منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي Empty
مُساهمةموضوع: الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي   الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي Emptyالأربعاء ديسمبر 16, 2020 11:46 am

الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين

الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي

الجزء الأول
ص "1
الدّرة الفاخرة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
1 - الحمد للّه الّذي تجلّى بذاته لذاته ، فتعيّن في باطن علمه مجالي ذاته وصفاته ، ثم انعكست آثار تلك المجالى إلى ظاهره من الباطن ، فصارت الوحدة كثرة كما  تشاهد وتعاين ، والصلاة  على من به رجعت تلك الكثرة إلى وحدتها الأولى وعلى آله وصحبه الّذين لهم في وراثة هذه الفضيلة يد طولى .


2 - امّا بعد ، فهذه رسالة في تحقيق مذهب الصّوفية والمتكلّمين والحكماء المتقدّمين وتقرير قولهم في وجود الواجب لذاته ، وحقائق أسمائه وصفاته ، وكيفيّة صدور الكثرة عن وحدته ، من غير نقص في كمال قدسه وعزته ، وما يتبع ذلك من مباحث أخر يؤدى إليه الفكر والنظر ، والمرجو من اللّه سبحانه أن ينفع بها كل طالب منصف ، ويصونها عن كل متعصّب متعسف ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
 
3 -  تمهيد اعلم أن في الوجود واجبا ، وإلّا لزم انحصار الموجود في الممكن ، فيلزم أن لا يوجد شيء أصلا . فإن الممكن ، وإن كان متعددا ، لا يستقل بوجوده في نفسه ، وهو ظاهر ، ولا في إيجاده لغيره ، لانّ مرتبة الإيجاد بعد مرتبة الوجود ، وإذ لا وجود ولا إيجاد فلا موجود ، لا بذاته ولا بغيره . فإذن ثبت وجود الواجب  .
 

ص "2"
 
4 - ثم الظاهر من مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعري وأبى الحسين البصري من المعتزلة أن وجود الواجب بل وجود كل شيء عين ذاته  ذهنا وخارجا ، ولما استلزم ذلك اشتراك الوجود بين الوجودات  الخاصّة  لفظا لا معنى ، وبطلانه ظاهر كما بيّن في موضعه لعدم  زوال اعتقاد مطلقه عند زوال اعتقاد خصوصيّته  ولوقوعه  موردا للتقسيم  المعنوي ، صرفه بعضهم عن الظاهر بأنّ مرادهما بالعينية عدم التمايز الخارجي أي ليس في الخارج شيء  هو الماهية وآخر قائم بها قياما خارجيا هو الوجود كما يفهم من تتبع دلائلهم .
 
5 - وذهب جمهور المتكلّمين إلى أن للوجود  مفهوما واحدا مشتركا بين الوجودات  ، وذلك المفهوم الواحد يتكثر ويصير حصة حصة بإضافته إلى الأشياء كبياض هذا الثّلج وذاك وذاك  ، ووجودات الأشياء هي  هذه الحصص ، وهذه الحصص مع ذلك المفهوم الداخل فيها خارجة عن ذوات الأشياء زائدة عليها ذهنا فقط عند محقّقيهم وذهنا خارجا عند آخرين  .
 
6 - وحاصل مذهب الحكماء أنّ للوجود مفهوما واحدا مشتركا بين الوجودات ، والوجودات حقائق مختلفة متكثّرة بأنفسها لا بمجرّد عارض الإضافة لتكون متماثلة متّفقة الحقيقة  ولا بالفصول ليكون الوجود المطلق جنسا لها بل هو عارض لازم  لها

 
ص "3"
 
كنور الشّمس  ونور السّراج ، فإنهما مختلفان بالحقيقة واللوازم مشتركان في عارض النور ، وكذا بياض الثّلج والعاج بل كالكمّ والكيف المشتركين في العرضيّة بل الجوهر والعرض المشتركين في الإمكان والوجود ، إلّا أنه لمّا لم يكن لكل وجود اسم خاصّ كما في أقسام الممكن  وأقسام العرض توهّم أنّ تكثّر الوجودات وكونها حصة حصة إنما هو بمجرّد الإضافة إلى الماهيات المعروضة لها كبياض هذا الثلج وذاك  ونور هذا السراج وذاك  ، وليس كذلك بل هي حقائق مختلفة متغايرة مندرجة تحت هذا المفهوم العارض الخارج عنها ، وإذا  اعتبر تكثّر ذلك  المفهوم وصيرورته حصة حصة بإضافته إلى الماهيات فهذه الحصص أيضا خارجة عن تلك الوجودات المختلفة الحقائق .
 
7 - فهناك أمور ثلاثة : مفهوم الوجود ، وحصصه  المتعيّنة بإضافته إلى الماهيات ، والوجودات الخاصّة المختلفة الحقائق .
فمفهوم الوجود ذاتىّ داخل في حصصه وهما خارجان عن الموجودات الخاصّة ، والوجود الخاصّ عين الذّات في الواجب تعالى  وزائد خارج فيما سواه .
 
8 - تفريع .  إذا عرفت هذا  فنقول : كما أنّه يجوز أن يكون هذا المفهوم العام  زائدا على الوجود الواجبي وعلى الوجودات الخاصّة الممكنة على تقدير كونها حقائق مختلفة يجوز أن يكون زائدا على حقيقة واحدة مطلقة موجودة هي حقيقة الوجود  الواجب تعالى ، كما ذهب إليه الصّوفية القائلون بوحدة الوجود ، ويكون
 

ص "4"
 
هذا المفهوم الزائد أمرا اعتباريّا غير موجود إلّا في العقل ويكون معروضه موجودا حقيقيا خارجيا هو  حقيقة الوجود.
 
9 - و التّشكيك الواقع فيه لا يدلّ على عرضيّته بالنسبة إلى أفراده  فإنّه لم يقم برهان على امتناع الاختلاف في الماهيّات والذاتيّات بالتّشكيك ، وأقوى ما ذكروه أنّه إذا اختلفت  الماهيّة  أو الذاتىّ  في الجزئيّات لم تكن  ماهيّتها واحدة ولا ذاتيها واحدا . وهو منقوض بالعارض ، وأيضا الاختلاف بالكمال والنّقصان بنفس الماهيّة كالذّراع والذّراعين من المقدار لا يوجب تغاير الماهيّة .
 
10 - قال الشّيخ صدر الدين القونوى  قدّس اللّه سرّه  في رسالته الهادية :
إذا اختلفت  حقيقة  بكونها  في شيء أقوى أو أقدم  أو أشدّ أو أولى فكل ذلك عند المحقّق راجع إلى الظّهور دون تعدّد واقع في الحقيقة الظّاهرة أىّ حقيقة كانت من علم ووجود  وغيرهما ،  فقابل يستعدّ لظهور الحقيقة  من حيث هي  أتمّ منها من حيث ظهورها في قابل آخر مع أن الحقيقة واحدة في الكلّ .
والمفاضلة والتّفاوت واقع بين ظهوراتها بحسب الأمر المظهر  المقتضى تعيّن تلك الحقيقة تعيّنا مخالفا لتعيّنه في أمر  آخر ، فلا تعدّد في الحقيقة من حيث هي ولا تجزئة ولا
 
 
ص "5"
 
تبعيض  و أما ما قيل لو كان الضّوء والعلم  يقتضيان زوال العشى  ووجود المعلوم لكان كلّ ضوء وعلم كذلك فصحيح لو لم يقصد  به الحكم بالاختلاف في الحقيقة .
 
11 - ثم إنّ مستند الصّوفية فيما ذهبوا إليه هو  الكشف والعيان لا النّظر والبرهان ،  فإنّهم لمّا  توجّهوا إلى جناب الحقّ سبحانه  بالتعرية  وتفريغ القلب بالكليّة عن جميع التعلّقات الكونيّة والقوانين العلمية مع توحّد العزيمة ودوام الجمعيّة والمواظبة على  هذه الطّريقة  دون فترة ولا تقسيم خاطر ولا تشتّت  عزيمة ، منّ اللّه سبحانه  عليهم بنور كاشف يريهم الأشياء كما هي ، وهذا النّور يظهر في  الباطن عند ظهور طور وراء طور العقل  ، ولا تستبعدنّ  وجود ذلك فوراء العقل أطوار كثيرة يكاد  لا يعرف عددها إلا اللّه تعالى  .
 
12 - ونسبة العقل إلى ذلك النّور كنسبة الوهم إلى العقل ، فكما يمكن أن يحكم العقل بصحّة ما لا يدركه الوهم كوجود موجود مثلا لا يكون خارج العالم ولا داخله ، كذلك يمكن أن يحكم ذلك النّور الكاشف بصحّة بعض  ما لا يدركه العقل
 
ص "6"
 
كوجود حقيقة مطلقة محيطة  لا يحصرها التقيد ولا يقيّدها التعيّن مع أنّ وجود حقيقة كذلك ليس من هذا القبيل ، فإنّ كثيرا من الحكماء والمتكلّمين ذهبوا إلى وجود الكلّىّ الطّبيعى في الخارج ، وكلّ من تصدّى لبيان امتناعه بالاستدلال ، لا يخلو بعض مقدّماته عن شائبة اختلال  ، والمقصود هاهنا  رفع الاستحالة العقليّة ، والاستبعادات العاديّة ، عن هذه المسألة  ، لا إثباتها بالبراهين والأدلّة ، فإنّ الباحثين عنها تصحيحا وتزييفا ، وتقوية وتضعيفا ، ما قدروا إلا على حجج ودلائل غير كافية ، وشكوك وشبه ضعيفة واهية .
 
13 - فمن الأدلّة الدالّة على امتناع وجود  الكلّى الطبيعي ما أورده المحقّق الطّوسى في رسالته المعمولة في أجوبة المسائل الّتي سأله  عنها  الشّيخ صدر الدّين القونوى  قدس سرّه  وهو أنّ الشّيء العينىّ لا يقع على أشياء متعددة  ، فإنّه إن كان في كلّ واحد من تلك الأشياء لم يكن شيئا بعينه ، بل كان أشياء ، وإن كان في الكلّ من حيث هو كل ، والكلّ من هذه الحيثيّة شيء واحد ، فلم يقع على أشياء ، وإن في الكلّ بمعنى التّفرّق  في آحاده كان  في كلّ واحد جزء من ذلك الشّيء ، وإن لم يكن في شيء من الآحاد ولا في الكلّ لم يكن واقعا عليه .
 
14 - وأجاب عنه المولى العلّامة شمس الدّين الفناري في شرحه لمفتاح الغيب باختيار الشّق الأوّل
وقال : معنى تحقّق الحقيقة الكليّة في أفرادها تحقّقها  تارة متّصفة بهذا التّعيّن وأخرى بذلك التّعيّن ، وهذا لا يقتضي كونها أشياء كما يقتضي تحوّل الشّخص

 
ص "7"
 
الواحد في أحوال مختلفة بل متباينة  كونه  أشخاصا .
ثمّ قال : فإن قلت : كيف يتّصف الواحد بالذّات بالأوصاف المتضادّة كالمشرقيّة والمغربيّة والعلم والجهل وغيرهما ؟ قلت  .
هذا استبعاد حاصل من قياس الكلّى على الجزئي والغائب على الشّاهد  ولا برهان على امتناعه في الكلّى  .
 
15 - ومنها ما أفاده المولى  قطب الدّين الرّازى وهو أن عدّة من الحقائق كالجنس والفصل والنّوع تتحقّق  في فرد  ، فلو وجدت امتنع الحمل بينها  ضرورة امتناع الحمل بين الموجودات  المتعدّدة .
 
16 - وأجاب عنه العلّامة الفناري بأنّه من الجائز أن يكون  عدّة من الحقائق المتناسبة   موجودة بوجود واحد شامل  لها من حيث هي كالأبوّة القائمة بمجموع  أجزاء الأب من حيث هو مجموع ، ولا يلزم من عدم الوجودات المتعدّدة عدم  الوجود مطلقا بل هم مصرّحون بأنّ جعل  الجنس والفصل والنوع واحد  .
 
17 - وأمّا الدّلائل  الدّالّة على وجود الكلّى الطّبيعى في الجملة فليست ممّا يفيد  هذا المطلوب على اليقين  بل على الاحتمال مع أنّها مذكورة في
 
ص "8"
 
الكتب المشهورة مع ما يرد عليها ، فلهذا وقع الإعراض عن إيرادها والاشتغال بما يدلّ على إثبات هذا المطلوب بعينه  .
 
18 - فنقول : لا شكّ أنّ مبدأ الموجودات موجود  ،  فلا يخلو إمّا أن يكون حقيقة الوجود أو غيره ، لا  جائز أن يكون غيره ضرورة احتياج غير الوجود  في وجوده إلى غير هو الوجود ، والاحتياج ينافي الوجوب ، فتعيّن أن يكون حقيقة الوجود  .
فإن كان مطلقا  ثبت المطلوب وإن  كان متعيّنا يمتنع أن يكون التعيّن داخلا فيه وإلّا لتركّب الواجب ، فتعيّن أن يكون خارجا . فالواجب محض ما هو الوجود والتعيّن صفة عارضة . 
 
19 - فإن قلت : لم لا يجوز أن يكون التعيّن عينه ؟
قلت : إن كان التعيّن بمعنى ما به التعيّن يجوز أن يكون عينه ، لكن  لا  يضرّنا ، فإنّ ما به تعيّنه ، إذا كان ذاته ، ينبغي أن يكون هو في نفسه غير متعيّن وإلّا تسلسل  وإن كان بمعنى التشخّص لا يجوز أن يكون عينه لأنّه من المعقولات الثّانية الّتي لا يحاذى بها أمر في الخارج .
 
20 - ثمّ إنّه  لا يخفى على من تتبّع  معارفهم  المبثوثة  في كتبهم

 
ص « 9 »
أنّ ما يحكى من  مكاشفاتهم لا يدلّ إلّا على إثبات ذات مطلقة محيطة بالمراتب العقليّة والعينيّة منبسطة على الموجودات الذّهنيّة والخارجيّة ليس لها تعيّن يمتنع معه ظهورها مع تعيّن آخر من التعيّنات  الإلهيّة والخلقيّة ، فلا مانع أن يثبت لها تعيّن يجامع التعيّنات كلها ، لا  ينافي شيئا منها ، ويكون عين ذاته غير زائد عليه لا ذهنا ولا خارجا ، إذا  تصوّره العقل بهذا التعيّن امتنع  عن فرضه مشتركا  بين كثيرين اشتراك الكلّى بين جزئيّاته لا عن  تحوّله وظهوره في الصّور الكثيرة والمظاهر الغير المتناهية علما وعينا وغيبا وشهادة بحسب النّسب المختلفة والاعتبارات المتغايرة .
 
21 - واعتبر ذلك بالنّفس النّاطقة  السّارية في أقطار البدن وحواسّها الظّاهرة وقواها الباطنة  بل بالنّفس النّاطقة  الكمالية ،  فإنّها إذا تحقّقت بمظهريّة الاسم الجامع كان  التروص  من بعض حقائقها اللّازمة فتظهر  في صور  كثيرة من غير تقيّد  وانحصار ، فتصدق  تلك الصور  عليها  وتتصادق  لاتّحاد عينها كما تتعدّد  لاختلاف صورها .

 
ص "10"
 
22 - ولذا  قيل  في إدريس عليه السلام  إنّه هو إلياس  المرسل إلى بعلبك لا بمعنى أن العين خلع الصّورة الإدريسية ولبس الصّورة الإلياسيّة وإلا كان  قولا بالتّناسخ بل إن هويّة إدريس مع كونها قائمة في أنيّته وصورته في السّماء الرابعة ظهرت وتعيّنت في إنيّة إلياس الباقي إلى الآن ، فتكون  من حيث العين والحقيقة واحدة  ومن حيث التعيّن الصوري اثنتين  كنحو  جبريل وميكائيل وعزرائيل  يظهرون في الآن الواحد في مائة ألف مكان بصور شتّى كلّها قائمة بهم .
 
23 - وكذلك أرواح الكمّل كما يروى عن قضيب البان الموصلي  رحمة اللّه عليه  أنه كان يرى في زمان واحد في مجالس متعددة مشتغلا  في  كل بأمر غير ما  في الآخر ، ولمّا لم يسع  هذا الحديث أوهام المتوغلين في الزمان والمكان تلقوه بالرد والعناد ، وحكموا عليه بالبطلان والفساد .
وأما الذين منحوا التوفيق للنجاة من هذا المضيق فلمّا رأوه متعاليا عن  الزمان والمكان علموا أن نسبة جميع الأزمنة والأمكنة إليه نسبة واحدة متساوية ، فجوّزوا ظهوره في كل زمان وكل  مكان بأىّ شأن شاء وبأي صورة أراد .
 
24 - تمثيل . إذا انطبعت صورة واحدة جزئية في مرايا متكثرة متعددة مختلفة

 
ص "11"
 
بالكبر والصغر والطول والقصر والاستواء والتحديب والتقعير وغير ذلك من الاختلافات فلا شك أنها تكثرت بحسب تكثر المرايا واختلفت  انطباعاتها بحسب اختلافاتها وأن هذا التكثر غير قادح  في وحدتها ، والظهور بحسب  كل واحدة من تلك المرايا غير مانع لها أن تظهر  بحسب سائرها  .
فالواحد الحق سبحانه ، وللّه المثل الأعلى ، بمنزلة الصورة الواحدة والماهيات بمنزلة المرايا المتكثرة المختلفة باستعداداتها .
فهو  سبحانه يظهر في كل عين عين بحسبها من غير تكثر وتغير في ذاته المقدسة من  غير  أن يمنعه الظهور بأحكام بعضها عن الظهور بأحكام سائرها ، كما عرفته في المثال المذكور .
25 -  في وحدته تعالى .  لما  كان الواجب تعالى عند جمهور المتكلمين حقيقة  موجودة بوجود خاصّ ، وعند شيخيهم  والحكماء وجودا خاصّا ، احتاجوا في إثبات  وحدانيته  ونفى الشريك عنه  إلى حجج وبراهين كما أوردوها في كتبهم .
وأما الصوفية القائلون بوحدة الوجود فلما ظهر عندهم أن حقيقة الواجب تعالى هو الوجود المطلق لم يحتاجوا إلى إقامة الدليل على توحيده ونفى الشريك عنه فإنه لا يمكن أن

ص "12"
 
يتوهّم فيه اثنينية وتعدد من غير أن يعتبر فيه تعين وتقيد ، فكل ما يشاهد  أو يتخيّل  أو يتعقّل  من المتعدد فهو  الموجود أو الوجود الإضافى لا المطلق ، نعم يقابله العدم  وهو ليس  بشيء .
26 - ثم إن للوجود الحق سبحانه وحدة غير زائدة على ذاته وهي اعتباره من حيث هو هو ، وهي  ليست  بهذا الاعتبار نعتا للواحد بل عينه ، وهي المراد عند المحققين  بالأحدية الذاتية ، ومنها تنتشئ  الوحدة والكثرة المعلومتان للجمهور أعنى العدديتين  ، وهي إذا اعتبرت مع انتفاء جميع الاعتبارات سميّت أحدية ، وإذا اعتبرت مع ثبوتها سميت واحدية .
27 - القول الكلى في صفاته تعالى .  ذهبت  الأشاعرة  إلى أنّ للّه تعالى  صفات موجودة قديمة زائدة على ذاته ، فهو  عالم بعلم قادر بقدرة مريد بإرادة وعلى هذا القياس ،  وذهب  الحكماء إلى أنّ صفاته سبحانه  عين ذاته ، لا بمعنى أن هناك ذاتا وله  صفة وهما متّحدان حقيقة بل بمعنى أن ذاته تعالى يترتّب عليه ما يترتب على ذات وصفة معا ، مثلا ذاتك ليست كافية في انكشاف الأشياء
 
ص "13"
 
عليك بل تحتاج  في ذلك إلى صفة العلم التي تقوم  بك ، بخلاف ذاته تعالى فإنه لا يحتاج في انكشاف الأشياء وظهورها عليه إلى صفة تقوم  به بل المفهومات بأسرها منكشفة عليه  لأجل ذاته ، فذاته بهذا الاعتبار حقيقة العلم وكذا الحال  في القدرة فأن ذاته مؤثّرة  بنفسها  لا بصفة زائدة عليها كما في ذواتنا ، فهي بهذا  الاعتبار قدرة ، وعلى هذا يكون  الذات والصفات  متحدة في الحقيقة متغايرة  بالاعتبار والمفهوم  .
 
28 - وأما الصوفية  فذهبوا إلى أنّ صفاته سبحانه  عين  ذاته بحسب الوجود وغيرها بحسب التعقل ،  قال الشيخ  رضى اللّه تعالى عنه : قوم ذهبوا إلى نفى الصفات وذوق الأنبياء والأولياء  يشهد بخلافه  وقوم أثبتوها وحكموا بمغايرتها للذات حقّ المغايرة وذلك كفر محض وشرك بحت .
 
29 - وقال بعضهم قدّس اللّه أسرارهم  : من صار إلى إثبات الذات ولم يثبت الصفات كان جاهلا مبتدعا ومن صار إلى إثبات صفات مغايرة  للذات
فلا يلزم أن يكون  على تلك النسبة ، فيمكن أن يكون الصادر أولا بالوجود العيني أكثر من واحد كما ذهب إليه الصوفية الموحّدة  قدس اللّه أسرارهم  .


ص "14"
 
حقّ المغايرة فهو ثنوى كافر ومع كفره جاهل . وقال أيضا  : ذواتنا ناقصة وإنما تكمّلها  الصفات ، فأما  ذات اللّه تعالى  فهي كاملة لا تحتاج  في شيء إلى شيء ، إذ كل  ما يحتاج  في شيء إلى شيء فهو ناقص والنقصان لا يليق بالواجب تعالى .
فذاته تعالى  كافية للكل  في الكل  ، فهي بالنسبة إلى المعلومات علم وبالنسبة إلى المقدورات قدرة وبالنسبة إلى المرادات إرادة ، وهي واحدة ليس فيها اثنينية بوجه من الوجوه .
30 -  القول في علمه تعالى  . أطبق الكل على إثبات  علمه سبحانه  إلا شرذمة قليلة من قدماء الفلاسفة لا يعبأ بهم .
ولما كان المتكلمين يثبتون صفات زائدة ، على ذاته  تعالى  لم يشكل عليهم الأمر في تعلق علمه سبحانه  بالأمور الخارجة عن ذاته بصور مطابقة لها زائدة عليه  .
31 - وأما الحكماء فلما لم يثبتوها اضطرب كلامهم في هذا المقام ، وحاصل ما قاله الشيخ في الإشارات أن  الأول  لما عقل ذاته بذاته وكان  ذاته علة للكثرة ، لزمه تعقل الكثرة  بسبب تعقله لذاته  . فتعقله للكثرة لازم معلول له ، فصور




 
ص "15"
الكثرة ، التي هي معقولاته ،  معلولاته ولوازمه  مترتبة ترتب المعلولات  ، فهي متأخرة عن حقيقة ذاته تأخر المعلول عن العلة ، وذاته ليست متقومة بها ولا بغيرها ، بل هي واحدة وتكثر اللوازم والمعلولات لا ينافي وحدة علتها الملزومة إيّاها سواء كانت تلك اللوازم متقررة في ذات العلة أو مباينة له ، فإذن تقرر الكثرة المعلولة  في ذات الواحد القائم بذاته المتقدم عليها بالعليّة والوجود لا يقتضي تكثره . 
والحاصل أن واجب الوجود واحد ووحدته  لا تزول بكثرة الصور  المتقررة فيه .
 
32 - واعترض عليه الشارح المحقق بأنه لا شك في أنّ القول بتقرر  لوازم الأول في ذاته قول بكون الشيء الواحد فاعلا وقابلا معا ،  وقول بكون الأول موصوفا بصفات غير إضافية ولا سلبية ، وقول بكونه محلا لمعلولاته الممكنة المتكثرة ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وقول بأنّ معلوله الأول غير مباين لذاته وبأنه تعالى لا يوجد شيئا ممّا يباينه بذاته بل بتوسط الأمور الحالّة فيه إلى غير ذلك ممّا يخالف الظاهر من مذاهب  الحكماء . والقدماء القائلون بنفي العلم عنه تعالى ، وأفلاطون القائل بقيام الصور المعقولة بذاتها  ، والمشّاءون  القائلون باتحاد العاقل والمعقول إنما  ارتكبوا تلك المحالات حذرا من التزام هذه  المعاني .


يتبع

كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي وورد

كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي PDF

كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي TXT


عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي Empty
مُساهمةموضوع: الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين   الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي Emptyالأربعاء ديسمبر 16, 2020 11:47 am

الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين

الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي

الجزء الثاني
33 - ثم أشار  إلى ما هو الحق عنده وقال : العاقل  كما لا يحتاج في
 
ص "16"
 
في إدراك ذاته لذاته إلى صورة غير صورة ذاته الّتي  بها هو هو فلا يحتاج أيضا في إدراك ما يصدر عن ذاته لذاته إلى صورة غير صورة ذلك الصادر التي بها هو هو .
واعتبر من نفسك أنك تعقل شيئا   بصورة تتصورها أو تستحضرها  فهي صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا  بل بمشاركة ما من غيرك  ومع ذلك فأنت لا تعقل تلك الصورة بغيرها بل كما تعقل ذلك الشيء بها كذلك  تعقلها أيضا بنفسها من غير أن تتضاعف  الصور  فيك ، بل إنما تتضاعف  اعتباراتك المتعلقة بذاتك  وبتلك الصورة  فقط  أو على سبيل التركب . 
وإذا  كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك هذا الحال  فما ظنك بحال العاقل  مع ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة غيره فيه ؟
 
34 - ولا تظنّنّ  أن كونك محلا لتلك الصورة  شرط في تعقلك إياها ، فإنك تعقل ذاتك مع أنّك لست بمحل لها  وإنما كان  كونك محلا لتلك الصورة  شرطا في حصول تلك الصورة لك الّذي هو شرط في تعقلك إياها ، فإن حصلت تلك الصورة لك  بوجه آخر غير الحلول فيك ، ومعلوم أن
 
ص "17"
 
حصول الشيء لفاعله في كونه حصولا لغيره ليس دون حصول  الشيء لقابله ، فإذن المعلولات  الذاتية للعاقل الفاعل لذاته حاصلة له من غير أن تحل  فيه ، فهو عاقل إياها من غير أن يكون  هي حالّة فيه .
 
35 -  وإذا تقدم  هذا فأقول  : قد علمت أن الأول  عاقل لذاته من غير تغاير بين ذاته وبين  عقله لذاته في الوجود إلا في اعتبار المعتبرين ، وحكمت بأن عقله  لذاته علة لعقله  لمعلوله  الأول ، فإذا حكمت بكون العلتين أعنى ذاته وعقله لذاته شيئا واحدا في الوجود من غير تغاير فاحكم بكون المعلولين أيضا  أعنى  المعلول الأول وعقل الأول له  شيئا واحدا في الوجود من غير تغاير يقتضي كون أحدهما مباينا  للأول والثاني مقررا  فيه ، وكما حكمت بكون التغاير في العلتين اعتباريا محضا فاحكم بكونه  في المعلولين كذلك ،  فإذن وجود المعلول الأول هو نفس تعقل الأول إياه من غير احتياج إلى صورة مستفاضة مستأنفة تحلّ ذات الأول تعالى عن ذلك.
 
36 - ثم لما كانت الجواهر العقلية تعقل  ما ليست بمعلولات لها  بحصول

 
ص "18"
 
صورها  فيها ، وهي تعقل الأول الواجب ، ولا موجود إلا وهو معلول للأول الواجب ، كانت  جميع صور الموجودات الكلية والجزئية على ما عليه الوجود حاصلة فيها .  والأول الواجب يعقل  تلك الجواهر مع تلك الصور  لا بصور غيرها بل بأعيان تلك الجواهر والصور وكذلك الوجود على ما هو  عليه .
فإذن لا يعزب عنه مثقال ذرّة من غير لزوم محال من المحالات المذكورة . انتهى كلامه  .
 
37 - وأورد  عليه بعض شارحى فصوص  الحكم أنّ تلك الجواهر العقلية ، لكونها ممكنة ، حادثة مسبوقة بالعدم الذاتىّ معلومة للحقّ سبحانه قبل وجودها ، فكيف يكون علم الأول سبحانه  بها عين وجودها ، وأيضا يبطل  بذلك العناية المفسرة عند الحكماء  بالعلم الأزلي  الفعلىّ المتعلق  بالكليات كليا  وبالجزئيات أيضا كليا السابق على وجود الأشياء ، وأيضا يلزم احتياج ذاته  في أشرف صفاته إلى ما هو غيره صادره عنه . 
والحق أن من أنصف ، من نفسه علم أن الّذي أبدع الأشياء وأوجدها من العدم إلى الوجود سواء  كان العدم زمانيا أو

 
ص "19"
 
غير زماني يعلم تلك الأشياء بحقائقها وصورها اللازمة لها الذهنية والخارجية قبل إيجاده إياها  وإلا لا  يمكن  إعطاء الوجود لها ، فالعلم بها غير  وجودها ، والقول باستحالة أن يكون ذاته وعلمه الّذي  هو عين ذاته محلا للأمور المتكثرة  إنما يصح إذا كانت غيره تعالى كما هو عند المحجوبين عن الحق ، أما إذا كانت عينه من حيث الوجود والحقيقة وغيره  باعتبار التقيد والتعين فلا يلزم ذلك ، وفي  الحقيقة ليس حالّا ولا محلّا بل  شيء واحد يظهر  بالمحليّة والحاليّة  أخرى .
 
38 - زيادة تحقيق . إذا علم الأول  سبحانه ذاته بذاته فهو باعتبار أنه يعلم ويعلم يكون عالما ومعلوما ، وباعتبار أنه يعلم  بذاته لا بصورة زائدة عليه يكون علما ، فهناك أمور ثلاثة لا تمايز بينها  إلا بحسب الاعتبار .
وإذا اعتبر كون ذاته  سببا لظهوره على نفسه لحقه النورية ، وإذا اعتبر كونه واحدا لمعلومه غير فاقد له  شاهدا  إياه غير غائب عنه تعين  نسبة الوجود والشهود والواجدية  والموجودية والشاهدية والمشهودية .
 
39 - ولا شكّ أن علمه سبحانه بذاته وبهذه الاعتبارات التي هي صفاته لا يحتاج
 
ص "20"
 
إلى صورة  زائده عليه ، وكذلك علمه  بماهيات الأشياء وهوياتها ، فإن ماهياتها وهوياتها  ليست عبارة إلا عن الذات المتعالية  متلبسة  بأمثال هذه الاعتبارات المذكورة المنتشئة  التعقل بعضها عن بعض جمعا وفرادى على وجه كلى أو جزئي فلا يحتاج في العلم بها إلى صورة زائدة ، فلا فعل هناك  ولا قبول ولا حالّ ولا محلّ ولا احتياج  في شيء من كمالاته إلى ما هو  غيره صادر عنه ،  تعالى اللّه عما يقول الظالمون  علوا كبيرا .
 
40 - القول في أن علمه بذاته منشأ لعلمه بسائر الأشياء .  قالت الحكماء :
يعلم الأول سبحانه  الأشياء بسبب علمه بذاته لأنّه يعلم ذاته التي هي مبدأ تفاصيل الأشياء ، فيكون عنده أمر بسيط  هو مبدأ العلم  بتفاصيلها وهو علمه تعالى بذاته ، فإن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلولات سواء كانت بواسطة أو لا ، فالعلم بذاته التي  هي علة


ص "21"
 
ذاتية للمعلول الأول يتضمن العلم به ، ثمّ المجموع علة قريبة  للمعلول الثاني فيلزم العلم به أيضا وهكذا  إلى آخر  المعلولات .
فعلمه بذاته يتضمن العلم بجميع  الموجودات إجمالا ،  فإذا فصّل ما فيه امتاز  بعضها عن بعض وصارت مفصّلة ، فهو كأمر  بسيط يكون مبدأ لتفاصيل  أمور متعددة ، فكما أن ذاته مبدأ لخصوصيات الأشياء وتفاصيلها كذلك علمه بذاته مبدأ للعلوم بالأشياء وتفاصيلها  .
ونظيره ما يقال في تضمن العلم بالماهية العلم بأجزائها إجمالا وكونه  مبدأ لتفاصيلها .
 
41 - ولا يذهب عليك أنه يلزم من ذلك علمه بالجزئيات من حيث هي جزئية ، فإن الجزئيات أيضا معلولة له  كالكليات ، فيلزم علمه بها أيضا .
وقد اشتهر عنهم أنهم ادّعوا انتفاء علمه بالجزئيات من حيث هي جزئية  لاستلزامه  التغير في صفاته الحقيقية ، ولكن أنكره بعض المتأخرين وقال : نفى تعلق علمه بالجزئيات ممّا أحال عليهم من لم يفهم كلامهم ، وكيف ينفون تعلق علمه بالجزئيات وهي صادرة عنه وهو عاقل لذاته عندهم ومذهبهم أن العلم بالعلة يوجب  العلم بالمعلول ؟
بل لما نفوا عنه  الكون في المكان جعلوا نسبة جميع الأماكن إليه نسبة واحدة متساوية ، ولما نفوا

 
ص "22"
 
عنه الكون في الزمان جعلوا نسبة جميع الأزمنة ، ماضيها ومستقبلها وحالها ، إليه نسبة واحدة ، فقالوا : كما يكون العالم بالأمكنة إذا لم يكن مكانيا يكون عالما بأنّ زيدا في أي  جهة من  جهات عمرو وكيف يكون  الإشارة منه إليه وكم بينهما من المسافة ، وكذلك في جميع ذوات العالم ، ولا يجعل نسبة شيء منها إلى نفسه لكونه غير مكاني .
 
كذلك العالم بالأزمنة إذا  لم يكن زمانيا يكون عالما بأن زيدا في أي زمان يولد  وعمرا  في أي زمان ، وكم يكون بينهما من المدة ، وكذلك في جميع الحوادث المرتبطة  بالأزمنة ، ولا يجعل نسبة شيء منها إلى زمان  يكون  حاضرا له ، فلا يقول :  هذا مضى وهذا ما حصل بعد وهذا موجود الآن ، بل  يكون جميع ما في الأزمنة حاضرا عنده متساوي  النسبة إليه مع علمه بنسبة  البعض إلى البعض  وتقدم البعض على البعض .
 
42 - إذا تقرر هذا عندهم وحكموا به ولم يسع هذا الحكم أوهام المتوغلين في المكان والرمان حكم بعضهم  بكونه مكانيا ويشيرون إلى مكان يختصّ به وبعضهم بكونه  زمانيا ويقولون إن هذا فاته  وإنّ ذلك  لم يحصل له بعد وينسبون من ينفى ذلك عنه إلى القول بنفي العلم  بالجزئيات الزمانية ، وليس كذلك .

 
ص "23"
 
43 - وفي كلام الصوفية قدس اللّه تعالى  أسرارهم أن الحقّ سبحانه وتعالى لما اقتضى كلّ شيء  إما لذاته أو بشرط أو شروط فيكون كل شيء  لازمه أو لازم لازمه وهلم جرا ، فالصانع ، الّذي لا يشغله شأن  عن شأن ،  واللطيف  الخبير ، الّذي لا يفوته كمال ، لا بدّ وأن  يعلم ذاته ولازم ذاته ولازم لازمه جمعا وفرادى إجمالا وتفصيلا إلى ما لا  يتناهى .
وأيضا في كلامهم أن الحق  سبحانه وتعالى  لإطلاقه الذاتي له  المعيّة الذاتية مع كل  موجود ، وحضوره مع الأشياء علمه بها ، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة  في الأرض ولا في السماء .
 
44 -  فالحاصل أن علمه بالأشياء على وجهين : أحدهما من حيث سلسلة الترتيب على طريقة قريبة من طريقة الحكماء ،  والثاني من حيث أحديّته  المحيطة  بكل شيء ، ولا يخفى عليك أن علمه سبحانه  بالأشياء على الوجه الثاني مسبوق بعلمه بها على الوجه الأول ، فإن الأول علم غيبىّ بها قبل وجودها  والثاني علم شهودىّ بها عند وجودها ، وبالحقيقة ليس هناك علمان  بل لحق الأول  بواسطة وجود متعلقه ، أعنى المعلوم ، نسبة  باعتبارها نسمّيه شهودا وحضورا ، لا أنه حدث

 
ص "24"
 
هناك علم  آخر . فإن قلت : يلزم من ذلك أن يكون علمه على الوجه الثاني مخصوصا بالموجودات الحالية  قلت : نعم ، لكن الموجودات كلها بالنسبة إليه  حالية ، فإن الأزمنة متساوية بالنسبة إليه حاضر ة عنده كما مر في كلام بعض المحققين عن قريب .
 
45 - القول في الإرادة . اتفق المتكلمون والحكماء على إطلاق القول بأنّه مريد ، لكن كثر الخلاف  في معنى إرادته ، فعند المتكلمين من أهل السنة أنها صفة قديمة زائدة على الذات على ما هو شأن سائر  الصفات الحقيقية ، وعند الحكماء هي العلم  بالنظام الأكمل ويسمّونه عناية .
قال ابن سينا : العناية هي إحاطة علم الأول  تعالى بالكل وبما يجب أن يكون عليه الكل حتى يكون على أحسن النظام ، فعلم الأول بكيفية الصواب في ترتيب وجود الكل منبع لفيضان الخير  في الكل من غير انبعاث قصد وطلب من الأول الحق .
 
46 - وتحرير المذهبين أن نقول  : لا يخفى أن مجرّد علمنا بما يجوز صدوره عنا لا يكفى في وقوعه ، بل نجد من أنفسنا حالة نفسانية تابعة للعلم بما فيه من المصلحة ، ثم نحتاج  إلى تحريك الأعضاء بالقوة المنبثّة في العضلات ، فذاتنا  هو الفاعل ، والقوة العضلية هي القدرة ، وتصور ذلك الشيء هو الشعور بالمقدور ، ومعرفة المصلحة هي العلم بالغاية ، والحالة النفسانية المسمّاة بالميلان هي التابعة للشوق المتفرع  على معرفة الغاية ، فهذه أمور متغايرة  لكل واحد منها مدخل في صدور ذلك الشيء .

ص "25"
 
47 - فالمتكلمون المانعون تعليل أفعاله  بالأغراض  يثبتون له ذاتا وقدرة زائدة على ذاته وعلما بالمقدور وبما فيه من المصلحة  زائدا أيضا  على ذاته وإرادة  كذلك ، ويجعلون  للمجموع مدخلا في الإيجاد سوى العلم بالمصلحة  فتكون هي غرضا وغاية  لا علة غائية .
 
48 - وأما الحكماء فأثبتوا له  ذاتا وعلما بالأشياء هو عين ذاته ، ويجعلون  الذات مع العلم كافيين  في الإيجاد ، فعلمه عين قدرته وعين  إرادته إذ هو كاف في الصدور ، وليس له حالة شبيهة بالميلان النفساني الّذي  للإنسان ، فما  يصدر بالنسبة إلينا من الذات مع الصفات يصدر عنه بمجرد الذات ،  فهذا معنى اتّحاد الصفات مع الذات ،  فليس صدور الفعل منه كصدوره منّا ولا كصدوره من النار والشمس مما لا شعور له بما يصدر عنه .
 
49 - وأما الصوفية المحققون  فيثبتون له سبحانه إرادة زائدة على ذاته لكن بحسب التعقل  لا بحسب الخارج كسائر الصفات ، فهم يخالفون المتكلمين  في إثبات إرادة زائدة على ذاته بحسب الخارج والحكماء في نفيها  بالمرة .

 
ص "26"
 
50 - القول في القدرة . ذهب الملّيّون كلهم  إلى أنه  تعالى قادر أي  يصح منه إيجاد العالم وتركه ، فليس شيء منهما  لازما لذاته بحيث يستحيل انفكاكه عنه . وأمّا الفلاسفة فإنهم قالوا : إيجاده للعالم على النظام الواقع من لوازم ذاته فيمتنع  خلوه عنه ، فأنكروا القدرة بالمعنى المذكور لاعتقادهم أنه نقصان ، وأثبتوا له الإيجاب  زعما منهم أنه الكمال التامّ .
وأما كونه تعالى قادرا بمعنى  إن شاء فعل وإن  لم يشأ  لم يفعل  فهو متفق  عليه بين الفريقين ، إلا أن الحكماء ذهبوا إلى أن مشيئة  الفعل الّذي هو الفيض والجود  لازمة  لذاته كلزوم سائر  الصفات الكمالية له ، فيستحيل الانفكاك بينهما ،  فمقدّم الشرطية الأولى واجب صدقه  ومقدم الثانية ممتنع الصدق وكلتا  الشرطيتين صادقتان في حق الباري سبحانه  .
 
51 - وأما الصوفية  فيثبتون له سبحانه  إرادة زائدة على الذات  والعلم بالنظام الأكمل  واختيارا في إيجاد العالم لكن لا على النحو المقصود  من اختيار الخلق الّذي هو تردد واقع بين أمرين كل منهما ممكن الوقوع عنده ،  فيترجح  عنده

 
ص "27"
 
أحدهما لمزيد  فائدة أو مصلحة يتوخاها ،  فمثل هذا يستنكر  في حقه سبحانه  لأنه أحدىّ الذات واحدىّ الصفات ، وأمره واحد وعلمه بنفسه وبالأشياء علم  واحد ، فلا يصح لديه  تردد ولا إمكان حكمين مختلفين ، بل لا يمكن غير ما هو المعلوم المراد في نفسه .
فالاختيار الإلهي إنما هو بين الجبر والاختيار المفهومين للناس ، وإنما  معلوماته ، سواء قدّر أو لم يقدّر ، مرتسمة في عرصة علمه أزلا وأبدا ومرتّبة ترتيبا لا أكمل منه في نفس الأمر وإن خفى ذلك على الأكثرين ، فالأولويّة بين أمرين يتوهّم إمكان وجود كل منهما إنما هي  بالنسبة إلى  المتوهّم المتردد ، أمّا  في نفس الأمر فالواقع واجب وما عداه مستحيل الوجود .
 
52 - فإن قلت : قد استدل الفرغاني رحمه اللّه  في شرحه للقصيدة التائية  بقوله تعالى :  ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ أي ظل التكوين على المكونات  ولو شاء لجعله ساكنا ولم يمده على أن الحق سبحانه  لو لم يشأ إيجاد العالم لم يظهر ، وكان له أن لا يشاء فلا يظهر .
 
قلت : قولهم :  إن لم يشأ لم يقع ، صحيح ، وقد وقع  في الحديث : ما لم يشأ لم يكن ، ولكن صدق الشرطية كما سبق لا يقتضي صدق المقدّم أو إمكانه ، فلا ينافيه  قاعدة الإيجاب فضلا عن الاختيار الجازم المذكور ،

 
ص "28"
 
فقولهم في الإيجاد الكلى للعالم : كان له أن لا يشاء فلا يظهر ، إما  لنفى الجبر المتوهّم للعقول الضعيفة  وإما لأنه  سبحانه باعتبار ذاته الأحدية  غنى عن العالمين .
53 - فالصوفية متفقون مع الحكماء في امتناع صدق مقدّم الشرطية الثانية مخالفون معهم  في إثبات إرادة زائدة على العلم بالنظام الأكمل لازمة له  بحيث يستحيل انفكاكها عن العلم كما يستحيل انفكاكها العلم عن الذات .
54 - بقي  القول في أن الأثر القديم هل يستند إلى المختار أم لا . ثم  اعلم أن المتكلمين بل الحكماء أيضا اتفقوا على أن  القديم لا يستند إلى الفاعل المختار لأن فعل المختار مسبوق  بالقصد  إلى الايجاد مقارن لعدم ما قصد إيجاده ضرورة ، فالمتكلمون أثبتوا اختيار الفاعل وذهبوا إلى نفى الأثر القديم ، والحكماء أثبتوا وجود الأثر القديم وذهبوا إلى نفى الاختيار .
 
55 - وأما الصوفية  فهم جوزوا  استناد  الأثر القديم إلى الفاعل المختار وجمعوا بين إثبات الاختيار والقول بوجود  الأثر القديم ، فإنهم قالوا : أفاد  الكشف الصريح  أن الشيء ، إذا اقتضى أمرا لذاته ، أي لا بشرط زائد عليه وهو المسمّى غيرا ، وإن اشتمل على شرط أو شروط هي عين الذات كالنسب والإضافات ، فلا يزال على  ذلك الأمر ويدوم له  ما دامت ذاته ، كالقلم الأعلى ، فإنه أول مخلوق حيث
 
ص "29"
 
لا واسطة  بينه  وبين خالقه ،  يدوم  بدوامه .
وكأنهم  تمسكوا في ذلك  إلى ما  ذكره الآمدي من أن سبق الإيجاد قصدا  على  وجود المعلول كسبق الإيجاد إيجابا ، فكما أن سبق الإيجاد الإيجابيّ سبق بالذات لا بالزمان ، فيجوز مثله هاهنا بأن يكون الإيجاد القصدي مع وجود المقصود زمانا ومتقدما  عليه بالذات ، وحينئذ جاز أن يكون بعض الموجودات واجبا في الأزل بالواجب  لذاته  مع كونه مختارا ،  فيكونان معا في الوجود وإن تفاوتا في التقدم والتأخر  بحسب الذات ، كما أن حركة اليد سابقة على حركة الخاتم بالذات  وإن كانت معها في الزمان .
 
56 - فإن قيل : إنا إذا راجعنا وجداننا ولاحظنا معنى القصد كما ينبغي نعلم  بالضرورة أن القصد إلى  إيجاد الموجود محال ، فلا بدّ أن يكون القصد مقارنا لعدم  الأثر ، فيكون أثر المختار حادثا قطعا ،
قلنا : تقدم القصد على الإيجاد كتقدم الإيجاد على الوجود  في أنهما بحسب الذات ، فيجوز مقارنتها في الوجود زمانا لأن المحال هو القصد إلى إيجاد الموجود  بوجود قبل .
وبالجملة فالقصد إذا  كان كافيا في وجود المقصود كان معه وإذا  لم يكن كافيا فقد يتقدم عليه زمانا كقصدنا إلى أفعالنا .

 
ص "30"
 
57 - فإن قيل : نحن إذا راجعنا وجداننا ولاحظنا معنى القصد جزمنا بأن القصد إلى تحصيل الشيء والتأثير فيه لا يعقل إلا حال عدم حصوله ،  كما أن إيجابه لا يعقل إلا حال حصوله  وإن كان سابقا عليه بالذات ، وهذا المعنى ضروري لا يتوقف إلا على تصور معنى القصد والإرادة كما ينبغي .
قلنا : الراجع إلى وجدانه إنما يدرك قصده وإرادته الحادثة الناقصة لا الإرادة الكاملة  الأزلية ، ولا شكّ أنهما يختلفان  حكما ، فالأولى ليست كافية في تحصيل المراد ولهذا يتخلف  المراد عنها كثيرا ، والثانية كافية فيه  فلا يمكن تخلفه عنها ، فأين إحداهما عن الأخرى ؟
 
58 - اعلم  أن الصفات الكمالية كالعلم والإرادة والقدرة لها اعتباران : أحدهما اعتبار نسبتها إلى الحقّ سبحانه بملاحظة وحدته الصرفة  ومرتبة غناه  عن العالمين ، وهي بهذا  الاعتبار أزلية أبدية  كاملة لا شائبة نقص فيها ، وثانيها أن نسبة الماهيات الغير المجعولة  إلى نوره الوجودىّ  نسبة المرائي  إلى ما ينطبع فيها ، ومن شأن المتجلى بصفاته  الكمالية أن يظهر  بحسب المجلى لا  بحسبه ، فإذا تجلّى في أمر ما ظهرت صفاته الكمالية  فيه بحسبه لا بحسب المتجلى سبحانه ، فيلحقها

 
ص "31"
 
النقص لنقصان  المحل  .
59 - فالعارف إذا أدركها بوجدانه  أضاف النقص إلى عدم  قابلية المحل  وأسندها  إليه  سبحانه  كاملة مقدسة عن شائبة النقص وإن أسندها  إليه  ناقصة كان هذا الإسناد باعتبار  ظهوره  في مجاليه لا بحسب صرافة وحدته ، وغير العارف إما أسندها إليه سبحانه ناقصة من غير تميز  بعض المراتب  عن بعض أو نفاها عنه  بالمرة ، تعالى اللّه  عما يقول الظالمون علوا كبيرا  .
 
60 - القول في كلامه  سبحانه وتعالى  . والدليل على كونه  تعالى  متكلما  إجماع الأنبياء عليهم السلام  عليه ،  فإنه  تواتر عنهم أنهم كانوا يثبتون له الكلام  ويقولون إنه  تعالى أمر بكذا ونهى عن كذا وأخبر بكذا ، وكل ذلك من أقسام الكلام  .

 
ص "32"
 
61 - اعلم  أن هاهنا قياسين متعارضين أحدهما أن كلام اللّه تعالى  صفة له ، وكل ما هو صفة له فهو قديم ،  فكلام اللّه تعالى  قديم  .
وثانيهما أن كلامه مؤلّف من أجزاء مترتبة متعاقبة في الوجود ، وكل ما هو كذلك فهو حادث ، فكلامه  تعالى  حادث .
فافترق المسلمون إلى  فرق أربع :
ففرقتان  منهم ذهبوا إلى صحة القياس الأول  وقدحت واحدة منهما في صغرى القياس الثاني وقدحت الأخرى في كبراه ،
وفرقتان أخريان ذهبوا إلى صحة الثاني وقدحوا في إحدى مقدمتي الأول على التفصيل المذكور .
 
62 - فأهل الحق منهم من  ذهبوا إلى صحة القياس الأول وقدحوا في صغرى القياس الثاني فقالوا : كلامه  ليس من جنس الأصوات والحروف  بل صفة أزليه قائمة بذات اللّه  سبحانه  هو بها آمرناه مخبر وغير ذلك ، يدلّ عليها بالعبارة أو الكناية أو الإشارة ، فإذا عبّر  عنها بالعربية فقرآن وبالسريانية  فإنجيل وبالعبرانية  فتوراة ، والاختلاف على  العبارات  دون المسمّى .
 
63 - والتفصيل في هذا المقام أنه إذا أخبر اللّه تعالى  عن شيء أو أمر به أو نهى عنه إلى غير ذلك وأدّاه الأنبياء عليهم السلام  إلى أممهم بعبارت دالّة عليه فلا شكّ

 
ص "33"
 
أن هناك أمورا  ثلاثة : معاني  معلومة وعبارات دالّة عليها معلومة أيضا وصفة يتمكن بها من  التعبير عن تلك المعاني بهذه العبارات  لإفهام المخاطبين ، ولا شك في قدم هذه الصفة بالنسبة إليه سبحانه ،  وكذا في قدم صورة معلوميّة  تلك المعاني والعبارات بالنسبة إليه تعالى ،  فإن كان كلامه تعالى عبارة عن تلك الصفة فلا شك في قدمه ، وإن كان عبارة عن تلك المعاني والعبارات  فلا شك أنها باعتبار معلوميتها  له سبحانه أيضا قديمة ، ولكن لا يختصّ هذا القدم  بها بل يعمّها وسائر عبارات المخلوقين ومدلولاتها لأنها  كلها معلومة للّه  سبحانه  أزلا وأبدا .
وإن كان عبارة عن أمر وراء هذه الأمور الثلاثة فليس على إثباته دليل يقوم على ساق .
 
64 - وما أثبته المتكلمون  من الكلام النفسي فإن كان عبارة عن تلك الصفة فحكمه ظاهر ، وإن كان عبارة عن تلك المعاني والعبارات المعلومة فلا شكّ أن قيامها به سبحانه ليس إلّا باعتبار صورة معلوميّتها ، فليس صفة برأسها بل هو  من جزئيّات العلم ، وأما المعلوم فسواء كان  العبارات  أو مدلولاتها فليس قائما به سبحانه فإنّ العبارات بوجودها الأصيل من مقولة الأعراض الغير القارّة ، وأما مدلولاتها

ص "34"
 
فبعضها من قبيل الذوات  وبعضها من قبيل  الأعراض الغير القارّة ، فكيف يقوم  به سبحانه  ؟
 
65 - ولنذكر  في هذا المقام كلام الصوفية ليتضح ما هو الحق إن شاء اللّه تعالى .
قال الإمام حجة الإسلام  رحمه اللّه  : الكلام على ضربين أحدهما مطلق  في حق الباري ،  والثاني في حق الآدميين .
أما الكلام الّذي ينسب إلى الباري تعالى  فهو صفة  من صفات الربوبيّة ، فلا تشابه بين صفات الباري تعالى وصفات  الآدميين ، فإنّ صفات الآدميين زائدة على ذواتهم لتتكثر  وحدتهم وتتقوم  إنيّتهم  بتلك الصفات وتتعين  حدودهم ورسومهم بها ، وصفة الباري تعالى  لا تحدّ ذاته ولا ترسمه   فليست إذن أشياء  زائدة  على العلم الّذي هو حقيقة هويّته تعالى .

 
ص "35"
 
66 - ومن أراد أن يعدّ صفات الباري  فقد أخطأ ، فالواجب على العاقل أن يتأمل ويعلم أن صفات الباري  لا تتعدد  ولا ينفصل بعضها عن بعض إلا في مراتب العبارات وموارد الإشارات ، وإذا أضيف علمه  إلى استماع دعوة المضطرين يقال سميع ، وإذا أضيف  إلى رؤية ضمير الخلق  يقال بصير ، وإذا أفاض من مكنونات علمه على قلب أحد من الناس من الأسرار  الإلهية ودقايق جبروت ربوبيته  يقال متكلم ، فليس بعضه آلة السمع وبعضه آلة البصر وبعضه آلة الكلام ، فإذن كلام الباري  ليس شيئا سوى إفادته  مكنونات علمه على من يريد إكرامه ،
كما  قال  تعالى : ولمّا  جاء موسى لميقاتنا  وكلّمه ربّه ، شرّفه اللّه  بقربه وقرّبه  بقدسه وأجلسه على بساط أنسه وشافهه  بأجلّ صفاته وكلّمه بعلم ذاته ، كما  شاء تكلم وكما أراد سمع .
 
67 - وفي الفتوحات المكية قدّس اللّه سرّ مصدرها  أن المفهوم من كون القرآن حروفا أمران : الآمر الواحد المسمّى  قولا وكلاما ولفظا ، والأمر الأخر

 
ص "36"
 
يسمّى كتابه ورقما وخطّا ،  والقرآن يخطّ  فله حروف الرقم وينطق  به  فله حروف اللفظ ، فلما  يرجع كونه حروفا منطوقا بها ؟ هل لكلام اللّه الّذي هو صفته  ؟
أو هل للمترجم عنه ؟ فاعلم  أن اللّه قد أخبرنا بنبيّه   صلى اللّه عليه وسلم   أنه سبحانه  يتجلى في القيامة   في صور  مختلفة فيعرف  وينكر ،  ومن كانت حقيقته تقبل  التجلي فلا  يبعد أن يكون الكلام بالحروف المتلفّظ بها المسمّاة كلام اللّه لبعض تلك الصور كما يليق بجلاله ، وكما نقول  تجلّى في صورة كما يليق بجلاله ،
كذلك نقول :  تكلم بحرف  وصوت كما يليق بجلاله . وقال  رضى اللّه  عنه بعد كلام طويل : فإذا تحقّقت ما قرّرناه  تبيّنت  أن كلام اللّه  هذا  المتلو المسموع المتلفظ به المسمّى قرآنا وتوراة وزبورا وإنجيلا .




 
ص "37"
 
68 - قال الشيخ صدر الدين القونوى   قدس اللّه سره  في تفسير الفاتحة : كان من جملة ما منّ اللّه  على عبده ، أراد به نفسه ، أن  أطلعه على بعض اسرار كتابه الكريم الحاوي  على كل  علم  جسيم ، وأراه  أنه ظهر  عن مقارعة غيبية واقعة بين صفتي   القدرة والإرادة  منصبغا  بحكم ما أحاط به العلم في المرتبة الجامعة بين الغيب والشهادة ، لكن على نحو ما اقتضاه الموطن والمقام ، وعيّنه  حكم المخاطب وحاله ووقته بالتبعيّة والاستلزام  .
69 - فالذي  يظهر من كلام هؤلاء الأكابر أن الكلام  الّذي هو صفته سبحانه ليس سوى  إفادته وإفاضته  مكنونات علمه على من يريد إكرامه ، وأن الكتب المنزلة المنظومة  من حروف وكلمات كالقرآن وأمثاله أيضا كلامه ، لكنها  من بعض صور تلك الإفادة والإفاضة  ظهرت بتوسط العلم والإرادة والقدرة في البرزخ الجامع بين الغيب والشهادة ، يعنى عالم المثال ، من بعض  مجاليه الصورية المثالية كما يليق به سبحانه .

 
ص "38"
 
70 - فالقياسان المذكوران في صدر  المبحث  ليسا بمتعارضين في الحقيقة ، فإن المراد بالكلام في القياس الأول الصفة القائمة بذاته سبحانه ،  وفي الثاني ما ظهر  في البرزخ من بعض المجالى الإلهية ، والاختلاف الواقع بين فرق المسلمين لعدم الفرق بين الكلامين واللّه سبحانه أعلم .
71 - قال بعضهم في قوله تعالى وإذ قال ربّك للملائكة إنّى جاعل في الأرض خليفة : اعلم  أن هذه المقاولة تختلف باختلاف العوالم التي يقع  التقاول فيها ، فإن كان واقعا في  العالم المثالىّ  فهو شبيه بالمكالمة  الحسيّة ، وذلك بأنّ يتجلّى لهم الحقّ  تجليا مثاليا كتجليه لأهل الآخرة بالصور المختلفة كما نطق به حديث التحوّل ، وإن كان واقعا في عالم الأرواح من حيث تجرّدها فهو كالكلام النفسي ، فيكون قول اللّه  لهم إلقاءه  في قلوبهم المعنى المراد . ومن هذا يتنبه الفطن على كلام اللّه تعالى  ومراتبه ، فإنه عين المتكلم في مرتبة ومعنى قائم به في أخرى كالكلام النفسي ، وإنه مركب من الحروف ومعبّر  بها في عالمي المثال والحس  بحسبهما .
 
ص "39"
 
72 -  القول في بيان أن لا قدرة للممكن  . ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري  رحمه اللّه  إلى أن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة اللّه تعالى  وحدها ، وليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل  اللّه سبحانه  أجرى عادته بأنه  يوجد في العبد قدرة واختيارا ،   فإذا لم  يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ،  فيكون فعل العبد مخلوقا للّه  إبداعا وإحداثا ومكسوبا للعبد ، والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه  تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له .
 
73 - وقال الحكماء : هي واقعة على سبيل الوجوب وامتناع التخلف  بقدرة يخلقها  اللّه تعالى في العبد إذا قارنت حصول الشرائط وارتفاع الموانع .
 
74 - ومذهب الصوفية القائلين بوحدة الوجود أن الوجود  الحقّ سبحانه وتعالى  لما تنزّل من مرتبة وحدته وإطلاقه إلى مراتب  التكثر  والتقيد  إنما

 
ص "40"
 
تنزل بأحدية جمع  جميع صفاته وأسمائه ، فكما تقيدت  ذاته في هذا التنزل بحسب استعدادات القوابل  كذلك تقيدت  صفاته وأسماؤه بحسبها ، فعلم العباد  وإرادتهم وقدرتهم  كلها صفات الحق سبحانه  تنزلت من مرتبة إطلاقها  إلى مراتب التقيد  بحسب استعدادات العباد ،  فأفعالهم الاختيارية واقعة بقدرة اللّه وحدها  لكن بعد تنزلها إلى مراتبهم  وظهورها فيهم وتقيّدها بحسب استعداداتهم ، وليس لهم قدرة وراء ذلك . ومعنى كونها  مكسوبة لهم  أن لخصوصيات استعداداتهم  مدخلا في تقيد القدرة المتعلقة بها  المؤثّرة فيها لا أن لهم تأثيرا فيها .
 
75 - القول في صدور الكثرة عن  الوحدة . ذهب  الأشعرية  إلى جواز استناد آثار متعددة إلى مؤثر واحد بسيط ، وكيف لا يجوّزون ذلك وهم قائلون بأن جميع الممكنات المتكثرة  كثرة لا تحصى مستندة  بلا واسطة إلى اللّه تعالى مع كونه  منزها  عن التركيب .
 
ص "41"
 
76 - والحكماء منعوا جواز  استناد الآثار المتعددة إلى  المؤثر الواحد البسيط  إلا بتعدد آلاته ،  كالنفس الناطقة  يصدر  عنها آثار كثيرة بحسب تعدد آلاتها التي هي الأعضاء والقوى الحالّة فيها أو بتعدد  شرط أو قابل  كالعقل الفعّال على رأيهم ، فإن الحوادث في  عالم العناصر  مستندة إليه بحسب الشرائط والقوابل المتكثرة .
 
77 - وأما  البسيط الحقيقي الواحد من جميع الجهات بحيث لا يكون هناك تعدد لا بحسب ذاته ولا بحسب صفاته الحقيقية ولا الاعتبارية ولا بحسب الآلات والشرائط والقوابل ، كالمبدإ الأول ، فلا يجوز أن يستند إليه إلا أثر واحد .
وبنوا على ذلك كيفية صدور  الممكنات عن الواجب تعالى كما هو مذهبهم على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى . ولا يلتبس  عليك أن الأشاعرة لما أثبتوا له تعالى صفات حقيقية لم يكن هو بسيطا حقيقيا واحدا من جميع جهاته فلا يندرج على رأيهم في هذه القاعدة .
 
78 - ولكل من الفريقين دلائل على ما ذهبوا إليه وقوادح فيما ذهب إليه من يخالفه ،  والظاهر أن الحق ما ذهب إليه الحكماء من امتناع صدور الكثرة عن الواحد الحقيقي ، ولهذا وافقهم الصوفية المحققون في ذلك ، لكن خالفوهم  في كون المبدأ الأول كذلك ، فإنهم يثبتون له  تعالى  صفات ونسبا مغايرة له عقلا  لا خارجا كما سبق ، فيجوّزون  أن يصدر عنه باعت كونه مبدأ للعالم كثرة من حيث كثرة

 
ص "42"
 
صفاته  واعتباراته ، وأما من حيث وحدته الذاتية فلا يصدر عنه إلا أمر واحد من تلك الصفات والاعتبارات ، وبواسطته يلحقه  سائر الاعتبارات وبواسطة  كثرة الاعتبارات كثرة وجودية حقيقية .
 
79 - فالصوفية  يوافقون الحكماء في امتناع صدور الكثرة عن الواحد الحقيقي ، ويخالفونهم في تجويز صدور الكثرة الوجودية عن المبدأ الأول ، ويوافقون المتكلمين في تجويز صدور الكثرة الوجودية عن المبدأ الأول ويخالفونهم في تجويز صدور  الكثرة عن الواحد الحقيقي .
 
80 - ولما كان المتكلمون يجوّزون استناد الآثار الكثيرة إلى الواحد الحقيقي لا حاجة لهم إلى تدقيق النظر في صدور الكثرة عنه بخلاف الحكماء والصوفية ، فالحكماء يجوزون أن يصدر عن الواحد أشياء كثيرة باعتبارات  مختلفة ، كما أن الواحد له النصفية باعتبار الاثنين معه  والثلثية  باعتبار الثلاثة معه  وعدم الانقسام باعتبار وحدته لا غير .
 
81 - ولما كان المبدأ الأول عندهم واحدا من كل الوجوه كان معرفة الوجه في صدور  الكثرة عنه  محتاجة  إلى لطف قريحة ، فنورد الوجه الممكن فيه ،  وهو  أن نفرض  الواحد الأول  ا ، والصادر عنه ب وهو في المرتبة الثانية ، فلما بتوسط ب يكون أثر وليكن ج ولب وحده أثر وليكن د ، وهما في المرتبة الثالثة ، ثم

 
ص "43"
 
يكون ل ا مع ج أثر وليكن 5 ، ول ا ب مع ج أثر وليكن ز ،  ول ا مع د أثر وليكن ح ، ول ا ب مع د أثر وليكن ط ، ولب مع ه  أثر وليكن ى ، ولب مع د أثر وليكن ك ،  ول ج وحده أثر وليكن ل ، ول ز  وحده أثر وليكن م ، ول ج د معا أثر وليكن ن ، ومن ا ج د أثر وليكن س ، ومن ب ج د أثر وليكن ع ، ومن ا ب ج د أثر وليكن ف .
82 - المرتبة الأولى ا . المرتبة الثانية ب من ا . المرتبة الثالثة ج من ا ب ، ود من ب . المرتبة الرابعة  ة من ا ج ، ز من ا ب ج ،  ح من ا د ،  ط من ا ب د ،  ى من ب ج ،   ك من ب د ،  ل من ج ،  م من د ،   ن من ج د ،  1 س من ا ج د ،  2 ع من ب ج د ،  3 ف من ا ب ج د ،  وهذه 4 اثنتا عشرة  وهي في  المرتبة الرابعة .
 
83 - وإن اعتبرنا الأسافل بالنظر إلى الأعالي ،  مثلا ب بالنظر إلى ا ، وج بالنظر إلى ا وإلى ب وإليهما ،  وكذلك في د  بالنظر إلى ا وإلى ب وإلى كليهما

 
ص "44"
 
وعلى هذا القياس فيما دونها  صارت الآثار والاعتبارات أكثر من ذلك ، فإن  .
تعدّينا هذه المراتب إلى الخامسة والسادسة وما بعدها صارت الآثار والاعتبارات بلا نهاية ، ويمكن أن يكون للأول  باعتبار كل واحد منها فعل وأثر ، فيصدر منه  بهذه الاعتبارات موجودات لا نهاية لها غير متعلقة بعضها ببعض .
 
84 - قالوا : ويكون  في العقل الأول بعد صدوره عن المبدأ الواحد  أربعة  اعتبارات :
أحدها وجوده وهوله من الأول ،  وماهيته  وهي له من ذاته ، وعلمه  بالأول وهو له بالنظر إلى  الأول ،  وعلمه  بذاته وهو له بالنظر إلى نفسه ، فصدر  عنه بهذه الاعتبارات صورة فلك ومادّته ، وعقله ونفسه ،  وإنما أوردوا  ذلك بطريق المثال ليوقف  على كيفية صدور الآثار الكثيرة بسبب الاعتبارات الكثيرة مع القول بأن الواحد لا يصدر عنه باعتبار واحد إلا واحد .
 
85 - ولم يدّعوا أنهم واقفون  على كيفية صدور سائر الموجودات الكثيرة ،  ولم يتعرضوا لغير الأفلاك التسعة ، وإنما أثبتوا عقولا عشرة لأنه لا يمكن أن يكون أقلّ

 
ص "45"
 
منها نظرا  إلى الأفلاك التسعة  الكلية ،  وأما أكثر  فقد ذكروا أن الأفلاك كثيرة وحركاتها مختلفة ، ويجب أن يكون لكل واحد عقل ونفس ، ولم يتعرّضوا للكواكب  السيّارة والثابتة ،  فجوّزوا  أن يصدر من  المبدأ الأول وجود جميع هذه الموجودات بعضها بتوسط بعض وباعتبار دون اعتبار ، وهذه الاعتبارات ليست مفروضة  وليست  بعلة  تامّة لشيء ، بل إنما  هي اعتبارات انضافت  إلى مبدأ واحد ، فتكثر  بسببها معلولاته ،  ولا يجب كون الاعتبارات أمورا وجودية عينية بل يكفى كونها عقلية ، فإن الفاعل الواحد تفعل بسبب اختلاف أمور عقلية وجودية أو عدمية أفعالا  كثيرة .
86 - وأما الصوفية المحققون فقد جوّزوا في المبدأ الواحد كثرة الاعتبارات المنتشئة  بعضها عن بعض المبتدئة  عن  اعتبار واحد هو الصادر الأول ، وينتشئ  منه  الاعتبارات الأخر ، ويصدر  بتوسط هذه الاعتبارات أمور وجودية عينية في مرتبة واحدة .

 
 ص "46"
 
87 - وهذه الأمور الوجودية تنقسم  أولا إلى قسمين : 
قسم لا حكم للإمكان فيه إلا من  وجه واحد وهو كونه في حقيقته ممكنا مخلوقا ، فإمكانه فيه معقول بالنظر إليه ، فلا يتوقف  قبوله للوجود من موجده واتّصافه به على شرط غير الحق سبحانه ،
وهذا القسم له الأوّلية الوجودية في مرتبة الإيجاد ، ويختص بهذه المرتبة  القلم الأعلى والملائكة المهيمنة  والكمّل والأفراد من بعض الوجوه ،  يعنى من حيث  أرواحهم المجردة  لا من حيث تعلقها  بأبدانهم العنصرية ،
والقسم الآخر ، مع أنه ممكن  في ذاته ،  وجوده متوقف  على أمر وجودي غير محض الوجود  الحق ،  وهذا الأمر الوجودي إما واحد كالقلم مع اللوح وإما أكثر كما في سائر الموجودات .
 
88 - وظهر  من هذا التقرير  أن الصادر الأول على مذهب الحكماء موجود عيني لا موجود في رتبته  وهو العقل الأول ، وعلى مذهب الصوفية  نسبة عقلية اعتبارية سابقة على سائر الاعتبارات لا العقل الأول ، فإنهم يثبتون في رتبته  موجودات أخر كما سبق .

 
ص "47"
 
 89 - قال الشيخ صدر الدين القونوى  قدس اللّه سره  : وذلك الواحد الصادر أولا  عندنا هو الوجود العامّ المفاض على أعيان الممكنات ، يعنى الأعيان الثابتة لها ، وهذا الوجود مشترك بين القلم الأعلى الّذي هو أول موجود عند الحكيم المسمّى بالعقل الأول  أيضا وبين  سائر الموجودات ،
وليس  ذلك الصادر الواحد هو العقل الأول كما يذكره أهل النظر من الفلاسفة .
 ثم قال  قدس سره  بعد ذلك :
و هذا الوجود العامّ ليس بمغاير في الحقيقة للوجود الحق الباطن المجرد عن الأعيان والمظاهر إلا بنسب واعتبارات كالظهور والتعين والتعدد الحاصل له بالاقتران وقبول حكم الاشتراك .
 
90 - ولا يخفى على الفطن  أنه إذا لم يكن الوجود مغايرا  للوجود الحق  في الحقيقة لم يكن الصادر  هو الوجود العامّ باعتبار حقيقته بل باعتبار نسبة العموم والانبساط ،  فالصادر الأول عندهم في الحقيقة هو نسبت العموم والانبساط ،  فإنه لو لم ينبسط أولا ولم يتصور بصور الأعيان الثابتة في العلم  لم يتحقق قابل أصلا ، وبعد ما تحققت القوابل لو لم ينبسط عليها لم يوجد موجود عيني أصلا .
 
91 - وبهذه النسبة الانبساطية  تحققت النسب  الأسمائية  للذات الإلهية

 
ص "48"
 
والحقائق الكونية في مرتبة العلم الإلهي ، فهي سابقة على سائر الاعتبارات لا حاجة لها إلى  اعتبار آخر ،  بل الاعتبارات كلها مترتبة عليها ، وانبساط الوجود بالظهور بصور  القوابل ليس بالمرة ، بناء على أصل امتناع صدور الكثرة من  الواحد الحقيقي ، فيجب أن يظهر بصورة قابل من القوابل وينتشئ  منها  الظهور بصور سائر القوابل  منتشئا بعضها من بعض .
 
92 - وأما انبساطه على القوابل  لإيجادها  في العين  
.

كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي وورد

كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي PDF

كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي TXT

.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حواشي الجامي على الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي
» شرح الشيخ عبد الغفور اللارى على الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين للشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي
» “محي الدين بن عربي” الشيخ الأكبر بين أقطاب الصوفية
» كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
» شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: مصطلحات القـوم-
انتقل الى: