كيف شكا شيخ من الأمراض لأحد الأطباء وكيف اجابه الطبيب .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
كيف شكا شيخ من الأمراض لأحد الأطباء وكيف اجابه الطبيب .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف شكا شيخ من الأمراض لأحد الأطباء وكيف اجابه الطبيب
“ 345 “ 3295 وصور فكرك هي لك شبيهة بهذا القش ، تتوارد منها على التوالي أشكال بكر .ونهر فكرك في انطلاقه لا تخلو صفحته من قش محبوب وقش قبيح الشكل .فهذه القشور فوق صفحة هذا الماء الجاري قد أقبلت مندفعة من ثمار بستان الغيب .فابحث في البستان عن لباب هذا القشر ، ذلك لأن الماء يقبل إلى مجراه من البستان .فان كنت لا تبصر جريان ماء الحياة فانظر إلى حركة هذه الأعشاب في النهر . 3300 فحينما يزداد اندفاع الماء في جريانه ، تزداد به قشور الفكر سرعة في انطلاقها .فإذا ما بلغ هذا النهر غاية سرعته في جريانه ، لا يستقر غم في ضمير العارفين .فهذا النهر حين يكون في قمة امتلائه وسرعته ، فإنه لا يبقى به متسع الا للماء . كيف طعن غريب في أحد الشيوخ
وكيف أجابه مريد الشيخ
اتهم شخص أحد الشيوخ ( قائلا ) : “ انه فاسد : لا يسلك سبيل الرشاد ! فهو شارب للخمر منافق خبيث ، فأنى له أن يكون مغيثا لمريديه ؟ “ “ 346 “ 3305 فقال له أحد ( المريدين ) : “ الزم الأدب ، فليس بهين مثل هذا الظن بالكبار ! ولكم هو بعيد عنه وعن صفاته أن يعكر صفاءه سيل ( من الخطيئة ) ! فلا ترم بمثل هذا البهتان أهل الحق ! ان هذا ليس سوى خيالك فافتح صفحة ( جديدة ) .ان هذا لا يجوز ، أيها الطائر البرىّ ! وهب أنه جاز ، فأىّ خوف لبحر القلزم من أن ترمى به جثة ؟انه ليس حوضا صغيرا ، دون القلَّتين ، حتى يمكن أن تلوثه قطرة ( من الدنس ) . 3310 فالنار لا تكون خطرا على إبراهيم . أما كل نمرود ، فادعه إلى أن يحذرها ! “ ان النفس هي النمرود ، وأما العقل والروح فهما الخليل .فالروح ( مستقرها ) عين الحقيقة وأما النفس فعالقة بالدليل .والدليل انما هو للسائر في الطريق ، الذي هو - في كل لحظة - عرضة للضلال في البيداء .أما الواصلون فليس لهم سوى العين والسراج ، وقد استراحوا من ( هم ) الدليل والطريق .فلو أن رجلا من الواصلين ذكر أحد الأدلة ، فإنه يفعل ذلك ليفهم أصحاب الجدال . 3315 ان الأب يصطنع أصوات الطفولة لوليده الجديد ، مع أن عقله قد يبدع هندسة الدنيا ! “ 347 “ فليس يهبط فضل الأستاذ من عليائه لو أنه قال : ان الألف لا تقبل أي تحريك .فالمرء - من أجل تلعيم ذلك ( الطفل ) المعقود اللسان - يجب عليه أن يخرج عن لسانه .ان عليك أن تصطنع نطقه حتى يتعلم منك العلم والفن .فمن اللازم للشيخ في وقت النصح أن يعتبر جميع الخلق مثل أطفاله . 3320 واعلم أن هناك حدّ للكفر ومداه ، أما الشيخ ونوره فليست لهما حدود ! فالمحدود عدم أمام اللامحدود . وكل شئ سوى وجه الله مآله إلى الفناء “ 1 “ .فحيثما وجد الشيخ فلا مجال للكفر والايمان ، ذلك لأنه لب ، وليس هذين سوى ألوان وقشور ! فهذه الأمور الفانية أصبحت حجابا لذلك الوجه ، كما اختفي نور اسراج تحت طست .فرأس هذا الجسد اذن حجاب لذلك الرأس ( الروحىّ ) ! ورأس الجسد كافر إذا قيس بذلك الرأس ! 3325 فمن الكافر ؟ انه الغافل عن ايمان الشيخ ! ومن الميت ! انه من لا علم له بروح الشيخ ! شان الروح ليست الا خبرا ( قابلا ) للتجربة فكل من ازداد علما بها ، زدات روحه قوة ..................................................................( 1 ) قال تعالى : “ كل شى هالك الا وجهه “ . ( القصص ، 28 : 88 ) . “ 348 “ وروحنا أعظم من روح الحيوان ، فلماذا ؟ لأنها أكثر علما من روح الحيوان .وأرواح الملائكة أعظم من أرواحنا ، لأنها منزهة عن الحس المشترك .وأما ملوك القلوب “ 1 “ فأرواحهم أعظم من أرواح الملائكة فدعك من الحيرة ! 3330 ولهذا السبب كان سجود الملائكة لآدم ، فروح آدم أعظم من كيانهم .والا لما كان من اللائق قط أن يؤمر كائن أعظم بالسجود لمن هو دونه .وكيف تروق عدالة الخالق ولطفه أن تخر الوردة ساجدة للشوك ؟فالروح حين قوى وتجاوز المنتهى ، أصبحت أرواح جملة الكائنات طوع حكمه ، ( سواء في ذلك ) الطير والسمك والجنّ والناس ذلك لأن هذا الروح ( الكامل ) عظيم ، وتلك الأرواح ناقصة . 3335 فالأسماك تغدو صانعة الابر لدلق الشيخ ، وتكون تابعة له كما يتبع الخيط الإبرة ! بقية قصة إبراهيم بن أدهم قدس الله روحه
على شاطىء البحر
حين رأى ذلك الأمير نفاذ أمر الشيخ بقدوم الأسماك نحوه ظهر عليه الوجد ،.................................................................( 1 ) الصوفية .“ 349 “ وتأوه قائلا : “ ان السمكة عارفة بالشيوخ فساء من كان طريد بلاطهم ! الأسماك عارفة بالشيخ ونحن بعيدون عنه ! فنحن ( بحرماننا ) من هذا الحظ - أشقياء ! وتلك الأسماك سعيدة ! فخرّ ساجدا ، ومضى باكيا ولها ، وجُنّ بتعشقه فتح ذلك الباب ! 3340 فما الذي أنت مشتغل به ، يا من لم تغسل وجهك ! ومع من أنت في صراع وحسد ؟انك تعبث بذيل أسد ! انك تشنّ غارة على الملائكة ! لماذا حديثك بالسوء عن الخير المحض ؟ حاذر ، ولا تحسبن هذا التوقح رفعة ! فماذا يكون الخبيث ؟ انه النحاس المفتقر المهان ! ومن هو الشيخ ؟انه الكيمياء التي لا حدّ لها .فلئن كان النحاس غير متقبل للاكسير ، فان الإكسير لا يغدو قط نحاسا بفعل النحاس . 3345 وماذا يكون الخبيث ؟ انه العنيد النارىّ الفعل ! ومن الشيخ ؟انه بحر الأزل بعينه ! والنار دائمة الخوف من الماء أما الماء ، فهل خاف قط من اللهيب ؟انك لتتفرس في وجه القمر باحثا عن عيب ! بل انك لتملتمس الأشواك في فردوس ! فيا ملتمس الشوك ! لو أنك دخلت الجنة ، فلن تجد فيها شوكة سواك .
“ 350 “ فهل تسعى إلى تغطية الشمس بقطعة من الطين ؟ أم هل تلتمس صدعا في البدر المكتمل ؟ 3350 فهذه الشمس التي تضيء الدنيا ، كيف تحتجب من أجل خفاش ! ان العيوب قد صارت - برفض الشيوخ لها - عيوبا ، والغيوب قد أضحت - بغيرتهم عليها - غيوبا ! ولو كنت بعيدا عنهم ، فكن لهم صديقا بخدمتهم أحيانا . وسارع إلى الندم ثم بادر إلى العمل .فلعل نسيما يهب نحوك من هذا السبيل . فلماذا تدفع عن نفسك ماء الرحمة بالحسد ؟ومهما كنت بعيدا عنهم فأظهر لهم أمارات الودّ وحيثما كنتم فولوا وجوهكم ( نحوهم ) . 3355 فلو أن حمارا انزلق في الوجل من جراء خطوة مسرعة ، فإنه يتحرك على الدوام لكي ينهض .وهو لا يمهد ذلك المكان من أجل الإقامة ، فقد علم أنه ليس مكانا للعيش ! فحسك كان أدنى من حسّ الحمار ، ذلك لأن قلبك لم ينهض من هذه الأوحال ! فها أنت ذا تتأول رخصة للإقامة في الوحل ، ما دمت لا تريد أن تنتزع منه قلبك ! قائلا : “ ان هذا يجوز لي فأنا مضطر ، والحق بكرمه لن يأخذني بعجزى ! “ 3360 وهو في الحقيقة قد أخذك ولكنك كالضبع الأعمى لم تر أخذه إياك ، من جراء غرورك ! “ 351 “ ان الصيادين يقولون : “ الضبع “ 1 “ غير موجود هنا ، فابحثوا عنه في الخارج فإنه ليس في كهفه “ .يقولون هذا وهم يضعون فوقه القيود ، على حين أن الضبع يقول : “ لا خير لديهم عنى ! فلو أن هذا العدوّ كان يعرف مكاني ، فكيف كان يهتف : أين هذا الضبع ؟ “ كيف ادعى رجل ان الله تعالى لن يأخذه بالاثم
وكيف اجابه شعيب
قال رجل في عهد شعيب : “ ان الله رأى منى كثيرا من العيب ! 3365 فكم من اثم شهده منى ، وكم من جرم ، لكن الله بكرمه لا يأخذني بذلك ! “ فأجابه الحق تعالى بكلام فصيح ألقاه من الغيب في أذن شعيب :( قائلا ) : “ انك قد قلت : كم ارتكبت من آثام ، لكنّ الله بكرمه لم يأخذني بجرمى ! وأنت تقلب ( الحقيقة ) وتقول بعكسها أيها السفيه ! يا من تخليت عن الطريق وتمسكت بالتيه ! فكم آخذك بجرمك وأنت لا تشعر بذلك ! ها أنت ذا مقيد بالسلاسل من قدميك إلى رأسك ! 3370 ان الصدأ المتراكم عليك طبقة فوق طبقة - أيها الوعاء الأسود - قد خرّب سيما باطنك !.................................................................( 1 ) الضبع في رأى بعض اللغويين مؤنث . وفي رأى بعضهم أنه يذكر ويؤنث . وقد أخذنا بالرأي الأخير . “ 352 “ لقد تراكمت فوق قلبك طبقات من الصدأ حتى أصبح أعمى عن ( مشاهدة ) الأسرار ! “ فلو أن هذا الدخان هبط فوق قدر جديدة لبقى أثره فوقها ، مهما قلّ هذا الأثر “ 1 “ .ذلك لأن الشئ يتميز بضده فذلك السواد تظهر شناعته فوق البياض .فإذا ما أصبحت القدر سوادء فمن ذا الذي يلحظ بعد ذلك تأثير الدخان عليها بالنظرة العجلي ؟ 3375 ان الحداد الزنجي يكون لون الدخان من لون وجهه .أما الرومي الذي يحترف الحدادة فوجهه يغدو أبلق من تلقى الدخان .فهو سرعان ما يعلم تأثير الاثم ، فينوح بلهفة قائلا : “ يا الهى ! “ وحينما يلزم الاصرار ويحترف السوء فهو يذرّ الرماد في عين الفكر ، فلا يتفكر في التوبة ، ثم يصبح ذلك الجرم حلوا في مذاق قلبه ، حتى يصير مجردا من الدين ، 3380 وقد زايله ذلك الندم ، ودعاء الله وتراكمت فوق مرآته خمس طبقات من الصدأ ! وبدأ الصدأ يأكل حديدها ، كما أنه أخذ ينتقص من جوهرها ! انك حين تكتب فوق ورقة بيضاء فان هذه الكتابة تقرأ بمجرد النظر إليها ..................................................................( 1 ) حرفيا : “ لبقى اثره فوقها ، ولو كان مقدار حبة من شعير “ .
“ 353 “ فإذا ما كتت فوق كلام مكتوب ، لو يتيسر فهمه ، ووقع الخطأ في قراءته .ذلك لأن سوادا قد وقع فوق سواد ، فاستغلق كلا الخطين ، ولم يعطيا معنى . 3385 فلو أنت كتبت فوق ذلك اللمرة الثالثة لأصبح السواد مثل روح الكافر .فأية حيلة تكون بعد ذلك ، سوى اللجوء إلى المعين . ان اليأس نحاس اكسيره نظر ( الله ) .فلتضع أمامه نوازع يأسك حتى تنجو من السقم الذي لا دواء له ! فحينما حدث شعيب الرجل بهذه الحكم ، تفتحت في قلبه الورود بتلك الأنفاس الروحية .فاستمعت روحه إلى وحى السماء وقال : “ ان كان قد عاقبنى ، فأين علامة ذلك ؟ “ 3390 فهتف شعيب : “ يا رب ! انه يجادلنى ، ويطلب علامة على مؤاخذتك إياه ! “ فقال ( الحق ) : انني ستار ، فلن أذيع من أسراره الا رمزا وأحدا لأبلوه به :ان هناك علامة واحدة على مؤاخذتى إياه ، هي أنه رجل صاحب طاعات من صوم ودعاء ، وصلاة وزكاة وغير ذلك ، لكنه ليست لديه ذرة واحدة من ذوق الروح ! “ 354 “ انه يؤدى الطاعات ويقوم بسنىّ الفعال ، لكنه لا يملك ذرة واحدة من الذوق . 3395 ان طاعته نبيلة ولكنها لا تنطوى على معنى نبيل ! فالجوز كثير ولكنه لا يشتمل على لباب ! فلا بد من الذوق حتى تؤتى الطاعات ثمرا ، ولا بد من اللب حتى تنبت البذور شجرا .فالبذرة التي لا لبّ لها كيف تصير غصنا ؟ والصورة التي لا روح لها ليست سوى خيال . بقية قصة ذلك الغريب وطعنه في الشيخ
ان ذلك الخبيث كان يتفوه بهراء عن الشيخ ، فأحولُ النظر يكون دائما أحوال العقل ! ( قائلا ) : “ انني قد رأيته في أحد المجالس ، فإذا هو عار من التقوى ، مفلس منها ! 3400 وان كنت لا تصدقني فانهض معي هذه الليلة ، لترى فسق شيخك عيانا ! “ واقتاده في الليل إلى احدى النوافذ ثم قال : “ تأمل هذا الفسق ، وتلك المنادمة ! تأمل ذلك النفاق بالنهار ، وهذا الفسق بالليل ! انه أثناء النهار كالمصطفي ، وفي الليل مثل أبى لهب ! ففي النهار كان اسمه “ عبد الله “ . وفي الليل أعاذنا الله منه ، وهو يحمل كأس الشراب ! “ “ 355 “ ورأى ( المريد ) الكأس ممتلئة في كف الشيخ ، فقال : “ واشيخاه ! أأنت أيضا من أصحاب الخداع ؟ “ 3405 تو نمى گفتى كه در جام شراب * ديو مى ميزد شتابان ناشتاب “ 1 “فقال الشيخ : “ انهم ملؤوا كأسي على هذه الصورة ، حتى لا يبقى بها متسع لحبة من بخور “ 2 “ .انظر إليها ، هل فيها متسع لذرة ؟ ولقد حمل الغرّ هذا الكلام معنى معوجا ! “ فليست هذه كأس الظاهر ولا خمر الظاهر ! فما أبعد هذا عن ذلك الشيخ البصير بالغيب ! ان كأس الشراب هي وجود الشيخ أيها الأحمق ، وهذا لا يتسع لقطرة من خبث الشيطان “ 3 “ . 3410 انه ممتلئ طافح بنور الحق ! ولقد حطم كأس البدن ، فهو نور مطلق ! ولو أن نور الشمس وقع فوق نفاية قذرة فإنه يبقى نورا ، ولا يتقبل منها الخبث .قال الشيخ : “ ليست هذه بكأس ، وليس ما تحتوبه خمرا ، فانزل الينا - أيها المنكر - ثم تأملها ! “.................................................................( 1 ) أعرضنا هنا عن ترجمة هذا البيت ، حيث وجدناه غير لائق بالترجمة . وخلاصته أن المريد قال لشيخه : “ ألم تكن أنت الذي يشتد في النهى عن الشراب ؟ “ .( 2 ) المراد أن الكأس لم يبق بها متسع لا ضافة شئ مهما صغر .( 3 ) ترجمنا الشطر الثاني من البيت بشئ من التصرف فعبرنا عن معناه من غير تقيد بألفاظه .“ 356 “ فاقترب منها فرآها عسلا صافيا فعمى ( من الخجل ) ذلك العدوّ الضال التعس ! حينذاك قال الشيخ لمريده : “ اذهب والتمس لي خمرا ، أيها العظيم ! 3415 فانى أحس بألم ، وقد أصحبت مضطرا ! لقد تجاوز بي الألم حد المخمصة ! ففي وقت الضرورة تكون كل ميتة نظيفة . فلينزل تراب اللعنة على رأس المنكر ! “ فدخل ذلك المريد إلى غرفة الدنان ، وأخذ - من أجل الشيخ - يتذوق من كل دنّ ! فلم ير في كل غرف الدنان خمرا ، فكل دنان النبيذ كانت قد غدت ممتلئة بالعسل ! فقال : “ أيها السكارى ما هذه الحال ؟ ما هذا الأمر ؟ انني لست أرى عقارا في أي دنّ ! “ 3420 فأقبل جميع السكارى نحو ذلك الشيخ ، بعيون باكية وهم يضربون رؤوسهم بأيديهم ، ( قائلين ) : “ لقد جئت إلى حانتنا ، أيها الشيخ الأجل ، فأصبحت - بقدومك - جملة خمورنا عسلا ! لقد أبدلت الخمر ، ( وطهرتها ) من الدنس ! فأبدل نفوسنا أيضا ( وطهرها ) من الخبث ! “ فلو أن العالم امتلأ بالدماء حتى طفح ، فمتى كان عبد الله يشرب غير الحلال ! “ 357 “كيف قالت عائشة رضي الله عنها للمصطفي عليه السلام :
انك تؤدي الصلاة في كل مكان بدون مصلى
قالت عائشة ذات يوم للرسول : “ يا رسول الله ! انك في العلن والخفاء ، 3425 تصلى في كل مكان تجده ! وقد يتجول في الدار النجس والدنىء ، وذات الحيض والطفل والملوث القذر ، وهؤلاء يلوثون كل مكان يقربونه .فقال الرسول : “ اعلمى أن الله يصنع للكبراء من النجس طهرا .فلطف الحق - من هذا الوجه - قد طهر لي مكان السجود حتى السماء السابعة ! “ فحذار ، حذار لا تضمر حسدا الملوك ( الروح ) ، والا غدوت شيطانا في هذه الدنيا ! 3430 فان ( الواحد منهم ) لو شرب سما لصار شهدا ، على حين أنك لو شربت شهدا لغدا سما ! انه قيد تبدل حاله وتغير ، فأصبح لطفا ، وصارت جلمة ناره نورا ! فأبابيلُ الطير كانت ( تنعم ) بقوة من الحق ، والا فكيف يقتل طائر فيلا ؟ان جماعة من صغار الطير قد هزمت جيشا ، وذلك لكي تعلم أن تلك الصلابة كانت من الحق ! “ 358 “ فان اعتراك وسواس من هذا القبيل ، فاذهب ، واقرأ سورة الفيل . 3435 وان أنت سلكت ( إزاء العارف ) سبيل المراء والمطاولة ، فانسبنى إلى الكفر لو أنك نجوت برأسك من هؤلاء ( العارفين ) . كيف سحب الفار مقود الجمل وكيف اعتراه العجب بنفسه
خطف فأر صغير بكفه مقود جمل ثم غدا منطلقا بدافع من المراء ! فانطلق الجمل معه بما لديه من سرعة ، فاغتر بذلك الفأر وظن نفسه من الأبطال ! وسرى شعاع من تفكير الفأر إلى الجمل ، فقال ( هامسا ) : “ اهنأ الآن بالا ، ولسوف أكشف أمرك “ .( ومضى الفأر ) حتى وصل إلى شاطىء نهر عظيم ، يضعف أمامه كل أسد وكل ذئب ، 3440 فتوقف هناك الفأر وجمد ، فقال له الجمل : “ يا رفيق الجبل والصحراء ! ما هذا التوقف ؟ ولماذا أنت حائر ؟ ضع قدمك بشجاعة في النهر ثم تقدم ! انك دليلي ومرشدي ، فلا تتوقف في وسط الطريق وتسكن ! “ فقال ( الفأر ) : “ ان هذا ماء هائل عميق وأخشى أن أغرق فيه ، أيها الرفيق ! “ “ 359 “ فقال الجمل : “ دعني أختبر هذا الماء “ ، ثم سرعان ما وضع في الماء قدمه ، 3445 وأردف قائلا : “ ان الماء يبلغ الركبة ، أيها الفأر الأعمى ! فلماذا بقيت حيران ، وخرجت عن صوابك ؟ “ فقال ( الفأر ) : “ انه بالقياس إليك نملة ، وهو بالنسبة الىّ تنين ، فهناك فروق بين ركبة وأخرى .فما كان بالنسبة لك يبلغ الركبة - أيها المفضال - فهو يعلو مائة ذراع فوق قمة رأسي ! “ فقال الجمل : “ فلا تتوقح بعد ذلك مرة أخرى ، حتى لا يحترق جسمك وروحك بهذا الشرر ! وليكن مراؤك مع أمثالك من الجرذان ، فليس يكون للفأر حديث مع الجمل . 3450 فقال ( الفأر ) : “ لقد تبت ، فهلا تصدقت على وجزت بي هذا الماء المهلك “ .فاستشعر الجمل الرحمة بالفأر ، وقال له : “ الآن اقفز واجلس فوق سنامي .ان العبور أصبح منوطا بي ، وأنا ( قدير ) على أن أحمل عبر النهر آلافا مثلك ! “ فما دمت لست برسول فامش على الطريق ، لعلك تنتقل “ 1 “ ذات يوم من بئر ( الشهوات ) إلى مستقر الجاه !.................................................................( 1 ) حرفيا : “ تصل “ . “ 360 “ وكن من الرعية ، ما دمت لست بسلطان . ولا تقد السفينة بنفسك ما دمت لست القبطان ! 3455 وطالما لم تكن مكتملا فلا تنفرد بتجارة “ 1 “ . وكن لينا في الأيدي ( كالعجين ) لتصبح خيمرا .وكن صامتا ، وأصغ لما أمر به الخالق من الانصات وما دمت لست لسان الحق ، فكن أذنا ! وإذا تكلمت فليكن كلامك على صورة استفسار . وكن كالمسكين في حديثك مع هؤلاء الملوك “ 2 “ .ان الشهوة هي بداية الكبر والحقد ، ورسوخ الشهوة ينشأ من الاعتياد عليها .فإذا رسخت عندك بحكم العادة خليقة سيئة ، ينتابك الغضب على من ( يسعى ) لا قتلاعها منك ! 3460 فما دمت قد غدوت آكلا للطين فكل من سعى لا قتلاعك من الطين صار عدوا لك ! وعباد الصنم ، حين رسِّخوا خلائقهم في تلك العبادة ، أصبحوا أعداء لمن اعترض سبيلهم إلى الصنم ! وإبليس - إذ كان قد اعتاد على التخلق بالرئاسة - نظر إلى آدم بعين الانكار ، قائلا : “ أيوجد رئيس آخر أعظم قدرا منى ، حتى يتسحق أن يسجد له كائن مثلي ؟.................................................................( 1 ) حرفيا : بدكان .( 2 ) الملوك هنا هم المرشدون الروحيون .“ 361 “ ان الرئاسة سم الا بالنسبة لتلك الروح التي تكون من البداية مترعة بالترياق ! 3465 فلو كان الجبل مليئا بالثعابين فلا تخش شيئا ما دام في الباطن ترياق غزير ! فإذا ما أصبحت الرئاسة نديما لدماغك ، فكل من خالفك صار لك خصما قديما ! ولو أن انسانا تكلم على خلاف طبعك ، لثار في نفسك نحوه كثير من الأحقاد ! ( قائلا ) : “ انه يريد أن يقتلعنى من أخلاقي ! انه يريد أن يجعل منى تلميذا وتابعا له ! “ فلو لم يكن الخلق السىّء قد أصبح راسخا ، فيكف كان بيت النار يشتعل من ( مجرد ) خلاف ! 3470 وقد يسعى ( هذا ) إلى مداراة المخالف ، ويجعل لنفسه مكانة في قلب من خالفه ! ذلك لأن الخلق السىّء قد أصبح متمكنا منه ، وصارت نملة الشهوة - بتحكم العادة - مثل الثعبان ! فاقتل - من البداية - ثعبان الشهودة ، والا فهاك ثعبانك ، وقد أصبح تنينا ! لكن كل انسان يرى ثعبان نفسه نملة ! فالتمس عند صاحب قلب تفسيرا لحال نفسك ! فما لم يصبح النحاس ذهبا فلن يعرف أنه ( كان ) نحاسا ! وما لم يغد القلب ملكا فلن يعرف أنه ( كان ) مفلسا !“ 362 “ 3475 فاجعل نفسك النحاسية خادمة للاكسير ، واحتمل الجور - أيها القلب - ممن تملك .فمن مالك القلب ؟ ان أهل القلوب ( هم مالكوه ) فاعلم ذلك جيدا ، وان هؤلاء ليهربون من الدنيا كالنهار والليل ! ولا يكن منك ذم لمن كان لله عبدا ! ولا تتهم الملك بأنه أحد اللصوص ! كرامات ذلك الدوريش الذي اتهم بالسرقة في أحدى السفن
كان درويش في احدى السفن ، وقد اتخذ لنفسه من بضاعة الرجولة ظهيرا .وضاعت صرة من الذهب، وكان نائما ، ففتشوا الجميع، وهو أيضا ووجه بذلك “1“ . 3480 ( إذ قالوا ) : “ فلنفتش أيضا هذا الفقير النائم “ ، فأيقظه صاحب المال ( الملتاع ) بالحزن .( قائلا ) : “ لقد فقدت في هذه السفينة صرة ( من الذهب ) وقد فتشنا الجيمع ولا خلاص لك من ذلك ! فاخلع دلقك وتعرّ منه ، حتى تبرأ من ظن السوء بك أوهام الخلق ! فقال ( الدرويش ) : “ يا رب ، ان هؤلاء الأخساء قد اتهموا غلامك ، فأنفذ ارادتك ! “.................................................................( 1 ) حرفيا : “ وهو أيضا ظهر له ذلك “ . “ 363 “ وحينما تملك الألم قلب الدرويش من جراء ذلك ، ظهرت برؤوسها - على الفور - في كل ناحية 3485 آلاف الأسماك من البحر الخضم ، وفي فم كل منها درة عظيمة ! فهاتيك الألوف من أسماك البحر العميق ، كانت كل منها تحمل بفمها درة ، وأية درة ! لقد كانت كل درة تعدل خراج مملكة ، وان هذا ( العطاء ) من الله ، ولا صلة له بسواه ! فنثر في السفينة درّا كثيرا ، ثم قفز واتخذ الهواء كرسيا ، وجلس ! وتربع سعيدا فوقه كأنه ملك فوق عرشه ! لقد كان في أوج رفيع ، والسفينة أمامه ! 3490 وقال : “ اذهبوا ، فالسفينة لكم ، والله لي ! فلا ينبغي أن يكون في صحبتكم لص متسول ! ( ولننظر ) لمن تكون الخسارة في هذا الفرق ! انى سعيد لا تصالى بالحق ، وانفرادى عن الناس ! فهو لن يرميني بتهمة السرقة ، ولا هو يسلم قيادى إلى نمام ! “ فهتف أهل السفينة قائلين : “ أيها الهمام ! كيف أعطيت هذا المقام العالي ؟ “ فقال : “ كان ذلك بسبب القائكم التهمة على الفقير ، واغضابكم الحق من أجل شئ حقير ! 3495 حاش لله . بل ذلك كان لتعظيم الملوك ( الروحيين ) فانى لم أكن سىّء الظن بالفقراء ،“ 364 “ هؤلاء الفقراء ، ذوى اللطف والأنفاس الطيبة الذين نزلت في تعظيمهم ( سورة ) عبس “ .ان التصوف ليس من أجل ( اجتناب ) تعقيد ( الحياة ) ، بل التصوف لأنه ليس من موجود حق سوى الله ! فكيف أتهم من جلعهم الحق أمناء على خزائن السماء السابعة ؟ان التهمة توجه إلى النفس لا إلى العقل الشريف ! المتهم هو الحس ، وليس النور اللطيف ! 3500 النفس سوفسطائية فاضربها ، فالضرب هو الذي ينفعها ، لا الجدل والحجاج ! فهي ترى معجزة فيشتعل ( بها الوجد ) حينذاك ، ثم تعود فتقول :“ ان ذلك لم يكن سوى خيال ! ولو أن هذه الرؤية العجب كانت حقيقة للبثت أمام العين صباح مساء ! “ وهذه تكون مقيمة أمام أعين الطاهرين ، وليست تكون قط قرينة لعين الحيوان “ 1 “ .فان هذه المعجزة تحتقر هذا الحس وتزدريه . وكيف يكون مقر الطاووس حفرة ضيقة ؟ 3505 ( وهأنذا أسكت ) حتى لا تنعتنى بالاسراف في القول . وأنا لا أقول الا لمحة “ 2 “ ( مما ينبغي قوله ) ، فكائما هي همسة “ 3 “ !.................................................................( 1 ) العين الحسية .( 2 ) حرفيا : “ وانا لا أقول الا واحدا بالمائة . . “ .( 3 ) حرفيا : “ فكأنما هذه شعرة “ ..