منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 النفس المطمئنة: دراسة لمفهومي الطمأنينة والسكينة في المنظور الروحي الاسلامى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صبرى محمد خليل

صبرى محمد خليل


عدد الرسائل : 187
تاريخ التسجيل : 19/12/2009

النفس المطمئنة: دراسة لمفهومي الطمأنينة والسكينة في المنظور الروحي الاسلامى Empty
مُساهمةموضوع: النفس المطمئنة: دراسة لمفهومي الطمأنينة والسكينة في المنظور الروحي الاسلامى   النفس المطمئنة: دراسة لمفهومي الطمأنينة والسكينة في المنظور الروحي الاسلامى Emptyالثلاثاء أغسطس 27, 2019 4:21 am

النفس المطمئنة: دراسة لمفهومي الطمأنينة والسكينة في المنظور الروحي الاسلامى
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه/ قسم الفلسفة - جامعه الخرطوم
Sabri.m.khalil@gmail.com
أولا:مفهوم الطمأنينة:
لغة: أصل المصطلح طمن " الطاء والميم والنون أصيل بزيادة همزة " ، والطمأنينة والاطمئنان السكون بعد انزعاج ، واطمأن الرجل اطمئنانا أي سكن .
اصطلاحا:أورد العلماء تعريفات متعددة متقاربة للمفهوم.
التعريف المنهجي: أما التعريف المنهجي للمفهوم – والذي يشمل ما هو مشترك بين هذه التعريفات - فمضمونه أن الطمأنينة فاعليه معرفيه ذاتيه " قلبيه" ، ذات بعد روحي، مضمونه الوثوق"الإيمان – اليقين " بالفعل الالهى المطلق "الربوبية"، وهو ما يلزم منه تقييد الفعل الانسانى المحدود به تكوينيا وتكليفيا.
عناصر التعريف المنهجي: يتضمن التعريف المنهجي العناصر التالية:
أولا: أن الأصل في المفهوم انه ذاتي "مكانه القلب"، لكنه ذو بعد روحي موضوعي" لانه متعلق بالثقة في الفعل الالهى المطلق "الربوبية"
ثانيا:انه فاعليه معرفيه متعلقة بالإيمان واليقين
ثالثا: انه يشترك مع مفهوم السكينة في تقييد الفعل الانسانى المحدود بالفعل الالهى المطلق "الربوبية.
رابعا:انه انتقال من الشك إلى اليقين، فهو سكون نسبى.
المفهوم في القران الكريم: ورد لفظ " الطمأنينة" في القران الكريم فى العديد من المواضع بصيغ متعددة( ليطمئن ، تطمئن ،اطمئننتم ، مطمئن ،مطمئنين ، اطمأن ، مطمئنة) بدلالات غير متطابقة ولكنها متقاربة (كالهدوء وعدم الاضطراب بعد انزعاج والدعّة وهدوء البال (م. م. صلاح الدين سليم محمد/ السكينة والطمأنينة في القرآن الكريم : دراسة دلالية / مجلة كلية العلوم الإسلامية / المجلد السادس / العدد الثاني عشر 1433 ه - 2012 م)..
ينقل مقاتل أن ماده ( ط .م . ن ) في القران الكريم جاءت على ثلاثة وجوه :
الأول : تطمئن بمعنى تسكن كما في قوله تعالى(لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)( البقرة : 260)
الثاني : اطمأن بمعنى رَضِيَ كما في قوله تعالى( اطْمَأَنَّ بِهِ)( الحج: 11)
الثالث : اطمأن بمعنى إقامة كما في قوله عز وجل. ) لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ).
ثانيا: مفهوم السَّكِينَة:
لغةً: أصل مادة " سكينه " يدلُّ على خلاف الحركة، فالسُّكُونُ ضدُّ الحركة، يقال: سَكَنَ الشَّيء يَسْكُنُ سُكونًا، إذا ذهبت حركته ) ابن منظور/ لسان العرب :13/211(
اصطلاحًا: أورد العلماء تعريفات متعددة ومتقاربة لمفهوم السكينة.
تعريف منهجي: أما التعريف المنهجي للمفهوم – والذي يشمل ما هو مشترك بين هذه التعريفات - فمضمونه أن السكينة هي فاعليه روحيه – نفسيه، تهدف إلى ضبط أو التحكم بالانفعالات السالية كالحزن والخوف...من خلال وقف امتدادها التلقائي ، وهو ما يتحقق عند تقييد الفعل الانسانى المحدود بالفعل الالهى المطلق"الربوبية" تكوينيا وتكليفيا.
عناصر التعريف: يتضمن التعريف المنهجي العناصر التالية :
أولا:أن السكون في المفهوم ذاتي( يتعلق بالذات "النفس" ولا يتصل بالوجود الموضوعي المادي الخاضع لقانون "سنة " الحركة) ، و نسبى ( فهو سكون لأنه إيقاف لحركه تلقائية- مع ملاحظه أن فعل الإيقاف نفسه حركه -)، فالسكون في المفهوم ليس موضوعي مطلق.
ثانيا:أن المفهوم لا يتعلق بحركة أو إيقاف حركة ماديه بل يعلق بحركات معنوية (نشاط أو فاعليه روحيه- نفسيه ، توقف انفعالات نفسيه سلبيه معينه)
ثالثا: أن هدف المفهوم هو ضبط والتحكم بالانفعالات ألسالبه كالخوف والحزن.... سئل احد العلماء عن السكينة، فقال(هي السكون عما الحركة فيه والعجلة لا يحمدها الله ولا يرضاها)
رابعا: أن المفهوم مرتبط بالفعل الالهى المطلق" الربوبية" ، لذا ربط القران بين المفهوم والله تعالى في العديد من المواضع (فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ )،فمضمونه يتحقق عندما يتقيد الفعل الانسانى المحدود بالفعل الالهى المطلق "الربوبية" تكوينيا وتكليفيا.
المفهوم فى القران الكريم : وردت مادة " س ك ن" في القران الكريم بصيغ متنوعة ( سَكَنَ ، لتسكنوا، يسكن ، ساكنا ،مساكن ، مسكين ، سكين ، مسكنة ، سكينة ) .وهذه الصيغ ذات دلالات غير متطابقة ولكنها متقاربة ، تتحدد أساسا طبقا للاستعمال السياقي القرانى.
ينقل مقاتل أن فعل " التسكين" في القران الكريم الكريم جاء في أربعة وجوه :
الأول:بمعنى الاستقرار كما في قوله تعالى ) وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم)( الإنعام : 96)
الثاني : بمعنى النزول كما في قوله تعالى (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ )(إبراهيم : 14 )
الثالث : بمعنى الاستئناس كما في قوله تعالى ( هو الذي خلقكم مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا )(الأعراف: 189 )
الرابع : بمعني الطمأنينة كما في قوله تعالى (فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾(الفتح: 18). (م. م. صلاح الدين سليم محمد/ السكينة والطمأنينة في القرآن الكريم : دراسة دلالية / مجلة كلية العلوم الإسلامية / المجلد السادس / العدد الثاني عشر 1433 ه - 2012 م).
أما لفظ " السكينة" كاسم فورد في القران الكريم في عده مواضع منها : قوله تعالى:﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ...﴾(البقرة: 248). وقوله تعالى﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ...﴾(التوبة: 40).وقوله تعالى﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾(الفتح: 4).
أوجه الاتفاق والاختلاف بين مفهومي الطمأنينة والسكينة:ورد المفهومين في القران الكريم بدلالات متعددة بعضها متطابق وبعضها متقارب ، لذا قال ابن عباس كما نقل القرطبي عنه (كُلُّ سَكِينَةٍ فِي الْقُرْآنِ هِيَ الطُّمَأْنِينَةُ إِلَّا الَّتِي فِي" الْبَقَرَةِ "(ويقصد الآية التي ذكر فيها التابوت).ويمكن ذكر بعض أوجه الاتفاق والاختلاف فيما يلي:
أوجه الاتفاق: يتفق المفهومان في تقييد الفعل الانسانى المحدود بالفعل الالهى المطلق "الربوبية.
أوجه الاختلاف:
أولا: أن الطمأنينة فاعليه معرفيه ذاتيه " قلبيه" ، ذات بعد روحي، بينما السكينة فاعليه روحيه – نفسيه مضمونه .
ثانيا: أن مفهوم سكينه مرتبط بالفعل الالهى المطلق" الربوبية" ،يصوره اكثر مباشره من مفهوم الطمأنينة ، لذا ربط القران بين المفهوم والله تعالى في العديد من المواضع (فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ)
ثالثا: مفاهيم مرتبطة بمفهومي الطمأنينة والسكينة: وقد ورد في القران الكريم العديد من المفاهيم ذات صله بمفهومي الطمأنينة والسكينة ومنها:
أولا : الإخبات: ورد لفظ(الإخبات) في القران الكريم في عده مواضع بدلالات متقاربة كالسكينة والطمأنينة والخشوع والإنابة، ومنها قوله تعالى( الذين آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(هود : 23 ).
ثانيا : الهَون :وورد لفظ (الهوَن) في القران الكريم في موضع واحد وذلك في قوله تعالى(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )(الفرقان: 63) وقال الزجاج :أي يمشون بسكينة ووقار وحِلم
ثالثا : الوقار: ورد لفظ ( الوقار) في القران الكريم في موضع واحد هو قوله تعالى ( مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ) (نوح 13: ) ، الوقار في الأصل السكون والحلم ، ولكنه ورد في هذه الايه بمعنى العظمة .
رابعا: انشراح الصدر: ورد مفهوم "انشراح الصدر" في القران الكريم في العديد من المواضع كقوله ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾ (طه: 25 – 27). وكقوله تعالى ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ (الشرح: 1 – 6).وهو مفهوم قرانى متصل بالهدايه الالهيه، ويلزم منه تيسير الأمور.
رابعا: النفس المطمئنة وإمكانيات النفس: أشار القران الكريم إلى إمكانيات متعددة للنفس، وهى كإمكانيات متاحة للجميع ، لكن تحققها مقصور على البعض فقط ، ممن بذل الجهد اللازم للانتقال من الامكانيه إلى التحقق. ومن هذه الامكانيات:
أولًا: النفس السوية "الملهمة" (امكانيه فعل الخير و الشر) : وردت الاشاره إليها في قوله تعالى﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ (الشمس: 7، 8)، وهى امكانيه فعل الخير والشر، التي تتوافر للنفس البشريه منذ أن خلقها الله تعالى، قال الإمام الشوكاني في فتح القدير(ومعنى سواها: خلقها وأنشأها وسوَّى أعضاءها)، وقال الفراء(" فَأَلْهَمَهَا " عرَّفَها طريق الخير، وطريق الشر).
ثانيًا: النفس الأمَّارة بالسوء:وردت الاشاره إليها في قوله تعالى﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (يوسف: 53)،وهى امكانيه متعلقة بحث النفس للإنسان على فعل الشر.
ثالثًا: النفس اللوامة: وردت الاشاره إليها في قوله تعالى ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ (القيامة: 2)، وهى امكانيه متصلة بلوم النفس لذاتها عند فعلها للشر،مما يمهد الطريق أمام رجوعها عن فعل الشر. يقول الجرجاني (النفس اللوامة: هي التي تنوَّرت بنور القلب قدر ما تنبَّهت به عن سنة الغفلة، كلما صدرت عنها سيئة، بحكم جبلتها الظلمانية، أخذت تلوم نفسها، وتتوب عنها)( كتاب التعريفات)
رابعًا: النفس المطمئنة: وردت الاشاره إليها في عده مواضع منها قوله تعالى﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ (الفجر: 27 )، وهى امكانيه متصلة بالوثوق"الإيمان – اليقين " بالفعل الالهى المطلق "الربوبية". قال ابن عباس "رضي الله عنه"( المطمئنة إلى ما قال الله، والمصدِّقة بما قال، وقال قتادة: المطمئنة إلى ما قال الله، والمصدِّقة بما قال)( جامع البيان وتفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير)

حالتين للنفس المطمئنة : وقد أشار القران الكريم إلى حالتين للنفس المطمئنة هما :
ا/ حالتها في الحياة الدنيا:فهي وثوق" إيمان- يقين" بالفعل الالهى المطلق "الربوبية " في الحياة الدنيا" ، وقد وردت الاشاره إليها في عده مواضع منها قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
ب/ حالتها في الحياة الاخره:فهي وثوق" إيمان- يقين" بالفعل الالهى المطلق "الربوبية " في الحياة الاخره" ،وقد وردت الاشاره إليها في الايه ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً )
صفتين للنفس المطمئنة في الحياة الاخره : وللنفس المطمئنة كامكانيه في حالتها الاخيره " في الحياة الاخره" صفتين:
ا/النفس الراضية :وردت الاشاره إليها في الايه ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) وهى وصف لرضي النفس المطمئنة بما أوتيت من ثواب اخروى .
ب/النفس المرضية : وردت الاشاره إليها في نفس الايه ، وهى وصف لرضي الله تعالى عن النفس المطمئنة .
النفس الكاملة:وصف للنفس المطمئنة غير ثابت نصا يجب ضبطه: أما مصطلح "النفس الكاملة" فقال به بعض الصوفية، لكنه غير ثابت نصا،ولكن يمكن قبوله كوصف للنفس المطمئنة بعد ضبطه شرعيا ، من خلال الالتزام بالمفهوم الاسلامى الصحيح لمفهوم الكمال ، والذي مضمونه أن الكمال المطلق ينفرد به الله تعالى"لان وجوده وحده هو الوجود المطلق "،أما كل وجود سواه فهو وجود محدود ،وبالتالي فانه كماله محدود،والأخير له درجات أعلاها كمال العصمة ، وهى للأنبياء والرسل وهى أيضا درجات أعلاها للرسول (صلى الله عليه وسلم)،باعتباره خاتم الأنبياء والمرسلين ، وبالتالي فهو أكمل البشر، وبالتالي فان كمالنا المحدود لا يتحقق إلا بإتباعه قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (آل عمران: 31- 32). ويليها كمال العدالة النصية (اى من نص على عدالتهم) وهى للسلف الصالح (ألصحابه والتابعين)، وبالتالي فان كمالنا المحدود لا يتحقق إلا بالاقتداء بهم، قال تعالى (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)(البقرة: 137).والنفس المطمئنة هي أكمل النفوس اى أكثر إمكانيات النفس شملا، وبالتالي فإنها لا تلغى الامكانيات"النفوس"الأقل منها شمولا ، إنما تحدها كما يحد الكل الجزء فتكمله وتغنيه.
نقد التصور الهرمي لإمكانيات النفس: مما سبق نخلص إلى أن النفوس الواردة في القران الكريم هي إمكانيات وأوصاف للنفس وليست نفوس متعددة ، يقول الإمام ابن قيم الجوزية (والتحقيق أنها نفس واحدة؛ ولَكن لَها صفات، فتُسمَّى باعتبار كل صفة باسم)( الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة) ،والارتقاء إلى أمكانيه اعلي يترتب عليه تحديد وليس إلغاء هذه الامكانيه .
خامسا: المفاهيم الكلية المرتبطة بتحقيق الطمانينه والسكينة : وتحقيق الطمانينه والسكينة من غايات المنظور الروحي الاسلامى، وبالتالي فهو مرتبط بالمفاهيم الكلية التي يستند إليها هذا المنظور الروحي ، ومن هذه المفاهيم الكلية:
ا/ تحقيق الاستخلاف العام- التكليفى في مستواه الفردي : من غايات المنظور الروحي الاسلامى تحقيق الاستخلاف العام"المجرد"- التكليفى، والذي لا ينفرد به إي فرد أو فئة دون الجماعة ، والذي أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض﴾. وبالتالي فان تحقيق الطمانينه والسكينة مرتبط بتحقيق هذا النمط من أنماط الاستخلاف لكن طبقا لمستواه الفردي.
ب/الجزاء الدنيوى الذاتي: يستند المنظور الروحي الاسلامى إلى المنظور القيمى الاسلامى، والاجابه التي وضعها للسؤال المتصل بطبيعة الجزاء على الأفعال ” الموضوعية ” – وقبلها الاعتقادات الذاتية – والتي ترفض تقرير كونه دنيوي بحث،أو اخروى بحت، وتجمع بين الجزاء الدنيوي والاخروى ، بعد تقرير أن الأصل في الدنيا أنها دار عمل ، والأصل في الاخره أنها دار حساب- اتساقا مع الفلسفة الاسلاميه في التوازن بين الدنيا والاخره، قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص:77).اتساقا مع هذا فانه يمكن اعتبار تحقيق الطمانينه والسكينة هو جزاء دنيوي ايجابي “ثواب دنيوي” ذاتي، على الإيمان والعمل الصالح “شروط الاستخلاف النصية الذاتية والموضوعية”- بجانب جزاء ايجابي اخروى “الثواب الاخروى” والمتضمن للجنة، قال تعالى(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).
ج/مفهوم جنه الدنيا عند علماء اهل السنه:أشار بعض علماء أهل السنة كالامامين ابن تيميه وابن القيم إلى مفهوم “جنه الدنيا ” الذي في معرض تقريرهم أن هناك جنه في الدنيا بجانب جنه الاخره- مع ملاحظه أن المعنى هنا مجازى أما المعنى الحقيقي فمقصور على الاخيره- ينقل ابن القيم عن الإمام ابن تيميه (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه – يقول” إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة”) (الوابل الصيب: ص 67 )…ويقول ابن القيم (فإنه لا نعيم له ولا لذة، ولا ابتهاج، ولا كمال إلا بمعرفة الله ومحبته، والطمأنينة بذكره، والفرح والابتهاج بقربه، والشوق إلى لقائه، فهذه جنته العاجلة، كما أن لا نعيم له في الآخرة، ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنة الآجلة، فله جنتان، لا يدخل الثانية منهما إن لم يدخل الأولى.) .ومن سياق هذه الأقوال وغيرها نفهم أن جنه الدنيا تتضمن : الرضا ومحبه الله والاطمئنان بذكره والفرح بقربه ،وإفراده بالعبادة والعبودية ، وحلاوة الإيمان … وكثير من هذه المعاني مرتبطة بتحقيق الطمانينه والسكينة، وبالتالي فان تحقيقهما مرتبط بالمستوى الذاتي لمفهوم جنه الدنيا طبقا لتصور علماء أهل السنه.
د/الظهور الصفاتى: إن الفهم الصحيح للظهور الصفاتى والذاتي للفعل الالهى المطلق "الربوبية" والذي قرره علماء أهل السنه يترتب عليه أن ما هو ممكن التحقيق هو الظهور الصفاتى (ما دل على الفعل المطلق لله تعالى "الربوبية")،أما الظهور الذاتي سواء بشكله المقيد أو شكله المطلق فمستحيل التحقيق في الحياة الدنيا لغير الأنبياء ، يقول الإمام ابن القيم ( فالكون كما هو محل الخلق والأمر ، مظهر الأسماء والصفات ، فهو بجميعه شواهد وأدله وآيات دعا الله سبحانه عباده إلى النظر فيها).بناء على هذا فان تحقيق الطمانينه والسكينة مرتبط بالظهور الصفاتى للفعل الالهى المطلق "الربوبية".
سابعا: مفهوما الطمأنينة والسكينة والطب الروحي الاسلامى والصحة النفسية والعقلية: ومفهوما الطمأنينة والسكينة من المفاهيم الاساسيه للطب الروحي الاسلامى.
فلسفه الطب الاسلامى: فالتصور الاسلامى للإنسان قائم على أن له بعدين: بعد غيبي روحي و بعد مادي ،غير أن هناك عده مذاهب تحاول الاجابه على الاسئله: ما هي طبيعة العلاقة بين هذين البعدين؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الإمراض والعلل والمرتبطة بهذين البعدين؟ وبالتالي ما هي طبيعة الطب الاسلامى وفلسفته؟
مذهب الارتباط والتمييز بين البعدين الروحي والمادي(الطب الشامل): أما المذهب الذي نرجحه فهو مذهب الارتباط والتمييز بين البعدين الروحي والمادي،والذي مضمونه أن البعد الغيبي الروحي للإنسان لا يلغى البعد المادي، له ولكن يحده ، وان العلاقة بينهما علاقة وحده لا خلط وتمييز لا فصل.وانه يجب التمييز (لا الفصل) بين نوعين من الأمراض أو العلل:
الأولى:ترتبط بالبعد العضوي(الأمراض العضوية التي يتناولها علم الطب) والسلوكي (الأمراض النفسية والعقلية التي يتناولها علم النفس الإكلينيكي - الطب النفسي) للإنسان والسنن الإلهية التي تضبط حركته. وهنا يكون علاجها كيميائي أو جراحي أو سيكولوجي قال تعالى ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) …وفى تفسير ابن كثير( أي: إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه). و قال صلى الله عليه وسلم: “ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء” البخاري. ورواه أيضا النسائي وابن ماجة مع الزيادة : “علمه من علمه وجهله من جهله” وأخرجه أيضا بهذه الزيادة ابن حبان والحاكم وصححاه.
الثانية:تربط بالبعد الغيبي الروحي للإنسان، ويكون علاجها بمعرفة والتزام القواعد الموضوعية المطلقة التي مصدرها الوحي. وهنا يأتي العلاج بالقرآن…غير أن هذا لا يعني إلغاء العلاقة بين النوعين من العلل، فما هو روحى يحد ما هو مادي ولا يلغيه، وبالتالي فإن العلاج الروحي بالقران يحد العلاج المادي الذي يقدمه علم الطب فيكمله ولكن لا يلغيه. وطبقا لهذا فان الطب الاسلامى هو شكل من أشكال الطب الشامل ( comprehensive Medicine ) الذي يجمع بين العلاج المادي الذي يقدمه علم الطب،والعلاج الروحي الذي يقدمه القران،وان الأخير هو شكل من أشكال الطب المكمل ( Medicine Complementary ) اى الذي يُستخدم مع علم الطب أي يكمله .
طب مكمل وليس بديل:بناء على العرض أعلاه نخلص إلى أن تحقيق الطمأنينة والسكينة هو جزء من العلاج الروحي بالقران (اى جزء من الطب الروحي الاسلامى )، وهو يحد العلاج المادى ( الكيميائي أو الجراحي أو النفسي- المعرفي أو السلوكي..)الذي يقدمه علم النفس الإكلينيكي - الطب النفسي للأمراض النفسية والعقليه.
الإسهام في تحقيق الصحة النفسية والعقلية الشاملة: ومفهوما الطمأنينة والسكينة يسهمان –باعتبارهما من المفاهيم الاساسيه للطب الروحي الاسلامى - في تحقيق الصحة النفسية (Psychological health) والصحة العقلية (intellectual health) في مفهومهما الشامل ، فقد تعددت تعريفات الصحة النفسية والعقلية،والتعريف الذي نرججه هو تعريفهما بأنهما أساليب التفكير والسلوك ،التي يلزم منها تحقيق قدر من التوازن بين المستويات المتعددة للشخصية ” النفسية، العقلية، الجسدية، الاجتماعية، الروحية..” ، ليصبح الإنسان قادر على حل المشاكل المتجددة، التي يطرحها واقعه المتغير ،وبالتالي فان علاج الطب الروحى لاضطرابات المستوى الروحي للشخصية ، ضروري لتحقيق هذا التوازن.
ثامنا: تحقيق مضمون الطمأنينة والسكينة كغايات لفلسفات وضعيه ودينيه أجنبيه: وأخيرا فان هناك العديد من الفلسفات الوضعية والدينية الغربية والشرقية، التي تلتقي مع المنظورالروحى الاسلامى، في اتخاذها تحقيق مضمون الطمأنينة والسكينة غاية لها ، من خلال بحثها عن فاعليه روحيه – معرفيه – نفسيه، تهدف إلى ضبط أو التحكم بالانفعالات السالية كالحزن والخوف..) ،ولكنها استندت خلال بحثها إلى مفاهيم خاطئه "كمفهوم وحده الوجود"، وهو ما أدى بها إلى تبنى تصورات سلبيه لمضمون المفهومين، يلزم منها إلغاء بعض أبعاد الوجود الانسانى "كالوعي أو إدراك الواقع،أو الاراده ..." . ففي الفلسفة الغربية قال الفيلسوف الروماني سكستوس إمبيريكوس أنه يمكن الحصول على حالة الطمأنينة (أتاراكسيا) أو راحة البال من خلال التوقف عن الحكم على الأشياء. وكانت غاية الفلسفة بالنسبة لإبيقور كانت الوصول للحياة السعيدة والمطمئنة ولها خاصتين : الأولى: حالة الطمأنينة (Ataraxia) أي الطمأنينة والسلام والتخلص من الخوف، والثانية: حالة غياب الألم (Aponia) وتعني غياب الألم، والاكتفاء الذاتي محاطاً بالأصدقاء.أما في الفلسفات الدينية الشرقية القديمة فيصف بوذا النيرفانا على أنها حالة السلام التام للروح، وهي الحالة التي يكون فيها خاليا من التلهف، والغضب وأي معاناة أخرى. واعتبرت البوذية الجاينية الـ (نيرفانا) حالة الانطفاء الكامل التي يصل إليها الإنسان بعد فترة طويلة من التأمل العميق، فلا يشعر بالمؤثرات الخارجية المحيطة به على الإطلاق، أي أنه يصبح منفصلا تماما بذهنه وجسده عن العالم الخارجي، والهدف من ذلك هو شحن طاقات الروح من أجل تحقيق النشوة والسعادة القصوى والقناعة وقتل الشهوات، ليبتعد الإنسان بهذه الحالة عن كل المشاعر السلبية من الاكتئاب والحزن والقلق وغيرها .
----------------------------------------------------------------
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
2/ د. صبري محمد خليل Google Sites
https://sites.google.com/site/sabriymkh/


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
النفس المطمئنة: دراسة لمفهومي الطمأنينة والسكينة في المنظور الروحي الاسلامى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: مصطلحات القـوم-
انتقل الى: