منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أبو الحسن الشاذلى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7304
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى  Empty
مُساهمةموضوع: أبو الحسن الشاذلى    أبو الحسن الشاذلى  Emptyالثلاثاء يناير 25, 2022 2:12 pm

أبو الحسن الشاذلى  Cdc23cd4450146fc45e358a3f1e32189
الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه
 هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي -بالشين والذال المعجمتين،
 وشاذلة قريةٌ من إفريقية- الضرير، الزاهد، نزيلُ إسكندرية،
 وشيخ الطائفة الشاذلية، وكان كبيرَ المقدار، عالي المنار، له عباراتٌ فيها رموز، 
فوَّقَ ابنُ تيمية سهمَه إليه، فردَّه عليه.
وصحب الشيخ نجمَ الدين الأصفهاني، وابن مَشيش وغيرهما.
وحجَّ مرَّاتٍ، ومات بصحراء عَيْذاب قاصدًا الحجَّ،
 فدُفن هناك في ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مئة.
وقد أفرده سيدي الشيخُ تاجُ الدين بن عطاء الله هو وتلميذه أبا العباس بالترجمة، 
وها أنا أذكر لك ملخَّصَ ما ذكره فيها، فأقول وبالله التوفيق:
 قد ترجم رضى الله عنه في كتاب «لطائف المنن» 
سيدي الشيخ أبا الحسن رضى الله عنه، بأنَّه قطبُ الزمان،
 والحاملُ في وقته لواء أهل العيان، حجَّةُ الصوفية، علمُ المهتدين، 
زين العارفين، أستاذُ الأكابر، زمزم الأسرار، ومعدنُ الأنوار،
 القطب الغوث الجامع أبو الحسن علي الشاذلي رضى الله عنه، 
لم يدخل طريق القوم حتى كان يعدُّ للمناظرة في العلوم الظاهرة، 
وشهدَ له الشيخ أبو عبد الله بن النعمان بالقطبانية.
جاء رضى الله عنه في هذه الطريقة بالعجب العُجاب،
 وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رضى الله عنه 
يقول: ما رأيتُ أَعرفَ بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه.
ومن كلامه رضى الله عنه: عليك بالاستغفار، وإنْ لم يكن هناك ذنب،
 واعتبر باستغفار النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد البشارة واليقين
 بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر
، هذا في معصوم لم يقترف ذنبًا قط وتقدَّسَ عن ذلك،
 فما ظنُّك بمن لا يخلو عن العيب والذنب في وقت من الأوقات؟
وكان رضى الله عنه يقول: إذا عارضَ كشفُكَ الكتابَ والسنَّةَ فتمسَّكْ بالكتاب والسنة،
 ودعِ الكشف، وقل لنفسك: إن الله تعالى قد ضمنَ لي العصمة بالكتاب والسنة، 
ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة.
وكان رضى الله عنه يقول: لقيتُ الخَضِرَ عليه السلام في صحراء عَيْذابِ
 فقال لي: يا أبا الحسن، أصحبك الله اللطيف الجميل، وكان لك صاحبًا في المقام والرحيل.
وكان رضى الله عنه يقول: إذا جاذبتكَ هواتفُ الحقِّ، 
فإيَّاكَ أن تستشهدَ بالمحسوسات على الحقائق الغيبيات، وتردَّه فتكون من الجاهلين،
 واحذر أن تدخل في شيء من ذلك بالعقل.
وكان رضى الله عنه يقول: إذا عرضَ لك عارضٌ يصدُّكَ عن الله فاثبتْ، 
قال الله تعالى:
 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ 
[الأنفال: 45].
وكان يقول: كلُّ علمٍ تسبق إليك فيه الخواطر، وتميلُ إليه النَّفسُ، 
وتلتذُّ به الطبيعة فارمِ به، وإن كان حقًّا، وخذ بعلم الله الذي أنزله على رسوله،
 واقتدِ به، وبالخلفاء والصحابة، والتابعين من بعده، 
وبالأئمة الهداة المبرَّئين عن الهوى ومتابعته تسلمْ من الشكوك،
 والظنون، والأوهام، والدَّعاوى الكاذبة المُضلَّة عن الهدى وحقائقه،
 وماذا عليك أن تكون عبد الله ولا علم ولا عمل، وحسبُكَ من العلم العلم بالوحدانية، 
ومن العملِ محبَّة ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة الصحابة،
 واعتقاد الحقِّ للجماعة. قال رجلٌ: متى الساعة يا رسول الله:
 قال: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» 
قال: لا شيء، إلا أني أُحبُّ الله ورسوله. فقال: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
وكان يقول: إذا كثرَت عليك الخواطرُ والوساوس، فقل: سبحان

الملك الخلاّق ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ
 [إبراهيم: 19، 20].
وكان يقول: لا تجِدُ الرُّوحَ والمدد، ويصحُّ لك مقام الرِّجال،
 حتى لا يبقى في قلبك تعلُّقٌ بعلمك ولا جدِّك ولا اجتهادك، 
وتيأسَ من الكلِّ، دون الله تعالى.
وكان رضى الله عنه يقول:
 من أحصن الحصون من وقوع البلاء على المعاصي الاستغفارُ،
 قال الله تعالى:
 ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
 [الأنفال: 33].
وكان يقول: إذا ثقل الذِّكرُ على لسانك، وكثرَ اللغو في مقالك، 
وانبسطت الجوارح في شهواتك، وانسدَّ بابُ الفكرة في مصالحك،
 فاعلم أن ذلك من عظيم أوزارك، أو لكمون إرادة النِّفاق في قلبك،
 وليس لك طريق إلا طريق الإصلاح،
 والاعتصام بالله، والإخلاص في دين الله تعالى، ألم تسمع قوله تعالى:
 ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾ 
[النساء: 146] 
ولم يقل من المؤمنين، فتأمَّلْ هذا الأمر إن كنت فقيهًا!
وكان رضى الله عنه يقول: ارجعُ عن منازعة ربِّك تكن موحِّدًا،
 واعملْ بأركانِ الشرع تكن سنيًّا، واجمع بينهما تكن محققًا.
وكان يقول: قيل لي: يا عليُّ، ما على وجه الأرض مجلسٌ
 في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام،
 وما على وجه الأرض مجلسٌ في علم الحديث
 أبهى من مجلس الشيخ عبد العظيم المُنذري، 
وما على وجه الأرض مجلسٌ في علم الحقائق أبهى من مجلسك.
وكان يقول: من أحبَّ ألا يُعصى الله تعالى في مملكته
 فقد أحبَّ ألا تظهر مغفرتُه ورحمته،
 وألا يكونَ لنبيه صلى الله عليه وسلم شفاعة.
وكان يقول: لا تَشمُّ رائحةَ الولاية وأنت غيرُ زاهدٍ في الدنيا وأهلِها.
وكان رضى الله عنه يقول: أسبابُ القبضِ ثلاثةٌ: 
ذنبٌ أحدثْتَه، أو دنيا ذهبتْ عنك، أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك،
 فإن كنتَ أذنبتَ فاستغفر، وإن كنتَ ذهبتْ عنك الدُّنيا فارجع إلى ربِّك،
 وإن ظُلِمتَ فاصبر واحتمل، هذا دواؤك، 
وإن لم يُطلعْكَ الله تعالى على سببِ القبض 
فاسكن تحت جريان الأقدار؛ فإنها سحابةٌ سائرة.
وكان رضى الله عنه يقول: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
 فقلت: يا رسول الله، ما حقيقةُ المتابعة؟ 
فقال: رؤيةُ المتبوع عند كلِّ شيءٍ، مع كلِّ شيءٍ، في كلِّ شيءٍ.
وكان يقول: الشيخ من دلَّكَ على الراحة، لا من دلَّكَ على التعب.
وكان يقول: من دعا إلى الله تعالى بغيرِ ما دعا به 
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدْعي.
وكان يقول: من آداب المجالس للأكابر التخلّي عن الأضداد،
 والميل والمحبة والتخصيص لهم، وترك التجسس على عقائدهم.
وكان يقول: إذا جالستَ العلماء فلا تحدِّثْهم إلا بالعلوم المنقولة،
 والروايات الصحيحة، إمَّا أن تُفيدهم، وإما أن تستفيد منهم، وذلك غايةُ الرِّبح منهم،
 وإذا جالست العُبَّاد والزهَّاد فاجلسْ معهم على بساط الزهد والعبادة، 
وحلَّ لهم ما استمرؤوه،
 وسهِّل عليهم ما استوعروه، وذوّقهم من المعرفة ما لم يذوقوه،
 وإذا جالست الصدِّيقين ففارقْ ما تَعلمُ تظفرْ بالعلم المكنون.
وكان يقول: إذا انتصر الفقير لنفسه وأجاب عنها، فهو والتراب سواء.
وكان يقول: إذا لم يُواظبِ الفقير
 على حضور الصلوات الخمس في الجماعات، فلا تعبأنَّ به.
وكان يقول: من غلبَ عليه شهودُ الإرادة، 
تفسَّختْ عزائمُه؛ لسرعة المراد وكثرته،
 واختلاف أنواعه، وأَيُّ وقفة تسعه حتى يحلَّ، أو يعقد، أو يعزم،
 أو ينوي شيئًا من أموره مع تعدد إرادته، واضمحلال صفاته، 
أين أنت من نور مَنْ نظر واتَّسعَ نظره بنور ربِّه،
 ولم يشغله المنظورُ إليه عمَّن نظر به، 
فقال: «مَا مِنْ شَىْءٍ كان ويكون إِلاَّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ...» الحديث.   
وكان رضى الله عنه يقول:
 إذا استحسنتَ شيئًا من أحوالك الباطنة أو الظاهرة، 
وخفت زواله، فقل: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
وكان يقول: ورد المحقّقين إسقاطُ الهوى، ومحبَّةُ المولى.
 أَبَتِ المحبَّةُ أن تستعمل محبًّا لغير محبوبه.
 وفي رواية أخرى: وِردُ المحقّقين ردّ النفَس بالحقِّ عن الباطل في عموم الأوقات.
وكان يقول: لا يتمُّ للعالم سلوكُ طريق القوم إلا بصحبة أخٍ صالحٍ، أو شيخٍ ناصح.
وكان يقول: لا تؤخِّرْ طاعات وقت لوقت آخر؛ 
فتعاقب بفواتها أو بفوات غيرها أو مثلها جزاءً لما ضيعت من ذلك الوقت،
 فإنَّ لكلِّ وقتٍ سهمًا، فحقُّ العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية،
 وأما تأخيرُ عمر رضى الله عنه الوتر
 إلى آخر الليل فتلك عادةُ جاريةٌ، وسنَّةُ ثابتة
 ألزمه الله تعالى إياها مع المحافظة عليها،
 وأنَّى لك بها مع الميل إلى الراحات، والرُّكون مع الشهوات،
 والغفلةِ عن المشاهدات، هيهات هيهات هيهات.
وكان رضى الله عنه يقول:
 من أراد عزَّ الداريْن فليدخلْ في مذهبنا يومين.
 فقال له قائل: كيف لي بذلك؟ قال: فرِّق الأصنام عن قلبك، وأرحْ من الدنيا بدَنَك،
 ثم كن كيف شئت، فإن الله لا يعذِّبُ العبدَ على مدِّ رجليه
 مع استصحاب التواضع للاستراحة من التعب،
 وإنَّما يُعذّبه على تعب يصحبه التكبر.
وكان يقول: ليس هذا الطريق بالرهبانية، ولا بأكل الشعير والنخالة،
 وإنَّما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية،
 قال تعالى: 
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ
 [السجدة: 24].
وكان يقول: من لم يزدَدْ بعلمه وعمله افتقارًا لربّه وتواضعًا لخلقه فهو هالك.
وكان يقول: سبحان من قطعَ كثيرًا من أهل الصلاح عن مصلحتهم 
كما قطع المفسدين عن موجدهم.
وكان يقول: الزم جماعة المؤمنين، وإن كانوا عصاةً فاسقين،
 وأقم عليهم الحدود، واهجرهم رحمةً بهم، لا تعززًا عليهم، ولا تقريعًا لهم.
وكان يقول: كُلْ من طعام فسقة المسلمين، ولا تأكلْ من طعام رهبان المشركين،
 وانظر إلى الحجرِ الأسود، فإنه ما اسودّ إلا من مسِّ أيدي المشركين دون المسلمين.
وكان رضى الله عنه يقول: سمعتُ هاتفًا يقول: كم تُدندنُ مع من يُدندن، 
وأنا السميع القريب، وتعريفي يُغنيك عن علم الأولين والآخرين، 
ما عدا علم الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلم النبيين عليهم الصلاة والسلام.
وقيل له مرةً: مَنْ شيخُك؟ فقال: 
كنت أَنتسبُ إلى الشيخ عبد السلام ابن مشيش، 
وأنا الآن لا أنتسب إلى أحدٍ، بل أعومُ في عشرة أبحرٍ: 
محمد، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وجبريل، وميكائيل،
 وعزرائيل، وإسرافيل، والروح الأكبر.
قال الشيخ أبو العباس المرسي:
 ومات الشيخُ عبد السلام بن مشيش رضى الله عنه مقتولًا، 
قتله ابن أبي الطواجن ببلاد المغرب.
وكان يقول: من علم اليقين بالله تعالى وبما لك عند الله تعالى
 أن تتعاطى من الخلق ما لا تصغر به عند الحقَّ تعالى
 مما تكرهُهُ النفوسُ الغوية كحمل متاعك من السوق، وجمع الحطب للطعام،
 وجعله على رأسك، والمشي مع زوجتك إلى السوق في حاجة من حوائجها، 
وركوبك خلفها على الحمار، وغيره،
 وأمَّا ما تصغر به في أعين الخلق ممَّا للشرع عليه اعتراض 
فليس من علم اليقين فلا ينبغي لك ارتكابه.
وكان يقول: إن كنتَ مؤمنًا مُوقنًا فاتَّخذِ الكلَّ عدوًّا، كما قال إبراهيم عليه السلام:
 ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ العَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 77].
وكان يقول: الصادقُ المُوقن لو كذَّبه أهلُ الأرض لم يزدد بذلك إلا تمكينًا.
وكان يقول: لا تُعطى الكراماتُ مَن طلبها وحدَّثَ بها نفسه، 
ولا من استعملَ نفسَه في طلبها، وإنَّما يُعطاها من لا يَرى نفسه ولا عمله، 
وهو مشغولٌ بمحابِّ الله تعالى، ناظرٌ لفضل الله، آيسٌ من نفسه وعمله، 
وقد تظهر الكرامةُ على من استقام في ظاهره،
 وإن كانت هَناتُ النفسِ في باطنه، كما وقع للعابد الذي عَبَد الله في الجزيرة خمس مئة عام،
 فقيل: ادخل الجنة برحمتي. فقال: بل بعملي.
وكان يقول: ما ثمَّ كرامةٌ أعظمُ من كرامة الإيمان، ومُتابعةِ السنة،
 فمن أُعطيهما، وجعلَ يشتاقُ إلى غيرهما فهو عبدٌ مفترٍ كذاب،
 أو ذو خطأ في العلم بالصواب، كمن أُكرم بشهود الملك فاشتاق إلى سياسة الدواب.
وكان يقول: كلُّ كرامةٍ لا يصحبها الرِّضا من الله، وعن الله، والمحبَّة لله، 
ومن الله، فصاحبها مُستدرَجٌ مغرور، أو ناقصٌ هالك مثبور.
وكان رضى الله عنه يقول: للقطب خمسَ عشرة كرامة، فمن ادَّعاها أو شيئًا منها
 فليبرز: أن يمدَّ بمدد الرحمة والعصمة والخلافة والنيابة، 
ومدد حملة العرش العظيم، ويُكشف له عن حقيقة الذات، وإحاطة الصفات،
 ويُكرم بكرامة الحكم والفصل بين الوجودين، وانفصال الأول عن الأول،
 وما اتَّصل عنه إلى منتهاه، وما ثبت فيه، وحكم ما قبل وحكمٍ ما بعد،
 وحكم من لا قبل له ولا بعد، 
وعلم البدء، وهو العلم المحيط بكلِّ علمٍ وبكلِّ معلومٍ 
بدءًا من السر الأول إلى منتهاه، ثم يعود إليه.
وكان يقول: سمعت هاتفًا يقول: 
إن أردتَ كرامتي فعليك بطاعتي، وبالإعراض عن معصيتي.
وكان يقول: كأنّي واقفٌ بين يدي الله عزّ وجلّ، 
فقال: لا تأمن مكري في شيء، وإن أمَّنتك؛ فإن علمي لا يُحيط به محيط، وهكذا درجوا.
وكان يقول: لا تركن إلى علم ولا مدد، وكن بالله،
 واحذر أن تنشرَ علمَك ليصدقَك الناس، وانشر علمك ليصدّقك الله تعالى.
وكان يقول: العلومُ على القلوب كالدراهم والدنانير في الأيدي، 
إن شاء الله تعالى نفعك بها، وإن شاء ضرَّك.
وكان يقول: قرأتُ ليلةً قوله تعالى: 
﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا﴾ 
[الجاثية: 18، 19] 
فنمت، فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم 
وهو يقول: أنا ممن يَعلَمُ، ولا أُغني عنك من الله شيئًا.
وكان رضى الله عنه يقول: من أقبلَ على الخلقِ الإقبالَ الكلّيَّ
 قبلَ بلوغِ درجات الكمال سقطَ من عين الله تعالى، فاحذروا هذا الدَّاءَ العظيم، 
فقدَ تعلَّقَ به خلَقٌ كثير، وقنعوا بالشهوة وتقبيلِ اليد،
 فاعتصموا بالله يهدكم إلى الطريق المستقيم.
وكان يقول: من الشهوة الخفية للولي إرادتُهُ النُّصرة على من ظلمه، 
وقال تعالى للمعصوم الأكبر: 
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35]؛
 أي فإن الله تعالى قد لا يشاء إهلاكهم.
وكان يقول: إذا أردت الوصول إلى الطريق التي لا لوم فيها،
 فليكن الفرقُ في لسانك موجودًا،
 والجمعُ في سرِّك مشهودًا.
وكان يقول: كلُّ اسم تستدعي به نعمةً، أو تستكفي به نقمةً فهو حجابٌ عن الذات،
 وعن التوحيد بالصفّات، وهذا لأهل المراتب والمقامات، 
وأمَّا عوامُّ المؤمنين فهم عن ذلك معزولون، وإلى حدودهم يرجعون، 
ومن أجورهم من الله لا يُبخسون.
وكان رضى الله عنه يقول: لو علم نوحٌ عليه الصلاة والسلام 
أنَّ في أصلاب قومه من يأتي يوحِّدُ الله عزّ وجلّ ما دعا عليهم،
 ولكان قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِى؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»
 كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلٌّ منهما على علمٍ وبينة من الله تعالى.
وكان يقول: لا أجرَ لمن أخذ الأجر والرشا على الصلاة والصيام، 
وتنعَّمَ بمطامح تلك الأبصار عند إطراق الرءوس والاشتغال بالأذكار، 
وجنايةُ هؤلاء بالإضافات ورؤية الطاعات أكثرُ من جنايتهم بالمعاصي وكثرة المخالفات، 
وحسبُهم ما يظهر عليهم من الطاعات وإجابة الدعوات والمسارعة إلى الخيرات، 
ومن أَبغضِ الخلقِ إلى الله تعالى مَنْ تملَّقَ إليه في الأسحار بالطاعات؛
 ليطلب مسرَّته بذلك، قال تعالى:
 ﴿ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا للهِ الدِّينُ الخَالِصُ﴾ [الزمر: 2، 3].
وكان يقول: العارفُ بالله تعالى لا تنغِّصُهُ حظوظ النفس؛ لأنه بالله تعالى 
فيما يأخذ وفيما يتركُ، إلا إن كانت الحظوظ معاصي.
وكان يقول: إذا أهانَ الله عبدًا كشف له حظوظ نفسه، وسترَ عنه عيوبَ دينه،
 فهو يتقلَّبُ في شهواته حتَّى يهلكَ ولا يشعر.
وكان يقول: إذا تركَ العارفُ الذِّكر على وجه الغفلة نَفَسًا أو نفسين،
 قيَّضَ اللهُ تعالى له شيطانًا فهو له قَرين، وأمَّا غيرُ العارف فيسامح بمثل ذلك،
 ولا يُؤخذ إلا في مثل درجة أو درجتين، أو زمنٍ أو زمنين،
 أو ساعةٍ أو ساعتين على حسب المراتب.
وكان يقول: من الأولياء من يَسكرُ من شهود الكأس، 
ولم يذق بعدُ شيئًا، فما ظنُّكَ بعد ذوق الشرابِ وبعد الري؟
واعلم أنَّ الري قلَّ من يفهم المُراد به، فإنه مزجُ الأوصاف بالأوصاف،
 والأخلاقِ بالأخلاق، والأنوار بالأنوار، والأسماء بالأسماء، والنعوت بالنعوت،
 والأفعال بالأفعال، وأمَّا الشربُ فهو سُقيا القلب والأوصال والعروق من هذا الشراب حتَّى يسكَر،
 وأمَّا الكأس فهو معرفةُ الحقِّ التي يُعرف بها من ذلك الشراب الطهور 
المخلص الصافي لمن شاء من عباده المخصوصين، فتارةً يشهدُ الشارب تلك الكأسَ صورية،
 وتارةً يشهدها معنويةً، وتارة يشهدها علميةً، فالصورية حظُّ الأبدان والأنفس،
 والمعنوية حظُّ القلوب والعقول، والعلمية حظُّ الأرواح والأسرار، فيا له من شراب ما أعذبه! 
فطوبى لمن شربَ منه ودام، وأطال في معنى ذلك.
وكان يقول: إياك والوقوعَ في المعصية المرَّة بعد المرة؛ 
فإنَّ مَنْ تعدى حدود الله فهو الظالم، والظالم لا يكون إمامًا، ومن ترك المعاصي،
 وصبرَ على ما ابتلاه الله، وأيقنَ بوعد الله ووعيده فهو الإمامُ، وإن قلَّتْ أتباعُه.
وكان رضى الله عنه يقول: مريدٌ واحدٌ يصلح أن يكون محلًا لوضع أسرارك 
خيرٌ من ألف مريد لا يكونون محلًا لوضع أسرارك.
وكان يقول: إنَّنا لننظرُ إلى الله تعالى ببصائر الإيمان والإيقان، 
فأغنانا بذلك عن الدليل والبرهان، وصرنا نستدلُّ به تعالى على الخلق،
 هل في الوجود شيءٌ سوى الملك المعبود الحقّ؟ فلا نراه،
 وإن كان ولا بدّ من رؤيتهم فتراهم كالهباء في الهواء، إن مسستهم لم تجد شيئًا.
وكان يقول: إذا امتلأ القلب بأنوار الله تعالى، 
عميت بصيرتُهُ عن المناقص والمذام المقيدة في عباده المؤمنين.
وكان يقول: ذهب العمى، وجاء البصر. بمعنى فانظر إلى الله تعالى، 
فهو لك مأوى، فإن تنظر فبه، أو تسمع فمنه، وإن تنطق فعنه، 
وإن تكن فعنده، وإن لم تكن فلا شيء غيره.
وكان يقول: البصيرةُ كالبصر أدنى شيء يقع فيها يعطِّلُ النظر،
 وإن لم ينته الأمر إلى العمى، فالخطرةُ من صفات الشرِّ تشوّشُ نظرَ البصيرة،
 وتكدّر الفكر والإرادة، وتذهب بالخير رأسًا، والعمل به يذهبُ بصاحبه عن سهم من الإسلام،
 فإن استمرَّ على الشرِّ تفلَّتَ منه الإسلام سهمًا سهمًا،
 فإذا انتهى إلى الوقيعة في العلماء والصالحين،
 وموالاة الظالمين حبًّا للجاه والمنزلة عندهم فقد تفلَّتَ منه الإسلام كلُّه، 
ولا يغرَّنَّكَ ما توسم به ظاهرًا، فإنه لا روح له، فإنَّ روحَ الإسلام حبُّ الله ورسوله،
 وحبُّ الآخرة والصالحين من عباده.
وكان يقول: نظرُ الله عزَّ وجلَّ لا يمتدُّ منه شيءٌ إلا خلقه، ولا يقفُ في نظره،
 ولا ينعطف عن منظوره، جلَّ نظرُ ربِّنا عن القصور والنفوذ، والتجاوز والحدود.
وكان رضى الله عنه يقول: أركزُ الأشياء في الصفات ركزها قبل وجودها،
 ثم انظر هل ترى للعين أينًا، أو ترى للكون كانا، أو ترى للأمر شأنًا، 
وكذلك بعد وجودها.
وكان يقول: من ادَّعى فتحَ عين قلبه وهو يتصنَّعُ بطاعة الله تعالى،
 أو يطمعُ فيما في أيدي خلق الله فهو كاذب.
وكان يقول: التصوفُ تدريبُ النفس على العبودية، وردُّها لأحكام الربوبية.
وكان يقول: الصوفي يرى وجودَه كالهباء في الهواء، 
غير موجود ولا معدوم حسبما هو عليه في علم الله.
وسئل رضى الله عنه عن الحقائق. فقال:
 الحقائق هي المعاني القائمة في القلوب، وما اتَّضح لها، وانكشف لها من الغيوب، 
وهي منحٌ من الله تعالى وكرامات، وبها وصلوا إلى البرِّ والطاعات،
 ودليلُها قوله للحارث: «كيف أصبحت؟»
 قال: «أصبحت مؤمنًا حقًّا...»  الحديث.
وكان رضى الله عنه يقول: من تحقَّق الوجود فني عن كلِّ موجود،
 ومن كان بالوجود ثبت له كلُّ موجود.
وكان يقول: أثبت أفعال العباد بإثبات الله تعالى، ولا يضرُّك ذلك،
 وإنَّما يضرُّكَ الإثباتُ بهم ومنهم.
وكان يقول: أبى المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى؛
 لما حقَّقَهم به من شهود القيومية، وإحاطة الديمومية.
وكان يقول: حقيقةُ زوال الهوى من القلب
 حبُّ لقاء الله تعالى في كلِّ نَفَسٍ من غير اختيار حالةٍ يكون المرء عليها.
وكان يقول: حقيقةُ القرب الغيبةُ بالقرب عن القرب لعظمِ القربة.
وكان يقول: لن يصلَ العبدُ إلى الله وبقي معه شهوةٌ من شهواته، ولا مشيئةٌ من مشيئاته.
وكان يقول: الأولياءُ يغنون عن كلِّ شيء بالله تعالى،
 وليس لهم معه تدبيرٌ ولا اختيار، والعلماء يدبّرون، ويختارون،
 وينظرون، ويقتبسون، وهم مع عقولهم وأوصالهم دائمون. 
والصالحون وإن كانت أجسادُهم معرسةً ففي أسرارهم الكزازة
 والمنازعة، ولا يصلح شرحُ أحوالهم إلا لوليٍّ في نهايته، 
فحسبك ما ظهر من صلاحهم، واكتفِ به عن شرح ما بطن من أحوالهم.
وكان رضى الله عنه يقول: لا تختر من أمرٍ شيئًا واختر ألا تختار، 
وفرَّ من ذلك المختار فرارَك من كلِّ شيء إلى الله تعالى:
 ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ﴾ [القصص: 68]، 
وكلُّ مختارات الشرع وترتيباته فهي مختارُ الله، 
ليس لك منه شيء، ولا بدَّ لك منه، اسمع وأطع، وهذا موضع الفقه الرباني،
 والعلم الإلهي، وهي أرضٌ لعلم الحقيقة المأخوذة عن الله تعالى لمن استوى، فافهم.
وكان يقول: كلُّ ورعٍ لا يُثمر لك العلم والنور، فلا تعدَّ له أجرًا،
 وكل سيئةٍ يعقبها الخوف والهرب إلى الله فلا تعدَّ لها وزرًا.
وكان يقول: لا ترقى قبل أن يُرقى بك، فتزل قدمُك.
وكان يقول: أشقى الناس من يعترض على مولاه، وأركس
 في تدبير دنياه، ونسي المبدأ والمنتهى والعمل لأخراه.
وكان يقول: مراكز النفس أربعة: مركزٌ للشهوة في المخالفات،
 ومركزٌ للشهوة في الطاعات، ومركزٌ في الميل إلى الراحات،
 ومركز في العجز عن أداء المفروضات:
 ﴿فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ
 [التوبة: 5].
وكان يقول: إن من أعظم القربات عند الله تعالى مفارقةُ النفس بقطع إرادتها،
 وطلب الخلاص منها بترك ما تهوى لما يُرجى من حياتها.
وكان يقول: إن من أشقى الناس من يحبُّ أن يعاملَهُ الناسُ بكلِّ ما يريد، 
وهو لا يجدُ من نفسه بعضَ ما يُريد، وطالبْ نفسك بإكرامك لهم، 
ولا تطالبهم بإكرامهم لك، ﴿لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: 84].
وكان يقول: قد يئستُ من منفعة نفسي لنفسي، 
فكيف لا أيأسُ من منفعةِ غيري لنفسي؟ ورجوت الله لغيري، فكيف لا أرجوه لنفسي؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7304
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى    أبو الحسن الشاذلى  Emptyالثلاثاء يناير 25, 2022 2:45 pm

وكان يقول: إن أردت ألا يصدأ لك قلبٌ، ولا يلحقك همٌّ ولا كربٌ، ولا يبقى عليك ذنبٌ فأكثر من قول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لا إله إلا هو، اللهم ثّبت علمها في قلبي، واغفر لي ذنبي.
وكان يقول: لا كبيرة عندنا أكبرُ من اثنتين: حب الدنيا بالإيثار، والمقام على الجهل بالرضا؛ لأنَّ حبَّ الدنيا رأسُ كل خطيئة، والمقام على الجهل أصلُ كلِّ معصيةٍ.
وكان يقول: إن أردتَ أن تصحَّ على يديك الكيمياء فأسقط الخلق من قلبك، واقطعِ الطمع من ربِّك أن يعطيك غير ما سبق لك، ثم أمسك ما شئت يكون كما تريد.
وكان يقول: إن أردت أن تكونَ مُرتبطًا بالحقِّ فتبرَّأْ من نفسك، واخرج عن حولك وقوتك.
وكان يقول: إن أردتَ الصدقَ في القول فأكثر من قراءة: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: 1]، وإن أردت الإخلاصَ في جميع أحوالك فأكثر من قراءة ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، وإن أردت تيسير الرزق فأكثر من قراءة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، وإن أردت السلامة من الشرِّ فأكثر من قراءة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]. قلت: قال بعضُهم: وأقلُّ الإكثار سبعون مرةً كلَّ يومٍ إلى سبع مئة.
وكان يقول: أربعٌ لا ينفعُ معهم علمٌ: حبُّ الدنيا، ونسيانُ الآخرة، وخوفُ الفقر، وخوف الناس.
وكان يقول: أصدقُ الأقوال عند الله تعالى قول: (لا إله إلا الله) على النظافة، وأدل الأعمال على محبَّته تعالى لك بغضُ الدنيا واليأسُ من أهلها على الموافقة.
وكان يقول: لا تسرفْ بترك الدنيا فيغشاك ظلمتُها، وتنحل أعضاؤك لها، فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمَّة، أو بالفكرة، أو بالإرادة، أو بالحركة.
وكان رضى الله عنه يقول: لا تَقوى لمحبِّ الدنيا، إنَّما التَّقوى لمن أعرضَ عنها.
وكان يقول: إذا توجَّهت لشيءٍ من عمل الدنيا والآخرة فقل: يا قوي، يا عزيز، يا عليم، يا قدير، يا سميع، يا بصير.
وكان يقول: إذا وردَ عليك مزيدٌ من الدنيا أو الآخرة فقل: ﴿حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة: 59].
وكان يقول: خصلةٌ واحدة إذا فعلها العبدُ صار إمامَ الناس من أهل عصره، وهي الإعراضُ عن الدنيا، واحتمالُ الأذى من أهلها.
وكان يقول: إذا تداين أحدُكم فليتوجَّهُ بقلبه إلى الله تعالى، ويتداين على الله تعالى، فإنَّ كلَّ ما تداينه العبد على الله تعالى فعلى الله أداؤه.
وكان يقول: إن عارضَك عرضٌ معلوم هو لك، فاهرب إلى الله منه هروبَكَ من النار، وهذه من غرائب علوم المعرفة في علوم المعاملة.
وكان رضى الله عنه إذا تداين يقول: اللَّهُمَّ، عليك تداينت، وعليك توكَّلتُ، وإليك أَمري فوَّضتُ.
وكان يقول: خصلةٌ واحدةٌ تُحيط الأعمال، ولا ينتبُه لها كثيرٌ من الناس وهي سخط العبد على قضاء الله تعالى، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 9].
وكان يقول: لا يتركُ منازعةَ الناس في الدنيا إلا المؤمنُ بالقسمة.
وكان يقول: رأيتُ في النوم صائحًا يصيح في جو السماء: إنَّما تُساق لرزقك، أو لأجلك، أو لما يقضي الله به عليك، أو بك، أو لك، وهي خمسةٌ لا سادس لها.
وكان يقول: كلُّ حسنة لا تثمر نورًا أو علمًا في الوقت فلا تعدَّ لها أجرًا، وكلُّ سيئة أثمرت خوفًا من الله تعالى ورجوعًا إليه فلا تعدَّ لها وزرًا.
وكان يقول: حسنتان لا يضرُّ معهما كثرةُ السيئات: الرضا بقضاء الله، والصفحُ عن عباد الله.
وكان يقول: إياك أن تقفَ مع الخلق، بل انفِ المضارَّ والمنافع عنهم؛ لأنها ليست منهم، وأشهدها من الله فيهم، وفرَّ إلى الله منهم بشهود القدر الجاري عليك وعليهم، أو لك ولهم، ولا تخف خوفًا تغفلُ به عن الله تعالى، وتردّ القدر إليهم تهلك.
وكان يقول رضى الله عنه: من فارقَ المعاصي في ظاهره، ونبذَ حبَّ الدنيا من باطنه، ولزم حفظ جوارحه، ومراعاة سرِّه أتته الزوائدُ من ربِّه، ووكَّلَ به حارسًا يحرسه من عنده، وأخذ الله بيده خفضًا ورفعًا في جميع أموره، والزوائدُ هي زوائد العلم واليقين والمعرفة.
وكان رضى الله عنه يقول: لا يُوصف العبد بأنه قد هجر المعاصي، إلا إن كانت لم تخطر له على بال، فإنَّ حقيقةَ الهجر نسيانُ المهجور، هذا في حق الكاملين، فإن لم يكن كذلك فليهجر على المكابدة والمجاهدة.
وكان يقول: لا يتزحزحُ العبد عن النار إلا إن كفَّ جوارحَه عن معصية الله، وتزيَّنَ بحفظ أمانة الله، وفتَحَ قلبَه لمشاهدة الله ولسانَه وسَرَّه لمناجاة الله، ورفعَ الحجاب بينه وبين صفات الله، وأشهده الله تعالى أرواحَ كلماته.
وكان يقول: الغلُّ هو ربطُ القلب على الخيانة والمكر والخديعة، والحقدُ هو شدَّة ربط القلب على الخيانة المذكورة.
وكان يقول: اتقِ الله في الفاحشة جملةً وتفصيلًا، وفي الميل إلى الدنيا صورةً وتمثيلًا.
وكان يقول: عقوبةُ ارتكاب المحرمات بالعذاب، وعقوبةُ أهل الطاعات بالحجاب؛ لما يقع لهم فيها من سوء الأدب، وعقوبة المراكنات تركُ المزيد، وعقوبة القلق والاستعجال هلاك السر.
وكان يقول: من اعترضَ على أحوال الرجال فلا بدَّ أن يموت قبل أجله ثلاثَ موتات أخر: موتٌ بالذلِّ، وموتٌ بالفقر، وموتٌ بالحاجة إلى الناس، ثم لا يجدُ من يرحمُهُ منهم.
وكان الشيخ مكين الدين الأسمر رضى الله عنه يقول: الناسُ يدعون إلى باب الله تعالى، وأبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه يُدخلُهم على الله.
وكان الشاذلي رضى الله عنه يقول: من النِّفاق التظاهر بفعل السنة، واللهُ يعلمُ منه غير ذلك، ومن الشرك بالله اتخاذُ الأولياء والشفعاء دون الله، قال الله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [السجدة: 4].
وكان يقول: من شفعَ طلبًا للجاه والمنزلة، أو لعرضِ الدنيا، عذَّبه الله على ذلك ﴿وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة: 15].
وكان يقول: من سوء الظنِّ بالله أن يُستنصرَ بغير الله من الخلق، قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ...﴾ [الحج: 15].
وكان يقول: أوصاني أستاذي رحمه الله تعالى فقال: جدّد بصر الإيمان تجد الله في كلِّ شيء، وعند كلِّ شيءٍ، ومع كلِّ شيءٍ، وفوق كل شيءٍ، وقريبًا من كلِّ شيءٍ، ومحيطاً بكلِّ شيءٍ، بقربٍ هو وصفه، وبإحاطة هي نعته، وعدِّ عن الظرفية والحدود، وعن الأماكن والجهات، وعن الصحبة والقرب بالمسافات، وعن الدور بالمخلوقات، وامحق الكلَّ بوصفه ﴿الأَوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ﴾ [الحديد: 3] كان الله ولا شيء معه.
وكان رضى الله عنه يقول: من غفلَ قلبُه اتخذ دينه هزوًا، ومن اشتغلَ بالخلق اتَّخذ دينه لعبًا.
وكان يقول: إذا كان من يعملُ على الوفاق لا يَسلمُ من النفاق، فكيف بغيره؟
وكان رضى الله عنه يقول: الكاملون حاملون لأوصاف الحقِّ، وحاملون لأوصاف الخلق، فإن رأيتهم من حيث الخلق رأيتَ أوصاف البشر، وإن رأيتهم من حيث الحقِّ رأيت أوصاف الحقِّ التي زيَّنهم بها، فظاهرهم الفقرُ، وباطنهم الغنى تخلُّقًا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: 8] أفتراه أغناه بالمال؟ كلا، وقد شدَّ الحجرَ على بطنه من شدَّة الجوع، وأطعمَ الجيشَ كلَّه من صاعٍ([26])، وخرج من مكَّة على قدميه ليس معه شيء يأكله ذو كبد إلا شيءٌ يواريه إبطُ([27]) بلال.
 وكان يقول: ضيقُ اليد شرفٌ لكلِّ الناس، أو لقطبٍ، أو خليفةٍ، أو أمين لا يخون الله تعالى برؤية نفسه على من يُنفق عليه من العيال والفقراء طرفةَ عين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7304
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى    أبو الحسن الشاذلى  Emptyالثلاثاء يناير 25, 2022 2:47 pm

وكان يقول: العلوم التي وقع الثناءُ على أهلها وإن جلت فهي ظلمةٌ في علوم ذوي التحقيق، وهم الذين غرقوا في تيار بحرِ الذات، وغموض الصفات، فكانوا هناك بلا همٍّ، وهم الخاصَّةُ العليا الذين شاركوا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في أحوالهم، فلهم فيها نصيبٌ على قدر إرثهم من مورّثهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ -عليهم الصلاة والسلام-»([28])؛ أي يقومون مقامَهم على سبيل العلم والحكمة لا على سبيل التحقيق بالمقام والحال؛ فإن مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قد جلَّتَ أن يملحَ حقائقها غيرُهم.
وكان يقول: كلُّ وارث في المنزلة المورثة لا يكون إلا بقدر مورثه فقط، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: 55] كما فضَّل بعضَهم على بعضٍ كذلك فضَّل ورثَتهم على بعض؛ إذ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعينٌ للحقِّ، وكلُّ عينٍ يشهد منها على قدرها، وكلُّ وليٍّ له مادةٌ مخصوصة.
وكان يقول: الأولياء على ضربين: صالحون وصدّيقون، فالصالحون أبدال([29]) الأنبياء، والصدّيقون أبدال الرسل، فبينَ الصالحين والصديقين في التفضيل كما بين الأنبياء والرسل، منهم طائفة انفردوا بالمادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدونها عين يقين، وهم قليلون، وفي التحقيق كثيرون، ومادةُ كلِّ نبيٍّ وكلِّ وليٍّ بالأصالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن من الأولياء من يشهدُ عينه، ومنهم من تخفى عليه عينه ومادته، فيفنى فيما يردُ عليه، ولا يشتغلُ بطلب مادته؛ بل هو مستغرقٌ بحاله لا يرى غيرَ وقته، ومنهم طائفةٌ أيضًا مُدُّوا بالنور الإلهي، فنظروا به حتى عرفوا من هم على التحقيق، وذلك كرامةٌ لهم، لا يُنكرها إلا من يُنكرُ كرامات الأولياء، نعوذ بالله من النُّكران بعد العرفان.
وكان يقول: أول منزل يطؤه المحبُّ للترقي منه إلى العُلا النفسُ، فإذا اشتغلَ بسياستها ورياضتها إلى أن انتهى إلى معرفتها وتحققها، أشرقَ عليه أنوارُ المنزل الثاني وهو القلب، فإذا اشتغل بسياسته حتى عرفه، ولم يبقَ منه عليه شيءٌ أشرقَ عليه أنوارُ المنزل الثالث وهو الروح، فإذا اشتغل بسياسته وتمتْ له المعرفةُ هبَّ عليه أنوارُ اليقين شيئًا فشيئًا إلى تمام نهاياته، وهذه طريق العامَّة، وأمَّا طريقُ الخاصَّة فهي طريق ملوكٌ تضمحل العقولُ في أقلِّ القليل من شرحها.
وكان يقول: ومَنْ أمدَّه اللهُ تعالى بنور العقل الأصلي، شهدَ موجودًا لا حدَّ له ولا غاية، بالإضافة إلى هذا العبد، واضمحلَّت جميعُ الكائنات فيه، فتارةً يشهدُها فيه كما يشهدُ البنَّاءُ بيتًا في الهواء بواسطة نور الشمس، وتارةً لا يشهدُها لانحراف نور الشمس عن الكوة([30])، فالشمسُ التي يُبصرُ بها هو العقل الضروري بعد المادة بنور اليقين، وإذا اضمحلَّ هذا النور ذهبت الكائنات كلُّها، وبقي هذا الموجود، فتارة يفنى وتارةً يبقى، حتى إذا أُريد به الكمال نُودي فيه نداءً خفيًّا لا صوتَ له، فيُمدُّ بالفهم عنه، إلا أنَّ الذي يشهدُه غيرَ الله تعالى ليس من الله في شيء، فهناك ينتبه
من سكراته، فيقول: يا ربِّ أثبتني، وإلا أنا هالك. فيعلمُ يقينًا أنَّ هذا البحر لا يُنجيه منه إلا الله عزَّ وجلَّ، فحينئذٍ يقال له: إن هذا الموجودَ هو العقلُ الذي قالَ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ العقل»([31])، فأعطي هذا العبد الذلّ والانقياد لنور هذا الموجود؛ إذ لا يقدرُ على حدّه وغايته، فإذا أمدَّ الله هذا العبدَ بنورِ أسمائه، قطع ذلك كلمح البصر أو كما شاء الله تعالى: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ [يوسف: 76] ثم أمدَّه الله تعالى بنور الروح الرباني فعرف هذا الموجود، فرقي إلى ميدان الرُّوح الرباني، فذهب بجميع ما تحلّى به هذا العبد، وما تخلّى عنه بالضرورة وبقي كلا موجود، ثم أحياه الله تعالى بنور صفاته، فأدرجه بهذه الحياة في معرفة هذا الموجود الرباني، فلمَّا استنشق من مبادئ صفاته كاد يقول: هو الله، فإذا لحقته العنايةُ الأزلية نادته، ألا إنَّ هذا الموجود هو الذي لا يجوز لأحدٍ أن يصفه بصفة، ولا أن يُعبّرَ عنه بشيء من صفاته لغير أهله، لكن بنور غيره يعرفه، فإذا أمدّه الله بنور سرِّ الروح، وجد نفسه جالسًا على باب ميدان السرِّ، فرفع همَّتَهُ ليعرف هذا الموجود الذي هو السرُّ، فعمي عن إدراكه، فتلاشت جميعُ أوصافه، كأنه ليس بشيء، فإذا أمدَّه اللهُ تعالى بنور ذاته أحياه حياةً باقيةً لا غاية لها، فينظر جميع المعلومات بنور هذه الحياة، ووجد نور الحقِّ شائعًا في كلِّ شيءٍ لا يشهد غيره، فنُودي من قريب: لا تغترَّ بالله، فإنَّ المحجوبَ من حُجب عن الله بالله؛ إذ محالٌ أن يحجبه غيره، وهناك يحيا حياةً استودعها الله تعالى فيه. ثم قال: يا ربِّ، أعوذُ بك منك حتى لا أَرى غيرك. وهذا هو سبيل الترقي إلى حضرة العليِّ الأعلى، وهو طريقُ المحبّين الذين هم أبدالُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وما يُعطيه الله تعالى لأحدهم من بعد هذا المنزل، لا يقدرُ أحدٌ أن يصفَ منه ذرةً، والحمدُ لله على نعمائَه. وأمَّا طريقُ المحبوبين الخاصة بهم فإنّه ترقٍّ منه إليه به؛ إذ مُحالٌ أن يُتوصَّلَ إليه بغيره، فأولُ قدم لهم بلا قدم، إذ ألقى عليهم من نور ذاته فغيّبهم بين عباده، وحبَّب إليهم الخلوّات، وصُغّرت لديهم الأعمالُ الصالحات، وعُظّم عندهم ربُّ الأرضين والسماوات، فبينما هم كذلك إذ أَلبسهم ثوبَ العدم، فنظروا فإذا هم لا هم، ثم أردفَ عليهم ظلمةَ غيبتهم عن نظرهم، فصارَ نظرُهم عدمًا لا علَّة له، فانطمست جميعُ العلل، وزالَ كلُّ حادث، فلا حادثَ ولا وجود، بل ليس إلا العدمُ الذي لا علَّة له، فلا معرفة تتعلّق به، اضمحلّت المعلومات، وزالت المرسومات زوالًا لا علَّة فيه، وبقي من أَشير إليه لا وصفَ له ولا صفة ولا ذات، واضمحلَّتِ النعوتُ والأسماء والصفات كذلك، فلا اسم له ولا صفة ولا ذات. فهنالك ظهرَ من لم يزل ظهورًا لا علَّة فيه، بل ظهرَ بسرِّه لذاته في ذاته ظهورًا لا أولية له، بل نظر في ذاته لذاته في ذاته، وهناك يحيا العبدُ بظهوره حياةً لا علَّة لها، وصار أولًا في ظهوره لا ظاهرًا قبله، فوجدت الأشياءُ بأوصافه، وظهرتْ بنوره في نوره سبحانه وتعالى، ثم يغطسُ بعد ذلك في بحرٍ بعد بحر إلى أن يصلَ إلى بحر السرِّ، فإذا دخل بحر السرِّ غرق غرقًا لا خروجَ له منه أبَدَ الآباد، فإن شاء الله تعالى بعثه نائبًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُحيي به عباده، وإن شاء ستره، يفعلُ في ملكه ما يشاء، فهذا عنبرةٌ من طريقة الخصوص والعموم فتنبَّه. اهـ.
قلتُ: وإنَّما سطَّرنا لكل يا أخي هذه الأمور الخاصَّة بالمكمَّلين من أهل الله تعالى تشويقًا لك إلى مقاماتهم، وفتحًا لباب التصديق لهم إذا سمعتهم يذكرون مثل ذلك كما أشرنا إليه في خطبة هذا الكتاب -يعني طبقاته- وهذا الكلام لم أجده لغيره من الأولياء إلى وقتي هذا، فسبحان المُنعم على من يشاء بما يشاء، والله أعلم. انتهى كلام الشعراني رحمه الله.
وفي خاتمة «نور الأبصار» ما نصُّه: تتميمٌ في الكلام على مناقب القطب أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه: كانت ولادته رضى الله عنه سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، وقد نقل ابن عياد نسبَه من كتاب «اللطيفة المرضية في شرح دعاء الشاذلية» للشيخ شرف الدين أبي سليمان داود السكندري بقوله: هو الشريف الحسيب ذو النسبتين الطاهرتين الجسدية والروحية المحمدي العلوي الحسني الفاطمي أبو الحسن علي الشاذلي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه. اهـ.   
وفيه أنه لم يكن من أولاد الحسن بن علي من اسمه محمد له عقب، وأن الذي أعقب من أولاد الحسن السبط زيد الأبلج وحسن المثنى كما نص عليه غير واحد.
قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: لم يكن لأحدٍ من أولاد الحسن عقبٌ غير اثنين منهم، وهما: الحسن، وزيد. اهـ. فصوابه: محمد بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، اللهم إلا أن يقال: إن ولد الابن ابن.
قال بعضُهم: علي أبو الحسن السيد الشريف زعيمُ الشاذلية، نسبةً إلى شاذلة، قريةٌ بإفريقية قرب تونس، نشأ ببلده، واشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها، وصار يُناظر عليها مع كونه ضريرًا، ثم انتهج التصوف، وجدَّ واجتهد حتى ظهر صلاحُه وخيره، وطار في الفضائل طيره، وحُمِدَ في الطريق سُراه([32]) وسيره، نظم فرقَّق ولطَّف، وتكلَّم على الناس فقرَّط الآذان وشنَّف([33])، وطافَ وجال، ولقي الرجال، وقدم الإسكندرية من المغرب، وصار يُلازم ثغرها من الفجر إلى الغروب، وينفعُ الناس بحديثه الحسن وكلامه المعرب.
وكان إذا ركب تمشي أكابرُ الفقراء والدنيا حوله، وتُنشر الأعلام على رأسه، وتُضرب الكوسات([34]) بين يديه، ويأمر النقيب أن يُنادي أمامه: من أراد القطب الغوث فعليه بالشاذلي رضى الله عنه، ثم تَحوَّل إلى الديار المصرية، وأظهر فيها طريقته المرضية، وسيرته النبوية، وكان يقرأ «ابن عطية»([35]) و«الشفا»([36]).   
وأخذ عنه العزُّ بن عبد السلام، وله أجزاء محفوظة، وأحوالٌ بعين العناية ملحوظة، وقيل له: من شيخُك؟ فقال: أما فيما مضى فعبدُ السلام بن مَشيش، وأما الآن فإني أستقي من عشرةِ أبحرٍ: خمسةٍ سماوية، وخمسة أرضية. اهـ.
قال أبو الحسن صاحب الترجمة: سألتُ الله أن يجعلَ القطب من بيتي، فإذا النداء: يا علي، قد استجبنا لك.
وكان يقول: قيل لي: ما على وجه الأرض مجلسٌ في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عزِّ الدين بن عبد السلام، وما على وجه الأرض مجلسٌ في علم الحديث أبهى من مجلس الشيخ عبد العظيم المنذري([37])، وما على وجه الأرض مجلسٌ في علم الحقائق أبهى من مجلسك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7304
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى    أبو الحسن الشاذلى  Emptyالثلاثاء يناير 25, 2022 2:48 pm

وكان رضى الله عنه يحضر مجلسَه أكابرُ العلماء؛ كابن الحاجب([38])، وابن عبد السلام عز الدين، وابن دقيق العيد، وعبد العظيم المُنذري، وابن الصلاح([39])، وابن عصفور([40])، فكانوا يحضرون ميعاده بالمدرسة الكاملية من القاهرة، ويقرأ «ابن عطية» و«الشفا» ويمشون بين يديه إذا خرج.
وكان رضى الله عنه يقول: إذا عرضت لك حاجة إلى الله فأقسم على الله بي.
قال الشيخ أبو العباس المرسي: والله ما ذكرتُه في شدَّة إلا انفرجت، ولا في أمرٍ صعب، إلا هان. قال: وأنت يا أخي إذا كنتَ في شدَّةٍ فأقسم على الله به، وقد نصحتك، والله يعلم ذلك.
قال الشيخ أبو عبد الله الشاطبي: كنت أترضَّى على الشيخ في كلِّ ليلةٍ كذا وكذا مرة، وأسأل الله به في جميع حوائجي، فأجدُ القبول في ذلك معجلًا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني أترضَّى على الشيخ أبي الحسن في كلِّ ليلةٍ بعد صلاتي عليك، وأسألُ الله به في حوائجي، أفترى عليّ في ذلك شيئًا إذ تعدَّيتك؟ فقال لي: أبو الحسن ولدي حسًّا ومعنًى، والولدُ جزءٌ من الوالد، فمن تمسَّكَ بالجزء فقد تمسَّك بالكلِّ، وإذا سألت الله بأبي الحسن فقد سألته بي. اهـ. من «شرح البناني» على «الحزب».
وحج مرارًا.
قال ابن دقيق العيد: ما رأيت أعرفَ بالله منه، ومع ذلك آذوه وأخرجوه وجماعته من المغرب، وكتبوا إلى نائب الإسكندرية: إنه يقدُم عليكم مغربيٌّ زنديق([41])، وقد أخرجناه من ديارنا فاحذروه. فدخل الإسكندرية، فآذوه، فظهرت كرامات أوجبت اعتقاده رضى الله عنه.
قال الشعراني في خاتمة «المنن»: حكى الشيخ تاج الدين بن عطاء الله أنَّ سيدي الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضى الله عنه كان يقول: لا يكملُ عالمٌ في مقامِ العلم حتى يُبتلى بأربعٍ: شماتة الأعداء، وملامة الأصدقاء، وطعن الجهال، وحسد العلماء، فإن صبر على ذلك جعله الله إمامًا يُقتدى به.
ولما شاع أمرُه في بلاد المغرب تجارأت عليه الأعداء والحسدة من كلِّ جانب، ورموه بالعظائم، وبلغوا في أذيَّته حتى منعوا الناس من مجالسته، وقالوا: إنه زنديق. ولما أراد السفرَ إلى مصر كتبوا إلى سُلطان مصر مكاتبات: إنه سيقدم عليكم مصرَ مغربيٌّ من الزنادقة، أخرجناه من بلادنا حين أتلف عقائد المسلمين، وإيَّاكم أن يخدعنكم بحلاوة منطقه، فإنه من كبار الملحدين، ومعه استخداماتٌ من الجن. فما وصلَ الشيخُ إلى مدينة الإسكندرية حتى وجدَ الخبر بذلك سابقًا على مقدمه، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فبالغ أهل الإسكندرية في إيذائه، ثم رفعوا أمرَه إلى سُلطان مصر، وأخرجوا له مَراسيم فيها ما يُباح به دمُ الشيخ، فمدَّ يده إلى سُلطان المغرب، وأتى منه بمراسيم تُناقض ذلك، فيها من التعظيم والتبجيل ما لا يُوصف، تاريخُه متأخرٌ عن مراسيمهم، فتحيَّر السلطان، وقال: العمل بهذا أولى. وأكرمه، وردَّه إلى الإسكندرية مكرمًا، ولمّا تزايد عليه الأذى توجَّه إلى الله تعالى، وذلك أنه أرسلَ له سُلطان مصر يَسأله الدُّعاء، ويتعطَّفُ بخاطره، فكفَّ الناسُ عنه الأذى حرمةً للسلطان، وبعضهُم داوم على الأذى، وكتبوا فيه للسلطان وقالوا: يا مولانا، إنه سيماوي. فتغيَّر السلطان، ثم أرسلوا إليه مكاتبات أنه يضرب بالزغل([42]) وأنه كيماوي([43])، وحذَّروا الناس من مجالسته، واتَّفقَ خازندار([44]) السلطان محمد بن قلاوون وقع في أمرٍ يوجب القتل عند الملوك، فأمرَ بشنقه، فهرب، واختفى بالإسكندرية، وأقام عند الشيخ، فبلغ الخبرُ السلطان، فكتب إليه، ما كفاك ضربَ الزغل حتى أنك تؤوي غريم السلطان، فأرسلْه ساعةَ وصول كتابنا إليك، وإلا فعلنا بك وفعلنا. فلم يُرسله الشيخ، فغضب السلطان، وأرسل يتوعَّدُ الشيخ بالقتل، ويقول له: كيف تُتلفُ مماليك السلطان؟ فلمَّا وصل إليه الخبر مع شخصٍ من أخصَّاء السلطان قال له الشيخ: معاذ الله أن نتلفَ أحدًا من مماليك السلطان، وإنَّما نحن نصلحه. ثم قال لقاصد السلطان: ائتنا بما شئتَ من الرصاص من حواصل السلطان حتى أُريك الإصلاح. فأتى بشيء كثيرٍ، فألقاه الشيخ في فسقية([45]) جامع من غير ماء، وقال للخازندار: بُل على هذا الرصاص. فبال عليه، فصار ذهبًا خالصًا، فقال له: أهذا إصلاحٌ أم إفساد؟ فقال: إصلاح. ثم أمرَ القاصدَ بحمل ذلك إلى خزانة السلطان، فوزنوا ذلك فوجدوا خمسة قناطير، فقال: هذا هديةٌ لمولانا السلطان، وقل له يرضى عن مملوكه. فرضي عنه، ثم إن السلطان نزل إلى زيارة الشيخ في الإسكندرية، وأضمر في نفسه أن يعلّمَه صنعةَ الكيمياء، فقال له: كيمياؤنا التقوى، فاتَّقِ الله يُعلّمك حرفَ (كن)، ثم لم يزل مُعظِّمًا للشيخ حتى مات. اهـ.    
وحكى المُرسي رضى الله عنه عن شيخه صاحب الترجمة قال: صلَّيتُ خلفه صلاةً فشهدتُ ما بهر عقلي، شهدتُ بدنَ الشيخ والأنوار قد ملأته، وانبثَّتِ الأنوار من وجوده حتى لم أستطع النَّظرَ إليه.
وقال المُرسي رضى الله عنه: جلتُ في الملكوت([46])، فرأيتُ أبا مدين مُتعلِّقًا بساق العرش، فقلت له: ما عُلومك؟ فقال: أحدٌ وسبعون. فقلت: ما مقامك؟ قال: رابعُ الخلفاء، ورأس السبعة. قال: فقلت: فما تقولُ في الشاذلي؟ قال: زادَ عليَّ بأربعين علمًا، وهو البحر الذي لا يُحاط به.
ولمّا دخل الشاذلي رضى الله عنه الإسكندرية كان بها أبو الفتح الواسطي، فوقفَ بظاهرها، فاستأذنه فقال: طاقيةٌ لا تسَعُ رأسين، فماتَ أبو الفتح في ليلته، وذلك أن من دخلَ بلدًا على فقير بغير إذن -فمهما كان أحدُهما أعلى من الآخر- سلبه أو قتله، فلذلك ندبوا الاستئذان.
ومن كلامه رضى الله عنه: إن أردتَ ألا يَصدأ لك قلبٌ، ولا يلحقَكَ همٌّ ولا كربٌ، ولا يبقى عليك ذنبٌ فأكثر من الباقيات الصالحات([47]).
وقال: من أحبَّ ألا يُعصى الله تعالى في مملكته فقد أحبَّ ألا تظهرَ مغفرتُه ورحمته.
وقال رضى الله عنه: لا يشمُّ رائحةَ الولاية من لم يزهد في الدنيا وأهلها، إذا افتقرتَ فسلِّم، وإذا ظُلمَت فاسكن تحت جريان الأقدار؛ فإنها سحابةٌ سائرة.
وقال رضى الله عنه: من آداب مجالسة الأكابر عدمُ التجسس على عقائدهم، ومن آداب مجالسة العلماء عدمُ تحديثهم بغير المنقول.
وقال رضى الله عنه: رأيت أنّي مع النبيين عليهم الصلاة والسلام فقلت: اللهم، اسلك بي سبيلهم مع العافية عمّا ابتليتهم؛ فهم أقوى مني. فقال لي: قل: وما قدَّرتَ علينا من شيءٍ فأيدَّنا فيه كما أيدتهم.
وقال رضى الله عنه: نمتُ ليلةً في سياحتي، فطافت بي السِّباعُ إلى الصبح، فما وجدت أُنسًا كتلك الليلة، فأصبحتُ فخطر لي أنَّه حصلَ لي من مقام الأُنس بالله شيءٌ، فهبطت واديًا فيه طيورُ حجلٍ([48]) فأحسَّتْ بي فطارت، فخفق قلبي رُعبًا، فنوديت: يا من كان البارحة يأنَس بالسباع، ما لك وجلتَ من خفقات الحجل؟ لكنك كنت البارحة بنا واليومَ بنفسك.
وكلامه رضى الله عنه كثيرٌ عالٍ كبير تركناه مخافةَ التطويل، وقد أفردَ ابن عطاء الله ما يتعلَّقُ بالشيخ بالتأليف فكان مجلدًا حافلًا، وقد ذكر الشيخ الشعراني في «طبقاته» نبذةً عظيمة من كلامه فعليك به.
قلت: وقد تقدَّمت برمَّتها.
ثم قال: قال أبو الحسن صاحبُ الترجمة رضى الله عنه رأيتُ الخضر عليه السلام فقال: يا أبا الحسن، أصحبَك الله اللطيف الجميل، وكان لك صاحبًا في المقام والرحيل.
وصية
وصية عظيمة للشيخ: وجدتها في «حياة الحيوان»([49]) قال سيدنا الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه: كن مُتمسّكًا بهذه الصفات الحميدة تفزْ بسعادة الدارين: لا تتَّخذْ من الكافرين وليًّا، ولا من المؤمنين عدوًّا، وارحل بزادك من التقوى في الدنيا، وعُدَّ نفسك من الموتى، واشهد لله تعالى بالوحدانية، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وحسبك عملٌ صالح وإن قلَّ، وقل: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبالقدر خيره وشرِّه ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]. فمن كان متمسّكًا بهذه الصفات الحميدة ضمنَ الله عزَّ وجلَّ له أربعة في الدنيا: الصدقَ في القول، والإخلاص في العمل، والرزقَ كالمطر، والوقايةَ من الشر، وأربعةً في الآخرة: المغفرةَ العظمى، والقربةَ الزُّلفى، ودخول جنة المأوى، واللحوقَ بالدرجة العليا.
وإن أردت الصدق في القول فداوم على قراءة: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: 1]، وإن أردت الرزق كالمطر، فداوم على قراءة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]. وإن أردت السَّلامةَ من شرِّ الناس فداوم على قراءة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1].وإن أردتَ جلب الخير والرزقَ والبركة فداوم على قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم الملك الحق المبين، نعم المولى ونعم النصير. واقرأ سورة الواقعة، وسورة يس، فإنه يأتيك الرزق كالمطر.
وإن أردتَ أن يجعلَ اللهُ لك من كلِّ همٍّ فرجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ويرزقك من حيث لا تحتسب، فالزم الاستغفار.
وإن أردت أن تأمنَ ممَّا يروعك ويفزعك فقل: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّات مِنْ شرِّ غَضَبِهِ وعقابه، ومن شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ شرِّ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ»([50]).
وإن أردت أن تعرف أيَّ وقت تُفتح فيه أبوابُ السماء، ويُستجاب به الدعاء فاشهدْ وقتَ نداء المُنادي فأجبه، ففي الحديث: «من نزل به كربٌ أو شدّة فليُجبِ المنادي»([51]). والمنادي هو المؤذن.
وإن أردت أن تسلمَ من أمر يريبك فقل: «توكلتُ على الحيّ الذي لا يموت أبدًا، والحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريكٌ في المُلك، ولم يكن له وليٌّ من الذلِّ وكبِّره تكبيرًا». ففي الحديث: «ما كربني أمرٌ إلا تَمثَّلَ لي جبريل، فقال: يا محمد، قلْ: توكَّلت على الحيِّ الذي لا يموت أبدًا، وقل: الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريكٌ في المُلك، ولم يكن له وليٌّ من الذل وكبِّره تكبيرًا»([52]).
وإن أردتَ أن تنجو من همٍّ أو غمٍ أو خوف يصيبك فقل: «اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِى بِيَدِكَ، مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِىَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ استَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ العظيم رَبِيعَ قَلْبِى، وَنُورَ صَدْرِى، وَجَلاَءَ حُزْنِى، وَذَهَابَ هَمِّى وغمِّي»([53]). فيذهب عنك همُّك وغمُّك وحزنك.
وإن أردت أن يُداويك الله تعالى من تسعة وتسعين داءً أيسرُها الهم، فقل ما ورد في الحديث: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العلي العظيم»([54]) فإنها دواءٌ ممَّا ذكر.
وإن أردت أن تؤجرَ ممَّا يُصيبك من مُصيبةٍ فقل: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، اللَّهُمَّ، عندك أحتسبُ مصيبتي، فأجرني فيها، وأبدلني خيرًا منها([55]). ومنه: حسبُنا الله ونعم الوكيل، توكَّلنا على الله، وعلى الله توكلنا.
وإن أردتَ أن يذهب همُّك ويُقضى دينُك فقل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم حين سأله السائل فقال: «ألا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهبَ الله همَّك وقضى دينك؟» قال: بلى يا رسول الله. قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللَّهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ قهر الرِّجَالِ»([56]).
وإن أردتَ أن توفَّق للخشوع فاترك فضول النظر.
وإن أردت أن توفَّق للحكمة فاترك فضول الكلام.
وإن أردت أن توفَّق لحلاوة العبادة فعليك بالصوم وقيام الليل والتهجُّد فيه.
وإن أردت أن توفَّق للهيبة فاترك المزاحَ والضحك، فإنهما يسقطان الهيبة.
وإن أردت أن توفَّق للمحبَّة فاترك فضول الرَّغبة في الدنيا.
وإن أردت أن توفَّق لإصلاح عيب نفسك فاترك التجسُّس على عيوب الناس، فإنَّ التجسس من شُعب النفاق، كما أنَّ حُسن الظنِّ من شُعب الإيمان.
وإن أردت أن توفَّق للخشية فاترك التوهُّمَ في كيفية ذات الله تعالى، تسلم من الشك والنفاق.
وإن أردت أن توفَّق للسلامة من كلِّ سوءٍ فاترك الظنَّ السيء بكلِّ الناس.
وإن أردتَ العزلة، فاترك الاعتقاد في الناس وتوكَّل على الله.
وإن أردت ألا يموت قلبك فقل كلَّ يومٍ أربعين مرة: يا حيُّ يا قيوم، لا إله إلا أنت.
وإن أردت أن ترى النبي صلى الله عليه وسلم يومَ القيامة يومَ الحسرة والندامة فأكثر من قراءة ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير: 1] و﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: 1] و﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ [الانشقاق:1].
وإن أردتَ أن يُنوَّر وجهُك فداوم على قيام الليل.
وإن أردت السلامة من عطشِ يوم القيامة فلازمِ الصوم([57]).
وإن أردت أن تسلمَ من عذاب القبر فاحترز من النجاسات([58])، وأكل المحرمات، وارفضِ الشهوات.
وإن أردت أن تكون أغنى الناس فلازم القناعة.
وإن أردت أن تكون خيرَ الناس فكن نافعًا للناس.
وإن أردت أن تكون أعبدَ الناس فكنْ متمسّكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَأْخُذُ عَنِّى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ لَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟». َقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي وعَدَّ خَمْسًا، وَقَالَ «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ»([59]).
 وإن أردت أن تكون من المحسنين الخالصين، فاعبدِ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك([60]).
وإن أردت أن يكملَ إيمانُك فحسِّن خلقك.
وإن أردتَ أن يحبَّك الله فاقضِ حوائج إخوانك المسلمين. ففي الحديث: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا صيَّر حَوَائِجِ النَّاسِ إليه»([61]).   
وإن أردت أن تكون من المُطيعين فأدّ ما فرضَ الله عليك.
وإن أردتَ أن تلقى الله نقيًّا من الذنوب فاغتسل من الجنابة، ولازم غسل الجمعة تلقَ الله تعالى يوم القيامة وما عليك ذنب.
وإن أردتَ أن تُحشر يوم القيامة في النُّور الهادي، وتسلمَ من الظُّلمات لا تظلمْ أحدًا من خلق الله تعالى.
وإن أردت أن تقلَّ ذنوبك فالزم دوام الاستغفار.
وإن أردت أن تكونَ أقوى الناس فتوكَّلْ على الله.
وإن أردت أن يوسع الله عليك الرزق كالمطر فلازم الطَّهارة الكاملة.
وإن أردتَ أن تكون آمنًا من سخط الله تعالى فلا تغضب على أحدٍ من خلق الله تعالى.
وإن أردتَ أن يُستجاب دعاؤك فاجتنب الرِّبا وأكلَ الحرام، وأكل السُّحت.
وإن أردت ألا يفضحك الله على رءوس الأشهاد فاحفظ فرجَك ولسانك([62]).
وإن أردت أن يسترَ الله عليك عيبَك فاسترْ عيوب الناس؛ فإن الله ستارٌ يحبُّ من عباده الستيرين([63]).
وإن أردت أن تُمحى خطاياك فأكثر من الاستغفار، والخضوع، والخشوع، والحسنات في الخلوات.
وإن أردت الحسنات العظام فعليك بحسن الخلق، والتواضع، والتصبُّر على البلية.
وإن أردت السلامة من السيئات العظام فاجتنب سوءَ الخلق والشحَّ المُطاع([64]).
وإن أردتَ أن يسكن عنك غضبُ الجبار فعليك بإخفاء الصدقة، وصلةِ الرحم.
وإن أردت أن يقضيَ الله عنك الدَّين فقل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين سأله، وقال عليه الصلاة والسلام له: «لو كان عليك مثلُ الجبال دينًا أداهُ الله عنك، فقُلِ: اللَّهُمَّ، اكْفِنِى بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِى بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ»([65]). وفي الحديث: «لو كان على أحدكم جبلٌ من ذهب دينًا فدعا بذلك لقضاه الله عنه». وهو: «اللَّهُمَّ فارجَ الهمِّ، كاشفَ الغمِّ، مُجيبَ دعوة المضطرين، رحمنَ الدنيا والآخرة، ورحيمهما، أنت تَرحمني، فارحمني برحمةٍ تُغنيني بها عمَّن سواك»([66]).
وإن أردت أن تنجوَ من هلكة فالزم ما في الحديث: «إذا وقعت في ورطة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم»([67]).
فإنّ الله تعالى يصرف عنك ما شاءَ من أنواع البلاء. والوَرْطة: بفتح الواو، وإسكان الراء الهلاك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7304
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى    أبو الحسن الشاذلى  Emptyالثلاثاء يناير 25, 2022 2:49 pm

وإن أردت أن تأمن من قومٍ خفتَ شرَّهم فقل ما ورد في الحديث: «اللَّهُمَّ، إِنَّا نَجْعَلُكَ فِى نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ»([68]). أو تقول: «اللَّهُمَّ، اكفنا بما شئتَ، وكيف شئت، إنَّك على كل شيءٍ قدير»([69]).
وإن أردت أن تأمنَ سلطانًا فقل ما ورد في الحديث: «لا إله إلا الله الحليم الكريم، رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، لا إله إلا أنت، عزَّ جارك، وجلَّ ثناؤك، لا إله إلا أنت»([70]). ويُستحب أن تقول ما تقدم: «اللَّهُمَّ، إِنَّا نَجْعَلُكَ فِى نُحُورِهِمْ...» إلخ. وفي الحديث: «إذا أتيت سلطانًا مُهابًا، تخافُ أن يسطو عليك فقل: الله أكبر، الله أكبر، الله أعزُّ من خلقه جميعًا، الله أعزُّ وأكبرُ مما أخاف وأحذر، والحمد لله رب العالمين»([71]).
وإن أردت ثبات القلب على الدين فادعُ بما أسند مرفوعًا أنه كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ»([72]). وفي رواية: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ»([73]). اهـ.
توفي أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه سنة ستٍّ وخمسين وست مئة، وهو قاصد الحجَّ في شهر رمضان، ودفن بصحراء عَيْذاب بحميثرا من الصَّعيد، وكان ماؤها أجاجا فعذب.
ومن كراماته زيادة على ما سبق، ما نقله ابن بطوطة في «رحلته»، قال: أخبرني الشيخ ياقوت العرشي عن شيخه الشيخ أبي العباس المرسي، رضى الله عنه أن أبا الحسن الشاذلي رضى الله عنه كان يحجُّ كلَّ سنةٍ، فلمَّا كان في آخر سنة خرجَ فيها، قال لخادمه: استصحب فأسًا وقفةً وحنوطًا([74]). فقال له الخادم: لماذا يا سيدي؟ فقال: في حميثرا سوف ترى. وحميثرا بصعيد مصر في صحراء عيذاب، فلما بلغ حميثرا اغتسلَ الشيخُ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه، وصلّى ركعتين، فقبضه الله تعالى في آخر سجدة من صلاته، ودُفن هناك.
قال: وقد زرت قبره، وعليه قبَّةٌ مكتوب عليها نسبه إلى الحُسين رضى الله عنه كذا بالنسخة التي بيدي، وهو مخالفٌ لما مرَّ من أن نسبه ينتهي إلى الحسن، ومن حفظَ حجَّةٌ، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وفي «سلوة الأنفاس» في ترجمة الشيخ الإمام الفرد الهمام السيِّد الجليل الفاضل أبي حفص سيدنا ومولانا عمر ابن سيدنا ومولانا إدريس الأزهر ابن سيدنا ومولانا إدريس الأكبر رضى الله عنه ما نصُّه: وكفاه -يعني سيدنا ومولانا عمر رضى الله عنه- فضلًا وفخرًا وشرفًا وذكرًا، أنَّ من ذريته الشيخَ الإمام مفتي الإسلام القطبَ الشهير، والغوث الكبير، شيخَ الطريقة، ومعدن السلوك والحقيقة، تقي الدين أبا الحسن سيدي عليَّ بن عبد الله بن عبد الجبار الغماري المالكي الشاذلي العيذابي رضى الله عنه، على ما هو التحقيق في نسبه، حسبما حرَّره الأستاذ القصار، والإمام الأقصرائي في كتابه «نفحات الصفا»، وصاحب «النبذة المفيدة» قبلهما، وهو تقيُّ الدين أبو عبد الله محمد الإسكندري سبطُ الإمام الشاذلي المذكور.
وما عند ابن عطاء الله في «لطائف المنن» وتبعه البوصيري في «داليته» وغيره من رفع نسبه من طريق محمد بن الحسن السبط غلطٌ واضح، نبَّه عليه القصار، وغيره؛ لأنَّ محمدًا هذا لم يعقب كما نصَّ عليه ابن حزم في «فهرسته» وغيره، وكذا ما في شرح «المواهب» من أنه من ذرِّية محمد ابن الحنفية لا يصحُّ أيضًا، وفي «الروضة المقصودة» للشيخ أبي الربيع مولانا سليمان بن محمد الحَوّات رحمه الله ما نصُّه: والقطبُ الشاذلي رضى الله عنه ينتهي نسبه إلى مولانا إدريس بن إدريس رضى الله عنه من طريق ولده عمر دفين جامع الشرفاء من فاس مع أبيه، حسبما حرَّره الشيخ النَّظار أبو عبد الله محمد بن قاسم القصَّار القيسي الغرناطي ثم الفاسي، نقلًا عن «النبذة المختصرة المفيدة» لسبط القطب الشاذلي رضى الله عنه. اهـ.
ورفع نسبه رضى الله عنه على ما هو التحقيق هكذا: أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف -وقيل ثقيف موضع يوسف- ابن يوشع بن ورد بن علي المكنى بأبي طالب- وقيل بطال بدل علي- ابن أحمد بن محمد بن عيسى- المكنى بأبي العيش- ابن يحيى بن إدريس الثالث بن عمر المخاضي -نسبة لسكناه بالمخاض ظاهر طنجة- ابن إدريس المثنى ابن إدريس الأكبر ابن عبد الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7304
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى    أبو الحسن الشاذلى  Emptyالثلاثاء يناير 25, 2022 2:51 pm

منشؤه رضي الله عنه
منشؤه رضى الله عنه بالمغرب ببني زرويل من الأخماس قرب شفشاون، ومبدأ ظهوره بشاذلة قرية من قرى إفريقية قرب تونس، سكنها مدَّة وإليها نُسب، ونزل الإسكندرية، وحجَّ مرارًا، ومات بصحراء عيذاب قاصدًا الحج، فدفن هناك بحميثرا من الصحراء المذكورة. وذلك في ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مئة، وكانت ولادته على الصحيح ببلاد غمارة سنة إحدى وسبعين وخمس مئة على ما ذكره بعضهم، وقيل: بل إنَّما كانت بعد التسعين وخمس مئة.
وأشهر الطُّرق بالمشرق والمغرب طريقتُهُ، وله طريقتان: طريقةُ تبرُّكٍ أخذها عن الشيخ الولي سيدي محمد بن حرازم ابن الأستاذ أبي الحسن عليبن حرازم. وطريقةُ إرادة وهي التي أخذها عن الأستاذ القطب أبي محمد عبد السلام بن مشيش رضى الله عنه، واشتملت طريقتُه على السُّلوك، والجذب، والمُجاهدة، والعناية، والأدب، والقرب، والرعاية، وتشيدت بالعلمين الظاهر والباطن من سائر أطرافها، وقرنت بصفات الكمال شريعةً وحقيقةً من جميع أكنافها.
وقد نقل الأستاذ زرُّوق عن بعض المشايخ من أهل الورع أنَّه كان

يقول للحالف أن يحلف ولا يستثني على أنَّ طريق الشاذلية عليها كانت بواطنُ الصحابة رضى الله عنهم. 
وللبوصيري رحمه الله:
إنَّ الإمامَ الشَّاذليَّ طريقُهُ

*في الفضلِ واضحةٌ لعينِ المُقتدي

فانقلْ ولو قَدَمًا على آثاره

*فإذا فعلت فذاك أَخذٌ باليدِ

وأحواله ومناقبه أفردت بالتآليف. اهـ.
قلت: والتآليف في التعريف بالأستاذ سيدنا ومولانا أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه استقلالًا كثيرًا منها: «لطائف المنن» لابن عطاء الله رضى الله عنه و «المفاخر العلية» لابن عياد رضى الله عنه، و«الأذكار العلية والأسرار الشاذلية» له أيضًا، و«درة الأسرار وتحفة الأبرار فيما للأستاذ الولي العارف المحقق الصديق القطب الغوث أبي الحسن علي، من الأحوال والمقامات والخوارق والكرامات والدعوات والأذكار» للعالم الجليل أبي عبد الله سيدي محمد بن أبي القاسم الحُميدي المعروف بابن الصباغ  رضى الله عنه، وغير ذلك من التآليف فيه وفي أسرار طريقه ووجوه فضيلتها، جعلنا الله من أهلها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7304
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى    أبو الحسن الشاذلى  Emptyالثلاثاء يناير 25, 2022 2:52 pm

وقد وقفت على تأليف عجيب للأستاذ الإمام الجهْبذ الهُمام العارف الرباني والولي الصَّمداني القدوة الأمجد، المرّبي الأوحد، المرحوم بكرم الله أبي عبد الله سيدي محمد بن محمد بن مسعود بن عبد الرحمن بن عقبة المدغري الحاجي قبيلةً الفاسي الشاذلي طريقةً، المدني خرقةً وإرادةً، رضي الله عنه ونفعنا به، ذكر فيه خمسةً وعشرين وجهًا من الوجوه التي فضلت بها الطريق الشاذلية غيرَها من الطُّرق، ولنتمِّمَ الفائدة بذكرها هنا تقويةً وتنشيطًا لقلوب السالكين، وترقيةً لهمم الإخوان الصادقين.
غيرَ أنَّي أذكر مختصرَها برمَّته نصًّا، ومطوَّلَها مختصرًا أو بالمعنى تقريبًا وتسهيلًا وتبشيرًا، وأشير إلى ما اندمجَ فيه -أعني المطوَّلَ من المباحث الرفيعة- تنبيهًا لمن أرادَ مُراجعتها فيه، وعلى الله الكمال، وإليه المرجعُ في الحال والمآل.
فنقول مستعينًا بالله الكريم المفضال، وعطفة سيد الأرسال صلى الله عليه وسلم عددَ ما وسعه علمُ الله الكبير المُتعالَ:
الوجه الأول: أنهم مُختارون من اللَّوح المحفوظ.
الثاني: أنَّ مجذوبهم يرجع إلى الصحو.
الثالث: أنَّ القطب لا يكون إلاّ منهم.
الرابع: أنَّ مأمونون من السَّلب.
الخامس: أنَّ المُريد إذا أتاهم يلقِّنونه الاسمَ الأعظم؛ لأنه للتعلق، وهو اسمُ الذات، ولذلك يقال لهم الذاتيون، وهذا الاسمُ مخصوصٌ بهم، وإذا ما أطلق عند القوم فالمُرادُ بهم أهل الطريقة الشاذلية.
السادس: أنَّ شيخَ التربية لا ينقطع من طريقهم إلى يوم القيامة.
السابع: أنَّ الولي لا تكملُ ولايته إلا إذا ختمَ بالطريق الشاذلية.
الثامن: أنَّ بواطنهم منطويةٌ على ما كانت منطوية عليه بواطن الصحابة رضى الله عنهم من التوحيد الخالص الذي هو توحيدُ الأنبياء والرُّسل عليهم السلام.
التاسع: أنّ المبتدئ إذا دخلَ طريقهم بصدقِ طويةٍ، وحسنِ سريرةٍ، يجتمع من أول وهلة بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظةً، وتدوم معه إلى أن يحصل له الوصول، ويتمكّن فيه، فحينئذ لا يُفارقُه النبي صلى الله عليه وسلم أبدًا، ثم ساق مقالة الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه وهي: والله لو غابَ عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفةَ عين، ما عددتُ نفسي من المسلمين.
وذكر أنَّ سيدي أبا العباس المُرسي، وسيدي أحمد بن عطاء الله، وسيدي علي وفا، ووالده سيدي محمدًا بحر الصفا، وسيدي داود الباخلي، وسيدي أحمد زرّوق، وأستاذ شيوخنا سيدنا ومولانا العربي الدرقوي، وتلميذه الأستاذ سيدي محمد بن حمزة ظافرًا المدني قدّس الله أرواحهم الطاهرة، وأسرارَهم العزيزة، كلَّهم قالوا مثل مقالة الإمام الشاذلي رضي الله عنه وعنهم.
قال: وهذا خاصٌّ بأهل الطريقة الشاذلية، وإن كان غيرُهم من أهل الطُّرق لهم الاجتماع به صلى الله عليه وسلم، لكن لم ينخرقِ الحجاب بينهم وبينه مثلَ ما انخرقَ لأهل الطريقة الشاذلية رضى الله عنهم، وثبتنا على منهجهم القويم.
العاشر: شهادةُ من عاصر الإمام الشاذلي رضى الله عنه من سلاطين العلماء، وسادات العصر الأعيان الفضلاء، كالأستاذ عزِّ الدين بن عبد السلام، والإمام القسطلاني، وابن دقيق العيد، والمُنذري، وشمس الدين الأصفهاني، وتقيِّ الدين السُّبكي، وابن سراقة، وابن عُصفور بولايته وخصوصيته وظهوره بالحقِّ المُبين، وكلُّهم أخذوا عنه العهودَ والأوراد، وكانوا يحضرون معه في مجالسه الذِّكر والسماع، ويتبرَّكون بدروسه التفسيرية والحديثية في المدرسة الكاملية بمحروسة مصر.
وذَكرَ أنَّ جماعةً من أولياء وقته، وعلماء زمانه أيضًا، وكذا من أتى بعدهم من أهلِ المشرق والمغرب مدحوا طريقَه المباركة نظمًا ونثرًا، وسردَ جملةً منهم، وذكر بعض ما لهم في ذلك .
الحادي عشر: أنَّ أهل الديوان رضى الله عنهم وجعلنا منهم كلُّهم شاذلية، ولا يدخل أحدٌ من أهل الدائرة والعدد للديوان إلا إذا تشذَّلَ، وإن بلغَ الولاية في طريق غيرها. فإذا دخل الدِّيوان أخذَ الطريقة الشاذلية عن الغوث؛ لأنَّها أمانٌ للولي من السلب وسوءِ الخاتمة، والعياذ بالله.
الثاني عشر: أنَّ المريد إذا دخلَ الطريقة الشاذلية صادقًا مخلصًا قاطعًا للعوائق والعلائق، حصل له الفتحُ في أقربِ وقتٍ وأسرعِ مدة؛ لأنها طريقة الاجتباء. قال الله تعالى: ﴿يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13]. وإن كانت بدايتها إنابة، ونهايتها اجتباء.
الثالث عشر: أنَّ الطريق الشاذلية طريقةُ التربية بالهمَّة والحال والمقال، ثم ساقَ ما يشهدُ لهذا الموضوع من كلام الله تعالى، وكلامِ أهل التواضع والفتحِ والخشوع.
الرابع عشر: أنَّهم جامعون بين الشريعة والحقيقة، ظواهرهم معمورةٌ بالمتابعة في الماضي والآت، وبواطنُهم مستنيرةٌ بمشاهدة أنوار الذات، وأنَّهم لا يحجبون بجمعٍ ولا فرقٍ، يعطون كل ذي حقٍ حقَّه، ويوفون كلَّ ذي قسطٍ قسطه، وهذه حالة كُمَّلِ العارفين رضي الله عنهم وجعلنا منهم آمين.
الخامس عشر: أنَّ علومهم مؤيَّدة بالكتاب والسنة.
السادس عشر: أنَّ إمامها الأكبر سيدي أبا الحسن الشاذلي رضى الله عنه كان هيكلًا ذاتيًّا، ولطيفة ربانية، وأنه وكذا جميع من اتَّصل بسند طريقه إلى قيام الساعة، كلُّهم ذاتيون، وأنه لا تطلق هذه النسبة على غيرهم من أرباب الأحوال المجاذيب وأهل الشطحات، ولو ظهرتْ منهم الخوارقُ بكثرةٍ، فإنهم من عامَّة الأولياء الصفاتيين، لا من خواصِّهم الذاتيين، وبين معنى الذاتيين والصفاتيين بما يسرُّ البال، فراجعه تحظَ بكلِّ نوال، وتَطربْ في الحال والمآل.
السابع عشر: أنَّ الإمام المهدي الذي يكون آخرَ الزمان رتبتُه في الولاية كرتبةِ سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهما؛ لأنه خليفةُ الله، وهيكلُ ذاته لطيفةٌ إلهيةَ، وذاتٌ صمدية. ثم علل ذلك رضى الله عنه بما يُثلج([75]) الصدر.
الثامن عشر: أنه لم يثبت عن أحدٍ من مشايخ الشاذلية انجذابُ أَحد من مريديهم حتى غاب عن إحساسه، وفني عن عالم جنسه، حتى هتكَ أسرار الحقيقة، وتفوَّهَ بما نهت عن إظهاره الشريعة؛ إذ لا يصدرُ هذا إلا من ضعفِ المُشاهدة، إمَّا من الأستاذِ حيث زقَّهُ بما لا يطيقه، لعدم تمكنه، وإمَّا لضعفَ استعداد التلميذ، وفتورِ مجاهدته، أو وقوفه مع شهوته، وبسط الكلام في هذا الموضوع بما يُسرُّ أهلَ الخشوع.
التاسع عشر: أنه لا تُطلق سلسلة الذهب عند أهل الله إلا على أهل الطريقة الشاذلية؛ لأنها مسلسلةٌ بالأقطاب، ومُعنعنةٌ بهم.
العشرون: أنهم لا يخفون أنفسَهم ولا ولايتهم، ثم علَّل ذلك رضى الله عنه بما يسرُّ البالَ بحول الله الكبير المتعال.
الحادي والعشرون: أن الطريقة الشاذلية طريقةُ الغنى بالله والفقر إلى الله ورفض ما سواه، ثم بسط الكلامَ على هذا الموضوع وبين أسرارَ تخلّيهم رضى الله عنه عن الدنيا القاطعة عن الله، وذكر سندَهم في لبس الخرقة والمرقعة([76])، وبعضَ الأكابر من السلف والخلف الذين لبسوها، وسرد جماعةً من تلاميذ الشيخ الأكبر مولانا العربي الدرقوي الذين كانوا يُلبسونها ويَلبسونها رضي الله عنهم وأكرمنا بما به أكرمهم بمنَّه آمين.
وذكر أن كثرتهم -نفعنا الله بهم- بلغت حدًّا لا يدخلُ تحت حصر، وجلُّهم علماءُ فضلاء. ثم ذكر سببَ كثرتهم وانتشارهم في الوجود شرقًا وغربًا، بدوًّا وحضرًا، وبيَّنَ بعضَ أحوالهم في التوكُّل على الله، وما أنتجه لهم من كمال الراحة الحسِّية والمعنوية، ومقصود الأكابر المشايخ باجتماع المريدين عليهم بيانًا يقضي بكمال الفتح، والتيسير في الحس والمعنى، في المقام والمسير.
الثاني والعشرون: أنّ القطب الكامل مولانا عبد السلام بن مَشيش رضى الله عنه ضمنَ له النبي صلى الله عليه وسلم أنّ طريقَه لا ينقطع منها شيخُ التربية إلى يوم القيامة، ثم استدل على ذلك بدلائلَ قطعية، لا مُتكلّمَ فيها عند أهل النهى.
وبيَّن بعضَ أحوال أهل هذه الطريقة المباركة في كمالِ التراحم والتناصح في الله، وما هم عليه من كمالِ الغضِّ والصفح، والاعتناء بإصلاح بواطنهم التي هي بيتُ القصيد بإجماع أهل الرأي السديد.
الثالث والعشرون: أنّهم يعاملون أعداءهم بما يعاملون به أحبابهم من مكارم الأخلاق، والسرُّ في ذلك.
الرابع والعشرون: انتشارُ رجالِ هذه الطريقة في الأرض انتشارَ الشمس في الطول والعرض، وانتفاعُ الوجودِ بأذكارهم ومذاكراتهم، والتوسُّل بإمامها إلى الله تعالى في قضاء الحوائج والمُهمات في الماضي والآت، وأنَّ أهل المحشر يزدحمون يومَ القيامة على الطريقة الشاذلية، جعلنا الله منهم.
الخامس والعشرون: الجوابُ عن كون أهل هذه الطريقة المباركة المحمدية مختارين من اللوح المحفوظ، وهل ذلك كان في عالم الأشباحِ أو في عالم الأرواح؟ ولماذا لا يكون القطب إلا منهم دائمًا؟ وبسط الكلام رضى الله عنه في أسرارِ هذا الموضوع، وبيَّن أنّ الأستاذ الحيَّ لا بدَّ لكلِّ أحدٍ منه، وإن بلغ ما بلغ، وأنه لا يصحُّ الاكتفاء بالأموات في طلب الوصول؛ لأن الولادة المعنوية كالولادة الحسية. وذكر ما يؤيِّدهُ ذلك نقلًا وعقلًا، وسنده في الطريق، ووفاة أستاذ شيوخنا مولانا العربي الدرقوي رضي الله عنه ورحمه، وسنده في الطريق، وذكر أيضًا أنَّ الأستاذ الأكبر مولانا عبد القادر الجيلاني رضى الله عنه سمع هاتفًا يُنوّه بالأستاذ مولانا عبد السلام بن مَشيش يومَ ولادته، وأنه مشى إليه من طريق الطي يومها ومسح عليه ودعا له رضى الله عنه، وأن سيدنَا ومولانا عبد السلام ابن مَشيش أستاذُ الأقطاب الثلاثة: سيدي أبي الحسن الشاذلي، وسيدي إبراهيم الدسوقي، وسيدي أحمد البدوي رضى الله عنه، وذكر أيضًا السرَّ في اختصاص هذه الطائفة بالقطبانية الكبرى دون غيرها من الطرق.
ثم ختم رضى الله عنه بأسرارٍ عجيبة، وفوائدَ غريبةٍ، فعليكم بما بسطه فيها يا أهل الفتح تظفروا بكل خيرٍ وربح، جزاه الله خيرًا، وكافاه بما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشرٍ بمنِّه وكرمه آمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
 
أبو الحسن الشاذلى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من حزب اللطف الشاذلى
» أبو الحسن الشاذلى
» الشاذلى المغربى
» أبو الحسن الشاذلى حزب الشكوى
» سيدى أبو الحسن الشاذلى قال

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة السادة و الأحباب ::  ســـــــاحة الإســــــــــكندرية-
انتقل الى: