطبرانى، والحاكم، والبيهقى فى شعب الإيمان، والضياء عن الأسود بن سريع)
أخرجه أحمد (3/435، رقم 15624، 15628، 15629) . قال الهيثمى (10/95) : أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح. والبخارى فى الأدب المفرد (1/298، رقم 859) ، والنسائى فى الكبرى (4/416، رقم 7745) ، وابن سعد (7/41) ، والطحاوى (4/298) ، وابن قانع (1/18) ، والطبرانى (1/283، رقم 824) ، والحاكم (3/712،
رقم 6575) وقال: صحيح الإسناد. والبيهقى فى شعب الإيمان (4/89، رقم 4366) ، والضياء (4/250، رقم 1447) . ، و في لفظ الحمد رواه الأسود بن سريع ذكره في "جمع الجوامع "، وهكذا الإنسان الكامل حبب إليه ما أحبه الله تعالى.

ورد في الحديث : "ليس أحد أحب إليه المدح من الله ولا أحد أكثر معاذير من الله" المناوي فيض القدير و جمع الجوامع قال الألباني صحيح
ثم نرجع و نقول: إن مقام التقديس هو حظيرة القدس هو الطهارة والطهارة ذاتية وعرضية، فالذّاتية كتقديس الحضرة الإلهية التي أعطاها الاسم القدوس وهي المقدّس عن أن يقبل التأثير من حيث ذاتها، فإن قبول الأثر تعبير في القابل والحضرة مقدسة عنه، فالقدس الذاتي لا يقبل التغيير جملة واحدة . 
وأمّا القدس العرضي فيقبل التغيير و هو النقيض و تفاوت الناس في هذا فتقديس النفوس بالرياضات وهي تهذيب الأخلاق، وتقديس المزاج بالمجاهدات، وتقديس العقول بالمكاشفات والمطالعات، وتقديس الجوارح بالوقوف عند الحدود المشروعات، ونقيض هذا القدس قبول ما يناقضها، ومهما لم يمنع فلا يكون حظيرة قدس فإن الحظر المنيع.

كما قال تعالى"وما كان عطاءُ ربِّك محْظورًاً " [ الإسراء :  20]: أي ممنوعا و الأرواح المدبرة للأجسام العصرية لا يمكن أن تدخل أبدا حظيرة القدس لأن ظلمة الطبع لا تزال تصحب الأرواح المدبرة في الدنيا و الآخرة.
إذا فهمت هذا فاعلم أن الشيخ الأكبر رضي الله عنه نبه بعلمه على مكانته من الله تعالى و قدره مكانه من ظهور مكنون سره، و أشار إلى أن الكتاب من مقام التقديس الذاتي الذي هو حظيرة القدس المقدسة، عن التغيير و التبديل حين الانسلاخ عن أحكام البشرية، و الإعراض عن الأغراض النفسية، التي يدخلها التلبيس .

والتلبيس ستر الحقيقة و إظهارها بخلاف ما هي عليها يقال: ليس فلان على فلان إذا ستر عنه الشيء و أراه بخلاف ما ستر.
فالأغراض النفسية هي التي تلبس الحق بالباطل، و الباطل بالحق، فهو مقام المشابهات، و مأخذ الشيخ رضي الله عنه أم الكتاب، حيث لا كذب و لا تدنيس، و لا جهل و لا تدليس، و لا شبهة و لا تلبيس فافهم .
واعتمد على هذا القول أنه من المحكمات حتى لا يفوتك علم، و أرجو لسان أدب مع الله تعالى و اقتداء بالسنة السنية . 

قال الشيخ رضي الله عنه[و أرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي فما ألقي إلا ما يلقي إلي، و لا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به عليّ، و لست بنبيي رسول و لكني وارث و لآخرتي حارث : 
فمن الله فاسمعوا    .... وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما   ..... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا    ..... مجمل القول واجمعوا
ثم منوا به على     ..... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي  ...... وسعتكم فوسعوا
و من الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد، و قيد بالشرع المحمدي المطهّر فتقيد و قيد، و حشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته. فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك ] . 
حيث قال صلى الله عليه و سلم :  "وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد".  
مع تحققه صلى الله عليه و سلم أنه هو، فأرجو من العامل بمنزلة عيسى عليه السلام و لعلّ من الحق تعالى فإن لأمر المحقق.
و لا يخفى على الله خافية فإن المحقق قد علم و شهد و ما عند الله، بل علم نفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد، فافهم أنه رضي الله عنه من الذين سبقت لهم منا الحسنى و زيادة.

( أن يكون الحق) إنما قال: الحق و لم يقل اسما آخر إذ لا يطلب الحق و لا يعطي إلا بالحق لأنه أعطى كل شي ء خلقه و هو ما يستحقه، فالسائل لو لم يكن مستحقّا استحقاقا ذاتيا ما أعطاه . 
( لما سمع دعائي قد أجاب ندائي) أنه سميع الدعاء يقال: دعوت فلانا: أي صحت به نداء و دعوت الله له و عليه دعاء، و النداء الصوت و ناداه مناداه و نادى: أي صاح به، ذكره في الصحاح . 
دعا رضي الله عنه امتثالا بقوله تعالى: "ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ " [ غافر: 60] . 
قال تعالى: "أجِيبُ دعْوة الدّاعِ إذا دعانِ" [ البقرة: 186] و ما دعاؤه رضي الله عنه إياه تعالى إلا عين قوله: يا الله و هو لله و جوابه لبيك، فهو الدعوة و به يسمّى داعيا . 

قال رضي الله عنه: هذا لا بد من الله في حق كل سائل، ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء و قد وقعت الإجابة، و أمّا ما طلب من الحوائج فلم يضمن إجابتها عناية و رحمة بهم لأنه قد يسأل مما لا خير فيه . 
قال تعالى: "ويدعُ الِإنسانُ بالشّر دُعاءهُ بالخيْرِ" [ الإسراء: 11]، . 

أما ترى بلعام بن باعوراء قد أتاه الله العلم بخاصة آية من آياته، و دعا على موسى عليه السلام فأجاب تعالى دعاءه فشقي الدّاعي شقاوة و انسلخ، و جعل مثله كمثل الكلب، فقضاء ما طلب من الحوائج بالمشيئة . 
قال الله تعالى: "وأيُّوب إذْ نادى رّبهُ أنِّي مسّني الضُّر وأنت أرحمُ الرّاحِمِين " فاسْتجبْنا لهُ فكشفْنا ما بهِ مِنْ ضُّر" [ الأنبياء: 83 – 84 ].
وقال تعالى في عبده الصالح يونس عليه السلام: "فنادى في الظُّلماتِ" [ الأنبياء: 87] فاستجاب له .

فإن المريض أو المضرور إذا قال: يا الله يعني يا شافي اشفني، و يا مغيث أغثني و هكذا هنا أجاب تعالى ندائه رضي الله عنه بلبيك و دعائه و طلبه بالسمع و القبول، فافهم . 
ثم اعلم أن الدعاء والطلب و السؤال لا يقتضي المنازعة .
كما ذهب إليه سهل، و الفضيل ابن عياض قدّس سرهما حيث ما أراد الله، فإن الدعاء ذلة و افتقار، و النزاع رئاسة و سلطنة فمن لم ينازع فما هو مقهور، و لا الملك عليه بقهار . 
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الرابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 12:50 pm

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الرابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

شرح خطبة الشيخ على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم  الجزء الرابع

قال رضي الله عنه: إنه ما تجلى له الحق تعالى بحمد الله من نفسه في اسمه القهار، و إنما رأى في مرآة غيره لأن الله تعالى عصمه منه في حال الاختيار، و الاضطرار فلم ينازع قط و كلما يظهر منه من صورة النزاع فهي تعليم لا نزاع، و لا ذاق من نفسه صورة القدر الإلهي قط لمناسبة ذكر بعض الأخبار و الآثار حتى يقرع سمعك مثل هذه الأسرار . 

اعلم أن من النزاع الخفي الصبر على البلاء، و عدم البلاء إذا لم يرفع إزالته إلى الله تعالى كما فعل سيدنا أيوب عليه السلام، و قد أثنى الله تعالى عليه بفعله مع شكواه .
فقال تعالى: "إنّا وجدْناهُ صابرًاً نعْم العبْدُ إنّهُ أوّابٌ" [ ص: 44] . 
ولهذا قلنا: إن الدعاء لا يقدح ولا يقتضي المنازعة بل هو أعلى، وأثبت لقدم العبودية من تركه . 
ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يرد القدر إلا الدعاء " الحديث رواه ابن ماجه. والترمذي وأحمد  والطبراني في الكبير.
وأما الرضا والتسليم فهما نزاع خفي لا يشعر به إلا أهل و خاصته و ذلك لأن متعلق الرضا ميزان شرعي خاص لا يدرك إلا بالكشف، فافهم . 
هكذا أبانه في "الفتوحات" فما ألقي إليكم إلا ما يلقى، ولا أنزل هذا المسطور إلا ما ينزل به عليّ، ألقي إليه كتاب كريم.

فألقي إليكم الكتاب القويم و هو مرتب مسموع مقروء، و أنزله في هذا المسطور كما نزل عليه رضي الله عنه في الرقّ المنشور، و بلغ ما أنزل إليه فلم يعدل عن سورة ما أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم، و أبقى صورته كما أنزل عليه فإنه ما نزلت المعاني الصرفة عليه من غير تركيب بل بتركيب الحروف و ترتيب الكلمات و نظم الحكايات و إنشاء الفصوص من  كل فص باسم صاحب ذلك الفص المسمّى مجموعة بفصوص الحكم .

فلمّا أقام رضي الله عنه نشأة هذا الكتاب "الفصوص "، و أظهره بين أظهر الناس فأبصرته الأبصار، و سمعته الآذان من التائبين، و قرأته الألسنة عند التلاوة و ليس الكتاب إلا هذا المجموع و المسموع المبصر المقروء .
وذلك تبليغا منه وتنبيها للناسين، فلا ينبغي لأحد أن يعترض على ما تضمنه الكتاب و يعترض لأحكامه بسوء الخطاب فيحكم عليه بأحكام يقتضيها الحجاب الله أعلم حيث يجعل رسالاته و ما على الرسول إلا البلاغ.



و سدد هذا الكلام منه رضي الله عنه كله لتأنيس الناسين الذّاهلين، و تنبيه الغافلين الساهين بأنه كتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، بل في بعض كتبه يحلف رضي الله عنه بالإيمان تحريضا و تحريصا على القبول و الإذعان لأهل الإيمان . 
كما في "الفتوحات" في الباب الثالث و ثلاثمائة فإنه يقول: فو الله ما كتبنا حرفا إلا من إملاء إلهي أو إلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني . 
و هذا مثل ما قال صاحب موسى عليهما السلام، و ما فعلته عن أمري حتى يرد الأمر و ثبت الحاس، فالعمل في هذا الإقعاد و مشوا على سنن سيدهم . 
حيث يقول تعالى: "لا أقسِمُ بيوْم القِيامةِ" [ القيامة: 1] . 
و الشمس و الليل و الضحى، و كل ذلك شفقة و رحمة من الله و من عباده الأمناء العارفين على عباده الضعفاء المترددين . 
( و لست بنبيّ و لا رسول ): أي نبي مكلف، و رسول مشرع فإنهما انقطعا برسول الله صلى الله عليه و سلم، فلا رسول بعده و لا نبي . 
قال رضي الله عنه: إنما قلت لئلا يتوهم متوهم، فلا رسول بعده، إني ادّعيت النبوة و الرسالة لا و الله ما بقى إلا ميراث و سلوك على مدرجة الرسول، و الاقتداء به صلى الله عليه و سلم خاصة . 
وأمّا النبوّة و الرسالة اللتان ليستا بتكليف ولا تشريع جديد فأبقى الله تعالى أحكامها في الورثة.
""أضاف المحقق :  قال سيدي علي وفا قدس سره:

النبوة مظهرية الربوبية، والروح الناطق الحكيم وجه رب الحق المبين، فمن ظهر فيه فقد أوتي النبوة في كل مقام بحسبه.
من ظهر فيه الروح الحكيم بإدراكه وفعله في دائرة التدبير والتكوين معا فهو رسول في كل مقام.
من ظهر فيه الروح الحكيم بادراكه لا فعله فهو ولي .
فالنبوة حيطة الإحاطة الربانية.
والرسالة منها للفرقان.
والولاية للجمع، في كل مقام بحسبه .
وقال : غاية كل شيء نهايته وختامه، وغاية النبوة الربوبية، فخاتم النبيين وسطهم جامعهم غايتهم
وقال : فقيل للسيد: متى وجبت لك النبوة؟
قال: «كنت نبيا و آدم منجدل في طينته».
وفي رواية: «إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم بين الروح والجسد»."" أهـ
وأشار صلى الله عليه و سلم إليه في قوله "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل".

ويشير إلى هذين المقامين الشيخ ابن الفارض قدّس سرّه في شعر : 
وعالمنا منهم نبيّ و من دعي    ..... منا إلى الحق قام بالرسلية
جعل الله ورثته صلى الله عليه و سلم في منازل الأنبياء و الرسل.
فأباح لهم الاجتهاد في الأحكام فهو تشريع محقق من خبر الشارع الصادق المحقق فكل مجتهد نصيب،  كما أن كل نبيّ معصوم عن الغلط و السهو ليحصل لهم نصيب وافر من التشريع . 

ورد في الخبر  "إن لله عبادا ليسوا بأنبياء" : أي أنبياء التشريع و التكليف و لكن أنبياء علم و سلوك اهتدوا فيه بهدى أنبياء التشريع غير أنهم لا يقبلون الاتباع لوجهين.
وجه لسواد وجوههم في الدنيا والآخرة فهم أصحاب راحة عامة لا يدرون أحد، ولا يدريهم أحد. 
الوجه الآخر أنهم يريدون راحة يوم الفزع الأكبر يوم يحزن الأنبياء على أممهم لا على أنفسهم . 
و فيهم قال تعالى: "لا يحْزنـهُمُ الفزعُ الْأكْبرُ وتتلقّاهُمُ الملائكةُ" [ الأنبياء : 103].المهيمون في جلال الله، العارفون الذين لم تفرض عليهم الدعوة إلى الله تعالى، و هم في البشرة بمنزلة الأرواح الهائمة في الملك، فافهم . 
قال رضي الله عنه في الفصل الثالث و الثمانين في "الأجوبة في الفتوحات" : 
قد حدّثني أبو البدر البغدادي، عن الشيخ بشير من ساداتنا بباب الأزج، عن إمام  
بالسجود لآدم، و شرعه لهم لأنه نبيّ ذلك الوقت، و يؤيد ذلك إضافة الرب إليه في قوله: "وإذْ قال ربُّك للْملائِكةِ إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خليفةً" [ البقرة: 30].
و تيسير خطاب البسط بلسانه في قوله: "وإذْ قُـلْنا للْملائكةِ اسْجُدُوا لِآدم" [ البقرة: 34]، و قس على هذا.  
العصر، عن عبد القادر الكيلاني قدّس سره أنه قال : "معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب و أوتينا ما لم تؤتوا" .
فأمّا قوله أوتيتم اللقب: أي حجر علينا إطلاق لفظ النبي، و إن كانت النبوّة العامة سارية في أكابر الرجال . 
و أما قوله: و أوتينا ما لم تؤتوا هو عين قول الخضر عليه السلام الذي شهد الله بعدالته و تقدمه في العلم، و أتعب الكليم المصطفى المقرب موسى عليه السلام في طلبه . 
إن العلماء أجمعوا على أنه أفضل من الخضر عليه السلام، فقال له: أنا على علم علمنيه الله لا تعلم أنت، فهذا عين ما قال السيد عبد القادر قدّس سره، فافهم أن هذه النبوة العامة غير منقطعة دائما أبدا . 
و قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": و هذه ما أدري عن قصد منهم كان ذلك، أو لم يوفقهم الله عليها، أو ذكروها و ما وصل ذلك إلينا، و الله أعلم بما هو الأمر عليه . 

( و لكني وارث) اعلم أن الوارث اسم إلهي، و الوراثة نعت إلهي، فإنه قال تعالى عن نفسه أنه خير الوارثين: "وأنت خيْـرُ الوارثين" [ الأنبياء: 89] .
قال: "إنّا نحْنُ نرثُ الْأرض ومنْ عليها " [ مريم: 40].
فورثها ليورثها من يشاء من عباده، فالولي الوارث لا يأخذ ورث النبوّة إلا بعد أن يرثها الحق منه.
ثم يلقيها إلى الولي ليكون ذلك أتم في حقه حتى ينسب في ذلك إلى الله تعالى لا إلى غيره.
وبعض الأولياء يأخذونه وراثة عن النبي صلى الله عليه و سلم وهم الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوه، أو من رآه في النوم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الخامس و الخمسين و مائة من "الفتوحات" : .
و لهذا قيل: إن كنت وارثا فلا ترث إلا الحق.
فإن قيل: ولا يصح الميراث لأحد كان ممن كان إلا بعد انتقال المورث، و أمّا ما حصل لك من غير انتقال فليس يورث، و إنما ذلك وهب و أعطية و منحة أنت فيها نائب وخليفة لا وارث. 
وأيضا إن المورث لا يكون إلا بتملك قهري على المورث كان ما كان، أراد المورث، أو لم يرد، وكان من كان، فكيف حكم هذين الحكمين في الإلهيات التي أثبت فيها الميراث ؟ 
قلنا: صدقت، و لكن إذا أشهدك الحق غناه عن العالمين فقد ترك العالمين، فهم تركة إلهية لا يرثها إلا أنت إن كنت صاحب هذا الكشف والشهود، فافهم . 
وأيضا أن جميع ما نحن عليه من الصفات وصف نفسه بها، ثم نزه نفسه عنها . 
فقال تعالى: "سُبْحان ربِّك رب العِزِّة عمّا يصِفُون" [ الصافات: 180]، فأخذنا هذه الصفات التي كنا نصفه بها بعد تنزيهه عنها بحكم الوارث لأنه قد وصف نفسه، و وصفناه بها، فقام التنزيه بعد ذلك مقام الموت لنا، فهو يرثنا بالموت، و نحن نرثه بالتنزيه، فافهم.
و أيضا أن الله تعالى قال: " ما يكُونُ مِنْ نجْوى ثلاثةٍ إلّا هُو رابعهُمْ" [ المجادلة : 7].
فإذا جاء الرابع منا انتقل إلى المرتبة الخامسة، و خلي له المرتبة.
فورثها هذا وارث العموم، وأمّا في ميراث الخصوص، فإنه رابع أربعة في حال كونك أنت رابع أربعة لأنك على الصورة.
فورث الخاص الوجود، و بطن المورث بورث الظاهر الوجود . 

قال رضي الله عنه: إن أطيب ما يورث من العلم ما يرثه العالم من الأسماء الإلهية . 
و يشير إلى هذا قوله صلى الله عليه و سلم : "تخلقوا بأخلاق الله" .  
، و ظهور الأخلاق لا يكون إلا في عالم التشبيه للخليفة، فاستخلف الخليفة و استعان بذاته و تحجّب بحجاب العزة لاستحالة جمع المستخلف و المستخلف، و لا يجمع المورث و الوارث، فافهم . 

أمّا قولك: إن الميراث من تمليك  قهري فذلك لأن الإرث بحكم الاستعداد وبتحكّم القابلية، و الاستحقاق الذاتي . 
و من هذا المقام قال سبحانه في طائفة: "لهُمْ أجْرٌ غيْـرُ ممْنونٍ " [ الانشقاق: 25] إلا منه روع لأنه اقتضاء ذاتي . 
و قال في الآخرين: "وما ظلمْناهُمْ ولكِنْ كانوا أنْـفُسهُمْ يظلِمُون " [ النحل : 118] .
و كما أن المال الموروث من غير كسب، و تصنع من الوارث، كذلك هنا أن علومه آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من غير كسب واستفادة . 
و هنا  مشرب آخر دون ذلك وهو: إن تعلم أن الورث ورثان:
 ورث نبوّة وأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام . 
و قال صلى الله عليه و سلم : "الأنبياء ما ورثوا دينارا و لا درهما و إنما ورثوا العلم ".
فمن أخذه بحظ وافر، فلم يبق الميراث إلا في العلم والحال والعبارة عمّا قصدوه من الله تعالى في كشفهم، وهو على نوعين:
 صوري ومعنوي
أمّا الصوري: منه ما يتعلق بالألفاظ و الأفعال و ما يظهر من الأحوال، فإن الوارث ينظر إلى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه و سلم ما أبيح للوارث الاقتداء به فيه.
فيأتيها على حد ما وردت لا نزيد و لا يزيد و لا ينقص منها، و إن اختلفت الروايات فليفعل بكل رواية وقتا بهذا و وقتا بهذا و لو مرة واحدة، و يدوم على الرواية القوية إذا أمكن له و لا ينقص أصلا ثابتا . 
و من هذا الذوق روي عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: إنه ما أكل البطيخ حتى مات لأنه ما بلغه  كيف أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و أما المعنوي: فكان ما يتعلق بباطن الأحوال من تطهير النفس، و التخلق بمكارم الأخلاق، فإنه قال صلى الله عليه و سلم :  "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . 
وهذا الإتمام على نوعين :
الأول: للعامة بتبديل المذام بالمكارم .
والنوع الثاني: بخصوص و هذا إلحاق السفساف بالمكارم، فإن الأخلاق كلها مكارم و ليس في الوجود إلا الله، فافهم . 
أما الوارث الثاني هو الموروث الإلهي، فهو ما يحصل لك في ذاتك من صور التجلي الإلهي عند ما يتجلى لك فيها فإنك لا تراه إلا به.
فإن الحق بصرك في ذلك الموطن، فإن لم يتكرر عليك صورة التجلي فقد انتقل عنها، و ورثك أمر تظهر به في ذاتك و في ملكك، فإذا أردت شيئا تقول له كن فيكون، فمثل هذا من الورث الإلهي هو الورث النبوي، فإنه ما حصل هذا إلا بالاتباع، و الاقتداء، و المحبة . 
و الأنبياء لا يورثون عليهم السلام حتى ينقلبوا إلى الله تعالى من هذا الدار و كل ما له من نبي انتقل، فذلك علم موروث .

أما ترى قوله تعالى عن زكريا عليه السلام: " وإنِّي خِفْتُ الموالي مِنْ ورائي" [ مريم :5]: أي بعد موتي، و انتقالي إلى البرزخ فطلب من لدنه وليا يرثه من بعده حتى لا يضيع الذين بعده، و هل كان ذلك الإرث إلا بعد الانتقال؟ . 
ثم اعلم أن كل وارث علم في زمان يرث من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام، و هذه الأمة لما كان نبيها آخر الأنبياء عليهم السلام صحّ للوارث منهم أن يرث الجميع.
ولا يكون ذلك بغير هذه الأمة، فلهذا خير أمة أخرجت للناس، و كل علم لا يكون عن ورث فإنه ليس بعلم اختصاص كعلم الحكماء وأصحاب الفترات، فافهم . 
و لو كانوا علماء و لم يكونوا متبعين لنبي، فنزلوا عن درجة الاختصاص و التفاوت بين العلمين بون عظيم، و تميز ذوقي مشهود، جعلنا الله و إياكم من الوارثين، و لآخرتنا حارثين و لآخرتي حارث . 
قال تعالى: "منْ كان يريدُ حرْث الْآخِرِة نزدْ لهُ في حرْثهِ و منْ كان يريدُ حرْث ُّ الدنيا نُـؤْتهِ مِنْها وما لهُ في الْآخِرِة مِنْ نصِيبٍ" [ الشورى: 20] . 
و الزيادة في الحرث هو التوفيق للعمل الصالح، فلا يزال ينتقل من حسنة إلى حسنة، فإذا كسب نال ما اقتضاه العمل و الزيادة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهو ذوق، فهذه زيادة الحرث في الآخرة فينال به في الآخرة جميع الأغراض و زيادة لم يبلغه أمله لعدم توجهه إليه . 

وأما قول الشارح القيصري قدّس سره: إنه لا يريد أجر الآخرة من دخول الجنة وغيرها، فإن الكمّل لا يعبدون الله للجنة، انتهى كلامه. 
فكأنه اشتبه عليه الفرقان بين من يعبد الله للجنة، وبين من يشتهي الجنة و أجرها مع أنه رضي الله عنه ذكر في "الفتوحات ": إن النفس الناطقة تلتذ بجميع ما تعطيه القوة الحسية، فتشتهي اللذات الجنانية . 

والناس على أربع مراتب في هذا الاشتهاء فمنهم:
من يشتهي الجنة و لذاتها و تشتهيه الجنة .
كما ورد في الخبر : "إن الجنة اشتاقت إلى علي،و بلال، وعمار رضي الله عنهم" وهم من أكابر رجال الله من رسول ونبيّ و وليّ كامل مكمّل . 
ومنهم: من يشتهي بالضم و لا يشتهي بالفتح، و هم أصحاب الأحوال من رجال الله الهائمين في جلال الله الذين غلب معناهم على حسبهم.
وهم دون الطبقة الأولى، فإنهم أصحاب أحوال . 
ومنهم: من يشتهي بالفتح و لا يشتهى بالضم و هم عصاة المؤمنين . 
ومنهم: من لا يشتهي و هم المكذّبون بيوم الدين، والقائلون بنفي الجنة المحسوسة، ولا خامس لهؤلاء الأربعة أصناف . 

قال رضي الله عنه في الباب السابع و السبعين و أربعمائة من "الفتوحات ": 
إن العالم لا يرى شيئا من الأحوال، و يعظم ما عظمه الله، و يحقّر ما حقّره الله، و لا يغلب عليه الحال، فإن أكثر الناس لا يعلمون، بل هم بهذا القدر جاهلون و عنه عمون.
وهذا هو الذي أدّاهم إلى ذم الدنيا و ما فيها، والزهد في الآخرة وما فيها من النعيم واللذات، و انتقدوا على من شغل نفسه بمسمّى هذه اللذات كلها، و جعلوا في ذلك ما حكي عن الأكابر في هذا النوع متأولا، و حملوا ألفاظهم على غير وجه تعطيه الحقيقة.
وأرادوا أن كل ما سوى الله حجاب و كيف لا تكون شهوة الجنة وهي دار القربة و محل الرؤية، و هي دار الشهوة و عموم اللذات، و لو كانت حجابا لكان الزهد و الحجاب فيها، فالرحل كل الرحل من ظهر بالصورة و هو وراء أحكام العبودية الطبيعية، فافهم انتهى كلامه رضي الله عنه . 

قال رضي الله عنه في الباب الخامس و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات ": 
إن احتقار شيء من العالم لا يصدر من تقي يتقي الله. فكيف من العالم بالله علم دليل أو علم ذوق؟!
فإنه ليس في العالم عين إلا وهو من شعائر الله من حيث ما وضعه الحق دليلا عليه، و وصف من يعظم شعائر الله، فإنها من تقوى القلوب.
فمن حقّر الوجود و استهانه، فإنما حقّر و استهان خالقه و مظهره، فافهم .

فقوله رضي الله عنه: ولآخرتي حارث: أي أطلب الأجر لأنه ظهر على الصورة، و أوّل أجر ظهر طلبه في الوجود أجر إيجاد الممكن . 
فقال: الممكن للواجب في حال عدمه أريد منك عمل الإيجاد، فقال: الواجب فلي عليك حق إذا علمته لك ما طلبت من العمل، و أظهرتك في الوجود . 
فقال: لك أن أعبدك و لا أشرك بك شيئا، فلما أظهره، و لم يجعل نفسه في إيجاده متبرعا فقال: اعبدني، و سبح بحمدي فسبحه و عبده . 
فسري حكم طلب هذا الأجر في جميع الممكنات، بل هو ذاتي للأعمال لأن الأعمال تطلب الأجر بذاتها . 
ورد في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه و سلم قال :  "حق الله على العباد أن يعبدوه، و لا يشركوا به شيئا، ثم قال: أتدرون ما حقهم عليه سبحانه و تعالى إذا فعلوا ذلك؟   أن يدخلهم الجنة". 

ذكره رضي الله عنه في الباب السادس و السبعين و ثلاثمائة من " الفتوحات" . 

ولهذا السرّ قالت الأنبياء عليهم السلام: إن أجرنا إلا على الله، فأخبروا أن لهم الأجور، و أمر سبحانه لسيدنا و نبينا صلى الله عليه و سلم . 
حيث قال تعالى: "قلْ لا أسْئلكُمْ عليْهِ أجْرًاً إلّا المودّة في الْقُرْبى"  [ الشورى: 23] باستثناء متصل، فما عمل عامد كان من  كان إلا بالهجر، فافهم . 
( فمن الله فاسمعوا) قدّم المعمول على العامل للحصر و الاهتمام به في أن القابل هو الله سبحانه لا غير يشير إلى مقامه رضي الله عنه قرب الفرائض .
قال تعالى:" وما رميت إذْ رميت ولكِنّ اللّه رمى"  [ الأنفال: 17] . 
قال الله سبحانه"اسْتجِيبوا للّهِ و للرّسُولِ إذا دعاكُمْ" [ الأنفال: 24] أما ترى أنه تعالى وجد الدّاعي مع ذكر الاثنين، فعلمنا أن الأمر واحد و ما سمعنا متكلما سماع الحس إلا الرسول.
وما سمعنا كلام الحق يسمع الحس إلا بالسمع المعنوي، فالله والرسول اسمان للمتكلم، فإن الكلام لله سواء كان في الجمع و الفرقان . 
كما قال تعالى و المتكلم المشهود عين لسان النبي صلى الله عليه وسلم : "فأجره حتى يسمع كلام الله"   فافهم . 
قال رضي الله عنه حكاية عن تحققه بهذا المقام الأطهر الأقدس بل أشار إلى العينية 
كما نصّ على نفسه في "الفتوحات" في الباب السابع والستين وثلاثمائة : 
يحكي عن التجلي الإسرائي و يقول في أثناء حكايته بعد ما حصل ذلك.

قال : ثم عاينت متكآت رفارف العارفين فغشيتني الأنوار حتى صرت كلي نورا وخلع على خلعة ما رأيت مثلها.
فقلت إلهي الآيات شتات فأنزل علي عند هذا القول "قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ عَلَيْنا وما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والْأَسْباطِ وما أُوتِيَ مُوسى وعِيسى والنَّبِيُّونَ من رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ".
فأعطاني في هذه الآية كل الآيات وقرب على الأمر وجعلها لي مفتاح كل علم فعلمت أني مجموع من ذكر لي.
وكانت لي بذلك البشرى بأني محمدي المقام من ورثة جمعية محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه آخر مرسل وآخر من إليه تنزل.
آتاه الله جوامع الكلم وخص بست لم يخص بها رسول أمة من الأمم فعم برسالته لعموم ست جهاته.
فمن أي جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ينفق عليك فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه.
فعند ما حصل لي ذلك قلت حسبي حسبي قد ملأ أركاني فما وسعني مكاني وأزال عني به إمكاني.
فحصلت في هذا الإسراء معاني الأسماء كلها فرأيتها ترجع إلى مسمى واحد وعين واحدة فكان ذلك المسمى مشهودي وتلك العين وجودي.
فما كانت رحلتي إلا في ودلالتي إلا علي ومن هنا علمت أني عبد محض ما في من الربوبية شيء أصلا.
وفتحت خزائن هذا المنزل فرأيت فيها من العلوم علم أحدية عبودة التشريف ولم أكن رأيته قبل ذلك وإنما كنت رأيت جمعية العبودية.
ورأيت علم الغيب بعين الشهادة وأين منقطع الغيب من العالم ويرجع الكل في حق العبد شهادة وأعني بالغيب غيب الوجود.
أي ما هو في الوجود وهو مغيب عن بعض الأبصار والبصائر وأما غيب ما ليس بموجود فمفتاح ذلك الغيب لا يعلمه إلا هو تعالى. أهـ

وأما قوله رضي الله عنه(فاسمعوا) و لا يسمع إلا من يكون على استعداد يكون معه الفهم عند سماعه بما أريد له ذلك المسموع، و لا يكون ذلك إلا لمن يكون له الحق سمعه خاصة، و قد سمع ضرورة بربه، و من ادّعى هذا السماع، و لم يكن سمعه عين فهمه فدعواه لا تصح كالذين قالوا: سمعنا و هم لا يسمعون، و روح السماع الفهم الذي جاء به السمع، و أما الذين أعرضوا عنه فما أنت بمسمع الصم، قال تعالى :  "ولوْ علِم اللّهُ فيهِمْ خيْرًاً لأسْمعهُمْ" [ الأنفال: 23] فافهم . 
( و إلى الله فارجعوا ): أي بالتوبة فإنها تنتج المحبة، قال الله سبحانه: "إنّ اللّه يحِب التّوّابين ويحِب المُتطهرين" [ البقرة: 222] .
والمحبة تثمر مقام قرب النوافل و هو أن يكون الحق سمعه الذي يسمع به .
كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال"و لا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به .  الحديث" 
فإذا كان هو سمعه سمع الحق بالحق حقا من الحق فانجلت المشكلات، و انكشفت المعضلات في المواضع التي تسمح فيها العبارات و تسمح بها الإشارات . 
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الخامس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 12:51 pm

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم الجزء الخامس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

شرح خطبة الشيخ على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم  الجزء الخامس

( و إذا ما سمعتم ): أي سماع فهم و قبول ما أتيت به و هو كتاب فصوص الحكم . 
( فعوا) من وعى يعي إذا حفظ ما سمع، و هو واع: أي إذا سمعتم سمع فهم فعوا  
فإنها تذكرة و تعيها أذن واعية، ثم بالفهم فصّلوا فلو لا الإيهام ما كان الإبهام، و لو لا الإبهام ما احتيج إلى الإفهام، فإن الفهم قوة لا تصرف لها إلا في المبهمات و غوامض الأمور، و يحتاج صاحب الفهم إلى معرفة المواطن .
ومع هذا لا يأمن من مكر الله لأن نشأة الإنسان تقبل الشهوات والغفلات والنسيان، فما كل من أوتي العلم أوتي الفهم . 

قال تعالى: "ومنْ يـؤْت الحِكْمة فقدْ أوِتي خيْرًاً كثيرًاً" [ البقرة: 269] قيل : هي الفهم . 
أما ترى في قوله تعالى: "ففهمْناها سُليْمان وكُلًّا آتيْنا حُكْماً وعِلْماً" [ الأنبياء : 79] .
إنه خصّ سليمان عليه السلام بالفهم، و إن أوتي داود عليه السلام فصل الخطاب فسليمان أوتي الفهم و بالفهم اجتهد.
و أصاب في حكم الحرث: "إذْ نفشتْ فيهِ غنمُ القوْم" [ الأنبياء: 78]، فافهم . 

فإن ما كل من رزق علما كان صاحب فهم، فالفهم درجة عليا بحسب ما يقتضي استعمال ذلك المعقول المعلوم، فأرباب الفهم أصحاب لب.
وبالفهم عن الله تعالى يقع التفاضل بين العلماء بالله. 
""ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب الثامن و الخمسون وخمسمائة في الفتوحات : وعند الكشف يعلم المحجوب إن أحدا ما افتقر إلا إلى الله لكن لم يعرفه لتحليه في صور الأسباب التي حجبت الخلائق عن الله تعالى مع كونهم ما شاهدوا إلا الله ولهذا نبههم لو تنبهوا بقوله تعالى وهو الصادق "يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله" لعلمه بفقرهم إليه .

فلم يتنبه لهذا القول إلا من فتح الله عين فهمه في القرآن وعلم أنه الصدق والحق الذي "لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ من بَيْنِ يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ".
فكلام الحق لا يعلمه إلا من سمعه بالحق فإنه :
كلام لا يكفيه سماع   ..... كلام ما له فينا انطباع
فنسمعه ونتلوه حروفا   ..... بنظم لا يداخله انصداع "" أهـ.

ورد عن سيد الأولياء علي ابن أبي طالب المرتضى رضي الله عنه أنه قال:" إن الوحي قد انقطع فما بقى منه إلا الفهم في القرآن و هو فتح عين فهمه في القرآن".
وذلك ليس بشرع جديد، بل هو فهم جديد في الكتاب والسنة، ولم يكن غيره فهم هذا منهما، فللرسل صلوات الله عليهم العلم، و لنا الفهم و هو علم خاص .
ذكره الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر و ثلاثمائة من "الفتوحات" . 

( مجمل القول) فما عند الله إجمال كما أنه ليس في الأعيان الممكنات إجمال، بل الأمر كله في نفسه و في علم الله مفصّل، و إنما وقع الإجمال عندنا و في حقّنا و فينا ظهر، فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا فذلك الذي أعطاه  
و ذلك كله يرجع إلى الحاصل الموجود عنده قبل وجود التوجه و الاعتقاد، و بالجملة يقبل الزيادة، و يجاهد شيطان الإضافة، و يتعب في جهدها بالإضافة، و يطلب الخلاص من مكابدة و هم العادة و كأنه يحارب الباطل، و يترك طور شهوده في حق حقيقته، و يترك الطور العامل هو العاطي، و يجد الفصل: هو الطالع من القضايا الوجودية و الآفل.  

وجوهره مع ذلك كله يخبر بالرفيع والنازل، ولسان حاله بوجود الغيرية والإضافة قائل، و للصورة المتممة المذكورة قبل غير قائل.
فاعلم ذلك، واعمل على تحصيل القسم الأول بالحكمة الأولى فهي عين الخبر، والصبر على الثبوت فيها بمدافعة غيرها من محله سر الأثر.  
الحكم وفصل الخطاب، وليس ذلك إلا للرسل والورثة خاصة، وأمّا حكماء الرسوم فإن اسم الحكم لهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال ولا يضعون الأمور مواضعها.
وأمّا صاحب الكشف يرى في المداد الذي في الدواة جميع ما فيه من الحروف والكلمات، وما يتضمنه من صور ما يصور به الكاتب والرسام وكل ذلك كتاب فيكتب بذلك المداد، ويرسم على حسب ما رأى المكاشف بحيث لا يزيد ولا ينقص و لا يدرك ذلك إلا هذا المسمّى حكما.
كذا ذكره الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث والسبعين وثلاثمائة من "الفتوحات".

قال الشيخ رضي الله عنه : الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها .
ويعلمها الله سبحانه وعلى ما هي عليه في نفسها ويراها ويأمرها بالتكوين وهو الوجود فتتكون عن أمره .
فما عند الله إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال بل الأمر كله في نفسه وفي علم الله مفصل .
وإنما وقع الإجمال عندنا وفي حقنا وفينا ظهر , فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا, فذلك الذي أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب وليس إلا الرسل والورثة خاصة.

وأما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال. وصورة ذلك كما يراه صاحب هذا المقام الذي أعطاه الله الحكمة التي عنده عناية إلهية وهي عند الحق تعيين الأرواح الجزئية المنفوخة في الأجسام المسواة المعدلة من الطبيعة العنصرية من الروح الكل المضاف إليه .
ولذلك ذكر أنه خلقها قبل الأجسام أي قدرها وعينها الكل جسم وصورة روحها المدبر لها الموجود بالقوة في هذا الروح الكل المضاف إليه فيظهر ذلك في التفصيل بالفعل عند النفخ .
وذلك هو النفس الرحماني لصاحب الكشف فيرى في المداد الذي في الدواة جميع ما فيه من الحروف والكلمات وما يتضمنه من صور ما يصورها الكاتب أو الرسام .أهـ

( و اجمعوا ): أي لا حظوه مجموعا، و هو تفصيل في عين الجمع، و إجمال و جمع في عين التفصيل هكذا الأمر، فإن الأديب العليم الحكيم ظاهر بالصورة في العالم يفصّل إجماله بصورة، و تجمّل تفصيله بذاته، و متى لم تكن هذه الصفة و القوة في رجل، فليس برجل أديب . 
( ثم منوا به على طالبيه) يشير رضي الله عنه إلى التخلق بأخلاق الله تعالى: "بلِ اللهُ يمُن عليْكُمْ أنْ هداكُمْ للْإِيمانِ إنْ كُنْتمْ صادِقين" [ الحجرات: 17].
فإن من أسمائه المنان، فمعنى منوا: أي تحققوا به، ثم أظهروا بهذه الصفة على المستعدين و القائلين المستحقين له . 

أو منوا: أي أنعموا على الطالبين، و لينفق ذو سعة من سعته لتكونوا من الذين قال تعالى فيهم: "و مِمّا رزقناهُمْ يـنْفِقُون" [ البقرة: 3] . 
( و لا تمنعوا) أشار رضي الله عنه إلى ما ورد    في الخبر :  "إن مانع الحديث أهله كمحدثه لغير أهله".  ذكره الديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه . 

( هذه الرحمة التي وسعتكم فوسّعوا) وذلك العلم بالله المستفاد من كتاب الفصوص لأن العلم من معدن الرحمة وهو صفة إحاطية إلهية أشرف ما فضّل الله به أحد، أو أكمل ما منح على عباده .
قال المنان سبحانه: " آتيناهُ رحْمةً مِنْ عِنْدِنا وعلّمْناهُ مِنْ لدُنّا عِلْماً" [ الكهف : 65] رحمة منا، و ما أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم أن يطلب الزيادة في شيء غير العلم لأنه أثنى تحفة وأعظم كرامة بل هو الخير كله . 

و قال رضي الله عنه: البطالة مع العلم أحسن من الجهل مع العمل، و ما أغنى بالعلم إلا العلم بالله . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "من تعلم بابا من العلم علم به، أو لم يعلم به كان أفضل من صلاة ألف ركعة، فإن عمل به أو علمه كان له ثوابه، و ثواب من يعمل به إلى يوم القيامة".  
ذكره الخطيب، و ابن النجار عن ابن عباس ذكره في "جمع الجوامع". والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد

وورد في الخبر :  "إن أفضل الأعمال العلم بالله إن العلم بالله ينفعك معه قليل من العمل وكثيره، وإن الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره". رواه الحكيم عن أنس رضي الله عنه .و الحسيني في البيان والتعريف. 
و في رواية : "أفضل العمل العلم بالله، قليل العمل ينفع مع العلم، و كثير العمل لا ينفع مع الجهل". رواه الديلمي عن مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي عن عبادة .  وذكره العجلوني.
و من الله قدّم المعمول على العامل اهتماما بذكره كما يقال: قدّم الجار على الدار، هكذا فعلت آسيا امرأة فرعون، وذكرها الحق في كتابه وهو قوله: "إذْ قالتْ رب ابنِ لي عِنْدك بيْتاً في الجنّةِ ونجني مِنْ فرْعوْن و عملهِ ونجنِي مِن القوْم الظّالمِين" [ التحريم: 11]،هذا ذكر الجار قبل الدار. 
( أرجو أن أكون) وهذا لسان الأدب مع الله و رسوله، و إلا وقوع المرجو ثابت لا محالة، فإنه علي كشف منه . 
( ممن أيد بتأييد الله) فتأييد بقبوله إياه، و أيد غيره به، و قيد بالشرع المطهر عن لوث . 
( حدوث النسخ المحمدي صلى الله عليه و سلم) الجامع لجميع الشرائع و الأحكام، كما قيل في المثل: كل صيد في الفراء فتقيد: أي قبل القيد، و قيد: أي غير به .
( و حشرنا في زمرته ): أي جعل الله، حشرنا في زمرته التي هي جماعة الأنبياء و الرسل لا الأمم، فتحشر كمّل هذه الأمة في صفوف الأنبياء و الرسل لا في صفوف الأمم، فما من رسول إلا و لجانبه عالم وارث من علماء هذه الأمة أو أكثر . 

و من أعجب ما عندنا من العناية الإلهية أن كل رسول يحشر جزئي الحكم لاقترانه بطائفة مخصوصة، و القطب منا: أي من المحمديين ليس كذلك، فإنه عام جامع لكل من في زمانه من بر و فاجر و صالح و طالح . 
و من هذه النفخة قال القطب عبد القادر الكيلاني قدّس سره: أوتيتم اللقب، و أوتينا ما لم تؤتوا . 
( كما جعلنا من أمته )، ورد في الخبر الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : 

" مثل أمتي كحديقة قام عليها صاحبها، فاحتدر رواكيها، و هيأ مساكنها، و حلق سعفها فأطعم عاما فوجا، و عاما فوجا، فلعل آخرها طعما أن يكون أجودهما قنوانا و أطولهما شمراخا، و الذي بعثني بالحق نبيا ليجدن عيسى بن مريم في أمتي خلفاء من حواريه". ذكره أبو نعيم عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه . وذكره الديلمي في الفردوس.
و أمته خير أمة أخرجت للناس لما كان نبينا آخر الأنبياء و كانت آخر الأمم، صحّ للوارث منهم أن يرث نبيه و يرث جميع الأنبياء، و لا يكون هذه الأمة غير هذه الأمة أبدا، بل هم شهداء على سائر الأمم، و هي مرتبة النبوّة، فافهم . 

( شهداء على أممهم) قال تعالى في الأنبياء عليهم السلام: " ويوْم نبعثُ في كُل أمّةٍ شهِيداً عليْهِمْ مِنْ أنْـفُسِهِمْ وجِئْنا بك شهِيداً على هؤلاءِ ونزّلْنا عليك الكِتاب تبْياناً لكُل شيْءٍ وهُدىً و رحْمةً وبشْرى  للْمُسْلِمِين" [ النحل: 89] . 

و قيل فينا: "لتكُونوا شُهداء على النّاسِ" [ البقرة: 143] فقد شوركنا مع الأنبياء في هذا، فهذه مواطن تحشر مع الأنبياء عليهم السلام .
قال رضي الله عنه في أسئلة الترمذي قدّس سره من "الفتوحات ": إن اثني عشر نبيا صلوات الله عليهم صاموا نهارهم، وقاموا ليلهم مع طول أعمارهم سؤالا، و رغبة و رجاء أن يكونوا من أمته صلى الله عليه و سلم و هم مع من أحبوه يوم القيامة، فافهم . 
فإذا تفطنت لهذه الكلمات التي أوردناها، عرفت قدر المحمدي وقدر ملته: أي ما ترى أن  أقرب النوافل مقام لا يحصل إلا عن فروع الأعمار و هي النوافل للمحمّدي، و هي تنتج المحبة الإلهية، و المحبة تورث العبد أن يكون الحق عين قواه فهذا القرب له فرع، عن فرع، عن فرع، و هو خلق مكتسب للمحمّدي من هذه الفروع.

قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر وثلاثمائة في الفتوحات : اعلم أيدك الله أن أصل أرواحنا روح محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فهو أول الآباء روحا وآدم أول الآباء جسما ونوح أول رسول أرسل . ومن كان قبله إنما كانوا أنبياء كل واحد على شريعة من ربه . أهـ
و هو لخضر عليه السلام كان أصلا من عناية إلهية بالرحمة التي أتاه الله و عن تلك كان له هذا العلم، فإذا عرفت هذا التفصيل عرفت التفضيل و السبق لهذه الأمة المحمدية، و الملة الأحمدية: أي فرع فرع فرعهم أصل لخضر عليه السلام، و مثل موسى عليه السلام يطلب منه و لم يصبر عليه . 

قيل: إن إبراهيم الخوّاص قدّس سره لاقي خضر عليه السلام في البادية وطلب عليه السلام المرافقة في الطريق فأبى قدّس سره، فسئل قدّس سره عن الآباء . 
فقال إنه عليه السلام حلو الكلام: خفت أن يشغلني عما أنا فيه، فانظر منزلة المحمّدي أين تميزت؟ و كيف تميزت؟ 
فلهذا كانوا يتمنون أن يكونوا محمّديين، فافهم . 
( فأول ما ألقاه) يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، فكأن الروح هو الملقي إلى قلوب العباد من أمره، و يكون ذلك الروح عين الرسالة، و عين الرسول، و عين المرسل، فارتفعت الوسائط إن كان عين الوحي هو عين الروح، و كان الملقي هو الله لا غيره، فهذا الروح ليس الملك، بل عين المالكة هي الرسالة فافهم . 
( المالك على العبد من ذلك) الملك هو القوة و الشدة، و يطلق على القدرة و التصرف، و ملك الدابة هاديها، و الملكوت مبالغة لكونها تشتمل على الظاهر و الباطن، و هذه المعاني التي تضمّها هذه الكلمات كلها صادقة في حق الحق تعالى فإنه سبحانه: "ذو القُوّةِ المتينُ" [ الذاريات: 58] . "إنّ بطش ربِّك لشدِيدٌ" [ البروج : 12]. 
و الهادي يهدي من يشاء، و القادر على كل  شيء، و الفاعل ما يشاء و بيده ملكوت كل شيء، فيكون المراد من المالك مالك الملك . 
قال الله تعالى: "قلِ اللّهُمّ مالك الْمُلْكِ تُـؤْتي المُلْك منْ تشاءُ و تنْزعُ المُلْك مِمّنْ تشاءُ وتعِز منْ تشاءُ و تذِل منْ تشاءُ بيدِك الخيْـرُ إنّك على كُل شيْءٍ قدِيرٌ" [ آل عمران: 26] و ملكه عبده، و هو صلى الله عليه و سلم أشرف عباده . 
قال تعالى في مقام الامتنان و الاقتناء به و الاعتناء عليه: "سُبْحان الّذِي أسْرى بعبْدِهِ" [ الإسراء: 1] فهو أشرف أسمائه ،فكما أن المالك يملك عبده على كل حال، و بعد الوفاة له الولاء . 
كذلك الحق مع عبده، فإنه تعالى يرثه ليورثه من يشاء من عباده، و كما أن المالك في ملكه يتصرف من يشاء، و يفعل ما يريد .
كذلك الحق سبحانه يفعل فيه ما يشاء، و يحكم ما يريد و لا يسأل عمّا يفعل في ملكه، و كما أن الملك لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرّا، كذلك العبد مأمور مملوك لمالك، سيد يقضي فيه ما يشاء و لا يمتنع عن تصرف مالكه أصلا . 
قال تعالى: "و للّهِ يسْجُدُ منْ في  السّماواتِ والْأرضِ طوْعاً وكرْهاً " [ الرعد : 15]. أي جبرا واختيارا، فلا يملك لنفسه شيئا بل لا يملك نفسه لأن العبد وما له لمولاه فهو عبد الله لا عبد بالله، فافهم . 
أو يكون المراد من المالك هو النبي صلى الله عليه و سلم لأنه الخليفة فله التصرف و التملك فيما استخلف عليه العبد الكامل، فالمراد من العبد نفسه رضا الله عنه.

فألقاه صلى الله عليه و سلم حيث حدّه له رضي الله عنه، فكان النصر الآدمي، و إنما قال على العبد إشارة إلى أن الأمر جبري قهري من ولي الأمر ولا يمكن الخروج عن الطاعة، فإنه خروج عن الأصل و هو العبودية و العبد مأجور، وفي امتثال أمر مالكه معذور . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات " : أنا العبد المحض الخالص لا أعرف للربوبية طعما و إنه في كل زمان واحد، و منحني الله ذلك هبة، أنعم بها عليّ لم أنلها بعمل، بل باختصاص إلهي أرجو من الله أن يمسك هذه العبودية علينا، و لا يحول بيننا و بينها إلى أن تلقاه بها، فبذلك فليفرحوا هو خير لهم ما يجمعون انتهى كلامه رضي الله عنه .
ورد في الخبر: إنه لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار، قال : "اللهم إنك واحد في السماء و أنا في الأرض واحد عبدك"   ذكره أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة . 
فكما أن لا إله إلا هو في أحديته، كذلك لا عبد إلا المصمت في عبوديته، فإن حاد العبد عن هذه المرتبة بوصف ما رباني، و إن كان محمود كصفة رحمانية و أمثالها، فقد زال عن المرتبة التي خلق لها، و حرم من الكمال و المعرفة بالله على قدر ما اتصف به من صفات الحق، فيقل أو يكثر، فافهم هكذا ذكره رضي الله عنه في باب واحد و ثمانين من » الفتوحات« . 

و قال رضي الله عنه في رسالة القدس: فالقوي منا المتمكّن هو الذي يخرق حجاب الجمعية الكبرى العامة بينه و بين ربه حتى يشاهد ألوهية ربه دون ألوهية نفسه فيتعبد.
فيعرف عبوديته، فيكون أقوى الأقوياء حينئذ، و أشهدها لرفعه ذلك الحجاب الأقوى، و هو التحقق بالمرتبة الألوهية، فيكون منزلته أعلى، و قوّته أعظم، و هناك يتميز فيتجارى مع العالم في الرفعة، و الانحطاط . 
و هنالك رأيت مبلغ العارفين، و العالمين و أما المدرك الذي أومأنا إليه، فبعيد أن تسمعه من أحد، أو تراه في غير هذه الرسالة على درج هذا التحقيق لكن تجده مبدّدا في أشياء كثيرة يومئ إليه، و لا يوضح مثل هذا الإيضاح، فافهم .
فإن الحرف أثمر النتيجة، و كان بالمؤمنين رءوف رحيم، و أمّا من أخرق هذا الحجاب، فهو في معرض عتاب . 

قال تعالى" كذلك يطبعُ اللّهُ على كُل قلْبِ مُتكبِّرٍ جبّارٍ" [ غافر: 36] .
و ختم عليه بالشقاء كفرعون، و كل من ادّعى الربوبية بحق، فافهم حجبهم الربانية عن استيفاء الخدمة، فافهم . 
و أما من خرق حجاب الجمع العام الذي مستودع عنده، فنفذ من ورائه إلى عبوديته، و عاين ألوهية الحق المقدّسة، و وحّدها أولئك هم أهل التقوى وأهل المغفرة.
فإذا عرفت هذا اعلم أن الشارح القيصري قدّس سره قال: ولا يجوز أن يقال المراد بالمالك هو الحق، وبالعبد النبي صلى الله عليه و سلم لما يلزم من إساءة الأدب، انتهى كلامه. 

وإني أظن أن عين ماء نقول في الصلاة وفي غيرها، وما أنكرها أحد من السلف ولا الخلف، وهي: اللهم صلّ على محمد عبدك ورسولك. 
وقال صلى الله عليه وسلم حديث أبي هريرة: " لا إني عبد الله ورسوله " الحديث مع من تقدم في العبودية. 
وقال تعالى عن عيسى عليه السلام و على نبينا صلى الله عليه و سلم: قال "إنِّي عبْدُ اللّهِ آتاني الكِتاب و جعلني نبيا" [ مريم: 30] . 
و قال تعالى في اعتنائه صلى الله عليه و سلم: "سُبْحان الّذِي أسْرى  بعبْدِهِ ليْلًا مِن الْمسْجِدِ الحراِم إلى المسْجِدِ الْأقصى الّذِي باكرْنا حوْلهُ لنريهُ مِنْ آياتنا إنّهُ هُو السّمِيعُ الْبصِيرُ" [ الإسراء: 1] . 
ورد : "إن الله قد خيره إن شاء عبدا، وإن شاء نبيا ملكا"، فأشار إليه جبريل عليه السلام أن تواضع.  

فقال صلى الله عليه و سلم: جلوسه للأكل جلسة المستوقر، و قال: "إنما أنا عبد آكل ما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد". ذكره القاضي عيّاض في "الشفاء" بل هذا عند العالم هو الأدب.

""قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر وثلاثمائة في الفتوحات : 
اعلم أيدك الله أن أصل أرواحنا روح محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فهو أول الآباء روحا وآدم أول الآباء جسما ونوح أول رسول أرسل .
ومن كان قبله إنما كانوا أنبياء كل واحد على شريعة من ربه .
فمن شاء دخل في شرعه معه ومن شاء لم يدخل فمن دخل ثم رجع كان كافرا .
ومن لم يدخل فليس بكافر ومن أدخل نفسه في الفضول وكذب الأنبياء كان كافرا ومن لم يفعل وبقي على البراءة لم يكن كافرا.
وأما قوله تعالى "وإِنْ من أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ" ليس بنص في الرسالة .
وإنما هو نص في إن في كل أمة عالما بالله وبأمور الآخرة وذلك هو النبي لا الرسول.
ولو كان الرسول لقال إليها ولم يقل فيها . ونحن نقول إنه كان فيهم أنبياء عالمون بالله ومن شاء وافقهم ودخل معهم في دينهم وتحت حكم شريعتهم كان.
ومن لم يشأ لم يكلف ذلك وكان إدريس عليه السلام منهم ولم يجيء له نص في القرآن برسالته بل قيل فيه" صِدِّيقاً نَبِيًّا".
فأول شخص استفتحت به الرسالة نوح عليه السلام وأول روح إنساني وجد روح محمد وأول جسم إنساني وجد جسم آدم وللوارثة حظ من الرسالة.
ولهذا قيل في معاذ وغيره رسول رسول الله .
وما فاز بهذه الرتبة ويحشر يوم القيامة مع الرسل إلا المحدثون الذين يروون الأحاديث بالأسانيد المتصلة بالرسول عليه السلام في كل أمة.
فلهم حظ في الرسالة وهم نقلة الوحي وهم ورثة الأنبياء في التبليغ .
والفقهاء إذا لم يكن لهم نصيب في رواية الحديث فليست لهم هذه الدرجة ولا يحشرون مع الرسل بل يحشرون في عامة الناس.
ولا ينطلق اسم العلماء إلا على أهل الحديث .
وهم الأئمة على الحقيقة . وكذلك الزهاد والعباد وأهل الآخرة من لم يكن من أهل الحديث منهم كان حكمه حكم الفقهاء .
لا يتميزون في الوراثة ولا يحشرون مع الرسل بل يحشرون مع عموم الناس ويتميزون عنهم بأعمالهم الصالحة لا غير.
كما أن الفقهاء أهل الاجتهاد يتميزون بعلمهم عن العامة ومن كان من الصالحين ممن كان له حديث مع النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في كشفه وصحبه في عالم الكشف والشهود وأخذ عنه حشر معه يوم القيامة .أهـ
وكان من الصحابة الذين صحبوه في أشرف موطن وعلى أسنى حالة ومن لم يكن له هذا الكشف فليس منهم ولا يلحق بهذه الدرجة صاحب النوم ولا يسمى صاحبا ولو رآه في كل منام حتى يراه وهو مستيقظ كشفا يخاطبه ويأخذ عنه ويصحح له من الأحاديث ما وقع فيه الطعن من جهة طريقها.
فهؤلاء الآباء الثلاثة هم آباؤنا فيما ذكرناه . والأب الرابع هو إبراهيم عليه السلام هو أبونا في الإسلام وهو الذي سمانا مسلمين وأقام البيت على أربع أركان .
فقام الدليل على أربع مفردات متناسبة وكانت النتيجة تناسب المقدمات فانظر من كانت هذه مقدماته وهو محمد وآدم ونوح وإبراهيم عليه السلام ما أشرف ما تكون النتيجة والولد عن هؤلاء الآباء روح طاهر وجسد طاهر ورسالة وشرع طاهر واسم شريف طاهر.
ومن كان أبو هؤلاء المذكورين فلا أسعد منه وهو أرفع الأولياء منصبا ومكانة .
ولما كانت النشأة ظهرت في الجنان أولا واتفق هبوطها إلى الأرض من أجل الخلافة لاعقوبة المعصية .
فإن العقوبة حصلت بظهور السوآت والاجتباء والتوبة قد حصلا بتلقي الكلمات الإلهية .
فلم يبق النزول إلا للخلافة فكان هبوط تشريف وتكريم ليرجع إلى الآخرة بالجم الغفير من أولاده السعداء من الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنين .
ولكن الخلافة لما كانت ربوبية في الظاهر لأنه يظهر بحكم الملك فيتصرف في الملك بصفات سيده ظاهرا وإن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه .
فلم تعم عبوديته جميعه عند رعيته الذين هم أتباعه وظهر ملكه بهم وبأتباعهم والأخذ عنه .
فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب وبذلك المقدار يستتر عنه من عبوديته فإن الحقائق تعطي ذلك.
ولذلك كثيرا ما ينزل في الوحي على الأنبياء "قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ " .
وهذه آية دواء لهذه العلة فبهذا المقدار كانت أحوال الأنبياء الرسل في الدنيا البكاء والنوح فإنه موضع تتقي فتنته."" أهـ
فلهذا عرض شيخنا عبد الرحمن الجامي قدّس سره عن هذا في شرحه مع أن مأخذه كله منه.
بل قال في الخطبة: إنه اختصار منه و انتخاب .
و قال: المالك هو الحق مطلقا، أو باعتبار ظهوره في المظهر المحمّدي ولكن....
 ثم قال قدّس  سرّهأراد الشيخ رضي الله عنه من العبد نفسه، فإذا كان الأمر هكذا كيف يصحّ أن يكون المراد بالملك هو الحق مطلقا إذ الحكم ما نزلت إلا بواسطة المظهر المحمّدي .
فتأمّل جعلني الله و إياكم عبدا محضا خالصا لا شبهة، ولا تشبيه .
.

تحميل كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات وورد

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الأول .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 9:36 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الأول .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني
الفص الآدمي الجزء الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
شرح الفص الآدمي

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الأول

قال الشيخ الأكبر قدس سره :  ( لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه في  كون جامع يحصر الأمر كله. لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه ). 
قال الشارح(فص حكمة إلهية في كلمة آدمية كل ملتقى العظمين) 
فص هكذا في اللغة، فهو عبارة عن ملتقى الحكم الإلهية المشتملة على قوسي الأحدية والواحدية، فالملتقى هو الوحدة الصرفة التي هي القلب المحمّدي و قلب كل نبي قبله، و الحكمة هي العلم بوضع الأشياء موضعها، و الإلهية هي مرتبة جامعة لجميع الأشياء، و الكلمة هي العين الفاضلة الجامعة الفاصلة المانعة كأعيان الأنبياء عليهم السلام، و الآدمية هي المنسوبة إلى آدم حقيقة الحقائق الإنسانية، و أراد رضي الله عنه بآدم وجود العالم الإنساني . 
قال في الفصوص : 
( لما شاء الحق من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها و إن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع ).
(لما شاء الحق ): أي لما نظر الحق سبحانه في حضرة غيب الذات، نظر تنزه في الكمال الذاتي المطلق الذي لا يتوقف ثبوته له على أمر خارجي إذ ما ثم يخرج عنه . 
و بهذا صحّ الفناء الذاتي، فشاهد تعالى بالنظر المذكور على النحو المذكور، كمالا أخر مستحبا في غيب هويته غير الكمال الأول، و إذا رقيقة متصلة بين الكمالين اتصال تحبب تام، فكان ذلك الكمال الثاني هو الكمال الأسمائي من حيث النسبة الشهودية كمال الجلاء و استجلاء وعلم .
""إضافة المحقق : قال سيدي محمد وفا رضي الله عنه : الفناء هو اضمحلال كل متعرض متوهم لا ينتهي إلى غاية محققة، وحقيقته: صدق العدم الذاتي على كل موجود بالعرض في المجاز ،وغايته: صادق من العلم يمحق كل كاذب من الوهم وهو الهلاك الحقيقياهـ ""
إن هذا الكمال الأسمائي لا يظهر بدون الغير، فشاء ما شاء، و فعل ما أراد فالمشيئة عرش الذات.
"الكمال: التنزيه عن الصفات وآثارها. أي: عن كل ما يقيد ذات الموت، وحقيقته فيخرجها عن إطلاقها، صفة، وتجردها عن الاعتبارات مطلق إبقاؤها على الإطلاق الذاتي، والذي حكمه مع سائر القيود على السواء، وذلك هو الكمال الحقيقي، فافهم."
وإنما قلنا بالمشيئة لأنه لو كان العالم أعني وجوده لذات الحق لا للمشيئة لكان العالم مشاركا للحق في الوجود، و ليس كذلك فالمشيئة حكم لذات الحق أزلا و هي تطلب تأخر وجود العالم عن وجود الحق، فيصح حدوث العالم و ليس ذلك إلا بنسبة المشيئة و سبق العلم بوجوده، فكان وجود العالم مرجّحا على عدمه، و الوجود و المرجح ساوق الوجود الذاتي الذي لا يتصف بالترجيح في مرتبة العلم، فافهم . 
و إنما قال رضي الله عنه: شاء، و لم يقل: أراد إشارة إلى أن التوجّه كان من مرتبة الذات من الفيض الأقدس، فإن المشيئة توجّه الذات نحو حقيقة الشيء كان ما كان، والإرادة تعلق بتخصيص تخصيص أحد الجائزين من طرفي الممكن أعني:
وجوده في مقام الألوهية، فالمشيئة عين الذات و عرشها.
و قد يكون متعلقها الإرادة إذا شاء أراد، و الإرادة من الصفات الموجبة للاسم المريد المقتضي للوجود و هي عرش الألوهية.
فالمشيئة أقدم و أعم من الإرادة، فقد تتعلق المشيئة بالإرادة التي تقتضي الوجود فتتعلق بالإيجاد، و قد تعلق بالمعدوم لبقائه على أصله، فمتعلق المشيئة العدم و الوجود بخلاف الإرادة، فإن متعلقها الوجود . 

قال الله تعالى:"إنْ يشأْ يذْهِبْكُمْ أيُّها النّاسُ ويأتِ بآخرين وكان اللّهُ على لذك قدِيرًاً "[ النساء: 133] .
و قال تعالى في الإرادة: "إنّما أمْرهُ إذا أراد شيْئاً أنْ يقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ يس: 82].
فلمّا كان المقام مقام الأقدم لا القديم، وتعلق. التوجّه بالأمر المعدوم.
فقال رضي الله عنهلما شاء، فافهم . 
وهنا مسألة في المشيئة في "غرائب الفتوحات" فأذكرها: فإنه رضي الله عنه ما كتب شيئا ولا ذكره إلا للاستمتاع والانتفاع . 
فاعلم ان العدم يحكم على صور الممكنات بالذهاب والرجوع إليه رجوعا ذاتيا، فالممكنات بين إعدام من العدم وإيجاد من الواجب الموجود، فحكم العدم يتوجه على ما وجد من الصور، وحكم الإيجاد من واجب الوجود، يعطي الوجود. 
فلمّا قال تعالى: "إنْ يشأْ يذْهِبْكُمْ و يأتِ بخلْقٍ جدِيدٍ" [ إبراهيم: 19]
من باب الإشارة إلى غوامض الأسرار لأولي الأفهام وهو أنه عين كل منعوت بحكم من وجود، و عدم و وجوب و إمكان و محال فما ثمة عين توصف بوصف، أو تحكم بحكم إلا و هو ذلك العين، و هذه مسألة تضمنها هذا المقام و لو لا ذلك ما ذكرنا . 
قال رضي الله عنه في الباب الثالث و السبعين و ثلاثمائة و ما تقدّم لهذا ذكر في كتاب " الفتوحات" غير هذا الموضع، و لن تراها في غيره إلا في الكتب المنزّلة من عند الله كالقرآن و غيره، و منها أخذناها بما رزقنا الله من الفهم في كلامه" انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و هنا مسألة أخرى أذكرها لك فإنها من الغرائب و هي أنه رضي الله عنه ذكر في الوصل الخامس من الخزائن من "الفتوحات " : وليس الحق بمحل للجواز لما يطلبه الجواز من الترجيح من المرجح . فمحال على الله الاختيار في المشيئة , لأنه محال عليه الجواز .
لأنه محال أن يكون لله مرجح يرجح له أمرا دون أمر فهو المرجح لذاته .
فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها ولهذا لا يعقل الممكن أبدا إلا مرجحا .
إلا أن الحق من كونه غفورا أرسل ستره وحجابه بين بعض عباده وبين إحالة رجوع الحق إلى نفسه في غناه عن العالم . فقال في ذلك الستر : فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. فافهم
فإذا قلنا: إن العلم تابع المعلوم و لا أثر للعلم في المعلوم، و المشيئة تابع للعلم، و الإرادة تابع المشيئة، بل عين المشيئة في الخارج، فيظهر رائحة الخير .
قال تعالى: "ما يبدّلُ القوْلُ لديّ " [ ق: 29] ما شاء الله كان، و المحال ليس بمشاء.
فكم يكن هذا القدير العزيز الحكيم، و الحكمة تمنع الحكيم أن يفعل بغير حكمة , وإلا لم يكن حكيما و هو حكيم عالم، فافهم الحق .
إنما قال رضي الله عنه: الحق، و لم يقل الله لأن المشيئة عرش الذات الحق من المقام الأقدم، و اللّه اسم المرتبة من مقام القديم وهي الألوهية، و عرشها الإرادة . قال تعالى: "فعّالٌ لما يريدُ " [ هود: 107]
""  الإرادة: وهي لوعة في القلب. يريد قدس سره: قلب من تنبه للنهوض بقدم حاله إلى وجهته العليا في الحق، وهي وجهة موليها، وهي مختاره الأصلي، ومستنده الغائي.""
وقد زاد قدس سره في معناها قيدا آخر، وهو قوله في الفتوحات المكية« و يحول بينه وبين ما كان عليه مما يحجبه عن مقصوده». .
والإرادة في الحقيقة لا تتعلق دائما بالعدم، فإنها صفة تخصص أمرا إما بحصوله، أو وجوده.
كما قال تعالى وتقدس"إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" [يس: 82]. وشيئية المراد هنا شيئية الثبوت لا شيئية الوجود.
فإن قلت: قد تتعلق الإرادة موجود لمحوه، وإعدامه.
قلت: هذه مشيئة الإرادة. كما قال تعالى : "يمحوا الله ما يشاء ويثبت" [الرعد: 39] فلو تعلقت الإرادة بالموجود لتخصيص وجوده لزم تحصيل الحاصل.
فالمراد: حالة تعلق الإرادة به معدوم قطعا. فإن العقاب، وملذوذ وحده بالعذاب، حالة تعلق الإرادة به، وكان معدوما في حقه، فخصص ذلك بإرادته ليوجد في حقه، فإذا وجد، تعلقت إرادته باستمرار ما حصل، وهو معدوم إذ ذاك .
فالإرادة إن نشأت في القلب على مقتضى غلبة الحكم القلبي فيطلقونها ويريدون ما إرادة التمني سواء تعلقت بالمطالب العالية أن الدانية.
ولذلك قال : وهي يعني إرادة التمي منه، أي: من القلب يريدون بها أيضا.
إرادة الطبع: إن نشأت من القلب على مقتضى غلبة حكم النفس عليه ، فإنها إذن تحديد إلى شبح الطبيعة القاضي بإتيانه اللذات العاجلة والآجلة أيضا، كتقييد القلب مثلا في مناهج ارتقائه بلذات، مشاهدة نتائج الأحوال في الحال، أو نتائج الأعمال، بحكم المحازاة في المال.
آذاك قال : "و متعلقها الحظ النفسي فإن علة تقييد القلب هنالك وجود اللذة، ويطلقوها و يريدون بها: إرادة الحق"
إرادة الحق: إن نشأت من القلب، على مقتضى غلبة الحق عليه، سواء كان ذلك من أحكامه الظاهرة أو الباطنة، ومتعلقها الإخلاص، والقاضي بتحقيق توحيده الذاتي، وقطع تعلقها عن السوي، بل عن الأسماء من حيث كونها مشعرة بالكثرة المعقولة، بحسب نسب إحاطاتها.
ولهذا قال علي كرم الله وجهه: «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه».  
( من حيث أسمائه الحسنى) يعني: لما شاء من حيث الأسماء و اقتضائها يرى أنوار أسمائه المصونة، و أثار أسراره المكنونة المخزونة في المظهر الجامع كما سيجيئ لا من حيث الذات البحت، فإنها لا يضاف إليها شيء سوى الغنى عن العالمين، و كان ذلك: أي ما شاء بحركة حبية، و تنفس رحماني : 
"كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لأعرف فتعرّفت بهم، فعرفوني".
أما الاسم في التحقيق، فهو التجلي المظهر لعين الممكن الثابتة في العلم، و لكن من حيث تعين ذلك التجلي المنبعث من الغيب المطلق في مرتبته، و التجلي من حيث تعينه اسم دال على الغيب المطلق الغير المتعين، و التسمية عبارة عن نفس دلالة الاسم على الأصل الذي تعين منه، و دلّ عليه، فافهم، إنه أصل عزيز شريف . 
( التي لا يبلغها الإحصاء): أي باعتبار الجزيئات الظاهرة في كل آن، فإنها غير متناهية دنيا، أو آخرة، أو فيهما، و أمّا باعتبار الكليات والأمهات، فهي محصورة كما في الخبر الصحيح: "  ومن أحصاها " الحديث خبر من صادق عن إمكان الإحصاء . 
وهكذا إذا نظرت إلى العالم مفصّلا بحقائقه، ونسبه وجدته محصور الحقائق والنسب، معلوم المنازل و الرتب متناهي الأجناس بين متماثل ومختلف وذلك لأن الأسماء هكذا وهي صور الأسماء، فافهم . 
إرادة الحق: إن نشأت من القلب، على مقتضى غلبة الحق عليه، سواء كان ذلك من أحكامه الظاهرة أو الباطنة، و متعلقها الإخلاص، و القاضي بتحقيق توحيده الذاتي، و قطع تعلقها عن السوى، بل عن الأسماء من حيث كونها مشعرة بالكثرة المعقولة، بحسب نسب إحاطاتها، ولهذا قال علي كرم الله وجهه: "و كمال الإخلاص له نفى الصفات عنه ".  
( أن يرى أعيانها ): أي أعيان الأسماء الخارجية من العلم إلى العين و هي تعيناتها، و أمّا حقائقها التي عين كل فرد من أفراد العالم منها، فمظهر اسم من الأسماء، وعين من الأعيان، وأفرادها غير متناهية كالأسماء التي لا تحصى .
و أمّا قول الشارح القيصري رحمه الله: إن المراد من الأعيان الأعيان الثابتة، فليس بظاهر لأمرين:
أحدهما: أن الأعيان الثابتة  كانت مربية له تعالى قبل مشيئة الخلق بلا أمر . 
و الثاني: أنه ما مضى ذكر الأعيان الثابتة حتى يرجع الضمير إليه لا لفظا، ولا حكما، بل الصحيح الظاهر أن الضمير إلى الأسماء، فافهم . 
( وإن شئت قلت ): أي إن شئت الترقي قلت، (أن يرى عينه ): أي ذاته فالأولى رؤية الكامل، والثانية رؤية الأكمل.
(في  كون جامع) والجامع نعت إلهي، وهو الذي لم يخرج عنه معلوم أصلا لا حق، و لا خلق، و لا يمكن، و لا واجب، و لا محال، و هو حضرة لها الدوام و البقاء، و لا تعقل إلا جامعة وما لها أثر إلا الجمع، و ما تفرق إلا ليجتمع . 
قال تعالى: "و ما تفرّق الّذِين أوتوا الكِتاب إلّا مِنْ بعْدِ ما جاءتْـهُمُ البيِّنةُ" [ البينة: 4]: أي الكتاب الجمعي . 
بينة الفرق على الجمع الشاهد على عين العيان، فذلك هو عين الجمع و الوجود، و مقام السكوت و الخمود، فافهم . 
فالكون الجامع هو جامع الضدين: أي العدم و الوجود، و الجمع و الفرق، و القدم و الحدوث، و الحقية و الخلقية و هو الإنسان الكلي الكامل لأنه برزخ بين الحق و العالم، فجمع طرفي الأضداد . 
و من هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد: أي ذوقا و وجدانا.
يشير إلى التحقيق بالصورة، بل الكون الجامع هو عين الضدين . 
كما ذكر الشيخ رضي الله عنه عن شخص من أصحابه اسمه تاج الدين الأخلاطي أنه قال له حين سمع منه رضي الله عنه هذه الرواية: أي رواية الخراز.
فقال: هو عين الضدين معا و قول الخراز يوهم أن ثمة عينا ليست هي عين الضدين، لكنها تقبل الضدين معا و الأمر في نفسه ليس كذلك.
بل هو عين الضدين إذ لا عين زائدة، فالظاهر عين الباطن، و الأول عين الأخر، و كذلك الرّاد فيما نحن فيه أن الكامل كون جامع هو عين المجموع لا عين جامع للمجموع إذ لا عين زائدة قابلة جامعة، فافهم . 
( يحصر الأمر كله ): أي أمر الأسماء الإلهية كلها، أو الأمر الإلهي ذاتا، و اسما، وصفة وإنابة.
و الأولى باعتبار العبارة الأولى، وهي أن يرى أعيانها.
والثانية باعتبار العبارة الثانية وهي أن يرى عينه لكونه متعلق بقوله يحصر: أي يحصر الأمر (لكونه) الكون الجامع (متصفا) بالوجود، و كل ما اتصف بالوجود دخل تحت حيطة الحصر، فانحصر الوجود الجامع كان ما كان، فافهم .
قال الشارح الشيخ عبد الرازق الكاشي قدّس سره: إن قوله: (لكونه) علة لرؤيته تعالى عينه في الكون الجامع . 
و قال الشيخ عبد الرحمن الجامي: إن قوله: لكونه متعلق بقوله: يرى، على أنه علة مصححة للرؤية، فإن الشيء ما لم يكن موجودا لم يصح رؤيته، أطلق الكلام و لم يقيداه ، مع أن الشيخ الأكبر رضي الله عنه ذكر في هذه المسألة: إن شرط الرؤية إمكان الوجود لا الوجود . 
و صرّح رضي الله عنه بهذه المسألة في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات":
و قال :  فإنا لا نعلل الرؤية للأشياء أن يكون المرئي مستعدا لقبول تعلق الرؤية سواء كان معدوما، أو موجودا، أو كل ممكن مستعد للرؤية و الممكنات، و إن لم يتناهى فهي مرئية لله تعالى لا من حيث نسبة العلم، بل من نسبة أخرى تسمّى رؤية كانت ما  كانت 
قال تعالى: "ألمْ يعْلمْ بأنّ اللّه يرى" [ العلق: 14] انتهى كلامه رضي الله عنه . 
فصل  العالم مدرك الله تعالى في حال عدمه
اعلم أن العالم مدرك الله تعالى في حال عدمه، فهو معدوم العين، مدرك لله تعالى، يراه فيوجد لنفوذ الاقتدار الإلهي فيه، ففيض الوجود العيني إنما وقع على تلك المربيات لله في حال عدمها، و إنها رؤية حقيقية لا شك فيها.
و لا يتصف الحق بأنه لم يكن يراه، بل لم يزل يراه، فمن قال بقدم العالم، قال بهذا الاعتبار، و من قال بحدوثه نظر إلى تغير العالم بعينه كنفسه في كل إن لم يكن له هذا الحال قبله، ثم كان فقال بالحدوث. 
و من هنا تعلم أن علة رؤية الرأي الأشياء ليست كونها موجودة كما رأى العقلاء، فافهم، ذكره رضي الله عنه في"الفتوحات": 
( و يظهر به) من باب الأفعال منصوبا بالعطف على قوله: إن يرى عينه: أي يظهر به: أي بعين العبد لا بالحق، فإنه من مقام قرب الفرائض، و الثاني مقام قرب النوافل فالأول للعالمين، و الثاني للعارفين . 
( سره ): أي سره و حقيقته، فإنه سرّ الأسماء (إليه) إلى الكون الجامع الذي هو العبد الظاهر بصورة السيد و هو سر أن الله خلق آدم على صورته، فإن أراد أن يظهر رضي الله عنه حكمة المشيئة . 

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  )فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة فإنه تظهر له نفسه هي صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له . وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. ) .   
و قال رضي الله عنه : )إن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤية نفسه في أمر آخر(، هذا دفع اعتراض متوهم، و هو أن الله تعالى أزلي الذات، و أزلي الصفات، فكان بصيرا بذاته في الأزل و لا  شيء معه، فكان يرى الأعيان في العدم في القدم . 
فأجاب رضي الله عنه بأن له تعالى الرؤية، و لكن رؤية  الشيء بنفسه كرؤية الحق الأعيان الثابتة في نفسه و ذاته في حضرة اتحاد العالم، و المعلوم، و العلم ليس كرؤية نفسه في أمر آخر. أي الذي يرى نفسه بنفسه في نفسه ليس مثل ما يرى نفسه في أمر آخر.
و إنما قال رضي الله عنه: (في أمر آخر)، و ما قال في الغير لأنه لا غير عنده، و لكن كأنه غيره من بعض الوجوه و التجلي ما خرج عن الأقدس الذاتي . 
فحاصل كلامه رضي الله عنه: إن الرؤية قد تتعلق بالمعدوم في الخارج، و قد تتعلق بالموجود فيه، فإذا تعلقت بالموجود في الخارج تعلقت بحسبه، فإنها تابعة للمرئي كالعلم فإنه تابع للمعلوم مطلقا حقا أو خلقا، فافهم .
"" قال سيدي علي وفا رضي الله عنه : إذا أفادك الحق نفسه بكشفه وبيانه فحصلت لك رؤيته والتحقق به ، فإنما رآه و تحقق به نفسه التي أفادك إياها، فهو لا يراه إلا إياه، ولا يتحقق به سواه، و كل صديق لصادقه هو، يتحقق به ويراه، فنفاة الرؤية و مثبتوها على صواب كما سمعت، فافهم.
قال تعالى : قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" [يونس: 108]، إنما يعني هنا أنا المستحق الأصيل إن عرفتم حقي الجميل الجليل، فافهم. ""
( يكون له ): أي أمر آخر يكون لذلك  الشيء في الرؤية )كالمرآة( المصقولة الصحيحة المقابلة، فإنه يرى فيها بحسبها لا بحسب الرائي.
فإنه تظهر له : أي للشيء نفسه في صورة يعطيها: أي استعداد المرآة و هي المحل المنظور فيه و هو العالم، أو الإنسان الكامل، كالوجه يرى في المرآة بحسبها مختلفة كالاستطالة و الاستدارة و غيرهما مع وحدة الوجه الناظر فيها، و ما ذلك إلا لاختلاف الاستعدادات و القابليات في ذات المرآة . 
( مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل) الذي بمنزلة المرآة و المجلي، (و لا تجليه) عطف على يظهر: أي لا يظهر له و لا تجلى من غير هذا المحل، فلمّا كان الرائي هو الحق عبر عن التقابل و التواجه بالتجلي لاستلزامه العلم.
و الشعور بالمتجلي كما هو المصطلح: أي و لا يظهر تجليه: أي تجلي الحق له: أي للمحل من غير هذا الوجه، و هو الوجود الخارجي . 
ذكر الشيخ عين القضاة قدّس سره في بعض تصانيفه عن شيخه الشيخ أحمد الغزالي: إن شيخه أبا بكر النسّاج قال في مناجاته: إلهي ما الحكمة في خلقي؟
فقال له: الحكمة في خلقك رؤيتي في مرآتك روحك، و محبتي في قلبك . 
ذكره الشيخ عبد الرحمن الجامي قدّس سره في "النفحات" . 
قال الشيخ الأكبر قدس سره: (و قد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوّى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوّة) .
( و قد كان) اعلم أن لفظ كان يعطي التقييد الزماني، و ليس المراد هنا به ذلك و لا في الإلهيات، كما قال سبحانه: "و كان اللّهُ غفُورًاً رحِيماً" [ الفرقان: 70].
و إنما المراد به: الكون الذي هو الوجود، فتحقيق كان أنه حرف وجودي لا لفعل بطلب الزمان، و لهذا لم يرد ما يعتقدون علماء الرسوم، و لا كما قيل في قوله صلى الله عليه و سلم:" كان الله و لا  شيء معه "الحديث.
و هو الآن كما كان زيادة مدرجة في الحديث ممن لا يلاحظ معنى كان في الإلهيات، و لا سيما في أمثال هذه المواضع، فلهذا أسماها و أخواتها بعض النحاة حروفا تعمل على الأفعال، و هي عند سيبويه حرف وجودي، و لو تخيل فيه الزمان لوجود التصرف من كان يكون، فهو كائن . 
هذا الذي سقناه إنما هو على قول الولي إذا قال مثل هذا اللفظ.
أو نطق به من مقام ولايته لأن مقام المرتبة التي منها بعث رسولا، فإن الرسول إذا قال مثل هذا اللفظ في المعرفة بالله من مقامه الاختصاصي فلا كلام لنا فيه، و لا ينبغي لنا أن نشرع فيما ليس بذوق لنا . 
و أمّا بلسان الولاية فنحن نترجم عنه بأعلى وجه يقتضيه حالها هذا غاية الولي في ذلك، فإذا عرفت أنه ليس المراد من لفظ  كان معنى القبلية الزمانية، بل أنه أداة توصيل تدل على نسبة يحصل بها المقصود في نفس السامع . 
فاعلم أنه رضي الله عنه يشير بقوله: قد كان إلى المساوقة لمن وقف عليها ألا يتقيد وجود الحق مع  وجود العالم بين الإيجاد و المشيئة الأزلية، و إن كانت العبارة توهم بالمسابقة، و لكن ما يقول بها عقل، و لا يقدر على إقامة البرهان على ما ادّعاه.
و إنما قلنا بالمساوقة لأن الحقائق أعطت لمن وقف عليها أن لا يتقيد وجود الحق تعالى مع وجود العالم بقبلية، و لا معيّ ة و لا بعدية .
فإن هذه كلها أحكام الزمان، و أحكام الزمان في الإلهيات قد رمت به الحقائق في وجه القائل بها: اللهم إلا أن يقول للتوصيل، و التعميم إذ ليس كل أحد أعطي الكشف على حقائق الأمور.
فلا نقول من لسان الحقائق على ما هو الأمر عليه في نفسه أن العالم موجود بعد الحق، كما لا نقول أنه موجود قبل الحق، و لا مع الحق فإن الحق هو الذي أوجده من العدم هو فاعله و موجده و مخترعه، فلا قدم له مع الحق بجميع الوجوه من الوجوه.
و لكن نقول الحق موجود بذاته، و العالم موجود به تعالى في حال لا قبل، و لا بعد، و لا مع لأنها كلها علل، و المقام مقام التنزه عن الآفات و العلل، و أين أنت من أن الزمان مقدر حركة الفلك؟ و متى كان الفلك؟
و متى كان حركته حتى يعتبر مقدارها زمانا؟
و هو من عالم الحق، و كلامنا من فوق عالم الأمر . 
فإن قال متوهّم، فمتى كان وجود العالم من وجود الحق؟
قلنا: السؤال عن متى سؤال عن زمان، و هو من عالم النسب، و عالم النسب من عالم الخلق، و هو مخلوق لله تعالى، فلا نحكم على ما فوقه . 
فانظر كيف تسأل، و إياك أن تحجبك آلات التوصيل، و أدوات التفصيل عن تحقيق المعاني الصرفة التي لا يحتملها، أو إلى الحروف و الاصطلاحات، و لا تسعها قوالب الألفاظ، و ظروف العبارات . 
و هكذا الأمر هنا في نفس الأمر، فإنه قال رضي الله عنه: لما شاء الحق تعالى، ثم قال: و كان الحق أوجد، و هما يطلبان التقدّم، و التأخّر، أو المعية، و مثل هذه وقع في التنزيل، و هو قوله: "و كان عرْشُهُ على الماءِ" [  هود: 7] . 
حتى فهموا من هذا السوق قدمهما، فإذا تقرّر هذا، فقد تبين أن هذه الألفاظ الموهمة هي من الآيات المتشابهة الواجبة التأويل، و من أدوات التعليم و التفهيم و التوصيل، و ينبغي لكل عالم على حسب فهمه، و قوة نفوذه، وحدة بصيرته و بصره أن يفهم المعاني من وراء حجاب الألفاظ، و يغالط نفسه، و لا يغالط نفسه، فافهم .
فإن الأمر أنزه أن يعبر، و أعزّ من أن يشار إليه و يفسّر، و هنا سر آخر و هو من بعض محتملاته، و هو أنه ورد في الخبر الصحيح :  " كان الله ولا شيء معه"  
ثم أدرج فيه العارف، و قال: الآن كما كان: أي لم ترجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها أزلا، بل كان موصوفا لنفسه، و مسمّى قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها.
فلما أراد وجود العالم، فانفعلت الحقيقة الكلية المسمّاة بالهباء التي هي بمنزلة طرح الجص للبناء ليفتح فيها ما يشاء من الصور و الأشكال، و هي أول موجود العالم، فتمددت تلك الحقيقة الجصية المطروحة بمدد و ممدد ذاتي و اقتضاء أصلي أشباحا و أشكالا و صورا بلا أرواح على الحسب التقدير السابق، و تفصيله القائم بنفس الموجد الحق سبحانه.
فإن علم العالم و قدره بعلمه، و علمه تابع للمعلوم، و المعلوم عين ذاته لأنه في مقام وحدة العلم و العالم و المعلوم، فافهم هذا المبهم، و لا تخف إن ما في الوجود غيره، و كل ما في الوجود مراتب التنزلات الإلهية 
أما ترى إشارة قوله سبحانه: "إنّما قوْلنا لشيْءٍ إذا أردناهُ أنْ نقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ النحل: 40] إنه تعالى أثبت له نحو وجوده ليسمع، و يطيع خطاب كن فيكون، فالقول قديم، و ثبوت  الشيء باعتبار عينه الثابتة أقدم، فافهم . 
و تحقيق هذه المسألة للأعيان الثابتة في حال عدمها وجوديا علما بالنسبة إلى الحق، و خاليا بالنسبة إلى الإنسان الكامل المتحقق بالحق: أي بمرتبته.
فيقول الحق تعالى له :  "كن فيكون" لسامع هذا الأمر الإلهي وجودا حسيا.
أي يتعلق به الحس في الوجود الحسي كما يتعلق به الخيال في الوجود الخيالي .
و هنا حارت الألباب هل الموصوف (بالوجود) المدرك بهذه الحواس هو العين الثابتة؟ أم لا؟ فافهم، ذكره رضي الله عنه في  حضرة الخالق من "الفتوحات" : 
و أيضا أن للممكن حضرية العدم، و الوجود عارض له، قال تعالى إشارة إلى هذه النكتة: "و آيةٌ لهُمُ اللّيْلُ نسْلخُ مِنْهُ النّهار" [ يس: 37]، فقدّم رتبة الليل الذي هو صورة العدم على رتبة النهار الذي هو صورة الوجود.
فحكم العدم يتوجّه على ما وجد من الصور العلمية في ثبوتها.
و حكم الإيجاد من واجب الوجود ما كان ما يكون بحسب اقتضاء الأعيان.
فالذي برز في الوجود من الصور هو علمه بالعالم، و علمه بالعالم عين علمه بنفسه، و علمه بنفسه كان أزلا أبدا .
لا عن عدم نعلمه بالعالم  كذلك، فالعالم كذلك، و لكن تقدّم الحق تعالى لأنه صفة له و صفات الحق قديمة بقدمه، فافهم . 
فإني أدرجت لك في هذا ملاك التصوف إن كنت صافيا، و فهمت في ضمن هذا السوق أن المسابقة على وزن المساوقة، و حكمها سواء و ذلك لأن الأشياء لها مواطن و أحكامها بحسبها، و ليست هذه المسألة من  مدركات العقل . 
و من أغرب أحكام هذا العالم، و أعجبها أن العقل بحكمه ضرورة على العلة، أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له، و لا المعلول سابق العلة، هذا حكم العقل السليم المستقيم لا خفاء فيه، بخلاف العلم التجلي فإنه يحكم أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له، و المعلول سابق العلة، و ذلك لوحدة العين، و صاحب العقل يرمي هذا الذوق، و أرباب الوهم بالذوق منه فيه . 
هذا هو جمع الأضداد الذي أشار إليه، و إلى تحققه وجه من وجوه الحق بقوله : 
عرفت الله بجميع الأضداد، ثم تلا: "هُو الْأوّلُ و الْآخِرُ و الظّاهِرُ و الباطِنُ" [ الحديد: 3] . 
و لا نقول بالاعتبارين لأنه سائغ في كل الأمور.
بل باعتبار واحد من عين واحدة، و نسبة واحدة، هذا هو الذوق الذي ذاقه أرباب الكشف و الشهود و المعتني الذي اعتنى بالقول بوحدة الوجود، هؤلاء القوم قد فارقوا المعقول، و لم تقيدهم العقول، هم الإلهيون حقا المحقّقون الذين حقّقهم الله بما أشهدهم صدقا . 
قال تعالى: "و ما رميت إذْ رميت و لكِنّ اللّه رمى"  [ الأنفال: 17] فأثبت، و نفي، و عرا و كسا حسبنا الله و كفى . 
فإذا فهمت ما قلناه إن شئت قلت بالإيجاد، و الخلوة و التأثير، أو بالظهور و البروز و الإبراز، و الإظهار فلا مناقشة في الألفاظ . 
قال تعالى: "يخْلقُ ما يشاءُ و يخْتارُ" [ القصص: 68]، "و على اللّهِ قصْدُ السّبيلِ" [ النحل: 9] . 
( الحق تعالى) إنما قال: الحق، و لم يقل: الله إذ لا يطلب الحق إلا بالحق، فالأعيان لو لا ما تستحق أن تكون مظاهرا لما ظهر الحق فيها . 
( أوجد ): أي أظهر العالم من العلم إلى العين .  اعلم أن الخلق خلقان:
خلق تقدير و هو الذي يتقدّم الأمر الإلهي كما قدّمه في قوله تعالى: "ألا لهُ الخلْقُ و الْأمْرُ" [ الأعراف: 54] . 
و خلق آخر بمعنى الإيجاد، و هو الذي يساوق الأمر الإلهي بالتكوين بين خلقين خلق تقدير، و خلق إيجاد، فمتعلق الأمر خلق الإيجاد، و متعلق خلق التقدير تعيين الوقت لإظهار عين الممكن، فيتوقف الأمر الإلهي عليه.
و هكذا تعلق علم الباري بها أزلا، فلا يوجدها إلا بصورة ما علمه في ثبوتها في حال الثبوت، فالأمر الإلهي يساوي الخلق الإيجادي في الوجود.
فعين قوله: كن عين قبول الكائن للتكوين فكان فالفاء للتعقيب، و ليس هنا تعقيب إلا في الرتبة، فافهم 
( العالم كله) العالم مأخوذ من العلامة، و هو عبارة عن كل ما سوى اللّه، و العوالم كثيرة جدا، و أمهاتها هي الحضرات الوجودية، و أول العوالم المتعينة من العماء عالم المثال المطلق، ثم عالم الرسم، ثم عالم القلم و اللوح، ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام تحقيقي الهيولي و الجسم الكل، ثم العرش، ثم هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا، ثم عالم البرزخ، ثم عالم الحشر، ثم عالم جهنم، ثم عالم الجنان، ثم عالم الكثيب، ثم حضرة أحدية الجمع و الوجود الذي هو ينبوع جميع العوالم كلها، هكذا كاشفه صاحب الكشف الأتم، فافهم و الله الهادي و المفهم . 
( العالم كله) العالم مأخوذ من العلامة، و هو عبارة عن كل ما سوى الله، و العوالم كثيرة جدا، و أمهاتها هي الحضرات الوجودية:
و أول العوالم المتعينة من العماء عالم المثال المطلق.
ثم عالم الرسم.
ثم عالم القلم و اللوح.
ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام تحقيقي الهيولي .
و الجسم الكل.
ثم العرش.
ثم هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا.
ثم عالم البرزخ.
ثم عالم الحشر.
ثم عالم جهنم.
ثم عالم الجنان.
ثم عالم الكثيب.
ثم حضرة أحدية الجمع و الوجود الذي هو ينبوع جميع العوالم كلها.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 9:36 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثاني

هكذا كاشفه صاحب الكشف الأتم، فافهم و الله الهادي و المفهم .
( وجود شبح) : أي كوجود جسم مسوى التسوية غير التعديل، لعل التسوية اعتبار كمية الأجزاء و التعديل باعتبار كيفية الأعضاء لتحصيل المزاج و هو كيفية مشابهة لا كما تبادر لبعض الأفهام، حتى أنه فسّر التسوية بالتعديل . 
أما ترى قوله تعالى:" الّذِي خلقك فسوّاك فعدلك . في أي صُورٍة ما شاء رّكبك" [الانفطار:7،8] جعل التعديل بعد التسوية لا عينها . 
و قال رضي الله عنه: إن الله ما جمع التسوية و التعديل و النفخ.
و قوله: كن إلا في الإنسان، فجعل التعديل غير التسوية، بل جعل الخلق رباعيا، فافهم . 
( لا روح فيه) لفقد عين الإنسان الذي هو إنسان العين، و لم يكن شيئا مذكورا .
( فكان كمرآة غير مجلوّة ): أي كان العالم  كله أعلاه، و أسفله كمرآة مسودّة غير مجلوّة إشارة إلى الجسم الكل الظاهر من وجود الهيولي ، و الطبيعة الكل ظلما مسودا يسمّى شبحة سوداء لهذه الظلمة الطبيعية التي فيه لأن الطبيعة ظل نفس الكل المعبر عنها بلسان الشرع باللوح المحفوظ، فإذا احتدّ إلى ذات الهيولي الكل يظهر من جوهر الهيولي، و الطبيعة جسم مظلم سمّي الجسم الكل.
تتوجّه إليه النفس بإنارته فتنشر الحياة في جميع أعضائه، فتلك عبارة عن نفخ الروح في عالم الأجسام العلوي و السفلي، فافهم.
فإن هذا ملخّص كلام الشيخ الإمام رضي الله عنه في "الفتوحات" و في غيره .
قال رضي الله عنه: غير مجلوّة أراد بعدم جلائها احتجابها بذاتها، فلا ترى نفسها إلا بعين الاتحاد لا بعين الامتياز.
فأوجد آدم على صورة الكون: أي جميع الكائنات غيبا باطنا و ظاهرا شهادة ليقابل بغيبة الغيب،و بشهادته الشهادة ليتجلى له بجميع الأسماء، فافهم. 

قال الشيخ رضي الله عته: ( ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال.  وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس. )
(و من شأن الحكم الإلهي) و هو قول: (كن) أنه ما سوى محلا إلا و لا بد أن يقبل روحا، فما من صورة محسوسة، أو خيالية، أو معنوية إلا و لها قبول التسوية و التعديل كما يليق بها و بمقامها، فإذا ساداها و عدلها، يسلمها إلى الرحمن، فوجّه عليها نفسه بالقبح، و روحه و هو روح الحق تعالى المشار إليه في قوله: "فِإذا سوّْيـتهُ و نفخْتُ فِيهِ مِنْ روحِي" [الحجر: 29]، و هو عين هذا النفس بفتح الفاء، فقبلته الصورة على حسب استعدادها، و قابليتها . 
و أمّا الروح، فيطلق علي معان مختلفة عند أهل الطريق، فالروح الذي نحن بصدد بيانه بمعنى ما ينفخ فيه عند كمال التسوية، و هي نفس رحماني من عالم الأمر كما قال تعالى: "قلِ ُّ الروحُ مِنْ أمْرِ ربِّي" [ الإسراء: 85] .
و إنما قال رضي الله عنه: و لا بد أن يقبل الروح، و لم يقل لا بد أن يفيض روحا لأن الأمر من القابل و ما بقي إلا قابل، فافهم . 
فإن الأمر قبول و اقتضاء كما سبق، و لا تنس الأسلوب و الساق إلهيا . 
إنما قال رضي الله عنه: إلهيا لأن الحكم صدر من مرتبة الألوهية كما قال رضي الله عنه، و من شأن الحكم الإلهي، فما ظهر ما ظهر إلا باعتبار اسمه النور، و هو عين الوجود . 
قال تعالى: "اللّهُ نورُ السّماواتِ و الْأرضِ" [ النور: 35] .
( عبر عنه ): أي عن القبول بالنفخ فيه: أي في المحل، (و ما هو ): أي القبول إلا حصول الاستعداد.
أراد رضي الله عنه التوطئة لقوله: و ما يطئ الأ قابل، فنفى التأثيرات الخارجية، فقال أولا، فكان الحق تعالى أوجد إشارة إلى مساوقة الإيجاد بالمشيئة الأزلية، فصار أزليا . 
قال: و من شأن الحكم الإلهي أن ما سواه يقبل الروح.
ثم قال: قبول الروح من (حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة) للفيض الأزلي الأبدي، فالأمر كله قبول و تأثر و استعداد (لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال). 
فقال: (و ما بقى إلا قابل، و القابل لا يكون إلا من الفيض الأقدس) المنزه عن جعل الجاعل، فالقابل من الفيض الأقدس، و القبول من الأقدس لا بإفاضة المفيض من الخارج.
و التسوية من مقتضى أحكام الأعيان باقتضاء ذاتي بلا جعل، فالقابل غير مجعول، و القبول غير مجعول، و التسوية غير مجعول، و النفخ الذي هو القبول غير مجعول، فافهم حتى تعرف الأمر.
إلى أن يؤول يزيد رضي الله عنه من هذه المقدمات أن الأمر ما يخرج عنه بل منه فيه باقتضاءات ذاتية.
و هو مذهب الشيخ رضي الله عنه كما فهمناه من كتبه، و كتاب "الفتوحات" و غيرها، و يخالف هذا كلام ما سوّاه ولا يعتمد عليه ، حتى لا ينقص عليك أصل من الأصول، و أنت ما تدري من أين جاءك؟ فافهم.
فـ رضي الله عنه عبر عن حسن القبول، و المطاوعة بالنفخ، و إفاضة الروح . 
قال الشارح الجامي رضي الله عنه في قوله: عبر عنه: أي عن ذلك القبول و فيه مسامحة لأن قبول الروح لازم النفخ لا عينه، فاللائق أن يجعل عبارة عن إفاضة الروح لا عن قبوله لأن النفخ صفة النافخ لا المنفوخ فيه . 
ثم جعل قدّس سره ضمير و ما هو أيضا راجعا إلى الروح، ثم قال: و فيه مسامحة أخرى، فإذا رددت الضمائر إلى القبول سومحت هذه المسامحات بلا إشكال و لا مسامحة، و هو أوفق على ظاهر عبارة الشيخ رضي الله عنه حيث قال: عبر عنه بالنفخ، و ما هو إلا حصول الاستعداد، فإن استعارة القبول بالحصول أنسب من الإفاضة، و غيرها، بل أن  القبول هو الحصول فقط بلا أمر زائد، و هذا الواقع في نفس الأمر، فافهم . 

"" إضافة الجامع : معنى الفيض والفرق بين الفيض الأقدس والفيض المقدس :-
الفيض في اللغة :
. فاض الماء ونحوه : كثر حتى سال .
2. فاض الخير وغيره : كثر. 
في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي:
الفيض هو زيادة على ما يحمله المحل " .
و أضاف الشيخ قائلا : وذلك أن المحل لا يحمل إلا ما في وسعه أن يحمله ، وهو القدر والوجه الذي يحمله المخلوق وما فاض من ذلك . وهو الوجه الذي ليس في وسع المخلوق أن يحمله ، يحمله الله . فما من أمر إلا وفيه للخلق نصيب ولله نصيب . فنصيب الله أظهره التفويض ، فينزل الأمر جملة واحدة وعينا واحدة إلى الخلق ، فيقبل كل خلق منه بقدر وسعه ".

وما زاد على ذلك وفاض أنقسم الخلق فيه على قسمين :
فمنهم من جعل الفائض من ذلك إلى الله تعالى فقال : "وأفوض أمري إلى الله ".
وينسب ذلك الأمر إلى نفسه , لأنه لما جاءه ما تخيل أنه يفضل عنه وتخيل أنه يقبله كله ، فلما لم يسعه بذاته رده إلى ربه .
ومنهم : من لم يعرف ذلك فرجع إلى الفائض إلى الله من غير علم من هذا الذي حصل منه ما حصل فهو إلى الله على كل وجه وما بقي الفضل إلا فيمن يعلم ذلك فيفوض أمره إلى الله فيكون له بذلك عند الله يد .
ومنهم : من لا يعلم ذلك عند الله بذلك منزلة ولا حق بتوجه .
وأعلم أن العبد القابل أمر الله لا يقبله إلا باسم خاص إلهي ، وأن ذلك الاسم لا يتعدى حقيقته .
فهذا العبد ما قبل الأمر إلا بالله من حيث الاسم ، فما عجز العبد ولا ضاق عن حمله ، فإنه محل لظهور أثر كل أسم إلهي ، فعن الاسم الإلهي فاض لا عن العبد ، فلما فوضه بقوله : " وأفوض أمري إلى الله" ، ما عين اسما بعينه ، وإنما فوضه إلى الاسم الجامع فيتلقاه منه ما يناسب ذلك الأمر من الأسماء في خلق آخر .
فإنه ما لا يحمله زيد وضاق عنه , لكون الاسم الإلهي الذي قبله به ما أعطت حقيقته إلا ما قبل منه وقد يحمله عمر ، ولأنه أوسع من زيد ، بل لأنه أوسع من زيد ، ولكن عمرو في حكم اسم أيضا إلهي قد يكون أوسع إحاطة من الاسم الإلهي الذي كان عند زيد  .

الشيخ مصطفى بالي أفندي يقول :
المراد بـ الفيض كون الجود الإلهي سببا لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للوجود بلا انفصال من الله تعالى واتصال إلى الماهية القابلة كفيضان الصورة على المرآة فإن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها في المرآة المقابلة بمحاذاة الصورة فليس فيهما انفصال واتصال. 

الشيخ قطب الدين البكري الدمشقي يقول :
الفيض هو شراب وفي الفيض تصريح موصل الوصول. 

الشيخ أبو العباس التجاني يقول:
" الفتح عبارة عن زوال الحجاب وما بزغ بعده من حقائق المعاني المذكورة يسمى فيضا لأنه فاض بعد حبسه " . 

الدكتور عبد المنعم الحفني يقول :
الفيض هو ما يفيده التجلي الإلهي فإن ذلك التجلي هيولاني الوصف ، وإنما يتعين ويتقيد بحسب المتجلي ، فإن كان التجلي له عينا ثابتة غير موجودة يكون هذا التجلي بالنسبة إليه تجليا وجوديا فيفيد الوجود ، وإن كان المتجلى له موجودا خارجيا كالصورة المسواة يكون التجلي بالنسبة إليه بالصفات ويفيد صفة غير الوجود كصفة الحياة ونحوها . 
الدكتور حسن الشرقاوي يقول :
" يستخدم الصوفية لفظ الفيض بمعنى أن الحق تعالى يسبغ بعض نعمه على أحبائه ظاهرة وباطنة ، بفتح رباني " . 

الدكتورة نظلة الجبوري تقول :
" مفهوم الفيض : في نظر ابن العربي الطائي الحاتمي هو الحدث ، به ينتج الفضل الإلهي ، نور الوجود ، في كل جوهر يستقبل الكائن من دون أن يحصل انفصال بين الصورة المدركة في علم الله والله نفسه ، كما تستقبل المرآة صور الإنسان من دون أن ينفصل الإنسان نفسه عن وجهه المنعكس في المرآة " .
وتقول : " الفيض هو التجلي باصطلاح ابن العربي الطائي الحاتمي " . 

الباحث محمد غازي عرابي يقول : 
الفيض : هو ورود الصور في شريط الخيال و معنونة بالرموز التي يتعلم السالك تأويلها بالمقارنة . قال سبحانه : "ولنعلمه من تأويل الأحاديث".
فالفيض بدء مرحلة تعليم التأويل الذي هو من اختصاص الله عز وجل:
وليس إلا صاحب الكشف يمكنه من أن يضرب بسهم في هذا الميدان .
فلو أن عالما أراد أن يقف على أسرار علوم التأويل وتهيأ لها وجند من أجلها كل طاقاته وإمكاناته ، ثم استمر على التعليم والتهيؤ عشرات السنين لما استطاع أن يأتي بتفسير واحد من مستوى تأويل آية من آيات الله .
لذلك خصت الصوفية بهذا العلم المبارك وتميزوا به عن الآخرين .

في تنوع الفيض الإلهي يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" فيض الله تعالى لا يتصور فيه مسك ولا قبض ولا انقطاع وهو يتنوع بتنوع المحال فيكون نورا في المنور وظلمة في المظلم ونون في المتوان وحركة في المتحرك وعملا في العالم وإرادة في المريد وحفاظا في المحفوظ " .

الفيض الأقدس
يقول الإمام فخر الدين بن شهريار العراقي  :
الفيض الأقدس هو المتعين به الأسماء الإلهية والأعيان الثابتة.
الشيخ عبد القادر الجزائري يقول :
الفيض الأقدس عند الطائفة العلية عبارة عن التجلي الحبي الذاتي الموجب لوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية ثم العينية " .

يقول الباحث محمد غازي عرابي :
الفيض الأقدس هو فيضان الأنوار القهارة في سماء الكشف الإلهي . وتدفق هذا الفيض هو النعمة التي خص الله بها عبادة الأبرار " .
الفيض الأقدس: الفيض هو التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال، أو هو كون الجود الإلهي سببا لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للوجود.
والفيض الأقدس: هو التجلي من الكثرة الأسمائية غير المجعولة، أو هو عبارة عن التجلي الحي الذاتي الموجب الوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية.
أو هو التجلي الذاتي والفيض الغيبي من غيوب الشؤون الذاتبة؛ أو هو تعين المعلومات في العلم الأزلي.
(شرح فصوص الحکم، مصطفى زادة الحنفي . وشرح فصوص الحکم، مؤید الدين الجندي)

الفيض المقدس
يقول الشريف الجرجاني :
الفيض المقدس : هو عبارة عن التجليات الأسمائية الموجبة لظهور ما يقتضيه استعدادت تلك الأعيان في الخارج .
الفيض المقدس : هو التجلي الوجودي العيني، أو وجود العلم في أعبائها، أو ثبوت الحروف المعلومات أو الأعيان الثابتة في العلم في ألواح الوجود و ارتسامها بحسب ما تعينت في صفحة أم الكتاب العلمي الأنفس،
أو هو عبارة عن التجلي الوجودي الموجب لظهور ما تقتضيه تلك الاستعدادات في الخارج .

في الفرق بين الفيض الأقدس والفيض المقدس
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري :
الفيض المقدس مرتب على الفيض الأقدس :
فـ بالأول تحصل الأعيان الثابتة واستعداداتها الأصلية في العلم .
وبالثاني تحصل تلك الأعيان في الخارج مع لوازمها وتوابعها .
ويقول الشيخ عبد الحميد التبريزي :
رأى ذاته المقدسة مستورة بسواتر العظمة والكبرياء فأحب أن تظهر وتعرف فأبدع بفيضه الأقدس أعيان الأشياء ما كان وما يكون .
وفيضه المقدس المصون القيوم الذي قامت بأمره السماوات والأرضون.

المفيض
أولا : بمعنى الرسول  يقول الشيخ أبو مدين المغربي:
المفيض : هو اسم من اسماء النبي , وذلك لأن النفوس قبل إفاضة التوفيق للهداية من الحق بواسطته كانت بيوتا مظلمة وأقطارا سودا مدلهمة ، فلما غشيها نور هذا المفيض أضاءت وأشرقت ، كما تضيء الأقطار وتشرق إذا غشيها نور الشمس.
الشيخ كمال الدين القاشاني يقول :
المفيض : اسم من أسماء النبي , لأنه المتحقق بأسماء الله تعالى ومظهر إفاضة نور الهداية عليهم وواسطتها .
ثانيا : بالمعنى العام يقول الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي:
المفيض : هو خليفة الله في الأرض .  أهـ ""
 

و أما قول الشارح قدّس سره: فاللائق أن يجعل عبارة عن إفاضة الروح، فكيف يرجع الضمير إلى ما مضى ذكره، فإن لفظة الإفاضة ما مضى ذكرها لا لفظا و لا معنى مع أن الإفاضة لفظ مؤنث، و ضمير مذكر مع أن جل مراد الشيخ رضي الله عنه في هذا المقام منع الإفاضة الخارجية في هذا المبحث، و من تتبع كلام الشيخ علم ما قلنا .

و هذه من أمهات المسائل، فإن الأمر ليس من الخارج بل في نفسه بنفسه فيه المؤثر و فيه المتأثر و فيه الأثر، فافهم . 
( من تلك الصورة) لا من أمر خارج، (المسواة) الظاهرة بالتسوية، (لقبول الفيض) يتعلق بحصول: أي حصول الاستعداد لقبول الفيض التجلي الدائم . 
( الذي لم يزل ): أي لا أول له من الأزل، (و لا يزال ): أي إلى الأبد، (و ما بقي) بهذه التوطية التي مضت إن فهمتها . 
( ثمة إلا قابل) و ذلك لأن جميع مراتب التنزلات تنزلات ذاتية باقتضاء ذاتي، و القابل له مزاج الانفعال فأطفأ بالنفس وأشعل و أمات و أحيى، فهو الذي أضحك و أبكى، فينسب الفعل إليه و إن لم يعول عليه، و ذلك لعدم الإنصاف في تحقيق الأوصاف، فهو المجهول المعلوم، و عليه صاحب الذوق يحوم، فافهم . 

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": 
فما ثم مستقل بالتأثير إلا القابل لأثر إن له أثر بالقبول في نفسه كما للقادر على التأثير فيه، و من حيث أن المنفعل يطلب أن يفعل فيه ما هو طالب له، ففعل المطلوب منه ما طلبه هذا الممكن، فهو تأثير . 
هذا عين ما قال رضي الله عنه: إن الفاعل منفعل للفعل الممكن المنفعل في الواجب الفاعل، فإنه جعله أن يفعل ففعل، كما قال: أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فالدعاء أثر الإجابة، و الإجابة التأثير . 

و قال رضي الله عنه في الفص الزكريوي:
و قد ذكرنا في "الفتوحات" أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم، و سواء كان المتأثر موجود، أو معلوما و هو غريب، و مسألة نادرة، و شيء مهيب بل هي درة يتيمة ما لها من أخت و ذلك لأن الأثر للأسماء، و الأسماء ليست بأعيان موجودة، و إنما هي نسب، و هي مستند الآثار.

و هو أمر عدمي ذكره رضي الله عنه في الباب الثالث و التسعين و ثلاثمائة، فإن كنت خفت من هذه الكلمة السهلة الصعبة المنورة المظلمة، فأرجع، و أقول بلسان من يفري الحقائق، و يغزل الغزل الدقائق و يحاك الحلل الدقائق، بحيث لم يكن لأحد في مهمز، و لا لقائل في مغمز . 

إنه قال رضي الله عنه في النص الإلياسي:
إن الأمر ينقسم إلى مؤثر، و مؤثر فيه و لهما عبارتان، فالمؤثر بكل وجه و على  كل حال، و في كل حال هو الله، و المؤثر فيه بكل وجه هو العالم، فإذا ورد عليك أمثال هذا الكلام من الشيخ رضي الله عنه، فألحق كل شيء بأصله الذي يناسب مذهبه، فإن الوارد لا بد أن يكون فرعا لأصله أبدا .
و هذا المذهب: أي تأثير العدم في  الوجود سائغ في الكلمات النبوّات، و شائع بين الناس أما ترى أن النوافل أثر المحبة و الدعاء أثر الإجابة، فافهم .

أن هذا مقرّر من الشارع لا يمكن إنكاره إن كنت ذا فهم، فافهم أني أديت الأمانة بالإشارة و العبارة بالصريح و الكتابة، فلا تخف من القابلة، فإن الحق واحد في أسمائه و ذاته، فما في الوجود من جميع الوجوه إلا واحد.

 فأين التأثير؟ و أين المؤثر؟ و المؤثر فيه؟
بل ما ظهر العالم إلا بالنسب، و لا حصل القبول من العالم لما يقبله من العالم أيضا إلا بالنسب، فالموجد بالنسب، و القابل بالنسب فالحكم لها، و قد علمت نسبة النسب و هي أمر عدمي ما لها عين، فافهم . 
ذكر الشيخ رضي الله عنه هذه المسألة في الباب الثالث و التسعين و ثلاثمائة من "الفتوحات" فافهم . 

و ذلك لأن (القابل ): أي للتجليات الذاتية المنزهة عن الكثرة (لا يكون إلا من فيضه الأقدس) المنزه عن الجعل و التأثير و ذلك لأن المراتب كلها إلهية بالأصالة، و ظهرت أحكامها باقتضاء ذاتي، فالأمر قبول ذاتي، و حصول استعدادي، و ظهور، و بروز له تعالى لذاته بذاته لا غير، و قبول هذا من لوازم قبول وحدة الوجود و فروعها.
فافهم أن هذه المسألة من أساس معارف الشيخ رضي الله عنه و لا تمل عنها، و لا تأخذ عنها بدلا فإنها كشف أوسع الكشوف، و إن اعترضوا علينا بذكر هذه المسألة، فليس بأقل منع جرى على طلل، و أن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، و الله المستعان، فافهم . 

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثالث .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 9:38 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثالث .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثالث

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه:  [ و كل قوة محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها .  و أن فيها فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال و مرتبة رفيعة عند الله لما عندها من الجمعية الإلهية . 
بين ما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، و إلى جانب حقيقة الحقائق، و في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف، إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه و أسفله ] . 
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه : 
(وكل قوة منها ): أي من الملائكة (محجوبة بنفسها) معجبة بها لتقديسها الذاتي، و هم الذين يسب حون الليل و النهار، و لا يفترون: أي ما ينزهون ذواتهم عن التقديس العرضي بالشهود الدائم و هذا مقام ما ناله أحد من البشر إلا من استصحب حقيقته من حين خلقت شهود الاسم الإلهي الذي هي عنه تكونت، فهي مقدّسة الذات عن الغفلات، فلم تشغله نشأته النورية الطبيعية عن تسبيح خالقها علىالدوام مع كونهم يختصمون من حيث النشأة، و بهذا القدر تبين فضل الملائكة على الإنسان في العبادة لكونها لا تفتر، فإن نشأتها تعطي ألا تفتر لأن تقديسها ذاتي، و شهودها دائم .
قال رضي الله عنه: ما عندي خير من جانب الحق أنه هل نال هذا المقام أحد من البشر أم لا؟
إن نال أحد قال محمد صلى الله عليه و سلم : "كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين"  .
فاستصحبه إلى أن وجد اسمه الشريف، و في حياته كان يقول : "تنام عيناي و لا ينام قلبي"  .
فكذلك موته صلى الله عليه و سلم إنما مات حسّا لا حقيقة، فاستصحبه حياة المشاهدة من الأزل إلى الأبد . 
وأما قول ذي النون حين سئل عن قوله: بلى في أخذ الميثاق فقال: إلا في أذني يشير إلى علمه بتلك الحالة، فإن كان عن استصحاب، فلم أنكره و لم أشهد له لأن الله تعالى لم يعلمني بذلك، انتهى كلامه . 
وأظن و الله أعلم أن خاتم الولاية له في هذا المقام قدم راسخ بحسن الاتباع، و له أسوة حسنة في خاتم النبوة، فافهم أنه خبر وارث، فافهم . 
(لا ترى أفضل من ذاتها) فإن أخذ الأفضل من فضل الله تعالى بقوله: هذا أفضل عندي فلا تحجبن عليه تعالى بفضل من يشاء من عباده، و إن أخذ التفضيل من حيث الكمال، فيجادلهم بالتي هي أحسن .
قال تعالى: "لقدْ خلقنا الِْإنسان في أحْسنِ تقْويمٍ" [ التين: 4] و هو تعديله على الصورة التي خصّه بها، و هي التي أعطته هذه المنزلة، فكان أحسن تقويم في حقّه لا عن مفاضلة مثل قوله: الله أكبر 
لا عن مفاضلة، بل الحسن المطلق للعبد الكامل  كالكبرياء المطلق الذي للحق سبحانه، فهو أحسن تقويم لا عن كذا فافهم . 
و إن قال تعالى فيهمالعالين [ ص: 75]، قال فينا: وأنْـتمُ الْأعْلوْن [ محمد: 35] . 
ورد في الحديث : " المؤمن أكرم على الله من الملائكة المقرّبين ". رواه ابن النجار عن حكامة عن أبيها عن أخيه مالك بن دينار عن أنس رضي الله عنه، رواه في "جمع الجوامع" . 
و في هذا التفضيل: أي تفضيل الملك على البشر، أو بالعكس، اختلف آراء الناس، و اضّطربت أفكارهم، و كثر الخلاف و العويل بما لا طائل تحته، فأذكر هنا ما يغني للمستبصر الرشيد . 
اعلم أيدك الله تعالى بروح منه أن الملك جزء من الإنسان الكامل كما سيجي ء بيانه، فالجزء من الكل .
و لا يقول العاقل: إن الجزء أشرف من الكل، فإن كان و لا بد يقال: إن أشرف أجزائه الجزء الفلاني، فإذا علمت هذا علمت مقام الملك من الإنسان، فلم يخرج عنك، و أصبت الأمر على ما هو عليه و أنصفت، و عرفت من أين أتى على من أتى عليه في باب المفاضلة . 
قال رضي الله عنه في رسالة القدس: لا تقل إنك أرفع من الملك، و لا أحط منه، فإنك في طور آخر مفردا يخصّك، و ذلك أن الله تعالى قد وهبك سر الجمعية العامة الكبريائية  
وهو الذي حجبك عن عبوديتك، و به ترأست حين قيل للملائكة: بل عباد مكرمون، فافهم ما ترأسوا قط لعدم سرّ الجمعية العامة الكبريائية من حقائقهم فكانوا عبيدا .
وبهذا صحّ لك مقام الخلافة على العامة، و به طلبت التقدم و الرئاسة، و احتجبت عن الله، فلست من نمط العالم في شي ء، و لا تتميز معهم البتة، فإنك انفصلت عنهم بسر الألوهية، فإذا تميز الإنسان مع العالم بسر الجمعية الكبريائية، فلا يقال من أشرف الملك، أو الإنسان، فإن التفاضل ما يقع إلا من جنس واحد و الإنسان قد خرج عن أن يكون جنس العالم، بل يزاحم الألوهية لوقوفه على الأسماء كلها من جهة سرّ الجمع العام الكبريائي المثبوت فيه . 
وذكر رضي الله عنه في "الفتوحات" في فضل الغني و الفقير:
إن الغنى صفة إلهية، و الفقر صفة العبد، و لا يقال أن هذا أفضل من هذا العدم المناسبة بينها، و هكذا الأمر هنا فافهم . 
وأيضا لما كان الوجود كله فاضلا مفضولا لا أدري ذلك المساواة، و إن يقال لا فاضل و لا مفضول، بل وجود شريف كامل تام لا نقص فيه . 
كما قال الإمام الغزالي رحمه الله: إنه أبدع ما يكون، و ذلك لأنه ليس في المخلوقات بأسرها على اختلاف ضروبها أمر إلا هو مستند إلى حقيقة و نسبة إلهية و لا تفاضل في الله لأن الأمر لا يفضل نفسه، فلا مفاضلة بين العالم في هذا الباب هو الذي يرجع إليه الأمر من قبل، و من بعد، و عليه عول أهل الجمع و الوجود و بهذا سمّوا أهل الجمع لأنهم أهل عين واحدة . 
قال تعالى: "وما أمْرنا إ لّا واحِدةٌ "القمر: 50] فافهم، فإذا فهمت فهم ذوق، ظهر لك ما قلته أنه بحث لا طائل تحته، فافهم ثم تنزل .
ونقول: إن للشيخ رضي الله عنه نصوصا في "الفتوحات" و في غيرها، بعضها يفهم بتفضيل البشر إلى الملك، و بعضها يوهم تفضيل الملك على البشر، والجامع بين التفضيلين ما نصّ رضي الله عنه في "الفتوحات" في وصل في فصل عزر الشهر من كتاب " الصوم ":
"إن الإنسان أكمل نشأة و الملك أكمل منزلة، كذا قال صلى الله عليه و سلم في مشهد واقعة أبصرته فيه، انتهى كلامه . 
و قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": إن الجماعة من أصحابنا غلطوا في هذا التفضيل فإنهم فضّلوا على الإطلاق، و لم يقيدوا لعدم الكشف و الاعتناء بالنظر و الفكر، انتهى كلامه رضي الله عنه فافهم، فليت لك قلبا ما ورائه قلبا و بيانا . 
(وأن فيها ): أي ترى أن فيها، (فيما تزعم) و اعتذر لهم حيث جعلهم رضي الله عنهم بمنزلة المجتهدين الذين لهم أجر الاجتهاد، و الأهلية أهلية الشي ء لأمر إنما هو نعت ذاتي فلا يقع فيه مشاركة لغيره إلا بنسبة بعيدة، كما يقال أهل النار و أهل الجنة و هم الذين لا يخرجون منها رأسا لأنهم أهل لها، فافهم . 
( لكل منصب عال ): أي حمل الأمانة و الإمامة (ومنزلة رفيعة ): أي الخلافة، إنما قلنا الخلافة لأن الملائكة حين قالت ما قالت . 
قال الله تعالى: "وأعْلمُ ما تُـبْدُون" [ البقرة: 33]: أي من التخريج و التزكية و ما كنتم تكتمون من طلب الخلافة، يعني: أنا أعلم بمطلوبكم منكم، و حملتهم عليهم السلام على هذه الغيرة التي فطروا عليها عند الله: أي عند الاسم الجمع لجميع الأسماء مع أنه قال تعالى عنهم: "وما مِ نّا إلّا  لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] فأين المقيد عن المطلق، فافهم .
( لما عندهم) يريد رضي الله عنه أن يعرف بوجه الاشتباه الذي حصل لها، و هو أنها زعمت أن عندها الجمعية التي هي علة الأهلية لما عندها (من الجمعية الإلهية) و هي أحدية جمع الأسماء و الصفات الوجوبية و الحقائق المظهرية الإمكانية، و الحقيقة الثابتة الطبيعية الإنسانية الدائرة بين ما يرجع كذا و يرجع كذا و يرجع كذا .
بين ما يرجع من ذلك الجناب الإلهي و جانب حقيقة الحقائق و في النشأة الطبيعية، و العنصرية الحاملة لهذه الأوصاف . 
فالحاصل أن الجمعية الإلهية دائرة بين ما يرجع إلى الأسماء الإلهية المؤثرة الفعّالة و بين ما يرجع إلى حقيقة الحقائق الكلية المنفعلة المؤثرة، و بين ما يرجع إلى ما يقتضيه الطبيعة الكل في النشأة الطبيعية و العنصرّيّة الحاملة لهذه الأوصاف و الحقائق الإمكانية الراجعة إلى الجناب الإلهي، و في أصل العبارة تقديم و تأخير و هذا تقديره و تقريره، فافهم . 
فهذه ثلاث حضرات حضرة الحقيقة المطلقة الفعالة:
وهي حضرة الوجوب.
وحضرة الحقيقة المقيدة المنفعلة القابلة للوجود من الواجب وهي حضرة الإمكان.
وحضرة أحدية جامعة بين الإطلاق و التقييد والفعل و الانفعال والتأثير والتأثر، فهي مطلقة من وجه، و مقيدة من وجه و مؤثرة من وجه ومتأثرة من وجه . 
وهذه النشأة أحدية جمع الحقيقتين، ولها مرتبة الأولية الكبرى، والآخرية العظمى وهي النشأة الطبيعية الجامعة لجميع النشآت . 
(إلى ما تقتضيه الطبيعة الكل) و هي عبارة عن أمور أربعة إذا تألفت تألفا خاصا حدث عنه ما يناسب تلك الألفة بتقدير العزيز العليم . 
قوله رضي الله عنه: الكل بدل أو عطف بيان، و في بعض النسخ بدل الكل الكلية . 
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثامن و التسعين من "الفتوحات ": إن الطبيعة مرتبة معقولة لا عين لها في الوجود، فلكل معدوم العين ظاهر الحكم و الأثر، فهو على الحقيقة المعبر عنه بالغيب، فإنه من غاب في عينه فهو الغيب، و الطبيعة غائبة العين عن الوجود و عن الثبوت، فليس لها عين فيهما فهي العالم الغيب المحقق و هي معلومة لنا، كما أن المحال معلوم غير أن الطبيعة كانت مثل المحال في رفع الثبوت و الوجود عنها، فلها أثر و تظهر عنها صور، و المحال ليس  كذلك، و مفاتح هذا الغيب هي الأسماء الإلهية التي لا يعلمها إلا هو، و الأسماء الإلهية نسب غيبية لا عين لها، و الغيب لا يكون مفتاحه إلا الغيب، فبالمشيئة ظهر أثر الطبيعة و هي غيب، و المشيئة نسبة إلهية لا عين لها، فالمفتاح غيب . 
فهذا المعلوم هو القابل الذي قبل جمع الأضداد و التأثير و التأثر بمقتضى ذاتي و هو الغيب، و هو النور الساطع العام الذي به ظهر الوجود و ما له في عينه نور و لا ظهور كالضوء فإنه به ظهر كل  شيء و ليس له عين ظاهرة في الظاهر ممتازة في المرئيات فافهم، فإنه من أم الكتاب و عليه الاعتماد في جميع الفصول و الأبواب بل هو فصل الخطاب . 
قال رضي الله عنه في الباب التاسع و الثمانين و مائتين من "الفتوحات ": و لو لم تكن الطبيعة نورا في أصلها من النور لما وجدت بين النفس الكل و بين الهباء الذي هو الهيولي الكل، و بما هي في أصلها من النور قبلت جميع الصور النورية للمناسبة فانتفت ظلمتها بنور صورها، فنسب إلى الطبع الظلمة في اصطلاح العقلاء و عندنا ليس كذلك، و لو لا أن الظلمة نور ما صحّ أن يدرك، و الظلمة هي الغيب . 
فلهذا لا يدركه إلا الحق، و الطبيعة الكل قد خلقها الله تعالى دون النفس الكل و فوق الهباء .
وهو رأي الإمام الغزالي رحمه الله و لا يمكن أن تكون مرتبتها إلا هنالك، فكل جسم قبل الهباء إلى آخر موجود من الأجسام هو الطبيعي، و ما ثم عندنا إلا جسم طبيعي أو عنصري لا غير، و العناصر أجسام طبيعية و أن تولد عنها أجزاء أخر، و أمّا الهباء فجوهر مظلم ملأ الخلاء بذاته ثم تجلى له الحق تعالى باسم النور فانصبغ به ذلك الجوهر، و زال عنه حكم الظلمة هو العدم، فاتصف بالوجود فظهر لنفسه بنفسه بذلك النور و كان ظهوره به على صورة الإنسان، و بهذا يسمّيه أهل الله الإنسان الكبير و يسمّى مختصر الإنسان الصغير لأنه فيه جميع ما في العالم بالإجماع، فخرج على صورة العالم مع صغر حجمه و العالم على صورة الحق : 
و تزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم فالإنسان على صورة الحق .
وهو قوله"إن خلق آدم على صورته" فكل ذلك من آثار الله تعالى فيما خلق عليها الطبيعة . 
( التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه و أسفله) فكل ما تولد من الأجسام و الأرواح، و الملائكة، و الأنوار كلها للطبيعة عليه حكم، و لكن حكم الطبيعة ظاهر من الهباء إلى ما دونه، و أمّا ما فوق النفس الكل فلا يظهر حكم للطبيعة فيه أصلا، فالطبيعة الكل محيطة بالكل حاصرة لقوابلها من أطباع أنواع الأجسام الطبيعية الفلكية و الملكية و العنصرية من الأجسام . 
قال رضي الله عنه: إن للطبيعة أنوارا يكشف بها صاحبها ما تعطيه الطبيعة من الصور في الهباء، و ما تعطيه من الصورة العامة التي هي صور الجسم الكل، و هذه الأنوار إذا حصلت على الكمال تعلق علم صاحبها بما لا يتناهى و هو عزيز الوقوع عندنا، و أمّا عند غيرنا فممنوع عقلا حتى إن ذلك في الإلهيات مختلفة فيه عندهم . 
وقال أيضا رضي الله عنه في »الفتوحات «: و ما رأينا أحدا حصل له هذا العلم على الكمال و لا سمعنا عنه و لا حصل لنا و إن ادّعاها إنسان فهي دعوى لا يقوم عليها الدليل أصلا مع إمكان حصول ذلك، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
فإن من عباد الله من يحصل لنفسه في بعض الأحيان عند هبوب النفحات الجودية الإلهية أحوال توجب لها الأعراض عما سوى الله، و الإقبال بوجود قلوبها بعد التفريغ التام على حضرة الغيب الإلهي المطلق في أسرع لمح البصر، فيدرك من  الأسرار الإلهية و الكونية ما شاء الحق. 
وقد تعرف تلك النفس هذه المراتب و التفاصيل أو بعضها، و قد لا تعرف مع تحققها بما حصل لها من العلم، و هذا تصديق قوله صلى الله عليه و سلم : "علمت بها علم الأولين والآخرين" 
و لو لم يكن هذا في آن واحد فما فائدة إخباره بقوله صلى الله عليه و سلم فهمت، فافهم . 
فإنهم عباد الله المكرمون المتحققون بمعرفته دون واسطة، لعلمه تعالى أن هممهم قد خرقت حجب الكون، و أنفت الأخذ عن سواه فتجلى لهم تجلي الكل في الكل . 
كما ورد في الخبر عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال في حديث طويل : "وضع  كفّه بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء عرفته" الحديث .  رواه الترمذي و قال: حسن صحيح عن معاذ بن جبل، ذكره السيوطي في "جمع الجوامع" و هذا من الذوق الذي ذكرناه فافهم فإنه مهم . 
و أنوار الطبيعة مندرجة في كل ما سوى الحق و هي نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية، و أدرجها في الأفلاك والأركان و ما يتولد منها من الأشخاص الغير المتناهية.

قال المصنف رضي الله عنه :  [ وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكريّ، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه . فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته و حصره الحقائق كلها و هو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر و هو المعبر عنه بالبصر . فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم .] 
قال الشارح رضي الله عنه :
( و هذا لا يعرفه عقل) لأن هذه المعرفة تحتاج إلى معرفة الطبيعة، و معرفتها على ما يؤدي إليه النظر و الفكر لا يتجاوز عمّا هو موهوم علماء الرسوم من اختصاصها بالأجسام السفلية و العلوية، و هذا ما هو معرفة الطبيعة من حيث الحقيقة بل هي نهاية نظرهم، و غاية معرفتهم معرفة خواصها و لوازمها و عوارضها الذاتية لأن اللوازم الذاتية، و عوارضها لا تعرف إلا بمعرفة الذات لأنها نسب لها، فافهم . 
فما ذلك إلا الظن ، وهو لا يغني من الحق شيئا، و أن الشي ء كان ما كان ما يدركه بما يغايره في الحقيقة، و قد بسطت لك في هذا العلم قبل هذا في الفصول . 
أما ترى أن العقول اضطربت آراؤهم في الطبيعة حتى قالوا بتأثيرها، بل الطبيعيون اعتقدوا وحدانية الطبيعة، فكل ما ظهر من الموجودات الطبيعة، قالوا: هذا من الطبيعية، فوحّدوا الأمر و حصروه في الطبيعة كما وجدنا الإله في خلقه و كذلك الدهرية، و ما لهم بذلك من علم، بل يظنون بالله الظنون . 
وهنا مسألة أخرى و هي: إن الله تعالى تسمّى لنا بالدهر، و ما تسمّى بالطبيعة لأنها ليست بغير من وجد عنها عينا، فهي عين كل موجود، و طبيعي بخلاف الدهر ما هو عين الكون، و رأينا الطبيعة عين الكون، فتسمّى بالدهر للمغايرة المفهومة منه فافهم، فإن هذا من غرائب "الفتوحات المكية" . 
( بطريق نظر فكري) لأن علوم النبوّة و الولاية الصرفة، وراء طور العقل بمعنى : 
إنه ليس للعقل فيه دخول بفكر، و نظر لكن له القبول خاصة عند تسليم العقل الذي  
لم يغلب عليه شبه خيالية فكرية، يكون من ذلك فساد نظره لأن الله تعالى ما خلق للنفس آلة للإدراك غير العقل .
( بل هذا الفن ): أي هذا الضرب من (الإدراك) و هو إدراك الجمعية المذكورة في النشأة الطبيعية العنصرية، و إدراك حقائقها لا يكون إلا عن كشف إلهي: أي لا عن كشف صوري رحماني، و لا عن تعريف رباني، لهن كشف ذاتي بارتفاع حكم النسب الجزئية و الصفات الكونية التقليدية عن العارف حال تحققه بمقام قرب النوافل و بالمرتبة التي فوقها المجاوزة لها و هي مقام قرب الفرائض، و بقرب المقامين أو أدنى تنقلب كل صفة و قوة من صفات العبد و قواه إلى أخلاق إلهية، و يبقى العبد مستورا خلف حجاب عين ربه.
فينشد لسان حقيقة لا مجازا كما قيل :
تسترت عن دهري بظل جناحه .....     فعيني ترى دهري و ليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي ما      ...... و أين مكاني ما درين مكاني
لأنه عين الزمان و الوقت و لا وقت و لا مكان له و لا زمان، فانكشف الأمر كله له بهذا الكشف الذاتي الإلهي، (منه ): أي من هذا الكشف تعرف (ما أصل صور العالم) . 
قال رضي الله عنه : 
انظر إلى الكون في تفصيله عجبا     ....... و مرجع الكل في العقبى إلى
في الأصل متفق في الصور .......    و لا ترى الكون إلا الله بالله
فمن الكشف الإلهي تعرف صور العالم من الأعلى إلى الأدنى إنها تطورات الفيض الأقدس و تجليات الذات المقدّسة تجلت بصور العالم، و ظهرت بصور المظاهر و ذلك لأن الطبيعة قابل للأمر الإلهي و محل طهور الأعيان جسما و جسدا و الصور فيها تتكون، و عنها تظهر فالأمر 
الإلهي بلا طبيعة لا يكون و الطبيعة بلا أمر لا تكون، فالأمر في نفس الأمر متوقف على الأمرين، و ظهوره في الأمر بالأمر هو عين ظهوره في المأمور لا بأمر زائد، و لكن باختلاف الصور، و اختلافها باختلاف القوابل، فافهم . 
فإن التجلي ما زال في الأحدية و الفيض فيض الأقدس، و ما بقى إلا حكم القابل، فإن قيل: إن الله قادر على إيجاد الأشياء من غير أن ينفعل شيء آخر كالطبيعة، و غيرها قلنا: ردّ الله عليك هذا النبأ . 
وقال: " إنّما قوْلنا لشيْءٍ إذا أردناهُ أنْ نقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ النحل: 40] .
فإذا ظهرت الطبيعة به، ظهرت الأجسام و الأجساد، و ظهرت بها الصور و الأشكال و الأعراض فالأبعاد و جميع القوى و الروحانية و الجسمانية وهو غير المعبر عنه بلسان الشرع العماء الذي هو للحق قبل الخلق ما تحته هواء، و ما فوقه هواء، فافهم . 
فمن عرف الله بهذه المعرفة عرف نعم الله التي أسبغها عليه الظاهرة و الباطنة، فتبرأ من المجادلة في الله بغير علم، و هي ما أعطاه الدليل النظري لا كتاب منير، و لا تعريف إلهي مستنير . 
قال تعالى عنهم: "ومِن النّاسِ منْ يجادِلُ في اللّهِ بغيْرِ عِلْمٍ "[ الحج: 3] بمجرد الفكر المخالف للكشف، و التجلي الإلهي، و لا مرتبة أنزل من هذا في الجهل، فافهم . 
وأمّا الصور التي في العالم كلها نسب و إضافات و أحوال لا موجودة و لا معدومة، و إن كانت مشهودة من وجه فليست بمشهورة من وجه آخر، و عين زمان فناء تلك الصورة عين زمان وجود الأخرى لا أنه بعد الفساد تحدث الأخرى . 
هكذا ذكر صاحب الكشف الأتم الأوفى الذي هو أولى بالتحقيق و أحرى، فماذا يرجع ما يدركه المدرك من تحول العين الواحدة :
في 
الصور في نظر الناظر؟
هل هي في نفسها على ما يدركها البصر؟
أو هي على ما هي عليه في نفسها لم تتقلب عينها؟ . 
وهذا راجع إلى ما يرى من الأعيان، ويحكم عليها أنها أعيان هل تكثرت بأعراض، أو بجواهر؟ 
فإن الصور تختلف في النظر دائما و كل منظور إليه بالبصر من الأجسام جسم، فالجسمية حكم عام و يرى فيها صورا مختلفة منها ما يكون سريع الزوال، و منها ما يعطي البطء في النظر و الجسم لا يتبدل، و ليس الموصوف بما ظهر إلا الجسم، و كذلك الصور الروحانية و التجلي الإلهي .
قال رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات ": إن هذا علم فيه إشكال عظيم و التخلص منه بطريق النظر الفكري عسير جدا . وأمّا بطريق الكشف وعلم التجلي، فإن العارف يرى ما أنكره العاقل بنظره، وفكره كدخول الجمل في سمّ الخياط، فإن الكاشف يراه بنظر الحس والشهادة القابلة لأرواحه . 
اختلفوا في مسألة روح صورة هذا العالم الذي هو الإنسان الكبير، و أرواح صور العالم العلوي و السفلي، فها أنا أبسطها لك من كلامه رضي الله عنه و على الله قصد السبيل . 
اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن روح العالم الكبير هو الغيب الذي خرج عنه، فافهم، و يكفيك أنه المظهر الأكبر الأعلى إن عقلت، و عرفت قوله تعالى: "ألمْ تر إلى ربِّك  كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] . 
و بعد أن بان لك روح العالم الكبير، فبقى لك أن تعلم أرواح صور الأعضاء للإنسان الصغير كالقدرة و هي روح اليد و السمع روح الأذن و البصر روح العين، فاعلم أن التحقيق في ذلك عند الشيخ الأكبر رضي الله عنه أن الأرواح المدبرة للصور كانت الموجودة في حضرة الإجمال كالحروف الموجودة بالقوة في المداد، فلم يتميزه لأنفسها.
فإذا كتب القلم في اللوح طهرت صورة الحروف مفصّلة بعد ما كانت مجملة متصلة في الدواة و المداد، فقيل: هذه ألف، و هذه باء و هي أرواح البسائط و قيل في أرواح الأجسام المركبة: هذا زيد، و هذا قائم . 
و يشير إلى هذه المراتب قوله تعالى: "ن والقلمِ وما يسْطرُون" [ القلم: 1] . 
فإن النون: هي مرتبة الإجمال.
و القلم: هو الكاتب،
و ما يسطرون: مراتب الأرواح البسيطة المسطرة، و لما سوّى الله تعالى صور العالم: أي عالم شاء كان الروح الكل كالقلم، و اليمين الكاتبة، و الأرواح كالمداد في القلم، و الصور كمنازل الحروف في اللوح، فنفخ الروح في صورة مميزة بصورها، فقيل: هذا زيد، و هذا عمر، و هذا فرس فمن الناس من منع ذلك، و لكل واحد وجه يستند إليه في ذلك .
و الطريقة الوسطى ما ذهبت إليه أمة وسطا كالشيخ الأكبر رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: " ثمّ أنشأناهُ خلْقاً آخر" [ المؤمنون: 14] فإنه قال فيه: و إذا سوّى الله الصورة الجسمية، فأي صورة شاء من الصور الروحية رّكّبها . 
قال الله تعالى: "في أي صُورٍة ما شاء رّكبك" [ الانفطار: 8] .
إن شاء في صورة إنسان أو حيوان أو نبات على ما قدّره العزيز الحكيم القوي العليم، فثمّ شخص الغالب عليه البلادة، فروحه تقرب إلى روح الحمار في أصل المزاج.
وهكذا الأمر كله فامتازت الأرواح بصورها فمن عرف كشفا أو تعريفا أن الصور المختلفة الظاهرة في الوجود هي أحكام استعدادات أعيان الممكنات، عرف كشفا و شهودا أو تعريفا أنه عين مظاهره لا غير . 
و بيان ذلك أنه لما أراد الله تعالى وجود الممكنات، و أمرها بالتكوين، و لم يوجد وجود يتصف به، إذا لم يكن ثمة إلا وجود الحق تعالى، فظهرت صورا في الوجود الحق، فتداخلت الصفات الإلهية و الكونية.
فوصف الحق بصفات الكون، و وصف الحق بصفات الحق.
فمن قال: ما رأيت إلا الله صدق، و من قال: ما رأيت إلا العالم ما كذب.
و من قال: ما رأيت العالم إلا و رأيت الله قبله، أو بعده، أو معه صدق.
و من قال: ما رأيت شيئا صدق لسرعة الاستحالة، وعدم الثبات، وعين الوجود، و هو عين الفساد لا أنه بعد الفساد يوجد العين . 
هذه المسألة رباعية من مسائل اجتماع الضدين فافهم،
فإذا عرفت جميع ما ذكرته، عرفت أن الذات الأحدية هي السارية في الكل بالكل .
قال صلى الله عليه و سلم مشيرا إلى هذا المقام : "لو دلي أحدكم دلوه لهبط على الله"  .
قال تعالى"و هُو الّذِي في السّماءِ إلهٌ وفي الْأرضِ إلهٌ "[ الزخرف: 84].
و كيف يدرك العقل المعقول هذا المطلق المجهول، بل أن الله قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة، و لو سئل اللوح ما فيك؟ أو ما خطّ فيك القلم؟ ما علم . 
قال الصدّيق الأكبر رضي الله عنه: و العجز عن درك الإدراك إدراك . 
و قال الشيخ رضي الله عنه في بعض قصائده الإلهية و هو يناجي ربه تعالى : 
و لست أدرك من  شيء ..... و كيف أدركه و أنتم فيه
فسمّي هذا المذكورأي آدم، فإنه ذكر و لم يكن شيئا مذكورا، أو الجلاء، أو الكون الجامع، و كلها ترجع إلى معنى واحد كما قيل : 
عباراتنا شتى و حسنك    .....     و كلّ إلى ذاك الجمال يشير
اعلم أنه لم يكن في الأزل شي ء يقدر به ما يكون في الأبد إلا الهو، فأراد الهو أن يرى نفسه رؤية  كمالية أسمائية كانت لهو، و تزول في حقه حكم الهو، فنظر في الأعيان الثابتة فلم ير عينا يعطي النظر إليها هذه الرتبة الإنابية إلا عين الإنسان الكامل، فإنه كان إنسان العين، و عين الإنسان فقدرها و قابلها به، فوفت له الحقائق إلا حقيقة واحدة نقصت عنه و هو أن يكون وجوده لنفسه، فتطابقت الصورتان من جميع الوجوه، و قد كان قدر تلك العين على كل ما أوجده قبل وجود الإنسان من عقل و نفس و هباء و جسم و فلك، و ملك و عنصر و مولد، فلم يعط  شيء منها رتبة كمالية أسمائية إلا الوجود الإنساني، فأعطاه مرتبة العقل الأول، و علمه ما لم يعلم . 
العقل الأول من الحقيقة الحقية التي هي الوجه الخاص له من جانب الحق، و بها زاد على جميع المخلوقات، فلم تظهر الصور الحقية إلا به، فالعقل مع عظمته جزء من الصورة و هكذا كل موجود إنما هو في البعضية، فافهم .
( إنسانا) من أنست الشي ء إذا أبصرته، قال سبحانه عن نبيه عليه السلام أنه:" آنس مِنْ جانبِ الطُّورِ نارًاً " [ القصص: 29]:
أي أبصر، و إنما قلنا: أنس بمعنى: أبصر لأنه كان به بصيرا، و هو المثال الذي في العين لغة، ذكره في القاموس . 
فسمّي الإنسان إنسانا لكونه مثال ما في العين الوجود، أو مثال ما في العين الثابت، أو مثال ما في العلم فافهم.
أو من الإنس لأنه أنس الرتبة الكمالية الأسمائية، و إنما قدمت الوجه الأول لأنه أوجه بمراد المصنف رضي الله عنه . 
ثم اعلم أنه تعالى قال: "هلْ أتى على الِإنسانِ حِينٌ مِن الدّهْرِ لمْ يكُنْ شيْئاً مذكُورًاً" [ الإنسان: 1] فإنه أحد الموجود، و أول المقصود، و أمّا تأخيره لأنه في الحقيقة حضرة التصوير، و حضرة التصوير هي آخر حضرة الخلق، و ليس ورائها حضرة للخلق، و الإبداع جملة واحدة . 
أما ترى قوله تعالى: "هُو اللّهُ الخالقُ البارئُ المُصِورُ" [ الحشر: 24] .
أخّر درجة التصوير عن درجة الخلق و الإبداع فهي المنتهي و العلم أولها، و الهوية هي المنعوتة بهذا كله، فابتدأ بقوله: هو في العلم ثم ختم بها، و قال: إن الله خلق آدم على صورته فتنبه، و على الله قصد السبيل، و هو على التحقيق . 
ألا إن التقدّم و التأخّر من مقتضى ذات الكون، و أن الأمر الإلهي الذي هو القول له وحدة العين، و الكثرة الموهومة من أعمال الوهم في عين الخيال، و الأمر في نفس الأمر ليس كما يتوهم في الحق تعالى أنه لا يقول لشي ء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجود، و يتأخر وجود بعضها عن بعض، و كل موجود لابد أن يكون مرادا بالوجود، و لا يتكون إلا بأن يقول له:
كن على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان، أو ذو القوة الوهمية أن الأوامر كثيرة لكل كون أمر إلهي، و لم نقل الحق إلا عند إرادة تكوينه، فبهذا الوهم عينه بتقدم الأمر الإلهي الإيجابي: أي الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم يقتضي ذلك العموم، فيصوّره مقدما و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به، و لكن الوهم يحصره، و يصوره كما يصور المحال، و يتوهم صورة وجودية ما لا يقع في الوجود الحسّي أبدا، و هكذا الأعيان مفصّلة في الثبوت الإمكاني، فافهم . 
إن التقدّم و التأخّر من مقتضى ذات الكون، و أن الأمر الإلهي الذي هو القول له وحدة العين، و الكثرة الموهومة من أعمال الوهم في عين الخيال، و الأمر في نفس الأمر ليس كما يتوهم في الحق تعالى أنه لا يقول لشي ء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجود، و يتأخر وجود بعضها عن بعض، و كل موجود لابد أن يكون مرادا بالوجود، و لا يتكون إلا بأن يقول له: كن على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان، أو ذو القوة الوهمية أن الأوامر كثيرة لكل كون أمر إلهي، و لم نقل الحق إلا عند إرادة تكوينه، فبهذا الوهم عينه بتقدم الأمر الإلهي الإيجابي: أي  الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم يقتضي ذلك العموم، فيصوّره مقدما و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به، و لكن الوهم يحصره، و يصوره كما يصور المحال، و يتوهم صورة وجودية ما لا يقع في الوجود الحسّي أبدا، و هكذا الأعيان مفصّلة في الثبوت الإمكاني، فافهم .
فالتقديم و التأخير في قبول الوجود باعتبار السماع من العين لا باعتبار القول لأنه واحد العين . 
قال تعالى: "و ما أمْرنا إلّا واحِدةٌ كلمْحٍ بالبصر" [ القمر: 50] .
فيتعلق بالعين الحس في الوجود الحسّي، كما تعلق به الخيال في الوجود الخيالي، و هنا حارت الألباب هل الموصوف بالوجود المدرك بهذه الإدراكات الحسية هو العين الثابتة انتقلت من حال العدم إلى حال الوجود؟ أو حكمها تعلق تعلقا خاصا ظهوريا تعلق ظهور المرائي في المرآة بعين الوجود الحق.
و هي في حال عدمها، كما هي ثابتة بنعوته بتلك الصفة، فتدرك أعيان الممكنات بعضها بعضا في عين مرآة وجود الحق، أو الأعيان الثابتة على ترتيبها الواقع عندنا في الإدراك على ما هو عليه من العدم كالمرائي، و يكون الحق الوجودي ظاهرا في تلك الأعيان، و هي له مظاهر فيدرك بعضها بعضا عند ظهور الحق تعالى فيها، فيقال قد استفادت الوجود، و ليس إلا ظهور الحق، فصاحب الكشف الأتم الأوسع يرى الاثنين صحيحين، و من يكون دونه ينكشف واحد دون واحد، و ليس هذا الكشف إلا لأهل هذه الطريقة المثلى .
و أمّا علماء الرسوم في هذه المسألة على قسمين : 
طائفة تقول: لا عين للممكن في حال العدم، وإنما عينه عين وجوده كالأشاعرة رحمهم الله تعالى. 
و طائفة أخرى قالت: إن لها أعيانا ثبوتية هي التي توجد بعد إن لم يكن، و ما لا يمكن وجوده كالمحال، و لا عين له ثابتة، و هم كالمعتزلة عفا الله عنهم .
و المحققون من أهل الله يجمعون بينهما كما سبق آنفا بيانه، يرون الأعيان في المرآة الموجود في المرائي الأعيان، فافهم . 
(و خليفة) ورد في الخبر الصحيح : "أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل". 
و هما اسمان من أسماء الله تعالى . 
قال تعالى: "إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خلِيفةً قالوا أتجْعلُ  فيها منْ يـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء و نحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك و نقِّدسُ لك قال إنِّي أعْلمُ ما لا تعْلمُون" [ البقرة: 30].
جعل آدم خليفة، و أعطاه حكم الخلافة، والخليفة لفظة مؤنثة لأنها محل التكوين، وبها ظهر الكون، ومن هذا قال رضي الله عنه في بعض أشعاره: 
نحن إناث لما فينا نولده  فليحمد الله ما في الكون من و هي زبدة مخضة الطبيعة التي ظهرت بتحريك الأفلاك و هي روح اللبن، فإذا خرج من العالم، فالعالم يكون كالنفل لا عبرة به، فافهم . 
( و أمّا إنسانيته )، فلعموم نشأته و حضرة الحقائق كلها، و هو عين كل  شيء فبعمومه، و حصره جميع الأشياء و به كل شي ء، فأنس به كل  شيء من مقام كل شيء، كما ذكر خاتم النبوة إشارة إلى المقام الأسنى في حديث طويل : "فتجلى لي كل شيء وعرفت".  
الحديث رواه الترمذي و قال: حديث صحيح عن معاذ بن جبل ذكره السيوطي في جمع الجوامع . 
و هذا حكم الولاية المحمدية من الأسوة، فإنه ذكر رضي الله عنه في "الفتوحات" . 
و قال: لأنا توحدت بهذا المشهد دون إخواني، و بيان ذلك أن الإنسان نسخة جامعة مختصرة من الحضرة الإلهية و الكونية، فكل شي ء فيها لأن التجلي وحداني في جميع المواطن، و هو بكليته يتجلى لكل  شيء، و إن لم يكن مدركا لكل أحد للقرب المفرط، و الإدماج الذي توجبه غلبة حكم الوحدة على الكثرة، فإذا قام شي ء لشي ء في مقام المحاذاة المعنوية، و الروحانية كالمرآة، صار ذلك سببا لظهور صورة الشي ء و معناه المحاذي، و لا يظهر هذا إلا في الإنسان الكامل، و كماله لخاتم النبوة أصالة، و لخاتم الولاية المحمّدية كمالة وارثة، فافهم .
( و هو للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر، و هو) : 
أي الإنسان المذكور المعبر عنه بالبصر، فيبصر بالإنسان الكامل الكمالات الأسمائيّ ة بجملتها هذا من مقام قرب الفرائض،  كما أنه بقرب النوافل يكون الحق تعالى بصره الذي به يبصر، كذلك في هذا المقام القرب الفرائض، يبصر الحق تعالى بالإنسان الكامل، و في الأول كان الحق بصر العبد، و في الثاني العبد بصره، و به يبصر و يرحم، يشير إلى هذا المقام قوله تعالى حكاية عن أعلم الخلق بالله تعالى:"  إنّك  كُنْت بنا بصِيرًاً" [ طه: 35].
و قوله تعالى: "إنّ  رّبهُ كان بهِ بصِيرًاً " [ الانشقاق:   . [15
فهذا من إشكال المسائل كيف يوجب المعنى حكمه لغير من قام به، فتشبه هذه المسألة مسألة قرب النوافل، والوجه الجامع بين المسألتين وجود الحكم المضاف إلى المعنى في غير المحل الذي قام به ذلك المعنى، وهل البصر يختلف حكمه باختلاف المبصرين؟ أم هل يستويان؟ مثلا يقوم زيد، ويبصر به عمرو، وهذا محال عقلا. و لكن أذكر لك مسألة متفق عليها، و هي ما ورد في الخبر الصحيح بالتنبيه عليها، و شهد الكشف الصريح . 
فاعلم أن الحق سبحانه منزه عن الحلول ، و الحدوث، و أن الإنسان يبصر ببصره، و يسمع بسمعه لا بسمع غيره، و هذه قوى قائمة بجوارحه.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الرابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 9:49 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الرابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الرابع

""قال الشيخ رضي الله عنه في نقى القول بالحول و الإتحاد ""
"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب التاسع والخمسون وخمسمائة في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة : ومن قال بالحلول فهو معلول وهو مرض لا دواء لدائه ولا طبيب يسعى في شفائه مريض الكون إذا بل أعل فإن الحدوث له لازم به وقائم فمرضه دائم لا يزال على فراشه ملقى ومن سهام نوائب زمانه غير موقى فلا يزال غرضا مائلا وهدفا نائلا فهو الصحيح العليل والكثيب المهيل علته صحيحه وألسن عباراتها بالحال عنها فصيحة فإن كان الحق قواه فقد بري ء من علته وقواه فإن الحق سمعه فانجبر صدعه وإنه بصره فقد نفذ نظره وإنه لسانه فقد فهم بيانه وإنه رجله فقد استقام ميلة وإنه يده فما يطلب من يعضده فمن عرف هذه النحل فقد بري ء من جميع العلل فالله شفاؤه وهو داؤه فالمتكبر مقصوم ومن كان الحق صفته فهو معصوم. أهـ""
"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب التاسع والخمسون وخمسمائة :
وهذا يدلك على إن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا كما تحدث صورة المرئي في المرآة ينظر الناظر فيها فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها ولا يدري ما يحدث فيها ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور هذا أعطاه الحال فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة ونظرك فيها مثل قوله إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ"".

""وقال رضي الله عنه فى الإجابة على السؤال الحادي والخمسون في الباب الثالث والسبعون من الفتوحات : 
قال تعالى :"واعْبُدْ رَبَّكَ نسبة خاصة حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" فتعلم من عبده ومن العابد والمعبود .
قال تعالى : "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ "
"وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ". "اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ " ."أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ " . "صِراطِ الله الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ " ." أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ"." وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ". " وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ" ." فَاعْبُدْهُ " لا تعبد أنت فإن عبدته من حيث عرفته فنفسك عبدت وإن عبدته من حيث لم تعرفه فنسبته إلى المرتبة الإلهية عبدت وإن عبدته عينا من غير مظهر ولا ظاهر ولا ظهور بل هو هو لا أنت وأنت أنت لا هو فهو قوله فاعبده فقد عبدته وتلك المعرفة التي ما فوقها معرفة فإنها معرفة لا يشهد معروفها فسبحان من علا في نزوله ونزل في علوه ثم لم يكن واحدا منهما ولم يكن إلا هما لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ." أهـ. ""

"" قال رضي الله عنه في الباب الثاني والتسعين ومائتين الفتوحات لنفي قول الحلول والإتحاد :
كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد فظهرت الأفعال عن الخلق فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ولكن يختلف الحكم لأنه بوساطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس والفعل لنور البدر وهو للشمس فكذلك ينسب الفعل للخلق في الحس والفعل إنما هو لله في نفس الأمر ولاختلاف الأثر تغير الحكم النوري في الأشياء فكان ما يعطيه النور بوساطة البدر خلاف ما يعطيه بنفسه بلا واسطة كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ومن هنا يعرف التكليف على من توجه وبمن تعلق.
وكما تعلم عقلا إن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شيء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها وإنما كان لها مجلى وأن الصفة لا تفارق موصوفها والاسم مسماه .
كذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه وإنما هو مجلى له خاصة ومظهر له وكما ينسب نور الشمس إلى البدر كذلك ينسب الاقتدار إلى الخلق حساأهـ. ""

"" قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الرابع عشر وثلاثمائة من الفتوحات :
وكيف يخرج عن إنسانيته الإنسان أو عن ملكيته الملك ولو صح هذا انقلبت الحقائق وخرج الإله عن كونه إلها وصار الحق خلقا والخلق حقا وما وثق أحد بعلم وصار الواجب ممكنا ومحالا والمحال واجبا وانفسد النظام فلا سبيل إلى قلب الحقائق وإنما يرى الناظر الأمور العرضية تعرض للشخص الواحد وتنتقل عليه الحالات ويتقلب فيها فيتخيل أنه قد خرج عنها وكيف يخرج عنها وهي تصرفه وكل حال ما هو عين الآخر فطرأ التلبيس من جهله بالصفة المميزة لكل حال عن صاحبه .أهـ "" 

ثم أن هذا الشخص يعمل بعمل زائد عن الفرض الذي افترض الله تعالى عليه من نوافل الخيرات، فينتج له هذا العمل نفي بصره، و سمعه، و جميع قواه التي كانت توجب له أحكامها، فكان ينطلق عليه من أحكامها أنه بصير إلى هذا: أنه بصير سميع إلى ذلك، فصار يسمع بالله بعد ما كان يسمع بسمعه، و يبصر بالله بعد ما كان يبصر ببصره مع العلم بأن الله تعالى تقدّس أن تكون الأشياء محلا له أو يكون هو تعالى محلا لها، فقد بصر العبد بما لم يقم به، و سمع بما لم يقم به فكان الحق سمعه، و بصره و هكذا في مسألتنا قرب الفرائض، و المناسبة بين القربين ظاهرة، و هي منشأ القياس بلا فارق، فافهم .
( فلهذا سمّي إنسانا ): أي لهذا الإبصار سمّي الإنسان إنسانا، و هو فعلان صيغة مبالغة للمبالغة فيه، فما كل عين ناظر لهذه المرتبة إلا عين الإنسان، و لو لا إنسان العين ما نظرت عين الإنسان، فبالإنسان نظر إلى الإنسان، كما أن المرآة إن  كانت تامة الخلق مجلية، فلا تكمل إلا بتجلي صورة الإنسان الناظر الذي هو العلة الغائبة فافهم .
قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": فإذا علمت أنه ما في الوجود إلا ثلاثة أناسا :
الإنسان الأول الكل الأقدم
والإنسان العالم
والإنسان الآدمي
فانظر ما هو الأتم من هؤلاء الثلاثة ، انتهى كلامه .
( فإنه به نظر إلى خلقه فرحمهم ): أي الحق بالإنسان نظر إلى خلقه، فرحمهم كما جاء في الخبر الصحيح :  "فبهم يرحمون و الله الرحمن الرحيم".
أما ترى أن موسى عليه السلام و على نبينا صلى الله عليه و سلم كيف طلب شرح الصدر، و وزارة الأخ و هو رحمة، ثم أعقبه بقوله:" إّنك  كُنْت بنا بصِيرًاً " [ طه: 35].
فما رحمهما إلا بعد أن بصرهما بهما، فالعبد آله الرب للإبصار، و هذا من مقام قرب الفرائض، فأوجب المعنى كلمة لغير من قام به .
و من هنا برقت بارقة لمن قال من أهل النظر: إن البارئ مريد بإرادة حادثة لم تقم به تعالى لأنه ليس محل الحوادث، فخلق الإرادة لا في محل، فأراد بها، فأوجبت الإرادة حكمها لمن لم يقم به، كما ظنت المعتزلة في الكلام.
وأمّا الذي يرى أن المعاني لا توجب إلا لمن قامت به، طرأ عليه الغلط لكونه أثبت الصفات أعيانا متعددة وجودية، لا تقوم بنفسها، بل تستدعي موصوفا بها، تقوم به فيوصف بها فلو علم أن ذلك كله نسب و إضافات لا عين لها في عين واحدة، تكون تلك بالنسبة إلى كذا عالمة و إلى كذا قادرة، و إلى كذا غنية، و إلى كذا عزيزة، هكذا سائر الصفات و الأسماء، فيهون أمثال هذا عليه .
أما سمعت خبر : "كنت سمعه و بصره".  
فالعبد هو الرائي ببصره، و البصر هوية الحق، و كذلك السمع لا حال و لا محل، فإنه تعالى لا يحل في شيء، و لا يحل فيه شيء، و لابد من عين العبد، و لا بد من عين هوية الحق، فرأى بغير ما قام به فافهم، فإنه من مشكلات هذا الفن، ذكرتها بالتقريب .

قال المصنف رضي الله عنه :  [فهو الإنسان الحادث الأزلي و النشؤ الدائم الأبديّ، و الكلمة الفاصلة الجامعة .  فتم العالم بوجوده . فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، الذي هو محل النقش و العلامة التي بها يختم الملك على خزانته، و سماه خليفة من أجل هذا . لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه، فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.  ].

( فهو الإنسان الحادث ): أي من حيث صورته، و تعينه (الأزلي ): أي من حيث عينه و ذاته . 
أمّا الأزل نفي الأولية، و نسبة الأزل للحق كنسبة الزمان الماضي للخلق، فلهذا يقال: كان ذلك في الأزل، فحدوثه باعتبار نشأته الظاهرة الجسمانية، و أزليته باعتبار الحقيقة و الروحانية

قال رضي الله عنه : 
حقق بعقلك إن فكرت ......      نفيا لنفي و إثباتا لإثبات
من أعجب الأمر أني لم أزل  ..... و إنني مع هذا محدث الذات
و سرّ ذلك أن الإنسان الكامل منخلعا عن نفسه، مختلعا بخلعة الصور الإلهيّة .
و هو كالظل للشخص الذي لا يفارقه على كل حال غير أنه يظهر الحس تارة و يخفى تارة أخرى، فإذا خفي فهو معقول فيه، و إذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه، فالإنسان الكامل في الحق معقول فيه كالظل إذا خفي في الشخص، فلا يظهر فلم يزل الإنسان أزلا، فلهذا كان مشهودا للحق من كونه موصوفا بأن له بصرا وهو الإنسان، فإنه معبر عنه كما ذكر في المتن. 
و على الجملة أن في العلم الأول لما تميزت عنده الحقائق المعنوية فهي: أي تلك الحقائق المجردة للحق معلومات و للخلق معقولات و لا وجود لها في الوجوب الوجودي و لا في الوجوب الإمكاني، فيظهر حكمها في الحق، فتنسب إليه، و سمّيت أسماء إلهية، فينسب إليها من نعوت الأزل ما ينسب إلى الحق تعالى، و ينسب أيضا إلى الخلق ما يظهر من حكمها فيه، فينسب إليها من نعوت الحدوث ما ينسب إلى الخلق فهي: أي الحقائق المذكورة هي الحادثة القديمة، و الأبدية الأزلية فافهم .

قال رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين و ثلاثمائة: إن الإنسان الكل الكامل الكلي لم يزل مع الله، فلا يزال مع الله، فهو باق ببقاء الله، و ما عدا الإنسان الكامل، فهو باق بإبقاء الله تعالى . 
و هنا مسألة أخرى أذكرها لتعريف الفرق بين الأزلين و هي:
إن الموصوفين بالأزل نفيا، أو إثباتا لا بتقدم أحدهما على الآخر لأن الأزل لا يصح فيه التقدّم و التأخّر، و لكن الفرق بينهما أن أزلية الأعيان هي دوام وجودها بدوام الحق مع افتتاح الوجود عن العدم بكونها من غيرها، و أزلية المبدع نعت سيي ينفي الأولية بمعنى افتتاح الوجود عن العين لأنه عين الوجود، فافهم . 

( و النشؤ الدائم الأبدي) و الأبد نفي الآخرية و عدم انتهائها، و كل أزلي أبدي و لا بالعكس، و أمّا النشؤ هو إنما أعم من أن يكون من النشأة الدنيوية، أو الأخروية . 
أمّا في النشأة الدنيوية فنشؤه ظاهر بدنا و روحا، إمّا بدنا في النشأة الدنيوية فلأنه دائم التحليل، فدائم الغذاء لبدل ما تحلل منه، فدائم الزيادة و النشأ و النمو . 
أمّا باعتبار الروح في النشأة الدنيوّيّة، فلأن غذاؤها العلوم و المعارف، و هما على الدوام و إن لم يظهر لكل أحد . 
قال رضي الله عنه: إن الإنسان في زيادة علم أبدا دائما من جهة ما تعطيه حواسه و تقلبات أحواله في نفسه و خواطره، فهو مزيد علوم . 
و أمّا النمو البدني من جهة الآخرة، فإن الغذاء قد ثبت بالأخبار الصحيحة و الغذاء هو ما يصير جزءا للمتغذي . 
و أمّا ما سمّي غذاء أما ترى أن الخبر الصادق كيف عين مخارج الفضلات في النشأة الأخروية إنما تخرج عرقا، و لو لا الغذاء المعتاد في دار الآخرة ما عين هذا فافهم . 
وإنما نموّه  وزيادته في الآخرة من حيث الروحانية والعلم، فقد ورد في الأخبار ما يدل عليه كحديث   الرؤية: " وإن لنا في الآخرة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت "الحديث ، ويحصل هذا من غير تقدم علم به، هذا زيادة في العلم . 
وقوله صلى الله عليه و سلم : "إنه يحمد الله في يوم القيامة عند سؤاله في الشفاعة بمحامد لم يعلمها الآن".
لأنها يقتضيها الموطن، و هذا كله نشأ و نما، و زيادة في الباطن و الظاهر في الدنيا و الآخرة، فافهم . 

( و الكلمة) و هي مجموع من الحروف العاليات، و هي روح الكامل تسمّى كلمة لأثرها في العالم، سمّي بذلك عيسى عليه السلام كلمة الله الفاصلة بين الحق و الباطل، يتميز الفرق بينهما تارة بنظر الجمع، و تارة برؤية الفرق، و تارة بالجمع بينهما .
فلهذا قال رضي الله عنه: (الجامعة) بين الحق و الباطل برؤية الجمع في الكل، و هو جمع الجمع .
ومن هذا الذوق ما حكي عن بعض المشايخ، أو الشيخ أبي مدين قدّس سره  قال رضي الله عنه :
لا تنكر الباطل في طوره   ...... فإنه بعض ظهوراته
فسدّ جفاء الفرق، و الفصل بلطف الجمع و الوصل، فافهم . 
( فتمّ العالم بوجوده) بأتم ما يكون إذ لا أكمل من صورته . 
قال الإمام الغزالي رحمه الله من هذا المشهد: ما في الإمكان أبدع ما كان، فدار العالم، و ظهر الوجود الإمكاني بين نور، و ظلمة، و طبيعة، و روح، و غيب، و شهادة، و سنن، و نفي، و إثبات . 

فما ولي من الوجود المحض كان نورا، و روحا، و ما ولي من العدم المحض، كان ظلمة، و جسما، و بالمجموع تكون الصورة، و به تحقق الكون الجامع، و المجلى المجلو الساطع، و لا ينظر الله إلا إليه و هو الحجاب الأعلى، و الستر الأزهى، و القوام الأبهى فلما حذاه حذوا معنويا على حضرة الأسماء الإلهية بعد ما حصلت فيه قواها، فظهر بها في روحه، و باطنه، فظاهر الإنسان خلق، و باطنه حق . 

قال الشارح رضي الله عنه : 
( فهو من العالم) لما وجّه وجه كونه إنسانا، أراد رضي الله عنه أن يوجّه كونه خليفة .
و قال : إن الإنسان الكامل من العالم (كفص الخاتم للخاتم و هو محل النقش و العلامة) . 
كما أن الفص محل النقش، كذلك الإنسان الكامل محل ظهور صور الأسماء الإلهية، وكما أن في الفص علامة تدل على صاحب الخاتم، كذلك العالم بمنزلة الخاتم، و فصّه الإنسان الكامل، وفيه علامة تدل على الحق تعالى لظهور جميع أسمائه فيه الدّالة عليه . 
فمن هذا ورد في الخبر: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".

قال رضي الله عنه في الفصل الثامن و مائة من "الفتوحات ": إن الإنسان الكامل يدل بذاته من أول البديهة على ربه لأنه على الصورة، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و قال أبو يزيد قدّس سره: من هذا الذوق إما دلّ على هويته من كلمة الله عليها، و كذلك سمّاني كلمة، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
وقال صلى الله عليه و سلم : "إن أولياء الله الذين إذا رأوا ذكر الله". فالكامل من أعلى العلامات التي تدل عليه.
"سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أولياء الله -تعالى قال: الذين إذا رأوا ذكر الله حنت قلوبهم إليه". المطالب العلية للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني
حديث عبد الرحمن ابن غنم: خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ". أخرجه أحمد ابن حنبل و في إتحاف المهرة للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني
( التي بها يختم الملك على خزائنه): أي العلامة التي تحفظ الملك بالختم بها ما في الخزائن من نفائس الجواهر، والعروض . 
يريد رضي الله عنه أن يمثل تمثيلا يناسب الإنسان الكامل، بل الأكمل الفرد الختم مع العالم، و يتبين فيه نسبته معه :
و عني بالتلويح مفهم ذائق   ......   غنى عن التصريح للمتعنت
فإن نسبته الأكمل الكل مع العالم نسبة الختم على الخزانة، فكما تختم الخزانة المشحونة بنفائس الجواهر التي فيها عن تناول أيدي النفود و الفناء، و لا يجسر كل أحد أن يتصرف فيها . 
كذلك الإنسان الكامل الكل، فإنه ختم به على خزائن العالم على النفاد، و لا تجسر أيدي الحوادث، و أيدي الزمان على فكّ هذا الختم بالتغير و الإنسان . 
( و سمّاه خليفة من أجل هذا ): أي من أجل أنه استخلفه، يحفظ ما في خزائن العالم و الوجود أنه حفيظ عليم، سمّاه خليفة، و الخليفة صورة مستخلفة، فما حفظ إلا بنفسه، فاحتفظت نفسه بنفسه، فبنفسه عين العلامة على نفسه، فافهم . 
( لأنه سبحانه الحافظ) خلقه من حفظ  الشيء نفسه لأن الوجود عينه، و ما في العالم سواه . 

( كما يحفظ الختم الخزائن) بالعلامة التي في الختم، و هي صورة اسمه، و الاسم عين المسمّى، و بالعين يحرس العالم . 

و الختم ثلاث:
ختم الولاية العامة الظاهرة في هذه الأمة، و هو المهدي . 
و ختم الولاية المطلقة و هو عيسى عليه السلام . 
و ختم الولاية المحمّدية، فأمّا ختم الولاية المحمّدية، و هو الختم الخاص، فيدخل في ضمنه الختمان السابقان، و إن كان مطلقين و عامين.
فهما مختومان، و تحت الختم المحمّدي، و له التحقق بالبرزخية الثابتة بين الذات و الألوهية لأن ختمية النبوّة تختص بحضرة الألوهية، و له جمع الجمع لا جامع بعده مثله و لا حائز لكل الموارث غيره، و له كمال الآخرية المستوعبة، فله حكم الكل دون سواه، فلهذا لا يعرفه غير مولاه، و هو أعلم الخلق بالله، لا يكون في زمانه، و لا بعد زمانه، أعلم بالله، و بمواقع الحكم منه، فهو و القرآن إخوان، كما أن المهدي و السيف إخوان . 
قال رضي الله عنه: علمت حديث هذا الختم المحمّدي بـ "فاس" من بلاد المغرب، و هو شعرة واحدة من جسده صلى الله عليه و سلم.
و لهذا يشعر به إجمالا، و لا يعلم تفصيلا إلا من أعلمه الله، أو من صدّقه أن عرّفه بنفسه دعواه، ذكره رضي الله عنه في الباب الثاني و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات" .

( فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه) فالختم دائما أبدا دنيا و آخرة، فإن الختمية ثابتة غيرمزالة، فافهم الإشارة تكن من أولي الألباب فإن هذا التمثيل خلاصة الخلاصة، و لباب هذا الباب فإن توهّمت فرض الإزالة في النشأة الدنيوية فهي ثابتة من وجه آخر لا محالة و هو النشأة الأخروية، فالختم دائما أبدا، فافهم . 

( فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا فيه ما دام فيه هذا الإنسان الكامل) الذي هو الختم الدائم الجامع السرمدي، و ذلك العبد هو المقصود من العالم النائب عن العالم كله الذي لو غفل العالم كله أعلاه، و أسفله زمنا عن ذكر الله، و ذكره هذا العبد، قام في ذلك الذكر عن العالم كله، و حفظ به على العالم وجوده، و لو غفل العبد الإنساني المذكور عن الذكر زمنا فردا لم يقم العالم مقامه في ذلك و خرب منه . 

و قال صلى الله عليه و سلم : "لا تقوم الساعة و في الأرض من يقول الله الله"  .
إشارة إلى ذلك الذكر، قال رضي الله عنه في الباب الثالث و السبعين من "الفتوحات ": إن في العالم قطبا ينظر الحق تعالى إليه، فيبقى به هذا النوع الإنساني في هذا الدار، و لو كفر الجميع و هو ذا جسم طبيعي، و روح موجود يجسّده، و حقيقته يتغذى بجسمه و روحه، و هو مجلى الحق من آدم إلى يوم القيامة .

كما أبقى الله بعد الرسول صلى الله عليه و سلم أربعة من الرسل أحياء في هذه الدار الدنيا:
و هو عيسى، و إدريس، و إلياس، و خضر عليهم السلام، و هذه المعرفة التي أبرزنا عينها للناظرين لا يعرفها من أهل طريقتنا إلا منا، فيبقى الأمر محفوظا بهؤلاء الأحياء و ثبت الدين قائما بحمد الله ما انهدم منه ركن إذا كان له حافظ يحفظه، و إن ظهر الفساد في العالم إلى أن يرث الأرض و من عليها، و هذه نكتة فاعرف قدرها، فإنك لست تراها في كلام أحد أبدا، و لو لا ما ألقى عندي في إظهارها ما أظهرتها لسرّ يعلمه الله ما أعلمنا به، و لا يعرف ما ذكرناه إلا نوّابهم خاصة لا غيرهم من الأولياء . 
فاحمدوا الله يا إخواننا حيث جعلكم الله ممن قرع سمعه أسرار الله المخبؤة في خلقه التي اختصّ الله بها من يشاء من عباده، انتهى كلامه . 

قال المصنف رضي الله عنه : [ألا تراه إذا زال و فك من خزانه الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق تعالى فيها و خرج ما كان فيها و التحق بعضه ببعضه، و انتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا .
فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة و الجمع بهذا الوجود، و به قامت الحجة لله تعالى على الملائكة . فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، و انظر من أين أتي على من أتي عليه .]. 
( ألا ترى إذا زال) وجود الموضوع ليس بشرط في القضايا الشرطيات، فافهم . 
( و فك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها، و التحق بعضه ببعض و انتقل الأمر إلى الآخرة، فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا )، فالختمية ثابتة مزالة دائما أبدا، فافهم . 
قال رضي الله عنه في الأجوبة من "الفتوحات ": فأقبل ما سبب الختم، و معناه المنع و الحجز، فافهم فكان الختم أزلا فيكون أبدا . 
اعلم أنه ما ثم أمر من الأمور يفرض بين الأمرين، أو ينسب إليه بذاته، أو غاية إلا و لا بد أن يكون له فاتحة هي مرتبة أوليته، و خاتمة هي مرتبة آخريته، و أمر ثالث يكون مرجع الحكمين إليه بجمعهما، و يتعين بهما و هكذا الإنسان و العالم.ورد في الخبر عن الفاتح الخاتم صلى الله عليه و سلم أنه قال : "أعطيت فواتح الكلم و جوامعه و خواتمه" .  عن أبي موسى رضي الله عنه ذكره في "جمع الجوامع" . 

فإذا تقرر هذا، فاعلم أنه سبحانه فتح خزانة غيبه، و ذاته، و هويته التي لا يعلمها سواه باسمه الجامع بين صفات الجمع، و التصرف، و الإطلاق، و التقييد، و الأولية و الآخرية، و الظاهرية، و الباطنية، و فتح باب معرفة ذاته و حضرة جمعه و إشهاده و تجليه الكمالي المعتلي على سائر الأسماء و الصفات بمن أظهره آخرا، و قدّره على صورته و حباه سره و سورته، و جعله خزانة مختومة حاوية على كل الخزائن و مفتاحا و هو أصل المفاتيح الأول و ينبوع الأنوار و المصابيح لا يعرفه سوى من هو مفتاحه، و يعلم هو المفاتيح التي حوتها ذاته، و اشتملت عليها عوالمه، و نشأته و أحاطت بها مراتبه، و مقاماته ما شاربه أن يراه منها، و يكشف له عنها، فإن متعلق النفي الوارد في قوله تعالى : "وعِنْدهُ مفاتحُ الغيْبِ لا يعْلمُها إلّا  هُو " [ الأنعام: 59] .

نفي أن يعرف مجموعها أو أن تعرف من حيث كونها مفاتيح، و أن يعرف لا بتعريفه و تعليمه سبحانه . 
وأما كون المفاتيح لا تعلم نفسها، أو لا تعرف بعضها بعضا، أو لا تعرف بتعريف، فلا نص فيه، فافهم . 
فلكل فاتحة خاتمة، و هي عينها هو الأول، الآخر، الظاهر، الباطن جمع النقيضين و انختم الختم على العالمين، فافهم . 
سئل خاتم النبوة صلى الله عليه و سلم متى كنت نبيا؟
قال صلى الله عليه و سلم : "كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين".  
و أشار إلى الأزل، فلو سئل خاتم الولاية المحمّدية متى كنت وليا خاتما؟ فكان يقول في جوابه: كنت وليا و آدم بين الماء و الطين: أي أزلا، و كل أزلي أبدي فيكون الختم أبدا، فافهم الإشارة .
فكل ولي و نبي كان ظهور نبوّته و ولايته مشروطا بشروط كالظهور بالبدن العنصري بخلاف خاتم النبوّة و خاتم الولاية المحمّدية، فإنهما كانا في الأزل نبيا و وليا، و لم يكن آدم شيئا مذكورا. 

فكما أن الله تعالى ختم بمحمد صلى الله عليه و سلم نبوّة الشرائع.
كذلك ختم الله بالختم المحمّدي بالولاية المحمدية
بحيث لا يحصل للمحمّدي فيض إلا من مشكاته رضي الله عنه و له أمر الولاية المحمدية من قبل و من بعد، كما أن أمر النبوّة من قبل و من بعد سواء كان قبل الوجود العنصري، أو بعده، فلا يأخذ ولي إلا من مشكاته، كما لا يأخذ نبي إلا من مشكاته صلى الله عليه و سلم و هذه هي الأسوة الحسنة . 
قال صلى الله عليه و سلم إشارة إلى هذه الأسوة : " أما لكم فيّ أسوة"الحديث رواه أبو قتادة رضي الله عنه . 
و الختم المحمّدي عبارة عن خاتم يكون على حرف قدم محمد صلى الله عليه و سلم، و أما المحمّديون بعد هذا الختم يكون على قلوب الأنبياء عليهم السلام، فلا بعده من يكون على قدمه يطأ أثره، كما لا يكون أحد على قلبه: أي على قلب محمد صلى الله عليه و سلم أبدا، هذا معنى ختم الولاية المحمّدية، و هو أعلم الخلق بالله، و لا يكون في زمانه، و لا بعد زمانه أعلم بالله، و بمواقع الحكم منه، فهو و القرآن إخوان، كما أن المهدي و السيف إخوان، و كما أن لا نبي بعد محمد صلى الله عليه و سلم، كذلك لا ولي بعد هذا الختم سلام الله عليه، فإنه خاتم أولياء الذات، و روح الكلمات التامات، و لا بد أن يرى في كشفيه ما ينبئك عن وصفه إن سلكت هذه الطريقة، و بلغت إلى هذه الحقيقة فافهم . 

قال رضي الله عنه في "الفتوحات" في أصل أسئلة الترمذي: أمّا ختم الولاية المحمّدية فهي لرجل من العرب من أكرمها أصلا و نسبا، و هو في زماننا اليوم موجود، عرفت به سنة خمس و تسعين و خمسمائة، و رأيت العلامة التي قد أخفاها الحق سبحانه فيه في عيون عباده، و كشفها لي بمدينة "فاس" حتى رأيت خاتم الولاية النبوّة المطلقة لا يعلمه كثير من الناس، و قد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق تعالى في سره من العلم به، انتهى كلامه رضي الله عنه .

و ما رأيت بتصريحه بهذا المعنى لنفسه أصلا إلا في مواضع قليلة منها في بيت في الباب الثالث و الأربعين من "الفتوحات" فإنه رضي الله عنه قال :  أنا ختم الولاية دون شك كورث الهاشمي مع المسيح .

و في الباب الخامس والستون وثلاثمائة في معرفة منزل أسرار "الفتوحات" قال رضي الله عنه يشير إلى مقام الخاتمي : إنما علقت نفسي مع الله أن يستعملني فيما يرضيه ولا يستعملني فيما يباعدني عنه .
وأن يخصني بمقام لا يكون لمتبع أعلى منه ولو أشركني فيه جميع من في العالم لم أتأثر لذلك فإني عبد محض لا أطلب التفوق على عباده .
بل جعل الله في نفسي من الفرح أني أتمني أن يكون العالم كله على قدم واحدة في أعلى المراتب فخصني الله بخاتمة أمر لم يخطر لي ببال فشكرت الله تعالى بالعجز عن شكره مع توفيتي في الشكر حقه .
وما ذكرت ما ذكرته من حالي للفخر لا والله وإنما ذكرته لأمرين الأمر الواحد لقوله تعالى وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ وأية نعمة أعظم من هذه والأمر الآخر ليسمع صاحب همة فتحدث فيه همة لاستعمال نفسه فيما استعملتها فينال مثل هذا فيكون معي وفي درجتي فإنه لا ضيق ولا حرج. أهـ

فإن قيل: بأي صفة استحقّ بها أن يكون خاتما للولاية المحمدية.
قلنا: بتمام مكارم الأخلاق مع الله، إنما قلنا: مع الله لأن أغراض الخلق مختلفة، و لم يمكن تعميم موافقة العالم بالجميل فنظر نظر الحكيم، فلم يجد صاحبا مثل الحق، و لا صحبة أحسن من صحبته . 

و رأى أن السعادة في معاملته، فنظر إليه فرأى أنه شرع أحكاما، و حدّ حدودا فوقف عندها، فما صرف الأخلاق إلا مع سيده، فلما كان بهذه المثابة قيل فيه ما قيل في خاتم النبوة: "وإنّك لعلى  خُلقٍ عظِيمٍ" [ القلم: 4] .
قال رضي الله عنه في الباب الرابع و الثلاثين و خمسمائة من "الفتوحات ": إن هذه الآية تليت علينا تلاوة تنزل إلهي من أول السورة إلى قوله: "عتل بعْد ذلك زِنيمٍ" [ القلم: 13] انتهى كلامه. 
و مكارم الأخلاق معلومة عقلا، و عرفا، و التصرف فيها و بها معلوم شرعا، فمن اتصف بها على الوجه المشروع . 

و زاد تتميم: مكارم الأخلاق، و هو إلحاق سفسافها بها، فتكون كلها مكارم الأخلاق بالتصرف المشروع و المعقول، فقد اتصف بكل ثناء إلهي، و اتصف فلا يزال محسودا، و بالعداوة مقصودا، فافهم .
قال الشارح رضي الله عنه : 
( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية) هذا هو التخلق بجميع الأسماء، و هو أحسن تقويم . 
و قال تعالى: "و علّم آدم الْأسْماء كُ لّها [ البقرة: 31] و لم يقل بعضها . 
و قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم على صورته" رواه الشيخان البخاري، و مسلم . 
و في رواية :  "صورة على صورة الرحمن".

( فجازت رتبة الإحاطة و الجمع )، فجمع بين الصورة الحقية، و صورة العالم و كان برزخا بين الحق،   و الخلق مرآة منصوبة يرى الحق فيها، و يرى الخلق فيها، فمن حصّل هذه المرتبة، حصّل رتبة الكمال الذي لا أكمل منه في الإمكان . 
كما قال الإمام الغزالي رحمه الله: ما في الإمكان أبدع ما كان، و معنى رؤية الحق: فيها إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه، كما جاء في الخبر: "فبهم تنصرون والله الناصر، وبهم ترزقون و الله الرزاق، و بهم ترحمون و الله الرحمن الرحيم".

و قد ورد في القرآن: " بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ " [ التوبة: 128] . 
"و ما أرسلناك إلّا رحْمةً للْعالمِين" [ الأنبياء: 107]: أي لنرحمهم بك لأنه اسم الله الأعظم، فافهم. 
( بهذا الوجود) لأن صاحب هذا الوجود لا يرى في الوجود إلا الله، و يرى أحكام أعيان الممكنات في عين وجوده، و هذا هو النظر التام الذي لا ينال بالنظر و لكن ينال بالشهود، و هو قوله صلى الله عليه و سلم : 
"من عرف نفسه فقد عرف ربه، فمن عرف أنه لم تزل عينه في إمكانه عرف ربه بأنه الموجود و الوجود".
و به (قامت الحجة لله على الملائكة ): أي بهذا الجمع و الوجود و هو حجة الله على الملائكة . 
قال تعالى: "و علّم آدم الْأسْماء  كُلّها" [ البقرة: 31] .
يعني: الأسماء التي هي مبادئ لإيجاد العالم، و مؤثرات في حقائق الأكوان، و من جملتها الأسماء الإلهية التي توجّهت على إيجاد الملائكة و هي لا تعرفها، ثم أقام المسمّيين بهذه الأسماء، و هم مظاهر التجليات الإلهية التي هي الأسماء كالمواد الصورية للأرواح . 
فقال: "أنبئوني بأسْماءِ هؤُلاءِ إنْ كُنْتمْ صادِقين "البقرة: 31]،
يعني: الصور التي تجلى فيها الحق إن كنتم صادقين في قولكم "نسبِّحُ بحمْدِك "[ البقرة: 31]،  :
كأنه قال لهم: و هل سبحتموني بهذه الأسماء التي تقتضيها هذه التجليات التي أتجلّاها لعبادي؟

و إن كنتم صادقين في قولكم : و نقدّس ذواتنا عن الجهل بك، فهل قدّستم ذواتكم لنا من جهلكم بهذه التجليات و ما لها من الأسماء التي ينبغي أن تسبحوني بها؟ . 
فقامت عليهم الحجة في ادّعائهم الإلهية، فقالت بعد العلم: "لا عِلْم لنا إلّا ما علّمْتنا" [ البقرة: 32]، و اعترفت بالكمال الذي غاب عنها هذا . 
وقد قال تعالى لها: إنه خليفة، فكيف بها لو لم يقل لها ذلك، فلم يكن ذلك إلا لبطونه على الملائكة. 
( فتحفظ، فقد وعظك الله بغيرك) من أكبر العناية أن يعظك بغيرك، أن السعيد من وعظ بغيره و ذلك لرتبة المحبوبية و  كمال السعادة . 
(وانظر من أين أتى على من أتي عليه) مبني للمفعول، يقال: أتاه، و أتى به و أتي عليه، و هي لا تستعمل مجهولا إلا في المكاره.
.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الخامس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 9:54 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الخامس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الخامس

قال المصنف رضي الله عنه :  ( فإن الملائكة، لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة و لا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية .  فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته. و ليس للملائكة جمعية آدم. ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها و سبحت الحق بها و  قدسته، و ما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها و لا قدسته تقديس آدم.)
قال الشارح رضي الله عنه : 
( فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليقة ): أي ما وقفت مع اقتضاء حقيقة هذه الخليقة لعدم علمها بها . 
( و لا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق تعالى من العباد الذاتية) و هي الانقياد الذاتي . 
حيث قال تعالى لهم"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)" سورة البقرة . 
فكان ينبغي لها السمع و الطاعة، فالتبست عليها صورة الإخبار بصورة الشهوة، فما وفقت على حد الإطاعة و الإنصات، والانقياد حتى قالت ما قالت . 
فإنه (ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته) تعريفا، أو تجليا و المعرفة الإلهية للملائكة بالتعريف لا بالتجلي كما اعترفوا بذلك، و قالوا: (لا عِلْم لنا إلّا ما علّمتنا ) . 
( و ليس للملائكة جمعية آدم) حتى يعلم مقتضى الذات، فلهذا فاتها الانقياد الذاتي بخلاف الإنسان .
أما ترى أنه عبد الحجر، و المدر، و الجماد و ما ذلك إلا من المعرفة بالاقتضاء الذاتي، و الإدراك الذوقي، و ليس للملائكة تلك المعرفة الذاتية، بل ما لها إلا تنزيه بحت، فافهم . 

"" عن جمعية آدم قال الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : جمعية آدم هي رتبة الإحاطة ، والجمع بهذا الوجود لآدم لظهور جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء فيه"".
( و لا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصّها، و سبحت الحق بها، و قدّسته) : 
أي : و هي الأسماء التشبيهية المؤثرة في الكون، فغلب عليها ما ذكرناه و هو عدم العلم و الوقوف بالأسماء والمراتب و المواطن .
وما وقفت مع الأسماء التنزيهية المخصوصة بهم أيضا لأنها لو وقفت ما اعترضت.
حاصل مجموع الكلام: إنهم ما وقفوا مع مقتضى ذواتهم، و لم يقفوا مع مقتضى ذات الخليقة، و لا مقتضى عبادة ذاتية إلهية لعدم وقوفهم، و اطلاعهم بالذاتيات و ذلك لعدم علمهم بذات الحق تعالى، فإنها ما تدرك أصلا، فإذا لم تدرك فلا تدرك ذاتياتها لأنها فرعها، فافهم . 

قال المصنف رضي الله عنه :  ( فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: أتجْعلُ فيها منْ يـفْسِدُ فيها [ البقرة: الآية 30] .  و ليس إلا النزاع و هو عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق .  فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه و هم لا يشعرون . فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، و لو علموا لعصموا) . 
( فغلب عليها و حكم عليها هذا الحال) و هو الغلبة المذكورة، فقالت من حيث النشأة: أي باقتضائها لأنها طبيعية تعطي التشاجر، و التخاصم، و التحالف . 
فقوله: النشأة يحتمل أن يريد بها نشأة آدم: أي حين عرفت أن نشأته عليه السلام مركبة من الأضداد من الحقائق المختلفة، و الطبائع المتنافرة، فحكمت بوقوع الفساد من ذلك لعلمها بالحقائق، و كذا وقع الأمر . 
و لكن فاتهم أن الفساد قد يكون عين الصلاح، و الإفساد عين الإصلاح، و كيف لا؟! و الفاعل ربّ حكيم عليم . 
و قد قال تعالىوَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)" سورة البقرة . 
و الرب هو المصلح لغة، فما وقفوا على مقصود الحق من خلق الخليقة، و لو لم يكن الأمر كما وقع لتعطلت من الحضرة الإلهية أسماء كثيرة لا يظهر لها حكم . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر لهم"  
فنبه فيه أن كل أمر في العالم إنما هو لإظهار حكم اسم إلهي، و إذا كان هكذا الأمر: أي كما وقع فلم يبقى في الإمكان أبدع من هذا العالم و لا أكمل، و فساده عين الصلاح، و إفساده عين الإصلاح مع أن السفك يدل على الغلبة، و العزة التي لصاحب المرتبة ذي المنعة، و القوة، و الشوكة . 
قال تعالى: "فانظرْ كيْف كان عاقبةُ المُفْسِدِين" [ الأعراف: 103] . 
قالوا: الخلافة العامة والعزة التامة، حتى قيل فيهم: "وللّهِ العزُّة ولرسُولهِ وللْمُؤْمِنين"[ المنافقين: 8].
مع أن العزة لله، فإن عزتهم عزة الحق من مقام وحدة الوجود لله جميعا، فافهم الإشارة: أي إلى أنهم عين الحق . 
يستفاد من مجموع الآيتين، فإن كنت من أهلها أقل من هذا يكفيك، و إن لم تكن من أهلها، فكل الموجود و لو كان لسانا ما يكفيك، فافهم . 
وإنما وقع الغلط من استعجالهم بهذا القول من قبل أن يعلموا حكمة الله تعالى فيه، و ما حملهم على ذلك إلا الغيرة التي فطرت عليها في جناب الله سبحانه و يحتمل أن يراد من النشأة لنشأتها: أي أنها قالت: من حيث نشأتها و مقتضائها لأنها طبيعية :  أي مخلوقة من الطينة . 
ولولا أن الملأ الأعلى له جزء من طبيعة، و يدخل من حيث هيكلها النورية المادية التشاجر، و الخصام لما اختصمت، فإن الخصام من التنافر، و التنافر من التركيب، فإذا تجرّد لا خصام، و لا نزاع . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": لا بد في نشأتها من المنازعة، و لا سيما المولد من الإمكان فإنها مولدة من مولد، فلو وقفوا مع روحانيتهم و تجردهم، فلم يقولوا ما قالوا بل يقولون: ذلك إليك تفعل ما تريد. انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و ذلك لأن أول جسم خلقه الله تعالى الأرواح المهيمة و منهم: العقل الأول، و أمّا النفس الكل التي هي اللوح المحفوظ، فهي بواسطة العقل، فكل ملك خلق بعد هؤلاء، فداخلون تحت حكم الطبيعة، فهم من جنس أفلاكها التي خلقوا منها، و هم عمارها إلى أن ينتهي إلى ملائكة خلقت من العناصر إلى أن ينتهي إلى ما خلقت من أعمال العباد و أنفاسهم . 
قال تعالى:" أتجْعلُ فيها منْ يُـفْسِدُ فيها" [ البقرة: 31]، و هذه الأداة لا تكون إلا من الأعلى إلى الأدنى . 
كما قال تعالى:" وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) " سورة المائدة .
استفهام التقرير بما هو به عالم ليقيم الشهادة على نفسه بما ينطق به مع أنها ذات عيوب الغير، و هي بعينها فيها، و لم ترها في نفسها التي اتصفت بها في الوقت شيئا، و بعدها  شيء من حيث لم يشعر، فافهم .
( و ليس إلا النزاع) قال رضي الله عنه: المنازعة هي المخالفة، و المخالفة هي الخصام و الخصام من الطبيعة، و لا يكون إلا بين الضدين، و من هذه قالت ما قالت و رجّحت تدابيرا كونيا على تدبير إلهي و هو من أكبر الفسادات مع أنه تعالى وصف نفسه الكريمة بأنه:" يدِّبـرُ الْأمْر" [ السجدة: 5] . 
وما وصف نفسه إلا أن يعرف أنه ما يعمل شيئا إلا ما يقتضيه حكمة الوجود و أنه أنزله موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها، و هو الذي أعطي كل  شيء خلقه، ثم هدى. 
قال رضي الله عنه: أي يبين أن الله تعالى أعطى كل شيء خلقه، حتى لا يقول أحد ينبغي كذا، يقتضي كذا . 
قال تعالى: "إنِّي أعِظك أنْ تكُون مِن الجاهِلين" [ هود: 46] . 
قال رضي الله عنه من هذا المقامإن الله عصمني من القهر، فلم أنازع قط، و كل مخالفة تبدوا مني كمنازع، فهي تعليم لا نزاع، فافهم . 
( و هو عين ما وقع منهم) وقعت فيما غابت به غيرها، و نازعت في الإطاعة و الانقياد، و قالت ما قالت، و وقعت في الفساد و هم لا يشعرون، و كذلك وقع منها سفك الدماء . 
ذكر رضي الله عنه في الباب الرابع و الخمسين و مائة من "الفتوحات ":  إن الملائكة التي أنزلها الله في بدر كانوا من الملائكة، أو هم الملائكة التي قالوا في خلق آدم عليه السلام قالوا: "أتجْعلُ فِيها منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء" [ البقرة: 30]، فأنزلها الله سبحانه في بدر، فسفكوا، ووقعوا فيما عابوا به، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و لو لم تعترض الملائكة ما ابتليت بالسجود، فلما علم الحق منها السعوف و العلو على آدم عليه السلام، فأنزل بهذا العضال دواء شافيا، فأمرهم بالسجود، فلمّا تحسّوا هذا الدواء حسوا برئوا من الزهو، و علموا أنه يفعل ما يريد، و ما ابتلوا به إلا عن إغضاب دقيق خفي لا يشعر به إلا  الراسخون . 
و هكذا كل انتقام إلهي يقع بالظلم لا يكون إلا بعد إغضاب، و تحصيل معرفة الإغضاب على غاية الاستقصاء حتى يجتنبوا عنه في غاية الصعوبة، فإنه من علم الأسرار ما يعرفه كل أحد . 
و كان حذيفة اليماني صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم عالما به، فلهذا سمّي بهذا الاسم: أي صاحب السرّ، و ليس علم أنفع منه في حق الأولياء، ذكره رضي الله عنه في الباب الحادي و الأربعين و ثلاثمائة من "الفتوحات" . 
و كل ذلك من عدم العلم و الكشف بحقائق الأمور وعدم الاطلاع بأحكام القضاء و القدر . 
أما ترى اعترافها عليها السلام حين أعلمهم الله تعالى حقيقة الأمر أنها قالت : "سبحانك لاعِلْم لنا إلّا ما علّمتنا" [ البقرة: 32] . 
أمّا قولهم: "و ما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] فاعتراف منهم أن لهم حدود يقفون عندها، و لا يتعدونها، ولكن لا ندري أنه وقع هذا قبله أو بعده، و ترى أكمل الخلق وجودا، و أعلمهم بالله علما، و كشفا، و شهودا مع العلم العام التام، فإنه صلى الله عليه و سلم علم علم الأولين و الآخرين أنه يقول :  "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم". 
هذا هو الأدب المطلوب، و الاعتناء الإلهي حفظه أن يطلق الكمال لنفسه، و يدّعيه لذاته على الإطلاق مع أن له الحق، فافهم .
( فلو عرفوا نفوسهم) ورد في الخبر :  "فإن من عرف نفسه فقد عرف ربه، و من عرف ربه عرف حظه منه"  .
( لعلموا) أنهم من بعض قواه عليه السلام، (و لو علموا) أنهم من بعض قواه (لعصموا) من بركة العلم على التجريح، فإنه لا يجرح أحد نفسه . 
أو نقول: لو عرفوا نفوسهم، عرفوا ربهم، فإن  "من عرف نفسه، فقد عرف ربه، و من عرف ربه علم مواقع خطاياه، و من عرف مواقع خطاياه لعصم من الزلل".
و لكن لم يعرفوا لأن هذا النوع من العرفان مخصوص للإنسان، فلم يعلموا فما عصموا، و وقع ما وقع، فافهم . 
.
يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السادس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 9:56 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السادس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء السادس

قال المصنف رضي الله عنه :  [ ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس و التسبيح .  و عند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها فما سبحت ربها بها و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه .فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟] . 
قال الشارح رضي الله عنه : 
( ثم لم يقفوا مع التجريح) و هو قولهم: "منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء" [ البقرة: 30] . 
لم يكن ينبغي لهم ذلك لأن الله تعالى قال: "و لا يغتبْ بعْضُكُمْ بعْضاً أ يحِب أحدكُمْ أنْ يأكُل لحْم أخِيهِ ميْتاً فكرهْتمُوهُ واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه توّابٌ رحِيمٌ " [ الحجرات: 12] . 
( حتى زادوا في الدعوى) يعني: وقفوا مع التجريح إلى أن زادوا في الدعوى و كل مدع مطالب بالبرهان على صحة دعواه فإن البينة على المدّعي، فاحتاجت إلى البينة و الشهود و الشهود و لا بد له من التزكية، فزّكّت أنفسها بلا شهود وغفلت عن قوله: " فلا تزُّكوا أنْـفُسكُمْ " [ النجم: 32] فمن التزكية و نعت في الدعاوي و التجريح من حيث لا تشعر .
( بما هم عليه من التسبيح و التقديس ) و هو قوله سبحانه: "ونحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك ونقدسُ لك" [ البقرة: 31] . 
مع أنه تعالى أخبر: إن كل شيء يسبح بحمده، و لكن هنا فرق آخر، و هو: إن تسبيح العالم يثبت بشهادة الله تعالى . 
حيث قال: "و إنْ مِنْ شيْءٍ إلّا يسبِّحُ بحمْدِهِ" [ الإسراء: 44]: أي بحسب علمهم و قدر معرفتهم، فيكون ضمير بحمده راجعا إلى كل  شيء لأنهم قدّروا الله حق قدره، و تسبيحهم بأدعيائهم . 
وإن كان في نفس الأمر يحتمل أن يكون موافق الحق.
و لكن ما نعلم أن اختيارهم بهذا من الاتفاقات الحسنة و من التعريف الإلهي لأن المسبح أثبت على نفسه الحجاب، و لا يكون المسبح في حالة الشهود لأن الشهود فناء، و العالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين لأن تسبيحه ذاتي كالنفس للمتنفس، فدلّ أن العالم لا يزال محجوبا، و طلبهم بذلك التسبيح هو المشاهدة.
فخلق الإنسان على صورته و أعطاه دوام المشاهدة، و عرف الملائكة بمرتبته السنية، و أخبرهم: إن لهم بهذه الكرامة .
أما ترى قول الشيخ الأكبر رضي الله عنه في "الفتوحات" أنه قال: كل العالم يسبح غير الإنسان الكامل لأن التجلي له دائم، و حكم الشهود له لازم يا ليت شعري!
لو قالت: نسبحك بحمدنا: أي بما نحن عليه كان يخلصهم لأن كل أحد ما يسبح إلا بحمده: أي بقدر علمه و كشفه . 
قال تعالى تنبيها لذلك: "و ما قدروا اللّه حقّ قدْرهِ " [ الأنعام: 91] فافهم . 
( و عند آدم الأسماء الإلهية) من حيث التحقق و التخلق، لا من حيث التخلق، و بأنوار هذه الأسماء يظهر مسمياتها خلقا و خلقا مما يتعلق بالذات و الصفات و الأفعال في الإلهيات و مما يتعلق بأجناس الممكنات و أشخاصها جملة تفصيلا، و هذه الأنوار التي كانت لآدم خلقا حين علم جميع الأسماء، و تحقق بها حيث علم كيفية التأثير في الوجود بالأسماء كانت له بالتعليم أو بالوضع الإلهي لا بالتعليم بالاصطلاح المعتاد، و في ذلك تكون الفضيلة و الاختصاص، فقد أحضر الله تعالى أعيان المسميات، فقال تعالى: "فقال أنبئوني بأسْماءِ هؤُلاءِ إنْ كُنْتمْ صادِقين" [ البقرة: 31] .  
من جملة المسمّين أعيان الملائكة عليهم السلام فما عرفوها ذوقا، فإن علوم الأكابر ذوق، و الذوق إنما يكون عن تجلّ إلهيّ لا عن تعريف، و لا لهم هذا التجلي فلا لهم ذوقه .
فقالوا: "لا عِلْم لنا" فعلم آدم الأسماء الإيجادية كلها، و أسند إلى نفسه إيجادهم بالأسماء التي هم مظاهرها، و التي أوجد بها الملائكة المتعرضين، و استندوا إليها، فافهم . 
إن هذا تعليم الأسماء المؤثرة في الكون، و هذا هو التعليم الإلهي الذي وقع في نفس الأمر لا ما يحتمل عقلا، و يمكن و هما كما هو المتبادر لإفهام القاصرين، و الفائدة إنما هي فيما وقع لا فيما يمكن، و هذا هو الفرق بين أهل الكشف مما يقولون، و بين أهل النظر و الفكر مما يتوهمون، فافهم . 
حتى نعلم رتبة الملك عن آدم، فإنه متأثر عن مؤثر، و لآدم رتبة الإيجاد عليها فافهم . 
و هذا حيث ألاح له لوائح القدم يعني: عطاء مرتبة الوجود ، و أخرجه غير حيطة الإمكان، فجعله خلافا للملائكة فافهم . 
في صفائح العدم، و رجع قهقري بالسبك، و الفك إلى البساطة بتحليل التركيب و فناء البناء و الرسم، و ذلك رجوع بالعرفان لا بذهاب العين و الاسم . 
و ما كلّ عين بالجمال  قريرة ..... و ما كلّ من نودي يجيب
إذا ( ما لم تكن الملائكة عليها ): أي على الأسماء الإلهية التي استند إليها المشار إليهم بهؤلاء في إيجادهم و أحكامهم، كأنه تعالى يقول توبيخا لهم و تقريرا: هل سبحتموني بهذه الأسماء، و قدّستموني بها؟
حيث ادعوا نحن نسبح بحمدك، و نقدّس لك . 
( فما سبحت ربها بها ): أي بالأسماء الإيجادية التي بها الإله إله، و بها يؤثر في الكون ( و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه) لأنه سبحه كل إنسان و هو الدليل عليه بكل برهان، و المعلم بكل الأسماء .
قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء كُلّها" [ البقرة: 31] و من جملة الأسماء التي توجّهت لإيجاد الملائكة، و بيان ذلك التجلي في الأنوار الطبيعية المختصّة بآدم عليه السلام فهو التجلي الصوري المركب، فيعطي من المعارف بحسب ما ظهر فيه من الصور وهو يعمّ الملك والفلك وغيرها . 
قال رضي الله عنه: ومن هذا التجلي نعرف صلاة كل صورة وتسبيحها، وكل قد علم صلاته وتسبيحه، وهو كشف جليل . 
و من هنا يدرك أن كل  شيء يسبح بحمده تسبيحا ذاتيا و لكن على قدر علمه بنفسه، فينزه من كل ما هو عليه من الحوادث به أعني: الحوادث المختصّة به لا مطلقا . 
و لهذا السرّ يختلف تنزيه الحق و تسبيحه، و أن تسبيح آدم تسبيح عن التسبيح و تقديس عن التقديس كما حمد الله، و سبح نفسه . 
و قال: "ليس  كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11] نزه و شبه في تلك الآية . 
أشار إلى هذا المعنى ما ورد في الخبر في تفسير الآية: "و سبِّحْ بحمْدِ ربِّك" [ الطور: 48]:
أي قل: سبحان الله و الحمد لله إنه صلى الله عليه و سلم جعل التسبيح بالحمد بين تنزيه و تشبيه، فافهم هذه الإشارة، فإن هذا هو تسبيحه بحمده نفسه، فتسبيحه إياه تسبيحه . 
(فوصف الحق لنا ما جرى) للملائكة من المعارضة (لتقف عنده و تتعلم الأدب مع الله تعالى) . 
ورد في الأثر المأثور :  "السعيد من وعظ بغيره" 
قيل في المثل: إياك أعني و اسمعي يا جارة . 
بل كان هذا الخبر من الله من قبيل حفظ الصحة على آدم و بنيه قبل قيام العلة، فإنه من ألطف حفظ الصحة، و هو أن يحفظ المحل قبل أن يقوم به مرض و علة لأنه كان في الاستعداد قبول المرض . 
قال تعالى: "إنِّي أعِظك أنْ تكُون مِن الجاهِلين" [ هود: 46] . 
وذكر هذه الحكاية منه تعالى لنا من أتمّ المواعظ، وأعلى المنن والاغتناء لتكون من السعد الذين وعظوا بغيرهم . 
( فلا تدّعي ما نحن متحققون به) مع أن الدعوى له حق، و التحدي به صدق كخاتم النبوّة صلى الله عليه و سلم أنه علم علم الأولين و الآخرين . 
و مع هذا قال : "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم". لا يدّعي العلم والكشف مع العلم والكشف . 
و هكذا الولاية المحمّدية فإنه خاتم الولاية، و لا يصرّح القول بدعواه و النص عليه أصلا . 
( و حاوون عليه بالتقييد ): أي فلا ندّعيه و هو مختص بنا، و نحن مشتملون عليه أما ترى أن للإنسان الكامل ظهورا في المرتبة، و مع هذا نصب عينيه حكم ليس لك من الأمر  شيء، بل إذا ظهرت عليه أحوال.
وصدرت منه آثار وأفعال يقول: هي لله تعالى الظاهر بأسمائه، فما لنا و الدعوى فنحن لا شيء في حال كوننا مظاهر له و في غير هذا المحال، فللعبد ترك الدعوى و التبري عنه أولى، و إن كان ترك الدعوى من الدعوى، و لكن التبري من الدعوى بالدعوى أليق و أحرى، و هذا كله لتعلم شؤم الدعوى و راحة تركها .
قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": هذا المقام يسمّى راحة الأبد و القائم فيه مستريح و هذا الذي وفى الربوبية حقها لأن الحكم للمرتبة لا للعين . 
فالزهو و الدعوى من أين؟
كالسلطان المتحكّم في المملكة إنما هي المرتبة لا عين ذلك الإنسان، أما ترى حين عزل ما يؤّوّل إليه حاله، فالناصح نفسه لا ينخدع من نفسه، و يرى أن الحكيم وضع خلافته في الأرض . 
و قال:" إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خلِيفةً" [ البقرة: 30] و لم يقل: في الأرض و السماء مع أنه هكذا، كما أنه في السماء إله، و في الأرض إله حتى لم يزل في مقام الذلة و العبودية في نفسه و لا تحجبه مرتبة الخلافة بالصفات التي أمدّه بها عن رتبة عبوديته، بل منهم من الأدباء الذين يجعلون بينهم و بين نعوت الحق تعالى عند التخلق بأسمائه ما وصف به الملأ الأعلى من تلك الصفة.
فيأخذونها من حيث هي صفة لعبيد من عباد الله مطهّرين، لا من حيث هي صفة للحق أدبا مع الله تعالى حتى لا يكونوا تخلقوا بأخلاق الله تعالى، فهم لا يرجعون من مقام العبودية ولا يجدون طعما للربوبية التي تستحقها هذه الأسماء .  
و هذا الذوق في العارفين عزيز و هو من شيم الأولياء الكرماء الأخفياء الأبرياء، و هذا هو التأسّي بسيد الخلق مع سيادته يقول :  "أنا عبد و أنا بشر مثلكم".
و أيّ أسوة أعظم من هذا التأسّي لمن عقل عن الله تعالى، رحم الله امرؤ عرف قدره و لم يتعدّ طوره، فطوبى لمن كان على صورة تقتضي له المنزلة من العلو و السيادة، و لم يؤثر فيه و لا أخرجته عن عبوديته .
كما قال سيد أرباب الآداب صلى الله عليه و سلم بالأمر الإلهي و التأديب الرباني: " إنما أنا بشرٌ مِثْـلكُمْ" [ الكهف: 110] .
فتلك عصمة و حظ أ وفر، حققنا الله و إياكم بهذا المقام المطلق و الحال المحقق بمنه و فضله الحق . 
( فكيف أن تطلق في الدعوى فتعمّ بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح ): أي عند الله و بين أيدي عباده العالمين بحقائق الأمور، أما ترى الإنسان الكامل و إن وصفه الحق بما وصف به نفسه من جميع الوجوه يعلم أنه لا بد من فارق و ليس إلا افتقاره إليه في الوجود، و  توقف وجوده عليه لإمكانه و غناه . 
فبهذا الاتصاف صحّ له الاتصاف بالأدب و الاقتداء، و لم يفتضح عند كشف الغطاء، و لذلك إن الأكابر منهم لا يتحدثون إلا عن مواجيدهم كل ذلك خوفا من الفضيحة بعد الكشف . 
قال الله تعالى تأديبا لعباده:" فلم تحاجون فِيما ليْس لكُمْ بهِ عِلْمٌ و اللّهُ يعْلمُ و أنْـتمْ لا تعْلمُون" [ آل عمران: 66] رفع عنهم رأسا . 
و قال تعالى: "فلا تمارِ فيهِمْ إلّا مِراءً ظاهِرًاً ولا تسْتفْتِ فِيهِمْ مِنْـهُمْ أحداً " [ الكهف: 22] . 
فالناصح نفسه اللبيب الأديب ينبغي أن يقف مع الله، و يترصّد أعلامه تعالى، فإن كان من أرباب التجلي فيترقب التجليات الإلهية بواسطة أو بغير واسطة لأن طرق العلم انحصرت بهذه المراتب حتى لا يفتضح حيث افتضح غيره و يلتحق بالسعداء الذين وعظوا بغيرهم .


قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  [ فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء .  ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.] . 
قال الشارح رضي الله عنه:
( فهذا التعريف الإلهي ): أي الذي عرفنا اللّ ه مما وقع من الملائكة .
و قد حكاه الله تعالى لنا حكاية و تعريفا و تأديبا مما أدّب الحق به عباده الأدباء .
( الأدب) مشتق من المأدبة و هو الاجتماع على الطعام كذلك الأدب عبارة عن جماع الخير كله . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "إن الله أدّبني" : أي جمع فيّ جميع الخيرات لأنه قال : "فأحسن تأديبي" .
أحسن ما جمع الإنسان العلم بالله مأدبة، و الأدب بابها فمن حرم عن الباب أيس من الدخول عليها، فلا تدخلوا البيوت:
أي العلوم مثل قوله: أنا مدينة العلم إلا من أبوابها، و هي التخلق بأسماء الحق، و الوقوف على ما تقتضيه عبوديته و إن يوفى ما يستحقّه مرتبة سيده من امتثال أوامره . 
ورد في الخبر : "إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم ".الحديث رواه ابن مسعود رضي الله عنه . 
فهذه المحاسن كلها كانت مجموعة فيه رضي الله عنه أحسن جماع، وبهذا ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "خلقه القرآن"
( الأمناء الخلفاء ): أي أمناء الأمانة و خلفاء الرتبة . 
قال صلى الله عليه و سلم : "إن لله أمناء" .
و قال في أبي عبيدة بن الجرّاح : "إنه أمين هذه الأمة"  .
قال رضي الله عنه: طائفة من الملامتية لا يكون الأمناء من غيرهم وهم أكابرهم فلا يعرف  
ما عندهم من الأحوال بجريهم مع الخلق بحكم العوائد، و الوقوف عند ما أمر الله به و نهى على جهة الفريضة .
و الخضر عليه السلام من الأمناء و لما عرض الله الأمانة على الإنسان و قبلها كان بحكم الأصل ظلوما جهولا، فإنه خوطب بحملها عرضا لا أمرا . 
فإن حملها جبرا كان أعين عليها مثل الأمناء، فإنهم حملوها جبرا لا عرضا، فإنهم حماهم الكشف فلا يقدرون أن يجهلوا ما علموا، و لم يريدوا أن يتميزوا عن الخلق لأنه ما قيل لهم في ذلك أظهروا شيئا منه و إلا لا تظهروه، فوقفوا على هذا الحد، فسمّوا أمناء . 
و يزيدون على سائر الطبقات بأنهم لا يعرف بعضهم بعضا بما عنده، فكل واحد منهم يتخيل في صاحبه أنه من عامة المؤمنين، و هذا ليس إلا لهذه الطائفة من الأمة خاصة هكذا ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات" . 
( ثم نرجع إلى الحكمة و نقول) لما وقعت حكاية الملائكة جملة معترضة في بيان الحكمة التي كان رضي الله عنه بصدد بيانها، و انقطعت فرجع لتكميل بيانها، و يريد التمثيل المضروب للحقائق الكلية التي اتصف بها الحق و الخلق بها . 
فهي للحق أسماء و للخلق صفات، و هي على أصلها في المعقولية ما برحت و لا تقوم الصورة إلا في هذا المعقول، فافهم . 
( اعلم أن الأمور الكلية و إن لم يكن لها وجود في عينها ): أي من حيث أنها كلية طبيعية ليس لها وجود مستقل في الخارج، فهي معقولة بلا شك في الذهن كالعلم والحياة فإنهما معلومان فهي باطنة من حيث هي كلية . 
( لا تزول عن الوجود العيني) بالعين المهملة، و قرئ لا تزال معلوما أو مجهولا يعني: أن الأمور الكلية المطلقة، و لو لم يكن لها وجود من حيث إطلاقها و كليتها في الخارج و لكن لا تنفك عنه إذ وجودها في ضمن أفرادها، فإن الوجود الكلي الطبيعي في ضمن الأفراد كالعلم والحياة مثالهما وجود عيني باطني في العقل، و لهما وجود عيني ظاهري في الخارج . 
( و لها الحكم و الأثر في كل ما له وجود عيني ): أي الأمور الكلية المعقولة التي لا عين لها في الوجود العيني الخارجي لها الحكم و الأثر، فصار الحاكم و المؤثر أمورا عدمية معقولة ما لها عين في الخارج فعلى الحقيقة لا أثر لموجود في موجود، إنما الأثر للمعدوم في الموجود، ويظهر ذلك في أحكام المراتب كمرتبة السلطنة و مرتبة   السوقة بما يريد لمرتبة السلطنة، و ليس للسلطنة وجود بل هي مرتبة المراتب . 
و العاقل يرى و يعلم أن المتحكّم في المملكة إنما هي المرتبة لا عينه إذ لو كان لكونه إنسانا فلا فرق بينه و بين سائر الأناسي، و المرتبة كانت ما كانت أمر اعتباري لا عين لها في الوجود، فافهم : 
و الجمع حال لا وجود لعينه .....     و له التحكم ليس للآحاد
و هذه المسألة مضى لها ذكرا سابقا: إن كنت مفيقا، فهذه الأمور الكلية حاكمة على الطبائع التي تعرض لها بأن يقال لها أنها حية ذات علم و إرادة و قدرة و ترتب عليها ما يلزمها من الأفعال و الآثار التابعة لها، بل هو عينها ضمير هو يرجع إلى كل، و ضمير عينها إلى الأمور الكلية فهو إضراب و له الحكم في كل موجود . 
( بل هو عينها ): أي كل ما له  وجود عيني في الخارج هو عين الأمور الكلية و ليس بأمرين، بل أمر واحد و له اعتبار عند العقل و اعتبار في الخارج . 
مثلا تحلل الجامد، و تغيرت الصورة فتغير الاسم فتغير الحكم، فلمّا رجع جامدا رجعت الصورة في الحال، و الحال كالحال فنزلت الأحكام تخاطب الأعيان بما هي عليه من الصور و الأحوال و الأسماء، فالعين واحدة و الصور مختلفة الأحوال باختلاف الصور، فافهم .
هكذا الأمر في جميع الصور كانت ما كانت لا غيرها: أي الأمور الكلية المعقولة . 
( أعني ): أي أريد بكل ما له وجود عيني أعيان الموجودات العينية الخارجية و ذلك لأن الكلي الطبيعي عين جزئياته في الخارج، فإن الحقيقة الواحدة ظهرت بالصورة و الشخص، و هما أمران نسبيان عدميان ليس لهما وجود في الخارج، فما ظهرت الحقيقة الكلية الواحدة إلا بإطلاقها فهم من فهم، و أنكر من أنكر . 
( و لم تزل عن كونها معقولا في نفسها ): أي لم تزل تلك الأمور الكلية في كلمتها في البطون من حيث معقوليتها، و ما ظهرت لأنها مراتب و المراتب لم تتنزل عن مقامها أبدا . 
.
يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 9:58 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء السابع

قال الشيخ رضي الله عنه :  [ فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها .  فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة. ] . 
قال الشارح  رضي الله عنه: 
( فهي الظاهرة ): أي تلك الأمور الكلية من حيث أعيان الموجودات العينية الخارجية . 
( كما هي الباطنة من حيث معقوليتها) و كليتها . 
( فاستناد كل موجود عيني خارجي لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل ): و هذه الحقيقة لا تزال معقولة أبدا لا يقدر العقل على إنكارها، و لا يزال حكمها موجودا ظاهرا في كل موجود .
( و لا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به أن تكون معقولة ): لأنها مراتب و المراتب لا تزول عن مراتبها، و لا تتنزّل عن مقامها، فهذه الحقيقة الكلية جامعة للأضداد لها، و الظهور و البطون موجودة معدومة .
فكل موجود لها صورة فيه و لا صورة في ذاتها، فحكمها ليس سوى ذاتها و ذلك الحكم من آياتها تجتمع الأضداد في وصفها، فنفيها في عين إثباتها .
و هكذا الأمر في الإلهيات، فإن صورة العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا و هو تعالى جامع الأضداد بل عينها .
""أضاف الجامع يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة - لا تزال - عن الوجود العيني ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها. فهذه الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين … غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم …
هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني، فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزيء فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص، لم تتفصل، ولم تتعدد بتعدد الأشخاص، ولا برحت معقولة.أهـ ""
ذكر رضي الله عنه في "الفتوحات" عن تاج الدين الأخلاطي أنه قال حين سمع منه كلام الخراز قدّس سره أنه قال: عرفت الله بجمع الأضداد إنه يوهم كلامه أن ثمة عينا تجمع الأضداد و ليس كذلك، بل هي عين الضدين لا عين زائدة فما ثم إلا هذا فافهم .
و لمّا كان هذا الأمر الكلي المعقول لا يقيد الزمان، بل الزمان و الأزمان عنده أسوة و لا يتقيد به، أراد رضي الله عنه أن نسبته إلى الموجودات نسبة واحدة .
قال الله تعالى"و ما أمْرنا إلّا واحِدةٌ كلمْحٍ بالبصر "ِ [ القمر: 50] .
فقال: (و سواء كان ذلك الموجود العيني مؤقتا ): أي زمانيا كعالم الخلق و الشهادة، أو (غير مؤقت ): أي غير زماني كعالم الأمر و الغيب .
( نسبة  المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة) باستناد واحد، و لا يختص هذا التأثير ببعض دون بعض، بل  كلهم سواء في قبول التأثير من هذا المؤثر الكلي العقلي، و اقترانه بالزمان، و عدم اقترانه لا يتأثر فيه و ذلك لعدم تقيده:
أي الأمر بالزمان فإنه من عالم الأمر، فافهم .


قال المصنف رضي الله عنه :
[ غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم و الحياة إلى الحي . فالحياة حقيقة معقولة و العلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة كما أن الحياة متميزة عنه، ثم نقول في الحق تعالى: إن له حياة و علما فهو الحي العالم و نقول في الملك : إن له حياة و علما فهو الحي العالم و نقول في الإنسان: إن له حياة و علما فهو الحي العالم] .
قال الشارح رضي الله عنه: 
فلمّا أراد رضي الله عنه أن يبين كمال الارتباط بين  المعدومات و الموجودات حتى يثبت ذلك الارتباط بالملازمة بين الموجودات، فأثبت أولا ربطا قويا و هو التأثير من هذا الأمر الكل العدم على الموجودات العينية بأسرها، و أراد أن يذكر تأثيرا آخر، و ربطا آخر محدث من جهة الموجودات الخارجية فكما تكون الحقائق العقلية مؤثرة  كذلك تكون متوترة من جهة الأعيان الخارجية مبالغة لبيان الارتباط و اهتماما به، فإن الارتباط من الجانبين ما هو كالارتباط من جانب واحد، فأخذ على صورة المبالغة كما قيل في شعر :
و لا عيب فيهم غير  ....    أنّ  بهن فلول من قراع
يعني: و إن كان التأثير من الحقائق العقلية ثابتة، و الرابطة حاصلة، غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم: أي أثر تتأثر به الحقائق الكلية من الموجودات العينية كنسبة العلم إلى العالم، و الحياة إلى الحي.
فكل منهما: أي من الأمر الكلي العيني و الموجود العيني كان ما كان مؤثر و متأثر و فاعل و منفعل، فافهم مراده و إشارته و ضرب مثاله رضي الله عنه سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، فافهم و لا تكن الغليظ القدم، ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون، بل لله المكر جميعا .
فالغافل المؤمن الناصح نفسه إذا سمع ممن يقول عن الله تعالى أو عن رسوله ينصت، و يصغي، و يتأدّب، و يتفهّ م .
قال تعالى: "و إذا قرئ القُرْآنُ فاسْتمِعوا لهُ و أنصِتوا لعلّكُمْ تُـرحمُون" [ الأعراف: 204] فأوقع الترجي مع هذه الصفة و كيف حال من خاصم، و عاند و رفع صوته .
قال تعالى: "إنّ أنكر الْأصْواتِ لصوْتُ الحمِيرِ" [ لقمان: 19] فالعاقل الناصح نفسه من ترك ما عنده لما جاءه من عند الله تعالى، فافهم .
فقد نبهتك على علم عظيم من لطائف إشارات الشيخ و ضرب أمثاله تشكرني عند الله و عنده رضي الله عنه: إني أرجو أن أكون من مفصّلي الألغاز بفهم إشاراته التي لا تجدها في كتب المؤلفين، و هذا كله قطرة من بحر كراماته و نقطة من فتوحاته، فما للمحبين المؤمنين إلا الفهم فيه من الله تعالى و هو الوحي الإلهي الذي أبقاه الحق لنا وراء حجاب الإيمان، فافهم .
قال تعالى: "و قلْ ر ب زدْني عِلْماً" [ طه: 114]، "و أمّا بنعْمةِ ربِّك فحدثْ" [ الضحى: 11] .
فإنه شكر تلك النعمة، و بالشكر تزيد النعم، فالحياة حقيقة معقولة كلية مؤثرة في الحي كان من كان، و العلم حقيقة معقولة  كلية مؤثرة في العالم كان من كان فافهم .
( متميزة من الحياة كما هي الحياة متميزة عنه) و كل منهما متميز عن الآخر في مرتبة التفضيل، ثم تقول عند ظهورهما في الخارج في الحق تعالى أن له علما و حياة فهو الحي العالم.
( و نقول في الملك) بضم الميم و هو بمعنى: العالم أن له حياة و علما، فهو الحي العالم، فذكر رضي الله عنه الملك في مقابلة الحق تعالى، فافهم .
( و نقول في الإنسان أن له حياة و علما فهو الحي العالم) جعل رضي الله عنه التقسيم على ذوقه رضي الله عنه حين أعرضت الشرّاح كلهم عينها و ما أتى على من أتى إلا بتصحيف الملك بالضم بالملك بالفتح، و يدل على هذا سوقهم أحكام الملك على مساق الإنسان، و قولهم: إن الحياة و العلم فيهما حادثان و ليس عينهما، فافهم .
فإذا عرفت هذا فتقول: إن العلم و الحياة و جميع الحقائق الموجودة في الخارج لها مع الذات ثلاثة أحوال :
إمّا العينية كما في الإلهيات،
و إمّا الغيرية كما في العالم و الملك،
و إمّا إلا غير و لا غير لأنه عين و غير من جميع الأضداد، بل هو عين الأضداد .
كما في الإنسان الكامل الخليفة الذي بالوجود حادث أزلي لأنه برزخ جميع الطرفين، و حاز الحدوث و القدم في الوجودين، و هكذا في العلم و الحياة لأنه جامع الأضداد .
كما قال الخراز قدّس سره"عرفت الله بجمع الأضداد" . يشير إلى التحقيق بهذه المرتبة، و هذا صفة من لا صفة له .
فإن قلت فيه: إنه حادث صدقت، و إن قلت: قديم صدقت يقبل الأضداد لأنه عين مجموع الأضداد.
و بهذه البرزخية فاز بالكل من بين العالم، و لا يقال: إنه حق مطلق لحدوثه، و لا يقال: إنه ملك و عالم لقدمه الذاتي و فوزه بالفناء الحقيقي و الوجود الدائم الأبدي .
وهذا النعت ليس لغير الإنسان الكامل، و هكذا الأمر فيه في جميع أسمائه و صفاته، فافهم .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثامن .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:02 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثامن .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الأول على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثامن

قال المصنف رضي الله عنه : [ و حقيقة العلم واحدة، و حقيقة الحياة واحدة، و نسبتها إلى العالم و الحي نسبة واحدة، و نقول في علم الحق: إنه قديم، و في علم الإنسان: إنه محدث فانظر . ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة . وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات و الموجودات العينية ] . 
قال الشارح رضي الله عنه : ( و حقيقة العلم واحدة، و حقيقة الحياة واحدة) .
قال تعالى: "ألمْ تر أنّ اللّه أنزل مِن السّماءِ ماءً فأخْرجْنا بهِ ثمراتٍ مُخْتلِفاً ألوانها" [ فاطر: 27] .
و الماء واحد و ثمراته مختلفة باختلاف البقاع و الأشجار، و هذا مثل مضروب في أن الأمر واحد، و الاختلاف من القوابل و ذلك لعدم التكرار في التجلي، بل التجلي وحداني، و الكثرة من القوابل فالقوابل مؤثرات في الحقيقة الواحدة الكلية، هذا مر و هذا حلو، و هذا ثفه وهذا حريف، فافهم .
ومن حاد عن هذه الجادة حاد بإلحاد عن العلم الحقيقي، و ندم .
( و نسبتهما ): أي نسبة حقيقة العلم، و حقيقة الحياة إلى العالم الحي نسبة واحدة و تقول مع المساواة في النسب والإضافات في علم الحق سبحانه : إنه قديم، وفي علم الإنسان الكبير محدث.
وهكذا في الإنسان الصغير حادث أزلي قديم كما قررناه، و فيه تفنن في العبارة أنه ما جعل رضي الله عنه ثلثا مثل الأول لأن تقرير القسم الثالث فيه إشكال تام، و هو رضي الله عنه أراد مجرد التمثيل حتى يقبله كل أحد، و قد ظهر بهذا القدر فاكتفى بالوجهين و هو مثل 
قولك في الوجود: إذا نسبته إلى الحق قلت: قديما، و إذا نسبته إلى العالم قلت: محدثا، و إذا نسبت إلى الإنسان الكامل الخليفة قلت: حادثا أزليا .
و كذلك من حيث هو وصف للحق هو وصف إلهيّ، و من حيث هو وصف كونيّ هو وصف كيانيّ .
( فانظر ما أحدثته الإضافة) من الحكم و التأثير (في هذه الحقيقة المعقولة) :
فكل منهما: أي من الحقيقة الكلية التي قامت منهما مؤثرة من جهة، و متأثر من جهة بالتأثيرات المختلفة كالرأي في المرآة بتأثير المرآة من الوجه بوجه الانتقاش و الانعكاس فيها، و يتأثر الوجه منها بوجه إراءته الاستطالة، و الاستدارة التي ليست في الوجه فهما مؤثران و متأثران جميعا، فافهم .
و من مسائل النظر و الفكر أنه إذا ضربت قارورتين واحدا على واحد، فينكسر الاثنان بضربة واحدة، يلزم اجتماع التأثير و التأثر في آن واحد و بحثية واحدة، فحصل جميع النقيضين .
( وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات) الصرفة العدمية الاعتبارية المحضة (و الموجودات العينية) الخارجية.
""عن الموجودات العينية يقول الشيخ عبد الغني النابلسي الوجود العيني: هو تعين المعلومات في العلم قبل بروزها للوجود العيني. أهـ
ويقول كمال الدين القاشاني  مرآة الكون : يشيرون بها إلى وحدة الوجود العيني ، من حيث كونه مضافا ، فإنه هو المرآة لكثرة الحقائق الكونية ، ولكونها إنما تظهر به - أعني : بشعاع الوجود الوحداني المفاض - فكان هو المرآة لها ، فلهذا صارت تلك الكثرة المنطبعة في هذه المرآة ظاهرة ووجه المرآة مخفيا . أهـ "".


قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  [فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه إنه عالم، حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث، و قديم في حق القديم، فصار كل واحد محكوما به و محكوما عليه . و معلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني ] .
قال الشارح رضي الله عنه :
فكما حكم العلم على من قام به أنه يقال فيه: عالم من حيث الحقيقة الكلية حكمة الموصوف به على العالم الموجود الجزئي الخارجي بأنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم، و حادث في حق الحادث القديم، فصار كل واحد من الأمر الكلي و الوجود الجزئي
(محكوما به و محكوما عليه )، فصار الأمر الكلي محكوما به باعتبار و محكوما عليه باعتبار آخر .
( و معلوم أن هذه الأمور الكلية و إن كانت معقولة فإنها معدومة العين) في الخارج (موجودة الحكم كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني) .
"" إضافة الجامع : في خصائص الأمور الكلية يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة - لا تزال - عن الوجود العيني ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.
فهذه الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها. 
فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين … 
غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم …
هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني، فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزيء فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص، لم تتفصل، ولم تتعدد بتعدد الأشخاص، ولا برحت معقولة ".
يقول الشيخ بالي زادة أفندي: 
الأمور الكلية: أي الصفات المشتركة بين الحق والعبد التي يتحقق الارتباط بها بينهما وإن لم يكن لها وجود في عينها ".


يقول الشيخ صدر الدين القونوي
" إن الأمر الكلي ينقسم إلى ثلاث أقسام:
قسم يختص به الحق.
وقسم ينفرد به الكون.
وقسم يقع فيه الاشتراك في المقام النفسي العمائي، الذي هو السر الجامع المشار إليه ".  

* وعن العلم بالحقائق  والصور والأمهات يقول الشيخ الأكبر في الفتوحات في الباب الثاني  :
فإن الحقائق على قسمين :
1 - حقائق توجد مفردات في العقل كالحياة والعلم والنطق والحس
2 - وحقائق توجد بوجود التركيب كالسماء والعالم والإنسان والحجر .
فإن قلت فما السبب الذي جمع هذه الأمهات المتنافرة حتى ظهر من امتزاجها ما ظهر فهنا سر عجيب ومركب صعب يحرم كشفه لأنه لا يطاق حمله .
لأن العقل لا يعقله ولكن الكشف يشهده فلنسكت عنه وربما نشير إليه من بعيد في مواضع من كتابي هذا يتفطن إليه الباحث اللبيب .
ولكن أقول أراد المختار سبحانه أن يؤلفها لما سبق في علمه خلق العالم وإنها أصل أكثره أو أصله إن شئت فألفها ولم تكن موجودة في أعيانها ولكن أوجدها مؤلفة لم يوجدها مفردة ثم جمعها فإن حقائقها تأبى ذلك .
فأوجد الصورة التي هي عبارة عن تأليف حقيقتين من هذه الحقائق.
فصارت كأنها كانت موجودة متفرقة ثم ألفت فظهرت للتأليف حقيقة لم تكن في وقت الافتراق فالحقائق تعطي أن هذه الأمهات لم يكن لها وجود في عينها البتة قبل وجود الصور المركبة عنها.
فلما أوجد هذه الصور التي هي الماء والنار والهواء والأرض وجعلها سبحانه يستحيل بعضها إلى بعض . فيعود النار هواء والهواء نارا كما تقلب التاء طاء والسين صادا لأن الفلك الذي وجدت عنه الأمهات الأول عنها وجدت هذه الحروف.أهـ. ""
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء العاشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:12 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء العاشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء العاشر

قال المصنف رضي الله عنه : ( ولما اقتضاه لذاته كان واجبا  به . و لما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة، ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح للحادث و إن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه .)
قال الشارح رضي الله عنه :
(و لما اقتضاه بذاته كان واجبا به ). فإن للعالم أحكاما لولا تعريفه تعالى إيانا بها ما عرفناها و ذلك أنه إذا اتبعنا رسوله فيما جاءنا به من الطاعة أحبنا، و أرضيناه فرضي عنا .
قال تعالى: "رضِي اللّهُ عنْـهُمْ" [ المجادلة: 22]، و إذا خالفنا و لم نمتثل أمره أسخطناه و أغضبناه، و كذلك إذا دعونا أجابنا، فالدعاء من أثره، و الإجابة من أثرنا لتعلموا أنه ما ظهر شيء إلا من صورة ما هو عليه مؤثر و متأثر، فإذا فهمت هذا المساق علمت معنى: التفت الساق بالساق، و عرفت الأمر هكذا على الإطلاق فافهم .
(  و لما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته) لا لأمر عرضي اقتضى أن يكون على صورته .
قال الله تعالى: "قلْ كُلٌّ  يعْملُ على شاكلتهِ " [ الإسراء: 84] .
ورد في الخبر الصحيح : "إن الله خلق آدم على صورته". رواه الشيخان البخاري و مسلم رضي الله عنهما .
أي لما كان استناد المحدث إلى المحدث من اقتضاء ذاتي من المحدث الفاعل، و ذلك لأنه متصوّر الحق تعالى لما جاء في الحديث ذكر الصورة، فعلمنا أن الله تعالى إنما أراد خلقه على الصورة من حيث أنه يتصوّر إلا من حيث ما يعلمه من غير تصور.
فكل ما يتصوّره المتصورون فهو عينه لا غيره كان من كان لأنه ليس بخارج عنه، ولا بد للعالم أن يكون متصوّرا له على ما تظهر عينه إذ لم يبق في الإمكان معنى إلا و قد ظهر في العالم متصور، ولا خفاء أن الشكل و الصورة يألف شكله و صورته و هو الإنسان الكامل الذي لا يماثل في ليس كمثله  شيء، و هو محل الجمع لصورة الحضرة الإلهية و لصورة العالم الكبير، و انفصل من جميع المولدات لأن جميع المولدات ما عدا الإنسان الكامل موجود عن العالم، فهو أم بغير أب كوجود عيسى عليه السلام من حيث الطبيعية، بخلاف الإنسان الكامل فإنه بين أب و أم، فافهم .
قال رضي الله عنه في الباب الثامن و الثمانين و مائتين من "الفتوحات" بعد ذكر هذه المسألة: و إنما نبهتك على هذا لئلّا تقول أن جميع المولدات وجدت بين الله و العالم و ما كان الأمر كذلك، و إلا فلا فائدة لقوله صلى الله عليه و سلم : "خلق آدم على صورته". 
ولا كما يتوهمه بعض أصحابنا بل شيوخنا من كونه ذاتا و سبع صفات، فإن ذلك غير صحيح .
فإن الإنسان الحيواني معلوم أن له الذات و الصفات، بل لكل حيوان كما للإنسان الكامل، و إن كان التفاوت بالنقصان و الزيادة و ليس الأمر في نفس الأمر كذلك، بل كان يبطل اختصاص الإنسان الكامل بالصورة، فابحث على هذا الكنز حتى يفتح الله عليك كما فتح به على من يشاء من عباده، انتهى كلامه رضي الله عنه .
و إنما خلقت على صورته حتى تطلع منك على ما أخفاه فيك من قرة أعين، بل حتى تطلع على ما في نفسه تعالى .
قال رضي الله عنه: العلم الذي يعطي السعادة للعبد هو العلم الذي يعلم ما في نفس الحق ولا يعلم ذلك أحد من خلق الله إلا بإعلام الله.
قال تعالى: "ولا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا  بما شاء " [ البقرة: 255] .
قال الله تعالى عن الكامل عليه السلام: إنه قال اعترافا أو تأدبا بأدب النبوّات: "تعلمُ ما في نفْسِي" أي من حيث أنه عينها .
"ولا أعْلمُ ما فِي نفْسِك" [ المائدة: 117] من حيث أني غيرك في هذا الموطن .
يقول: المحمّدي الذي يغبطه النبيون يوم الفزع الأكبر بلا خوف و لا فزع، وأعلم ما في نفسك، وذلك إمّا من مقام من عرف نفسه فقد عرف ربه لأن نفسه استهلكت و فنيت.
وما قال ما قال إلا بلسان الذات هذا كمالهم عند البقاء، فلا يعلم ما في نفسه سواه لأن هذا لسان الولاية، و الله الولي الحميد و على ما نقول شهيد، فافهم .
وإن خرجنا عن المقصود و لكن ما خرجنا بالكلية، بل نحن ندندن حواليه، و أردت أن أظهر لك هذه الإشارة لتكون لك بشارة إن كنت من المحمّديين حتى تعرف قدر سيدك صلى اللّ ه عليه و سلم، و قدر وارثيه لتعلم معنى قوله صلى الله عليه و سلم : "أوتيت جوامع الكلم".
وقوله صلى الله عليه و سلم : "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل".
كما قال القطب الوارث في هذا المقام: أوتيتم اللقب، و أوتينا ما لم تؤتوا، فافهم . 
فإن قيل: إذا كان ظهوره على الصورة، فما هذا التغير الذي يطرأ على الإنسان في نفسه، وصورة الحق لا تقبل التغير الذي يطرأ على الإنسان في نفسه؟ 
قلنا: إن الله تبارك وتعالى قال في هذا المقام: "سنفْرغُ لكُمْ أيُّه الثّقلانِ" [ الرحمن: 31] . 
و قال صلى الله عليه و سلم : "إن الحق يتجلى في أدنى صورة". رواه البخاري ومسلم  
لم يتحول عند إنكارهم إلى الصورة التي عرفوها فيها بالعلامة التي يعرفونها، فقد أضاف إلى نفسه هذا المقام وهو العلي عن مقام التغير بذاته، ولكن التجليات الإلهية في المظاهر على قدر العقائد، فيختلف باختلافها.
وبهذا الاعتبار ارتفع الاعتراض الوهمي تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا .
""أضاف المحقق قال سيدي عبد الوهاب الشعراني: يا أخي : (أن للحق تبارك وتعالى تجليين تجلي في رتبة الإطلاق حيث لا خلق، وتجلي في رتبة التقييد بعد خلق الخلق، ولكل من هذين التجليين جاءت الشرائع والأخبار الإلهية، فمن قال بتنزل الحق تعالى في مرتبة التقييد على الدوام أزلا وأبدا ?المجسمة والحلولية والقائلين بالاتحاد أخطأوا، ومن قال بعدم التنزل من مرتبة الإطلاق على الدوام أبدا كالمنزهة فقد أخطأوا، فرجع يا أخي كل كلام يعطي التنزيه إلى مرتبة الإطلاق، وكل كلام يعطي ظاهره التشبيه إلى مرتبة التقيد،  يرتفع الخلاف عندك والتعارض من جميع الآيات والأخبار) انتهى . ""
"" أضاف المحقق: أعلم يا أخي أن تجلى الإطلاق هو: كل ما أشعر بعدم وجود العالم المشار إليه بس كان الله ولا شيء معه.
وتجلي التقييد هو: كل ما أشعر بعدم وجود العالم المشار إليه بـ «كان الله ولا شيء معه.
و تجلي التقييد هو: كل ما أشعر بوجود العبد مع الرب من سائر حضرات الأسماء الإلهية .
فتجلى الإطلاق هو: تجليه تعالى في ذاته لذاته على الدوام، وذلك لا يكون إلا في حضرة الاسم (الله)، والاسم (الأحد)
و تجلي التقييد هو: تجليه تعالى لعباده في بقية الأسماء التي تطلبهم: كالرب، والخالق، والرازق، والرحمن، والمعز، والمذل، والمنتقم، وغيرها من سائر ما علمناه، وما استأثر الله بعلمه؛ فإن الرب يطلب المربوب و جودا وتقديرا في العلم الإلهين، ولا يعقل إلا معه، وكذلك الخالق وما بعدها
وأما حضرة الذات التي هي تجليه تعالى في الاسم الله أو الاسم الأحد فلا تطلب شيئا من العالم، "ومن جاهد فإنما يجاهد نفسه إن الله لغني عن العالمين" [العنكبوت:6].
ولذلك كان لا يعقل لحضرها أحكام، ولا يصح أن يؤخذ عنها بشرائع ولا أحكام؛ اذ ليس معها سواها.
وتأمل يا أخي لو يقع التجلي في رتبة التقييد ، كان التحلي في رتبة الإطلاق كما كان قبل حلق الخلق المشار إليه بـ «كان الله ولا شيء معه» من كان معه حتى بتلقي عنه شرائع، ومن كان هناك يعمل بما أو لا يعمل من أهل القبضتين. 
وأنشدوا
قد كان ربك موجودا ولا معه     …. شيء سواه ولا ماض ولا ات
فلما خلق الله تعالى الخلق وتجلى في رتبة التقيد التي هي كناية على المرآة المنطبع فيها صور الموجودات أجمع وسمي لنا نفسه بالأسماء الطالبة لأهل حضراتها.
ولا بد لك أيضا من إثبات من تحكم فيه حضرات الأسماء الإلهية: ?ـ المعز، والمنتقم، والغفور، فإن أثر هذه الأسماء في حق الحق محال .
فقد بان لك أنه تعالى من حين أظهر الخلق ما تجلى لهم قط في رتبة الإطلاق؛ لأن هذه الرتبة تنفي بذاتها وجود غيرها معها، وما تجلى بعد إظهار هم إلا في رتبة التقييد.
ومن لازم شهود أهل العقول أنفسهم معه التحييز والتحديد والحصر؛ إذ المقيد لا يشهد إلا مقيدا، وأما الإطلاق فإنما يعلم فقط بالإعلام الإلهي لا بالعقل.
ولذلك قررنا غير ما مرة أن أعلى مشاهدة العبد أن يرى إطلاق الحق تعالى وتقييد الكون، فهذا إذا حقيقة وحدته تقيدا.
فإن أصل التقييد وسيبه إنما هو التمييز ، حتى لا تختلط الحقائق، وقد صار الحق تعالى في قلب هذا الشاهد مقيدا بالإطلاق؛ لأن الإطلاق بلا مقابل لا يعقل، ولو كان التجلي في كل صورة في العالم.
وبلغنا عن الشيخ محيي الدين رحمه الله : أنه كان يقول بإدراك نجلى الإطلاق ذوقا، وهذا لا يصح إلا عند من يقول أن الحق تعالى يقبل حكم كل ممكن من حيث أنه عين الوجود.
بل ولو قيل بذلك لا يتخلص له إلا عند فنائه، لا في حال بقائه مع الحق، وحينئذ فما رأى إطلاق الحق إلا الحق، فافهم.
وإياك والغلط؛ فإنه لا حلول ولا اتحاد ولا يلحق عبد رتبة ربه أبدا، ولو صار الحق تعالی سمعه وبصره وجميع قواه فإن الحق تعالى قد أثبت عين العبد معه بالضمير في قوله في الحديث القدسي: «كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به»، إلى أخر النسق.
فإن قيل: إن كلام الحق تعالى قديم، وقد قال الله تعالى"هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش" [الحديد: 4].
وهذا يشعر بأنا معه في الأزل، كما يقول بذلك الفلاسفة.
قلنا: التحقيق أن العالم كله قدم في العلم الإلهي حادث في الظهور .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولا شيء معه»،
وأجمع المحققون على أن المراد بـ (كان) الوجود، لا أنها على صورة (كان) التي هي من الأفعال الماضية، فهو حرف وجودي، لا فعل يطلب الزمان، كما يتوهمه بعضهم.
حتى أنهم أدرجوا في الحديث: (وهو الآن على ما عليه كان)؛ لتخيلهم أن تصريفها كتصريف الأفعال.
 ?ان ويكون وكائن ومكون، فمعنى الحديث: الله موجود ولا شيء معه في حضرة ذاته: أي ما ثم من وجوده واجب لذاته، إلا هو وحده. ""
فلمّا كان الإنسان على الصورة اقتضى أن يكون سريع التغيير كثير الخواطر، فلا يزال يتقلب في كل نفس لو ظهرت لرأيت عجبا لكونه على صورة الأصل .
و هو كل يوم هو في شأن، فمن المحال ثبوت العالم زمانين على حالة واحدة، فلا يزال يتقلب في كل آن، يسمّي الخواطر بحكم الأصل الذي كل يوم هو في شأن، فأصل التغيير من تغيير الأصل الذي يمدّه، و ذلك لما علمنا أنه الدهر، و أن صفة الدهر الحول القلب .
و في الحديث الصحيح : "إنه تعالى يتحوّل في الصور فيعرف و ينكر". ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب والمباركفوري في التحفة.
قال الشيخ رضي الله عنه: لما رأيت اختلاف عيني و لم يستقر لي أصل، فطلبت الإقالة من وجودي . 
فقال: أما ترضى أن تكون مثلي و ليس كمثله شيء، انتهى كلامه .
فأثر الانتقالات في الأحوال من أثر كونه تعالى كل يوم هو في شأن .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: و لا يشهدها كشفا إلا أصحاب الأحوال، و لا يشهدها حالا إلا أهل السياحات، ولا يشهدها علما إلا القائلون بتحدد الأعراض في كل زمان و هم طائفة من أهل الكلام القائلون بأن الأعراض لا تبقي زمانين، فافهم .
( فيما ينسب إليه تعالى من كل شي ء ): أي فيما يجوز أن ينسب إليه إمّا في أول الأمر كالاسم فإن له الأسماء، و إمّا ثانيا  كالصفة فإن له بعد نسبتها إلينا .
فلهذا قال رضي الله عنه: (من اسم )، قال الله تعالى: "لهُ الْأسْماءُ الحُسْنى يسبِّحُ لهُ ما في السّماواتِ والْأرضِ و هُو العزيزُ الحكِيمُ" [ الحشر: 24] أثبت لنفسه الأسماء .
قال رضي الله عنه في الباب الثامن و الثلاثين و ثلاثمائة من "الفتوحات": أعلم الخلق بالله صلى الله عليه و سلم من هذا المقام : "لا أحصي ثناء عليك"الحديث لأن الثناء بالأسماء و أسماؤه الحسنى لا تحصى، فالثناء عليه لا يحصى، والألسنة تكلّ فيها و تعيي.
وأمّا الثناء من حيث التسبيح تنحصر، و تحصى، و لا تكلّ به الألسنة و لا تعني لأنه نفي عن كل وصف لا إثبات فيه .
( و صفة) و هي من النسب التي لا يجوز أن ينسب إليه تعالى في أول الأمر، بل تنسب إليه بعد نسبة ذلك إلينا .
قال الله تعالى: "سُبْحان ربِّك رب العِزِّة عمّا يصِفُون" [ الصافات: 180] أطلق و لم يقيد بصفة دون صفة، و العزة المنع من الوصول إليه  شيء من الثناء عليه .
قال الإمام الغزالي رحمه الله في بعض تصانيفه إشارة إلى هذا المقام .
والمعنى: إن الناس ينزهونه عن نقائض الصفات، و أنا أنزهه عن كمالها .
أما ترى أن بعض العلماء تنبهوا لهذا المعنى، و إن لم يلم مرضى علماء الرسوم و لكن هو حق من وجه، و ذلك أنهم لما رأوا أن المشاركة بين الحق و الخلق ما يصح حتى في إطلاق الألفاظ عليه .
فإذا قيل لهم: إنه موجود، قالوا: ليس بمعدوم.
و إذا قيل: إنه عالم، قالوا: ليس بجاهل .
و هكذا جمع الصفات الثبوتية، فإن الحادث موصوف به و لا مشاركة، فافهم .
قال رضي الله عنه في حضرة الحضرات من "الفتوحات": فإن الأصل التعري و التنزيه و التبري عن الصفات مطلقا و لا سيما في الله .
إذا كان أبو يزيد رضي الله عنه يقول: لا صفة لي فالحق أولى أن يطلق عن التقييد بالصفات لغنائه عن العالم لأن الصفات إنما تطلب الأكوان، فلو كان في الحق ما يطلب العالم لم يصح كونه غنيا عمّا هو طالب، فافهم .
و ذكر رضي الله عنه في الباب الثامن و الثلاثين و ثلاثمائة من "الفتوحات" : فانظر حكمة الله تعالى في كونه لم يحصل له صفة في كتبه، بل نزه نفسه عن الوصف .
فقال: "وللّهِ الْأسْماءُ الحُسْنى" [ الأعراف: 180] فجعلها اسما، ولم يجعلها نعوتا وصفاتا ولكن هي لنا نعوت وصفات يثني علينا بها.
قال تعالى: "بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] و أذن لنا بالتخلق في الأسماء الحسنى و هو عين ما قلنا، ثم أثنينا به عليه لأنه حميد و له عواقب الثناء، فأثنى الله على نفسه بها .
و قال : "إن الكبرياء ردائي" ، وهي صفة عبده و هو رداؤه، فإنه من منزل ثناء الحق على نفسه بغناه عن خلقه بخلقه، فافهم .
إن هذا عين ما سيقوله رضي الله عنه في المتن بعد سطرين .
و هو قوله: فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف، و هكذا الأمر لما كان استناد المستند إلى المستند لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من الأسماء.
و هو التخلق بأخلاق الله تعالى و إحصاء الأسماء الحسنى، و فيما لا ينسب إليه كالصفات لأنه تعالى جمع له التقييد و الإطلاق، كما جمع لنفسه بين التنزيه و التشبيه، فقال تعالى: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 12] .
و من هذا المقام قال أبو يزيد قدّس سره لما قيل له كيف أصبحت؟
فقال: لا صباح لي و لا مساء، إنما الصباح و المساء لمن تقيد بالصفة و أنا لا صفة لي، فوصف نفسه بعدم التقيد بالصفات، فإذا كانت الصفة قيدا لا يقبله العبد المقيد، فكيف تطلق على المطلق الحقيقي، و هو رضي الله عنه أشار بهذا إلى التجرد الحقيقي، فافهم . 
( غير الوجوب الذاتي) ما استفاده من أحد فإنه وصف ذاتي لا يفارقه أبدا . 
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة: إن كل حكم في العالم لا بد أن يستند إلى نعت إلهيّ، إلا النعت الذاتي التي يستحقه الحق الذاتي و به كان غنيا، و النعت للعالم بالاستحقاق و به كان فقيرا، بل عبدا . 
و من هذا الذوق قيل: الفقير لا يحتاج فافهم، فإن المحل ما يحتمل البسط فإن ذلك: أي اقتضاؤه لذاته لا يصح في الحادث، و إن كان واجب الوجود: أي من كونه حادثا لا يصح له هذا، و إن كان يصح له وجوب الوجود من وجه آخر . 
( و لكن وجوبه بغيره لا بنفسه ): أي من حيث أنه حادث بخلاف ما نحن بصدد بيانه، فإنه من اقتضاء ذاتي من الوجه الحق، فهو واجب بوجوبه لإيجابه، فإن الذاتيات لا تفارق الذات بوجه من الوجوه و إلا يلزم خلاف المفروض، فافهم . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات" في الاسم الحق: إن للحق وجوب الوجود بنفسه، و للخلق وجوب الوجود لا أقول بغيره، فإن الغير ما له عين و إن كان له حكم كالنسب لا عين لها و لها الحكم . 

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ثم ليعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث و ذكر أنه تعالى أرانا آياته فيه . فاستدللنا بنا عليه فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي  ] .
قال الشارح رضي الله عنه :
( ثم لتعلم) لما ذكر رضي الله عنه الرابطة التي هي من المناسبة الصورية، و أي مناسبة أعلى و أتم أن يكون على الصورة، فأراد أن يذكر لوازمها . 
( إنه لما كان الأمر على ما قلنا من  ظهوره بصورته) أما ترى الحق تعالى ما تسمّى باسم، و لا وصف نفسه بوصف إلا و الخلق يتصف بهما بحسب ما تعطيه حقيقة الموصوف .
و إنما تقدّمت في الحق بالوجود، و تأخّرت في الخلق لتأخره فيه، فيقال في الحق: إنه ذات توصف بأنه حي عالم قادر، و يقال في العالم: إنه حي عالم قادر بلا خلاف من أحد، و العلم و الحياة و القدرة على حقيقة في العقل .
( أحالنا الله تعالى في العلم به على النظر في الحادث) آخر علمنا به عن علمنا بالحوادث لنعلم أن علمنا بالحوادث أصل للعلم بالأصل، فافهم .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه". 
فيه إشارة خفية إلى ذلك و هو لب المعارف الإلهية، حيث جعل الأصل فرعا والفرع أصلا، فافهم ولا يمكنني إظهاره أكثر من هذا.
قال صلى الله عليه و سلم : "أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه". 
فجعلك دليلا عليه، و جعل معرفتك بك دليلا على معرفتك به إمّا بطريق وصفك بما وصف به نفسه، و إمّا بطريق الافتقار الذي أتت عليه في وجودك، و إمّا بالأمرين لا بد من ذلك، فافهم .
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب الخامس و السبعين و ثلاثمائة: و قد ذكرت هذه المسألة في محل آخر، و لكن أذكرها هنا بضرورة داعية إليها، و هي أن الأصل التقييد لا الإطلاق في محل، فإن الوجود مقيد بالضرورة .
و لذلك كل ما دخل في الوجود مثناة، فالإطلاق الصحيح إنما يرجع لمن في قوته أن يتقيد بكل صورة، و لا يطرأ عليه ضرورة من ذلك التقييد، و ليس هذا إلا لمن تحقق بالمداراة .
و الله يقول: "وهُو معكُمْ أين ما كُنْتُمْ " [ الحديد: 4]، و هو أشرف الحالات لمن عرف ميزانها، و هو واحد فرد، و أين ذلك الواحد الفرد؟ فافهم، انتهى كلامه رضي الله عنه .
ورد في الحديث : "بعثت لمداراة الناس". رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه .
و فيه إشارة إلى ما ذكرناه من المداراة، فلمّا أحالنا في العلم به تعالى على النظر في الحادث، فعلمنا أنا مطلوبون له لا لأنفسنا و أعياننا لأن الدليل مطلوب للمدلول لا لنفسه، و لهذا لا يجتمع الدليل و المدلول أبدا، فلا يجتمع الحق و الخلق أبدا في وجه من الوجوه إذا جاء الحق زهق الباطل، فالعبد عبد لنفسه، و الرب ربّ لنفسه، فالموجود موجود، و المعدوم معدوم .
و ذكر أنه أرانا آياته فيه: أي في الحادث، و هو قوله تعالى: "سنريهِمْ آياتنا فِي الْآفاقِ وفي أنْـفُسِهِمْ حتّى يتبيّن لهُمْ أنّهُ الحق أو لمْ يكْفِ بربِّك أنّهُ على كُل شيْءٍ شهِيدٌ" [ فصلت: 53]، فأحالنا على الآفاق وهو ما خرج عنا من الحوادث وعلى أنفسنا، وهو ما نحن عليه وبه من حيث الحدوث .
قال تعالى: "وفي أنْـفُسِكُمْ أفلا تُـبْصِرُون" [ الذاريات: 21]، فإذا وقفنا، وعثرنا على الأمرين معا حينئذ عرفناه، فتبين لنا أنه الحق .
قال صاحب ذوق :
في كلّ شيء له آية       ..... تدلّ على أنه واحد
و العارف يقول في هذا المقام: ففي كل شيء لذاته تدل على أنه عينه، و لكن دلالة الأمرين: أي الآفاق والأنفس مجموعا أتم و أعلى لحكمة سيظهرها لك إن شاء الله تعالى .
و هي: أنا إذا نظرنا في نفوسنا ابتداء لم نعلم هي يعطي النظر فيها ما يعطي النظر في الآفاق علما بالله أم لا يعطيه نفوسنا، فإذا نظرنا في نفوسنا حصل لنا من العلم به ما يحصل للناظر في الآفاق، فإذا نظرنا جميعا ظهرت لنا حقيقة الأمر بلا مراء و شك، فافهم .
و أما الشارع صلى الله عليه و سلم فلما علم أن النفس جامعة لحقائق العلم فإنها مختصّة و منتخبة منه فجمعك عليك حرصا منه على كمال أمته كما شهد الله تعالى .
فقال تعالى: "حريصٌ عليْكُمْ" [ التوبة: 128] حتى تقرب الدلالة فتقول معجلا بالعلم بالله، فتستعد لمعرفته بك .
فقال صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه وأعرفكم بنفسه أعرفكم بربه".
فإنه عليه السلام أحالك على نفسك لما علم أنك ستكون من المتبعين المحبين المحبوبين فيكون الحق قوّاك، فتعلمه به لا بك .
وهذا السوق من ذوق قوله صلى الله عليه وسلم : "لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الخبر عني، فيقول: اتل عليّ به قرآنا إنه والله بمثل القرآن وأكثر" .
ذكره رضي الله عنه في باب تاسع عشر و خمسمائة من "الفتوحات" .
و قال رضي الله عنه: أو أكثر في رفع المنزلة، و في رواية: "أيحسب أحدكم متكئا على أريكته أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن إلا و أني و الله قد أمرت و وعظت و نهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن أو أكثر"  الحديث رواه أبو داود، و البيهقي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه .
و أما الحق تعالى فذكر الآفاق حذرا عليك ما ذكرناه أنه قد بقي في الآفاق ما يعطي من العلم باللّه ما لا تعطيه نفسك، فأحالك على الآفاق .
فإذا عرفت عين الدلالة منه على الله تعالى ثم نظرت في نفسك من العلم بالله فلم يبق لك شبهة تدخل عليك فتطابق الأصلين، و تقرأ الكتابين فلا يخرج  شيء من البين، فافهم .
و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه .
فاستدللنا بنا عليه، قال الله تعالى: "وفي أنْـفُسِكُمْ أ فلا تُـبْصِرُون" [ الذاريات : . [21
و قال صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
فاستدللنا بأنفسنا عليه فإنه ما ظهر إلا بنا، و ما بطن إلا بنا، و ما صحّت الأولية إلا بنا، و ما ثبتت الآخرية إلا بنا، فإنا كل شيء وهو بنا عليم، ذكره رضي الله عنه في الخزائن من "الفتوحات".
إن من أعجب العجاب أن بالإنسان استتر الأمر فلم يشهدوا و بالإنسان ظهر حتى عرف فجمع الإنسان بين حجاب و ظهور، فهو المظهر الساتر المعروف المتنكّر .
قال الشيخ عبد الله الأنصاري قدّس سره في بعض مناجاته: إلهي ما فعلت في أوليائك كل من طلبهم وجدك، و من لم يركما عرفهم صيرتني مرآة من يبغيك، من يراني يراك و أرباب الحجاب .
قلت فيهم: "وتراهُمْ ينْظرُون إليْك وهُمْ لا يـبْصِرُون" [ الأعراف: 198] انتهى كلامه قدّس سره.
قال رضي الله عنه: إن أصل وجود العلم بالله العلم بالنفس، فالعلم بالله حكم العلم بالنفس الذي هو أصله، و العلم بالنفس بحر لا ساحل له عند العلماء بالنفس، فلا يتناهى العلم بالله .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" .
إمّا أحال المحال على المحال، و إمّا حقق أنه من عرف الأصل فقد عرف الفرع و هما محتملان من محتملات معاني كلمة جوامع الكلم، فافهم هذا الذي أحلناه يعطيك استعداد الكشف الإلهي .
قال رضي الله عنه: ذهب بعض أصحاب الأفكار إلى أن العلم بالله أصل في العلم بالنفس و لا يصح ذلك أبدا في علم الحق خاصة و هو مقدم، و أصل بالمرتبة لا بالوجود فإنه بالوجود عين علمه بنفسه عين بالعالم إلا بأمر زائد، و إن كان بالرتبة أصل فما هو بالوجود .
كما يقول صاحب النظر العقلي في تقدم العلة على المعلول: إذا تساويا في الوجود كحركة اليد و حركة المفتاح، فمعلوم أن رتبة العلة مقدّم على رتبة المعلول عقلا لا وجودا.
و كذلك المتضايفان من حيث ما هما متضايفان و هو أتم فيما يزيد فإن  كل واحد منهما علة و معلول لمن قامت به الإضافة، فكل واحد علة لمن هو له معلول، و معلول لمن هو له علة، و من حيث أعيانهما لا علة و لا معلول، فافهم .
( فما وصفناه بوصف) و إنما قال رضي الله عنه: بوصف، و ما قال: بصفة للنكتة التي قد ذكرناها سابقا و هي: إن الصفة يعقل منها أمر زائد و عين زائدة، و الوصف ليس كذلك بل هو نسبة خاصة لا عين لها هكذا ذكره رضي الله عنه في »الفتوحات« .
( إلا كنا نحن ذلك الوصف) لأن ذواتنا أوصاف قائمة على عين واحدة .
قال تعالى إشارة إلى ذلك المقام: "هُمْ درجاتٌ عِنْد اللّهِ" [ آل عمران: 163]
و لم يقل: لهم درجات، فجعلهم أعيان الدرجات لأنهم كلمات الكمالات الذاتية و اعيانها .
قال رضي الله عنه: إني رأيت الشيخ أبا أحمد قدّس سره بمرسيه، و سأله إنسان عن اسم الله الأعظم، فرماه بحصاة يشير إليه أنك اسم الله الأعظم.
فإذا رأيت المدّعي يثني على الله بأسمائه التنزيهية و التشبيهية و لا شاهدها و لا حسّ آثار الحق فيه، و من عمي عن نفسه التي هي أقرب إليه، فهو عن غيره أعمى و أضل سبيلا فافهم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الثامن و الثلاثين و مائتين من "الفتوحات" .
( إلا الوجوب الخاص الذاتي) لا العام الشامل للوجوب بالصبر، فإنه يتصف الحادث و الصفات فإنه ما  وصفنا به و ما كنا بذلك لأنه ذاتي و للكون و الجعل ليس فيه محال.
فافهم هذا المبهم حتى تفرق بين اليهم و المبهم، أظهر و أخفى، عرا و كسا، حسبنا الله و كفى كما هو عادة الأمناء الأدباء يفهمه من يفهمه، و يجهله من يجهله .
لأننا من حيث عياننا ما نظهر بهذا الوصف، فإنه وصف خاص ذاتي للقديم الذي له الغناء الذاتي و الممكن في كل حال عدمه و وجوده.
مفتقر محتاج احتياج الفرع إلى الأصل، أصل الوجود مرة و افتقار استمراره أخرى، فلا يزال فقيرا محتاجا في حال عدمه و وجوده، بل الإمكان حكم وهمي لا معقول لا في الإلهيات، و لا في المسمّى ممكنا فإنه لا يعقل هذا المسمى أبدا ألا من حجاب حالة اختيار لا يعقل إلا و لا ترجيح .
و هذا غير واقع عقلا لكن يقع وهما و الوهم حكم عدمي فما ثم إلا واجب بذاته و واجب به، فمشيئة الأشياء واحدة و إذا زال الإمكان زال الاختيار، و ما بقى سوى عين واحدة و ما عندها إلا أمر واحد في الأشياء كلمح البصر، ذكر هذه المسألة في الباب الثامن و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات" فافهم .
وهذا غير واقع عقلا لكن يقع وهما و الوهم حكم عدمي فما ثم إلا واجب بذاته و واجب به، فمشيئة الأشياء واحدة و إذا زال الإمكان زال الاختيار، وما بقى سوى عين واحدة و ما عندها إلا أمر واحد في الأشياء كلمح البصر، ذكر هذه المسألة في الباب الثامن والستين وثلاثمائة من "الفتوحات" فافهم .
فإني أردفت لك أصلا بعد أصل، أرداف زمر بعد زمر، و إشارة بعد إشارة و سوقنا في سوق البيان و على أرض العبارة ممهدة لا ترى فيها عوجا و لا أمتا حرجا فارجع البصر هل ترى من تفاوت، ثم ارجع البصر كرتين هل ترى من فطور فافهم .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين يوليو 29, 2019 10:45 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الحادي عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:14 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الحادي عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الحادي عشر

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فلمّا علمناه بنا و منا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا، و بذلك وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم إلينا، فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا و إذا شهدنا شهد نفسه . ]
قال الشارح رضي الله عنه :
( فلما علمناه بنا ): أي بأنفسنا لأنه عيننا اعلم أولا أنه بالتحقيق الأتم و الكشف الأوسع الأعم أنه تعالى كما ترى يعلم، و  كيف لا؟
إن الله تعالى خلق المعرفة المحدّثة به لكمال مرتبة العرفان و مرتبة الوجود .
و قال تعالى: "وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا ليعْبدُونِ" [ الذاريات: 56] .
قال الراسخ في العلم: أي إلا ليعرفون، و قال: أعلم الخلق بالله صلى الله عليه و سلم "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
أثبت مكان هذه المعرفة، و لم تكمل تلك المرتبة، تلك المرتبة الكمالية العرفانية إلا بتعلق العلم الحادث بالله على صورة ما تعلق به العلم المحدث به، ما تعلق إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه، و الذي هو عين كل صورة فهو عالم بكل صورة من علمه بنفسه.
و لا يتصف بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم عن دليل، و إمّا من أخذ العلم به عنه تعالى لا عن دليله، فهو لا يعجز عن حصول العلم بالله، فإنه ما حاول أمر العجز عنه، بل أنه علم موهوب من لدن حكيم عليم .
قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء كُلّها" [ البقرة: 31] و من اسم الذات فقد علم بشهادة الله تعالى لأنه عين الذات مثل الواحد و الأحد و الله عند أهل الظاهر.
و قد بسطنا هذا المعنى في شرح آية الكرسي بسطا يعني للمتعند الكنود، فإني جعلته بمنزلة الكشف و الشهود .
ثم اعلم ثانيا أنه لا يصح العلم لأحد إلا لمن عرف الأشياء بذاته لا بأمر زائد و كل من عرف شيئا بأمر زائد على ذاته هو مقلد لعلوم النظر يعني: هو يعلم بذلك الوجه المخصوص الذي يعطيه الأمر الزائد لذلك الزائد فيما أعطاه، و ما في الوجود من علم الأشياء بذاته إلا واحد و كل ما سوى ذلك الواحد فعلمه بالأشياء تقليد، فلنقلد الله و لا سيما في العلم بالله .
ينبغي للعاقل الناصح نفسه إذا أراد أن يعرف الله أن يقلد الله فيما أخبر به عن نفسه في كتبه على السنة، تراجمه صلوات الله عليهم بالوقوف على الآداب الشرعية المشروعة عسى أن يحبه، و إذا أحبه يكون سمعه و بصره و جميع قواه، فيعرف الأمور كلها بالله، و يعرف الله بالله فلا يدخل في علمه شبهة و لا ريب، و أنت قد عرفت أنه لا مزيل لهذا الداء العضال إلا أن يكون الحق عين قواه و هو سبحانه عالم بذاته و أنه لعالم بذاته لا بأمر زائد فافهم .
فقد نبهتك على أمر ما أطرق سمعك، فإن العلماء من أهل النظر يتخيلون أنهم علماء بما أعطاهم النظر و الحس و العقل، و ليس كذلك لما فهمته إن كنت فاهما من مقدمة كتابنا أن هذا النوع من العلم خارج عن طور العقل، فلا يدركه مستقلا فافهم .
فقوله رضي الله عنه:
(علمناه به) لأنه ظاهر بنا فعلمناه بعلمنا بأنفسنا، كما ورد في الخبر: "من عرف نفسه فقد عرف ربه". 
( ومنا ): أي من صفات أنفسنا لا من خارج عنا، فعلمنا المورد و المصدر و الأصل و الفرع .
( منا نسبنا إليه) ذاتا واسما من الأسماء التنزيهية و التشبيهية إلينا مما قبله العقل ومما لا يقبله العقل إلا بضرب من التأويل.
اعلم أن الأسماء الكونية قد وسم الحق بها نفسه كالاستهزاء و النسيان و التعجب و الضحك و الخدعة و الغضب، والأسماء الإلهية قد سمّاها تعالى الكون بها كالرؤف الرحيم، فأسماء الكون إذا نسبتها إلى الحق هل هي خلق أو استحقاق؟
فاعلم أن العبد من حيث أنه عبد لا يستحق شيئا لأنه من حيث عينه باطل ليس بحق أصلا، و الحق هو الذي يستحق بالحق، فجميع الأسماء في العالم و متخيل أنه حق للعبد هي حق الله تعالى، و أنه ليس للعبد سوى عينه، و عينه عدم فلا حق له و لا استحقاق، فافهم .
فإنه ما ثم مسمّى وجودي إلا الله و الأعيان معدومة في عين ما ظهر فيها، فقد اندرج في هذا الوصل إن فهمت جميع المعارف على تقاسيمها، فافهم فإنه عظيم الجدوى عزيز المثال جدا .
و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على السنة التراجم إلينا، فإنه تعالى وصف نفسه في كتابه و على السنة رسله بما وصف به المخلوقات المحدثات من المجيء والنزول والإتيان والوجه والعين و السمع و البصر و اليد و القدم و الأصابع و الذراع و البشيش و التعجب و الضحك و الرضى و الكراهة و التردد مما لا يقبلها العقل إلا بضرب من التأويل .
إمّا أن تكون هذه النسب في جنابه تعالى حقا ثم نعتنا به، و إمّا أن يكون لنا حقا، و نعت نفسه بها توصيلا لنا بها و خبره بها صدق و لا كذب، فإن كنا نحن فيه الأصل فهو مكتسب، و إن كان هو الأصل فقد كسبنا أباها، و هذا من أغمض نتائج العلم بالله فإنه أضاف نعوت المحدثات كلها بإخباره إخبارا قديما أزليا .
و منها قوله تعالى: "ولنبْـلوّنكُمْ حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ والصّابرين ونبْـلوا أخْبارُكمْ" [محمد: 31].
قال رضي الله عنه في منصات الأعراس من "الفتوحات" في المنصة الثالثة :
تجلي العبد في أسماء الكون، و تجلى له في أسمائه الحسنى، فيتخيل في تجليه بأسماء الكون أنه نزول من الحق في حقّه و لم يكن ذلك في أفقه، بل أن الكل أسماؤه الحسنى و أن العبد لا اسم له، حتى أن اسم العبد ليس له، و أنه متخلق به كسائر الأسماء الحسنى.
قال رضي الله عنه: إن هذا نهاية الكشف لربه و غايتها و كانت غاية أبي يزيد قدّس سره دونها .
فإن غايته ما قاله عن نفسه أنه قال لربه: يا رب بماذا أتقرب إليك؟
قال: بما ليس لي، قال: يا رب ما ليس لك و كل  شيء لك؟
فقال: الذلة و الافتقار .
فهذا خطه قدّس سره من ربه، ورآه غاية فإنه غايته لا الغاية و هذه طريقة أخرى ما رأيتها لأحد من الأولياء ذوقا إلا الأنبياء و الرسل خاصة صلوات الله عليهم أجمعين، و قليل من صفوة .
قال تعالى: قليلٌ مِنْ عِبادِي الشّكُورُ" [ سبأ: 13] .
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع و أربعمائة: إن الله تعالى أطلعني على أن جميع ما يتسمّى به العبد و يحق له النعت به و إطلاق الاسم عليه لا فرق بينه و بين ما ينعت به من الأسماء الحسنى فالكل أسماء إلهية، و هذا علم أمنّ الله به علينا مع مشاركتنا لهم قدّس سرهم فيما ذهبوا إليه، انتهى كلامه رضي الله عنه .
أي بإلحاق سفاسفها بها فتكون كلها مكارم لأنه ما ثم مسمّى وجود إلا الله فهو المسمّى بكل اسم، والموصوف بكل وصف، و المنعوت بكل نعت .
قال تعالى: " سُبْحان ربِّك رب العِزِّة عمّا يصِفُون" [ الصافات: 180] من أن يكون له شريك في الأسماء و الصفات كلها، فالكل أسماء الله الحسنى و لا غير حتى يكون له اسم أو وصف أو صفة، و الأعيان ما شمّت رائحة الوجود، فافهم .
فإن ما فوق هذه المعرفة معرفة و لا يعلم ذلك إلا العلماء الأمناء، وأن الأسماء و الصفات كلها  و التنبيه على ذلك قوله تعالى: "ليس لك مِن الْأمْرِ شيْءٌ" [ آل عمران: 128] فوصف نفسه لنا بنا و نحن له صفاته النفسية .
قال تعالى على لسان عباده:" إّنك كُنْت بنا بصِيرًاً" [ طه: 35] و هو البصير بنا .
قد ورد في الخبر بهم أراد بعض الأولياء : "تنصرون و هو الناصر، و بهم ترزقون و هو الرازق" .
فتعرف إلينا بنا، و أحالنا في المعرفة به علينا فإذا علمناه بنا عرفنا نفوسنا و نحن له صفات، فلتعلم أنك ما حكمت على معروفك إلا بك، فما عرفت سواك فافهم .
و فيه سرا آخر أخفي منه و هو أن الصفات النفسية إذا رفعتها ارتفع الموصوف بها، و لم يبق له عين لا في الوجود العيني و لا في الوجود العقلي حيث ما رفعتها فافهم، فإنك ما تسمع مثال هذا أبدا إلا من شخص سبل نفسه و عرضه .
كان صلى الله عليه و سلم يقول : "أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا أصبح يقول: 
اللهم إني قد وهبت نفسي و عرضي لك فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه ولا يضرب من ضربه" رواه أنس رضي الله عنه . رواه أبو داود والبيهقي في الشعب.
( فإذا شهدناه ): أي الحق تعالى من حيث أنه مرآة العالم، (شهدنا    نفوسنا فيها) لأننا ظاهرون في الوجود .
( وإذ شهدنا) من أن تكون له كالمرايا، (شهد نفسه فينا) لأنه الطاهر فينا فالكل مراء و الكل مشهود . قال تعالى: "و شاهِدٍ و مشْهُودٍ" [ البروج: 3] .
هذا هو شهود الخلق في الحق و شهود الحق في الخلق .
أو نقول: فإذا شهدناه بوصفه شهدنا نفوسنا، فإنها عين وصفه، و إذا شهدنا شهد 
الحق تعالى نفسه: أي ذاته التي تعينت و ظهرت بصورنا أن الله خلق آدم على صورته فافهم .


قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ و لا نشك أنا كثيرون بالشخص و النوع و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثمة فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد . فكذلك أيضا، و إن وصفناه بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق . وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.] .
قال الشارح رضي الله عنه :
( و لا تشك أنا ): أي أهل العالم كثيرون بالشخص و النوع لأنك أشخاص غير متناهية تحت أنواع متناهية .
( و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا) تلك الحقيقة الواحدة في الواحدية لأن أفراد الجنس مثلا على كثرتها و عدم تناهيها يجمعنا النوع الكلي و هو الإنسانية و لكن لو لم يكن في كل فرد فرد معنى آخر زائد عن الأصل الكلي لما اختلفت الأفراد و الأشخاص باللوازم الشخصية و الخواص.
( فتعلم قطعا أن ثمة فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض) كما تميزت الأنواع بعضها عن بعض، و لو لا ذلك التمييز ما كانت الكثرة في الوحدة: أي ما ظهرت الكثرة موجودا في العالم مع أن الأصل واحد، فعرفنا به أن التمييز الفارق ظهور العالم و صوره المتكثرة المتنوعة مع أن الأصل واحد، فكذلك أيضا: أي الحال في الإلهيات كثرة مع الفرقان في عين واحدة .
( و إن وصفنا ): أي الحق تعالى بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق لما شبه، أو لا .
حيث قال رضي الله عنه: فوصف نفسه لنا بنا، فأراد أن ينزهه هنا ليجمع بين الحسنين التنزيه و التشبيه كما هو عادة الأولياء و سنن الأنبياء عليهم السلام، فأثبت الفارق .
و ذلك أنه لما قيل في الإنسان الكامل أنه على الصورة فما نقصه من الكمال  شيء، و بقي حكم وجوب الوجود للتمييز بين الحق و العالم إذ لا يرتفع ذلك: أي التمييز بين الحق و الإنسان بوجوب الوجود من حيث أنه إنسان و لا يصح له فيه قدم، فافهم .
و له تمييز آخر ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات ": و ذلك أن الحق يتقلب في الأحوال و لا تتقلب عليه الأحوال لأنه يستحيل أن يكون للمحال عليه .
و أمّا تقلب الحق في الأحوال فمعلوم بالاستواء و النزول و المعية و الضحك و الفرح و الرضا، و كل حال وصف به نفسه فهو يتقلب فيها بالحكم و هو التحول في الصور، فهذا الفرق بيننا و بين الحق تعالى و هو أوضح الفروق و أعلاها أن يكون الفروق بالحدود الذاتية التي بها يتميز الحق و الخلق و حدود الكون بأسره هو الحد الذاتي بواجب الوجود، هذا المشهد غاية العارفين و أهل الرؤية .
قال تعالى: "و فوق  كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76] فالعلماء بالله فوق هذا الكشف و المشهد، فإنهم في هذا المقام على حكم الحق فيه كما يرى المحجوب فينكرون النكرة، و يعرفون المعرفة و الحدود الذاتية عندهم للأشياء كالعامة، فافهم . 
فإنهم أهل تمييز و صحو، و أمّا أهل الرؤية قدّس سرهم يحافظون على هذا المقام لسرعة نقلته من قلوبهم، فإن من لم يستصحب الرؤية دائما مع الأنفاس لا يكون من هؤلاء الرجال . 
و هذا مقام من يقول غير الله قط، و أمّا من عرف الحق، و الحق سمعه و بصره و جميع قواه عليه هذه الرؤية لأنه بقواه يرى الأشياء كما هي، و يعلم الأمر كما هو فعرف بالحق و الخلق، و يرى الحدود الذاتية الفارقة للذوات حقا و خلقا . 
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب الحادي و الخمسين و ثلاثمائة: إن من لهذا المقام فلا يحاد به أحد في علمه بالله، فهذا هو العالم المميز بالحد الذاتي و العالم الفارق الذي لا نقال عنه، فافهم. 
( و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود، و توقف وجودنا عليه لا مكاننا) . 
قال الله تعالى: "يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ" [ فاطر: 15] فافهم.
أنه وصفنا بما وصف به نفسه، توهم الاشتراك و هو لا اشتراك فيه، فإن الرتبة قد ميزته فيقبل كل واحد ذلك الإطلاق على تعطيه الرتبة التي يتميز بها فإنا نعلم قطعا أن الأسماء الإلهية التي بأيدينا تطلق علينا . 
كما قال تعالى في حق النبي صلى الله عليه و سلم:بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] كما تطلق على الحق تعالى أن نسبة تلك الأسماء التي وقع الاشتراك في اللفظ بها إلى الله غير نسبتها إلينا، فما انفصل عنا إلا بربوبيته، و ما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا فمن لزم منا رتبته فما جني على نفسه، بل أعطي الأمر حقه فقد بان لك الحق تعالى و بان لك الخلق، فتل ما شئت . 
فالفارق من جهة الحق الوجوب الذاتي ومن جهة العبد الافتقار، وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
قال تعالى: "و اللّهُ هُو الغني الحمِيدُ" [ فاطر: 15] .
و قال تعالى: "و اعْلمُوا أنّ اللّه غني حمِيدٌ" [ البقرة: 267] .
و قال تعالى: "فِإنّ اللّه غني عنِ العالمِين" [ آل عمران: 97] للدلالة عليه لظهوره بنفسه للعالم، فاستغنى أن يعرف بالعالم ولا يدل عليه الغير، بل هو الدليل على نفسه بظهوره لخلقه، فمنهم من عرفه و ميزه من خلقه، و منهم من معارفيه فلم يدر ما هو كأبي يزيد قدّس سره فإنه علم أن ثمة تميزا و لكن ما عرف ما هو حتى سأل .
وقال: يا ربّ بماذا أتقرب إليك؟ فقال تعالى: بما ليس لي، فقال: يا رب وما ليس لك وكل شيء لك؟ .
فقال تعالى: الذلة والافتقار حتى سكن ما عنده قدّس سره وهذه المحتملات الثلاثة من محتملات كلمة جمع جوامع الكلم صلى الله عليه و سلم .فإنه قال : "من عرف نفسه فقد عرف ربه"  .
أمّا تعليق محال على محال هذا من مقام الحيرة، و أمّا من مقام العلم بصحو و تميز كالمحققين من الكمّل .
وأمّا من مقام العرفان أنه ما يرى الغير، فإذا عرف نفسه بهذا الاعتبار فهو عين معرفة الرب، فافهم .
وهنا لسان آخر وذوق غير ذلك الذوق من أذواقه رضي الله عنه، قال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ الذكْرى تنفعُ المُؤْمِنين" [ الذاريات: 55].
فاعلم أن الله تعالى غنيّ عن العالمين بالعالمين كما يقال في صاحب المال: إن الله غني عن المال بالمال، فهو الموجب له الغنى .
وهي مسألة دقيقة لطيفة الكشف فإن  الشيء لا يفتقر إلى نفسه فهو الغني عن نفسه بنفسه .
قال تعالى: " يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ و اللّهُ هُو الغنِي الحمِيدُ" [ فاطر: 15] .
الذي يرجع إليه عواقب الثناء، و ما يثني الأبناء من وجودنا، و أمّا تنزيهه عما يجوز علينا، فما وقع إلينا عليه تعالى إلا بنا، فهو غنيّ عنا فلا بد منا بثبوت هذا الغنى له بقاء، و من أراد أن يقرب عليه تصور هذه المسألة فلينظر إلى ما سمّي به نفسه سبحانه من كل اسم يطلبنا فلا بد منا.
فلهذا لم يمكن الغنى إلا بنا إذا حكم الألوهية بالمألوه، وحكم الربوبية بالمربوب والمريد بالمراد، والقادر بالمقدور، والقول بالمقول وهكذا الأمر.
(فبهذا ): أي بهذا الغنى الذاتي، و عدم الاحتياج بالوجود لأن الوجود عينه و الشي ء لا يكون مفتقر إلى نفسه، فإنه غني عن نفسه بنفسه، فلو كان فقيرا يلزم أن يكون الشيء الواحد من حيث ما هو غني و هو محال، و إن كان الاسم الإلهي المغني، هو معطي الغنى للعبد، فهو الغني بالله عنه .
أخبر تعالى أنه:كُلّ يوْم هُو فِي شأنٍ" [ الرحمن: 29] و العالم شؤونه، و هو متحول فيه و به، و أخبر أنه يوم القيامة يوم عموم الكشف و العيان .
قال تعالى: " لكل امْرئٍ مِنْـهُمْ يوْمئذٍ شأنٌ يُـغنيهِ " [ عبس: 37] فالكل يحمد الله مستغني به عنه كالحق أنه الغني عن العالمين.
و لكنّ العلم بالله داهية دهماء و فتنة عمياء صماء فإنه يعطي، الزهو على عباد الله، و يورث الجهل بالعالم و بنفسه.
 كما قال صاحب الجنيد قدّس سره حين عطس، و قال: الحمد لله.
فقال له حينئذأكمل بقول رب العالمين .
قال: ما العالم حتى نقرنه مع الله؟
وإن كان هذا القول قول صاحب حال و لكن ناقص العيار لأن الله تعالى قد قارن معه، و قارن رب العالمين و هو تعالى حكيم عليم ما خاطب العالم إلا بالقول الأتم، فبتنوع خطابه ليتسع الأمر و يعم .
فالفقر ذاتي، و الغنى أمر عرضّي و من لا علم له يغيب عن الأمر الذاتي لشهود الأمر العرضي، فافهم .
وأسند الغني إلى الغنى عن العالمين لتكون أديبا فإن العبد عبد فقير تحت أمر سيده، و الله هو الغني الحميد، فافهم .
( صحّ له الأزل) و هو نفي الأولية بمعنى: افتتاح الوجود عن عدم، و نسبة الأزل إلى الله تعالى كنسبة الزمان إلينا و هو نعت سلبي لا عين له، فيكون  كالزمان نسبة متوهمة الوجود لا موجودة لأن كلّ شيء تفرضه يصحّ عنه السؤال بمتى، و متى سؤال عن زمان فلا بد أن يكون الزمان أمرا متوهما لا موجودا و لهذا أطلقه الحق على نفسه .
قال تعالى: " و كان اللّهُ بكُل شيْءٍ عليماً " [ الأحزاب: 40] .
ورد في الخبر عن صاحبي :  "أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق و أمثالهما". 
فعرفنا أن هذه الصيغ ما تحتها أمر وجودي و إلا ما صحّ تنزيه الحق عن التقييد الزماني إذا كان حكم الزمان بقيده .
أما ترى تذيل الحديث المشهور :  "كان الله و لم يكن معه  شيء". 
فذيله عارف بقوله: و الآن كما  كان، فتوهم في الحديث زمانا، و قال: و الآن كما كان .
(و القدم الذاتي) و إنما قلنا: الذاتي لأن الأرواح القاهرة و الأعيان لها القدم و لكن بالزمان لا بالذات الذي: أي القدم .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين يوليو 29, 2019 10:45 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:16 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثاني عشر

قال الشيخ قدس الله سره : [فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.]
( انتفت الأولية التي افتتاح الوجود عن عدم فلا ينسب إليه ): أي الأولية بهذا المعنى فهو افتتاح الوجود عن العدم مع كونه الأول و لكن بمعنى آخر، و هو كونه مبدأ لما سواه، كما أنّ آخريته عبارة عن  كونه يرجع إليه عواقب الأمور .
قال تعالى: "إنّ إلى ربِّك ُّالرجْعى"  [ العلق: 8] .
و قال: "وأنّ إلى ربِّك المُنْتهى"  [ النجم: 42] .
اعلم أنّ معقولية الأولية للواجب المطلق نسبة وصفية لا يعقل لها العقل سوى استناد الممكن إليه، فيكون أولا بهذا الاعتبار، و لو قدّر عدم وجود الممكن قوة و فعلا لانتفت هذه النسبة الأولية إذ لا تجد متعلقا .
و أمّا معقولية الأولية للواجب الوجود بالغير نسبة سلبية عن وجود كون الوجوب المطلق، فهو أوّل بكل مقيد إذ يستحيل أن يكون هناك قدم لأحد فافهم .
( و لهذا ): أي لأن أوليته ليست أولية افتتاح الوجود من العدم .
( قيل فيه: الآخر فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد لا أنه لا آخر للممكن لأنّ الممكنات غير متناهية) لعدم تناهي الحقائق، و عدم تناهيها لعدم تناهي أعيانها الثابتة، وهي المعلومات الإلهية، والتناهي في المعلومات محال .
قال رضي الله عنه في الباب الثالث و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات ": إني علمت أنّ في العالم من  يقول بانتهاء علم الله تعالى في خلقه، و إنّ الممكنات متناهية و أنّ الأمر لا بد أن يلحق بالعدم و الدّثور، و يبقى الحق حقّا لنفسه و لا عالم  .
و رأيت بهذا قائلا بمكة المشرفة معتقدا له من أهل السوس من بلاد المغرب، حجّ معنا و خدمنا، و كان يصر على هذا المذهب حتى صرّح عندنا و لا قدرت على ردّه و لا أدري بعد فراقه هل رجع أو مات عليه؟
و كان لديه علوم جمة و فضل إلا أنه لم يكن له دين، و إنما كان يقيمه صورة عصمة لدمه و ليس في الجهل أعظم من هذا الجهل، عصمنا الله و إياكم منه .
( فلا آخر لها ): أي دنيا و أخرى، إنما قلنا ذلك حتى لا يلزم الفساد المتوهم علينا فافهم .
و إنما كان آخر الرجوع الأمر كله إليه) قال تعالى: "ألا إلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ" [ الشورى: 53] "و إليْهِ تُـرجعون" [ البقرة: 245] عمّ هذا النص الشريف ما حمد، و ما ذمّ و ما ثمّة إلا محمود، قال تعالى: "للّهِ الْأمْرُ مِنْ قبْلُ و مِنْ بعْدُ" [ الروم: 4] و هكذا الأمر، فافهم .
( بعد نسبة ذلك ): أي الأمر كالصفات على ما قررناه أنها تؤخذ بعد نسبة تلك الصفات (إلينا )، و بهذا يتحقق معنى الرجوع لأن الوجود و توابعه له تعالى بالأصالة .
( فهو الآخر في عين أوليته و الأول في عين آخريته ): أي إذا كان الأول و الآخر لهذين الاعتبارين المذكورين صحّ عند العقل أن يقول: إنه الأول في عين آخريته، و الآخر في عين أوليته، و لا جمع للأضداد التي لم تجتمع فإنّ له شروطا حتى يحكم العقل عليه بعدم الاجتماع منها: وحدة العين و  وحدة النسبة و الاعتبار من جميع الوجوه، و في مسألتنا هذه أنه أوّل بمعنى: إنه مبدأ كل  شيء و آخر كلّ شيء بمعنى رجوع كلّ شيء إليه، فجمع الأولية في عين الآخرية بالاعتبارين و لا ضد فافهم، فإذا عرفت هذا اعلم أنه .
قال الشارح الجامي قدّس سره في بيان هذا المتن: جمع بإطلاق هويته بين الأضداد، و هو ظاهر بها أزل الآزال و أبد الآباد، انتهى كلامه .
كأنه أعطي هذا القول حكم النص حيث قال: هو الأول و الآخر و الظاهر الباطن أنه الأول في عين الأول، في عين الآخرية، في عين الأولية، من جميع الأضداد التي يرميها العقل، و يراها صاحب الكشف بالشهود .
و من هذا المذاق ما نقل عن الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد لأنه لو كانت معقولية الأولية و الآخرية إلى الحق تعالى كمعقولية نسبتهما إلينا، لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي و لا استعظمه العارف بالله و بحقائق الأسماء حتى قال: عرفت الله به ثم تلا: "هُو الْأوّلُ والْآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] .
فإنّ العبد يصل إذا تحقق بالحق إلى أن ينسب الأضداد من عين واحدة و نسبة واحدة كالحق تعالى و لا يختلف النسب، و هذا المدرك عزيز المنال، صعب الارتقاء، يتعذّر تصوّره على من لا أنس له بالعلوم الإلهية التي يعطيها الكشف و التجلي، ولا يخفي أنّ هذا ذوق غير الذوق الذي نحن في معرض بيانه .
فإنّ الأولية في عين الآخرية اللتين نحن بصدد بيانهما ليس من عين واحدة و نسبة واحدة، حتى يكون من محالات العقل بل إنما ذكرها رضي الله عنه لتأنيس العاقل وصاحب النظر والفكر، فإنه ما يخالف ذوقهم وأصلهم .
ثمّ لتعلم بعد ما علمت فيما تقدّم أنّ الأوصاف مشتركة، أراد رضي الله عنه أن ينبه بكيفية الاستدلال، فإنه تعالى أرانا آيات أسمائه وصفاته في العالم وفينا، و جعل فينا ما نعرفه به لنستدل بناءا عليه، و يتمكّن السالك من الوصول إليه فلو لم يصف نفسه بنعوتنا ما عرفناه، فهو المعروف في الحالين و الموصوف بالنعتين، و بهذا من كل شيء زوجين ليكون لأحد
الزوجين العلو و التأثير و هو الذكر، و للآخر السفالة و الانفعال والتأثير وهو الأنثي ليظهر ما بينهما إذا اجتمعا وجود أعيان ذلك النوع على صورتهما .

قال الشيخ قدس الله سره : [ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.]
قال الشارح رضي الله عنه :
ثم لتعلم إنّ الحق وصف نفسه بأنه ظاهر و باطن فأوجد العالم عالم غيب و شهادة) .
قال الله تعالى: "هُو اللّهُ الّذِي لا إله إلّا هُو عالمُ الغيْبِ والشّهادةِ هُو الرّحْمنُ الرّحِيمُ" [ الحشر: 22] .
و قال تعالى: "هُو الْأوّلُ والْآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] فعلم المحقّقون من خاصته، و المعتني بهم من أهل قربه و كرامته بما كشف لهم، و أطلعهم عليه من  أسرار وجوده أولا.
وبما أخبر ثانيا: إنّ المراتب و إن كثرت فإنها ترجع إلى هاتين المرتبتين و هما الغيب والشهادة والحقيقة جامعة بينهما، فكل شيء له ظاهر، فهو صورته و شهادته وباطن، وهو روحه وغيبه.
فنسبته جميع الصور على اختلاف أنواعها الخفية و الجلية إلى الاسم الظاهر المنعوت بالشهادة، ونسبة جميع المعاني و الحقائق المجردة التي هي أصول لما ظهر من الصور الجزئية المتعينة، أو أسباب و شروط كيف شئت؟
قلت: إلى الغيب و الاسم الباطن، فإذا عرفت هذا .
فنسبته جميع الصور على اختلاف أنواعها الخفية والجلية إلى الاسم الظاهر المنعوت بالشهادة، و نسبة جميع المعاني و الحقائق المجردة التي هي أصول لما ظهر من الصور الجزئية المتعينة، أو أسباب و شروط كيف شئت؟ قلت: إلى الغيب والاسم الباطن، فإذا عرفت هذا.
فاعلم أنّ العالم عالمان ما ثم ثالث عالم يدركه الحس وهو: المعبر عنه بالشهادة، وعالم لا يدركه الحس وهو: المعبر عنه بعالم الغيب المطلق.
فإن كان مغيبا في وقت للحسّ فلا يسمّى ذلك غيبا، و إنما الغيب ما لا يمكن أن يدركه الحس أصلا لكن يعقل بالعقل إمّا بالدليل القاطع، و إمّا بالخبر الصادق و هو إدراك الإيمان، فالشهادة مدركها الحس و هو طريق العلم ما هو عين العلم، و ذلك يختص بكل ما سوى الله ممن له إدراك حسّي، و الغيب مدرك العلم عينه فافهم .
فهذا الغيب الذي أثبتناه: هو الغيب المطلق الحقيقي الذي لا يظهر لأحد أصلا و لا لمن ارتضى من رسول لأنه حضرة ذاته و هويته تعالت و تقدّست عن أن يحاط و أن يتعلق بها بها الإدراك أصلا من حيث هي هي، فإنه من المتفق عليه أن حقيقته لا تحاط بالعلم و لا تتقيد بالوصف، سبحانك! ما عرفناك حق معرفتك .
و هذا القدر من المعرفة المتعلقة بهذا الغيب المطلق إنما هي معرفة إجمالية حاصلة بالكشف الأجليّ و التعريف الإلهيّ الأعلى الذي لا واسطة فيه غير نفس التجلي المتعين من هذه الحضرة الغيبية المطلقة الغير متعينة فالغيب المتعلق صار دليلا على الغيب المطلق لأنه الأصل، فالمتعين منه دليل عليه من حيث غير متعين، فكان هو الدليل و المدلول .
قال تعالى إشارة إلى هذا المقام: أي الغيب المتعين المقيد عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا .
قال تعالى: عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على  غيْبهِ أحداً إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً "[ الجن: 26، 27] .
و إنما قلنا بالغيب الحقيقي المطلق لأنه رضي الله عنه ذكره في الباب السابع و الأربعين و أربعمائة من "الفتوحات ": إن له في نفسه ما لا يصح أن يعلم أصلا هو الذي له بنفسه المشار إليه بقوله: "اللّه غني عنِ العالمِين" [ آل عمران: 97] .
فقوله تعالى: "عالمُ الغيْبِ والشّهادةِ " [ الحشر: 22] أراد الغيب بالنسبة إلينا و إلا لا غيب له، و الذي هو غيب بالنسبة إلينا بحلم الشهادة له تعالى.
أو نقول: إنه عالم الغيب أو عالم بأنه غيب لا يصح أن يعلم أصلا .
قال رضي الله عنه: و هذا الذي نبهناك عليه من العلم بالله ما أظهرناه اختبارا و لكن حكم الخبر علينا، فتحفّظ و لا تغفل عنه فإنه يعلمك الأدب مع الله، انتهى كلامه رضي الله عنه .
هذا هو الغيب الحقيقي و بقية الغيوب كلها إضافي، فافهم .
فإن الإنسان إذا أراد إدراك الغيب و الشهادة الإضافيين اللذين نحن بصدد بيانهما، و أراد أن يتميز في علميهما، فينبغي ألا يقيد نفسه إلا بالله وحده و هو التقييد الذاتي الذي لا يصح له الإنفكاك عنه جملة واحدة و هي عبودية صرفة محضة لا تقبل الحرية أبدا .
فإذا قيده بالله الذي "خلقهُ فقدّرُه ثمّ  السّبيل يسّرُه" [ عبس: 19، 20] .
فلا يقف إلا في البرزخ و هو المقام المتوهّم بين عالم الشهادة و الغيب مطلعا على الطرفين كأصحاب الأعراف فلا يخرج منها شيء إلا و هو مطلع عليه، فإذا وقف في هذا المقام و هو محل العثور على الطرفين.
استشرف على الغيبين الغيب الذي يوجد منه، واستشرف على عالم الشهادة لأنه إذا وقف في المقام المتوهّم على أنه معتنى به حيث شغله الله تعالى بمطالعة الانفعالات عنه تعالى.
و إيجاد الأعيان من قدرته تعالى، و اتصافها بالوجود في حضرة إمكانها، و ما أخرجها منها، و لا حال بينها و بين موطنها، و لكنه كساها خلقة الوجود و حلة الظهور، فاتصفت بهما بعد أن كانت موصوفة بالعدم مع ثبوت العين في الحالتين.
و بقي الكلام في ذلك الوجود الذي كساه الحقّ فيك الآمر و هو كالصورة التي في المرآة ما هي عين الرائي و لا غير عينه، و لكنه المحلّ المرئي مع الرائي، والمواجهة أعطت هذا الحكم الذي تراه، فعلمت المرآة والرائي والصورة الحادثة بينهما، فأدركت بالغيب الباطن و بالشهادة الظاهر، وحصل المقصود .
وهنا مبحث آخر وهو من لطائف العلم بالله، فأذكره لك :
لا يفوتك علما فإنه ورد في الخبر : "إن أفضل الهدية و أكمل العطية الكلمة من كلام الحكمة يسمعها العبد ثم يعلمها أخاه خير له من عبادة سنة على نيتها"  رواه تمام، و ابن عساكر رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن العالم ينقسم إلى: ظاهر و إلى باطن .
فـ (الظاهر) هو عالم الشهادة، و (الباطن) هو عالم الغيب، وقد سمّى الله تعالى الباطن بالأمر والظاهر بالخلق، وقال: "ألا لهُ الخلْقُ والْأمْرُ" [ الأعراف: 54] . وقال تعالى: " قلِ ُّالروحُ مِنْ أمْرِ ربِّي" [ الإسراء: 85] .
فـ (عالم الأمر) هو عالم الغيب الذي هو الأسماء الذاتية، و يليها أمهات أسماء الألوهية و توابعها، و كل واحد منها حجاب عن الآخر، وصف نفسه تعالى باعتبار هاتين العالمين: أي الظاهر و الباطن، أو الغيب و الشهادة .
بأن له الحجب النورية التي هي الأرواح، و الظلمانية التي هي الأجسام، فكل واحد منهما حجاب عن الآخر، فإذا اعتبرتهما خلقا و أمرا، و لطيفا و كثيفا إنما اعتبرتهما من حيث الأسماء، و هي سلسلة الترتيب و الوسائط المتكثرة .
فبهذا الوجه يكثر الوجود و هو ظاهر الخلافة التي منه تكثر، و أمّا إذا اعتبرتهما أي العالمين الخلق الأمر، و إن شئت قلت:
عالم الغيب و الشهادة حقّا أعني من الوجه الخاص زالت الكثرة و ارتفعت الوسائط، و ذلك باعتبار أن (الاسم) عين المسمّى، و (الذات) هي السارية في الكل كتعين الأسماء من حيث عدم التغاير، فاتحدّ الكل من حيث أن الساري في الكل هو الذات، فهذا باطن الخلافة، و التجلي منه تجلّ أقدس .
و على هذا صحّ أن القرآن غير مخلوق من حيث ارتفاع الوسائط، و من حيث الإضافة إلى الاسم الذي عين المسمّى، فصحّ له الوحدة مع تكثر الألفاظ و الحروف و الآيات و السور، و بذلك تكثر في وحدته و لم يوصف بالمخلوقية مع التكثر لأنه ظهور الذات في المراتب بلا كيف.
فالعالمان الغيب و الشهادة أو الخلق و الأمر إذا أضيفا إلى الذات بلا واسطة بطريق الوجه الخاص فهما واحد.
و إذا أضيفا إلى الأسماء فالشهادة: الخلق، و الغيب: الأمر، فبهذا الاعتبار قلنا:
إن الإنسان الكامل له الأخذ من الله تعالى بواسطة باعتبار الإضافة إلى الاسم، و بلا واسطة باعتبار الأخذ من الوجه الخاص.
وإنما قلنا: الوجه الخاص لأنه مخصوص بالإنسان الكامل من دون الموجودات كالملك وغيره، فإن له الإطلاق في الأخذ و غيره لكل منهم مقام معلوم لا يتعدّون مقاماتهم و ذلك لأن الإنسان الكامل كل الوجود، فافهم .
( لندرك الباطن بغيبنا، و الظاهر بشهادتنا)
فلمّا أراد تعالى ظهورنا بالصورة: أي بصورة الحق و لها الغيب و الشهادة، فأوجدنا ذا غيب و شهادة ذا جسم و روح فعالم الجسوم شهادتنا، و عالم الأرواح غيبنا فالكون كله جسم و روح و بهما قامت نشأة الوجود، فالعالم للحق كالجسم للروح فلا يعرف الحق إلا من العالم كما لا تعرف الروح إلا من الجسم .
"" أضاف المحقق : قال سيدي محمد وفا في المعاريج: وأما الأرواح فإنها مخلوقة من النور الإفاضي العرشي، ولها التقدم في الخلق على الأجساد بألفي عام ما شهد به الخبر النبوي.
وأما الأرواح النورانية السعيدة فإنها تعرج إلى مقامها العلى، ومحلها البهی، ضمنها لطيفي الجسم النوراني، والهيكل الإنسان.
فأرواح السعداء ظاهرة أنوارها، باطنة نفوسها، مستهلكة الأجسام ضمن الأرواح، فالأجسام باطن الأرواح في دار البرزخ، ودار المحشر.
وفي دار الدنيا جسم ظاهر ، والروح باطن.
فالأرواح النورانية في داري الدنيا والبرزخ، يكشف بعضها بعضا، ويشهد بعضها البعض لما بينهن من المناسبة والتعارف.
وقد نبه رسول الله على ذلك بقوله: «خلق الله الأرواح أجناد مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
وكذلك النفوس في مجانستها و مناسبتها، فالأرواح أنوار للسعداء، وظلم للأشقياء، وأجسام السعداء منعمة بتنعيم نفوسها، وأجسام الأشقياء والعذاب مشترك بين النفوس والأجسام، وهذا ظهر لهذا، وهذا بطن هذا.
فإنتشار البشرية ظهور صفات النفس الطبيعية، التي لا انفكاك للصفة الآدمية الإنسانية منها، ولا خروج لها منها، وهذا أمر الله تبارك وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول : " قل إنما أنا بشر مثلكم فامتثل أمر ربه عز وجل وقال: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنا إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشتركين" (فصلت: 6).
كما أمر "من الله عز وجل" قال صلى الله عليه وسلم  ولم يقل: (إنما أنا بشر مثلكم).
فهو مأمور ببلاغ ما ينزل إليه من ربه كما أنزل، من غير زيادة ولا نقصان.
قال الله تبارك وتعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا تهدي القوم الكافرين" [المائدة: 67] .
فأجسام الأصفياء و المرسلين والأنبياء والصديقين والصالحين نورانية.
و نفوس الأشقياء و أرواحهم وأجسامهم مظلمة، فإنها هابطة في الدركات إلى أسفل سافلين. ع?س نفوس السعداء؛ فإنها عارجة إلى عليين. فالطبيعة أثر الترابية، والبشرية أثر الطبيعة.
فهي سماء الطبيعة، ولها النشور من الحشر بالخروج إلى فضاء البسط.
فالحشر صفة قبض، والنشر صفة بسط.
والله يقبض ويبسط فالنفوس بالتزكية تخرج من حشرها إلى نشرها البسطي النوري، والنفس الشقية ترد على عقبها، فتدس من نشرها، وتحشر في عوالم طبيعتها.
قال الله تعالى: "قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها" [لشمس: 9، 10] . ""
فإنا لما نظرنا فيه، و رأينا صورته مع بقائها تزول عنها أحكام كنا نشاهدها من الجسم و صورته من إدراك المحسوسات و المعاني، فعلمنا أن وراء هذا الظاهر معنى آخر هو الذي أعطى أحكام الإدراكات معرفتنا غيبنا بشهادتنا، و سمّيناه روحا لهذا الجسم الظاهر، و كذلك ما علمنا أن لنا أمرا يحرّك أرواحنا كما كانت الأرواح تحرّك أجسامنا و هو روح الأرواح يحكم فيها بما يشاء حتى نظرنا في أنفسنا، و عرفنا منها و بها ربنا .
و بهذا أخبر الوحي النبوي : “من عرف نفسه فقد عرف ربه”. 
و قال تعالى: "سنريهِمْ آياتنا في الْآفاقِ وفي أنْـفُسِهِمْ حتّى يتبيّن لهُمْ أنّهُ الحق أولمْ يكْفِ بربِّك أنّهُ على كُل شيْءٍ شهِيدٌ" [ فصلت: 53] .
حتى عرفنا الغيب بالغيب، و الشهادة بالشهادة، فمن جمع هذين العلمين فظهر بالصورتين، و علم علم الغيب و الشهادة قال تعالى: "وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] .
قال تعالى: "عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً * إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً " [ الجن: 26، 27] .
لتعلم أنه تعالى بالحكم الذي صحّت به  الربوبية الموجبة للمكاسبة الرابطة بينه و بين خلقه أثر في العالم من الأحوال، فيتصف تعالى عند ذلك بالرضا و السخط .
( ووصف نفسه بالرضا و الغضب) و هما من الصفات التشبيهية لأن للعالم مع الحقّ أحكاما لو لا تعريفه إيانا ما عرفنا، و ذلك إذا اتبعنا رسوله فيما جاءنا به من الطاعة أحبنا و أرضيناه فرضي عنا .
قال تعالى: "رضِي اللّهُ عنْـهُمْ ورضُوا عنْهُ وأعدّ لهُمْ جنّاتٍ تجْري تحتها الْأنهارُ خالدِين فيها أبداً ذلك الفوْزُ العظِيمُ" [ التوبة:  . [100
و إذا خالفوه و لم يمتثل أمره أخبر أنهم أسخطوه و أغضبوه، فغضب الله عليهم، فالرضى أثر الطاعة، و الغضب أثر العصيان، فافهم .
( وأوجد العالم ذا خوف و رجاء) بسبب المناسبة التي بينه و بين الحق و بها كان خلفا له و منسوبا إليه، فارتبط به تعالى ارتباط منفعل عن فاعل، فخرج العالم على صورته، فيتحوّل بتحولها فإذا تحوّلت بصورة الرضا أثرت فيه، فتحوّل بصورة النعيم، و إذا تحوّلت بصورة الغضب أثّ رت فيه فتحوّل بصورة العذاب .
وهكذا الأمر في الوجود إنما غير الأسلوب المطلوب ههنا، وما قال: ذا رضا وغضب تنبيها على المقصود الأولى الذي هو بيان الارتباط من الجانبين حتى لا تنسى، أما ترى الأبيات الثلاث الآتية بعد هذا؟ فإنه ذكر فيها الارتباط، فافهم مع أن المقصود حاصل بهذا فيما نحن بصدد بيانه الآن و هو العلم به تعالى بالمقايسة لأن الرضا و الغضب لو لم يكن ذوق الراجي و الخائف فما خاف و ما ارتجى، فأثبت باللازم مع ملاحظة أخرى، فافهم .
( فأوجدنا على هيبة و أنس الهيبة) من أثر الجمال، و الأنس من أثر الجلال، و لما  كان الجمال مهوبا، فأوجدنا قابلا للهيبة حتى نهاب منه، و لما وصف نفسه بالحياء من عبده إذا لقيه، فقام الحياء لله مقام الهيبة في مخلوق، فأوجدنا قابلا للأنس، و أرسل حجاب الجلال بيننا و بينه ليرتفع عنا أثر هيبة الجمال، و تكون النشأة جامعة للصفتين .
هذا البيان بطريق اللف والنشر المرتبين على ذوق الشيخ رضي الله عنه، فإنه قال في بعض رسائله: إن أكثر هذا التصرف جعلوا الأنس بالجمال مربوطا، والهيبة بالجلال منوطا، وليس كما قالوه.
وهو أيضا كما قالوه بوجه، وما ذلك إلا أن الجلال والجمال وصفان لله تعالى، والهيبة والأنس وصفان للإنسان، فإذا شاهدت حقائق العارفين الجلال هبت وانقبضت، وإذا شاهدت الجمال أنست وانبسطت فجعلوا الجلال للقهر، والجمال للرحمة، وحكموا في ذلك بما وجدوه في أنفسهم.
و أريد إن شاء الله تعالى أن أبين هاتين الحقيقتين على قدر ما يساعدني به في العبارة، فأقول أولا: إن (الجدال لله تعالى) معنى يرجع إليه، و هو الذي يمنعنا من المعرفة به تعالى .
و (الجمال) معنى يرجع منه إلينا، وهو الذي أعطانا هذه المعرفة وزنا "لنزن بها المعاني في" و التنزلات و المشاهدات و الأحوال .
و له فينا أمران: الهيبة و الأنس، و ذلك أن لهذا الجمال علوّا و دنوّا فـ (العلوّ ) يسمّيه جلال الجمال، و فيه يتكلم العارفون، و هو الذي يتجلى لهم، و يتخيلون أنهم يتكلمون في الجلال الأوّل الذي ذكرناه، و هذا جلال الجمال قد اقترن معه منا الأنس .
و الجمال الذي هو الدنو قد اقترنت معه منا الهيبة، فإذا تجلى لنا جلال الجمال أنسنا، و لو لا ذلك لهلكنا، فإن الجلال و الهيبة لا يبقى لسلطانهما  شيء، فقابل ذلك 
الجلال منه بالأنس منا لتكون في المشاهدة على الاعتدال حتى نفعل ما نرى، و لا نذهل، و إذا تجلى لنا الجمال متنا فإن الجمال مباسطة الحق لنا، و الجلال عزته عنا، فيقابل بسطه معنا في جماله بالهيبة، فإن البسط مع البسط يؤدي إلى سوء الأدب، و سوء الأدب في الحضرة سبب الطرد و البعد .
و لهذا قال المحققون ممن عرف هذا المعنى و حضره: قف على البساط و إياك و الانبساط
فكشف أصحابنا صحيح، و حكمهم بأن الجلال يقبضهم و الجمال يبسطهم غلط، و إذا كان الكشف صحيحا فلا نبالي فهذا هو الجلال و الجمال  كما تعطيه الحقائق، انتهى كلامه رضي الله عنه .
أو نقول بعكس الأول أنه أوجدنا على هيبة حتى نرى عظمة الجلال تدركنا الهيبة لما نرى أنفسنا عليها من الافتقاد و البعد عن إلتفات ما يعطيه مقام العظمة، و من هذه الحضرة كانت الألوهية، 
فيعلم سرنا لما فينا من نسبة الباطن، و جهرنا لما فينا من نسبة الظاهر، فعظم ذلك في نفس الرائي .
أما الأنس فلأن السامع إذا أخذ الجلال على العظمة أدركه القنوط عن اللحوق لما يرى في نفسه الافتقار و البعد، فيزيل الله هذا القنوط عن وهمه بظهور الجمال، فإنه جميل يحب الجمال، فجامل و وهب و أعطى و جاد و امتنّ به من جزيل الهبات و المنح، و آنسه فاستأنس به فأزال الله حكم القابض و نسخه بحكم الباسط و ظهر بصورة كل شي ء إلى عباده في طلب الكرم منهم إلى الظهور بصفة الحاجة و أيّ أنس أكبر من هذا! فافهم .
و الجميل يتبع الجليل و يلازمه، قال تعالى: "و يبقى وجْهُ ربِّك ذو الجلالِ والِإكْراِم" [الرحمن: 27] .
قال تعالى: "تبارك اسْمُ ربِّك ذِي الجلالِ والِإكْراِم" [ الرحمن: 78] ربما يجدون في نفوسهم حرجا، و هيبة من عظمة الجليل، فإن الله أحرجهم بإقران الجميل و الأنس و الإكرام بالجلال اعتناءا بهم فلهذا قارن رضي الله عنه بين الجمال و الجلال و أحكامهما، و قدّم الهيبة و أخرّ الأنس لأن الاعتبار بالخواتيم، فافهم .
( و هكذا جميع ما ينسب إليه تعالى) و يسمّى به من الأسماء المتقابلة، و أوجد فينا مثلها، و بين لنا أن في أرض العالم نجدين نجد التنزيه، و نجد التشبيه و هما عالمان متقابلان في العلوّ، و إن لكل سرّ في العالم وجهين بحكم القبضين من اليدين، و لا بد من الدارين، و لا بد من برزخ بين كل اثنتين .
قال تعالى: "ومِنْ كُل شيْءٍ خلقنا  زوْجيْنِ" [ الذاريات: 49] لأنه مخلوق عن صفتين إرادة و قول و هما اللذان شهدهما كلّ مخلوق من الحقّ، فإن العالم نتيجة، و النتيجة لا تكون إلا عن مقدمتين و هذا هو التناسل كوجود الابن بين الأبوين على صورة الأبوين، فافهم .
و هذا كله حتميّ بنا لا بأمر خارج عنا لأن  الشيء لا يعرف إلا بما به الاشتراك إلا بما به الامتياز، فافهم .
( فعبر عن هاتين الصفتين و النسبتين المتقابلتين) تقابل تنزيه و تشبيه باليدين، و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم، و صورة الحق و هما يد الحق إذ بهما يتمّ الوجود و تكمل الأفعال و الآثار للربوبية، كما باليدين يتمكّن الإنسان من الأخذ و المنع.
قال تعالى: "يداهُ مبْسُوطتانِ" [ المائدة: 64]: أي في العطاء و المنع .
و في الحديث : "الصدقة تقع في يد الرحمن" . كناية عن الأخذ و القبول اللتين توجهتا منه أي: من الحق تعالى . ( على خلق الإنسان الكامل) .
قال تعالى: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ  أسْتكْبرْت أمْ كُنْت مِن العالين" [ ص: 75] .
و إنما خصّ الإنسان الكامل لأن غيره ما خلق إلا بقول (كن فكان) كالملائكة عليهم السلام .
ورد في الحديث الصحيح : " إنّ الملائكة عليهم السلام قالوا: ربنا خلقتنا و ما خلقت بني آدم فجعلتهم يأكلون الطعام و يشربون الشراب و يلبسون الثياب و يأتون النساء و يركبون الدواب و ينامون و يستريحون و لم تجعل لنا من ذلك شيئا، فاجعل لهم الدنيا و لنا الآخرة.
فقال تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي و نفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان"  رواه ابن عساكر .
اعلم أن للحق في مشاهدة عباده إياه نسبتين: نسبة تنزيه، و نسبة تشبيه فنسبة التنزيه تجليه في: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11].
و النسبة الأخرى تجليه في قوله صلى الله عليه و سلم : "إن تعبد الله كأنك تراه".
و قوله صلى الله عليه و سلم : "إن الله في قبلة المصلي".
و قوله تعالى:" فأينما تولُّوا فثمّ وجْهُ اللّهِ" [ البقرة: 115] ذاته .
و الأحاديث الواردة لو لم تستصحب بمعانيها الموضوعة لها المفهومة من الاصطلاح، فما معنى قوله تعالى: " و ما أرسلْنا مِنْ رسُولٍ إلّا بلِسانِ قوْمِهِ" [ إبراهيم: 4].
فما وقعت الفائدة بذلك عند المخاطب لها خصوص العموم من الناس، فإذا تقرّر عندك هاتين النسبتين للحق المشروعتين و أنت المطلوب بالتوجّه بقلبك و بعبادتك إلى هاتين النسبتين، فلا تعدل عنهما إن كنت ناصحا نفسك.
فإن الإنسان ما جمع الحقائق المذكورة إلا بهاتين النسبتين، فلمّا توجّهت هاتان النسبتان فخرج بنو آدم لهذا على ثلاث مراتب :
( كامل) و هو الجامع للنسبتين.
أو (واقف) مع دليل عقله و نظره و فكره و هو المنزه خاصة.
أو (مشبه) بما أعطاه اللفظ الوارد، و لا رابع لهم .
فـ (الاعتدال و الكمال) هو القول بالأمرين و الاتصاف بالوجهين أعني الظهور بحقائق الأسماء الإلهية الوجوبية في حقائق الصفات الكونية على الكشف و العيان، فلا تزال حقيته في خليقته حاكمة على خليقته شهودا و كشفا بل ذوقا محقّقا .
و أما (الانحراف) فإمّا تنزيه، و إمّا تشبيه فهو لا جهلوا و هو لا جهلوا، حيث فاز بالحق أهل الاعتدال، فافهم أمة وسط بين غنى و فقر لا يتركه الفقر أن يطغى، و لا يتركه الغنى أن يغنى فقد تعرى بهذين الحكمين عن هاتين الصفتين، أما ترى أنه تعالى جعل له عينين لينظر بالواحدة إلى الغنى الذاتي من كونه غنيا عن العالمين فلا يراه في  شيء لأنه لا يرى شيئا، بل و لا يرى نفسه كما في التجلي في لا شيء، فإن المقام مقام فناء كل شيء كان ما كان، و هذا هو الغنى الذاتي، و هو نهاية الكامل، و حظه في الاتصاف بالصفات التنزيهية.
و ينظر بالعين الأخرى افتقاره الذاتي إلى كلّ شيء من حيث ما هي الأشياء، أسماء الحق تعالى لا من حيث أعيانها، فلا يرى أفقر من نفسه إلى العالم لأنه مسخرته، ولو لا افتقاره إليه لما سخر له لأن المسخر حكيم عليم، و هو نهاية الكامل، وحظه في الاتصاف بالصفات التشبيهية فإذا اتصفت فقلدت ربك منزها مشبها و كل ذلك أنت لأنهما تجليان إلهيان وأنت جامعهما .
( لكونه الجامع لحقائق العالم و مفرداته) اللام تعليل المتوجّه باليدين لأن الإنسان الكامل بجميع حقائق العالم، وهي الأمور الكلية المعقولة التي لها الآثار، و الأحكام على مفردات الأعيان الخارجية لأن أحدية جمع الجميع علما و عينا .
قال رضي الله عنه في "الفتوحات": إن الحقائق التي جمعها الإنسان فكان من جمعيتها الإنسان انتهى كلامه رضي الله عنه.
فجمع له بين يديه، و أعطاه جميع نسبته و تجلى له في الأسماء كلها جماليا، و لكن لا يعلم ذلك إلا الراسخون، إن الراسخ في العلم والكشف يرى و يعلم أن العلم بأنواعه و أفراده أجزاؤه .
و مع هذا واحد في نفسه و أحديته، ولم يحكم عليه النسب بالتعداد الانقسام في ذاته من حيث حقيقته و لطيفته، و يقابل بذاته الحق من حيث نسبته التنزيهية، وبذلك الوجه يقابل الحق تعالى من حيث التشبيه و لا له وجهان متغايران كالحق سبحانه أنه الموصوف بهاتين الصفتين، و هو واحد في نفسه و أحديته و هذا الكمال المطلق متفاوت بين الأنبياء الأولياء من الأناسي صلوات الله عليهم أجمعين المستغرق له في كل عصر بالذات، والمرتبة و العلم، والحال و الفعل في جميع الأسماء و الصفات الإلهية، و الحقائق الكونية، و الأحكام الكلية و الجزئية .
فجمع له بين يديه، و أعطاه جميع نسبته و تجلى له في الأسماء كلها جماليا، و لكن لا يعلم ذلك إلا الراسخون، إن الراسخ في العلم و الكشف يرى و يعلم أن العلم بأنواعه و أفراده أجزاؤه و مع هذا واحد في نفسه و أحديته، و لم يحكم عليه النسب بالتعداد الانقسام في ذاته من حيث حقيقته و لطيفته، و يقابل بذاته الحق من حيث نسبته التنزيهية.
و بذلك الوجه يقابل الحق تعالى من حيث التشبيه و لا له وجهان متغايران كالحق سبحانه أنه الموصوف بهاتين الصفتين، و هو واحد في نفسه و أحديته و هذا الكمال المطلق متفاوت بين الأنبياء الأولياء من الأناسي صلوات الله عليهم أجمعين المستغرق له في كل عصر بالذات، و المرتبة و العلم، و الحال و الفعل في جميع الأسماء و الصفات الإلهية، و الحقائق الكونية، و الأحكام الكلية و الجزئية .
و هو من حيث أنه برزخ البرازخ الجامع بين الغيب الذاتي المطلق الواجب و بين أحكام الألوهية و الكونية و الإمكانية هو خليفة الله و خليفة الخليفة المسمّى ب (القطب) و لمن دونه تكون الخلافة على قدره و يشير إليه قوله صلى الله عليه و سلم : "كلكم راع"  الحديث فافهم .
فالعالم و هو ما سوى الله تعالى على اختلاف أنواعه و أشخاصه روحا و مثالا و جسما شهادة لأنها من أحكام الظاهر، و الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان غيب حقيقيّ من أحكام الباطن لأنه سرّ العالم.
والسر من ثنائه أن يكون غيبا. فلو ظهر لم يكن سرا حقيقيا، و قد قلنا أنه سرّ العالم و هو أحدية جمعه و هو روح العالم و مدبره و هويته لا تزال غيبا "فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً" [ الجن: 26] أبدا .
هذا وهنا إشارات لا يمكن إظهارها، وأسرار لا يقبل إبرازها، ومن هذا المقام ما ورد عن بعض المجاذيب العقلاء: إنه سكر و باح و قال: أما عرفته؟ وأمّا هو ما أعرفه هل عرفني أم لا؟
يشير إلى هذا الغيب المطلق، فافهم .
فهو يعلم غيب ربه، يعلم غيبه بنفسه، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه .
قال تعالى: "عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً . إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً" [ الجن: 26، 27] .
قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء  كُلّها" [ البقرة: 31] و منها (الاسم الباطن) 
و هو الغيب، و لهذا: أي لأجل عزة المرتبة بحجب السلطان لأن المرتبة أمر اعتباريّ لا عين لها في الخارج، فهو مستور عن أعين الشهادة لعزة المنصب بالمشاكلة .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين يوليو 29, 2019 10:44 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثالث عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:19 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثالث عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثالث عشر

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.]
قال الشيخ الشارح رضي اللّه عنه :
(فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان.)
كما ورد في الخبر الصحيح : "إن لله تعالى سبعين ألف حجاب أو سبعين حجابا من شك الراوي من نور و ظلمة لو كشفها لأحرقت، سبحان وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"  .
اعلم أن الحجب منها: (حجب عناية) مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " إن لله سبعين ألف حجاب  الحديث" .
ومنها (حجب نقمة و عذاب) مثل قوله تعالى : "كلّا إنّـهُمْ عنْ ربِّهِمْ يوْمئذٍ لمحْجُوبون" [ المطففين: 15] .
و إن اللّه تعالى لما خلق الحجب، و لا بد فلو لم يحجب لما كانت حجبا، و خلق الله تعالى هذه الحجب على نوعين معنوية و مادية .
و خلق (الحجب المادية) على نوعين كثيفة و لطيفة .
و (الحجب اللطيفة) على نوعين شفافة و غير شفافة .
فـ (الحجب الكثيفة) لا يدرك البصر سواها ما فيها و ما ورائها، و يحصل له الالتباس إذا أدرك ما فيها و يقول كما قيل :
رقّ القلوب و رقت الخمر   .... فتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر و لا قدح .....      و كأنما قدح و لا خمر
و أمّا المرئي في الأجسام الصقيلة فلا يدرك موضع الصور منها، و لا يدرك ما ورائها، و يدرك الصور الغائبة عن أعين المدرك بها لا فيها .
فـ (الصور المرتبة) حجاب بين البصر و الصقيل و هو صور لا يقال فيها لطيفة و لا كثيفة، و تشهدها الأبصار كثيفة، و تتغير أشكالها بتغير شكل الصقيل، و يتموج بتموّجه، و يتحرك بتحركه بل بحركته، و يسكن بسكونه فما في الجود إلا حجب مسدلة، و الإدراكات متعلقها الحجب، و لها الأثر في صاحب العين المدرك لها، و أما الحجب المعنوية فأعظم الحجب حجابان حجاب الجهل و حجاب حسيّ، و هو رؤيتك أنانيتك، فما جعل حجابا عليك سواك و هو أكثف الحجب  .
فأنت حجاب القلب عن سرّ    .... و لولاك لم يطبع عليه ختامه  
فافهم فإن الأمور كلها أمثال و عبر .
قال تعالى:فاعْتبرُوا يا أولي الْأ بصارِ" [ الحشر: 2] فافهم .
فـ (الحجب الظلمانية) و هي الأجسام الطبيعية يشير رضي الله عنه إلى بيان الحديث المذكور حيث جعل صلى الله عليه و سلم الحجب من نور و ظلمة،
و(النورية ): أي الحجب النورية و هي الأرواح اللطيفة و الأجساد اللطيفة النورية
أي (الحجب النورية) و هي الأرواح اللطيفة و الأجساد اللطيفة النورية .
فهذه هي الحجب التي وردت في الحديث أنهما من نور و ظلمة.
فمن الظلمة وقع التنزيه، فنفينا عنه صفات المحدثات فلم نره.
فنحن جعلنا الحجب على أعيننا بهذا النظر، ومن النور هو ظهوره لنا حتى نشهده وننكر أنه هو كما وقع التجلي في القيامة. فيشهده العارف في صور الممكنات وينكره المحجوب.
فهو الظاهر للعارف والباطن للمحجوب دنیا وآخره، وكون الحجاب نورا من أعز المعارف؛ إذ لا يتمكّن النور أن يكون حجابا مستورا، فإنه لذاته يخرق الحجب و يهتك الأستار .
فـ (العالم) الذي هو عين السرّ على نفسه بين (حجاب كثيف) و (حجاب لطيف ).
و ليس العالم سوى هذه الأجسام و الأجساد كثيفها و لطيفها و هو عين الحجاب على نفسه، و انحجب بعينه و تقيده عن الأصل المطلق الذي لا يتقيد بالتقييد، كما لا يتقيد بالإطلاق، فافهم . 
فلا يدرك الحق سبحانه: أي العالم لا يدركه تعالى من حيث إطلاقه إدراكه تقسه: أي مثل إدراكه تعالى نفسه، وذاته تعالى و هو مطلق لأن المقيد لا يدرك المطلق لعدم المناسبة، فلا يدرك المطلق إلّا المطلق، و العالم مقيد فلا يدرك الحق المطلق، فلا يزال أي العالم في حجاب لا يرفع: 
منحتها الصفات و الأسماء  ..... أن ترى دون برقع اسما
قد تسمّت بهم و ليسوا ......      فالمسمى أولئك الأسماء
و ذلك لتقييد العالم و عدم إطلاقه، و إطلاق الحقّ تعالى و عدم تقيده، و المقيد لا يدرك المطلق أبدا . 
قال تعالى: " وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ" [ الصافات: 164] لأن الإطلاق مشرف على التقييد لا بالعكس، فيعلمنا و لا نعلمه، و يدركنا و لا تدركه.
و أيضا أن ( المطلق) له أن يقيد نفسه إن شاء . ومن هذا المقام أوجب على نفسه الرحمة، فيدرك المقيد بإدراكه لنفسه بخلاف المقيد لا يصح أن يرجع مطلقا بوجه من الوجوه ما دامت عينه، فإن القيد صفة نفسه له فلا يفارقها أبدا . 
هذا حكم العالم من حيث أنه عالم لا حكم الإنسان الكامل فإنه مخلوق على الصورة يا أهل يثرب لا مقام لكم، فافهم . 
( مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره) فـ (الحجاب) مسدل مع العلم بالتميز لأن علمه ما تعدى نفسه من حيث لوازمه الذاتية، فلا أفاد في إدراك الحق تعالى شيئا، و لكن أي و إن كان له العلم بالتميز عن موجده بافتقاره.
و لكن لا حظّ له في (الوجوب الذاتي لوجود الحق سبحانه ): أي و لو ميزه لم يميزه إلّا بما هو عليه في نفسه لا بما في نفس الحق و هو الوجوب الذاتي . 


قال الشيخ رضي الله عنه : [فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.]
قال الشارح رضي الله عنه : فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك .
""إضافة الجامع : يقول الحافظ البرسي : ذات الحق غير معلوم بالحقيقة ، وذات الحق أولى بالتنزيه عن الكيفية ، فمنه إليك قوله : هو ، ومنك إليه قولك : هو.أهـ
ويقول الشيخ الأكبر في الباب الثامن والخمسون وخمسمائة  : والكلام في ذات الله عندنا محجور بقوله "ويُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ " من باب الإشارة وإن كان له مدخل في التفسير أيضا ولا يقع في مثل هذا إلا جاهل بالأمر وفي "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "ما يقع به الاستغناء لو فهموه .
وما رأينا أحدا ممن يدعي فيه أنه من فحول العلماء من أي صنف كان من أصناف النظار إلا وقد تكلم في ذات الحق غير أهل الله من تحقق منهم بالله.
فإنهم ما تعرضوا لشيء من ذلك لأنهم رأوه عين الوجود كما أشهدهم فهم يتكلمون عن شهود فلا يسلبون ولا ينفون ولا يشبهون. أهـ ""
( فما جمع الله لآدم بين يديه ): أي يدي تنزيه و تشبيه، و إن شئت قلت: يدي وجوب و إمكان، و قدم و حدوث .
( إلا تشريفا و تكريما له) فإنه جاز الشرف بكلتا يديه، و إنه حادث أزليّ .
( و لهذا ): أي و لهذا التشريف قال تعالى لإبليس توبيخا و زجرا: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ " [ ص: 75]: أي يدي تنزيه و تشبيه من حيث التشريف بقرينه الحال حين عرفه بذلك لإبليس لما ادعى الشرف على آدم بنشأته قال: " قال يا إبليسُ ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ  أسْتكْبرْت أمْ كُنْت مِن العالين" [ صّ : 75] .
فلا بد من النسبتين بحيث يصحّ بهما التشريف لخلافتي و إلا ذلك سائغ في غيره كالإنسان الحيواني (و ما هو ): أي ليس هذا التشريف، و هو الخلق إلا عين جمعه بين الصورتين (صورة العالم) و (صورة الحق) و تحقّقه بهما و هما: يدا الحق يد تنزيه و يد تشبيه .
أحدهما فاعلة معطية، و أحدهما قابلة آخذة، و كلتا يديه يمين مباركة، فافهم .
و (إبليس) و كان اسمه حارث فأبلسه الله تعالى و طرده من رحمته، و طرد رحمته منه، فسمّي إبليسا: أي طريدا .
( جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعية) لأنه مظهر اسم المضل، و آدم عليه السّلام مظهر لاسم الله الجامع لجميع الأسماء الظاهرة في المظاهر المسمّاة بالعالم، و الاسم المضل من جملة تلك الأسماء، و اللبس على إبليس حقيقة الأمر لجهله بنفسه.
فظنه أنه الشرف من حيث النشأة العنصرية، ثم ظن أن أشرف الاستقصات النار فرتب بالفكر الفاسد على هذا الوهم الكاسد الأقيسة الباطلة و المقدمات العاطلة في نفسه و توهّم منها النتيجة، و امتنع عن السجود حين أمره الله تعالى و ما اكتفى بمجرد الامتناع و كان أستر له بل فضح نفسه عند العلماء بإظهار استدلاله، و جمع بين الجهل و سوء الأدب لخفته و طيشه .
و قال تعالى: "قال أنا خيْـرٌ مِنْهُ خلقتني مِنْ نارٍ و خلقْتهُ مِنْ طِينٍ" [ الأعراف : 12] .
و هذه أول معارضة ظهرت من إبليس في صنعة الجدال، فإنه جادل ربه و ما أحسن في جداله لأنه ما أعطي حقه إن الحق تعالى  أراد بقوله: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ"  [ صّ : 75]: أي يد تنزيه و تشبيه، وإن شئت قلت يد وجوب وإمكان، أو يد بخلاف سائر العالم ملكا و فلكا.
قال تعالى: "إذا أراد شيْئاً أنْ يقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ يس: 82] فهو مجموع العالم أجزاءه و له شرف الكلية على الأجزاء، و على الأجزاء أن يطيعوه و لا يعصوا له أمرا، فأمر بهذه الحكم البالغة له سجدة إلا طاعة، و الانقياد له إظهارا لشرفه على الخلق المخلق سيما الملائكة عليهم السلام لأنه كل الوجود، فما فهم اللعين هذه المقدمات المطوية و  الأسرار الوجودية، و حمّل الخطاب على غير محله حسدا من عنده فجادل و عارض و تطاول.
و ذلك أنه لما فهم من لحن المخاطبة و القول إثبات الشرف لآدم، و ما علم أيّ شرف يوجب أن يطاع، و ينقاد بهذه السجدة، فادّعى بطريق المعارضة لنفسه الشرف، و استدلّ بأنه خلق من نار، و ظنّ أنه أعلى الاستقصات من حيث المكان.
و لم يعلم أن الطين أشرف الاستقصات فإن له الثبات و القرار، و للنار الطيش و التهتك و الاستكبار، و ما أعتبر أن التبن في الماء فوق التبر في المكان، فغفل عن المكانة أو استكبر وعاند و استكثر من الحسد، فعوتب .
استكبرت و عاندت أم كنت من العالين في الاحتجاج، و لك حجة في قولك و دعواك، فهذا لسان تبكيت و تعريض، و كان الأمر كما قلنا ظهر من آدم التمكين و الثبات والتوجّه في الأمور والأناة، و التدبر و إصابة الفكر و النظر في العواقب، و ظهر منه قلة الأدب و الجهل و التهتك و الطيش و الخفة، فإنه من مارج و هو نار مختلط بالهواء فله الخفة و عدم القرار و الاستكبار.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين يوليو 29, 2019 10:44 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الرابع عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:20 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الرابع عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الرابع عشر

قال الشيخ قدس الله سره : [ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.]
قال الشارح رضي الله عنه :
(ولهذا ): أي لحصول هذه الجمعية، و هي جمع النسبتين .
( كان آدم خليفة) وأعطاه الله تعالى من القوة بحيث أنه ينظر في النظرة الواحدة إلى الحضرتين، فيتلقّى من الحق، و يلقي إلى الخلق من حيث أنه حق خلق في مقام جمع الأضداد و منزله، و يكون بين هاتين النسبتين كالبرزخ يقابل كل نسبة منها بذاته.
فإنه لا ينقسم في ذاته فيقابل بعينيه التي قابل بها أحدهما الأخرى، و ما ثمة إلا ذاته كالجوهر الفرد بين الجوهرين أو الجسمين يقابل كل واحد منهما بذاته لأنه لا ينقسم، فلا يكون له جهتان مختلفان في حكم العقل.
و إن كان الوهم يتخيل ذلك لأن حقيقة البرزخ ألا يكون فيه برزخ و هو الذي يلتقي أمرين بينهما بذاته، فإن التقى الواحد منهما بوجه غير الوجه الذي يلتقي به الآخر، فلا بد أن يكون ما ينهما برزخ حتى يفرّق بين الوجهين حتى لا يلتقيان فإذا ليس ببرزخ .
قال تعالى: "بينهُما برْزخٌ لا يبْغِيانِ" [ الرحمن: 20] إشارة إلى ما ذكرناه، فإذا كان اللغة الوجه الذي يلتقي به الآخر فذلك هو البرزخ الحقيقي، فيكون فاصلا بين الشيئين مع وحدة الوجه .
فـ (البرزخ) يعلم بالحواس لأن ما له عين في الخارج و لا يدرك و يعقل و لا يشهد .
ذكره رضي الله عنه في الباب الثاني و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات":
فهكذا رتبة الإنسان الكامل من حيث حقيقته و لطيفته يقابل بوجه الحقّ من حيث نسبة التنزيه، و بذلك الوجه بعينه يقابل نسبة الحق من حيث نسبة التشبيه.
و كما أن الحق الذي هو الموصوف بهاتين النسبتين واحد في نفسه، و أحديته و لم يحكم عليه هاتان النسبتان بالتعداد و التكاثر في ذاته.
كذلك العبد الكامل الخليفة في مقابلة الحق واحدة، و العين من العبد واحدة، و لكن عين العبد ثبوتية ما برحت من أصلها لأن الأعيان ما شمت رائحة الوجود، و لكن كساها الحق حلة وجوده فحينها باطن وجوده، و وجودها موجدها، فما ظهر إلا الحق تعالى و لا غير حتى يظهر، فافهم .
( فإن لم يكن ظاهرا بصورة ما استخلفه فيما استخلفه فيه ما هو خليفة) .
اعلم أن الحكم في الأشياء كلها و الأمور جميعها، إنما هو للمراتب لا للأعيان، و لها النصب و العزل كانت ما كانت، وأعظم المراتب و أعلاها هو (الألوهية).
أنزلها العبودية فما ثمة الأمر ثبتان، فما ثمة إلا ربّ و عبد، و لكن للألوهية أحكام مختصة به لا يقتضي الغير، بل بنفسه لنفسه و هي كوجوب ذاته لذاته، و الحكم بغناه عن العالم، و نعوت الجلال كلها، و نفي المماثلة و أحكام ما يقتضي بذاتها عين الغير كالكرم و الجود و الرحمة.
فلا بد من عين عبد، و العبد في المرتبة العبودية فمرتبة العبد تطلب أحكامها من كونه عبدا العبد من طينة مولاه، فلا بد أن يكون ظاهرا بصورته خصوصا إذا استخلفه.
فلا بد أن يخلع عليه من استخلفه من صفاته ما تطلبه مرتبة الخلافة لأنه إن لم يظهر بصورة من استخلفه فلا يتمشّى له حكم في أمثاله، و ليس ظهوره بصورة من استخلفه سوى ما تعطيه مرتبة السيادة فأعطته رتبة الخلافة و رتبة العبودية لا يمكن أن يصرفها إلا في سيده الذي استخلفه كما أن له أحكاما لا يصرفها إلا فيمن استخلف عليه.
و الخلافة صغرى و كبرى فـ (أكبرها) التي لا أكبر منها الأمانة الكبرى على العالم.
و(أصغرها) خلافة الشخص على نفسه و التي بينهما ينطلق عليها صغرى بالنسبة إلى ما فوقها و هي بعينها كبرى بالنظر إلى ما تحتها، و أما تأثير العبد من كونه عبدا في سيده فهو قيام السيد بمصالح عبده لينفي عليه حكم السيادة، و أما التأثير الذي  يكون للعبد من كونه خليفة فيمن استخلفه كان المستخلف من كان فهو أن يبقى له عين من استخلفه لينفد حكمه فيه أيضا، فإن لم يكن كذلك فليس بخليفة .
هذا قوله رضي الله عنه(فإن لم يكن ظاهرا بصورته فما هو خليفة) .
قال رضي الله عنه: فإذا أراد الله تعالى تعظيم عبد من عباده عدل به عن منزلته، و كساه خلعته، و أعطاه أسماه، و جعله خليفة في خلقه، و ملكه زمام الأمر، و كمل الغاشية بين يديه، و أعطي الحكم له ليعطي مرتبة حقها، فإن الحضرة في الوقت له، و الوقت وقته، و الحكم للوقت في كل حاكم  كان من كان .
ألا ترى الحق أنه يقول عن نفسه أنه: "كُلّ  يوْم هُو في شأنٍ" [ الرحمن: 29] فهو يحسب الوقت لأنه لا يعطي إلا بحسب القابل فالقبول وقته حتى تجري الأمور على الحكمة .
قال صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن الرجل في سلطان أحد و لا يعقد على كريمته إلا بإذنه" .
فإن الخليفة إذا دخل أحد من رعيته، فـ (الأدب الإلهي) المعتاد يحكم عليه بأن يقبل حكم صاحب الدار، فحيث ما أقعده يقعد ما دام في سلطانه.
و ذلك من حكم المنزل عليه، و جعل الرئيس مرؤوسا، أما ترى وجود العالم ما ظهر إلا بإظهار الحق إيجاده، ثم تأخّر المتقدم، و تقدّم المتأخر، فلم يظهر للعلم بالله عين حتى أظهر به العلم بالعالم، قال صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" .
فإن الأمر لا يظهر إلا بما تواطئوا عليه، و إذ ظهر لهم فعلا، فلم يظهر لهم إلا بما ألفوه في عادلتهم، و هذا من عاداتهم، و هذا من عاداتهم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الحادي  و الثلاثين و أربعمائة من "الفتوحات" :
و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا و من ( الرعايا) العقل الأول: و هو الوجود الأول الإبداعي .
و كذلك النفس: هو الوجود الانبعاثي فلهما وجوب الوجود بالغير فيزيلان الاستناد إلى الوجوب الذاتي، فكيف يكون؟
و إن لم يكن الخليفة بهذا الوصف، فأني يمكنه ذلك.
فافهم أن الخلفاء كالحبوب من الحبة، و النوى من النواة، فيعطي كل حبة ما أعطت الحبة الأصلية لاختصاصها بالصورة على الكمال، و هذا من لباب العلم بالله الذي أعطاه كشف أهل الكشف و الشهود، فمن كان عارفا بمواقع خطاب الإلهيين و تنبيهاتهم و إشارتهم فقد عرفوه حقيقة الأمر لأنهم يدعون إلى الله على بصيرة و لهم فصل الخطاب .
قال تعالى: "و على اللّهِ قصْدُ السّبيلِ " [ سورة النحل: 9] .
فإذا عرفت ما أوردناه في هذا المبحث، وقفت على الأسرار الإلهية وعلمت مرتبة عباد الله الذين هم بهذه المثابة أين تنتهي المرتبة بهم؟ فافهم .
( التي استخلف عليها) لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و احتياج الوجوب بالغير للاستناد إلىالوجوب الذاتي ظاهر، فافهم .
و يشير إلى هذا المعنى قوله رضي الله عنه في الباب الأربعين من "الفتوحات" :
و عندي أن العالم هو عين العلة و المعلول و ما أقول إن الحق علة له كما انتصر له بعض النظار يعني: الإمام الغزالي فإن ذلك غاية الجهل بالأمر.
فإن القائل بذلك ما عرف الوجود و لا من هو الموجود فلا بد أن ينتهي الأمر إلى واجب الوجود الذي هو نهاية العلل.
وإلا يلزم الدود و التسلسل على رأيهم و إلا فليس بخليفة عليهم فخلق على صورته و مكّنه بالصورة من إطلاق جميع أسمائه فردا فردا أو بعضا بعضا.
ولا ينطلق عليه مجموع الأسماء معا في الكلمة الواحدة، يتميز الرب من العبد الكامل فما من اسم من الأسماء الحسنى و كل أسماء الله الحسنى ألا و للعبد الكامل أن يظهر بها، كما له أن يدعو سيده بها بلا تخصيص ولا تخصص .
أمّا وجوب الوجود فقد أظهرت لك شأنه إن كنت فاهما غير مرة، و أما الغنى الذاتي .
فاعلم أنه رضي الله عنه قال في الباب التاسع و السبعين و ثلاثمائة: إنه في الخبر الصحيح و النص الصريح أن العبد يصل إلى مقام يكون الحق تعالى من حيث هويته جميع قواه، و هو سبحانه الغنيّ لذاته الذي يمكن إزالته عنه فإذا أقام الله عبده في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغنىّ عن كل شيء لأن هويته هو عين قوي هذا العبد .
و ليس ذلك من تقاسيم الأعطيات إلا الإيثار فقد أثر بما هو له لهويته التي هي عين العبد، و هذا من بعض محتملات ما ذكر من القوم و هو أن الفقير لا يحتاج إلى الله لأنه فان في نفسه باق بالغنى على الإطلاق .
قال رضي الله عنه: و هذا من علوم الأسرار التي لا يمكن بسط التعريف فيها إلا بالإيماء لأهلها أشجعهم للعمل عليها فإنه في غاية من الخوف لقبولها و كيف الاتصاف بها ؟ فافهم و تحفّظ .
فإنها أخت مسألة وجوب الوجود في الغرابة و الندرة التي لا تجدها في كتب الصوفية لأنها دون ذوق المحققين المتصفين بالإطلاق فافهم .
قال سيدنا الشارح رضي الله عنه :
( فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل) فإن له الجمع بين الصورتين، فهو الأول من حيث الصورة لأنه خلق على صورته و الآخر من حيث الصورة لأنه خلق على صورته و الآخر من حيث الصورة الكونية، و الظاهر بالصورتين من حيث الخلافة و الباطن من حيث صورته لأنه على صورة الرحمن بخلاف العالم فإنه لا يقبل هذه الجمعية فافهم .
( فأنشأ صورية الظاهرة من حقائق العالم و صوره) و هي الحقائق الكلية و مقر ذاته فإن الصورة للأعيان الخارجية من حيث الأفراد و الأشخاص .
قال رضي الله عنه: إن جميع العالم برز من العدم إلى الوجود إلا الإنسان الكامل وحده،
فإنه ظهر من وجود إلى وجود، من وجود فرق إلى وجود جمع.
فتغير الحال عليه من افتراق إلى اجتماع.
و العالم تغير عليه الحال من عدم إلى وجود، فبين الإنسان والعالم كبين الوجود و العدم .
فلهذا قال تعالى: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11] من العالم فافهم .
( و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى) .
ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري و مسلم رحمهما الله :
"إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه إن الله خلق آدم على صورته" .
بإعادة الضمير إلى آدم لم يبطل المعنى المراد يعني: خلق آدم على صورته: أي صورة آدم التي كانت في العلم بمعنى طابقت صورته الحسية صورته العلمية .
لأن المثال الذي وجد العالم عليه هو العلم القائم بنفس الحق، فإنه سبحانه علمنا بنفسه و أوجدنا على حد ما علمنا و نحن على هذا الشكل المعين.
و لا شك أن مثل الشكل هو القائم بعلم الحق تعالى و لو لم يكن الأمر هكذا إلا أخذنا هذا الشكل بالاتفاق لا عن قصد و ليس كذلك.
ولو لا الشكل في نفسه تعالى ما أوجدنا عليه و لو لم يأخذ هذا الشكل من غيره لأنه ثبت كان الله ولا شيء معه إلا أن يكون ما برز عليه في نفسه من الصورة علمه.
فعلمه بنا علمه بنفسه، و علمه بنفسه أزلا عن عدم فعلمه بنا كذلك، فنحن كذلك.
فمثالنا الذي عين علمه بنا قديم بقدم الحق لأنه وصف له و لا تقوم بنفسه الحوادث جلّ الله عن ذلك فافهم .
فإنه له من لباب العارف، فلمّا أنشأ صورته على صورته فللإنسان في كل حضرة إلهية نصيب لمن عقل و عرف لأنه صورته .


قال الشيخ قدس الله سره : [ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه وأذنه: ففرق بين الصورتين. وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود. ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.]
قال الشارح رضي الله عنه :
( و لذلك ): أي لأنه على صورته من حيث الباطن، قال فيه: أي في الإنسان الكامل الذي على الصورة من مقام قرب النوافل .
ورد : ( " كنت سمعه و بصره") . إشارة إلى كينونة القوى لا الجوارح، و إن كانت الأخرى صحيحة لأن تخصيص الشيء لا ينفي ما عداه فإن قيل من  كان الحق سمعه و بصره و قواه، يدرك كل مبصر و يسمع كل مسمع و لا يغيب عنه شيء لأنه ناظر بالحق و سامع به و الحق لا يعزب عنه شيء .
قلنا: صدقت ولكن فرق بين المقام و الحال فالحال ظل زائل فعند حصوله صحّ له هذا الكشف في ذلك الزمان و لمّا رفع عنه رجح عنه بنظر يقين، خلق بإمداد حق لا بحق فيكون حكمه حكم خواص الخلق له الكشف الجزئي لا الكلي و لا يدرك بعد رفع الكشف هل بقيت الأمور على ما كانت عليه إن انتقلت عن ذلك؟ فافهم.
ذكره رضي الله عنه في خمسة و أربعين و ثلاثمائة من "الفتوحات":
و أمّا حكم صاحب المقام غير هذا الحكم و التفاوت بحسب المقام أما الذي لا يقيده المقام و الحال، بل على تجرده فهو شرف على الحالين، و حكمه حكم المطلق على الإطلاق  و هو صاحب المرتبة الخلافية بالاستحقاق فافهم .
و لا تقس الناس بنفسك و لا تزن الأحوال و العطايا بميزانك فإنه يتحرّم عليك فافهم
ما قال: كنت عينه و أذنه، و أن يكون من تتمة الحديث أو من حديث آخر، 
و يده التي يبطش بها، و رجله التي يسعى بها"
، و لكن هنا ما أراد إلا من حيث القوى التي هي من أعمال الباطن .
فلهذا استدل بقوله : "كنت سمعه و بصره" ، ولم يقل(أذنه وعينه) لأنهما من أعمال الظاهر وقد تجيء أحكامه .
و ذكر رضي الله عنه في الفص الهودي: إن هويته هي عين الجوارح و لكن ما أخذ الشيخ رضي الله عنه هنا من كينونة القوى الباطنة لا من حيث الجوارح و الظاهر، فإنه من حيث الجوارح اعتبره رضي الله عنه في مسألتنا أنه مأخوذ من العالم حقائقه و مفرداته، فافهم .
أن هذا الاعتبار غير الاعتبار الثاني فإن له رضي الله عنه [ألسنا غير مكررة ]، هذا منها .
ففرق: أي الحق تعالى بقوله :  "كنت سمعه و بصره" .
و أراد به جميع القوى بين (الصورتين ):
أي الظاهرة و الباطنة من تركيب الأجسام و الأجساد كما في الروحانيين و صورته الباطنة من تركيب المعاني و القوى الروحية و الحسية
و الأول من كثائف العالم.
والثاني من لطائفها .
كما قررناه أن العالم بين كثيف و لطيف فكان الحق تعالى عين اللطائف من العبد و الكثائف منه كما من العالم كما عرفته سابقا على التفصيل المذكور و هكذا هو في كل موجود من العالم:
أي هكذا الأمر في العالم أن كل شيء ظاهرا و باطنا
والحق تعالى باطن كل شيء من العالم من حيث اللطائف،
و ظاهر كل شيء من حيث العالم، من حيث الكثائف بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود باستعداده و قابليته .
فإن من المظاهر من يعلم هذا و من المظاهر ما لم يعلم: أي أنه مظهر الحق، و أنه قد ظهر فيه  كل شيء و علامة من يعلم أنه مظهر الحق و ظهر فيه كل شيء أن يكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب ألبان.
فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون لا حيث شاء، و من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء و حيث ما شاء، فهو يعرف حقيقة ما قلناه ذوقا لأنه كل  شيء وفي كل شيء هذا أتم الأذواق، وهو ذوق خاتم النبوة لأنه قال : "فتجلى لي كل شيء وعرفت"  حديث صحيح رواه الترمذي .
و ذوق الوارث الكامل، الفرد الخاتم، فإنه قال: إني انفردت بهذا الكشف من بين أصحابي و إخواني فافهم .
و لكن ليس لأحد من العالم قوة ظهور أحكام مجموع ما للخليفة، فإن المجموعية ظهرت فيها أكثر مما ظهر في العالم أعلاه و أسفله فما فاز إلا بالمجموع.
أي ما فاز الكامل إلا بكونه جامع الحقيقتين حقية و خلقية.
ثم أراد رضي الله عنه أن يذكر سر ظهوره في كل موجود فقال:
(ولولا سريان سر الحق تعالى في الموجودات كلها بالصورة) أي بجملتها (ما كان للعالم وجود) لا روحا ولا جسما.
و سريان سر الوجود في الكل بالكل، و لكن الاختلاف من القوابل، فكمال الظهور في الإنسان الكامل لكمال قبوله، و كمال قبوله لكمال جمعيته و صفاء مرآته .
(كما أنه لو لا تلك الحقائق المعقولة الكلية ) التي ذكرناها في أول الحكمة على سبيل التمثيل و هي: الحقائق المعقولة المعدومة العين الموجودة الأحكام، أراد رضي الله عنه بهذه التذكرة أن لا تنسى حكمها و أثرها و هي معدومة العين، (ما ظهر حكم في الموجودات العينية) الخارجية أصلا .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين يوليو 29, 2019 10:43 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الخامس عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:23 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الخامس عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الخامس عشر

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( و من هذه الحقيقة ): أي حقيقة لو لم تكن لم يكن كان الافتقار من العالم إلى الحق تعالى في وجوده: أي لو لم يكن الوجود ساريا في العالم ما كان العالم و إذا ارتفع المدد، ينعدم العالم و يرجع إلى أصله، فالعالم محتاج إلى الوجود دائما أبدا و الوجود لا تظهر أحكامه إلا في العالم، كما أن الرعية تحتاج إلى السلطان، و السلطان ما يظهر سلطانه إلا على الرعية فلا يكون السلطان إلا بالرعية .
فإنّ الرب بلا مربوب لم يعقل، كما أن المربوب بلا رب لم يكن، و قد أعطي حكم التضايف ذلك فافهم .
و لما كان الافتقار كالافتقار، و الغنى كالغنى قال رضي الله عنه شعر إلا أنه إشعار و تنبيه :
فالكلّ مفتقر ما الكلّ مستغنى   ..... هذا هو الحق قد قلناه لا تكنى
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به .....      فقد علمت الذي من قولنا تعيى
الكلّ بالكلّ مربوط فليس له .....     عنه انفصال خذوا ما قلت عني
قال تعالى: " إنّك كُنْت بنا بصِيرًاً " [ طه: 35] .
قال رضي الله عنه في الباب الموفي أربعمائة من "الفتوحات ": إنّه بنا عليم و بنا بصير، فلو لم أكن بمن كان عليما بصيرا و أنا أعطيته العلم لأنّ العلم تابع المعلوم و أنا المعلوم، كما هو أعطاني الوجود و أنا المعلوم المعدوم .
قال تعالى: و هُو معكُمْ أين ما كُنْتمْ [ الحديد: 4] فالله في هذه المعية، يتبع العبد كان كما نحن نتبعه حيث ظهرنا بالحكم و نحن وقوف .
حتى يظهر أمر يعطي حكما خاصا في الوجود فنتبعه فيه فارتبطت الأمور و التفّت الساق بالساق، و قد اعترف لي بذلك الساق .
حيث قسم الصلاة بيني و بينه على السواء لأنه علم أني له كما أنه لي .
قال تعالى: "وأوْفوا بعهْدِي أوفِ بعهْدكُمْ" [ البقرة: 40] فهو زينتي بهويته، فهو سمعي وبصري من قرب النوافل و أنا زينته، فظهر بي اقتداره و نفوذ أحكامه و سلطان مشيئته من قرب الفرائض، فلو لم أكن لم تكن للملك زينة، فلولاه لما كنا ولولا نحن ما كان، فأبدانا وأخفى وأبدى هو وأخفانا فأظهرنا ليظهر هو سرارا ثم إعلانا، كما نطلبه لوجود أعياننا بطلينا لوجود مظاهره فلا مظهر له إلا نحن و لا ظهور لنا إلا به .
فيه عرفنا نفوسنا وعرفناه، وبنا تتحقق عين ما يستحقه إلا له، فالأمر متوقف على الأمرين فيه نحن و هو بنا بصيرا بل إن الله تعالى أطلع خواصّه على أنّ حاجة الأسماء إلى التأثير في أعيان الممكنات أعظم من حاجة الممكنات إلى ظهور الأثر، وذلك لأن الأسماء لها في ظهور الآثار السلطان و العزة، والممكنات قد يحصل فيها أثر فتضرّر به وهو على خطر، فبقاؤها على حالة العدم أحبّ إليها لو خيرت .
أما ترى قوله تعالى: "ويقُولُ الكافرُ يا ليْتني كُنْتُ تراباً" [ النبأ: 40] فإنها في مشاهدة ثبوتية حالية خالية عن الأغيار ملتذة بالتذاذ ثبوتي، فافهم .
بل الافتقار من الجانبين من حيث المرتبتين إنما هو من حيث الأثر.
فإنه ثبت بالذوق الصحيح و الكشف التام الصريح أنه لا يؤثر مؤثر كان حتى يتأثر فأول ما يظهر حكم الانفعال في الفاعل ثم يسري منه إلى من يكون محلا لأثرة، ذكره الشيخ صدر الدين القونوي في شرحه على الفاتحة .
وهكذا نجد في التجربة، فإنه إذا ورد الغذاء على المعدة فيؤثر فيها أولا، فإذا تأثر و انهضم أثر في المعدة بالتبريد أو بالتسخين، و التغذية و التنمية بل هكذا الشاهد في المحسوسات كالسراج و الدهن فإن أوله يطغى النار و آخره يشعل.
فهذا عين ما قلناه من الأثر: أن المختلفات فيهما فكل واحد مؤثر و متأثر، فافهم .
هكذا في معنى البيت فالكل مفتقر ما، و الكل مستغن بالاعتبارات التي ذكرنا .
ما هذا سر الأمر من حيث الانفعال، و أمّا سر الأمر من حيث الاحتياج فهذا اندراج العبودة في السيادة، فإن العبودة: عبارة عن نسبة جامعة عن نسبتيّ الفقر و الانفعال، و المتضايفان: أي العبد و السيد، كما توقف معرفة كل واحد منها و ظهوره على الآخر، علم أنه لا غني لأحدهما عن الآخر .
و يشير إلى هذا الذوق كلام سيدنا علي رضي الله عنه و نهج البلاغة حيث قال فيه:
فلو أن الباطل فيه خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، و لو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السنة المعاندين، و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه و ينجو الذين سبقت لهم من الله  الحسنى،انتهى كلامه رضي الله عنه. فلا بد من الأمرين فافهم.


قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
[ فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة. وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.  وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة. فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني. ]
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
فقد علمت حكمة نشأة جسد ابن آدم أعني: صورتها الظاهرة، فإن نشأته الصورية من حقائق العالم و صوره، وقد علمت نشأة روح آدم على صورته الباطنة إنما هو على الصورة .
قال الشارح القيصري رحمه الله: إن حكمة نشأة رتبته وهي المجموع لأن صورته الباطنة وحدها كما سيجيء في المتن.
فهو يجمع الصورتين الحق في الخلق: أي حق من حيث الباطن وخلق من حيث الظاهر وقد علمت نشأة رتبته: أي الخلافة وهي كالبرزخ بين الصورتين، وبكونه أنه مجموع استشرف على الطرفين كالبرزخ، ورأى نفسه بهذه المثابة، فرأى في نفسه أحكام النقيضين ذوقا، من حيث أنها ذات خليفة فهي الذات الخلافية لا ذات الخلق و لا ذات الحق .
ومن هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد
يعني: في نفسه ذوقا يشير إلى التحقيق بهذا المقام وبه كملت الصورة الإلهية وفيه شوهدت، فهو حسبه كما هو حسبه، ولهذا المقام أحكام متداخلة، وأسرار غامضة متعانقة .
قال تعالى: "إنّ اللّه على  كُل شيْءٍ قدِيرٌ" [ آل عمران: 165]، فعلمنا به أن العقول قاصرة عن إدراك إطلاق هذه الآية :
ليس على الله بمستنكر   ..... أن يجمع العالم في واحد
و أن الله قادر على جميع الأضداد، بل هو جامع الأضداد فجمع الخليقة بأحكامه الظاهرة أحكام المستخلف عليه، و بأحكامه الباطنة أحكام المستخلف.
فجمع بين مقامي الاستفاضة والإفاضة، و التأثير و التأثر، و الفعل و الانفعال، فتمّ أمر الخلافة بهذا العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامع لجميع الحقائق إلا مكانة بالأصالة و الوجوبية الإلهية بالنيابة، و هو المظهر الأكمل القويم و المجلى الأجل الأجمل في أحسن تقويم .
فلهذا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: ما في الإمكان أبدع من هذا العلم لكمال وجود الحقائق كلها فيه، و هو العبد الذي يسمى خليفة و نائبا .
وهو غياب عزيز جعله الحق موضع أسراره و محل تجلياته، و هو الذي يعطي النزول و الاستواء المعية و الفرح و الضحك، وما يفهم منه من أدوات التشبيه.
قال تعالى:" وهُو الّذِي فِي السّماءِ إلهٌ وفي الْأرضِ" [ الزخرف: 84] و كان آدم أول خليفة و نائب منه في الأرض .
قال تعالى: "وإذْ قال ربُّك للْملائكةِ إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خليفةً قالوا أتجْعلُ فِيها منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء ونحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك ونقدسُ لك قال إنّي أعْلمُ ما لا تعْلمُون" [ البقرة: 30]
وعلمه ما لم يعلم من علوم التأثيرات التي تكون من الأسماء الإلهية التي تختص بالأرض حيث كانت خلافته فيها، و له الأثر الكامل في جميع الكائنات.
و له المشيئة التامة في جميع الموجودات فإنه إقامة الظاهر بالاسم الظاهر، و إعطاؤه علم الأسماء من حيث ما هي عليه من الخواص و التأثيرات التي تكون عنها الانفعالات، فيتصرف بها في العالم الأعلى و الأسفل .
قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": اختلف أصحابنا هل يصح أن يكون منه في الوجود شخصان فصاعدا؟ أو لا يكون إلا شخص واحد انتهى كلامه .
و نقول: قال تعالى: "إنّ اللّه لا يغفِرُ أنْ يشْرك بهِ ويغْفِرُ ما دُون ذلك" [ النساء: 48] فافهم .
قال رضي الله عنه شعرا وحكمة :
وما الناس إلا واحد بعد    .....  واحد حرام على الأدوار شخصّان يوجد .
قال الشارح القيصري قدّس سره في بيان هذا المتن:
إنما جعل الخلافة بالمجموع لأنه بالنشأة الروحانية أخذ من الله، و بالنشأة الجسمانية بلغ إلى الخلق و بالمجموع يتم دولته انتهى كلامه.
و هذا خلاف اقتضاء المتن السابق بل خلاف تفسيره السابق لأنه قال الشيخ رضي الله عنه: فهو الحق .
و قال الشارح: و هو الحق باعتبار روحه، و الخلق باعتبار جسمه، فكيف يقول أخذ من الله و أثبت أنه عينه؟!
بل الصواب أن يقال: إنه أخذ مستفيض من حيث إنه خلق مفيد مفيض من حيث إنه حق فما جني ثمرة غرسه إلا من شجرة نفسه فافهم.
فلمّا قرر رضي الله عنه أن آدم هو الخليفة بالاستحقاق يريد أن يبين أن الخليفة على صورة المستخلف، و المستخلف ذات ظهرت منها المرتبة وهي الألوهية لأنها من اقتضاء ذاتي، وظهرت منها صور العالم كله أعلاه وأسفله فلذلك ينبغي أن يكون هذا الخليفة .
فقال: (فآدم و هو الإنسان) المفرد في كل إنسان، و لكن كانت في آدم أتم وأقدم لأنه كان ولا مثل له، ثم بعد ذلك استشاق منه الأمثال.
فخرجت على صورته، كما انتشل هو من العالم، و من الأسماء الإلهية فخرج على صورة العالم و صورة الحقية، فوقع الاشتراك بين الأناسي في أشياء و انفرد كل شخص بأمر يمتاز به عن غيره، و هذا الإنسان المفرد يقابل ذاته الحضرة الإلهية.
وقد خلقه الله تعالى من حيث شكله وأعضائه على جهات ست ظهرت منه، فهو في العالم كالنقطة في المحيط، وهو من الحق كالباطن، ومن العالم كالظاهر، ومن القصد كالأول، ومن النشأة كالآخر فهو أول بالقصد آخر بالنشأة، و ظاهر بالصورة، و باطن بالروح.
كما أنه خلقه تعالى من حيث طبيعته و صورة جسمه من أربع، فله التربيع من طبيعته إذا كان مجموع الأربعة الأركان، و أنشأ جسده ذا أبعاد ثلاثة من طول وعرض وعمق، فأشبه الحضرة الإلهية ذاتا وصفاتا وأفعالا، فافهم .
و لكن جعل الله تعالى هذا الإنسان المفرد خليفة عن الإنسان الكل الأول الأقدم، فالإنسان المفرد ظل الله في خلقه من خلفه فعن ذلك، هو خليفة، و الكمّل هم خلفاء عن مستخلف واحد .
قال تعالى: "هُو الّذِي جعلكُمْ خلا ئف في الْأرضِ" [ فاطر: 39] .
قال القيصري رحمه الله تعالى: فآدم في الحقيقة هو النفس الواحدة، و هو العقل الأول و ليس كذلك لأن آدم الذي نحن بصدد بيانه من أول الكتاب إلى هنا آدم، من حيث إنه خليفة لا من حيث أنه إنسان فهو مجموع العالم مع الزيادة و العقل من بعض قواه بل العقل الأول ثم النفس الكل.
وهكذا على الترتيب .
فافهم حتى تعرف رتبة كلام الشيخ رضي الله عنه من بين الذواق .
قال القيصري رحمه الله تعالى: فآدم في الحقيقة هو النفس الواحدة، و هو العقل الأول و ليس كذلك لأن آدم الذي نحن بصدد بيانه من أول الكتاب إلى هنا آدم.
من حيث إنه خليفة لا من حيث أنه إنسان فهو مجموع العالم مع الزيادة و العقل من بعض قواه بل العقل الأول ثم النفس الكل، و هكذا على الترتيب فافهم حتى تعرف رتبة كلام الشيخ رضي الله عنه من بين الذواق ،
و أمّا من قال: إنه آدم أبو البشر خالف كلام الشيخ، وهو الشارح الجامي رضي الله عنه حيث قال في نفس الفصوص: إن مرادي من آدم هو النوع الإنساني .
قال في "الفتوحات ": إنه أصل هذا النوع الإنساني، و أن هذه الحقيقة في كل إنسان كامل، و لكن امتاز آدم بالأولية كما سبق ذكره آنفا فافهم .
فإنه ما أراد في النفس (هو النفس الواحدة) من حيث الحقيقة لها أحدية الجمع وبها استحق الخلافة، فإنها من مقام برزخي التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
فإن هذا النوع الإنساني من حيث أنه نوع كالعقل الأول، و جرد آدم من حيث أنه خليفة فبثّ منهما أفرادا كثيرة ذكورا و إناثا.
فكما ظهرت من الذات المرتبة، و منها ظهرت صور العالم مؤثرات و متأثرات، كذلك آدم الخليفة ذات ومرتبة، و بث منهما أفرادا كثيرة ذكورا و إناثا و هو قوله: أي ما قلنا: إن الأصل نفس واحدة، و خلق منها كثيرا هو عين ما قاله سبحانه: "يا أيُّها النّاسُ" [ البقرة: 21] .
في هذا الخطاب إشارة لطيفة، و هي أن الناس المخاطبين بهذا الخطاب كلهم بعدوا عن مواطنهم، و نسوا مقتضى ذواتهم لأن النداء دعاء على رأس البعد و بوح بعين العلم و الحجاب لا الكشف، و ذلك أن الإنسان إذا رأى في نفسه هذا الكمال الذي قررناه في المباحث السابقة فخيف عليه أن يزهو على مقتضى النشأة لأنها مقتضى النشأة لأنها مقتضى ذلك بل أنه مشتق من النسيان يخاف أن ينسي عبوديته .
قال تعالى:" كلّا إنّ الِإنسان ليطغى"  [ العلق: 6] . "أنْ رآهُ اسْتغنى"  [ العلق: 7] بل أن الله تعالى خلقه على صورته، و كان في قوة الإنسان من أجل الصورة أن ينسى عبوديته و لذلك وصف الإنسان بالنسيان فقال في آدم فنسي والنسيان نعت إلهي، فما نسي إلا من كونه على الصورة .
"أنْ رآهُ اسْتغنى"  [ العلق: 7] بل أن الله تعالى خلقه على صورته، و كان في قوة الإنسان من أجل الصورة أن ينسى عبوديته و لذلك وصف الإنسان بالنسيان فقال في آدم فنسي و النسيان نعت إلهي، فما نسي إلا من كونه على الصورة .
قال الله تعالى: "نسُوا اللّه فنسِيهُمْ" [ التوبة: 67] كما يليق بجلاله.
فلمّا علم الله أن هذا العبد للقوة الإلهية التي معه يبعد عن مقتضى النشأة و لا بد يدّعي في نعوت ما هو حق الله تعالى لأن الدعوى صفة إلهية و العبد مخلوق على الصورة .
قال تعالى: "إنّني أنا اللّهُ لا إله إلّا أنا فاعْبدْني" [ طه: 14] .
فادّعى العبد أنه لا إله إلا هو وهي دعوى صادقة، و من ادّعى دعوى صادقة لم يتوجه عليه حجة و كان له السلطان على كل من ادّعى عليه دعواه.
لأن الشدة، و الغلبة، و القهر، فإنها لا تقاوم فغار من المشاركة وحجر عليه بعض النعوت، وقال: من يتعدى هذه الحدود كالعظمة، والكبرياء، والجبروت فتضمنه .
و قال تعالى: "كذلك يطبعُ اللّهُ على كُل قلْبِ مُتكبِّرٍ جبّارٍ" [ غافر: 35] .
فهو عين الغيرة . 
"" أضاف المحقق :الغيرة غيرة في الحق لتعدي الحدود.
والغيرة تشعر بثبوت الغير، ومشاهدته، ومن حيثية الغيرة تظهر لفواحش.
والغيرة إنما تظهر عند رؤية المنكر والفواحش، والأغيار الثابتة، فكثرتها إما نسب، وأحوال مختلفة معقولة قائمة بعين واحدة، لا وجود لها إلا في تلك العين.
وإما أثار استعدادات المظاهر في الظاهر فيها، فعلى التقديرين لا وجود في الأغيار مع ثبوت حكمها في العين الظاهرة بها.
فخذ من هذا التقريب من أين ثبوت نشأت الفواحش؟ ولم حرمت؟
والإنسان مأمور بأن يجعل نفسه وقاية للظاهر فيه، و الغيرة محمودة ومذمومة،
فالمحمودة: هي التي اتصف بها الحق، والرسل، وصالحو المؤمنين على أنها مرموزة في الطبع فلا بد منها.
و غيرة تطلق بإزاء كتمان الأسرار :
الأولى غيرة في الحق، وهذه غيرة على الحق، وهذه حالة الأولياء الأصفياء الذي يسعون في ستر أحوالهم ومقامهم على الخلق فلا يتميزون بعادهم وعبادهم عن العامة.
وغيرة الحق صفته على أوليائه وهم الضائن
وهذه غيرة من الحق، ولهم خلف حجب العوائد الواصلة الدائمة، و عندية الحق معهم تقتضي أن يكون التمييز بين الظاهر، والظاهر أخفى، فهم عنده ?هو عندهم، فأخفي العين في العين.""
أما ترى أنه جعله خليفة في الأرض لا في السماء مع وجوده على الصورة ، لأنه ربما يطغى و يقول: أنا ربكم الأعلى و لو طغى ما وقع الإنس و ما خلق إلا للإنس به فبهذه الاعتبارات نزّلهم بمنزلة من خرج عن الحضرة فناداهم .
وقال: يا أيها الناس، ولم يقل: يا أيها المؤمنون أو غيره من الألفاظ، للإشعار بالنشأة منهم و الاعتذار عنهم .
قال رضي الله عنه في كتاب القدس في مناصحة النفس: فالقوي منا المتمكن هو الذي يخرق حجاب سره يعني: مرتبة الخلافة الجمعية العامة الكبريائية بينه و بين رب.
أي لا يرى ألوهية نفسه، بل يشاهد ألوهية ربه دون ألوهيته، فيتعبد فيعرف عبوديته، فحينئذ يكون أقوى العالم و أشده لرفعه ذلك الحجاب الأقوى .
فتكون منزلته أعلى وقوته أعظم، وهناك يتميز ويتحارى مع العالم في الرفعة و الانحطاط، و هناك راتب مبلغ العارفين العالمين .
و أمّ ا هذا المدرك الذي أومأنا إليه فبعيد أن تسمعه من غير هذه الرسالة على درج هذا التحقيق .
ثم قال رضي الله عنه: و أمّا قبل أن تحرقه فإنه يثمر لك ما أثمر للجبارين .
قال تعالى فيهم: "كذلك يطبعُ اللّهُ على كُل قلْبِ مُتكبِّرٍ جبّارٍ" [ غافر: 35] ختم عليه بالشفاء، فإذا خرقت حجاب الجمع العام الكبريائي استودعه فيك منه فنفدت من ورائه إلى عبوديتك، عاينت ألوهية الحق المقدسة، فوجدته و لم تشرك به شيئا .
قال تعالى: "إنّ اللّه لا يغْفِرُ أنْ يشْرك بهِ" [ النساء: 48] و هنا يجوز يهلك فيها عالم  كثير من أهل طريقتنا لعدم ذلك التحقيق، و وقوفهم مع سر الجمعية، فحجبتهم الرئاسة عن استيفاء العبودية، و الخدمة فافهم .
فلما كان دواء هذا الداء العضال التقوى فأمره بالتقوى، و قال تعالى: "إنْ تتّـقُوا اللّه يجْعلْ لكُمْ فُـرْقاناً ويكفرْ عنْكُمْ سيِّئاتكُمْ ويغفِرْ لكُمْ واللّهُ ذو الفضْلِ العظِيمِ" [ الأنفال: 29]: أي لتفرقوا بين الحق و الباطل .
و قال الله تعالى: "واتّـقُوا اللّه ويعلِّمُكُمُ اللّهُ واللّهُ بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ البقرة : 282]، جعل التقوى طريقتنا إلى حصول العلم النافع .
والتقوى أن يجعل الله وقاية له في الخير كله، فإن الحق تعالى عين الوجود، و الوجود فخير محض، و يجعل نفسه وقاية الله في الشر، فإنه عدم، والعدم شر كله .
وأشار إلى هذا الأدب معلم الخير صلى الله عليه وسلم حيث قال : "والخير كله بيدك، والشر ليس إليك"  و لو لم يئس نفسه و لو أدخله الجوّاد في الميزان .
و قال: إنه خلقه على صورته، فيوازن بصورته حضرة موجدة ذاتا، و صفة، و فعلا، فلا يلزم من الوزن الاشتراك في حقيقة الموزونين فإن ما يوزن به الذهب المسكوك هو سنجة حديد، إذا وزنت نفسك بهذا الميزان عرفت نفسك و هو ميزان الشريعة و معرفة النفس، وزال عنك ما توهمته في الصورة من أنه ذات و أنت ذات أنك موصوف بالعلم و الحياة، و هو الحي العالم، و لكن أنت فقير محتاج، و هو الله الغني و هو الوجود، و أنت المعدوم المفقود، و كل من ادّعى الربوبية من كلمة فرعون إلى قول الإنسان: لو لا قلت كذا كان كذا، و لو لا همتي كان كذا .
و هذه كلها علل و أمراض من داء سر الألوهية، و كل واحدة من هذه الأصناف يعاقب و يعاتب على قدره، فهذه أدواء  كثيرة و دوائها التقوى .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين يوليو 29, 2019 10:42 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السادس عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:25 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السادس عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء السادس عشر

 قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
[وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.]
قال رضي الله عنه: أعظم الفتن التي أفتن الله تعالى بها الإنسان الكامل تعريفه إياه بأنه خلقه على الصورة ليرى هل يقف مع عبوديته؟        
و سواء داء مكانه، أو يزهو الأجل مكانه، و مكانة صورته، فإنه تعالى ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط، بل هي شرف وابتلاء، من ظهر يحكم الصورة على الكمال، أن يخرق حجاب سر الجمعية العامة الكبريائية حتى يشاهد ألوهية ربه دون ألوهيته، فقد حان الشرف بكلتا يديه، فإن الصورة الإلهية الكاملة لا يلحقها ذما بكل وجه .
وهذا هو أول قدم في الشريعة، فإن الشارع أول ما أتى به لا إله إلا الله، فلا يجيبه إلا من خرق سرّ الجمعية العامة الكبريائية منه، و بهذا ينتفي الاشتراك و يتبين أهل لا إله إلا الله على حسب رفع حجابهم، فمن الجماعة من يقولها ابتداءا من غير نظر و هو الإمام، و منهم من يقول معه بعد رؤية الدليل، فهذا جاهل بنفسه فإن لا إله إلا من مدركات العقل بالنور الإلهي توقفه على الدليل دليل على التقليد و فقد ذلك النور، و لكن قد يستعد بإجابته و لو بعد حين .
قال تعالى: "لا يسْتوي مِنْكُمْ منْ أنفق مِنْ قبْلِ الفتْحِ وقاتل أولئك أعْظمُ درجةً مِن الّذِين نأفقُوا مِنْ بعْدُ و قاتلوا وكُلًّا  وعد اللّهُ الحُسْنى واللّهُ بما تعْملون خبيرٌ" [ الحديد: 10] فافهم .
و من نقض هذا المقام الكمالي خرج مع فرعون و النمرود، و كان في حقه مكرا إلهيا، من حيث لا يشعر فلهذا قال صلى الله عليه وسلم : "إنها في الآخرة مندمة" لما يتعين على صاحبها حقوقا، و قد جعلنا رعاة .
فقال صلى الله عليه و سلم : "كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته" .
فمن جمعت له الصورة بكمالها، وهو يخرق حجاب السر الجمعي كما قلناه آنفا، فلم يسأل فإن الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هذا كله إذا كانت الخلافة بالتجلي، أما إذا كانت الخلافة بالتعريف الإلهي فإن متعلقه السمع وهو خير، وهذا الأمر آخر، ولا كلامنا فيه، فافهم .
ثم نرجع و نقول فلما كان هذا الإمكان إمكان النقص والنسيان في الإنسان فيه أمره بالتقوى .
و قال عزّ و جل: "ومنْ يتّقِ اللّه يجْعلْ لهُ مخْرجاً [ الطلاق: 2] .
حتى يخرج العبودة مخرج الألوهة علما و كشفا، و تجمع السيادة في عين العبودية، و العبودية في عين السيادة، يكون عبدا ربا خلقا حقا، فظهر بالأصالة بين الطرفين وهما طرفا نقيض، فجمع الضدين، بل يكون عين الضدين على صورة من أنشأه.
فإنه على الصورة، فإنه حينئذ رزقه الله علم الفرقان، ويقف بذاته على القرآن هذا هو استظهار القرآن، وهذا لباس التقوى لباسا يوارى سوءاتكم، وهذا أدب يلبسكم لباس الأدباء .
قال تعالى: " ذلك خيْـرٌ ذلك مِنْ آياتِ اللّهِ لعلّهُمْ يذّكّرون" [ الأعراف: 27] فالمتقي يتولى الله تعليمه، فلا تدخل في علمه شبهة و لا مراءا، و كمال هذا لمن أخا بين الإيمان والعيان، ويعمل بمقتضى الإيمان مع العيان، كما قيل في بيان العارف و تعريفه: إن لا يطغى نور معرفته نور درعه .
ورد في الخبر ما أشار به إلى هذا المقام صلى الله عليه و سلم : "إنما الإيمان بمنزلة القميص يقمصه الرجل مرة و ينزعه مرة أخرى". رواه الحكيم و ابن مردويه عن عتبة بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده رضي الله عنه، فإنه يتقمّص به حين يتعمّل بالإيمان و ينزعه حين الكشف، و ما يجمعهما إلا الأقوياء، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه: أنا الذي و آخيت بين الإيمان و العيان، و كمال هذا المقام ختم بالختمين .
أما ترى أنه صلى الله عليه و سلم وآله و سلم كان يحكمهم بالشاهدين، وهو عالم بحقيقة الأمر، وأشار إلى هذا بطرف خفي في قوله في حكاية مشهورة وهو : "لولا الإيمان لكان لي ولها أمر"   رواه الطبراني عن ابن عباس .
و ورد في الحديث : " لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه". رواه البخاري و مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع .
قال تعالى: "رّبكُمُ الّذِي خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ" [ النساء: 1] وهى نفس آدم أبو البشر عليه السلام، يخاطب الحق ما تفزع منه .
قال تعالى: "وما أمْرنا إلّا واحِدةٌ" [ القمر: 50] وهى أمره .
و قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ ربكم واحد كما إنّ أباكم واحد".
لما كان حواء عين آدم لأنه عين ضلعه، فما كان إلا أب واحد في صورتين مختلفتين كما هو التجلي في تكرار العدد، فعين حواء عين آدم انفصال اليمين عن الشمال و هو عين زيد .
و قال الله تعالى: "و رفع أبوْيهِ على العرْشِ" [ يوسف: 100] . سمّاها أبي و ليس أبوك إلا من أنت عنه .
و قال رضي الله عنه في الباب العاشر من "الفتوحات" في آدم، ثم فصل عنه أبا ثانيا، فافهم .
قال تعالى: "وخلق مِنْها  زوْجها" [ النساء: 1] وهى حواء .
قال تعالى: "و مِنْ آياتهِ أنْ خلق لكُمْ مِنْ أنْـفُسِكُمْ أزواجاً لتسْكُنوا إليْها" [ الروم: 21] .
و ما أنشأ الله تعالى من كل شيء زوجين إلا ليعرف الله العالم بفضل نشأة الإنسان الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل .
فإن الذي هو الإنسان الكامل ظهر به ازدواج من لا يقبل لذاته الازدواج ما هو بالجعل، فضمن الوجود الإنسان الكامل الظاهر بالصورة، فصار الصورة بالصورة روحين فخلق آدم علي صورته فظهر في الوجود صورتان متماثلتان كصورة الناظر في المرآة ما هي عينه و لا هي غيره و لكن حقيقة الجسم الصقيل أعطى ذلك، فافهم .
فإنه لب المعارف، فلمّا أراد سبحانه إيجاد التناسل و التوالد و النكاح الصوري في دار الدنيا للاستئناس فاستخرج من ضلع آدم عليه السلام من أقصره حواء عليهما السلام، فقصرت بذلك عن درجة الرجل، و للرجال .
قال تعالى: "و للرجالِ عليْهِنّ درجةٌ" [ البقرة: 228] و هي درجة التقدم و الكلية في رتبة الوجود، فما تلحق بهم أبدا .
قال تعالي عزّ و جل: " الرجالُ قوّامُون على النِّساءِ" [ النساء: 35] قيام الكل علي الجزء، وللقيوم درجة التقدم والشرف .
أمّا السرّ الذي خلق منها زوجها إلا من خارج، حتى لا يخرج الأمر منه أصلا، و يكون الأمر منه إليه كالأصل و غيره منه عليه حتى لا يستأنس بالغير، و هكذا الأمر في الأصل أنه ما أظهر عينا للغير حتى لا يكون للغير عين، فافهم .
هذا سرّ الحديث المشهور في الغيرة الإلهية أنه قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ سعدا لغيور و أنا أغير منه و الله أغير مني"  فالغيرة صفته كما قال، فافهم .
قال تعالى: ("وبثّ مِنْـهُما رجالًا كثيرًاً و نساءً") [ النساء: 1] فلمّا كان آدم نفسا واحدة و حواء خلقت منها فبثّ منهما، و أوجد، و نشر بنكاح صوري رجالا كثيرا و نساء  .
قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ" [ السجدة: 17] .
إنما أخّر النساء لتأخرها في الخلق و في الرتبة، يقال: نسأت الشيء إذا أخرته، ذكره في الصحاح و ذلك لأنها في مرتبة الانفعال، و لها التأخّر عن رتبة الفاعل.
وهكذا الأمر في العالم و إيجاده خلق في نفس واحدة، وهي نفس القلم الأعلى والروح الأعظم الأسنى وهو أول خلق إبداعي نفس النفس الكل وهي أول خلق انبعاثي كانبعاث حواء من آدم عليهما السلام في عالم الأجرام ليكون محلا للولادة المعنوية المحسوسة المشهودة لأهلها.
وكانت مما ألقي إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني الطبيعة و الهباء جميعا، فكانت أول أم ولدت توأمين، كما كانت حواء عليها السلام.
فأول ما ألقت هو الطبيعة أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة، فأنكح الطبيعة الهباء، كما كانت في أولاد آدم وحواء فولدت بينهما صورة الجسم الكل، وهو أول جسم ظهر في الوجود فكان أبوه الطبيعة و الهباء أمه.
وهي الهباء جوهرة مثبتة في جميع الصورة أثاثها، و ما من صورة إلا هي فيها، و إنما قلنا الذكور و الإناث، و أردنا الصورة الفاعلة و المنفعلة لأن الأمر لا يخلو من هاتين القوتين .
فأول الآباء العلوية معلوم: أي القلم الأعلى .
وأول الأمهات السفلية شبيه المعدوم الممكن، فهذا أب ساري الأبوة، و هذه أم سارية الأمومة.
والنكاح و الازدواج سار في كل  شيء والأولاد والنتيجة دائمة أبدا دنيا و آخرة .
فالمولدات أمور مختلفة لا تنحصر أشخاصها الطبيعة و العنصرية أبدا لأن الله تعالى قد وصفها على أمزجة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها، و إنا و إن كنا عن أصل واحد، و لكن جعلنا مختلفين لحكمة لا تخفى على الواقفين .
قال تعالى: "ولا يزالون مُخْتلِفِين" [ هود: 118] و لذلك خلقهم، فمنا الطيب و الخبيث الواسع و الضيق، نظم حضرة الشيخ رضي الله عنه شعر :
فالأصل فرد و الفروع كثيرة     ...... فالحقّ أصل و الكيان فروع
فافهم .
وهكذا في المعاني في إنتاج العلوم إنما هو بمقدمتين موضوع التالي عين محمول المقدم، فإذا وقع بينهما نكاح معنوي وهو نسبة مخصوصة تعطي صحة النتيجة و حرية الأولاد كتكرار حد الوسط و غيره من شروط الصحة .
لقوله تعالى: "وتلك الْأمثالُ نضْربها للنّاسِ لعلّهُمْ يتفكّرُون" [ الحشر: 21] بل العالم كله بما فيه ضرب للأمثال للذين آمنوا ليعلموا منه أنه هو فجعله عليه، و أمرنا بالنظر فيه كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم، فإن قيل ما من شي ء في الوجود إلا و له استناد إلى الإلهيات، فإن العالم ظل و قوله تعالى: " ألمْ تر إلى ربِّك  كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] .
كما ورد في الخبر : "السلطان ظل الله في أرضه" .
و قال في هذا المعنى رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة في معرفة منزل السرّين: لم سمّي هذا المنزل منزل السرّين؟
وهو سرّ عجيب أن الشيء الواحد تثنية نفسه لا غيره في المحسوس و المعقول، فأمّا في المعقول فآدم ثناه ما فتح من ضلعه القصير من صورة حواء، فكان واحد في عينه فثناه نفسه و صار زوجا، و ليست سوى نفسه التي بها قيل فيه:  إنه واحد .
وأمّا في المعقول فالألوهية ليست غير ذاته، و معقول الألوهية خلاف معقول كونه ذاتا، فثنت الألوهية ذات الحق تعالى و ليست سوى عينها فكانت في الحس من آدم و من ثناه من ذاته رجالا و نساءا على صورة الزوجين .
كذلك بثّ من ذات الحق و كونه إلها للعالم على صورة هذين المعقولين صور كثيرة، أسماء مؤثرة و أسماء متأثرة ذكورا و إناثا.
فالعالم لتوالد أجزائه على صور مؤثر و مؤثر فيه فاعل و منفعل، كما جرى في المحسوس فإن الله تعالى ما خلق من آدم و حواء عليهما السلام أرضا و سماءا، بل ما خلق منهما الأمثال في الصورة و الحكم لأن الأصل واحد و ما ثناه سوى نفسه و لا ظهرت كثرة إلا من عينه الواحدة.
فكان له كل شيء من العالم يدل على أنه واحد فإن الوجود بثّ منه صورا كثيرة، و هي نسب أحكام الأعيان و استعدادات الممكنات في عين الوجود الواحد.
والنسب هي صورة الحقائق الأسمائية الفاعلية التي كثرت من نكاحاتها المعنوية في الحقائق الكونية، و كثرت منها صور النسب الواقعة بلفظ النسب بفتحتين، و هو مشتق من النسبة، فافهم .
وبثّ نسبا مؤثرة و متأثرة ذكورا و إناثا، وهذه هي النسبة الإلهية التي يرفعها يوم القيامة كما ورد في الخبر الصحيح : "اليوم أضع نسبهم وأرفع نسبي" 
وأمّا الإنسان الكامل من حيث طبيعته الحاضرة للمواليد كلها هو بمنزلة الأنثى لزوج معروف غير منكور.
وله ثلاث حالات معه قبول الولد و المخاض و الولادة.
فيعرف في كل نفس ما يلقي إليه فيه ربه و ما يخرج منه إلى ربه و ما فيه مما ألقي فيه من ربه، فإنه مأمور بمراقبة أحواله مع الله تعالى في هذه الثلاث المراتب، فالمحقق العارف يعرف زوجه و يعرف أنه بنكاح لا بسفاح بوليّ و شاهدين مع تلاوة:
"ولمْ يكُنْ لهُ كُفُوًاً أحدٌ" [ الإخلاص: 4] غيره فيعرف ما يلد و من يقتل ولده إذا ولد و من يربيه فلهذا السرّ : أي لأجل أنه أنثى لا يكون الكامل الفرد تحت الكامل لأن الفوقية للرجولية، و ليس فيهم رجل .
قال رضي الله عنه من هذا الذوق في بعض أشعاره يناجي فيها ربه :
إنا إناث لما فينا نولده فلنح  ..... مد الله ما في الكون من رجل
فنسمّى هذه الطائفة بالأفراد فافهم .
فإن المعارف الإلهية على هذا النمط و الأسلوب لا نجدها في غير كتب الشيخ رضي الله عنه فقوله تعالى: "اتّـقُوا رّبكُمُ" [النساء:1] والاتقاء بمعنى جعل الشيء وقاية يندرج بها عن إصابة أسهم الحوادث و المكاره و الأسوأ، فلمّا ذكر رضي الله عنه التقوى يريد بيان التقوى، فإنها أقسام: تقوى الله، و تقوى النار، و تقوى الحدود .
وأمّا التقوى الذين نحن بصدد بيانها هي: تقوى الله، فاعلم أنار الله تعالى بصائرنا و أصلح لنا سرائرنا و خلص من الشبه أدلتنا أنه لما امتنّ الله علينا بالاسم الرحمن، فأخرجنا من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي هو الوجود، فينبغي أن لا ننسى أصلنا حتى لا ننسى فضله .
ورد في الخبر : "إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل"  رواه أنس .
فمن جهل بنفسه و نسى أصله فهو بالغير أجهل، و هذا داء ينبغي له دواء قبل الداء، كما هو عادة الحكماء الإلهيين، فكان الله حفظ صحة آدم قبل قيام العلة به من ألطف الطب و يسمّى هذا الفعل عند الأطباء: الاستظهار، و أمر الله تعالى بالتقوى .
كما ذكرناه أنزل الدواء قبل الداء، فمن تحسّى منه برئ بإذن الله، فأراد رضي الله عنه أن يذكر جنس الدواء، و يحرر أوزانها و يقرر أوقاتها، كما دأب الحكيم العليم .
فقال رضي الله عنه: اجعلوا: أي بالإسناد إليكم (ما ظهر منكم ) من الفواحش و المذام (وقاية لربكم) الذي هو باطنكم، كما فعل الأديب الإلهي إبراهيم عليه و على نبينا السلام حيث أسند المرض إلى نفسه .
وقال تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80] .
( واجعلوا ما بطن منكم و هو ربكم وقاية لكم)
فإن ظاهركم خلق و باطنهم حق فاسد، و الخير كله من المحامد إلى باطنكم، كما جعلتم ظاهركم وقاية باطنكم في إسناد الشر، فاجعلوا باطنكم وقاية ظاهركم في إسناد الخير .
لما ورد في الخبر الصحيح أنّ الله تعالى يحب أن يمدح و في  حديث طويل :
" وما من أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك وعد الجنة"  رواه الحاكم في المستدرك عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه .
فالحق المحامد إليه، كما تلحق المذام إلى نفسك، كما هو فعل الأدباء، وهو قوله تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80].
وإنما عرّفنا الله تعالى بأهل الأدب و حكى لنا حكايته عليه السلام حتى نتأدّب بآدابه تعليما لنا و تنبيها و تعظيما له و تنويها .
قال تعالى: "ثمّ أوحيْنا إليْك أنِ اتّبعْ مِلّة إبراهِيم حنيفاً " [ النحل: 123] فلهذا كان صلى الله عليه و سلم يقول في الأدعية المأثورة معلما لنا : "والخير كله بيديك و الشر ليس إليك"  فافهم .
(فإن الأمر) الصادر منكم إمّا (ذم)، فهو لكم وأنكم سواد الوجه في الدّارين كل يشاكله عمله.
وإمّا (حمد)، له الحمد في الآخرة والأولى. ""
وأخيرا علم الخلق به صلى الله عليه وسلم أن الحمد لله على كل حال ما قيده بشيء حتى الأمر في جميع الأحوال سواء كان بواسطة أو بغير واسطة.
وإن شئت قلت في الجمع أو الفرق، فإن له عواقب الثناء وذلك لأن الحمد هو الثناء.
والثناء على قسمين:
ثناء عليه بما هو له كالثناء بالتسبيح،
وثناء عليه بما يكون منه و هو الشكر على من أسبغ النعماء و إلا لا .
والعبد و ما في يده لمولاه فلا يملك شيئا حتى يكون الحمد بما هو له، و لا يخرج منه شيئا، فإن خروج الشيء عن الشيء فرع أن يكون له شيء، وقد قلنا أنه ليس له من الأمر شيء، فالحمد لله كله له، فافهم .
(فكونوا وقايته في الذّم ) فتكونوا كالوقاية من أسنة المكاره وسنان اللسان، وأضيفوا كل مكروه إليكم فداءا له .
(و اجعلوه وقايتكم في الحمد ): أي ألحقوا الوجود و الخير كله إلى ربكم ليكون الخلاص لكم الخلاص من شرور الزهو والظهور.
قال تعالى: "لنْ ينال اللّه لحُومُها ولا دِماؤُها ولكِنْ ينالهُ التّـقْوى مِنْكُمْ" [ الحج: 37] فالظاهر متقي و الباطن متقي فالكل متقي و هو الكل أنه .
قال تعالى: "أهْلُ التّـقْوى وأهْلُ المغْفِرِة" [ المدثر: 56] هذا حقيقة أعوذ بك منك، فافهم .
( تكونوا أدباء عالمين ): أي تكونوا جامعين الخير كله، و جماع الخير أن تقف مواقفك و لا تتعدّى طورك، و لا تجعل بنفسك لله اسما وصفة، ولا تسمّيه إلا بما سمّاه نفسه و لا تضيف إليه إلا بما أضاف الله إلى نفسه و يكون معه على توفيق التوفيق، فما أسند إلى نفسه تسند إليها، فتسند الخير إليه كما أسنده إلى نفسه.
قال تعالى: "ما أصابك مِنْ حسنةٍ فمِن اللّهِ" [ النساء: 79] .
وقال تعالى في الشر: "وما أصابك مِنْ سيِّئةٍ فمِنْ نفْسِك" [ النساء: 79]
ثم قال: "قلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78]: أي أن التعريف من عند الله، بأن هذا من عند الله و هذا شر من عنده تعالى .
ثم قال في حق من جهل هذه الأحكام و التعريف: "هؤلاءِ القوْم لا يكادُون يفقهُون حدِيثاً" [ النساء: 78].
أي ما حدّثتهم به فإني قلت : هذا من عند الله و هذا من النفس، فرفعت الإيهام واحتمال الإيهام، فلمّا قلت كل من عند الله، فعلم العالم بالله أني أريد الحكم، والإعلام بذلك أنه من عند الله لا عين الشر و السوء فإذا علمت هذا .
فاعلم أن الأديب ينقسم إلى أربعة أقسام في اصطلاح أهل الله رضي الله عنهم :
أدب الشريعة و هو الأدب الإلهي الذي يتولى الله تعليمه بالوحي و الإلهام و التعريف، و به أدب نبيه صلى الله عليه و سلم، و به أدّبنا نبيه صلى الله عليه و سلم، ومن هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "إن الله أدبني فأحسن تأديبي"  فهو المؤدّب .
وأدب الطريقة و الخدمة، فقد شرع ما كيفية المعاملة معه خاصة دون الخلق .
قال تعالى"وما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُمْ عنْهُ فانتهُوا واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه شدِيدُ العِقابِ" [ الحشر: 7] .
وقال صلى الله عليه و سلم "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".  رواه ابن مسعود رضي الله عنه .
هذا من أحسن التأديب منه.
وأدب الحق هو: الأدب مع الحق في اتباعه حيث وجد و ظهر، فلو ظهر عند الأصغر سنا و رتبة فيتبعه و لا يأنفه و يقبله و لا يرده و لا يكون ممن قال تعالى: "و إذا قيل لهُ اتّقِ اللّه أخذتهُ العِزُّة بالِإثمِ" [ البقرة:  . [206
وهذان القسمان لو كانا يدخلان في القسم الأول من وجه فإن أدب الشريعة كالأم و لو كان لهما بعض خصوصيات تختص بهما .
أدب الحقيقة و هو: ترك الأدب بفنائك عن نفسك و ردّك الأمر كله إلى الله، و الذي نحن بصدد بيانه أدب النبوّات على ذوق حكم النصوص و حكمها .
وهو أن لا يتعدى علمك في الأشياء علمه تعالى فيها، و هو الموافقة و إن أعطاك علمك خلاف ذلك، لا سيما فيما أضافه الحق إلى نفسه و إلى خلقه فأضفها إلى من أضافها الله.
وأنزل علمك لعلمه، فإنه العليم و أنت العالم، فلا ترجّح على علمه من حيث قيام الدليل لك على أنه لا فاعل إلا الله تعالى و في أدب الحقيقة .
قال تعالى: " بلْ للّهِ الْأمْرُ جمِيعاً " [ الرعد: 31] .
و قال تعالى: "قلْ إنّ الْأمر كُلّهُ للّهِ" [ آل عمران: 154] .
و قال تعالى: "ليس لك مِن الْأمْرِ شيْءٌ" [ آل عمران: 128] .
و قال تعالى: "قلْ كُلٌّ  مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78] .
و قال له موسى عليه السلام: "إنْ هِي إلّا فتْنتك" [ الأعراف: 155] .
وكما ورد عن الصدّيق الأكبر رضي الله عنه أنه قال: "الطبيب أمرضني" أسند المرض إلى الحق بخلاف ما فعل الخليل عليه السلام : "فأردْتُ أنْ أعِيبها" [ الكهف: 7] .
قال تعالى:" فأراد ربُّك أنْ يبْـلغا أشُدّهُما" [ الكهف: 82] .
فالتارك للأدب أديب من حيث الكشف و الشهور يعاين جريان المقادير قبل وقوعها.
كما قال: ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله قبله، فنزل من الحق إلى الخلق .
فاعلم أن لله تعالى تجليين:
تجلّ نفسك عنك و عن أحكامك، فما يرى صاحب هذا التجليّ سوى الحق.
و تجلّ بنفيك معك و مع أحكامك، و من أحكامك ملازمة الأدب في الأخذ و العطاء.
فمثل هذا التجليّ أسأل الله ما دمت في دار التكليف فإذا انتقلت إلى غير هذا الموطن، فكن بحسب الموطن تكن أديبا و بأحكام المواطن عليما.
فإذا قمت في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن، و المواطن شهداء عدل عند الله فإنها لا تشهد إلا بالصدق، و قد نصحتك فاعمل تكن أديبا فإن لكل موطن أدبا مختصا به، فكل وقت له حال بنطقه، و كل حال له معنى يحققه، فلا تخلط و كن من فصل الخطاب، و الله هو الهادي الوهاب عالمين بحقائق الأمور كما هي هي و آدابها .
قوله رضي الله عنه: عالمين حال أن تكوّنوا أدبا، حال كونكم عالمين بأن الأمر لله جميعا، فيدخلون في رحمته الواسعة التي قال فيها: "فسأكْتبها للّذِين يتّـقُون" [ الأعراف : 156].
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين يوليو 29, 2019 10:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السابع عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:40 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السابع عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء السابع عشر

قال الشيخ رضي الله عنه : [ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:]
ثم أنه تعالى: أي بعد ما خلق الله تعالى آدم الخليفة الذي جمع من حيث الطبيعة حقائق العالم بأسرها، و حصر قوابلها بأجمعها أعلاه.
و كان أسفله (أطلعه ): أي أعثر آدم الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان، و كان ذلك بعد الخلافة و الإمامة الكبرى، و الاطلاع إمّا بتعريف إلهيّ، أو بتجلي إلهيّ و هو اطلاعه على نفسه و على عينه الثابتة الجامعة لجميع الحقائق الكونية .
ومن كرامات القلب معرفة الكون قبل أن يكون، و هذا هو العلم الخفي الذي فوق العلم السري و فوقه علم أخفى و فوق الأخفى أخفى إلى الأخفى الذي استأثره الله دون خلقه.
فالأخفى الأول: عمى عنه كل مخلوق ما عدا هذا الشخص الذي أطلعه الله عليه كرامة منه به، و لا يلتفت إلى من يقول: إنّ كل إنسان له سرّ يخصه لا يعلمه أحد معه إلا الله تعالى هيهات! و أين اللوح و القلم، نعم لكل إنسان سر مسلم ذوقا لا يعلمه أحد من جنسه و لا الأكثر من غير جنسه، و يعلمه هذا الذي أكرمه الله تعالى بقوله: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76]، فافهم .
ذكره الشيخ رضي الله عنه في "مواقع النجوم" على ما أودع فيه من حقائق العالم عموما، كما في قبضة شماله، و من حقيقة نفسه و نبيه من حيث أنه إنسان لا من حيث أنه خليفة خصوصا كما في قبضة يمينه، و جعل ذلك عطف على قوله أودع : أي جعل ذلك الوديعة .
( في قبضته ): أي قبضتي آدم و هما قبضتا اليمين و الشمال .
قال تعالى:" و مِنْ كُل شيْءٍ خلقنا زوْجيْنِ لعلّكُمْ تذكّرون" [ الذاريات: 49] .
إن هذا من حكم القبضتين، فالقبضة على الحقيقة .
قوله تعالى: "اللّهُ بكُل شيْءٍ مُحِيطاً" [ النساء: 126] و من أحاط به فقد حكم عليه لأنه ليس له منقذ مع وجود الإحاطة، و هكذا الخليفة فهو قابض لجميع العوالم، و لا يخرج من قبضة إحاطته  شيء، حتى آدم الإنسانيّ أبا البشر و ذلك لأن آدم من حيث العنصرية جزاء من أجزاء العالم كسائر العوالم فالكل من أجزائه و صورة ذلك أنه ما من موجود سوى الله إلا و هو مرتبط بنسبة إلهية، و حقيقة ربانية تسمّى أسماءا حسنى، و كل ممكن في قبضة حقيقة إلهية و كلها في قبضة الكامل الخليفة، بإقباض الله إياه فالكل في القبضة، فافهم .
ثم فصّل ما في القبضتين باعتبار اليدين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فقيل فيهما: أهل الجنة وأهل النار، هو لا للجنة ولا أبالي، و هو لا للنار و لا أبالي.
قال رضي الله عنه: فلمّا رأيت آدم في الإسراء فقلت له يمين الحق يقضي بالسعادة قال: نعم فقد فرق الحقّ بين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال
فقال لي: يا ولدي ذلك يمين أبيك و شماله، انتهى كلامه رضي الله عنه.
و جعل (القبضة الواحدة فيها العالم ) سعيده و شقيه فى شماله، و إنما قال العالم مطلقا لأنه سعيد و شقيّ .
لما ورد في الأخبار الصحيحة "إنّ جبل أحد مثلا من جبال الجنة".
، و جبل عير على وزن زيد و هو جبل في المدينة المشرّفة من جبال جهنم، و هكذا حكم السعادة و الشقاوة سار في العالم حتى في الأمكنة و الأزمنة كالمتمكنين، و القبضة الأخرى فيه آدم و بنوه: أي من هذه القبضة من آدم الخليفة، فيها آدم أبو البشر و بنوه .
فلمّا كانت هذه القبضة من أثر مزج العجز الأوّل الإلهيّ، الذي دخلت أحكامه بعضها في بعض من كل قبضة في أختها، اختلطت أحكام السعادة و الشقاوة و الطيب و الخبيث بحكم الجمعية التي فيه .
و ذلك لأنّ الصّفات قبل المزج لا تتصف بالشقاوة و لا بالسعادة لذاتها، و الذوات كذلك قبل الامتزاج لم تكن قبله، فقيل هذا سعيد و هذا شقيّ و هذا طيب و هذا خبيث، فانظر ما أحدث الامتزاج كسواد الحبر و المداد بامتزاج العفص و الزاج، فكل الآفات من التركيب و المزاج، و جميع المصائب من الامتزاج و اختلاط الأمشاج، و نهاية الأمر و غاية السالك التخلص من التركيب و الرجوع إلى البساطة الأصلية، و السّبك و الفّك عن هذه القيود العارضة المتعارضة .
كما قال أبو يزيد قدّس سره: إنه لا صفة له، يشير إلى السّبك و التخلص على حكم الامتزاج لأنه أقيم في كل معقولية بساطته، و لم ير مركبا مخلا للبساطة الأصلية، و لكن هذا حال جائز و ظل زائل، فما ثمّ ة إلا مرّكّب يقبل الصّفات إمّا السعادة أو الشقاوة بحسب ما يقتضي مزجته و تركيبه، فما في العالم إلا سعيد أو شقي، و قد بين أسباب الخير و السعادة و طرقها و أسباب الشر و الشقاوة و طرقها .
لقوله تعالى: "فألهمها فجُورها وتقْواها" [ الشمس: 8] يميز الخبيث من الطيب، فافهم .
فلمّا تداخلت أحكام القبضتين، و جهلت الأحوال تفاضلت الرجال باستخراج الخبيث من الطيب، و تميز الطيب من الخبيث، فأراد تعالى الفرقان بين الطبقات و رؤية الغايات في البدايات بتخليص المزج و تميز أهل القبضتين حتى ينفرد كلّ بعالمه، و يتميز الطائع من العاصي لتميز المراتب بأربابها، فكل أحد يعرف حاله و ماله و عاجله و آجله، و كلّ أحد يعرف ماله عنده و ما عليه من عنده، بل تعلم من أنت و من هو، كما انفرد العالم و آدم من قبضتيّ الحق و من هذا المقام .
قال تعالى: "ليمِيز اللّهُ الخبيث مِن الطّيِّبِ ويجْعل الخبيث بعضهُ على  بعْضٍ فيركُمهُ جمِيعاً فيجْعلهُ في جهنّم أولئك هُمُ الخاسِرُون " [ الأنفال: 37] .
فمن بقى فيه شيء من هذه المزجة غير متخلص، و مات عليها لم يحشر يوم القيامة من الآمنين، و لكنّ منهم من يتخلص في الحساب، ومنهم بشفاعة الشافعين و أما من تخلص في دار الدنيا فيحشر من الآمنين لقوله تعالي: "لا خوْفٌ عليْهِمْ ولاهُمْ يحْزُنون" [ البقرة: 62] جعلنا الله من المخلصين المتخلصين آمين .
و إنما قلنا إنه رضي الله عنه أراد بالقبضة قبضة آدم لأنه القابض المقبوض و بيان ذلك أنه قابض من حيث أنه خليفة و مقبوض من حيث إنه إنسان، و حقيقة من الحقائق .
قال رضي الله عنه في الباب السابع و ثلاثمائة من "الفتوحات ": فلمّا أراد الله أسرى بي ليريني من آياتي في أسمائه من أسمائي أزالني عن مكاني، و عرج بي على براق إمكاني، فلم أر أراضي أركاني، فالتفت آدم فإذا أنا بين يديه و عن يمينه في نسيم نبيه عيني فقلت له: هذا أنا فضحك، فقلت: فأنا بين يديك و عن يمينك.
قال: نعم هكذا رأيت نفسي بين يديه
فقلت له: فما كان في اليد المقبوضة الأخرى،
قال: العالم . فإذا فهمت هذا فأرجع،
و أقول في بيان النص الشريف: إنّ للكامل أن يرى لطيفته ناظرة إلى مرّكّبها العنصري، و هو متبدّد في العناصر فيشاهد ذاته العنصرية قبل وجودها و خلقها و تركيبها، كما للحق أن يراها قبل الوجود و له السّراج: أي التحلية و عدم المانع و الإطلاق في كل موطن و مقام لأن له صورا في كل موجود من عقل و نفس و طبيعة و عرش و كرسيّ، و هكذا في جميع الموجودات لأنه مرّكّب من الكل و الجميع أجزاؤه .
و من هذا المقام : "كنت نبيا، و آدم بين الماء و الطين".
بل أنه يرى في صورته الكمالية صورة حقيقية التي هو بها هو لأنه جامع للعوالم كلها، و صورته العنصرية بالنسبة إليه من جملة العوالم، فيرى نفسه خارجا عما يرى غيره من هذا القبيل قوله ما ورد في الخبر عنه صلى الله عليه و سلم في الإسراء :
" إنه دخل فإذا آدم عليه السلام وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء وعن شماله أشخاص بنيه الأشقياء فرأى صورته صلى الله عليه و سلم في الذين عن يمين آدم فشكر الله" 
وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين و هو عينه لا غيره فكان له كالصورة المرئية و الصور المرئيات في المرآة و المرائي.
ذكره رضي الله عنه في الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات".
و هذا العلم لا يدرك بالعقل و هذا من علوم التجليات التي تجمع الأضداد بل يرى الأضداد عينه .
قال رضي الله عنه في الباب الخامس و ثلاثمائة من "الفتوحات":
للإنسان في كل عالم من عالم الأرواح و الأعيان الثابتة و عالم الخيال، و غيرها صورة بل في كل مقام و علمه بصورته إن كان صاحب الكشف بل في كل مقام، و كما أنّ لنا صورة و وجودا في صورته، و وجوده كذلك له صورة و وجوده من صورنا وجودنا، كما في الميثاق كان معنا من صورة ظهوره، فشهد معنا كما شهدنا، فهذا آدم و ذريته صور قائمة في قبضة الحق، و هذا آدم خارج عن تلك القبضة و عن تلك اليد، فهو يصير صورته العنصرية، و صورة ذريته و بنيه في يده، و هو خارج عنها .
ثم قال رضي الله عنه: فاعرف ذلك و أكثر من هذا التأنيس ما أقدر لك عليه فلا تكن ممن قال فيهم عزّ و جل: "صُم بكْمٌ عُمْيٌ فهُمْ لا يعْقِلون" [ البقرة: 171] .
و قال تعالى: "إنّ شرّ الدّواب عِنْد اللّهِ الصم البكْمُ الّذِين لايعْقِلون" [ الأنفال: 22] .
و أخذ الله الصور من ظهر آدم، و آدم فيهم و أشهدهم على أنفسهم بحضرة الملأ الأعلى و الصور التي لهم في كل محل لقوله تعالي: "ألسْتُ بربِّكُمْ قالوا بلى"  [ الأعراف: 172] .
فالإنسان عالم بجميع الأمور الخفية فيه من حيث روحه المدبر، و هو لا يعلم أنه يعلم، قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ جزاءً بما كانوا يعْملون" [ السجدة: 17] .
فهو الناسي و الساهي، و الأحوال و المقامات و المنازل تذكره، وهو رجل يدري ولا يدري أنه يدري .
ومن هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "الحكمة ضالة المؤمن" .
وقال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ  الذكْرى نتفعُ المُؤْمِنين" [الذاريات: 55] .
( و بين مراتبهم ): أي بين الله تعالى مراتب العالم سوى الإنسان أو مرتبة نفسه من حيث أنه إنسان، و مراتب بنيه أو المجموع فيه: أي في ذلك الاطلاع أو في آدم الخليفة أو في الوجود الحق و ذلك لأن العالم بالنسبة إلى الكامل سواء كان نفسه أو بنوه أو غيرهما بمنزلة الأجزاء كلها، و تبين له جزء جزء على مراتبها لأنها منها بمنزلة النفس، و منها بمنزلة القوي، و منها بمنزلة الحواس، و منها الحواس منها بمنزلة الظاهرة و من الظاهرة منها بمنزلة السمع، و منها بمنزلة البصر، و منها بمنزلة الشم و الذوق و اللمس، و منها بمنزلة الحواس الباطنة، و منها بمنزلة الأعضاء، و منها بمنزلة العضّلات، و منها بمنزلة الزينة كالشّعر، كما ذكرناه سابقا أن الملائكة بمنزلة القوي، و قس على هذا الأمر كله .
و من كان بنفسه في نفسه بهذه الشهود و الأتم، إلا و في اطلع على الكل بحسب مراتبهم، و بمعرفته بنفسه على هذا الأسلوب عرف الله .
و هذا تصديق قوله صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه"
فإنه عين المجموع، و هذا من علم المضاهاة فإنه رأى نفسه واحدة العين كثيرة المظاهر، وحده في عين كثرة، و عرف ربه أنه واحد كثير، فعرف مراتب الكثرة في عين  الوحدة، و سراية الوحدة في الكثرة، و علم نفسه أنه بمنزلة حبه، أوجد الحق منها أوراقا و أغصانا و أزهارا و أصولا و عروقا و بذورا كثيرة .
فظهرت الكثرة في الصورة عن عين واحدة، و هي عينها و غيرها بالشخص و هذا هو المراد من إيجاد العالم .
قال تعالى"وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا  ليعْبدُونِ" [ الذاريات: 56] :
أي ليعرفون أنّ الكثرة ناشئة عن الوحدة الحقيقية والنشأة الآخرة نشأة في بعض الأحكام، نشأت البرازخ غيبا أو شهادة، فترى نفسك فيها و هي واحدة في صور كثيرة و أماكن مختلفة في الآن الواحد، فيرى نفسه أنه هو ليس غيره في الكل، و هكذا يكون يوم القيامة فإنّ النبي صلى الله عليه و سلم يطلبه الناس في مواطن القيامة، فيجدونه من حيث طلبهم في كل موطن يقتضيه ذلك الطلب، في الوقت الذي يجده الطالب الآخر في المواطن الأخرى بعينه فسببه ما ذكرناه، فافهم .
و أما كيفية الاطلاع و البيان، فقد يكون بالتعريف الإلهيّ كالخلافة فإنها قد تكون بالتعريف، كما قال تعالى في آدم عليه السلام: "إنِّي جاعِلٌ فِي الْأرضِ خلِيفةً " [ البقرة: 30].
و قال لداود عليه السلام: "إنّا جعلناك خليفةً" [ صّ : 26]، و قال لإبراهيم عليه السلام: "إنِّي جاعِلك للنّاسِ إماماً"[ البقرة: 124] .
قد يكون: أي بالتجلي الإلهيّ وهو أتم من التعريف فإنّ متعلق التعريف السّمع وهو خبر إلهيّ بواسطة أو بلا واسطة .
و قد يكون الاطلاع و البيان بالتجلي و هو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب بعد الستر، و لا يكون أبدا إلا بالتحقق و أنّ يكون حقّ اليقين و لا يلقى التخلق .
فبين مراتبهم و درجاتهم حتى علم ما علم، و ذلك أنه تعالى لما علمه الأسماء التي أودع فيه و جعل في قبضتيه عليه السلام، و هو الأسماء الكونية و كل اسم من العالم علامة على حقيقة معقولة مخصوصة به ليست للآخر.
و كذلك وجوده العنصري و وجود بنيه في خروجهم من آدم الخليفة إلى الوجود العيني فإنه كثير يطلب تلك الأسماء الكثيرة، و هم مسمياتها و إن كانت العين واحدة فهي كثيرة كما أن العالم من حيث أنه عالم واحد و هو كثير بالأحكام و الأشخاص، فاجتبى إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب .
و ما ذكرنا هنا نعتا و لا حالا بل ذكر الأمرين اجتباءا و بداية فافهم هذه الإشارة .
و لما خرج بنوه فنظر إلى شخص من أخويهم فسئل عنه؟
فقيل: هذا ولدك داود عليه السلام كما في الخبر المشهور، فعلم بهذا الاطلاع و الأداة كل المسميات بطلسم اسمه، فإن الاسم طلسمه على المسمّى من علم الحروف و كيفية وضعها، كما أنعم الله على داود بإعطاء اسم ليس فيه حرف من حروف الاتصال .
وهي الحروف التي من شأنها أن تتصل بما بعدها فقطعه عن العالم بذلك، وسمّاه بذلك الاسم إخبارا لنا عنه عليه السلام بتجرّده وانقطاعه، وأعطي محمدا صلى الله عليه وسلم اسما بحروف الاتصال و الانفصال الاختصاصي لأنه حكيم عليم ما يضع الأشياء إلا في موضعها فيستخرجه العارف بوضع الحروف، فإن الأسماء تنزل من السماء فما وضع شيئا على شيء إلا بالحكمة، فالوجود كله ما انتظم منه شيء بشيء إلا للمناسبة ظاهرة أو باطنة صورية أو معنوية إذا طلبها الحكيم المراقب وجدها .
قال رضي الله عنه في مواقع النجوم: إن معرفة مثل هذه المناسبات من مقام خواص أهل الطريقة رضوان الله عليهم و هي غامضة جدا .
و لقد أشار أبو يزيد السهيلي إلى هذا المقام في كتاب: “المعارف و الإعلام” الذي له باسم النبي صلى الله عليه و سلم محمد و أحمد، و تكلم على المناسبة التي بين أفعال النبي صلى الله عليه و سلم و أخلاقه صلى الله عليه و سلم و بين معانيها .
و القائلون بهذه المناسبات عظماء أهل المراقبة والأدب و لا يكون هذا العلم إلا بعد كشف علمي و مشهد ملكوتي، و لا سيما الآمنين من طريقتنا  كشيبان الراعي، و أبي يزيد البسطامي، و من لقينا من المشايخ كالعربيني و أحمد المرسي و عبد الله البرجاني و جماعة منهم انتهى كلامه رضي الله عنه .
فعلم آدم مرتبة كل مسمّى من اسمه لا من خارج، و إنما قلنا أن الاطلاع تعريفي لأن الأخذ كان من ظهره يعني: ظهر الغيب عليه السلام و هو غيب له و أخذه في الميثاق أيضا من ظهره، فما نحن على يقين من ذلك أي من أنه كان بالكشف فأخذنا أقل المراتب مع احتمال ذلك، فإن قبضه لا مقطوع و لا ممنوع .
قال رضي الله عنه في هذا المبحث: عبدا وقف على علم ذلك باليقين و يخبر به انتهى كلامه .
و أما الخلافة بالتجلي فهو مخصوص سيد البشر صلى الله عليه و سلم وهو مظهر حقيقة الاسم الموفي مائة، وهم اسم الذات.
أما ترى طلب هذا الظهور من الأنبياء كداود عليه السلام فخوطب بخطاب تسعة و تسعين نعجة إشارة إلى تحققه بتسعة وتسعين اسما.
و طلبه الموفي مائة قيل: إنه لأخيك محمد صلى الله عليه و سلم و الطلب ليس في محل، و حين طلب موسى عليه السلام خوطب، فقال تعالى: “فخُذْ ما آتيْتك وكُنْ مِن الشّاكرين” [ الأعراف: 144] .
و كم تطاولت الأعناق لهذه المرتبة، و ضربت من دونها و خوطب بالصدّ و القلى .
قال الشيخ ابن الفارض قدّس سره من هذا المقام إشارة إلى هذا الصد بيت :
و لا تقربوا مال اليتيم إشارة ....      لكفّ يد صدّت له إذ تصدّت.
وكان أمية بن الصلت في الأيام الجاهلية يترشح للنبوة قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كان من شأنه أنه قال لأخته: ها أنا أنام فاصنعي طعاما.
قالت: فبينما هو نائم إذ رأيت وقد نزل طائران من النافذة فشق أحدهما صدره، ثم أخرج نكتة سوداء فقال أحدهما: أوعي؟
قال الآخر: نعم، و على علوم الأولين
فقال: أدرك
فقال: لا
فقال: ردّوا قواده إليه فليست النبوة له إنما هي لسلالة عبد المطلب
قالت: فلمّا انتبه أخبرته بالقصة فبكي وقال متمثلا بأبيات، ثم انصدعت كبده فمات،
فانظر إلى لمن يبلغ به أهله و الأمر محتوم فافهم  .
و كان آدم أبو البشر حامل الأسماء و نبينا صلى الله عليه و سلم حامل معانيها .
فلهذا قال رضي الله عنه: إن الأمم السابقة ما وقفوا من الاسم الأعظم إلا على حروفه أو على معناه ، بخلاف المحمديين فإنهم جمعوا بين الحروف والمعان .
وأشار إلى هذا المعنى سيدنا قطب الوقت محيي الدين عبد القادر الكيلاني في سكره حاكيا عن المرتبة المحمدية و المحمديين:
معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب و أوتينا ما لم تؤتوا.  ذكره رضي اللّه عنه في "الفتوحات" .
وذكر فيها: إن اثنى عشر نبيا صلوات الله عليهم أجمعين صاموا نهارهم و قاموا لياليهم مع طول أعمارهم سؤالا و رغبة و رجاءا أن يكونوا من أمته، فافهم .
"وقد رميت بك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه و لما أطلعني الله تعالى اعلم أن الاطلاعات من كرامات القلوب و لها مراتب بحسب صفاء القلوب و جلائها". 
ومن كراماتها اطلاع الحق تعالى عبده الكامل على ما أودع في العالم الأكبر من الأسرار، ثم أين حظه في نفسه من ذلك السر؟
حتى يعرف أين البحر فيه و أين البر و أين الشجر و أين السماء و الكواكب و الأقاليم و مكة و القدس و يثرب وآدم أبو البشر و موسى و عيسى و هارون، كما يعرف أيضا في ذاته الدجّال و يأجوج و مأجوج و الدابة المكلمة .
وهكذا بحيث لا يخرج منه شيء من الموجودات ولا أريد حصرها وإنما أريد أنّ كل ما عرفه من العالم الكبير لتصحيح كتابه الخاص به ذوقا.
وفوق هذا أن يطلعه الله تعالى على هذه الأسرار بعكس المرتبة الأولى، فيكون في هذه يقابل العالم مع ذاته فيعرف  الشيء في نفسه أولا، ثم بعد ذلك ينظر ما يقابله في العالم من خارج .
فالأول طالب في نفسه ما وجد خارجا عنه،
والثاني طالب في الخارج عنه ما وجده في ذاته، وهذه الكرامة أشرف وأسبق في الرحموتيات:
ومنها أن يطلعه الله تعالى على هذه الأشياء في الكتابين معا من غير تقديم ولا تأخير كالصورة في المرآة مع الناظر .
هذا غاية المشيئة الأزلية و ظهور المرادات القديمة الأولية لأنه رأى أعيان الأسماء 
مرايا لوجوده  تارة، و رأى الوجود مرآة الأعيان تارة، و جمع بين الروايتين تارة أخرى، في كون جامع حاضر وعلى لسان صاحب هذا المقام.
قال الشيخ العارف ابن الفارض :
و لولاي لم يوجد وجود ولم .....     شهود و لم تعهد عهود بذمّة
و هنا مقامان:
الأول أن يكون العالم مرآته.
والثاني أن يكون هو للعالم مرايا .وهو المقام الأعلى والمدرك الأقصى والمجلي الأعم الأسني .
قال: العالم يرى فيها نفسه و لا يراها أصلا كالمرآة حين ترى صورتك فيها فإنك حينئذ ما تراها فيكشف العالم و لا يكشفه العالم، فهذا قلب الخاتم الأتم لو تسأل الأيام عنه ما عرفته و لو طلب له مكان لم يعقل له مكان .
وهذا هو وارث الحق حقا، و صاحب هذه الكرامة المحمدية صدقا ليس له مقام فيدرك، و حال فيكشف .
ومن هذا المقام أشار في الكتاب العزيز: "يا أهْل يثرب لا مُقام لكُمْ فارجِعوا" [ الأحزاب: 13]: أي لتربية أرباب المقامات، فإنّ الأمر غير متناه و له تأثير في العالم من غير تعيين و نوى في كشفه ما يغنيك عن وصفة في سري .
أشار إلى أن تجليه رضي الله عنه كان سريا: أي ذاتيا اعلم أن سر كل شيء عبارة عن حقيقته، فحقيقة كل شيء سره: أي (لما أطلعني الله تعالى على ما أودع في هذا الوالد الأكبر في سري) و حقيقتي، فما عرفت أمرا زائدا على نفسي بل عرفتها بمعرفة نفسية كمالية جامعة، وعرفتها بتفاصيلها لا في الخارج .
يشير رضي الله عنه إلى تحقيق التحقيق و تشريف التجلي المحقق في هذا الاطلاع يعني: ما كان الاطلاع بالأخبار الإلهي و لا باعتبار القبضتين كاطلاع آدم بل كان بالكشف السري و بالشهود الذوقي و الوجدان النفسي: أي لا بمجرد الكشف و شهدت ما أودع في هذا الوالد الأكبر ذوقا و يقينا باطلاعي على نفسي وسري وحقيقتي وأشرفت على ما فيها.
ما أخفيت فيها من قرة أعين إشراقا وإطلاعا ذوقيا .
ومن هذا المقام قال العارف باللّه الشيخ بن الفارض قدس سره، شعر :
ولا تحسبنّ الأمر عني  فما ...... ساد إلا داخل في عبوديتي
و قوله رضي الله عنه الأكبر من مقام قوله تعالى: "لخلْقُ السّماواتِ والْأرضِ أكْبرُ مِنْ خلْقِ النّاسِ" [ غافر: 57] .
لكون الإنسان متولد عن تأثيرات سماوية و تأثيرات أرضية فيهما له كالأبوين رفع الله مقدارهما تعليما لنا حتى نفعل هكذا مع الأبوين .
ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذا: أي أنه أكبر من حيث الفاعلية و التأثير و الأبوة فإن قيل كيف قال العارف :
وإني و إن كنتّ ابن آدم        ..... فلي فيه معني شاهد بأبوّة
قلنا: هذا لسان إدلال و شطح، و صاحبه صاحب سكر .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم كيف يقول في الشك : "أنا أولى بالشك من إبراهيم" .
في قوله: " فلمّا جنّ  عليْهِ اللّيْلُ  رأى كوكباً قال هذا  ربِّي" [ الأنعام: 76]، ربي على سبيل الشك حجة على الكفار حفظا لرتبة الأبوّة مع الكمال الفائق فافهم وتأدّب، "و صاحِبْـهُما في ُّ الدنيا معْرُوفاً" [ لقمان: 15].
وأما اطلاعاته رضي الله عنه فعلى إنما شتي منها كما ذكرته سابقا، و منها ما ذكره في "الفتوحات "، في الباب الثالث والستون وأربعمائة: إني رأيت جميع الأنبياء و الرسل عليهم السلام كلهم مشاهدة عين و كلمت منهم هودا أخا عاد دون الجماعة .
ورأيت المؤمنين كلهم مشاهدة عين من كان منهم، و من يكون إلى يوم القيامة، أظهرهم الله تعالى في صعيد واحد في زمانين مختلفين، و صاحبت من الرسل و انتفعت بها غير سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم جماعة منهم :
إبراهيم الخليل صلى الله عليه و سلم، قرأت عليه القرآن
وعيسى تبت على يديه،
وموسي أعطاني علم الكشف و الوضوح، و علمت تقليب الليل و النهار، فلمّا حصل عندي زال الليل و بقى النهار، في اليوم كله فلم تغرب لي شمس ولا طلعت، فكانت لي بشرى من الله تعالى أنه لا حظّ لي في الشقاء في الآخرة .
وعاشرت من الرسل محمدا وإبراهيم وموسى و عيسى و هودا و داود صلوات الله عليهم أجمعين، و ما بقى من الأنبياء فروية لا صحبة انتهى كلامه رضي الله عنه .
و في قوله سري يعني: أطلعني في كوني سرا إشارة لطيفة إلى تحققه بالحقيقة السرية التي أشار إليه صلى الله عليه و سلم بأن الولد سر أبيه و الذي كان له سرا فظهر على الولد بل الولد الأكبر، فافهم .
فإن استكثرت أيها  الطالب المتأمّل ما  ذكرته عن الإنسان الكامل بل إنسان الإنسان الكامل، بل عين إنسان الإنسان الكامل، بل روح الكل، روح الرّوح الكل وحقيقته، فأنت معذور فإن فهمك يعجز عن إدراك أمثال هذا لكن كما قيل :
إذا رأت عين العيون فتوحه .....      نسخ العيان عجائب الأخبار
فإذا آمنت بالقرآن فإن الله تعالى قال: "إنّ اللّه على كُل شيْءٍ قدِيرٌ" [ آل عمران: 165] .
وهذه آية من آياته بل هو من آيات أشراط الساعة، فإنه طلوع شمس من مغربها و كفى بذلك عبرة و آية، فافهم .
و تكتم تسلم، فإن أردت بيانه أكثر من هذا، فاعلم أولا أن هذا جائز شرعا و عقلا بالنسبة إلى الحق، فإنه تعالى يرى ما في الأزل و الأبد في آن واحد.
كما يعلم ما كان و ما يكون قبل أن يكون، فيجوز أن يميز الله عبدا من عباده بهذا الاختصاص رؤية و علما، فإن الله تعالى فعّال لما يريد و أنه على كل شيء قدير .
ولا شك أن هذا شيء وهو قادر عليه، فهو من المقدورات وما بقي بيننا أمر مبهم إلا أن نقول هذا الأمر واقع أم لا فهانت المسألة .
ورد في الخبر الصحيح و النص الصريح أنه صلى الله عليه و سلم قال : 
"مثلت لي أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم لأسماء كلها" ذكره الديلمي عن أبي رافع .
وقال صلى الله عليه و سلم: في حديث طويل : "فتجلى لي كل شيء وعرفت فعرفت تأنيسا".
اعلم أنّ القلب له بابان باب إلى عالم الملكوت و باب إلى عالم الشهادة و على كل باب إمام، فالإمام الذي هو بباب الملكوت قارع ذلك حتى يفتح له و لا بد أن يفتح.
فإذا فتح ظهر عند فتحه طريقان واضحان طريق إلى الأرواح وقف على أسراره و يصير صاحبا لهم وسميرا.
وإن سلك على طريق اللوح يعرف ما ذكرناه لأنه قد ارتقم فيه علم ما كان و ما يكون، و ما كان لو شاء الله أن يكون كيف يكون.
فيقابله بذات قلبه فيرتقم فيه على حسب كشفه و استعداده .
والمشاهد لهذا المقام ساكن الجوارح لا يتحرك له عضوا أصلا إلا عينه لغلبة المقام عليه، و هنا يقع التفاضل بين أهل الطريقة.
فمنهم من لا يزال عاكفا على اللوح أبدا لا ينتفع به، و منهم من يشهده تارة، و منهم من يترك فيما سطر قبل و يرتقي إلى النظر فيما يسطر.
و هنا مرتبتان منهم من ينظر فيما يسطر أعني: ماذا يسطر؟ و منهم من ينظر في كيفية تخطيط القلم، و كيف تقع العلوم من الدواة التي هي النون مجملة، و ينثرها على سطح اللوح مفصّلة، فإن تحكم صاحب هذا المقام لم يفهم منه كلام أصلا لإجماله .
و منهم من ينظر اليمين .
و منهم من ينظرها من حيث هي هي: أي من حيث أن اليمين عين ذاته تعالى، وهذه أسنا المراتب والمقامات و أعلاها، و ليس ورائها مقام و لا منزل يتعالى.
و في هذه المقامات يقع التفاضل بين أصحابها، فللرسول منها شرب، وللنبيّ  شرب، و للصّوفي الوارث المحقّق شرب .
قال تعالى: "قدْ علم  كُل أناسٍ مشْربهُمْ" [ الأعراف: 160] و لكل مقام أدب يخصه و شاهد حال يشهد له بصدق المقام .
قال تعالى: "كُلٌّ  قدْ علِم صلاتهُ و تسْبيحهُ " [ النور: 42] .
و للخاتم المحمدي فيه يد الأخذ و العطاء و إطلاق التصرف فيها كما يشاء، فافهم لأن المساواة في إفادة العلم، فإن علمه بالعالم من علمه بنفسه، و علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد و الفرق بينهما أنّ علم هذا العبد الوارث المحمدي عطية و عناية سبقت من الله تعالى له الحسنى من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله تعالى على الأعيان الثابتة في حال عدمها .
و إنما قلنا بسبق العناية لأنها نسبة ذاتية لا صورة لها حتى يقع عليه اطلاع مخلوق ، فصاحب هذا العلم هو أعلى عالم بالله ليس كمثله شيء، فإنه أعطاه العلم و المعرفة بالتجلي فكملت معرفته بالله فنزه و شبه اقتداءا بسنن سيده و مولاه، فإنه نزه و شبه في آية بل نصفها .
وقال: " ليس كمِثلهِ شيْءٌ وهُو السّمِيعُ البصِيرُ" [ الشورى: 11] .
وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل بالأصالة، ولخاتم الأولياء الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد المشرف على المراتب و المقامات، كذلك وهو حسنة من حسنات خاتم الرسالة و النبوة المقدم على الأسماء الإلهية في فتح باب الشفاعة .
لقوله تعالى:" لقدْ كان لكُمْ في رسُولِ اللّهِ أسْوةٌ حسنةٌ لمنْ كان يرجُوا اللّه" [ الأحزاب: 21] .
فالخاتم الحارث الراجي الوارث يقول: كما قال سيده و سنده :
و في الخبر: " أما لكم فيّ أسوة"  الحديث رواه أبو قتادة رضي الله عنه.
"كنت وليا و آدم بين الماء و الطين"
فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول أمثال هذا .
فخزائن الأعطيات مختومة بختام الفاتح، فما يخرجها إلا بقدر معلوم فلهذا قال :
( جعلت هذا الكتاب منه ): أي أظهرت فيه من هذه الحقائق الغير المتناهية ما حدّ لي: أي ما حدّ لي رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ما وقفت عليه، و الوقوف من الكمّل مختلف باختلاف وسع الكمّل، فمنهم من يشهد الحكم و يزنها في الشئون الإلهية المشهودة له، و لا يشهدها إلا عند تكوينها في الخارج في عالم الأرواح لا عالم الحس .
خاصة و منهم من يشهد قبل ظهورها في الحس و هو التكوين، و الآخر يشهده في الإمام المبين و هو اللوح المحفوظ، و هذا أعلى من الأول و أما على الشهود و أتمه الذي كلامنا فيه و نحن بصدد بيانه، و هو أنه يزنها قبل أن يكون الحق فيها، و هو الذي يشاهد أعيان الممكنات في حال عدمها .
كما يشهدها الحق في قوله: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76] .
و هذا أعلى المدارك و أتمها و أعزها، قال: علمه بالأشياء بمنزلة علم الله تعالى بها لأن الأخذ من معدن واحد و هذا: أي الخليفة شرب الخاتم الفاتح، فإنّ ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن لأن المتناهي لا يسع غير المتناهي: أي عادة و إنما قلنا عادة لأنه قد يسع كرامة كما وسع القلب ربه .
و من دون ذلك الذوق يقول أبو يزيد البسطامي قدّس سره: العرش و ما فيه مائة ألف ألف مرة لو أبقي في زاوية قلب العارف ما أحسّ به هذا وسعه قدس سره في المحسوسات، فافهم .
و التأنيس في كيفية الاطلاع على غير المتناهي :
أولا: من قرب النوافل حيث يكون الحق قواه فيدرك غير المتناهي بغير المتناهي .
و ثانيا: من حيث قرب الفرائض، فإنّ المدرك هنا حق به .
فإن قلت: هل يمكن إدراك غير المتناهي بالقوة المتناهية الحادثة أم لا؟!
و إذا كان من الممكنات، هل هو واقع أم لا؟!
و إذا كان واقعا هل مخصوص ببعض دون بعض أم لا؟ !
مع أن حقيقة العلم  تستدعي الإحاطة و حقيقة غير المتناهي تمنع الإحاطة، و قلتم إن قلب الحقائق من الحالات، فمن تعلق العلم به يلزم أحد الحالين إما قلب حقيقة العلم و إما أن يكون غير المتناهي متناهيا و قد فرضناه متناه يقول: فاعلم أولا أنه تعالى قال: "ولا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا  بما شاء" [ البقرة: 255] علق أمر الإحاطة بالمشيئة .
و قال صلى الله عليه و سلم : "أوتيت جوامع الكلم و كلمات الله لا تنفد".
و قال صلى الله عليه و سلم في حديث صحيح : "علمت علم الأولين والآخرين". 
و ليس لأفراد الأولين و الآخرين نهاية دنيا و أخرى، فافهم .
و آدم عليه السلام شهد الله له بأنه علم آدم الأسماء كلها و قال صلى الله عليه وسلم :
"علمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها " . ذكره الديلمي عن أبي رافع
والأسماء إلهية غير متناهية، فإذا عرفت هذا، فاعلم أنه رضي الله عنه قال في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات " : واختلف أصحابنا في العلم المحدّث (بفتح الدال) هل يتعلق بما لا يتناهى من المعلومات أم لا؟
فمن منع أن نعرف ذات الله سبحانه منع من ذلك و من لم يمنع من ذلك لم يمنع حصوله .
فإن قلت هذا التفصيل مبهم ما عرفت الحق منهما، و ما مذهب الشيخ رضي الله عنه من بينهما .
قلنا: قال رضي الله عنه في "الفتوحات" : إن الله تعالى علق الإحاطة بالمشيئة، فما شاء الله كان.
وقد يمكن أن يقع بل وقد يصح أن يقع بمشيئة الاشتراك مع الحق تعالى في العلم بمعلوم ما، و من المعلومات العلم بالعلم، أخبر سبحانه أنه يعلم ولا يعلم منه إلا ما أعلمه إذا شاء لمن شاء بقدر ما شاء .
وذكر رضي الله عنه في الباب السابع و التسعين و مائتين: إن العبد أقامه الحق في وقت ما في مقام تعلق العلم بما لا يتناهى وليس بمحال عندنا، انتهى كلامه.
فقوله صلى الله عليه وسلم : "إن لي مع الله وقتا" الحديث .
"" أضاف المحقق : قال سيدي عبد الكريم الجيلي في الكمالات الإلهية في الصفات المحمدية : فالأنبياء والأولياء والملائكة وسائر المقربين من سائر الموجودات ليس عندهم من المعرفة الذاتية ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي هو قلب الوجود هو الذي عنده الوسع الذاتي للمعرفة الذاتية، وإلى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «لي وقت مع ربي لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل» اهـ.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثامن عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 10:51 pm

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثامن عشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الآدمي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية  الجزء الثامن عشر

وذكر الشيخ في هذا المؤلف العظيم اتصاف سيدنا صلى الله عليه وسلم بجميع الأسماء الحسنى، وجعل يذكر الأدلة على تلك الكمالات" .أهـ ""
يمكن أن يكون إشارة إلى ذلك الوقت فافهم .
"" أضاف المحقق : الوقت : عبارة عن حالك، وهو ما يقتضيه استعدادك لغير مجهول، في زمن الحال الذي لا تعلق له بالماضي والمستقبل فلا يظهر فيك من شؤون الحق الذي هو عليها، في الآن، إلا بما يطلبه استعدادا، فالحكم للاستعداد و شأن الحق محكوم عليه.
هذا هو مذهب التحقيق، فظهور الحق في الأعيان بحسب ما يعطيه استعدادها، فلذلك ينبوع فيها فيض وجود الحق، وهو في نفسه على وحدته الذاتية، وإطلاقه و تجرده، و تقدسه غني عن العالمين.
فالوقت هو الحاكم والسلطان، فإنه يحكم على العبد فيمضه على ما يقتضيه استعدادا، ويحكم على الحق بإفاضة ما سأله العبد منه بلسان استعداده في زمن الحال.
إذ من شأن الجواد التزام توفيقه استحقاق الاستعدادت كما ينبغي.
وفي قوله تعالى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة". تأييد لهذا التحقيق ومن كان بحسب ما خاطبه به الشرع في كل حال، فهو في الحقيقة صاحب وقته، فإنه قام بحقه، ومن كان هكذا فهو عند ربه من السعداء.  ""


أما قولك: إن العلم حقيقة تطلب الإحاطة و إن لم تحط، يلزم جوار قلب الحقائق فلا نسلم أنه حقيقة من الحقائق الوجودية حتى يلزم المحال، بل هو نسبة بين العالم و المعلوم، و النسبة من الاعتبارات العدمية فلا محال، فافهم .
وإن سلمنا أنه حقيقة من الحقائق فلم لا يجوز أن يكون مثله مثل وسعة القلب الذي يسع الحق الغير متناهي و هو منتاه. وقد ثبت ذلك بالخبر الصحيح من الله
مع أنّ الشيخ رضي الله عنه قال: إن الاقتصار غير لازم عندنا في كل شيء بل أوجد الله تعالى ما يريد في أي محل يريد، ذكره رضي الله عنه في الباب السابع و السبعين و مائتين من " الفتوحات" .
و لا يعلم ما قلناه إلا من وسع الحقّ قلبه كما ورد في الخبر الصحيح أن الحق يقول: " ما وسعني أرضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي " الحديث.
فإذا المتناهي وسع غير المتناهي، و قس عليه العلم المحيط على المعلومات الغير المتناهية، فإن قلت .
قال تعالى"وما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا "[ الإسراء: 85] وهو الذي أثبته علم كثير بل غير متناه فما التوفيق بينهما قلنا .
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات " : إن القليل من الاستقلال: أي ما أعطيتم من العلم إلا ما تستقلون بحمله، انتهى كلامه رضي الله عنه .
أو يكون الاستثناء عن المخاطبين من أوتيتم: أي ما أوتيتم من العلم إلا قليلا منكم .
قال تعالى: "قلْ ربِّي أعْلمُ بعِدّ تهِمْ ما يعْلمُهُمْ إلّا قليلٌ" [ الكهف: 22] .
قال ابن عباس رضي الله عنه: أنا من القليل، وورد عن العلماء: اللهم اجعلنا من القليلين، فافهم.
خاطبه به الشرع في كل حال، فهو في الحقيقة صاحب وقته، فإنه قام بحقه، و من كان هكذا فهو عند ربه من السعداء.
و يحتمل أن يكون الآية خطابا على اليهود حين مرّ صلى الله عليه و سلم بنفر من اليهود فسألوه عن الرّوح، فأنزل الله الآية و قال آخرها: "وما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا" [ الإسراء: 85] و العلم بمعنى المعلومات و يساعد تفسيرنا هذا قراءة الأعمش وهو قوله :
"و ما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا" [ الإسراء: 85] . فيكون العلم بمعنى المعلومات، كما قلنا آنفا عن الأعمش هكذا في قراءتنا رواه البخاري في صحيحه وكيف لا ؟
والمحمّديون أوتوا ما لم تؤتوا، وهم الحكماء الإلهيين.
قال تعالى: "ومنْ يـؤْت الحِكْمة فقدْ أوتي خيْرًاً كثيرًاً" [ البقرة: 269] و هل الحكمة غير العلم؟ بل هي خصوص العلم للخصوص، وخصوص الخصوص.
و من هذا المشرب ما قال الشيخ عبد القادر الكيلاني قدّس سره: أوتينا ما لم تؤتوا، يشير إلى هذا العلم الخاص العام التام الذي يؤخذ من المعدن الأصلي الذاتي بلا واسطة مع أنه كلما أعطاك في الدنيا و الآخرة جمعا و فرادى من الخير، كالعلم و غيره فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده تعالى.
فإن الذي عنده لا نهاية لها على التتابع والتتالي، يظهر و كل ما حصل لك من ذلك فهو متناه لحصوله في الوجود و نسبة ما يتناهى إلى ما لا يتناهى قليل بل أقل القليل وما لا يتناهى ما يمكن حصوله في الوجود .


فلهذا قال رضي الله عنه: و لا العالم الموجود إلا هذا من توفيق التوفيق، فافهم .
قال رضي الله عنه في الباب السابع و التسعين و مائتين من "الفتوحات " : 
إن الله قد أودع في الإنسان علم كل  شيء ثم حال بينه و بين أن يدرك ما عنده مما أودع فيه و هو من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل و يجهلها جملة واحدة .
و قال فيها رضي الله عنه: بهذا العلم انفردت من دون الجماعة و لا أدري هل عثر عليه أحد غيري أم لا، انتهى كلامه .
يشير إلى هذا الكشف و العلم الخاص أقول و الله أعلم أنه ورد في الخبر في حديث طويل: 
"  إنّ الحقّ وضع كفّه بين كتفيّ فوجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلى لي كلّ شيء وعرفت ......الحديث" رواه الترمذي حسن صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه و هذا من هذا الذوق انفرد به الختم الوارث المحمدي بيان ذلك .
اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه، أنّ الحقّ تعالى قد جعل كل فرد من أفراد العالم علامة و دليلا على أمر خاص مثله، فمن حيث وجوده المتعين هو: علامة على نسبة من نسب الألوهية المسمّاة أسماء الذي هذا الشي ء الدال مظهر له.
ومن حيث عينه الثابتة فهو:
 دليل على عين ثابتة مثله، ومن حيث كونه عينا ثابتة متصفة بوجود متعين هو: علامة على مثله من الأعيان المتصفة بالوجود .
فالأجزاء من حيث أجزاء علامة على أجزاء مثلها، و من حيث مجموعها و ما يتضمنه كل جزء من المعنى الكل هي علامة على الأمر الكلي الجامع لها، و الوجود المطلق الذي يتعين منه وجودها .
وجعل أيضا مجموع العالم الكبير من حيث ظاهره علامة و دليلا على روحه و معناه و جعل جملة صور العالم و أرواحه علامة على الألوهية الجامعة للأسماء والنسب وعلى مجموع العالم.
و جعل الإنسان الكامل المجموعة من حيث صورته و روحه و معناه و مرتبته علامة تامة و دليلا دالا عليه سبحانه دلالة كاملة.
و كل ما عدا الحق و الإنسان الكامل فليس كونه علامة على ما دل عليه شرطا ضروريا مطرد الحكم لا يمكن معرفة ذلك الشيء بدونه، بل ذلك بالنسبة إلى أكثر العالم والحكم الغالب بخلاف الحق تعالى .
والإنسان الكامل قد يعلم بكل منهما كل شيء ولا يعلم أحدهما إلا بالآخر وبنفسه وموجب ذلك أن الإنسان هو:
نسخة من كل شيء، ففي قوله و مرتبته أن يدل على كل شيء بما فيه من ذلك الشيء، فقد يغني في الدلالة على كل شيء عن كل شيء .
و هذا الأمر في الجناب الإلهيّ عن شأنه، فإن الحق محيط بكل شيء، فمن عرف كل شيء في ضمنه أو بالالتزام.

فمن عباده تعالى: من يكون عرف نفسه فقد عرف ربه وعرف الأشياء بربه، وقد يكون عرف نفسه وعرف الأشياء بنفسه، ويكون ممن عرف نفسه وعرف الأشياء بنفسه لأن عينها هذا أتم ما يكون في الإلهيين، فافهم المراد .
وهنا مبحث آخر، وهو: إن العلم هل يقبل القلة والكثرة؟
أو هو معنى من المعاني فلا يقبل القسمة، بل له أحدية العين لا يتجزأ ولا يقبل القلة والكثرة .
مع أنه قال تعالى: "و ما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا" [ الإسراء: 85] فانقسم، و قال تعالى"و قلْ  رب زدْني عِلْماً" [ طه:  . [114
قلنا المراد من العلم في الآية المعلومات، ذكره رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات "، فما انقسم ولا دخل تحت القلة والكثرة.


وقال رضي الله عنه في كتابه المسمّى بكتاب المعرفة: إن العلم عندنا واحد لا أقول أن لكل معلوم علما فإني لا أشترط فيه التعلق بكل المعلومات بل له صلاحية التعلق و إنما قلنا بوحدانيته إذ لو كان لكل معلوم علم و المعلومات لا نهاية لها محال، انتهى كلامه رضي الله عنه، فافهم .
و اجمع المشرب الأول بالثاني تكن عليما، فإن فوق كل ذي علم عليم فلا يكون هذا إلا لمن يكون العلم عين ذاته، فافهم .
ولولا قصور المدارك ما احتجت إلى هذه التنبيهات كلها لأنها كالعلاوة الخارجة عن المقصود، فافهم و أمعن النظر فيما مضى .
و الحقّ أخّر الكلام بأوله و أجمع النكت المبثوثة فيه لتكون عليما فهما، فإن ما كل عليم فهم .
أما ترى قال الله تعالى: "ففهّمْناها سُليْمان وكُلًّا آتيْنا حُكْماً وعِلْماً" [ الأنبياء : 79]، فافهم .

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
[فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه و سلم :
حكمة إلهية في كلمة آدمية، وهو هذا الباب.
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية  في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية  في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية  في كلمة محمدية.
و فص كل حكمة الكلمة التي نسب إليها. فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت على ما رسم لي، و وقفت عند ما حد لي، و لو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموقف لا رب غيره. ومن  ذلك :
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( فما شهدّته مما نودعه في هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ): أي فمن بعض ما شهدّته هو مما نودعه في هذا الكتاب، و هو المحدود من واضع الحدود صلى الله عليه و سلم حتى لو رام رضي الله عنه في أجزاء النص الذي نحن فيه و بيانه يحي في محله إن شاء الله تعالى .
و نحن إن شاء الله آمنون في البيان من الخطأ و الزلل و الله المستعان، و الحمد لله حكمة إلهية في كلمة آدمية، و هو هذا الباب الذي مضى آنفا .
و الحكمة: وضع الشي ء في محله، و الإلهية هي: النسبة إلى حضرة المرتبة الجامعة، و الكلمة هي: العين المقصودة، و الآدمية هي: حضرة الناسوت فهو ظهور المرتبة في الكلمة و بطون العبودية فيها، هذا هو الظهور بالصورة علما و وجودا، فافهم .
( ثم حكمة نفثية في كلمة شيثية )، ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية، ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية، ثم حكمة مهيمن في كلمة إبراهيمية، ثم حكمة حقية في كل كلمة إسحاقية، ثم حكمة عليه في كلمة إسماعيلية، ثم حكمة روحية في  كلمة يعقوبية، ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية . ثم حكمة أحدية في كلمة هودية،
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية، ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية، ثم حكمة ملكية في  كلمة لوطية، ثم حكمة قدرية في كلمة عزيزية، ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية، ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية، ثم حكمة وجودية في كلمة داودية، ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية، ثم حكمة عينية في كلمة أيوبية، ثم حكمة جلالته في  كلمة يحياوية . ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية،
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية، ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية، ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية ، ثم حكمة علوية في كلمة موسوية، ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية، ثم حكمة فردية في كلمة محمّدية، صلى الله عليهم أجمعين و سلم تسليما .
و نصّ كل حكمة الكلمة المنسوبة إليها، و قد عرفت سابقا معنى النص و الحكمة و الكلمة و النسبة معروفة، فلا يحتاج إلى بيان آخر .

قال الشيخ رضي الله عنه : [فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره. ومن ذلك:]
( فاقتصرت ): أي بالأمر لأنه حد له و وسم له رضي الله عنه، و إنما قال: فاقتصرت و لم يقل: فاقتصر لي كما هو المناسب لقوله رضي الله عنه: حد لي و وسم لي إشارة إلى أنه كان صاحب صحو تام مختار مجبور .
فالأمر وقع بالاختبار في عين الجبر على ما ذكرته من هذه (الحكم) التي لا يسعها كتاب، و لا العالم الموجود فإنه رضي الله عنه ما ذكر منها إلا قدرا معلوما محدودا .
( في هذا الكتاب ): أي كتاب فصوص الحكم الذي لا ريب فيه على ما ثبت في ( أمّ الكتاب ): يعني النفس الكلي الذي هو اللوح المحفوظ .
قال تعالى: "وإنّهُ في أم الكِتابِ لد ينا لعلي حكِيمٌ" [ الزخرف: 4]: أي ما ثبت أنه سيظهر حكمه .
و حكمه في الخارج فإنه تقدير العزيز الحكيم، و أم الكتاب هو: الحضرة العلمية التي تخرج من بطنها نتائج العلوم و المعارف إلى الظهور بقدر معلوم، أشار رضي الله عنه بهذه العبارة إلى أن الأمر الشريف النبوي كان بمقتضى القضاء المبرم، و هو أم الكتاب .
حكمه في الخارج فإنه تقدير العزيز الحكيم، و أم الكتاب هو: الحضرة العلمية التي تخرج من بطنها نتائج العلوم و المعارف إلى الظهور بقدر معلوم، أشار رضي الله عنه بهذه العبارة إلى أن الأمر الشريف النبوي كان بمقتضى القضاء المبرم، و هو أم الكتاب .
فالأمر كان حتما مقضيا (فامتثلت) لأنه لا يسعه إلا الامتثال، فإن الأمر على كشف و عيان .
( على ما رسم لي و وقفت عند ما حدّ لي) يصح أن يكون الفعلان مجهولين: أي رسم و حدّ، و أن يكونا معلومين .
و في قوله: (امتثلت، و وقفت )، يشير إلى صحوه و علمه أنه امتثل الأمر و وقف على حدوده ما زاد و لا نقص .
( و لو رمت زيادة على ذلك ما استطعت) فما رام الزيادة، (فإن الحضرة تمنع من ذلك) و ذلك لأن العيان أعطى أن الأمر الخارج إلى الظهور: أي قدر منها فلم يتعلق الخاطر بأمر محال .
"" أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ""رواه البخاري ومسلم واحمد والترمذي واب ماجة وابن حبان وغيرهم
( و الله الموفق التوفيق )، جعل الأسباب موافقة للتسبب (لا ربّ غيره) أين الغير حتى يكون ربا؟! . 
ليس سوى الله، و الله ما في الوجود .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالإثنين يوليو 29, 2019 11:53 pm

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
شرح الفص الشيثي

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية

كان النص الأول في بيان مراتب الوجود حقّا و خلقا . و هذا النص في بيان مراتب العلم خلقا و خلقا .
( النفث) بسكون الفاء و الثاء المثلثة إرسال النفس و جوامع رتق، فلا يكون النفث إلا ريحا لا بد من ذلك، حتى يعم: أي يشمل المادة و الصورة فكما أعطاه من روحه بريحه، أعطاه من نشأته الطبيعية من ريقه، فجمع له الكل في النفث بخلاف النفخ، فإنه ريح مجردة .
فالنفث هنا عبارة عن إفاضة النفس الرحماني الذي يحيي به كل موجود و على قلب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
""أضاف المحقق : هم این صفوة الله آدم أبي البشر عليه السلام من غير واسطة وهو وصيه.
حكى أن بعض الصلحاء رآه في المنام، فأراه الموضع الذي هو مشهور عندنا بأنه قبره، فحفر عليه فيخرج له قبر قديم، فبني عنده مشهدا و مسجدا، وهو قريب من السور جنوبي الموصل في طريق الواردين إلى دجلة.
روی مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: هو بالسريانية: شات، و بالعبرانية : شیث.
و روی میمون بن مهران عن ابن عباس قال: لما مضى من عمر آدم عليه السلام مائة وثلاثون سنة ، وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين، ولدت له حواء شيثا، وتفسيره هبة الله يعني أنه خلف من هابیل.
علمه الله ساعات الليل والنهار، وأعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منها، وأنزل عليه خمسين صحيفة، وصار وصي آدم، وولي عهده.
وذكر أبو الحسن أحمد البلاذري قال: لما قتل هابيل ولدت حواء لآدم شيثا، فقال آدم عليه السلام : هذا هبة الله، وخلف صدق من هابيل، ولما وضعته حواء أخذته الملائكة، فمكث عندهم أربعين يوما، فعلموه ثم ردوه إليها.
وقال مقاتل: أنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة، وإليه ينتهي أنساب بني آدم؛ لأن جميع النسل انقرض ولم يبق إلا نسله.
وأنزل الله تعالى مائة كتاب، وأربع كتب أنزل منها على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة عليهم السلام أجمعين، وأنزل التوراة، والزبور، والإنجيل، والفرقان، وكان شيث أفضل أولاد آدم وأشبههم بأبيه وولي عهده، وهو أبو البشر كلهم.  وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة يعني أنه رث فجدده.
ولما مات آدم عليه السلام جاء إلى مكة زيدت شرفا، فأقام يحج ويعتمر ، في أيام شيث عليه السلام توفيت حواء بعد آدم عليهما السلام بسنة، فدفنتها معه في غار الكنز.
فلما جاء الطوفان حملهما نوح عليه السلام في السفينة، ثم ردهما إلى مكانهما .
قال علماء السير : أقام يعمر الأرض، ويقيم الحدود على المفسدين، كما كان يفعل والده، حتى توفي وهو ابن سبعمائة واثني عشر سنة، واختلفوا في أي مكان توفي فيه على أقوال:
أحدهما: بالهند قاله مجاهد.
والثاني: بمكة شرفها الله تعالى؛ لأنه لم يفارقها بعد وفاة أبيه قاله مقاتل.
قال: وكان له يوم مات آدم عليه السلام مائتان وخمسون سنة، ودفن بغار الكنز مع أبيه.
وببلد بعلبك مزار يقال أنه قبره. وفي بلدتنا هذا المرقد الشريف، يقال أنه قبره والله أعلم بحقيقة الحال، والواجب على المسلمين احترام قبور الأنبياء عليهم السلام في أي مكان كانت.
وانظر في تفسير القرطبي (1/180)، و تاريخ الطبري (1/96)، والانتصار (ص 511) بتحقيقنا.أهـ ""
ومن هذا المقام قال صلى الله عليه وسلم : " إنّ روح القدس نفث في روعي" الحديث  رواه البيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية.
وأمّا الشيث بلسان العربي و لحنه هبة الله، لما أراد الله تفصيل إجمال آدم بمقتضى النفس الرحماني بسط الوهّاب الجود على الأعيان، و أظهر مرتبة المبدئية و الموجدية بأكمل العيان، و هي: نتيجة النفس بالهبة منه و الامتنان .
و إنما اختصّ النفس في روع شيث للمناسبة لأنه هبة الله و لا يحملها إلا هبة الله كما قيل لا يحمل عطاياهم إلا مطاياهم، فهو مثاني التعيين الكمالي أوّل التفصيل .
فلما كانت العطايا التي ظهرت في الوجود على مقتضيات متعددة منها : ذاتي و غير ذاتي.
أشار رضي الله عنه إلى تفصيلها و قال الشيخ المصنف :
(اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد، و على غير أيديهم على قسمين: منها ما تكون عطايا ذاتية، و عطايا أسمائية، و تتميز عند أهل الأذواق . كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال في غير معين .
و منها ما لا يكون عن سؤال .  سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية .
فالمعين كمن يقول: يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه، و غير المعين كمن يقول: يا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء من ذاتي من لطيف و  كثيف) .
( اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون ): أي العالم فدخل فيه عالم الغيب الإضافي كعالم الأرواح و الشهادة .
إنما خصص رضي الله عنه المنح بالظاهرة في الكون لأن المنح التي هي مقتضى الأسماء المستأثرة يكون بحكمها مستأثرة في الذات، و هي مظاهر تلك الأسماء لو ظهرت و لها البطون بدوام الباطن، فالمنح و العطايا التي نحن بصدد بيانها بحكم الاسم الظاهر على أيدي العباد: أي الظاهرة على أيديهم، كالأرواح و الملائكة و الأنبياء عليهم السلام و المشايخ و الأئمة رضي الله عنهم، و غير ذلك كالشجرة لموسى عليه السلام .
( و على غير أيديهم) كالمنح و العطايا التي تحصل بلا واسطة منه تعالى من الوجه الخاص .
و قد أخبر أبو يزيد الأكبر قدّس الله سره نفسه بهذا عن المقام أعني: الأخذ عن الله بلا واسطة أنه ناله .
و قال فيما روي عنه أنه يخاطب علماء زمانه: أخذتم علمكم ميتا عن ميت و أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت بل قد أشار الشرع في التعريف بهذا .
فقال: ما من أحد من المؤمنين إلا و لا بد أن يناجي ربه وحده ليس بينه و بينه ترجمان فيضع كتفه عليه و هو عموم رحمته به.
ذكره الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر و خمسمائة من الفتوحات ، و لكن هنا نكتة أخرى سأظهرها لك إن شاء الله تعالى .
فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه: اعلم أيدنا الله وإياك بِرُوحٍ مِنْهُ أن الله يعطي عباده منه إليهم وعلى أيدي الرسل فما جاءك على يد الرسول فخذه من غير ميزان وما جاءك من يد الله فخذه بميزان فإن الله عين كل معط وقد نهاك أن تأخذ كل عطاء وهو قوله وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فصار أخذك من الرسول أنفع لك وأحصل لسعادتك .
فأخذك من الرسول على الإطلاق ومن الله على التقييد .
فالرسول مقيد والأخذ مطلق منه والله مطلق عن التقييد والأخذ منه مقيد .
فانظر في هذا الأمر ما أعجبه فهذا مثل الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ فظهر التقييد والإطلاق في الجانبين.أهـ
و هو قوله تعالى: "و ما آتاكُمُ  الرّسُولُ فخُذُوهُ و ما نهاكُمْ عنْهُ فانتهُوا" [ الحشر: 7]، فصار بالنسبة إلى العموم الآخذ من الرسول و أولى لأنه سبحانه أخبر عن نفسه سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، فمن أراد له السلامة من مكر الله فلا يضع ميزان الشرع من يده .
منها: (ما يكون عطايا ذاتية) و هي إذا نسبت إلى الوهاب الحق سمّيت ذاتية لأنها تقتضي الذات لا موجب لها غيرها فهي و تريد لا تعدّد فيها و لا تفصيل و لا تميز. و إنما يتميز و يتعدد من نسبتها .
( و عطايا أسمائية) و إن كانت كلها أسمائية لأن مقتضاها الأسماء و تعدّدت بتعدّد القوابل، و من تعدّد القوابل ظهرت الكثرة في الأسماء و العطايا .
فالعطاء و تري أحدي في الأصل، و الاختلاف من قبل القابل كما ترى الشمس نورها أحدي و تري، و الاختلاف بحسب القوابل صاف، و أصفى لطيف و ألطف، و كالقصار فإن الشمس تبيض شعثه، و تسوّد وجهه .
و كما ترى في النفخة الواحدة تشعل الحشيش الذي فيه النار، و تطفئ المصابيح مع أن الإمداد من الممد واحد .
( و يتميز عند أهل الأذواق ): أي تتميز تلك العطايا الذاتية بعضها عن بعض عندهم فإنهم يفرقون بينها من عند فيضان الوجود بالعلوم و المعارف لأنهم على كشف منه، يرون مصدره و منبعه مع الذوق في نفسهم قدّس سرهم .
و إنما قال رضي الله عنه: أهل الأذواق إشارة إلى أنه في هذا التميز لا يكفي مجرد الكشف .
فإن بالذوق تعرف الذاتيات و المرضيات لا بالكشف و الرؤية، فإذا فهمت هذا، فاعلم أن هذا التقسيم المذكور باعتبار نفس المنح و العطايا .
كما أن (للعطايا) تقسيما آخر باعتبار القابل، و هو أن مهما ما يكون عن سؤال: أي لفظي، فإذا كانت عن سؤال لفظي فإما أن تكون في مسئول معين .
كما تقول: إعطني الجنة قد تكون عن سؤال غير معين .
كما تقول: اللهم خير لي و اختر لي، فلمّا أخبر تعالى عن نفسه الكريمة أنه قريب مجيب، فليحتفظ السائل و يراقب ما يسأل فيه لأنه لا بد من الإجابة .
قال تعالى: "و قال  ربُّكُمُ ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ "[ غافر: 60] .
ورد في الخبر الصحيح :
إن القلوب أوعية و بعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوا و أنتم موقنون بالإجابة، فإن الله تعالى لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل
و يشير إليه قوله تعالى: "قلْ ما يعْبؤُا بكُمْ  ربِّي لولا دُعاؤكُمْ" [ الفرقان: 77] .
فأخبر تعالى إنه لا يعبأ بنا إلا بالدعاء فإنه يحب الملحين فيه لهذا الدعاء مخ العبادة فالسؤال و الدعاء لا بد منه و لكن لا يدرك ذلك كل أحد لغموضه و إخفائه غالبا .
فإن السؤال و الدعاء قد يكون بلسان الظاهر .
و قد يكون بلسان الروح و بلسان الحال و بلسان المقال و بلسان الاستعداد الكلي الذاتي الغيبي العيني الساري الحكم من حيث الاستعدادات الجزئية الوجودية التي هي تفاصيله فحكم هذه التقاسيم باعتبار القابلين سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية .
و بالجملة: إن الأعطيات تنقسم أولا من حيث ذاتها و نفسها إلى: ذاتية و أسمائية .
و (الذاتية) تنقسم باعتبار القابل إلى: الحاصلة بسؤال لفظي معين، و بسؤال لفظي غير معين و بلا سؤال .
ف (المعين ): أي الذي بالسؤال اللفظي المعين من يقول: يا رب أعطني كذا، فيعين له أمرا ما لا يخطر له سواه فإن خطر سواه تشتت بناء في الجمعية المؤثرة فلا بد أن يكون في أحدية التصوّر و حسم التفرق و الشتات، فإنه يجمع القلب بالحضور مع الله، فيكون أبهج و أنهج و أنجح، فافهم .
و (غير المعين ): أي الذي بالسؤال اللفظي بلا تعين على الله كمن يقول :
يا رب أعطني ما تعلم و مصلحة من غير تعيين لكلّ جزء من ذاتي من لطيف كالقوي و الأرواح و كثيف كالأعضاء .
ثم يرجع رضي الله عنه إلى تفصيل التفصيل يريد أن يبين بواعث الأسوء له سواء كانت لفظية أم حالية أم استعدادية .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  (و السائلون صنفان: صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان خلق عجولا .  و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثمة أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال فيقول: فلعل ما نسأله منه سبحانه يكون من هذا القبيل فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان و هو لا يعلم ما في علم الله و لا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان، و لو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل) .
قال الشارح رضي الله عنه :
فقال: (و السائلون صنفان) و ما تم إلا السائلون كما فهمته سابقا من أن الحق لا يعطي شيئا بلا سؤال، فإذا علمت أن الأعطيات في الخزائن، و مفتاحها السؤال و لا بد منه .
فاعلم أنه رضي الله عنه لما أراد أن يفصل مراتب السائلين من حيث البواعث، لأن التمييز بين السائلين ما يمكن إلا بمعرفة البواعث لأنه قد يسترك الكامل و العامي في صورة السؤال و الرغبة فيما يتميز إلا الباعث إنه يتميز به كل أحد عن صاحبه .
فقال رضي الله عنه: (صنف بعثه) و (البعث) إنما يكون من الاسم الباعث، فهو الذي يبعث إلى البواطن رسل الخواطر بما نطقوا به أو طلبوا في بواطنهم كما يبعث في أميين رسولا، فإذا وفق الرسول الرسول فلنحمد الله على ذلك .
و قد يكون البعث على السؤال الاستعمال الطبيعي، فإن باعثهم الشوق .
قال تعالى: "وما أعْجلك عنْ قوْمِك يا موسى قال هُمْ أولاءِ على  أثري وعجِلْتُ إليْك رب لترْضى"  [ طه: 83، 84] .
نعوت على قوله: "قال فِإنّا قدْ فتنّا قوْمك مِنْ بعْدِك وأضلّهُمُ السّامِري" [ طه: 85] .
و حكي الشيخ رضي الله عنه في الباب الخامس و الثمانين و أربعمائة من الفتوحات فقال:
" فاعلم إن نية العبد خير من عمله والنية إرادة أي تعلق خاص في الإرادة كالمحبة والشهوة والكرة فالعبد تحت إرادته فلا يخلو في إرادته إما أن يكون على علم بالمراد أو لا يكون فإن كان على علم فيها فلا يريد إلا ما يلائم طبعه ويحصل غرضه وإن كان غير عالم بمراده فقد يتضرر به إذا حصل له...
فإن الله تعالى وصف نفسه بأنه لا يبخس أحدا في مراده كان المراد ما كان ومعلوم أن الإرادة الطبيعية ما قلناه وهي الأصل وأرجو من الله مراعاة الأصل لنا ولبعض الخلق ابتداء وأما الانتهاء فإليه مصير الكل...
فإنه إذا تألم مثلا بقرصة برغوث إلى ما فوق ذلك من أكبر أو أصغر فإن كان مؤمنا فله عليه ثواب في الآخرة فيكون لهذا المريد الحياة الدنيا يعطيه الله ذلك الثواب في الدنيا معجلا فينعم به كما كان يفعل الله تعالى بأبي العباس السبتي بمراكش من بلاد الغرب رأيته وفاوضته في شأنه فأخبرني عن نفسه أنه استعجل من الله في الحياة الدنيا ذلك كله فعجله الله له فكان يمرض ويشفي ويحيي ويميت ويولي ويعزل ويفعل ما يريد كل ذلك بالصدقة وكان ميزانه في ذلك سباعيا إلا أنه ذكر لي قال خبأت لي عنده سبحانه ربع درهم لآخرتي خاصة فشكرت الله على إيمانه وسررت به وكان شأنه من أعجب الأشياء لا يعرف ذلك الأصل منه كل أحد إلا من ذاقه أو من سأله عن ذلك من الأجانب أولي الفهم فأخبرهم غير هذين الصنفين لا يعرف ذلك وقد يعطي الله ما أعطى السبتي المذكور لا من كونه أراد ذلك ولكن الله عجل له ذلك زيادة على ما ادخره له في الآخرة .أهـ فافهم .
ثم أراد رضي الله عنه أن يعتذر عنهم في استعجالهم فقال: فإن الإنسان خلق عجولا يطلب الأمور قبل أوانها و إلا .
قال تعالى: "منْ كان يرجُوا لقاء اللّهِ فِإنّ أجل اللّهِ لآتٍ وهُو السّمِيعُ العليمُ" [ العنكبوت: 5]:
أي لا تستعجل هذا من أحسن تأديب أدب الله به حبيبه حيث أنه ذكر له ما جرى قبله، و منهم قصصنا عليك . فافهم .
و (الصنف الآخر: بعثه على السؤال) رجم بالغيب لأنه لما علم أن ثمة أمورا عند الله في غيبه قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال، فيقول هل ما يسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل؟ فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان .
فـ (الأول) صاحب استعجال، و (الثاني) راجم بالغيب بمجرد الاحتمال .
و لكن صاحب هذا السؤال إذا تصوّر المنادي المسئول عنه تصوّرا صحيحا عن علم و رؤية سابقين أو حاضرين حال الدعاء، ثم سأله و دعاه عسى أن يستجاب له .
و أما من يقصد مناداة زيد و يطلب منه و هو يستحضر عمروا و يتوجّه إليه، ثم لم يجد الإجابة فلا يلومنّ إلا نفسه، فإنه ما نادى القادر على الإجابة والإسعاف لأنه توجّه إلى ما استحضره في ذهنه و خياله، و هو مثله عاجز عن الإجابة، و إن أثمر سؤاله على هذا فإنما أثمر بشفاعة حسن ظنه بالله، و شفاعته المعية الإلهية فإنه مع كل شي ء .
ورد في الخبر : ما كان الله ليفتح لعبد الدعاء فيغلق عنه بال الإجابة الله أكرم من ذلك" 
و هو لا يعلم ما في علم الله و العلم بما في علم الله من أعلى العلم بالله، و لا يكون إلا بسبق العناية .
قال الله تعالى: "و لا يحِيطون بشيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255]، و ما شاء الله كان و لا ما يعطيه استعداده في القبول، فإذا لم يعلم ما في نفسه من الاستعداد فهو بغيره أجهل .
قال تعالى عن عيسى عليه السلام يخاطب ربه و يناجيه: "تعلمُ ما في نفْسِي ولا أعْلمُ ما في نفْسِك" [ المائدة: 116] .
أشار عليه السلام إلى نفسه فإنها ملك له تعالى، قال تعالى:"تعلمُ ما في نفْسِي و لا أعْلمُ ما في نفْسِك "[ المائدة: 116] .
( فيها) لأن من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان و لا يكون ذلك العلم إلا لمن أشرف على الأعيان الثابتة أو أحاط بكل  شيء علما .
أما من مقام ما ورد في الخبر : "من عرف نفسه فقد عرف ربه و من عرف علم ما في نفسه فعلم العالم بعلمه بنفسه" 
قال رضي الله عنه في الوصل الخامس عشر من الخزائن من الفتوحات:
من أدرك الحق علما لم يفته من العلم الإلهي مسألة، كما أنه رأى الحق ببصره رأى كل  شيء من العالم لا يفوته من أنواعه شيء: أي إذا رأى الحق في غير مادة، فافهم .
و أما من مقام قرب النوافل، فإنه علم الحق بالحق، فإنه عين قواه، و من كان هويته عين قواه لا يعزب عنه مثقال ذرة .
قوله رضي الله عنه: (في كل زمان فرد ): أي غير منقسم، و هو الآن الذي لا يتجزأ .
و من كان بهذا الكشف أدخل السؤال الاستعجال و الاحتمال في الكمال، لأنه 
علم أنه لو لا ما أعطاه لاستعداد السؤال ما سأل، لأن كل طلب في العالم من كل طالب إنما هو طلبيّ و أتي ما به طلب عارض لا يكون بالذات، فإن هذا لا يكون أبدا بل إنما يعرض للشخص أمر ما لم يكن عنده .
فهذا الأمر الذي حصل عنده هو الذي يكون له الطلب الذاتي للمطلوب و انحجب الناس من قام به ذلك الأمر العارض بحيث يسمونه طالبا، و ليس الطالب إلا ذلك الأمر .
فالطلب له ذاتي، و الشخص الذي قام به هذا الأمر مستخدم في أمر ما أوجبه عليه هذا الأمر الذي حلّ به .
فالطلب ذاتي لذلك الأمر، و قد استخدم في تحصيله هذا الشخص الذي نزل به و لا شعور للناس بذلك.
ذكره رضي الله عنه في الباب السبعون وثلثمائة في معرفة منزل المريد وسر وسرين
من أسرار الوجود والتبدل وهو من الحضرة المحمدية من الفتوحات :
وإن كل طلب في العالم أو من كل طالب إنما هو طلب ذاتي ما ثم طلب عارض لا يكون بالذات هذا لا يكون وإنما يعرض للشخص أمر ما لم يكن عنده فهذا الأمر الذي حصل عنده هو الذي يكون له الطلب الذاتي للمطلوب وانحجب الناس بمن قام به ذلك الأمر العارض وهو الذي يسمونه طالبا وليس الطالب إلا ذلك الأمر فالطلب له ذاتي والشخص الذي قام به هذا الأمر مستخدم له إذ قد كان موجودا وهو فاقد لهذا الطلب فعلمنا أنه طلب مستخدم في أمر ما أوجب عليه هذا الأمر الذي حل به فالطلب ذاتي لذلك الأمر الملكية ومن الملك الذي يسدده ومن الوجه الخاص الإلهي بارتفاع الوسائط وأن يكون الحق عين قوله. أهـ
فإذا كان الأمر هكذا، فما ثم سؤال و طلب إلا عن اقتضاء ذاتي، فما يقع الاستعجال و لا الطلب و السؤال بمحض الاحتمال بل كل سؤال في وقته و هو مبذول، و لكن تميز مراتب الأسئلة و الأجوبة و معرفتها على قدر العلم بالله، و معرفة حقيقة نفسه نهاية أهل الحضور .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
(فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد .
وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم و صنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه.
هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف .
ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر اللّه تعالى في قوله: ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ [ غافر: 60] فهو العبد المحض.
و ليس لهذا الداعي همة متعلقة في ما يسأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده  .بل نظره على الحق جمعا في مقام وحدته و تفصيلا في مظاهره، فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية، و إذا اقتضى التفويض و السكوت سكت .
فقد ابتلى أيوب وغيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فسألوا فرفعه الله عنهم. و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقدر المعين له عند الله .)
قال الشيخ  الشارح رضي الله عنه :
( الحضور) عبارة عن استجلاء المعلوم الذي هو عبارة عن صور تعقّلات العالم نفسه في علمه بحسب كل حالة من أحواله الذاتية، و استجلاء ذاته من حيث هي.
أعني: من حيث أحواله، و هو المعرف المعين بالعلم صور البواعث و حكمه: أي حكم الاستجلاء الثاني استجلاء المعلوم .
ذكره الشيخ صدر الملة و الدين القونوي قدّس سره في شرح الفاتحة، فنهاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا: أي العلم الذي من نتائج الإشراف على الأعيان الثابتة، الذي هو علم النفس أو إحاطة العلم بالعلم أن يعلموه: أي هذا العلم الغامض و هو كشف كل شي ء بالمقتضيات الطبيعية المسماة بالقابلية و الاستعداد في الزمان الذي يكون فيه: أي في الحضور .
فإنهم كحضورهم بالله أو بأنفسهم، فـ (الحاضر بالله) يعلم ما في نفسه، و (الحاضر بنفسه) يعلم ما في نفسه، يعلمون ما أعطاهم الحق من استعدادات الظهور و القبول في ذلك الزمان: أي في زمان الحضور و يعلمون أنهم ما قبلوه إلا باستعداد :
أي بطلبه و سؤاله من خيره و شره، ذكره رضي الله عنه في []: إنه كثيرا ما كان الصديق الأكبر يتمثل بهذا البيت :
لو لم ترد نيل ما أرجو     ...... من جود كفّك ما علمتني
قال تعالى: "فألهمها فجُورها و تقْواها" [ الشمس: 8] و ذلك الحضور لأرباب الحضور و الأحوال، حال زائل و ضيفه أحلّ .
و هذا الصنف من أهل الحضور (هم صنفان ): صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم كما يعلمون المؤثر بالأثر و هذا: أي صنف الأخير أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.
أي صنف أهل الحضور لأنه علم الاستعداد القبول و عرف الأمر الواقع قبل الوقوع .
( ومن هذا الصنف ): أي الصنف الأخير وهو الذي يعلم من الاستعداد القبول وعرف، من يسأل سؤال  طاعة و انقيادحيث رأى أنه أمر بالمسارعة إلى الخيرات، فسارع إلى العبودية .
قال تعالى: "ثمّ  جِئْت على  قدرٍ يا موسى"  [ طه: 40]: أي في وقت الحاجة المجيء، وما سأل ما سأل إلا بالعلم والكشف والشهود لا كاستعجال المذموم، و لا للإمكان الذي كان رجما بالغيب و إنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله سبحانه : "ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ" [ غافر: 60] .
( فهو العبد المحض ): أي الخالص عن شرب الربوبية، و ليس لهذا الداعي همة داعية متعلقة فيما يسأل فيه من معين أو غير معين و إنما همته في امتثال أوامر سيده .
و رأى إنه تعالى مدح طائفة بأنهم كانوا يدعونه رغبا و رهبا، و شكرهم على ذلك و خاطب نبيه و صفيه صلى الله عليه و سلم بقوله : " قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعائكم".
فإذا اقتضى الحال و الوقت و السؤال سأل عبودية، و إذا اقتضى التفويض والسكوت سكت .
قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون: "وأفوضُ أمْري إلى اللّهِ " [ غافر: 44] .
والتفويض ردّ الأمر إلى صاحبه المدبر عند شهوده أن الحركة والسكون صادرة  عن الحق بلا واسطة، فيرى الحركة من اسمه الباسط و يشهد السكون من اسمه القابض، فافهم .
( فقد ابتلى أيوب عليه السلام و غيره) و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به، ثم اقتضى فهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفع الله عنهم .
و هنا تفصيل آخر من حيث إجابة السؤال، فإن الإجابة على ضروب شتى إجابة في عين المسئول فيه و بذله على التعيين دون تأخير و تراخ أو بعد مدة .
و إجابة ثمرتها التفكر، و قد نبهت الشريعة على ذلك، و إجابة بلبيك أو ما يقوم مقامه و كل دعاء و سؤال يصدر من الداعي بلسان من الألسنة المذكورة في تقاسيم الأسئلة حسّب علم الداعي بالمسئول منه و المسئول فيه .
و لصحة التصور و جودة الاستحضار في القبول أثر عظيم اعتبره صلى الله عليه و سلم حيث حرض عليه عليا رضي الله عنه و كرم وجهه، لما علمه الدعاء و فيه: "اللهم اهدني و سدّدني."
فقال له: اذكر بهدايتك هداية الطريق، و بالسداد سداد السهم، فأمره باستحضار هذين الأمرين حال الدعاء، فافهم .
(قل يا علي اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهمقال القاضي : أمره بأن يسأل الله الهداية والسداد وأن يكون في ذلك مخطرا بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم وسدادا كسداد السهم نحو الغرض والمعنى أن يكون في سؤاله طالبا غاية الهدى ونهاية السداد اهـ. فتح القدير للمناوي
فلما كانت إجابة السؤال على أنحاء شتى، فقال: و التعجيل بالمسئول فيه: أي سرعة حصوله، و الإبطاء بالمسئول فيه يكون للقدر المعين: أي بحسب القدر أو بحسب الوقت له: أي للمسئول فيه .
قال تعالى: "و إنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائِنهُ وما ننِّزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21] و هو وقته، و كذلك مقداره عند الله و لكن من حضرة المقيت فإنه سار به: أي خادم الحق و خادمه في القدر و أحكامه، و هي حضرة تعين الأوقات و الأقوات و موازينها .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (فإذن وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، و إذا تأخر الوقت إما في الدنيا و إما في الآخرة تأخرت الإجابة، أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا .
و أما القسم الثاني و هو قولنا: "ومنها ما لا يكون عن سؤال" فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ، أو بالحال، أو بالاستعداد .
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه .
و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال فالاستعداد أخفى سؤال .  و إنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله تعالى فيهم سابقة قضاء، فهم قد هيأوا محلهم لقبول ما يرد منه، و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم) .
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( فإذا وفق السؤال الوقت أسرع بالإجابة) كما إذا وفق الدواء الداء يرى بإذن الله، و لا يعلم تلك الموافقة إلا من أشرف على الحقائق في موطنها و الأعيان في عدمها ثابتة في العلم، و لا أعيان لها في الوجود فمن يكون بهذا الكشف و الحال فلا يسأل المحال.
(و إذا تأخر الوقت ): أي وقت الإجابة بتقدم السؤال قبل الوقت إمّا في الدنيا و إمّا في الآخرة تأخرت الإجابة لفوات شرط الإجابة، و هو المقابلة: أي مقابلة السؤال .
قال الشيخ صدر الدين قدّس سره في شرح الفاتحة: إنّ صحة التصور واستقامة التوجه حال الطلب، وهذا عند الدعاء شرط قوي في الإجابة .
و مما ورد مما يؤيد ما ذكر قوله صلى الله عليه و سلم : "لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال".
"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس معه به جهل ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت الجبال بدعائكم , وما أوتي أحد من اليقين شيئا إلا ما لم يؤت منه أكثر مما أوتي , فقال معاذ بن جبل ولا أنت يا رسول الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا أنا» قال معاذ: فقد بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يمشي على الماء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو ازداد يقينا لمشى على الهواء " رواه ابونعيم والسيوطي الجامع الكبير
" "لو خفتم الله تعالى حق خيفته، لعلمتم العلم الذي لا جهل معه، ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال". " الجامع الصغير ""
أي (المسئول فيه ): أي تأخرت الإجابة في السؤال فيه فإنه لم يضمن له إجابة في عين المسئول فيه شفقة عليه و رحمة .
قال تعالى: "فيكْشِفُ ما تدْعون إليْهِ إنْ شاء "[الأنعام: 41] لأنه قد يسأل العبد فيما لاخير له فيه.
قال تعالى: "ويدعُ الِإنسانُ بالشِّر دُعاءهُ بالخيْر"ِ [ الإسراء: 11] .
و ورد في الحديث القدسي عن الله تعالى أنه قال :
" إنّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة لو أعطيته إياه لداخله العجب فأفسده ذلك" 
وهكذا إلى أن قال : "و إني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إني عليم خبير"
الإجابة التي هي لفظة لبيك من الله تعالى فإنها ما يتأخر عن الدعاء بالنسبة إلى كل عبد داع .
ورد في الخبر ما قال:" قط يا رب ثلاثا إلا قال الله لبيك عبدي فيعجل الله تعالى ما يشاء و يؤخر ما يشاء"رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه. أورده السيوطي في الكبير و الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس لابن حجر العسقلاني.
"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أحب عبدا وأراد أن يصافيه صب عليه البلاء صبا وثجه عليه ثجا ، فإذا دعا العبد قال يا رباه قال الله لبيك عبدي لا تسألني شيئا إلا أعطيتك إما أن أعجله لك وإما أن أدخره لك. رواه أبو دنيا والبزار والسيوطي في الكبير والناوي في فتح القدير وغيرهم .""
قال رضي الله عنه في الفتوحات: إنّ هذه التلبية لا بد منها من الله تعالى في حق كل سائل إن قضى مراده، أو لم يقض، فافهم هذا: أي أنّ شرط الإجابة المقابلة بين السؤال و وقت الإجابة .
فالإجابة بلبيك ما يفارق السؤال. و أمّا الإجابة بالمسئول فيه فبالمشيئة كما ذكره.
( و أما القسم الثاني) و هو قولنا: و منها ما لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال المتلفظ به فإنه في بعض الأمر لا بد من سؤال، إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد .
فالسؤال بالحال كسلام الفقير على الغني، و التملق له و السؤال، بالاستعداد كسؤال الأعيان في ظهورها، فأول سؤال كانمن الكون استعداده من حيث إمكانه بحسب اختلاف أعيانه المنددة حيث ثبوتها في العدم، ثم الاستعداد و القبول أيضا عطاء .
و هو استجابة الدعاء: الذي هو الاستعداد و القبول للاستعداد و القبول لكل عطاء هو سؤال العطاء، و أول ظهوره من الله الطالب، فافهم .
( كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ) نقول الحمد لله، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال، فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو اسم تنزيه كالمعطي و الوهاب و كالمغني و القدوس .
إنما خص رضي الله عنه باسم الفعل و اسم التنزيه، لأنه تعالى أظهر أسماؤه لنا إلا للثناء بها عليه، فمن المحال أن يكون فيها اسم علمي أصلا لأنّ الأسماء الأعلام لا يقع بها ثناء على المسمّى .
مع أنه ما وجدنا لله أسماء تدل على ذاته، خاصة من غير تعقل معنى زائد على الذات .
إنه ما سم اسما إلا على أحد الأمرين، من إما ما يدل على الفعل، و إما ما يدل على التنزيه، و ذكره رضي الله عنه في الباب التاسع و السبعين و ثلاثمائة من الفتوحات.
فلمّا قرر رضي الله عنه أنه لا بد من سؤال و هو منحصر في ثلاثة: لفظ و حال و استعداد.
ثم ذكر أحكام السؤال اللفظي، فأراد أن يذكر أحكام السؤال الحالي و الاستعدادي .
فقال رضي الله عنه: (و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه) الذي لم يبلغ الإشراف على الأعيان و يشعر بالحال لأنه يعلم بالباعث و هو الحال.
فالاستعداد أخفى سؤال لأنّ العلم بكل استعداد جزئي في وقت جزئي صعب لمن لا يشرف على الأعيان و لا يكون هذا النوع من العلم إلا للأفراد خاصة .
وكمال ذلك كختم الختم فإنه من مقام باطن النبوة و هو الشعرة التي من الخاتم في الخاتم صلى الله عليه و سلم، و في ذلك يقع الميراث الكامل .
و أما أرباب الأحوال فيعرفون ذلك من البواعث فإنها من الأحوال، فهو هين الخطب من هذه الحيثية .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 2:43 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
شرح الفص الشيثي

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية

كان النص الأول في بيان مراتب الوجود حقّا و خلقا . و هذا النص في بيان مراتب العلم خلقا و خلقا .
( النفث) بسكون الفاء و الثاء المثلثة إرسال النفس و جوامع رتق، فلا يكون النفث إلا ريحا لا بد من ذلك، حتى يعم: أي يشمل المادة و الصورة فكما أعطاه من روحه بريحه، أعطاه من نشأته الطبيعية من ريقه، فجمع له الكل في النفث بخلاف النفخ، فإنه ريح مجردة .
فالنفث هنا عبارة عن إفاضة النفس الرحماني الذي يحيي به كل موجود و على قلب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
""أضاف المحقق : هم این صفوة الله آدم أبي البشر عليه السلام من غير واسطة وهو وصيه.
حكى أن بعض الصلحاء رآه في المنام، فأراه الموضع الذي هو مشهور عندنا بأنه قبره، فحفر عليه فيخرج له قبر قديم، فبني عنده مشهدا و مسجدا، وهو قريب من السور جنوبي الموصل في طريق الواردين إلى دجلة.
روی مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: هو بالسريانية: شات، و بالعبرانية : شیث.
و روی میمون بن مهران عن ابن عباس قال: لما مضى من عمر آدم عليه السلام مائة وثلاثون سنة ، وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين، ولدت له حواء شيثا، وتفسيره هبة الله يعني أنه خلف من هابیل.
علمه الله ساعات الليل والنهار، وأعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منها، وأنزل عليه خمسين صحيفة، وصار وصي آدم، وولي عهده.
وذكر أبو الحسن أحمد البلاذري قال: لما قتل هابيل ولدت حواء لآدم شيثا، فقال آدم عليه السلام : هذا هبة الله، وخلف صدق من هابيل، ولما وضعته حواء أخذته الملائكة، فمكث عندهم أربعين يوما، فعلموه ثم ردوه إليها.
وقال مقاتل: أنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة، وإليه ينتهي أنساب بني آدم؛ لأن جميع النسل انقرض ولم يبق إلا نسله.
وأنزل الله تعالى مائة كتاب، وأربع كتب أنزل منها على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة عليهم السلام أجمعين، وأنزل التوراة، والزبور، والإنجيل، والفرقان، وكان شيث أفضل أولاد آدم وأشبههم بأبيه وولي عهده، وهو أبو البشر كلهم.  وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة يعني أنه رث فجدده.
ولما مات آدم عليه السلام جاء إلى مكة زيدت شرفا، فأقام يحج ويعتمر ، في أيام شيث عليه السلام توفيت حواء بعد آدم عليهما السلام بسنة، فدفنتها معه في غار الكنز.
فلما جاء الطوفان حملهما نوح عليه السلام في السفينة، ثم ردهما إلى مكانهما .
قال علماء السير : أقام يعمر الأرض، ويقيم الحدود على المفسدين، كما كان يفعل والده، حتى توفي وهو ابن سبعمائة واثني عشر سنة، واختلفوا في أي مكان توفي فيه على أقوال:
أحدهما: بالهند قاله مجاهد.
والثاني: بمكة شرفها الله تعالى؛ لأنه لم يفارقها بعد وفاة أبيه قاله مقاتل.
قال: وكان له يوم مات آدم عليه السلام مائتان وخمسون سنة، ودفن بغار الكنز مع أبيه.
وببلد بعلبك مزار يقال أنه قبره. وفي بلدتنا هذا المرقد الشريف، يقال أنه قبره والله أعلم بحقيقة الحال، والواجب على المسلمين احترام قبور الأنبياء عليهم السلام في أي مكان كانت.
وانظر في تفسير القرطبي (1/180)، و تاريخ الطبري (1/96)، والانتصار (ص 511) بتحقيقنا.أهـ ""
ومن هذا المقام قال صلى الله عليه وسلم : " إنّ روح القدس نفث في روعي" الحديث  رواه البيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية.
وأمّا الشيث بلسان العربي و لحنه هبة الله، لما أراد الله تفصيل إجمال آدم بمقتضى النفس الرحماني بسط الوهّاب الجود على الأعيان، و أظهر مرتبة المبدئية و الموجدية بأكمل العيان، و هي: نتيجة النفس بالهبة منه و الامتنان .
و إنما اختصّ النفس في روع شيث للمناسبة لأنه هبة الله و لا يحملها إلا هبة الله كما قيل لا يحمل عطاياهم إلا مطاياهم، فهو مثاني التعيين الكمالي أوّل التفصيل .
فلما كانت العطايا التي ظهرت في الوجود على مقتضيات متعددة منها : ذاتي و غير ذاتي.
أشار رضي الله عنه إلى تفصيلها و قال الشيخ المصنف :
(اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد، و على غير أيديهم على قسمين: منها ما تكون عطايا ذاتية، و عطايا أسمائية، و تتميز عند أهل الأذواق . كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال في غير معين .
و منها ما لا يكون عن سؤال .  سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية .
فالمعين كمن يقول: يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه، و غير المعين كمن يقول: يا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء من ذاتي من لطيف و  كثيف) .
( اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون ): أي العالم فدخل فيه عالم الغيب الإضافي كعالم الأرواح و الشهادة .
إنما خصص رضي الله عنه المنح بالظاهرة في الكون لأن المنح التي هي مقتضى الأسماء المستأثرة يكون بحكمها مستأثرة في الذات، و هي مظاهر تلك الأسماء لو ظهرت و لها البطون بدوام الباطن، فالمنح و العطايا التي نحن بصدد بيانها بحكم الاسم الظاهر على أيدي العباد: أي الظاهرة على أيديهم، كالأرواح و الملائكة و الأنبياء عليهم السلام و المشايخ و الأئمة رضي الله عنهم، و غير ذلك كالشجرة لموسى عليه السلام .
( و على غير أيديهم) كالمنح و العطايا التي تحصل بلا واسطة منه تعالى من الوجه الخاص .
و قد أخبر أبو يزيد الأكبر قدّس الله سره نفسه بهذا عن المقام أعني: الأخذ عن الله بلا واسطة أنه ناله .
و قال فيما روي عنه أنه يخاطب علماء زمانه: أخذتم علمكم ميتا عن ميت و أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت بل قد أشار الشرع في التعريف بهذا .
فقال: ما من أحد من المؤمنين إلا و لا بد أن يناجي ربه وحده ليس بينه و بينه ترجمان فيضع كتفه عليه و هو عموم رحمته به.
ذكره الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر و خمسمائة من الفتوحات ، و لكن هنا نكتة أخرى سأظهرها لك إن شاء الله تعالى .
فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه: اعلم أيدنا الله وإياك بِرُوحٍ مِنْهُ أن الله يعطي عباده منه إليهم وعلى أيدي الرسل فما جاءك على يد الرسول فخذه من غير ميزان وما جاءك من يد الله فخذه بميزان فإن الله عين كل معط وقد نهاك أن تأخذ كل عطاء وهو قوله وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فصار أخذك من الرسول أنفع لك وأحصل لسعادتك .
فأخذك من الرسول على الإطلاق ومن الله على التقييد .
فالرسول مقيد والأخذ مطلق منه والله مطلق عن التقييد والأخذ منه مقيد .
فانظر في هذا الأمر ما أعجبه فهذا مثل الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ فظهر التقييد والإطلاق في الجانبين.أهـ
و هو قوله تعالى: "و ما آتاكُمُ  الرّسُولُ فخُذُوهُ و ما نهاكُمْ عنْهُ فانتهُوا" [ الحشر: 7]، فصار بالنسبة إلى العموم الآخذ من الرسول و أولى لأنه سبحانه أخبر عن نفسه سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، فمن أراد له السلامة من مكر الله فلا يضع ميزان الشرع من يده .
منها: (ما يكون عطايا ذاتية) و هي إذا نسبت إلى الوهاب الحق سمّيت ذاتية لأنها تقتضي الذات لا موجب لها غيرها فهي و تريد لا تعدّد فيها و لا تفصيل و لا تميز. و إنما يتميز و يتعدد من نسبتها .
( و عطايا أسمائية) و إن كانت كلها أسمائية لأن مقتضاها الأسماء و تعدّدت بتعدّد القوابل، و من تعدّد القوابل ظهرت الكثرة في الأسماء و العطايا .
فالعطاء و تري أحدي في الأصل، و الاختلاف من قبل القابل كما ترى الشمس نورها أحدي و تري، و الاختلاف بحسب القوابل صاف، و أصفى لطيف و ألطف، و كالقصار فإن الشمس تبيض شعثه، و تسوّد وجهه .
و كما ترى في النفخة الواحدة تشعل الحشيش الذي فيه النار، و تطفئ المصابيح مع أن الإمداد من الممد واحد .
( و يتميز عند أهل الأذواق ): أي تتميز تلك العطايا الذاتية بعضها عن بعض عندهم فإنهم يفرقون بينها من عند فيضان الوجود بالعلوم و المعارف لأنهم على كشف منه، يرون مصدره و منبعه مع الذوق في نفسهم قدّس سرهم .
و إنما قال رضي الله عنه: أهل الأذواق إشارة إلى أنه في هذا التميز لا يكفي مجرد الكشف .
فإن بالذوق تعرف الذاتيات و المرضيات لا بالكشف و الرؤية، فإذا فهمت هذا، فاعلم أن هذا التقسيم المذكور باعتبار نفس المنح و العطايا .
كما أن (للعطايا) تقسيما آخر باعتبار القابل، و هو أن مهما ما يكون عن سؤال: أي لفظي، فإذا كانت عن سؤال لفظي فإما أن تكون في مسئول معين .
كما تقول: إعطني الجنة قد تكون عن سؤال غير معين .
كما تقول: اللهم خير لي و اختر لي، فلمّا أخبر تعالى عن نفسه الكريمة أنه قريب مجيب، فليحتفظ السائل و يراقب ما يسأل فيه لأنه لا بد من الإجابة .
قال تعالى: "و قال  ربُّكُمُ ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ "[ غافر: 60] .
ورد في الخبر الصحيح :
إن القلوب أوعية و بعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوا و أنتم موقنون بالإجابة، فإن الله تعالى لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل
و يشير إليه قوله تعالى: "قلْ ما يعْبؤُا بكُمْ  ربِّي لولا دُعاؤكُمْ" [ الفرقان: 77] .
فأخبر تعالى إنه لا يعبأ بنا إلا بالدعاء فإنه يحب الملحين فيه لهذا الدعاء مخ العبادة فالسؤال و الدعاء لا بد منه و لكن لا يدرك ذلك كل أحد لغموضه و إخفائه غالبا .
فإن السؤال و الدعاء قد يكون بلسان الظاهر .
و قد يكون بلسان الروح و بلسان الحال و بلسان المقال و بلسان الاستعداد الكلي الذاتي الغيبي العيني الساري الحكم من حيث الاستعدادات الجزئية الوجودية التي هي تفاصيله فحكم هذه التقاسيم باعتبار القابلين سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية .
و بالجملة: إن الأعطيات تنقسم أولا من حيث ذاتها و نفسها إلى: ذاتية و أسمائية .
و (الذاتية) تنقسم باعتبار القابل إلى: الحاصلة بسؤال لفظي معين، و بسؤال لفظي غير معين و بلا سؤال .
ف (المعين ): أي الذي بالسؤال اللفظي المعين من يقول: يا رب أعطني كذا، فيعين له أمرا ما لا يخطر له سواه فإن خطر سواه تشتت بناء في الجمعية المؤثرة فلا بد أن يكون في أحدية التصوّر و حسم التفرق و الشتات، فإنه يجمع القلب بالحضور مع الله، فيكون أبهج و أنهج و أنجح، فافهم .
و (غير المعين ): أي الذي بالسؤال اللفظي بلا تعين على الله كمن يقول :
يا رب أعطني ما تعلم و مصلحة من غير تعيين لكلّ جزء من ذاتي من لطيف كالقوي و الأرواح و كثيف كالأعضاء .
ثم يرجع رضي الله عنه إلى تفصيل التفصيل يريد أن يبين بواعث الأسوء له سواء كانت لفظية أم حالية أم استعدادية .


قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  (و السائلون صنفان: صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان خلق عجولا .  و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثمة أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال فيقول: فلعل ما نسأله منه سبحانه يكون من هذا القبيل فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان و هو لا يعلم ما في علم الله و لا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان، و لو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل) .
قال الشارح رضي الله عنه :
فقال: (و السائلون صنفان) و ما تم إلا السائلون كما فهمته سابقا من أن الحق لا يعطي شيئا بلا سؤال، فإذا علمت أن الأعطيات في الخزائن، و مفتاحها السؤال و لا بد منه .
فاعلم أنه رضي الله عنه لما أراد أن يفصل مراتب السائلين من حيث البواعث، لأن التمييز بين السائلين ما يمكن إلا بمعرفة البواعث لأنه قد يسترك الكامل و العامي في صورة السؤال و الرغبة فيما يتميز إلا الباعث إنه يتميز به كل أحد عن صاحبه .
فقال رضي الله عنه: (صنف بعثه) و (البعث) إنما يكون من الاسم الباعث، فهو الذي يبعث إلى البواطن رسل الخواطر بما نطقوا به أو طلبوا في بواطنهم كما يبعث في أميين رسولا، فإذا وفق الرسول الرسول فلنحمد الله على ذلك .
و قد يكون البعث على السؤال الاستعمال الطبيعي، فإن باعثهم الشوق .
قال تعالى: "وما أعْجلك عنْ قوْمِك يا موسى قال هُمْ أولاءِ على  أثري وعجِلْتُ إليْك رب لترْضى"  [ طه: 83، 84] .
نعوت على قوله: "قال فِإنّا قدْ فتنّا قوْمك مِنْ بعْدِك وأضلّهُمُ السّامِري" [ طه: 85] .
و حكي الشيخ رضي الله عنه في الباب الخامس و الثمانين و أربعمائة من الفتوحات فقال:
" فاعلم إن نية العبد خير من عمله والنية إرادة أي تعلق خاص في الإرادة كالمحبة والشهوة والكرة فالعبد تحت إرادته فلا يخلو في إرادته إما أن يكون على علم بالمراد أو لا يكون فإن كان على علم فيها فلا يريد إلا ما يلائم طبعه ويحصل غرضه وإن كان غير عالم بمراده فقد يتضرر به إذا حصل له...
فإن الله تعالى وصف نفسه بأنه لا يبخس أحدا في مراده كان المراد ما كان ومعلوم أن الإرادة الطبيعية ما قلناه وهي الأصل وأرجو من الله مراعاة الأصل لنا ولبعض الخلق ابتداء وأما الانتهاء فإليه مصير الكل...
فإنه إذا تألم مثلا بقرصة برغوث إلى ما فوق ذلك من أكبر أو أصغر فإن كان مؤمنا فله عليه ثواب في الآخرة فيكون لهذا المريد الحياة الدنيا يعطيه الله ذلك الثواب في الدنيا معجلا فينعم به كما كان يفعل الله تعالى بأبي العباس السبتي بمراكش من بلاد الغرب رأيته وفاوضته في شأنه فأخبرني عن نفسه أنه استعجل من الله في الحياة الدنيا ذلك كله فعجله الله له فكان يمرض ويشفي ويحيي ويميت ويولي ويعزل ويفعل ما يريد كل ذلك بالصدقة وكان ميزانه في ذلك سباعيا إلا أنه ذكر لي قال خبأت لي عنده سبحانه ربع درهم لآخرتي خاصة فشكرت الله على إيمانه وسررت به وكان شأنه من أعجب الأشياء لا يعرف ذلك الأصل منه كل أحد إلا من ذاقه أو من سأله عن ذلك من الأجانب أولي الفهم فأخبرهم غير هذين الصنفين لا يعرف ذلك وقد يعطي الله ما أعطى السبتي المذكور لا من كونه أراد ذلك ولكن الله عجل له ذلك زيادة على ما ادخره له في الآخرة .أهـ فافهم .
ثم أراد رضي الله عنه أن يعتذر عنهم في استعجالهم فقال: فإن الإنسان خلق عجولا يطلب الأمور قبل أوانها و إلا .
قال تعالى: "منْ كان يرجُوا لقاء اللّهِ فِإنّ أجل اللّهِ لآتٍ وهُو السّمِيعُ العليمُ" [ العنكبوت: 5]:
أي لا تستعجل هذا من أحسن تأديب أدب الله به حبيبه حيث أنه ذكر له ما جرى قبله، و منهم قصصنا عليك . فافهم .
و (الصنف الآخر: بعثه على السؤال) رجم بالغيب لأنه لما علم أن ثمة أمورا عند الله في غيبه قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال، فيقول هل ما يسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل؟ فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان .
فـ (الأول) صاحب استعجال، و (الثاني) راجم بالغيب بمجرد الاحتمال .
و لكن صاحب هذا السؤال إذا تصوّر المنادي المسئول عنه تصوّرا صحيحا عن علم و رؤية سابقين أو حاضرين حال الدعاء، ثم سأله و دعاه عسى أن يستجاب له .
و أما من يقصد مناداة زيد و يطلب منه و هو يستحضر عمروا و يتوجّه إليه، ثم لم يجد الإجابة فلا يلومنّ إلا نفسه، فإنه ما نادى القادر على الإجابة والإسعاف لأنه توجّه إلى ما استحضره في ذهنه و خياله، و هو مثله عاجز عن الإجابة، و إن أثمر سؤاله على هذا فإنما أثمر بشفاعة حسن ظنه بالله، و شفاعته المعية الإلهية فإنه مع كل شي ء .
ورد في الخبر : ما كان الله ليفتح لعبد الدعاء فيغلق عنه بال الإجابة الله أكرم من ذلك" 
و هو لا يعلم ما في علم الله و العلم بما في علم الله من أعلى العلم بالله، و لا يكون إلا بسبق العناية .
قال الله تعالى: "و لا يحِيطون بشيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255]، و ما شاء الله كان و لا ما يعطيه استعداده في القبول، فإذا لم يعلم ما في نفسه من الاستعداد فهو بغيره أجهل .
قال تعالى عن عيسى عليه السلام يخاطب ربه و يناجيه: "تعلمُ ما في نفْسِي ولا أعْلمُ ما في نفْسِك" [ المائدة: 116] .
أشار عليه السلام إلى نفسه فإنها ملك له تعالى، قال تعالى:"تعلمُ ما في نفْسِي و لا أعْلمُ ما في نفْسِك "[ المائدة: 116] .
( فيها) لأن من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان و لا يكون ذلك العلم إلا لمن أشرف على الأعيان الثابتة أو أحاط بكل  شيء علما .
أما من مقام ما ورد في الخبر : "من عرف نفسه فقد عرف ربه و من عرف علم ما في نفسه فعلم العالم بعلمه بنفسه" 
قال رضي الله عنه في الوصل الخامس عشر من الخزائن من الفتوحات:
من أدرك الحق علما لم يفته من العلم الإلهي مسألة، كما أنه رأى الحق ببصره رأى كل  شيء من العالم لا يفوته من أنواعه شيء: أي إذا رأى الحق في غير مادة، فافهم .
و أما من مقام قرب النوافل، فإنه علم الحق بالحق، فإنه عين قواه، و من كان هويته عين قواه لا يعزب عنه مثقال ذرة .
قوله رضي الله عنه: (في كل زمان فرد ): أي غير منقسم، و هو الآن الذي لا يتجزأ .
و من كان بهذا الكشف أدخل السؤال الاستعجال و الاحتمال في الكمال، لأنه 
علم أنه لو لا ما أعطاه لاستعداد السؤال ما سأل، لأن كل طلب في العالم من كل طالب إنما هو طلبيّ و أتي ما به طلب عارض لا يكون بالذات، فإن هذا لا يكون أبدا بل إنما يعرض للشخص أمر ما لم يكن عنده .
فهذا الأمر الذي حصل عنده هو الذي يكون له الطلب الذاتي للمطلوب و انحجب الناس من قام به ذلك الأمر العارض بحيث يسمونه طالبا، و ليس الطالب إلا ذلك الأمر .
فالطلب له ذاتي، و الشخص الذي قام به هذا الأمر مستخدم في أمر ما أوجبه عليه هذا الأمر الذي حلّ به .
فالطلب ذاتي لذلك الأمر، و قد استخدم في تحصيله هذا الشخص الذي نزل به و لا شعور للناس بذلك.
ذكره رضي الله عنه في الباب السبعون وثلثمائة في معرفة منزل المريد وسر وسرين
من أسرار الوجود والتبدل وهو من الحضرة المحمدية من الفتوحات :
وإن كل طلب في العالم أو من كل طالب إنما هو طلب ذاتي ما ثم طلب عارض لا يكون بالذات هذا لا يكون وإنما يعرض للشخص أمر ما لم يكن عنده فهذا الأمر الذي حصل عنده هو الذي يكون له الطلب الذاتي للمطلوب وانحجب الناس بمن قام به ذلك الأمر العارض وهو الذي يسمونه طالبا وليس الطالب إلا ذلك الأمر فالطلب له ذاتي والشخص الذي قام به هذا الأمر مستخدم له إذ قد كان موجودا وهو فاقد لهذا الطلب فعلمنا أنه طلب مستخدم في أمر ما أوجب عليه هذا الأمر الذي حل به فالطلب ذاتي لذلك الأمر الملكية ومن الملك الذي يسدده ومن الوجه الخاص الإلهي بارتفاع الوسائط وأن يكون الحق عين قوله. أهـ
فإذا كان الأمر هكذا، فما ثم سؤال و طلب إلا عن اقتضاء ذاتي، فما يقع الاستعجال و لا الطلب و السؤال بمحض الاحتمال بل كل سؤال في وقته و هو مبذول، و لكن تميز مراتب الأسئلة و الأجوبة و معرفتها على قدر العلم بالله، و معرفة حقيقة نفسه نهاية أهل الحضور .


قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
(فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد .
وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم و صنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه.
هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف .
ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر اللّه تعالى في قوله: ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ [ غافر: 60] فهو العبد المحض.
و ليس لهذا الداعي همة متعلقة في ما يسأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده  .بل نظره على الحق جمعا في مقام وحدته و تفصيلا في مظاهره، فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية، و إذا اقتضى التفويض و السكوت سكت .
فقد ابتلى أيوب وغيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فسألوا فرفعه الله عنهم. و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقدر المعين له عند الله .)
قال الشيخ  الشارح رضي الله عنه :
( الحضور) عبارة عن استجلاء المعلوم الذي هو عبارة عن صور تعقّلات العالم نفسه في علمه بحسب كل حالة من أحواله الذاتية، و استجلاء ذاته من حيث هي.
أعني: من حيث أحواله، و هو المعرف المعين بالعلم صور البواعث و حكمه: أي حكم الاستجلاء الثاني استجلاء المعلوم .
ذكره الشيخ صدر الملة و الدين القونوي قدّس سره في شرح الفاتحة، فنهاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا: أي العلم الذي من نتائج الإشراف على الأعيان الثابتة، الذي هو علم النفس أو إحاطة العلم بالعلم أن يعلموه: أي هذا العلم الغامض و هو كشف كل شي ء بالمقتضيات الطبيعية المسماة بالقابلية و الاستعداد في الزمان الذي يكون فيه: أي في الحضور .
فإنهم كحضورهم بالله أو بأنفسهم، فـ (الحاضر بالله) يعلم ما في نفسه، و (الحاضر بنفسه) يعلم ما في نفسه، يعلمون ما أعطاهم الحق من استعدادات الظهور و القبول في ذلك الزمان: أي في زمان الحضور و يعلمون أنهم ما قبلوه إلا باستعداد :
أي بطلبه و سؤاله من خيره و شره، ذكره رضي الله عنه في []: إنه كثيرا ما كان الصديق الأكبر يتمثل بهذا البيت :
لو لم ترد نيل ما أرجو     ...... من جود كفّك ما علمتني
قال تعالى: "فألهمها فجُورها و تقْواها" [ الشمس: 8] و ذلك الحضور لأرباب الحضور و الأحوال، حال زائل و ضيفه أحلّ .
و هذا الصنف من أهل الحضور (هم صنفان ): صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم كما يعلمون المؤثر بالأثر و هذا: أي صنف الأخير أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.
أي صنف أهل الحضور لأنه علم الاستعداد القبول و عرف الأمر الواقع قبل الوقوع .
( ومن هذا الصنف ): أي الصنف الأخير وهو الذي يعلم من الاستعداد القبول وعرف، من يسأل سؤال  طاعة و انقيادحيث رأى أنه أمر بالمسارعة إلى الخيرات، فسارع إلى العبودية .
قال تعالى: "ثمّ  جِئْت على  قدرٍ يا موسى"  [ طه: 40]: أي في وقت الحاجة المجيء، وما سأل ما سأل إلا بالعلم والكشف والشهود لا كاستعجال المذموم، و لا للإمكان الذي كان رجما بالغيب و إنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله سبحانه : "ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ" [ غافر: 60] .
( فهو العبد المحض ): أي الخالص عن شرب الربوبية، و ليس لهذا الداعي همة داعية متعلقة فيما يسأل فيه من معين أو غير معين و إنما همته في امتثال أوامر سيده .
و رأى إنه تعالى مدح طائفة بأنهم كانوا يدعونه رغبا و رهبا، و شكرهم على ذلك و خاطب نبيه و صفيه صلى الله عليه و سلم بقوله : " قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعائكم".
فإذا اقتضى الحال و الوقت و السؤال سأل عبودية، و إذا اقتضى التفويض والسكوت سكت .
قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون: "وأفوضُ أمْري إلى اللّهِ " [ غافر: 44] .
والتفويض ردّ الأمر إلى صاحبه المدبر عند شهوده أن الحركة والسكون صادرة  عن الحق بلا واسطة، فيرى الحركة من اسمه الباسط و يشهد السكون من اسمه القابض، فافهم .
( فقد ابتلى أيوب عليه السلام و غيره) و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به، ثم اقتضى فهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفع الله عنهم .
و هنا تفصيل آخر من حيث إجابة السؤال، فإن الإجابة على ضروب شتى إجابة في عين المسئول فيه و بذله على التعيين دون تأخير و تراخ أو بعد مدة .
و إجابة ثمرتها التفكر، و قد نبهت الشريعة على ذلك، و إجابة بلبيك أو ما يقوم مقامه و كل دعاء و سؤال يصدر من الداعي بلسان من الألسنة المذكورة في تقاسيم الأسئلة حسّب علم الداعي بالمسئول منه و المسئول فيه .
و لصحة التصور و جودة الاستحضار في القبول أثر عظيم اعتبره صلى الله عليه و سلم حيث حرض عليه عليا رضي الله عنه و كرم وجهه، لما علمه الدعاء و فيه: "اللهم اهدني و سدّدني."
فقال له: اذكر بهدايتك هداية الطريق، و بالسداد سداد السهم، فأمره باستحضار هذين الأمرين حال الدعاء، فافهم .
(قل يا علي اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهمقال القاضي : أمره بأن يسأل الله الهداية والسداد وأن يكون في ذلك مخطرا بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم وسدادا كسداد السهم نحو الغرض والمعنى أن يكون في سؤاله طالبا غاية الهدى ونهاية السداد اهـ. فتح القدير للمناوي
فلما كانت إجابة السؤال على أنحاء شتى، فقال: و التعجيل بالمسئول فيه: أي سرعة حصوله، و الإبطاء بالمسئول فيه يكون للقدر المعين: أي بحسب القدر أو بحسب الوقت له: أي للمسئول فيه .
قال تعالى: "و إنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائِنهُ وما ننِّزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21] و هو وقته، و كذلك مقداره عند الله و لكن من حضرة المقيت فإنه سار به: أي خادم الحق و خادمه في القدر و أحكامه، و هي حضرة تعين الأوقات و الأقوات و موازينها .


قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (فإذن وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، و إذا تأخر الوقت إما في الدنيا و إما في الآخرة تأخرت الإجابة، أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا .
و أما القسم الثاني و هو قولنا: "ومنها ما لا يكون عن سؤال" فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ، أو بالحال، أو بالاستعداد .
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه .
و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال فالاستعداد أخفى سؤال .  و إنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله تعالى فيهم سابقة قضاء، فهم قد هيأوا محلهم لقبول ما يرد منه، و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم) .
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( فإذا وفق السؤال الوقت أسرع بالإجابة) كما إذا وفق الدواء الداء يرى بإذن الله، و لا يعلم تلك الموافقة إلا من أشرف على الحقائق في موطنها و الأعيان في عدمها ثابتة في العلم، و لا أعيان لها في الوجود فمن يكون بهذا الكشف و الحال فلا يسأل المحال.
(و إذا تأخر الوقت ): أي وقت الإجابة بتقدم السؤال قبل الوقت إمّا في الدنيا و إمّا في الآخرة تأخرت الإجابة لفوات شرط الإجابة، و هو المقابلة: أي مقابلة السؤال .
قال الشيخ صدر الدين قدّس سره في شرح الفاتحة: إنّ صحة التصور واستقامة التوجه حال الطلب، وهذا عند الدعاء شرط قوي في الإجابة .
و مما ورد مما يؤيد ما ذكر قوله صلى الله عليه و سلم : "لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال".
"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس معه به جهل ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت الجبال بدعائكم , وما أوتي أحد من اليقين شيئا إلا ما لم يؤت منه أكثر مما أوتي , فقال معاذ بن جبل ولا أنت يا رسول الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا أنا» قال معاذ: فقد بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يمشي على الماء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو ازداد يقينا لمشى على الهواء " رواه ابونعيم والسيوطي الجامع الكبير
" "لو خفتم الله تعالى حق خيفته، لعلمتم العلم الذي لا جهل معه، ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال". " الجامع الصغير ""
أي (المسئول فيه ): أي تأخرت الإجابة في السؤال فيه فإنه لم يضمن له إجابة في عين المسئول فيه شفقة عليه و رحمة .
قال تعالى: "فيكْشِفُ ما تدْعون إليْهِ إنْ شاء "[الأنعام: 41] لأنه قد يسأل العبد فيما لاخير له فيه.
قال تعالى: "ويدعُ الِإنسانُ بالشِّر دُعاءهُ بالخيْر"ِ [ الإسراء: 11] .
و ورد في الحديث القدسي عن الله تعالى أنه قال :
" إنّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة لو أعطيته إياه لداخله العجب فأفسده ذلك" 
وهكذا إلى أن قال : "و إني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إني عليم خبير"
الإجابة التي هي لفظة لبيك من الله تعالى فإنها ما يتأخر عن الدعاء بالنسبة إلى كل عبد داع .
ورد في الخبر ما قال:" قط يا رب ثلاثا إلا قال الله لبيك عبدي فيعجل الله تعالى ما يشاء و يؤخر ما يشاء"رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه. أورده السيوطي في الكبير و الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس لابن حجر العسقلاني.
"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أحب عبدا وأراد أن يصافيه صب عليه البلاء صبا وثجه عليه ثجا ، فإذا دعا العبد قال يا رباه قال الله لبيك عبدي لا تسألني شيئا إلا أعطيتك إما أن أعجله لك وإما أن أدخره لك. رواه أبو دنيا والبزار والسيوطي في الكبير والناوي في فتح القدير وغيرهم .""
قال رضي الله عنه في الفتوحات: إنّ هذه التلبية لا بد منها من الله تعالى في حق كل سائل إن قضى مراده، أو لم يقض، فافهم هذا: أي أنّ شرط الإجابة المقابلة بين السؤال و وقت الإجابة .
فالإجابة بلبيك ما يفارق السؤال. و أمّا الإجابة بالمسئول فيه فبالمشيئة كما ذكره.
( و أما القسم الثاني) و هو قولنا: و منها ما لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال المتلفظ به فإنه في بعض الأمر لا بد من سؤال، إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد .
فالسؤال بالحال كسلام الفقير على الغني، و التملق له و السؤال، بالاستعداد كسؤال الأعيان في ظهورها، فأول سؤال كانمن الكون استعداده من حيث إمكانه بحسب اختلاف أعيانه المنددة حيث ثبوتها في العدم، ثم الاستعداد و القبول أيضا عطاء .
و هو استجابة الدعاء: الذي هو الاستعداد و القبول للاستعداد و القبول لكل عطاء هو سؤال العطاء، و أول ظهوره من الله الطالب، فافهم .
( كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ) نقول الحمد لله، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال، فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو اسم تنزيه كالمعطي و الوهاب و كالمغني و القدوس .
إنما خص رضي الله عنه باسم الفعل و اسم التنزيه، لأنه تعالى أظهر أسماؤه لنا إلا للثناء بها عليه، فمن المحال أن يكون فيها اسم علمي أصلا لأنّ الأسماء الأعلام لا يقع بها ثناء على المسمّى .
مع أنه ما وجدنا لله أسماء تدل على ذاته، خاصة من غير تعقل معنى زائد على الذات .
إنه ما سم اسما إلا على أحد الأمرين، من إما ما يدل على الفعل، و إما ما يدل على التنزيه، و ذكره رضي الله عنه في الباب التاسع و السبعين و ثلاثمائة من الفتوحات.
فلمّا قرر رضي الله عنه أنه لا بد من سؤال و هو منحصر في ثلاثة: لفظ و حال و استعداد.
ثم ذكر أحكام السؤال اللفظي، فأراد أن يذكر أحكام السؤال الحالي و الاستعدادي .
فقال رضي الله عنه: (و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه) الذي لم يبلغ الإشراف على الأعيان و يشعر بالحال لأنه يعلم بالباعث و هو الحال.
فالاستعداد أخفى سؤال لأنّ العلم بكل استعداد جزئي في وقت جزئي صعب لمن لا يشرف على الأعيان و لا يكون هذا النوع من العلم إلا للأفراد خاصة .
وكمال ذلك كختم الختم فإنه من مقام باطن النبوة و هو الشعرة التي من الخاتم في الخاتم صلى الله عليه و سلم، و في ذلك يقع الميراث الكامل .
و أما أرباب الأحوال فيعرفون ذلك من البواعث فإنها من الأحوال، فهو هين الخطب من هذه الحيثية .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني.كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 2:47 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني.كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية  الجزء الثاني
( و إنما يمنع هؤلاء من السؤال ): أي الذين يسألون سؤالا لفظيا .
( علمهم بأن لله فيهم) فكل مقدرات بلا سؤال، و يرون أن السؤال مطلقا إلحاف .
قال الله تعالى في حق طائفة مدحا لهم: " لا يسْئلون  النّاس إلحافاً " [ البقرة : 273] فإن كل سؤال إلحاف .
قيل عن إبراهيم عليه السلام من هذا المقام أنه قال: علمه بحالي أغناني عن سؤالي .
فهم قد هيئوا محلهم بعد ما علموا القبول ما يرد منه، و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم هذه الغيبة هي التمني لحضرة القبول .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و من هؤلاء من يعلم أن يعلم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به و هو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل، 
و ما ثمة صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف فهم الواقفون على سرّ القدر .
و هم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا، و منهم من يعلمه مفصلا، و الذي يعلمه مفصلا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه من العلم به .
و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى .
و هو أعلى فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد هو العين المعلومة . إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه الثابتة يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك .
فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على إطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها .
فبهذا القدر نقول: إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم .
و من هنا يقول الله تعالى: حتّى نعْلم [ محمد: 31] و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب ) .


ومن هؤلاء من للتبعيض، و يظهر بالقدرة ما قضي و رفعت الدواوين و جف القلم من يعلم (أنّ علم الله به في جميع أحواله) و هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و هو من أهل الحضور بالعلم و الشعور و تفصيل الأمور مع نوع من الإجمال و يعلم أنّ الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه.
أي بالاستعداد الذاتي من العلم به بنفسه، و هو ما كان عليه في حال ثبوته: أي في عدمه لا زائدا و لا ناقصا، فإذا علم نفسه و عرفها كما هى هى، فيعلم علم الله به: أي بالعلم بنفسه .

و قد ورد في الخبر :  " و من عرف نفسه فقد عرف ربه"
فيعلم تعلق علم الله به من أين حصل، و هذا غاية العلم بالله و بالنفس .
ذكر الشيخ رضي الله عنه في كتابه المسمّى بالمشاهد أنه تعالى قال له في بعض المنازلات :
أنت الأصل و أنا الفرع، انتهى كلامه .
و هو محتمل لوجوه شتى منها أن يعلّمه بنا منا لا منه، وعند أكثر النظار منه لامنا، و الكشف يعطي كما قلنا .

ذكر رضي الله عنه في الفتوحات في الباب الثامن وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ من الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ:
فولاية العبد ربه وولاية الرب عبده في قوله: "إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ " .
وبين الولايتين فرق دقيق فجعل تعالى نصره جزاء وجعل مرتبة الإنشاء إليك كما قدمك في العلم بك على العلم به .
وذلك لتعلم من أين علمك فتعلم علمه بك كيف كان لأنه قال : "ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ " وقد ذكرنا في كتاب المشاهد القدسية أنه قال لي: "أنت الأصل وأنا الفرع" . على وجوه منها علمه بنا منا لا منه .
فانظر فإن هنا سرا غامضا جدا وهو عند أكثر النظار منه لا منا أوقعهم في ذلك حدوثنا والكشف يعطي ما ذكرناه وهو الحق الذي لايسعنا جهله.
ولما سألني عن هذه اللفظة مفتي الحجاز أبو عبد الله محمد بن أبي الصيف اليمني نزيل مكة ذكرت له أن علمنا به فرع عن علمنا بنا إذ نحن عين الدليل يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم "من عرف نفسه عرف ربه". كما إن وجودنا فرع عنه ووجوده أصل .
فهو أصل في وجودنا فرع في علمنا به .
وهو من مدلول هذه اللفظة فسر بذلك وابتهج رحمه الله وهذا الوجه الآخر من مدلولها أيضا .
وهو أعلى ولكن ما ذكرناه له رحمه الله في ذلك المجلس لأنه ما يحتمله ولا يقدر أن ينكره .
وما ثم ذلك الايمان القوي عنده ولا العلم ولا النظر السليم .
فكان يحار فأبرزنا له من الوجوه ما يلائم مزاج عقله وهو صحيح .
فإنه ما ثم وجه إلا وهو صحيح في الحق وليس الفضل إلا العثور على ذلك فالله ولي المؤمن والمؤمن ولي الله .
سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقيل له من أولياء الله فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم : "الذين إذا رأوا ذكر الله" .
فذكر وعلم وشهد برؤيتنا إياهم فجعلهم أولياء الله كما جاء عن الله أنه "وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا".
فالمؤمن من أعطى الأمان في الحق أن منه يضيف إليه ما لا يستحق جلاله أن يوصف به مما ذكر تعالى أن ذلك ليس له بصفة كالذلة والافتقار .
وهذه أرفع الدرجات أن نصف العبد بأنه مؤمن فإن المؤمن أيضا من يعطي الأمان نفوس العالم بإيصال حقوقهم إليهم فهم في أمان منه من تعديه فيها ومتى لم يكن كذا فليس بمؤمن فالولاية مشتركة بين الله وبين المؤمنين. والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.أهـ "" فافهم .

و (ما ثم صنف من أهل الله أعلى و اكشف من هذا الصنف) لأنهم أحاطوا بالعلم الإلهي بعلمهم بأنفسهم .
قال تعالى: "ولا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255]، علق الإحاطة بالمشيئة ما شاء الله، كان قد أحاط الله بكل  شيء علما .

( و هم الواقفون على سر القدّر) و القدّر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد من حضرة المقيت فأنه يقدر أوقات الأوقات صورية و معنوية، فما حكم القضاء قدره هذا الاسم تقدير العزيز الحكيم و هذا هو عين سر القدر .
فهمّ الواقفون الحاضرون لهذا التوقيت على مقتضى الاستعداد، و المطلعون على أصله و فرعه، و لهذا المقام إجمال و تفصيل، منهم من يعلم ذلك تفصيلا .

فقال رضي الله عنه: مريدا لإظهار مراتبهم (و هم على قسمين) منهم من يعلم ذلك مجملا: أي يعلم سر القدر على الإجمال، و منهم من يعلمه مفصّلا و الذي يعلمه مفصّلا أعلى و أتم من الذي بعلمه مجملا فإنه يعلم: أي بذلك العلمي التفصيلي ما في علم الله فيه: أي في نفسه و ذاته .
( إما بإعلام الله تعالى إياه بما أعطاه عينه من العلم ): أي بنفسه فهذا العلم: أي الذي يكون بالإعلام يسمّى: العلم التعليمي فإنه من تعريف الله إياه بإلقاء روحي أو قلبي أو كلاهما هذا دون الكشف في النتيجة و الشرف .
(وإما بأن يكشف له عن عينيه الثاقبة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما يتناهى) هذا علم التجلي بكشف الساق يعني: كشف الغيوب على القلوب، وهو أعلى: أي الذي بالكشف أعلى من الذي بالإعلام و التعريف .
كما قال تعالى: "و فوق  كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ " [ يوسف: 76] .

فإنه: أي العلم بالكشف يكون في علمه (بنفسه منزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد) و المعدن هو العين الثابتة لأنّ الحق سبحانه يأخذ منها و هي تعطي العلم على ما هو عليه، فإذا رجع العبد إلى عقبه فقهري بالتجليات التحليلية المعروفة عند أرباب السبك و التحليل برجعته إلى أصله و إطلاقه، فيكشف له عن ساق فيرى أحواله على ما هو عليه بلا زيادة و نقصان فيجاري علمه علم الحق لهذا الوجه، و لكن هنا فرق آخر لطيف أشار إليه الحديث أيضا و هو"و من عرف نفسه فقد عرف ربه".
أنه اتبع العلم به تعالى بالعلم بالنفس، فجعل العلم بالنفس هو الأصل في المعرفة و هو أصل معروف غير متكرر .

كما ذكر الشيخ رضي الله عنه في المشاهد و قد نقلته سابقا بعبارته رضي الله عنه التي ذكرها في بعض المنازلات، و ذلك لأنه و إن كان الأخذ من معدن واحد و لكن للعبد ذاتي أصلي لأنه عينه ما جاء من خارج بل قرة عين أخفيت له فيها .
( إلا أنه من جهة العبد ): أي ذلك الأخذ من جهة العبد يسمّي عناية من الله سبقت له الحسنى من الفيض الأقدس، فلما قال رضي الله عنه: إن أخذ العبد من عينه كأخذ الله من عينه و أنّ الآخذين من المعدن الواحد و هم المساواة، فاعتذر بأن أخذ العبد بالعناية، و هي أنّ تلك العناية أيضا .

( من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف ): أي الذي كشف له عن عينه الثابتة رأى العناية ذاتية له بلا جعل الجاعل .

( إذا أطلعه الله تعالى على ذلك ): أي على أحوال عينه أنه يشاهد أنّ العناية ذاتية له من جملة أحوال عينه، و أمّا إطلاعه و علمه ما في علم الله فيه من حيث أنها شئون ذاتية لا من حيث أنها أعيان لا يكون إلا بالعناية كقوله تعالى: "و لا يحِيطون بشيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا  بما شاء" [ البقرة: 255] .

و تلك المشيئة عين العناية التي سبقت، (فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة ): أي من حيث أنه عين ثابتة لا من حيث أنه حق و إنما قلنا ذلك لأن الأعيان لها اعتباران .

اعتبار كونه عينا من الأعيان الممكنة و حقيقة من حقائقها.
و اعتبار آخر من حيث أنها صور علمية بلا شئون ذاتية، و هي بهذا الاعتبار عين الذات لا صورة لها في الوجود و لا في العلم بخلاف الأول، فإنها صورة علمية و لها في الخارج صور خارجية يتعين بها في الخارج إذا ظهرت في الخارج .

( و هي التي تقع صورة الوجود عليها) و ذلك لا يكون إلا من حيث أنها أعيان ثابتة لا من حيث أنها شئون ذاتية للحق سبحانه .

فإنها عين الذات فليس في وسع العبد (أن يطلع في هذا الحال ): أي حال كونه مطلعا على عينه و مقيدا بهذا الاطلاع الجزئي أن يطلع كليا على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها: أي لأنّ الأعيان الثابتة في حال عدمها .

( نسب ذاتية) مجردة عن الأسماء و الصفات لا صورة لها، يدرك غير الذات و لا تميز و لا فرق بينها و بين الذات بل هي نسب و خصوصيات لحضرة الذات تسمى باصطلاحهم شئون ذاتية، و هي عين ذاتها فإذا اطلع العبد المعتني به على الأعيان الذاتية من حيث أنها شئون، فيرى شئونا ذاتية لا صورة لها في ذاتها، بل يرى أنها عين الذات .

( فبهذا القدر ): أي بقدر هذا الاطلاع على الذات و ما فيها (نقول: العناية الإلهية سبقت في الأزل) لهذا العبد الفرد  كاشف عينه الثابتة و أخذ العلم بنفسه في نفسه بهذه المساواة في إفادة العلم أنه يفيد من حيث أفاد الحق سبحانه و يفيض من عين ما أفاضه تقدّس و تعالى .

و إنما قلنا سبقت له بسبب هذه المساواة التي هي الأخذ من المعدن الواحد في الإفادة و هي العلم بما في علم الله فيه، و هي العناية المختصة بالفرد لأنه فوق مقام عينه بل هو في إطلاق الذات و لا عين له في الأعيان كالحق تعالى .
و من هذا المقام و المشهد من يشهد الحكم و يراها قبل أن يكون الحق فيها، و هو الذي يشاهدها في حال عدمها كما يشهدها الحق، و هو أعلى المدارك و أسناها و أشرفها .

قال الشيخ رضي الله عنه الصديق الأكبر رضي الله عنه أشار في قوله:
ما رأيت شيئا إلا  رأيت الله قبله إلى هذا التجلي: أي التجلي في لا  شيء و ما فيه أحد فيما وصل إلينا على هذا الوجه، و ما يتكون منه في قلب المعتكف على شهوده إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه .

ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب السادس و التسعين و ثلاثمائة من الفتوحات:
وذلك لأنّ  الإدراك بهذا النمط للممكن ممكن .
وهو إدراك في حال عدمها فإذا جاء الأمر الإلهي بالتكوين لم يجد إلا وجود الحق فظهر فيه لنفسه، فرأى الحق قبل رؤية نفسه فلما ألبسه وجوده تعالى رأى نفسه عند ذلك.
فقال: ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله: أي قبل أن يتكون فيه فيقبل الحق صورة ذلك الشيء وهذا من مقام التجلي لأنه رأى الحق قبل الكون فيرى صدور ذلك منه تعالى و تقدّس .
(و من هنا يقول الله): أي من أنه يعلم أنّ الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به فإن الأعيان عالمه مفيدة معطية والأسماء مستفيدة، فالله تعالى العالم أزلا و أبدا لأنه تعالى عين الكل، (حتى نعلم و هي كلمة محققة المعنى) .
كما ورد في الخبر: " إنه ينزل إلى سماء الدنيا ويقول هل من مستغفر".
وهذا عين ما قررناه في هذا المقام، وكيف لا؟
ومن أسمائه المؤمن ومن معقوليته المؤمن فإنه المصدق بالغيب أن يكون هناك غيب.
فنبه تعالى عليه في قوله: "حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ" [ محمد: 31] .

و أيضا ورد في الخبر حديث"المؤمن فإنه المصدق بالغيب أن يكون هناك غيب مرآة المؤمن". رواه ابن أبي عاصم، و الطبراني في الأوسط، و الضياء المقدسي عن أنس ذكره في جمع الجوامع .
فالمؤمن الحق مرآة المؤمن الخلق فيرى فيها نفسه وذاته بحكم المرآة، وكذلك صفاته كالعلم في القديم قديم.
و كذلك المؤمن الخلق فيرى فيها نفسه و ذاته بحكم المرآة و كذلك صفاته كالعلم، فظهر من هنا حكم حتى نعلم، فافهم.
فإنّ من أعجب العجاب في الوجود أن يكون من أعطاك العلم بنفسه لا يعلم نفسه إلا بك لأنّ الممكنات أعطت العلم بأنفسها الحق، ولا يعلم شيء منها نفسه إلا بالحق، فإنه يعلم بك كما تعلم به فهو حسبك، لأنه الغاية و أنت حسبه، لأنه ما تم بعده إلا أنت و منك عملك وما بقى إلا الحال، وهو عين العدم المحض، فافهم.

( ما هي كما يتوهمه) أنه لو جعلنا حتى نعلم على ما به بصرافته، فيلزم الحدوث في العلم بحصول علمه بعد إن لم يكن، و ذلك ذوق (من ليس له هذا المشرب) و لم يعلم صاحب هذا المشرب أنّ العلم و لو كان إحدى الصفة و لكن من حيث هو هو .
فإنه نسبة من النسب الاعتباري، فلا معدوم ولا موجود ولا قديم ولا حادث، وأمّا بحكم المتعلق فيحدث له أحكام، حتى يقول فيه أنه في القديم قديم، و في الحادث حادث، كالوجود .
فلهذا قيل: إنّ التعلق حادث و حدوث التعلق ما جاءه إلا من حدوث المتعلق لأنه لو كان المتعلق قديما فتعلق العلم بهقديما فلا يكون صفة القدم للعلم إلا بقدم المتعلق كالعلم بالذاتيات و الأسماء الإلهية و صفة الحدوث لها بحدوث تعلقه وحدوثه بحدوث المتعلق، كما أنّ في القديم قدم التعلق لقدم المتعلق، فافهم .

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  (و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات . و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود . ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية .
فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي .
و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له، غير ذلك لا يكون، فإذا المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق .
و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصور فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها . فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلي له أنه ما رآه .
و ما ثمة مثال أقرب و لا أشبه بالرؤية و التجلي من هذا .
و اجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المريا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة .  و هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، و الأمر كما قلناه و ذهبنا إليه . و قد بينا هذا في الفتوحات المكية) .

قال الشارح رضي الله عنه :
( وغاية المنزه) الذي ينزه الحق بنظره و فكره، رأى في هذه المسألة أن يجعل ذلك الحدوث في العلم: أي الحدوث المفهوم .
(من اللفظ المتعلق): أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم من قولهم: إنّ العلم قديم و التعلق حادث، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة .
ومع هذا ليس بمرضي لأرباب العقول السليمة سيما أهل الحقائق قدّس سرهم لأنّ الأمر على خلاف ذلك.
قال جلال الملة و الدين الدواني رحمه الله في شرح العقائد العضوية في قوله: و هو عالم بجميع المعلومات، إنّ القول بأنّ العلم قديم و التعلق حادث لا يسمن و لا يغني من جوع إذ العلم ما لم يتعلق بالمعلوم لا يصير عالما و لا ذلك المعلوم معلوما، فهو يقضي إلى نفي كونه عالما بالحوادث في الأزل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، انتهى كلامه .

قالوا: لو تعلق العلم بما من شأنه أن سيكون كائنا أو قد كان فقد علم الشي ء على خلاف ما هو به وعليه، وكذلك لو علم ماهر كائن أنّ قد كان أو سيكون لكان هذا جهلا كله و الله تعالى منزه عن ذلك .
فادخلوا على الله الزمان، من حيث لا يشعرون، و إنما التقدم و التأخر في الأشياء لا في العلم، و علموا أنّ الله يشهد الأشياء و يعلمها على ما هي عليه في أنفسها، و الأزمنة التي لها من جملة معلوماتها مستلزمة لها و أحوالها و أمكنتها، إن  كانت لها و محالها ، إن كانت مما يطلب المحال و إخبارها، كل ذلك مشهود و للحق في غير زمان لا يتصف بالقدم و التأخر و لا بالآن، فافهم .
فإنّ هذا من شؤم التفكر و فضول العقل الذي منعوه عنه و ما امتنع، فإنه حريص على ما منع و تحقيق ذلك أنّ الأشياء ليست إلا صورا تعقبت صورا، و العلم بها يسترسل عليها بقوله حتى يعلم مع علمه بها قبل تفصيلها إجمالا، فلو علمها مفصّلا في حال إجمالها، ما علمها مجملة، فالعلم لا يكون علما بل يكون جهلا، حتى يكون تعلقه بما هو المعلوم هو الذي يعطي العلم بذاته .
و المعلوم هنا غير مفصّل إلا أنه تعالى يعلم التفضيل في الإجمال، و مثل هذا لا يدل على أن المجمل مفصّل بل إنما يدل على أنه مجمل يقبل التفصيل، إذا فصل بالفعل .

""قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الرد على السؤال الثالث والثلاثون فما سبب علم القدر الذي طوى عن الرسل فمن دونهم؟:
ولما جعل الظلمة ظرفا للخلق كذلك قال هناك فأتى بما يدل على الظرف فهم قابلون للتقدير وإن كان قوله في ظلمة في موضع الحال من الخالق فيكون المراد به العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء .
الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة للحق تعالى حين قيل له :
أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء
فنزه أن يكون تصريفه للأشياء على الأهواء فإنه لما كنى عن ذلك الوجود بما هو اسم للسحاب محل تصريف الأهواء نفى أن يكون فوق ذلك العماء هواء أو تحته هواء فله الثبوت الدائم لا على هواء ولا في هواء .
فإن السؤال وقع بالاسم الرب ومعناه الثابت يقال رب بالمكان إذا أقام فيه وثبت فطابق الجواب العماء كالوجود: قديم في القديم حادث في المحدث
وقال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) سورة الحديد
ولم يصف الحق نفسه في مخلوقاته إلا بقوله " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ "
وقال "كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ".فتخيل من لا فهم له تغير الأحوال عليه وهو يتعالى ويتقدس عن التغيير بل الحالات هي متغيرة ما هو يتغير بها.
فإنه الحاكم ولا حكم عليه فجاء الشارع بصفة الثبوت الذي لا تقبل التغيير فلا تصرف آياته يد الأهواء لأن عماءه لا يقبل الأهواء .
وذلك العماء هو الأمر الذي ذكرنا أنه يكون في القديم قديما وفي المحدث محدثا .
وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت قديم وإذا نسبته إلى الخلق قلت محدث.

فالعماء من حيث هو وصف للحق هو وصف إلهي ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني. فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين
[الكلام القديم والذكر المحدث قال تعالى في كلامه القديم الأزلي "ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ" فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب .
وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به .
فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه .
فهو الذي أيضا أوجب له صفة القدم إذ لو ارتفع الحدوث من المخلوق لم يصح نسبة القدم ولم تعقل فلا تعقل النسب التي لها أضداد إلا بأضدادها فقصة الخلق في الظلمة التهيؤ والقبول في الأعيان لظهور الحق في صور الوجود لهذه الأعيان. ""

"" قال الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : "العماء حيرة ، وأعظمه الحيرة في العلم بالله".
وقال : " العماء هو بخار رحماني ، فيه الرحمة ، بل هو عين الرحمة ، فكان ذلك أول ظرف قبله وجود الحق " .
وقال " العماء هو الأمر الذي  يكون في القديم قديما ، وفي المحدث محدثا ، وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت : قديم ، وإذا نسبته إلى الخلق ، قلت : محدث .
فالعماء من حيث هو ، وصف للحق هو وصف إلهي ، ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني ، فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين " .
ويقول : "العماء  هو مستوى الاسم الرب كما كان العرش مستوى الرحمن ".
والعماء " هو أول الأينيات ، ومنه ظهرت الظروف المكانيات ، والمراتب فيمن لم يقبل المكان وقبل المكانة ، ومنه ظهرت المحال القابلة للمعاني الجسمانية حسا وخيالا ، وهو موجود شريف ، الحق معناه وهو الحق المخلوق به كل موجود سوى الله ، وهو المعنى الذي ثبتت فيه واستقرت أعيان الممكنات ، ويقبل حقيقة الأين وظرفية المكان ورتبة المكانة واسم المحل ".
والعماء : هو البرزخ والحقيقة الإنسانية الكاملة ، ومرتبة أهل الكمال ، وموقف الأعراف ، ومنزل الإشراف على الأطراف ، ومقام المطلع.
قال الشيخ صدر الدين القونوي :"العماء هي مرتبة التنزل الرباني ليتصف الرب فيها بالصفات العبدانية ، ومرتبة الارتقاء العبداني ليتصف العبد فيها بالصفات الربانية ، فهي البرزخ . ""

قال تعالى في كلامه القديم الأزلي"ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ" فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب .
وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث ، فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به .
فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه .أهـ ""
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الباب الثالث و الثمانين و أربعمائة من الفتوحات :
إنّ هذا الذي ذكرناه هو معنى حتى نعلم فخلاصة، الكلام كما قلنا آنفا أنّ العلم في القديم قديم و في الحادث حادث،  كالوجود و هما الله تعالى و ليس موجودا سواه، فافهم .
كما ورد في الخبر :" لا تخف إن الله معنا" 
لو لا أنه: أي المتكلم بذلك: أي قدم العلم و حدوث التعلق .
( أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا بالذات): أي لو لا كذلك ما أمكنه ذلك لأنّ الذات من حيث هي هيفي حجاب العزة و حمى الكبرياء، لا تعلق لها و لا نسبة لها مع العالم أصلا، و هي في غناء ذاتي، فأثبت المتكلم بذلكالعلم الزائد و علقه بالمعلومات .
قال رضي الله عنه: من قال بزيادة الصفة على الذات؟ قال: ما قاله اليهود بحسن العبارة، و هو قولهم بأفواههم أنّ الله فقير و نحن أغنياء، و الله هو الغني الحميد، فافهم .

إنّ هذا سر الحقيقة، و هو أن يعلم أنّ العلم ليس بأمر زائد على العالم، و أنه يعلم الأشياء بذاته
ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و التسعين و مائة من الفتوحات:
وأما سر الحقيقة فهو إن تعلم أن العلم ليس بأمر زائد على ذات العالم وأنه يعلم الأشياء بذاته لا بما هو مغاير لذاته أو زائد على ذاته .
فسر الحقيقة يعطي أن العين والحكم مختلف
وسر الحال يلبس فيقول القائل بسر الحال " أنا الله" "وسبحاني" "وأنا من أهوى ومن أهوى أنا"
وسر العلم يفرق بين العلم والعالم .
فبسر العلم تعلم أن الحق سمعك وبصرك ويدك ورجلك مع نفوذ كل واحد من ذلك وقصوره وأنك لست هو عينه .
وبسر الحال ينفذ سمعك في كل مسموع في الكون إذا كان الحق سمعك حالا وكذلك سائر قواك. وبسر الحقيقة تعلم أن الكائنات لا تكون إلا لله وإن الحال لا أثر له فإن الحقيقة تأباه.
فإن السبب وإن كان ثابت العين وهو الحال فما هو ثابت الأثر .
فللحقيقة عين تشهد بها ما لا يشهد بعين الحال . وتشهده عين الحال وعين العلم .
وللعلم عين يشهد بها ما لا يشهده بعين الحال وتشهد ما يشهده عين الحال .
فعين الحال أبدا تنقص عن درجة عين العلم وعين الحقيقة .
ولهذا لا تتصف الأحوال بالثبوت فإن العلم يزيلها والحقيقة تأباها .
ولذلك الأحوال لا تتصف بالوجود ولا بالعدم فهي صفات لموجود لا تتصف بالعدم ولا بالوجود
فبالحال يقع التلبيس في العالم  . وبالعلم يرتفع التلبيس . وكذلك بالحقيقة
فهذا سر العلم وسر الحال وسر الحقيقة قد علمت الفرقان بينهم في الحكم هذا معنى السر عند الطائفة. فافهم .

( وبهذا انفصل ): أي بإثبات العلم زائد على الذات، أو يجعل الحدوث في العلم للتعلق انفصل صاحب النظر و الفكر بالجهل و التخمين عن المحقق بالتحقيق و اليقين .
قال تعالى: "و خسِر هُنالك المُبْطِلون" [ غافر: 78] حيث فاز المحقّق بالحق .
( من أصل الله صاحب الكشف والوجود) و المتحقق بالعين و الشهود المحقق .
ورد في الخبر الصحيح : " إنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب" رواه ابن سعد عن علي رضي الله عنه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
لا يقال أنّ القائل زيادة الصفة غير الأشعري، و لا نعبأ بهم و بكلامهم لأننا نقول إما قد قيل، و أيضا من قال: إنها لا عينه، يلزم عليه أن يكون غيره و إن لم يصرّح بذلك.
بل بقوله: لا غيره و لا عينه يلزم عليه إما جمع النقيضين، أو رفعهما،
و أمّا الاحتمال الثالث الذي أريد منه لا يشفي عليلا و لا يشفي غليلا .
قال رضي الله عنه في الفتوحات  : إنه كلام لا روح له، فافهم .
فلما قسّم رضي الله عنه الأعطيات من حيث الذات ذاتية و أسمائية.
ثم أدخل تقاسيم العطايا من حيث السائلين استطرادا، فأراد الرجوع إلى أصل التقسيم للعطايا من حيث ذواتها و أنفسها .
فقال: (ثم نرجع إلى الأعطيات) بفتح الهمزة و تخفيف الياء جمع الأعطية جمع عطاء، فيكون جمع الجمع كأغطية و غطاء، أو بضم الهمزة و تشديد الياء المثناة التحتانية جمع أعطية كأمنية.
( فنقول أنّ الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية، فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون إلا عن تجل إلهي ): أي لا يكون إلا عن تعريف و لا عن نظر و فكر .
فإذا كانت منحصرة في التجلي فقط، و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له لأنّ تجليه تابع مشيئته، و مشيئته تابع عمله، و عمله تابع استعداد المعلوم المتجلي له، و ذلك لأرباب المقامات و المقيدين بها .

فأمّا الوارث المحمدي الذي أتاه الله جوامع الكلم، و علم الأسماء كلها، و علم علم الأولين و الآخرين، فكل الصيد في جوف الفراء فقد خلص من حكم المقامات عليه، فهو يحكم بها بحسّب ما تعطيه الأحوال، فإنه العليم الحكيم، و هذا مقام من لا مقام له و هو قابل التجلي الذاتي لا يتبع الاستعداد أو يتبعه، فافهم .

ذكر رضي الله عنه هذه المسألة في الباب العشرين و أربعمائة من الفتوحات:
وقد قال بعضهم شهود الحق فناء ما فيه لذة لا في الدنيا ولا في الآخرة فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلي له من الاستعداد وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون كوجه الدليل في الدليل سواء بل هذا أتم وأسرع في الحكم وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل وإلا لالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري ومن لم ير غيره ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد والذي ذاق الأمرين فرق ولا بد.
وبلغني عن الشيخ المسن شهاب الدين السهروردي ابن أخي أبي النجيب أنه يقول بالجمع بين الشهود والكلام فعلمت مقامه وذوقه عند ذلك.
فما أدري هل ارتقى بعد ذلك أم لا وعلمنا أنه في مرتبة التخيل وهو المقام العام الساري في العموم.
وأما الخواص فيعلمونه ويزيدون بأمر ما هو ذوق العامة وهو ما أشار إليه السياري ونحن ومن جرى مجرانا في التحقيق من الرجال.أهـ
أشار إلى هذا الفناء أبو العباس قدّس سره حيث قال: ما التذّ عاقل بمشاهدة قط لأنها فناء .
و أمّا من قال بجمع الكلام و الشهود كأنه أشار إلى الأول الذي نحن بصدد بيانه الآن كما نقل عن الشيخ شهاب الدين السهروردي فإنه قال بجمعهما غير ذلك لا يكون لأنّ الحكمة أعطت الحكيم ذلك .
قال الله تعالى لموسى عليه السلام: "لنْ تراني" [ الأعراف: 143].

أي أبدا لأنّ الرائي ما يرى منه إلا قدر منزلته و رتبته فما رآه بل ما رأى إلا نفسه، و لو لا كذلك ما وقع التفاضل في الرؤية أصلا، و قد وقع التفاضل فيها كالرؤية المحمدية و هي أكمل رؤية يرى فيها الحق و بها، فيرفعه بها منزلا لا يناله إلا المحمديون، و هو منزلة الهوية .
( فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق) وهو مجلي رؤيته نفسه، وما رأى الحق اشتغل الرامي برؤية نفسه عن رؤية المجلي.
الذي هو المجلي الحق، فلو لم تبد للرأي صورته أو صورة كون ربما كان يراه فما حجبنا عنه إلا نفوسنا فيه فلو زلنا عنه أيضا ما رأيناه لأنه ما كان يبقى ثمة بزوالنا من يراه .
فنحن لم نزل ما نراه بل نرى فيه نفوسنا، و لا يمكن أن يراه لأننا مقيدون بعدة قيود و الله تعالى مطلق لا يتقيد، فلا مناسبة بل لا يرى المطلق إلا المطلق و لكن المطلق قد يتقيد بحسب الاعتقاد، فلا يكون مطلقا فما رأيته مطلقا بل رأيت نفسك .

فإذا رأيت نفسك عرفت من أنت فتعلم عند ذلك هل أنت هو أو لست هو ؟
فإنه هنا يحصل لك العلم الصحيح فإنّ الدليل قد يكون خلاف المدلول و قد يكون عين المدلول، فلا  شيء أول على الشيء من نفسه. " من عرف نفسه فقد عرف ربه" ، ثم تبعد الدلالة بقدر المناسبة و أقرب الشيء إلى الشيء نفسه .
قال تعالى: "تعلمُ ما في نفْسِي و لا أعْلمُ ما في نفْسِك" [ المائدة: 117] .
لأنها لك و لا أعلم ما فيها مما أخفيت من قرة أعين لأنه غيب عنه صلى الله عليه و سلم و ذلك من بعد المناسبة بين العبد و بين ربه مع علمه .

( بأنها رأى صورته إلا فيه) و الذي رأى فيه صورته لا غير و ذلك لأنه رأى الوجود كالمرآة لم يكد يراه و رأى عينه فيه محصورة بحكم .
كما قال الله تعالى: "وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] .

فالحصر عمّ الوجود و محصور يحصر ما، مع أنه يعلم أنه عينه من حيث كونه عدما له إطلاق صرف، و لكن يحكم الاتصاف بالوجود و الظهور فيه، أعطي للعين الحصر و انحصرت فيه لأنّ الحصر من لوازم أحكام الوجود، فيعلم أن التي رآها ليست صورته، فيحكم الأمر أنّ المتناقضان المتضادان في آن واحد .

( كالمرآة في الشاهد) أراد رضي الله عنه لتوضيح الأمر أن يقيس الغائب على الشاهد، و ضرب مثل (إذا رأيت الصور فيها لا تراها ): أي لا ترى نفس المرآة و جرمها و عينها: أي حين نظرك صورته لم تر صورة المرآة، كما قيل لا يصدر من الواحد إلا الواحد .
أما ترى جرم المرآة ما ترى نفسك و صورتك فيها مع علمك أنك مهما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها مثله كمثل الضوء أنه يرى به كل شيء، و هو لا يرى بل ولا يمكننا أن نشير إليه .
فهو تعالى غائب حاضر منظور ناظر، باطن ظاهر، إنّ هذا لشي ء عجاب و لله المثل الأعلى، و هو العزيز الذي لا يرى من حيث هويته الحكيم، حتى يقال: إنه يرى من حيث ذاته .

( فأبرز الله ذلك ): أي حكم المرآة مثالا نصبه لتجلي الذات: أي أنّ الله تعالى قد ضرب الأمثال.
فقال تعالى: "كذلك يضْربُ اللّهُ الْأمثال" [ الرعد: 17] .
فالعالم كله بما فيه ضرب مثلا واحد ليعلم أنه هو يجعله دليلا عليه وأمرنا بالنظر فيه .
فما ضرب الله في العالم المثل صورة المرآة .
( ليعلم المتجلي له ما رآه ): أي الذي أراد أنه لا هو لا غيره، و ما ثم مثال محسوس أقرب من حيث الأخذ و الفهم أنه قريب المآخذ و الفهم و لا أشبه بالرؤية و المتجلي المعقولين من هذا المثل المحسوس فإنك إذا رأيت الصورة الظاهرة في الجسم الصقيل و حققت رؤيتك، فتجد تلك الصورة حالت بينك و بين إدراكك عين الجسم الصقيل الذي هو مجلاها فلا تراه أبدا، و الحق جلي صور الممكنات فلم ير العالم إلا العالم في الحق، فافهم .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الرابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 2:51 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الرابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية    الجزء الرابع

قال صاحب الجوهرة: إذ كل من قلد في التوحيد پيمانه لم يتخل عن تردید، و كل من طلب الثانية ولم يحكم الأولى كان جاهلا بالله؛ فإنها أولى وأولى.
ويجب على صاحب هذه المعرفة أن يطلب العلم الواجب في حقه؛ ليكون ممن يعبد الله على بصيرة، وإلا كان ما بهدم أكثر مما بيي ففي الحديث: «ركعتان من عالم أفضل من سبعين ركعة من غير عالم». .
والعالم العامل هو الورع المشار إليه بحديث: «ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط». رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس.
وإلا فمع الجهل أين الورع.

والثانية : معرفة آثار الأسماء والصفات، وظهور أنوار تلك الآثار في القلب؛ ليخلص صاحبه من الآفات، وطريقها تسير الأوقات بالعبادات، وتركية النفس وترك المخالفات، والجلوس على بساط الفقر والانكسار، وشغل القلب بمراقبة العزيز الغفار، والاقتداء بأستاذ شهدت بصحة عقيدته وكماله العارفون، وأقرت بحسن منازلاته ومواجيده الواصلون، ليسلك به مقام التعلق،
ويرقيه إلى التحقق، ويوصله إلى التخلق، وهناك يدرك الأسرار بطريق المنازلة والذوق، ويأكل لا من تحت الأرجل بل من فوق.
وطريق التصوف عند السادة الصوفية، كله تخلق بالأخلاق المصطفوية، فمن زاد تخلقه زاد تصوفه، والتخلق يحتاج إلى السلوك، وهو يفتقر إلى المرشد العارف.

قال الشعراني في الميزان: 
أما سلوكك بغير شيخ فلا يسلم غالبا من الرياء والجدال والمزاحمة على الدنيا، ولو بالقلب من غير لفظ، فلا يوصلك إلى ذلك، ولو شهد لك جميع أقرانك بالقطبية فلا عبرة بها .
وقد أشار إلى ذلك الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات فقال : «من سلك الطريق بغير شيخ ولا ورع عما حرم الله فلا وصول له إلى معرفة الله تعالى، المعرفة المطلوبة عند القوم ولو عبد الله تعالى عمر نوح عليه السلام». .

ثم إذا وصل العبد إلى معرفة الله تعالى فليس وراء الله مرمى ولا مرقي بعد ذلك، وهناك يطلع كشفا ويقينا على حضرات الأسماء الإلهية، ويرى اتصال جميع أقوال العلماء بحضرة الأسماء، ويرتفع الخلاف عنده في جميع مذاهب المجتهدين؛ لشهود اتصال جميع أقوالهم بحضرة الأسماء والصفات، لا يخرج عن حضرتها قول واحد من أقوالهم .

وهذه المعرفة نتيجة التخلي عن الأخلاق الذميمة، والتحلي بالأوصاف الكريمة، فأثمرت التجلي بالأسرار العظيمة.
وفي الحديث: «الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا منحه منها خلقا».
وقال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
قال صاحب عوارف المعارف: «فالصوفية راضوا نفوسهم بالمكابدات والمعاهدات حي أجابت إلى تحسين الأخلاق، فنفوس العباد أجابت إلى الأعمال وجمعت عن الأخلاق، و نفوس الزهاد أجابت إلى بعض الأخلاق دون البعض، ونفوس الصوفية أجابت إلى الأخلاق الكريمة كلها».
والثالثة : معرفة كنوز أسرار الذات المحلية، وهذه المعرفة خاصة بأكابر المحققين من الأولياء الراسخين وطريق هذه المعرفة لا يكون إلا عن محض المئة، وكرامة صاحبها استقامته على نهج الكتاب والسنة.



قال أبو يزيد البسطامي قدس الله سره: لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى تربع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.
ولما قصد زيارة ذلك الرجل المشهور بالزهد ودخل المسجد، رمى ببصافه تجاه القبلة، فانصرف ولم يسلم عليه .
وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه.
فاتباع القدم المحمدي نعمة وأي نعمة، والزيغ عنه نقمة لا يماثلها نقمة ، فإن شوم هلاك الذين لا يعادله شؤم، نعوذ من ذلك بالله الحي القيوم و إذا نظرت بعين التحقيق في هؤلاء الزنادقة المنابذين لأهل الطريق لم تر عندهم غير شقشقة اللسان الخالية عن الدليل والبرهان، وإذا بحثت مع أحدهم أسفر وجهه عن أخلاق البغال بكلام أبرد من برد العجوز؛ لتمثله في وصف النعال.
ثم قال أيضا: وقد رأيت في بعض الرسائل حديثا مرفوعا وهو: «الشريعة مقالي، والطريقة أفعالي، وألحقيقة حالي».
وعلى تقدير صحته فالشريعة: البيان، وهو بالمقال وما ينطق عن الهوى وبالأفعال، وهو أبلغ "فاتبعوني يحببكم الله"، والحال ما ينتجه البيان فعاد الأمر إليه.

قال سيدي محيي الدين قدس الله سره في كتاب «التراجم» في باب ترجمة الشريعة والحقيقة:
لطيفة : يخيل لمن لا يعرف أن الشريعة تخالف الحقيقة، هيهات بل الشريعة عين الحقيقة، وأن الشريعة جسم و روح، فجسمها الأحكام وروحها الحقيقة، فما ثم إلا شرع.
لطيفة الشريعة: وضع موضوع وضعه الحق في عباده، فمنه مسموع وغير مسموع، فلهذا من الأنبياء متبوع وغير متبوع، "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ" (21) سورة الأنفال .كمثل الذي ينعق بما لا يسمع.

وقال رضي الله عنه في الفتوحات المكية في باب الشريعة:
الشريعة من جملة الحقائق، فهي حقيقة لكن تسمى شريعة ، وهي حق كلها، والحاكم بها حاكم بحق مثاب عند الله، لأنه حكم ما كلف أن يحكم به، وإن كان المحكوم له على باطل، والمحكوم عليه على حق، فهل هو عند الله كما هو في الحكم، أو كما هو في نفس الأمر؟
فمنا من يرى أنه عند الله كما هو في نفس الأمر، ومنا من يرى أنه عند الله كما هو في الحكم.
ثم قال بعد كلام طويل، فعين الشريعة عين الحقيقة، والشريعة حق كلها، ولكل حق حقيقة، فحق الشريعة وجود عينها، وحقيقتها ما ينزل في الشهود منزلة شهود عينها في باطن الأمر.
فيكون في ذلك الباطن كما هي في الظاهر من غير مزيد، حتى إذا كشف الغطاء لم يختل الأمر على الباطن.
ثم قال: فما ثم حقيقة تخالف الشريعة، لأن الشريعة من جملة الحقائق، والحقائق أمثال وأشباه ، والشرع ينفي ويثبت.
فتقول: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، وهذا قول الحقيقة بعينه ، فالشريعة هي الحقيقة وأطال في ذلك.
وقال فيها أيضا: ومن جملة آداب الحق ما نزلت به الشرائع.
وقال: لما كان الأمر العظيم يجهل قدره ولا يعلم، ويعز الوصول إليه، تنزلت الشرائع بأداب التوصل؛ ليقبلها أولوا الألباب.
لأن الشريعة لب العقل والحقيقة لب الشريعة، فهي كالدهن في اللب الذي يحفظ القشر، فاللب يحفظ الدهن والقشر يحفظ اللب.
كذلك العقل حفظ الشريعة والشريعة تحفظ الحقيقة، فمن ادعى شرعا بغير عقل لم تصح دعواه، فإن الله تعالى ما كلف إلا من استحكم علقه، ما كلف مجنونا ولا صبيا ولا من خرف.  ومن ادعى حقيقة من غير شريعة فدعواه لا تصح. أهـ
ولهذا قال الجنيد رضي الله عنه : (علمنا هذا يعني علم الحقائق الذي نجا به أهل الله مقيد بالكتاب والسنة: أي أنه لا يحصل إلا لمن عمل بكتاب الله وسنة رسوله ، وذلك هو الشريعة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أدبني فأحسن تأديبي"، وما هو إلا شرع له، فمن تشرع تأدب، ومن تأدب وصل). أهـ ""
فلهذا قال عارف محمّدي: "خضنا بحرا وقف الأنبياء على ساحله" .
و هو بحر بيان أن الحقائق بلا صيانة الشريعة كحسين بن منصور و غيره، بخلاف الأنبياء عليهم السلام فإنهم الأقوياء في حفظ الباطن، و الأشداء في حب صيانة الأسرار، فلما كان الختتم في الخاتم أسوة حسنة.
فقيل: (و أما خاتم الأولياء فلا بدّ له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم )، هذا إعلام من رسول الله صلى الله عليه و سلم، و بشارة للشيخ رضي الله عنه بختم الولاية، و إن كان الذي رآه في سنة تسع و تسعين و خمسمائة بمكة هذا تأويل رؤياه لأنه صلى الله عليه و سلم قال : "من كان ختما لا بدّ أن يراه"
وهو رضي الله عنه قد رآه، (و لكن يرى في الحائط موضع لبنتين، و اللبن من ذهب )، و هو الصورة الولاية المحمّدية الختمية، و اللبن من فضة، و هي صورة شريعية التي أخذها من مشكاة خاتم الرسل، صلوات الله عليه و عليهم أجمعين، فيرى الصورتين :

أي صورة الولاية و الشريعة (على صورة اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ): أي 
الحائط الجامع للظاهر و الباطن، و إن شئت قلت: الجامع بين النبوة و الولاية لأن الحائط لا بدّ له من ظهر و بطن، فالنبوةظاهرة و الولاية باطنة، (و يكمل بهما: أي لبنة فضة و لبنة ذهب ذلك الحائط الناقص )، فلا بدّ أن يرى: أي خاتم الولاية المحمّدية نفسه تنطبع في موضع تلك اللبنتين، كما رأى خاتم النبوة صلى الله عليه و سلم من المناسبة التي بين الختمين، و هي ظهور الشعرة التي منه صلى الله عليه و سلم فيه رضي الله عنه، و صورة رجوع تلك الشعرة إلى أصلها، (فيكمل الحائط) به ظاهرا و باطنا، يضع اللبنة الفضة على ظاهر الحائط، و يضع الأخرى على باطنه لأنه حكيم يضع كل  شيء في محله .

ذكر رضي الله عنه في الفتوحات المكية في الباب الخامس و الستين :
لقد رأيت رؤيا لنفسي، و أخذتها بشرى من الله، فإنها مطابقة لحديث نبويّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام، فقال صلى الله عليه و سلم :
» مثلي في الأنبياء كمثل رجل يبني حائط فأكمله إلا لبنة واحدة، فكنت أنا تلك اللبنة، فلا رسول بعدي و لا نبي « 
فشبه النبوة بالحائط، و هو تشبيه في غاية الحسن، فإن مسمّى الحائط المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبنة، فكان صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين، فكنت بمكة سنة تسع و تسعين و خمسمائة أرى فيما يرى النائم: الكعبة مبنية بلبنة ذهب و فضة، لبنة ذهب، و لبنة فضة، و قد كملت بالبناء و ما بقي فيها  شيء، و أنا أنظر إليها و إلى حسنها، فالتفتّ إلى الوجه الذي هو الركن اليماني و الشامي، و هو إلى الشامي أقرب، موضع لبنتين لبنة فضة و لبنة ذهب، ينقص في الحائط في الصفين، في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهب، و في الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة، فرأيت نفسي قد انطبقت في موضع تلك اللبنتين، فكنت أنا عين تلك اللبنتين، و كل حائط لم يبق في الكعبة شي ء ينقص، و أنا عين تلك اللبنتين لا أشك في ذلك، و أنهما عين ذاتي، و استيقظت

فشكرت الله تعالى، و قلت متأولا إليّ في الاتباع في صنعي كرسول الله صلى اللّه عليه و سلم في الأنبياء عليهم السلام.
وعسى أن أكون ممن ختم الله الولاية بي، وما ذلك على الله بعزيز، وذكرت حديث النبي صلى الله عليه و سلم في ضربه المثل بالحائط، و إنه كان تلك اللبنة، فقصصت رؤياي على بعض   
علماء هذا الشأن بمكة، فأخبرني في تأويلها بما  وقع لي، و ما سميت له الرائي من هو، فالله أسأل أن يتمها عليّ بكرمه، فإن الاختصاص الإلهي لا يقبل التحجر و لا الموازبة و لا العمل، و إن ذلك من فضل الله يختص برحمته من يشاء، و الله ذو الفضل العظيم .
فإذا عرفت تاريخ هذه الرؤيا المكية و هو سنة تسع و تسعين و خمسمائة .
عرفت ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في فصوص الحكم في سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق.

أنه كان منه صلى الله عليه و سلم بشارة و إعلام أن الذي رأى بمكة هو عين البشارة و تصديق لتعبيره رضي الله عنه إياها، يعني قد صدقت في رؤياك كما رأى مثله خاتم النبوة و تعبيره إياها تعبيره إياها .
و هذا مصداق قوله صلى الله عليه و سلم" أليس لكم في أسوة حسنة؟" لحديث  رواه قتادة رضي الله عنه .

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
(و السبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، و هو موضع اللبنة الفضية و هو ظاهره و ما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ من الله تعالى في السر ما هو بالصورة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا و هو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه آخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى  الرسول، فإن فهمت ما أشرت إليه فقد حصل لك العلم النافع. فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، و إن تأخر وجود طينته فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه و سلم : » كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين«
، و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث .
و كذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله يسمى » بالولي الحميد« .
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسول معه، فإنه الولي الرسول النبي و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب .
و هو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه و سلم، مقدم الجماعة و سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة .  فعين حالا خاصا و ما عمم .
و في هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما يشفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين، ففاز محمد صلى الله عليه و سلم بالسيادة في هذا المقام الخاص فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسره قبول مثل هذا  الكلام. )

قال الشارح رضي الله عنه :
( و أمّا السبب الموجب لكونه رآها لبنتين، أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر )، و هو: أي اتباع الشرع (موضع اللبنة الفضة، و هو ظاهره ): أي ظاهر الخاتم.
(و هو ما يتبعه فيه من الأحكام ): أي صورة متابعته، و صورة ما يتبعه من الأحكام.
(كما هو أخذه عن الله تعالى في السرّ ما هو في الصورة الظاهرة متنبع فيه لأنه يرى الأمر ): أي حقيقة الأمر (على ما هو عليه في الواقع، فلا بد أن يراه): أي الحكم الذي قرره الشارع بعينه لأنه ينكشف له الأمر خفية و جلية، و يراه بعينه (هكذا) الذي يقع بين الاثنين .
قيل: إنّ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مجلس الإمام الأعظم الشافعي رضي الله عنه، سئل عن شيبان الراعي قدّس سره وكان أميا، مسألة في الزكاة أراد به الامتحان.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 2:56 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية    الجزء الخامس

فقال الشيخ: تريد وجه المسألة في مذهبك أو في مذهبي؟
ثم أجاب على الوجهين، و قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
إن العارف عارف بجميع المذاهب و الملل، فإنهم أخذوا من حيث أخذ الملك الرسول، فافهم .
فإنه من هذا الذوق الذي نحن بصدد بيانه، و هو: أي الرائي الشيخ رضي الله عنه (موضع اللبنة الذهبية في الباطن) لأنه يرى الغيب كالشهادة مكشوفا بلا لبس، و هو ممن ارتضى من رسول، بل وارث الرسول.
كما قال: لست بنبي و لا رسول، (فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول )، إنما قال رضي الله عنه ذلك لأنه في هذا المقام يثبت بهذا القدر و المساواة، بل السبق، و إلا أين الملك الكريم من الإنسان الكامل الذي على خلق عظيم، و هم قد اعترفوا بذلك حيث قالوا: "وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ" [ الصافات: 164]، و للخاتم كما للخاتم صلوات الله عليهما مقام : " إن لي مع الله وقتا لا يسعني فيها ملك مقرّب، و لا نبيّ مرسل ". و أنت صاحب المقام عمن لا مقام له .
و التنبيه على ذلك في الكتاب لكفاهم التنبيه من أولي الألباب قوله: "يا أهْل يثرب لا مُقام لكُمْ"[ الأحزاب: 13]،فختم الختم أولى بذلك الخطاب.
قال رضي الله عنه في الفتوحات:
لا يخلص من المقامات إلا الوارث المحمّدي الصرف، الذي أتاه الحكم بفصل الخطاب، و أوتي جوامع الكلم، و علم الأسماء كلها: أي المؤثرات في الكون و غيرها، و لم يستأثر فكل صيد في الفراء .
( فإن فهمت ما أشرت إليه) من أن أخذ الخاتم العلم من المعدن، و أخذ الأولياء العلم منه قاطبة، إنما قال رضي الله عنه ما أشرت به لأنه رضي الله عنه ما صرّح في الخاتم المساواة في الإفادة في بيان إفادة العلم، بل قال: سبقت لهذا العبد هذه المساواة، و لم يقل أي عبد .
( فقد حصل لك) بالفهم لهذا الأمر الواقع على هذه المثابة (العلم النافع )، و جعلك من الصديقين، بل ألحقك بالصدّيق الأكبر .
و بيان ذلك: إن من صادق العلم في ظنه كان نعته العلم في نفس الأمر، و هذا هو نتيجة الإيمان بالأنبياء عليهم السلام و هذا الذوق .
قال صلى الله عليه و سلم لشخص من الصحابة حين سأله عن أي آية في القرآن أعظم، فقال الرجل و أظن أنه أبي بن  كعب: آية الكرسي، فضرب صلى الله عليه و سلم على صدره وقال: " ليهنك العلم يا أبا المنذر"  يعني: أصبت و صادفت حقيقة الأمر .
وكيف لا إذا كان الفجر عن درك الإدراك إدراك؟
فكيف لا تكون الإصابة علما، و ما ظنك بالمصادفة؟ .

قال رضي الله عنه في الفتوحات: من صادق العلم في ظنه كما في نفس الأمر، فقد حصل له العلم في نفسه كما هو في نفس الأمر، و لا يكون ذلك إلا بإعلام الحق، و إعلام من أعلمه عند من يعتقد فيه أنّ الله تعالى و ما عدا ذلك فلا علم بغيب أصلا انتهى كلامه .
أما ترى أن الله مدح من يؤمن بالغيب و يعمل بمقتضاه، قال تعالى:" الّذِين يـؤْمِنون بالغيْبِ و يقِيمُون  الصّلاة" [ البقرة: 3].
فما أقاموها إلا من علمهم و تصديقهم بالغيب، فالأمر قائم بالصادق، و الصديق صاحب عيان، و صاحب إيمان، و ما وراء ذلك خسران و حرمان، فافهم إن هذا فصل الخطاب لأولي الألباب، فطوبى لهم و حسن مآب .

قال رضي الله عنه في الفتوحات: من قعد مع هذه الطائفة و لا يصدقهم فيما قالوه، يخاف عليه من سوء الخاتمة.
فإذا فهمت ما قرره رضي الله عنه علمت الأمر على ما هو عليه بإعلام صاحب أوسع الكشوفات، و الأذواق المحمدية، و ليهنك العلم .
( فكل نبيّ من لدن آدم إلى آخر نبي، ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، و إن تأخر وجود طينته فإنه بحقيقته موجود، و هو قوله : " كنت نبيا و آدم  بين الماء و الطين." 
ورد في الخبر الصحيح :  " أول خلق خلقة روح نبيك يا جابر "  و هو المعبر عنه بلسان الحقائق القلم الأعلى .
و ورد في الخبر بلسان الولاية : "أول شيء خلقه القلم، فقال له: اكتب؟ قال: يا رب ما أكتب؟ قال تعالى: مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، من مات على غير هذا فليس مني . " رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
و في رواية:" أول شيء خلقه الله القلم، فأمره فكتب كل  شيء يكون "
. رواه ابن عباس رضي الله عنهما، ذكرهما الأسيوطي في جمع الجوامع .
فأخذ الأنبياء عليهم السلام من هذا الروح المحمّدي المسمّى بالعلم الظاهر في الوجود بالوجود الكلي الممتاز عن الموجودات أزلا، فالأنبياء عليهم السلام يأخذون منه بحسب استعدادهم، و هو يعطيهم مقاديرهم بمقتضى ذواتهم بحسب أوقاتهم، و قابليتهم قبل الوجود، و عند الوجود، و بعد الوجود، و من لم يعتقد ما قلناه و قررناه بهذا النمط مات ميتة الجاهلية، و ليس منا المحمديين .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم أنه قال في آخر الحديث: »من مات على غير هذا، فليس مني« 
لأنه ما آمن بما جاء به كله بل آمن بما فهم، و كفر بما خفي عليه و لم يفهم، فإن كان خلى للصلح مجالا كان به أولى، فأوله برأيه المشئوم، و يحسب أنه في التنزيه، و هو كما قربه .

فإذا فهمت هذا السرد الذي سردته لك سردا سائغا، فاعلم أنّ نظير هذا الأخذ قد ثبت بالكشف أن الأولياء يأخذون من الغيب.
فمنهم من يأخذ من اللوح، ومنهم من يأخذ من القلم، ومنهم من يأخذ من تخطيط القلم، ومنهم من حركة التخطيط من القلم، و منهم من إجمال الدواة المعبر عنها بلسان الشرع بالنون .
قال تعالى: "ن والقلمِ و ما يسْطرُون" [ القلم: 1] .
فالأنبياء عليهم السلام أولى بهذا الأخذ القويم القديم، و قد ذكرت تفصيل الأخذ في الفص الآدمي في سر الولد الأكبر، و لا يعرفها إلا عارف أو مؤمن، كما يعرف أخذ الذرية من ظهر آدم حين أشهدهم على أنفسهم، و نحن نؤمن يقينا .
سئل شخص من العارفين، كأنه ذو النون قدّس سره عن علم الميثاق قوله : " ألسْتُ بربِّكُمْ" [ الأعراف: 172] فقال: كأنه في أذني الآن .
وآخر قال حين سئل عنه: سمعت سبعا من المواثيق .
و آخر قال: إنه صدق في كليات المواثيق أنها سبعة، وأما جزئياتها فغير متناهية، فأنا مؤمن بذلك كله .
فمأخذ الأنبياء عليهم السلام قبل وجودهم و بعد وجودهم وعند وجودهم من هذا المقام المحمدي الذي ختم به و يختمه، فافهم .
فإني قربت إليك الأمر البعيد لتفهم ولا تقف، إنّ أكثر من هذا البيان لا يمكن لي إنّ هذا إلا سحر يؤثر، هذا سحر حلال، و لا تتبع القيل و القال .
ورد في الخبر" إن الله ينهاكم عن كثرة السؤال، وإضاعة المال، وعن اتباع القيل ."
. رواه مسلم بن عبد الله بن سره عن أبيه رضي الله عنه، و نحن ما أخذنا هذه المعاني إلا من صاحب أوسع الكشوف .
ورد في الحديث : " إن هذا العلم دين فانظر ممن تأخذونه " .رواه أبو نصر السجزي في الإبانة، و الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه .
و في حديث أنس رضي الله عنه: "فلينظر أحدكم ممن يأخذ دينه، و على الله قصد السبيل"
( و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث) لأنه صلى الله عليه و سلم من حيث الروح و الحقيقة كان كليا، بل كلّا قائما بذاته، لذا المسمى بالروح الأعظم، و العقل الأول، و باصطلاح الحكماء بالعقل الكل، كالكلي الطبيعي.
فإنه موجود في الخارج عند الحليم بل إنه جوهر قائم بذاته، و قيوم لغيره بخلاف سائر الأنبياء عليهم السلام، فإنّ أرواحهم جزئية تابعة للأمزجة بحسب مزاجها، تقع الأبدان منها كلي في الجملة، و منها جزئي.
(و كذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء و الطين) :
و ذلك لكليته، و التفضيل كالتفضيل، »مولى القوم منهم، و العبد من طينة مولاه« .
و العبد مقداره في جاه سيده  فلا يزال بستر العز مستورا و قد قررناه غير مرة صريحا و كناية و إفهاما و إبهاما، و بكل وجه بل بأحسن الوجوه و أسناها .
إنّ الولاية باطن النبوة، والولي بطانة نبيه، وحسنة من حسناته، فإذا رجع الأمر إلى الباطن فيرجع الحكم إلى الباطن، و هو ظهور الكامل الكل بوحدة الحقيقة، و أي الحقيقة الكلية المتميزة عن الحقائق الجزئية علما و وجودا، فهي لخاتم النبوة باعتبار، و هي عين خاتم الخاتم باعتبار.
فإن ابتداء الخاتم انتهاء خاتم الخاتم، و الأمر بينهما لأنهما فاتحان و خاتمان لأمر العلم و الوجود، فظهرا في الوجود بكلتيهما، كما كان في العلم، و التفضيل كالتفضيل.

(وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية) التي هي تابعة للمزاج و بحسبه و ذلك لأنّ دورة العبودية في الخلافة تمت بعيسى عليه السلام، و فتح باب السيادة في الخلافة بمحمد صلى اللّه عليه و سلم.
و تحصيل الشرائط (من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها) بعد إن لم تكن بحسب السلوك و الرياضيات، كان شرطا في الولاية و النبوة بحسب القابلية المزاجية الطالبة صفة الكمال.
وذلك التخلق ( من كون الله تسمّى بالولي الحميد )، فأراد أن يتخلق بأخلاقه حتى يتسمّى وليا فيكون محمودا بذلك التخلق فإنه سمع أنه تعالى يحب أن يحمد فتخلق بالولاية ليحمد.
روي في حديث طويل: "و ما من أحد أحب إليه المدح من الله من ذلك وعد الجنة." . رواه مغيرة بن شعبة، ذكره في جمع الجوامع .

"" قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:  «ألا تعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنة» صحيح ابن حبان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ليس أحد أحب إليه المدح من الله، فلذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش». صحيح ابن حبان  ""
إنما قال(حميد )، و هو فعيل، فعم اسم الفاعل و اسم المفعول بالدلالة الوضعية عليهما، فهو الحامد المحمود لأنه صيغة مبالغة بمعنى: فاعل و مفعول، فإما أن يعطي الأمر الواحد بقرينة حال، و قد أثنى على نفسه .

( فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته الأنبياء و الرسل معه ): أي مع الرسل بأنّ أخذهم منه و هو باطنهم، و هكذا الأمر في الولاية، فإنها باطن النبوة و الرسالة، فمن حيث الظاهر يأخذ من الباطن لأنّ الباطن غيب يتنزل الأمر من الغيب إلى الشهادة، فإنّ الحقيقة الواحدة الغير المنقسمة لها اعتباران: ظهور و بطون .
فمن حيث الظاهر ختم على الظاهر المحمّدي، و من حيث الباطن ختم على الباطن المحمّدي، و الأمر ما خرج منها، فمن الظاهر مستفيض، و من حيث الباطن مفيض، بل هو الظاهر و الباطن، فيأخذ ظاهره من باطنه و لا غير، فافهم حتى تتخلص من شرك الوهم و قيده، و اعرف أنك ما تتخلص منه لأنه وضع إلهيّ ما يرتفع أبدا، إلا من أخلصه اللّ ه بمحض العناية و المنة لله تعالى.

فلما عرفت أنّ كل نبيّ ما أخذ من هذا العلم إلا من مشكاة خاتم النبوة، كذلك كل وليّ ما أخذ هذا العلم و ما رأى ما رآه إلا من مشكاة خاتم الولاية المحمّدية، و عرفت أنّ نسبة النبي الختم مع الأنبياء عليهم السلام: أي كما أنهم يأخذون منه،كذلك النبي الختم يأخذ من جهة الولاية من وليه الختم.

فأراد  رضي الله عنه أن يبين بأسمائهم و أسماء مراتبهم التي تأخذ و تعطي، و تستفيد و تفيد و تستفيض .
فقال: (فإنه ): أي خاتم الرسالة هو (الولي) من حيث الباطن، و هو جهة الاستفادة و الاستفاضة من خاتم ولايته، (الرسول النبي) من حيث الظاهر، و هو وجه الإفادة و الإفاضة من أحكام الشرائع و الدين.
(و خاتم الأولياء) أيضا، كذلك (الولي) الذي يفيد من هذا الوجه (الوارث) من الله.
إنما قلنا: (من الله) لسرّ ذكرناه في الخطبة في قوله: و لكني وارث (الأخذ عن الأصل )، كما فهمت إن فهمت تفصيلنا.
( المشاهد للمراتب) المتفرج المبتهج بنفسه و ذاته فإنه يرى مراتب العالم في نفسه نبيا و وليا، مؤمنا صديقا، و كافرا ملحدا، زنديقا حيوانا نباتا فلكا و ملكا، فافهم .

"" قال الشيخ الأكبر في الباب الثالث والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل ثلاثة أسرار :
مقامات تنص على اتساق ..... لأرواح منباة كرام
أفوه بها ولا يدري جليسي ..... لأن النور في عين الظلام
فلو لا ظلمة ما كان نور ..... فعين النقص يظهر بالتمام
إذا علم الإضافة من يراها ..... تقيد بالعقود وبالقيام
يرى أن الوجود له انتهاء ..... وأن البدء يظهر بالختام
فحال بين بدء وانقضاء ..... وجود لا يزال مع الدوام
اعلم أيدك الله أن العالم كله كتاب مسطور في رَقٍّ مَنْشُورٍ.
وهو الوجود فهو ظاهر مبسوط غير مطوي ليعلم ببسطه أنه مخلوق للرحمة وبظهوره يعقل ويعلم ما فيه وما يدل عليه.

وجعله كتابا لضم حروفه بعضها إلى بعض وهو ترتيب العالم على الوجوه التي ذكرناها وضم معانيه إلى حروفه مأخوذ من كتيبة الجيش.
وإنما قلنا في بسطة إنه للرحمة لأنه منها نزل كما قال تعالى: "تَنْزِيلٌ من الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ".
وقال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (23)" سورة الحديد
وقال تعالى في ذلك "كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" [ هود :1 ].
فأحكام الآيات فيه وتفصيلها لا يعرفه إلا من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب وصورة الحكمة التي أعطاها الحكيم الخبير لأهل العناية علم مراتب الأمور وما تستحقه الموجودات والمعلومات من الحق الذي هو لها.
وهو إعطاء كل شيء خلقه إعطاء إلهيا ليعطي كل خلق حقه إعطاء كونيا بما آتانا الله.
فنعلم بالقوة ما يستحقه كل موجود في الحدود ونفصله بعد ذلك آيات بالفعل لمن يعقل كما أعطانيه الخبير الحكيم.
فننزل الأمور منازلها ونعطيها حقها ولا نتعدى بها مرتبتها فتفصيل الآيات والدلالات من المفصل إذا جعلها في أماكنها بهذا الشرط.
لأنه ما كل مفصل حكيم دليل على أنه قد أوتي الحكمة وعلم أحكام الآيات ورحمته بالآيات والموجودات التي هي الكتاب الإلهي وليس إلا العالم دليل على علمه بمن أنزله وليس إلا الرحمن الرحيم.
وخاتمة الأمر ليست سوى عين سوابقها وسوابقها الرحمن الرحيم فمن هنا تعلم مراتب العالم ومآله إنه إلى الرحمة المطلقة وإن تعب في الطريق وأدركه العناء والمشقة.

فمن الناس من ينال الرحمة والراحة بنفس ما يدخل المنزل الذي وصل إليه وهم أهل الجنة.
ومنهم من يبقى معه تعب الطريق ومشقته ونصب بحسب مزاجه وربما مرض واعتل زمانا ثم انتقل من دائه واستراح وهم أهل النار الذين هم أهلها .
ما هم الذين خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم الله فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه ويقيمون فيه مع أهليهم.
وإنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله .
فهذا معنى الحكمة والتفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها ويعلمها الله سبحانه وعلى ما هي عليه في نفسها .
ويراها ويأمرها بالتكوين وهو الوجود فتتكون عن أمره فما عند الله إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال .
بل الأمر كله في نفسه وفي علم الله مفصل وإنما وقع الإجمال عندنا وفي حقنا وفينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا .
فذلك الذي أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب وليس إلا الرسل والورثة خاصة وأما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال .""
( فهو) في فتح هذا الباب (حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى اللّه عليه و سلم) .
بل هو إجابة دعائه صلى الله عليه و سلم حيث دعا : " اللهم بارك على محمد و على آل محمد،كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم".
و من بركته أنه فيه خاتم النبوة خير المرسلين، و هكذا من بركة آل محمد أن فيه خاتم الولاية المحمّدية خير الوارثين.
(مقدم الجماعة ): أي جماعة الأسماء الإلهية، أو جماعة الأنبياء عليهم السلام، أو الجماعة من آدم إلى الخاتم (و سيد ولد آدم )، و إن كان لسان مرتبته يقول :
و إني و إن كنت ابن آدم صورة  فلي فيه معنى شاهد بأبوتي فلهذا يقول في حديثه و لا فخر (في فتح باب الشفاعة الكبرى) .

قال رضي الله عنه في الباب العشرين و أربعمائة من الفتوحات :
و أما المقام المحمود فهو مقام الشفاعة في الشافعين عند الله أن يشفعوا من ملك، و رسول، و نبي، و ولي، و مؤمن.
(فعين حالا خاصّا )، إنه سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة، كما كان فتح باب  الوجود أعم لأنه ليس منهم و لا من جنسهم، و التنبيه عليه في الكتاب العزيز قوله تعالى: "ما كان مُحمّدٌ أبا أحدٍ مِنْ رجالكُمْ ولكِنْ رسُول اللّهِ وخاتم النّبيِّين وكان اللّهُ بكُل شيْءٍ عليماً" [ الأحزاب: 40] .
قال رضي الله عنه في الفتوحات: إنّ الله تعالى أراد بهذا النفي: أي ليس من جنسكم، أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم حيث يقول: " أنا سيد ولد آدم و لا فخر".
لما قال رضي الله عنه في رسالة القدس ذكر في المفاضلة بين الإنسان و الملك: إنّ التفاضل ما يقع إلا من جنس واحد، و الإنسان الكامل قد خرج أن يكون جنس العالم، فافهم .
و لأن المفاخرة لا تكون له في هذا، بل هذا تنزل عنه صلى الله عليه و سلم، كما يقول : " أنا  بشر مثلكم "
قال تعالى:"عزيزٌ عليْهِ ما عنتُّمْ حريصٌ عليْكُمْ بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] .

إشارة إلى أنّ (ما) في (عنتم) مصدرية: أي عنتكم و مشقتكم، حريص عليكم : أي أن تهتدوا بالمؤمنين رؤوف رحيم، و على هذا التنبيه أشار الحديث الشريف : " لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي "  الحديث . و في رواية : " لست كأحدكم"  الحديث .
( وفي هذا الحال الخاص ): أي في وقت الشفاعة (تقدم على الأسماء أيضا )، كما تقدم على (مظاهر الإلهية )، فإنه شفع قبل الرحمن، فإن (الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين) .
قال تعالى: "ما مِنْ شفِيعٍ إلّا مِنْ بعْدِ إذْنهِ" [ يونس: 3]، (فقال محمد صلى الله عليه و سلم بالسيادة في هذا المقام الخاص) المتصف بالتقدم على الأسماء الإلهية، (فمن فهم المراتب) إنها كلها لله رفيع الدرجات و المقامات، إنها كلها لظهور حقيقة الحقائق المسمّاة بالحقيقة المحمدية في إجمالها و تفصيلها.
(لم يحسر عليه قبول مثل هذا الكلام ): أي إنّ أخذ الكل من الختم لأن الجاهل بحقيقة الأمر يظن أن هذا كمال يثبت لغير الله و رسوله، و لا غير في جميع المراتب بل ظهورات حقيقة واحدة إجمالا و تفصيلا، و تفصلا و إجمالا و لكن هنا جزئية أخرى، فسأذكرها لك على سبيل الإشارة، قوله تعالى: "وإنّها لكبيرٌة إلّا على الخاشِعِين" [ البقرة: 45] لعلك أن تتذكر أو تخشى، و هي أنه كل تجلّ تأخر وجوده في الظهور، فإذا ظهر يتضمّن جميع 
ما مضى من التجليات و العلوم، فإن ... الآخر كل الأول مع الزيادة، و من هنا قيل: لو أقبل مقبل على الله ألف سنة، ثم أعرض عنه ساعة، فالذي فاته أكثر مما ناله .
من هنا برقت بارقة أن الولاية الطامة أتم من النبوة التامة لأنها آخر الدورة من التجليات الكمالية، وانختم الأمر بها، فافهم  .
و ذلك لهذا السر الذي أو مأت إليه، فافهم و لا تكن الغليظ القدم الأبهم، فإن أمثال هذه الأسرار من لسان الحقائق، فلا تتقيد .

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
(وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، و يعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني، و إما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، و هي عطاء إلهي فإن العطايا الإلهية، لا يمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء .
فتارة يعطي الله تعالى العبد على يدي الرحمن، فيخلص العطاء من الشرب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض و ما أشبه ذلك .
و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم . أوعلى يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت .
أو على يدي الوهاب فيعطي لينعم و لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له فينظر في الموطن و ما يستحقه .
أو على يدي الغفار فينظر في المحل و ما هو عليه فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره، عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما و معتنى به و محفوظا . وغير ذلك مما يشاكل هذا النوع) .

قال الشارح رضي الله عنه:
فلما جعل رضي الله عنه المنح و العطايا على قسمين: ذاتية و أسمائية، و فرغ من بيان الذاتيات و أحكامها، فأراد أن يذكر أحكام المنح الأسمائية.
فقال : ( و أما المنح الأسمائية ): أي الصادرة من الأسماء، و حضرات العطايا الأسمائية كثيرة، كالوهب و الجود و الكرم و السخاء و الإيثار، و هو عطاء الفتوة، و سيجي ء بيانها في المتن .

و عجّلت إليك أيها الطالب بذكر هذا التفصيل :
فالوهب: عطاء بمجرد الإنعام، و هو الذي لا يقترن به طلب معاوضة، و لا يريد جزاء و لا شكورا .
و الكرم: عطاء بعد السؤال .
و الجود: عطاء قبل السؤال .
و السخاء: عطاء بقدر الحاجة .
و الإيثار: عطاء ما هو   المعطي محتاج إليه في الحال و الاستقبال .
و لكل عطاء اسم إلهي إلا الإيثار، و هذا العطاء من أغمض الأعطيات و المنح، و أصنعها تصورا في الإلهيات .
قال رضي الله عنه في الفتوحات : إن هذا الذي يسمّى إيثارا يمنعه جميع الناس، إلا نحن نقول به، و ما رأينا أحدا أثبت هذا في الإلهيات، و ما يثبته إلا من علم معنى اسمه الغني. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و كيف لا؟! و قد ظهر لأرباب الشهود، و صرّح به أصحاب الوجود، إنه ما من شي ء في الوجود إلا له استناد إلى أصل إلهيّ، و هو نظيره في الإلهيات، و الله مستند ذلك الفرع بل هو  كله بهذا هو مد الظل .

فالإيثار الذي في الكون يطلب الاستناد و لا بدّ، فما يكون و كيف تصوره في الإلهيات، فاعلم أنه ثبت في الصحيح أن العبد يصل بالاتباع: أي باتباع السّنة إلى مقام المحبة، كما جاء في الأثر : "فاتبعوني يحببكم الله"  
ومن المحبة إلى مقام قرب النوافل حتى تكون هوية الحق عين قواه من مقام: " كنت سمعه و بصره " ، وهو سبحانه غني لذاته الذي لا يمكن إزالته عنه، فإذا أقام العبد في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغنى عنه وعن كل شي ء لأن هويته هي أعيان قوى هذا العبد المغتني المقتني.
وليس ذلك في تقاسيم العطاء، إلا الإيثار فقد أثر عبده بما هو له، و لما كان الإيثار فضلا يرجع إلى المعطى المؤثر كان الحق سبحانه أحق بصفة الفضل، فعطاء الإيثار أحق في حق الحق، و أتم في حق الخلق، فافهم .
و إذا عرفت هذا اعلم أن المنح الأسمائية: أي المنح الأسمائية و عطائها (خلقه رحمة منه بهم )، بل من حضرة المنح و العطايا أوجد العالم، و أنزل النواميس و الشرائع، فهي الخير المحض بما فيها من الأمور المؤلمة المنازعة، لا يتعلق به الأعراض النفسية التي خلقها الله بالرحمة، كخلق الأدوية الكريمة البعضية للمزاج الخاص، و أغرب من ذلك أن المزاج الصحيح المعتدل بخروجه عن الاعتدال، و وقوعه في الانحراف و المرض، قد يلتذ بأكثر من صحيح المزاج، كمن يلتذ بالحكاك قريب الإنزال، و يعرف ذلك من ذاقه و جربه، إنه يمكنه أن يدرك مطلوبه بأمر غير ملائم المزاج، فافهم .
فهذا كله عطاء إلهي كلا نمد هؤلاء، و هؤلاء أصحاب الجنة، و هؤلاء أصحاب النار، من عطاء ربك، فعم الجميع معاختلاف الأذواق، و ما كان عطاء ربك محظورا: أي ممنوعا لإحدى الطائفتين، واحد يريد اللذة في الجنان فأعطاه سؤله، وآخر يريد العذوبة في العذاب، و اللذة في النيران فأعطاه سؤله.

ومن هذا الذوق ما ذكر الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات عن أبي يزيد الأكبر قدّس سره أنه قال :
و كلّ ما ربي قد نلت منها سوى ملذوذ وجدي في العذاب ما أراد قدّس سره المحن بل أراد المنح على خرق العادة، فعلمنا أن كله من عطائه، و هو عين الرحمة قد سبقت و عمّت و وسعت كل  شيء من مكروه عادة، و غير مكروه، فافهم .
( و هي كلها من الأسماء الإلهية ): أي كل المنح من الأسماء، و لا يخرج من الله الحكيم إلا بواسطة سادة و خادم، لا من حيث الذات، بل الباعث فيه اسم من الأسماء يطلب منه عين من الأعيان ذلك  المطلوب .
فذلك الاسم رب لتلك العين، مستشفع إلى الله تعالى، فإنه حكيم كريم يعطي كل ذي حقّ حقه، (فأما ): أي تلك الرحمة (رحمة خالصة) من الكدورات الطبيعية، ( كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة) .
قال تعالى: "قلْ هِي للّذِين آمنوا في الحياةِ ُّ الدنيا" [ الأعراف: 32]، ممزوجة بالأكدار و الغصص، و هي لهم في الآخرة طيبة مخلصة من الأكدار، سواء كان من كدورة الاشتراك أو غيره، فإن النفس لا تقبل الشرك في أمر بل تريد التفرد في الكمال، أما ترى قول سليمان عليه السلام أنه سأل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فإنه من هذا المقام، فافهم .
( و يعطي ذلك الاسم ): أي النوع من الرحمة الخاصة الرحمن، (فهو عطاء رحماني) من رحمة خالصة مختصة في الدنيا و الآخرة، كما قال تعالى: "هذا عطاؤُنا فامْننْ أوْ أمْسِكْ بغيْرِ حِسابٍ "ص: 39]: أي لا حساب عليك في ذلك .
هذا هو العطاء الرحماني، و هو في الدنيا لذّة بلا منغصة، و في الآخرة لا حساب عليه ولا منغصة، هذا عطاء غير مجذوذ، فافهم.
( و أما رحمة ممتزجة )، قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام أنه قال لأبيه آزر : "يا أبتِ إنِّي أخافُ أنْ يمسّك عذابٌ مِن الرّحْمنِ فتكُون للشّيْطانِ وِليا" [مريم:45]

فلا يكون عذاب من الرحمن إلا من الرحمة الممتزجة لأنه منذر منه، و » كُلٌّ  يعْملُ على شاكلتهِ « ، (كشرب الدواء، و الكريم الذي يعقب شربه الراحة )، و زوال ما يتلائم بحسب المآل، قال تعالى: "وعسى أنْ تكْ رهُوا شيْئاً وهُو خيْـرٌ لكُمْ " [ البقرة: 216].
( و هو عطاء) أسماء (إلهي) و إنما قلنا: إنّ كلها من الأسماء: أي لا يكون ظهور تلك الرحمة إلا على يد اسم من الأسماءالإلهية هذا تعليل لقوله: (و هي كلها من الأسماء )، (فإنّ  العطاء ): أي لأنّ العطاء الأسمائي (الإلهي لا يتمكن إطلاق عطائه منه ): أي من الحق سبحانه (من غير أن يكون على يد سادن ): أي خادم يخدمه لأنّ في مفهوم العطاء إخراج شيء لشيء، و ذلك لا يكون لذاته بذاته لأنّ الذات من حيث هي لا تقتضي أمرا بل الاقتضاء و الاقتضاء فيها سواء، و كيف لا و قد قلنا الذات بلا اعتبار، و الاقتضاء من الاعتبارات بل الذات من هذا الاعتبار متنزهة عن الإدراك، و كيف إدراك الاعتبارات فيها لا يقع العطايا و المنن على البرايا؟ .
و ذلك (سادن من سدنة الأسماء ): أي خدمها لأنها خدم ذات مرتبة الألوهية، و عندها خزانة كل  شيء، كقوله تعالى: "وإنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائنهُ" [ الحجر: 21] .

و هي كالوهاب، و المنعم، و الكريم، و الجواد، و السخي، و المقيت لأنّ المقيت حضرة تعين أوقات الأقوات الروحانية و الجسمانية، و موازينها و تقديرها بحسب طلب الأعيان، (فتارة يعطي الله العبد) تلك الرحمة الممتزجة .
( على يد الرحمن، فيخلص ): أي يخلص الرحمة الممتزجة (من الشوب الذي لا يلائم الطبع و المزاج )، كشرب الماء البارد في العطش الكاذب فإنه ضرر في المآل، و مطبوع (في الوقت) و الحال، (أو لا ينيل الغرض ): أي مخلص من الشرب الذي يمنع إنالة الغرض المشتهي بإعطاء التوفيق، و هو جعل الأسباب موافقة في التسبب.

( و ما أشبه ذلك من الأمثال) التي هي موجبات ما يعطي الهناء العاجل، و ترفع موانع الوصول إلى حصول الغرض العاجل و الآجل .
وعلى الجملة أنّ الرحمن تارة يخلص العطايا من شرب المكروه، إما عاجلا كما في ملائم الطبع والغرض، و إن كانت فيها عائلة في الآخرة، فإنه يملي لهم برحمته إياهم في هذه الدار، و استدراجه بهم للطف الخفي كما قال تعالى: "سنسْتدْرجُهُمْ مِنْ حيْثُ لا يعْلمُون" [ القلم: 44] .
لأنّ الإنسان خلق هلوعا جزوعا، حريصا شحيحا، ظلوما جهولا كنودا، فالحكمة اقتضت المسايسة بالرهبات و الرغبات .
و إما آجلا، كالصبر على البلايا للمجازاة الأخروية، فإنّ الصبر من عطايا الرحمن، و إما فيها كما مرّ في الرحمة الخالصة في الدنيا والآخرة، فافهم.
( و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم )، كما قال الله تعالى: "واللّهُ واسِعٌ عليمٌ"[ البقرة: 247]: أي واسع بعموم الرحمة، فلا يخلص من الشوب، فيكون حكمها الامتزاج في العاجل و الآجل .
فلما جاء الغضب في الوجود وجد الرحمة قد سبقته، و لا بدّ من وجوده، فكان مع الرحمة كالماء مع اللبن إذا شابه و خالطه، فلم يخلص الماء من اللبن، كذلك لم يخلص الغضب من الرحمة .

أما ترى أبا يزيد قدّس سره لما سمع القارئ يقرأ: "إنّ بطش ربِّك لشدِيدٌ" [ البروج: 12].
فقال: "بطشي أشد" لأنّ بطشه غير مخلوط بالرحمة، فالضار يكون نافعا في ضرره، و المانع معط في منعه .
و يشير إلى ذلك المقام سيدنا سيد العارفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض مناجاته: اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته، و اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نعمته، ذكره في نهج البلاغة .
أو (على يد الحكيم، فينظر في الأصلح في الوقت) .
و قد ورد: "إنّ الحقّ إذا أحبّ صورة عبده في دعائه إياه أخّر الإجابة عنه حتى يتكرّر عنه ذلك حبّ ا فيه لا إعراضا عنه فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها."

. و ورد في الحديث القدسي أنه تعالى قال : "إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى و لو أفقرته لأفسده ذلك"  الحديث. 
قيل عن أنس رضي الله عنه أنه كان يقول"إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى فلا تفقرني ".
فإن كان من الكشف فهو منه و هو أهله، و إلا هو غني محمود مقبول، ثم اعلم أنّ الرحمن أعطي العالم الوجود، أولا عموما، و هو الخبر الخالص، ثم لم يزل يعطي ما يستحقه الوجود مما به قوامه و صلاحه بحكمته البالغة، كان ما كان، فهو صلاح في حقه .
فما ثم إلا خير، سواء سر أو أساء، فالسرور هو المطلوب، و قد لا يجئ إلا بعد إساءته لما يقتضيه مزاج ذلك التركيب، قال ذائق :
في الخلق من لا يرتجي نفعه      ..... إلّا إذا مسّ بإصرار
كالعود لا يطمع في غرفه      ...... إلّا إذا أحرق بالنار
(أو على يد الواهب فيعطي لينعم، لا يكون مع الواهب تكليف المعطي له بعوض على ذلك من شكر أو عمل) .
في قوله تعالى: "لا نريدُ مِنْكُمْ جزاءً ولا شُكُورًاً " [ الإنسان: 9] .
أو على يد الجبار، فينظر في الموطن و ما يستحقه إن كان موطن الجبر كما في المنكسرة القلوب، فيخبرها وهو جبار .
ورد في الحديث القدسي أنه قال تعالى: " أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ."
و إن كان موطن الجبارين المتكبرين، فيكسر صورتهم بوضع القدم عليهم، كما في الحديث الشريف .

يقول المعطي له: (قط قط حسبي حسبي كفى كفى) .
و كما قال النائب القطب الذي له قدم صدق: (إنّ قدمي على رقبة كل وليّ صاحب كبرياء و جبروت) .
فإنّ هذا عطاء من هذا الخبر من هذا المقام، (أو على يد الغفار فينظر المحل و ما هو عليه، فإن كان على حال يستحق العقوبة، فيستره عنها) حتى لا يراها دنيا أو آخرة أو فيهما.
(أو على حال لا يستحق العقوبة، فيستره عن حال يستحق العقوبة )، إما بالعصمة (فيسمّى ): أي صاحب العصمة (معصوما )، و يسمّى (معتنى به و محفوظا كالولي) .
( و غير ذلك مما يشاكل هذا النوع كثير ): أي من السدنة فإنها كثير بل غير متناه كالعقور، فإنه صيغة مبالغة في الغفران لعمومها، فهي رجاء مطلق للعصاة على طبقاتهم، ذكره رضي الله عنه في الفتوح .

و كالمانع فإنه سدنة الرحمن، (فالمعطي) كما قيل :
إذا ما قلت لم تعطا      ..... فقد أعطيت لم تعطا
فلا تكذب ولا تجحد      ...... فإنك لم تزل تعطا 
فإن أمسك إلا ليعطيك سؤالك، راقب علمه بالمصالح فيك، تجد ما قلنا إنه رقيب حكيم، فإذا عرفت هذا عرفت أنّ منعه قد ملئ عطاء، و ما ثمّ إلا عطاؤه، و لكن بصورة منع، و منع بصورة عطاء، يقول الله تعالى: "وما كان عطاءُ ربِّ ك محْظورًاً" [ الإسراء: 20] .
فمن كان منعه عطاء، فذلك هو الجواد، بل حضرة المنع أنت، فإنّ الجود مطلق و الوهب عام تام، فالمنع منك بعدم قبولك إياه لأنه لا يلائم مزاجك، و لا يقبله انحرافك، فمنعه تابع امتناعك بل هو عينه، هذه خيرة العبد التي اختار لنفسه: "و ربُّك يخْلقُ ما يشاءُ ويخْتارُ ما كان لهُمُ الخِيرُة" [ القصص: 68] .
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء السادس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 3:00 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء السادس .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية    الجزء السادس
فأعطي المانع كما يمنع المعطي، و كذلك الضّار، فإنه قد يكون النفع منه عين زوال الضرر خاصة، فالضّار قد يجلب النفع، فوقع الضّار نافعا، فعطاؤه كله نفع غير ضرر.
غير أنّ المحل في وقت يجد الألم لبعض الأعطيات، فلا يدرك لذّة العطاء و لا يعلم ما فيه من النفع الإلهيّ، فيسميه ضارا من أجل ذلك، و ما علم أنّ ذلك من مزاجه القابل لذلك، لا من العطاء .
أما ترى أنّ العسل شفاء للناس، و مع هذا يضرّ بالصفراوي لعدم قبوله، فما من الله إلا الخير المحض كله، و الشر ليس إليه بل إنّ جميع ما يلحق الإنسان نعمة الله و امتنان، حيث اختصه بالامتحان، فإنه لو أهمله لكان أبلغ في الهوان و أدخل في الخسران و الحرمان.

كما قيل :
لئن ساءني أن نلتني بمساءة    ...... لقد سرّني أني خطرت ببالكا
مع أنه ورد في الحديث أنه قال صلى الله عليه و سلم :"والله الذي لا إله إلا هو ما قدّر الله لابن آدم من قدر إلا هو خيرله".
. و في رواية : "و من قدر في الأرض" الحديث . 
أو نقول في قوله رضي الله عنه و غير ذلك، كما يستر الذنوب حتى لا يكون بالنسبة إليه ذنبا كالمضطر، يجوز له ما يحرم على غيره، فستره الذنب عن أن يعقه جرح لسان المدام .
و كما ورد في أهل بدر : " افعلوا ما شئتم فإنه غفر لكم " .
قال المصنف رضي الله عنه :
(والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر."أعْطى كُلّ شيْءٍ خلْقهُ" [ طه: 50] على يدي الاسم العدل و أخواته.)
قال الشارح رضي الله عنه: (و المعطي) في جميع ما ذكرناه (هو الله )، الجامع لما كان في القوة الاسم الله، بالوضع الأول  كل اسم إلهي بل كل ما يكون عن مسمّاه أثر في الكون تاب مناب كل اسم لله تعالى .
فإذا قال قائل: يا الله، فانظر في حالة القائل التي بعثته هذا النداء، أو انظر أي اسم إلهيّ خاص بتلك الحالة، فذلك الاسم الخاص هو الذي يطلب هذا الدّاعي، بقوله: يا الله لأنّ الاسم الله، بالوضع الأول إنما سماه ذات الحق، وبيده ملكوت كل شيء فهو مرتبة الألوهة.
فلهذا ناب الاسم الدال عليها على الخصوص مناب كل اسم إلهيّ، فالخازن هو الله و خدامه و سدنته الأسماء (فهو من حيث هو خازن لما عنده من خزائنه) .
قال الله تعالى: "وإنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائنهُ وما ننزلهُ إلّا  بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21] .
اعلم أنه ما من شي ء أوجده الله تعالى في العالم إلا و له أمثال في خزائن الجود، و هذه الخزائن قد تكون في كرسيه، و  كرسيه علمه بل الكرسي لغة عبارة عن العلم، كما قال تعالى:"وسِع  كُرْسِيُّهُ السّماواتِ والْأرض" [ البقرة: 255]: أي علمه .


قال الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة من الفتوحات:
فهذه الأمثال التي تحتوي عليها هذه الخزائن لا تتناهى أشخاصها، فالأمثال من كل يوجد في كل زمان فرد في الدنيا والآخرة دائما أبدا .
والخزائن تعلو أو تسفل، فأعلاها كرسيه، و أدناها خزنته الإنكار في البشر، وما بين هذين خزائن محسوسة و معقولة بل  كلها عند الله فإنها عين الوجود، بل كلها هو الكرسي لأنه علم الله في العالم بالعالم، فالخزائن منحصرة بانحصار أنواع المعلومات و مرجعها و إن كثرت إلى خزانتين: خزانة العلم بالله، و خزانة العلم بالعالم .
وإن شئت قلت: خزانة العلم بالأنفس، و خزانة العلم بالآفاق .
و قد نبه تعالى عباده في كتابه العزيز أن عنده خزائن كل شيء، والخزائن يقتضي الحصر، و الحصر يقتضي التقييد .
ثم بين أنه ما ينزل شي ء منها إلا بقدر معلوم، و بوقت معلوم.
فقال رضي الله عنه: (فما يخرجه إلا بقدر معلوم ): أي بوقت معلوم، فمقدار معلوم في الدنيا بحسب طلب الأعيان، و قدر ما و هو قدر معلوم له تعالى في الأزل، إنما قال بحسب طلب الأعيان إذ لا يقبل منه قابل إلا ما هو عليه في نفسه من الاستعداد، فيحكم باستعداده على مواهب خالقه، فلا يعطيه إلا ما يقتضيه طلبه في الدنيا و إنما قلنا في الدنيا .

لأنّ الشيخ رضي الله عنه ذكر في الباب السادس و الثلاثين و خمسمائة من الفتوحات:
إنّ هذا حكم في الدنيا، فإذا كان في الآخرة عاد الحكم فيما يحوي عليه هذه الخزائن التي عند الله إلى العبد العارف، الذي يحمل الله سعادته، فيدخل فيها متحكما فيخرج منها ما شاء بغير حساب، ولا قدر معلوم بل يحكم ما يختار الوقت .
وهو أنه يعطي التكوين في الآخرة، و يكشف له أنه عين الخزانة التي عند الله، فإنه عند الله، و "ما عِنْد اللّهِ باقٍ" [ النحل:96] .
فكل ما حظر له تكوينه كونه، فلا يزال في الآخرة خلافا دائما، و يرتفع عليه التقدير والتحجير.
قال رضي الله عنه: (إنه لا يخرجه القدر إلا بقدر معلوم ) أي في وقت معلوم، أو مقدار معلوم، فلا يستبطئ أحد، ولا يقنط في إجابة دعائه.
و يثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه و سلم، يردد آية:" إنْ تعذبْـهُمْ فِإنّـهُمْ عِبادُك وإنْ تغْفِرْ لهُمْ فِّإنك أنت العزيزُ الحكِيمُ" [ المائدة: 118].
فإنه صلى الله عليه و سلم سأل ربه إلحاحا منه على ربه في ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها، و لم يعدل إلى غيرها و ذلك لعلمه بأنه لو لا وفق الله عبده بالعطايا ما وفقه بسؤاله، فافهم .

قال رضي الله عنه: (إنه لا يخرجه القدر إلا بقدر معلوم ): أي في وقت معلوم، أو مقدار معلوم، فلا يستبطئ أحد، و لا يقنط في إجابة دعائه، و يثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه و سلم، يردد آية:”إنْ تعذبْـهُمْ فِإنّـهُمْ عِبادُك وإنْ تغفِرْ لهُمْ فِّإنك أنت العزيزُ الحكِيمُ " [ المائدة: 118].
فإنه صلى الله عليه و سلم سأل ربه إلحاحا منه على ربه في ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها، و لم يعدل إلى غيرها و ذلك لعلمه بأنه لولا وفق الله عبده بالعطايا ما وفقه بسؤاله، فافهم .
( على يدي )، واليدان عبارة عن تقابل الآثار، والطبيعة لا تتأثر إلا مما يناسبها، وهي متقابلة، فجاء باليدين متقابلة فيهما،أعطي ومنع، وفرق وجمع، وبهما جمال وجلال، وإدبار وإقبال، (اسم خاص بذلك الأمر فـ "أعْطى كُلّ شيْءٍ خلْقهُثمّ هدى" [ طه: 50] )، و بين أنه أعطى العالم وجوده عطاء امتنانيا، و أعطى كل موجود خلقه عطاء وجوبيا .

قال تعالى: " كتب ربُّكُمْ على نفْسِهِ  الرّحْمة" [ الأنعام: 54] .
فرحم الخلق بإعطاء ما يطلبونه منه تعالى، وما فصّلنا هذا التفصيل لأنه رضي الله عنه في حضرة العطاء في الفتوحات :
فصّل العطاء منه واجبا و امتنانا، فالعطاء الامتناني منه كالنوافل منا، و العطاء الوجوبي كالفرائض من العبد لأنه قال تعالى على لسان رسوله : "إنه كتب على نفسه الرحمة"

وقال:" فعّالٌ لما يريدُ " [ البروج: 16]، و كما قال: "وعلى اللّهِ قصْدُ السّبيلِ" [ النحل: 9] .
( على يدي اسم العدل )، ورد في الخبر الصحيح : "بالعدل قامت السماوات و الأرض".
وإن كان العدل هو الميل والانحراف، ولكن أحد الجانبين الذي يطلبه الحكم التابع للمحكوم عليه.

ومن هذه الحضرة خلق العالم على صورته، و من هنا كان عدلا لأنه عدل من حضرة الوجوب إلى حضرة الإمكان، و كذلك عدل بالممكنات من حضرة ثبوتهم إلى وجودهم، فأوجدهم بعد أن لم يكونوا، بكونه جعلهم مظاهر، و بكونه كان محلّا لظهور إمكانهم .
و هذا كله من خزانة العدل، و منها يقسم الله العدل في العالم بين عباده، و حظ الكامل منه أنه إذا كشف الله عن ذاته، فرأى جميع العالم في حضرته، و رأى رقائق بينه و بين كل جزء من العالم، فحمد يحسن إلى العالم من نفسه على تلك الرقائق.
فيعطي على حكم الأصل كل ذي حقّ حقه، كما أعطي الأصل كل شي ء خلقه، فيوصل الإحسان لكل ما في العالم بهمته من الغيب، كما يوصله الحق من الأسباب لكل برّ و فاجر، فيجهله العالم ذلك الإحسان من الكامل لأنه لا يشهده في الإحسان كما يجهل الحق بالأسباب .
فيقال: لولا كذا ما كان كذا، فإذا حققت النظر في الوجهين الحقي و الخلقي، فما أحسن أحد إلا لنفسه، و التنبيه على ذلك من جهة العبد، قوله سبحانه: "إنْ أحْسنْتمْ أحْسنْتمْ لِأ نْـفُسِكُمْ وإنْ أسأْتمْ فلها فِإذا جاء  وعْدُ الْآخِرةِ ليسُوُؤُا وجُوهكُمْ وليدْخُلوا المسْجِد كما دخلوهُ أوّل مرٍّة وليتِّبـروا ما علوْا تتْبيرًاً " [ الإسراء: 7] .
وكذلك ورد عن سيدنا علي المرتضى، كرم الله وجهه أنه قال :"ما أسأت إلى أحد أبدا، قالوا: صدقت، ثم قال: و ما أحسنت إلى أحد أبدا، فقالوا: وأما الإحسان فقد أحسنت إلينا، فقرأ قوله تعالى: "منْ عمِل صالحاً فلنفْسِهِ ومنْ أساء فعليها وما  ربُّك بظلّاٍم للْعبيدِ" [ فصلت: 46]«
وأما من جهة الحق هو إشارة إلى قوله تعالى: ألا إلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ [ الشورى: 53]، فلا يقع الأمر إلا منه و إليه، (و أخواته) كالمقسط .



قال المصنف رضي الله عنه :  (وأسماء الله و إن كانت لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها و ما يكون عنها غير متناه و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء .
وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب و الإضافات التي تكنى عنها بالأسماء الإلهية .
والحقيقة تعطي أن تكون لكل اسم يظهر إلى ما لا يتناهي، حقيقة تتميز بها عن اسم آخر، وتلك الحقيقة التي بها يتميز الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك .
كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى وسبب ذلك تميز الأسماء.
فما في الحضرة الإلهية لا تساعها  شيء يتكرر أصلا هذا هو الحق الذي يعول عليه.)

قال الشارح رضي الله عنه :
( و أسماء الله و إن كانت لا تتناهى ): أي من حيث الجزئيات (لأنها تعلم) هذه علة عدم التناهي للأسماء، فإنها تعلم (بما يكون عنها )، ويوجد منها على الأحيان، (وما يكون عنها غير متناهية).أي أنّ معلوماته المتأثرة منه لا نهاية لها من حيث جزيئاتها، وهي معلومة لنا، وكل متأثر مؤثر خاص، ولا بدّ و ذلك لأن الواحد لا يصدر إلا من الواحد، وهذا الواحد غير الأول لأنه لا تكرار في التجلي .
فاستدل بعدم تناهي المتأثرات عدم تناهي المؤثرات التي هي الأسماء الإلهية، فهي غير متناهية، (وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمّهات الأسماء) :
كالأسماء السبعة المسمّاة بالأئمة السّبعة، و كالأسماء التسعة و التسعين كما هو المشهور .
و هكذا المعلومات و الحقائق الكونية، و إن كانت غير متناهية ترجع إلى أصول متناهية، و هي الأجناس و الأنواع و الأصناف مع عدم تناهي الأشخاص، فهي في الأسماء تسمّى أمّهات الأسماء، (أو حضرات الأسماء) .
و المعنى يقارب، و لكن في الأولى يريد بأن الأسماء تنتج بعضها من بعض، (و على الحقيقة ): أي في نفس الأمر، (فما ثمّإلا حقيقة واحدة )، و هي ذات معرّاة من جميع القيود و النسب، حتى عن قيد التعري أيضا، (تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية) .
و بالقول و الذهاب بالحقيقة الواحدة تتفضّل أهل الكشف عن أهل النظر و الفكر، و يمتاز أرباب التحقيق عن أصحاب التدقيق، كالسوفطائي فإنه يرى الأشياء إضافات و نسب، كالأوهام و الخيال كما يرى النائم، و هذه الأقاويل به إلا من أشهد هذا المشهد و قلبه مطمئن بالإيمان .
و من هذا المشهد قول الصدّيق الأكبر رضي الله عنه " ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله قبله".

"" إضافة المحقق : قال الشيخ الباني: واعلم أن القرب، والبعد ليس إلا في الحجاب.

وأما الحقيقة فلا قرب فيها ولا بعد، فالله تعالى لا يدومه قرب؛ لأنه لو كان هكذا لكان القرب سببا لشهوده، وليس كذلك.
بل هو مناف لشهوده لكونه وصفا ثبوتيا مع أن إثبات القرب له تعالى فيه شرك كما لا يخفى، والشرك وإثبات شيء معه ينافي الشهود؛ لأن حصوله عند اضمحلال الرسوم والقرب منها.
وكما أنه لا يدومه قرب كذلك لا ينتهي إليه وجود؛ لأن المنتهي للوجود مغاير له، والمغايرة تقتضي الإثنينية وهي منافية للشهود.لأن نور شهود الجبار في جميع الأغيار.
فإن قيل :هذا مخالف للنص حيث قال الله تعالى : "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" [ق:16]، وغير ذلك مما ذكرنا.
فالقرب الإلهي لا خفاء به قلنا: ثبوت القرب الإلهي لا يتحقق إلا في مقام الفرق؛ لأنه القائل للتعدد والرسوم، والقرب رسمي، كما عرفت ويحتاج إلى الاثنين.
أي: العبد والحق بخلاف الجمع والمحو فإن فيه وحدة صرفة لا قرب ولا متقرب ولا متقرب إليه.

فلا يلاحظ القرب إلا في الحجاب وأدناه أن نرى آثار نظرك إليه تعالى في كل شيء بأن يكون نظرك إليه تعالى الغالب عليك من معرفتك ذاك الشيء، وأقدم منها فلا ترى شيئا إلا وترى الحق قبله رؤية ناشئة من رؤيتك ذلك الشيء.
وهو أدنى مراتب مقام القرب فهو أنت ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله أي: قبل معرفة ذلك الشيء.
ومنهم من يقول: بعده.
ومنهم من يقول: معه.
ومنهم من يقول: ما رأيت شيئا غيره ولا يعرف القرب إلا بالوجود.
أي: بوجود الأحوالات السنية، والمواعيد الربانية يعرف محصول القرب له لا بالبعد؛ لأن المتأخر لا يكون سببا للمتقدم، والبعد متأخر عن القرب.
لأن معرفته سابقة عن معرفة البعد.
لأنه إذا وجد السالك التجلي العرفاني تحدد له حال أشرف من الحال الذي كان عليه قبل التجلي فيعلم أن هذا الذي كان عليه قبل هو البعد بما حصل له من القرب فعلى هذا البعد يعرف بالقرب.
والقرب يعرف بالوجود لا بالبعد، وبه صرح صاحب المواقف في المواقف.

وأما القرب الذي يعرفه الحق أي: المطلق عن الحصر فهو له تعالی ليس للعبد دخل فيه؛ لأن قربه محصورا إما في مرتبة أو مراتب.
فالعبد لا يعرف قربه تعالى ولا بعده ولا وصفه كما هو وصفه؛ لأن هذا العرفان مختص به تعالى.
لكن العبد إذا تبدلت أوصافه وذاته بأن فني عن نفسه، وبقي بالله تعالى لا بنفسه لا يبقى غيرا حيث وصل إلى مقام كان الله ولا شيء معه.
فيعرف ما ذكر بالله لا بنفسه، وهذا معي عميق وعزيز قليلا ما يصرح به، بل يرده ظاهر النصوص، ولكن مطابق لما هو الأمر عليه في نفسه، فاعرفه، ولا تقله، وأثبته، ولا تنكره.

ولا تقل أن العبد حقا إذا كان عين الحق ولم يكن مغايرا له، فمن أين القرب والبعد؟ لأن هذا الواحد هو يصير قريبا من جهة، وبعيدا من جهة، ويكون مشهودا وشاهدا كذلك؛ لأن جهاته متعددة، وتأمل قوله تعالى على لسان نبيه: "كنت سمعه وبصره" ما ذكره من القوى الظاهرة.

وقوله في التوراة : نريد أن نخلق خلقا شبيها بشمائلنا وصورتنا، وليس في الذات ولا في الصفات تشبيه بالاتفاق؛ لأنه ليس كمثله شيء فما بقي إلا أن يكون هو الظاهر بنفسه.
وذكر الشبيه نظير قول القائل : مثلك لا يبخل.
وقوله : «خلق الله تعالى آدم على صورته»
وقال الشيخ قدس سره في فصوصه في هذا الباب شعرا:
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
و ما يعرف ما قلنا ... سوى عبد له همه
فأنكر في هذه الأشعار وقوع الماهيات والأشخاص من ذي العقول وغيرهم.
وحكم بأن كل عين تعيين بتعين مخصوص في الواقع فهو الحق بعينه فيه.
وحكم بأن كل من أطلقه عن القيود، و نزهه عنها خصه الإطلاق وإن كل من أخصه عمه أي: كل من حكم بأن ذلك المطلق هو الذي يختص بتلك القيود حكم بإطلاقه الذاتي، و نزهه عن الإطلاق المقابل للتقييد.
فليس عين في الوجود يكون سوى عين أخر، وليس إلا عين واحد.
فالغافل عن هذا جاهل ما هو الأمر عليه في نفسه، والجاهل مغموم.
والعارف بهذا صاحب الهمة القوية العالية الذي لا يقنع بالظواهر، ولا يقف عند مبلغ علماء الرسوم، بل يرفع حجب التعيينات ولا يرضى إلا باللب؛ لأنه لب، واللب يذكر اللب .

قال الله تعالى: "إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب" [ الزمر : 21] .

وقال في موضع آخر:"لمن كان له قلب" [ق:37] .

وما قال في موضع: لمن كان له عقل، فهو قيد يقيد الموصوف به مما يؤدي إليه نكره و نظره، ويقال : معقل البعير بالعقال أي: قيده به.

وعقل الدواء البطن فهو قيد لغة وحقيقة، فليس في القرآن ذكرى لمن كان له عقل؛ لأنه مقيد بما قيده به فكر.
وإن رأى في القرآن ما يخالف ما يؤديه فكره يؤوله إلى معنى يوافق ما أدى إليه فكره، وأولوا (الألباب). ومن له قلب لا يؤولون
شيئا ولا ينكرون شيئا، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
فما أوسع قلب العارف حيث أنه بإطلاقه مقابل لإطلاق الحق، والحق أوسع وأعظم؛ لأنه غير متناهي.
والقلب يسعه على ما ثبت بالحديث القدسي، وما يسع الغير المتناهي غير متناهي أيضا.

وفي هذا قال سلطان الزاهدين ورأس العارفين وإمام الواصلين أبو يزيد البسطامي قدس سره : 
«لو أن العرش وما حواه من السماوات والأرض وما بينهما وما فيها مائة ألف ألف مرة وقع في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بما؛ لأن العرش وما فيه متناهي، ولا قدر للمتناهي بالنسبة إلى غير المتناهي».

وقال الشيخ الأكبر قدس سره: بل قلب العارف لو وقع في زاوية من زواياه ما لا يتناهی وجوده مما وجد و يوحد إلى الأبد بفرض انتهاء وجوده ولو كان مستحيلا؛ لأن غير المتناهى لا يحاط به مع الي هي واسطة في إيجاده وهو الحق المخلوق به الخلق .
أشار إليه بقوله تعالى : "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق" (الحجر:85].
ما أحس بذلك حال كونه منطويا فيما بين معلومات، واستدل لما قاله بقوله:
فإنه قد ثبت تحديث: «لا يسعني أرضي ولا سمائي، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن»، إن القلب وسع الحق لاستعداده للتجليات الأسمائية والذاتية الغير المتناهية واحدا بعد واحد.
ومع ذلك لا يقنع بما حصل له فلا يروى؛ إذ كل نحل يورث له استعدادا أخر إلى غير النهاية.

فالعارف في كل زمان يطلب الزيادة من التجلي؛ لأنه ليس له نهاية يقف التحلي عندها فلا يقع بعدها تحلى آخر، وكذا يطلب بلسان الاستعداد زيادة العلم بالحق فيقول: "وقل رب زدني علما" (طه:114]، فلا الطالب من العبد يتناهی، ولا التحلي وإلافاضة من الحق.
ومن هنا قال أبو يزيد البسطامي قدس سره: «الرجل يتحسي بحار السماوات والأرض، ولسانه خارج يلهث عطشا».

وقال أيضا شعر:
شربت الحب كأسا بعد كأس    ….. فما نفذ الشراب وما رويت
فالعارف دائما عطشان، لأنه لا يمتلئ ولو امتلا ارتوى.
ومن إن قلب العارف بالله وسع كل شيء؛ لأنه وسع الحق تعالى، فيكون وسعه له باعتبار العلم والشهود، أو باعتبار الإحاطة والجامعية لها، فإما حقيقة للأشياء جامعة لها.أهـ ""
أراد التجلي في لاشيء، بل هذا المشهد هو الذي طلب صلى الله عليه وسلم في قوله: "اللهم أرنا الباطل باطلا" فإن الباطل هو العدم، ورؤيته هي التجلي في لا شيء.
ولكن الفيلسوف يرمي بهذا القول، وأصحاب الأدلة العقلية كلهم يرمون به، و أهل الظاهر ما يقول به، و لا يقرب هذا الذوق التام إلا السوفسطائي.
غير أنه لا يقول بحقيقة واحدة، و هم يقولون بحقيقة واحدة متجلية ظاهرة في الوجود، يقبل جميع النسب و الإضافات، و هي الاعتبارات العلمية سمّيت بالأسماء الإلهية، وما الاسم إلا اسمها، وما الإضافة إلا إضافتها، و هي واحدة وحدة الأحدية لا تكرار فيها .
وحقيقة تلك (الحقيقة تعطي) باقتضاء ذاتيّ (أن تكون لكل اسم يظهر إلى ما لا يتناهى) لأن ظهورات كل اسم غير متناه، فيعطي تلك الحقيقة بحسب اقتضائها الذاتي أن يكون لكل اسم اسم منها (حقيقة ): أي يكون لكل اسم حقيقة مختصّة بذلك الاسم بحيث (يتميز بها ): أي بتلك الحقيقة (عن اسم آخر بالحدّ ) و الرسم و الوسم و الاسم .
فكل اسم يظهر بحقيقة غير متناهية، كل برزة عن برزة أخرى بالتشخص والتعين الشخصي، بل ما من شيء موجود أوجده الله تعالى في العالم إلا و له أمثال في خزائن الجود التي في كرسيه: أي علمه كما قرّرناه مسبقا .
و هذه الأمثال التي تحوي عليها تلك الخزائن لا تتناهى أشخاصها .

قال تعالى: "وإنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائنهُ وما ننزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21]، عدد الخزائن لشيء، فلا يخزن فيها إلا جواهر حقائقه، فيخرج أمثالها غير متناهية، فالأمثال من كل شي ء، يوجد في كل زمان  فرد في الدنيا و الآخرة، فلكل حقيقة اسم، و لكل اسم حقيقة، تسمّى الحقائق الأسمائية.
(و تلك الحقيقة التي بها يتميز اسم عن اسم هي الاسم عينه) لأن حقيقة كل شيء عينه .
والتشخص أمر زائد على الذات، فإن الحقيقة ليست سوى عين صفة اعتبرت مع الذات، و صارت أسماء، والصّفة نسبة عدمية، فالحقيقة عين ذلك الاسم بلا أمر زائد في الوجود، فافهم، (لا ما يقع فيه الاشتراك )، كالأجناس و الأنواع و الأصناف، فإنه يقع الإفراد فيهما الاشتراك في الحقيقة، بخلاف ما نحن بصدد بيانه، فإنه كالكليّ الطبيعي في الخارج، فإنهعين إفراد بالحد، و إن كان غيرها بالشخص.
(كما إن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإن كانت منأصل واحد )، مع إنها يجمعها أصل واحد و هو أحدية العطايا و وتريتها، كما سبق ذكرها، يتفرع منها: أي من الأصل الواحد الأشخاص الجزئية .
والتشخص أمر زائد على الذات، فإن الحقيقة ليست سوى عين صفة اعتبرت مع الذات، و صارت أسماء، و الصّفة نسبة عدمية، فالحقيقة عين ذلك الاسم بلا أمر زائد في الوجود، فافهم.
(لا ما يقع فيه الاشتراك )،  كالأجناس و الأنواع و الأصناف، فإنه يقع الإفراد فيهما الاشتراك في الحقيقة، بخلاف ما نحن بصدد بيانه، فإنه كالكليّ الطبيعي في الخارج، فإنه عين إفراد بالحد، و إن كان غيرها بالشخص، (كما إن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إن كانت من أصل واحد )، مع إنها يجمعها أصل واحد و هو أحدية العطايا و وتريتها، كما سبق ذكرها، يتفرع منها: أي من الأصل الواحد الأشخاص الجزئية .

( فمعلوم أن هذه) مع أنها عينها من حيث الحقيقة (ما هي هذه ): أي هذه الأشخاص (الأخرى) من حيث التعين و التشخيص (و سبب ذلك) التميز في العطايا ( تميز الأسماء) بعضها عن بعض من حيث الأشخاص، و تميز الأسماء إنما هو من تميز الحقائق، فإن هذا الشخص ليس ذلك الشخص لأن لكل اسم حقيقة مختصة يتميز بها عن اسم آخر بالحد والرسم، كالنوع المنحصر في الفرد، والأنواع المنحصرة في الإفراد.
فظهرت العطايا التي هي مظاهر تلك الأسماء على صفة الأسماء، ولولا الحدود ما ظهر التميز في أصل واحد، وعين واحدة، ولسبب ذلك كله وسعة حضرة الأسماء وسعة الحقائق (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شيء يتكرر أصلا) .

فمن هنا قال أبو طالب المكّي قدّس سره في قوت القلوب:
لا تكرار في التجلي الإلهي، و ذلك لوسعة حضرة أسماء المتجلي، وسعة قبول المتجلي له، وكثرة العطايا والمنح، فما تجلى في صورة واحدة فلا يزال في جمال جديد في كل تجلّ، كما لا يزال في خلق جديد، فله التحول دائما أبدا .
فلولا الحدود ما تميز أمر من أمر، ولكن التشابه إذا أغمض جدّا وقعت الحيرة، وخفي الحد فيه، فإنّ شخصيات النوع الواحد متماثلة بالحد، متميزة بالشخص، فلا بدّ من فارق في المتماثل بالحد، ويكفيك أن جعلته مثله لا عينه .
( هذا هو الحق ): أي العلم بأنه لا تكرار في التجلي،هو العلم الحق، كما أشار إليه تعالى في قوله: "بلْ هُمْ في لبْسٍ مِنْ خلْقٍ جدِيدٍ" [ ق: 15].

وكما قالت بلقيس: "قالتْ كأنّهُ هُو" [ النمل: 42]، كأنها كانت عالمة به أم لها حدس من نفس السؤال، فإن السائل حيث سأل أعطاها الجواب في عين سؤاله إياها.
حيث قال: أهكذا عرشك، وما قال: هذا عرشك، كأنه لقّنها الجواب، فهذا من مقام قوله تعالى: "ما غرّك بربِّك الكريمِ" [ الانفطار: 6] .
فإنه تلقين جواب في عين السؤال من العناية التي له تعالى بعبده، فافهم (الذي يعول عليه )، فينبغي أن تعلم أن الأسماءالإلهية غير متناهية، ومظاهرها حقائق الممكنات غير متناهية، فالمعطي غير متناه .
لا كما قاله صاحب الذوق المقيد، لمّا رأى التكرار كتكرار الأيام والليالي والشهور.
فقال: بالدور، والذي ما يقول بالتكرار لا يقول بالدور بل يسمّى النهار الجديد و الليل الجديد، و ليس عنده تكرار جملة واحدة.
فالأمر عنده له بدء و ليس له غاية، كما فهمت من تفصيلنا آنفا .

فما حجب أهل الدور أن يقولوا: كمال أوسع الكشوف إلا قوله: "و إليْهِ تُـرجعون" [ البقرة: 245]، فسمّاه رجوعا و ذلك لكونه يشغلهم عنه بالنظر إلى ذواتهم، و ذوات العالم عند صدورها من الله .
فإذا وفوا النظر فيما وجد من العالم تعلقوا بالله، فتخيلوا أنهم رجعوا إليهم من حيث صدورهم عنه، و ما علموا أن الحقيقة الإلهية التي صدروا عنها.
و إنما نظروا لكونهم رجعوا إلى النظر في الإله بعد ما كانوا ناظرين في نفوسهم، لما لم يصح أن يكون وراء الله مرمى.
فما قال: بالدور إلا من جهل ما يخلق فيه على الدوام والاستمرار، ومن لا علم له بنفسه ولا علم له بربه .
قال بعض العارفين في هذا المقام: النفس بحر لا ساحل له، يشير إلى عدم التناهي، فافهم .

 (و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا تأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح . و إن كان لا يعقل من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري . فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري .
فهو العالم الجاهل فيقبل الاتصاف بالأضداد كما يقبل الأصل الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل و الظاهر و الباطن و الأول و الآخر).

قال الشارح رضي الله عنه :
( و هذا العلم ): أي العلم بالأعطيات على التفصيل المذكور بتقاسيمها و أنواعها و أصنافها، يتحدد أمثالها، (كان علم شيث عليه السلام )، و كان عليه السلام فتح باب هذا الجنس من التجليات و العلوم، و كان عليه السلام أوّل منح أعطى لآدم عليه السلام.
(و روحه هو الحمد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح) لأن روحه عين تلك النسب المخصوصة ألوهيته و ذلك لأنه إذا أخذتها تفصل بالحدود المخصوصة فوجدتها بالتفصيل نسبا خاصة، و بالمجموع أمرا وجوديا يسمّى روحا و جسدا أو جسما .
وهذا بعينه ما قالوا أنّ الأجسام أعراض مجتمعة في عين واحدة، و صارت جسما،
و من هذا الذوق ما قال رضي الله عنه في الباب السادس والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة في تعمير نواشئ الليل فوائد الخيرات:
قال الله تعالى : "إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وقال:"إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وأَقْوَمُ قِيلًا " .
ولما سألت عائشة عن خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قالت: "كان خلقه القرآن"
وإنما قالت ذلك لأنه أفرد الخلق ولا بد أن يكون ذلك الخلق المفرد جامعا لمكارم الأخلاق كلها ووصف الله ذلك الخلق بالعظمة كما وصف القرآن في قوله والْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فكان القرآن

خلقه فمن أراد أن يرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ممن لم يدركه من أمته فلينظر إلى القرآن فإذا نظر فيه فلا فرق بين النظر إليه وبين النظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم .
فكان القرآن انتشا صورة جسدية يقال لها محمد بن عبد الله بن عبد المطلب والقرآن كلام الله وهو صفته .
فكان محمد صفة الحق تعالى بجملته فـ "من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله" لأنه لا ينطق عن الهوى فهو لسان حق فكان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ينشئ في ليل هيكله وظلمة طبيعته بما وفقه الله إليه من العمل الصالح الذي شرعه له صورا عملية ليلية.
لكون الليل محل التجلي الإلهي الزماني من اسمه الدهر تعالى يستعين بالحق لتجليه في إنشائها على الشهود وهو قوله تعالى إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ولم تكن هذه الصور إلا الصلاة بالليل دون سائر الأعمال .
وإنما قلنا بالاستعانة لقوله تعالى :"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" . وقوله: "اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ" .
ولا يطلب العون إلا من له نوع تعمل في العمل وهو قوله :"وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ".
فكن أنت يا وارثه هو المراد بهذا الخطاب في هذا العمل فيكون محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما فقد من الدار الدنيا .
لأنه صورة القرآن العظيم فمن كان خلقه القرآن من ورثته وأنشأ صورة الأعمال في ليل طبيعته فقد بعث محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من قبره .
فحياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بعد موته حياة سنته ومن أحياه فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً فإنه المجموع الأتم والبرنامج الأكمل .أهـ
و قال رضي الله عنه في كتابه الإسفار عن نتائج الأسفار: إن الإنسان الكامل على الحقيقة هو القرآن، نزل من حضرة قدسه إلى حضرة قدسه، والقرآن حق وبحقيقته هو صلى الله عليه وسلم. انتهى كلامه .
و قال رضي الله عنه في الفتوحات: إن أعيان الموجودات إذا فصلتها بالحدود وجدتها بالتفصيل نسبا، و بالمجموع أمرا وجوديا، و لا يمكن المخلوق أن يعلم صورة الأمر فيها، و لا يقبل التعليم و التعريف من الله لأنه ذوق، فأشبه العلم بذات الله تعالى . و العلم به محال حصوله لغيره، فمحال حصول هذا العلم لغيره تعالى.
قال رضي الله عنه في الباب الرابع و التسعين و ثلاثمائة من الفتوحات:
هذه المسألة ما أحد نبه عليها، فإنها صعبة التصور، بل و لا يدري ذلك إلا من وقع له الإسراء التجلي، وهو إسراء حل تركيبهم، فيوقفهم بهذا الإسراء على ما يناسبهم من كل عالم، بأن يميز بهم على أصناف العالم المرّكّب و البسيط، فيترك مع  كل عالم من ذاته ما يناسبه .
وصورة تركه معه أن يرسل الله بينه و بين ما ترك حجابا، فلا يشهده، و يبقى له ما بقى هكذا هكذا، حتى يفنى منه كل الأجزاء الكونية، و يبقى بالسرّ الإلهي الذي هو الوجه الخاص الذي من الله له، فإذا بقى وحده رفع عنه حجاب الستر، فيبقى معه تعالى كما بقى كل شي ء منه مع مناسبة، فيبقى العبد في هذا هو لا هو .
فإذا بقى هو لا هو أسري به من حيث هو إسراء معنويا لطيفا فيه لأنه في الأصل على صورة الحق ليريه من آياته فيه، فإذا رجع إلى عالم الحسّ عاد لتركب ذاته، فما زال يمر بهم على أصفاف العالم، و يأخذ من كل عالم ما ترك عنده في ذاته، فلا يزال يظهر طورا بعد طور إلى أن يصل إلى أرض طبعه، فرأى نفسه معاني مجسدة، و هذا طريق معرفة هذه المسألة، فافهم .
فإذا عرفت هذا أن المعاني و علوم المنح تجوهرت و تجسّدت، و صارت روحا خاصّا مسمّى بشيث يعني: تجوهرت العطايا على صورة شيث، فكل روح لا ينال منها إلا بها، فإنه عليه السلام عينها، و أول تعين لهذا التجلي الخاص، فافهم .
( ما عدا روح الختم )، "وفوق كُل ذِي عِلْمٍ علِيمٌ" [ يوسف: 76] لأن روحه خاتم الأرواح، وهو يشرف على الكل، ولا يشرفون عليه، وإلا يكون ختما، وهو ختم الله الدوائر الكمالية، وصاحب أوسع التجليات، فيحيط ولا يحاط .
و بيان ذلك أنّ نهاية الأرواح الكمالية البشرية رؤية الغاية و النهاية، والختم لا نهاية له، و الله من ورائهم محيط لأن الصورة الإلهية به كملت، وفيه على الكمال شهدت، فهو حسبه كما هو حسبه.
و لهذا كان خاتم الكمال، و فاتح المقصود، و ما وراء ذلك إلا العدم المحض، الذي ما فيه حق و لا خلق، فافهم .
فلا يأخذ الختم إلا من الله الحق، (فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله )، من الوجه الخاص المختص به، فلمّا قال: إن الرّوح شيث مهد الأرواح، سوى روح الخاتم، كان يوهم أن روح الختم لا يأخذ منه و لا يعطيه، فاضرب عن هذا .
و قال(بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح ): أي بل يأخذ روح شيث و غيره من الأرواح من روح الخاتم، قبل التعلق بالأجسام، و بعد التعلق بها، و بعد المفارقة عنها لأنه عين القلم الأعلى، و له الأسفل و الأعلى، بل القلم من أجزائه.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء السابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 3:04 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء السابع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية    الجزء السابع
كما قال صاحب البردة في قصيدته :
فإنّ من جودك الدّنيا وضرتها   ...... ومن علومك علم اللوح والقلم
جعل ما ظهر من اللوح والقلم من العلم: أي من بعض علومه صلى الله عليه و سلم، و ليس من مبالغة شعرية، كما هي عادة الشعراء، بل هي بيان واقع في نفس الأمر لأنهما جزئية صلى الله عليه و سلم، بل أن الله قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة، و لو سئل اللوح:  ما فيك أو ما خطّ القلم فيك؟ ما علم ذلك .
وهكذا الأمر في الوارث الحقيقي، و صاحب الأسوة التحقيقي، ختم الختم، فإنه ما فتح  شيء إلا وقد ختم به .
قال رضي الله عنه: فمن فهم عن الله و أنصف من نفسه، فهم ما ذكرناه في بيان أخذ العلم الإلهي سابقا، و مراتب الأخذ على ما قررناه لاحقا، و علم ما قلنا، بل فهم ما بيناه، و من تعسف و أعرض و لم ينصف، "و طبع على  قُـلوبهِمْ فهُمْ لا يفقهُون" [ التوبة : 87]..
(و إن كان لا يعقل )، شيث أمثاله (ذلك) الأخذ و الإمداد (من نفسه).
هذا من مقام اللطف الخفي، فإن سريانه خفيّ عن الأبصار و البصائر من قوة التحول في الصورة و المعاني، فإليّ إشارة، و ليتلطف و لا يشعرنّ بكم أحدا.
وعن هذا اللطف قال خاتم الولاية المحمدية رضي الله عنه في حضرة اللطف من الفتوحات:
إنه نال منه في خلقه الحظ الوافر، بحيث قال: إني لم أجد فيمن رأيت وضع قدمه فيه حيث وضعت إلا إن كان وما رأيته، لكني أقول أو أكاد أقول: إنه إن كان ثمّ فغايته أن يكون معي في درجتي فيه .
و إمّا أن يكون أتمّ فما أظن ولا أقطع على الله تعالى، فأسراره لا تحدّ، و عطاياه لا تعدّ.
(في زمان تركيب جسده العنصري )، فأنساه الحق ذلك كما أنساه شهادتها بالربوبية في أخذ الميثاق، مع كونه وقع بحضرة جملة من الأرواح القاهرة و الملائكة و النفوس، و عرفنا ذلك بالإعلام الإلهيّ، و التعريف الرباني، و لا يجحده إلا كافر عنيد .
بل علم الإنسان دائما أبدا إنما هو تذكر لأنه قد علم كل  شيء في عالم روحانيته و نسى، فمنهم من إذا ذكر تذكّر، و لكنيؤمن به أنه قد كان شهد بذلك .
إنما قال رضي الله عنه: الجسد و لم يقل الجسم إشارة إلى أن الأمر برزخي، كما في عالم المثال و عالم الآخرة .
و الأجسام هي المعروفة في العموم لطيفها و كثيفها و شفافها، ما يرى منها و ما لا يرى.
و الأجساد هي ما يظهر فيها الأرواح في اليقظة الممثلة في صور الأجسام، و ما يدركه النائم في نومه من الصور المشبهة بالأجسام، فيما يعطيه الحسّ، و هي في نفسها ليست بأجسام..

هكذا ذكره الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
( فهو: أي) شيث عليه السلام و أمثاله من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك (بعينه ):
أي فهو عالم بعينه (من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري ): أي متعلق، و الجهل أمر واحد، و هو الأمر الذي هو به يقول: أنا في زمان واحد، و باعتبار واحد لا باعتبارين، كما تبادر إلى بعض الأفهام .
و بيان ذلك أنه إذا تحلل الإنسان في معراجه إلى ربه، وأخذ كل كون منه في طريقه السلوك إلى المبدأ ما يناسبه لم يبق منه الأسرة.
و إن شئت قلت: وجهه الذي عنده من الحق، فيعلم به كل  شيء لأنه قواه وسمعه وبصره، وإذا رجع من هذا المشهد الأسني إلى تركيبه وصورته التي كانت تحللت في عروجه، وردّ  العالم إليه جميع ما أخذه منه مما يناسبه، فاجتمع و رجع من علمه إلى جهله، كما كان قبل العروج، فيعلم باليقين أنه عالم جاهل .
( فهو العالم الجاهل ): أي فهو عالم بعينه من حيث ما هو جاهل لأن العين فيهما واحد .
و هو الذي يقول: أنا، فإن الشيث عليه السلام لا يسمّى شيثا إلا باعتبار مجموع الرّوح و الجسد العنصري.
(فيقبل الاتصاف بالأضداد ): أي العين الواحدة المسمّاة بشيث عليه السلام، عالم جاهل باعتبار واحد في أمان واحد، و يطلق على هذا العين الواحدة أنه جاهل في حال كونه يطلق عليه أنه عالم لأن الأمر المرّكّب ذلك التركيب اقتضى ذلك الإطلاق و الاتصاف بالأضداد، كالمرّكّب القوي في الأدوية، يقال فيه: حار بارد، و مسهّل قابض، كالسبق فإنه مسهل قابض، و كالكزبرة حارة باردة، محللة من حيث حرارتها، تحلل الخنازير، رادع مكثف من حيث برودتها .
والمجموع متصف بأنه حار بارد، ومحلل رادع، و هذا من المعقولات التي قبلتها العقول.
فإذا فهمت هذا فاعلم أن الشارح القيصري رحمه الله في شرح هذا المتن قال:
أي في مقام واحد باعتبارين، من حيث اتصافه بالصّفات الكونية، و أما من حيث اتصافه بالصّفة الإلهية فباعتبار واحد.انتهى كلامه.
و فيه ما فيه لأنه إذا قلنا بالاعتبارين فكيف قبل الاتصاف بالأضداد، و كيف يقبل التشبيه ؟ كما قال رضي الله عنه: كما يقبل الأصل الاتصاف بذلك، و الأصل ما اتصف بالأضداد بالاعتبارين حتى يكون مثله، مع قوله واعترافه أنه من حيث اتصافه بالصفة الإلهية فباعتبار واحد، فكيف يشبه الذي باعتبار واحد بالذي باعتبارين، كأنه اشتبه عليه رحمه الله .
أن الصّفات لهذه العين الواحدة لما جاءته من الأجزاء، فاعتبر الاعتبارين، و عقل عن أصل التشبيه بالأصل لأن حقيقةالموصوف في الوجهين حقيا و خلقيا وحدة العين، و لها صفتان متضادتان، فافهم .
( كما قبل الأصل) الحق (الاتصاف بذلك الأضداد، كالجليل و الجميل )، فالجليل من صفات الجلال، و له التنزيه، و الجميل من صفات الجمال و له التشبيه، و العين الواحدة يتصف بها من الأزل إلى الأبد، (و الظاهر و الباطن و الأوّل و الآخر )، و هي الأسماء الإضافية المحضة، و يجمعها الله  كلها كالماء في الأواني المختلفة .
قال: "العارف لون الماء لون إنائه" قبل الاتصاف بحسب الأواني من لا صفة له، وكذلك فيما نحن بصدد بيانه لأن الأصل وحدة العين، فقبل الصفات المتضادة، وهي في الظاهر عين الظاهر، وفي الباطن عين الباطن، وفي الأوّل والآخر كذلك  .
فقبل الأضداد، وهي الحرارة والبرودة، والحلاوة والمرارة، وهو ما واحد، وهذا من مدركات العقل لا كلام فيه .  أراد رضي الله عنه بهذا التمثيل تقريب العقول الضعيفة .
قال المصنف رضي الله عنه : (وهو عينه و ليس غيره فيعلم ولا يعلم، ويدري ولا يدري، ويشهد و لا يشهد .  وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله . فبيده مفاتيح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها.  فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه .
وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه، فمنه خرج و إليه عاد . فما أتاه غريب لمن عقل عن الله تعالى .  وكل عطاء في الكون على هذا المجرى . فما في أحد من الله  شيء ولا في أحد من سوى نفسه  شيء وإن تنوعت عليه الصور .
وما كل أحد يعرف هذا وأن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله. فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه . فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله).
قال الشارح رضي الله عنه :
( و هو عينه ): أي هذا الفرع القابل للاتصاف بالأضداد عين الأصل، (ليس غيره ): أي قبول الاتصاف بالأضداد عين قبول الاتصاف بالأضداد، (فيعلم ما لا يعلم) له شريك . و أيضا كل علم حصل بالابتلاء، كما قال عن نفسه تعالى: "ولنبْـلوّنكُمْ حتّى نعلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ والصّابرين ونبْـلوا أخْبارُكمْ" [ محمد: 31] .
و هذا لإقامة الحجة، فإنه يعلم ما يكون قبل أن يكون لأن علمه في ثبوته، ومن هذا الذوق: أي وفق (لنبلونكم) .
قال مجذوب: و أمّا أنا فعرفته، و أما هو فلا أدري أنّه عرفني أم لا: أي عرفني مجاهدا أم لا لأن علمه تابع للمعلوم، و المعلوم: أي كونه مجاهد إما ظهر بالنسبة إلى هذا القائل في ذلك الوقت، فلا يتعلق به العلم إلا بحسب ما هو المعلوم عليه
وبيان ذلك أنّ العلم المطلق من حيث التعلق بالمعلومات ينقسم إلى علم يأخذه الكون من الله بطريق التقوى، وهو قوله:  "واتّـقُوا اللّه ويعلِّمُكُمُ اللّهُ واللّهُ بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ البقرة: 282]، و قوله تعالى: "إنْ تتّقُوا اللّه يجْعلْ لكُمْ فُـرْقاناً" [ الأنفال:  29]، و هو علم الإفراد .
قال تعالى في خضر عليه السلام: "وعلّمْناهُ مِنْ لدُنّا عِلْماً " [ الكهف: 65]، وهو علم التقوى، و إلى علم يأخذه الله من الكون عند ابتلائه إياه بالتكليف، وهو قوله تعالى : "ولنبْـلوّنكُمْ حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ والصّابرين" [ محمد: 31]، فلو لا الاشتراك في الصورة ما حكم على نفسه بما حكم على خلقه من حدوث التعلق مع قدم العلم .
وهذا التفصيل من نتيجة العلم بالتحقيق بالصورة، فإذا ظهر العبد على الصورة فلا يفوته  شيء لأنه حقيقي ، » اتق الله حق تقاته «
و إذا ظهر الحق بصورة الإنسان الحيواني في مقام الحيواني في مقام: جعت فلم يطعمني في الحال الذي لا يكون الإنسان في صورة الحق، كان الحكم عليه كالحكم على صورة الإنسان الحيواني الذي ليس على صورة .
فينسب إليه ما ينسب من حركة وسكون وانتقال، وشيخ وشاب، وغضب ورضاء، وفرح وابتهاج، ويد وكف وأنامل، وغير ذلك .
فافهم هذا إني خففت عليك بإيراد هذا التفصيل حين علمت فيك ضعفا، وهكذا البيان في قوله رضي الله عنه: (و يدري و لا يدري ) أي يدري ذاته أزلا و أبدا، و لا يدري له انتهاء، بل من هذا المقام ما قال ابن الفارض رضي الله عنه بلسان الجذب و العشق :
قلبي يحدّثني بأنك متلقي روحي فداك عرفت أم لم  تعرفي وقد عرفت بيان هذه الكلمة حيث عرفت تفصيل ما عرفته فيالعلم آنفا، (و يشهد) الغيب غيبا، بل كله شهادة بالنسبة إليه تعالى، بل من هذا المشهد حكى رضي الله عنه في الفتوحات أنه قال :
يا من يراني و لا أراه   ...... كم ذا أراه و لا يراني
فاستبكى شخص فقيه كان حاضرا في البديهة
يا من يراني مجرما    ..... و لا أراه آخذا
ذا أراه محسنا        ...... و لا يراني لائذا
فسكت، فافهم الإشارة إنّ كل فقيه لا يستأهل بالبشارة، فلهذا أعرض الشيخ رضي الله عنه و لم يبين له حقيقة المعنى، فلا يدري ما قلناه إلا من فهم إشارة ،" جعت فلم تطعمني، ومرضت فلم تعدني "
فإنه يتنزل إلى سماء الدنيا ليرى هل من مستغفر وهو علّام الغيوب، فافهم .
فإن الأمر في نفس الأمر جمع النقيضين، فإنّ التضاد في الأصل والفرع، يعلم ولا يعلم، ويشهد ولا يشهد، يدري ولا يدري .
ومن هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد لأنه عين العالم، فعين العالم و عين الجاهل عرفت أم لم تعرف، فافهم الأمر على ما هو عليه، و لا تخلط فيخلط عليك .
فإنه سبحانه يقول: "و للبسْنا عليْهِمْ ما يلْبسُون" [ الأنعام: 9].
أما ترى حين خاطب نبيه بقوله: " جعت فلم تطعمني ومرضت فلم تعدني"
فقال :"سبحانك إنك تطعم و لا تطعم "
، فأعرض و أول الكلام حيث رأى فيه رائحة الاستعجاب و الاستغراب .
وهذا الكمل في هذا المقام يقلدون سيدهم قال صلى الله عليه و سلم: من رآني فقد رأى الحق".
"" يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة، ومن رآني فقد رأى الحق؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي» . الطبراني في الكبير ومسند احمد.
قال: أبو قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رآني فقد رأى الحق " مسند أحمد والبخاري ومسلم.
أبي سعيد الخدري، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتكونني» البخاري.
" من رآني فقد رأي الحق فإن الشيطان لا يتراءى بي. البخاري
"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي
وفي طريق: "فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في  صورتي" . البخاري ""
فلما فهم صلى اللّه عليه وسلم عدم الفهم من الحاضرين فقال: "إن الشيطان لا يتمثل بي".
فافهم فإنّ هذا هو العلم، بل هذا من العلم الذي ورد في الحديث الصحيح :
" إنّ أفضل الأعمال العلم بالله، ينفعك معه قليل من العمل وكثيره، وأنّ الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره " . رواه الحكيم عن أنس رضي الله عنه .
ورد أنّ: "المؤمن إذا تعلم بابا من العلم عمل به أم لم يعمل به كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة تطوعا "رواه بن لال في مكارم الأخلاق عن ابن عمر .
و في رواية أخرى :" تطوعا متقبلة، وإذا علمت الناس عمل به أو لم يعمل به فهو خير لك من ألف ركعة تصليها تطوعا متقبلة ".  رواه الديلمي عن أبي ذر رضي الله عنه ذكرها في جمع الجوامع هذا .
وهذا وقد ذكرت فيه غيبة المستبصر الفهيم، وغير هذا ما هو العلم في نفس الأمر، بل ترميه الحقائق و تمجه البواطن، فافهم .
و لهذا: أي بأنه ممد الأرواح لهذه العطايا و فنونها، (سمّي شيث) شيثا لأنّ (معناه هبة الله) بلسان السرياني ، فلما كان عليه السلام واسطة فيها، فكأنه عينها بل هو عينها كما بيناه .
( فبيده مفتاح العطايا) لأن هذا النوع من التجلي، هو عليه السلام فتح بابه و بيده مقاليده (على اختلاف أصنافها و نسبها) وذلك لأنه أول تفصيل وقع للإجمال الآدمي في تلك الأصناف من العلوم و المواهب و المنح و الأعطيات .
( فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه )، فهو وهب من الوهّاب بصورة ألوهية الكمالية الفتحية، فهو فاتح أبواب الأعطيات و الخيرات، خفيها و جليها، حقيرها و حليلها.
(و ما وهبه إلا منه ): أي ما وهب ذلك الموهوب إلا منه، فأخذ منه و ردّ إليه  
قال تعالى: "سيجْزيهِمْ وصْفهُمْ إنّهُ حكِيمٌ عليمٌ " [ الأنعام: 139] .
وقال في الحديث: :"إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أردها عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه " .
فما خرج الأمر منه أصلا، ولا يخرج حفظا بحق الأصل ومراعاته، فشيث عليه السلام علما و وجودا تفضيل آدم صورة و معنى .
(لأنّ الولد سر أبيه ) فسر كل شيء حقيقته أو ثمرته.
فعلى الأول أن الولد سر أبيه لأنه تفضيل ما أجمل فيه، فحقيقة الأب التي كانت بصورة الإجمال ظهرت في مفصله على صورة الكمال بأحسن التقويم و الجمال.
فما ظهر الكمال العطائي بأنواعها و أصنافها إلا فيه بتفضيل الإجمال، فالأمر إجمالي و تفصيل و إجمال .
و على الثاني فلأن السر هو الثمرة المكنونة في أكمامه، فهو سر أبيه و ثمرته لأن القابليات أعطت ذلك، فالذي بالقوة في الأب يظهر في الولد لأن كل تجلي يتأخر يضمن الأول مع الزيادة، و هكذا الأمر كما قيل بلسان العجم : نقاش نقش آخر بهتريشد زوال
( فمنه خرج و إليه عاد ): أي من آدم خرج شيث علما و وجودا و صورة و معنى، و إليه عاد نفعه.
أي نفع شيث عليه السلام لأنه رأى تلك الكمالات المفصّلة في نفسه بولده الذي هو إفشاء سره، و إنشاء أمره، و تفصيل مجمله، و إعراب معجمه، فما عمّ آدم و من دونه ذلك التفصيل في نفسه إلا بواسطة روحه الأقدس.
أي روح شيث عليه السلام لأنه بواسطة و ممد لكل من يتعلم في مثل هذا العلم سوى روح الختم، فإنه ختمت به الإحاطة، و ما وراء الله مرمى .
قال تعالى: " وأنّ اللّه قدْ أحاط بكُل شيْءٍ عِلْماً" [ الطلاق: 12] . وعلمه عين ذاته، وذاته عين الوجود.
فقد أحاط بكل شي ء وجودا، هذا هو الختم الذي ختم به العلم و الوجود، فافهم .
( فما أتاه غريب ): أي إذا أوتي الولد أسرار الوالد فما أتاه غريب: أي أجنبي من خارج لأنه تفصيل ما أجمل فيه عليهما السلام، فكما أن الولد عضو من أعضائه التي فصل منه.
كذلك من حيث تفصيل ما عنده من المحملات الأمهات، فمن علم الأمر على هذا النمط علم ما قلناه.
و ذلك لا يكون (إلا لمن عقل عن الله) تجليا شهاديا عيانيا، أو تعريفا إيمانيا لأنه على كشف و علم منه، بل (وكل عطاء في الكون على هذا المجرى)، فإنه ما يجني أحد من شجرة نفسه إلا ثمرة غرسها، ولكن الناس لا يشعرون .
فما في أحد من الله  شيء ): أي بل (و ما في أحد إلا ما هو له) .
فمن وجد خيرا فليحمد الله و من وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه"
انظر ما الذي أخبرك سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه و آله في هذا الحديث، أدبك بأحسن تأديب، تتأدب مع الله، إنك من وجه مرآة وجوده تعالى، و هو تعالى مرآة أحوالك.

فما دام العبد محاذيا له، يقابل كل شيء بالطهارة المشروطة المعتبرة عند العلماء بالله، إنهم أهل الله وخاصته، فيظهر فيه كل كمال، وإذا انحرف عن كمال المسامتة لاقتصاء حكم حقيقة الانحراف لأنه حقيقة لا يلومنّ إلا نفسه، فافهم .
( و إن تنوعت عليه الصور) لا تحسبها أنها خارجة عنك، كما ترى في المرائي المختلفة صورا مختلفة، طولا و عرضا، فإنها تنوّعت الصور بحسب المرائي لا غير، وأنت الرائي على ما أنت عليه، و تعلم بذلك في نفسك، ولا تنكر تنوعات صورك بل تعلم أنها صورك، وهكذا الأمر في الكون .
وإن شئت قلت في الإلهيات: أما ترى صور المنام، إنك ترى صورا مختلفة، و نتحقق أنه لا غير هناك .
قال الشيخ ابن الفارض قدّس سره في هذا المقام :
أتحسب من ناجاك في سنة ......      سواك بأنواع العلوم الجليلة
فإنه قدّس سره ضرب المثل لوحدة النفس مع تنوعات أوصافها و صورها، فإنه عينها لا غيرها، (و ما كل أحد) (من عموم أهل الله) بل خواصه، (يعرف هذا ): أي أن الأمر منك إليك .
إنما قال رضي الله عنه: (يعرف) و لم يقل: (يعلم) لأن المعلومات كلها تذكار، فإنها كانت معلومة ثم أنسيت ثم أعلمت، فسمّيت معرفة لأنها مسبوقة بالجهل "بل بالنسيان "بخلاف العلم "مسبوق بالجهل". فلهذا إن العلم صفة الحق، و المعرفة صفة الكون.
(وأن الأمر على ذلك ): أي لا يعرف أن كل ما خرج منك يعود إليك، (إلا آحاد من أهل الله )، أهل القرآن هم أهل الله . لأن القرآن كلام الله، و كلامه علمه، و علمه عينه، فلم يجعل لهم صفة سوى عينه، و لا مقام أشرف ممن كان عين الحق صفته على علم منه، فافهم .
وأما آحادهم فهو الذي كشف له عن عينه، و رأى أحكامها بعينها بحسب القابليات و الاستعدادات، ثم تنزل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، بلا قصور و فتور، بل بعلم و شعور، بل بكشف و شهود و حضر، بل بذوق في نفسه، إن الأمر منه بدأ و إليه يعود .
( فإذا رأيت من يعرف ذلك) بالكشف و الشهود و الذوق، (فاعتمد عليه أنه) صاحب علم تام عام، فإنه لا يكشف هذا الكل أحد، بل هو للمعتني الفرد المعتمد الذي به الحل و العقد .
( فذلك ): أي ذلك العارف هو (عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى) .
هذه مراتب خمس للخواص من عموم أهل الله، و هم أهل القرآن، فإنهم أهل الله و خاصته على هذه المراتب الخمس، فالخاصة هو المخصوص بعناية الوصول خاصة، و خاصة الخاصة، و الواصل المردود، و لكن من الحق بالحق، و خلاصتها هو الواصل المردود به لا بالحق، و هذا أتم من الأول لأنه صاحب جمع و فرق، بخلاف الأول فإنه صاحب جمع لا يرى في الوجود غير الله، و صفاؤها هو الذي صفا عن كدورات الأكوان، و لوّث شوب الحدوث و الإمكان، و عينها: أي عين الإنسان الكبير، المسمّى بالعالم، و هو جلاء مرآة الوجود الذي أشار إليه في النص الآدمي بقوله: (كان آدم عين جلاء تلك المرآة التي هي العالم المسمّى بالإنسان الكبير )، فافهم .
قال المصنف رضي الله عنه :
(فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقى إليه ما لم يكن عنده من المعارف و تمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده فتلك الصورة عينه لا غيره . فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه .
كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه بتقلب من وجه لحقيقة تلك الحضرة .
كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا، و يظهر غير المستطيل و المتحرك في المستطيلة مستطيلا، و المتحركة متحركا. و قد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة . وقد تعطيه عين ما يظهر منها فيقابل اليمين منها اليمين من الرائي .
وقد يقابل اليمين اليسار و هو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم . و بخرق العادة يقابل اليمين اليمين و يظهر الانتكاس .
و هذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلي فيها التي أنزلناها منزلة المرايا) . 
قال الشارح رضي الله عنه :
( فأي صاحب كشف ): أي صوري إنما قلنا: صوري لأن صاحب الكشف الذاتي لا يخفى عليه خافية لأنه تحقق بالحق، و بالحق عرف العالم أعلاه و أسفله .
( شاهد صورة تلقى إليه ): أي من عالم المثال المقيد أو المطلق، كما يرى نائم في المنام، و صاحب اليقظة في خياله أن واحدا يقول له: أنت ولي الله، و أمثال ذلك .
( ما لم يكن عنده ): أي الذي لم يكن عنده قبل ذلك، و لا يعلم ذلك من نفسه من المعارف، و تمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده .
أشار رضي الله عنه بذلك إلى أن الإلقاء لا يكون إلا منحا لا محنا، (فتلك الصورة) التي يشاهدها حيث تمثلت له، إمّا في عالم الأرواح الذي هو المثال المطلق، و الخيال المطلق، و هو ميدان الإيجاز و التكوين، و يسمّى ذلك عند الحكماء:
خيال العالم لأن العالم هو الإنسان الكبير و هذا خياله .
و إمّا في الخيال المقيد الذي هو خليج من البحر المطلق، فتلك الصورة المرتبة (هي عينه ): أي عين صاحب ذلك الكشف، سواء كانت صورة ملكية و فلكية أو إلهية، أو غير ذلك، فإنها عينه (لا غيره )، بل إنما هي صورة اعتقاده و استعداده الذي بعينه الثانية تتمثل في مجال عالم المثال على حسب الأحوال، و مقتضى الحال.
فقد تظهر صورة واحدة لمعان كثيرة،  يراد منها في حق صاحب الصورة: أي تظهر تلك الصورة الواحدة في خيال أشخاص متعددة كثيرة مختلفة، يرادمنها تلك الصورة في حق صاحبها معنى واحد من تلك المعاني، فمن كشفه بذلك فهو صاحب النور .
(فمن شجرة نفسه جنى ثمرة غرسه) لأن ما في أحد من أحد شيئا، بل ما في أحد سوى نفسه شي ء لأنه سبحانه يهبك متاعك من غير الوجه الذي تعرف منها أنه متاعك امتحانا، فإذا انكشف الغطاء وكان البصر حديدا علمت ورأيت أنه ما أعطاك إلا ما كان بيدك، فما زاد من عنده، و ما أفادك مما لديه إلا تغير الصورة.
وهو أيضا من مقتضى ذاتك و عينك، كالمطر للأرض، و ليس عين ما تطلبه من الارتواء سوى بحارها، ثم نزل إليها مطرا فتغيرت صورته لاختلاف المحل، فما شربت وما ارتوت إلا من مائها، فهو دولاب دائر، منه يخرج وإليه يرجع ليقع الفرق بين الماء الأصلي الأولي، وبين الهواء المستحيل ماء .
(فمن شجرة نفسه جنى ثمرة غرسه) لأن ما في أحد من أحد شيئا، بل ما في أحد سوى نفسه شي ء لأنه سبحانه يهبك متاعك من غير الوجه الذي تعرف منها أنه متاعك امتحانا، فإذا انكشف الغطاء وكان البصر حديدا علمت ورأيت أنه ما أعطاك إلا ما كان بيدك، فما زاد من عنده، وما أفادك مما لديه إلا تغير الصورة.
وهو أيضا من مقتضى ذاتك و عينك، كالمطر للأرض، وليس عين ما تطلبه من الارتواء سوى بحارها، ثم نزل إليها مطرا فتغيرت صورته لاختلاف المحل، فما شربت وما ارتوت إلا من مائها، فهو دولاب دائر، منه يخرج و إليه يرجع ليقع الفرق بين الماء الأصلي الأولي، وبين الهواء المستحيل ماء . قال تعالى: "لذك تقْدِيرُ العزيزِ العليمِ" [ الأنعام: 96] .
( كالصورة الظاهرة )، أراد بذلك تمثيل الغائب بالشاهد، قال: الصورة المشهودة ( منه ): أي من الرائي (في مقابلة الجسم الثقيل )، كالمرآة و الماء و غيرهما كالخيال .
( ليس غيره ): أي المرئي المشهود في الجسم الثقيل ليس غير الرائي، و إلا لكان فيه قبل المقابلة، و يعلم ذلك على الاختلاف الواقع بينه و بين المرئي، فإنه قد يكون المرئي أطول مما كان الرائي عليه، أو أعرض أو أكبر أو أصغر، و ذلك التفاوت من أثر المرآة .
فلهذا قال: (ألا إن المحل )، الذي هو المحلي و المظهر و المرآة، (و الحضرة التي رآها فيها) و هي الجسم الثقيل الذي هو من حضرة الخيال التي رآها فيها (صورة نفسه) على غير ما هو عليه .
( تلقى إليه بتقلب من وجه ): أي تلقي تلك الحضرة إلى الرائي صورته بنوع تقلب ليس في وجه الرائي، كالطول و العرض و الاستدارة، و غيرها من الأوضاع و الأشكال، و في بعض النسخ يتقلب، قيل: إنه مغزو على الشيخ .
( بحقيقة تلك الحضرة ): أي بنوع تقلب بحقيقة تلك الحضرة، باقتضاء حقيقة الحضرة، (كما يظهر الكبير في المرآة الصغير صغيرا و المستطيل مستطيلا )، كما في السيف أنه بيان مستطيلا، (و المتحركة) متحركا، كما في الماء، فإنه بحركته بيان المرئي الساكن متحركا .
( و قد تعطيه): أي الحضرة الصقيلة   تعطي الرائي .
( انتكاس صورته) يرى صورته فيها منتكسة، و ذلك (من حضرة خاصة )، كالماء و كل جسم صقيل يكون تحت القدم أو فوق الرأس، فإنه يعطي الانتكاس .
( و قد تعطيه ): أي المرآة للناظر (فيها عين ما يظهر منها، فيقابل اليمين منها اليمين من الرائي) .
قيل: إن حضرة السر وحضرة الروح يقابل فيهما اليمين من الرائي، وأنت تعلم أن اليمين و الشمال بل الصور مطلقا لا تتصور إلا في حضرة الخيال أو الحس، و أمّا إذا كانت المرايا متعددة متقابلة، فإنه إذا ظهرت صورة الرائي في المرآة مقابلة لمرآة أخرى.
فلا شك أنها تظهر صورته في المرآة الثانية بصورة الأصل، كما ترى اللوح المكتوب في المرآة معكوسا فلا تقرأ، فإذا قابلتها بمرآة أخرى ترى الخطوط بصورتها الأصلية و تقرأ و ذلك لأن عكس العكس هو الأصل، أو على صورة الأصل .
( و قد تقابل اليمين اليسار )، كما في حضرة الحس (و هو الأغلب، و يخرق العادة يقابل اليمين اليمين، و يظهر الانتكاس) كما في الماء إذا وقف الواقف عليه يرى فيه صورته منتكسة، بحيث يقابل اليمين منه اليمين منها ظاهرا .
( هذا كله ): أي الذي ذكرناه من تنوعات الصور الفائضة على صاحب الكشف على أنواعها و ضروبها المفهومة، مما سبق من ضرب الأمثال من (أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرئي) .
فالحاصل أن جميع ما يرى من الصور في حضرات متعددة متنوعة سرية أو روحية أو قلبية أو خيالية أو حسية هي عينه لا غيره، ظهرت بحكم المرئي أو بحسب المجالي، و التنوع من أحكام الحضرات و المظاهر و المرايا و العين ثابتة .
و هكذا الأمر في الإلهيات، فإنه يظهر بحكم المظاهر، فإنها كالمرائي للوجه الحق سبحانه و هو ثابت لا يتغير أصلا .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 3:08 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثامن .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية    الجزء الثامن
قال المصنف رضي الله عنه :
(فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله، يعرف استعداده إلا بعد القبول، وإن كان يعرفه مجملا .
إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه . و لهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير .
والمحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن و ما هو الممكن . و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة).

قال الشارح رضي الله عنه :
( فمن عرف استعداده عرف قبوله )، فإن العلم بالعلة من حيث أنها علة يوجب العلم بالمعلول، كما يظهر في باب التضايف، فهو ممن عرف القبول بالاستعداد، لا من الذي عرف الاستعداد بالقبول لأنه دونه .
( و ما كل من عرف قبوله يعرف استعداده )، بل و لا يعلم ذلك الاستعداد :
( إلا بعد القبول) حيث رأى أنه قبل ذلك، فعرف أن لو لا الاستعداد ما قبل ذلك .
( و إن كان يعرفه ): أي الاستعداد (مجملا )، فالأول صاحب العلم التفصيلي بالاستعدادات التفصيلية، و الثاني صاحب العلم الإجمالي 
 و أين هذا من هذا، بل الأول أتم و أعم ما يكون في معرفة الاستعدادات في صنعه لأنه مطلع على غيبه بعثوره على عينه، بل هو مشرف على أحكام أعيان غيره و أحواله، فافهم .

فلما قرأ الاقتضاءات ذاتية، و الطلبات و المنح النفثية نفسية علم أن الله فعال لما يريد، و ما يريد إلا ما يريد المريد .
قال الله تعالى: "و ربُّك يخْلقُ ما يشاءُ و يخْتارُ ما كان لهُمُ الخِيرُة" [ القصص : 68 ].
فمنهم شقي طلب شقاوته، و منهم سعيد طلب سعادته، و لو شاء لهداكم أجمعين، لكنه لم يشاء لأن الحكمة اقتضت ذلك، قال تعالى: "وأنّ اللّه ليس بظلّاٍم للْعبيدِ"[ الحج: 10].

قال المصنف رضي الله عنه : (و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. و هو حامل أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد، و تولد معه أخت له فتخرج قبله، و يخرج بعدها و يكون رأسه عند رجليها و يكون مولده بالصين و لغته لغة بلده و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله، فلا يجاب فإذا قبضه الله و قبض مؤمني زمانه بقي من بقى مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة).
قال الشارح رحمة الله :
( وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني )، لما كانت الدنيا لها بداية و نهاية و هي ختمها، قضى الله سبحانه أن يكون جميع ما فيها له بدء و ختم، و منه كان صلى الله عليه و سلم في النبوة و الرسالة بدءا و ختما .
ورد في الخبر: " إنما بعثت خاتما فاتحا " الحديث. رواه البيهقي في شعب الإيمان، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
و منه كان ختم الولاية خاتما فاتحا، فاقتضى الشأن و الأمر أن يكون للمنح و الأعطيات بدء و ختم، و كان فتحه شيث عليه السلام كما ذكرنا، فختم على مولود يولد على قدم شيث.
و ينطوي بساط انبساط تلك المنح بانطواء أهلها، فيكون الختم على قدم الفتح لأن الأمر دوري، ينعطف الآخر لطلب أوله، فافهم .
و إنما قال رضي الله عنه: (على قدم) و لم يقل: (على قلب) رعاية للأدب لأنه أقرب إلى الأدب و هو مقامهم الذي يرضون لأنفسهم .
و من هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : " أدّبني ربي فأحسن تأديبي"..
قال الشيخ رضي الله عنه: و الأدب مقامنا، و هو الذي أرتضيه لنفسي و لعباد الله.



ذكره في الباب الثالث و الستين و أربعمائة من الفتوحات:
( و هو حامل أعباء  أسراره )، و هي حقائق الأعطيات، و معارف و رقائق المعارف و الوهبيات على كواهل القابليات و الاستعدادات .
( و ليس بعده ولد يرث أباه في هذا النوع) الإنساني الكمالي، من هذا الجنس من الميراث، فيختم به الأمر فهو خاتم الأولاد، و كما أن الختم ينبغي أن يكون على قدم فتحه، فشيث كان مولودا مع أخته .
فقال: و كذلك الختم (تولدمعه أخت له )، فلا يكون إلا توأما ليكون الاختتام كالافتتاح، و لكن سبق أخته و خرج قبلها، لأنه في الاعتبار، و هو بمنزلة العقل الأول في الظهور.
و الأخت لها الدرجة الثانية في مرتبة النفس الكل، بخلاف هذا الخاتم الذي هو آخر مولود له مقام العود و الانقلاب، و الرجوع إلى الأصل.
ففي العود تسبق العرجاء (فتخرج قبله )، لأنّ صورة النفس في الترقي تسبق صورة العقل، و هو يتبعها (و يخرج بعدها) .
كان الفتح متنزلا في الترقي، و الختم تترقى في تنزله فتظهر أحكامه بعكس أحكامها .
( يكون رأسه عند رجليها )، كما كان في الفتح رأسها عند رجليه، فالرجلان إشارة إلى قوتيهما شهوانية و عصبية إذ بهما تمشي و تسعى لجلب المنافع و وقع المضار، كأنه رضي الله عنه أشار إلى أنّ مقام العقل عند انتهاء مراتب النفس، فإنها إذا اطمأنت فيكون ابتداؤه عند انتهائها و انتهاء قواها، فإنه يرجع قهقري .

و النفس لها ثلاث مراتب:
تسمّى فيها النفس أمّارة، فهي باعتبار غلبة قوى الحيوانية و البهيمية .
و لوامة حيث تنتبه و تلوم نفسها عند المخالفات، كأنها تخلط عملا صالحا و آخر سيئا، عسى الله أن يتوب عليها، و هي كالمقدمة لظهور العقل الأول و أحكامه، فلما يكمل استعدادتها و يتطهر مهبط وحيها لخطاب: (ارجعي إلى أصلك فإني جعلت تحتك سريا )، فيظهر العقل تحتها، و هو في السلوك قهقري .
( و مولده بالصين) أقصى البلاد المعمورة و أبعدها إلينا . فلهذا ورد في الحديث : " اطلبوا العلم و لو بالصين"
مبالغة في البعد، فالاعتبار أنه مولده أقصى مراتب الإمكان، و لنزل مراتب التنزلات الإلهية .
( و لغته لغة بلده) بلسان النهوانية على الفطرة الأصلية الأولية من العلوم الإلهية، و المعارف اللدنية، و من يكون مولده الطبيعة الكل يتكلم بكل لسان، و لسانه لا يكل .
من عرف الله طال لسانه: أي بكل لغة، (و يسري العقم في الرجال و النساء) من مولود من هذا الجنس بهذا الوجه .
فلهذا يسمّى المجذوب الأبتر: أبتر: أي ناقص من العقم، و هو العقيم عن النتيجة و التوليد، و لا يقال: إن ذكر أحد الزوجين كان كافيا في المدّعى، و هو عدم الولادة و العقم الساري في الوجود في هذا الجنس .

لأن الشيخ رضي الله عنه ذكر في الباب الثالث و السبعين من الفتوحات :
إن من رجال الله واحدا في كل زمان لا يوجد غيره في مقامه، و هو يشبه عيسى عليه السلام متولد بين الروح و البشر، لا يعلم له أب بشري.
فهو مركب من جنسين مختلفين، و هو رجل البرزخ يكون مولده على هذه الصفة، فهو مخلوق من ماء أمه، خلافا لما ذكر عن أهل الطبائع، أنه لا يتكون من ماء المرأة ولد، بل الله على كل شي ء قدير. انتهى كلامه رضي الله عنه .

و كيف لا؟
و قد كذّب الله الطائفة الناقصة بعيسى عليه السلام، و أمّا وجود موجود بلا أب و لا أم قد يسبق في الأوهام ألوهية تكذيبه، مع إيمانه بأن ذلك من الممكنات، بل و قد وقع كوجود آدم، و ما ذاك إلا الوقوف و التخشّب مع المألوفات، و التحمل بالعادات.
قال تعالى: "كأنّـهُمْ خُشُبٌ مُسنّدةٌ" [ المنافقون: 5] .

( فيكثر النكاح ): أي بلا سفاح، فيدل على أن الإيمان الذي سبب بقاء الملك ما انقطع الآن، و لن ينقطع أنهم تقيدوا بالنكاح، فإن النكاح و هو عقد شرعيّ، و هم مؤمنون به، فافهم .
( من غير ولادة) تخفيفا من الله لا استخفافا . ورد في الخبر :
» خيركم في المائتين الخفيف الحاذ، قيل: يا رسول الله، و ما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له و لا ولد « . رواه الخطيب و ابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم حين نظر إلى الحسن و الحسين رضي الله عنهما يمشيان و يعثران قال صلى الله عليه و سلم :
» صدق الله و رسوله إنما أموالكم و أولادكم فتنة، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما«  ، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .

( و يدعوهم إلى الله تعالى فلا يجاب )، تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته، و إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من القرآن.
فإنه دعاهم بالاسم الجامع (الله )، و طلب منهم الجمع بين الكشف و الحجاب، فأبوا و لم يجيبوا داعي الله لأن الأمر عندهم فرقان و كشف بلا حجاب، و من أقيم في الفرقان صرفا لا يصغي إلى القرآن، و إن كان القرآن يتضمن الفرقان، و لكن الفرقان لا يتضمن القرآن.
و هم في شهود الجمع و الفرقان، صرفا لا يعرفون للقرآن طعما، أو نقول: إنه أغناهم أصباح العيان عن مصباح الإيمان على الحالين، مدحوا بلسان الذم، و لا يعلم ذلك إلا ذو حظّ عظيم، (فإذا قبضه الله، و قبض مؤمني زمانه) الذين آمنوا من قبل (بقي ما بقي) .

ورد في الحديث: " فيبقى شرار الناس في خفة الطير و أحلام السباع"  الحديث  .
في خفة الطير في المعاش و الميعاد، يخرجون خماصا و يرجعون بطانا، بعقول فطرية أصلية حيوانية، يتوصلون إلى مشتهاهمبلا كلفة التكليف، و حجر التشريع .

( مثل البهائم) في دوام الكشف و الشهود، فإنها على الكشف الفطري بلا حجاب كالملائكة .
قال الله تعالى: "لهُمْ قُـلوبٌ لا يفْقهُون بها ولهُمْ أعْينٌ لا يـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لا يسْمعون بها أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179]: أي في الحيرة و الهيمان .
اعلم أن البهائم أمم أمثالكم، لهم الكشف الفطري التام و الشهود العام، و كلها عند أهل الله حيوان ناطق، عالم قادر، متكلم سميع بصير، غير أن هذا المزاج الخاص المسمّى بالإنسان تميز بمزاج خاصّ، و وقع التفاضل بين الخلائق في المزاج .

قال رضي الله عنه: إن ما عدا النقلين من كل ما سوى الله على معرفة بالله، و وحي من الله، و علم بما تجلى له، مفطور على ذلك، بل هم أهل إلهام من الله و وحي .

قال الله تعالى: "وأوحى ربك إلى النّحْلِ" [ النحل: 68]، و لكلّ منهما كلام يخصّه، و صنائع لا يظهر أمثالها إلا لذي عقل و قلب، و ما يرى في ذلك من الأوزان يدل على أن لهم علما و إرادة و قدرة في نفوسهم، بل يرى منهم أمورا و تدابير.
ليس للإنسان الحيواني مثله مع قوة تدبيره العام، فتعارضت عند الناظرين في أمرهم، فأنبهم الأمر عليهم، و ربما سمعوا لذلك بهائم من إبهام الأمر، فلا يعرفوه منهم إلا قدر ما شاهدوه منهم .
وأمّا العارف فألحقهم بدرجة المعارف و العلم بالله لأن الله تعالى كشف للعارف عن أمرهم و أحوالهم حتى عرفهم، وعرف مقامهم الأسنى، وعلم أنهم مفطرون على المعرفة والعلم بالله و بالآفاق و بأنفسهم .

ورد في الخبر أنه قال صلى الله عليه وسلم :
إن بقرة في زمن بني إسرائيل حمل عليها صاحبها فقالت: ما خلقت لهذا؟ و إنما خلقت للحرث، فقال الصحابة رضي الله عنهم أبقرة تتكلم؟ فقال صلى الله عليه و سلم: آمنت بهذا أنا و أبو بكر و عمر، هذه بقرة علمت لما خلقت و الإنس و الجن خلقوا ليعبدوا الله".
وما علموا ذلك إلا بتعريف إلهيّ على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فمنهم من آمن و منهم من كفر، فأين من يراه و شهد ذلك عمّن استبعد وأنكر .

قال رضي الله عنه في الفتوحات:
إن ابن عطاء قدّس سره كان راكبا فغاصت رجل الجمل، فقال ابن عطاء: جلّ الله يزيد عن إجلالك، فاستحى ابن عطاء .

فقال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
إنه مرّ رجل صالح على رجل راكب على حمار وهو يضرب على رأسه حتى يسرع في المشي، فقال الصالح: كم تضرب على رأس الحمار؟
فقال له الحمار: دعه فإنه على رأسه يضرب .
فهذه بقرة علمت لما خلفت، وهذا جمل عرف ربه، وهذا حمار قد عرف المال بالفطرة التي فطر عليها، فانظر أين مرتبتك عن مرتبة البهائم؟
إنها تعرفك و تعرف ما يؤول إليه أمرك و أمره، و أنت جاهل هذا كله، و لا تغرك الآية المتلوّة سابقا لأن الله تعالى ما شبه في الآية، "أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179] نقصا بالأنعام، بل إنما وقع التشبيه في الحيرة و هي صفة كمال، فلا أشد حيرة في الله من العلماء بالله
و من هذا المقام ورد في الخبر:" ربّ زدني فيك تحيرا".
ولولا التحير علم و كمال لما سأل ما سأل لأنه أمر بقل: "رب زدني علما"، و لم يقل: حالا، و ذلك من علو درجة الحيرة، و علو مقام أهلها، لا يغرنك أن البهائم مسخّرة لك، تحمل أثقالك إلى بلد لم تكونوا بالغيه لأنك مسخّر لها في أكلها و شربها.
و تنظيف مبيتها من روثها و بولها، بل جعل فيك حاجة إليها و بها تخدمها خدمة العبد لمولاه، فلا فضل لأحد على أحد بالتسخير.

ورد في الخبر :
» إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل استسقى ولم يسق، فرأى نملة تستسقي وهي رافعة قوامها إلى السماء، فأسقى الله القوم بها«.

ذكر هذا الشيخ الحافظ جلال الدين الأسيوطي في كتاب جمع الجوامع:
و ثبت أنّ كل دابة تسمع خوار الميت على نعشه، و ترى عذاب القبر .
» كان رسول الله صلى الله عليه و سلم راكبا على بغلة، فمرّ على قبر فنفرت فقال صلى الله عليه و سلم: إنها رأت صاحب هذا القبر يعذّب في قبره" .
و أمثال هذه الأخبار كثيرة، فاعرف قدرك ما هلك امرؤ عرف قدره، ولم يتعدّ طوره .
فلما أعطيت البهائم هذه   الكشوف أعطيت الحرس عن التوصل، فافهم .
فإذا عرفت فضل البهائم على الإنسان الحيواني، و علمت أن المراد بالتشبيه كالبهائم تشبيه كمال، و إن كان غيرهم أكمل،  كالبهاليل و المجاذيب الذين أذهلتهم فجأة الكشف، و جعلتهم كالبهائم في الهيمان، و ردّتهم إلى أصل الفطرة حيوانا محضا، و كشف لهم ما تكشفه كل دابة و بهيمة، ما عدا الثقلين فهم أهل كمال، و إن العقلاء منهم أكمل، و ذلك من عموم الكشف على خصوص الخلق في آخر الزمان لقربه بدار الحيوان دار عموم الكشف و العيان .

و أشار إلى هذا  قوله صلى الله عليه و سلم :
"لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، و يكلم الرجل عذبة سوطه، و شراك نعله، و يخبره فخده بما فعل أهله بعده"  .

و في رواية :
"إن الرجل يخرج من عند أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أصابه أهله من بعده"
، و هذا بعينه كما في يوم القيامة . ثبت في الخبر الصحيح :
ستجيئون يوم القيامة و على أفواهكم الفدام، فأول ما يتكلم من الإنسان فخذه و كفه" رواه الحاكم في المستدرك عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
و ما ذلك إلا من عموم الكشف لقرب المناسبة و قوة المشابهة بالآخرة، فإنها دار حيوان، كأنها أهل برزخ بين آخر يوم من الدنيا و أول يوم الآخرة .
قال تعالى:"اليوْم نخْتمُ على أفواهِهِمْ وتكلِّ مُنا أيدِيهِمْ وتشْهدُ أرجُلهُمْ بما كانوا يكْسِبون" [ يس: 65] .
فالمواطن من شدة الشبه تشابهت أحكامها، و زالت الشبه و ظهر حكم: "واعْبدْ رّبك حتّى يأتيك اليقِينُ" [ الحجر: 99] .
قال سهل بن عبد الله التستري قدّس سره في هذه الآية: "اليقين هو الله ".
فأخبر العارف الرباني عن المنزل، فالأول تأويل

وقال الآخر: اليقين هو الموت .
و المفسّر أخبر عن الطريق إليه، ، و الثاني تفسير، فافهم .
"إن يوم القيامة ما تقوم إلا على شرار الناس " وأنت نزلتهم منزلة الخيار.
قلنا: صدقت، و لكن فاتك نظر آخر وما أدراك أن شرار بنسبة خيار بنسبة أخرى، كما أشارإليه الحديث الشريف: " شرار قريش خيار شرار الناس " الشافعي والبيهقي في المعرفة و ذكره في جمع الجوامع .

فأثبت لهم الخير حيث أثبت لهم الشر، فهم شرار الناس بالنسبة إلى العلماء بالله العقلاء، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقرّبين .
سئل أبو السعود بن الشبل قدّس سره عن العقلاء المجانين فقال: ملاح لكن العقلاء أملح، مع أنه ورد في الخبر" خير أمتي أولها و آخرها و في وسطها الكدر". رواه الحكيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
ولا شك أنهم من أمته أو يقول: إنهم شرار الناس الذين لا يتفكّرون في ذات الله، فإنه ورد في الخبر: " خير الناس المتفكّرون في ذات الله" .رواه أبو الشيخ عن نهشل ابن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع وذلك لأن التفكّر فرع العقل، ولا عقل لهم كما عرفته.

( لا يحللون حلالا و لا يحرمون حراما )، قال تعالى: "و ترى النّاس سُكارى وما هُمْ بسُكارى"  [ الحج: 2]، و لكن سلطان الشهود أذهلهم، و أذهب بعقولهم، فذهبوا في الذاهبين.
وبالرجوع إلى العرفان لا بذهاب الأعيان، فهاموا و لم يتميزوا،  كالبهائم سقط عنهم التكليف إذ ليس لهم عقول يعقلون بها، و لا أبصار يبصرون بها.

تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، لا يتعارفون لليل صباحا، و لا لنهار مسائهم أدلة الشبهات والآيات المتشابهات، يسمونهم العقلاء المجانين، عقولهم محبوسة عند حضرة قدسه، كفّه في شهود أنسه .
وها هنا تفصيل آخر سأفصّله لك تفصيلا إن شاء الله تعالى لتكون على إجمال فيما نحن فيه على بصيرة:
وهو أن تعلم أن الناس في هذا المقام على ثلاثة أصناف، و ما ثمة مرتبة رابعة.

منهم من يكون ورده أعظم من القوة التي في نفسه عليها فتحكم:
أي مقام الهيمان الوارد عليه، فيغلب عليه الحال، فيكون بحكمه يتصرف الحال، و لا تدبير له في نفسه ما دام في ذلك الحال، فإن استمرّ عليه إلى آخر العمر، فذلك المسمّى في هذه الطريقة بالمجذوب الأبتر، مأخوذ عنه بالكلية، كأبي عقال المغربي.
قيل: إنه ما أكل وما شرب من حين أخذ إلى أن مات، و ذلك من مدة أربع سنين بمكة المشرفة، فهو مجنون مستور، كأنهم الذين أشار إليهم صلى الله عليه و سلم في حديث طويل في أشراط الساعة، و خروج الدجال .
»وأنه يجئ على الناس القحط و الجذب حتى يموت كل ذي ظلف، فقيل: يا رسول الله، فما يعيش بقية الناس؟
فقال:  عيشهم التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، يجري ذلك مجرى الطعام". رواه أبو إمامة، ذكره السخاوي في كتابه المسمّى بالقناعة .
و من هذا المقام حكى الشيخ رضي اللّه عنه في الفتوحات :
إنه قيل لسهل بن عبد الله: ما القوت؟
قال: الله ما نريد إلا ما تقع به الحياة
قال: الله فلم ير إلا الله، فلمّا ألحّوا عليه.
قالوا: إنما لنريد به عمارة هذا الجسم، فهم إنهم ما فهموا.
فقال: دع الدار إلى بانيها إن شاء عمّرها، و إن شاء أخربها، و إن لم يستمر إلى آخر فيمسك عقله هناك، و يبقي عليه عقل حيواني، فيأكل و يشرب و يتصرف من غير تدبير منه و لا روية، فهؤلاء يسمّون العقلاء المجانين لتناولهم العيش الطبيعي بحكم الطبع كسائر الحيوانات .

حكى الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات عن هذا المقام، و قال:
إنه مرّ عليّ وقت أؤدّي فيه الصلوات الخمس، إما بالجماعة على ما قيل لي بإتمام الركوع و السجود و جميع أركانها و آدابها، و أنا في هذا  كله لا علم لي بذلك لشهود غلب عليّ غيبت عني، و أخبرت إليّ، كنت أقيم الصلاة و أصلي بالناس.
وكانت حركاتي كحركات النائم الذي لا علم له بذلك، فعلمت أن الله تعالى حفظ عليّ وقتي. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالذي لم يستمر فإذا زال الوارد رجع بحسبه و عقله، و هذا أكمل المراتب في هذا الطريق، و هو للأنبياء و الرسل و الوارثين، صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .
و منهم من يكون وارده و تجليه مساويا لقوّته، فلا يرى عليه أثر من ذلك حاكم عليه، و حاله إمّا كحال جليس يكون معك في حديث، فيأتي شخص آخر يشغله عنك في ذلك.
و إمّا كرجل يحدّثك فأخذته فكرة في أمر، فصرف حسّه عنك إليه في خياله، فجمدت عينه و نظره و أنت تحدّثه، و هو غير قابل لحديثك، فتشعر أنه مشغول باطنه، متفكّر في أمر صارف، و منهم من يكون قوته أقوى من الوارد، فإذا أتاه وهو معك بالحديث و أنت لا تدري به .

قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الرابع و الأربعين من الفتوحات :
إنه ما ثمّ أمر رابع في واردات الحق على قلوب أهل هذه الطريقة، و هي مسألة غلط فيها بعض أهل الطريق في الفرق بين النبي و الولي.
فقال: إن الأنبياء يصرفون الأحوال والأولياء تصرفهم الأحوال، فالأنبياء مالكون لأحوالهم، و الأولياء مملوكون لأحوالهم، و ليس الأمر فيه غير ما فصّلناه، فافهم .
( يتصرفون بحكم الطبيعة) لأنهم بقوا في عالم الشهادة بروحهم الحيواني يتصرفون في ضروراتهم الحيوانية تصرف الحيوان المفطور على العلم بمنافعه و مضاره المحسوسة من غير تدبير منهم، و لا روية.
كما في نشأة أهل السعادة في الجنان وهو دار الحيوان، فإنه لا يبقى في تلك النشأة إلا النفس الحيوانية، بها تكون اللذة لأهل النعيم. انتهى كلامه .
فهم المخبتون، قال الله تعالى: "وبشرِ المُخْبتين" [ الحج: 34]، والمخبت : المطمئن من الأرض، و منه خبت إذا سكنت و اطمأن لهبها، فهم ساكنون تحت حجاري الأقدار، راضون مطمئنون، فرحونبما أتاهم الله، متنعمون بما هم فيه، فإن نار طبيعتهم خبتت و خملت، و اطمأنت بالوصول إلى مشتهاهم الطبيعي الحيواني، حيث لا حجر عليهم .
ورد في الخبر :
" دعوا المذنبين الغارقين، لا تنزلوهم جنة و لا نارا ليكون الله الحكم فيهم" رواه الديلمي عن عائشة رضي الله عنها .
و في رواية  : "حتى يكون الله يقضي فيهم يوم القيامة" رواه الخطيب عن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه .
و هم كأنهم أهل بدر: " افعلوا ما شئتم " ، بل أقيموا في مقام:"لا يسْئلُ عمّا يفْعلُ" [ الأنبياء: 23]

شعر :
بنوا حق غدوا بالحق صرفا     ...... فنعت الخلق فيهم مستعار
هم أهل إطلاق صرف أصلي و نظر أوليته لأنه الأصل .
قال تعالى: "خلق لكُمْ ما في الْأ رضِ جمِيعاً" [ البقرة: 29]، أطلق و لم يقيد، ثم جاء التقييد، و حدث التحجّر في الحكم فيه، فالإطلاق أصل، و التقييد عارض.
ومن هنا قيل: إن الأصل في الأشياء المباحة (شهوة) حيوانية، صرفة خالصة عن شوب التحجير و التقييد، كما كانت عند الفطرة أول مرة، هذا هو الرجوع إلى البداية حقّا .
قال رضي الله عنه في الباب السبعين و المائتين من الفتوحات :
إن القطب لا ينكح و لا يرغب فيه للنسل و لا للأمر، بل لمحض الشهوة الطبيعية، و اللذة الحيوانية، كأهل الجنة و على هذا يجري نكاح البهائم، فإنه لمجرد الشهوة. انتهى  كلامه رضي الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله عليه وسلم أنه شبه تهاجرهم و تساندهم تهارج الحمر فإنها أشد حيوان في أخذهم ذلك الحظ، و أقوالهم فيه .

و ورد في الخبر في أشراط الساعة :
"إذا  قبض روح كل مؤمن و كل مسلم، و يبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة" .
قال السخاوي رحمه الله في معنى التهارج: أي التعاقد، و هو النكاح من البهائم .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: إن الناس غابوا عن هذا الشرف، و عابوا فاعلها، و جعلوها شهوة حيوانية مذمومة، و نزهوا نفوسهم عنها مع كونهم سمّوها شرف أسمائها، و هو قولهم: حيوانية: أي هي من خصائص الحيوان، و أي شرف أشرف و أتم و أعظم و أعم من الحياة .
و من هذا سمّيت دار الآخرة دار الحيوان، و بها تميزت عن الدنيا، فالذي اعتقده نقصا و هجاء ردّ الله ثناءهم عليهم، و أجرى على لسانهم مدحا و ثناء، فاستدرجهم من حيث لا يشعرون .
قال الشيخ الأكبر: هذه هي التجلي الأعظم، و فيها الشهود الأشمل الأتم، الذي خفي عن الثقلين إلا من خصّه الله من عباده. انتهى كلامه .
( مجردة عن الشرع و العقل )، إنما قال: مجردة عن العقل ليخرج منه النواميس الوضيعة الحكمية العقلية، فإنها رهبانية ابتدعوها، و ما رعوها حق رعايتها، فهم بمعزل عنه كما فهمته سابقا .
قال رضي الله عنه في الفص الإلياسي: من أراد العثور على الحكمة الإلياسية و الإدريسية، فلينزل في حكم عقله إلى شهوته، و ليكن حيوانا مطلقا حتى ينكشف ما يكشفه كل دابة، مما عدا الثقلين. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و إمّا مجرّدة عن الشرع فلأن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة عن أفعال مخصوصة على أشخاص مخصوصة، و محلها هذا الدار الدنيا، فهي منقطعة بانقطاع أهلها أهل الإيمان كما عرفت، فما بقي منهم في الدار ديارا، و يقول: مجردة عن الشرع: أي المقيد لأن المقام مقام الإطلاق، و محل ظهور الشرع المحمّدي صلى الله عليه و سلم بصرافة إطلاقه في الآفاق من غير تحجير و تحديد. 
قال تعالى : "ما مِنْ دابّةٍ إلّا هُو آخِذٌ بناصِيتها إنّ ربِّي على  صِراطٍ مُسْتقِيمٍ" [هود: 56. [
هذا دين الله الأعم، و إن الدين كله لله، ألا لله الدين الخالص، فصاحب هذا المشهد يرى وجه الحق في كل محل و ملة، قال تعالى:"فأينما تولُّوا فثمّ وجْهُ اللّهِ " [ البقرة: 115. [

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثامن .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 3:08 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثامن .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية    الجزء الثامن
قال المصنف رضي الله عنه :
(فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله، يعرف استعداده إلا بعد القبول، وإن كان يعرفه مجملا .
إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه . و لهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير .
والمحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن و ما هو الممكن . و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة).

قال الشارح رضي الله عنه :
( فمن عرف استعداده عرف قبوله )، فإن العلم بالعلة من حيث أنها علة يوجب العلم بالمعلول، كما يظهر في باب التضايف، فهو ممن عرف القبول بالاستعداد، لا من الذي عرف الاستعداد بالقبول لأنه دونه .
( و ما كل من عرف قبوله يعرف استعداده )، بل و لا يعلم ذلك الاستعداد :
( إلا بعد القبول) حيث رأى أنه قبل ذلك، فعرف أن لو لا الاستعداد ما قبل ذلك .
( و إن كان يعرفه ): أي الاستعداد (مجملا )، فالأول صاحب العلم التفصيلي بالاستعدادات التفصيلية، و الثاني صاحب العلم الإجمالي 
 و أين هذا من هذا، بل الأول أتم و أعم ما يكون في معرفة الاستعدادات في صنعه لأنه مطلع على غيبه بعثوره على عينه، بل هو مشرف على أحكام أعيان غيره و أحواله، فافهم .

فلما قرأ الاقتضاءات ذاتية، و الطلبات و المنح النفثية نفسية علم أن الله فعال لما يريد، و ما يريد إلا ما يريد المريد .
قال الله تعالى: "و ربُّك يخْلقُ ما يشاءُ و يخْتارُ ما كان لهُمُ الخِيرُة" [ القصص : 68 ].
فمنهم شقي طلب شقاوته، و منهم سعيد طلب سعادته، و لو شاء لهداكم أجمعين، لكنه لم يشاء لأن الحكمة اقتضت ذلك، قال تعالى: "وأنّ اللّه ليس بظلّاٍم للْعبيدِ"[ الحج: 10].

قال المصنف رضي الله عنه : (و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. و هو حامل أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد، و تولد معه أخت له فتخرج قبله، و يخرج بعدها و يكون رأسه عند رجليها و يكون مولده بالصين و لغته لغة بلده و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله، فلا يجاب فإذا قبضه الله و قبض مؤمني زمانه بقي من بقى مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة).
قال الشارح رحمة الله :
( وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني )، لما كانت الدنيا لها بداية و نهاية و هي ختمها، قضى الله سبحانه أن يكون جميع ما فيها له بدء و ختم، و منه كان صلى الله عليه و سلم في النبوة و الرسالة بدءا و ختما .
ورد في الخبر: " إنما بعثت خاتما فاتحا " الحديث. رواه البيهقي في شعب الإيمان، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
و منه كان ختم الولاية خاتما فاتحا، فاقتضى الشأن و الأمر أن يكون للمنح و الأعطيات بدء و ختم، و كان فتحه شيث عليه السلام كما ذكرنا، فختم على مولود يولد على قدم شيث.
و ينطوي بساط انبساط تلك المنح بانطواء أهلها، فيكون الختم على قدم الفتح لأن الأمر دوري، ينعطف الآخر لطلب أوله، فافهم .
و إنما قال رضي الله عنه: (على قدم) و لم يقل: (على قلب) رعاية للأدب لأنه أقرب إلى الأدب و هو مقامهم الذي يرضون لأنفسهم .
و من هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : " أدّبني ربي فأحسن تأديبي"..
قال الشيخ رضي الله عنه: و الأدب مقامنا، و هو الذي أرتضيه لنفسي و لعباد الله.



ذكره في الباب الثالث و الستين و أربعمائة من الفتوحات:
( و هو حامل أعباء  أسراره )، و هي حقائق الأعطيات، و معارف و رقائق المعارف و الوهبيات على كواهل القابليات و الاستعدادات .
( و ليس بعده ولد يرث أباه في هذا النوع) الإنساني الكمالي، من هذا الجنس من الميراث، فيختم به الأمر فهو خاتم الأولاد، و كما أن الختم ينبغي أن يكون على قدم فتحه، فشيث كان مولودا مع أخته .
فقال: و كذلك الختم (تولدمعه أخت له )، فلا يكون إلا توأما ليكون الاختتام كالافتتاح، و لكن سبق أخته و خرج قبلها، لأنه في الاعتبار، و هو بمنزلة العقل الأول في الظهور.
و الأخت لها الدرجة الثانية في مرتبة النفس الكل، بخلاف هذا الخاتم الذي هو آخر مولود له مقام العود و الانقلاب، و الرجوع إلى الأصل.
ففي العود تسبق العرجاء (فتخرج قبله )، لأنّ صورة النفس في الترقي تسبق صورة العقل، و هو يتبعها (و يخرج بعدها) .
كان الفتح متنزلا في الترقي، و الختم تترقى في تنزله فتظهر أحكامه بعكس أحكامها .
( يكون رأسه عند رجليها )، كما كان في الفتح رأسها عند رجليه، فالرجلان إشارة إلى قوتيهما شهوانية و عصبية إذ بهما تمشي و تسعى لجلب المنافع و وقع المضار، كأنه رضي الله عنه أشار إلى أنّ مقام العقل عند انتهاء مراتب النفس، فإنها إذا اطمأنت فيكون ابتداؤه عند انتهائها و انتهاء قواها، فإنه يرجع قهقري .

و النفس لها ثلاث مراتب:
تسمّى فيها النفس أمّارة، فهي باعتبار غلبة قوى الحيوانية و البهيمية .
و لوامة حيث تنتبه و تلوم نفسها عند المخالفات، كأنها تخلط عملا صالحا و آخر سيئا، عسى الله أن يتوب عليها، و هي كالمقدمة لظهور العقل الأول و أحكامه، فلما يكمل استعدادتها و يتطهر مهبط وحيها لخطاب: (ارجعي إلى أصلك فإني جعلت تحتك سريا )، فيظهر العقل تحتها، و هو في السلوك قهقري .
( و مولده بالصين) أقصى البلاد المعمورة و أبعدها إلينا . فلهذا ورد في الحديث : " اطلبوا العلم و لو بالصين"
مبالغة في البعد، فالاعتبار أنه مولده أقصى مراتب الإمكان، و لنزل مراتب التنزلات الإلهية .
( و لغته لغة بلده) بلسان النهوانية على الفطرة الأصلية الأولية من العلوم الإلهية، و المعارف اللدنية، و من يكون مولده الطبيعة الكل يتكلم بكل لسان، و لسانه لا يكل .
من عرف الله طال لسانه: أي بكل لغة، (و يسري العقم في الرجال و النساء) من مولود من هذا الجنس بهذا الوجه .
فلهذا يسمّى المجذوب الأبتر: أبتر: أي ناقص من العقم، و هو العقيم عن النتيجة و التوليد، و لا يقال: إن ذكر أحد الزوجين كان كافيا في المدّعى، و هو عدم الولادة و العقم الساري في الوجود في هذا الجنس .

لأن الشيخ رضي الله عنه ذكر في الباب الثالث و السبعين من الفتوحات :
إن من رجال الله واحدا في كل زمان لا يوجد غيره في مقامه، و هو يشبه عيسى عليه السلام متولد بين الروح و البشر، لا يعلم له أب بشري.
فهو مركب من جنسين مختلفين، و هو رجل البرزخ يكون مولده على هذه الصفة، فهو مخلوق من ماء أمه، خلافا لما ذكر عن أهل الطبائع، أنه لا يتكون من ماء المرأة ولد، بل الله على كل شي ء قدير. انتهى كلامه رضي الله عنه .

و كيف لا؟
و قد كذّب الله الطائفة الناقصة بعيسى عليه السلام، و أمّا وجود موجود بلا أب و لا أم قد يسبق في الأوهام ألوهية تكذيبه، مع إيمانه بأن ذلك من الممكنات، بل و قد وقع كوجود آدم، و ما ذاك إلا الوقوف و التخشّب مع المألوفات، و التحمل بالعادات.
قال تعالى: "كأنّـهُمْ خُشُبٌ مُسنّدةٌ" [ المنافقون: 5] .

( فيكثر النكاح ): أي بلا سفاح، فيدل على أن الإيمان الذي سبب بقاء الملك ما انقطع الآن، و لن ينقطع أنهم تقيدوا بالنكاح، فإن النكاح و هو عقد شرعيّ، و هم مؤمنون به، فافهم .
( من غير ولادة) تخفيفا من الله لا استخفافا . ورد في الخبر :
» خيركم في المائتين الخفيف الحاذ، قيل: يا رسول الله، و ما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له و لا ولد « . رواه الخطيب و ابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم حين نظر إلى الحسن و الحسين رضي الله عنهما يمشيان و يعثران قال صلى الله عليه و سلم :
» صدق الله و رسوله إنما أموالكم و أولادكم فتنة، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما«  ، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .

( و يدعوهم إلى الله تعالى فلا يجاب )، تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته، و إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من القرآن.
فإنه دعاهم بالاسم الجامع (الله )، و طلب منهم الجمع بين الكشف و الحجاب، فأبوا و لم يجيبوا داعي الله لأن الأمر عندهم فرقان و كشف بلا حجاب، و من أقيم في الفرقان صرفا لا يصغي إلى القرآن، و إن كان القرآن يتضمن الفرقان، و لكن الفرقان لا يتضمن القرآن.
و هم في شهود الجمع و الفرقان، صرفا لا يعرفون للقرآن طعما، أو نقول: إنه أغناهم أصباح العيان عن مصباح الإيمان على الحالين، مدحوا بلسان الذم، و لا يعلم ذلك إلا ذو حظّ عظيم، (فإذا قبضه الله، و قبض مؤمني زمانه) الذين آمنوا من قبل (بقي ما بقي) .

ورد في الحديث: " فيبقى شرار الناس في خفة الطير و أحلام السباع"  الحديث  .
في خفة الطير في المعاش و الميعاد، يخرجون خماصا و يرجعون بطانا، بعقول فطرية أصلية حيوانية، يتوصلون إلى مشتهاهمبلا كلفة التكليف، و حجر التشريع .

( مثل البهائم) في دوام الكشف و الشهود، فإنها على الكشف الفطري بلا حجاب كالملائكة .
قال الله تعالى: "لهُمْ قُـلوبٌ لا يفْقهُون بها ولهُمْ أعْينٌ لا يـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لا يسْمعون بها أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179]: أي في الحيرة و الهيمان .
اعلم أن البهائم أمم أمثالكم، لهم الكشف الفطري التام و الشهود العام، و كلها عند أهل الله حيوان ناطق، عالم قادر، متكلم سميع بصير، غير أن هذا المزاج الخاص المسمّى بالإنسان تميز بمزاج خاصّ، و وقع التفاضل بين الخلائق في المزاج .

قال رضي الله عنه: إن ما عدا النقلين من كل ما سوى الله على معرفة بالله، و وحي من الله، و علم بما تجلى له، مفطور على ذلك، بل هم أهل إلهام من الله و وحي .

قال الله تعالى: "وأوحى ربك إلى النّحْلِ" [ النحل: 68]، و لكلّ منهما كلام يخصّه، و صنائع لا يظهر أمثالها إلا لذي عقل و قلب، و ما يرى في ذلك من الأوزان يدل على أن لهم علما و إرادة و قدرة في نفوسهم، بل يرى منهم أمورا و تدابير.
ليس للإنسان الحيواني مثله مع قوة تدبيره العام، فتعارضت عند الناظرين في أمرهم، فأنبهم الأمر عليهم، و ربما سمعوا لذلك بهائم من إبهام الأمر، فلا يعرفوه منهم إلا قدر ما شاهدوه منهم .
وأمّا العارف فألحقهم بدرجة المعارف و العلم بالله لأن الله تعالى كشف للعارف عن أمرهم و أحوالهم حتى عرفهم، وعرف مقامهم الأسنى، وعلم أنهم مفطرون على المعرفة والعلم بالله و بالآفاق و بأنفسهم .

ورد في الخبر أنه قال صلى الله عليه وسلم :
إن بقرة في زمن بني إسرائيل حمل عليها صاحبها فقالت: ما خلقت لهذا؟ و إنما خلقت للحرث، فقال الصحابة رضي الله عنهم أبقرة تتكلم؟ فقال صلى الله عليه و سلم: آمنت بهذا أنا و أبو بكر و عمر، هذه بقرة علمت لما خلقت و الإنس و الجن خلقوا ليعبدوا الله".
وما علموا ذلك إلا بتعريف إلهيّ على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فمنهم من آمن و منهم من كفر، فأين من يراه و شهد ذلك عمّن استبعد وأنكر .

قال رضي الله عنه في الفتوحات:
إن ابن عطاء قدّس سره كان راكبا فغاصت رجل الجمل، فقال ابن عطاء: جلّ الله يزيد عن إجلالك، فاستحى ابن عطاء .

فقال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
إنه مرّ رجل صالح على رجل راكب على حمار وهو يضرب على رأسه حتى يسرع في المشي، فقال الصالح: كم تضرب على رأس الحمار؟
فقال له الحمار: دعه فإنه على رأسه يضرب .
فهذه بقرة علمت لما خلفت، وهذا جمل عرف ربه، وهذا حمار قد عرف المال بالفطرة التي فطر عليها، فانظر أين مرتبتك عن مرتبة البهائم؟
إنها تعرفك و تعرف ما يؤول إليه أمرك و أمره، و أنت جاهل هذا كله، و لا تغرك الآية المتلوّة سابقا لأن الله تعالى ما شبه في الآية، "أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179] نقصا بالأنعام، بل إنما وقع التشبيه في الحيرة و هي صفة كمال، فلا أشد حيرة في الله من العلماء بالله
و من هذا المقام ورد في الخبر:" ربّ زدني فيك تحيرا".
ولولا التحير علم و كمال لما سأل ما سأل لأنه أمر بقل: "رب زدني علما"، و لم يقل: حالا، و ذلك من علو درجة الحيرة، و علو مقام أهلها، لا يغرنك أن البهائم مسخّرة لك، تحمل أثقالك إلى بلد لم تكونوا بالغيه لأنك مسخّر لها في أكلها و شربها.
و تنظيف مبيتها من روثها و بولها، بل جعل فيك حاجة إليها و بها تخدمها خدمة العبد لمولاه، فلا فضل لأحد على أحد بالتسخير.

ورد في الخبر :
» إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل استسقى ولم يسق، فرأى نملة تستسقي وهي رافعة قوامها إلى السماء، فأسقى الله القوم بها«.

ذكر هذا الشيخ الحافظ جلال الدين الأسيوطي في كتاب جمع الجوامع:
و ثبت أنّ كل دابة تسمع خوار الميت على نعشه، و ترى عذاب القبر .
» كان رسول الله صلى الله عليه و سلم راكبا على بغلة، فمرّ على قبر فنفرت فقال صلى الله عليه و سلم: إنها رأت صاحب هذا القبر يعذّب في قبره" .
و أمثال هذه الأخبار كثيرة، فاعرف قدرك ما هلك امرؤ عرف قدره، ولم يتعدّ طوره .
فلما أعطيت البهائم هذه   الكشوف أعطيت الحرس عن التوصل، فافهم .
فإذا عرفت فضل البهائم على الإنسان الحيواني، و علمت أن المراد بالتشبيه كالبهائم تشبيه كمال، و إن كان غيرهم أكمل،  كالبهاليل و المجاذيب الذين أذهلتهم فجأة الكشف، و جعلتهم كالبهائم في الهيمان، و ردّتهم إلى أصل الفطرة حيوانا محضا، و كشف لهم ما تكشفه كل دابة و بهيمة، ما عدا الثقلين فهم أهل كمال، و إن العقلاء منهم أكمل، و ذلك من عموم الكشف على خصوص الخلق في آخر الزمان لقربه بدار الحيوان دار عموم الكشف و العيان .

و أشار إلى هذا  قوله صلى الله عليه و سلم :
"لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، و يكلم الرجل عذبة سوطه، و شراك نعله، و يخبره فخده بما فعل أهله بعده"  .

و في رواية :
"إن الرجل يخرج من عند أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أصابه أهله من بعده"
، و هذا بعينه كما في يوم القيامة . ثبت في الخبر الصحيح :
ستجيئون يوم القيامة و على أفواهكم الفدام، فأول ما يتكلم من الإنسان فخذه و كفه" رواه الحاكم في المستدرك عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
و ما ذلك إلا من عموم الكشف لقرب المناسبة و قوة المشابهة بالآخرة، فإنها دار حيوان، كأنها أهل برزخ بين آخر يوم من الدنيا و أول يوم الآخرة .
قال تعالى:"اليوْم نخْتمُ على أفواهِهِمْ وتكلِّ مُنا أيدِيهِمْ وتشْهدُ أرجُلهُمْ بما كانوا يكْسِبون" [ يس: 65] .
فالمواطن من شدة الشبه تشابهت أحكامها، و زالت الشبه و ظهر حكم: "واعْبدْ رّبك حتّى يأتيك اليقِينُ" [ الحجر: 99] .
قال سهل بن عبد الله التستري قدّس سره في هذه الآية: "اليقين هو الله ".
فأخبر العارف الرباني عن المنزل، فالأول تأويل

وقال الآخر: اليقين هو الموت .
و المفسّر أخبر عن الطريق إليه، ، و الثاني تفسير، فافهم .
"إن يوم القيامة ما تقوم إلا على شرار الناس " وأنت نزلتهم منزلة الخيار.
قلنا: صدقت، و لكن فاتك نظر آخر وما أدراك أن شرار بنسبة خيار بنسبة أخرى، كما أشارإليه الحديث الشريف: " شرار قريش خيار شرار الناس " الشافعي والبيهقي في المعرفة و ذكره في جمع الجوامع .

فأثبت لهم الخير حيث أثبت لهم الشر، فهم شرار الناس بالنسبة إلى العلماء بالله العقلاء، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقرّبين .
سئل أبو السعود بن الشبل قدّس سره عن العقلاء المجانين فقال: ملاح لكن العقلاء أملح، مع أنه ورد في الخبر" خير أمتي أولها و آخرها و في وسطها الكدر". رواه الحكيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
ولا شك أنهم من أمته أو يقول: إنهم شرار الناس الذين لا يتفكّرون في ذات الله، فإنه ورد في الخبر: " خير الناس المتفكّرون في ذات الله" .رواه أبو الشيخ عن نهشل ابن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع وذلك لأن التفكّر فرع العقل، ولا عقل لهم كما عرفته.

( لا يحللون حلالا و لا يحرمون حراما )، قال تعالى: "و ترى النّاس سُكارى وما هُمْ بسُكارى"  [ الحج: 2]، و لكن سلطان الشهود أذهلهم، و أذهب بعقولهم، فذهبوا في الذاهبين.
وبالرجوع إلى العرفان لا بذهاب الأعيان، فهاموا و لم يتميزوا،  كالبهائم سقط عنهم التكليف إذ ليس لهم عقول يعقلون بها، و لا أبصار يبصرون بها.

تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، لا يتعارفون لليل صباحا، و لا لنهار مسائهم أدلة الشبهات والآيات المتشابهات، يسمونهم العقلاء المجانين، عقولهم محبوسة عند حضرة قدسه، كفّه في شهود أنسه .
وها هنا تفصيل آخر سأفصّله لك تفصيلا إن شاء الله تعالى لتكون على إجمال فيما نحن فيه على بصيرة:
وهو أن تعلم أن الناس في هذا المقام على ثلاثة أصناف، و ما ثمة مرتبة رابعة.

منهم من يكون ورده أعظم من القوة التي في نفسه عليها فتحكم:
أي مقام الهيمان الوارد عليه، فيغلب عليه الحال، فيكون بحكمه يتصرف الحال، و لا تدبير له في نفسه ما دام في ذلك الحال، فإن استمرّ عليه إلى آخر العمر، فذلك المسمّى في هذه الطريقة بالمجذوب الأبتر، مأخوذ عنه بالكلية، كأبي عقال المغربي.
قيل: إنه ما أكل وما شرب من حين أخذ إلى أن مات، و ذلك من مدة أربع سنين بمكة المشرفة، فهو مجنون مستور، كأنهم الذين أشار إليهم صلى الله عليه و سلم في حديث طويل في أشراط الساعة، و خروج الدجال .
»وأنه يجئ على الناس القحط و الجذب حتى يموت كل ذي ظلف، فقيل: يا رسول الله، فما يعيش بقية الناس؟
فقال:  عيشهم التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، يجري ذلك مجرى الطعام". رواه أبو إمامة، ذكره السخاوي في كتابه المسمّى بالقناعة .
و من هذا المقام حكى الشيخ رضي اللّه عنه في الفتوحات :
إنه قيل لسهل بن عبد الله: ما القوت؟
قال: الله ما نريد إلا ما تقع به الحياة
قال: الله فلم ير إلا الله، فلمّا ألحّوا عليه.
قالوا: إنما لنريد به عمارة هذا الجسم، فهم إنهم ما فهموا.
فقال: دع الدار إلى بانيها إن شاء عمّرها، و إن شاء أخربها، و إن لم يستمر إلى آخر فيمسك عقله هناك، و يبقي عليه عقل حيواني، فيأكل و يشرب و يتصرف من غير تدبير منه و لا روية، فهؤلاء يسمّون العقلاء المجانين لتناولهم العيش الطبيعي بحكم الطبع كسائر الحيوانات .

حكى الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات عن هذا المقام، و قال:
إنه مرّ عليّ وقت أؤدّي فيه الصلوات الخمس، إما بالجماعة على ما قيل لي بإتمام الركوع و السجود و جميع أركانها و آدابها، و أنا في هذا  كله لا علم لي بذلك لشهود غلب عليّ غيبت عني، و أخبرت إليّ، كنت أقيم الصلاة و أصلي بالناس.
وكانت حركاتي كحركات النائم الذي لا علم له بذلك، فعلمت أن الله تعالى حفظ عليّ وقتي. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالذي لم يستمر فإذا زال الوارد رجع بحسبه و عقله، و هذا أكمل المراتب في هذا الطريق، و هو للأنبياء و الرسل و الوارثين، صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .
و منهم من يكون وارده و تجليه مساويا لقوّته، فلا يرى عليه أثر من ذلك حاكم عليه، و حاله إمّا كحال جليس يكون معك في حديث، فيأتي شخص آخر يشغله عنك في ذلك.
و إمّا كرجل يحدّثك فأخذته فكرة في أمر، فصرف حسّه عنك إليه في خياله، فجمدت عينه و نظره و أنت تحدّثه، و هو غير قابل لحديثك، فتشعر أنه مشغول باطنه، متفكّر في أمر صارف، و منهم من يكون قوته أقوى من الوارد، فإذا أتاه وهو معك بالحديث و أنت لا تدري به .

قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الرابع و الأربعين من الفتوحات :
إنه ما ثمّ أمر رابع في واردات الحق على قلوب أهل هذه الطريقة، و هي مسألة غلط فيها بعض أهل الطريق في الفرق بين النبي و الولي.
فقال: إن الأنبياء يصرفون الأحوال والأولياء تصرفهم الأحوال، فالأنبياء مالكون لأحوالهم، و الأولياء مملوكون لأحوالهم، و ليس الأمر فيه غير ما فصّلناه، فافهم .
( يتصرفون بحكم الطبيعة) لأنهم بقوا في عالم الشهادة بروحهم الحيواني يتصرفون في ضروراتهم الحيوانية تصرف الحيوان المفطور على العلم بمنافعه و مضاره المحسوسة من غير تدبير منهم، و لا روية.
كما في نشأة أهل السعادة في الجنان وهو دار الحيوان، فإنه لا يبقى في تلك النشأة إلا النفس الحيوانية، بها تكون اللذة لأهل النعيم. انتهى كلامه .
فهم المخبتون، قال الله تعالى: "وبشرِ المُخْبتين" [ الحج: 34]، والمخبت : المطمئن من الأرض، و منه خبت إذا سكنت و اطمأن لهبها، فهم ساكنون تحت حجاري الأقدار، راضون مطمئنون، فرحونبما أتاهم الله، متنعمون بما هم فيه، فإن نار طبيعتهم خبتت و خملت، و اطمأنت بالوصول إلى مشتهاهم الطبيعي الحيواني، حيث لا حجر عليهم .
ورد في الخبر :
" دعوا المذنبين الغارقين، لا تنزلوهم جنة و لا نارا ليكون الله الحكم فيهم" رواه الديلمي عن عائشة رضي الله عنها .
و في رواية  : "حتى يكون الله يقضي فيهم يوم القيامة" رواه الخطيب عن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه .
و هم كأنهم أهل بدر: " افعلوا ما شئتم " ، بل أقيموا في مقام:"لا يسْئلُ عمّا يفْعلُ" [ الأنبياء: 23]

شعر :
بنوا حق غدوا بالحق صرفا     ...... فنعت الخلق فيهم مستعار
هم أهل إطلاق صرف أصلي و نظر أوليته لأنه الأصل .
قال تعالى: "خلق لكُمْ ما في الْأ رضِ جمِيعاً" [ البقرة: 29]، أطلق و لم يقيد، ثم جاء التقييد، و حدث التحجّر في الحكم فيه، فالإطلاق أصل، و التقييد عارض.
ومن هنا قيل: إن الأصل في الأشياء المباحة (شهوة) حيوانية، صرفة خالصة عن شوب التحجير و التقييد، كما كانت عند الفطرة أول مرة، هذا هو الرجوع إلى البداية حقّا .
قال رضي الله عنه في الباب السبعين و المائتين من الفتوحات :
إن القطب لا ينكح و لا يرغب فيه للنسل و لا للأمر، بل لمحض الشهوة الطبيعية، و اللذة الحيوانية، كأهل الجنة و على هذا يجري نكاح البهائم، فإنه لمجرد الشهوة. انتهى  كلامه رضي الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله عليه وسلم أنه شبه تهاجرهم و تساندهم تهارج الحمر فإنها أشد حيوان في أخذهم ذلك الحظ، و أقوالهم فيه .

و ورد في الخبر في أشراط الساعة :
"إذا  قبض روح كل مؤمن و كل مسلم، و يبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة" .
قال السخاوي رحمه الله في معنى التهارج: أي التعاقد، و هو النكاح من البهائم .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: إن الناس غابوا عن هذا الشرف، و عابوا فاعلها، و جعلوها شهوة حيوانية مذمومة، و نزهوا نفوسهم عنها مع كونهم سمّوها شرف أسمائها، و هو قولهم: حيوانية: أي هي من خصائص الحيوان، و أي شرف أشرف و أتم و أعظم و أعم من الحياة .
و من هذا سمّيت دار الآخرة دار الحيوان، و بها تميزت عن الدنيا، فالذي اعتقده نقصا و هجاء ردّ الله ثناءهم عليهم، و أجرى على لسانهم مدحا و ثناء، فاستدرجهم من حيث لا يشعرون .
قال الشيخ الأكبر: هذه هي التجلي الأعظم، و فيها الشهود الأشمل الأتم، الذي خفي عن الثقلين إلا من خصّه الله من عباده. انتهى كلامه .
( مجردة عن الشرع و العقل )، إنما قال: مجردة عن العقل ليخرج منه النواميس الوضيعة الحكمية العقلية، فإنها رهبانية ابتدعوها، و ما رعوها حق رعايتها، فهم بمعزل عنه كما فهمته سابقا .
قال رضي الله عنه في الفص الإلياسي: من أراد العثور على الحكمة الإلياسية و الإدريسية، فلينزل في حكم عقله إلى شهوته، و ليكن حيوانا مطلقا حتى ينكشف ما يكشفه كل دابة، مما عدا الثقلين. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و إمّا مجرّدة عن الشرع فلأن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة عن أفعال مخصوصة على أشخاص مخصوصة، و محلها هذا الدار الدنيا، فهي منقطعة بانقطاع أهلها أهل الإيمان كما عرفت، فما بقي منهم في الدار ديارا، و يقول: مجردة عن الشرع: أي المقيد لأن المقام مقام الإطلاق، و محل ظهور الشرع المحمّدي صلى الله عليه و سلم بصرافة إطلاقه في الآفاق من غير تحجير و تحديد. 
قال تعالى : "ما مِنْ دابّةٍ إلّا هُو آخِذٌ بناصِيتها إنّ ربِّي على  صِراطٍ مُسْتقِيمٍ" [هود: 56. ]
هذا دين الله الأعم، و إن الدين كله لله، ألا لله الدين الخالص، فصاحب هذا المشهد يرى وجه الحق في كل محل و ملة، قال تعالى:"فأينما تولُّوا فثمّ وجْهُ اللّهِ " [ البقرة: 115. ]

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء التاسع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 3:14 am

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء التاسع .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية    الجزء التاسع
أما ترى قوله تعالى :" يُريدُ اللهُ بكُمُ الْيسْر ولا يُريدُ بكُمُ الْعسْر" [البقرة: 58 ] . ورد في الخبر الصحيح : "دين  الله يسر"
وأي يسر، ثم من المشي على مقتضى الطبيعة الصرفة بلا تحجير، فإذا عاد الأمر إلى الإطلاق كما بدأ أولا عادت العادة عبادة، كما أن اليوم العبادة عادة، فإن الدين عادة،(فعليهم تقوم الساعة): أي على أهل الإطلاق المذكور تقوم الساعة. 

قال الله تعالى :"إنّ السّاعة آتيةٌ أكادُ أخْفِيها" [ طه: 15]، لولا أن الإخفاء جاء لغة بمعنى: الإظهار، لما أظهرنا لهذه المسألة عينا، و لكن لما أظهرها تعالى بالكناية تارة، و بالإشارة مرة، وبالعبارة تارة أخرى اقتداء به، و اقتفاء بهدي نبيه، و الله المستعان. 
واعلم أنه ذكر الشيخ رضي الله عنه في وصل تاسع عشر من خزائن الجود: 
وقال تعالى: إنّ اللّه لا يغِّيـرُ ما بقوْم حتّى يغِّيـرُوا ما بأنْـفُسِهِمْ وإذا أراد اللّهُ بقوْم سُوْءاً فلا مردّ  لهُ وما لهُمْ مِنْ دُونهِ مِنْ والٍ [ الرعد: 11] .
إن عيسى عليه السلام ختم الولاية العامة آخر متعلم، وآخر أستاذ لمن أخذ عنه، ويموت هو وأصحابه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في نفس واحد بريح طيبة، تأخذهم من تحت آباطهم يجدون لها لذة كلذة الوسنان الذي أجهده السير.
وأتاه النوم في السحر، فيجدون للموت حلاوة ولذة لا يقدّر قدرها رعاع، كغثاء السيل أشباه البهائم، فعليهم تقوم الساعة.انتهى كلامه رضي الله عنه.
فالجمع بين ما في الفتوحات و بين ما نحن فيه من الفصوص هو أن يكون هلاك الطائفتين في زمان واحد مع اختلاف الأمكنة، هذا في الصين و ذاك في ديار العرب لأن هبوب ذلك آخر الآيات المؤذنة بقيام الساعة، فافهم .

ثم نرجع إلى بيان ما نحن بصدد بيانه و نقول :
اعلم أن الله تعالى خلق العالم على قسمينآفاقيا، و أنفسيا.
و جعل جميع ما خلق في الآفاق له نظير في الأنفس، بل جعل الأنفس نسخة منتخبة مختصرة جامعة لجميع ما في الآفاق، مع أمر لم يكن فيه، و دفن فيها.
وهو الأمانة المشار إليها في القرآن، فالأنفس خزائن لها، ثم أمرنا بالتفكّر لوجدان ذلك في أنفسنا، و بشّرنا بأنه يرينا آياته في الآفاق، و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .
فمن جملة ما خلق من النظائر خلق في الآفاق قيامة و ساعة و أشراطها.
كذلك في الأنفس خلق ذلك كله، و ذكرها في القرآن بلسان الإشارة .
و ورد في الأحاديث كذلك، فأريد أن أذكر بعضها لتكون على بصيرة فيما نريد أن نبيه من إشارات الحاتمي الخاتمي في هذا المتن، و نختم به الأمر إن شاء الله .

فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن القيمة في الآفاق هي القيامة التي يجمع الله الأولين و الآخرين فيها، فما تقوم هذه القيامة إلا بين يدي أشر أطماع، يموت الخلق طرا أجمعون ومن في السماوات والأرض جميعا، والتنبيه عليه في الكتاب قوله تعالى :" كُل نفْسٍ ذائقةُ الموْتِ[ آل عمران: 185] .
وذلك بفناء كل أهل كل دورة واحدة لا يتصف بالنهاية، فنحن فرضنا فيه البدء والنهاية والعود و الرجوع بالفرض. انتهى  كلامه .
فافهم الإشارة إن كنت فهيما، فالعالم دوري و أحكامه دورية، و إلى هذا أشار صلى الله عليه و سلم : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات و الأرض".

فيلتحق أهل كل دورة مفروضة بعضه بعضا في موطن من المواطن، سمّاه الشارع بيوم القيامة، وهو اليوم الموعود، وفيه جمع شاهد و مشهود، وإنما ذهبنا بالقول بالدورة واستشهدنا بالحديث الشريف لأنه قد أخبرنا سبحانه عن نفسه الكريمة على لسان أكمل التراجم علما، وأوسعهم وجودا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "كُلّ  يوْم هُو في شأنٍ" [ الرحمن : 29]، فنكر اليوم و الشأن ليشمل و يعم .
فهذه أيام الله لا تزال هذه الأيام دائما، فلا يزال الخلاف دائما، و قد أثبت دوام هذه الأيام، فقال تعالى: "خالدِين فيها ما دامتِ السّماواتُ والْأرضُ"[ هود: 107]، و خلودهم لا يزال فريق في الجنة، وفريق في السعير لا يزال لأنهم خالدون فيها، فأيام الله لا يزال .

وورد في الحديث الصحيح: "ليس شي ء من الإنسان إلا يبلي إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب ومنه يرّكّب الخلق يوم القيامة". رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فإذا جاز في ممكن من الممكنات بقاؤه، فيمكن أن يكون له إفراد كثيرة بهذا الحكم، فافهم و لا تجادل فإنّ مطل الغنى ظلم، قال تعالى:" كُل شيْءٍ هالكٌ إلّا وجْههُ "القصص: 88]، و كل  شيء موجود نشاهده حسيا، و نعلمه عقلا، و ليس بهالك، فكل شي ء بوجهه و وجه الشيء حقيقته، فما في الوجود إلا الله، و إن تنوعت الصور.
و ذلك أحكام التجلي لا المتجلي فإنه ورد في الحديث إنه يتنوع فيعرف و ينكر لأنه كل يوم هو في شأن، فنكر للعموم و الشمول.
فذلك قال له الحكم : ( و إليه ترجعون ): أي من يعتقد أنّ كل شي ء جعلناه هالكا، و ما عرف ما قصدناه من الآية إذا رآه ما يهلك منه، و يرى بقاء عينه بالهلاك، فهو وجهي، فعلم أن الأشياء ليست غير وجهي، فإنها لا تهلك، فردها إلىّ حكما .

قال الشيخ رضي الله عنه في الفصل الرابع من خزائن الجود من الفتوحات:
"إنّ هذا المعنى الذي ذكرناه آنفا معنى لطيف، يخفي على من لم يستظهر القرآن، و قد رميتك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه ". انتهى كلامه .
ورد في الحديث الصحيح :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة حتى يأتي أمر الله" الحديث .
و في رواية :   " لن تزال طائفة من أمتي الحديث .

و ورد في الحديث أيضا :
"لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم الخليل عليه السلام، بهم تغاثون، و بهم ترزقون، و بهم تمطرون" ذكره ابن حبان في تاريخه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
و ورد في الخبر :
" لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" رواه مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .

و ذهب ابن بطال: إنه ليس المراد أنّ الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شي ء لأنه ثبت أنّ الإسلام يبقى إلى يوم القيامة، ذكره السخاوي في كتاب القناعة .
و قال رضي الله عنه: إنّ الدين باق إلى يوم القيامة، و لم ينسخ و القطب قيومه، و لا يصحّ هذا الاسم: أي القطب إلا أن يكون ذا جسم طبيعي و روح، و يكون موجودا في
هذه الدار الدنيا بجسده و حقيقته، فهو الذي يحفظ به هذا النوع الإنساني، و هو موجود في هذا النوع في هذه الدار بجسده و روحه، يتغذّى و هو مجلي الحق من آدم إلى يوم القيامة .
ثم قال رضي الله عنه فيها: إن هذه المسألة كلية فاعرف قدرها، إنك لست تراها في كلام أحد، و لو لا ما ألقي عندي فيإظهارها ما أظهرتها لسرّ يعلمه الله، و لا يعرف ما ذكرناه إلا نوّابهم خاصة لا غيرهم من الأولياء، فكونوا لها قابلين مؤمنين، و لا تحرموا التصديق بها، فتحرموا خيرها، و تجمعوا بين الحرمانين. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالقائل ببقاء العالم كافر بقوله تعالى: "كُل شيْءٍ هالكٌ إلّا وجْههُ" [ القصص: 88]، و جاهل بالحديث الشريف : "كان الله و لا  شيء معه" و زاهل بملحقه، و هو الآن كما كان، و غافل عن تجدّد الأمثال .

و القائل بفناء العالم جاحد قوله سبحانه: "و يبقى وجْهُ ربِّك ذو الجلالِ والِإكْراِم" [ الرحمن: 27] لأنه وجه كل شيء كما أنّ كل شيء وجهه فهو وجه العالم في الوجود، و العالم وجهه في الظهور عند الرؤية و الشهود.
فالكل بحمد الله وجوه حسنة، و ما ثم في الوجود إلا الله، فله دوام الحمد و الثناء في الآخرة و الأولى، فافهم ذلك بالذوق الحال، فإنّ فهمه بالنظر و الخيال محال .
و قد علمت من الأحاديث أنّ القيامة الكبرى لها أشراط كخروج الدجّال، و يأجوج و مأجوج و أمثالها، و أمّا القيامة الصغرى فانتقال العبد من حياة الدنيا إلى حياة البرزخ في الجسد الممثل، فهو انتقال و مرور من حال إلى حال بالجذبة الإلهية و العناية الرحمانية، يحكم تربية الحكيم العليم سواء كان سالكا مجذوبا، أو مجذوبا سالكا و بلا سلوك .

فإنّ الجذبة: هي العناية، فلهذا جذبة من جذبات الرحمن توازن عمل الثقلين لأنّ العمل للجذبة، و الجذبة ليست له، و هي بهتة الكشف، و فجأته الشهود، فإذا جاءت الساعة بغتة أفنى وجود السالك عن نظر شهوده في المشهود فجأة، فيرى جبال وجوده تمرّ مرّ السحاب التي كان يحسبها جامدة، فإذا فني و مات موتة معروفة عند أهلها، فقامت قيامته التي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله :  "من مات قامت قيامته"
فانكشف الغطاء و انحدّ البصر، و رأى المؤثر في الأثر، وأدرك بعيون البشر، و ربح من أمن، و خسر من كفر .

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: و من كان من أهل الرؤية التي تقع لكل واصل .
أما ترى إشارة قوله صلى الله عليه و سلم:  » إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا « رواه أبو إمامة رضي الله عنه في جمع الجوامع .
و ذكر فيه أيضا حديثا آخر وهو هذا :"قال: يا موسى لن تراني إنه لن يراني حيّ إلا مات، و لا يابس إلا تذهب، و لا رطب إلا تفرق، إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم و لا تبلى أجسادهم ". رواه الحكيم عن ابن عباس رضي الله عنهما في جمع الجوامع .

و قد وقعت له صلى الله عليه وسلم: "رأى ربه بعين رأسه"رواه ابن عباس رضي الله عنهما .
و شهد له الحق بذلك حيث قال تعالى: "ما كذب الفُؤادُ ما رأى"  [ النجم :11]، و قال: "ولقدْ رآهُ نزْلةً أخْرى" [ النجم: 13] .

فإن كان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم مقولة: (حتى تموتوا) هو: الموت الطبيعيّ الاضطراري فلم يصح، (لن ترون) بالتأكيد و بتأييد التأكيد، و هو صلى الله عليه و سلم صادق في قوله: (رأى) قبل الموت الطبيعي الاضطراري في دار الدنيا عند الموت الاختياري الكمالي، بل ثبت

بالدليل إمكان الرؤية لكل أحد بل قطع بالرؤية أهل الكشف، و الرؤية في دار الدنيا بالموتة الأولى، فإن الرؤية في الدنيا رحمة عاجلة لأهل العناية بل ما أنكرها إلا شرذمة  قليلون كالحكماء، و من تبعهم من المعتزلة، و الذين لا بغيابهم و بكلامهم، فعرفنا أنّ الموت في الحديث هو الموت الكمالي الاختياري، و قد وقع، و ورد في الخبر :" موتوا قبل أن تموتوا "

و ورد أيضا :" من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى ابن أبي قحافة«
و قال تعالى بشارة لحبيبه و نبيه، و إدخال السرور في خلاصة خواص أمته:" إنّك ميِّتٌ وإنّـهُمْ ميِّتون" [ الزمر: 30] .
فهذه الميتة الأولية، و الصعقة الأولى يا من مسّ الصعقة الأولى، ويدخل في حكم استثناء الآية حيث قال سبحانه: "فصعِق منْ في السّماواتِ ومنْ فِي الْأ رضِ إلّا منْ شاء اللّهُ" [ الزمر: 68] .

وإلى هذا أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: » أرى موسى واقفا ولا أدري هل صعق في الدنيا، ولم يصعق في الآخرة «
وهو قوله تعالى: و خرّ مُوسى صعِقاً [ الأعراف: 143]، فبهذا الاعتبار يكون موسى ممن دخل في حكم هذا الاستثناء، و هكذا شهداء هذه الأمة فإنهم كأنبياء بني إسرائيل .

ورد في الحديث أنه صلى الله عليه و سلم قال : " سألت جبريل عن هذه الآية: من الذي لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: هم شهداء الله "
. رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . و بين صلى الله عليه و سلم معنى الشهد في حديث أخر حيث قال صلى الله عليه و سلم: "شهداء الله أمناء لله على خلقه قتلوا أو ماتوا ".رواه أحمد من رجال الصحابة رضي الله عنهم، ذكره في جمع الجوامع .
فهمت من هذا أن الشهداء ليس على معناه المعروف خاصة، بل يشمل الذين صعقوا و ماتوا موتتهم الاختيارية، فشهدوا الحق و رأوه بعين رأسهم، و حفظوا هذا السرّ عن نظر العوام .
كما ورد في الحديث : "سترون ربكم عيانا". عن جرير رضي الله عنه ذكره في جمع الجوامع .
فإذا عرفت هذا المذكور، فنرجع و نقول في بيان المتن: إنه قال رضي الله عنه: فعليهم تقوم الساعة: أي على الذين لا يقيدهم العقل، ولا يتقيدون بالشرع المقيد وهم أهل إطلاق صرف من أرباب الحيرة و الهيمان .
ورد في الحديث :" إن الله خلق الإنس ثلاثة أصناف:
صنف كالبهائم، قال الله تعالى: لهُمْ قُـلوبٌ لا يفْقهُون بها ولهُمْ أعْينٌ لايـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لايسْمعون بها أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل [ الأعراف: 179] .
الحديث رواه أبو الشيخ في العظمة عن أبي الدرداء رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . فعلى الذين كالبهائم تقوم الساعة فافهم.
فجاءتهم بغتة الكشف فجاءتهم حيرة و بهتة، وأذهلهم ذلك الوارد عن أنفسهم، ثم أبقى الله هذا الحال، والوارد مشهودا لهم في دار الدنيا، وجعل لها حكم دار الدنيا كحكم دار الآخرة، كما للعموم في دار الآخرة، فماتوا وانتقلوا من حال إلى حال حياة الدنيا إلى حياة الآخرة، و تبدّل عليهم الأحكام بتبدّل الدار، و السماوات مطويات بيد الملك القهّار، والحق يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحدية على الكثرة في القيامتين الكبرى والصغرى، الحاصلة للسالكين عند التحقّق بالوصول عقيبة انتهاء السير و حال الانسلاخ .
قال تعالى: "لمنِ المُلْكُ اليوْم للّهِ الواحِدِ القهارِ" [ غافر: 16].
تلْك الدّ ارُ الْآخِرُة نجْعلها للّذِين لايريدُون علوًّا في الْأرضِ ولا فساداً والعاقبةُ للْمُتّقِين [القصص: 8]، فهم بقيامهم عن أنفسهم لا يعرفون للعلو طعما .
قال رضي الله عنه: لمّا بدّلت الصفة من دار الدنيا فصارت بهذا التبديل آخرة مع بقاء العين، و من لا علم له بهذا في ظلمة الحيرة. انتهى كلامه رضي الله عنه .
أما ترى إشارة الحديث الشريف" قد مات كسرى فلا كسرى بعده "الحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فما زال الملك ولا المليك ولكن ارتفع الاسم باسم آخر مع وجود الملك والمليك، فافهم .
قال تعالى: "يسْئلونك عنِ السّاعةِ أيّان مُرْساها فيم أنت مِنْ ذكْراها .إلى ربِّك مُنْتهاها" [ النازعات: 42: 44] .
فافهم إشارة الآية فإنه منتهى كل شيء، قال تعالى:قدْ أحاط بكُل شيْءٍ عِلْماً[ الطلاق: 12]، فقد أحاط بكل شيء وجودا لأن علمه عين وجوده وذاته، تقوم تلك 
الساعة يوم تبدّل الأرض غير الأرض، والسماوات، وبرزوا بأنفسهم ظاهرين على الله تعالى بأحكام الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم بأسره، و بشّر البشير بهذه البشارة على سبيل الإشارة .

و قال صلى الله عليه و سلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" الحديث وهو الظهور على الحق تعالى بحكم الطبيعة.
و بروز الأصل على صورة الفرع بلا فصل، فرجعوا إلى البداية على حكم الطبيعة، و رجحت إليهم العادة عبادة فأضاعوا الصّلات، و اتبعوا الشهوات.
و لم يلقوا غيا لأنهم على بصيرة فيه، فليسوا ممن اتبع هواه بغير علم، و ذلك أمر ذوقي، و علوم الأذواق لا تقال و لا تحكى، فلا يعرفها إلا من عرفها و ذاقها،و ليس في الإمكان أن يبلغها من ذاقها إلى من لم يذقها، فلا يقبل التعريف و التوصيف بل حكم تظهر لأهلها لا يجليها لوقتها إلا هو، يتجلى لهم بصور الأشياء و معانيها و هو عينها، فكيف البيان عنها؟ فلا يعلم ذلك إلا الله لا يوصّ لها شرع بأخبار و تعريف .

وذلك قوله تعالى: "إنّما عِلْمُها عِنْد اللّهِ" [ الأعراف: 187]، و قد أعلم الله بالتعريف لبعض الناس، وهو من ارتضى من رسول بأن هذا علم لا يقبل التعريف ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر هكذا، فلهذا يسألون .

و ورد في الخبر :
"إن جماعة سألوه عن الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم: علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو و لكن سأخبركم بمشاريطها، وما يكون بين يديها: إن بين يديها فتنة و هرجا، قالوا: يا رسول الله الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟
قال: هو بلسان الحبشة: القتل، ويلقي بين الناس التناكر، فلا يكاد أحد يعرف أحدا " رواه أحمد بن حنبل، و ضياء المقدسي في المختارة عن حذيفة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فأمر الساعة ذوق يشبه بالعلم بالذات، و العلم بها محال بغيره كذلك هنا، فإذا قامت القيامة الصغرى، و جاءتهم الآية الكبرى التي ثقلت في السماوات العلا، فأتاهم أمر الله بغتة، و أفناهم عن أنفسهم، و ظهر حكم الصعق فيهم، و أزال عنهم التدبير، و أقامهم بأحكام التقدير فإذن انكشف لهم حقيقة الأمر، و عاينوا الأمر على ما هو عليه الأمر في نفس الأمر .

قال رضي الله عنه :
إذا جاء أمر الله فالأمر الأمر  ...... و ذلك توحيد إلى من له الأمر
ورد في الخبر: "أما ترى أنها ما تقوم على مؤمن ". ذكره السخاوي .
و في لفظ:" لا تقوم الساعة و في وجه الأرض من يقول: الله الله "

قال رضي الله عنه في الفصل الرابع في فلك المنازل من الفتوحات:
في بيان الحديث الشريف: (لا تقوم الساعة على من يقول الله الله ): فإن الله تعالى أمسك صورة السماء و الأرض أن تزولا و تقعا لأجل هذا الإنسان المؤمن الموحّد الذي مجيره الله، و إن هذا هو الذكر الأكبر: أي الذي أكبر من لا إله إلا الله، فصاحب هذا الذكر هو الإمام الذي يقبض آخرا، و تقوم الساعة و تنشق السماء، و تتبدّل الأرض غير الأرض .انتهى كلامه .
فإذا عرفت أن أمر الساعة ذوقي لا يقبل التعريف فاذكّر بمشاريطها، و ما يكون بين يديها إن بين يديها فتنة لم يكن مثلها فتنة .
ورد في الحديث أنه قال صلى الله عليه و سلم في أثناء الخطبة:
أيها الناس: إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم عليه السلام أعظم من فتنة الدجّال إنه يقول: أنا ربكم الحديث «، و هكذا الأمر في الأنفس، فإذا ادّعى السالك قبل الفناء مدع كذّاب.

كما قال الشيخ ابن الفارض يخاطب نفسه :
وها أنت حيا      ..... إن تكن صادقا
ورد في الحديث:" الشقيّ من أدركته الساعة حيا لم يمت" رواه الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما، ذكره في جمع الجوامع
لأنه إلى الآن ما بلغ رشده، و لا نال مبلغ الرجال، و شرطه الموت و فناء الفناء .
و قال التلمساني قدّس سره أيضا من هذا الذوق :
نحن قوم متنا وذلك شرط  في بقائها فلييئس الأحياء فهو إن ادّعى قبله فكذّاب دجّال، أما ترى إشارة ذلك في تتمة الحديث و هي  : لن تروا ربكم حتى تموتوا "
و في آخر الحديث يشير صلى الله عليه و سلم إلى علة ذلك إنه أعور العين اليسرى، و بيان ذلك أن السالك قد يكون صاحب إيمان يسمّى في الاصطلاح ذا العقل وذلك محجوب أكمه.
وإذا فتح له قد يفتح له عين واحدة تسمّى ذا العين، و هو الذي يرى الحق في الخلق، فهو مفتون ولا تصحّ دعواه، بل دعواه تكون مكرا واستدراجا، وكذبا و زورا وخداجا،  كدجال و غيره من الفراعنة و الدجاجلة .
أما ترى أنه قال صلى الله عليه و سلم: "إنه أعور"
و العورة هي: الميل، و منها بيوتنا عورة: أي مائلة عن الاستقامة، و منها الأعور لأنه مال نظره إلى جهة واحدة، فهذان القسمان و لو كانا صاحبا جمع و بعين واحدة.
فإن الأول يرى الحق و لا يرى نفسه.
والثاني يرى نفسه ولا يرى الحق، فالفرق بينهما شتان، وهما مسيحان.
ولكن الأول مسيح الرحمن.
والثاني مسيح الشيطان.
و بالموت يحصل الكمال، و هو الجمع بين المشهدين فيسمّى ذا العينين .
قال تعالى: "فبصرك اليوْم حدِيدٌ" [ ق: 22]، يرى بالحق الجمع بعين الفرق، و يرى الفرق بعين الجمع، و لا يمنعه شهود أحدهما عن الآخر.
فهو فان عن النفس، و باق بالعين، فهو ذو العينين الذي هداه الله النجدين .

قال رضي الله عنه في الفتوحات:
إن أعظم الفتن التي أفتن الله بها الإنسان تعريفه إياه بأنه خلقه على الصورة ليرى هل تقف مع عبوديته و سواد وجهه، أو يزهو الأجل مكانه و مكانته؟
إنه تعالى ما أظهر الصورة على الكمال:
أي بخرق حجاب سر الجمعية العامة الكبريائية، حتى يشاهد ألوهية الحق سبحانه دون ألوهيته، فإن الصورة الكاملة الإلهية لا يلحقها ذم بكل وجه، وهذا لا يكون إلا عند فناء الفناء، ويبقى وجه ربك، فهو المتكلم و المؤثر على لسان عبده و بعبده.
و هو فان عن نفسه و ذاته، كما أخبر عنه صلى الله عليه و سلم عن هذا المقام بقرب الفرائض عندهم، و هذا أول قدم في الشريعة.
فإن الشارع أول ما أتى به: (لا إله إلا الله )، فلا يجيبه إلا من خرق ذلك الحجاب، و من نقص عن هذا المقام الكمالي فلحق بفرعون و دجال، و كان في حقه مكرا إلهيا من حيث لا يشعر، فافهم .
و أمّا اعتبار نزول عيسى عليه السلام في الأنفس هو ظهور الروح الأعظم، و ظهور أحكامه عند قرب الساعة للسالك.
فبينما يكون السالك في هرج و مرج في أمواج الفتن، كالحال كرؤية الألوهية لنفسه، و إظهار خوارق العادات والتأثير في الأرض والسماوات، إنها فتنة عمياء صماء لأن آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الجاه.
فإذا بعث الله الروح روح وراحة، فبشهوده حسم الخصومات و خصم الشهوات، و ترفع الشحناء و التباغض، و تنطفئ نيران غلبة النفس وشهواتها باستيلاء النفس الروح عليها، و اندراجها و اندماجها فيه، فإنه لها برد و سلام .
و أشار في الحديث مثل هذا، فإنه ورد في الحديث الطويل :" إذا نزل عيسى عليه السلام فأمّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب  كما يذوب الملح في الماء" .
اعتبار ذلك في الأنفس أنه شهود و فناء، فتنقلب النفس و أحكامها، و تذوب في العلم فتعرف نفسها، فإذا عرفت نفسها فتنقلب سفساف أخلاقها كراما، فهو مقرّر لا ناسخ.
بل يلحق السفاف بالمحامد بتعين المصارف، و تبين مصادرها ومواردها، كما قيل: غاضت ثم فاضت، فلا هي هي ولا هي غيرها .

أما ترى إشارة الحديث: (إنه يذوب )، و لم يقل: يعدم أو يهلك لأن الذوبان من عالم الفساد ترك صورة وخلعها، ولبس صورة أخرى كان لصوره ملح تركها، و تلبس بصورة الماء و العين باقية ما انعدمت، و هكذا الأمر هنا.
و لم يقل: إن أحكام البشرية تزول بل ما زال البشر عن بشريته، و إن فنيت عن شهوده فعين وجوده باقية، بل الحد يصحبه .
أما ترى إشارة قوله تعالى: " قلْ إنّما أنا بشرٌ مِثْـلكُمْ" [ الكهف: 110]، فإن البشرية لم تزل ولا تزول أبدا .

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: إنما قلنا البشرية في الفناء لا تزول لأني سمعت بعض الشيوخ يقول: هذا حظ البشرية، فإذا زال عن بشريته كان حكمه حكما آخر، و الأمر ليس كذلك، فلما تحقق ما ذكرناه رجع عن هذا الاعتقاد.
وقال: ما  كنت أظن أن الأمر هكذا، فإنه تكلم في شرح آية: "و ما كان لبشرٍ أنْ يكلمهُ اللّهُ إلّا   وحْياً أوْمِنْ وراءِ حِجابٍ أوْ يُـرْسِل رسُوًلًا فيوحِي بإذْنهِ ما يشاءُ إنّهُ على حكِيمٌ" [ الشورى: 51]، وغلط فيه.
ذكر رضي الله عنه هذه المسألة في الباب الموفي خمسين وثلاثمائة من الفتوحات:
فبهذه الطائفة هم الأبدال حقّا لأنهم بدّلوا أسفاف الأخلاق بأخلاق الخلاق، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Empty
مُساهمةموضوع: 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء العاشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي   كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني Emptyالثلاثاء يوليو 30, 2019 3:19 am

 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء العاشر .كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين المسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني

الفص الشيثي الجزء الثاني على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية    الجزء العاشر
ورد في الخبر الصحيح :
" ليتمنين قوم لو أكثروا من السيئات الذين بدّل الله سيئاتهم حسنات "ذكره في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع.
وأمّا اعتبار يأجوج و مأجوج، وهما طائفتان من الخواطر، وهي الوساوس التي من الشيطان، والهواجس التي من النفس، فيظهر أن عند اقتراب ساعة فناء المريد السالك، فيفسدان في أرض قلبه، و هم من كل حدب ينسلون، و بهما هلاك المريد هلاك فساد، ولا كمال، فلا ينقطعان إلا بوارد قوي كزبر الحديد، يكون حاجزا بينه و بينهم .
"فما اسْطاعوا أنْ يظهروهُ و ما اسْتطاعوا لهُ نقْباً" [ الكهف: 97]، وذلك الوارد رحمة من الله الرحمن، رحم بها عبده و ساعده في وقته حتى يصل درجة الكمال، و يفتح له ما يفتح، فإذا فتح و جاء  وعد ربه حقّا فدكّ هذا السد دكّا، ومسخها بالتبديل بخواطر ملكية أو ربانية لمات، وإلهامات هذا وعد ربي لعباده السالكين، قد جعله صدقا، و بدّل الباطل حقّا بإبدال الأحكام بانقلاب الأعيان .

أما ترى استعيذ من شر الوسواس لامن الوسواس ورد في الحديث :" الوسوسة محض الإيمان". ذكره في جمع الجوامع .
و من أشراط الساعة: " نقص العلم "
و في لفظ :  " نقل العلم "
و في عبارة :  " قبض العلم "
و في لفظ :  " ينزل الجهل و يرفع العلم "
و في رواية : "لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن من حيث جاء الحديث". جميع هذه الروايات ذكرها السخاوي في كتابه القناعة .
و هكذا تجد جميعها في أشراط الساعة عند قيام القيامة الصغرى حذوّا بحذو الإيمان و بيان ذلك، أمّا نقص العلم في السلوك فلأن السالك كلما علا قدره نقص علمه لأن الغاية شهود و فناء، فكلما تقرب إليه نقص العلم بحسبه و بحسب قربه، فإن العلم على صورة القرآن رأسه الضيق إلى الذات، و رأسه الواسع إلى العالم.

قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
إن هذه مسألة ظهرت لابن بطليموس، فإنه صرّح بها في كتبه، و قال: كلما علا القدر نقص العلم.
فإن قيل: كيف أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "وقلْ رب زدْني عِلْماً" [ طه: 114]، فالجواب: إنه صلى الله عليه و سلم متنزلا من الذات إلى السماء، كما هو أدب المحبوبين، و إن شئت قلت: من الجمع إلى الفرق لعمارة الدارين .
قال رضي الله عنه في فصل من فصول أحكام القاتل للصيد في الحرم و الإحرام من كتاب الحج من »الفتوحات «: إن الطائفة قد أجمعوا على أن العلم بالله عين الجهل بالله .
و قال تعالى في الجاهل: " لذك مبلغهُمْ مِن العِلْمِ" [ النجم: 30]، فسمّي الجهل علما لمن تفطن .
ورد في الحديث :
" إن من البيان سحرا، وإن من العلم جهلا " الحديث .رواه أبو داود، و ذكره في جمع الجوامع .
و من هذا المقام أشار الصديق الأكبر رضي الله عنه: "العجز عن درك الإدراك إدراك"، فإن إشارته إلى مرتبة الفناء الأول، و الأمر وراء ذلك لأن له إلى الآن شعورا حيث قال بالعجز .
و أما في الفناء الثاني، و هو فناء الفناء لا علم و لا عجز، و هو مقام نقل العلم وقبضه و رفعه، و أمّا رفع القرآن فمن الصدور إلى الظهور حيث يستظهر القرآن كما قيل: استظهر فلان القرآن إذا رآه من ظهر عينه في سماء نفسه سماء دنياه .
ورد في الخبر :
» من قرأ القرآن ثم مات قبل أن يستظهره أتاه الله ملكا يعلمه في قبره ويلقى الله وقد استظهره ." أخرجه أبو عبيد في كتاب الفضائل، و السلفي في استحبابه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
وذلك قرآن الفجر الذي كان مشهودا، فإنهم فجّروه تفجيرا من أنفسهم حين أشهدهم الله أنفسهم، حين قال في غيرهم:  "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـ رِّة أعْينٍ" [ السجدة: 17] .

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: إن سهل بن عبد الله قدّس سره استظهر القرآن و عمره ست سنين .
و قال رضي الله عنه: إن أبا يزيد ما مات حتى استظهر القرآن، وهكذا الأمر في جميع ما ورد في أشراط الساعة الكبرى .
فإنه له نظائر في الأنفس في القيامة الصغرى حذوّا بحذو بلا فرق، وفصّل أنه كلام فصل لا هزل ولا مزح، بل جعل الله خلق السماوات وما بينهما إلا أمثالها، وعبرا ليعتبره الفاهم اللبيب، و يعبر من الصور المحسوسة إلى المعاني المعقولة لقياس الغائب على الشاهد، فالعالم كله بما فيه ضرب الأمثال ليعلم فيها أنه هو .
قال تعالى: "ألمْ تر كيف ضرب اللّهُ مثلًا كلِمةً طيِّبةً كشجرٍة طيِّبةٍ أصْلها ثابتٌ وفرْعها في السّماءِ * تُـؤْتي أكُلها كُلّ  حِينٍ بإذْنِ ربِّها ويضْربُ اللّهُ الْأمْثال للنّاسِ لعلّهُمْ يتذكّرُون" [ إبراهيم: 24، 25]، إنما جعل ضرب المثل للناس لأنهم نسوا في هذه النشأة ما كانوا عليه في أنفسهم من المعارف في أصل الفطرة، فضرب الله لهم الأمثال ليثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت بضرب الأمثال، كاقتراب الساعة، و قيامة الكبرى و الصغرى في الحياة الدنيا و في الآخرة، و أمثالها لتذكرة الناس الناسين حقائق الأمور على ما هو عليه،فإن الذكرى تنفع المؤمنين لعلهم يتذكرون.


وأمّا العارفون فقد عامله الله بالكشف والشهود، يرى نفسه أنها كلها كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت في أرض الطبيعة، و فرعها و نتيجتها منتشرة في سماء الأسماء العلا، بالتخلق بالأسماء الحسنى، و هي دائمة الثمرات والنتائج بإذن ربها، عطاء غير مجذوذ، لا مقطوع ولا ممنوع.
ضرب الله الأمثال فلا تهتدون، و قد أحكم الآيات وأنتم لتأويل المتشابهات متعرضون، و عن المحكمات معرضون، فبأي حديث بعده تؤمنون، و لكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا :
و ما كل عين بالجمال قريرة  .... و ما كل من نودي يجيب إذا دعي
كلّ ميسر لما خلق له، سبحان مرتب الأمور، شارح الصدور، و باعث من في القبور .

قال رضي الله عنه في الباب السادس والسبعون وثلاثمائة من الفتوحات:
إنه لا يؤمن بالحق إلا من خاطبه الحق سبحانه في سره، و إن لم يشعر به المخاطب، و إنما يجد في نفسه التصديق به و في قلبه.
وكذلك لا يؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم إلا من خاطبه الولي في سره، و هو لم يدر و لم يشعر به . قال تعالى: "وبشرِ الّذِين آمنوا أنّ لهُمْ قدم صِدْقٍ عِنْد ربِّهِمْ" [ يونس: 2] هنيئا للمؤمنين بهم، و طوبى لهم و حسن مآب .
هذا و قد بلغت رسالات المعاني و الحقائق بأسبغ، إذا أصيغ في حرفي القوالب الجمع و الترتيب، و أسبغت سرد الكلام في الرقائق و الدقائق بأبلغ النظام، أبلغ على صدقي تصريف التأليف و التركيب، بلا إفراط ممل و لا تفريط مخل، كاشفا لثام الإيهام عن وجوه محاسن الكلام مرة، ومسد لإقناع الإيهام على ضنائن مخدرات الخيام تارة أخرى، مع تنبيه أولي الأفهام على مكانة الخاتم و الختم، فلا تصغ إلى سواه، و لا تعرج إلى من خالف الأمر و إياه، فإنك إن أردت غير هذا ترفة طلبتها في غير أهلها، و نزهة رمتها في غير محلها .
و من رام المنى من غير أهل   ... أضاع العمر في طلب المحال
إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، فلا تكن للمجادلين إماما، ولا للمراهنين زماما، أفمن شرح الله صدره، و جعل له في أمره فرجا و مخرجا، كمن ضيق صدره و جعله حرجا، و الله يسيئون هذا الذي أرى لك، فانظر ماذا ترى .
ورد في الحديث عن بيتان : "كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها، فإنه لا سفيه إلا ذو عثرة، و لا حكيم إلا ذو تجربة "
. و الله المستعان وعلى الله قصد السبيل .
الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، و إله الفائزين، و صحبة الحائزين، و على ختمه ختم الأولياء المحمّديين، و جعلنا و إياكم المؤمنين الصدّيقين أهل عنهم أجمعين برحمتك يا  أرحم الراحمين .


خاتمة الكتاب
ختمت هذين الفصين اللذين كالزهراوين للفصوص في رمضان ليلة عشرين سنة أربعين وتسعمائة من هجرة خير المرسلين، و في تلك الليلة رأيت والدي رحمه الله و عنده شخص اسمه علي، كان مؤدبي في الصغر، و أنا جاث بين يديهما، فأحضر إليّ خلعة سنية مذهبة، وهو يخاطبني و يحاورني ويلاطفني: فأشرب في قلبي منه الفرح .
فإنه ورد في الحديث :" إن رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبد ربه في المنام "
، ذكره الشيخ الأمين الحافظ البطين جلال الدين السيوطي في كتابه جمع الجوامع رحمه الله، فكتبتها هنا فرحا بها .
والسلام على من اتبع الهدى، والله أعلم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شرح الشيخ عيد الغني النابلسى كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
» رسالة إلى الشيخ عبد العزيز المهدوي. كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول
» شرح أبو المعالي صدر الدين القونوي كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص لأبي المعالي صدر الدين القونوي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: