منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:09 pm

مقدمة كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

الإهداء 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 
إلى المشتاقين لربّهم ، والمحلّقين في حلق الذّكر والتّذكير والمذاكرة ، إلى من قطعوا العلائق ، واطّرحوا العوائق ، ففازوا بالمطلوب ، واتّصلوا بالمحبوب ، إلى الثّلاثة المنتسبين إلى هذا الرّهط من الكرام البررة : الشّيخ “ حازم أبو غزالة “ الصّوّام القوّام ، ظاهر الإنابة ، وافر المهابة الذي أشرقت شمس جماله ، فأطرقت أعين السّالكين هيبة لجلاله ، وإلى أوسطهم أبي الشّيخ “ أسعد عرار “ كريم الشّأن والعناية ، جميل التّربية والرّعاية ، الذي صدره للسّالكين مشروح ، وبابه للسّائلين مفتوح ،
وإلى ثالث الثّلاثة إمام الدّعاة الذي تقتبس الفوائد والفرائد من بحر علمه ، الحبيب عليّ زين العابدين الجفريّ الذي أحيا القلوب وعظه ، وشرح الصّدور لفظه . . .

“ ظهر في الإنسان الضّدّان ، ففيه الأولياء كما فيه الأعداء ، فلا تزال السّياسات تسنّ ، والغارات تشنّ ، فهم بين قتيل وأسير ، وحسن مآب ، وبئس مصير ، كشفت الحرب عن ساقها ، وظهرت الفتن في جميع آفاقها ، فآفات تردّ ، ورزايا تعدّ ، تصرّفاته محدودة ، وأنفاسه عليه معدودة ، عليه رقيب عتيد ، وسائق وشهيد ، لم يزل مذ خلقه اللّه في التّوكيل ، وشرع له أن يقول حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، لينقلب بنعمة من اللّه ورضوان إلى دار الحيوان ، لم يمسسه سوء ولا بؤس ، ويلقاه عند وروده عليه السّبّوح القدّوس ، ويتلقّاه عمله بوجه طلق غير عبوس ، فأتمّ تنزيهه وتطهيره، وأعاد عليه تعزيزه وتوقيره، فهو يجني ثمرة عمله في رياض أهله “.
الفتوحات المكية ، 8 / 151

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 
ربّ يسّر وأعن 
مهاد وتأسيس 
ابتدائي بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، وتثنيتي بالصّلاة على رسوله الكريم ، وبعد : 
فقد شاء اللّه - تقدّس اسمه الأعلى - أن تقع يدي على فهرس مخطوطات المكتبة البديريّة في القدس الشّريف ، فاسترعى نظري عنوان هذا المخطوط المنويّ تحقيقه ، والموسوم ب “ القواعد الكشفيّة الموضحة لمعاني الصّفات الإلهيّة “ ، فعهدت إلى أحد طلبة العلم باستنساخه من تلكم المكتبة ، فكان ذلك كذلك ، فقلّبته ظهرا لبطن متأمّلا ومستشرفا ما فيه ، فقام في نفسي وقتها خاطر يلحّ عليّ أن أخرج هذا العلم الجامع بين الأنظار النّقليّة والعقليّة ، والذّوقيّة والكشفيّة ليرى النّور ، ولتصل إليه يد القرّاء والدّارسين وأرباب السّلوك بعدا ، ثمّ غبرت برهة وأنا أنظر فيه نظر الرّويّة والتّبصّر ، فألفيته ينتسب إلى باب القول على آيات الصّفات في حقّ الذّات العليّة عامّة ، ورفع شبه التّشبيه بأكفّ التّنزيه خاصّة ، وهو ، من وجهة أخرى ، يكاد يكون معينا من الإجابات على السّؤالات ؛ سؤالات المتوهّمين ، أو المرجفين ، أو المشكّكين ، أو الملاحدة الظّانين باللّه ظنّ السّوء في هذا المبحث على وجه الإحكام دون الإبهام ، فكان هذا التّحقيق استجابة للدّواعي القائمة في النّفس ، القائلة بوقوع التّبرّي ، وحصول التّعرّي ، والجانحة إلى تنزيه اللّه عن التّشبيه ، والمصرّحة بنفي التّشبيه بالشبيه ، إذ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فيكون الحال كما قال أرباب الأحوال :
قل لمن يفهم عنّي ما أقول * فصّل القول فذا شرح يطول 

أنت لا تعرف إيّاك ولا * تدري من أنت ولا كيف الوصول
كيف تدري من على العرش استوى * لا تقل كيف استوى كيف النّزول
هو لا أين ولا كيف له * وهو في كلّ النّواحي لا يزول 
جلّ ذاتا وصفات وسما * وتعالى قدره عمّا نقول
أمّا موضوع هذا المخطوط - كما هو باد من عنوانه العريض - فقد تقدّم أنّ مضماره ما ورد من آيات كريمات ، أو أحاديث نبويّة يظهر من ألفاظها التّشبيه ، أو ما لا يليق بجناب الحقّ تقدّست أسماؤه وصفاته ؛ وذلك نحو “ توهّم الخلق صورة معقولة للحقّ “ ، أو “ توهّم استفادة الحقّ من الخلق “ ، أو “ التّوهّم بأنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق “ ، أو “ توهّم إحاطة الخلق بالحقّ ، أو “ توهّم جهة الفوق دون التّحت “ ، أو “ توهّم أنّ كتابة الحقّ ككتابة الخلق “ ، أو توهّم إضافة النّسيان وغيره ممّا لا يجوز في جناب الحقّ ولا يرتضى ، كتنزيه الذّات عن الجهات ، وما تقضي به هذه الشّبهات ، ولعلّ الاعتقاد بالضّدّ يحرّك خطبا عظيما ينتسب إلى أغاليط النّفوس والحجاب المحسوس . 

وقد أخذت هذا التّحقيق بقوابله ، فمهّدت بمقدّمة أخذت في شعاب متباينة ، كالتّرجمة للمؤلّف ، وإيراد نبذة ممّا قاله المستشرقون عنه ، وشكل الكتاب ومضمونه ، ووصف النّسخ ، وزمن تصنيف المخطوط ، وسير التّحقيق وغير ذلك ممّا يمكن أن يسبغ عليه بأنّه “ مقدّمة التّحقيق “ .
أمّا الشّقّ الثّاني ممّا ائتلف منه هذا الكتاب فكان النّصّ المحقّق ، وبذا تكتمل الحلقة ، وتدور دورة هذا التّحقيق المتّصلة بنسب حميم إلى مبحث العقيدة عامّة ، والضّاربة في جذور التّصوّف الإسلاميّ بسهم خاصّة . 

ولعلّ أجلى ما يؤذن بالقول إنّ لهذا المخطوط صبغة فارقة تميّزه أنّه : 
- قام على هيئة السّؤال والجواب أوّلا . 
- وأنّه من المظانّ الرّئيسة لدراسة المصطلح الصّوفيّ في سياقه النّصّيّ ثانيا . 
- وأنّ مصنّفه ورد على مسائله واحدة تلو الأخرى ثالثا . 
- وأنّه مشتمل على آراء كثيرين في المسألة الواحدة رابعا ، فقد كان الشعرانيّ يرد على المسألة الواحدة وقد أخذ لها العدّة والزّاد ، فيورد طرفا من آراء الأصوليّين ، وأطرافا أخر من آراء أعيان المتصوّفة كابن العربيّ والخوّاص
والمرصفيّ في المسألة نفسها ، وطرفا ثالثا من أرباب الأحوال ، ثمّ يكون له دلو به يدلي في المسألة ، ليكون له لمحة مضافة ، وجدّة حادثة تفضي بنا إلى رجيع من قول بيانه أنّه لم يكن محض ناقل ، ومثال ما تقدّم حديثه عن كيفيّة كلام اللّه وقدمه ، فقد أتى في هذه المسألة على طرف من آراء المتكلّمين والأصوليّين والمحدّثين والمتصوّفة ، وكذلك الحال في مسألة “ توهّم جهة الفوق دون التّحت “ ، فقد ساق فيها آراء ثلّة من المتصوّفة ، كالحكيم التّرمذيّ ، وأحمد بن الرّفاعيّ ، وابن العربيّ ، وعليّ بن وفا ، وعبد القادر الدّشطوطيّ ، وعليّ المرصفيّ ، وعليّ الخوّاص ، ثمّ أثبت له رأيا في هذه المسألة .
ويبقى حقّا عليّ أن أزجي من الشّكر أطيبه وأعطره إلى أخي الفاضل الدّكتور “ سهيل الأحمد “ الذي أعانني على استنساخ المخطوطات المحفوظة في دار الكتب المصريّة ، 
وكذلك إلى الأخت الفاضلة “ أمينة مراغة “ إحدى طالباتي النّجيبات في الدّراسات العليا ، فقد عهدت إليها أن تستنسخ مخطوطة المكتبة البديريّة في القدس الشريف ففعلت ووفت وأوفت ، وليس يفوتني شكر آخر موصول بأسباب المحبّة الدائمة إلى أخي “ صفر حاجي صفر “ أحد طلبة جامعة “ ليون الثّانية “ في فرنسا الذي تولّى استنساخ المخطوطة المحفوظة في دار الكتب الوطنيّة بباريس ، فإلى هؤلاء الكرام البررة أهدي محبّتي وعظيم شكري . 
وبعد ، فماذا عسى أن أقول ؟ 
أقول : اللهم إنّي أبرأ إليك في معتقدي من أن أكون مشبّها أو معطّلا أو مرجئا أو قدريّا أو جبريّا ، أو أن أشرك بك شيئا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلمه ، ولا أقول إلّا ما يرضيك وما قلته أنت في جناب ذاتك العليّة :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وما قاله حبيبك البشير النّذير - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك “ ، 
وما قاله سلفنا الصّالح - رضي اللّه عنهم ورضوا عنه - :
“ أمرّوه بلا كيف “ ، فهذا ما لديّ عتيد ، وأنا أسترشد الحقّ تقدّست أسماؤه وأستهديه ، وأسأله العون على ما أحاوله وأنويه ، إنّه وليّ الطّول ومسديه ، اللّهمّ اجعله حجّة لي يوم العرض على وجهك الكريم ، واغفر لي ما فيه من زلل في القول والعمل ، وتولّني بعين عنايتك القدّوسيّة ، وحسبي قولهم :
أستغفر اللّه من ظلمي ومن زللي * فإنّني منهما واللّه في وجل
إنّي عجلت إلى ربّي لأرضيه * من قوله خلق الإنسان من عجل 
د . مهدي عرار - فلسطين القدس الشريف 
ضحى الاثنين 12 / ربيع الأول / 1426 11 / نيسان / 2006 م .

 * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة ديسمبر 29, 2023 12:23 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: مقدّمة التّحقيق وترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:10 pm

مقدّمة التّحقيق وترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني  898 ه‍ - 973 ه‍ 

مقدّمة التّحقيق 

أولا : ترجمة المؤلّف : 

لست إخال أنّ الشّعرانيّ محتاج إلى ترجمة أو فضل بيان ؛ إذ إنّه من أعرف المعارف الذين ملاؤا الدّنيا وشغلوا النّاس ، فضلا عن أنّه صنّف لنفسه عن نفسه ترجمة وافية يستشرف فيها حياته وفكره عاقدا لها عنوانا موسوما بلطائف المنن والأخلاق في وجوب التّحدّث بنعمة اللّه على الإطلاق “ ، وإذا ما استرفد المرء هذا المتقدّم ، وجعله قارّا في بؤرة وعيه ، وإذا ما أضاف إليه أنّ كتبا قائمة برأسها قد صنّفت في مضمار حياته وفكره ، إذا ما كان ذلك كذلك ، فإنّ الخاطر الأوّل الذي سيقوم في النّفس أنّ التّرجمة له في مثل هذا المقام ما هي إلّا من مستلزمات المهاد والتّأسيس التي يفرضها علينا البحث والتّحقيق العلميّان ، وأنّها ، من وجهة أخرى ، مقتضبة دالّة ذات نسب حميم بما يتّصل بكتاب “ القواعد الكشفيّة “ مضمار التّحقيق “ 1“ .

 اسمه وكنيته ونسبه : 

أمّا الاسم فهو عبد الوهّاب ، وأمّا الكنية فهي أبو المواهب ، وأمّا النّسب فشريف متّصل بالدّوحة الهاشميّة من جهة محمّد ابن الحنفيّة رضي اللّه عنه ، وبذا تكتمل الحلقة ، فيكون المترجم له هو عبد الوهّاب بن أحمد بن عليّ بن أحمد بن عليّ بن محمّد بن زوفا ، ابن الشّيخ موسى ، ابن السّلطان أحمد ، ابن السّلطان سعيد ، ابن السّلطان قاشين ، ابن السّلطان محيا ، ابن السّلطان زوفا بن ريّان ، ابن السّلطان محمّد بن موسى ، ابن السّيّد محمّد ابن الحنفية ابن الإمام عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنهما ، وقد عرّج الشّعراني على
..................................................................
( 1 ) انظر ترجمته : الغزي ، الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة ، 3 / 157 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 392 وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 372 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، والزّبيدي ، تاج العروس ، مادة “ شعر “ ، والفاسي المغربي ، طبقات الشاذلية الكبرى ، 130 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 252 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 - 13 / 255 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 339 ، وقد أفرد مصنفا قائما برأسه يترجم فيه لنفسه ، وهو “ لطائف المنن “ ، وقد أفرد له مؤلف مجهول ترجمة خاصة سماها “ نسب  “ ، وهي مخطوطة تحمل الرقم 494 / 184 م - ث في مكتبة دار إسعاف النشاشيبي ، القدس ، وقد ترجم له توفيق الطويل في كتابه “ الشعراني إمام التصوف “ ، وكذلك عبد الباقي سرور في كتابه “ الشعراني والتصوف “ .

“ 10 “

شرف هذا النّسب ملتفتا إلى أنّ الرّتبة للتّقوى ، فقد يقع غيره تفضّلا من اللّه كما كان في قصّة الغلامين اليتيمين اللّذين كان أبوهما صالحا، فلولا أن يكون والدهما صالحا ما دخلا في هذه النّعمة، وما كان للتّصريح بصفة الصّلاح كبير فائدة، أو مزيّة تتعيّن “1“.

مولده وطلبه للعلم :
المرحلة الأولى : النّاشئ في القرية : 
ينتسب الشّعرانيّ إلى قبيلة “ زغلة “ في المغرب العربيّ ، وكان جدّه السّابع - كما ورد في “ لطائف المنن “ - السّلطان أحمد سلطانا بمدينة تلمسان ، وقد حصل أن اجتمع جدّ الشّعرانيّ موسى بالشّيخ أبي مدين ، فقال له : لمن تنتسب ؟ فقال : للسّلطان أحمد ، فقال له : إنّما عنيت نسبك من جهة الشّرف ، فقال : أنتسب إلى السّيّد محمّد ابن الحنفيّة ، فقال : ملك وشرف وفقر لا تجتمع ، فقال له : يا سيّدي ، قد خلعت ما عدا الفقر ، فربّاه ، فلمّا سلك وكمل في الطّريق ، أمره الشّيخ أبو مدين بالسّفر إلى صعيد مصر لتربية المريدين ، فكان الأمر كما قال رضي اللّه عنه “ 2 “ ، ثمّ هاجر حفيده أحمد إلى ساقية أبي شعرة ، وهي قرية بالمنوفيّة تجاه النّيل ، فشاعت عنه الولاية ، وتوفّي عام ( 828 هـ ) ، فدفن في مهجره ذاك ، وكان حفيده أحمد الذي هو والد عبد الوهّاب الشّعرانيّ على حظّ من العلم “ 3 “ . 
وتقول الرّوايات : إنّ الشّعرانيّ ولد في السّابع والعشرين من رمضان سنة ( 898 هـ‘ ) في قلقشندة قرية جدّه لأمّه ، ثمّ انتقل بعد أربعين يوما إلى قرية أبيه ، وإليها انتسب ، فسمّي الشّعرانيّ أو الشّعراويّ ، وفي نشأته تلك حفظ القرآن الكريم وهو ابن ثمان ، وحفظ أبا شجاع ، والآجرّوميّة “ 4 “ ، توفّي والده سنة ( 907 هـ‘ ) ، فدفن مع والده بساقية أبي شعرة “ 5 “ ، فكفله أخوه عبد القادر المتصوّف المنقطع عن دنياه ، المنصرف إلى
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 55 . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 55 . 
( 3 ) لمزيد بسط القول في حياته انظر : توفيق الطويل ، الشعراني ، إمام التصوف ، 16 . 
( 4 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 56 . 
( 5 ) ذكرها الزّبيدي في تاج العروس لما ترجم للشعراني ، وهي قرية من ضواحي مصر ، وقال إنه يقال له أيضا “ الشعراوي “ . انظر : تاج العروس ، مادة “ شعر “ .

“ 11 “

العبادة والرّفادة ، فحلّ عليه أبا شجاع والآجرّوميّة ، ولعلّ هذه المرحلة كانت من القوابل الممهّدة للمرحلة الثّانية فالثّالثة ؛ ذلك أنّه نشأ في بيت متصوّف ، وأنّ الذي كفله بعد وفاة أبيه ، وقرأ عليه في بداية نشأته في الرّيف ، هو أخوه عبد القادر المتصوّف العابد ، وصفوة المستخلص في هذه المرحلة أنّها كانت مهادا يؤسّس لما يتلوه ، وقد أورد الشّعراني جملة من نعم كثيرة تنتسب إلى هذه المرحلة في مصنّفه “ لطائف المنن “ ، ومن ذلك شرف النّسب ، وحفظ القرآن ، والمواظبة على الصّلوات الخمس في أوقاتها ، والحفظ من الآفات وهو يتيم من الأبوين “ 1 “ ، ثمّ المهاجرة من الرّيف إلى مصر ، ولعلّ هذه الأخيرة ممّا يتّصل بالمرحلة الثّانية بنسب حميم .

المرحلة الثّانية : المتعلّم في مصر : 

وشاء اللّه أن يرتحل الشّعرانيّ من الرّيف إلى مصر مع أبيه ، وعن هذه المرحلة قال : “ وممّا أنعم اللّه - تبارك وتعالى - به عليّ ببركة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - مهاجرتي من بلاد الرّيف إلى مصر ، ونقله - تعالى - لي من أرض الجفاء والجهل إلى بلد اللّطف والعلم ، وقد أشار إلى نحو ذلك السّيّد يوسف - عليه الصّلاة والسّلام - بقوله :وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ” 2 “ ، وكان مجيئه إلى مصر افتتاح سنة إحدى عشرة وتسعمائة ، وعمري إذّاك اثنتا عشرة سنة “ “ 3 “ ، فأقام في جامع أبي العبّاس الغمري ، وحنّن اللّه - تعالى - عليه شيخ الجامع وأولاده في بداية الأمر ، فكان بينهم كأنّه واحد منهم ، يأكل ممّا يأكلون ، ويلبس ممّا يلبسون ، فأقام عندهم حتّى حفظ متون الكتب الشّرعيّة ، ومنها “ المنهاج “ للنّوويّ ، و “ ألفيّة ابن مالك “ ، و “ التّوضيح “ لابن هشام ، و “ جمع الجوامع “ ، و “ ألفيّة العراقيّ “ ، و “ تلخيص المفتاح “ ، و “ الشّاطبيّة “ ، و “ قواعد ابن هشام “ ، وغير ذلك من المختصرات ، ثمّ ارتفعت الهمّة ، فحفظ كتاب “ الرّوض “ مختصر كتاب “ الرّوضة “ لكونه من الكتب الجامعة في مذهب الإمام الشّافعيّ “ 4 “ .
..................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 10 . 
( 2 ) ( يوسف ، الآية 100 ) . 
( 3 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 56 ، ونسب الشعراني ، 1 / أ . 
( 4 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 56 - 57 ، ونسب الشعراني ، 1 / أ .

“ 12 “

المرحلة الثّالثة : الدّاخل في طريق القوم : 

ولمّا درج على حفظ المتون ، ولمّا استغرقها حفظا وفهما ورواية ، تجلّت مرحلة جديدة في حياته ، وليس المقصد من هذا المتقدّم أنّ هذه المراحل متفاصلة ، بل هي مسيرة حياة متواصلة ، تؤسّس كلّ مرحلة لما سيعقبها ، بل قد تتداخل واحدة بأخرى ، ولعلّ لهذه المرحلة إرهاصات وعلائم كانت قد ظهرت ، بل مهّدت لها في المرحلة الثّانية والأولى ، فقد حفظ كتاب “ الرّوض “ كما تقدّم ، ولكنّ المفصل الرّئيس أنّه حفظ باب “ القضاء على الغائب “ في الفقه في المرحلة الثّانية ، فلقيه مرّة بعض أرباب الأحوال ، فقال له مكاشفا : قف على باب “ القضاء على الغائب “ ، ولا تقض على غائب بشيء “ ، 
ثمّ لقيه شيخ آخر ، وهو أحمد البهلول “ 1 “ ، فقال له مكاشفا : أقبل على الاشتغال باللّه ، ويكفيك من العلم ما قد علمته ، فشاور في ذلك مشايخه فقالوا له : لا تدخل طريق القوم إلّا بعد شرح محفوظاتك على الأشياخ ، ففعل ، فشرحها على نحو خمسين شيخا أتى على ذكر مناقبهم في مصنّفه “ لواقح الأنوار في طبقات الأخيار “ ، فقرأ “ شرح المنهاج “ للجلال المحلّي ، و “ شرح الرّوض “ للشّيخ زكريّا ، وكذلك “ شرح جمع الجوامع “ ، و “ حاشية الشّيخ كمال الدّين بن أبي شريف “ ، وقرأ عليه “ ألفيّة ابن مالك “ ، و “ ألفيّة العراقيّ “ ، و “ شرح التّوضيح “ للعيني ، و “ شرح الشّواهد “ للعيني ، وقرأ عليه الكتب السّتّة في الحديث “ 2 “ ، وقرأ وقرأ من معين لا ينضب ، ولعلّ هذا يكثر إن تتبّعته ، وقد أوردت أمثلة تنبّه على الغرض الذي قصدته، وهو أنّ حفظه المتون وقراءتها على الأشياخ كان قبل الدّخول الحقيقيّ في طريق القوم، والتّفرّغ التامّ له. 
ولمّا كان له ذلك ، جاهد نفسه مدّة ، وقطع العلائق الدّنيويّة ، ومكث مدّة لا يضطجع على الأرض ليلا ولا نهارا ، بل اتّخذ له في سقف خلوته حبلا ، فجعله - كما يقول المناويّ - في عنقه ليلا حتّى لا يسقط ، وكان يطوي الأيّام المتوالية ، ويديم الصوم ، ويقتصر على الفطر بأوقيّة من الخبز ، واستمرّ على تلكم المجاهدة حتّى قويت روحانيّته “ 3 “ ، وكان من ثمار هذه المرحلة أنّه تصدّى للتّصنيف ، فكان مكثرا ، فتردّدت
.................................................................................
( 1 ) انظر ترجمته : الشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 745 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 326 . 
( 2 ) انظر ما قرأه على الشيوخ فيما رواه عن نفسه في المنن الكبرى ، 57 - 60 . 
( 3 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 .

“ 13 “

مصنّفاته بين الاختصار والشرح والاستدراك والتّجديد “ 1 “ . 
وفي هذه المرحلة صار له زاوية خاصّة يذكر فيها اللّه تقدّست أسماؤه ، ومن النّعم التي أتى عليها في مصنّفه “ لطائف المنن “ كون تلكم الزّاوية مركزا للذّكر والمذاكرة في اللّيل والنّهار ، فكان القرآن الكريم يتلى فيها آناء اللّيل وأطراف النّهار على التّواصل ، فلا يكاد ينتهي قارئ إلّا ويبتدئ آخر ، وكذلك لا يفرغ قارئ الحديث ، أو الفقه ، أو التصوّف من كتاب إلّا ويبتدئ قارئ في كتاب آخر “ 2 “ . 
ولعلّ أجلى ما يميّز هذه المرحلة وقفته في وجه أدعياء التّصوّف والسّلوك ، وقد بدا هذا جليّا في مظهرين : أوّلهما تأليفه مصنّفا خاصّا بهذا الملحظ ، وقد عقد له عنوانا دالّا على ما اشتمل عليه من مضمونات ، فسمّاه “ موازين القاصرين من الرّجال “ ، وقد أتى على جملة منهم ثمّ . وثاني ذينك المظهرين إلماحاته المتفرّقة في ثنايا مصنّفاته إلى هذه الظّاهرة التي هي من الشّيطان ووساوسه ، فقد صار أهل هذا النّهج السّقيم ، والبصر الكليل ، عيالا على غيرهم ، أدعياء متطفّلين على هذه المائدة ، ومن ذلك حديثه عن لعب الشّيطان بجماعة كثيرة “ يدّعون التّصوّف والسّلوك ، فأتلفوا ما بأيديهم وأيدي أصحابهم من الأموال ، وصاروا كلّهم فقراء من الدّنيا يأكلون بدينهم وصلاحهم ومجالسهم في الذّكر خبزا وطعاما وثيابا ، فكان الذي يأكل بالطّبل والمزمار أحسن حالا منهم “ “ 3 “ . 
وقد شخّص الشّعرانيّ هذه الظّاهرة تشخيص العارف بنفوسهم وبما يعتمل فيها ، ولعلّ الباب الذي دخل عليهم إبليس منه إنّما هو الغرور والظّنّ بأنّهم ممّن يحسنون صنعا ، وكأنّه قد وسوس لهم فقال : “ إنّكم اشتهرتم بالصّلاح والزّهد في الدّنيا ، وما بقي أحد يظنّ فيكم إلّا الصّلاح ، . . . “ ، ثمّ وسوس للنّصّابين ، وقال : قولوا لهم : نحن نعلّمكم صنعة تنفقون وتوسعون منها على أنفسكم وجماعتكم ، فلمّا خدعهم بذلك أطاعوه ، . . . ، وأين دعوى هؤلاء الصّلاح وهم يخافون من الخلق أكثر ممّا يخافون من اللّه عزّ وجلّ ،
.................................................................................
( 1 ) للوقوف على بعض مصنفاته انظر كتابه : لطائف المنن ، 72 - 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 - 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 372 - 373 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 - 13 / 255 ، وقد ورد لكثير منها ذكر في مخطوط “ نسب الشعراني “ . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 30 . 
( 3 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 94 .

“ 14 “

ويجعلونه كأنّه أهون عندهم من عبيده “ “ 1 “ . 
وصفوة القول في هذا المبحث أنّه حمل على علماء السّلاطين الذين يدخلون على الأمراء ولا ينصحون لهم ، ولا يأمرونهم بمعروف ؛ ذلك أنّهم ما تركوا ذلك إلّا عجزا ، أو لأنّهم لم يروا المنكر منكرا “ 2 “ ، وحمل كذلك على المقرئين على الفلوس ، والمتهافتين على الولائم وانتهاب الطّعام “ 3 “ ، وحمل على متعلّمي علم الحرف والرّمل والسيمياء ، بل كان يزجر أصحابه عن تعلّم ذلك جانحا إلى أنّها أمور يفعلها المفلسون من صفات الصّالحين ، يريدون أن يكون لهم تأثير في الوجود تشبّها بالصّالحين الذين يقع منهم تأثير بتوجّههم إلى اللّه - تعالى - في ظالم أو فاجر “ 4 “ ، وعرّض بمن يغترّون ببعض من يدّعون المشيخة بعد أن أقرّوا أنفسهم خلفاء لأشياخهم ، وهم ليسوا أهلا لذلك “ 5 “ .

شيوخه : 

أمّا شيوخه فهم كثر ، ولعلّ أشهر من صحبهم الخوّاص ، والمرصفيّ ، والشّنّاويّ “ 6 “ ، فتسلّك بهم ، وكان على الخوّاص - كما يقول المناويّ - فطامه ، وقد صنّف الشّعرانيّ كتابا ضمّنه فتاوى شيخه الخوّاص ، وعقد له العنوان : “ درّة الغوّاص على فتاوى سيّدي عليّ الخوّاص “ ، وقد قفل كتابه “ لواقح الأنوار في طبقات الأخيار “ بخاتمة مطوّلة أتى فيها على ذكر مناقب مشايخه الذين أدركهم في القرن العاشر ، وهم - كما تقدّم آنفا - كثر ، فلأكتف بما تقدّم موجزا ومحيلا إلى مواضع ترجمة الشّعرانيّ لمشايخه في “ لواقح الأنوار “ “ 7 “ ، و “ لطائف المنن “ “ 8 “ . 
أمّا سلوكه معهم فقد كان أنموذجا يحتذى به في هذا المضمار ، فقد حفظ حرمة
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 94 - 95 . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 162 . 
( 3 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 280 . 
( 4 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 433 . 
( 5 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 324 . 
( 6 ) انظر : نسب الشعراني ، 1 / أ ، وسترد ترجمة للخواص والمرصفي في الجزء الثاني ، وهو التحقيق ، أما الشناوي فانظر ترجمته : الشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 710 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 451 . 
( 7 ) انظر ترجمة مشايخه مفصلة في لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ، 2 / 673 - 832 . 
( 8 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 79 - 80 ، 352 .

“ 15 “

أشياخه أحياء وأمواتا ، وأبى أن يوصف بأنّه وارثهم في العلم أو المقام رفعة لهم ، واستصغارا لمقام نفسه أمام مقامهم ، فكان يزجر من يقول إنّه خليفة شيخه الخوّاص ، ولمّا مات شيخه محمّد الشنّاويّ تكدّرت نفوس أبنائه ، فضمروا له ضغينة ، فعادوه مدّة ، فما كان منه إلّا أن غدا يسارقهم ليقدّم لهم النّعال ، وليبجّلهم ، حتّى زال ما عندهم ، فتآلفت القلوب ، وامّحت حواشي النّفوس إجلالا لشيخه ، وإكراما له حيّا وميتا “ 1 “ ، واتّهاما لنفسه إن هي ظنّت أنّه جاوز مقام أشياخه ، فقد كان يرى ذاك ونحوه ممّا هو كالكذب ، “ ولو قدّر أنّني جاوزت مقام أحدهم فلا أرى نفسي قطّ عليه ، بل لا أرى نفسي أصلح خادما له ، فإنّ جميع ما يحصل للمريد إنّما هو من المادّة التي أعطاها له شيخه ، وشيخه دائم التّرقّي ، فلا يقف للمريد حتّى يلحقه أبدا ، هذا ما نعتقده في أشياخنا ، ولذلك توقّفنا في صحّة مجاوزة المريد لمقام شيخه بقولنا : “ ولو قدّر . . . “ ، وكثيرا ما أزجر من سمعته يرفع مقامي على أحد من أشياخي زجرا بليغا بالقلب واللّسان ، وكذلك أزجر من سمعته يقول عنّي إنّي خليفة لسيّدي عليّ الخوّاص ، أو إنّي ورثت مقام أشياخي كلّهم ، “ فإنّ من شرط الخليفة أن يرث مقام شيخه كاملا ، وأنا لم أطّلع على نهاية مقام أحد من أشياخي حتّى أعرف أنّي ورثته فيه ، وكذلك أعرف أنّه قد يكون عند أشياخي من الأخلاق والعلوم والمعارف والأسرار ما ليس عندي ، فكيف أوافق القائل على أنّي خليفتهم “ “ 2 “ .

من تآليفه : 

لعلّ أوّل ما تستفتح به هذه المباحثة الجزئيّة التّعريج على قولة تمهّد لما سيأتي بعدها من أقوال ، وهي دائرة في فلك وصف مصنّفاته ، ومفادها : “ لو ضبطت الكراريس من مؤلّفاته ، وحسبت أيّام حياته ، من ولادته إلى وفاته ، لزادت في كلّ يوم ثلاثة كراريس ، وهذا من العجائب والنّوادر “ “ 3 “ . 
قيل إنّه خلّف ثلاثمائة كتاب أخذت في شعاب معرفيّة متنوّعة ، منها الفقه ، والتّصوّف ، والحديث ، والتّفسير ، واللّغة ، والتّراجم ، والطّبّ ، وغير ذلك ، وقد أتى
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 354 . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 342 . 
( 3 ) انظر : الشعراني ، لواقح الأنوار ، مقدمة المحقق ، 1 / 36 .

“ 16 “
الشّعراني في “ لطائف المنن “ على قليل من المصنّفات الشرعيّة ، فذكر نيّفا وعشرين كتابا معقّبا باحتراس مفاده أنّها كثيرة كثيرة “ 1 “ ، وأحصى له المناويّ ثلاثة وعشرين كتابا من كتب الشريعة ، مستدركا بأنّها تربو على ذلك “ 2 “ ، ونقلها عنه ابن العماد في “ شذرات الذّهب “ “ 3 “ ، أمّا “ بروكلمان “ فقد أحصى له سبعة وستّين كتابا منثورا في دور الكتب في أرجاء العالم ، ومن مصنّفاته : 
. 1 “ إجازة الشّعرانيّ لبعض العلماء “ “ 4 “ . 
. 2 “ الأجوبة المرضيّة عن أئمّة الفقهاء والصوّفيّة “ “ 5 “ . 
. 3 “ الأخلاق الزّكيّة والعلوم اللّدنيّة “ “ 6 “ . 
. 4 “ الأخلاق المتبوليّة “ “ 7 “ . 
. 5 “ آداب الصّحبة “ “ 8 “ . 
. 6 “ آداب الفقراء “ “ 9 “ . 
. 7 “ أدب القضاة “ “ 10 “ . 
. 8 “ أدب المريد الصّادق مع ما يريد الخالق “ “ 11 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 72 - 73 . 
( 2 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 . 
( 3 ) انظر : ابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 373 . 
( 4 ) مخطوط يقع في 3 ورقات ، مكتبة الأسد “ 13485 “ ، ذكره محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 5 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، ونسب الشعراني ، 3 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 262 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 . 
( 6 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 . 
( 7 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وفيه : “ الأخلاق المتبولية الكبرى “ ، و “ الأخلاق المتبولية الصغرى “ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 ، وقد حققه منيع عبد الحليم محمود ، مكتبة الإيمان ، ط 1 ، القاهرة ، 2003 م . 
( 8 ) مخطوط رقمه في مكتبة الأسد “ 144116 “ ، ويقع في 46 ورقة ، ذكره محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 9 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 264 . 
( 10 ) انظر : الزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 . 
( 11 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وفيه : “ آداب المريد . . . “ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 264 ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة البديرية ( 149 - تصوف - 3 / 241 ط ) ، وعنوانه فيها : “ أدب -

“ 17 “
. 9 “ إرشاد الطّالبين إلى مراتب العلماء العاملين “ “ 1 “ . 
. 10 “ إرشاد المغفّلين من الفقهاء والفقراء إلى شروط صحبة الأمراء “ “ 2 “ . 
. 11 “ الأسئلة “ “ 3 “ .    12 . “ أسرار أركان الإسلام “ “ 4 “ . 
. 13 “ أسرار العبادات “ “ 5 “ . 
. 14 “ الأنوار القدسيّة في معرفة قواعد الصّوفيّة “ “ 6 “ . 
. 15 “ البحر المورود في المواثيق والعهود “ “ 7 “ . 
. 16 “ البدر المنير في غريب أحاديث البشير النّذير “ “ 8 “ .
.................................................................................
- المريد الصادق مع من يريد الخالق “ ، ونسخة أخرى في مكتبة الأزهر ، وعنوانها “ المريد الصادق مع مريد الخالق “ ، ( التصوف - 329147 ) . 
( 1 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 256 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 ، له نسخ متعددة منها في المكتبة البديرية في القدس ، وكذلك في مكتبة الأسد ، ورقمها ( 17325 ) ، ومكتبة تشستر بتي ، ورقمها ( 3871 ) . 
( 2 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 261 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 . 
( 3 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 ، وله نسخة مخطوطة رقمها في مكتبة الأسد ( 15410 ) ، ذكرها محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 4 ) حققه عبد القادر أحمد عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت . 
( 5 ) مخطوط يقع في خمس ورقات ، ورقمه في مكتبة الأسد ( 19758 ) ، ذكره محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 6 ) حققه طه عبد الباقي سرور ، المكتبة العلمية ، بيروت ، د . ت ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة البديرية ( 238 - تصوف - 92 / 247 أ ) ، وعنوانه فيها : “ النفحات القدسية في بيان قواعد الصوفية “ . 
( 7 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 72 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 260 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة المسجد الأقصى ( 101 - آداب شرعية وتصوف 2 - 115 ) ، والمكتبة الخالدية في القدس الشريف ، وقد حققه محمد أديب الجادر ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، بيروت ، 2003 م . 
( 8 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 72 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب -

“ 18 “
. 17 “ البروق الخواطف لبصر من عمل بالهواتف “ “ 1 “ . 
. 18 “ بهجة الأبصار والفهوم فيما تميّز به أهل اللّه من الأخلاق والعلوم “ “ 2 “ . 
. 19 “ بهجة النّفوس والأسماع والأحداق فيما تميّز به القوم من الآداب والأخلاق “ “ 3 “ . 
. 20 “ التّتبّع والفحص على حكم الإلهام إذا خالف النّصّ “ “ 4 “ . 
. 21 “ تطهير أهل الزّوايا من خبائث الطّوايا “ “ 5 “ . 
. 22 “ تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء “ . “ 6 “ 
. 23 “ التّنبيه من النّوم “ “ 7 “ . 
. 24 “ تنبيه المغترّين أواخر القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطّاهر “ “ 8 “ . 
. 25 “ التّنفير عن المغترّين “ “ 9 “ .
.................................................................................
- العربي ، 12 / 262 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 ، وهو مطبوع ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة الخالدية في القدس الشريف . 
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ . 
( 2 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 3 ) انظر : نسب الشعراني ، 2 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 262 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 . 
( 4 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ . 
( 5 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة الأزهر ، ورقمها ( التصوف - 335465 ) . 
( 6 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، ونسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 7 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 . 
( 8 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 258 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 ، وجعل عنوانه “ تنبيه المغترين . . . “ ، اعتنى به محمد حلبي ، دار المعرفة ، ط 1 ، بيروت ، 2004 م . 
( 9 ) انظر : الزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 ، وجعل عنوانه “ تنبيه المغترين في آداب الدين “ ، تحقيق أحمد قوماندار الحسن ، دار ابن هانئ ، دمشق .

“ 19 “
. 26 “ الجواهر والدّرر “ “ 1 “ . 
. 27 “ الجواهر المصون في علم كتاب اللّه المكنون “ “ 2 “ . 
. 28 “ الجوهر المصون والسّرّ المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والعلوم 
. 29 “ حدائق الحقائق “ “ 4 “ . 
. 30 “ حدّ الحسام على من أوجب العمل بالإلهام “ “ 5 “ . 
. 31 “ حزب الشّعرانيّ “ “ 6 “ . 
. 32 “ حقوق إخوّة الإسلام “ “ 7 “ . 
. 33 “ خاتمة في جملة صالحة من البلايا “ “ 8 “ . 
. 34 “ الدّرّ المنظوم في زبد العلوم “ “ 9 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 261 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وقد جمع أقوال شيخه الخواص الصغرى والوسطى والكبرى ، أما الصغرى فلها نسخة مخطوطة في المكتبة البديرية ( 170 - تصوف - 24 / 126 ) ، وأخرى في مكتبة إسعاف النشاشيبي ( تصوف / 383 - 34 م - أ ) ، ونسخة خطية أخرى في مكتبة الأسد رقمها ( 14081 ) ، وأما الوسطى فقد جمعها سنة ( 942 ه ) ، وهي مطبوعة ، وأما الكبرى فجمعها سنة ( 940 ه ) ، وهي مطبوعة . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 . 
( 3 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 77 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 262 ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة الخالدية في القدس الشريف . 
( 4 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 5 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ . 
( 6 ) يقع في أربع ورقات ، ورقمه في مكتبة الأسد ( 11832 ) ، ذكره محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 7 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 262 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 . 
( 8 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 . 
( 9 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 264 ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة الخالدية في القدس الشريف .
  
“ 20 “
. 35 “ الدّرّ النّظيم في علم القرآن العظيم “ “ 1 “ .
. 36 “ درر الغوّاص على فتاوى سيّدي عليّ الخوّاص “ “ 2 “ . 
. 37 “ الدّرر المنثورة في بيان العلوم المشهورة “ “ 3 “ . 
. 38 “ الدّرر واللّمع في بيان الصدق في الزهد والورع “ 4 “ . 
. 39 “ ديوان شعر “ “ 5 “ .  40 . “ ذيل لواقح الأنوار “ “ 6 “ . 
. 41 “ ردع الفقراء عن دعوى الولاية الكبرى “ “ 7 “ . 
. 42 “ رسالة الأنوار في آداب العبوديّة “ “ 8 “ . 
. 43 “ رسالة في اثني عشر إماما شيعيّا “ 9 “ . 
. 44 “ رسالة في أهل العقائد الزّائغة “ “ 10 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 2 ) انظر : ابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 261 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة البديرية ( أصول فقه - 158 / 113 م ) ، وقد وضع حواشيه عبد الوارث علي ، دار الكتب العلمية ، ط 1،بيروت،1999م . 
( 3 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وفيها : “ الدرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة “ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 256 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة المسجد الأقصى ( 423 - التاريخ - 22 ) ، والمكتبة البديرية ( 622 - علوم مختلفة - 5 / 277 / ف ) . 
( 4 ) انظر :البغدادي ،هدية العارفين ،5 / 641 ،وبروكلمان ،تاريخ الأدب العربي ،12/264 ،وقد حققه أحمد المزيدي ومحمد نصار، دار الكرز،القاهرة،2005 م . 
( 5 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 . 
( 6 ) انظر : نسب الشعراني ، 2 / أ ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 . 
( 7 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 . 
( 8 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وفيها : “ الأنوار القدسية في ملزمة آداب العبودية “ ، وحاجي خليفة ، كشف الظنون ، 1 / 194 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 180 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة الأزهر ، وعنوانها : “ رسالة الأنوار في معرفة آداب العبودية ، ( التصوف / 333297 ) . 
( 9 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 . 
( 10 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 .
 
“ 21 “
. 45 “ رسالة في بيان جماعة سمّوا أنفسهم بالصوفيّة “ .
. 46 “ رسالة في التسليك “ “ 1 “ . 
. 47 “ رسالة في التّصوّف “ “ 2 “ . 
. 48 “ رسالة في التّوحيد “ “ 3 “ . 
. 49 “ رسالة في مدافن أهل البيت “ “ 4 “ . 
. 50 “ السّرّ المرقوم فيما اختصّ به أهل اللّه من العلوم “ “ 5 “ . 
. 51 “ سرّ المسير والتّزوّد ليوم المصير “ “ 6 “ . 
. 52 “ سواطع الأنوار القدسيّة فيما صدرت به الفتوحات المكّيّة “ “ 7 “ . 
. 53 “ شرح جمع الجوامع للسّبكي في الفروع “ “ 8 “ . 
. 54 “ شرح دائرة أبي الحسن الشّاذليّ “ “ 9 “ . 
. 55 “ شرح نصيحة الإخوان “ “ 10 “ . 
. 56 “ شرح ورد الأقطاب “ “ 11 “ . 
. 57 “ الطّبقات “،ومنها : “الطّبقات الصّغرى” ، و”الوسطى” و “الكبرى” 12  .
.................................................................................
( 1 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 264 . 
( 2 ) تقع في ورقتين ، ورقمها في مكتبة الأسد ( 103 ت 9 ) ، ذكرها محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 3 ) تقع في 3 ورقات ، ورقمها في مكتبة الأسد ( 16758 ) ، ذكرها محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 4 ) لها نسخة مخطوطة في مكتبة إسعاف النشاشيبي ( تراجم 484 / 30 م - ب ) . 
( 5 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 . 
( 6 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 . 
( 7 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 258 . 
( 8 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 . 
( 9 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 . 
( 10 ) لها نسخة مخطوطة في مكتبة الأزهر ، ( التصوف / 325259 ) . 
( 11 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، ويقع في تسع ورقات ، ورقمه في مكتبة الأسد ( 14133 ) . 
( 12 ) وضع حواشيه محمد شاهين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1999 م ، وقد حققه من قبل عبد القادر عطا ، مكتبة القاهرة ، القاهرة ، 1970 م ، أما الكبرى فسترد بعيد قليل تحت عنوان “ لواقح الأنوار في طبقات الأخيار “ ، وقد ذكرت هذه الكتب الثلاثة في نسب الشعراني ، 2 / أ .


“ 22 “
. 58 “ الطّراز الأبهج على خطبة المنهج “ “ 1 “ .
. 59 “ طهارة الجسم والفؤاد من سوء الظنّ باللّه تعالى والعباد “ “ 2 “ . 
. 60 “ العقيدة الشّعرانيّة “ “ 3 “ .    61 . “ فتاوى الشّعرانيّ “ “ 4 “ . 
. 62 “ الفتح في تأويل ما صدر عن الكمّل من الشّطح “ “ 5 “ . 
. 63 “ الفتح المبين في جملة من أسرار الدّين “ “ 6 “ . 
. 64 “ فتح الوهّاب في فضائل الآل والأصحاب “ “ 7 “ . 
. 65 “ فرائد القلائد في بيان العقائد “ “ 8 “ . 
. 66 “ الفلك المشحون “ “ 9 “ . 
. 67 “ الاقتباس في علم القياس “ “ 10 “ . 
. 68 “ قواعد الصّوفيّة “ “ 11 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 . 
( 2 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 . 
( 3 ) يقع في ثلاث ورقات ، ورقمه في مكتبة الأسد ( 16758 ) ، ذكره محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 4 ) انظر : حاجي خليفة ، كشف الظنون ، 2 / 1224 . 
( 5 ) انظر : حاجي خليفة ، كشف الظنون ، 2 / 1233 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 ، وقد حقق هذا الكتاب قاسم عباس ، دار أزمنة للنشر ، عمان ، 2003 م . 
( 6 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 256 ، وقد حققه عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، بيروت ، 1999 م . 
( 7 ) انظر : حاجي خليفة ، كشف الظنون ، 2 / 1236 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 . 
( 8 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 256 ، وقيل هو “ فرائد القلائد في علم العقائد “ . 
( 9 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 10 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وقد جاء فيه : “ المنن الكبرى “ ، و “ المنن الوسطى “ ، و “ المنن الصغرى “ . 
( 11 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، ونسب الشعراني ، 3 / أ .
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: مقدّمة التّحقيق وترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:11 pm

مقدّمة التّحقيق وترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

“ 23 “
. 69 “ القواعد الكشفيّة الموضحة لمعاني الصّفات الإلهيّة “ “ 1 “ 
. 70 “ القول المبين في بيان آداب الطّالبين “ “ 2 “ 
. 71 “ القول المبين في الردّ عن محيي الدّين “ “ 3 “ 
. 72 “ الكبريت الأحمر في بيان علوم الكشف الأكبر “ “ 4 “ 
. 73 “ كشف الحجاب والرّان عن وجه أسئلة الجانّ “ “ 5 “ . 
. 74 “ كشف الغمّة عن جميع الأمّة “ 6 “
. 75 “ الكشف والتّبيين “ “ 7 “ . 
. 76 “ لباب الإعراب المانع من اللّحن في السّنّة والكتاب “ “ 8 “ . 
. 77 “ لطائف المنن والأخلاق في وجوب التّحدّث بنعمة اللّه على الإطلاق “ “ 9 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر:حاجي خليفة ،كشف الظنون،2 / 1360، والبغدادي،هدية العارفين ،5 / 641 ،وبروكلمان، تاريخ الأدب العربي،12 / 262 ،والزركلي،الأعلام،4 / 181 .    
( 2 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 . 
( 3 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 258 . 
( 4 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 269 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، ويقال : “ في بيان علوم الشيخ الأكبر “ ، وقد ضبطه عبد اللّه محمود عمر ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، 2005 م . 
( 5 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 257 ، وقد ضبطه عبد الوارث علي ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، بيروت ، 1999 م ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة البديرية ( 635 - الجان / 1 / 290 / هـ ) . 
( 6 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 72 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 261 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 . 
( 7 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 . 
( 8 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 264 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة إسعاف النشاشيبي ( نحو 538 / 23 م - ي 4 ) . 
( 9 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة البديرية ( 74 / 195 ) ، وقد وضع حواشيه سالم مصطفى البدري ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، بيروت ، 1999 م . 


“ 24 “
. 78 “ لوائح الخذلان على من لم يعمل بالقرآن “ “ 1 “ . 
. 79 “ لواقح الأنوار القدسيّة في مختصر الفتوحات المكّيّة “ “ 2 “ 
. 80 “ لواقح الأنوار في طبقات الأخيار “ “ 3 “ 
. 81 “ المآثر والمفاخر في علماء القرن العاشر “ “ 4 “ . 
. 82 “ المختار من الأنوار في صحبة الأخيار “ “ 5 “ . 
. 83 “ مختصر الألفيّة لابن مالك في النّحو “ “ 6 “ . 
. 84 “ مختصر تذكرة السّويديّ “ “ 7 “ . 
. 85 “ مختصر تذكرة القرطبيّ “ “ 8 “ . 
. 86 “ مختصر الخصائص النّبويّة للإمام السيوطيّ “ “ 9 “ . 
. 87 “ مختصر سنن البيهقيّ الكبرى “ “ 10 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وفيها : “ علامات الخذلان على من لم يعمل بالقرآن “ ، ونسب الشعراني ، 2 / أ . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 72 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 256 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة الأزهر ، ورقمها ( 315620 ) . 
( 3 ) هو الطبقات الكبرى ، انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، وقد وسمه بأنه “ كتاب طبقات الصوفية “ ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة المسجد الأقصى ( 422 - تاريخ - 21 ) . 
( 4 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، ونسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 5 ) حققه عبد الرحمن عميرة وطلعت غنام ، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ، القاهرة ، 1973 م . 
( 6 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 . 
( 7 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 264 ، وهو مطبوع . 
( 8 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 3 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 261 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وقد طبع بدار اليقين في مصر ، بتحقيق عبد الرحمن البر ، 2001 م . 
( 9 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وفيه “ مختصر المعجزات والخصائص “ ، وحاجي خليفة ، كشف الظنون 2 / 706 . 
( 10 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، وحاجي خليفة ، كشف الظنون ، 2 / 1007 ، ونسب الشعراني ، 3 / أ .

“ 25 “
. 88 “ مختصر القواعد في الفروع للزّركشيّ “ “ 1 “ .
. 89 “ مختصر المدوّنة في الفروع المالكيّة “ “ 2 “ . 
. 90 “ مختصر الهدي النّبويّ لابن القيّم “ “ 3 “ . 
. 91 “ مدارج السّالكين إلى رسوم طريق العارفين “ “ 4 “ . 
. 92 “ مشارق الأنوار القدسيّة في بيان العهود المحمّديّة “ “ 5 “ . 
. 93 “ مفتاح السّرّ القدسيّ في تفسير آية الكرسيّ “ “ 6 “ . 
. 94 “ مقاصد العارفين “ “ 7 “ . 
. 95 “ مفحم الأكباد في موادّ الاجتهاد “ “ 8 “ . 
. 96 “ مقدّمة في ذمّ الرّأي “ “ 9 “ . 
. 97 “ المقدّمة النّحويّة في علم العربيّة “ “ 10 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، وحاجي خليفة ، كشف الظنون ، 2 / 1359 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ . 
( 2 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 ، وقد طبع في مصر طبعة حجرية دون تاريخ . 
( 3 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 4 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 260 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وجعله “ مدارك السالكين “ . 
( 5 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 72 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 259 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وله نسخة أخرى في مكتبة إسعاف النشاشيبي ( تصوف 387 / 117 م ) . 
( 6 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 262 . 
( 7 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 262 . 
( 8 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 ، وفيها “ مقتحم الأكباد “ ، ونسب الشعراني ، 2 / أ . 
( 9 ) تقع في 18 ورقة ، ورقمها في مكتبة الأسد ( 7664 ت ) ، ذكرها محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 10 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 264 .

“ 26 “
. 98 “ الملتقطات من حاشية ابن أبي شريف على شرح جمع الجوامع للسّبكيّ “ “. 
. 99 “ مناسك الحجّ في علم التّصوّف “ “ 2 “ . 
. 100 “ المنح السّنيّة على الوصيّة المتبوليّة “ “ 3 “ . 
. 101 “ منح المنّة في التّلبّس بالسّنّة “ “ 4 “ . 
. 102 “ منع الموانع “ “ 5 “ . 
. 103 “ منهاج الوصول إلى علم الأصول “ “ 6 “ . 
. 104 “ منهج الصّدق والتّحقيق في تفليس غالب المدّعين للطّريق “ “ 7 “ . 
. 105 “ المنهج المبين في أخلاق العارفين “ “ 8 “ . 
. 106 “ المنهج المبين في بيان أدلّة المجتهدين “ “ 9 “ . 
. 107 “ الموازين الدّرّيّة المبينة لعقائد الفرق العليّة “ “ 10 “ . 
. 108 “ موازين القاصرين من الرّجال “ “ 11 “ .
.................................................................................
( 1 ) تقع في 25 ورقة ، ورقمها في مكتبة الأسد ( 7664 ت 1 ) ، ذكرها محقق “ البحر المورود “ في مقدمته . 
( 2 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 3 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وفيه : “ الدرر السنية لشرح الوصية المتبولية “ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة الأزهر ، ورقمها ( 307619 ) ، وقد علق على هذا المصنف محمد مصطفى بن أبي العلا ، مكتبة الجندي ، القاهرة ، د . ت . 
( 4 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 263 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وضع حواشيه عبد الوارث علي ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، بيروت ، 1999 م . 
( 5 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 . 
( 6 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وفيه “ الوصول في علم الأصول “ . 
( 7 ) انظر : نسب الشعراني ، 2 / أ ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 . 
( 8 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 264 . 
( 9 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 72 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 1 / 642 . 
( 10 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 262 . 
( 11 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 260 . ( جاء هذا الكتاب ردا على أدعياء التصوف ، قيل إنه ألفه سنة 973 ه ) .

“ 27 “
. 109 “ الميزان الخضريّة “ “ 1 “ . 
. 110 “ الميزان الشّعرانيّة الكبرى “ “ 2 “ . 
. 111 “ النّور الفارق بين المريد الصّادق وغير الصّادق “ “ 3 “ . 
. 112 “ هادي الحائرين إلى رسوم أخلاق العارفين “ “ 4 “ . 
. 113 “ ورد الأقطاب والمكمّلين من أصحاب الدّوائر الكبرى “ “ 5 “ . 
. 114 “ ورد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم “ “ 6 “ . 
. 115 “ وصايا العارفين “ “ 7 “ . 
. 116 “ اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر “ “ 8 “ .
.................................................................................
( 1 ) وضع حواشيه عبد الوارث علي ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، بيروت ، 1999 م ، وقد ذهب المناوي وابن العماد إلى أن اسمه “ الميزان “ فقط ، والحق أنهما كتابان كما ظهر في المتن ، وهما “ الميزان الخضرية “ ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة المسجد الأقصى ( 295 - أصول الدين - 27 ) ، و “ الميزان الشعرانية الكبرى “ ، وكلاهما فقه شافعي . انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 256 . 
( 2 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 394 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، وله نسخة مخطوطة في المكتبة البديرية ( 334 / تصوف - 88 / 165 ) ، ونسخة أخرى في مكتبة إسعاف النشاشيبي ( أصول فقه 159 / 29 م ) . 
( 3 ) انظر : نسب الشعراني ، 2 / أ ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 . 
( 4 ) انظر : نسب الشعراني ، 2 / أ ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 . 
( 5 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 ، وله نسخة مخطوطة في مكتبة الأزهر ، ورقمها ( 325710 ) ، ونسخة أخرى ذكرها محقق “ البحر “ في مكتبة الأسد ( 17357 ) . 
( 6 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 260 ، ( يتناول سبعة أوراد قصية موزعة على أيام الأسبوع مع شرح مفصل ) . 
( 7 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 265 . 
( 8 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 ، والمناوي ، 2 لكواكب الدرية ، 3 / 395 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 373 ، ونسب الشعراني ، 2 / أ ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 642 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 256 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 ، طبع بدار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط 1 ، 1997 م .


“ 28  “

الدّسّ عليه : 

ويظهر أنّ الشّعرانيّ قد ابتلي بما ابتلي به غيره من الدّسّ والتّحريف ، فما من كبير في عصر إلّا كان له عدوّ من السّفلة ؛ إذ الأشراف لم تزل تبتلى بالأطراف “ 1 “ ، وقد ألمح إلى ذلك الشّعراني ، بل صرّح به في هذا المخطوط وغيره ، فمن ذلك الحادثة التي سيأتي عليها بيان بعدا ، وهي مسوقة في هذا المخطوط في معرض المحاماة عن مقام الشّيخ محيي الدّين ابن العربي ، وعمّا نسب إليه من أقوال تخالف ظاهر الشّريعة ، فقد روى الشّعرانيّ أنّ ذلك وقع في كتابه “ البحر المورود “ ، فقال عن هذه الحادثة في مقدّمته : “ واعلم يا أخي أنّ بعض الحسدة والأعداء لمّا قام عنده الغيرة والحسد بسبب هذا الكتاب حين رأى النّاس يكتبونه ويقرؤونه عليّ ، استعار من بعض إخواننا المغفّلين نسخة ، وكتب له منها كتابا ، ودسّ فيه أمورا تخالف ظاهر الشّريعة ، وما عليه أهل السّنّة والجماعة ، فصار من لا يعرف حالي ينسب تلك الأمور إليّ ، وأنا بحمد اللّه بريء من ذلك كلّه ، فمن ظفر ممّا كتب من نسخة ذلك العدوّ بشيء فليضرب عليه ، وليس في حلّ أن يضيف شيئا من ذلك إليّ ، فاللّه لا يؤاخذه بما صنع “ “ 2 “. 
وقد عرّج على هذه الحادثة في هذا المخطوط ، فقال : “ فقد دسّوا فيه أمورا تخالف ظاهر الشّريعة ، ووقع بذلك فتنة عظيمة في جامع الأزهر وغيره ، ولولا أنّي أرسلت لهم النّسخة الصّحيحة السّالمة من الدّسّ التي عليها خطوط مشايخ الإسلام ما سكنت الفتنة، ولكن جزاهم اللّه - تعالى - عنّي خيرا في إنكارهم عليّ بتقدير صحّة نسبة ذلك إليّ، فلهم ثواب قصدهم ونيتهم “ “ 3 “. 
والحقّ أنّ هذه الحادثة المتقدّم بيانها آنفا ذكرت في غير موضع من مصنّفاته ، فهي مثبتة في “ لطائف المنن “ “ 4 “ ، و “ اليواقيت والجواهر “ ، وفي الأخير يقول : “ وكذلك دسّوا عليّ أنا في كتابي المسمّى “ بالبحر المورود “ جملة من العقائد الزّائغة ، وأشاعوا تلك العقائد في مصر ومكّة نحو ثلاث سنين ، وأنا بريء منها ، كما بيّنت ذلك في خطبة الكتاب لمّا
.................................................................................
( 1 ) انظر ما قاله في كتابه اليواقيت والجواهر ، 1 / 34 . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، البحر المورود ، 35 . 
( 3 ) سيأتي بيان ذلك في الجزء المحقق . 
( 4 ) انظر : الشعراني ، لطائف المنن ، 73 .

“ 29 “
غيّرتها ، وكان العلماء كتبوا عليه وأجازوه ، فما سكنت الفتنة حتّى أرسلت لهم النّسخة التي عليها خطوطهم ، وكان ممّن انتدب لنصرتي الشّيخ الإمام ناصر الدّين اللّقانيّ المالكيّ ، . . . ، ثمّ إنّ بعض الحسدة أشاع في مصر ومكّة أنّ علماء مصر رجعوا عن كتابتهم على مؤلّفات فلان ، وعبارة سيّدنا ومولانا الشّيخ ناصر الدّين المالكيّ - فسح اللّه تعالى في أجله - : “ بعد الحمد للّه وبعد ، فما نسب إلى العبد من الرّجوع عمّا كتبته بخطّي على هذا الكتاب وغيره من مؤلّفات فلان باطل باطل باطل ، واللّه ما رجعت عن ذلك ، ولا عزمت عليه، ولا اعتقدت في مؤلّفاته شيئا من الباطل . . . “ “ 1 “.
وقد التفت إلى ذلك المناوي في ثني ترجمته للشّعرانيّ ، فقد أشار إلى أنّ بعض علماء عصره قرّظوا له ، فغلب الحسد على طائفة من الفقهاء والصّوفيّة ، فدسّوا عليها في بعضها كلمات تخالف الإجماع ، وأقاموا عليه القيامة ، فشنّعوا وسبّوا ورموه بكلّ عظيمة ، وبالغوا في الأذى والنّميمة ، فخذلهم اللّه تقدست أسماؤه، وأظهره عليهم. “ 2 “ 
وليس يفوتني في هذا المقام الإلماحة إلى ما وقع من تحريف وتخريف في كتابه “ لواقح الأنوار في طبقات الأخيار “ ، وهو كتاب في الطّبقات ، وقد أشار محقّق الكتاب إلى أنّه عثر على نسخة خالية من الدّسّ والتّحريف ، وعرّج على نموذج لما تعرّض له هذا الكتاب من مثل ما تقدّم ؛ ذلك أنّه عثر على مخطوطة نادرة ، فقابل بينها وبين طبعة بولاق وبعض مخطوطات الأزهر ، فألفاها تخلو من التّحريف والتّخريف . “ 3 “ 
إنّ مثل الشّعرانيّ كمثل الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في فتوحاته ، فقد ذكر له أحد أشياخه ، وهو - كما يقول الشّعرانيّ - أبو الطّاهر المغربيّ ، شيئا من ذلك ، فقد أخرج له نسخة من “ الفتوحات “ التي قابلها على نسخة الشيخ التي بخطّه في مدينة “ قونية “ ، فلم ير فيها شيئا ممّا كان قد توقّف فيه وحذفه حين اختصر “ الفتوحات “ ، إنّه كالدّسّ على الإمام أحمد بن حنبل لمّا وضع الزّنادقة والملاحدة تحت وسادته في مرض موته عقائد زائغة ، ولولا أنّ أصحابه يعلمون منه صحّة الاعتقاد لافتتنوا بما وجدوه ، وإنّ ذلك كدسّهم على مجد الدّين الفيروزآبادي صاحب “ القاموس المحيط “ كتابا في الرّدّ على الإمام الأعظم أبي
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، 1 / 23 ، وقد ذكر آخرين ممن حاموا عنه . 
( 2 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 396 . 
( 3 ) انظر حديث محقق هذا الكتاب في موضعين ، 1 / 6 ، 1 / 270 .

“ 30 “
حنيفة وتكفيره ، وإنّ ذلك كدسّهم على حجّة الإسلام الغزاليّ مسائل في “ إحياء علوم الدّين “ “ 1 “ ، وقد رأى الشّعرانيّ - كما يقول - كتابا كاملا صنّفه بعض الملاحدة ، ونسبه إلى أبي حامد الغزاليّ ليروّج بذلك بدعته ، فظفر به الشّيخ عزّ الدّين بن جماعة ، وكتب على ظهر الكتاب : “ كذب واللّه وافترى من أضاف هذا الكتاب إلى حجّة الإسلام “ ، وقد أتى الشّعرانيّ على ثلّة من هؤلاء المبتلين ، دالّا على أنّ هذه الظّاهرة ظاهرة ، وأنّها ممّا يبتلى به أعيان المحقّقين وقدوة السّالكين ، ولعلّه ممّا ينتسب في معناه إلى ما أفضى به وهب بن منبّه - رضي اللّه عنه - إذ قال : “ البلاء للمؤمن كالشّكال للدّابّة “ “ 2 “ ، ورحم اللّه الشّيخ عبد القادر الجيليّ إذ قال : “ دوام البلاء خاصّ بأهل الولاية الكبرى ، ليكونوا عاكفين على مناجاته “ “ 3 “ .

وفاته : 

لا تروي الكتب التي اشتملت على ترجمته الشّيء الكثير عن وفاته ، فقد أشار المناوي إلى أنّ الشّعرانيّ ظلّ قائما على الذكر والمذاكرة ، يحيي ليلة الجمعة بالصّلاة على المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم ، وأنّه كان يسمع لزاويته دويّ كدويّ النّحل ، ليلا ونهارا ، ما بين ذاكر وقارئ ومتهجّد ومطالع كتاب ، ظلّ على ذلك حتّى نقله اللّه إلى دار كرامته “ 4 “ ، فقد أصابه الفالج في العشر الأوائل من شهر ربيع سنة ( 973 هـ ) ، وظلّ مريضا إلى أن توفّي يوم الاثنين بعد عصر الثّاني عشر من جمادى الأولى “ 5 “ ، وقد حضر جنازته جمع حافل من العلماء والفقهاء والأمراء والفقراء ، ودفن بجانب زاويته بالقاهرة ، “ وقد مضى وخلّف ذكرا باقيا ، وثناء عطرا ذكيّا زاكيا ، ومددا لا ينكره إلّا معاند محروم ، ولا يجحده إلّا مباهت مأثوم “ “ 6 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر هذه الأمثلة ونحوها في اليواقيت والجواهر ، 1 / 24 . 
( 2 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 1 / 477 . 
( 3 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 253 . 
( 4 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 396 . 
( 5 ) انظر : نسب الشعراني ، 3 / أ . 
( 6 ) انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 396 .

“ 31 “

من لطيف كلامه : 

- دوروا مع الشرع كيف دار ، لا مع الكشف ؛ فإنّه قد يخطئ . 
- حكم الرّياء ونحوه واقع للكمّل من الأمّة بقدر ما بقي فيهم من البشريّة ؛ فإنّ الجزء البشريّ يرقّ ولا ينقطع . 
- أسباب انقياد الخلق بعضهم لبعض ثلاثة : الصّلاح ، والإحسان ، والعصا ، فالعصا ليست للعالم ، فبقي اثنان ، فمن لم يحسن لجماعته ، ولم يكن صالحا ، وطلب منهم الانقياد له رام محالا ، كما هو مشاهد في أولاد مشايخ الزّوايا يسلك أحدهم البخل ، وقلّة العمل الصّالح ، اعتمادا على مشيخة أبيه ، ويطلب انقياد الفقراء له كما كانوا مع أبيه ، فلا يجيبه أحد . 
- من يرى له ملكا مع اللّه ، لم يزل منغّص العيش في كلّ ما يطلبه ولم يبلغه ، ومن لم ير له معه ملكا واعتقد أنّه عبد يأكل من مال سيّده استراح وأراح . 
- تكلّم الشبليّ في علوم القوم جهارا ، فأنكر عليه الجنيد صيانة لذلك ، وزجره ، ولذلك جعلوا طريق الجنيد طريقا مقوّما . 
- ذرّة من العبادة مع الإقبال على حضرة اللّه خير من أمثال الجبال منها مع الملل . 
- ينبغي إكثار مطالعة الفقه خلافا لما عليه بعض المتصوّفة الذين لاحت لهم بارقة من الطّريق ، فتركوا مطالعته ، وقالوا إنّه حجاب جهلا منهم . 
- إذا حصل للعبد ثقل من العبادة كان علامة على إشرافها على الانقضاء ، فيأخذ في التّحلّل منها ، وذلك مشاهد . 
- إذا حجب الكامل عن شهود بعض أعماله ، أراه اللّه المنامات الرّديئة رحمة به ، وإذا فترت همّة مريد ، وأراد اللّه رقيّه ، أراه منامات صالحة ليجدّ في الطّاعة ، لأنّه في مقام التّألّف “ 1 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر هذه الأقوال في الكواكب الدرية ، 397 - 400 .

“ 32 “

ثانيا : الشّعرانيّ في عيون المستشرقين :

المستشرق “ نيكلسون “ : 
يذهب إلى أنّه أعظم صوفيّ عرفه العالم الإسلاميّ كلّه ، وأنّ الحركة الفكريّة في الإسلام قد ركدت منذ غزو المغول العالم الإسلاميّ ، واقتصر علماؤه على الجمع والتّقليد ، فلا نجد بوادر انطلاق وإنتاج خصب ، أو أيّ أثر لتفكير أصيل باستثناء شخصيّتين متفرّدتين هما ابن خلدون المؤرّخ ، والشّعرانيّ الصّوفيّ ، وكان الشّعراني مفكّرا مبدعا أصيلا أثّر تأثيرا واسع المدى في العالم الإسلاميّ يشهد به إلى يومنا إلحاح القراءة إلحاحا متّصلا في طلب مؤلّفاته .
المستشرق “ ماكدونالد “ :
“ إنّ الشّعرانيّ كان رجلا درّاكا نفّاذا مخلصا واسع العقل ، . . . ، إنّه كان يجمع بين أعظم المميّزات تضادّا ، وإنّه كان مشرّعا ذا أصالة ونفاذ ، وكان عقله من العقول النّادرة في الفقه بعد القرون الثّلاثة الأولى في الإسلام “ .
المستشرق “ فوللرز “ : 
“ إنّ الشّعرانيّ كان من النّاحية العمليّة والنّظريّة صوفيّا من الطّراز الأوّل ، وكان في الوقت نفسه كاتبا بارزا أصيلا في ميدان الفقه وأصوله ، وكان مصلحا يكاد الإسلام لا يعرف له نظيرا ، وإنّ كتبه التي تجاوزت السّبعين عدّا ، من بينها أربعة وعشرون كتابا تعتبر ابتكارا محضا أصيلا لم يسبق إليه أبدا ، ولم يعالج فكرتها أحد قبله “ “ 1 “ .
المستشرق “ بروكلمان “ : 
“ عاش حياة الصّوفيّة في الفسطاط ، وارتبط في كتبه بالمأثور عن الصّوفيّة الأوائل ، . . . ، وبهذا أثار في حالات كثيرة التّناقض مع معاصريه ، وحاول أحد منافسيه من خلال تزوير كتبه أن يجعله موضع شبهة في أنّ تعاليمه تخالف القرآن والسّنّة ، ومع هذا فقد نجح في إقناع شيوخ المشايخ بسلامة طويّته ، فحمى نفسه من القلاقل “ “ 2 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر هذه الأقوال وغيرها : توفيق الطويل ، الشعراني إمام التصوف في عصره ، 145 ، وطه سرور ، التصوف الإسلامي والإمام الشعراني ، 13 - 14 . 
( 2 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 - 13 / 255 .

“ 33 “

ثالثا : شكل الكتاب ومضمونه : 

ائتلف هذا الكتاب من شقّين ، أوّلهما المقدّمة ، وثانيهما المباحث ،
أمّا الشّقّ الأوّل ، وهو المقدّمة ، فقد كان مشتملا على ثلاثة مباحث : 

أوّلها : بيان الدواعي التي أفضت به إلى تصنيف هذا الكتاب ، وأهمّها الغيرة على جناب الحقّ - جلّ وعلا - أن يتوهّم أحد فيه ما لا يليق بجنابه تعالى ، فجعله كتابا أتى فيه على الأجوبة عن صفات الحقّ جلّ وعلا ، وردّ ما يتوهمه الملحدون ، وضعفاء الحال في العلم . 
وثانيها : بيان جملة شروط من يتصدّر للرّدّ على الملحدين بآيات الصّفات وذات الحقّ تقدّست أسماؤه ، وعلى رأسها التّبحّر في جميع علوم الشّريعة المطهّرة من تفسير وحديث وفقه وأصول ونحو وبيان ومعان ولغة ، والعلم بما عليه جمهور أهل السّنّة والجماعة ، وما عليه من خالفهم ، والتّطهّر من الذّنوب الظّاهرة والباطنة لئلّا يكون في سريرته شيء يكرهه اللّه عزّ وجلّ ، وذلك ليصحّ له الجواب عن جناب صفات الحقّ عزّ وجلّ ، فلا يضيف إلى جناب الحقّ شيئا لا يضيفه إليه أهل الحضرة من الأنبياء والأولياء والملائكة ، “ فعلم أنّ من كان في قلبه شيء يكرهه اللّه تعالى ، أو لم يتبحّر في علوم الشّريعة واللّغة ، أو كان يجهل شيئا من مجازات العرب واستعاراتها ، فلا يصحّ له مقام العلماء باللّه ، ولا مقام الجواب عن أهل حضرته “ “ 1 “ . 
وثالثها : بيان مقصود الكتاب ، وفي هذا البيان تعريجة على عقيدة صالحة جامعة مختصرة لأمّهات عقائد الأكابر من أهل السّنّة والجماعة ، والحقّ أنّ المقدّمة تكاد تكون مأخوذة من مقدّمة الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في “ الفتوحات المكّيّة “ ، وهي ، من وجهة أخرى ، ردّ على كلام الملحدين في ذات اللّه وصفاته ، وردّ كلامهم في شرعه وشرع أنبيائه . 
أمّا موضوعات الكتاب التي هي على هيئة سؤالات وإجابات فتكاد تلتقي على موضوع واحد عريض ، وهو تنزيه جناب الحقّ - تعالى - من الأوهام والواردات على النّفس في حقّ الذّات الإلهيّة ، وصفاتها العليّة ، كرفع ما قد يقفز إلى النّفس من توهّم التّشبيه والتّجسيم ، أو توهّم مذهب الجبريّة . أمّا السّؤالات فقد يكون مضمارها التّنزيل العزيز ،
.................................................................................
( 1 ) سيأتي بيان ذلك في النص المحقق مفصلا .

“ 34 “
وقد يكون الحديث الشّريف قدسيّا أو نبويّا ، وقد يكون تفكّر المتوهّم الجانح إلى الشّطط والتّكلّف في فهم النّصّ فهما لا يليق بجناب الحقّ تقدّست أسماؤه .
ومن مثل الأوّل ، أعني التّوهّم الواقع في النّصّ القرآنيّ ، والآتي منه ، توهّم أنّ للحقّ وجها كوجه الخلق أخذا من قول الحقّ - تعالى - :وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ” 1 “ ، وقوله :كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ” 2 “ ، وكذلك توهّم أنّ الحقّ - تعالى - في جهة الفوق لا التّحت أخذا من قوله - تبارك - :الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى( 5 ) . 
ومن مثل التّوهّم الواقع في الحديث الشّريف والآتي منه توهّم نزول الحقّ وتحيّزه ، وأنّ له ذاتا تقييديّة أخذا من قول الرّسول الكريم - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ ينزل ربّنا كلّ ليلة إلى سماء الدّنيا ، فيقول : هل من سائل فأعطيه سؤله . . . إلى آخر ما ورد أنّه نزول بذاته ، ومن مثله توهّم أنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق الخلق وقد تركهم ولم يبال بهم أخذا ممّا ورد في الحديث القدسيّ : “ هؤلاء للجنّة ولا أبالي ، وهؤلاء للنّار ولا أبالي “ . 
ومن مثل الأخير توهّم يرد على أهل الفهم السّقيم قائل بأنّ الحقّ مستفيد من الخلق ، وكذلك الظّنّ بأنّ نزول البلاء على أهل محلّة العاصي ليس بعدل ، وكذلك أنّ في التّسبيح تنزيها للحقّ - تعالى - عن النّقائص ؛ ذلك أنّه لا يصحّ في الفهم تنزيه إلّا مع تعقّل لحوق صفات النّقص له ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا . 
ولعلّ مستصفى القول في هذا المبحث هو عدّ هذه الآيات ونحوها من المتشابه “ 3 “ ، ولست إخال أنّ ملمح التّشابه فيها آت من جهة كونها مشكلة معتاصا أمرها ، وإنّما هو آت من تباين الوجهات في المعتقد ، وطرائق التّفكير والاستدلال ، فقد اختلف النّاس في الوارد منها فكانوا على ثلاث شعب أولاها تغييب التّأويل وانتفاؤه ، فالآيات محكمات تفهم على ظاهرها ، وثانيتها الاعتقاد بالتّأويل مع الإمساك عنه ، وثالثتها الاعتقاد بالتّأويل مع الإقدام عليه بما يليق به عزّ “ 4 “ ، ولعلّ الذين قالوا بتغييب التّأويل وانتفائه قد عوّلوا على مطابقة المعنى لظاهر اللّفظ ، أمّا الذين اعتقدوا بوجوب
.................................................................................
( 1 ) ( الرحمن ، الآية 27 ) . 
( 2 ) ( القصص ، الآية 88 ) . 
( 3 ) انظر : الراغب ، المفردات ، 254 ، والزركشي ، البرهان ، 2 / 78 ، والسيوطي ، الإتقان ، 685 . 
( 4 ) انظر : الزركشي ، البرهان ، 2 / 78 .

“ 35 “
حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته فقد بدا لهم استحالة التّشبيه والتّجسيم في حقّ اللّه ، ومن ذلك ذكر “ الوجه “ ، فقد تردّدوا بين المنزلتين ؛ منزلة الأخذ بالظّاهر ، ومنزلة التّأويل “ 1 “ . أمّا في المنزلة الثّانية فالوجه مؤوّل بالذّات ، أو بالاحتكام إلى الدّلالة الكلّيّة في ثني السياق ، ومن ذلك :يُرِيدُونَ وَجْهَهُ” 2 “ ، وإِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ” 3 “ ، وإِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى( 20 ) “ 4 “ ، والمراد من الوجه ههنا إخلاص النّيّة للّه “ 5 “ . 
ومن ذلك أيضا اليد ، كما في قوله :لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ” 6 “ ، ويَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ” 7 “ ، ومِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا” 8 “ ، وهي مؤوّلة بالقدرة ، ومن نحو ما تقدّم صفة القرب والفوقيّة والمجيء والرّضا والغضب والعجب “ 9 “ ، والذي يبدو أنّ تلكم الصّفات ما جاءت إلّا في سياق لغويّ كريم يجري مجرى لغة العرب في مخاطباتها ، وكلّ صفة تستحيل حقيقتها على اللّه تفسّر بلازمها “ 10 “ ، وعند هذا يظهر المتدبّر برويّة ولطف نظر متجافيا عن مذهب الشّطط والتكلّف في تغييب التّأويل أو استحضاره ، بل يقصد إلى الغرض المتعيّن من تلكم الصّفات كمن ينظر إلى المعنى من ستر رقيق ، فيعوّل على المعنى الكلّيّ السّياقيّ ؛ ذلك أنّ جميع الأغراض النّفسانيّة : أعني الرّحمة والفرح والسّرور والغضب والحياء والمكر والاستهزاء لها أوائل ولها غايات ، ومن ذلك الغضب ، فإنّ أوّله غليان دم القلب ، وغايته إرادة إيصال الضّرر إلى المغضوب عليه ، فلفظ الغضب في حقّ اللّه لا يحمل على أوّله الذي هو غليان دم القلب ، بل على غرضه الذي هو إرادة الإضرار ، وكذلك الحياء ، له أوّل ، وهو انكسار يحصل في النّفس ، وله غرض وهو ترك الفعل ، فلفظ الحياء في حقّ اللّه على ترك الفعل لا على انكسار النّفس “ 11 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر : الزركشي ، البرهان ، 2 / 80 . 
( 2 ) ( الكهف الآية ، 28 ) . 
( 3 ) ( الإنسان الآية ، 9 ) . 
( 4 ) ( الليل الآية ، 20 ) . 
( 5 ) انظر : السيوطي، الإتقان ، 698، وانظر حديث الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين عن هذا المبحث، 1 / 117 - 137. 
( 6 ) ( ص الآية ، 75 ) . 
( 7 ) ( الفتح الآية ، 10 ) . 
( 8 ) ( يس ، الآية 71 ) . 
( 9 ) انظر : السيوطي ، الإتقان ، 688 . 
( 10 ) انظر : السيوطي ، الإتقان ، 692 . 
( 11 ) انظر : السيوطي ، الإتقان ، 692 .

“ 36 “
أمّا منهجه في عرض المسألة فقد اتّخذ سمتا واحدا متساوقا لم يحد عنه البتّة في هذا الكتاب ، فقد كان يأخذ المسألة بقوابلها مستفتحها بصيغة المساءلة ؛ مساءلة المستفهم المستعلم ، أو المشكّك المتوهّم ، بقوله : “ فإن قال قائل . . . “ ، أو “ وممّا أجبت به من يتوهّم من نحو قوله تعالى . . . “ ، ثمّ يجيب عن ذلك بما يليق بجناب الحقّ تعالت أسماؤه وصفاته ، معرّجا على مصادر ومظانّ متنوّعة لكي يقيم الحجّة على المتوهّم أو الملحد ، أو لكي يعضدها بما يوافقها ممّا ورد في التّنزيل العزيز ، أو الحديث النبويّ الشّريف ، أو أقوال الأكابر من أهل العلم وحفظته .
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: مقدّمة التّحقيق وترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:12 pm

مقدّمة التّحقيق وترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

رابعا : بين الشّعراني والشّيخ محيي الدّين ابن العربي : 

لعلّ أجلى ما يظهر للقارئ في مصنّفات الشّعرانيّ عامّة ، و “ القواعد الكشفيّة “ خاصّة ، تلقّفه لكثير من علوم الشّيخ محيي الدّين ابن العربي ، وليس يذهب بالقارئ الظّنّ أنّني أذهب مذهبا من الشّطط والتّكلّف إن قلت إنّ جلّ علوم الشّعرانيّ مستقاة من بحر الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ الفتوحات المكّيّة “ ، فقد كانت له منهلا فيّاضا في مصنّفه “ القواعد الكشفيّة “ ، يسترفد منها الفكر والفكر والفقر شارحا ومستدركا ومقتبسا . 
والحقّ أنّ إعجاب الشّعرانيّ بالشّيخ محيي الدّين ابن العربي يتجلّى في مظاهر متنوّعة : 
أوّلها : 
الأخذ عنه ، وإذا كان الشّعرانيّ ، فيما تقدّم ، قد أخذ عن “ الفتوحات “ فإنّه في مقامات أخر اختصرها ، كفعلته في مصنّفه “ لواقح الأنوار “ ، وفي مقامات ثالثة اختصر هذا المختصر ، كصنيعه في “ الكبريت الأحمر في علوم الشّيخ الأكبر “ ، وفي مقامات رابعة سطّر الكلام على علومه وأحواله في مصنّفه “ تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر الأولياء “ “ 1 “ . 
وثانيها : 
المحاماة عنه في غير موضع ، فقد بدا ذلك في “ اليواقيت والجواهر “ “ 2 “ ، و “ القواعد الكشفيّة “ ، فقد قال في الأخير في معرض الحديث عن “ التّأبيد في النّار “ : “ وكذلك قال الشّيخ عبد الكريم الجيليّ في شرحه لباب الأسرار من “ الفتوحات المكيّة “ ، فقال : إيّاك أن تظنّ بالشّيخ محيي الدّين ابن العربي أو غيره بأنّهم يقولون بإخراج الكفّار من النّار ، فإنّ ذلك ظنّ
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 404 . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، 1 / 22 .

“ 37 “
فاسد ، . . . ، خلاف ما أشاعوه عنه ، وإن وجد ذلك في “ الفصوص “ أو غيره فهو مدسوس عليه ، دسّه بعض الملاحدة ليروّج أمره بإضافته إلى الشّيخ ، واعتقاد النّاس فيه ، وفي غزارة علمه ، أو لينفر النّاس عن مطالعة كلامه كما هو الغالب من الحسدة ، فإذا رأوا مؤلّفا لبعض أقرانهم مدحه النّاس ، وتلقّوه بالقبول ، ربّما غلبهم الحسد ، ودسّوا فيه أمورا تخالف ظاهر الشّريعة ، فيحتمل أن تكون هذه المواضع التي انتقدت على الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في كتاب “ الفتوحات “ و “ الفصوص “ دسّها عليه بعض الحسدة ، فإيّاك أن تضيف إلى الشّيخ محيي الدّين ابن العربي - رضي اللّه عنه - ما يخالف ظاهر الشّريعة ؛ فإنّه إمام المحقّقين “ “ 1 “ .
وثالثها : 
وسمه في باب القول على ترجمته بأنّه “ الشّيخ العارف الكامل المحقّق المدقّق أحد أكابر العارفين باللّه سيّدي محيي الدّين بن العربيّ رضي اللّه تعالى عنه “ “ 2 “ ، و “ أنّ المحقّقين من أهل اللّه قد أجمعوا على جلالته في سائر العلوم ، وما أنكر من أنكر عليه إلّا لدقّة كلامه لا غير ، فأنكروا على من لا يطالع كلامه من غير سلوك طريق الرّياضة خوفا من حصول شبهة في معتقده يموت عليها لا يهتدي لتأويلها على مراد الشّيخ “ “ 3 “ . 
ورابعها : 
استفتاح الشّعرانيّ بعض مصنّفاته بتمثّل عقيدة الشّيخ المثبتة في مقدّمة “ الفتوحات “ ، والمبرّئة له من سوء الاعتقاد ، فقد أتى عليها في مقدّمة “ القواعد الكشفيّة “ موضوع التّحقيق ، و “ اليواقيت والجواهر “ “ 4 “ ، و “ الأنوار القدسيّة “ “ 5 “ وغير ذلك ، وقد دعا إلى حفظها لنفاستها وجامعيّتها قائلا : “ فأمعن يا أخي النّظر في هذه العقيدة فإنّها عظيمة ، وإن حفظتها عن ظهر قلب كان أولى ، واللّه يتولّى هداك “ “ 6 “ .
.................................................................................
( 1 ) سيرد هذا القول في التحقيق بعدا . 
( 2 ) انظر : الشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 403 . 
( 3 ) انظر : الشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 403 . 
( 4 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، 1 / 18 . 
( 5 ) انظر : الشعراني ، الأنوار القدسية ، 13 . 
( 6 ) انظر : الشعراني ، الأنوار القدسية ، 17 .

“ 38 “

خامسا : زمن تصنيف الكتاب ونسبته : 

أمّا زمن تصنيف هذا الكتاب فهو جليّ معيّن على وجه الإحكام دون الإبهام ، فقد ذكر الشّعرانيّ ذلك في مقدّمة هذا الكتاب المنويّ تحقيقه ، وهو سنة إحدى وستّين وتسعمائة ، وجاء ذلك في معرض الحديث عن تأليفه كتابا “ في الأجوبة عن الأنبياء والمرسلين والصّحابة والتّابعين وتابعي التّابعين إلى عصرنا هذا، وهو سنة إحدى وستّين وتسعمائة “، وقد أشار إلى ذلك حاجي خليفة “ 1 “. 
أمّا نسبة هذا الكتاب فقد أتى عليها حاجي خليفة في “ كشف الظّنون “ “ 2 “ ، وإسماعيل باشا في “ هديّة العارفين “ “ 3 “ ، وبروكلمان في “ تاريخ الأدب العربي “ “ 4 “ ، والزّركلي في “ الأعلام “ “ 5 “ ، ولا ينسى في هذا المقام النّسبة التي أثبتها النّساخ أوائل النّسخ وأواخرها .

سادسا : المصطلح الصّوفيّ في هذا الكتاب : 

ليس يخفى أنّ للصّوفيّة مصطلحات خاصّة انعقد عليها إجماعهم بالتّواضع والتّوارث ، وقد غدا كثير منها ممّا يكتسي بلبوس معنويّ خاصّ حمّال لدلالات تفارق أصل الوضع اللّغويّ ، فمنها ما ضيّقت دلالته فخصّص ، ومنها ما وسّعت فعمّم ، ومنها ما تجوّز به فانتقلت دلالته من مضمار إلى مضمار ، ومنها ما غدا رمزا تتوارى خلفه دلالات لا يقف عليها إلّا أهل هذا الطّريق أو أعلامه ، وقد عرّج على هذا الملحظ بعض المصنّفين في هذا المبحث والمنتسبين إليه ، فألّفوا فيه ، ومنهم القشيريّ ، وابن العربيّ ، والقاشانيّ ، وعليّ بن وفا ، والشّعرانيّ . 
أمّا القشيريّ فقد ذهب إلى أنّ القوم نعم ما فعلوا من الرّموز ، فإنّهم إنّما فعلوا
.................................................................................
( 1 ) انظر : حاجي خليفة ، كشف الظنون ، 2 / 1360 . 
( 2 ) انظر : حاجي خليفة ، كشف الظنون ، 2 / 1360 . 
( 3 ) انظر : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 641 ، وفيه : “ القواعد الكشفية الموضحات لمعاني الصفات الإلهية “ . 
( 4 ) انظر : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 262 . 
( 5 ) انظر : الزركلي ، الأعلام ، 4 / 181 .

“ 39 “
ذلك غيرة على طريق أهل اللّه - عزّ وجلّ - أن يظهر لغيرهم ، فيفهموها على خلاف الصّواب ، فيضلّوا في أنفسهم ، ويضلّوا غيرهم “ 1 “ ، فقد ألمح إلى أنّ لكلّ طائفة من العلماء ألفاظا يستعملونها ، وقد انفردوا بها عمّن سواهم ، كما تواطؤوا عليها لأغراض لهم فيها من تقريب الفهم على المتخاطبين بها ، أو للوقوف على معانيها بإطلاقها ، وهم يستعملون ألفاظا فيما بينهم قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم ، والسّتر على من باينهم في طريقتهم ، لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب غيرة منهم على أسرارهم أن تشيع في غير أهلها “ “ 2 “ .
أمّا القاشانيّ فقد التمس باعثا آخر أفضى به إلى صنع مصنّف قائم برأسه في مصطلحات القوم ، ملتفتا إلى مبدأ التّواصل والتّلقّي ؛ ذلك أنّه رأى أنّ كثيرا من علماء الرّسوم قد استعصى عليهم فهم ما تضمّنته هذه الكتب من النّكت والأسرار ، فأحبّ أن يشرح ما تواطأ عليه القوم من الألفاظ والألقاب التي يعبّرون بها عمّا يتداولونه بينهم من علومهم الإلهيّة ، وما به يفهم بعضهم عن بعض ، كما جرت عليه عادة أهل كلّ فنّ “ 3 “ . 
وقد التفت الشّعرانيّ ، على نحو معجب ، إلى دلالة المصطلح ورمزيّته في علوم القوم ، وإلى ما قد يقوم في نفس بعض من ينكر عليهم ذلك ، مشيرا إلى أنّ في إخفاء ذلك ، وفي هذه الرّمزيّة رائحة ريبة ، وفتحا لباب رمي النّاس لهم بسوء العقيدة وخبث الطّويّة ، والجواب الذي ارتضاه أنّهم إنّما رمزوا ذلك رفقا بالخلق ورحمة بهم ، فما ذلك - كما يقرّر الشّعرانيّ - إلّا لدقّة مداركهم حين صفت قلوبهم ، وخلصت من شوائب الكدورات الحاصلة بارتكاب الشّهوات والآثام ، ولا يجوز لأحد أن يعتقد أنّهم يخفون كلامهم إلّا لكونهم فيه على ضلال ، فهذا سبب رمز من جاء بعدهم للعبارات التي دوّنت ، وكان من حقّها ألّا تذكر إلّا مشافهة ، وألّا توضع في الطّروس ، ولكن ، لمّا كان العلم يموت بموت أهله ، دوّنوا علمهم ورمزوه “ 4 “.
لنرجع النّظر في بعض المصطلحات الواردة في “ القواعد الكشفيّة “ لاستشراف
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، 43 . 
( 2 ) انظر : القشيري ، الرسالة القشيرية ، 53 . 
( 3 ) انظر : القاشاني ، لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام ، 6 . 
( 4 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، 43 .

“ 40 “
التّغيّر الدّلاليّ ، أو لنقل : لاستشراف الخصوصيّة الدّلاليّة التي تعتري الكلمة في سياق “ النّصّ الصّوفيّ “ عامّة ، و “ النّصّ الشعرانيّ “ خاصّة :
- “ الحال “ : يتباين معناها بتباين المبحث الذي إليه تنتسب ، ففي مبحث النّحو الوصف الفضلة المنتصب للدّلالة على هيئة “ 1 “ ، وفي مبحث التّصوّف ما يرد على القلب من غير تعمّل ولا اجتلاب ، ومن شرطه أن يزول ، وقيل : الحال تغيّر الأوصاف على العبد ، فإذا استحكم وثبت فهو المقام “ 2 “ ، فحاصل تسمية الحال حالا إنّما هو لتحوّله وزواله ، والأمر بالضّدّ في “ المقام “ ؛ إذ إنّه قائم مستقرّ ، ومثال الحال أن ينبعث من باطن العبد داعية للمراقبة ، أو المحاسبة ، أو الإنابة ، ثمّ تزول تلك الدّاعية لغلبة صفات النّفس ، ثمّ تعود بعد زوالها ، ثمّ تعود بعد عودها ، فما دامت تلكم الصّفة تعود ثمّ تزول بلا استقرار وثبات فإنّه يقال : إنّ له حالا ، أو : حاله كذا ، حتّى تتداركه المعونة من ربّه الكريم بتثبيت تلك الصّفة ، فتصير تلك الصّفة وطنا له ومستقرّا ومقاما “ 3 “ . 
- “ السّكر “ : غيبة بوارد قويّ مفرح يكون عنه صحو “ 4 “ ، وقيل المراد بالغيبة عدم الإحساس ، فمن غاب بوارد قويّ سمّي سكران ، وقد يفسّر السّكر بأنّه حالة للنّفس ترد عليها من عالم القدس تؤدّي بها إلى ما هي بصدده من النّظام المتعلّق بعالم الأجسام ، فيوجب ذلك الاختلال في الحركات والسّكنات “ 5 “ ، وإخال أنّ هذا المذكور يتّفق من وجوه كثيرة مع الأصل العريض الذي ذكره ابن فارس في المقاييس ، فالسّين والكاف والرّاء أصل يدل على الحيرة . “ 6 “
.................................................................................
( 1 ) انظر : ابن عقيل ، شرح ابن عقيل ، 1 / 519 . 
( 2 ) انظر : القشيري ، الرسالة القشيرية ، 55 - 56 ، ومحيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 199 . 
( 3 ) انظر : القاشاني ، لطائف الإعلام ، 180 . 
( 4 ) انظر : القشيري ، الرسالة القشيرية ، 71 ، ومحيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 197 . 
( 5 ) انظر : القاشاني ، لطائف الإعلام ، 253 . 
( 6 ) انظر : ابن فارس ، المقاييس ، مادة “ سكر “ .

“ 41 “
- “ الرّياضة “ : الرّاء والواو والضاد أصلان متقاربان يدلّ أحدهما على اتّساع ، والآخر على تليين وتسهيل “ 1 “ ، وهي كذلك في مضمار النّصّ الصوفيّ ؛ إذ إنّها رياضة الأدب ، والخروج عن طبع النّفس “ 2 “ ، وقيل هي تهذيب الأخلاق النّفسيّة بمجاهدة النّفس بترك مألوفاتها ، لتزكو عند إزالة الشّماس عنها بترك المألوفات ، ورفع العادات ، ومخالفة المرادات ، والأهواء المرديات ، وقيل هي منع النّفس من الالتفات إلى ما سوى الحقّ ، وإجبارها على التّوجّه نحوه ليصير الانقطاع عمّا دونه ، والإقبال عليه ، ملكة لها “ 3 “ ، والذي يظهر للمتدبّر أنّ هذه الدّلالة الحادثة ذات لحمة بالدّلالة الأصليّة ، وأنّها اصطلاحيّة تكتسب هذه الدّلالة في سياقها الصّوفيّ . 
- “ الأنس “ : جماع معنى هذا الأصل ؛ أعني الهمزة والنّون والسّين ، ظهور الشّيء “ 4 “ ، والأنس “ أثر مشاهدة جمال الحضرة الإلهيّة في القلب “ 5 “ ، ولهذا قالوا : “ كلّ مستأنس صاح “ ، وقالوا : “ أدنى محلّ للأنس أنّه إن طرح في لظى لم يتكدّر عليه أنسه “ ، فلهذا لا يهتمّ صاحب هذا المنزل لنازلة ، ولا يغتمّ لحادثة ، ولا يؤثّر فيه سماع ما يكره ، ولا رؤية ما يلائم . “ 6 “ 
- “ الشّطح “ : كلمة عليها رائحة رعونة ودعوى ، وهي نادرة أن توجد من المحقّقين من أهل الشّريعة “ 7 “ . 
- “ الحرّيّة “ : إقامة حقوق العبوديّة للّه تعالى ، وصاحبها حرّ عمّا سوى اللّه “ 8 “ ، وقد ذهب القاشاني إلى أنّها الخروج عن رقّ الأغيار ، وأنّ لها ثلاث مراتب ، أولاها : حريّة العامّة ، وهي الخروج عن رقّ اتّباع الشّهوات ،
.................................................................................
( 1 ) انظر : ابن فارس ، المقاييس ، مادة “ روض “ . 
( 2 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 196 . 
( 3 ) انظر : القاشاني ، لطائف الإعلام ، 237 . 
( 4 ) انظر : ابن فارس ، المقاييس ، مادة “ أنس “ . 
( 5 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 198 ، والقاشاني ، لطائف الإعلام ، 90 . 
( 6 ) انظر : القاشاني ، لطائف الإعلام ، 91 . 
( 7 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 198 . 
( 8 ) انظر : القشيري ، الرسالة القشيرية ، 218 ، ومحيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 195 .

“ 42 “
وثانيتها : حرّيّة الخاصّة ، وهي الخروج عن رقّ المرادات لاقتصارهم على ما يريده الحقّ بهم ، وثالثتها : حرّيّة خاصّة الخاصّة ، وهي خروجهم عن رقّ الرّسوم والآثار لانمحاق ظلمة كونهم في تجلّي نور الأنوار “ 1 “ . 
- “ الغيبة “ : وللغيبة معنى لغويّ ، وآخران اصطلاحيّان ينتسبان إلى مبحثين منفصلين ، فهي عند الشيعة غيبة الإمام التي تعقبها رجعة ، وعند المتصوّفة غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق لشغل الحسّ بما ورد عليه من الحضور “ 2 “ ، وقد يصل الأمر به إلى أن يغيب عن إحساسه فضلا عن غيره ، والغيبة بإزاء الحضور ، والغيب بإزاء الشّهادة ، وقد تكون الغيبة لوارد أوجبه تذكّر ثواب ، أو تفكّر عقاب ، والمستصفى أنّ الغيبة إذا أطلقت إنّما يراد بها غيبة النّفس عن هذا العالم ، وحضورها هناك ، وهذه الغيبة التي يحمد حالها ، بخلاف ما هو عليه الحال في الغيبة عن حضرة القدس بالاشتغال عنها بعالم الحسّ “ 3 “ ، وهي المذمومة ، والحقّ أنّ معنى الغيبة يتجلّى في الأصل الصّحيح الذي ألمح إليه ابن فارس في مقاييسه ؛ إذ يدلّ على تستّر الشّيء عن العيون “ 4 “ ، ولكنّ الذي لا يخفى هو رمزيّة دلالة الغيبة في مضمار النّصّ الصّوفيّ ، واقترانها بمدلول اصطلاحيّ . 
- “ المجاهدة “ : حمل النّفس على المشاقّ البدنيّة ، ومخالفة الهوى على كلّ حال ، ولكن لا يتمكّن للسّالك مخالفة الهوى إلّا بعد الرّياضة “ 5 “ . 
- “ الغيرة “ : تطلق في الطّريق بإزاء ثلاثة معان : غيرة في الحقّ لتعدّي الحقوق ، وغيرة تطلق بإزاء كتمان الأسرار والسّرائر ، وغيرة الحقّ ضنّته على أوليائه ، وهم الضّنائن أصحاب الهمم . “ 6 “
.................................................................................
( 1 ) انظر : القاشاني ، لطائف الإعلام ، 183 . 
( 2 ) انظر : القشيري ، الرسالة القشيرية ، 69 ، ومحيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 198 . 
( 3 ) انظر ما قاله القاشاني في دلالة “ الغيبة “ ودرجاتها وأمثلتها ، لطائف الإعلام ، 339 . 
( 4 ) انظر : ابن فارس ، المقاييس ، مادة “ غيب “ . 
( 5 ) انظر : القشيري ، الرسالة القشيرية ، 97 ، ومحيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 196 ، والقاشاني ، لطائف الإعلام ، 386 . 
( 6 ) انظر : القشيري ، الرسالة القشيرية ، 254 ، ومحيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 196 .

“ 43 “
- “ الهمّة “ : تطلق بإزاء تجريد القلب للمنى ، وبإزاء صدق المريد “ 1 “ ، وتطلق بإزاء تعلّق القلب بطلب الحقّ تعلّقا صرفا خالصا من رغبة في ثواب ، أو رهبة من عقاب ، ولذلك قيل : الهمّة طلب الحقّ بالإعراض عمّا سواه من غير فتور ولا توان ، ولها درجات عندهم ، أولاها همّة الإفاقة ، وثانيتها همّة الأنفة ، وثالثتها همّة أرباب الهمم العالية ، وقد عدّها القاشانيّ المنزل العاشر من منازل قسم الأدوية التي تبعث السّرّ على السّير في منازل المحبّة ورتبها “ 2 “ . 
- “ الصّحو “ : رجوع الإحساس بعد غيبة حصلت عن وارد قويّ “ 3 “ ، وهي درجات وأنواع عندهم ، فثمّ صحو الجمع ، وثمّ صحو المفيق “ 4 “ . 
- “ الوله “ : إفراط الوجد بمشاهدة السّرّ “ 5 “ . 
لعلّ الخوض في هذه المباحثة ، أعني المصطلح الصّوفيّ ، يكثر إن تتبّعته ، بل هو محتاج إلى مباحثة مخصوصة مستقلّة يقام لها كتاب يستشرف فيه ملامح هذا المصطلح ، وتعيّن دلالاته ، وتلتمس العلائق بين المعاني المعجميّة والرّمزيّة ، وصفوة المستخلص ممّا تقدّم أنّ هذا المخطوط مصدر أصيل لدراسة المصطلح الصّوفي في سياقه النّصّيّ ؛ ذلك أنّه متردّد بين وجهات دلاليّة متعدّدة ؛ كالدّلالة الرّمزيّة ، والتّخصّصيّة ، والمجازيّة ، والحقيقيّة .

سابعا : وصف النسخ المخطوطة : 

بعد التّنقيب في دور المخطوطات المتناثرة وجدت لهذا المصنّف المنويّ تحقيقه نسخا عدّتها ثمان ، منها أربع في دار الكتب المصريّة “ 6 “ ، وواحدة في مكتبة الأزهر
.................................................................................
( 1 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 196 . 
( 2 ) انظر : القاشاني ، لطائف الإعلام ، 453 . 
( 3 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 198 . 
( 4 ) انظر : القشيري ، الرسالة القشيرية ، 71 ، والقاشاني ، لطائف الإعلام ، 269 . 
( 5 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 197 . 
( 6 ) منها نسخة رقمها ( تصوف - 893 ) ، وتاريخ نسخها ( 1010 ه ) ، وعدد ورقاتها ( 133 ) ، وأخرى رقمها ( تصوف - 134 ) ، وتاريخ نسخها ( 1022 ه ) ، وعدد ورقاتها ( 110 ) ، وأخرى رقمها ( تصوف - 224 ) ، وتاريخ نسخها ( 1149 ه ) ، وعدد ورقاتها ( 242 ) ، وأخرى رقمها ( تصوف - 521 ) ، وتاريخ نسخها ( 1193 ه ) ، وعدد ورقاتها ( 104 ) .

“ 44 “
الشّريف “ 1 “ ، وواحدة في المكتبة الوطنيّة بباريس “ 2 “ ، وواحدة في المكتبة البديريّة في القدس الشّريف “ 3 “ ، وواحدة في دار إحياء التّراث العربيّ في القدس الشّريف “ 4 “ ، وقد استصفيت خمس نسخ ممّا تقدّم لتكون عمادا للتّحقيق : 

أمّا أولاها فنسخة عددتها أمّا ، فقد نسخت بعد وفاة الشّعرانيّ بستّ سنوات ، أي سنة ( 979 ه ) ، وهي نسخة سقطت منها بضع ورقات ، موزّعة على ثمان وستّين ورقة ، في كلّ صفحة خمسة وعشرون سطرا ، وقد استنسختها من مؤسّسة إحياء التّراث الإسلاميّ في القدس الشّريف ، وهي حاملة للرّقم ( 347 / 1 ) ، محتاجة إلى رويّة وطول تبصّر في قراءتها ، وقد ضبط بعض كلماتها ، وعددتها النّسخة الأمّ التي أفيء إليها ، والمحتكم الذي أقابل عليه النّسخ الأخرى ، أمّا رمزها في التّحقيق فكان “ أ “ . وأمّا ناسخها فمجهول لم يرد له ذكر ولا اسم ، ويبدو أنّها نسخة مراجعة ؛ ذلك أنّ بعض الكتابات قد ظهرت على أطراف المتن وحواشيه ، وقد قفلها النّاسخ بقوله : “ وليكن ذلك آخر كتاب “ القواعد الكشفيّة الموضحة لمعاني الصّفات الإلهيّة “ ، وكان الفراغ منها يوم الخميس المبارك من شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وتسعمائة ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل ، والحمد للّه ربّ العالمين “ . 
أمّا ثانيتها فهي النّسخة المصوّرة عن النّسخة المخطوطة المحفوظة بدار الكتب القوميّة في مصر ، ورقمها ( 134 / تصوف ) ، وتقع في مائة وخمس عشرة ورقة ، في كلّ صفحة تسعة عشر سطرا ، أمّا تاريخ نسخها فهو قريب العهد من المؤلّف ؛ ذلك أنّها نسخت سنة ( 1022 ه ) على يد شرف الدّين الطّوخيّ الشّعراويّ . أمّا رمزها في التّحقيق فكان “ د “ ، وقد
.................................................................................
( 1 ) رقمها ( 333301 ) ، وتاريخ نسخها ( 1234 ه ) ، وعدد ورقاتها ( 111 ) . 
( 2 ) رقمها ( 4907 ) ، وتاريخ نسخها ( 1016 ه ) ، وعدد ورقاتها ( 110 ) . 
( 3 ) رقمها ( 46 / 243 / ه - أصول الدين ) ، وتاريخ نسخها ( 1227 ه ) ، وعدد ورقاتها ( 113 ) . 
( 4 ) رقمها ( 347 / 1 ) ، وتاريخ نسخها ( 979 ه ) ، وعدد ورقاتها ( 68 ) .

“ 45 “
قفلها النّاسخ بقوله : “ ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمد وآله وسلّم ، وافق الفراغ من كتابة هذه النّسخة المباركة في أواخر شهر محرّم الحرام سنة اثنتين وعشرين وألف على يد أضعف خلق اللّه ، وأحوجهم إلى مغفرته ، شرف بن الطّوخيّ الشّعراويّ ، غفر اللّه له ، ولوالديه ، ولمشايخه ، ولمن دعا لهما بالمغفرة ، ولكل المسلمين ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه تعالى “ .
أمّا النّسخة الثّالثة فهي نسخة مصوّرة عن النّسخة المخطوطة المحفوظة بدار الكتب القوميّة في مصر ، ورقمها ( 224 / تصوف ) ، وكان الفراغ من نسخها سنة ( 1149 ه ) ، وهي نسخة أنيقة تامّة لا نقص فيها ولا آثار للأرضة ، وقد أشار النّاسخ في مختتمها إلى أنّها “ نسخة مقابلة على حسب الطّاقة ، واللّه الموفّق للصّواب “ . وتقع هذه النّسخة في مائة وإحدى وعشرين ورقة ، في كلّ صفحة تسعة عشر سطرا . أمّا ناسخها فلم يرد له ذكر . وأمّا رمزها في التّحقيق فكان “ ك “ ، وقد قفلها النّاسخ بقوله : “ وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد خير البريّة ، وعلى آله وأصحابه الصّحبة المرضيّة ، تسليما كثيرا إلى يوم الدّين ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وكان الفراغ من نقل هذه النّسخة المباركة يوم الخميس من شهر ذي الحجّة ، تسعة وعشرون يوما خلت منه اختتام 1149 ، غفر اللّه لكاتبها ولوالديه ، ومن طالعها آمين “ .
أمّا النّسخة الرّابعة فهي مصوّرة من النّسخة المخطوطة المحفوظة في المكتبة البديريّة في القدس الشّريف ، ورقمها ( 46 / 243 / هـ  أصول الدين ) ، وعدد ورقاتها مائة وثلاث عشرة ، في كلّ صفحة ثلاثة وعشرون سطرا ، وهي نسخة أنيقة مرتّبة ، جليّة الخط جميلته ، ولكنّ فيها سقطا جليّا التفت إليه النّاسخ ، فألمح إليه في موضعه ، وقد كتب النّاسخ آخرها :
“ وكان الفراغ من كتابتها في سلخ رجب الفرد من شهور سنة سبع وعشرين ومائتين وألف من الهجرة النّبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة

“ 46 “
والسّلام من ربّ البريّة ، على يد أحقر المساكين ، عمر باب الدّين ، غفر له ولوالديه والمسلمين ، آمين “ . أمّا رمزها في التّحقيق فكان “ ب “ .
أمّا الخامسة فهي مصوّرة من النّسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة الأزهر الشّريف ، ورقمها ( التّصوف - 333301 ) ، وعدد ورقاتها مائة وإحدى عشرة ورقة ، في كلّ صفحة واحد وعشرون سطرا ، وهي نسخة أنيقة مهذّبة مرتّبة كتبت رؤوس فقراتها باللّون الأحمر ، وكذلك شأن السّؤالات وكثير من مفتتح الإجابات . أمّا ناسخها فمجهول لم يرد له اسم ، وقد كتب في مختتمها : “ وليكن ذلك آخر كتاب “ القواعد الكشفيّة الموضحة لمعاني الصّفات الإلهيّة “ ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد خير البريّة ، وعلى أصحابه الصّحبة المرضيّة تسليما كثيرا إلى يوم الدّين ، وكان الفراغ من نقلها 17 شهر شوّال 1234 من الهجرة النّبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام ، آمين “ . وقد اتّخذت لها الحرف “ ز “ رمزا دالا عليها في التّحقيق .


ثامنا : سير التّحقيق 
- وقد اعتمدت على النّسخ الخمس في التّحقيق جانحا - وقد تقدّم بيان عن هذا آنفا - إلى عدّ نسخة دار إحياء التّراث الإسلاميّ نسخة أمّا ، وقد عرضت عليها النّسخ “ د “ ، و “ ك “ ، و “ ب “ ، و “ ز “ ، فأثبت في الحاشية ما ورد عليّ من فروق بين تلكم النّسخ بعد المقابلة والتّدبّر ، والحقّ أنّه لم يكن ثمّ فروق أو تباين ظاهر بين النّسخ ما خلا السّقط الظّاهر في النّسختين “ أ “ و “ ب “ ؛ وإذا ما تنوسي هذا السّقط فإنّ جلّ الفروق المثبتة في حواشي الكتاب كان ممّا ينتسب إلى تصحيف ناسخ ، وتحريف آخر ، وسقوط كلمة ، وإضافة أخرى ، وتقديم كلمة ، وتأخير أخرى ، وإصلاح العبارة إصلاحا يتساوق مع سياقها العامّ ، وبذا تكون هذه النّسخ قد تتامّت لتقترب في صورتها المحقّقة من نسخة الشّعرانيّ الأصليّة . 
- وقد استفتحت التّحقيق بترجمة للمؤلّف ، وحديث مقتضب عن حياته ، وعلمه ، وتآليفه ، وشيوخه ، ووفاته ، وأقوال المستشرقين فيه ، والدّسّ عليه .

“ 47 “

وقد أتيت في مقدّمة التّحقيق على بيان خائض في شكل الكتاب ومضمونه ومنهجه وأسلوبه ، وقد عرّجت كذلك على اللّحمة الوثقى بين مادّة هذا الكتاب ومادّة “ الفتوحات المكّيّة “ .
- وقد قام منهجي في تحقيق هذه الرّسالة على ردّ الأقوال في الغالب إلى أهلها ، والعود إلى مظانّها وتوثيقها توثيقا تامّا ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، كعبارات الشّيخ محيي الدّين ابن العربي وأبي طاهر القزوينيّ وغيرهما ، والحقّ أنّني صرفت وكدي نحو هذا المطلب ما استطعت .
فقد خرّجت أقوال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي التي يأتلف منها شطر كبير من هذا الكتاب ، وقد أشرت في مواضع إلى أنّ الصّواب ورودها في الباب الفلانيّ لا كما ذكره الشّعرانيّ ، ومثال ذلك قوله عن كلام لمحيي الدّين إنّه جاء في الباب السّابع والثّلاثين وثلاثمائة من “ الفتوحات “ .
والحقّ أنّه جاء في الباب الثّامن والثّلاثين وثلاثمائة ، وكذلك إيراد الشّعرانيّ عبارة ونسبتها إلى عليّ المرصفيّ ، وهي ليست له البتّة ، بل هي لمحيي الدّين في “ الفتوحات المكّيّة “ ، وغير ذلك ممّا أثبتّه في حواشي التّحقيق . 

- وقام التّحقيق كذلك على تخريج الشّواهد ومواضع التّمثّل ؛ كالآيات الكريمات ، والأحاديث النّبويّة الشّريفة ، والأشعار ، والأمثال ما اسطعت إلى ذلك سبيلا . 
- وقد قمت بالتّرجمة للأعلام الذين ورد لهم ذكر في المخطوط ، والحقّ أنّهم كثر ؛ ذلك أنّ الشّعرانيّ كان يناقش المسألة الواحدة مسترفدا أنظار بعض من وردوا عليها، ومن هنا ظهر في هذا المخطوط مجموعة من الأعلام التي كان لا بدّ من التّرجمة لها. 
- وقام التّحقيق كذلك على ضبط النّصّ والعبارة ضبطا يرفع الملبس ويجلّي المشكل . 
- وقد وضعت عنوانات للمباحث الفرعيّة التي تركت غفلا من أيّ تقديم ، أو عنوان يلفّها ، بين قوسين معقوفين دلالة على أنّ ما بينهما من إضافة المحقّق تبيانا وتجلية .

“ 48 “
- وقد تكلّمت في حواشي التّحقيق على بعض الألفاظ الغريبة وشرحها ، وكذلك شرحت بعض المبهم من العبارات ، وطوّلت في المختصر غير الدّال . 

- وقد ذيّلت النّصّ المحقّق بفهرس جامع يشتمل على الآيات القرآنيّة ، والأحاديث النّبويّة ، والأشعار ، والأعلام .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: مقدمة المصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:14 pm

مقدمة المصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
الكتاب محقّقا 
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، وبه توكّلت “ 1 “ 
الحمد للّه ربّ العالمين ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه الملك الحقّ المبين “ 2 “ ، وأشهد أنّ سيّدنا ومولانا محمّدا عبده ورسوله إلى جميع المكلّفين ، اللّهمّ فصلّ وسلّم على سيّدنا محمّد “ 3 “ وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ، وعلى آلهم وصحبهم أجمعين ، صلاة وسلاما دائمين أبد الآبدين ، ودهر الدّاهرين ، آمين آمين آمين . 
وبعد ، فقد كان سبق منّي تأليف كتاب عظيم في الأجوبة عن الأنبياء والمرسلين والصّحابة والتّابعين وتابعي التّابعين “ 4 “ إلى عصرنا هذا ، وهو سنة إحدى وستّين وتسعمائة ، فما تركت من شيء “ 5 “ بلغني أنّه نقل عن الأنبياء ومن بعدهم لا يقبل التّأويل عند بعض العلماء إلّا وأجبت عنه ، وقرئ بحضرة أهل العلم مرّات “ 6 “ واستحسنوه ، وهو في مجلّدين ضخمين ، وهذا كتاب ذكرت فيه الأجوبة عن صفات الحقّ جلّ وعلا ، وردّ ما يتوهّمه الملحدون وضعفاء الحال في العلم بحسب مقامي غيرة على جناب الحقّ - جلّ وعلا - أن يتوهّم أحد فيه ما لا يليق بجنابه تعالى ، وقد أطلعت عليه بعض العلماء الأكابر ، فاستحسنه ، وقال : كتاب “ 7 “ حقّه أن يكتب بنور الأحداق ، انتهى . 
وهو صادق فيما قال ، فإنّ جميع ما فيه إنّما منزعه الكشف الصّحيح المؤيّد بالآيات والأخبار وقواعد المتكلّمين ، وقد “ 8 “ سمّيته بالقواعد الكشفيّة الموضحة لمعاني الصّفات الإلهيّة ، نفع اللّه به المسلمين ، آمين “ 9 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ : “ وبه الإعانة “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وبه ثقتي “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ الملك “ ساقطة . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ عليه وعلى . . . “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ وتابعي التّابعين “ ساقطة . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ : “ فما تركت شيئا “ ، “ ب “ : “ فما تركت فيه شيئا “ . 
( 6 ) العبارة في “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بحضرة طلبة العلم “ ، وفي “ ب “ : “ بحضرة أهل العلم واستحسنوه “ . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ هذا كتاب “ ، وكلمة “ قال “ ساقطة . 
( 8 ) “ ب “ : “ وسميته “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ آمين “ ساقطة .

“ 64 “

[شروط من يتصدّر للجواب عن آيات الصّفات ] 

وقد حبّب لي يا أخي أن أبيّن لك “ 1 “ نبذة في شروط من يتصدّر للجواب عن الأمور التي يتوهّمها الملحدون والعوامّ في جناب الحقّ جلّ وعلا ، فأقول وباللّه التّوفيق : 
اعلم يا أخي أنّ من جملة شروط من يتصدّر للرّدّ على الملحدين في آيات الصّفات أن يكون متبحّرا في جميع علوم الشّريعة “ 2 “ المطهّرة من تفسير وحديث وفقه وأصول ونحو وبيان ومعان “ 3 “ ولغة ، عالما بالخلاف العالي والنّازل ، وبما عليه جمهور أهل السّنّة والجماعة ، وما عليه من خالفهم ، مطهّرا من جميع الذّنوب الظّاهرة والباطنة بحيث لا يكون في سريرته شيء يكرهه اللّه عزّ وجلّ ، وذلك ليصحّ له الجواب عن جناب صفات الحقّ عزّ وجلّ ، ويدخل حضرة اللّه عزّ وجلّ “ 4 “ ، ويعرف آداب أهلها مع اللّه - تعالى - “ 5 “ وصفاته ، فلا يضيف إلى جناب “ 6 “ الحقّ - جلّ وعلا - “ 7 “ شيئا لا يضيفه إليه أهل الحضرة من الأنبياء والأولياء والملائكة ، فعلم أنّ من كان في قلبه “ 8 “ شيء يكرهه اللّه تعالى ، أو لم يتبحّر في علوم الشّريعة واللّغة ، أو كان يجهل شيئا من مجازات العرب واستعاراتها ، فلا يصحّ له مقام العلماء باللّه ، ولا مقام الجواب عن أهل حضرته لعدم دخوله لها . 
وكان سيّدي عليّ الخوّاصّ - رحمه اللّه - يقول “ 9 “ : من لم يدخل الحضرة فلا يصحّ
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ حبّب إليّ أن أبيّن لك يا أخي “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ العلوم الشّرعيّة “ .  ( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ ومعان وبيان “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ .  ( 5 ) “ د “ ، “ ك “ : “ عزّ وجلّ “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ : “ جانب “ .  ( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ سريرته “ . 
( 9 ) هو الشيخ عليّ الخوّاص البرلّسي ، أميّ لا يقرأ ولا يكتب ، يتكلم على معارف القرآن العظيم والسنة المشرفة كلاما نفيسا تحير فيه العلماء ، وكان ، كما يصفه المناوي ، من أكابر الاختصاص ، كان في ابتداء عمره طوّافا يبيع “ الجمّيز “ ( وهو ثمر يشبه التين ) عند الشيخ إبراهيم المتبولي ، ثم أذن له أن يفتح دكان زيات ، فمكث بها نحو أربعين سنة ، ثم ترك وصار يضفر الخوص حتى مات سنة ( 939 هـ ) ، وقيل سنة ( 961 هـ ) ، ولعل الأول أرجح ، وكان يسمى النسّابة ، لكونه يعرف أنساب بني آدم وجميع الحيوان ، وكان يزجر من يريد تقبيل يده ، قائلا : إنما يليق بأرباب المناصب ، أما الفقير فاللائق به الذل حتى يتجاوز الصراط ، ويدخل الجنة ، وقد قال الشعراني إنه شيخه الذي أخذ عنه ، من كلامه : سبب تحريك الإنسان رأسه حال الذكر والتلاوة أن الروح -

“ 65 “
له الجواب عن أهلها “ 1 “ ، بل ربّما كان جوابه عنه كالهجو له ، قال : وأمّهات آداب الحضرة الإلهيّة عندي عشرة آلاف أدب ، وأمّا فروعها فلا تنحصر . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 2 “ يقول : يحتاج من يريد الجواب عن الصّفات إلى كشف تامّ بحيث يتكلّم بالأمور على ما هي عليه في نفسها لا يخالطه في ذلك فكر ولا إمعان نظر في كتب كلاما جامعا بين جميع ما قاله المتكلّمون سلفا وخلفا بحيث يدخل حاصل معتمد كلامهم كلّه في ذلك الجواب ، ولا يخالفه شيء من كلامهم ، وسمعته - رضي اللّه تعالى عنه - “ 3 “ يقول : إذا كان من يجيب عن الأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - قلّ أن يوافق مقامهم على المطابقة ، فكيف بمن يتكلّم على صفات الحقّ - جلّ وعلا - الذي لا يحيط الأكابر به “ 4 “ علما . 
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريّا - رحمه اللّه - يقول “ 5 “ : يجب على العالم باللّه
- تشتاق إلى القرب من حضرة ربها إذا سمعت اسمه أو كلامه ، فتكاد تلحق بعالمها السماوي . 
وكذلك : النفس إذا مدحت اتسخت ، وإذا ذمت نظفت . 
وكذلك : الرزق في طلب المرزوق دائر ، والمرزوق في طلب رزقه حائر ، وبسكون أحدهما يتحرك الآخر ، انظر ترجمته : الشعراني ، الطبقات الكبرى ، 2 / 758 ، والغزي ، الكواكب السائرة ، 2 / 218 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 417 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 233 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 1 / 337 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 255 . 
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ عن أحد من أهلها “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : المرصفي ، “ ب “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ .  ( 4 ) “ ك “ : “ به الأكابر “ . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ، وهو أبو يحيى شيخ الإسلام زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري المصري الشافعي ، ولد بشرقية مصر ، سنة ( 823 هـ ) ، وتحول إلى القاهرة سنة ( 841 هـ ) ، فقطن بالجامع الأزهر ، درس الفقه والأصول والمعاني والبيان والتصوف ، كان يميل إلى الصوفية ، ويذب عنهم ، لا سيما ابن العربي وابن الفارض ، وهو ممن كتب في نصرتهما ، وجزم بولايتهما ، ولاه السلطان قايتباي الجركسي قضاء القضاة ، فقبله ، فلما رأى من السلطان عدولا عن الحق زجره ونهاه ، فعزله ، فعاد إلى الاشتغال بالعلم إلى أن توفي ، له مصنفات كثيرة في الفقه والأصول والقراءات والنحو والتصوف وغير ذلك . من لطيف كلامه : إذا ملّ العبد من العبادة حنت نفسه إلى فراق حضرة ربها ، فصارت واقفة بين يديه بجسمها دون روحها ، أو قلبها ، أو سرها ، على اختلاف المقامات ، فهي إلى الإثم أقرب . عمّر الشيخ زكريا نحو مائة سنة حتى -

“ 66 “

- عزّ وجلّ - إذا أجاب الملحدين في جانب الصّفات ، وردّ أقوالهم ، أن يستشعر الخجل من الحقّ جلّ وعلا ، ويقول في نفسه : واللّه ، لولا الغيرة على جناب الحقّ - جلّ وعلا - من الخوض في صفاته “ 1 “ بغير علم ما جوّزنا لأمثالنا أن يجيب عن ذلك ، وكان أخي أفضل الدّين - رحمه اللّه تعالى - “ 2 “ إذا سمع أحدا يخوض في آيات الصّفات وأخبارها بغير علم يقول : دستور يا اللّه أن أجيب هذا الملحد في صفاتك بقدر وسعي ، وكان يقول : يجب على كلّ عارف أن ينهى إخوانه عن الخوض في معاني آيات الصّفات لجهلهم بمعانيها ، وهذا النّهي واجب ما لم يصل أحدهم إلى مقام الكشف الصّحيح .

[ مفهوم التّقدير والتّدبير ] 

وكان سيّدي عليّ الخوّاص - رحمه اللّه - يقول : كن مع ربّك في حال “ 3 “ وجودك كما كنت معه في حال عدمك ، فإنّ جميع الأمور التي تقع في عالم الدّنيا وعالم الآخرة قسم قسّمت ، ونعوت أجريت ، كيف تجتلب “ 4 “ بحركات ، أو تنال بسعايات ؟ ومع ذلك فقد غيّب - سبحانه وتعالى - “ 5 “ عنّا المقادير ، ومكّننا من الفعل والتّرك دفعا للمعاذير ، وعلّق الجزاء على الأعمال الدّنيويّة ، وجعلها سببا للجزاء الأخرويّ ، كما قال - تعالى - :وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ” 6 “ ، وقال في أهل الجنّة “ 7 “ :جَزاءً
- انقرض جميع أقرانه ، وصار كل من في مصر من أتباعه ، أو أتباع أتباعه ، كفّ بصره ، وتوفي سنة ( 926 هـ ) ، انظر : ترجمته : الغزي ، الكواكب السائرة ، 1 / 198 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 688 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 369 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 134 ، والزركلي ، الأعلام ، 3 / 46 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 1 / 733 . 
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ صفاته تعالى “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه “ ، وهو أخو الشعراني ، وكان ينعته ب “ سيدي الشيخ “ ، و “ أخي الشيخ “ ، وقد ورد له ذكر كثير في مصنفات الشعراني ، كالمنن الكبرى ، 63 ، 278 ، 291 ، 431 ، 558 ، 560 ، 575 . 
( 3 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ في “ ساقطة ، والعبارة فيهما : “ مع ربك حال “ . 
( 4 ) “ د “ : “ تجلب “ . 
( 5 ) “ د “ : “ سبحانه “ ليست فيها . 
( 6 ) ( الجاثية ، الآية 22 ) . 
( 7 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : العبارة : “ وقال تعالى في . . . “ .

“ 67 “
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ” 1 “ ، وقال في أهل النّار :جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ” 2 “ ، وقال كما في بعض طرق الحديث القدسيّ “ 3 “ : “ إنّما هي أعمالكم أردّها عليكم “ 4 “ ، فمن وجد خيرا فليحمد اللّه ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه “ “ 5 “ ، وإن لم “ 6 “ يكن ذلك من الحقّ - تعالى - “ 7 “ حبّا وتقريبا فهو ابتلاء وامتحان ليبيّن لعباده صدقهم في دعواهم الأدب معه ، أو كذبهم فيه ، فمن قال عن شيء من مقدورات الحقّ - تعالى - إنّه ناقص ، أو لو فعل الحقّ - تعالى - “ 8 “ خلافه كان أولى ، فهو كافر ، وكأنّه ادّعى أنّه أعلم وأحكم من “ 9 “ اللّه تعالى ، ومن تمنّى غير ما أوجده اللّه “ 10 “ ، فكأنّه يقول : يا ربّ غيّر جميع ما سبق في علمك لأجل عقلي ، وهو جهل وخطأ بإجماع جميع الملل . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول “ 11 “ : وظيفة العبد في هذه
.................................................................................
( 1 ) قوله : “ وقال تعالى في أهل الجنّة : “جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ” ، ساقط من “ ك “ .  ( 2 ) ( فصلت ، الآية 28 ) . 
( 3 ) “ د “ : وقال كما في . . . “ ، “ ب “ : “ كما في بعض طروق “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ وقال في الحديث . . . “ ، وما أثبته من “ أ “ . 
( 4 ) “ د “ : “ ترد “ ، وفي النسخ الأخرى : “ أردها “ . 
( 5 ) أخرجه مسلم في الصحيح ، كتاب البر ( 55 / 2577 ) ، شرح صحيح مسلم ، 15 / 368 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ لم “ ساقطة ، وذلك يجعل العبارة والمعنى ركيكين . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ من اللّه تعالى “ . 
( 8 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ في “ ، وإخاله تصحيفا لا يستقيم به المعنى . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . وهو نور الدين علي بن خليل ، صوفي مصري شافعي ، كان أبوه إسكافيا يخيط النعال ، وفق للاجتماع بالشيخ مدين ، فلقنه الذكر ، وقد لخص الرسالة القشيرية ، وتكلم على مشكلاتها ، وقد قرأها عليه ، بعد قراءتها على الشيخ زكريا الأنصاري ، الشعراني ، وقد سطر مؤلفاته تلميذه الشعراني في كثير من مصنفاته ، ومن ذلك “ الأنوار القدسية “ ، وقد قال : أربع مراتب تزاحم الناس عليها بغير حق : تلقين الذكر ، وإلباس الخرقة ، وإرخاء العذبة ، وإدخال الخلوة . من كلامه : السالك في طريق الذكر كالطائر المجدّ إلى حضرات القرب ، توفي سنة ( 930 هـ ) ، ودفن بزوايته بقنطرة حسين بمصر . انظر ترجمته : الشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 699 ، والغزي ، الكواكب السائرة ، 1 / 270 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 402 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 174 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 742 ، والنبهاني ، جامع كرامات -

“ 68 “

الدّار إنّما هي “ 1 “ الاشتغال بالعمل بما أمره “ 2 “ به ربّه لا غير ، ومن اشتغل بغير ذلك فقد ضيّع عمره في الباطل “ 3 “ ، ومن توقّف عن العمل بشيء حتّى يعلم ماذا أراد اللّه به فهو ضعيف الإيمان ، وقد ورد في الصّحيح مرفوعا : “ جفّت الأقلام ، وطويت الصّحف “ “ 4 “ ، أي : مضت المقادير بما سبق به علم اللّه “ 5 “ في الأزل ، فلا يزاد فيه ولا ينقص .

[ معنى حديث “ والشّقيّ من شقي في بطن أمّه “ ] 

فإن قلت : فإذا الشّقاوة والسّعادة “ 6 “ لا أوّل لهما “ 7 “ ؛ لأنّ العلم الإلهيّ لا أوّل له ، وإذا كان لا أوّل للسّعادة والشّقاوة ، فما معنى حديث : “ والشّقيّ من شقي في بطن أمّه “ “ 8 “ ؟ فالجواب معناه : من سبقت شقاوته على السّؤال “ 9 “ عنه وهو في بطن أمّه حين يقال : أشقيّ أم سعيد ؟ وهذا لا ينافي أنّ الشّقيّ شقيّ الأزل ، وإنّما قال ذلك - صلّى اللّه
- الأولياء ، 2 / 333 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 286 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 7 - 8 / 323 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 439 . 
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ز “ : “ هو “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ أمر به “ . 
( 3 ) “ د “ : “ في البطالة “ . 
( 4 ) الحديث بتمامه : “ كنت خلف النبي - صلى اللّه عليه وسلم - يوما ، فقال : يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ اللّه يحفظك ، احفظ اللّه تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل اللّه ، وإذا استعنت فاستعن باللّه ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللّه لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك ، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف “ . أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 1 / 293 ، والترمذي في السنن ، كتاب صفة القيامة ، ( 2524 ) . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ فإذا السعادة والشقاوة “ ، “ ك “ : “ إن السّعادة والشّقاوة “ . 
( 7 ) “ ب “ : قوله : “ لا أول لهما “ ساقط . 
( 8 ) ومن الحديث : “ ألا إن ما هو آت قريب ، وإنما البعيد ما ليس بآت ، ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه ، والسعيد من وعظ بغيره “ . أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 2 / 176 ( مع تباين في الرواية ) ، ومسلم في الصحيح ، كتاب القدر ( 3 / 2645 ) ، 16 / 431 ، وابن ماجة في السنن ، ( كتاب السنة ، 46 ) ، 1 / 34 . 
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ سبقت شقاوته عن السؤال . . . “ .

“ 69 “

عليه وسلّم - لأنّه أوّل زمن اشتهار “ 1 “ أمره لملائكة التّخليق فمن بعدهم ، وإلّا فللّه - تعالى - أن يظهر على شقاوته أو سعادته قبل ذلك من شاء من عباده ، كما نقل عن بعض العارفين أنّه “ 2 “ كان يقول : لم أزل أعرف تلامذتي ، وأربيّهم في الأصلاب من يومأَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ” 3 “ ، ونقل أيضا عن بعض الأولياء أنّه كان يقوم لوالد سيّدي إبراهيم المتبوليّ “ 4 “ كلّما مرّ عليه ، ثمّ تركه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّما كنت أقوم لوليّ كان في صلبه ، وقد انتقل الآن إلى بطن أمّه ، انتهى . 
وقال بعض أشياخي أيضا : إنّ أوّل ما يظهر لملائكة التّخليق سعادة عبد أو شقاوته “ 5 “ من تكوينه في بطن أمّه ، فهناك يطلع اللّه - تعالى - على ذلك الملائكة ، أو من شاء اللّه “ 6 “ من الخواصّ ، كما يطلعهم على رزقه وأجله كذلك “ 7 “ وهو في بطن أمّه “ 8 “ ، ولا مرقى لأحد ممّن ذكر في العلم بسعادة أحد وشقاوته قبل وجوده في بطن أمّه ؛ لأنّ ذلك من علم سرّ القدر “ 9 “ الذي انفرد الحقّ - تعالى - بعلمه دون خلقه إلّا من ارتضى ، ألا ترى
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ زمن “ ساقطة “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ من أنه “ . 
( 3 ) ( الأعراف ، الآية 172 ) . 
( 4 ) هو برهان الدين إبراهيم بن علي بن عمر الأنصاري المتبولي الأحمدي الصوفي ، للعامة فيه اعتقاد وغلو ، كان ذا عقل راجح ، ومعرفة تامة بالتربية ، وله شفاعة عند الأمراء والوزراء لا ترد ، قدم من بلده “ متبول “ إلى طنطا ( طنتدا ) ، وصار يبيع الحمص المسلوق ، كان يرى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - في المنام ، فيخبر أمه التي هي من الصالحات ربات الأحوال ، فتقول له : يا ولدي ، إنما الرجل من يجتمع به في اليقظة ، من كلامه : “ الشريعة كالشجرة ، والحقيقة كالثمرة ، فلا بد لكل من الأخرى ، لكن لا يدرك ذلك إلا من تم سلوكه “ ، وكذلك : “ من آداب العبد ألا يخاطب ربه إلا على أكمل حال من طهارة الظاهر والباطن ، ولذلك فرش الأكابر السجادة في مصلاهم تعظيما لحضرة الرب ، والناس عن ذلك بمعزل “ ، توفي سنة ( 877 هـ ) . انظر ترجمته : السخاوي ، الضوء اللامع ، 1 / 85 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 608 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 119 ، والزركلي ، الأعلام ، 1 / 52 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 1 / 47 . 
( 5 ) “ د “ : “ شقوته “ .  ( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ب“ : “أو من شاء من الخواص “. 
( 7 ) “ د “ : “ على رزقهم وأجلهم “ ، ولعل ما ورد في النسخ الأخرى هو المتساوق مع سياق الكلام .  ( 8 ) “ د “ : “ وهم في بطون أمهاتهم “ . 
( 9 ) “ د “ : “ في سر القدر “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ في علم سر القدر “ .

“ 70 “
ملائكة “ 1 “ تخليق النّطفة في الرّحم كيف تستخرج ما عند اللّه - تعالى - من علم حال “ 2 “ تلك النّطفة بقولهم “ 3 “ : يا ربّ ، فما الرّزق ، وما الأجل ؟ وشقيّ هو “ 4 “ أو سعيد ؟
قال النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ فيقضي اللّه ما شاء “ “5“ ؛ أي : يظهر من قضائه ما شاء ممّا سبق به علمه وحكمه ، وتعلّقت به قدرته “ 6 “. 

وكان الإمام أبو المظفّر السّمعانيّ - رضي اللّه عنه - يقول “ 7 “ : سبيل معرفة هذا الباب التّوقيف على ما ورد في الكتاب والسّنّة دون محض القياس ومجرّد العقول ، ومن عدل عن التّوقيف فقد ضلّ وتاه في بحار الحيرة به ، ولم يصل إلى ما يطمئنّ به قلبه ؛ لأنّه - أي العلم الذي استأثر به “ 8 “ اللّه - تعالى - إنّما هو من علم سرّ القدر الذي ضربت دونه الأستار ، فلا يعلمه نبيّ مرسل ، ولا ملك مقرّب ، فلا تصل “ 9 “ إليه عقول الخلق ، ولا تبلغ “ 10 “ إليه معارفهم ، ومع ذلك فيجب على العبد التسليم لأحكام اللّه - تعالى –
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ ألا ترى إلى ملائكة “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ علم “ ساقطة ، ولا يستقيم المعنى بذلك . 
( 3 ) “ أ “ : “ بقولها “ ، وما أثبته من النسخ الأخرى . 
( 4 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ هو “ ساقطة . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : اللّه تعالى “ ، أخرجه مسلم في الصحيح ، كتاب القدر ( 3 / 2645 ) ، شرح صحيح مسلم ، 16 / 431 ، ونصه فيه : “ إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث اللّه إليها ملكا فصورها ، . . . ، فيقضي ربك ما شاء “ ، وقد أخرجه الحكيم الترمذي ، ونصه في “ نوادر الأصول “ : 
“ إن الملك الموكل بالأرحام يأخذ النطفة من الرحم فيضعها على كفه ، ثم يقول : يا رب ، مخلقة أو غير مخلقة ؟ فإن قال : مخلقة ، قال : يا رب : ما الرزق ، ما الأثر ، ما الأجل ؟ . . . “ . انظر : الحكيم الترمذي ، نوادر الأصول ، 1 / 388 . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ إرادته “ . 
( 7 ) هو أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني المفسر العالم بالحديث ، ولد في مرو سنة ( 426 ه ) ، وكانت وفاته فيها سنة ( 489 ه ) ، له مصنفات منها “ تفسير السمعاني “ ، و “ الانتصار لأصحاب الحديث “ ، و “ المنهاج لأهل السنة “ . انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 3 / 180 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 12 / 164 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 11 / 385 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 293 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 473 ، والزركلي ، الأعلام ، 7 / 303 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 919 . 
( 8 ) “ د “ : “ به “ ساقطة ، والعبارة في “ ز “ : “ استأثر اللّه تعالى به . . . “ . 
( 9 ) “ د “ : “ يصل “ .  ( 10 ) “ ز “ : “ ولا تصل “ .

“ 71 “

فيه “ 1 “ ، وعدم الاعتراض ، وإقامة الحجّة لنفسه .

[ المحاجّة بين آدم وموسى عليهما السّلام ] 

فإن قال قائل : فكيف “ 2 “ قال - صلّى اللّه عليه وسلم - في حديث مسلم : “ فحجّ آدم موسى “ “ 3 “ ؛ برفع الميم من “ آدم “ ، حين اجتمع هو وآدم في السّماء “ 4 “ ، وقال له : يا آدم ، أنت أبو البشر الذي “ 5 “ خلقك اللّه بيده ، وأسجد لك ملائكته ، كيف أكلت من الشّجرة ، وأخرجتنا من الجنّة ؟ فقال آدم “ 6 “ : وأنت يا موسى “ 7 “ الذي اصطفاك اللّه بكلامه ، وكتب لك التّوراة بيده ، أتلومني على أمر قدّره اللّه - تعالى - عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة “ ، كيف ساغ لآدم عليه السّلام “ 8 “ أن يعبّر عن تقدير اللّه القديم بأربعين سنة “ 9 “ مع سعة علم الأنبياء ، فالجواب أنّ مراد آدم - عليه الصّلاة والسّلام - “ 10 “ أربعون فأكثر ، وأنّ مراده بالأربعين سنة المدّة التي ظهر فيها التّقدير “ 11 “ في اللّوح المحفوظ لا في أمّ
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : قوله : “ تعالى فيه “ ساقط . 
( 2 ) “ ب “ : “ كيف “ . 
( 3 ) نص الحديث مع تباين قليل في الرواية : “ احتج آدم وموسى عليهما السلام ، فقال له موسى : يا آدم أنت أبونا ، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك ، فقال له آدم ، يا موسى : اصطفاك بكلامه ، وخط لك التوراة بيده ، أتلومني على أمر قدره اللّه علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ فحج آدم موسى ثلاثا “ . أخرجه أحمد في المسند ، 2 / 287 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب القدر ( الباب 834 / 1469 ) ، 8 / 515 ، ومالك في الموطأ ، ( كتاب القدر ، 1 ) ، 703 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب القدر ( الباب الثاني 13 / 2652 ) ، شرح صحيح مسلم ، 16 / 439 ، وابن ماجة في السنن ، المقدمة ، كتاب السنة ( 80 ) ، 1 / 62 ، وأبو داود في السنن ، كتاب السنة ( 4702 ) ، 5 / 53 ، والترمذي في السنن ، كتاب القدر ( 2141 ) ، 4 / 52 . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ حين اجتمع موسى هو وآدم “ . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ : “ الذي “ ساقطة . 
( 6 ) العبارة في “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ فقال له “ . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ : “ يا موسى ، وأنت . . . “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ . 
( 9 ) قوله : “ كيف ساغ لآدم عليه الصلاة والسلام أن يعبر عن تقدير اللّه تعالى القديم بأربعين سنة “ ساقط من “ ب “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ : “ عليه السلام “ . 
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ ظهر فيها للملائكة التقدير “ .

“ 72 “

الكتاب “ 1 “ الذي هو مكنون علم اللّه النّفيس ، ويؤيّد هذا ما ورد أنّ آدم - عليه الصّلاة والسّلام - قال : يا موسى ، بكم وجدت اللّه - تعالى - كتب التّوراة قبل خلقي ؟ فقال : بأربعين سنة . 
فهذه الرّواية مصرّحة ببيان المراد بالتّقدير ، ولا يجوز أن يراد به حقيقة علم القدر ، فإنّ تقدير اللّه - تعالى - “ 2 “ لا أوّل له ، وأمّا معنى قول نبيّنا - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ فحجّ آدم موسى “ برفع الميم من آدم كما مرّ ، فليس المراد به تشريع إقامة الحجّة لنا على ربّنا “ 3 “ كما قد يتوهّم لما ثبت من الكتاب والسّنّة من وجوب التّوبة والنّدم من كلّ ذنب ، وعدم الاحتجاج على الله - تعالى - بأنّه قدّر ذلك علينا قبل أن نخلق ،
ومن هنا قالوا : 
نؤمن بالقدر ، ولا نحتجّ به ، وقد فتح آدم - عليه الصّلاة والسّلام - هذا الباب “ 4 “ لذرّيّته بقوله :رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ” 5 “ ، فقام بأدب العبيد مع ربّهم مع علمه عليه - الصّلاة والسّلام - بأنّ ما وقع فيه من الأكل من الشّجرة كان بقضاء الله - تعالى - وقدر “ 6 “ لا مردّ له كما سيأتي إيضاحه في الباب الثّاني “ 7 “ إن شاء اللّه - تعالى - في الكلام على الجواب عن السّيّد آدم - عليه الصّلاة والسّلام - في أكله من الشّجرة بعد النّهي ، فعلم أنّ أحدنا لو وقع في معصية ، وقال : هذا أمر قدّره اللّه عليّ لا أقدر على دفعه ، فلا يجب عليه توبة منه ، فهي “ 8 “ حجّة داحضة لا يخرج بها عن اللّوم واستحقاق العقوبة وإن كان قوله هذا صدقا ؛ لأنّه يجب علينا أن نؤمن بالقدر ولا نحتجّ به . 

وقد قلت مرّة لشيخنا شيخ الإسلام زكريّا - رحمه اللّه - : إنّ قوله - صلّى اللّه عليه
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ أم “ ساقطة . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ فإن تقدير اللّه تعالى المقادير . . . “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ على ربنا سبحانه وتعالى “ . 
( 4 ) قوله : “ هذا الباب “ ساقط من “ ب “ . 
( 5 ) ( الأعراف ، الآية 23 ) . 
( 6 ) “ د “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما ، “ ز “ : “ بقضاء وقدر “ ، “ د “ ، “ ب “ ، “ ك “ : “ وقدره “ ، ولعل ما ورد في “ أ “ هو الأليق بسياق الكلام . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ في أول الباب الثاني “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ : “ فهو “ .

“ 73 “

وسلّم - : “ فحجّ آدم موسى “ ؛ برفع الميم “ 1 “ ، يوهم “ 2 “ ما لا يخفى من إقامة عذر العبد عند ربّه في جميع ما يقع فيه من المعاصي ، فقال - رضي اللّه عنه - : هذا لا يكون إلّا لو وقع هذا القول من آدم في دار التّكليف ؛ لأنّ من المعلوم أنّ وقوع هذه المحاجّة ما كان إلّا بعد موت آدم وموسى عليهما السّلام “ 3 “ ، وذلك الموضع ليس موضع تكليف حتّى يصحّ اللّوم الذي وقع من موسى لآدم عليهما الصّلاة والسّلام “ 4 “ ، ولا لوم على موسى لأنّه لا يجهل مثل ذلك ، أمّا العاصي منّا الآن فإنّه في دار التّكليف ، وجار عليه أحكام المكلّفين بخلاف آدم عليه الصّلاة والسّلام ، فكأنّ في وقوع اللّوم على أحدنا والزّجر له والعقوبة زجرا لغيره من العصاة . 

قال : ولكون المحاجّة “ 5 “ المذكورة كانت في غير دار التّكليف صحّ تسليم موسى لآدم ، وعدم اعتراضه عليه لمّا احتجّ بالقدر “ 6 “ ، ولذلك ورد مرفوعا : “ إذا ذكر القدر فأمسكوا “ “ 7 “ ، أي عن الاحتجاج به ، انتهى . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - يقول في قوله : “ فحجّ آدم موسى “ ، أي : غلب آدم موسى بإقامة الحجّة عليه من حيث إنّ آدم علّم موسى الأدب “ 8 “ والتّسليم مع الله - تعالى - في أقداره “ 9 “ ، فكأنّه يقول لموسى “ 10 “ : يا ولدي ، انظر أوّلا لمن “ 11 “
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ برفع الميم “ ساقطة . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ يوم “ ، وهو تصحيف لا يستقيم به المعنى . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ عليهما السلام “ ليس فيهما . 
( 4 ) “ ب “ : “ عليهما السلام “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ ومما يؤيد أن المحاجّة . . . “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ لما احتج عليه بالقدر “ . 
( 7 ) الحديث بتمامه : “ إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا ، وإذا ذكر القدر فأمسكوا “ . أخرجه الطبراني في الكبير ( 1427 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب القدر ( 11851 ) ، 7 / 294 ، والسيوطي في الدر المنثور ، 3 / 35 ، والجامع الصغير ( 615 ) ، 1 / 95 . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ علّم بنيه بما قاله لموسى . . . “ . 
( 9 ) “ د “ : “ وأقداره “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ : “ لموسى عليه السلام “ . 
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ إلى من “ .

“ 74 “

ناصية العباد بيده وتصريفه “ 1 “ ، ثمّ انظر إلى كسب العبيد “ 2 “ ، وأقم العذر لهم في الأوّل باطنا دون الثّاني ، وذلك لما كان عليه موسى من شدّة الغيرة للّه - تعالى - إذا انتهكت حرماته ، فأراد آدم أن يخفّف عنه بشهود تقدير اللّه “ 3 “ السّابق ، وإنّ من جملة كمال الوجود أن يكون فيه طائع وعاص لتحكم حضرات الأسماء في أهلها بالعزّ والذّلّ والنّصرة “ 4 “ والخذلان وغير ذلك ، فالكامل من أقرّ الوجود “ 5 “ على ما هو عليه من حيث الحكمة الإلهيّة ، وامتثل ما أمر اللّه ، وانتهى عمّا نهى اللّه . 
قال “ 6 “ : وفي بعض الكتب الإلهيّة “ 7 “ المنزلة : أنا اللّه لا إله إلّا أنا ، قدّرت المقادير “ 8 “ ، ودبّرت التّدبير “ 9 “ ، وأحكمت الصّنع ، فمن رضي فله الرّضا منّي حتّى يلقاني ، ومن سخط فله السّخط منّي حتّى يلقاني “ 10 “ ، انتهى . 
وفي الحديث القدسيّ : يقول اللّه - عزّ وجلّ - : إنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا الفقر ، ولو أغنيته لفسد حاله ، وإنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا الغنى ، ولو أفقرته لفسد حاله ، وإنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا البلاء ،ولو صحّحت بدنه لفسد حاله 
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ بيد تصريفه “ . 
( 2 ) “ أ “ : “ العبد “ ، ولعل ما يأتي بعده لا يرجح هذا الوجه . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .  ( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ والنصر “ . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ من أقر بكمال الوجود “ . 
( 6 ) “ د “ : “ قال “ ساقطة .  ( 7 ) “ ك “ : “ الإلهية “ ساقطة . 
( 8 ) “ د “ : “ التقادير “ .   ( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ التدابير “ . 
( 10 ) ورد هذا القول في الإحياء على أنه حديث شريف للرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وفيه : “ قدرت المقادير ، ودبرت التدبير ، وأحكمت الصنع ، فمن رضي فله الرضا مني حتى يلقاني ، ومن سخط فله السخط حتى يلقاني “ . انظر : الغزالي ، إحياء علوم الدين ، 4 / 335 . 
( 11 ) “ ب “ : هناك سقط في رواية الحديث ، وهذا الحديث جزء من حديث طويل ، أوله : “ من أهان لي وليا فقد بارزني المحاربة ، وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد ، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل ما افترضت عليه ، وما زال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، . . . ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ، ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ، ولو أسقمته لأفسده ذلك . . . “ . أخرجه أحمد في المسند ، 6 / 256 ( الجزء الأول من الحديث فقط ) ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 2 / 41 ، والبغوي في شرح السنة ، 5 / 1249 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الزهد ( 17950 ) ، 10 / 344 ، وكتاب الصلاة ( 3500 ) ، 2 / 427 ، وجامع الأحاديث القدسية ، 3 / 282 .


“ 75 “
انتهى .
فإيّاك يا أخي والاعتراض على شيء من أفعال القدرة الإلهيّة إلّا بطريق شرعيّ ، فتقبّح القبيح ، وتحسّن الحسن “ 1 “ عند ذلك تبعا للشارع “ 2 “ ، وقد بلغنا أنّ بعض الأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - ابتلاه الله - تعالى - بالفقر والجوع “ 3 “ والقمل عشر سنين لا يتهنّأ “ 4 “ بأكل ولا نوم “ 5 “ ، فكان يشكو حاله “ 6 “ إلى الله - تعالى - “ 7 “ فلا يجيبه ، فقال : يا ربّ : أما تنظر إلى ما أنا فيه من البلاء ، فأوحى اللّه - عزّ وجلّ - “ 8 “ : كم تشكو إليّ حالك ، هكذا كان بدء أمرك عندي في أمّ الكتاب قبل أن أخلق الدّنيا ، أتريد أن أغيّر ما سبق في علمي من أجلك ، أم تريد أن أبدّل ما قدّرت عليك ، فيكون ما تحبّ أنت “ 9 “ فوق ما أحبّ أنا ، ويكون ما تريد فوق ما أريد ، وعزّتي وجلالي ، لئن تلجلج هذا في صدرك مرّة أخرى لأمحون اسمك من ديوان النّبوّة ، انتهى .


[ تفاوت الوجود في المقامات والذّوات ] 

وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - يقول : من كمال الوجود تفاوته في المقامات وفي الذّوات “ 10 “ ، فمنه الرّئيس والمرؤوس ، ومنه العاميّ والعالم ، والصّالح والأصلح ، والطّاهر والأطهر ، والنّجس والأنجس “ 11 “ ، وكلّ ذلك كامل من حيث بروزه من خزانة الجود والفضل كما أشار إليه الإمام الغزاليّ - رحمه اللّه تعالى - بقوله “ 12 “ : “ ليس
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ فيقبح القبيح ، ويحسن الحسن “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ الشرع “ . 
( 3 ) “ د “ : “ بالجوع والفقر “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ فكان لا يتهنأ “ ، “ ب “ : العبارة : “ فلا يتهنأ “ . 
( 5 ) “ د “ : “ بنوم ولا أكل “ . 
( 6 ) “ د “ : “ حاله “ ساقطة . 
( 7 ) “ د “ : “ اللّه عز وجل “ . 
( 8 ) “ د “ : “ أوحى الله إليه “ ، “ ك “ : “ فأوحى اللّه تعالى “ ، “ ز “ : “ فأوحى الله عز وجل إليه “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أنت “ ساقطة . 
( 10 ) “ ب “ : “ أو الذّوات “ . 
( 11 ) “ د “ : “ ونحو ذلك “ . 
( 12 ) هو حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الطوسي ، فيلسوف متصوف ، له نحو مائتي مصنف ، ولد بطوس بخراسان سنة ( 450 ه ) ، شهد له الكثير والأقران ، ناهيك بشهادة العارف أبي الحسن الشاذلي ، ومحيي الدين ، تنقل كثيرا في أرض اللّه ، فمن نيسابور إلى بغداد إلى الحجاز فبلاد الشام ، أقام بمنارة الجامع الأموي نحو عشر سنين ، وعاد إلى بغداد ، ثم طوس ، وزع أوقاته على تلاوة -
  
“ 76 “

في الإمكان أبدع ممّا كان ؛ أي : لا يصحّ أن يرقى مخلوق عن الحالة التي سبق بها العلم الإلهيّ أبدا ، فالنّبيّ نبيّ في الأزل والوليّ وليّ في الأزل ، والعاصي عاص في الأزل ، والكافر كافر في الأزل “ 1 “ ، والمنافق منافق في الأزل ، وهكذا ، ومن قال : إنّه يمكن أن يكون في الإمكان أبدع ممّا كان ، يقال له : فهل هذا الإبداع ممّا كان تضمّنه العلم الإلهيّ أم لا ؟ فإن قال : ممّا “ 2 “ تضمّنه العلم الإلهيّ ، قلنا له : وهذا عين ما قلناه “ 3 “ ، وإن قال : ممّا لم يتضمّنه العلم الإلهيّ “ 4 “ ، قلنا له : هذا محال للزوم الجهل بالأمور “ 5 “ في جانب القدرة الإلهيّة ، انتهى “ 6 “ . 

وسمعته - رضي اللّه عنه - يقول أيضا : قد عمّ جود الحقّ - جلّ وعلا - “ 7 “ الوجود كلّه أعلاه وأسفله ، فلم يخصّ بجوده وفضله أحدا دون أحد ، فالملائكة يستمدّون من جوده ، والأنبياء يستمدّون من جوده “ 8 “ ، والأولياء يستمدّون من جوده ، والمؤمنون يستمدّون من جوده ، والعصاة يستمدّون من جوده “ 9 “ ، والكفّار والمنافقون يستمدّون من
- القرآن ومجالسة أرباب القلوب ، وإدامة الصيام والقيام حتى كان في جمادى الآخرة سنة ( 505 ه ) توضأ وصلى ، وقال علي بالكفن ، فأخذه وقبله ، ووضعه على عينيه ، وقال : سمعا وطاعة للدخول على الملك ، ثم مد رجليه واستقبل القبلة ، فانتقل إلى رضوان الله . انظر : ترجمته : ابن الأثير ، الكامل ، 10 / 491 ، وابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 4 / 58 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 11 / 501 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 12 / 185 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 1 / 211 ، والحنبلي ، الأنس الجليل ، 1 / 265 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 291 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 4 / 10 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 79 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 1 / 164 ، والزركلي ، الأعلام ، 7 / 22 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 671 . 
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : قوله : “ والكافر كافر في الأزل “ ساقط . 
( 2 ) “ د “ : “ مما “ ساقطة . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ غير “ ، وهو تصحيف يقلب به المعنى . 
( 4 ) “ د “ : قوله : “ قلنا له : وهذا غير ما قلناه ، وإن قال : مما لم يتضمنه العلم الإلهي “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ : “ بالأمور “ ساقطة . 
( 6 ) انتهى قول شيخه علي الخواص . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ والأنبياء يستمدون من جوده “ ساقط . 
( 9 ) “ د “ : قوله : “ والعصاة يستمدون من جوده “ ساقط .
  
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: مقدمة المصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:22 pm

مقدمة المصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

“ 77 “
جوده ، كما أشار إليه قوله - تعالى - :كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً( 20 ) “ 1 “ . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص “ 2 “ - رحمه اللّه - يقول : صدقة الحقّ - تعالى - عامّة سابغة “ 3 “ على جميع عباده ، فتارة يتصدّق من خزائنه بالجواهر مثلا ، وتارة بالذّهب ، وتارة بالفضّة ، وتارة بالفلوس ، وأعلى ما تصدّق به الحقّ - تعالى - “ 4 “ على عباده هو محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ، ثمّ سائر الأنبياء والأصفياء على اختلاف طبقاتهم ، فالأنبياء مثال للجواهر النّفيسة ، والأولياء مثال للذهب ، والمؤمنون مثال للفضّة ، والفلوس “ 5 “ مثال للعصاة حال عصيانهم ، وهكذا “ 6 “ ، فقد علمت أنّ جوده - تعالى - “ 7 “ مطلق بحسب ما سبق به العلم ، وذلك لإنفاقه وتصدّقه على عباده بجميع ما قسمه لهم من التّحف التي في خزائنه . 
فإن قلت : فما وجه صدقته علينا بالكفّار ؟ فالجواب : وجه ذلك ما نأخذه من بعضهم من الجزية في الدّنيا ، وكون أحدنا يعطى يوم القيامة كافرا ، ويقال له : هذا فداؤك يا مسلم من النّار “ 8 “ ، فاعلم ذلك ، وإيّاك أن يخطر في نفسك رائحة اعتراض على فعل القدرة الإلهيّة ، وتقول : فلم لم يجعل الحقّ - تعالى - الخلق كلّهم سعداء ، ولم يحوج المسلمين إلى فداء ؟ فإنّا نقول لك : إنّ هذا لم يسبق به العلم الإلهيّ ، وما سبق إلّا أن يكون الكافر فداء لنا ، فكان ذلك من كمال الوجود ، فمن تمنّى غير ذلك فهو من أجهل
.................................................................................
( 1 ) ( الإسراء ، الآية 20 ) . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ المرصفي “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ عامة “ ساقطة ، “ ك “ ، “ د “ : “ سابقة “ ، وإخاله تصحيفا . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحق سبحانه وتعالى “ . 
( 5 ) قوله :“والأولياء مثال للذّهب ، والمؤمنون مثال للفضّة ،والفلوس“ ساقط من ب 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ هكذا “ ساقطة . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ جوده سبحانه وتعالى “ . 
( 8 ) ورد حديث شريف في هذا المعنى ، وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : “ هذه أمة مرحومة عذابها بأيديها ، فإذا كان يوم القيامة ، دفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين ، فيقال : 
هذا فداؤك من النار “ . وفي رواية الإمام أحمد : “ إذا كان يوم القيامة لم يبق مؤمن إلا أتي بيهودي أو نصراني حتى يدفع إليه ، فيقال له : هذا فداؤك من النار “ . أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 4 / 402 ، وابن ماجة في السنن ، كتاب الزهد ، ( 4292 ) ، 4 / 513 .

“ 78 “


الجاهلين بكمال صنع الله - تعالى - وتدبيره ، وكأنّه يقول : يا ربّ ، غيّر ما أبرزته ، وأبرزه على كذا دون كذا لأجلي ، فاعلم ذلك يا أخي ، واعمل على جلاء قلبك من الصّدأ والغبار حتّى تصير ترى ما فعله اللّه - تعالى - أحسن ممّا تطلبه أنت “ 1 “ .



[ شبهة الاعتراض على القدرة ] 
وكان الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 2 “ - رحمه اللّه - يقول : “ إيّاكم والاعتراض على شيء من أفعال القدرة الإلهيّة ، فيخشى عليكم الكفر “ ، وسيأتي في عقيدته “ 3 “ أوّل الباب الآتي قوله - رضي اللّه عنه - : “ اعلم أنّه - تعالى - صنع العالم وأبدعه حين أوجده واخترعه ، فإن أنعم فنعّم ، فذلك فضله ، وإن أبلى فعذّب فذلك عدله ، لم يتصرّف في ملكه غيره حتّى ينسب إلى الجور والحيف ، ولا يتوجّه عليه لسواه حكم ، فيتّصف بالجزع كذلك “ 4 “ والخوف ، كل ذلك وما سواه فهو تحت سلطان قهره ، ومتصرّف عن إرادته وأمره ، لا يحكم عدله في فضله ، ولا فضله في عدله ، أخرج العالم قبضتين ، وأوجد لهم منزلتين ،
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ مما تطلب “ . 
( 2 ) أبو بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد الحاتمي ، الطائي ، الملقب بالشيخ الأكبر ، من أئمة المتكلمين في كل علم ، وقد وصفه المناوي بأنه “ كان مجموع الفضائل ، مطبوع الكرم والشمائل ، وحسبك بقول زروق وغيره من الفحول ، ذاكرين بعض فضله : هو أعرف بكل فن من أهله “ . 
يمكن أن يسبغ عليه بأنه ممن ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس ، ولد بمرسية سنة ( 560 ه ) ، ونشأ بها ، ثم انتقل إلى إشبيلية ، ثم ارتحل وطاف بالبلدان ، وقد تفرق الناس في شأنه شيعا ، وسلكوا في أمره طرائق قددا ، فذهبت طائفة إلى أنه زنديق لا صدّيق ، فأريق دمه ، وذهب قوم إلى أنه واسطة عقد الأولياء ، وقد أوذي ابن العربي كثيرا في حياته وبعد مماته ، توفي سنة ( 638 ه ) بدمشق ، ودفن بالصالحية ، وقبره فيها ظاهر يزار ، له نحو أربعمائة مصنف ، انظر ترجمته : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 13 / 237 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 4 / 124 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 13 / 167 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 403 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 513 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 5 / 190 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 114 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 1 / 180 ، والزركلي ، الأعلام ، 6 / 281 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 7 - 8 / 377 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 531 ، وعبد اللّه التليدي ، المطرب ، 115 . 
( 3 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ سيرته “ ، وهو خطأ صوابه ما ورد في النسخ الأخرى . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لذلك “ .

“ 79 “
فقال : هؤلاء للجنّة ولا أبالي ، وهؤلاء للنّار ولا أبالي “ 1 “ ، ولم يعترض عليه معترض هناك ؛ إذ لا موجود كان ثمّ سواه ، فالكلّ تحت تصريف أسمائه ، فقبضة تحت أسماء بلائه ، وقبضة تحت أسماء آلائه ، لو أراد أن يكون العالم كلّه سعيدا لكان ، أو شقيّا “ 2 “ لما كان في ذلك من شأن ، لكنّه - سبحانه - لم يرد ذلك ، فكان كما أراد ، فمنهم الشّقيّ والسّعيد هنا ، وفي يوم المعاد ، فلا سبيل إلى تبدّل ما حكم به القديم “ 3 “ . 
وقال - تعالى - في حديث فرض الصّلاة : “ هي خمس وهنّ خمسون “ 4 “ ، ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّام للعبيد “ “ 5 “ ؛ لتصرّفي في ملكي ، وإنفاذ مشيئتي ، وذلك لحقيقة عميت عنها البصائر ، ولم تعثر عليها الأفكار والضّمائر إلّا بوهب إلهيّ ، وجود رحمانيّ ، لمن اعتنى اللّه “ 6 “ به من عباده ، وسبق له ذلك في حضرة إشهاده ، فعلم حين أعلم أنّ الألوهيّة أعطت هذا التّقسيم ، وأنّه من رقائق القديم ، فسبحان من لا فاعل سواه ، ولا
.................................................................................
( 1 ) هذا جزء من حديث تمامه “ أن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - تلا هذه الآية “ أصحاب اليمين وأصحاب الشمال “ ، فقبض قبضتين ، فقال : هذه في الجنة ولا أبالي ، وهذه في النار ولا أبالي “ ، أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 5 / 239 ، وفي رواية أخرى : “ إن اللّه خلق آدم ، وأخذ الخلق من ظهره ، فقال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي “ ، وفي رواية أخرى : “ إن اللّه خلق آدم ، فمسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ، فقال : هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره بيده فاستخرج ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون “ . أخرجه أحمد في المسند ، 5 / 68 ، وأبو داود في السنن ، كتاب السنة ، 16 ، والترمذي في السنن ، كتاب التفسير ، تفسير سورة 2 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 2 / 639 ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 3932 ) ، 1 / 607 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب التوحيد والإيمان ( 66 ) ، 1 / 92 . 
( 2 ) “ أ “ : العبارة : “ أو شقيا لكان لما كان في ذلك من شأن “ ، وهي ركيكة . 
( 3 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 62 . 
( 4 ) “ ب “ : “ وهي خمسون “ . 
( 5 ) جاء في الحديث : “ . . . فراجعت ربي ، فقال : هي خمس وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي “ . 
أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الصلاة ، الباب ( 242 ) ، الحديث ( 336 ) ، 1 / 216 ، وأحمد في المسند ، 5 / 144 ، وابن ماجة في السنن ، كتاب الإقامة ، الباب ( 194 / 233 ) ، 2 / 167 ، والنسائي في السنن ، كتاب فرض الصلاة ( 1 ) ، 1 / 448 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب الصلاة ( 94 ) ، 1 / 118 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .

“ 80 “
موجود بذاته إلّا إيّاه ،وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ( 96 ) “ 1 “ ، ولا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ( 23 ) “ 2 “ ،فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ” 3 “ . 
فما في الوجود طاعة ولا عصيان ، ولا ربح ولا خسران ، ولا شيء من جميع المتضادّات والمختلفات والمتماثلات إلّا وهو مراد للحقّ “ 4 “ ، تعلّقت إرادته في الأزل بإيجاده ، لو اجتمع الخلق كلّهم على أن يريدوا شيئا لم يرد الله - تعالى - “ 5 “ إيجاده وأرادوه ما فعلوه ولا استطاعوا لعدم إقداره - تعالى - لهم عليه ، فالكفر والإيمان ، والطّاعة والعصيان ، من مشيئته وحكمه وإرادته . 
ولم يزل - سبحانه وتعالى - موصوفا بهذه الإرادة أزلا ، والعالم معدوم ، ثمّ أوجد العالم من غير تفكّر ولا تدبّر عن جهل ، فيعطيه التّدبّر والتّفكّر علم ما جهل ، جلّ وعلا عن ذلك ، بل أوجده عن العلم السّابق ، وتعيين الإرادة المنزّهة الأزليّة القاضية على العالم بما أوجدته عليه من زمان ، ومكان ، وأكوان ، وألوان ، فلا مريد في الوجود على الحقيقة سواه ؛ إذ هو القائل “ 6 “ :وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ” 7 “ ، وأطال الشّيخ في ذلك في “ الفتوحات المكّيّة “ “ 8 “ ، فراجعه . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 9 “ يقول : من سوء الأدب مع اللّه - تعالى - : إضافة الصّفات التي وصف بها نفسه إليه - تعالى - على حدّ ما يتعقّله النّاس ، أو
.................................................................................
( 1 ) ( الصافات ، الآية 96 ) . 
( 2 ) ( الأنبياء ، الآية 23 ) . 
( 3 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) ، وهنا ينتهي كلام محيي الدين في الفتوحات في مقدمة الكتاب ، وما يليه من كلام هو له ، ولكنه قبله في الفتوحات . انظر : الفتوحات المكية ، المقدمة ، 1 / 62 - 63 . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ : “ مراد الحق “ ، “ ب “ : “ الحق تعالى “ . وما أثبته فهو من “ أ “ و “ ز “ . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ لم يرد اللّه تعالى لهم “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ القائل سبحانه “ . 
( 7 ) ( الإنسان ، الآية 30 ) . 
( 8 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، مقدمة الكتاب ، 1 / 54 - 64 ، ونص الشعراني يكاد يكون مقتبسا من كلام محيي الدين . 
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ .

“ 81 “
تأويلها بغير ما ورد به صريح الإذن في ألسنة إذا وردت “ 1 “ من غير إيمان بها على علم اللّه “ 2 “ فيها ، فإنّ العبد “ 3 “ لم يضف تلك الصّفات إلى ربّه ، وإنّما الحقّ - تعالى - هو الذي أضافها إلى نفسه على ألسنة رسله ، سواء كانت “ 4 “ صفات كمال في العرف أو غيرها ؛ كالاستهزاء والسّخرية والخداع والمكر والنّسيان ونحو ذلك ، فإنّ “ 5 “ هذه الصّفات وإن كانت نقصا فينا ، فهي كمال في جناب “ 6 “ الحقّ تعالى ، وكان يقول : من عرف الله - تعالى - بصفات التّنزيه فقط ، أو التّشبيه فقط ، فهو على النّصف من مقام المعرفة ، والكامل من عرف اللّه - تعالى - من هذين الطّريقين ، أمّا التّنزيه فهو الأصل ، وأمّا الصّفات التي يعطي ظاهرها القرب من صفات الخلق فإنّما ذلك تنزّل لعقول عباده رحمة بهم ليتعقّلوا آثار “ 7 “ صفاته ؛ لأنّهم يضيفونها إليه - تعالى - على حدّ ما يعقلونه “ 8 “ ، فإنّ ذلك محدث لا يليق بجناب الحقّ جلّ وعلا “ 9 “ . 
ومن هنا أجمع أهل الكشف ، وأئمة النّقل “ 10 “ من الفقهاء والمحدّثين والأصوليّين وغيرهم على أنّه لا يخرج أحد عن الجهل المذموم بالذّات المقدّس إلّا بوحي أو كشف ، وقالوا : كلّ شيء خطر ببالك فاللّه - تعالى - بخلاف ذلك ، وقالوا : إنّ هذا هو اعتقاد الجماعة إلى قيام السّاعة كما سيأتي بسطه في الكتاب في مواضع ، فرحم اللّه “ 11 “ من أمعن النّظر في هذه الشروط والضّوابط التي ذكرناها قبل مطالعة الكتاب ، فإنّها تعين العبد على طهارة القلب من الأدناس ليستنير قلبه ، ويشرف على ما تيسّر له في عالم الغيب ، ويصير حجابه كالزّجاجة الصّافية ، فيرى ما يظهر له في عالم الغيب بمشيئة اللّه - تعالى – من
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : قوله : “ إذا وردت “ ساقط . 
( 2 ) “ د “ : العبارة : “ على علم فيها “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى . . . “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ العلم “ ، وإخاله تصحيفا . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ كانت “ ساقطة . “ ب “ : “ سواء كانت صفات الكمال “ . 
( 5 ) “ د “ : “ وإن “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ جانب “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ ليتعقلوا معاني . . . “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ز “ : “ يتعقلونه “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بجنابه سبحانه وتعالى “ . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ أئمة “ ساقطة . 
( 11 ) “ ب “ : “ اللّه تعالى “ .

“ 82 “
الملائكة والجانّ من ورائها “ 1 “ ، فلا يكاد يخطئ فيما يصفهم به من الأحوال ، بخلاف من كان باطنه ملطّخا بالأدناس ، فإنّ حجابه مظلم لا يرى ما خلفه ، والله - تعالى - أعلم .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: مقصود الكتاب لمصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:23 pm

مقصود الكتاب لمصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

[ مقصود الكتاب ] 

ولنشرع في مقصود الكتاب ، فأقول وباللّه التّوفيق “ 2 “ : 
بيان جملة صالحة من الأجوبة ممّا يتوهّمه الجهلة ، أو الملحدون ، في جناب “ 3 “ الحقّ القدّوس وأسمائه وصفاته ، مصدّرا ذلك بعقيدة صالحة “ 4 “ جامعة مع شدّة اختصارها لأمّهات عقائد الأكابر من أهل السّنّة والجماعة ، ليرجع إليها من استشكل شيئا من الأجوبة الآتية ، فإنّها مزيلة - إن شاء اللّه - تعالى - “ 5 “ جميع إشكالات المحجوبين ، وزاجرة لجميع الملحدين ، فأقول وباللّه التّوفيق “ 6 “ :

[ العقيدة الصّالحة الجامعة ] 

يجب على كلّ مسلم أن يعتقد اعتقادا جازما أنّ الله - تعالى - إله واحد لا ثاني معه ، وأنّه - تعالى - منزّه عن الصاحبة والولد ، وأنّه - تعالى - مالك لا شريك له ، ملك لا وزير له ، صانع لا مدّبر معه ، وأنّه - تعالى - موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده ، بل كلّ موجود في الأرض والسّموات مفتقر إليه في وجوده ، فالعالم كلّه موجود به ، وهو - تعالى - موجود بذاته “ 7 “ ، لا افتتاح لوجوده ، ولا نهاية لبقائه ، بل وجوده مطلق مستمرّ قائم بنفسه ، وأنّه - تعالى - ليس بجوهر فيقدّر له المكان ، ولا بعرض فيستحيل عليه البقاء ، ولا بجسم فيكون له الجهة والتّلقاء ، مقدّس عن الجهات والأقطار ، مرئيّ للمؤمنين
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : ثمّ سقط أصلح من النسخ الأخرى . 
( 2 ) “ ك “ : “ وباللّه تعالى “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ جانب “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ صالحة “ ساقطة . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 6 ) مقدمة الشعراني تكاد تكون مقتبسة حرفيا من مقدمة محيي الدين في الفتوحات المكية . 
( 7 ) عبارة محيي الدين كما وردت في الفتوحات : “ وهو وحده متصف بالوجود لنفسه “ . انظر : 
الفتوحات المكية ، 1 / 62 .

“ 83 “

- إن شاء - بالقلوب والأبصار “ 1 “ ، استوى على العرش كما قاله “ 2 “ ، وعلى المعنى الذي أراده ، كما أنّ العرش وما حواه به استوى ، وله الآخرة والأولى ، ليس له - تعالى - مثل معقول ، ولا دلّت عليه العقول “ 3 “ ، لا يحدّه زمان ، ولا يقلّه مكان ، بل كان ولامكان ولا زمان ، وهو الآن على ما عليه كان ، خلق التّمكّن والمكان ، وأنشأ الزّمان ، وقال : أنا الواحد الحيّ الذي لا يؤوده حفظ المخلوقات ، ولا يشبه شيئا من صفاته صفات المحدثات ، تعالى أن تحلّه الحوادث ، أو يحلّها ، أو تكون قبله ، أو يكون قبلها ، بل يقال : 
كان اللّه ولا شيء معه “ 4 “ ، فإنّ القبل والبعد من صفات الزّمان الذي أبدعه ، فلا ينبغي أن يطلق عليه إلّا ما أطلقه - تعالى - على نفسه ، فهو القيّوم الذي لا ينام ، والقهّار الذي لا يرام ،لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” 5 “ . 
خلق الله - تعالى - العرش “ 6 “ ، وجعله حدّ الاستواء ، وأنشأ الكرسيّ ، وأوسعه الأرض والسّماء ، اخترع اللّوح والقلم الأعلى ، وأجراه كاتبا بعلمه في خلقه إلى يوم الفصل والقضاء “ 7 “ ، أبدع العالم كلّه على غير مثال سبق ، وخلق الخلق ، وأخلق ما خلق ، أنزل الأرواح في الأشباح أمنا ، وجعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح في الأرض خلفا ، وسخّر لها ما في السّموات وما في الأرض جميعا منه ، فلا تتحرّك ذرّة إلّا إليه وعنه ، خلق الكلّ من غير حاجة إليه ، ولا موجب أوجب ذلك عليه ، لكنّ علمه بذلك سبق ، فلا بدّ
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ إن شاء اللّه “ ، “ ز “ : “ إن شاء “ ، وعبارة محيي الدين : “ مرئي بالقلوب والأبصار “ . انظر : 
الفتوحات المكية ، 1 / 62 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ استوى تعالى على عرشه “ . 
( 3 ) “ ب “ : قوله : “ ليس له - تعالى - مثل معقول ، ولا دلت عليه العقول “ ساقط . 
( 4 ) يلتقي هذا اللفظ بلفظ حديث شريف ، وفيه : “ كان اللّه ولم يكن شيء قبله “ أو “ غيره “ ، أخرجه أحمد في المسند ، 2 / 431 ، وفيه : “ كان اللّه قبل كل شيء ، فما كان قبله “ ، والبخاري في الصحيح ، كتاب بدء الخلق ( الباب 878 / 1356 ) ، 4 / 541 ، وكتاب التوحيد ( الباب 1216 / 2219 ) ، 9 / 792 . 
( 5 ) ( الشورى ، الآية 11 ) . 
( 6 ) “ ب “ : “ خلق تعالى . . . “ 
( 7 ) “ ب “ : “ اليوم الفصل “ .

“ 84 “

أن يخلق ما خلق ، فهو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن وهو على كلّ شيء قدير “ 1 “ ، أحاط بكلّ شيء علما “ 2 “ ،وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً” 3 “ ،يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى” 4 “ ،يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ( 19 ) “ 5 “ ، كيف لا يعلم شيئا خلقه ؟أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ( 14 ) “ 6 “ . 
علم الأشياء قبل وجودها ، ثمّ أوجدها على حدّ ما علمها ، فلم يزل عالما بالأشياء كلّها ، لم يتجدّد له علم عند تجدّد الإنشاء ، بعلمه أتقن الأشياء وأحكمها ، وبه حكم عليها من شاء وحكمها ، يعلم الكلّيّات والجزئيّات “ 7 “ ، ولا يحتاج علمه بها إلى تفصيل كما هو علم خلقه ، فهو عالم الغيب والشّهادة ، تعالى عمّا يشركون ، فعّال لما يريد ، فهو المريد لجميع الكائنات في الأرضين والسّموات ، لم تتعلّق قدرته بإيجاد شيء حتّى أراد ، كما أنّه - تعالى - لم يرده حتّى علمه ؛ إذ يستحيل أن يريد - سبحانه وتعالى - ما لا يعلم ، أو يفعل المختار المتمكّن “ 8 “ من ترك ذلك الفعل ما لا يريده ، كما يستحيل أن يوجد هذه الحقائق من غير حيّ ، كما يستحيل أن تقوم هذه الصّفات بغير “ 9 “ ذات موصوفة بها ، فما في الوجود طاعة ولا عصيان ، ولا ربح ولا خسران ، ولا عبد ولا حرّ ، ولا برد [ ولا حرّ ] “ 10 “ ، ولا حياة ولا موت ، ولا حصول ولا فوت ، ولا نهار ولا ليل ، ولا اعتدال ولا ميل ، [ ولا برّ ولا بحر ، ولا شفع ولا وتر ، ولا جوهر ولا عرض ، ولا صحّة ولا مرض ،
.................................................................................
( 1 ) هذا مأخوذ من قوله تعالى في ( سورة الحديد ، 3 ) :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( 3 ) . 
( 2 ) مأخوذ من قوله تعالى :وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، ( الطلاق ، الآية 12 ) . 
( 3 ) ( الجن ، الآية 28 ) . 
( 4 ) ( طه ، الآية 7 ) . 
( 5 ) ( غافر ، الآية 19 ) . 
( 6 ) ( الملك ، الآية 14 ) ، والكلام كما تقدم لمحيي الدين في مقدمة الفتوحات المكية . 
( 7 ) “ ب “ : “ يعلم الجزئيات والكليات على الإطلاق “ ، “ ز “ : بزيادة “ على الإطلاق “ . وعبارة محيي الدين في الفتوحات : “ كما علم الجزئيات بإجماع من أهل النظر الصحيح واتفاق “ . انظر : الفتوحات المكية ، المقدمة ، 1 / 63 . 
( 8 ) “ ك “ : الخير الغير المتمكن “ ، وهو غير مستقيم البتة . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ من غير “ . 
( 10 ) زيادة من الفتوحات المكية ، 1 / 63 .

“ 85 “

ولا فرح ولا ترح ] “ 1 “ ، ولا روح ولا شبح “ 2 “ ، ولا ظلام ولا ضياء ، ولا أرض ولا سماء ، ولا تركيب ولا تحليل ، [ ولا كثير ولا قليل ] “ 3 “ ، ولا غداة ولا أصيل ، ولا بياض ولا سواد ، ولا سهاد ولا رقاد ، ولا ظاهر ولا باطن ، ولا متحرّك ولا ساكن ، ولا يابس ولا رطب “ 4 “ ، ولا قشر ولا لبّ ، ولا شيء من جميع المتضادّات والمتماثلات “ 5 “ إلّا وهو مراد للحقّ جلّ وعلا “ 6 “ . 
وكيف لا يكون مراد إله وهو أوجده ، أم كيف يوجد المختار ما لا يريد ؟ لا رادّ لأمره ، ولا معقّب لحكمه ، يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممّن يشاء ، ويعزّ من يشاء ، ويذلّ من يشاء ، ويهدي من يشاء ، ويضلّ من يشاء “ 7 “ ما شاء اللّه كان ، وما لم يشأ لم يكن “ 8 “ ، لو اجتمع الخلائق كلّهم على أن يريدوا شيئا لم يرد اللّه لهم أن يريدوه ما أرادوه ، أو أن يفعلوا شيئا لم يرد اللّه “ 9 “ إيجاده وأرادوه ما فعلوه ، ولا استطاعوه ، ولا أقدرهم - تعالى - عليه ، فالكفر والإيمان ، والطّاعة والعصيان ، والتوفيق والخذلان ، كلّها من مشيئته وحكمه “ 10 “ وإرادته ، ولذلك قال أهل السنّة : إنّ الحقّ - تعالى - إذا أراد من خلقه شيئا لم يقسمه لهم لم يقدروا على إيجاده “ 11 “ ، بخلاف ما إذا أراد بهم ذلك ، ففرق “ 12 “ بين ما يريد بهم ، ويريد منهم ، وهو أمر دقيق لم يزل - سبحانه وتعالى - “ 13 “ موصوفا بالإرادة أزلا والعالم معدوم .
.................................................................................
( 1 ) زيادة من الفتوحات المكية ، 1 / 63 . 
( 2 ) “ ك “ : “ ولا شبح ولا روح “ . 
( 3 ) زيادة من الفتوحات المكية ، 1 / 63 . وليست في النسخ التي بين يدي . 
( 4 ) “ د “ : “ ولا رطب ولا يابس “ ، وليس ذلك كذلك لانتفاء توافق السجعة . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ المتضادات والمختلفات “ . 
( 6 ) الكلام من الفتوحات يكاد يكون مقتبسا . 
( 7 ) “ د “ : قوله “ ويهدي من يشاء ويضل من يشاء “ ساقط . 
( 8 ) العبارة في الفتوحات المكية : “ ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن “ ، 1 / 63 . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وحكمته “ . 
( 11 ) قوله : “ قال أهل السنة . . . “ ليس من كلام محيي الدين في الفتوحات . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ ففرقوا “ . 
( 13 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما .

“ 86 “

ثمّ أوجد العالم من غير تفكّر ولا تدبّر عن جهل ، فيعطيه التّدبّر والتّفكّر علم ما جهل جلّ وعلا عن ذلك ، بل أوجده عن العلم السابق وتعيين الإرادة المنزّهة الأزليّة القاضية على العالم بما أوجدته عليه من زمان ومكان ، وأكوان وألوان ، فلا مريد في الحقيقة على الحقيقة سواه “ 1 “ ؛ إذ هو القائل سبحانه “ 2 “ :وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ” 3 “ . 
وإنّه - تعالى - “ 4 “ كما علم فأحكم ، وأراد فخصّ ، وقدّر فأوجد ، كذلك سمع ورأى ما تحرّك ، أو سكن ، أو نطق في الورى من العالم الأسفل والأعلى ، لا يحجب سمعه البعد ، فهو القريب ، ولا يحجب بصره شدّة القرب “ 5 “ ، فهو البعيد ، يسمع كلام النفس في النفس ، وصوت المماسّة الخفيّة عند اللّمس ، يرى السّواد في الظّلماء ، والماء في الماء ، لا يحجبه الامتزاج ، ولا الظلمات ، ولا النور ، وهو السميع البصير ، تكلّم - تعالى - لا عن صمت متقدّم ، ولا عن سكوت متوهّم “ 6 “ بكلام قديم أزليّ كسائر صفاته من علمه وإرادته وقدرته ، كلّم به موسى - عليه الصلاة والسلام - بكلام “ 7 “ سمّاه التنزيل والزّبور والتّوراة والإنجيل والفرقان ، من غير تشبيه ولا تكييف “ 8 “ ؛ كما أن “ 9 “ كلامه - تعالى - من غير لهاة ولا لسان ، كما أنّ سمعه - تعالى - “ 10 “ من غير أصمخة ولا آذان ، كما أنّ بصره - تعالى - “ 11 “ من غير حدقة ولا أجفان ، كما أنّ إرادته من غير قلب ولا جنان ، كما أنّ
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ فلا مريد في الحقيقة سواه “ . 
( 2 ) “ ك “ : “ سبحانه وتعالى “ . 
( 3 ) ( الإنسان ، الآية 30 ) 
( 4 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ والله تعالى “ 
( 5 ) العبارة في الفتوحات المكية : “ ولا يحجب بصره القرب “ ، 1 / 63 . 
( 6 ) العبارة في الفتوحات المكية : “ ولا سكوت متوهم “ ، ولعله الأعلى ، 1 / 64 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ بكلام “ ساقط . 
( 8 ) العبارة في الفتوحات المكية : “ من غير حروف ولا أصوات ولا نغم ولا لغات ، بل هو خالق الأصوات والحروف واللغات “ ، 1 / 64 . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ لأن كلامه . . . “ . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 11 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .

“ 87 “

علمه “ 1 “ من غير اضطرار ولا نظر في برهان ، كما أنّ حياته من غير بخار تجويف “ 2 “ قلب حدث عن امتزاج الأركان “ 3 “ ، كما أنّ ذاته وصفاته لا تقبل الزّيادة ولا النّقصان ، فسبحانه سبحانه من بعيد دان ، عظيم السلطان ، عميم الإحسان ، جسيم الامتنان “ 4 “ ، كلّ ما سواه فهو عن جوده فائض ، وفضله وعدله الباسط له والقابض “ 5 “ ، أكمل صنع العالم وأبدعه حين أوجده واخترعه ، لا شريك له في ملكه “ 6 “ ، ولا مدبّر معه في خلقه . 
إن أنعم فنعّم ، فذلك فضله ، وإن أبلى فعذّب ، فذلك عدله ، لم يتصرّف في ملكه غيره ، فينسب إلى الجور والحيف “ 7 “ ، ولا يتوجّه عليه لسواه حكم ، فيتّصف بالجزع كذلك والخوف ، كلّ ما سواه تحت سلطان قهره “ 8 “ ، ومتصرّف عن إرادته وأمره ، فهو الملهم لنفوس المكلّفين التّقوى والفجور ، أي : لتعمل بالتّقوى ، وتجتنب الفجور ، وهو المتجاوز عن سيّئات من شاء هنا وفي يوم النّشور، لا يحكم عدله في فضله ، ولا فضله في عدله ، لقدم صفاته كلّها ، وتنزّهها عن الحدوث. 
أخرج العالم قبضتين ، وأوجد لهم منزلتين ، وقال : هؤلاء للجنّة ولا أبالي ، وهؤلاء للنّار ولا أبالي “ 9 “ ، ولم يعترض عليه معترض هناك ؛ إذ لا موجود كان ثمّ سواه ، فالكلّ تحت تصريف أسمائه ، فقبضة تحت أسماء بلائه ، وقبضة تحت أسماء آلائه ، لو أراد - تعالى - أن يكون العالم كلّه سعيدا لكان ، أو شقيّا لما كان في ذلك من شأن ، لكنّه - سبحانه وتعالى - لم يرد ذلك ، فكان كما أراد ، فمنهم الشّقيّ والسّعيد هنا ، وفي يوم المعاد ، فلا سبيل إلى تبديل “ 10 “ ما حكم عليه القديم ، وقد قال - تعالى - في حديث فرض الصّلاة :
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ كما أن قدرته . . . “ . 
( 2 ) “ د “ : “ بخار “ ساقطة . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عن الأركان “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ جسيم الإحسان ، عميم الامتنان “ . 
( 5 ) “ ب “ : “ القابض “ ساقطة ، وهي مثبتة في الفتوحات . 
( 6 ) “ ب “ : قوله : “ أكمل صنع العالم وأبدعه حين أوجده واخترعه “ ساقط . 
( 7 ) “ ب “ : “ إلى الظلم والجور والحيف “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : العبارة : “ كل ما سواه فهو تحت سطان . . . “ . 
( 9 ) تقدم تخريج الحديث . 
( 10 ) “ د “ ، “ ز “ : “ تبدل “ .

“ 88 “

“ هي خمس وهنّ خمسون “ “ 1 “ ،ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ” 2 “ لتصرّفي في ملكي ، وإنفاذ مشيئتي في ملكي ، وذلك لحقيقة عميت عنها البصائر “ 3 “ ، ولم تعثر عليها الأفكار ولا الضّمائر ، إلّا بوهب إلهيّ ، وجود رحمانيّ ، لمن اعتنى الله - تعالى - به “ 4 “ واصطفاه من بين عباده ، وسبق له ذلك في حضرة إشهاده ، فعلم حين أعلم أنّ الألوهيّة “ 5 “ أعطت هذا التقسيم ، وأنّها من رقائق القديم ، فسبحان من لا فاعل سواه ، ولا موجود بذاته إلّا إيّاه ،وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ( 96 ) “ 6 “ ، ولا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ( 23 ) “ 7 “ ،قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ( 149 ) “ 8 “ .

[ الجواب عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم ] 

وكما أجبت في ضمن “ 9 “ هذه العقيدة عن اللّه تعالى ، ورددنا كلام الملحدين في ذاته وصفاته ، كذلك نجيب عنه تعالى ، ونردّ كلام الملحدين في شرعه ، وشرع أنبيائه ، وما يترتّب على ذلك من الآثار في ضمن قولنا ، وكما شهدنا له - تعالى - بالوحدانيّة ، وما يستحقّه من الصّفات العليّة “ 10 “ ، فكذلك نشهد لرسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - بالرّسالة إلى جميع العالمين ، فإنّ في ضمن ذلك الجواب عن اللّه - تعالى - اقتضاء “ 11 “ بحكم التّعلّق والخصوصيّة به ، فنشهد له - صلّى اللّه عليه وسلّم - بأنّ اللّه “ 12 “ أرسله بشيرا ، ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه ، وسراجا منيرا ، وقال في حقّه - تعالى - “ 13 “ :مَنْ يُطِعِ
.................................................................................
( 1 ) تقدم تخريجه . 
( 2 ) ( ق ، الآية 29 ) . 
( 3 ) العبارة في الفتوحات المكية : “ عميت عنها الأبصار والبصائر “ ، 1 / 64 . 
( 4 ) “ ب “ : “ به “ ساقطة . 
( 5 ) “ ب “ : “ الحقيقة الألوهية “ . 
( 6 ) ( الصافات ، الآية 96 ) . 
( 7 ) ( الأنبياء ، الآية 23 ) . 
( 8 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) ، وهنا تنتهي الشهادة الأولى في مقدمة كتاب الفتوحات ، ثم ينتقل محيي الدين بعدها إلى الشهادة الثانية التي مضمارها نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام . 
( 9 ) “ ك “ : “ ضمن “ ساقطة . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ العلى “ . 
( 11 ) “ د “ : “ اقتضاء “ ساقطة . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 13 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الله تعالى “ ساقطة .

“ 89 “

الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ” 1 “ ، وقال :إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ” 2 “ . 
ونشهد أنّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بلّغ جميع ما أنزل إليه من ربّه ، وأدّى أمانته ، ونصح أمّته ، ووقف في حجّة الوداع على كلّ من حضر من الأتباع ، فخطب وذكّر ، ووعظ وأنذر ، وخوّف وحذّر “ 3 “ ، ووعد وأوعد ، وأمطر وأرعد ، وما خصّ بذلك التّذكير أحدا دون أحد ، عن إذن الواحد الصّمد ، وقال : ألا هل بلّغت ؟ “ 4 “ ، فقال السّامعون جميعا “ 5 “ : قد بلّغت يا رسول اللّه “ 6 “ ، فقال - صلّى اللّه عليه وسلّم - : اللّهمّ اشهد “ 7 “ . 
فنؤمن بكلّ شيء جاء به رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - ممّا علمنا معناه ، وما لم نعلم ، فممّا علمنا وتحقّقنا من جملة ما جاء به ، وقرّر أنّ الموت عن أجل مسمّى عند اللّه - تعالى - إذا جاء لا يؤخّر ، فنحن مؤمنون بهذا إيمانا جازما لا ريب فيه ، ولا شكّ كما آمنّا وصدّقنا وأقررنا أنّ سؤال منكر ونكير في القبر حقّ “ 8 “ ، وأنّ عذاب القبر حقّ ، ونعيمه حقّ ، وأنّ البعث من القبور حقّ ، وأنّ العرض على اللّه - تعالى - حقّ ، وأنّ الحوض حقّ ، وأنّ الميزان حقّ ، وأنّ تطاير الصّحف حقّ ، وأنّ الصّراط حقّ “ 9 “ ، وأنّ الجنّة حقّ ، وأنّ النّار حقّ ، وأنّ فريقا في الجنّة حقّ ، وفريقا في السّعير حقّ ، وأنّ كرب ذلك اليوم على طائفة حقّ ، وطائفة لا يحزنهم الفزع الأكبر حقّ ، وأنّ شفاعة الأنبياء والملائكة وصالحي المؤمنين حقّ ، وأنّ شفاعة أرحم الرّاحمين حقّ ، وصورتها ، كما أعطاه الكشف الصّحيح ، أنّ أسماء الحنان واللّطف والرّحمة تشفع عند أسماء الانتقام والجبروت والقهر .
.................................................................................
( 1 ) ( النساء ، الآية 80 ) . 
( 2 ) ( الفتح ، الآية 10 ) . 
( 3 ) في الفتوحات : “ فخطب وذكر ، وخوف وحذر ، وبشر وأنذر “ ، 1 / 64 . 
( 4 ) أخرجه أحمد في المسند ، 1 / 447 ، 4 / 306 ، 5 / 68 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب الحج ، ( باب الخطبة أيام منى ( الباب 3 / 6 ) ، 3 / 6 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الصلاة ( 41 / 208 ) ، شرح صحيح مسلم ، 4 / 443 ، وأبو داود في السنن ، كتاب الإمارة 11 ، وابن ماجة في السنن ، كتاب الفتن ، ( باب حرمة دم المؤمن وماله ) ، ( 3931 ) ، 4 / 319 . 
( 5 ) “ ب “ : “ فقالوا جميعا “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ الله “ ليست فيها . 
( 7 ) “ ب “ : “ اللهم “ ليست فيها . 
( 8 ) عبارة محيي الدين في الفتوحات : “ أن سؤال فتاني القبر حق “ ، 1 / 65 . 
( 9 ) “ ك “ : قوله : “ وأن الصراط حق “ ساقط .

“ 90 “

ونؤمن بأنّ إيمان أهل اليأس لا ينفع صاحبه ، ولا يسعد به لعدم قبوله ، وذلك كإيمان فرعون ونحوه ممّن آمن وقد حضره الموت ، وعاين أسبابه ، لأنّه إيمان في غير محلّ التّكليف ، فأشبه إيمان أهل النّار . 
وكذلك نؤمن بأنّ جماعة من أهل الكبائر من الموحّدين يدخلون النّار ، ثم يخرجون منها بالشّفاعة ، وأنّ كلّ ما جاءت به الأنبياء عن الله - تعالى - علم معناه أو جهل حقّ ، وأنّ التّأبيد للموحّدين في النّعيم المقيم ، والتّأبيد للكافرين والمنافقين والمتكبّرين والمعطّلين والمجرمين في النّار حقّ “ 1 “ ، فهذه عقيدة أهل السنّة والجماعة إلى قيام السّاعة ، وهي بحمد الله عقيدتنا ، عليها حيينا “ 2 “ ، وعليها نموت ، نفعنا الله - تعالى - “ 3 “ بهذا الإيمان ، وثبّتنا عليه عند الانتقال إلى الدّار الحيوان ، وأحلّنا دار الكرامة والرّضوان ، وحال بيننا وبين دار سرابيل أهلها من القطران “ 4 “ ، وجعلنا من العصابة “ 5 “ التي تأخذ كتبها بالأيمان ، وممّن انقلب من الحوض وهو ريّان ، ورجح له الميزان “ 6 “ ، وثبت منه على الصراط القدمان “ 7 “ ، إنّه المنعم الحنّان “ 8 “ ، آمين ، اللّهمّ آمين “ 9 “ .


[ الأشعريّة والماتريديّة ] 

ثمّ لا يخفى عليك يا أخي أنّ مدار جميع عقائد أهل السنّة والجماعة يدور “ 10 “ على كلام قطبين : أحدهما الشّيخ الإمام أبو منصور الماتريديّ “ 11 “ ، والثّاني الشّيخ
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ : “ في العذاب الأليم حق “ ، “ ز “ : “ في النار “ ساقطة . 
( 2 ) “ ب “ ، “ د “ : “ نحيا “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 4 ) “ ب “ : العبارة : “ وبين دار سرابيلها القطران “ . 
( 5 ) “ ب “ : “ العصابة “ ساقطة . 
( 6 ) العبارة في الفتوحات : “ وثقل له الميزان “ ، 1 / 65 . 
( 7 ) “ د “ : العبارة : “ وثبت من على الصراط القدمان “ . والعبارة ساقطة من “ ك “ و “ ز “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ المحسان “ . 
( 9 ) هذا كله من كلام محيي الدين مع تباين قليل بين العبارتين ، وقوله : “ اللهم آمين “ ساقط من “ ك “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ز “ : “ تدور “ . 
( 11 ) هو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريديّ السمرقندي الحنفي ، نسبة إلى “ ما تريد “ بسمرقند ، من مصنفاته : “ تأويلات أهل السنة “ ، و “ شرح الفقه الأكبر “ ، وغير ذلك من الرد على -

“ 91 “
الإمام “ 1 “ أبو الحسن الأشعري ، فكلّ من تبعهما ، أو أحدهما ، اهتدى وسلم من الزّيغ والفساد في عقيدته ، وقد ظهرت أتباع الماتريديّ فيما وراء نهر “ سيحون “ فقط “ 2 “ ، وظهرت أتباع الشّيخ “ 3 “ أبي الحسن في أكثر البلاد ؛ كخراسان ، والعراق ، والشّام ، ومصر ، والمغرب ، وغير ذلك من البلاد الإسلاميّة ، فلذلك صار “ 4 “ غالب النّاس يقولون إذا مدحوا عالما : فلان عقيدته أشعريّة صحيحة “ 5 “ ، وليس مرادهم نفي صحّة عقيدة غير الأشعريّ من الماتريديّة وغيرهم من أئمّة الكلام السّابقين على الأشعريّ ، كما أشار إلى ذلك في “ شرح المقاصد “ بقوله : واعلم “ 6 “ أنّه ليس بين المحقّقين من كلّ من الأشعريّة والماتريديّة
- المعتزلة والقرامطة . توفي بسمرقند سنة ( 333 هـ ) . انظر : ترجمته : طاش كبري زاده ، مفتاح السعادة ، 2 / 21 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 36 ، والزركلي ، الأعلام ، 7 / 19 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 3 - 4 / 432 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 692 . 
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ الإمام “ ساقطة ، وهو أبو الحسن علي بن إسماعيل من نسل الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري ، مؤسس مذهب الأشاعرة ، والقائم بنصرة مذهب السنة ، كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين ، ولد في البصرة نحو ( 260 ه ) ، تلقى مذهب المعتزلة ، ولكنه خالفهم بعد ذلك ، فتاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة ، وقد قيل إن مصنفاته بلغت ثلاثمائة كتاب ، توفي سنة ( 324 ه ) فجأة ببغداد ، وقيل سنة ( 330 ه ) . انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 3 / 249 ، والسبكي ، طبقات الشافعية الكبرى ، 2 / 245 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 9 / 370 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 20 / 137 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 11 / 199 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 405 ، والبغدادي ،هدية العارفين ، 5 / 676 ،والزركلي ،الأعلام ،4 / 263 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 3 - 4 / 429 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 405 . 
( 2 ) يحون “ نهر مشهور كبير بما وراء النهر قرب خجندة بعد سمرقند ، يجمد في الشتاء حتى تجوز عليه القوافل . انظر : ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، 5 / 102 . 
( 3 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ الشيخ “ ساقطة . 
( 4 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ فلذلك “ ساقطة . 
( 5 ) انظر مقولات الأشعرية في الملل والنحل ، 1 / 81 ، فهم يذهبون إلى أن الصفات قديمة أزلية قائمة بذاته ، فلا يقال هي هو ولا غيره ، وإلى أنه متكلم بكلام قديم ، ومريد بإرادة قديمة ، وأن كل موجود يصح أن يرى ، والبارئ - تعالى - موجود ، ولا يجوز تعلق الرؤية على جهة ومكان وصورة ومقابلة واتصال . 
( 6 ) “ د “ ، “ ز “ : “ واعلم يا أخي أنه . . . “ .

“ 92 “

اختلاف محقّق بحيث ينسب كلّ واحد من الفريقين إلى الآخر البدعة والضّلال ، وإنّما ذلك اختلاف في بعض المسائل ؛ كمسألة الاستثناء في الإيمان بالله - تعالى - في قول القائل : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى “ 1 “ ، ونحو ذلك ، انتهى .

[ الباعث على تصنيف كتب العقائد ] 

واعلم يا أخي أنّ علماء الإسلام ما صنعوا “ 2 “ كتب العقائد ليثبتوا في أنفسهم العلم باللّه تعالى ، وإنّما وضعوها إرداعا للخصوم الذين جحدوا الإله ، أو الصّفات ، أو بعضها ، أو الرّسالة ، أو رسالة محمّد - صلّى اللّه عليه وسلّم - بخصوصها ، أو حدوث العالم ، أو الإعادة في هذه الأجسام بعد الموت ، أو أنكروا النّشر أو الحشر “ 3 “ ، أو نحو ذلك ممّا لا يصدر إلّا من المكذّبين “ 4 “ ، فطلب علماء الإسلام إقامة الأدلّة القطعيّة عليهم ، ليرجعوا إلى اعتقاد وجوب الإيمان بما جاءت به “ 5 “ الرّسل عن ربّهم “ 6 “ لا غير ، وإنّما لم يبادروا إلى قتلهم بالسّيف رحمة بهم ، ورجاء لرجوعهم إلى طريق الحقّ “ 7 “ ، فكان البرهان عندهم كالمعجزة التي يتناهون بها إلى دين الإسلام ، ومعلوم أنّ الرّاجع بالبرهان أصحّ من الرّاجع بالسّيف ؛ إذ الخوف قد يحمل صاحبه على النّفاق ، وصاحب البرهان ليس كذلك ، فلذلك وضعوا علم الجوهر والعرض ، وبسطوا الكلام في ذلك .

[ القرآن دليل قطعيّ سمعيّ عقليّ ] 

ثمّ لا يخفى أنّ الشّخص إذا كان مؤمنا بالقرآن ، قاطعا بأنّه كلام اللّه عزّ وجلّ “ 8 “ ، فالواجب عليه أن يأخذ عقيدته منه من غير تأويل ولا عدول إلى أدلّة العقول المجرّدة عن الشّرع ، فإنّ القرآن كلّه دليل قطعيّ سمعيّ عقليّ ، فقد أثبت أنّه - سبحانه وتعالى – منزّه
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ تعالى “ ليست فيها ، وثم سقط وقع في “ ب “ ، وقد أصلح من النسخ الأخرى . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ صنفوا “ . 
( 3 ) “ د “ : “ الحشر أو النّشر “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ : العبارة : “ المكذبين للرسل والكتب “ ، “ ز “ : “ المكذبين للرسل فالكتب “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ به “ ساقطة . 
( 6 ) “ ب “ ، “ ك “ : “ عز وجل “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ الطريق الحق “ . 
( 8 ) “ د “ : “ اللّه تعالى “ .

“ 93 “

عن أن يشبهه شيء من المحدثات ، أو يشبه هو شيئا “ 1 “ ، منها بقوله - تعالى - :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” 2 “ ، وبقوله - تعالى - :سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ( 180 ) “ 3 “ . 
وأثبت رؤيته “ 4 “ في الآخرة للمؤمنين بقوله - تعالى - :وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ( 22 ) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ( 23 ) “ 5 “ ، وبمفهوم “ 6 “ قوله - تعالى - في الكفّار :كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ( 15 ) “ 7 “ ، فدلّ على أنّ المؤمنين يرونه ، وأثبت نفي الإحاطة به “ 8 “ بقوله - تعالى - :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ” 9 “ ، وبقوله - تعالى - :وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً” 10 “ . 
وأثبت كونه قادرا بقوله - تعالى - :وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *” 11 “ ، ونحوها من الآيات ، وأثبت كونه “ 12 “ مريدا بقوله - تعالى - “ 13 “ :فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ( 16 ) “ 14 “ ، وأثبت كونه عالما بقوله - تعالى - :وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً” 15 “ ، وأثبت كونه - تعالى - “ 16 “ سميعا بقوله “ 17 “ :قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها الآية “ 18 “ ،
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ يشبه شيئا “ . 
( 2 ) ( الشورى ، الآية 11 ) .     ( 3 ) ( الصافات ، الآية 180 ) 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ : “ رؤيته تعالى “ .   ( 5 ) ( القيامة ، الآيتان 22 - 23 ) . 
( 6 ) “ د “ : “ الواو “ ساقطة .     ( 7 ) ( المطففين ، الآية 15 ) . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ الإحاطة بقوله “ . 
( 9 ) ( الأنعام ، الآية 103 ) . 
( 10 ) ( النساء ، الآية 126 ) . 
( 11 ) ( البقرة ، 284 ، آل عمران ، 29 ، 189 ، المائدة ، 17 ، 19 ، 40 ، الأنفال ، 41 ، التوبة ، 39 ) . 
( 12 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ كونه تعالى “ . 
( 13 ) “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 14 ) ( البروج الآية ، 16 ) . 
( 15 ) ( الطلاق ، الآية 12 ) ، وثم خطأ في نقل الآية في النسخ . وقوله “ وأثبت كونه عالما . . . “ ساقط من “ د “ . 
( 16 ) “ د “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 17 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بقوله تعالى “ . 
( 18 ) ( المجادلة ، الآية 1 ) .

“ 94 “

وأثبت كونه - تعالى - بصيرا بقوله - تعالى - :وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *” 1 “ ، وبقوله - تعالى - :أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى( 14 ) “ 2 “ ، وأثبت كونه - تعالى - متكلّما بقوله - تعالى - “ 3 “ :وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً” 4 “ ، وأثبت كونه - تعالى - حيّا بقوله “ 5 “ :اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ” 6 “ ، وأثبت “ 7 “ إرسال الرّسل بقوله - تعالى - :وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ *” 8 “ . 
وأثبت رسالة محمد - صلّى اللّه عليه وسلّم - بخصوصها بقوله “ 9 “ :مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ” 10 “ ، وأثبت أنّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - آخر الأنبياء بقوله “ 11 “ :وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ” 12 “ ، وأثبت أنّ كلّ ما سواه خلقه - تعالى - بقوله :وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ( 96 ) “ 13 “ ، وبقوله - تعالى - “ 14 “ : “ خالق كلّ شيء “ “ 15 “ ، وأثبت الجنّ بقوله - تعالى - “ 16 “ :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( 56 ) “ 17 “ ، وأثبت دخولهم الجنّة بقوله - تعالى - :لَمْ” 18 “يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ” 19 “ ، وأثبت حشر الأجساد
.................................................................................
( 1 ) الآية ( الحديد ، 4 ، الممتحنة ، 3 ، التغابن ، 2 ) . 
( 2 ) ( العلق ، الآية 14 ) .    ( 3 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 4 ) ( النساء ، الآية 164 ) .    ( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 6 ) ( البقرة ، الآية 255 ) . 
( 7 ) “ ك “ : “ وأثبت تعالى “ ، “ ز “ : “ وأثبت تعالى إرساله “ . 
( 8 ) الآية ( يوسف ، 109 ، النحل ، 43 ) أما في “ د “ و “ ب “ : فالعبارة فيهما : “ بقوله تعالى : “ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي “ ، وبقوله - تعالى - : “ وما أرسلنا من قبلك إلا . . . “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بقوله تعالى “ .   ( 10 ) ( الفتح ، الآية 29 ) . 
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ آخر الأنبياء بعثا بقوله تعالى “ . 
( 12 ) ( الأحزاب ، الآية 40 ) .    ( 13 ) ( الصافات ، الآية 96 ) . 
( 14 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها ، “ ز “ : الآية فيها : “ اللّه خالق كل شيء “ 
( 15 ) في التنزيل : “ اللّه خالق كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل “ ، ( الزمر ، 62 ) ، وكذلك : “ ذلكم اللّه ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو “ ( غافر ، 62 ) . 
( 16 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 17 ) ( الذاريات ، الآية 56 ) . 
( 18 ) “ ب “ : “ لم “ ساقطة . 
( 19 ) ( الرحمن ، الآيتان 56 ، 74 ) .

“ 95 “

بقوله - تعالى - :* أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ( 9 ) “ 1 “ ، وغير ذلك من أحوال الآخرة التي يجب الإيمان بها ، قال - تعالى - :ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ” 2 “ ، وأثبت المعجزة لنبيّنا - صلّى اللّه عليه وسلّم - بقوله - تعالى - :فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ” 3 “ ، فإنّ القرآن كلّه معجزته صلّى اللّه عليه وسلّم “ 4 “ ، إنّ من أراد حفظ عقيدته من الزّيغ والفساد والشّبه والضّلالات فليأخذها من القرآن العظيم ، فإنّه كلّه متواتر قطعيّ معصوم . 
وانظر يا أخي إلى نبيّنا محمّد - صلّى اللّه عليه وسلّم - لمّا قال له اليهود : انسب لنا ربّك يا محمّد ، كيف تلا عليهم سورة “ الإخلاص “ ،
ولم يقم عليهم من أدلّة النّظر دليلا واحدا : 

- فقوله - تعالى - :قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ( 1 ) “ 5 “ : أثبت الوجود الحق “ أحد “ ، ونفى العدد . 
- وقوله :اللَّهُ الصَّمَدُ( 2 ) “ 6 “ : نفى الجسميّة . 
- وقوله :لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ( 3 ) “ 7 “ : نفى الوالد والولد . 
- وقوله :وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ( 4 ) “ 8 “ : نفى الشّريك والصّاحبة ، أفيطلب صاحب الدّليل العقليّ من المؤمنين البرهان على صحّة هذه المعاني بالعقل بعد ثبوتها له “ 9 “ بالدّليل القطعيّ “ 10 “ ؟ إنّ ذلك لجهل .


[ عقيدة العوامّ الفطريّة ] 

ويا ليت شعري “ 11 “ ، من يطلب معرفة اللّه بالدّليل ، ويكفّر كلّ من لا ينظر في
.................................................................................
( 1 ) ( العاديات ، الآية 9 ) ، وما ورد في النسخ هو “ وبعثر ما في القبور “ . 
( 2 ) ( الأنعام ، الآية 38 ) . 
( 3 ) ( البقرة ، الآية 23 ) . 
( 4 ) “ ك “ : العبارة : “ فإن القرآن كله معجزة ، فعلم أن من . . . “ . 
( 5 ) ( الإخلاص ، الآية 1 ) . 
( 6 ) ( الإخلاص ، الآية 2 ) . 
( 7 ) ( الإخلاص ، الآية 3 ) . 
( 8 ) ( الإخلاص ، الآية 4 ) . 
( 9 ) “ د “ ، “ ز “ : “ له “ ساقطة . 
( 10 ) “ ك “ : “ النقلي “ ، “ ز “ : “ العقلي “ . 
( 11 ) “ ك “ : “ وليت شعري “ .

“ 96 “


الأدلّة ، كيف كان “ 1 “ حاله هو قبل النظر ، وفي حال النّظر هل هو مسلم أم لا ؟ وهل كان يصلّي ويصوم أم لا ؟ وهل كان يثبت “ 2 “ عنده أنّ اللّه - تعالى - موجود أم لا ؟ “ 3 “ وأنّ محمّدا رسول اللّه أم لا ؟ فإن كان معتقدا لهذا كلّه فهو حال العوامّ ، فليتركهم على ما هم عليه من الإيمان على قدر ما عندهم في الفطرة ، وإن لم يكن معتقدا لهذه الأمور إلّا بعد نظره في أقوال المتكلّمين ، فنعوذ باللّه من هذا المذهب حيث أدّاه سوء النّظر إلى الخروج من الإيمان . 
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريّا - رضي اللّه عنه - “ 4 “ يقول : عقائد العوامّ صحيحة بإجماع كلّ متشرّع صحيح العقل ، وهم مسلمون ، ولو لم ينظروا في كتب المتكلّمين ، لأنّ اللّه - تعالى - قد أبقاهم “ 5 “ على صحّة العقل “ 6 “ بالفطرة الإسلاميّة إمّا بتلقين الوالد المتشرّع ، أو الإلهام ، وهم من معرفة الحقّ - تعالى - وتنزيهه على حكم المعرفة والتّنزيه الوارد في القرآن ، وهم على صواب ما لم يعتقد “ 7 “ ما يقدح في إيمانهم ، أو يتطرّق “ 8 “ أحدهم إلى التأويل ، فإن اعتقد “ 9 “ ما يقدح في إيمانهم فحكمه ظاهر ، وإن تطرّق إلى التّأويل “ 10 “ خرج عن حكم العوامّ ، والتحق بأهل النظر والتأويل ، فهو على حسب تأويله ، وعليه يلقى اللّه تعالى ، فإمّا مصيب وإمّا مخطئ بالنّظر إلى ما يناقض ظاهر الأدلّة ، انتهى “ 11 “ . وقد بسطنا الكلام على ذلك في مقدّمة كتابنا المسمّى ب “ اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر “ “ 12 “ ، وهو مجلّد ضخم ما صنّف في الإسلام مثله فيما نظنّ “ 13 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ كيف حاله “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ ثبت “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أم لا “ ساقطة . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ : “ رحمه اللّه “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 5 ) “ د “ : “ قد “ ساقطة . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ العقد “ ، وهو تصحيف من الناسخ . 
( 7 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ يعتقدوا “ . 
( 8 ) “ د “ : “ ينظر “ ، وأراه تصحيفا لأن ما سيأتي عقبه يسند هذا الرأي . 
( 9 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ اعتقدوا “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ وإن تطرق إلى ذلك “،“ ب “:“إلى ذلك التأويل “. 
( 11 ) انتهى كلام الشيخ زكريا الأنصاري . 
( 12 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، 1 / 18 - 58 . 
( 13 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، 1 / 16 .

“ 97 “

فتأمّل يا أخي في هذه العقيدة العظيمة ، وأجب عن جناب البارئ - جلّ وعلا - كلّ من يلحد في ذاته وصفاته بما ينافيها ، فإنّ كلّ ما كان بالضدّ ممّا فيها “ 1 “ فهو إلحاد ، وإن عسر عليك استخراج “ 2 “ الأجوبة عن البارئ - جلّ وعلا - من حذر “ 3 “ ألفاظها فتأمّل في هذه الأجوبة المرتّبة على الأسئلة ، فإنّها كلّها ردّ على الملحدين “ 4 “ .
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:26 pm

توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

01 - [ توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق ] 

وممّا “ 5 “ أجبت به من يتوهّم أنّ نفوذ الأقدار الإلهيّة متوقّف على وجود الخلق ، ولولا الخلق لما نفذ للحقّ - تعالى - أقدار ، وهذا مؤذن برائحة افتقار في جناب “ 6 “ الحقّ تعالى ، والجواب أنّ هذا توهّم باطل ، فإنّ الحقّ - تعالى - له الغنى المطلق عن خلقه ، وعن أقداره النّافذة فيهم “ 7 “ ، فكما أنّه كان غنيّا عن إيجادهم ، وعن إخراجهم من العدم ، فكذلك هو غنيّ عنهم وعن أقداره “ 8 “ النّافذة فيهم ، كما يعرفه أهل اللّه عزّ وجلّ ، وإن كان ذلك صعب التّصوّر على أصحاب العقول المحجوبة عن شهود كمال الحقّ جلّ وعلا ، فافهم ذلك ، وإيّاك أن تتّبع ظاهر قول من قال من أهل السّكر بالحال :فلولاه ولولانا * لما كنّا ولا كانا “ 9 “
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ مما فيه “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ إخراج “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ صدر “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ وإن عسر عليك إخراج الأجوبة عن البارئ - جلّ وعلا - من صدر ألفاظها فعليك بطلب أستاذ عارف يرشدك إلى ذلك بطريقه الشرعي ، فانظر في هذه الأجوبة . . . “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فمما “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ جانب “ . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ عن نفوذ أقداره النافذة فيهم “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ نفوذ أقداره “ . 
( 9 ) الشعر من الهزج ، وهو من مقطعة في الفتوحات المكية إخالها من نظم محيي الدين ، وروايته فيها :فلولاه لما كنا * ولولا نحن ما كاناانظر : الفتوحات المكية ، 3 / 69 .

“ 98 “
وقوله أيضا :الكلّ مفتقر ما الكل مستغن * هذا هو الحقّ قد قلنا ولا نكني 

فإن ذكرت غنيّا لا افتقار به * فقد عرفت الذي في قولنا نعني “ 1 “
فإنّنا ولو حملنا ذلك من قائله على وجه أنّ الخلق كان معلوم علمه تعالى “ 2 “ ، ولا يقال من معلوم علمه ، أنّه يصحّ رفعه ، فلا يخفى ما في اللّفظ من رائحة سوء الأدب مع اللّه تعالى “ 3 “ ، وقد قالوا : من علم الحقائق ما هو أحسن ما يعلم ، وأقبح ما يقال ، والحمد للّه ربّ العالمين .


02 - [ توهّم أنّ محبّة الحقّ لشيء كمحبّة الخلق ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ محبة اللّه - تعالى - لشيء من الذّوات ، أو الأقوال ، أو الأفعال ، أو كراهته له ، على حدّ صورة محبّة الخلق بعضهم بعضا “ 4 “ ، أو كراهتهم ، وذلك مؤذن بعدم مباينة صفات الحقّ - تعالى - لصفات خلقه ، والجواب أنّ الحقّ - تعالى - خالق للخير والشّرّ ، وهو الفاعل المختار ، فلا يبرز في الكون شيء على غير مراده ، كما هي “ 5 “ صفة الحقّ ، وإنّما أخبرنا بمحبّته لشيء ، وكراهته لشيء ، ليحصل عندنا الباعث على فعل ما يحبّه تعالى ، ليثيبنا “ 6 “ عليه ، وترك ما يكرهه ، ليثيبنا عليه ، فرجع أثر المحبّة إلى الخلق لا إلى الحقّ تعالى ، وذلك كحديث : “ أحبّ الكلام إلى اللّه : سبحان اللّه ، والحمد للّه ، ولا إله إلّا اللّه ، واللّه أكبر “ “ 7 “ ، وحديث : “ لخلوف فم الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك “ “ 8 “ ،
.................................................................................
( 1 ) الشعر من البسيط ، ولم أعثر على قائله . 
( 2 ) “ د “ : العبارة : “ على وجه الخلق كلهم معلوم “ ، وهي ركيكة . 
( 3 ) “ ك “ : “ تعالى “ ساقطة .   ( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لبعضهم بعضا “ . 
( 5 ) “ ك “ : “ كما هو “ .  ( 6 ) “ ك “ : “ فيثيبنا “ . 
( 7 ) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 5 / 10 ، 21 ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 215 ) ، 1 / 38 ، ونصه : “ أحب الكلام إلى اللّه - تبارك وتعالى - أربع : لا إله إلا اللّه، وسبحان اللّه ، والحمد للّه ، واللّه أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت “. 
( 8 ) الحديث بتمامه : “ والذي نفسي بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من ريح المسك ، إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، فالصيام لي ، وأنا أجزي به ، كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصيام فهو لي ، وأنا أجزي به “ . أخرجه أحمد في المسند ، 1 / 446 ، 2 / 232 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب الصوم واللباس ( 78 ) ، والترمذي في السنن ، كتاب الصوم ، ( الباب 55 / 764 ) ، 2 / 195 ، ومالك في الموطأ ، كتاب الصيام ، ( 58 / 264 ) ، والطبراني في الأوسط -

“ 99 “
فمعنى هذين الحديثين “ 1 “ أنّه - تعالى - يحبّ لكم ذلك ؛ أي : يثيبكم عليه ؛ لترغبوا في الثّواب ، فتبادروا لذلك المحبوب بأن تفعلوه نعمة منه عليكم . 

وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول : يجب على كلّ عبد أن يحبّ جميع الأقدار الإلهيّة ، ويرضى بها حسنها وقبيحها “ 2 “ ، هذا من حيث القضاء “ 3 “ ، أمّا من حيث المقضيّ “ 4 “ فيجب عليه النّظر إليها ثانيا من حيث التّكليف ، فيحبّ الطّاعة ، ويكره المعصية “ 5 “ ، تبعا للأنبياء والعارفين باللّه - عزّ وجلّ - “ 6 “ في ذلك ، فهي كلّها بالإضافة إلى اللّه - تعالى - كجراب محشوّ مسكا وطيبا ، وبإضافتها إلى الخلق فمنها ما هو مسك ، ومنها ما هو رجس بالنّظر للطّاعات والمعاصي ، فاعلم ذلك ، وإيّاك أن تحمل صفات الحقّ - تعالى - على حدّ صفات خلقه ، فتجهل وتسيء الأدب ، والحمد للّه ربّ العالمين .

03 - [ توهّم إحاطة الخلق بالحقّ تعالى ] 

“ 7 “ وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ أحدا من الخلق يحيط علما بالحقّ - جلّ وعلا -
- ( 3023 ) ، 2 / 202 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الزكاة ( 4955 ) ، 3 / 292 ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 1923 )، 1 / 293 ، وجامع الأحاديث القدسية ( كتاب الصوم ، 176 ) ، 1 / 199. 
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ هذين “ ساقطة . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سواء أحسنت لديه ، أو شنعت عليه “ . 
( 3 ) قوله : “ هذا من حيث القضاء “ ساقط من “ أ “ . 
( 4 ) قوله : “ هذا من حيث القضاء ، أما من حيث المقضي “ ساقط من “ د “ و “ ك “ و “ ز “ . 
( 5 ) “ د “ : “ مسمى الطاعة . . . مسمى المعصية “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ باللّه تعالى “ . 
( 7 ) يعقد محيي الدين بابا في الفتوحات موسوما بمعرفة رجال الحيرة والعجز ، وقد افتتحه بنظم يتفق وكلام الشعراني في هذه المسألة ، فقال :من قال يعلم أن اللّه خالقه * ولم يحر كان برهانا بأن جهلا 
لا يعلم اللّه إلا اللّه فانتبهوا * فليس حاضركم مثل الذي غفلا 
العجز عن درك الإدراك معرفة * كذا هو الحكم فيه عند من عقلا 
هو الإله فلا تحصى محامده * هو النزيه فلا تضرب له مثلاانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 408 .

“ 100 “
إحاطة لا جهل فيها ، فيساوي علمه علم ربّه - عزّ وجلّ - بنفسه ، والجواب أنّ الإحاطة بالحقّ - جلّ وعلا - “ 1 “ لا تصحّ لأحد من الخلق ، قال - تعالى - “ 2 “ :وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً” 3 “ ، وقال الشّبليّ “ 4 “ : إذا حيّط الحقّ - تعالى - أحدا من خلقه به أحاط ، معناه أنّه يحيط علما بأنّه - تعالى - لا تأخذه الإحاطة “ 5 “ ، نظير قولهم : العجز عن درك الإدراك إدراك “ 6 “ ، والفرق حينئذ “ 7 “ بين إحاطة هذا بالحقّ وبين إحاطة الحقّ - تعالى - بنفسه أنّ
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : العبارة : “ فعلم أن الإحاطة بالحقّ جل وعلا “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ قال اللّه تعالى “ .   ( 3 ) ( طه ، الآية 110 ) . 
( 4 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ، وقد جاء في النسخ كلها : “ وقول الشبلي “ ، أما الشبلي فهو أبو بكر دلف بن جحدر الشّبلي ، وقيل اسمه جعفر بن يونس ، وقيل غير ذلك ، ولد سنة ( 247 ه ) ، وصفه المناوي بأنه إمام اشتهر شرفه ، وسمت في جنان المعرفة غرفه ، وهو خراساني الأصل ، بغدادي المنشأ ، مالكي المذهب ، وكتب كثيرا في الحديث ، ثم شغلته العناية عن الرواية ، صحب أبا القاسم الجنيد ، وكان إذا حل شهر رمضان المبارك جد في الطاعات ، وقال : هذا شهر عظمه ربي ، فأنا أول من يعظمه ، من كلامه أنه سمع بياعا يقول : الخيار عشرة بدرهم ، فصاح وقال : إذا كان الخيار عشرة بدرهم ، فكيف الشرار ؟ وكذلك قوله : المحب إذا لم يتكلم هلك ، والعارف إذا تكلم هلك ، وكذلك : العارف لا يكون بكلام غيره لافظا ، ولا للغير لاحظا ، ولا يرى غير اللّه حافظا ، توفي سنة ( 334 ه ) ببغداد ، وقبره هناك . انظر ترجمته : الأصبهاني ، حلية الأولياء ، 10 / 366 ، والقشيري ، الرسالة القشيرية ، 419 ، وابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2 / 231 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 9 / 508 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 14 / 18 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 11 / 229 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 1 / 226 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 83 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 338 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 164،والزركلي،الأعلام ،2 / 341 ،وبروكلمان،تاريخ الأدب العربي،3 -4/ 466 . 
( 5 ) “ د “ : العبارة فيها : “ أنه يحيط علما بأنه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم “ . 
( 6 ) ينسب هذا القول إلى أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه ، هكذا جاء في الفتوحات المكية ، وقد فسر ذلك بأنه إذا “ علمت أن ثمّ من لا يعلم ، فذلك هو العلم باللّه تعالى ، فكان الدليل على العلم به عدم العلم به ، واللّه أمرنا بالعلم بتوحيده ، وما أمرنا بالعلم بذاته ، بل نهى عن ذلك بقوله :وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ *، ونهى الرسول عن التفكر في ذات اللّه تعالى ؛ إذ من ليس كمثله شيء كيف يوصل إلى معرفة ذاته ، فقال اللّه - تعالى - آمرا بالعلم بتوحيده :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ. . . ، فلا يعرف اللّه إلّا اللّه ، فقامت الأدلة العقلية القاطعة على أنه إله واحد عند أهل النظر وأهل الكشف ، فلا إله إلا هو “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 409 . 
( 7 ) “ ب “ : “ حينئذ “ ساقطة .

“ 101 “
إحاطة العبد محدثة مفتقرة إلى اللّه تعالى ، وإحاطة الحقّ - تعالى - “ 1 “ قديمة ، واللّه - تعالى - أعلم “ 2 “ . 
وإيضاح ذلك أنّ المراد بالإحاطة بالحقّ - جلّ وعلا - “ 3 “ ليس هو على حدّ الإحاطة بالخلق ، فيصحّ للمحيط أن يكون قبل المحاط به ، ويكون بعده ، وهذا محال في حقّ الحقّ جلّ وعلا ؛ لأنّه الأوّل والآخر من غير أوّليّة أو آخريّة “ 4 “ يحكم عليه بها “ 5 “ ، فيكون معلولا لها ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، ومن ادّعى أنّه يحيط بالحقّ علما ، فكأنّه يقول : أنا كنت قبل اللّه ، وأكون بعد اللّه ، وذلك من أمحل المحال “ 6 “ . 
فإن قال قائل : فما صورة إحاطة الحقّ - تعالى - بنفسه ؟ 
فالجواب : صورتها “ 7 “ أنّ الحقّ - تعالى - يحيط بنفسه أنّه لا تأخذه الإحاطة تنزيها لقدس جلاله ، فإنّ من توهّم أنّ الحقّ - تعالى - يحيط بنفسه على حدّ إحاطة الخلق بالخلق “ 8 “ ، فكأنّه يقول إنّ اللّه - تعالى - كان قبل ذاته ، ويكون موجودا بعدها ، وذلك محال ، فهو - تعالى - يعلم أنّ ذاته - تعالى - “ 9 “ لا تقبل الإحاطة لا له ولا لغيره ، لأنّ عدم إدراكه - تعالى - الإحاطة بنفسه عجز ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا “ 10 “ ، وهذه المسألة يغلط فيها كثير من النّاس ، فيبادر إلى الجواب بأنّ الحقّ - تعالى - يحيط بنفسه على حدّ ما يحيط الخلق ببعضهم بعضا ، وذلك جهل بما يجب للحقّ - تعالى - من التّنزيه . 
فإن قال قائل : فما الفرق بين إحاطة الحقّ “ 11 “ بنفسه على هذا التقدير ،
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ واللّه أعلم “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ : “ تعالى “ . 
( 4 ) “ د “ : “ أخروية “ ، “ ز “ : “ من غير أولية وآخرية “ . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ تحكم عليها “ . 
( 6 ) “ ب “ : “ من المحال “ . 
( 7 ) “ د “ ، “ ز “ : العبارة : “ صورتها حينئذ على هذا المعنى أن الحق . . . “ . أما في “ ك “ فالعبارة : “ فالجواب حينئذ على هذا المعنى أن . . . “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ بالخلق “ ساقطة . 
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 10 ) “ ك “ : العبارة : “ تعالى عن ذلك ، ما علمه تعالى بما هي ذاته ، فلا شك عندنا في علمه تعالى بها على حدّ ما هي عليه “ . 
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ : “ إحاطة الحق تعالى بنفسه “ .

“ 102 “
وإحاطة خلقه به ؟ 
فالجواب : أنّ الفرق قد تقدّم ، ويمكن الفرق أيضا بأنّ علمنا بذلك إيمان ، وعلم الحقّ بذلك ليس بإيمان ؛ كعلم خلقه ؛ إذ الإيمان متعلّقه الخبر ، فافهم . فينبغي للعارف إذا سئل : هل يحيط الحقّ - تعالى - بنفسه أن يقول “ نعم “ تنزيها له - تعالى - عن الجهل ، ثمّ يقول عقب ذلك : لكن ، لا على حدّ ما يتعقّل عباده تنزيها لقدسه تعالى ؛ وذلك لأنّ نفي البدء والنّهاية من درجاته التي تميّز بها عن خلقه ، كما قال - تعالى - :رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ” 1 “ ، فمتعلّق هذه الإحاطة وعدمها الزّمان لا المكان ، فإنّ الحقّ - تعالى - ليس بجسم حتّى يقال إنّه تصحّ الإحاطة به كالأجسام ، وقد كان - تعالى - موجودا قبل خلقه الزّمان والمكان . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 2 “ يقول : إذا كان العقل لا يقدر على تعقّل أوّل الوجود المخلوق ولا انتهائه ، فكيف يقدر على تعقّل خالقه ؟ فإنّ كلّ شيء وقف العقل على علمه من العلويّات والسّفليّات وبقيّة الجهات السّتّ طلب العقل ما بعده ، فلا بدّ أنّ عقلك يقول لك : وما بعد ذلك ؟ فإن قلت له : فضاء ، أو جسم آخر ، يقول لك : فما وراء ذلك “ 3 “ ؟ وهكذا أبد الآبدين ، ودهر الدّاهرين ، فلا يكاد العقل يتعقّل قولهم : ليس وراء العرش خلاء ولا ملاء أبدا . 
وقد سمعت مرّة هاتفا يقول لي “ 4 “ : إذا ركعت في الصّلاة فقل : سبحان من كان جميع ما عرفه الخلق من عظمته كذرّة في هواء ليس له سقف ولا أرض ، انتهى . وهو مأخوذ من معنى حديث “ أمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّب “ “ 5 “ ، فإنّ هذا من جملة تعظيمنا
.................................................................................
( 1 ) ( غافر ، الآية 15 ) ، “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ ذو العرش “ ليست فيها . 
( 2 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ فما بعد ذلك “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لي “ ساقطة . 
( 5 ) الحديث بتمامه : “ كشف النبي - صلى اللّه عليه وسلم - الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي اللّه عنه ، فقال : أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ، ثم قال : ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا ، أو ساجدا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء ، فإنه قمن أن يستجاب لكم “ . أخرجه مسلم في الصحيح ، كتاب -

“ 103 “
له ، فافهم ، وبالجملة فمن فهم قوله - تعالى - :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” 1 “ ، نزّه الحقّ - جلّ وعلا - عن صفات خلقه ، وعن كلّ ما يخطر بالبال ، والحمد للّه ربّ العالمين .

04 - [ توهّم خلق الوجود من عدم في علم الحقّ ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ اللّه - تعالى - خلق الوجود من عدم في علمه أخذا من قوله - تعالى - :وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً” 2 “ ، ومن قول جمهور أئمّة الكلام : إنّ المعدوم ليس بشيء ، ومن قولهم : أوجد الوجود من عدم ، وهذا يؤدّي إلى نسبة الجهل إلى جناب الحقّ - جلّ وعلا - بالعالم قبل إيجاده ، والجواب : أنّ العدم عدمان “ 3 “ : عدم محض ، وعدم إضافيّ ، فالعدم المحض ليس فيه ثبوت عين حتّى يتعلّق بها علم اللّه تعالى ، وأمّا العدم الإضافيّ فهو الذي له عين ثابتة في علم اللّه تعالى ، فيجب حمل الآية وكلام المتكلّمين على هذا الثاني ، ويكون المراد بقول الحقّ :وَلَمْ تَكُ شَيْئاً” 4 “ ، وبقول المتكلّمين : إنّ المعدوم ليس بشيء ، في علم الخلق لا في علم اللّه “ 5 “ ، فإنّه لا يعزب عن علم اللّه - تعالى - شيء ، قد قال - تعالى - :اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ( 62 ) “ 6 “ ، ولا يقال إنّ القدرة الإلهيّة تتعلّق بلا شيء ممّا ليس ثابتا في العلم الإلهيّ ، فافهم ، فإنّ هذه مسألة “ 7 “ زلّت فيها الفلاسفة ، فقالوا بقدم “ 8 “ العالم من حيث إنّ العالم هو معلوم العلم القديم ، والحقّ أنّ العالم قديم في العلم ، حادث في الظهور ، أي إلى عالم الشّهادة ، كما بسطنا الكلام على ذلك في مؤلّف مستقلّ “ 9 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .
- الصلاة ( الباب 41 / 207 ) ، شرح صحيح مسلم ، 4 / 443 ، والنسائي في السنن ، باب التطبيق ، 2 / 190 . 
.................................................................................
( 1 ) ( الشورى ، الآية 11 ) . 
( 2 ) ( مريم ، الآية 9 ) . 
( 3 ) “ ب “ : العبارة : “ فعلم أن العدم عدمان “ . 
( 4 ) ( مريم ، الآية 9 ) . 
( 5 ) “ ب “ : قوله : “ في علم الخلق “ ساقط . 
( 6 ) ( الزمر ، الآية 62 ) . 
( 7 ) “ ك “ : “ هذه المسألة “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ بعدم “ ، وهو تصحيف مخل بالمعنى . 
( 9 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، المبحث الحادي عشر : “ في وجوب اعتقاد أنه تعالى علم الأشياء قبل وجودها في عالم الشهادة ، ثم أوجدها على حد ما علمها “ ، 1 / 132 .

“ 104 “
05 - [ توهّم إضافة النّسيان وغيره ممّا لا يجوز إلى جناب الحقّ ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم في إضافة “ 1 “ الحقّ - تعالى - إلى نفسه النّسيان ، أو الاستهزاء ، أو الخداع ، أو السّخريّة ، أو نحو ذلك ، أنّها على حدّ ما يضاف إلى الخلق ، والجواب أنّه لا تجوز إضافة مثل ذلك إلى الحقّ على وجه إضافته إلى الخلق “ 2 “ بإجماع أهل الكشف والنّقل ؛ لأنّ هذه الصّفات وأمثالها صفات نقص في الخلق فقط ، وأمّا بالإضافة إلى الحقّ - جلّ وعلا - فهي صفات كمال يجب الإيمان بها على حدّ علم اللّه - تعالى - فيها لا على حدّ ما يتعقّله عباده ، فاعلم ذلك ، وعليك بالإيمان بكلّ ما ورد من عند اللّه “ 3 “ على ألسنة رسله ، وإن لم تتعقّله ، والحمد للّه ربّ العالمين .

06 - [ توهّم معرفة كنه الذّات المقدّس ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من نحو قوله - تعالى - :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( 56 ) “ 4 “ على تفسير العبادة هنا بالمعرفة أنّ أحدا يعرف كنه الذّات المقدّس ، ويخرج عن وصفه بالجهل باللّه - تعالى - “ 5 “ جملة ، ويساوي علمه بالحقّ - تعالى - علم الحقّ - تعالى - بنفسه ، والجواب أنّ هذا التّوهّم باطل بإجماع أهل الكشف والنّقل ، وقد أجمعوا على أنّ كلّ شيء خطر ببالك ، فاللّه - تعالى - بخلاف ذلك ، وذلك “ 6 “ أنّ غاية ما تصل إليه العقول إلى معرفة كنهه “ 7 “ الأجسام والجواهر والأعراض ، ومعلوم أنّ الحقّ “ 8 “ ليس هو بجسم ، ولا جوهر ، ولا عرض ، فلا يصحّ لعبد أن يعرف ربّه معرفة لا جهل فيها بحقيقة أصلا ، قال - تعالى - :وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً” 9 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ من إضافة “ . 
( 2 ) “ ك “ : قوله : “ على وجه إضافته إلى الخلق “ ساقط . 
( 3 ) “ أ “ : عبد اللّه “ ، وإخاله تصحيفا ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 4 ) ( الذاريات ، الآية 56 ) . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ : “ بالجهل به تعالى “ . 
( 6 ) “ ب “ : “ ذلك “ ساقطة . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : بزيادة قوله : “ ولو بوجه ما “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ العبارة : “ ومعلوم أن الحق تعالى ليس بجسم “ . 
( 9 ) ( طه ، الآية 110 ) .

“ 105 “
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه تعالى - يقول : لم يكلّف الحقّ - جلّ وعلا - “ 1 “ أحدا من خلقه بمعرفة كنه الذّات أبدا ؛ لأنّ حقيقته - تعالى - مخالفة لسائر الحقائق ، فلا تجتمع “ 2 “ مع خلقه في حدّ ، ولا حقيقة ، ولا نسبة ، ولا جنس ، ولا فصل ، انتهى . 

بل الذي أقول به تبعا لأهل الكشف إنّ العبد منّا لا يعرف كنه نفسه أبدا ؛ لأنّه - تعالى - جعل النفس مرتبة تعجيز دونه تعالى ، وكأنّه يقول - تعالى - : إن عرفتم كنه نفوسكم ، فأنتم تعرفونني ، ومعلوم أنّه لم يبلغنا عن أحد أنّه عرف كنه نفسه ، وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول : لو صحّ لأحد معرفة كنه نفسه لعرف كنه الذّات ، ولا قائل بذلك من المحقّقين ، ويؤيّد ذلك ما قد يشير إليه قوله - تعالى - :مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ” 3 “ ، أي : غاية ما يصل إليه العبد من المعارف لا يتعدّى معرفة نفسه ، بل هو محبوس في دائرتها . 
وفي بعض الهواتف الرّبّانية يقول اللّه - عزّ وجلّ - لبعض الخواصّ في سرّه : قل للعارفين بي “ 4 “ : إن رجعتم تسألونني الزّيادة من المعرفة ، فما عرفتموني ، وإن رضيتم بالقرار على ما عرفتموه من صفاتي ، فما عرفتموني ، وعزّتي وجلالي ، ما أنا عين ما عرفتم ، ولا عين ما جهلتم ، انتهى . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول : غاية ما عرفه العارفون به إنّما هو آثار صنعه في العالم من إيجاد وإعدام ، وولاية وعزل ، وغير ذلك . 
فإن قلت : فإذا لا ينبغي لعبد “ 5 “ أن يطلب من الحقّ - تعالى - أن يعرّفه بماهيّة ذاته ، قلنا : نعم ، وهو كذلك كما يؤخذ بطريق الإشارة من قوله - تعالى - :وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ *” 6 “ ، يعني أن تتفكّروا فيها بقرينة قوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ تفكّروا في
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ز “ : “ يجتمع “ . 
( 3 ) ( الإسراء ، الآية 15 ) . 
( 4 ) “ ك “ : “ بي “ ساقطة . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ لأحد “ . 
( 6 ) ( آل عمران ، الآيتان 28 ، 30 ) .

“ 106 “
آلاء اللّه ، ولا تفكّروا في ذاته “ “ 1 “ ، وبقرينة قوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - أيضا : “ كلّكم حمقى في ذات اللّه “ “ 2 “ ، أي : في معرفة كنهها “ 3 “ ، انتهى .

07 - [ كلام الشّيخ محيي الدّين ابن العربي على ماهيّة الذّات وكنهها ] 

وذكر الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 4 “ في باب “ الأسرار “ من كتاب “ الفتوحات “ “ 5 “ ما نصّه : اعلم أنّ المخلوقات كلّها معلولة “ 6 “ ، والكيفيّة في حقّ ذات الحقّ “ 7 “ - تعالى - مجهولة ، ولا بدّ من وجه جامع بين الدّليل والمدلول في قضايا العقول “8“، والحقّ - تعالى - غير مدرك بالدّليل، فليس إلى معرفة كنه ذاته من سبيل “9“. 
وقال في موضع آخر من هذا الباب : اعلم يا أخي أنّ الذّات مجهولة ؛ لأنّها ليست بعلّة ولا معلولة “10“،ولا هي للدّليل مدلولة، ومن شرط وجه“ 11 “ الدّليل أن يربط الدّليل
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ تفكروا في آلاء اللّه ، ولا تفكروا في ذاته “ ساقط ، ويروى الحديث : 
“ تفكروا في آلاء اللّه ، ولا تفكروا في اللّه “ . أخرجه الطبراني في الأوسط في موضعين ( 71 ) ، ( 6319 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الإيمان ( 260 ) ، 1 / 106 ، والسيوطي ، الجامع الصغير ( 3348 ) ، 1 / 514 ، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1788 ) . 
( 2 ) لم أعثر عليه البتة في كتب الحديث التي بين يدي بعد طول بحث وتنقيب ، ولكن ، ثم حديث يقترب معناه من معنى هذا الحديث ، وهو “ تفكروا في آلاء اللّه ، ولا تفكروا في ذاته “ ، وقد تقدم تخريجه . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كيفيتها “ ، “ د “ : “ كيفها “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 5 ) “ د “ : “ من الفتوحات “ . أما باب الأسرار فهو - كما وصفه محيي الدين - “ من أشرف أبواب هذا الكتاب ، هو الباب الجامع لفنون الأنوار الساطعة ، والبروق اللامعة ، والأحوال الحاكمة ، والمقامات الراسخة ، والمعارف اللدنية ، والعلوم الإلهية ، والمنازل المشهودة ،، ضمنت هذا الباب جميع ما يتعلق بأبواب هذا الكتاب مما لا بد من التنبيه عليه ، مرتبا من الباب إلى آخره “ . انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 63 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ معلومة “ ، وهذا تصحيف صوابه ما ورد في “ أ “ و “ د “ والفتوحات المكية . 
( 7 ) “ ك “ : “ في كيفية الحق “ ، “ ز “ : “ والكيفية في ذات الحق تعالى . . . “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ : “ في قضايا بيان العقول “ . 
( 9 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 107 ، وفي عبارة الشعراني اختصار واجتزاء . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ : “ لأنها “ ساقطة . 
( 11 ) “ ك “ : “ ومن شروط وجه “ ، ب : “ ومن شروط الدليل “ ، وعبارة الفتوحات : “ وجه الدليل يربط الدليل بالمدلول “ .


“ 107 “
بالمدلول ، والذّات لا ترتبط ، كما أنّها لا تختلط ، انتهى “ 1 “ . 
وقال في موضع آخر : اعلم أنّ الذّات المقدّس لا تدخل تحت إحاطة علم ولا إدراك “ 2 “ ، وقال في الباب السّادس من “ الفتوحات “ “ 3 “ : حيث أطلقنا العلم باللّه - تعالى - في كلامنا ، فمرادنا العلم بوجوده ، وبما هو عليه من صفات الكمال ، وأمّا العلم بحقيقة ذاته ، فهو ممنوع بين المحقّقين لا يعلم بدليل ولا ببرهان ، وغاية معرفتنا “ 4 “ به علمنا بأنّه ليس كمثله شيء ، وأمّا الماهيّة فلا علم لأحد بها ، انتهى “ 5 “ . 
وقال في الباب السادس عشر منها أيضا “ 6 “ : لا خلاف عندنا أنّ الذّات لا تعلم بالكون أصلا “ 7 “ ؛ لأنّ الكون لا تعلّق له إلّا بالمراتب دون الذّات ؛ كالاسم “ الخالق “ يطلب وجود مخلوق ، و “ الرّازق “ يطلب مرزوقا “ 8 “ ، و “ الرّحمن “ يطلب مرحوما “ 9 “ ، وهكذا “ 10 “ ، وقال في الباب الرّابع والأربعين ومائة منها أيضا “ 11 “ : اعلم أنّه ليس للفكر حكم ، ولا مجال في ذات الحقّ - جل وعلا - عقلا “ 12 “ ولا شرعا ، وسبب ذلك ارتفاع المناسبة بين ذاتنا
.................................................................................
( 1 ) انظر عبارة محيي الدين في باب الأسرار في الفتوحات المكية ، 8 / 122 . 
( 2 ) “ ك “ : “ . . . إحاطة علم الخلق ولا إدراكهم “ . 
( 3 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة بدء الخلق الروحاني ، ومن هو أول موجود فيه ، وممّ وجد ، وفيم وجد ، وعلى أي مثال وجد ، ولم وجد ، وما غايته “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 181 . 
( 4 ) “ د “ : “ وغاية علمنا “ . 
( 5 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 183 . 
( 6 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة المنازل السفلية والعلوم الكونية ، ومبدأ معرفة اللّه منها ، ومعرفة الأوتاد والأبدال ، ومن تولاهم من الأرواح العلوية وترتيب أفلاكها “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 240 . 
( 7 ) “ أ “ : “ بالكنه “ ، وأحسبه تصحيفا لا يتساوق مع ما بعده . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وجود مرزوق “ .  ( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وجود مرحوم “ . 
( 10 ) عبارة محيي الدين : “ اعلم أن الكون لا تعلق له بعلم الذات أصلا ، وإنما متعلقه العلم بالمرتبة ، وهو مسمى اللّه ، فهو الدليل المحفوظ الأركان الساد على معرفة الإله ، وما يجب أن يكون عليه سبحانه من أسماء الأفعال ونعوت الجلال “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 244 . 
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ : “ مائة “ ساقطة ، والصواب كما ورد في المتن والفتوحات المكية ، وعنوانه “ في معرفة مقام الفكر وأسراره “ ، انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 346 . 
( 12 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ لا عقلا ولا شرعا “ ، وهي كذلك في الفتوحات المكية .

“ 108 “
وذات الحقّ تعالى “ 1 “ . 
وقال في الباب الثّاني والثّمانين “ 2 “ منها أيضا : أجهل الطوائف باللّه - تعالى - من يطلب معرفة كنه الذّات “ 3 “ . وقال في الباب التّاسع والسّبعين ومائتين “ 4 “ : اعلم أنّ التّجلّي الذّاتي في غير حجاب ممنوع بين أهل الحقائق ، وجميع التّجليات الواقعة لقلوب الخلق إنّما هي جسور يعبر “ 5 “ عليها بالعلم ، فيعلمون عند وقوفهم على آخر هذه الجسور أنّ وراء ذلك المشهد أمرا لا يصحّ أن يعلم ، ولا يشهد ، وأنّه ليس وراء هذا المشهود الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا “ 6 “ . 
وقال في الباب الثّاني والعشرين وثلاثمائة منها أيضا “ 7 “ : اعلم أنّ كلّ من خاض بفكره في الذّات فهو عاص للّه ولرسوله لتعرّضه لأمر قد نهاه اللّه - تعالى - عنه مع شهود عجزه عن معرفة ذلك ، وما أمر اللّه - تعالى - “ 8 “ بذلك أحدا “ 9 “ ، وقال في الباب الثاني
.................................................................................
( 1 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 347 . 
( 2 ) “ ب “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ الثامن “ ، وهو تحريف من الناسخ . 
( 3 ) عنوان هذا الباب هو“في الفرار“. انظر:محيي الدين،الفتوحات المكية،3 / 232 . 
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل الاعتبار وأسراره من المقام المحمدي “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 353 . 
( 5 ) “ ب “ : “ يعبرون “ . 
( 6 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 353 ، والعبارة منقولة بتصرف . 
( 7 ) “ ك “ : “ أيضا “ ساقطة ، وعنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل من باع الحق بالخلق ، وهو من الحضرة المحمدية “ ، 5 / 118 . 
( 8 ) “ ب “ : قوله : “ مع شهود عجزه عن معرفة ذلك ، وما أمر اللّه تعالى “ ساقط . 
( 9 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 119 ، وفي هذا المضمار يقول : “ فقد تبين لك ما المراد بتوحيد اللّه الذي أمرنا بالعلم به أنه توحيد الألوهية له ، سبحانه لا إله إلّا هو ، قال - تعالى - :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، ولم يقل : فاعلم أنه لا تنقسم ذاته ، ولا أنه ليس بمركب ، ولا أنه مركب من شيء ، ولا أنه جسم ، ولا أنه ليس بجسم ، بل قال في صفته إنهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، ولما لم يتعرض الحق - سبحانه - إلى تعريف عباده بما خاضوا فيه بعقولهم ، ولا أمرهم اللّه في كتابه بالنظر الفكري إلا ليستدلوا بذلك على أنه إله واحد ، أي أنها لا تدل إلا على الوحدانية في المرتبةلا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، فزادوا في النظر ، وخرجوا عن المقصود الذي كلفوه ، فأثبتوا له صفات لم يثبتها لنفسه ، ونفت عنه طائفة أخرى ، ولم ينفها عن نفسه ، ولا نص عليها في كتابه ، ولا على ألسنة أنبيائه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 119 .

“ 109 “
والثّمانين وثلاثمائة “ 1 “ : اعلم يا أخي أنّ للحقّ تعالى بنفسه علما ما هو عين ما حكم به العقل ، ولا هو عين ما شهد به البصر، ولا هو غير “ 2 “ هذين الحاكمين “ 3 “ . 
وقال في الباب السّادس والسّتّين من “ الفتوحات “ “ 4 “ : لا يعرف أحد منّا حقيقة ذات الحقّ - تعالى - “ 5 “ ولو هلك من شدّة الفحص ؛ لأنّ بيننا وبين حضرة الذّات سبعين ألف حجاب من نور وظلمة “ 6 “ ، ونحن على الدّوام خلف هذه الحجب لا يمكننا أن نرقى عن ذلك مع كونه - تعالى - أقرب إلينا من حبل الوريد .
وقال الشّيخ في شرح كتابه “ 7 “ المسمّى ب “ ترجمان الأشواق “ : كلّ الخلق واقفون خلف حجاب العزّة الأحمى ، لا يصحّ لأحد أن يتعدّى هذا الحجاب إلى معرفة كنه الذّات “ 8 “ ، انتهى . 

وقال في الباب السّابع والسّبعين ومائتين “ 9 “ من “ الفتوحات “ “ 10 “ : قد حارت
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل الخواتم وعدد الأعراس الإلهية والأسرار الأعجمية “ . انظر : الفتوحات المكية ، 6 / 313 . 
( 2 ) ما ورد في النسخ كلها هو “ عين “ ، وأراه تصحيفا يقلب المعنى ، وصوابه ما ورد في المتن من الفتوحات . 
( 3 ) عبارة محيي الدين بالضد في الفتوحات ، فقد قال : “ ثم له علم بنفسه ما هو عين ما حكم به العقل عليه ، ولا هو عين ما حكم به شهود البصر عليه ، ولا هو غير هذين ، بل هو عين ما حكما به ، وهو ما علمه الحق من نفسه مما لم يعلمه هذان الحاكمان “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 323 . 
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة سر الشريعة ظاهرا وباطنا وأي اسم إلهي أوجدها “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 486 . 
( 5 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 6 ) هذا لفظ قريب من لفظ حديث شريف أخرجه الزبيدي ، إتحاف المتقين ، 2 / 72 ، 5 / 137 ، والعراقي ، المغني عن حمل الأسفار ، ( مكتبة الحلبي ) ، 1 / 101 ، والشوكاني ، الفوائد المجموعة ، 450 . 
( 7 ) “ ب “ : “ في شرحه “ . 
( 8 ) قال في شرح “ ترجمان الأشواق “ : “ الإشارة بقوله - عليه السلام - : “ إن للّه سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها أحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره ، وهو مشهد عظيم نزيه لا يبقي أثرا ولا عينا ولا كونا ، فما احتجب إلا رحمة بنا لبقاء أعياننا “ . انظر : محيي الدين ، شرح ترجمان الأشواق ، 106 . 
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ ومائة “ . وليس ذلك كذلك ، وصوابه ما ورد في “ أ “ و “ ب “ والفتوحات . 
( 10 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل التكذيب والبخل وأسراره من المقام الموسوي “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 341 .

“ 110 “
العقول في معرفة كنه ذات “ 1 “ الحقّ جلّ وعلا ، وتعالى اللّه “ 2 “ عن إدراك الحواسّ ، وعن إدراك العقول “ 3 “ ، وقال في الباب الحادي والخمسين ومائتين “ 4 “ : فسبحان من لا يعلم إلّا بأنّه “ 5 “ لا يعلم “ ، وكفى بذلك تنزيها للحقّ - تعالى - وتمييزا له عنّا . 
وقال في الباب الرّابع والخمسين ومائتين “ 6 “ : إذا كان حجاب الحقّ - تعالى - علينا دائما لا يرفع ، والسّتر علينا دائما يسدل “ 7 “ ، فلا تقع عيننا إلّا على الحجاب دون الكنه والحقيقة “ 8 “ .
وقال في الباب التّاسع عشر وثلاثمائة “ 9 “ : اعلم أنّ الذّات لم تزل مجهولة ، وأنّى للحادث “ 10 “ معرفة القديم ؟ “ 11 “ . وقال في الباب السّتّين وثلاثمائة “ 12 “ : إنّما حرّم العلماء

.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ ذات “ ساقطة ؛ والعبارة في “ د “ : “ في معرفة كنه الحق “ . 
( 2 ) “ د “ : “ تعالى اللّه تعالى “ . 
( 3 ) وفي ذلك يقول شعرا :وكيف يدرك من لا شيء يشبهه * من يأخذ العلم عن حس وعن نظر 
فالعلم باللّه عين الجهل فيه به * والجهل باللّه عين العلم فاعتبر 
وليس في الكون معلوم سواه فما * تقول يا أيها المغلوب عن حصر 
إن الظهور إذا جاز الحدود لنا * كذلك الأمر فانظر فيه وافتكرانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 342 . 
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في عدم الري “ ، 4 / 271 . 
( 5 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 272 ، وثمّ تصحيف في النسخة “ أ “ و “ ك “ ، ففيها : “ إلا بإذنه يعلم . . . “ . 
( 6 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة الستر ، وهو سترك عما يفنيك “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 273 . 
( 7 ) “ ب “ : ثمّ سقط ، والعبارة فيها : “ . . . لا يرفع ، والستر علينا مسدل “ . 
( 8 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 274 ، وعبارته : “ فالستر مسدل ، فلا تقع العين إلا على ستر؛ لأنها لا تقع إلا على صورة، وهذا لما تقتضيه الألوهية من الغيرة والرحمة، فأما الغيرة فإنه يغار أن يدركه غير، فيكون محاطا لمن أدركه “بكل شيء محيط“، وأما الرحمة فإنه علم أن المحدثات لا تبقى لسبحات وجهه، بل تحترق بها، فسترهم رحمة لإبقاء عينهم “. 
( 9 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة تنزل سراح النفس عن قيد ما من وجوه الشريعة بوجه آخر منها “ .  انظر : الفتوحات المكية ، 5 / 105 . 
( 10 ) “ د “ ، “ ز “ : “ للمحدث “ . 
( 11 ) عبارة محيي الدين : “ وقال - صلى اللّه عليه وسلم - : “ من عرف نفسه عرف ربه “ ، ولم يقل : 
عرف ذات ربه ، فإن ذات الرب لها الغنى على الإطلاق ، وأنى للمقيد بمعرفة المطلق ، والرب يطلب المربوب بلا شك ، ففيه رائحة التقييد “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 106 . 
( 12 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل الظلمات المحمودة والأنوار المشهودة “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 405 .

“ 111 “
باللّه التّفكّر في ذات اللّه؛ لأنّ ذلك التّفكّر لا يصل “ 1 “ إلى معرفة الذّات أبدا “ 2 “، وإنّما يؤدّي لما تخشى عواقبه “3“. 
وقال في الباب التّاسع والسّبعين وثلاثمائة “ 4 “ : وإذا كانت ذات الحقّ - تعالى - غير معلومة ، فالحكم عليها بأمر ما دون آخر جهل عظيم “ 5 “ . وقال في الباب التّاسع والعشرين وثلاثمائة “ 6 “ : ما سمّى الحقّ - تعالى - نفسه “ 7 “ بالباطن إلّا لبطون العلم بالذّات لخلقه “ 8 “ ، فهو من وراء كلّ معلوم “ 9 “ ، انتهى . 
وقال في “ لواقح الأنوار “ للشّيخ محيي الدّين : اعلم أنّ أكمل العلماء باللّه عند علماء الكلام من أوغل في تحرير الأدلّة ، وكلّما قام بباطنه أمر نفاه من ذهنه ، فكان
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ يوصل “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ كنه الذات “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ إلى ما تخشى “ ، والعبارة لمحيي الدين في الفتوحات المكية ، 5 / 416 . ويقول ثمّ : “ وأمرنا بالطاعة لأولي الأمر كما أمرنا بالطاعة للّه ولرسوله ، وألا نخرج يدا من طاعة ، فنموت ميتة جاهلية ، والجهل أشد ما على الإنسان ، . . . ، وما أنكره من أنكره في الآخرة ، أو حيث وقع الإنكار إلا لما تقدمهم النظر العقلي ،وقيدوا الحق ، فلما لم يروا ما قيدوه به من الصفات عند ذلك أنكروه “ . 
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل الحل والعقد والإكرام والإهانة ونشأة الدعاء في صورة الإخبار “، 6/287. 
( 5 ) يقول في هذا الباب : “ فانظر في هذا السر الإلهي ما أدقه وما أعظمه في التنزيه الذي لا يصح للخلق مع الحق فيه مشاركة ، . . . ، فالخلق خلق لنفسه ، والحق حق لنفسه “ . انظر : الفتوحات المكية ، 6 / 296 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ التاسع والستين وثلاثمائة “ ، وليس ذلك كذلك ، وعنوانه : “ في معرفة منزل علم الآلاء والفراغ إلى البلاء وهو من الحضرة المحمدية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 158 . 
( 7 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ نفسه “ ساقطة . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بالذات المقدس لخلقه “ . 
( 9 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 160 - 161 ، والعبارة منقولة بالمعنى ، والتفسير للشعراني ، وانظر كذلك حديثه عن حضرة البطون في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة من الفتوحات ، فقال فيه :السر ما بطنت فيه حقيقته * والجهر يظهره لكل ذي بصر /لولا البطون ولولا سر حكمته * ما فضل اللّه مخلوقا على البشر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:26 pm

توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

08 - [ توهّم ارتفاع حجابيّة العلم بين الحقّ والخلق ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ معرفته بالعلم بالحقّ معرفة بالحقّ تعالى ، وأنّ حجابيّة “ 10 “ العلم ترتفع بين العبد وربّه ، فيصير يعرفه بلا حجاب علم ، والجواب أنّ حجاب العلم بين العبد وربّه لا يصحّ رفعه ، فالعلم هو العالم بالحقّ “ 11 “ - تعالى - لا العبد ، وعبارة الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب الثّامن من “ الفتوحات “ “ 12 “ : لا يعلم أحد الحقّ - تعالى - إلّا بواسطة العلم ، فالعلم هو العارف بالحقّ - تعالى - لا العبد ، فما عرف ربّك إلّا العلم ، لا أنت “ 13 “ ، فإنّ “ 14 “ علمك دائما حاجب لك عن معرفتك بحقيقة كنه ذات
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ فغاية هذا “ ، “ ز “ : “ وغاية هذا “ . 
( 2 ) “ د “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 3 ) ( الشورى ، الآية 11 ) ، وقد وردت في “ ك “ : “ ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ بما “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 6 ) “ د “ : قوله : “ من طريق الإشارة “ ساقط . 
( 7 ) ( آل عمران الآية ، 28 ) ، “ ب “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 8 ) “ د “ : العبارة : “ في بدايته “ . 
( 9 ) “ ب “ : “ فتأمّل ذلك “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ حجاب الحق يرتفع “ . 
( 11 ) “ ك “ : “ باللّه “ . 
( 12 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة الأرض التي خلقت من بقية خميرة طينة آدم عليه السلام ، وهي أرض الحقيقة ، وذكر بعض ما فيها من الغرائب والعجائب “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 195 . 
( 13 ) “ ب “ : “ فأنت خلق لا أنت “ ، ولعل ذلك غير مستقيم . 
( 14 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ فإنما “ .

“ 113 “
ربّك ، فأنت خلف علمك محبوس في دائرته ، فإيّاك إن جريت على أسلوب الحقائق أن تقول إنّك علمت المعلوم ، فإنّك ما علمت إلّا العلم ، والعلم هو العالم بالمعلوم ، وبين العلم والمعلوم بحور من العلم “ 1 “ لا يدرك قعرها ، فإنّ سرّ التّعلّق بينهما مع تباين الحقائق بحر مركبه عسير ، بل “ 2 “ لا تركبه العبارة أصلا ولا الإشارة ، ولكن يدركه أهل الكشف من خلف حجب كثيرة لا يحسّ بها أنّها على عين بصيرته إلّا الأنبياء “ 3 “ ، وكمّل ورثتهم من الأولياء لدقّتها بغموضها ، وإذا كانت هذه الحجب عسرة المدارك “ 4 “ كما بيّناه فأحرى من خلفها ، انتهى “ 5 “ . 

ومن هنا قال بعض العارفين : إنّ العلم حجاب عن اللّه - تعالى - إخبارا بالواقع ، فظنّ بعض الفقهاء أنّ ذلك على سبيل الذّمّ للعلم ، فأخطأ في حقّ العارفين بغير علم ، وكيف يذمّ العارفون العلم الذي مدحه اللّه تعالى ، وجعله أساس الطّريق إلى حضرته ، فافهم ذلك ، وإيّاك والغلط ، والحمد للّه ربّ العالمين .


09 - [ توهّم مراقبة الذّات الأحديّة ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من الفقراء والفقهاء أنّ مراقبة الذّات تصحّ “ 6 “ لأحد من القوم ، والجواب أنّ مراقبة الذّات الأحديّة لا تصحّ لأحد ، فإنّ اللّه - تعالى - هو المراقب ؛ اسم فاعل ، لا المراقب “ 7 “ ؛ اسم مفعول ، وإيضاح ذلك أن تعلم يا أخي أنّه قد ثبت وتقرّر أنّ العلم بأمر “ 8 “ لا يكون إلّا بمعرفة أخرى قد تقدّمت قبل هذه المعرفة بأمر آخر يكون به بين المعروفين مناسبة ، لابدّ من ذلك ، وقد ثبت وتقرّر عند العلماء باللّه - تعالى - “ 9 “ أنّه
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بحور من الذوقيات “ . 
( 2 ) “ ك “ : “ بل “ ساقطة . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ : “ إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام “ ، “ ز “ : “ عليهم السلام  . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ المدرك “ . 
( 5 ) “  لم يرد كلام محيي الدين في الباب الثامن كما ذكر الشعراني . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ : “ الذات الأحدية “ ، “ ك “ : “ لا تصح “ ، وهذا يقلب المعنى . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ : قوله : “ المراقب ، اسم فاعل “ ساقط . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بأمر ما “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما .

“ 114 “
لا مناسبة بين العبد وبين ربّه بوجه من الوجوه ، فليس بأيدينا علم متقدّم بشيء من ذلك حتّى ندرك به ذات الحقّ - جلّ وعلا - “ 1 “ لما بينهما من المناسبة ، فلا يعلم - تعالى - لنا بعلم سابق أبدا ، وكيف يصحّ لعبد معرفة ذات ربّه حتّى يراقبها ؟ ومن المعلوم أنّ العقل لا يدرك كنه نفسه فضلا عن كنه ذات ربّه - جلّ وعلا - من حيث ما العقل باحث وناظر ؛ لأنّ برهان العقل الذي يستند إليه هو الحسّ والضّرورة والتّجربة “ 2 “ ، والحقّ - تعالى - غير مدرك بهذه الأصول الثّلاثة ، وإنّما يدرك بها أنّ الحقّ - تعالى - موجود ، وأنّ العالم كلّه مفتقر إليه افتقارا ذاتيّا “ 3 “ لا محيص له عنه . 

وإذا كان الأمر على هذا التّرتيب ، فلا يصحّ لأحد مراقبة ذات الحقّ - تعالى - أبدا ؛ لأنّه - تعالى - لا كيف له ، ولا أين ، ولا متى ، ولا وضع ، ولا إضافة ، ولا عرض ، ولا جوهر ، ولا كمّ ، ( وهو المقدار ) “ 4 “ ، وما “ 5 “ ثمّ في الوجود إلّا فاعل مجهول عينه ، مرئيّ أثره ، ولا يعرف خبره ، ولا يعلم عينه ، ولا يجهل كونه ، فلمن يراقب أحدنا ولا ثمّ “ 6 “ من تقع عليه عين ، ولا من يضبطه خيال ، ولا يحدّده زمان ، ولا من تعدّده صفات وأحكام ، ولا من تكيّفه أحوال ، ولا من تغيّره “ 7 “ أوضاع ، ولا من تظهره إضافة ؟ وكيف يصحّ مراقبة من لا يصحّ في حقّه شيء من هذه الصّفات ؟ ، وقد أجمعوا على أنّ من شرط “ 8 “ العلم أن يرفع الخيال ، فالكامل في المعرفة من عظمت في اللّه - تعالى - حيرته ، ودامت حسرته ، ولم ينل منه مراده ، ولم يتحصّل على أمر يضبطه منه في نفسه ، فاعلم ذلك يا أخي ، ونزّه ربّك عن الخيالات والأشكال حال مراقبتك وغيرها ، فإنّ الحقّ - تعالى - بخلاف ذلك بإجماع أهل الكشف والعقل ، والحمد للّه ربّ العالمين .


10 - [ توهّم صحّة الأنس باللّه ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم صحّة الأنس باللّه “ 9 “ لأحد من الأولياء ، والجواب أنّ
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى وتقدس “ . 
( 2 ) “ ك “ : “ أو التجربة “ ، “ ز “ : “ أو الضرورة أو التجربة “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ذاتيا “ ساقطة . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ : قوله : “ ولا كم “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ولا ثم “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وما ثم “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تميزه “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ من شروط “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ باللّه تعالى “ .
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:28 pm

توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

10 - [ توهّم صحّة الأنس باللّه ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم صحّة الأنس باللّه “ 9 “ لأحد من الأولياء ، والجواب أنّى ذلك لا يصحّ لأحد من الأولياء لما تقدّم من الجهل بكنه الذّات ، وقد قال الوليّ الكامل سيّدي عليّ بن وفا - رحمه اللّه - “ 1 “ : لا يصحّ الأنس باللّه - تعالى - لأحد من المحقّقين ، وما أنس من أنس “ 2 “ إلّا بما منه من التّقريبات لا بذاته تعالى ، انتهى . 
وهذا نظير ما قدّمناه “ 3 “ آنفا من عدم صحّة مراقبة الذّات ، قلت : وقد أجمع أهل الطّريق على ما قاله سيّدي عليّ بن وفا رحمه اللّه تعالى ، وقالوا : الأنس لا يصحّ إلّا بالمشاكل والمناسب ، وليس بين الخلق وبين ربّهم مشاكلة “ 4 “ ، ولا مناسبة ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، 
وكان الشّيخ محيي الدّين ابن العربي - رضي اللّه عنه - “5“ يقول كثيرا : إنّ الذّات المقدّس لا تدخل تحت إحاطة علم ولا إدراك، 
وكان يقول : غاية علم الأولياء باللّه - تعالى - أن يصل إلى علم “ 6 “ حصول التّجلّيات لا غير ، وأمّا كيفيّة تجلّيه فلا أحد يعلمه “ 7 “ ؛ لأنّه من خصائص علم الحقّ - تعالى - بنفسه ، وإيضاح ذلك أنّ الذّات مجهولة في
................................................................................
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ باللّه تعالى “ .
( 1 ) “ ك “ : “ رضي اللّه عنه “ ، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن وفا القرشي الشاذلي المالكي ، من أعلام التصوف ، إسكندري الأصل ، ولد بالقاهرة سنة ( 759 هـ ) ، مات أبوه وهو طفل صغير ، كان في غاية الظرف والجمال ، لم ير - كما يقول الشعراني- في مصر أجمل منه وجها ولا ثيابا، وله نظم وموشحات ، توفي وله نيف وأربعون سنة ( 807 هـ )، 
من كلامه : إياك أن تحسد من فضّله اللّه عليك ، فتمسخ كما مسخ إبليس من الصورة الملكية إلى الشيطانية ، وكذلك : العاقل لا يمدح نفسه بقاله ، ولا يذمها بحاله ، إلا إذا أمره الشرع بحسن كماله ، كما قال المصطفى : “ أنا سيّد ولد آدم ولا فخر “ ، وكذلك قوله : المحب قليل ، والمعتقد كثير ، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ، وكفى باللهو ضررا . انظر ترجمته : السخاوي ، الضوء اللامع ، 6 / 20 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 478 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 201 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 70 ، والكوهن الفاسي ، طبقات الشاذلية الكبرى ، 101 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 326 ، والزركلي ، الأعلام ، 5 / 7 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 525 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 7 - 8 / 431 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ أنس به “ . 
( 3 ) “ ك “ : العبارة : “ وهكذا مثل ما قدمناه “ ، “ ز “ : “ وهكذا نظير “ . 
( 4 ) “ د “ : “ بين الخلق وربهم “ . 
( 5 ) “ د “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ إلى مقام التجليات “ ، “ ز “ : “ إلى مقام حصول التجليات “ . 
( 7 ) العبارة في “ ك “ : “ وأما تجليه لأحد فلا . . . “ ، “ ب “ : “ وأما كيفيّة تجلّيات ذاته فما لأحد علمه “ ، “ ز “ : “ فلا يصح لأحد علمه “ .

“ 116 “
الأصل ، فعلم كيفيّة تجلّيها غير حاصل ولا مدرك لأحد ، انتهى .
فاعلم ذلك يا أخي ، وإيّاك أن تقول إنّك قد أنست باللّه تعالى “ 1 “ ، فإنّ ذلك لا يصحّ ، وقد “ 2 “ سمعت مرّة هاتفا يقول : إذا كان كلّ شيء خطر ببال عبدي ، فأنا بخلافه ، فكيف يصحّ له مناجاتي على الكشف والشّهود ، والأنس بي ؟ انتهى ، والحمد للّه ربّ العالمين .

11 - [ توهّم الخلق صورة معقولة للحقّ ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ للّه - تعالى - صورة تعقل لأحد في هذه الدّار على وجه الإحاطة أخذا من ظاهر حديث : “ إنّ اللّه - تعالى - “ 3 “ خلق آدم على صورته “ “ 4 “ ، ومن قول علماء التّعبير لمن رأى ربّه في المنام : رؤيتك حقّ ، وقالوا : قد ورد خبر الرّؤيا للعبد المؤمن أن يرى ربّه في منامه . 
والجواب أنّ هذين الحديثين لا ينافيان تنزيه الحقّ تعالى ، لأنّ الرّؤيا إذا وقعت لا تكون مكيّفة للحقّ جلّ وعلا ، فالعبد يرى ربّه حيث صحّت له رؤيته من غير تكييف ولا تمثيل ؛ وذلك لأنّ من خصائص تجلّيات الحقّ - جلّ وعلا - أنّه لا يثبت منها شيئا غير آن
................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ : “ أنست باللّه عنا “ . 
( 2 ) “ ك “ : قد “ ساقطة . 
( 3 ) “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 4 ) أخرجه أحمد في المسند ، 2 / 244 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب الاستئذان ( الباب 651 / 1102 ) ، 89 / 391 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب البر ( الباب 32 / 115 ) ، شرح صحيح مسلم ، 16 / 404 ، وكتاب الجنة ( الباب 11 / 28 ) ، 17 / 184 ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 3928 ) ، 1 / 606 ، ونصه : “ إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ، فإن اللّه خلق آدم على صورته “ ، وفي صحيح البخاري : “ خلق اللّه آدم على صورته طوله ستون ذراعا . . . “ . وقد عرج عليه محيي الدين في الباب الثالث من الفتوحات في تنزيه الحق عن التشبيه والتجسيم ، فقال : “ اعلم أن المثلية الواردة في القرآن لغوية لا عقلية ، لأن المثلية العقلية تستحيل على اللّه تعالى ، . . . ، وهل وصفته بصفة كمال إلا منك ، فتفطن ، فإذا دخلت من باب التعرية عن المناظرة سلبت النقائص التي تجوز عليك عنه ، وإن كانت لم تقم قط به ، ولكن المجسم والمشبه لما أضافها إليه سلبت أنت تلك الإضافة ، . . . ، وإن كان للصورة هنا مداخل كثيرة أضربنا عن ذكرها رغبة فيما قصدناه في هذا الكتاب من حذف التطويل “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 152 .

“ 117 “
واحد كلمحة بارق ، والتّكييف إنّما يكون في شيء ثبت آنين فأكثر ، وبالجملة ، فإذا كانت حقيقة الحقّ - تعالى - مخالفة لسائر الحقائق بإجماع المحقّقين ، فما بقي للحقّ - تعالى - صورة تعقل ، بل هو - تعالى - لا تقبل ذاته الصّورة أبدا . 
وأمّا حديث : “ إنّ اللّه - تعالى - “ 1 “ خلق آدم على صورته “ ، فقال الجلال السّيوطيّ “ 2 “ وغيره “ 3 “ : إنّ الحديث وارد على سبب ؛ وذلك أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - رأى شخصا يلطم وجه غلامه في بعض أزقّة المدينة ، فقال : لا تفعل ، فإنّ اللّه - تعالى - خلق آدم على صورته ، فالضّمير في “ صورته “ على هذا راجع إلى الغلام “ 4 “ ، فمعنى الحديث : لا تلطمه على وجهه لشبهه للسّيّد آدم عليه الصّلاة والسّلام ، انتهى “ 5 “ . 
وسيأتي أنّه ورد في الحديث أنّ لكلّ ما خلق اللّه “ 6 “ صورة مخصوصة في ساق العرش أظهرها اللّه - تعالى - لإسرافيل “ 7 “ ، وأنّ المراد “ 8 “ : خلق اللّه - تعالى - آدم – عليه
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ساقطة . 
( 2 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : رحمه اللّه . وهو جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ، الإمام المؤرخ الأديب النحوي الصرفي المفسر ، له نحو 600 مصنف ، ولد في القاهرة سنة ( 849 ه ) ، نشأ يتيما بالقاهرة ، ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس وخلا بنفسه في روضة المقياس على النيل ، فألف جل كتبه ، وظل منقطعا إلى التأليف إلى أن توفي بمنزله بروضة المقياس سنة ( 911 ه ) . له “ الإتقان “ ، و “ تفسير الجلالين “ ، و “ بغية الوعاة “ ، و “ الجامع الصغير “ ، و “ همع الهوامع “ ، و “ مقامات “ ، و “ اللآلئ المصنوعة “ ، و “ لباب النقول “ ، وغير ذلك كثير ، انظر ترجمته : الشعراني ، الطبقات الصغرى ، 17 ، والغزي ، الكواكب السائرة ، 1 / 227 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 51 ، والبغدادي، هدية العارفين، 5 / 534 ، والزركلي ، الأعلام ، 3 / 301 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 82. 
( 3 ) من الذين عرضوا لهذا الحديث ابن قتيبة وابن فورك وابن السيد وابن الجوزي وابن العربي والسيوطي وابن حمزة الحسيني ، وقد بينوا سياق الحديث ، ومنه يظهر أن الضمير عائد على الغلام لا على اللّه . انظر : ابن قتيبة ، تأويل مختلف الحديث ، 201 ، وابن فورك ، مشكل الحديث وبيانه ، 43 ، وابن السيد ، الإنصاف ، 59 ، وابن الجوزي ، دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ، 144 ، وابن حمزة ، البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف ، 2 / 172 . 
( 4 ) “ ك “ : قوله “ راجع “ ساقطة ، “ ز “ : “ راجع على . . “ . 
( 5 ) تقدم تخريجه .  ( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 7 ) أورد هذا الحديث أبو طاهر في “ سراج العقول “ ، 43 أ ، ولم أعثر على نصه في كتب الأحاديث البتة .  ( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ المراد “ ساقطة .

“ 118 “
السّلام - على صورته ؛ أي التي هي منقوشة في ساق العرش “ 1 “ ، وأمّا حديث : “ فإنّ اللّه - تعالى - خلق آدم على صورة الرّحمن “ “ 2 “ ، فقيل إنّه على حذف مضاف ، وقال بعضهم :
فليس المراد به أنّه خلقه على صورة الذّات ، إذ لا صورة لها “ 3 “ ، وإنّما المراد به صورة الأفعال والأخلاق مع تباين الحقائق ، فإنّ اللّه - تعالى - جعل لآدم وبنيه الأمر ، والنّهي ، والتّولية ، والعزل ، بإذن اللّه عزّ وجلّ “ 4 “ ؛ إذ الصّورة تطلق ويراد بها الشّأن والأمر والحكم ؛ أي : خلق اللّه - تعالى - آدم - عليه الصّلاة والسّلام - “ 5 “ وأولاده إلى يوم القيامة يأمرون ، وينهون ، ويولّون ، ويعزلون بإذنه “ 6 “ لا بحكم الاستقلال ، كما قال - تعالى - في عيسى - عليه الصّلاة والسّلام - :وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي” 7 “ . 
وقد سألت مرّة سيّدي عليّا الخوّاص عن رؤية الحقّ - جلّ وعلا - في المنام في صورة مع أنّ الحقّ - تعالى - من حيث ذاته لا تقبل الصّورة ، فقال - رضي اللّه عنه - : من شأن الخيال أن يجسّد ما ليس من شأنه التّجسّد لقوّة سلطانه ، فإنّه يريك المحالات “ 8 “ كلّها صورا قائمة ، فيريك العلم لبنا ، والإسلام قبّة ، والثّبات في الدّين قيدا ، ويريك الحقّ - تعالى - في صورة مع أنّه - تعالى - لا يقبل الصّور “ 9 “ ، انتهى . 
وقال في الباب الثّامن والسّتّين من “ الفتوحات المكّيّة “ “ 10 “ : اعلم أنّ أدنى حجاب
................................................................................
( 1 ) “ ب “ : العبارة فيها : “ وأن المراد : خلق آدم على صورته التي هي منقوشة في ساق العرش “ . 
( 2 ) تقدم تخريج هذا الحديث . 
( 3 ) قوله : “ إذ لا صورة لها “ زيادة من “ ك “ و “ ز “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ بإذنه عز وجل “ . 
( 5 ) “ ب “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيها . 
( 6 ) “ أ “ : بإذني “ ، وهو غير مستقيم . 
( 7 ) ( المائدة ، الآية 110 ) . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ المعاني “ . 
( 9 ) “ أ “ : التصور . 
( 10 ) ورد هذا المعنى في قوله نظما في مستفتح الباب التاسع عشر ، وهو :تجلي وجود الحقّ في فلك النفس * دليل على ما في العلوم من النقصانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 252 .

“ 119 “
يحجب العبد عن معرفة كنه “ 1 “ ذات ربّه - عزّ وجلّ - هو الصّورة التي يقع في ذهن العبد التّجلّي فيها ، فإنّه - سبحانه وتعالى - ما هو عين تلك الصّورة التي تقع في الذّهن ، فإنّها متجسّدة متحيّزة “ 2 “ تأخذها الجهات والحدود “ 3 “ ، وتعالى اللّه عن ذلك “ 4 “ ، انتهى . 
وكان ينشد كثيرا :وليس تنال العين في غير مظهر * ولو هلك الإنسان من شدّة الحرص “ 5 “أي لا تعقل الذّات في هذه الدّار إلّا في مظهر ، وأمّا رؤية العبد للّه إذا شاء “ 6 “ فهي من وراء العقل كما يشير إليه قوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ نور أنّى أراه “ ؛ أي : كيف أراه “ “ 7 “ ، حين سئل “ 8 “ : كيف رأيت ربّك ، وتعالى اللّه عن تلك المظاهر المقيّدة .
................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ كنه “ ساقطة .   ( 2 ) “ ك “ : قوله : “ مجسدة “ ، ومتحيزة “ ساقط . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ الحدود والجهات “ . 
( 4 ) انظر حديث محيي الدين عن التنزيه في هذا الباب 1 / 522 - 523 . 
( 5 ) الشعر من الطويل لمحيي الدين استفتح به الباب التاسع عشر المعقود له العنوان “ في سبب نقص العلوم وزيادتها “ . وروايته في النسخ التي بين يدي : “ وليست تنال الذات في غير مظهر “ ، ويروى في الفتوحات المكية في طبعة دار الكتب العلمية : “ وليست تنال العين في غير مظهر “ ، أما في طبعة الهيئة العامة للكتاب فيروى : “ وليس ينال العين في غير مظهر “ ، وقبله :ولم يبد من شمس الوجود ونورها * على عالم الأرواح شيء سوى القرص 
وليس ينال العين في غير مظهر * ولو هلك الإنسان من شدة الحرص 
ولا ريب في قولي الذي قد بثثته * وما هو بالزور المموه والخرصانظر : الفتوحات المكية ( طبعة دار الكتب العلمية ، 1 / 253 ) ، وطبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، السفر الثالث، 79 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رؤية العبد إذا شاء اللّه “ . 

( 7 ) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 5 / 157 ، 171 ، 175 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الإيمان ( 291 / 178 ) الباب ( 78 ) ، شرح صحيح مسلم ، 3 / 15 ، وابن ماجة في السنن ، كتاب الزهد ، 32 ، والترمذي في السنن ، كتاب التفسير ( 3293 ) ، 5 / 186 ، والنسائي في السنن ، كتاب الزكاة ، 3 ، وقد فسر ذلك محيي الدين بقوله : “ إن الأنوار حجب ، . . . ، ثم وعد بالرؤية ، وهو نور ، فلا بد أن يكون النور الذي يظهر فيه لعباده مختارا من تلك الأنوار الحجابية ؛ كنور الأحدية والعزة والكبرياء والعظمة ، فهذه كلها ترفع عن البصر ، ويبقى حكمها في القلب ، فبرفعها تقع الرؤية للحق تعالى ، ويبقى حكمها في القلب ويفنى العبيد عن الرؤية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 255 . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ سألوه “ .

“ 120 “
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 1 “ يقول : “ إذا كان لا بدّ من حجاب العظمة في جنّة عدن ، كما ورد في الصّحيح مع أنّ تلك الدّار ليست بدار حجاب ، فكيف بدار الدّنيا ، فقد ورد : “ وليس بين العباد وبين أن يروا ربّهم إلّا رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عدن “ “ 2 “ ، ورداء الكبرياء هو عدم الإحاطة . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 3 “ يقول : كلّ من زعم أنّه يرى ذات الحقّ - جلّ وعلا - في الآخرة على وجه الإحاطة ، وعدم الجهل بها بوجه من الوجوه ، فلا بدّ أن يظهر له في الآخرة خطأ ظنّه “ 4 “ ، ويرى الأمر على خلاف ما كان يظنّ ، وكان “ 5 “ يقول : لو علمنا الذّات لبطلت أحكام الرّبوبيّة ، وبطل سرّ القدر ، فاعلم ذلك يا أخي ، ونزّه ربّك عن كلّ ما يخطر في البال ، والحمد للّه ربّ العالمين .


12 - [ توهّم الوحدة المطلقة وأنّ كلّ ما وقع عليه البصر هو اللّه ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ كلّ ما وقع عليه بصر العبد هو اللّه - عزّ وجلّ - في نفس الأمر كما عليه بعض من يدّعي أنّه من أهل الوحدة المطلقة ، زاعمين أنّ ذلك من جملة تنزيه الحقّ - تعالى - عن التّحييز والجهة ، والجواب أنّ هذا مذهب مخالف لأهل الملل والنّحل فضلا عمّا أجمع عليه الأنبياء ، والمرسلون “ 6 “ ، والأولياء ، والمؤمنون ، وقد أجمع أهل الكشف على أنّ الوجود لا يعقل إلّا بوجود عبد وربّ ، أزلا وأبدا ، فإنّ العالم كلّه لم يزل في علم الحقّ - جلّ وعلا - على اختلاف تطوّراته هكذا ، فكما لا افتتاح لعلم الحقّ جلّ وعلا ، فكذلك “ 7 “ لا افتتاح لمعلومه من حيث تعلّقه به كما سيأتي بسطه في
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 2 ) أخرجه البخاري في الصحيح ، تفسير سورة الرحمن ( الباب 504 / 1303 ) ، 6 / 525 ، وكتاب التوحيد ( الباب 1218 / 2243 ) ، 9 / 802 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الإيمان ( الباب 80 / 296 ) ، شرح صحيح مسلم ، 3 / 19 ، والترمذي في السنن ، كتاب الجنة ، 3 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 4 ) “ ك “ : “ ظنه “ ساقطة . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وكان رضي اللّه عنه “ . 
( 6 ) “ ب “ : قوله : “ الأنبياء والمرسلون “ ساقط . 
( 7 ) قوله : “ لا افتتاح لعلم الحق جل وعلا ، فكذلك “ ساقط من “ ب “ .

“ 121 “
مبحث القول بحدوث العالم . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 1 “ يقول : لم يزل العالم معلوما للحقّ جلّ وعلا ، لا يعزب عن علمه منه شيء ، والمراد بخلقه إيّاهم إخراجهم من مكنون حضرة علمه إلى عالم الشّهادة ، فما شهدوا نفوسهم ولا غيرهم إلّا بعد إخراجهم من عالم الغيب ، فهناك ذاقوا لذّة الوجود ، وعرفوا مقدار ما أنعم اللّه - تعالى - به عليهم ، ومن فهم ما ذكرناه علم أنّ العالم عند الحقّ - تعالى - “ 2 “ على حدّ سواء في حال كونه معدوما ، وفي حال كونه موجودا . 
وقد تقدّم ذكر إجماع السّنّة والجماعة على أنّ كلّ شيء خطر ببال العبد فاللّه - تعالى - بخلافه ، هذا اعتقاد الجماعة إلى قيام السّاعة “ 3 “ ، فإذا قامت القيامة كان للخلق في معرفة ربّهم أمر آخر أرقّ وأصفى وأعلى ممّا كان لهم في دار الدّنيا ، فإنّ النّصوص قد جاءت برؤية المؤمنين لربّهم - سبحانه وتعالى - “ 4 “ في الدّار الآخرة ، فوجب الإيمان بها ، ولكن لا نعرف كيفيّة تلك الرّؤية حتّى نتكلّم عليها الآن ، والكشف قد يخطئ “ 5 “ ، فقد خاب وخسر واللّه أولئك البعض الذين يدّعون “ 6 “ أنّهم من أهل الوحدة المطلقة ؛ إذ رفضوا “ 7 “ جميع قواعد “ 8 “ الشّرائع والأحكام التي كلّف اللّه بها عباده ، وسيأتي أنّ الإمام أبا القاسم الجنيد “ 9 “ - رضي اللّه عنه - كان يقول “ 10 “ : لو كنت ذا سلطان لضربت عنق كلّ
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة فيهما : “ ومن فهم ما ذكرناه علم أنّ العالم عند الحقّ تعالى من حيث أصل تعلّق العلم به على حدّ سواء . . . . “ . 
( 3 ) “ د “ : “ إلى يوم قيام الساعة “ .  ( 4 ) “ ب “ : “ سبحانه وتعالى “ ليست فيها . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة فيهما : “ والكشف عن الأمور الذوقية لا يوضحه عبارة ، وخاب وخسر . . . “ . 
( 6 ) “ ب “ : “ البعض المدعون “ .  ( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ إذ قد رفضوا “ . 
( 8 ) “ ب “ : “ أحكام الشرائع “ .  ( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الإمام “ ساقطة . 
( 10 ) هو أبو القاسم الجنيد بن محمد البغدادي ، وصفه القشيري ومحيي الدين والشعراني بأنه سيد الطائفة وإمامهم ، صوفي عالم ، أصله من نهاوند ، بغدادي المولد والنشأة والممات ، توفي سنة ( 297 ه ) ، وقبره في بغداد يزار ، أخذ التصوف عن خاله السري السقطي ، وحارث المحاسبي ، قال عنه المناوي : 
المزين بفنون العلم ، المتوشح بجلابيب التقوى والحلم ، المنور بخالص الإيقان ، المؤيد بثابت الإيمان ، . . . ، كان كلامه بالنصوص مربوطا ، وبيانه بالأدلة منوطا مبسوطا ، ولذلك كان يقول : من لم يحفظ القرآن الكريم ، ولم يكتب الحديث ، لا يقتدى به في هذا الأمر ؛ لأن علمنا مقيد بالكتاب -

“ 122 “
من “ 1 “ يقول : ما ثمّ إلّا اللّه ؛ لأنّه ينفي بذلك أنبياء اللّه وملائكته وأحكامه ، ويعطّل جميع أحكام الأسماء والصّفات ، وذلك كفر بإجماع المسلمين ، انتهى “ 2 “ .
وقد دخل عليّ شخص “ 3 “ من فقراء العجم وأنا مريض ، فقلت له : من تكون ؟ 
فقال : أنا إبليس ، فقلت له : كيف ؟ فقال : أنا اللّه ، وأنا إبليس “ 4 “ ، وأنا النّبيّ ، وأنا الخنزير ، وأنا كلّ شيء في الوجود ، وما رأيت عندي قوّة أمسكه بها حتّى أجد من يشهد عليه ، فقلت له : أنت حاضر العقل ؟ فقال : نعم ، فقلت : له كيف قلت ما قلت ؟ فقال : لأنّ الوجود كلّه صدر عن اللّه حين لم يكن هناك إلّا اللّه ، وإليه يرجع ، فقلت له : إنّ هذا اعتقاد فاسد قد تنزّه إبليس عنه فضلا عن غيره ، فإنّه صرّح بأنّه مخلوق بقوله :خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ” 5 “ ، فلم يجد هذا الزّنديق جوابا ، وفارقني على اعتقاده الفاسد ، نسأل اللّه العافية ، فاعلم ذلك، وإيّاك والخروج في اعتقادك عن أهل السّنّة والجماعة ، والحمد للّه ربّ العالمين.
- والسنة ، من كلامه : العارف من نطق عن سرك وأنت ساكت ، وكذلك : مكابدة العزلة أشد من مداراة الخلطة ،
وكذلك : قد طوي علم التوحيد من قبل ، وإنما الناس يتكلمون في حواشيه ، وكذلك : 
لو رأيتم الرجل قد تربع في الهواء ، ومشى على الماء ، فلا تلتفتوا إليه حتى تنظروه عند الأمر والنهي، فإن كان عاملا بالأمر، مجتنبا لما نهي عنه، فاعتقدوه ،
وكذلك : من ادعى أن له حالا مع اللّه أسقط عنه التكليف وهو حاضر العقل ، فهو كاذب ، ومن يسرق ويزني أحسن حالا ممن يقول ذلك . انظر ترجمته : الأصبهاني ، حلية الأولياء ، 10 / 255 ، والقشيري ، الرسالة القشيرية ، 430 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 9 / 38 ، وابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة ، 3 / 168 ، والشعراني لواقح الأنوار ، 1 / 189 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 1 / 570 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 228 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 258 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 12 ، والزركلي ، الأعلام ، 2 / 141 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 3 - 4 / 458 . 

................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ عنق من . . . “ . 
( 2 ) أتى على قول الجنيد المناوي في الكواكب الدرية ، 1 / 575 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ شخص علي “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ وأنا إبليس “ ساقط . 
( 5 ) ( الأعراف ، الآية 12 ) .

“ 123 “
13 - [ توهّم أنّ ذات الحقّ مقيّدة مشبّهة أخذا من حديث “ ينزل ربّنا كلّ ليلة “ ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم من نحو حديث : “ ينزل ربّنا كلّ ليلة إلى سماء الدّنيا ، فيقول : 
هل من سائل فأعطيه سؤله . . . إلى آخر ما ورد أنّه نزول بذاته “ 1 “ ، ويزعم أنّ له - تعالى - “ 2 “ ذاتا توصف بالذّات التّقييديّة “ 3 “ ، ويزعم أنّ للحقّ - تعالى - أن يتجلّى “ 4 “ في صفة التّشبيه لعباده حتّى يروه بقلوبهم ، ويتلذّذوا بمشاهدته تعالى ، ويزعم أنّ للحقّ - تعالى - أن يختصر من ذاته الأحديّة ذاتا أخرى جامعة “ 5 “ لما في الكبرى ، ويتجلّى لعباده فيها ، وأنّ هذه الصّورة التي خلق آدم - عليه الصّلاة والسّلام “ 6 “ - على صورتها ، وأنّها هي الصورة التي يراها النّائم في منامه ، كما أشار إليها خبر الطّبرانيّ : “ خير الرّؤيا أن يرى المؤمن ربّه ، أو نبيّه في منامه “ “ 7 “ ، انتهى ، كما سمعت جميع ذلك من أهل الشّطح .
................................................................................
( 1 ) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 2 / 258 ، 433 ( مع تباين في الرواية ) ، والبخاري في الصحيح ، كتاب التهجد ، ( 731 / 1071 ) ، 2 / 498 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب صلاة المسافرين ، الباب 24 ، ( 168 / 758 ) ، شرح صحيح مسلم ، 6 / 282 ، وأبو داود في السنن ، كتاب السنة ، 19 ، ومالك في الموطأ ، كتاب القرآن ، 30 ، والترمذي في الصحيح كتاب الصلاة ، 211 ، والصوم 38 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 2 / 254 ، والطبراني في الأوسط ( 5362 ) ، 4 / 105 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب الدعاء والذكر ( 462 ) ، 2 / 93 . 
( 2 ) “ ب “:“تعالى“ ليست فيها .( 3 ) “ ك“، “ز“ : التقليدية “ ، وهذا تصحيف . 
( 4 ) “ ك “ : “ أن الحق تعالى يتجلى “ ، “ ز “ : “ ويزعم أن الحق تعالى أن يتجلى . . . “ .  ( 5 ) “ د “ : “ جماعة “ ، وهو تحريف . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيها . 
( 7 ) لم أعثر على هذا الحديث البتة في مظان الحديث ، وسيرد ثانية في موضع آخر في هذا الكتاب ، وقد ذكر الشعراني أنه حديث نبوي شريف ، وقد ورد في “ سراج العقول ، 63 أ ، وفي كتاب أبي سعد نصر بن يعقوب القادري المتوفى سنة ( 435 ه ) ، وهو “ القادري في التعبير “ ، 1 / 95 ، وفي كتاب عبد الغني النابلسي ، تعطير الأنام في تعبير المنام ، 15 ، وروايته ثمّ : “ خير ما يرى أحدكم في النوم أن يرى ربه أو نبيه أو يرى أبويه مسلمين ، قالوا : يا نبي اللّه ، وهل يرى أحد ربه ؟ قال : السلطان ، والسلطان هو اللّه “ . وهذا الحديث يلتقي مع أحاديث أخرى وردت ، ومن ذلك الحديث الذي أخرجه أحمد غير مرة في المسند : “ طوبى لمن رآني وآمن بي . . . “ ، وكذلك الحديث الذي أخرجه -

“ 124 “
والجواب أنّ هذا اعتقاد فاسد لا يجوز بحال ، ثمّ إنّه يقال لهذا الملحد “ 1 “ : ما دليلك على ما قتله ؟ فلا يجد له دليلا “ 2 “ واحدا يشهد له ، وكذلك يقال له : لمّا “ 3 “ اختصر الحقّ - تعالى - من ذاته الأحديّة ذاتا أخرى “ 4 “ جامعة لما في الكبرى من الصّفات ، فهل صارت الكبرى بلا صفات “ 5 “ من حياة ، وعلم ، وإرادة “ 6 “ ، وقدرة ، وسمع ، وبصر ، وكلام ، أم هذه الصّفات باقية فيها بحكم الأصل ، أو بحكم الفرع ؟ وهل هي عينها ، أو غيرها ، ولعلّه تندحض حجّته الدّاحضة بالكلّيّة ؟ فاعلم ذلك ، وإيّاك أن تضيف إلى الحقّ - جلّ وعلا - ما لم يضفه إلى نفسه على ألسنة رسله ، فتفارق أهل السّنّة والجماعة ، أو تكفر وتدخل الجحيم الأكبر .
وقد رأيت نحو ذلك في “ شرح المشاهد “ لسيّدة العجم “ 7 “ ، ولبعض الصّوفيّة الأقدمين ، ولفظه : اعلم أنّ الإله الذي جاء بوصفه ونعته الشّارع ما هو الإله الذي أدركه العقل ؛ إذ الإله الذي “ 8 “ أدركه العقل لا يحتاج إلى تأويل شيء من صفاته “ 9 “ ، بل هو موصوف بصفاتنا كلّها ، ينزل لعباده “ 10 “ فيها ليعبدوه ويعرفوه ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال :
- الدارمي في كتاب الرؤيا ، 12 ، وهو “ من رأى ربه في المنام دخل الجنة “ ، وكذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب التعبير ، ومسلم في كتاب الرؤيا : “ من رآني فقد رأى الحق “ ، وكذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب التعبير ، ومسلم في كتاب الرؤيا ، والترمذي في الدعوات ، وابن ماجة في كتاب الرؤيا ، وأحمد في المسند ، ونصه : “ إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها ، فإنما هي من اللّه “ . 
................................................................................
( 1 ) “ ك “ : العبارة فيها : “ ثمّ يقال : إنّه يقول لهذا الملحد “ ، “ ز “ : “ ثم يقول لهذا الملحد . . . “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ دليلا “ ساقطة .  ( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ لمّا “ ساقطة . 
( 4 ) “ ب “ : “ ذاته من ذاته الأحدية “ .  ( 5 ) “ ك “ : “ للصفات “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ إرادة “ ساقطة . 
( 7 ) كتاب “ المشاهد القدسية ومطالع الأنوار الإلهية “ منسوب لمحيي الدين ، وقد شرحته سيدة العجم ، ( أو ست العجم ) بنت النفيس ابن أبي القاسم البغدادية ، وقد فرغت منه في صفر سنة ( 852 ه ) بحلب . انظر : إسماعيل باشا ، إيضاح المكنون ، 4 / 485 . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ الذي “ ساقطة . 
( 9 ) “ أ “ : “ من صفاته “ ساقطة . 
( 10 ) “ د “ ، “ ز “ : “ يتنزل لعباده تعالى “ ، “ ك “ : “ يتنزل تعالى “ .

“ 125 “
فمن عرف ما قلناه جعل صفات التنزيه كلّها للذّات الإلهيّة “ 1 “ ، وصفات التّشبيه كلّها للذّات الفرعيّة ، ولم يحتج إلى تأويل شيء من آيات الصّفات ، قال “ 2 “ : لأنّ التّأويل ما جاءنا إلّا من اعتقاد أنّ الحقّ - تعالى - لا ينزل لعقول العباد “ 3 “ في صفات التّشبيه أبدا ، انتهى .
ولا يخفى ما فيه ، وقد تقدّم تأويل حديث “ 4 “ : “ إنّ اللّه - تعالى - خلق آدم على صورته “ ، فراجعه ، وكن منزّها لربّك عن كلّ ما تخيّلته في بالك ، فإنّه هو الأمر الحقّ في الدّنيا والآخرة ، والحمد للّه ربّ العالمين .

14 - [ توهّم قدم العالم ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم قدم العالم بالذّات من حيث إنّه معلوم علم اللّه “ 5 “ ، فكما لا افتتاح لعلمه تعالى ، فكذلك لا افتتاح لمعلومه ، ويزعم أنّ العالم مساو للحقّ - تعالى - “ 6 “ في رتبة الوجود “ 7 “ . والجواب أنّه لا يجوز اعتقاد قدم العالم بالذّات من حيث إنّه معلوم علم الحقّ تعالى “ 8 “ ، فإنّ الحقّ - تعالى - له رتبة الفاعليّة ، ورتبة الواجب الوجود لذاته ، والعالم له رتبة الإمكان والمفعوليّة ، ولا يمكن لأحد أن يرقى بالعالم إلى رتبة الفاعليّة ، ورتبة الواجب الوجود لذاته أبدا ، وصحّ حينئذ قول الإمام “ 9 “ أبي حامد الغزاليّ - رحمه اللّه - : “ ليس في الإمكان أبدع ممّا كان “ ؛ لأنّه ما ثمّ لنا إلّا رتبتان : قدم وحدوث ، فالحقّ - تعالى - له رتبة القدم ، والعالم كلّه “ 10 “ له رتبة الحدوث ، فلو خلق - تعالى - ما خلق ، فلا يخرج عن رتبة الحدوث ، فكلام الغزاليّ “ 11 “ في غاية الوضوح .
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الأصلية “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ قال “ ساقطة . 
( 3 ) “ ب “ : “ لعقول عباده “ . 
( 4 ) “ د “ : “ وقد تقدم حديث . . . “ . 
( 5 ) “ ك “ : “ اللّه تعالى “ ، “ ز “ : “ الحق تعالى “ . 
( 6 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ في الوجود “ . 
( 8 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 9 ) “ د “ : “ قول أبي حامد “ . وقد أتى على قولة الإمام الغزالي محيي الدين في الفتوحات المكية ، 1 / 393 . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كله “ ساقطة . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه تعالى عنه “ .

“ 126 “
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول : لا يجوز لأحد “ 1 “ اعتقاد مساواة العالم للحقّ - جلّ وعلا - “ 2 “ في الوجود والقدم “ 3 “ بوجه “ 4 “ ؛ لأنّ وجود العالم مستفاد من موجد أوجده ، وهو اللّه تعالى ، فمن المحال مساواة العالم للحقّ - تعالى - في الرّتبة ولو كان العالم هو معلوم علم اللّه - تعالى - “ 5 “ الذي لا افتتاح له ، فإنّ حقيقة الموجد لغيره أن يوجد ما لم يكن موصوفا عند نفسه بالوجود وهو المعدوم ، لا أن يوجد ما كان موجودا أزلا ، فإنّ ذلك محال ، انتهى .
ويؤيّده قول الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في باب الأسرار من كتاب “ الفتوحات “ : لو كان العالم مساويا للحقّ - تعالى - في الوجود لاقتضى ذلك الوجود العالم لذاته “ 6 “ ، ولم يتأخّر منه شيء من محدثاته ، ولو كان العالم قديما “ 7 “ له رتبة القدم لاستحال عليه العدم ، والعدم واقع ، فلا تدافع ، وقال في هذا الباب أيضا : ما قال بالعلل إلّا القائل بأنّ العالم لم يزل ، وأنّى للعالم القدم ، وما له في رتبة الوجود الوجوبيّ قدم ، انتهى “ 8 “ . 
وقال في الباب الثّالث والتّسعين ومائتين “ 9 “ من “ الفتوحات “ “ 10 “ : اعلم أنّ تشبيه من توهّم قدم العالم من الفلاسفة وجود الارتباط المعنويّ الذي بين الرّبّ والمربوب ، والخالق والمخلوق ، وغيرهما من سائر الأسماء ؛ إذ الرّبّ يطلب المربوب ، والخالق يطلب المخلوق ، والرّازق يطلب المرزوق ، إذ لا لكون الأسماء قديمة ، ولا يعقل الرّبّ والخالق مثلا إلّا بوجود المربوب والمخلوق ، فهذا هو الباب الذي دخل منه من توهّم قدم العالم ، وغاب عن الفلاسفة أنّه لا يلزم من وجود هذا الارتباط “ 11 “ مساواة العالم للحقّ جلّ
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لأحد “ ساقطة .  ( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ العدم “ ، وهو تصحيف . 
( 4 ) “ د “ ، “ ز “ : “ بوجه من الوجوه “ . 
( 5 ) “ ب “ : قوله : “ في الرّتبة ولو كان العالم هو معلوم علمه تعالى “ ساقط ، “ د “ : “ معلوم اللّه تعالى “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ لاقتضى ذلك وجود العالم لذاته “ . 
( 7 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ قديما “ ساقطة . 
( 8 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 138 . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الثالث والتسعين “ . 
( 10 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل سبب وجود عالم الشهادة وسبب ظهور عالم الغيب من الحضرة الموسوية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 437 . 
( 11 ) “ ك “ : “ وجود الارتباط “ ، “ ز “ : “ لا يلزم وجود هذا الارتباط “ .

“ 127 “
وعلا ، فإنّ اللّه - تعالى - هو الفاعل ، والعالم كلّه مفعول له “ 1 “ تعالى ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : فعلم أنّ المراد بارتباط العالم بأسماء الحقّ - تعالى - أنّ العالم مرتبط بالحقّ ارتباط عبوديّة بسيادة ، لا ارتباط مساواة في الرّتبة ، ومن لم يعتقد ما قلناه ، زلّت به قدم الغرور في مهواة من التّلف “ 2 “ ؛ إذ الأعيان الثّابتة في العلم الإلهيّ لم تزل تنظر “ 3 “ إلى الحقّ - تعالى - بعين الافتقار أزلا ليخلع عليها اسم الوجود ، ولم يزل الحقّ - تعالى - ينظر إلى استدعائها بعين الرّحمة “ 4 “ ليجيبها إلى سؤالها ، ولم يزل - تعالى - ربّا لها في حال عدمها ، كحال وجودها على حدّ سواء ، فالإمكان لنا دائم ، كما أنّ الوجود “ 5 “ له - تعالى - دائم ، انتهى “ 6 “ .
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه تعالى - يقول : كلّ أمر رأيته يطلب الكون من الحضرات الإلهيّة فهو من حيث كونه - تعالى - إلها ، وراحما ، وغافرا “ 7 “ ، وكلّ أمر رأيته لا “ 8 “ يطلب الكون ؛ كالاسم “ الأحد “ ، أو “ الغنيّ “ ، فهو من كونه - تعالى - ذاتا ، فمهما أتاك من الصّفات والأسماء فزنه بهذا الميزان يتحقّق لك الأمر فيه ، فقلت له : ما قلتموه من أنّ الأسماء الإلهيّة تطلب أهل حضراتها لتحكم فيهم مضاه “ 9 “ للعلّة والمعلول ، فقال : ليس ذلك مضاهيا لهما ؛ لأنّ العلّة والمعلول أمران وجوديّان عند الفلاسفة ، وأمّا الألوهيّة ونحوها ، فهي عندنا نسبة عدميّة لا وجوديّة ، فإيّاك يا ولدي والغلط . 
فقلت له : فهل يجوز أن يقال : إنّ الحقّ - تعالى - موجد العالم أزلا من حيث إنّه معلوم علمه القديم ؟ فقال - رضي اللّه عنه - : لا يجوز ذلك ، فيقال إنّه - تعالى - مقدّر الأشياء أزلا ، ولا يقال إنّه موجدها أزلا ؛ لأنّ ذلك محال ، بيان ذلك أنّ كون الحقّ - تعالى - موجدا إنّما هو أن يوجد ما لم يكن موصوفا بالوجود ، لا أن يوجد ما هو
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ مفعوله “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ مهواة التلف “ ، وما ورد في الفتوحات هو ما ورد في المتن . 
( 3 ) “ ك “ : “ ناظرة “ . 
( 4 ) “ ب “ : قوله : “ ولم يزل الحق تعالى ينظر إلى استدعائها بعين الرحمة “ ساقط . 
( 5 ) “ د “ : “ الوجوب “ ، وأحسبه تصحيفا . 
( 6 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 439 - 440 . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ غافرا وراحما “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ لا “ ساقطة . 
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ قد يضاهي العلة والمعلول “ .

“ 128 “
موجود ، فإذا من المحال أن يكون العالم أزليّ الوجود ؛ لأنّه يرجع إلى قولنا : العالم المستفيد من اللّه الموجود غير مستفيد من اللّه الوجود “ 1 “ ؛ فقلت له : فلم شنّع الأشعريّة به على الحكماء في قولهم بالعلّة والمعلول مع أنّ ما شنّعوا به على الحكماء يلزمهم في جعلهم سبق العلم الإلهيّ بذلك علّة ؛ فقال إنّ الأشعريّة ما شنّعوا على الحكماء إلّا من حيث إطلاق لفظ “ 2 “ العلّة على اللّه تعالى ، فإنّه لا يجوز لنا أن نطلق على الحقّ “ 3 “ من الأسماء والصّفات إلّا ما أطلقه على نفسه على ألسنة رسله ، وإلّا فالذي هرب منه الأشعريّة يلزمهم في سبق العلم بكون ذلك المعلوم ، فإنّ سبق العلم يطلب كون المعلوم بذاته ، ولا بدّ ، ولا يعقل بينهما كون مقدّر ، فلا “ 4 “ يلزم كما لا يلزم “ 5 “ مساواة المعلول علّته “ 6 “ في جميع الأحوال ؛ إذ العلّة متقدّمة على معلولها بالرّتبة سواء كان سبق العلم أو ذات الحقّ جلّ وعلا ، فعلم أنّ المخلوق لا يصحّ أن يكون في رتبة خالقه “ 7 “ أبدا ، انتهى . 

فقلت له : فما مدلول لفظة الأزل الجاري في كلام العلماء ؟ فقال : هو عبارة عن نفي الأوّليّة للّه - تعالى - المعقولة ؛ إذ الحقّ - تعالى - لا أوّل لوجوده ، فأوّليته غير معقولة ، فهو الأوّل لا بأوّليّة تحكم عليه ، فيكون تحت حيطتها ، ومعلولا عنها ، كالأوّليّات المخلوقة ، واللّه - تعالى - أعلم ، وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتاب مستقلّ “ 8 “ ، فراجعه ، والحمد للّه ربّ العالمين .

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:28 pm

توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

15 - [ توهّم إيجاد العالم من ذاته ] 

وممّا أجبت من يتوهّم من أرباب الغيبة “ 9 “ بغلبة الحال أنّ اللّه - تعالى – لمّا
................................................................................
( 1 ) “ د “ : كتب الناسخ جانب الورقة : “ قد ظهر من كلام العارف أن الأزل عبارة عن مرتبة وجود البارئ سبحانه وتعالى قبل وجود الخلق ، فشتان ما بين مرتبة القديم والحادث “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ لفظة “ . 
( 3 ) “ ك “ : “ تعالى “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ولا يلزم “ . 
( 5 ) “ ب “ : “ كما يلزم “ ساقطة . 
( 6 ) “ ب “ : “ مساواة العلة المعلولة “ . 
( 7 ) “ د “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 8 ) انظر حديثه عن هذا الموضوع في كتابه اليواقيت والجواهر ، في المبحث العاشر “ في وجوب اعتقاد أنه تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن “ ، 1 / 130 . 
( 9 ) “ ز “ : “ الغيبية “ .

“ 129 “
أوجد “ 1 “ العالم بعد أن لم يكن أوجده في ذاته “ 2 “ ؛ لأنّه ما ثمّ غير ذاته تعالى “ 3 “ ، حتّى إنّ بعضهم أنشد في حال غيبه في مناجاته :
قطعت الورى من نفس ذاتك قطعة * ولا أنت مقطوع ولا أنت قاطع
“ 4 “والجواب أنّ هذا الكلام لا يجوز اعتقاده بإجماع المسلمين ، فقد أجمع القوم على أنّه لا يجوز أن يقال إنّ الحقّ - تعالى - مصدر للأشياء ، لإيهامه وجود المناسبة بين الممكن والواجب ، وبين من يقبل الأوّليّة وبين من لا يقبلها ، وبين من هو مفتقر في إيجاده إلى غيره ، وبين من هو غنيّ بذاته ، ولو أنّ العالم كان صادرا عن ذات الحقّ - جلّ وعلا - كما تقدّم ، لكان حكمه حكم خالقه ، ولم يرد لنا شرع بالإذن بكون الحقّ - تعالى - يجوز أن يطلق عليه أنّه مصدر للأشياء “ 5 “ إلّا أن يكون المراد أنّه صادر عن قول الحقّ - تعالى - له : “ كن “ ، فهذا لا بأس به . 


وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رضي اللّه عنه - “ 6 “ يقول : من الأدب إذا سئل أحدنا عن العالم من أين جاء به اللّه - تعالى - أن يقول : لا نعلم ، فإنّ اللّه - تعالى - أخرجنا من بطون أمّهاتنا لا نعلم شيئا من أحوالنا السّابقة على وجودنا ، انتهى . 
وسمعته - رضي اللّه عنه - “ 7 “ مرارا يقول : إنّ اللّه - تعالى - أوجد الكائنات موافقة لما سبق به العلم بعد أن لم يكن لها وجود في أعيانها عند نفسها ، كما لا علم لها
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أمر “ . 
( 2 ) “ ك “ : “ ذاته تعالى “ . 
( 3 ) “ ب “ ، “ ك “ : قوله : “ لأنه ما ثمّ غير ذاته تعالى “ ساقط . 
( 4 ) الشعر من الطويل لعبد الكريم الجيلي من قصيدته “ النادرات العينية “ ، وهي من أطول الآثار الشعرية في التصوف الإسلامي ، وتتألف من 534 بيتا ، والبيت كما هو في القصيدة :"
قطعت الورى من ذات نفسك قطعة * ولم تك موصولا ولا فصل قاطع 

ولكنها أحكام رتبتك اقتضت * ألوهية للضد فيها التجامع 
وفيها ينفي عقيدة الحلول بقوله :ونزهه عن حكم الحلول فما له * سوى وإلى توحيده الأمر راجع
انظر : عبد الكريم الجيلي ، قصيدة النادرات العينية ، 74 ، ( وسترد له ترجمة بعدا ) . 

( 5 ) “ ك “ : العبارة : “ يجوز عليه أنّه مصدر للأشياء “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ رضي اللّه عنه “ ليست فيها .

“ 130 “
بنفسها ، ثمّ إنّها ارتبطت بموجدها ارتباط ممكن ، فقير ، عاجز ، بغنيّ ، واجب الوجود ، قويّ ، عزيز ، ولا يعقل “ 1 “ لها وجود إلّا به سبحانه وتعالى “ 2 “ ، انتهى . وقد سئل الشّيخ محيي الدّين بن العربيّ - رضي اللّه عنه - عن العالم هل يقال فيه إنّه صادر عن اللّه عزّ وجلّ “ 3 “ ، فقال : هذا لا يجوز إطلاقه على اللّه تعالى ؛ لأنّ العدم لو كان أمرا وجوديّا يشار إليه لكان الممكن صادرا عن الحقّ جلّ وعلا ، فيكون صادرا من وجود إلى وجود ، ويكون له عين شخصيّة قائمة في الأزل ، وذلك محال ، انتهى . 

فإن قيل : كيف صحّت مخاطبة الحقّ - تعالى - للمعدوم بقوله “ كن “ ؟ 
فالجواب أنّ اللّه - تعالى - “ 4 “ على كلّ شيء قدير ، ومن قدرته أنّه قال للممكنات في حال عدمها عندنا ، ووجودها في علمه - تعالى - ما من معناه “ 5 “ : اظهري من مكنون علمي إلى عالم الشّهادة ، وإلّا فالعدم المحض ليس فيه عين يتعلّق علم اللّه - عزّ وجلّ - بإيجادنا منه لعدم ثبوتها في علمه ، فافهم ، وسيأتي بسطه قريبا إن شاء اللّه - تعالى - “ 6 “ عند قول الشّيخ محيي الدّين ابن العربي :عجبي من قائل : “ كن “ لعدم * والذي قيل له لم يك ثمّ “ 7 “ .ثمّ إلى آخره ، فراجعه ، والحمد للّه ربّ العالمين .

16 - [ توهّم “ لولا التّوحيد ما فهمت الوحدانيّة “ ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من أهل الشّطح ، أو غيرهم ، أنّه لولا توحيدنا للحقّ - جلّ وعلا - ما فهمت وحدانيّته ، واستدلّ بحديث : “ كنت كنزا لا أعرف ، فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق ، فبي عرفوني “ “ 8 “ ، انتهى .
................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ ولا يمكن “ . 
( 2 ) “ ك “ : “ سبحانه “ ساقطة . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ : “ تعالى “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 5 ) “ ب “ : “ ما من معناه “ ساقطة . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 7 ) الشعر من الرمل للشيخ محيي الدين ، ذكره في مستفتح حديثه عن الباب الثامن وثلاثمائة ، وقد وسمه ب “ معرفة منزل اختلاط العالم الكلي من الحضرة المحمدية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 46 . 
( 8 ) “ ب “ : نصه فيها : “ مخفيّا لم أعرف “ والحديث بتمامه : “ كنت كنزا لا أعرف ، فأحببت أن أعرف ، فخلقت خلقا ، فعرفتهم بي ، فعرفوني “ . وقد جاء في “ المقاصد الحسنة “ : “ قال ابن تيمية : إنه ليس -

“ 131 “
والجواب أنّ الإجماع على أنّ الحقّ - تعالى - واحد بنفسه لا بتوحيد موحّد ، كما أشار إليه قوله : “ فبي عرفوني “ ، أي لا بأنفسهم ، أي : عرفوا أنّني واحد لنفسي ، وكلام هذا الشّاطح ربّما يؤذن بأنّ الحقّ مفتقر في وجود صفاته إلى غيره كما مرّت الإشارة إليه أوّل الأجوبة ، فهو كلام صدر “ 1 “ من جاهل باللّه تعالى ، فإنّه لا يصحّ إلّا في حقّ من لم يكن واحدا في نفسه لنفسه ، والحقّ - تعالى - بإجماع الملل كلّها واحد لنفسه ، وليست وحدانيّته بتوحيد الموحّدين له ؛ إذ لو كانت وحدانيّته بتوحيد الموحّدين لكان الحقّ - تعالى - الذي “ 2 “ هو المقدّس المنزّه محلّا لتأثير هذا الموحّد فيه ، وذلك محال ، فتفطّن يا أخي لهذه النّكتة العجيبة ، فإنّك لا تكاد تجدها في كتاب . 

فإن قال قائل : فما الدّليل على ذلك من القرآن ؟ 
فالجواب : من الدّليل عليه “ 3 “ قوله - سبحانه وتعالى - “ 4 “ :شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ” 5 “ ، فأخبر - تعالى - أنّه هو الموحّد نفسه بنفسه “ 6 “ ، أي أنّه هو “ 7 “ المخبر عن كونه - تعالى - واحدا في الألوهيّة ، وأمّا عباده فإنّما شهدوا على شهادته - تعالى - لنفسه لمّا أوجدهم من حضرة غيبه ، ولا يصحّ لهم أن يشهدوا مع شهادته - تعالى - لنفسه في حضرة لا افتتاح لها ، إنّما يشهدون بعد علمهم بشهادته - تعالى - لنفسه ، فكانت شهادتهم له بالألوهيّة إنّما هي على سبيل الاعتراف والإذعان ، فافهم .
- من كلام النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف “ . انظر : السخاوي ، المقاصد الحسنة ، ( 386 ) ، والعجلوني ، كشف الخفاء ، 2 / 173 ، وقد أشار جامع الأحاديث القدسية عبد السلام علوش إلى أنه موضوع كما ورد في “ تمييز الطيب من الخبيث “ ، 126 ، والأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة ، 269 ، واللؤلؤ المرصوع في الحديث الموضوع ، 143 ، وعبد السلام علوش ، الجامع في الأحاديث القدسية ، 375 ، وقد عرج عليه محيي الدين في الباب السابع والسبعين ومائة في “ معرفة مقام المعرفة “ ، وقد أوله هناك . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 466 . 
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ صدق “ ، وهو تصحيف لا يستقيم به المعنى . 
( 2 ) “ ك “ : “ الذي “ ساقطة . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه “ ساقطة . 
( 4 ) “ ك “ : “ وتعالى “ .   ( 5 ) ( آل عمران الآية ، 18 ) . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أنه الموحد لنفسه “ ، “ ب “ : “ هو الموحد نفسه بنفسه “ . 
( 7 ) “ ك “ : “ هو “ ساقطة .
 
“ 132 “
فإن قال قائل : فلم قال - تعالى - :وَأُولُوا الْعِلْمِ” 1 “ ، ولم يقل : “ وأولوا الإيمان “ ؟ فالجواب أنّه إنّما قال - تعالى - ذلك دون أولي الإيمان ؛ لأنّ متعلّق الإيمان إنّما هو الخبر “ 2 “ عن وقوع أمر ، فيسمع المؤمن ذلك عن اللّه “ 3 “ ، فيؤمن به ، وإخباره - تعالى - عن نفسه بالتّوحيد ليس هو من إخبارنا ، فاستفدنا من إضافتهم إلى العلم دون الإيمان الإعلام من اللّه - تعالى - لنا بأنّ المراد بأولي العلم منّا هم أهل التّوحيد الذين حصل لهم ذلك من طريق العلم النّظريّ أو الضّروريّ لا من حصل له ذلك من طريق الخبر ، كأنّه - تعالى - يقول : وشهد الملائكة وأولو العلم بتوحيدي بما جعلته عندهم من العلم الضّروريّ الذي استفادوه من التّجلّي الواقع لقلوبهم ، وقام لهم مقام النّظر الصّحيح في الأدلّة ، انتهى . 

فإن قال قائل : فلم عطف - تعالى - الملائكة وأولي العلم على نفسه بالواو ، وهو حرف يقتضي الاشتراك حتّى في الوقت ؟ والجواب : صحيح ذلك ، ولكن ، لا اشتراك إلّا في الشّهادة دون وقتها ؛ لأنّ شهادة الحقّ لم تكن في زمان ، واللّه أعلم .

17 - [ توهّم جهة الفوق دون التّحت ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من قوله - تعالى - :الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى( 5 ) “ 4 “ ، ما يسبق إلى أذهان العوامّ من أنّه - تعالى - في جهة الفوق دون جهة التّحت ، والجواب أنّ ذلك إنّما يقع من جاهل باللّه عزّ وجلّ “ 5 “ ، أمّا العالم به - تعالى - “ 6 “ فلا يقع في مثل ذلك لاعتقاده جزما بأنّ حقيقته - تعالى - مخالفة لسائر الحقائق ، فليس استواؤه - تعالى - على عرشه كاستواء الخلق ؛ لأنّه يجب تنزيهه عن صفات المحدثات ، فلا يصحّ أن يكون الخالق كالمخلوق أبدا .
................................................................................
( 1 ) ( آل عمران الآية ، 18 ) . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ إنما هو الخبر بواسطة عن وقوع . . . “ . 
( 3 ) “ د “ : “ عن اللّه “ ليست فيها ، “ ز “ : “ عن اللّه تعالى “ . 
( 4 ) ( طه ، الآية 5 ) . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ باللّه تعالى “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ أمّا العالم به تعالى “ ساقط .

“ 133 “

18 - [أقوال المتصوّفة في دفع شبهة الجهة في جناب الحقّ ] 

وقد بلغنا عن سيّدي أحمد بن الرّفاعيّ - رضي اللّه عنه - “ 1 “ أنّه قال : صعدت في الفوقيّات إلى سبعمائة ألف عرش ، فقيل لي : ارجع “ 2 “ : لا وصول لك إلى العرش العظيم الحاوي لجميع العروش ، إنّما ذلك خاصّ بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، فرجعت ، ثمّ نزلت في السّفليّات حتّى جاوزت سبعمائة ألف أرض ، فقيل لي : ارجع ، لو مكثت تجاوز الأراضي “ 3 “ عدد رمال الدّنيا ما وصلت إلى الأرض الكبرى الحاوية لجميع الأراضي ، فرجعت . 
وقال أيضا : إنّ للّه - تعالى - بحرا من رمل يجري بين السّماء والأرض منذ خلق
................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ أحمد الرفاعي “ . وهو أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى الرفاعي المغربي ، منسوب إلى رفاعة قبيلة من المغرب ، وهو الشيخ الزاهد ، أحد الأولياء المشاهير ، مؤسس الطريقة الرفاعية ، قدم أبوه إلى العراق ، فسكن بأم عبيدة قرب واسط ، وولد بها سنة ( 500 ه ) ، وقيل سنة ( 512 ه ) ، له الحادثة المشهورة أمام القبر الشريف على ساكنه الصلاة والسلام ، فقد قال :في حالة البعد روحي كنت أرسلها * تقبل الأرض عني وهي نائبتي 
وهذه نوبة الأشباح قد حضرت * فامدد يمينك كي تحظى بها شفتيمن كلامه : التوحيد وجدان في القلب ، عظيم يمنع من التعطيل والتشبيه ، وكذلك : إذا تمكنت الأنوار في السر ، نطقت الجوارح بالشكر ، وكذلك : جبلت الأرواح في الأفراح ، فهي تعلو أبدا إلى محل الفرح ، وخلقت الأجساد من الأكماد ، فلا تزال ترجع إلى كمدها من طلب هذه الفانية ، والاهتمام بها ولها ، وكذلك : إذا صلح القلب أخبرك عما وراءك وأمامك ، وإذا فسد حدثك بأباطيل يغيب معها الرشد ، وينتفي معها السعد ، وكذلك : كم من مسرور سروره بلاؤه ، وكم من مغموم غمومه نجاته ، وكذلك : ما حياة القلب إلا بإماتة النفس ، توفي سنة ( 578 ه ) ولم يعقب ، ترك المشيخة لابن أخته ، انظر ترجمته : ابن الأثير ، الكامل ، 11 / 492 ، وابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 1 / 182 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 12 / 364 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 7 / 143 ، والشعراني ، الطبقات الكبرى ، 2 / 313 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 218 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 4 / 259 ، والكوهن الفاسي ، طبقات الشاذلية الكبرى ، 76 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 1 / 437 ، والزركلي ، الأعلام ، 1 / 174 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 1 / 213 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 7 - 8 / 352 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ له ارجع “ ، ولا يستقيم مع ما بعده وقبله . 
( 3 ) “ د “ : “ مثلا أراضي “ ، “ ك “ : “ من الأراضي “ ، “ ز “ : العبارة : “ فقال لي : ارجع لو مكثت تجاوز من الأراضي . . . “ .
 
“ 134 “
اللّه - تعالى - الدّنيا إلى يوم القيامة ، للّه “ 1 “ بعدد كلّ رملة منه مدينة “ 2 “ قدر دنياكم هذه ، لا بدّ لكلّ وليّ حقّ له قدم الولاية من دخول هذه المدائن ، والإحاطة بأهلها وحيواناتها ومعرفة أسمائهم وأنسابهم وطبائعهم ، انتهى . وحيث صحّ النّقل فهو من بعض وسع معلومات اللّه - تعالى - التي يطلع عليها من يشاء من عباده ، واللّه واسع عليم . 

وسمعت سيّدي الشّيخ عبد القادر الدّشطوطيّ “ 3 “ - رحمه اللّه - “ 4 “ يقول : من تأمّل الوجود المعقول للخلق كلّهم وجده متناهيا ، فهو بالنّسبة لمعلومات اللّه - تعالى - التي لا تتناهى كذرّة طائرة في هواء لا سقف له ولا سفل ، انتهى . وهذا يؤيّد ما سبق عن سيّدي أحمد بن الرّفاعيّ “ 5 “ ، بل لو ضرب سبعمائة ألف عرش ، وسبعمائة ألف أرض في مثلها عدد الرّمال “ 6 “ ، وأوراق الشّجر ، وعدد ما علمه الخلق من المخلوقات ، لوقف الأمر على شيء محصور ، ولقال “ 7 “ لسان حال العقل لصاحبه “ 8 “ : فما وراء ذلك أيضا ؟ 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 9 “ يقول : غالب الخلق جاهلون بعظمة
................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ للّه “ ليست فيها ، “ ك “ ، “ ز “ : “ لله تعالى “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ دنيا “ . 
( 3 ) وصفه الشعراني بأنه من أكابر الأولياء ، فقد صحبه نحو عشرين سنة ، وكان له هيئة كهيئة المجاذيب ، وصفه المناوي بأنه المعروف بالكرامات ، المشهور بالخوارق والآيات البينات ، كان ضريرا ، وعمّر عدة جوامع بمصر وقراها ، لما دنت وفاته أكثر من البكاء والتضرع ، وكان يقول للبناء الذي يبني القبة : عجل في البناء ، فإن الوقت قد قرب ، فمات وبقي منها يوم ، فكملت بعده ، ودفن في قبره ، من كلامه : أوصيك بعدم الالتفات لغير اللّه في شيء من أمر الدارين ، فإن جميع الأمور لا تبرز إلا بأمره ، فارجع لمن قدرها . ذكر الشعراني والمناوي أنه توفي سنة نيف وثلاثين وتسعمائة ، ودفن بزاويته خارج باب الشعرية . انظر ترجمته : السخاوي ، الضوء اللامع ، 4 / 265 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 3 / 725 ، والغزي ، الكواكب السائرة ، 1 / 247 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 385 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 129 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 194 . 
( 4 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ : “ أحمد الرفاعي “ .  ( 6 ) “ د “ : “ الرمل “ . 
( 7 ) “ أ “ : “ لكان “ ، ولعل الأعلى هو ما أثبت في المتن . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ ولقال لسان حال العقل : يمكن أن يقول لصاحبه “ . 
( 9 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه تعالى عنه ونفعنا به “ .
  
“ 135 “
اللّه عزّ وعلا “ 1 “ ، ولا يعرف شيئا من عظمته “ 2 “ - تعالى - المصطلح عليها عند القوم إلّا من نفذ من الأقطار أجمعها “ 3 “ ، وتجاوز حدّ الرّفع والخفض ، وما دام العبد يشهد فوقه سقفا ، وتحته أرضا ، يصحّ الاستقرار عليها ، فهو لم يعرف عظمة اللّه عزّ وجلّ “ 4 “ ، انتهى . 
ويؤيّده قول سيّدي عليّ بن وفا رحمه اللّه :وقد نفذت من الأقطار أجمعها * وقد تجاوزت حدّ الخفض والرّفع “ 5 “فذكر ما أنعم اللّه به عليه “ 6 “ - رضي اللّه عنه - من باب التّحدّث بالنّعمة ، وإظهار عظمة اللّه عزّ وجلّ “ 7 “ ، كأنّه يقول : جلت في الملكوت هذا الجولان العظيم ، ومع ذلك ، فما أحطت علما باللّه عزّ وجلّ “ 8 “ ، وفي حديث رواه الحكيم التّرمذيّ في “ نوادر الأصول “ “ 9 “ مرفوعا : “ إنّ اللّه - تعالى - احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ،
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عز وجل “ . 
( 2 ) “ ك “ : “ من عظمة اللّه تعالى “ ، “ ز “ : “ من عظمة سبحانه وتعالى “ . 
( 3 ) “ ز “ : “ أجمعها “ ساقطة ، “ د “ : “ جميعها “ . 
( 4 ) “ ك “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 5 ) الشعر من البسيط لعلي بن وفا ، وقد تقدمت ترجمته ، وروايته في الديوان :عبرت عن شاطئ الأطراف والطبع * وقد تجاوزت حد الخفض والرفع 
وقد نفذت من الأقطار أجمعها * لما خرقت حجاب الفرق والجمع انظر : ديوانه ، 97 ب . 
( 6 ) “ د “: العبارة : “ فذكر ما أنعم تعالى به عليه“ ، ك : “ يذكر ما أنعم اللّه عليه “ . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 9 ) هو أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن بشر الحكيم الترمذي ، قال عنه المناوي بأنه صاحب التصانيف المشهورة ، زاهد اشتهر بملازمة العبادة بين العبّاد ، وتفرد بين الصوفية بكثرة الرواية ، وعلو الإسناد ، ولما قام عليه معاصروه وكفروه ، جمع كتبه كلها ، وألقاها في البحر ، نفي من ترمذ لظن أهلها أنه خالف عقيدتهم ، فقدم إلى بلخ ، اضطرب في سنة وفاته ، ولعل الأرجح أنه توفي سنة ( 320 ه ) ، من أشهر مصنفاته “ نوادر الأصول في أحاديث الرسول “ ، سئل عن صفة الخلق ، فقال : ضعف ظاهر ، ودعوى عريضة ، من كلامه : الدنيا عروس الملوك ، ومرآة الزاهد ، وكذلك : 
من جهل أوصاف العبودية ، فهو بنعوت الربوبية أجهل ، وكذلك : إذا مكثت الأنوار في السر ، نطقت الجوارح بالبر ، وكذلك : اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره ، واجعل شكرك لمن لا تنقطع عنك نعمه ، وخضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه ، انظر ترجمته : الأصبهاني ، حلية الأولياء ، 10 / 233 ، والقشيري ، الرسالة القشيرية ، 400 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 8 / 581 ، -

“ 136 “

وإنّ الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم “ “ 1 “ ، انتهى . أي : كما تطلبون الحقّ - تعالى - في جهة العلويّات ، كذلك الملأ الأعلى يطلبونه “ 2 “ في جهة السّفليّات .

19 - [ مذهب الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في آية الاستواء ] 

وكان الشّيخ محيي الدّين بن العربيّ - رحمه اللّه - “ 3 “ يقول : من أعجب الأمور أنّ المؤمن يقول : ليس اللّه - تعالى - في جهة دون أخرى ، ثمّ بعد ذلك يغلب وهمه على عقله ، ولا يتعقّله إلّا في جهة الفوق حال مخاطبته له - تعالى - في الدّعاء وغيره كحال المراقبة ، انتهى ، وقد سئل الشّيخ محيي الدّين بن العربيّ “ 4 “ - رضي اللّه عنه - مرّة عن قوله - تعالى - :الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى( 5 ) “ 5 “ ، فأنشد “ 6 “ :العرش واللّه بالرّحمن محمول * وحاملوه وهذا القول معقول 
وأيّ حول لمخلوق ومقدرة * لو لاه جاء به شرع وتنزيل “ 7 “
- والشعراني ، لواقح الأنوار ، 1 / 202 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 130 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 221 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 19 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 50 ، والزركلي ، الأعلام ، 6 / 272 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 3 - 4 / 462 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 502 . 
................................................................................
( 1 ) ما عثرت عليه البتة في نوادر الأصول ، وقد ذكره الشعراني في “ لطائف المنن “ مشيرا إلى أن الحكيم الترمذي رواه في نوادر الأصول ، 566 ، وقد عرج عليه محيي الدين في الفتوحات في الباب الثالث في مضمار حديثه عن تنزيه الحق عن التشبيه والتجسيم ، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا ، ونصه فيه : 
“ إن اللّه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ، وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم “ . ومعنى ذلك عنده أن العقل لم يدركه بفكره ، ولا بعين بصيرته ، كما لم يدركه البصر . 
انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 148 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ العلويات ، كذلك الملأ الأعلى يطلبونه “ ساقط . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ ، والعبارة في “ أ “ ملتوية . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ ابن العربي “ ساقطة . 
( 5 ) ( طه ، الآية 5 ) . 
( 6 ) الشعر من البسيط ، أثبته أول الباب الثالث عشر المعقود له العنوان “ في معرفة حملة العرش “ . انظر : 
الفتوحات المكية ، 1 / 225 - 226 . 
( 7 ) في الفتوحات : “ لولاه جاء به عقل وتنزيل “ .

“ 137 “
جسم وروح وأقوات ومرتبة * ما ثمّ غير الذي رتّبت تفضيل “ 1 “ 

وهم ثمانية واللّه يعلمهم * واليوم أربعة ما فيه تأويل “ 2 “ 
محمّد ثمّ رضوان وخازنهم * وآدم وخليل ثمّ جبريل “ 3 “ 
والحق بميكال إسرافيل ليس هنا * سوى ثمانية غرّ بهاليل 
هذا هو العرش إن حقّقت صورته * والمستوي باسمه الرّحمن مأمول 
انتهى “ 4 “ ، أي أنّ مجموع هذه الأمور هو حقيقة العرش الذي وقع عليه الاستواء في التّصريف لا العرش العظيم الذي وقع عليه الاستواء المطلق ، فإذا “ 5 “ اجتمعت هذه الأمور ، وقام العرش على ساق ، واستوى عليه تصريف خالقه فيه . 
وأطال في ذلك ، ثمّ قال : واعلم يا أخي أنّ الحقّ - تعالى - لمّا كان هو الملك العظيم ، ولا بدّ للملك من حضرة معيّنة يقصده عبده فيها لحوائجه مع أنّ ذاته - تعالى - لا تقبل المكان أصلا ، اقتضت المرتبة له - تعالى - أن يخلق له عرشا ، ثمّ ذكر لعباده أنّه استوى عليه ، أي حضر عنده ، فمن سأله فيه أجابه ، نظير قوله - صلّى اللّه عليه وسلم - : 
“ ينزل ربّنا إلى سماء الدّنيا كلّ ليلة ، فيقول : هل من سائل فأعطيه سؤله ؟ هل من مبتلى فأعافيه ؟ “ “ 6 “ ، الحديث ، مع أنّه - تعالى - يسمع دعاء عبده في كلّ وقت من ليل ، أو نهار ، ولكنّ الشّرع يجري على العرف في كثير من الأحكام تنزّلا لعقول العباد ، فإذا انقضى حكم ذلك النّداء كان بمثابة انقضاء موكب ملوك الدّنيا ، وإسدالهم الحجاب بينهم وبين رعيّتهم وخدّامهم ، وللّه المثل الأعلى ، ولولا ذكره - تعالى - لعباده ذلك ، وتنزلّه لعقولهم ، لبقي أحدهم حائرا لا يدري أين يتوجّه إلى سؤال ربّه في حوائجه ، فإنّ اللّه - تعالى - ما خلق الخلق إلّا للمراتب في العبادات “ 7 “ ؛ كما في قوله - تعالى - :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( 56 ) “ 8 “ دون الأعيان لغناه “ 9 “ عن العالمين ، انتهى . وهو كلام عظيم يكتب
................................................................................
( 1 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ تم “ . 
( 2 ) الفتوحات : “ تعليل “ . 
( 3 ) الفتوحات : “ محمد ثم رضوان ومالكهم “ . 
( 4 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 225 . 
( 5 ) “ أ “ : “ فإن “ . 
( 6 ) تقدم تخريجه . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ العبادة “ . 
( 8 ) ( الذاريات ، الآية 56 ) . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لغناه تعالى “ . 

“ 138 “
بنور الأحداق “ 1 “ . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 2 “ يقول : إنّما كان المحجوبون عن عظمة اللّه “ 3 “ لا يكاد أحدهم يشهد ربّه إلّا في جهة الفوق ؛ لأنّ الحقّ - تعالى - خلق العبد ذا جهة ، فلا يتعقّل ربّه إلّا في جهة ، اللهمّ إلا أن يمنّ اللّه - تعالى - على بعض أصفيائه بنور الكشف عن عظمة اللّه عزّ وجلّ “ 4 “ ، فهناك يندرج نور عقله في نور كشفه وإيمانه ، فتتساوى الجهات السّتّ عنده من غير ترجيح ، ويعلم كشفا ويقينا أنّ الحقّ - تعالى - لا يقبل التّحيّز ، ولا تأخذه الجهات ، انتهى . 
وقال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في باب الأسرار من “ الفتوحات “ “ 5 “ : اعلم أنّ المراد من استواء الحقّ - تعالى - على العرش ، أو نزوله إلى سماء الدّنيا كلّ ليلة ، إنّما هو كناية عن إعلامه لعبده بإذنه في مناجاته ، ومسامرته بالدّعاء ، والسّؤال في حوائجه ، والاستغفار من ذنوبه ، فإنّ استواءه - تعالى - ونزوله صفتان من صفات ذاته ، وصفاته قديمة ، والعرش والسّماء محدثان بإجماع ، فلم يزل موصوفا بالاستواء والنّزول “ 6 “ قبل خلق العرش والسّماء ، فما كنت تتعقّله من صفة الاستواء والنّزول قبل خلق العرش والسّماء “ 7 “ فهو الذي ينبغي تعقّله بعد خلقهما ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : وكما أذن لهم في مسامرته ، كذلك هو - تعالى - يسامرهم بقوله - تعالى - “ 8 “ : “ هل من سائل . . . إلى آخره “ ، فهو - تعالى - يقول لهم ، ويقولون له ، كأنّهم في مجلس واحد ، وللّه المثل الأعلى ، وأنشدوا “ 9 “ :
................................................................................
( 1 ) “ د “ : قوله : “ وهو كلام عظيم يكتب بنور الأحداق “ ساقط . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : اللّه تعالى “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة فيهما : “ على بعض أصفيائه بنور الكشف عن عظمة اللّه تعالى بحسب استعداد العبد “ . 
( 5 ) لم يرد ما أثبته الشعراني في باب الأسرار ورودا لفظيا ، وقد ورد في باب الأسرار حديث عن “ نظم السلوك في مسامرة الملوك “ ، فاشتمل على النزول والاستغفار والمسامرة ، ولعل ما أثبته في المتن هو شرحه بخاص لفظه ، انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 92 . 
( 6 ) “ أ “ : “ أو النزول “ . ولعل الأليق بسياق الكلام هو “ والنزول “ . 
( 7 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ فما كنت تتعقله من صفة الاستواء والنزول قبل خلق العرش والسماء “ ساقط . 
( 8 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ وأنشدوا بيتا “ .

“ 139 “

إنّ الملوك ، وإن جلّت مراتبها * لها مع السّوقة الأسرار والسّمر “ 1 “
................................................................................
( 1 ) “ ب “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ الأشرار “ ، وهو تصحيف ، والشعر من البسيط للشيخ محيي الدين قاله في مستفتح الباب الثامن عشر المعقود له العنوان “ في معرفة علم المتهجدين ، وما يظهر منه من العلوم في الوجود “ ، وروايته في طبعة دار الكتب العلمية والهيئة العامة للكتاب : 
إن الملوك وإن جلت مناصبها ، وقبله :علم التهجد علم الغيب ليس له * في منزل العين إحساس ولا نظر 
إن التنزل يعطيه وإن له * في عينه سورا تعلو به صورانظر : الفتوحات المكية ، ( طبعة دار الكتب العلمية ) ، 1 / 250 ، وطبعة الهيئة المصرية للكتاب ، السفر الثالث ، 70 . 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:29 pm

توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

20- [ أقوال المتصوّفة في آية الاستواء وحديث النّزول ] 

وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول كثيرا : إنّما أخبر “ 2 “ الحقّ - تعالى - أنّه ينزل كلّ ليلة إلى سماء الدّنيا ، وإن كان النّزول على وجه النّقل محالا في حقّه - تعالى - ليعلّمنا التّواضع مع العباد ، ولا نرى نفوسنا على أحد منهم . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 3 “ يقول : فوقيّة الحقّ - تعالى - حيثما وردت المراد بها فوقيّة المكانة والرّتبة “ 4 “ لا فوقيّة المكان ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، وإذا كانت فوقيّة مكانة ورتبة ، فلا فرق بين العلوّ والسّفل ، فمن قصده في سجوده ، كان قاصدا جهة الفوقيّة ، كما قالوا في عروج الملائكة إنّ نزولهم من السّماء بالوحي عروج لحضرة الحقّ ، وهنا أسرار يعرفها العارفون لا تسطّر في كتاب ، قال “ 5 “ : فكما لا يلزم من إثبات الفوقيّة للحقّ - جلّ وعلا - إثبات الجهة ، فكذلك لا يلزم من استوائه على العرش إثبات الجهة والمكان ، وقد انعقد الإجماع على ذلك . 
فإن قال قائل : فما المراد بقوله - تعالى - في الملائكة :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ
................................................................................
( 1 ) “ ب “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ الأشرار “ ، وهو تصحيف ، والشعر من البسيط للشيخ محيي الدين قاله في مستفتح الباب الثامن عشر المعقود له العنوان “ في معرفة علم المتهجدين ، وما يظهر منه من العلوم في الوجود “ ، وروايته في طبعة دار الكتب العلمية والهيئة العامة للكتاب : 
إن الملوك وإن جلت مناصبها ، وقبله :علم التهجد علم الغيب ليس له * في منزل العين إحساس ولا نظر 
إن التنزل يعطيه وإن له * في عينه سورا تعلو به صور
انظر : الفتوحات المكية ، ( طبعة دار الكتب العلمية ) ، 1 / 250 ، وطبعة الهيئة المصرية للكتاب ، السفر الثالث ، 70 . 

( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أخبرنا “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ز “ : “ المرتبة “ . 
( 5 ) نسب الشعراني هذا القول إلى شيخه علي الخواص ، وهو للشيخ محيي الدين في باب الأسرار من الفتوحات المكية ، 8 / 182 .

“ 140 “
فَوْقِهِمْ” 1 “ ؟ 
فالجواب : المراد : يخافون ربّهم أن ينزّل عليهم عذابا من فوقهم ، فالفوقيّة راجعة إلى العذاب ، لا إلى ربّهم جلّ وعلا ؛ لاستحالة التّحيّز في حقّه تعالى ، ولو كانت الفوقيّة في الآية راجعة للحقّ - جلّ وعلا - لما كان لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد “ “ 2 “ معنى ولا خصوصيّة ، فما قال - صلّى اللّه عليه وسلّم - ذلك إلّا لينبّه أمّته على أنّ الحقّ - تعالى - لا يتقيّد بجهة العلوّ “ 3 “ دون السّفل ، ولا عكسه بقرينة قوله - تعالى - :وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ” 4 “ ، فلم يخصّ - تعالى - نفسه بجهة علوّ ، ولا عكسه ، وفي الحديث مرفوعا : “ لو دلّيتم بحبل لهبط على اللّه “ “ 5 “ ، انتهى . أي : 
كما يعلم - تعالى - “ 6 “ سرّكم وجهركم حال كونه موصوفا بكونه في السّماء ، كذلك يعلم ذلك منكم حال كونه موصوفا بكونه في الأرض “ 7 “ ، على أنّ أهل الكشف كلّهم أجمعوا على أنّ فوقيّة الحقّ - جلّ وعلا - لا توصف بظرف زمان ولا مكان لمباينتها لظرفيّة
................................................................................
( 1 ) ( النحل ، الآية 50 ) . 
( 2 ) أخرجه أحمد في المسند ، 2 / 421 ، والترمذي في السنن ، كتاب الدعوات ، 118 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الصلاة ( الباب 42 / 215 ) ، شرح صحيح مسلم ، 4 / 445 ، والنسائي في السنن ، كتاب التطبيق ، 2 / 226 ، وأضاف على الحديث: “ فأكثروا الدعاء “ ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 1348 ) ، 1 / 201 . 
( 3 ) “ ك “ : “ بالعلو “ .  ( 4 ) ( الأنعام ، الآية 3 ) . 
( 5 ) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 2 / 370 ، ونصه ثمّ : “ لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السفلى السابعة لهبط “ ، والترمذي في السنن ، كتاب التفسير ، ( في معرض تفسير سورة الحديد ) ، وهو حديث طويل ، ومنه : “ فوالذي نفس محمد بيده ، لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على اللّه “ ، ثم قرأ :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( 2 ) ، وقد جاء عقبه في سنن الترمذي : “ هذا حديث غريب من هذا الوجه ، قال : ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد ، قالوا : لم يسمع الحسن من أبي هريرة ، وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث ، فقالوا : 
إنما هبط على علم اللّه وقدرته وسلطانه ، وعلم اللّه وقدرته وسلطانه في كل مكان ، وهو على العرش كما وصف في كتابه “ . انظر : الترمذي في السنن ، كتاب التفسير ، تفسيرة سورة الحديد ، ( 3309 ) ، 5 / 194 ، وابن الجوزي في العلل المتناهية ، 1 / 13 . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ كما يعلم اللّه تعالى “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ : قوله : “ في السماء ، كذلك يعلم ذلك منكم حال كونه موصوفا بكونه في “ ساقط . 

“ 141 “

الخلق ، انتهى “ 1 “ . 

فإن قال قائل : فإذا كان العلوّ والسّفل في حقّه - جلّ وعلا - “ 2 “ واحدا ، فأيّ فائدة للإسراء برسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - إلى السّموات “ 3 “ وما فوقها ؟ فإنّه يؤذن أنّ للعلوّ خصوصيّة على السّفل . 
فالجواب أنّ الذي أجمع عليه المحقّقون من العلماء باللّه - عزّ وجلّ - أنّ الإسراء لم يكن ليزداد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - علما بربّه عزّ وجلّ ، بل عين ما علمه من صفات ربّه “ 4 “ في السّماء هو عين ما كان يعلمه في الأرض ، ولذلك قال - تعالى - “ 5 “ :لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” 6 “ ، فأخبر “ 7 “ أنّ الإسراء إنّما كان لرؤية الآيات ؛ أي : العلامات ، فلم تتغيّر صورة اعتقاده “ 8 “ في ربّه - تعالى - عمّا كان يعرفه منه - تعالى - في دار الدّنيا ، وغاية الأمر أنّه عرف بذلك الإسراء اختلاف المواطن ، وأنّ اللّه - تعالى - له حضرة خاصّة يخاطب منها من شاء من عباده ، وحضرة لا يخاطب منها أحدا منهم “ 9 “ . 
فإن قلت : فهل كانت رؤيته - صلّى اللّه عليه وسلم - لربّه - عزّ وجلّ - منزّهة عن الأين ، والكيف ، والجهة ؟ 
فالجواب : نعم ، قد أجمع على ذلك جميع العلماء باللّه - عزّ وجلّ - “ 10 “ ، واللّه أعلم ، فإن قلت : فما أسلم العقائد في آيات الصّفات وأخبارها ؟ فالجواب : أسلم العقائد فيها أن يؤمن العبد بها على علم اللّه - تعالى - فيها ، وهي كآية الاستواء ، وكالنّزول إلى
................................................................................
( 1 ) انتهى كلام شيخه علي الخواص ، وقد أورد محيي الدين تأويلا لما تقدم في الفتوحات المكية ، 8 / 215 . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ في حق الحق جل وعلا “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ السّماء “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ربه عز وجل “ . 
( 5 ) “ ك “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 6 ) ( الإسراء ، الآية 1 )، والآية في “ ب “ : “ لنريه من آياتنا الكبرى “. وفي “د“ و “ك“ : “ لنريه من آياتنا “. 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فأخبر تعالى “ . 
( 8 ) “ ب “ : “ صورة في اعتقاده “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ لا يخاطب أحدا منهم “ . 
( 10 ) “ د “ : “ باللّه تعالى “ ، “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها .

“ 142 “
سماء الدّنيا ، والإتيان ، والمشي ، والهرولة ، والضّحك ، والتّعجّب ، وأشباهها ؛ لأنّ اللّه - تعالى - لم يكلّفنا بحقيقة معرفة وجه نسبة الصّفات إليه جلّ وعلا . 

فإذا سئلنا : كيف استوى ربّنا على العرش ؟ أو كيف نزوله إلى سماء الدّنيا ؟ أو كيف يتعجّب أو يضحك مثلا ؟ 
قلنا : هو - تعالى - بنفسه عليم ، وهو الصّادق فيما أخبر ، ونحن مؤمنون بما جاء من عند اللّه على مراد اللّه ، وأمّا علم الكيف في ذلك ، فنكله إلى اللّه تعالى . 
فإن قال قائل : فهل الأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - مثلنا في ذلك لا يعلمون كيف “ 1 “ نسبة هذه الأمور إلى اللّه تعالى ، أم يعلمون ذلك ؟ 
فالجواب : قد أجمع غالب أهل الكشف على أنّ غاية “ 2 “ علم الأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - أن يعلموا لماذا تجلّى تعالى ؟ وأمّا كيف تجلّى ، فلا يصحّ لمخلوق علمه ؛ لأنّه من علم سرّ القدرة “ 3 “ الذي طوي علمه عن الخلائق ، فلا يعلمه إلّا اللّه عزّ وجلّ ، انتهى . قلت : ويحتمل أنّ اللّه - تعالى - يعطي خواصّ أنبيائه ذلك من حضرة الإطلاق التي يمنح من علمه منها “ 4 “ ما شاء لمن شاء ، كما أشار إليه قوله - تعالى - :وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ” 5 “ على وجه الكرامة والخصوصيّة ، واللّه أعلم “ 6 “ ، وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - يقول : قد يكون الأنبياء “ 7 “ يسلّمون للّه - تعالى - في علم نسبة الصّفات إلى اللّه - تعالى - كما نسلّمها “ 8 “ نحن من غير تأويل ، وقد يعطيهم اللّه - تعالى - العلم بذلك من باب الخصوصيّة والاصطفاء .
................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ كيفية “ . 
( 2 ) “ د “ : “ غالب “ ، وأحسبه تصحيفا ، “ ز “ : “ غالبا “ ساقطة . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ القدر “ ، ولعل الأليق بسياق الكلام ما ورد في “ أ “ و “ ب “ ؛ ذلك أن الحديث عن “ القدرة “ لا “ القدر “ . 
( 4 ) “ د “ : “ منها “ ساقطة . والعبارة ثمّ : “ يمنح من علمه ما شاء . . . “ . 
( 5 ) ( البقرة ، الآية 255 ) . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ : “ واللّه تعالى أعلم “ . 
( 7 ) “ ك “ : “ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام “ . 
( 8 ) “ د “ : “ سلمنا “ .

“ 143 “
وسمعته - رضي اللّه عنه - يقول مرارا : الاستواء المصطلح عليه عند بعض القوم “ 1 “ على العرش العظيم خاصّ بالصّفات ؛ كالرّحمة والخلق ، لا الذّات ؛ لأنّه - تعالى - قال :الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى( 5 ) “ 2 “ ، فلم يذكر الاستواء إلّا للاسم “ الرّحمن “ ، والاسم هنا عندهم هو عين الصّفة ، وقال - تعالى - :اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ” 3 “ ، وليس لنا أن نقول إنّ الحقّ - تعالى - استوى على العرش “ 4 “ بذاته ، وإن كانت الصّفة لا تفارق الموصوف ، أو قلنا : إنّ الصّفة في جانب الحقّ - تعالى - عين ذاته لمباينة صفاته لصفات عباده كما سيأتي إيضاحه في مبحث الجواب عن معاني الأسماء رضي اللّه تعالى عنه ، ولم يرد لنا في كتاب ولا سنّة أنّ الحقّ - تعالى - استوى على العرش بذاته ، فلا نقول على اللّه تعالى “ 5 “ ما لم نعلم ، انتهى . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ “ 6 “ - رحمه اللّه - “ 7 “ يقول : الذّات الإلهيّة منزّهة عن الاستواء ، والنّزول ، والمشي ، والهرولة ، وإنّما ورد ذلك على سبيل التّنزّل للعقول ، وسمعته أيضا يقول : من رحمة اللّه - تعالى - ببعض خلقه أن أراهم صفاتهم في مرآة العلم الإلهيّ ، فشهدوا نفوسهم فيها “ 8 “ ، وزادهم علما ، حتّى نزّهوا الحقّ - تعالى - عن كلّ ما يخطر ببالهم ، لكن ، لمّا لم يزد آخرين علما شهدوا أنفسهم “ 9 “ ، فظنّوا أنّها صفات الحقّ جلّ وعلا ، ولو اتّسع علمهم باللّه ، لنزّهوا الحقّ - جلّ وعلا - “ 10 “ عن كلّ ما يخطر ببالهم ، انتهى . 
فإن قيل : إنّ جمهور أئمّة المتكلّمين يقولون إنّه ليس وراء العرش العظيم
................................................................................
( 1 ) “ أ “ : العبارة : “ والاستواء على العرش العظيم . . . “ ، “ ب “ : العبارة : “ والاستواء على العرش العظيم المصطلح  . “ .  ( 2 ) ( طه ، الآية 5 ) . 
( 3 ) ( السجدة ، الآية 4 ) . وقوله تعالى : “ وما بينهما “ ساقط إلا من “ ك “ . 
( 4 ) “ ك “ : قوله : “ وليس لنا أن نقول : الحق تعالى استوى على العرش “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها .   ( 6 ) “ د “ : “ الخواص “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ .   ( 8 ) “ ك “ : “ ببعض نفوسهم فيها “ . 
( 9 ) قوله : “ وزادهم علما ، حتى نزهوا الحق - تعالى - عن كل ما يخطر ببالهم ، لكن ، لما لم يزد آخرين علما شهدوا أنفسهم “ ساقط من “ أ “ . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحق تعالى “ .
 

“ 144 “
خلاء ولا ملاء ، وقد قال - تعالى - :وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ” 1 “ ، أي من خارجه ، فكيف الحال ؟ 

فالجواب أنّ الجواب في ذلك مثل الجواب “ 2 “ عن استوائه - تعالى - على العرش ، وإن اختلف الأمر “ 3 “ ، فكما يجب علينا الإيمان بالاستواء “ 4 “ ، وإن لم نتعقّل كيفيّته ، كذلك يجب علينا الإيمان بكون الملائكة حافّين من حول العرش ، ونكل علم كيفيّة “ 5 “ ذلك إلى اللّه عزّ وجلّ ، ويشهد لذلك حديث التّرمذيّ في شأن القبضة ، فإنّ آدم “ 6 “ عينه في القبضة حال شهود نفسه “ 7 “ خارجها ، انتهى “ 8 “ . 
وكان أبو طاهر القزوينيّ أحد أئمّة الكلام يقول “ 9 “ : العرش هو مجموع الكائنات ، فلا يعقل وراءه خلاء ولا ملاء ، وكلّ من ظنّ أنّ وراء العرش خلاء أو ملاء ، فقد وهم ، وليس ذلك هو العرش الذي وقع عليه الاستواء الرّحمانيّ ، قال : ولم يبلغنا في كتاب ولا سنّة أنّ اللّه - تعالى - خلق وراء العرش العظيم شيئا “ 10 “ ، وأنّ معنى الاستواء استتمام الخلق ؛ أي انتهاء الخلق “ 11 “ السّابق في علمه - تعالى - على العرش كما في قوله - تعالى - :وَلَمَّا بَلَغَ
................................................................................
( 1 ) ( الزمر ، الآية 75 ) . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ فالجواب : حيث سلم ذلك أن الجواب في ذلك مثل الجواب “ . 
( 3 ) “ د “ : قوله : “ وإن اختلف الأمر في ذلك “ ساقط ، “ ك “ ، “ ز “ : “ وإن اختلف الأمر في ذلك “ .  
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ : “ بآية الاستواء “ .   ( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ علم كيف “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ، “ ز “ : “ عليه السلام “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ شهوده نفسه “ . 
( 8 ) تقدم تخريج حديث القبضة ، وفي نوادر الأصول للحكيم الترمذي : “ إن اللّه تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض . . . “ . انظر : نوادر الأصول ، 1 / 446 . 
( 9 ) هو أبو محمد طاهر بن أحمد بن محمد القزويني المعروف بالنجار ، أديب نحوي صرفي مشارك في علوم متنوعة ، من آثاره “ سراج العقول في الكلام “ ، و “ غاية التصريف “ ، و “ لب لباب الألباب في مراسم الإعراب “ ، وقد اضطرب في سنة وفاته ، فقد جاء في الوافي بالوفيات أنها كانت ( 580 ه ) ، وفي إيضاح المكنون ( 756 ه ) . انظر ترجمته : الصفدي ، الوافي بالوفيات ، 16 / 225 ، وإسماعيل باشا ، إيضاح المكنون ، 4 / 7 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 9 . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ العظيم “ ساقطة . 
( 11 ) قوله : “ أي انتهاء الخلق “ ساقط من “ أ “ .
 

“ 145 “
أَشُدَّهُ وَاسْتَوى” 1 “ ، وكما في قوله - تعالى - :كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ” 2 “ ، وأولى ما يفسّر القرآن بالقرآن . قال : وهذا من “ 3 “ أحسن ما قيل في معنى الاستواء لخلوّه عن الإشكال ، وقد خبط النّاس في ذلك عشواء، وللّه في ذلك حكم وأسرار“ 4 “. 

ولعلّ قائلا يقول : إنّك ابتدعت للآية تفسيرا خلاف ما قاله جميع المفسّرين ، فنقول له : نعم ، قد يطلع “ 5 “ اللّه - تعالى - بعض المتأخّرين على ما لم يطلع عليه أحدا من العلماء المتقدّمين ، وإذا رأى الإنسان معنى خارجا عن الإشكال وعن الوقوع في الخوض في ذات اللّه - تعالى - “ 6 “ بغير علم “ 7 “ وجب المصير إليه ، ولكنّ الفطام عمّا تلقّاه العبد عن آبائه ومشايخه عسر جدّا ، انتهى “ 8 “ ، وهو كلام نفيس . 
فإن قال قائل : فما معنى قوله - تعالى - :وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ” 9 “ ؟ 
فإنّه يقتضي أنّ تحت العرش ماء ، وإذا كان تحته ماء ، فأين قولكم إنّه ليس خارج العرش خلاء ولا ملاء على معنى : إنّ “ كان “ هنا ليس هي “ 10 “ الوجوديّة التي في نحو قوله - تعالى - :وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً *” 11 “ . 
فالجواب قد أجمع أهل الكشف على أنّ “ على “ هنا بمعنى “ في “ ؛ أي : كان العرش في الماء مستويا فيه بالقوّة ، ثمّ برز منه بعد ذلك بالفعل ، ونظير ذلك أنّ الإنسان خلق من الماء مبتدأ ، فإذا فالماء “ 12 “ أصل الموجودات “ 13 “ كلّها ، قال - تعالى - :وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ
................................................................................
( 1 ) ( القصص ، الآية 14 ) ، وهذه الآية ليست في “ ك “ و “ ب “ . 
( 2 ) ( الفتح ، الآية 29 ) . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وهذا أحسن “ . 
( 4 ) انظر حديث أبي طاهر في كتابه “ سراج العقول “ في الباب الثالث “ في قوله الرحمن على العرش استوى “ ، 12 ب .  ( 5 ) “ ب “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أطلع “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عز وجل “ .   ( 7 ) “ ب “ : “ بغير علم “ ليست فيها . 
( 8 ) انتهى كلام أبي طاهر .    ( 9 ) ( هود ، الآية 7 ) . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ ليس الوجودية . . . “ . 
( 11 ) ( الأحزاب ، الآية 40 ، الفتح ، الآية 26 ) . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فإذا الماء “ . 
( 13 ) “ ب “ : “ كل شيء الموجودات “ .

“ 146 “
كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ” 1 “ ، وقال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - لمن جاءه يسأله عن كلّ شيء : “ خلق من الماء “ “ 2 “ . 

وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ “ 3 “ يقول : الماء أصل ظهور عين الملك كلّه ، فكان له كالهيولى “ 4 “ ظهر فيه صور العالم كلّه الذي هو ملك اللّه عزّ وجلّ “ 5 “ ، ولا يقال : فمن أيّ شيء برز الماء ؟ لأنّ ذلك من علوم سرّ القدر ، انتهى . 
وقال الشّيخ أبو طاهر في كتابه المسمّى ب “ سراج العقول “ “ 6 “ : العرش أعظم المخلوقات لاستوائه على كلّ ما خلق اللّه تعالى ، فلا يصحّ خروج شيء من الخلق عنه ، والحقّ - تعالى - فوق هذا العرش فوقيّة مرتبة ، لا فوقيّة مكان ؛ وذلك أنّنا إذا نظرنا فوقنا وجدنا الهواء ، وإذا نظرنا فوق الهواء رأينا سماء فوق سماء “ 7 “ ، ثمّ إذا نظرنا بعقولنا “ 8 “ فوق السّموات وجدنا الكرسيّ ، وإذا ترقّينا ببصرنا إلى ما فوق الكرسيّ ، وجدنا العرش العظيم الذي هو منتهى المخلوقات التي هي بجملتها “ 9 “ تدلّ على الخالق جلّ وعلا ، ثمّ إنّنا لو تدرّجنا إلى ما فوق العرش لم نر للفكر فيه “ 10 “ مرقاة البتّة “ 11 “ ، فيقف فكرنا هناك ضرورة ؛ إذ نظر “ 12 “ الفكر ينتهي بانتهاء الأجسام ، وهناك نرى بقلوبنا وعقولنا حضرة تصريف
................................................................................
( 1 ) ( الأنبياء ، الآية 30 ) . 
( 2 ) جاء في الحديث : “ ممّ خلق الخلق ؟ قال : من الماء “ . أخرجه الترمذي في السنن ، كتاب الجنة ، 2 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه “ . 
( 4 ) الهيولى : الهباء المنبث ، وهو ما تراه في البيت من ضوء الشمس يدخل في الكوة ، وهي كلمة أعجمية ، والهالة عربية . انظر : اللسان ، مادة “ هيل “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 6 ) تقدمت ترجمة أبي طاهر ، أما كتابه “ سراج العقول “ فهو كتاب يشرح فيه منهاج الأصول للبيضاوي ، وقد ورد كلامه الذي اقتبسه الشعراني في الباب الثالث، وهو“ في قوله تعالى:” الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى“.انظر: سراج العقول ، 13 ب. 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ نظرنا سماء فوق سماء “ ، وفي “ ب “ : “ ثم إذا نظرنا رأينا سماء “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ بقلوبنا “ .  ( 9 ) “ د “ : “ لجهتها “ ، وأظنه تصحيفا . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فيه “ ساقطة ، وهي ليست في “ سراج العقول “ . 
( 11 ) “ د “: “محالا “.  ( 12 ) “ أ “ : “ مطار “ ، وفي “ سراج العقول “ : “ مظان 
  
“ 147 “
الرّحمن - عزّ وجلّ - في جميع خلقه وإمدادهم بالوجود لذواتهم وصفاتهم ، فإنّ رتبة الخالق فوق رتبة المخلوق بلا شكّ ، وهي فوقيّة مكانة - كما تقدّم - “ 1 “ تباين فوقيّة العرش على ما تحته من الكرسيّ والسّموات والأرضين ؛ إذ فوقيّة العرش وما تحته لا تكون إلّا بالجهة والمكان ، انتهى “ 2 “ . فتأمّل يا أخي في هذه الأجوبة ، فإنّك ربّما لا تجدها في كتاب ، والحمد للّه ربّ العالمين .
................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ كما تقدم “ ليست فيها . 
( 2 ) هنا ينتهي كلام أبي طاهر المقتبس من “ سراج العقول “ ، 13 ب . 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:30 pm

توهّم لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

21 - [ توهّم “ لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن “ ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من قوله - تعالى - :وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها” 3 “ أنّ ذلك ممكن في حضرة التّقييد والإيمان ، ويقول “ 4 “ : لو أنّ اللّه - تعالى - “ 5 “ فعل كذا لكان أحسن : والجواب أنّ هذا جهل من قائله ، فإنّه يؤدّي إلى تغيير ما سبق به العلم الإلهيّ في الأزل ، وهو محال ، وإيضاح ذلك أنّ للحقّ - تعالى - حضرتين : حضرة إطلاق يفعل فيها ما يشاء ، وحضرة تقييد لا يخلف فيها الميعاد “ 6 “ ، ولا يغيّر ما كان ، فلا يجعل الكافر نبيّا ، ولا عكسه “ 7 “ ، بل جفّت فيها الأقلام ، وطويت الصّحف . 
ومن كلام أهل السّنّة والجماعة : ما كلّ “ 8 “ ممكن للقدرة الإلهيّة واقع ، وفي طرق الحديث القدسيّ السّابق : “ إنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا الغنى ، ولو أفقرته لفسد حاله ، وإنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا الفقر ، ولو أغنيته لفسد حاله ، وإنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا السّقم ، ولو لم أسقمه لفسد حاله ، وإنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا الصّحّة ، ولو أمرضته لفسد حاله “ “ 9 “ ، وعدّد - تعالى - أشياء “ 10 “ .
................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ كما تقدم “ ليست فيها . 
( 2 ) هنا ينتهي كلام أبي طاهر المقتبس من “ سراج العقول “ ، 13 ب . 
( 3 ) ( السجدة ، الآية 13 ) . 
( 4 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ وبقول “ ، ولعل “ يقول “ هو الأعلى . 
( 5 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 6 ) “ د “ : “ الميعاد “ ساقطة . 
( 7 ) “ د “ : العبارة : “ ولا عكسه إلا القضاء “ . 
( 8 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ ما كان “ . 
( 9 ) تقدم تخريجه . 
( 10 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .

“ 148 “
فإيّاك يا أخي ، ثمّ إيّاك والاعتراض على شيء من أفعال القدرة الإلهيّة إلّا إن شهدت لك قواعد الشّريعة ، فتنكّر بالشّرع نصرة للشّرع بوجهين مختلفين ، فتشهد أخذ الحقّ - تعالى - بناصية عبده إلى ذلك الفعل ، وتشهد وجه تكليفه العبد بعدم فعل ذلك الأمر ، فتنازع أقدار الحقّ - تعالى - بالحقّ للحقّ “ 1 “ كما قاله الشّيخ عبد القادر الجيليّ رضي اللّه عنه “ 2 “ ، وقال : الرّجل هو المنازع للقدر ؛ أي على حذف مضاف “ 3 “ إذا خالف الشّرع لا الموافق له ، انتهى . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه تعالى - “ 4 “ يقول : بلغنا أنّ بعض الأكابر من أنبياء بني إسرائيل ابتلاه اللّه - تعالى - بالجوع والفقر والقمل عشر سنين ، وهو “ 5 “ يشكو حاله إلى اللّه عزّ وجلّ فلا يجيب دعاءه ، فقال : يا ربّ ، أما ترى حالي ،
................................................................................
( 1 ) “ ب “ : العبارة : “ فتنازع أقدار الحق تعالى بالحق “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ رضي اللّه عنه “ ليست فيها . أما الجيلي فهو عبد القادر بن موسى بن يحيى الجيلاني الحنبلي ، وقيل : الكيلاني ، أو الجيلي ، من ذرية الحسن رضي اللّه عنه ، مؤسس الطريقة القادرية ، ولد في جيلان ، وراء طبرستان سنة ( 471 ه ) ، وقيل سنة ( 470 ه ) ، وانتقل إلى بغداد شابا ، فاتصل بشيوخ العلم والتصوف ، وسمع الحديث ، وتفقه ، وقرأ الأدب ، له من المصنفات “ الفتح الرباني “ ، قال عنه المناوي : “ أجمع على إمامته أهل الخلاف والوفاق ، وأقام أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء ، ولما حضرته الوفاة كان رأسه تحت مخدة ، فقال : أنزلوا خدي عنها ، ضعوه على التراب ، لعل اللّه يرحمني ، ثم قال : هذا هو الحق الذي كنا عنه في حجاب ، من كلامه : دوام البلاء خاص بأهل الولاية الكبرى ، ليكونوا عاكفين على مناجاته ، وكذلك : إذا سألت ربك حاجة فتعام عن الجهات كلها ، ولا تنص على جهة معينة ، فإن ربك غيور ، فلا يفتح لك باب فضله وأنت محجوب عنه ، ناظرا إلى جهة أحد من عبيده . ألفت كتب في سيرته ، ومنها : “ قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر “ ، و “ بهجة الأسرار في مناقب سيدي عبد القادر “ ، توفي في بغداد سنة ( 561 ه ) . انظر ترجمته : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 12 / 242 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 12 / 270 ، والشعراني ، الطبقات الكبرى ، 2 / 286 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 253 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 4 / 198 ، والكوهن الفاسي ، طبقات الشاذلية الكبرى ، 77 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 196 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 47 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 7 - 8 / 340 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 186 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ حذف المضاف “ . 
( 4 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 5 ) “ ب “ : “ وهو “ ساقطة .

“ 149 “
ومرضي ، وفقري ، وجوعي ؟ فأوحى اللّه - عزّ وجلّ - “ 1 “ إليه : كم تشكو إليّ حالك ؟ هكذا كان بدء أمرك في أمّ الكتاب عندي قبل أن أخلق الدّنيا ، أفتريد أن أغيّر خلق الدّنيا كلّها من أجلك ، أم تريد أن أبدّل ما قدّرته عليك ، فيكون ما تحبّ فوق ما أحبّ ، ويكون ما تريد فوق ما أريد ؟ وعزّتي وجلالي ، لئن تلجلج هذا في صدرك مرّة أخرى ، لأمحونّ اسمك من ديوان النّبوّة “ 2 “ ، انتهى . وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك بعبارة أخرى ، وهذا من حضرة الإطلاق ، وإلّا فالنّبوّة وهب لا كسب ، وما كان وهبا من الحقّ - تعالى - فلا يقع فيه سلب كما قاله أهل الكشف ، واللّه أعلم .
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه تعالى - “ 3 “ يقول : من كمال الوجود كونه متفاوتا في الذّوات والصّفات ؛ لأنّ ذلك من كمال القدرة الإلهيّة ، قال - تعالى - :بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ” 4 “ ، أي : لو أراد الخلق كلّهم أن يطيلوا “ 5 “ إصبعا خلقه اللّه ناقصا في الطّول عن أخيه لا يقدرون ، وقال - تعالى - :نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا” 6 “ ، ونحو ذلك من الآيات ، فكان من كمال الوجود أن يبرز من حضرة الغيب “ 7 “ على صورة ما سبق به العلم من عالم وجاهل ، وغنيّ وفقير ، ورئيس ومرؤوس ، وعالم وأعلم ، وصالح وأصلح ، وزاهد وأزهد ، وهكذا في جميع ما خرج من خزانة “ 8 “ الجود والفضل ، فعمّ جوده - سبحانه وتعالى - الأعلى والأدنى ، ولم يخصّ بجوده وفضله أحدا دون أحد ، فالملائكة يستمدّون من جوده ، والأنبياء يستمدّون من جوده ، وكذلك القول في خواصّ الأولياء ، وفي المؤمنين ، والكافرين ، كما أشار إليه قوله - تعالى - :كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً” 9 “ .
................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ تعالى “ . 
( 2 ) “ ك “ : “ الأنبياء “ . 
( 3 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 4 ) ( القيامة ، الآية 4 ) . 
( 5 ) “ ب “ : “ أن الخلق كلهم أرادوا أن يطيلوا “ . 
( 6 ) ( الزخرف ، الآية 32 ) . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ الغيبة “ . 
( 8 ) “ ب“ : “ خزائن “، والعبارة في “ د “ : “في جميع ما خرج صورة من . . . “ . 
( 9 ) ( الإسراء ، الآية 20 ) .

“ 150 “
فإن قيل : قد جعلتم ملاذ الكافرين في الدّنيا استدراجا ، وجاء النّصّ بأنّهم يزادون “ 1 “ عذابا في الآخرة ، وأنّهم يردّون إلى أشدّ العذاب ، وأنّهم “ 2 “ لا يخفّف عنهم ما هم فيه ، وأنّ صفات الحقّ “ 3 “ لا تتناهى ، فأين رحمته للكفّار “ 4 “ حينئذ ؟ فالجواب أنّه - تعالى - يقدر على تعذيبهم بأشدّ من الأشدّ المهيّأ لهم ، المشار إليه بالألف واللّام ، انتهى “ 5 “ . 
وسمعته مرّة أخرى يقول : صدقة الحقّ - تعالى - غامرة سابغة على جميع العباد ، ولكن ، تارة يتصدّق على بعضهم بالجواهر ، وتارة بالذّهب ، وتارة بالفضّة ، وتارة بالفلوس الجدد ، وأعلى ما تصدّق به الحقّ “ 6 “ على عباده إيجاده “ 7 “ محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم ، ثمّ سائر الأنبياء على اختلاف طبقاتهم ، ثمّ الأتقياء على اختلاف طبقاتهم ، ثمّ “ 8 “ سائر الدّعاة إلى دين اللّه عزّ وجلّ ، فالأنبياء مثال “ 9 “ الجواهر النّفيسة على اختلاف أثمانها ، وخواصّ الأولياء مثال الذّهب ، والمؤمنون مثال الفضّة ، والفلوس والنّحاس مثال العصاة ، وتقدّمت الإشارة إلى نحو ذلك بعبارة أخرى عن سيّدي عليّ المرصفيّ رحمه اللّه تعالى “ 10 “ . 
فإن قيل : فما وجه صدقته - تعالى - على عباده بالكفّار ؟ 
فالجواب : وجهه كما تقدّم أنّه يدفع إلى كلّ مسلم يوم القيامة يهوديّ أو نصرانيّ ، فيقال له : هذا فداؤك من النّار “ 11 “ ، وربّما يقع ذلك في حقّ عصاة المؤمنين “ 12 “ من أهل جنّة الميراث ، فقد علمت كمال الوجود ، وأنّ جوده - تعالى - مطلق لا تحجير فيه لإنفاقه - تعالى - وتصدّقه على عباده بجميع ما أعطاه - تعالى - “ 13 “ لهم في خزائنه ، لا يدّخر عنهم شيئا ممّا فيها لهم ، فإيّاك يا أخي ، ثمّ إيّاك من الوقوع فيما فيه رائحة اعتراض على أفعال
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ يزدادون “ . 
( 2 ) “ د “ : “ وأنه “ .  ( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحق تعالى “ . 
( 4 ) “ د “ : “ للكفار “ .  ( 5 ) انتهى كلام شيخه علي الخواص . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحقّ تعالى به “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ إيجاد محمد . . . “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ من “ . ولعل ما ورد في النسخ الأخرى هو الأعلى . 
( 9 ) “ د “ : “ مثل “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 11 ) تقدم تخريجه . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ العصاة الموحدين “ . 
( 13 ) “ د “ : “ تعالى “ ساقطة . “ ك “ ، “ ز “ : “ ما أعدّه اللّه لهم “ .

“ 151 “
الحقّ تعالى “ 1 “ ، فربّما مسخ اللّه - تعالى - صورتك صورة خنزير كما وقع في زمن السّلطان محمّد بن قلاوون “ 2 “ ، فاعترض إنسان على ربّه ، وقال : لو أنّه فعل كذا لكان أفضل ، فمسخه - تعالى - في الحال على صورة خنزير ، ثمّ خرج من دمشق إلى البراري “ 3 “ ، فانقطع خبره ، واللّه يحفظ من يشاء كيف يشاء ، والحمد للّه ربّ العالمين .

22 - [ توهّم أنّ غضب الحقّ على وزان غضب الخلق] 
وممّا أجبت به من يتوهّم من غضب اللّه - تعالى - على من جعل له زوجة ويدا “ 4 “ ، وقال :يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ” 5 “ ، وإِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ” 6 “ ، أنّه على وزان “ 7 “ غضب الخلق على من خالف أمرهم ، وأساء الأدب معهم ، وذلك وهم باطل : والجواب أنّ الذي أجمع عليه أهل الحقّ أنّه - تعالى - ما أجرى على ألسنة بعض عباده كلمات الكفر باللّه “ 8 “ ، أو ما فيه سوء أدب معه - تعالى - إلّا تنبيها لعباده ليعلّمهم - تعالى –
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ . 
( 2 ) هو الملك الناصر أبو الفتح محمد بن قلاوون ، ولد سنة ( 684 ه ) ، أقام في طفولته في دمشق ، وولي سلطنة مصر والشام سنة ( 693 ه ) ، وخلع منها لحداثة سنه ، وتولى الأمير بيبرس القيادة ، ولكنه اصطنع خطة لاسترداد السلطنة ، فزعم أنه قاصد بيت اللّه الحرام ، فنزل في قلعة الكرك سنة ، ثم وثب على دمشق ، فمصر ، فقاتل المظفر بيبرس وقتله بيده خنقا ، وشرد أنصاره ، كان ملكا مطاعا مهيبا محظوظا ذا دهاء وحزم ومكر ، طويل الصبر على ما يكره ، إذا حاول أمرا لا يسرع فيه بل يحتاط غاية الاحتياط ، له آثار عمرانية ضخمة ، كان مولعا بكرائم الخيل ، غاية في الكرم ، لم يضبط عليه أحد أنه أطلق لسانه بكلام فاحش في شدة غضبه ولا انبساطه ، وقد تسلطن من أولاده ثمانية ، توفي في القاهرة سنة ( 741 ه ) ، وصلى عليه عز الدين بن جماعة . انظر ترجمته : ابن حجر ، الدرر الكامنة ، 4 / 90 ، والزركلي ، الأعلام ، 7 / 11 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ البوادي “ . 
( 4 ) “ أ “ ، “ د “ : “ وولدا “ ، ولعله تصحيف تدحضه الآية التي تليه . 
( 5 ) ( المائدة ، الآية 64 ) . 
( 6 ) ( آل عمران الآية ، 181 ) . 
( 7 ) الوزان : القبالة ، ولعل ما ورد في المتن هو الأليق بسياق الكلام ، فقد جاء في اللسان : “ ووزانه وبوزانه : أي قبالته “ . انظر : اللسان ، مادة “ وزن “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ باللّه تعالى “ .

“ 152 “
الحلم “ 1 “ على من خالف أمرهم ، فإنّ الرّبوبيّة لا تنتقم لنفسها لكونها خالقة لأفعال العباد وأقوالهم ، وإنّما تنتقم تأديبا للعصاة من العباد ، وزجرا لغيرهم أن يقعوا في مثل ما وقع فيه غيرهم ، وإذا كان سيّد المرسلين محمّد - صلّى اللّه عليه وسلّم - لم ينتقم لنفسه قط “ 2 “ تشريعا لأمّته ، وتعليما لهم ، ليحتملوا من آذاهم بقول أو فعل ، ولا يقابلونه بنظيره ، فكيف بربّ الأرباب ؟ وقد علمت بذلك يا أخي سوء أدب من قال حين وقع الخلق في عرضه ، وقابلهم بنظير ذلك إذا كان الحقّ - تعالى - لم يحتمل قول من قال فيه البهتان ، بل توعّده “ 3 “ بالنّار ، فكيف بمثلي ؟ انتهى . 

فإنّ مثل هذا لا يجوز فهمه في جانب الحقّ - تعالى - أبدا ، بل اللّائق أن يقول العبد : إنّما قضى اللّه - تعالى - “ 4 “ على بعض عبيد بسوء الأدب معه لأجلنا حتّى لا يقع أحدنا فيما وقعوا فيه ، ويكاد أحدنا يذوب من الخجل من اللّه تعالى ، وممّن وقعوا في سوء الأدب مع اللّه - تعالى - “ 5 “ لأجلنا لجعلهم عبرة لنا ، ولكونهم كانوا سببا في اجتنابنا ما وقعوا فيه من حيث الحكمة والتّقدير الإلهيان لا من حيث الحكم الشّرعيّ ، فافهم ، فإنّ هذا موضع تزل فيه الأقدام ، فإنّ كلّ من تأمّل وجد جميع من غضب اللّه عليهم لهم ؛ أي : 
لوجودهم الفضل على الذين كانوا سببا في تنفيره من الوقوع في نظير ما وقعوا فيه ، وإن لم يقصدوا هم شيئا من ذلك ، وهنا أسرار يذوقها أهل اللّه “ 6 “ لا تسطّر في كتاب لعلوّ مراقيها ، والحمد للّه ربّ العالمين .

23 - [ توهّم التّكليف بما هو فوق الطّاقة ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم من قوله “ 7 “ - تعالى - “ 8 “ :رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ” 9 “ أنّ اللّه - تعالى - قد يكلّف عبده بما لا طاقة له به “ 10 “ بوجه من الوجوه 
................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ الحكم “ ، وهو تصحيف . 
( 2 ) “ ب “ : “ إلا تشريعا “ . 
( 3 ) “ د “ : “ يوعده “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 5 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها ، “ ز “ : “ بسوء الأدب معه . . . “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ من نحو قوله “ . 
( 8 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 9 ) ( البقرة ، الآية 286 ) . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ به “ ساقطة .

“ 153 “
ولذلك شرع لنا سؤاله أنّه لا يكلّفنا بذلك : والجواب أنّ هذا توهّم باطل ، فإنّ أفعال الحقّ - تعالى - كلّها عين الحكمة لا بالحكمة كما مرّ ؛ لئلّا تكون الحكمة علّة لها ، وتعالت أفعال اللّه - تعالى - عن العلل ، والدّور ، والتّسلسل .
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه تعالى - “ 1 “ يقول : لو صحّ أن يكلّف اللّه - تعالى - “ 2 “ عبدا بما فوق طاقته ما كان للّه الحجّة البالغة على عباده ، وقد قال “ 3 “ - تعالى - :قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ” 4 “ ، وقال “ 5 “ :لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها” 6 “ ، وقوله - تعالى - حقّ وصدق “ 7 “ لا شكّ فيه ، انتهى . 
فيجب على كلّ عبد الإيمان والتّصديق بما وعد اللّه عزّ وجلّ ، وبما أضافه إلى عباده “ 8 “ من الأفعال التي يؤاخذهم عليها إلى أن يكشف اللّه - تعالى - عنه الحجاب في الدّنيا ، أو في يوم القيامة ، ويعلم الأمر يقينا ، ويعرف وجه نسبة الفعل إلى اللّه “ 9 “ ، ووجه نسبته إلى العبد بطريق محقّق لا شبهة فيه ، ولولا خوف إثارة الفتن “ 10 “ من المحجوبين لأظهرنا ذلك لإخواننا ، وستأتي نبذة من ذلك في “ 11 “ الجواب الآتي بعده إن شاء اللّه تعالى ، فاللّه - تعالى - يمنّ عليهم بكشف الحجاب ، ويجعلهم ممّن يقيم الحجّة على نفسه دون ربّه باطنا وظاهرا ، آمين “ 12 “ . 
فعلم أنّ من توهّم في اللّه - تعالى - أن يحمّله من التّكاليف ما فوق طاقته فهو مسيء الأدب مع اللّه - تعالى - لما في ذلك من رائحة إقامة الحجّة على اللّه في سرّه ، ولا يليق بالعبد إلّا أن يفدي الحقّ - تعالى - بنفسه في كلّ ما فيه رائحة اعتراض على شيء من أفعال القدرة الإلهيّة ، فإنّ اللّه - تعالى - قد أضاف الفعل إلى العبد كما أضافه - تعالى - إلى نفسه ، وهو “ 13 “ صادق في كلتا الإضافتين “ 14 “ ، فلابدّ لذلك من محلّ ينكشف للعبد
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ساقطة . 
( 2 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .  ( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 4 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) .   ( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وقال تعالى “ . 
( 6 ) ( البقرة ، الآية 286 ) . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ صدق وحق “ . 
( 8 ) “ ب “ : “ أضاف إليه عباده “ .  ( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ الفتنة “ . 
( 11 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ في “ ساقطة . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ آمين ، اللهم آمين “ . 
( 13 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ وهو تعالى “ . 
( 14 ) في النسخ جميعها : “ كلا الإضافتين “ .

“ 154 “
المحجوب “ 1 “ فيه الأمر ، فجزى اللّه الأشياخ عن الأمّة خيرا في عملهم على كشف حجب المريدين حتّى يخرجوا عن النّفاق ، ويصير أحدهم لا يقول شيئا بلسانه إلّا وهو مصدّق به بقلبه ، أو مشاهد له ، وذلك في مقام الإحسان ، ومقام الإيقان ، وما دام العبد لم يدخل هذين المقامين فمن الواجب عليه الإيمان بما أخبر اللّه - تعالى - به لا أنزل من ذلك ، فما بعده إلّا الكفر باللّه ، واللّه عليم حكيم .

24 - [ توهّم الجبريّة ] 
وممّا أجبت من يتوهّم من نحو قوله - تعالى - :قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ” 2 “ ، أنّ المراد بها تعليمنا الأدب معه “ 3 “ لا تحقيق المناط “ 4 “ ؛ كما قالوا في المثل السّائر : “ يد لا تقدر على عضّها قبّلها “ “ 5 “ ، وربّما قال هذا المتوهّم أيضا ولو في نفسه : كيف يؤاخذني اللّه - تعالى - “ 6 “ على أمر قدّره “ 7 “ عليّ قبل أن أخلق مع علمه - تعالى - بعجزي عن ردّ أقداره النّافذة فيّ ، وربّما قال أيضا إنّ اللّه - تعالى - هو الخالق لذواتنا ولصفاتنا ولقوانا ، فلا نتحرّك إلّا إن حرّكتنا قدرته تعالى ، فأين وجه إضافة الأفعال إلينا ؟ ولكن ، قد أحسن من قال :ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له * إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء ، انتهى “ 8 “ .والجواب عن هذا كلّه أنّه كلام ساقط لا يقع إلّا من جاهل باللّه - تعالى –
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ المحجوب “ ساقطة . 
( 2 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) . 
( 3 ) “ ك “ : “ تعليم الأدب معه تعالى “ . 
( 4 ) “ ز “ : “ لا بتحقيق المناط “ . 
( 5 ) هذا من الأمثال المتأخرة ، وقد ورد في كتاب الغزي العامري “ الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث “ ، ورقمه ( 636 ) ، 1 / 262 ، ونصه ثم : “ يد لا تقدر على قطعها فقبلها “ . 
( 6 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 7 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ قدره اللّه علي “ . 
( 8 ) الشعر من البسيط للحلاج ، وقبله :ما حيلة العبد والأقدار جارية * عليه في كل حال أيها الرائيانظر : سمير السعيدي ، الحسين بن منصور ، الحلاج : حياته وشعره ونثره ، 123 ، وقاسم عباس ، الحلاج : أعماله الكاملة ، 288 .

“ 155 “
وبأحكامه ، وقد قالت الرّسل - عليهم الصّلاة والسّلام - الذين هم أعلم الخلق باللّه - تعالى - “ 1 “ وبأحكامه :رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ” 2 “ ، وقال موسى - عليه الصّلاة والسّلام - “ 3 “ :رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي” 4 “ ، وقال يونس - عليه الصّلاة والسّلام - في الظّلمات :أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ( 87 ) “ 5 “ ، فأضافوا كلّهم “ 6 “ الظّلم إلى أنفسهم دون اللّه “ 7 “ إضافة محقّقة مفهومة لهم ، ولا شكّ أنّ الأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - أعرف بمعاني كلام ربّهم من جميع العارفين من الأولياء فضلا عن غيرهم ، وقد أيّدهم اللّه - تعالى - وصدّقهم على إضافتهم الظّلم إلى العباد بقوله - تعالى - :وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” 8 “ ، وبقوله - تعالى - :إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ” 9 “ ، وبقوله - تعالى - :وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ( 76 ) “ 10 “ ، وبقوله - تعالى - :وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ” 11 “ ، وحاشا الحقّ - جلّ وعلا - وأنبيائه أن يخبروا إلّا بالواقع ، فأين إيمان هذا المتوهّم المذكور بأخبار اللّه - تعالى - وبأخبار أنبيائه ، ولعلّ غالب النّاس من العامّة واقعون في هذا التّوهّم .
فإن قال قائل : فلأيّ شيء قسّم الحقّ - تعالى - عبيده إلى شقيّ وإلى سعيد ؟ 
ولم لم “ 12 “ يجعل العالم كلّه سعيدا ؟ أو على ما قرّرتموه ، فالعبد هو الذي أشقى نفسه ، فكيف الحال ؟ 
فالجواب أنّ مثل ذلك من علم سرّ “ 13 “ القدر ، ويكفينا الإجماع أنّه لا فاعل في
................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 2 ) ( الأعراف ، الآية 23 ) . 
( 3 ) “ أ “ ، “ د “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيهما ، “ ز “ : “ عليه السلام “ . 
( 4 ) ( القصص ، الآية 16 ) . ( 5 ) ( الأنبياء الآية ، 87 ) . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كلهم “ ساقطة ، والعبارة : “ فأضافوا الظلم “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 8 ) ( النحل ، الآية 118 ) .   ( 9 ) ( الرعد ، الآية 11 ) . 
( 10 ) ( الزخرف ، الآية 76 ) . 
( 11 ) ( فصلت ، الآية 46 ) . 
( 12 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ لم “ ساقطة ، وبذا يقلب المعنى . 
( 13 ) “ ب “ : “ من علم القدرة “ .

“ 156 “
الوجود سواه ، ولا موجود بذاته إلّا إيّاه ،وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ( 96 ) “ 1 “ ،لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ( 23 ) “ 2 “ ،فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ” 3 “ ،وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ( 99 ) “ 4 “ ،وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ( 118 ) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ” 5 “ ،وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” 6 “ .
وأمّا قول هذا العبد “ 7 “ : كيف يؤاخذني اللّه - تعالى - على أمر قدّره اللّه “ 8 “ عليّ قبل أن أخلق مع علمه بعجزي عن ردّ أقداره النّافذة فيّ ؟ 
فالجواب أنّا نقول لهذا العبد : أما أنت “ 9 “ محلّ لجريان أقداره عليك أزلا في علمه كما هو مشاهد ؟ فلا يسعه إلّا أن يقول : نعم ، أنا محلّ لجريان أقداره فيّ ، فنقول له : قد أنصفت إذا ، وسقط اعتراضك حيث كنت ، كذلك في الافتتاح ، ولا يمكن تغيير ما سبق به العلم . 
وإن قال بقول المعتزلة “ 10 “ إنّه يخلق أفعال نفسه ، قلنا له : فإذا يقام عليك ميزان
................................................................................
( 1 ) ( الصافات ، الآية 96 ) . 
( 2 ) ( الأنبياء ، الآية 23 ) . 
( 3 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) . 
( 4 ) ( يونس ، الآية 99 ) . 
( 5 ) ( هود ، الآيتان 118 ، 119 ) . 
( 6 ) ( هود ، الآية 119 ) . 
( 7 ) “ أ “ : “ هذا الضد “ . 
( 8 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ اللّه “ ليست فيها ، والعبارة : “ قدره علي “ . 
( 9 ) “ ب “ : “ إنك أنت . . . “ . 
( 10 ) المعتزلة أصحاب العدل والتوحيد ، ويلقبون بالقدرية ، والذي يعمهم من الاعتقاد أن اللّه - تعالى - قديم ، والقدم أخص وصف لذاته ، ونفوا الصفات القديمة أصلا ، فقالوا هو عالم لذاته ، قادر لذاته ، حي لذاته ، لا بعلم وقدرة وحياة ، واتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق في محل ، وهو حرف وصوت ، كتب أمثاله في المصاحف ، واتفقوا على رؤية اللّه بالأبصار في دار القرار ، ونفي التشبيه عنه من كل وجه مكانا وصورة وجسما وتحيزا وانتقالا وتغيرا وتأثيرا ، واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله ، خيرها وشرها . انظر مقولاتهم : الشهرستاني ، الملل والنحل ، 1 / 8 ، والجرجاني ، التعريفات ، 338 .

“ 157 “
العدل في قوله - تعالى - :لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ” 1 “ ، فلم نفسك ، ولا تلم ربّك ، فإنّك ادّعيت “ 2 “ أنّك أنت الذي تخلق كلّ ما يقع على يديك من الأعمال ، والأقوال ، وقد سمع الشّيخ محيي الدّين ابن العربي - رضي اللّه تعالى عنه - “ 3 “ شخصا يقول :
كيف يؤاخذني الحقّ - تعالى - على فعل قدّره عليّ قبل أن أخلق ، وهو يعلم عجزي عن ردّ أقداره النّافذة فيّ ؟ فقال له الشّيخ : فهل تعلّق علمه - تعالى - بك إلّا على صورة ما أنت عليه في نفسك ، فقال : نعم ، لم يتعلّق علمه بي إلّا على صورة ما أنا عليه ، فقال له الشّيخ : 
فإذا لم نفسك ، ولا تلم الحقّ جلّ وعلا ، فإنّه ما نسج لك إلّا ما غزلته من رقيق، أو غليظ، أو نفيس، أو خسيس ، أو حرير ، أو مشاقة كتّان “ 4 “ ، انتهى . 
ومن فهم ذلك عرف صدق قوله - تعالى - :وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ” 5 “ ،وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” 6 “ ، ونحوها من الآيات ، وإنّ ذلك من باب تحقيق الأمر لا من باب تعليم الخلق الأدب مع ربّهم ، فإن قلت : فما وجه “ 7 “ إتيانه - تعالى - “ 8 “ بصيغة “ ظلّام “ دون “ ظالم “ ؟ فإنّه لمّا “ 9 “ انتفى الظّلم عن الحقّ - تعالى - مرّة واحدة ، انتفى عنه الظّلم مرّات من باب أولى ، فالجواب أنّه - تعالى - إنّما جمع بالنّظر لمجموع أفراد العالم ، فلا يظلم هذا ، ولا هذا ولا هذا “ 10 “ ، فما أتى بصيغة الجمع إلّا ردّا لما يتوهّمه كلّ عبد من المتوهّمين في زعمه في الباطن “ 11 “ ، ولا يقدر على التّلفّظ به ، فأفهم على أنّه لا يصحّ وصفه - تعالى - بالظّلم لعبد بوجه من الوجوه لأنّه مالكه ، وخالقه ، ولكن لمّا كانت هذه الدّار دار حجاب “ 12 “ ، فربّما خطر على بال العبد شيء من
................................................................................
( 1 ) ( البقرة ، الآية 286 ) . 
( 2 ) “ أ “ : “ ادعيت “ ساقطة . 
( 3 ) “ ك “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 4 ) المشاقة من الكتان والقطن والشعر : ما خلص منه ، وقيل هو ما طار وسقط عن المشق ، وهو المشط . 
( 5 ) ( فصلت ، الآية 46 ) .    ( 6 ) ( النحل ، الآية 118 ) . 
( 7 ) “ أ “ : “ وجه “ ساقطة .   ( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ساقطة . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فإنه إذا “ . 
( 10 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ ولا هذا “ ساقطة . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ الباطل “ ، وهو تصحيف . 
( 12 ) “ ب “ : “ الدار حجاب “ .

“ 158 “
الاعتراض ، وتأمّل إذا كشف اللّه - تعالى - الحجاب عن الخلق ، وأمر “ 1 “ القيامة أن تقوم ، ويهلك الخلق كلّهم بالنّفخة ، كيف لا يخطر على بال أحد الاعتراض أبدا لانكشاف الحجاب عن الخلق كلّهم ؟ 

فإن قال قائل : فإذا كان كلّ شيء يقع في “ 2 “ العالم سبق به علم اللّه “ 3 “ القديم الذي لا افتتاح له ، فما معنى قوله - تعالى - :وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ” 4 “ ؟ 
فالجواب أنّه - تعالى - “ 5 “ يعلم أنّ المجاهدين قبل الجهاد مجاهدون بالقوّة ، وحين الجهاد بالفعل ، وقال بعض القوم إنّه - تعالى - ما قال ذلك إلّا دهليزا لإقامة الحجّة على العباد تنزّلا لعقولهم ؛ ليريهم - تعالى - بيان صدقهم في دعاويهم المحبّة له ، أو الرّضا بأقداره ، أو الصّبر تحت بلائه مع إجماع سائر الملل والنّحل أنّ اللّه - تعالى - عالم بجميع ما يقع من عباده في مستقبل الزّمان دنيا وأخرى ؛ لأنّه - تعالى - “ 6 “ خالقهم وخالق أفعالهم ، وقد قال - تعالى - :أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ( 14 ) “ 7 “ . 
ولكن ، لمّا كان كلّ أحد لا يقدر على دوام شهوده “ 8 “ لهذا العلم ابتلاهم اللّه تعالى ، ومعلوم عند كلّ عاقل أنّ الحجّج إنّما تقام عادة على المحجوبين عن حكمة أسرار أفعال اللّه - تعالى - “ 9 “ في العالم بخلاف من رفع حجابه ؛ كالأنبياء وأهل الكشف لا يقام عليهم حجّة لا في الدّنيا ولا في الآخرة لشهودهم الكمال في أفعال “ 10 “ اللّه تعالى ، ولإقامة الحجّة على نفوسهم ، فعلم ممّا قرّرناه أنّه يجب على العبد أن يعلم أنّه لا يجري عليه إلّا ما كان هو عليه في علم اللّه - عزّ وجلّ - القديم ، وما فوق إقامة الحجّة هو موضع لا
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ فأمر “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ز “ : “ من “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 4 ) ( محمد ، الآية 31 ) ، وفي “ أ “ : “ ولنبلونكم حتى نعلم “ . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ فالجواب أن اللّه تعالى “ . 
( 6 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 7 ) ( الملك ، الآية 14 ) . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ شهود “ . 
( 9 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 10 ) “ د “ : “ أقوال “ ، وهو تصحيف صوابه ما ورد في النسخ الأخرى .
 

“ 159 “
يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ( 23 ) “ 1 “ ، وإنّما كانوا يسألون دونه - تعالى - لأنّ الحقّ - تعالى - “ 2 “ إذا أطلعهم عند السّؤال على الحالة التي كانوا عليها في العلم الذي لا افتتاح له تحقّقوا أنّ علمه - تعالى - ما تعلّق بهم في الأزل إلّا بحسب ما هم عليه فيه ، وأنّه ما حكم عليهم إلّا ما كانوا عليه ، فإنّ وجودهم بأحوالهم في العلم الإلهيّ لا يقال فيه إنّه مخلوق ، وإنّما المخلوق خروجهم من مكنون علمه الأزليّ إلى فضاء عالم الشّهادة ، فهذا الذي يقال فيه مخلوق ، ومن هنا كان اعتقاد من يعتقد أنّه - تعالى - كان “ 3 “ خالقا بالاختيار والإرادة لا بالذّات ، فافهم ، وإيّاك والغلط ، واسمع يا أخي في تحصيل “ 4 “ مقام الاطّلاع على مذهب المشهد النّفيس لتصير تقيم الحجّة للّه - تعالى - على نفسك بحقّ وصدق ، ولا يكاد يخطر في بالك رائحة اعتراض على أحكام ربّك . 

وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - يقول : كلّ من لم يطلعه اللّه - تعالى - على الحكمة في أفعاله - تعالى - فمن لازمه الاعتراض غالبا ، بخلاف من اطّلع على تلك الحكمة، فإنّه يصير يعترف “ 5 “ بالحجّة البالغة للّه عليه من ذات نفسه طائعا مختارا، كشفا ويقينا ، لا أدبا وتسليما من غير ذوق ، كما هو شأن العوامّ ، انتهى. 
وسمعته - رضي اللّه عنه - “ 6 “ مرارا يقول : لو كنت ذا سلطان لضربت عنق كلّ من رأيته ينشد قول القائل :ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له * إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء “ 7 “لما في ذلك من رائحة إقامة الحجّة على اللّه “ 8 “ ، والمروق من تحت طاعته اختيارا ، انتهى . 
فعلم أنّ مثل هذا القول لا يصدر من عارف باللّه تعالى ؛ لأنّ العارف سداه
................................................................................
( 1 ) ( الأنبياء ، الآية 23 ) . 
( 2 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كان “ ساقطة . ب “ : العبارة : “ أنه كان تعالى . . . “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ في مقام “ . 
( 5 ) “ أ “ : “ يعترض “ ، وإخاله تصحيفا لا يستقيم به المعنى . 
( 6 ) “ ب “ : “ رضي اللّه عنه “ ليست فيها ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه تعالى عنه “ . 
( 7 ) تقدم تخريجه . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .

“ 160 “
ولحمته “ 1 “ أدب مع اللّه تعالى ، وأنّ حجّة اللّه “ 2 “ قائمة على كلّ مؤمن ، وعبارة الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 3 “ في “ الفتوحات “ في معنى قوله - تعالى - :قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ” 4 “ : 

اعلم يا أخي أنّ أكثر النّاس لا يعلمون وجه هذه الحجّة ، وإنّما يأخذونها على وجه الإيمان بها والتّسليم ، ونحن وأمثالنا إنّما نأخذها عيانا ويقينا لعلمنا بموقعها ، ومن أين جاء الحقّ بها ، انتهى “ 5 “ . 
ثمّ إنّ من علامة من يأخذ حجّة اللّه “ 6 “ عليه على وجه الإيمان والتّسليم دون الذّوق والعيان ألّا يتخيّل الحجّة عليه على وجهها “ 7 “ حقيقة ، بل ربّما لسان حاله يقول : لو مكّنني الحقّ - تعالى - “ 8 “ من الاحتجاج حين يسألني عن ذلك لقلت له : يا ربّ ، أنت الذي فعلت ذلك حقيقة ، وقدّرته “ 9 “ عليّ في الأزل قبل أن أخلق ، فلا يصحّ منّي تركه بألّا يقع على يديّ ، ولكنّ الأدب منّا ألّا نسألك يا ربّ عمّا تفعل وتضيفه إلينا ، ومثل هذا القول لا يقع إلّا من جاهل بالأمر على ما هو عليه ، بل للّه الحجّة البالغة مطلقا “ 10 “ .
................................................................................
( 1 ) السّدى خلاف لحمة الثوب ، وقيل أسفله ، وقيل ما مدّ منه ، واحدته سداة ، ويقال : ما أنت بلحمة ولا سداة ولا ستاة ؛ يضرب لمن لا يضر ولا ينفع ، ولعل المتعين من عبارة الشعراني أن العارف كله أدب مع اللّه بشحمه ولحمه . انظر : اللسان ، مادة “ سدا “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ حجة اللّه تعالى “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه تعالى عنه “ . 
( 4 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) . 
( 5 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 352 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 7 ) “ د “ : “ على وجه الإيمان “ ، “ ك “ : “ على وجهه “ . 
( 8 ) “ ب “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ أو قدرته “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ : “ بل الحجة البالغة للّه مطلقا “ . 
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:31 pm

توهّم لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

25 - [ مذهب الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في قول الحقّ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ] 

وقد قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 11 “ في الباب السّابع والخمسين وأربعمائة في قوله
................................................................................
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ .

“ 161 “
- تعالى - “ 1 “ :فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ” 2 “ : اعلم أنّ الحجّة ما كانت بالغة علينا إلّا من جهة كون العلم تابعا “ 3 “ للمعلوم ، وما تميّز علم الحقّ - تعالى - عن المعلوم إلّا “ 4 “ من حيث كونه - تعالى - له رتبة الفاعليّة على العالم كلّه ؛ إذ العالم كلّه مفعوله ، فإذا قال المعلوم شيئا ، أو فعله ، كان للّه الحجّة البالغة عليه لو قال : كيف يؤاخذني اللّه “ 5 “ بأن يقول له - تعالى - : ما تعلّق علمي “ 6 “ بك إلّا على ما أنت عليه في حال عدمك ، وحال وجودك ، فما أبرزتك إلى الوجود إلّا على قدر ما أنت عليه في ذاتك ، وعلى قدر قبولك واستعدادك ، وحينئذ يعرف العبد أنّ ذلك هو الحقّ ، وتندحض حجّة الخلق كلّهم في موقف العرفان الإلهيّ الخاصّ بالأكابر “ 7 “ . 

وأمّا موقف العرفان في العموم فالأمر فيه قريب ، ويختلف الحكم فيه بحسب فهم الرّجال ، فما كلّ أحد تقام عليه حجّة هي عين ما تقام على عبد آخر أبدا ، بل لكلّ عبد حجّة عند اللّه “ 8 “ تقام عليه كما يليق بمقامه “ 9 “ ، وذلك ليظهر الحقّ - تعالى - لهم فضله عليهم ، أو يظهر لهم مقام كونه - تعالى - “ 10 “ هو القاهر فوق عباده ، فإنّه ما قهرهم إلّا بالحجّة البالغة عليهم ، وهو الحكيم الخبير ، فيظهر لكلّ عبد ما يقيم تعالى به “ 11 “ الحجّة
................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منازلة التكليف المطلق “ ، وقد افتتحه بقوله :
حكم التكاليف بين اللّه والناس * من عهد والدنا المنعوت بالناسي انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 104 . 

( 2 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تابعا “ ساقطة . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لا “ ، وهو تحريف يقلب المعنى . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ اللّه “ ليست فيها . 
( 6 ) “ ب “ : “ علمه “ . 
( 7 ) الكلام لمحيي الدين في الفتوحات المكية ، 7 / 105 . 
( 8 ) “ ك “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 9 ) العبارة في الفتوحات : “ فما كل أحد تقام عليه حجة تقام على الآخر ، فلكل صنف حجة عند اللّه بها يظهر فوق عباده ، وهو القاهر بالحجة فوق عباده ، وهو الحكيم الخبير ، حيث يظهر على كل صنف بما تقوم به الحجة للّه عليه “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 105 - 106 . 
( 10 ) “ ب “ : قوله : “ لهم فضله عليهم ، أو يظهر لهم مقام كونه تعالى “ ساقط . 
( 11 ) “ ك “ : “ ما يقيم به تعالى “ .

“ 162 “
عليه ، فلولا إطلاق التّكليف ما جعل نفسه - تعالى - “ 1 “ محاجّا لنا ، ولا عمل لنا معه مجلس حكم ، ولا ناظرنا تعالى ، وهذا من جملة إنصاف الحقّ - تعالى - عباده ليطلب منه النّصف ، انتهى “ 2 “ .
وقال في الباب السّابع والسّبعين والمائة في معنى قوله - تعالى - “ 3 “ :قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ” 4 “ : اعلم أنّ في هذه الآية “ 5 “ أعظم دليل على أنّه - تعالى - ما كلّف عباده إلّا ما يطيقونه عادة ، ولم يكلّفهم بنحو الصّعود إلى السّماء بلا سبب ، ولا بالجمع بين الضّدّين ، ولو أنّه - تعالى - كان كلّفهم بذلك لما كان يقول :فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ، بل كان يقول “ “ فللّه أن يفعل ما يريد “ ، كما قال :لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ” 6 “، في أصل القسمة “ 7 “ الأزليّة، فهذا موضع“ لا يسأل عمّا يفعل“. 
وقال في باب الأسرار “ 8 “ : من احتجّ عليك بما سبق في علمه “ 9 “ فقد حاجّك بالحقّ ، لكنّها حجّة لا تنفع صاحبها ، ولا تعصم جانيها “ 10 “ ، ومع كونها ما نفعت سمعت وقيل بها ، وإن عدل الشّرع عن مذهبها ، فإنّه - تعالى -لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ( 23 ) ، ولكنّ أكثر النّاس لا يشعرون ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : ومثل التّلفّظ في هذه المسألة لا يكون جهارا ، ولا ينبغي التّكلّم بها إلّا إشعارا ، مع أنّه لو جهر بها لكانت
................................................................................
( 1 ) “ ب “ : العبارة : “ ما جعل تعالى نفسه “ . 
( 2 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 105 . 
( 3 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة مقام المعرفة “ ، وقد افتتحه بقوله :
من ارتقى في درج المعرفة * رأى الذي في نفسه من صفه 
لأنها دلت على واحد * للفرق بين العلم والمعرفة انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 447 . 
( 4 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ اعلم أن هذه الآية أعظم “ . 
( 6 ) ( الأنبياء ، الآية 23 ) ، وفي “ د “ و “ ك “ و “ ز “ : “ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ القيامة “ ، وهو تصحيف لا يستقيم . 
( 8 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 117 . 
( 9 ) “ ك “ : “ علمه تعالى “ . 
( 10 ) عبارة الفتوحات : “ لا تنفع قائلها ، ولا تعصم حاملها “ . انظر : الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 117 .

“ 163 “
علما ، ونفحت فهما ، وأورثت في الفؤاد كلما دونه تخرّ القمم لما يؤدّي ذلك إليه من درس الطّريق الأمم الذي عليه جميع الأمم ، وإن كان كلّ دابّة هو آخذ بناصيتها ، فافهم “ 1 “ . 
وقال في الباب الخامس والثّلاثين وثلاثمائة في قوله - تعالى - :وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” 2 “ : من فهم مواقع خطاب اللّه - عزّ وجلّ - لم يتوقّف في شيء أضافه الحقّ - تعالى - إلى نفسه ، أو إلى عباده ، فإنّ قوله - تعالى - “ 3 “ :وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ لا بدّ لها من مصرّف ؛ لأنّه - تعالى - لا يقول إلّا الحقّ ، ومن مصارفها أن تكون هذه الآية “ 4 “ في حقّ الطّائفة الذين يقولون : نحن نخلق أفعال نفوسنا ، فيقال لهم : 
إذا أنتم الذين ظلمتم أنفسكم ، انتهى “ 5 “ . وقد أجمع أهل الملل والنّحل على أنّ اللّه - تعالى - “ 6 “ عالم بكلّ شيء ،أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ” 7 “ . 
وقال في الباب الرّابع والخمسين من “ الفتوحات “ “ 8 “ : “ اعلم أنّ الحقّ - تعالى - لا يعزب عن علمه شيء بإجماع أهل الملل والنّحل ؛ حتّى الذين قالوا ابتداء : إنّ علم الحقّ - تعالى - يتعلّق بالكلّيّات دون الجزئيّات ، فإنّهم لم يقصدوا بذلك نفي اعلم الحقّ - تعالى - بالجزئيّات ، وإنّما قصدوا أنّه - تعالى - يعلم الجزئيّات في ضمن علمه بالكلّيّات ، ولا
................................................................................
( 1 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 117 ، وقد تصرف الشعراني بعبارة الفتوحات ، والمعنى واحد . 
( 2 ) ( النحل ، الآية 118 ) . 
( 3 ) “ ب “ : قوله : “ وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون “ : من فهم مواقع خطاب اللّه عز وجل لم يتوقّف في شيء أضافه الحق تعالى إلى نفسه ، أو إلى عباده ، فإن قوله تعالى “ ساقط . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الآية “ ساقطة . 
( 5 ) انتهى كلام محيي الدين ، ولم أعثر عليه في الباب الذي أشار إليه الشعراني إلا بلفظ عام ، وأحسب أن الشرح للشعراني . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 200 ، وله حديث طويل عن مفهوم هذه الآية في الباب الثاني عشر وأربعمائة ، 7 / 24 . 
( 6 ) “ ب “ : “ أنه تعالى “ .    ( 7 ) ( الملك ، الآية 14 ) . 
( 8 ) عنوان هذا الباب في الفتوحات : “ في معرفة الإشارات “ . وقد استفتحه بقوله :علم الإشارة تقريب وإبعاد * وسيرها فيك تأويب وإسآد 
تنبيه عصمة من قال الإله له * كن فاستوى كائنا والقوم أشهادانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 420 .

“ 164 “
يتوقّف علمه بها على تفصيلها بالعدد كما يحتاج إليه خلقه ، فقصدوا التّنزيه للحقّ - تعالى - لفظا ، فأخطؤا في التّعبير بما يوهم خلاف المراد ، ولو أنّ من نصب الخلاف بيننا وبين الفلاسفة فهم ما ذكرناه ما كفّرهم بذلك ، وإن كانوا كفّارا من وجوه أخر “ 1 “ .
وقال في باب الأسرار : اعلم أنّه ليس في علم الحقّ “ 2 “ - تعالى - إجمال ؛ إذ الإجمال في المعاني محال ، وإنّما الإجمال في الأقوال والأفعال “ 3 “ . 
وقال في الباب الحادي عشر وأربعمائة من “ الفتوحات “ “ 4 “ : من المحال أن يتعلّق العلم الإلهيّ إلّا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو أنّ أحدا احتجّ على ربّه ، وقال : قد سبق علمك فيّ بأن أكون “ 5 “ على كذا وكذا ، فلم تؤاخذني ؟ لقال له الحقّ - جلّ وعلا - “ 6 “ : 
وهل تعلّق علمي بك إلّا على ما أنت عليه ، فلو كنت على غير ذلك لعلمتك ، فارجع إلى نفسك ، وأنصف في كلامك ، فإذا رجع العبد إلى نفسه ، وفهم ما ذكرناه ، علم أنّه محجوج ، وأنّ الحجّة البالغة عليه للّه تعالى ، بل يصير هو يقيم الحجّة للّه - تعالى - عليه أدبا حقيقيّا “ 7 “ ، وهناك يلوح له أنّ قول الحقّ - جلّ وعلا - :وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” 8 “ حقّ وصدق ، كشفا ويقينا ، ومعنى هذه الآية أنّ الحقّ - تعالى - يقول :وَما ظَلَمْناهُمْ؛ لأنّ علمنا ما تعلّق بهم في الأزل إلّا على صورة ما ظهروا به في الوجود من
................................................................................
( 1 ) العبارة في الفتوحات : “ فإن الذين قالوا : إن اللّه لا يعلم الجزئيات ما أرادوا نفي العلم عنه بها ، وإنما قصدوا بذلك أنه - تعالى - لا يتجدد له علم بشيء ، بل علمها مندرجة في علمه بالكليات ، فأثبتوا له العلم سبحانه مع كونهم غير مؤمنين ، وقصدوا تنزيهه سبحانه في ذلك ، وإن أخطؤوا في التعبير عن ذلك “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 422 . 
( 2 ) “ ب “ : “ في علم اللّه الحق “ . 
( 3 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 152 ، وتمام عبارته : “ فليس من نعوت الكمال أن يكون في علم اللّه إجمال ، والإجمال في المعاني محال ، ومحل الإجمال الألفاظ والأقوال “ . 
( 4 ) عنوان هذا الباب في الفتوحات : “ في معرفة منازلة “ فيسبق عليه الكتاب ، فيدخل النار من حضرة “ كاد لا يدخل النار “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 22 . 
( 5 ) “ ب “ : “ هناك أن أكون “ .  ( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عز وجل “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ حقيقة “ .  ( 8 ) ( النحل ، الآية 118 ) .
  
“ 165 “
الأحوال ، ولا تبديل لخلق اللّه “ 1 “ .
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 2 “ يقول : من فهم قوله - تعالى - :وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” 3 “ : لم يقل قطّ : اللهمّ احفظني من الوقوع في المعاصي ، فإنّك تعلم عجزي عن ردّ أقدارك النّافذة فيّ لما فيه من رائحة إقامة الحجّة على اللّه تعالى ، وذلك معدود من الجهل باللّه - تعالى - وسوء الأدب معه ، انتهى .
وكان سيّدي إبراهيم المتبوليّ - رحمة اللّه عليه - “ 4 “ يقول : طلبت مرّة من الحقّ - تعالى - أن يكشف لي عن أمر الخلق وأعمالهم ، فرأيت أنّه - تعالى - لمّا خلق الخلق ، وأوجدهم خلق لهم أعمالهم ، ثمّ خيّرهم فيها ، فاختار كلّ عبد منهم عملا معيّنا ، ثمّ إنّه - تعالى - طوى لهم “ 5 “ تلك الأعمال فيهم ، وطواهم في الغيب ، ثمّ لمّا أظهرهم إلى عالم الشّهادة حجبهم بالعقول ، وأجرى على كلّ عبد ما اختاره لنفسه ، فبذلك وقعت الحجّة عليهم ، ثمّ لم يكشف لهم عمّا قلناه اليوم ، فسينكشف لهم غدا ، انتهى .

26 - [ تعلّق علم الحقّ بالخلق قديما] 

فإن قيل : فإذا كان تعلّق علم الحقّ - تعالى - بالخلق قديما ، وهم معلوم علمه ، ومعلوم العلم لا يفارق العلم ، فبم تميّز الحقّ - تعالى - عن خلقه ؟ “ 6 “ ، فالجواب : قد تقدّم في هذه الأجوبة أنّ الحقّ - تعالى - تميّز عن خلقه بكونه خالقا ، والعالم كلّه مخلوقا ، فلولا إخراجه - تعالى - للعالم كلّه من مكنون علمه إلى هذا الوجود الخاصّ بنا لما قدر أحد من العالم أن يخرج نفسه من العدم .
................................................................................
( 1 ) انتهى كلام محيي الدين المنقول بتصرف ، انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 24 ، وفيها يختم مذهبه قائلا : “ فاعلم ما ذكرناه ، فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاء حالك ، ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سديد ، وعقل سليم “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 3 ) تقدم تخريجها . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لهم “ ساقطة . 
( 6 ) “ د “ : قوله : “ فبم تميز الحق تعالى عن خلقه “ ساقط .

“ 166 “
وقد ذكر الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 1 “ هذه المسألة في الباب الحادي عشر وأربعمائة “ 2 “ ، وأطال في بيانها ، ثمّ قال : وهذا يدلّك على أنّ العلم تابع للمعلوم ، وما هو المعلوم تابع للعلم ، وهي مسألة دقيقة ما في علمي أنّ أحدا نبّه عليها من أهل اللّه - تعالى - إلّا إن كان ممّا وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحقّقها يمكنه أن ينكرها ، وفرّق بين أن يكون الشّيء موجودا بعد تقدّم “ 3 “ العلم بوجوده ، وبين كونه على هذه الصّورة حال عدمه الأزليّ له ؛ إذ لا يعقل بين العلم والمعلوم بوزن زمانيّ ، وما ثم تمييز إلّا بالرّتبة فقط ، وهو أنّ العالم كلّه مفعول للّه تعالى ، واللّه - تعالى - هو الفاعل له ، قال : ولو لم يكن في كتاب “ الفتوحات “ إلّا هذه المسألة لكانت كافية لكلّ ذي نظر سديد ، وعقل سليم “ 4 “ . 
وأطال في ذلك ، ثمّ قال في حديث : “ إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النّار ، فيدخلها “ “ 5 “ : 
اعلم أنّ الحقّ - تعالى - ما كتب إلّا ما علم ، وما علم إلّا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في نفسها “ 6 “ ما يتغيّر منها وما لا يتغيّر ، فهو يشهدها كلّها في حال
................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 2 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منازلة “ فيسبق عليه الكتاب ، فيدخل النار . . . “ ، وقد تقدم حديث عنه ، انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 22 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فيقدم العلم بوجوده “ . 
( 4 ) انظر عبارة محيي الدين في الفتوحات المكية ، 7 / 24 ، وقد نقلها الشعراني بتصرف . 
( 5 ) تمام الحديث : “ . . . فوالذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، ثم يسبق عليه الكتاب ، فيختم له بعمل أهل النار ، فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، ثم يسبق عليه الكتاب ، فيختم له بعمل أهل الجنة ، فيدخلها “ . أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 1 / 382 ، 414 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب بدء الخلق ( الباب 883 / 1372 ) ، 4 / 553 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب القدر ( 1 / 2643 ) ، شرح صحيح مسلم ، 16 / 429 ، وابن ماجة في السنن ، المقدمة ، كتاب السنة ( باب القدر ، 76 ) ، 1 / 75 ، والترمذي في السنن ، كتاب القدر ، ( 2144 ) ، 4 / 53 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 2 / 640 ، والسيوطي ، الجامع الصغير ( 2179 ) ، 1 / 333 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب التوحيد والإيمان ( 74 )، 1 / 101، وانظر مذهب محيي الدين في هذا الحديث في الباب الأحد عشر وأربعمائة من الفتوحات المكية ، 7 / 22. 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أنفسها “ .

“ 167 “
عدمها على تنوّعات “ 1 “ تغيّراتها “ 2 “ ، فلم يوجدها إلّا على صورة ما هي عليه في علمه القديم “ 3 “ ، فما ثمّ كتاب يسبق إلّا بإضافة الكتاب إلى ما يظهر به ذلك الكتاب الشّيء “ 4 “ ، فتكون الكتابة حاكية صفته التي هو عليها في الأزل لا غير ، فليلم العبد نفسه ، ولا يلم الكتاب الإلهيّ ، ويقول : كيف يؤاخذني اللّه - تعالى - على شيء كتبه عليّ في الأزل قبل أن أخلق كما يقع فيه بعض الجهلة ، ومن فهم ما ذكرناه علم علما يقينيّا صحّة وصف الحقّ - تعالى - “ 5 “ بأنّ له الحجّة البالغة لو نوزع تعالى “ 6 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .



27 - [ توهّم أنّ ظلم الخلق من غير إرادة الحقّ ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من قوله - تعالى - :وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ” 7 “ أنّ الظّلم الواقع في الوجود عن غير إرادة منه ، والجواب أنّ الإرادة لا تتوجّه إلّا على معدوم لتوجده ، وكلّ شيء في الوجود موجود في علم الحقّ تعالى ، فلا يتوجّه عليه الإرادة ، فلا يريده - تعالى - لأنّه عدم ، وما ثمّ إلّا ظلم نسبيّ للخلق دون الحقّ تعالى ، لأنّه عليم حكيم ، فافهم “ 8 “ .

28 - [ توهّم استفادة الحقّ علما من الخلق ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ الحقّ - تعالى - له مرتبة يستفيد من خلقه علما لم
................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تنويعات “ . 
( 2 ) العبارة في الفتوحات : “ على تنوعات تغييراتها إلى ما يتناهى “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 23 . 
( 3 ) العبارة في الفتوحات : “ فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها “ ، انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 23 . 
( 4 ) “ ك “ : “ الشيء “ ساقطة ، “ ز “ : العبارة : “ إلى ما يظهر به ذلك الشيء “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وصف الحق تعالى نفسه “ . 
( 6 ) انظر عبارة محيي الدين في الفتوحات ، 7 / 23 - 24 ، وفيها يقول : “ هل علمتك إلا بما أنت عليه ، فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال : “ حتى نعلم “ ، فارجع إلى نفسك ، وأنصف في كلامك ، فإذا رجع العبد على نفسه ، ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنّه محجوج ، وأن الحجة للّه تعالى عليه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 24 . 
( 7 ) ( غافر ، الآية 31 ) . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ لأنه عليم حكيم ، فافهم “ ليس فيهما .
 

“ 168 “
يكن عنده ، كما قد يقع “ 1 “ من أهل الفهم السّقيم ، من نحو قوله - تعالى - :وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ” 2 “ ، والجواب أنّ ذلك فهم لا يجوز اعتقاده ؛ لأنّ الحقّ - تعالى - لم يزل عالما بجميع الأشياء قبل وجودها في عالم الشّهادة ، ثمّ إنّه أوجدها في عالم “ 3 “ الشّهادة على حدّ ما علمها ، لم يتجدّد له علم بها عند تجدّد الأشياء كما تقدّم في العقيدة أوّل الباب ، ولم تزل الأمور كلّها معلومة للحقّ - تعالى - في مراتبها بتعداد صورها ، هكذا إدراكه - تعالى - للعالم كلّه حال عدمه ووجوده ، فتنوّعت الأعيان في خيال الممكنات ، لا في علمها ، ثمّ لمّا كشف لها عن نفسها وهي في العدم استفادت العلم بما لم يكن عندها حالة لم تكن عليها ، فإنّ اللّه - تعالى - ما أوجد الأعيان إلّا ليكشف لها عن أعيانها وأحوالها شيئا بعد شيء على التّتالي “ 4 “ والتّتابع . 
واعلم يا أخي أنّ العلماء قد اضطربت أفهامهم في قوله - تعالى - :وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ؛ وذلك لأنّ من أشكل العلوم إضافة العلم الإلهيّ إلى المعلومات ، والقدرة إلى المقدورات ، والإرادة إلى المرادات “ 5 “ ، وظاهر ما يقتضي ذلك كون الحقّ - تعالى - جعل نفسه يستفيد “ 6 “ العلم من المعلومات أشكل ، وأشكل عند أهل القصور من الفهم ، فما اضطربت أفهام العلماء إلّا في تأويل ذلك للقاصرين بما تقبله أفهامهم ؛ لأنّ من أعطاك العلم بنفسه ولا يعلم هو نفسه ، ولا ما يعطيك من العلم لا يكاد العقل يتعقّله على ظاهره أبدا ، فإنّ الحقّ - تعالى - لولا أنّه أعطى الموجودات العلم بنفسها ما كانت عرفت نفسها .


29 - [ مذهب الشّيخ محيي الدّين ابن العربي على قول الحقّ حَتَّى نَعْلَمَ ] 
وأطال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 7 “ في الكلام على هذه الآية في الباب الرّابع وأربعمائة من “ الفتوحات “ “ 8 “ ، ثمّ قال : وسبب اضطراب عقول العلماء في فهم هذه الآية إنّما هو من
..................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ كما يقع “ . 
( 2 ) ( محمد ، الآية 31 ) . 
( 3 ) “ د “ : “ أوجدها لعالم “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ التوالي “ . 
( 5 ) العبارة لمحيي الدين في الباب الرابع وأربعمائة من الفتوحات المكية ، 7 / 8 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ليستفيد “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 8 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منازلة : من شق على رعيته سعى في هلاك ملكه ، ومن رفق بهم بقي ملكا ، كل سيد قتل عبدا من عبيده فإنما قتل سيادة من سياداته ، إلا أنا فأنظره “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 8 .

“ 169 “
حيث حدوث التّعلّق ؛ أعني تعلّق كلّ صفة بمتعلّقها من حيث العالم ، والقادر ، والمريد مثلا ، فإنّ المعلومات والمقدورات والمرادات لا افتتاح لها في العلم الإلهيّ ؛ إذ هي معلوم علمه - تعالى - الذي لا افتتاح له ، كما تقدّم بسطه في هذه الأجوبة ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : ولمّا كان الأمر على ما أشرنا إليه ، وعثر على ذلك من عثر عليه من المتكلّمين “ 1 “ ، كابن الخطيب “ 2 “ قال بالاسترسال المعبّر عنه عند الأشعريّة بحدوث التعلّق ، فلذلك قال اللّه - تعالى - في هذا المقام :حَتَّى نَعْلَمَ؛ أي حتّى يظهر لكم علمنا بما علمناه “ 3 “ من أحوالكم قبل ابتلائكم ، فهو تنزّل للعقول كآيات الصّفات التي يعطي ظاهرها القرب من صفات التّشبيه ، واللّه أعلم “4“.
وقال في موضع آخر “ 5 “ : اعلم أنّه “ 6 “ ما اضطربت أفهام فحول العلماء في فهم قوله - تعالى - :حَتَّى نَعْلَمَ إلّا لاضطراب أفكارهم ، حتّى إنّ من بعض القدماء [ من ]

.................................................................................
( 1 ) “ أ “ : العبارة : “ وعثر على ذلك من عثر عليه المتكلمون “ ، ولعل ما ورد في “ ك “ و “ ز “ هو الأعلى والأليق . 
( 2 ) لم يرد لابن الخطيب ذكر في عبارة محيي الدين ، وأحسبها من إضافة الشعراني ، وقد ورد ذكره في هذه المسألة في الباب التاسع والتسعين ومائتين ، 4 / 480 ، وقد تحدث عن مفهوم الاسترسال . أما ابن الخطيب فهو عبد اللّه بن محمد الشّعبي العارف النجيب ، ذو الشأن الباهر الباهي ، والخطاب الإلهي ، أصله من “ أبين “ ، نشأ بها وقرأ القرآن ، وأخذ العلم عن إسماعيل بن محمد الحضرمي ، جد واجتهد ، واستغرق في التعبد ، جاور بالمدينة وهو شاب ، مات سنة ( 679 ه ) . انظر ترجمته : 
مرآة الجنان ، 4 / 356 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 433 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 115 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ علمنا “ . 
( 4 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 9 . 
( 5 ) لم يقل ذلك محيي الدين في موضع آخر ، بل ورد هذا المذهب في الباب نفسه الذي نقل منه الشعراني كلامه ، وفيه يقول : “ واضطربت العقول فيه لاضطراب أفكارها ، ورفع الإشكال في هذه المسألة عندنا أهل الكشف والوجود والإلقاء الإلهي أن العلم نسبة بين العالم والمعلومات ، وما ثم إلا ذات الحق ، وهي عين وجوده ، وليس لوجوده مفتتح ولا منتهى ، فيكون له طرف ، والمعلومات متعلق وجوده ، فتعلق ما لا يتناهى وجودا بما لا يتناهى معلوما ومقدورا ومرادا ، فتفطن ، فإنه أمر دقيق “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 9 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اعلم “ ساقطة .

“ 170 “
أنكر تعلّق العلم الإلهيّ بالتّفصيل ، وذلك لعدم التّناهي عنده في ذلك ، وغاب عنه أنّه “ 1 “ - تعالى - محيط بأنّ معلوماته لا تتناهى بعد تعلّق علمه بها ، كذلك قال الشيخ : وأمّا نحن فقد رفع الكشف عندنا الإشكال في هذه المسألة ، فألقى في قلوبنا أنّ العلم نسبة بين العالم والمعلومات ، وما ثمّ من له القدم وعدم الحدوث إلّا ذات الحقّ - تعالى - فقط ، وهي عين وجوده تعالى ، ووجوده - تعالى - ليس له افتتاح ولا انتهاء ؛ لأنّه نفى البدء والنّهاية من جملة درجاته التي تميّز بها عن خلقه . قال - تعالى - :رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ” 2 “ ، ثمّ لمّا كانت المعلومات متعلّق وجوده تعالى ، فتعلّق ما لا يتناهى وجودا بما لا يتناهى معلوما ومقدورا ومرادا وغير ذلك ، فتفطّنوا أيّها الإخوان لهذا الأمر الدّقيق ، ولعلّه ما طرق سمعكم قبل ذلك ، فعلم أنّ ذات الحقّ - تعالى - لا توصف “ 3 “ بالدّخول في الوجود المتناهي ؛ إذ كلّ ما دخل في الوجود المتناهي متناه ، والبارئ - جلّ وعلا - هو الوجود الحقيقيّ ، فما هو داخل في هذا الوجود المخلوق؛ لأنّ وجوده -تعالى- عين ماهيّته بخلاف وجود غيره ، وعلى هذا نأخذ المقدورات والمرادات وغيرها “4“. 

فإن قيل : هل وصل أحد من العلماء باللّه - تعالى - إلى معرفة سبب بدء العالم ؟ 
فالجواب : قد قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب الرّابع من “ الفتوحات“ ما نصّه “5 " 
اعلم أنّ أكثر العلماء باللّه - تعالى - ليس عندهم معرفة بسبب بدء العالم إلّا تعلّق العلم القديم “ 6 “ به لا غير ، فيكون - سبحانه وتعالى - علم من العالم ما علم أنّه سيكون “ 7 “ ، وهنا
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ب “ : “ وغاب أنه “ . 
( 2 ) ( غافر ، الآية 15 ) .    ( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تتصف “ . 
( 4 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 9 . 
( 5 ) عنوان هذا الباب “ في سبب بدء العالم ومراتب الأسماء الحسنى من العالم كله “ ، وفي مفتتحه يقول دالا على مضماره ومضمونه :في سبب البدء وأحكامه * وغاية الصنع وإحكامه 
والفرق ما بين رعاة العلى * في نشئه وبين حكامه 
دلائل دلت على صانع * قد قهر الكل بأحكامهانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 153 . 
( 6 ) “ د “ ، “ ب “ : “ القديم “ ليست فيهما ، وهي في الفتوحات ، وعبارة محيي الدين : “ إلا تعلق العلم القديم بإيجاده “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 154 . 
( 7 ) عبارة الفتوحات : “ فكوّن ما علم أنه سيكوّنه “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 154 .

“ 171 “
انتهى علمهم ، وأمّا نحن فقد أطلعنا اللّه - تعالى - على ما فوق ذلك من طريق الوهب الإلهيّ ، وهو أنّ الأسماء الإلهيّة هي المدبّرة في أهل حضراتها من جميع العالم ، وهي المعبّر عنها بالمفاتح “ 1 “ الأول التي لا يعلمها إلّا هو ، ولا أدري أأعطى اللّه - تعالى - ذلك غيري من الأمّة ، أو خصّني به من بينهم ، وكلّ من تحقّق بعلم ذلك علم أنّ الحجّة البالغة للّه - تعالى - عليه ، فإنّ الأسماء ما دبّرت في العالم وجوده، وإنّما دبّرت خروجه من مكنون علم اللّه - تعالى - إلى هذا الوجود المشهود لنا لا غير ، انتهى “2“.
فإن قلت : فإذا حضرة العلم على التّحقيق هي حضرة المعلومات ، وهي نسبة بين العالم والمعلوم ، فالجواب : نعم ، وهو كذلك ، كما ذكره الشّيخ في الباب الثّامن والخمسين وخمسمائة من “ الفتوحات “ “ 3 “ ، فليس للعلم أثر في المعلوم لتأخّره عنه عقلا ، ونظير ذلك المحال ، فإنّ المحال لا أثر لك فيه من حيث علمك به ، فإنّه إذا أعطاك العلم بنفسه أعطاك العلم به أنّه محال ، ومن تحقّق بعلم ما قلناه علم أنّ جميع أعيان الممكنات صدرت عن القول الإلهيّ كشفا وشرعا ، كما صدر عن القدرة الإلهيّة كشفا وشرعا وعقلا “ 4 “ ، وأنّها لم تظهر عن العلم الإلهيّ ، وإنّما ظهر الممكن في عينه ، فتعلّق به عقلا علم الذّات العالمة به ظهورا لا إيجادا ، فلم يتعلّق به معدوما ما عندها أبدا “ 5 “ ، وكذلك من تحقّق بعلم ما ذكرناه فهو العالم بقوله - تعالى - :وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” 6 “، وليس فوق ما ذكرناه من العلم لمن سوانا من هذه الأمّة في اعتقادنا إلّا ما هو جهل ، فتأمّل. 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول : ليس بين علم الحقّ
.................................................................................
( 1 ) الفتوحات : “ المفاتح “ . 
( 2 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 155 . 
( 3 ) عنوان هذا الباب هو “ في معرفة الأسماء الحسنى : حضرة العلم ، وهي للاسم العليم والعالم والعلام “ ، انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 327 ، وعبارته ثم : “ فالعلم متأخر عن المعلوم ؛ لأنه تابع له ، هذا تحقيقه ، فحضرة العلم على التحقيق هي المعلومات “ . 
( 4 ) لم ترد كلمة “ كشفا “ في الفتوحات ، والعبارة : “ وعن القدرة الإلهية عقلا وشرعا “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 327 . 
( 5 ) هنا ينتهي كلام محيي الدين في الفتوحات ، 7 / 327 . 
( 6 ) ( النحل ، الآية 118 ) .

“ 172 “
- تعالى - وبين معلومه بون يعقل أبدا من الزّمان ، فلم يكن بينهما إلّا التّميّز بالرّتبة ، ولا يصحّ أن يكون الخلق في رتبة الحقّ أبدا ، كما لا يصحّ للمعلول أن يكون في رتبة العلّة من حيث ما هو معلول فيها ، إذ العلم الإلهيّ يطلب كون المعلوم بذاته ، ولا بدّ ، ولا يعقل بينهما زمان مقدّر، ولا يلزم، كما لا يلزم مساواة المعلول علّته في سائر المراتب ، وكيف يتصوّر علم بلا معلوم به ، انتهى.
وقد تقدّم الكلام على قوله - تعالى - :وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ” 1 “ ، ولا يصحّ من العالم الخبير - سبحانه وتعالى - أن يستفيد علما من المعلومات ، وجعل اللّه - تعالى - عن ظاهر ما يقتضيه قوله - تعالى -وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَم َمن أنّ معنى الْخَبِيرُ *هو من يحصّل العلم بعد الابتلاء لا قبله ، بل هو - تعالى - العالم بجميع ما يكون من العبيد قبل كونه “ 2 “ ؛ أي ظهوره ، ومن رحمة اللّه - تعالى - التّنزّل لعقول عباده كما يتنزّل لعقولهم في آية الاستواء ، والنّزول إلى سماء الدّنيا ، ونحو ذلك ، مع أنّ ظاهر ذلك كلّه ينافي صفات التّنزيه التي هو - تعالى - عليها. 
فإن قيل : فإذا يجب الإيمان بما أخبر به - تعالى - عن نفسه ، وإن لم يتعقّل ذلك. 
فالجواب : نعم ، يجب الإيمان بذلك ، ومن لم يؤمن به فاته من العلم باللّه - تعالى - حظّ وافر ، وهو على النّصف من مقام المعرفة باللّه تعالى ، فإنّه - تعالى - تعرّف إلينا بصفات التّنزيه وبصفات التّشبيه ، ولا سبيل لنا إلى ردّ “ 3 “ صفات التّشبيه لورودها في الكتاب والسّنّة.
.................................................................................
( 1 ) ( محمد ، الآية 31 ) . 
( 2 ) يناقش محيي الدين هذا المفهوم قائلا : “ وبهذا المقام انفرد الاسم “ الخبير “ ، وهو من أعجب أحكام الأسماء ؛ لأن الخبرة إنما جاءت لاستفادة علم المخبر المختبر ، وهذا في الجناب الإلهي العلم محقق بما يكون من هذا المختبر ( اسم مفعول ) ، فلا يستفيد علما المختبر ( اسم فاعل ) ، فيظهر أنه لا حكم لهذا الاسم ، . . . ، ولو كان كما زعموا لكان نقصا ، وإنما أوقعهم في ذلك قوله - تعالى -حَتَّى نَعْلَمَ، وهو حجة عليهم “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 479 . 
( 3 ) “ ك “ : “ رد “ ساقطة ، والمعنى غير مستقيم .

“ 173 “
وقد سئل الشّيخ محيي الدين “ 1 “ عن قوله - تعالى - :وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ” 2 “ ، وكان السّائل له ابن أبي الصيف اليمنيّ الشّافعيّ “ 3 “ في الحرم الشّريف المكيّ ، فقال له : من علم الشّيء قبل كونه فما علمه من حيث كونه كما علمه قبل كونه ، فإنّ العلم يتغيّر بتغيّر المعلوم ، ولا يتغيّر المعلوم بتغيّر العلم “ 4 “ ، فكيف الحكم ؟ وأطال في ذلك ، ثمّ قال : هذه مسألة حارت فيها العقول ، وما دلّ عليها منقول “ 5 “ ، ولكن ، قد يستفهم العالم تلميذه ليعرّفه مقام علمه وأدبه وإيمانه.
وقال في باب الأسرار من “ الفتوحات “ : من أعجب ما في الابتلاء من الفتن قوله - تعالى - :وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ” 6 “ ، وهو العالم بما يكون قبل أن يكون ، ولكن ، إن منّ اللّه - تعالى - عليك بفهم ذلك فاكتم ، وإن سئلت عنه فقل : لا أعلم ، فإنّ من علوم الحقيقة ما هو أحسن ما يعلم ، وأقبح ما يقال “ 7 “ ، انتهى “ 8 “.
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 2 ) ( محمد ، الآية 31 ) . 
( 3 ) هو محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف المشهور بالعلم والصلاح ، والتصوف والفلاح ، أصله من زبيد ، ثم سكن مكة ، ونشر بها العلم ، له مؤلفات منها “ الميمون “ ، جمع فيه الأخبار الواردة في فضل اليمن وأهله ، وله في الحديث والرقائق وفضائل رجب وشعبان ورمضان ، من كلامه : “ إذا كانت الغايات لا تدرك ، فالقليل منها لا يترك ، وإذا كان الغالب في هذا الزمان ألا تنال درجة المتقدمين ، فلا سبيل إلى النزول إلى درجة الغافلين “ . اختلف في سنة وفاته ، فقيل سنة ( 606 ه ) ، وقيل سنة ( 609 ه ) وغير ذلك . انظر ترجمته : ابن الأثير ، الكامل ، 12 / 300 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 546 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 108 ، والزركلي ، الأعلام ، 6 / 36 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 133 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ ولا يتغير المعلوم إلا بالعلم “ . 
( 5 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 90 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ولنبلونكم “ . 
( 7 ) عبارة محيي الدين : “ ولنبلونكم حتى نعلم “ ، وهو العالم بما يكون منهم ، فأفهم من يعلم ، فإذا علمت فافهم ، وإذا فهمت فاكتم ، وإذا كتمت فالزم ، وتأخر ولا تتقدم ، وإذا قدمت فاحذر أن ترى في الحشر تندم ، وإذا سئلت فقل : لا أعلم ، “ إنك أنت علام الغيوب “ . . . “ . انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 101 . 
( 8 ) “ ك “ : “ انتهى “ ساقطة .


“ 174 “
وقال في موضع آخر في هذا الباب “ 1 “ : لمّا أخبر اللّه - تعالى - “ 2 “ عن نفسه بانتقال العلم إليه من الكون ب “ حتّى نعلم “ ، سكت العارف باللّه - تعالى - وما تكلّم، وتأوّل عالم النّظر لهذا القول حذرا ممّا يتوهّم، ومرض قلب المشكّك وتألّم، وسرّ بذلك العالم باللّه ، ولكنّه يتكّتم ، وقال كقول الظّاهريّ : اللّه أعلم “3“، انتهى.
فعلم أنّه يجب على كلّ مؤمن الإيمان بذلك على علم اللّه فيه “ 4 “ ، وإن عاندت يا أخي في ذلك فتأمّل في قوله - تعالى - :حَتَّى نَعْلَمَ” 5 “ ، وبما حكم الحقّ - تعالى - على نفسه فأحكم “ 6 “ ، وللّه الحجّة البالغة على جميع خلقه حتّى إبليس الذي هو الواسطة في الوسوسة لجميع العصاة بالمعاصي ، فإنّه بلغنا أنّه قال : يا ربّ ، كيف تريد منّي السّجود لآدم ، لم يسبق ذلك “ 7 “ في علمك ، فقال له الحقّ - جلّ وعلا - : متى علمت أنّه لم يسبق في علمي “ 8 “ قبل الإباءة أو بعدها ، فقال : يا ربّ ، بل بعدها ، فقال له الحقّ - جلّ وعلا - : 
وبذلك أخذتك ، فتأمّل يا أخي في هذا المحلّ ، فإنّه يكتب بنور الأحداق ، والحمد للّه ربّ العالمين .
.................................................................................
( 1 ) هو الباب التاسع والخمسون وخمسمائة من الفتوحات ، وعنوانه : “ في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 62 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحق تعالى “ . 
( 3 ) نص عبارة محيي الدين : “ لما انتقل العلم إليه بقوله “ حتى نعلم “ سكت العارف لما سمع ذلك وما تكلم ، وتأول عالم النظر هذا القول حذرا من جاهل يتوهم ، ومرض قلب المشكك وتألم ، وسر به العالم باللّه ، لكنه ما تكلم ، بل تكتم ، وقال مثل ما قاله الظاهري : اللّه أعلم ، فإلهي علم ، والمحدث سلم ، فاحمد اللّه الذي علمك ما لم تكن تعلم “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 69 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 5 ) ( محمد ، الآية 31 ) . 
( 6 ) “ د “ : “ الظاهر به أعلم “ ، وهو لا يستقيم ، والعبارة لمحيي الدين ، وفيها يقول : “ فإن عاندت فافهم قوله - تعالى - : “ ولنبلونكم حتى نعلم “ ، وبما حكم به الحق على نفسه فأحكم ، ولا تنفرد بعقلك دون نقلك ، فإن التقليد في التقييد قيد الخليفة في النظر في عباده حين أهبطه إلى مهاده ، فقيده حين قلده : “ له مقاليد السماوات والأرض “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 70 . 
( 7 ) “ ك “ : “ ذلك “ ساقطة . 
( 8 ) “ ب “ ، “ ز “ : العبارة : “ في علمي السجود “ .
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:32 pm

توهّم لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

30 - [ توهّم أنّ نزول البلاء على أهل محلّة العاصي ليس بعدل ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم ، أو يخطر بباله أنّ نزول البلاء على أهل محلّة العاصي “ 1 “ ليس هو بعدل ، ويقول : كان الأولى نزول البلاء على العاصي وحده ، أو على من رضي بذلك من أهل محلّته دون من كان من أشدّ المنكرين عليه ، كما يقع في ذلك بعض المتجرّئين على اللّه تعالى ، كابن الرّاونديّ ومن تبعه “ 2 “ ، فيورث عند العامّة رائحة اعتراض على اللّه تعالى ، فالجواب أنّ نزول البلاء على أهل محلّة العاصي ، أو أهل بلد ، من جملة رحمة اللّه - تعالى - بالعاصين “ 3 “ ، فإنّ العقوبة لو أنزلها اللّه - تعالى - على العاصي وحده ، لكان فيها هلاك لغالب الأمّة ، فما منهم من أحد إلّا وربّما وقع في معصية بحسب مقامه ، وقال - تعالى - :وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ” 4 “ ، فنرى الحقّ - تعالى - يوزّع ذلك البلاء النّازل بسبب المعصية على الألف من النّاس ، فيخصّ كلّ إنسان جزءا خفيفا بالنّسبة لما دفعه اللّه “ 5 “ عنه ، بل ربّما لا يكاد يحسّ به ، ولذلك قالوا : البلاء عامّ ، والرّحمة خاصّة ، فينزّل “ 6 “ اللّه - تعالى - على المطيع غالب
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ محلة “ ساقطة . 
( 2 ) أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الرّاونديّ ، وقيل : الرّيوندي ، نسبة إلى “ راوند “ من قرى “ أصبهان “ ، فيلسوف مجاهر بالإلحاد ، من سكان بغداد ، صاحب تصانيف في الحط على الملة ، وقد وصم بالزندقة ، يلازم الرافضة والملاحدة ، كان أولا من متكلمي المعتزلة ، ثم تزندق ، فكان لا يستقر على مذهب ، ولا يثبت على حال ، طلبه السلطان فهرب ، ولجأ إلى ابن لاوي اليهودي بالأهواز ، وصنف في مقامه “ الدامغ للقرآن “ ، وقيل إنه صنف لليهود كتاب “ البصيرة “ ردا على الإسلام لأربعمائة درهم ، أخذها من يهود سامراء ، قيل إنه صنف مائة وأربعة عشر مصنفا ، وللعلماء على بعض مصنفاته ردود ، قيل إنه مات مصلوبا ، وهو ابن ثمانين سنة ( 298 ه ) ، وقد اختلف في سنة وفاته . انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 1 / 112 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 9 / 34 ، والعباسي ، معاهد التنصيص ، 1 / 155 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 235 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 55 ، والزركلي ، الأعلام ، 1 / 267 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 3 - 4 / 419 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 322 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ المعاصي “ . 
( 4 ) ( فاطر ، الآية 45 ) . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ فيقول “ ، وهو تصحيف لا يستقيم به المعنى .

“ 176 “
الرّحمة “ 1 “ ، لكونه فاعلا للطّاعة ، ولا ينال جيرانه منها إلّا اليسير ، وينزّل - تعالى - “ 2 “ على العاصي اليسير من العقوبة ، ويوزّع الباقي على أهل محلّته ، أو بلده ، أو إقليمه . 

وسمعت أخي أفضل الدّين - رحمه اللّه تعالى - يقول : لو نزل بلاء المعصية على صاحبها فقط لهلك غالب النّاس ، وتعطّلت حضرات الأسماء الإلهيّة الخاصّة بذلك الفعل ، كالمنتقم ، والمذلّ ، والصّبور ، والحليم ، ونحو ذلك ، فكان توزيع البلاء على العاصي وغيره أكمل ممّا يطلبه بعض المعترضين على أفعال القدرة الإلهيّة التي هي عين الحكمة لا بالحكمة ، وليتأمّل المعترض نفسه إذا وقع في شرب خمر مثلا ، ومسكه الوالي ، وساعده أهل حارته في الغرامة “ 3 “ ، أو قلّة الأذى بطيبة نفس ، كيف يصير يشكر اللّه - تعالى - على مساعدتهم له ، ويقول : الحمد للّه الذي لم يجعل تلك المغارم كلّها عليّ ، انتهى . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول في توزيع النّاس المغارم على بعضهم بعضا بسبب وقوع واحد “ 4 “ منهم في معصية عملا بحديث الطّبراني وغيره مرفوعا : “ من لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم “ “ 5 “ ، فلو نزل البلاء على العاصي وحده ، لربّما هلك ، وفات أهله وجيرانه وأصحابه الأجر الذي جعله اللّه في مقابلة مشاركتهم له في البلاء الذي رغب فيه الشّارع بقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له جميع الجسد بالحمّى والسّهر “ “ 6 “ . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - “ 7 “ يقول : من أطاع اللّه - تعالى – فقد
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ على المطيع الرحمة “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .  ( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ المغارم “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أحد “ . 
( 5 ) الحديث بتمامه : “ من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، ومن لم يصبح ويمس ناصحا للّه ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم “ . أخرجه الطبراني في الأوسط ( 471 ) ، 1 / 147 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الإيمان ( 294 ) ، 1 / 114 . 
( 6 ) أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الأدب ( الباب 549 / 894 ) ، 8 / 328 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب البر ( 66 / 2585 ) ، شرح صحيح مسلم ، 16 / 376 ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 8155 ) ، 2 / 532 . 
( 7 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه “ ليست فيها

“ 177 “
أحسن إلى جميع أهله ، وجيرانه ، وأهل بلده ، وإقليمه “ 1 “ ، بحسب مرتبة تلك الطّاعة ، وكثرة نفعها ، ومن عصى اللّه - تعالى - فقد أساء على جميع أهل بلده ، أو جيرانه ، أو أهله ، بحسب قبح تلك المعصية ، وكثرة ضررها في الوجود ، ومن فهم ما ذكرناه علم أنّ الرّحمة عامّة أيضا كالبلاء على حدّ سواء ، وفي ذلك سرّ خفيّ “ 2 “ ، وهو أنّ الحقّ - تعالى - أطلع الطّائع على كثرة ما نزل عليه من الإمداد ، ولم يطلع العاصي على كثرة ما نزل عليه من البلاء بتوزيعه على النّاس رحمة بكلّ منهما “ 3 “ ، وذلك ليقوى يقين المطيع ، فيزيد في الطّاعات ، وأمّا العاصي ، فلو أطلعه اللّه - تعالى - “ 4 “ على كثرة ما أنزل عليه من البلاء “5“ بسبب معصيته لربّما كان يموّت نفسه من المعاصي جملة ، فكان يبطل حكم القضاء والقدر في حقّه ، فذلك لا يصحّ ، انتهى .
فتأمّل في ذلك ، فإنّه نفيس ، والحمد للّه ربّ العالمين .


.................................................................................

( 1 ) “ د “ : “ أو إقليمه “ . 
( 2 ) “ د “ : “ وذلك سر خفي “ . 
( 3 ) “ ك “ : “ لكل “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 5 ) “ ك “ : “ كثرة ما ترك من البلاء “ ، “ ز “ : “ كثرة ما نزل . . . “ . 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم في معنى من عرف نفسه عرف ربّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:32 pm

توهّم في معنى من عرف نفسه عرف ربّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

31 - [ توهّم في معنى “ من عرف نفسه عرف ربّه “] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من حديث “ من عرف نفسه فقد عرف ربّه “ “ 6 “ أنّ من عرف ذاك يساوي “ 7 “ علمه علم الحقّ - تعالى - بنفسه ، فإنّه ليس فوق معرفته بنفسه مرتبة أخرى في المعرفة تطلب ، والجواب أنّ هذا الفهم خاصّ بمقام بعض العامّة لا الخواصّ “ 8 “ ،
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ أو إقليمه “ . 
( 2 ) “ د “ : “ وذلك سر خفي “ . 
( 3 ) “ ك “ : “ لكل “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 5 ) “ ك “ : “ كثرة ما ترك من البلاء “ ، “ ز “ : “ كثرة ما نزل . . . “ . 
( 6 ) أخرجه السيوطي في الحاوي للفتاوي ، دار السعادة ، 2 / 412 ، والدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ، مكتبة البابي الحلبي ، 152 ، والعجلوني في كشف الخفاء ، مكتبة دار التراث ، 2 / 362 ، والقاري في الأسرار المرفوعة ، مؤسسة الرسالة ، 351 ، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الحديث منسوب إلى علي رضي اللّه عنه ، 4 / 547 ، وقيل إن للسيوطي تأليفا سماه “ القول الأشبه في حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لساوى “ . وهنا ينتهي سقط ظهر في النسخة “ ب “ . 
( 8 ) العبارة في “ أ “ : “ بمقام من عرف نفسه “ ، وهو لا يتساوق مع ما بعده .

“ 178 “
أمّا الخواصّ فيعرفون “ 1 “ أنّ للحقّ - تعالى - بنفسه علما آخر زائدا على معرفة من عرف نفسه لو فرضنا ذلك حتّى ولو كان من “ 2 “ أنبيائه وأصفيائه فضلا عن أوليائه ، وقد قال الإمام أبو بكر الباقلانيّ “ 3 “ : إنّ للّه - تعالى - وصفا أخصّ لا سبيل لأحد من الخلق إلى إدراكه ، قال : وقد أشار إلى هذا المعنى أيضا الشّيخ أبو إسحاق الإسفرايينيّ رحمه اللّه “ 4 “ ، لكن ، نقل الشّيخ سعد الدّين عن أبي محمّد الجوينيّ “ 5 “ أنّه كان يقول “ 6 “ : للعقل مزيّة ، فلا يبعد أنّ اللّه - تعالى - يكرم بعض العقلاء بمزيّة “ 7 “ يدرك بها حقائق الذّات ، قال - تعالى - :
.................................................................................
( 1 )  د “ : “ لأن الخواص   . 
( 2 )  ب “ : قوله : “ من عرف نفسه لو فرضنا ذلك حتى ولو كان من “ ساقط . 
( 3 ) هو أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ، رأس المتكلمين على مذهب الشافعي ، قاض من كبار علماء الكلام ، انتهت إليه رئاسة مذهب الأشاعرة ، ولد في البصرة سنة ( 338 هـ ) ، وسكن بغداد ، فتوفي فيها سنة ( 403 هـ ) ، قيل إن عضد الدول وجهه سفيرا عنه إلى ملك الروم ، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية ، له مصنف مشهور في “ إعجاز القرآن “ ، انظر ترجمته : 
ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 4 / 98 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 12 / 373 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 59 ، والزركلي ، الأعلام ، 6 / 176 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 3 - 4 / 442 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 373 . 
( 4 ) هو الإمام إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران ، المعروف بأبي إسحاق الإسفراييني الشافعي الأصولي ، وقد لقب بركن الدين ، نشأ في إسفرايين ، ثم خرج إلى نيسابور ، كان له أمال في مجالس ، وكان شيخ خراسان في زمانه ، جمع شرائط الإمامة ، والاجتهاد في الفقه والأصول ، توفي بنيسابور يوم عاشوراء ، ثم نقل إلى بلده إسفرايين ، ودفن فيه سنة ( 418 هـ ) . انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 1 / 54 ، والسبكي ، طبقات الشافعية الكبرى ، 3 / 111 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 6 / 96 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 209 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 12 / 26 ، والزركلي ، الأعلام ، 1 / 61 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 1 / 56 . 
( 5 ) هو أبو محمد عبد اللّه بن يوسف بن عبد اللّه الجويني ، والد إمام الحرمين الجويني ، من علماء التفسير واللغة والفقه ، ولد في جوين من نواحي نيسابور ، ثم سكن نيسابور ، وفيها توفي سنة ( 438 هـ ) ، وله مصنفات متنوعة ، منها “ إثبات الاستواء “ ، و “ الوسائل في فروق المسائل “ ، انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 3 / 35 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 10 / 627 ، والسبكي ، الطبقات ، 5 / 73 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 17 / 363 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 261 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 451 ، وأحمد بن محمد ، طبقات المفسرين ، 115 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 146 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 7 - 8 / 26 . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ كان رضي اللّه عنه “ . 
( 7 ) “ ب “ : قوله : “ فلا يبعد أن اللّه تعالى يكرم بعض العقلاء بمزية “ ساقط .

“ 179 “
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً” 1 “ ، ونعني بالمزيّة كمال قوة وإمعان في النّظر ، انتهى .
ولا يخفى ما فيه ، وكان أخي أفضل الدّين - رحمه اللّه تعالى - يقول : قد مات غالب النّاس بحسرة معرفة الرّوح ، وكيفيّة مجيء النّوم للإنسان ، ورواحه عنه ، مع أنّ الرّوح جاهلة أيضا بنفسها “ 2 “ ؛ لأنّها لا تعقل نفسها قطّ مجرّدة ، وكان الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 3 “ يقول كثيرا : اعلم أنّ اللّطيفة الإنسانيّة لا توجد دنيا وأخرى إلّا مدبّرة لمركّب ، ولا يصحّ أن تترك لحظة واحدة لبسيطها “ 4 “ وهي عريّة عن مركّبها من غير علاقة أبدا ، قال : وهذا بخلاف ما يراه بعض المتصوّفة والفلاسفة ممّن لا علم لهم بما الأمر عليه “ 5 “ ، فإنّ النّفس لا يصحّ أن تتّصل بالملأ البسيط الأعلى “ 6 “ ؛ لأنّ تدبيرها لمركّبها وصف “ 7 “ لازم لها ، فلا تتفرّغ لغيره “ 8 “ . 

وقال الشّيخ في باب الأسرار من “ الفتوحات “ “ 9 “ : اعلم أنّ الحقّ - تعالى - لا يعقل قطّ إلّا إلها منزّها غير معقول ، ولا يمكن في العلم به - تعالى - تجريده عن العالم المربوب “ 10 “ ، وإذا لم يعقل مجرّدا عن العالم لم تعقل ذاته ، ولم تشهد قطّ من حيث ما هي ، فأشبه العلم به العلم بالنّفس ، والجامع عدم التّجريد ، فكما لا يتخلّص لك شهود العلاقة التي بين نفسك وبدنها ، كذلك لا يتخلّص لك معرفة العلاقة التي بين اللّه - تعالى - وبين العالم ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : فكلّ من قال بتجريد النّفس عن تدبير هيكل ما “ 11 “ ، فما عنده علم بالنّفس ما هي ؛ لأنّها لا تعقل نفسها قطّ “ 12 “ إلّا في
.................................................................................
( 1 ) ( طه ، الآية 114 ) . 
( 2 ) “ ب “ : العبارة : “ مع أن الروح أيضا جاهلة بنفسها “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لمشاهدة بسيطها “ . 
( 5 ) “ ب “ : قوله : “ ممن لا علم لهم بما الأمر عليه “ ساقط . 
( 6 ) “ ك “،“ ز “ : العبارة : “ لا يصح لها أن تتصل بالملأ أبد الآباد بالمنزه البسيط الأعلى“.
( 7 ) “ ب “ : “ بسط “ . 
( 8 ) انظر عبارة محيي الدين في باب الأسرار من الفتوحات المكية ، 8 / 204 ، وفيها يقول : “ وكل من قال بتجريد النفس عن تدبير هيكل ما فما عنده خبر بماهية النفس “ . 
( 9 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 204 . 
( 10 ) “ ب “ : “ المربوب “ ساقطة ، وفي “ أ “ و “ ب “ والفتوحات المكية : “ العالم المربوب “ . 
( 11 ) “ ب “ : العبارة : “ . . . عن تدبير ما “ . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قط نفسها “ .

“ 180 “
مركّب ، انتهى “ 1 “ .
فإن قال قائل : فما سبب الحيرة في اللّه تعالى ؟ ومعلوم أنّ من لازم صاحب الحيرة الجهل باللّه تعالى ، وقد أمرنا الحقّ - تعالى - بمعرفته وبالخروج من الجهل ؟ 
فالجواب أنّ سبب الحيرة في اللّه - تعالى - طلبنا “ 2 “ معرفة ذاته - تعالى - بأحد هذين الطّريقين : إمّا بالأدلّة العقليّة ، وإمّا بطريق يسمّى المشاهدة ، فأمّا الدّليل العقليّ فهو يمنع من المشاهدة ، وأمّا الدّليل السّمعيّ فقد أومأ إليها وما صرّح ، وقد منع الدّليل العقليّ من إدراك حقيقة ذاته - تعالى - من طريق “ 3 “ الصّفة الثّبوتيّة النّفسيّة التي هو - تعالى - في نفسه عليها ، فلم يدرك العقل بنظره إلّا صفات السّلوب ، وقد سمّى القوم “ 4 “ ذلك معرفة ، وقالوا : كلّما زادت الحيرة في اللّه تعالى ، زاد العبد في العلم به كأنّه يقول : اللّه أجلّ وأعظم أن يحيط به عقل “ 5 “ ، ومن هنا كانت حيرة أهل الشكف أعظم لإدراكهم اختلاف التّجلّيات مع الآيات ، فلا يستقرّ لهم في معرفته - تعالى - قدم “ 6 “ . 
وقال في “ لواقح الأنوار “ : ليس عند الفلاسفة ولا أصحاب الأفكار علم بنفوسهم فضلا عن غيرها من حقائقهم ، فإنّهم سلكوا بالفكر ، فما برحوا من الكون ، فما عندهم جزم غيرهم “ 7 “ ، وتعالى اللّه تعالى عمّا يتخيّلونه في نفوسهم ، ويولّدونه بعقولهم ، فإنّ اللّه - تعالى - قد أخبر بأنّه لم يلد ولم يولد ، فشمل ولادة البراهين والأدلّة والأفكار وما بحثوه “ 8 “ بأفكارهم ، وإذا كان الدّليل لا يعرف إلّا بالدّليل ، فما إلى معرفته - تعالى - سبيل ، فإنّ من علمت به معلوما وجهلته فما علمته ؛ لأنّك ما علمته به “ 9 “ ، وقد قالوا : لكلّ عقل عقل
.................................................................................
( 1 ) أي انتهى كلام محيي الدين في باب الأسرار ، 8 / 204 . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ طلب “ ، وهي في عبارة محيي الدين كما هي المتن . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 408 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ من طريق صفاته من طريق الصفة الثبوتية “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنهم “ . 
( 5 ) “ د “ : “ أن يحيط بعظمته عقل “ ، “ ك “ : “ به عقلي “ ، “ ز “ : “ أن يحيط بعظمته عقلي “ . 
( 6 ) الكلام مقتبس بتصرف من عبارة محيي الدين في الباب الخمسين من الفتوحات ، وعنوانه : “ في معرفة رجال الحيرة والعجز “ ، انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 408 . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ فما عندهم غيرهم “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ نحتوه “ . 
( 9 ) وردت عبارة محيي الدين هذه في الفتوحات المكية في باب الأسرار ، 8 / 99 .
 
“ 181 “

مثله “ 1 “ ، وليس للحقّ - تعالى - حقّ مثله ، فمن عرفه - تعالى - بعقله وفكره فما عرفه .
وقالوا : من كمال المعرفة باللّه - تعالى - معرفته من طريق التّنزيه ومن طريق “ 2 “ صفات التّشبيه معا ، ومن عرفه بأحدهما فهو على النّصف من المعرفة ، فإنّ التّنزيه ميل ، والتّشبيه ميل ، والاعتدال هو ما بين هذين “ 3 “ ، وذلك لا يوجد في العين ، وقالوا : إيّاك أن تدّعي معرفة خالقك ، فإنّك في المرتبة الثّانية “ 4 “ من الوجود . 
وقال الشّيخ في الباب العشرين وثلاثمائة من “ الفتوحات “ “ 5 “ : من “ 6 “ خاض في معرفة الذّات فهو عاص للّه ولرسوله ، وما أمر اللّه “ 7 “ بذلك أحدا لا النّافي ولا المثبت ، بل لو سئل من يطلب معرفة كنه الذّات عن تحقيق معرفة ذات واحدة من العالم ما عرف ذلك ، ولو قيل له : كيف تدبّر نفسك بدنك ؟ وهل “ 8 “ هي داخلة فيه أو خارجة عنه “ 9 “ ، أو لا داخلة ولا خارجة “ 10 “ ؟ وهل “ 11 “ الزّائد الذي يتحرّك به هذا الجسم الحيوانيّ ، ويسمع ويبصر ويتخيّل ويفكّر “ 12 “ لماذا يرجع ؟ هل لواحد أو كثيرين ؟ وهل ذلك يرجع إلى جوهر ، أو عرض “ 13 “ ، ويطالبه بالأدلّة العقليّة على ذلك فضلا عن الشّرعيّة ، لما عرف لذلك دليلا عقليّا أبدا ، ولا عرف بالعقل أنّ للأرواح بقاء ووجودا بعد الموت أبدا . 
وقال في باب الأسرار : اعلم أنّ العبادة للّه لا تصحّ إلّا بعد نوع من المعرفة به ،
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ لكل عقل مثله “ . 
( 2 ) “ د “ : “ وعن طريق “ . 
( 3 ) القول لمحيي الدين في باب الأسرار من الفتوحات المكية ، 8 / 94 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ في المرتبة من الوجود “ . 
( 5 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل تسبيح القبضتين وتمييزهما “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 109 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ جميع من خاض . . . “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الواو “ ساقطة . 
( 9 ) “ ب “ : “ عنه “ ساقطة . 
( 10 ) “ ب “ : “ أو ليست داخلة ولا خارجة “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أو لا خارجة عنه ، أو لا داخلة “ . 
( 11 ) “ ك “ : “ وهل “ . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ ويتفكر “ . 
( 13 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ جوهر أو عرض أو جسم “ .

“ 182 “
فلا بدّ من تعلّق العبد بما هو مشهود ، وبما هو كالمشهود كما أشار إليه : “ اعبد اللّه كأنّك تراه “ “ 1 “ ، فلا سبيل إلى العبادة مع الغيب المحض أبدا ، ولو يؤاخذ اللّه - تعالى - “ 2 “ أصحاب التّقييد للحقّ - تعالى - بعقولهم لأهلكهم ، فإنّ كلّ صاحب عقل قد قيّد ربّه ، وحصره في كذا دون كذا ، ولا ينبغي للّه - تعالى - إلّا الإطلاق ، ولولا ذلك لكان بعض العبيد يعبد عدما من حيث إنّه - تعالى - إذا وجد عند عبد يكون مفقودا عند العبد الآخر ، ولكن ، من رحمة اللّه - تعالى - أنّه عفا عن الجميع حيث بذلوا وسعهم في فهم آيات الصّفات ، وأخبارها ، وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتاب “ اليواقيت والجواهر “ ، فراجعه “ 3 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .


32 - [ توهّم أنّ التّسبيح تنزيه عن النّقائص ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ في التّسبيح تنزيها للحقّ - تعالى - عن النّقائص ، ومعلوم “ 4 “ أنّه لا يصحّ تنزيه إلّا مع تعقّل لحوق صفات النّقص له تعالى ؛ وذلك محال ، والجواب أنّه لا يلزم من التّسبيح تعقّل “ 5 “ صفات النّقص له تعالى “ 6 “ ، ومن هنا قالوا : يجب على كلّ مسبّح ألّا يسبّح اللّه - تعالى - إلّا امتثالا لأمره لا غير ، ومن يتوهّم أنّ صفات الحدث تلحقه - تعالى - بوجه من الوجوه ، ثمّ صار ينزّهه عنها ، فهو جاهل بما يجب للّه - تعالى - من صفات الكمال .
.................................................................................
( 1 ) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 2 / 107 ، ونصه : “ أن تخشى اللّه كأنك تراه “ ، والبخاري في الصحيح في كتاب الإيمان ( الباب 38 / 49 ) ، 1 / 89 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الإيمان ( 1 / 8 ) ، شرح صحيح مسلم ، 15 / 259 ، وابن ماجة في السنن ، المقدمة ، باب الإيمان ، الحديث ( 63 / 8 ) ، 1 / 49 ، وأبو داود في السنن ، كتاب السنة ( الباب 179 / 4695 ) ، 5 / 48 ، والترمذي في السنن ، كتاب الإيمان ، ( 2619 ) ، 4 / 275 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 1 / 623 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ يؤاخذ تعالى “ . 
( 3 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، مبحث “ وجوب اعتقاد أنه تعالى لم يزل موصوفا بمعاني أسمائه وصفاته وبيان ما يقتضي التنزيه والعلمية وما لا يقتضيهما “ ، 2 / 136 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ معلوم “ ليست فيهما . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعقل لحوق صفات “ . 
( 6 ) “ د “ : “ له تعالى “ ليست فيها .
 
“ 183 “

ومن هنا قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 1 “ في باب الأسرار : التّسبيح تجريح ؛ أي لأنّ من لا يلحقه نقص لا ينزّه ، وأمّا تسبيح العلماء باللّه - تعالى - من “ 2 “ الأنبياء وأكمال “ 3 “ أتباعهم فهو حكاية عن قول اللّه - تعالى - “ 4 “ عن نفسه لا غير ، فيقولون ذلك على سبيل التّلاوة ، وأطال في ذلك “ 5 “ ، ثمّ قال : فعلم أنّ التّنزيه أو التّقديس الذي أمر به العبد أن يعلمه أو يقوله ليس هو التّنزيه أو التّقديس “ 6 “ الذي ينزّه الحقّ - تعالى - به نفسه ، أو يقدّسه ؛ وذلك لأنّ تنزيه الآمر مركّب ، والمأمور بذلك مخلوق ، ولا يصدر عن المخلوق إلّا مخلوق ، لكن لمّا تعبّد الحقّ - تعالى - عباده بالتّنزيه ، والتّقديس ، أقرّوه في موضعه وقالوه كما أمرهم على جهة القربة إليه مع اعتقادهم الجازم أنّه ليس كمثله شيء . 

فإن قال قائل : فما الفرق بين التّقديس والتّنزيه ؟ 
فالجواب أنّ التّقديس “ 7 “ هو الذي يكون مع شهود “8“ صفات الكمال والجمال ، ولا يكون فيه استشعار لحوق نقص بالجناب الإلهيّ بخلاف تنزيه العوامّ “9“، وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “10“ يقول : تنزيه الأكابر للّه - تعالى - لا يكون مع استشعار نقص، فهو كالتّقديس على حدّ سواء، انتهى “11“. 
وسمعته يقول مرّة أخرى : اعلم أنّ تقديس العباد لربّهم أكمل من تنزيههم له تعالى ؛ لأنّ التّنزيه الواقع من العوامّ لا يكون إلّا مع استشعار لحوق نقص كونيّ للحقّ ، وذلك محال ، فلأجل هذا الخاطر الذي هو كلمحة بارق شرع التّنزيه ، وإن كان غير
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 2 ) “ د “ : “ مثل “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : و “ كمّل “ . 
( 4 ) “ ك “ : “ الحق تعالى “ . 
( 5 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 190 . 
( 6 ) “ ب “ : قوله : “ الذي أمر به العبد أن يعلمه أو يقوله ليس هو التنزيه أو التقديس “ ساقط . 
( 7 ) “ د “ : “ أن تقديس العباد لربهم . . . “ . 
( 8 ) “ د “ : “ شهود “ ساقطة . 
( 9 ) “ د “ : أضاف : “ فهو كالتنزيه “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 11 ) قول علي المرصفي في هذه الفقرة ساقط من “ أ “ .

“ 184 “
مستقرّ “ 1 “ في القلوب ، انتهى “ 2 “ .
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ “ 3 “ - رحمه اللّه - “ 4 “ يقول : إنّما شرع لنا التّكبير أوّل الصّلاة وحيث وقع دفعا “ 5 “ لما يتوهّمه العبد ، ويخطر في باله من أنّ الحقّ - تعالى - هو ما تخيّله العبد في قلبه ، فكأنّ العبد يقول بلسان قلبه : اللّه أكبر عن كلّ ما يخطر ببالي من الصّور والمعارف ، وإنّه يجلّ عن كونه في جهة العلوّ دون السّفل “ 6 “ ، قالوا : وإنّما شرع الحقّ - تعالى - التّوجّه إلى الكعبة في الصّلاة رحمة بعباده ؛ ليجمع همّهم عليه لئلّا تتفرّق قلوبهم ، وإلّا فسائر الجهات في حقّه - تعالى - واحدة . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه تعالى - “ 7 “ يقول : الخاصّ بالتّوجّه إلى الكعبة إنّما هو الجسم فقط ، وأمّا القلب فهو متوجّه إلى اللّه تعالى ، فمقيّد لمقيّد ، ومطلق لمطلق ، قال : ولا يخفى أنّ من وقف في صلاته ، وأخلى باطنه عن وجه الحقّ تعالى ، وجعل الحقّ - تعالى - “ 8 “ في وهمه كالدّائرة المحيطة به ، فهو جاهل “ 9 “ باللّه - عزّ وجلّ - لتحيّز الحقّ - تعالى - في وهمه ، فاعلم ذلك ، ونزّه الحقّ - تعالى - مع شهود الكمال كما تقدّسه على حدّ سواء ، والحمد للّه ربّ العالمين .

33 - [ توهّم أنّ الحقّ يوجب على نفسه ما لا يصحّ له الرّجوع عنه ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ الحقّ - تعالى - إذا أوجب على نفسه شيئا لا يصحّ له الرّجوع عنه “ 10 “ ، والجواب أنّ للحقّ - تعالى - من حيث ما أخبر به عن نفسه لا من حيث ذاته حضرتين : حضرة تقييد ، وحضرة إطلاق “ 11 “ ، وكلاهما يجب الإيمان بهما ،
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ مستغرق القلوب “ . 
( 2 ) أي انتهى كلام محيي الدين . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الخواص “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رفعا “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ دون السفل “ ساقط ، “ ز “ : العبارة : “ وأنه يجل عن كونه في جهة “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 9 ) “ د “ : “ جاهل “ ساقطة . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الرجوع فيه “ . 
( 11 ) “ د “ : قوله : “ حضرتين ، حضرة تقييد ، وحضرة إطلاق “ ساقط .

“ 185 “
ويحتاج صاحب هذا الإيمان إلى عينين : عين ينظر بها إلى ما قيّده الحقّ - تعالى - فيقيّده ، وعين ينظر بها إلى ما أطلقه فيطلقه “ 1 “ ، قال - تعالى - :يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ *” 2 “ ، فهذا من حضرة الإطلاق ، وقال - تعالى - :إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ” 3 “ ، فهذا من حضرة التّقييد ، ومن التّقييد قوله - تعالى - أيضا :كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ” 4 “ ، وقوله “ 5 “ :وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” 6 “ . 

وقد أجمع العارفون باللّه - تعالى - على أنّه - تعالى - إذا أوجب على نفسه شيئا لا يدخل تحت حدّ الواجب على عباده فيه ؛ لأنّه يفعل ما يريد بخلاف العبد ، فإنّه تحت التّحجير “ 7 “ والتّكليف ، فيأثم إذا ترك ما أوجبه على نفسه كالنّذر مع القدرة عليه عقوبة له ؛ حيث زاحم الشّارع - صلّى اللّه عليه وسلّم - “ 8 “ في التّشريع ، وأوجب على نفسه شيئا لم يوجبه اللّه عليه . 
وقال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب الثّالث والثّلاثين “ 9 “ من “ الفتوحات “ في قوله - تعالى - :وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” 10 “ : إن قال قائل : إنّ الحقّ - تعالى – لا
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ ما أطلقه الحق تعالى فيطلقه “ . 
( 2 ) ( المائدة ، الآية 18 ، الفتح ، الآية 14 ) . 
( 3 ) (النساء ، الآية 48 ) . 
( 4 ) ( الأنعام ، الآية 12 ) . “ ب “ : “ كتب ربكم “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 6 ) ( الروم ، الآية 47 ) . 
( 7 ) “ ب “ : “ التخيير “ ، وأحسبه تصحيفا يصححه ما ورد في النسخ الأخرى والفتوحات وما سيرد بعده . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ صلى اللّه عليه وسلم “ ساقطة . 
( 9 ) عنوان هذا الباب هو “ في معرفة أقطاب النيات وأسرارهم وكيفية أصولهم ، ويقال لهم النياتيون “ . 
انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 316 ، وقد افتتحه بقوله :
الروح للجسم والنيات للعمل * تحيا بها كحياة الأرض بالمطر 
فتبصر الزهر والأشجار بارزة * وكل ما تخرج الأشجار من ثمر 
كذاك تخرج من أعمالنا صور * لها روائح من نتن ومن عطر 
انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 316 .  
( 10 ) ( الروم ، الآية 47 ) .


“ 186 “
يجب عليه شيء ، فكيف قال :وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” 1 “ ؟ فالجواب أنّ المراد بالوجوب هنا ما وجب من حيث النّسبة ، وذلك أنّ العلم الإلهيّ إذا تعلّق أزلا بما فيه سعادتنا كان ذلك الوجوب على النّسبة من هذا الوجه؛ أي لا بدّ من وجوب “2“ تلك الطّريق الموصلة إلى ذلك الأمر “3“ الذي تعلّق به العلم الإلهيّ “4“. 

وأجمع أهل الحقّ كلّهم على أنّ الحقّ - تعالى - له الرّجوع عمّا أوجبه على نفسه ؛ لأنّه - تعالى - لو حجر على نفسه لا يتحجّر ، فإذا وفّى - تعالى - بما كتبه على نفسه “ 5 “ فهو فضل منه ، ومكارم أخلاق “ 6 “ ، وإن لم يوفّ فلا اعتراض عليه . 
فإن قال قائل : هذا إذا كان الوفاء منه بما وعد من الخير ، فإن كان بما توعّد به “ 7 “ العصاة في “ 8 “ الشرّ ، فما حكمه ؟ 
فالجواب أنّه ما ثمّ شيء صادر عن الحقّ - تعالى - “ 9 “ إلّا وهو خير ، ولكنّ الخير على قسمين : خير محض ، وهو الذي تحبّه النّفس “ 10 “ ولا تكرهه ، وخير ممتزج “ 11 “ ، وهو الذي فيه ضرب من الشّرّ كشرب الدّواء الكريه ، فصاحب هذا الخير كالمعذّب المرحوم يجد عذابه رحمة من اللّه “ 12 “ وتأديبا له ، هذا حكم عصاة الموحّدين . أمّا من حقّت عليه كلمة العذاب من الأشقياء فذلك في شرّ محض لا خير فيه بوجه من الوجوه
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وكان حقا “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ وجود “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ إلى ذلك الذي “ . 
( 4 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 318 ، وقد نقل الشعراني عبارة محيي الدين متصرفا بها ، وفيها يقول : “ ولا نوجب على اللّه إلا ما أوجبه على نفسه ، وقد أوجب التعريف على نفسه بقوله - تعالى - :وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ، مثل قوله :وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ، وعلى الحقيقة إنما وجب ذلك على النسبة لا على نفسه . . . “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 318 . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ لأنه تعالى ولو حجر على نفسه لا يتحجر ، فإذا وفى تعالى بما كتبه على نفسه “ ساقط . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ ومكارم أخلاق “ ساقط . 
( 7 ) “ د “ ، “ ز “ : “ فيه “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ من “ . 
( 9 ) “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ النفوس “ . 
( 11 ) “ د “ : “ ممزوج “ . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .

“ 187 “
الشّرعيّة إلّا من حيث الحكمة الإلهيّة ، فافهم ، وإياك والغلط .


34 - [ تخصيص قول الحقّ “ ورحمتي وسعت كلّ شيء “ ] 

وممّا وقع أنّ إبليس “ 1 “ اجتمع بسهل بن عبد اللّه التّستريّ “ 2 “ ، وجادله في قوله - تعالى - :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” 3 “ ، فقال إبليس “ 4 “ : هل أنا شيء ؟ فقال : نعم ، فقال : فبأيّ دليل تقولون إنّ رحمته - تعالى - “ 5 “ لا تنالني ، فقال سهل : فغصصت بريقي ، وصرت أردّد الآية زمانا ، فرأيت الحقّ - تعالى - عقبها بقوله - تعالى - “ 6 “ :فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ” 7 “ ، إلى آخر النّسق ، فقلت له : خذ جوابك ،
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لعنه اللّه “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . وهو أبو محمد سهل بن عبد اللّه بن يونس التّستري ، ولد في مدينة “ تستر “ سنة مائتين ، وقيل إحدى ومائتين ، أحد أئمة التصوف وعلمائهم ، ومن المتكلمين في علوم السلوك والإخلاص وعيوب الأفعال ، كما يقول الشعراني في لواقح الأنوار ، له كتاب في تفسير القرآن ، وهو مطبوع معروف بتفسير التستري ، وله رقائق المحبين ، ورسالة في الحروف ، ورسالة في الحكم والتصوف ، وقد قيل إن كثيرا من المصنفات قد نسبت إليه ، وقد وصفه المناوي في طبقات الصوفية بأنه الشيخ الأمين الناصح المكين ، الناطق بالعقل الرصين ، من أعاظم الشيوخ المشهورين ، زين طريق الصوفية بقلائد فوائده وعقوده ، وكان أوحد زمانه في علوم الرياضيات ، قام عليه بعض الحسدة ، ونسبوه إلى عظائم وقبائح حتى أخرجوه من بلده إلى البصرة فمات فيها . 
ومن كلامه : الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا ، فإذا انتبهوا ندموا ، وإذا ندموا لم ينفعهم الندم ، وكذلك : الجاهل ميت ، والناسي نائم ، والعاصي سكران ، والمصرّ هالك ، وكذلك : من علم أن اللّه قريب فقد بعد عنه كل ما سواه . توفي سنة ( 283 ه ) . انظر : ترجمته : الأصفهاني ، حلية الأولياء ، 10 / 190 ، والقشيري ، الرسالة القشيرية ، وابن الأثير ، الكامل ، 7 / 483 ، وابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2 / 357 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 11 / 79 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 16 / 11 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 8 / 515 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 1 / 175 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 1 / 633 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 182 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 412 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 105 ، والزركلي ، الأعلام ، 3 / 143 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 3 - 4 / 401 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 1 / 802 . 
( 3 ) ( الأعراف ، الآية 156 ) . 
( 4 ) “ ك “ : “ لعنه اللّه “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 7 ) ( الأعراف ، الآية 156 ) .

“ 188 “
فقال له : “ 1 “ : قد عرفت ما عزمت على قوله ، فإنّ الحقّ - تعالى - “ 2 “ لو كتب على نفسه شيئا فله الرّجوع ، والتّقييد من صفتك لا صفته ، قال سهل : فغصصت بريقي ولم أردّ له جوابا ، ثمّ قال لي : يا سهل، واللّه ما كنت أظنّ بك هذا الجهل العظيم باللّه، ليتك سكتّ، ليتك سكتّ، ليتك سكتّ، انتهى كلام سهل “3“. 

لو “ 4 “ كنت مكان سهل لقلت له : “ ورحمتي وسعت كلّ شيء “ مخصوصة بمن كان مؤمنا كما يشهد له قواعد الشّريعة ، فلا يصحّ أن تناله رحمة اللّه “ 5 “ أبدا بإجماع من السّلف والخلف ؛ إذ التّقييد ولو كان صفتي دونه وهو مطلق ، فنؤمن بأنّ الإطلاق صفته ، لكن لا يفعل ما يخالف ما أخبر بسبق العلم به ، لأنّ تغيير ما سبق به العلم محال ، وحينئذ تنقطع الحجّة به بعلم استحالة ذلك “ 6 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .

35 - [ توهّم القول بأنّ الحقّ غنيّ عن إيجاد الخلق لا وجودهم ] 

وممّا أجبت به من يقول إنّ الحقّ - تعالى - غنيّ عن إيجاد الخلق لا عن وجودهم ، وقد أشكل ذلك على بعض العلماء ، فالجواب أنّ اللّه - تعالى - غنيّ عن العالمين مطلقا ، وجودا وإيجادا ، هذا اعتقادنا حتّى نلقاه ، ويؤيّد ما ذكرناه قول الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 7 “ في الباب الحادي والسّتّين وثلاثمائة من “ الفتوحات “ “ 8 “ : إنّ اللّه - تعالى - غنيّ عن ثبوت العالم “ 9 “ ، كما أنّه غنيّ عن إيجاده “ 10 “ ، لكن لمّا أظهر اللّه الأسباب ، ورتّب بعضها على
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ له “ ساقطة . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 3 ) أورد هذه المحاجة أيضا محيي الدين في الفتوحات المكية ، في الباب الثاني والتسعين ومائتين ، 4 / 436 ، وكذلك عرج عليها محيي الدين في شرح ترجمان الأشواق ، 110 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ولو “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ ، وقوله : “ أبدا “ ساقط من “ ك “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ استحالته “ ، “ ز “ : العبارة : “ فتنقطع الحجة لأنه يعلم استحالته “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 8 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة الاشتراك مع الحق في التقدير “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 3 . 
( 9 ) “ ك “ : “ وجوده “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وجود العالم “ . 
( 10 ) “ د “ : “ وجود العالم “ .

“ 189 “
بعض زاغ “ 1 “ نظر بعض النّاس ، فقال إنّ اللّه - تعالى - غنيّ عن وجود “ 2 “ العالم ، لا عن ثبوته في علمه ، وهذه من أكبر زلّات تقع للعلماء “ 3 “ ، فإنّ كون العالم ثابتا في العلم الإلهيّ مع غناه عنه ، وعن إيجاده ، لا يصحّ وصف الحقّ - تعالى - بالافتقار إليه ، وإذا تعارض عند المحقّق آيتان أو حديثان أحدهما يعطي التّنزيه ، والثّاني يعطي التّشبيه، فمن الواجب عليه الأخذ بما يوجب التّنزيه، وإن تعارض ذلك عند بعض النّاس، فذلك راجع إلى الحقّ - تعالى - لا إلى العبد. 

قلت : وإيضاح ذلك أنّ العالم لمّا كان ثابتا في العلم وقع به الاكتفاء والاستغناء عن إيجاده وعن وجوده ، فإنّه وفّى الألوهيّة حقّها بإمكانه ، ولولا أنّ الممكنات طلبت من اللّه - تعالى - بلسان الافتقار أن يذيقها طعم الوجود ، كما ذاقت طعم العدم ، ما أظهرها ، فإنّها سئلت بلسان ثبوتها في علم واجب الوجود أنّه - تعالى - يخرجها من العدم ، ويوجد أعيانها ليكون العلم لها ذوقا ، فأوجدها لها لا له سبحانه وتعالى ؛ إذ هو الغنيّ عن وجودها ، وعن كون وجودها دليلا عليه ، أو علامة على ثبوته ، بل الذي نقول به : إنّ وجودها كعدمها بالنّسبة للدّلالة عليه تعالى ، فإنّ كلّ شيء رحمه الحقّ - تعالى - من عدم أو وجود حصل به المقصود من العلم بكمال اللّه - تعالى - “ 4 “ وجلاله ، فلهذا قلنا إنّ غناه - تعالى - عن العالم هو عين غناه عن وجود العالم . 
قال سيّدي عليّ المرصفيّ : وهذه مسألة غريبة ذكرها الشّيخ في “ الفتوحات “ ، قال : ووجه غرابتها أنّ فيها اتّصاف الممكن بالعدم في الأزل ، وكون الأزل لا يقبل التّرجيح ، وكيف قبله الممكن مع أزليّته ؛ وذلك أنّه من حيث ما هو ممكن لنفسه ، استوى في حقّه القبول للحكمين ، فما يعرض “ 5 “ له حال عدم إلّا ويعرض له حال وجودها “ 6 “ ، فما كان له الحكم فيه حال الفرضين فهو مرجّح ، فالتّرجيح ينسحب على الممكن أزلا في
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ز “ : “ ز ل “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ إيجاد العالم “ . 
( 3 ) “ د “ : “ للعلماء “ ساقطة . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 5 ) “ ك “ : “ يفرض “ ، وهو تصحيف من الناسخ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وجود “ .

“ 190 “
حال عدمه ، وأنّه منعوت لعدم المرجّح ، ومعلوم أنّ التّرجيح من المرجّح الذي هو اسم فاعل لا يكون إلّا مع القصد لذلك ، والقصد حركة معنويّة يظهر حكمها في كلّ قاصد بحسب ما تعطيه حقيقته ، فإن كان محسوسا شغل حيّزا، وفرّغ حيّزا آخر، وإن كان معقولا أزال معنى ، وأثبت معنى ، ونقل من حال إلى حال ، انتهى. 

فعلم من جميع ما خرّجناه “ 1 “ من كلام بعضهم أنّه لا يقال إنّ الحقّ - تعالى - غنيّ عن تضمين علمه القديم بالمعلوم ؛ إذ هو معلوم علمه تعالى ، فهو ملحق بصفاته تعالى ، فكما لا يقال : إنّ اللّه غنيّ عن علمه ، كذلك لا يقال : إن اللّه - تعالى - غنيّ عن معلومه “ 2 “ على حدّ سواء لعدم “ 3 “ التّضمّن ، واعتقادنا مع ما قدّرناه “ 4 “ أنّه موصوف بالغنى عن العالم ، وإن كان معلوم علمه ، فافهم ، فإنّه أسلم ، وأمّا غناه عن إيجاد العلم فهو محلّ وفاق “ 5 “. 
وقد قال في الباب الثّامن والخمسين وخمسمائة “ 6 “ من “ الفتوحات “ في الكلام على اسمه - تعالى - “ البارئ “ “ 7 “ : اعلم أنّ اللّه - تعالى - غنيّ عن العالمين ، ولكن لا بدّ من تخيّل وجود العالمين ليظهر غنى الحقّ - تعالى - في الوجود ، كما يقال في صاحب المال إنّه غنيّ عن حاله بماله ، أي المال هو الموجب له صفة الغنى عنه ، أي فلا بدّ من وجود العالمين في الذّهن لتعقّل صورة الغنى عنهم ، وأطال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 8 “ في بيان هذه المسألة ، ثمّ قال : وهذه مسألة دقيقة لطيفة الكشف ، وهي نظير كوننا سببا للثّناء على اللّه - تعالى - من حيث وجودنا ، وأنّه لا بدّ منّا ليظهر لعباده تنزيهه عن صفاتنا ، فما تنزّه عن صفاتنا إلّا بنا ، وما وقع الثناء عليه إلّا بنا ، فهو غنيّ عنّا بنا في الدّائرة العقليّة دون الكشفيّة ، فإنّ كونه غنيّا إنّما هو بغناه “ 9 “ عنّا ، ولا بدّ من ثبوت هذا الغنى له نعتا حتّى يصحّ لنا تصوّر غناه
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قررناه “ . 
( 2 ) “ ك “ : العبارة : “ غني عن تضمن علمه لمعلومه “ . 
( 3 ) “ ك “ : “ لقدم “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ خرجناه “ . 
( 5 ) قوله : “ وإن كان معلوم علمه فافهم . . . “ ساقط من “ ب “ . 
( 6 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة الأسماء الحسنى التي لرب العزة وما يجوز أن يطلق عليه منها لفظا وما لا يجوز “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 288 . 
( 7 ) “ د “ : “ اسمه الباري “ . 
( 8 ) “ د “ : “ وأطال محيي الدين “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لغناه “ .

“ 191 “
عنّا “ 1 “ ؛ لأنّنا لا نتعقّل غناه إلّا بنا “ 2 “ ، ومن هنا قال سهل بن عبد اللّه “ 3 “ : إنّ للرّبوبيّة سرّا لو ظهر لبطل ظهور حكم الرّبوبيّة ، انتهى . وهو يؤيّد ما نقلناه عن بعضهم ، وأمّا على ما قرّرناه من البرهان فاللّه - تعالى - غنيّ على الإطلاق ، والعالم هو الفقير إلى اللّه - تعالى - في وجوده لا ينفكّ عنه الافتقار إليه طرفة عين . 

فإن قال قائل : فهل يوصف من أعطاه اللّه - تعالى - حرف “ كن “ بالافتقار إلى اللّه تعالى ، أم يخرج عن صفة الفقر ؟ 
فالجواب أنّه لا يصحّ خروجه قطّ لصفة الغنى ؛ وذلك لأنّ اللّه - تعالى - هو الذي تفضّل عليه بحرف “ كن “ ، وليس له من ذاته قوّة على تكوين شيء ، وأيضا فإنّه من أعطاه اللّه - تعالى - حرف “ كن “ لا يقول لشيء “ كن “ حتّى يشتهيه ، فما طلب إلّا ما ليس عنده ليكون عنده ، وليس الأمر كذلك في حقّ اللّه تعالى ، فإنّه ما أمر بالتّكوين إلّا ما هو ثابت في علمه ليسبغ عليه نعمه إذا أوجده باستدعاء ذلك المعلوم من ربّه أن يوجده ، وأن “ 4 “ يخرجه من العدم ، وهذا معنى قول بعضهم إنّ اللّه - تعالى - أوجدنا لنا لا له ، فضلا منه إلينا ؛ لأنّنا ما برحنا في علمه حال وجودنا وحال عدمنا . 
فإن قال قائل : فهل الأولى أن يقال : فلان غنيّ باللّه ، أو غنيّ بما منّ اللّه ؟ 
فالجواب أنّ الأولى أن يقال : فلان مستغن بما منّ اللّه لا باللّه ؛ لأنّ الغنى بعين الحقّ - تعالى - لا يصحّ ، فلو قال العبد : يا ربّ ، أنا جوعان ، أمره بأكل الرّغيف ، أو عطشان ، أمره بشرب الماء ، وما وضع اللّه - تعالى - الأسباب سدى “ 5 “ ، فما أغنى من شاء
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : قوله : “ولا بد من ثبوت هذا الغنى له نعتا حتى يصح لنا تصور غناه عنا “ ساقط، وهو مثبت في “ أ “ و “ ك “ و “ ب “ و “ ز “ والفتوحات. 
( 2 ) هنا تنتهي عبارة محيي الدين في الفتوحات ، ومنها : “ وهي مسألة دقيقة لطيفة الكشف ، فإن الشيء لا يفتقر إلى نفسه ، فهو غني بنفسه عن نفسه لكونه عند نفسه ، . . . ، وأما تنزيهه عما يجوز علينا ، فما وقع الثناء عليه إلا بنا ، فهو غني عنا بنا ، لأن كونه غنيا إنما هو غناه عنا ، فلا بد من ثبوت هذا الغنى له نعتا “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 312 . 
( 3 ) هو التستري ، وقد تقدمت ترجمته قبلا . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أن “ ساقطة . 
( 5 ) الكلام لمحيي الدين في الفتوحات المكية ، 3 / 313 .
  
 “ 192 “
من عباده حقيقة إلّا بالكون ، ولا يصحّ لأحد أن يكون “ 1 “ غنيّا عن جميع المخلوقين عامّة ، إنّما يصحّ الاستغناء عن مخلوق ما بغيره فقط ، فقول بعضهم : “ فلان قد استغنى باللّه واستراح “ جهل بحقيقة الأمر ؛ إذ الحقّ - تعالى - من حيث ذاته لا يصحّ الاستغناء به ، كما بسط الشّيخ الكلام عليه في الباب الخامس والعشرين ومائة “ 2 “ ، فاعلم ذلك وتأمّله ، فإنّه نفيس ، ونزّه الحقّ - تعالى - “ 3 “ عن كلّ ما نزّه عنه نفسه ، والحمد للّه ربّ العالمين .

* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم في معنى من عرف نفسه عرف ربّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:34 pm

توهّم في معنى من عرف نفسه عرف ربّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

36 - [ توهّم حلول الحقّ واتّحاده بالخلق ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم في فهمه السّقيم في الحقّ - تعالى - حلولا واتّحادا بخلقه : اعلم يا أخي أنّ اللّه - تعالى - واحد لا شريك له ، ومقام الواحد يتعالى أن يحلّ فيه شيء ، أو يحلّ هو في شيء ، أو يتّحد بشيء ، ولمّا أحدث اللّه - تعالى - العالم لم يحدث بابتداعه في ذاته حادث ؛ إذ ليس هو محلّا للحوادث ، فلا تحلّه الحوادث ولا يحلّها ، ويقال لمن قال : أنا اللّه : إن كنت صادقا ، فادفع الموت أو شيئا من الآفات عن نفسك ، أو أطلق بولك إذا حبس ، أو أطلع لنا النّيل ، أو أنزل لنا المطر مستقلّا بلا سؤال لربّك ، فإنّه تندحض حجّته ، ويعرف أنّ جميع ما فهمه طول عمره من كلام العارفين فهم سقيم .


37 - [ منع الشّيخ محيي الدّين ابن العربي مفهوم الحلول والاتّحاد ] 

وقد صرّح الشّيخ محيي الدّين ابن العربي بن العربيّ بمنع الحلول والاتّحاد في نحو مائة موضع من “ الفتوحات “ ، فقال في الباب الثّالث من “ الفتوحات “ “ 4 “ : اعلم أنّه ليس في أحد
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : العبارة : “ ولا يصح أن يكون أحد . . . “ . 
( 2 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة مقام ترك الصبر وأسراره “ . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 312 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ . 
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في تنزيه الحق تعالى عما في طي الكلمات التي أطلقها عليه سبحانه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى اللّه عليه وسلم من التشبيه والتجسيم ، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا “ ، انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 144 ، وفيه يقول : “ فارتفع المعقول عن المحسوس بهذه المنزلة ، وهي التنزه أن يدرك بذاته ، وإنما يدرك بفعله ، . . . ، لأن ذاته غير مدركة لنا فتشبه المحسوس ، ولا فعلها كفعل اللطيف فيشبه اللطيف ، لأن فعل الحق تعالى إبداع الشيء لا من شيء ، واللطيف الروحاني فعل الشيء من الأشياء ، فأي مناسبة بينهما “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 146 .


“ 193 “
من اللّه شيء ، ولا يجوز ذلك عليه بوجه من الوجوه ، فقال في باب الأسرار : لا يجوز لعارف ولو بلغ أقصى مراتب التّقريب أن يقول : أنا اللّه ، بل حاشا العارف من هذا القول حاشاه ، بل الواجب عليه أن يقول :أنا العبد الذّليل في المسير والمقيل"1" 
وقال في الباب التّاسع والسّتّين ومائة “ 2 “ : القديم لا يصحّ أن يكون محلّا للحوادث ، ولا أن يكون حالّا في المحدث ، وإنّما الوجود الحادث والقديم مربوط بعضه ببعض ربط إضافة العقل وحكم لا ربط وجود عين ، فإنّ الرّبّ لا يجتمع مع العبد في مرتبة واحدة أبدا ، وغاية الأمر أن يجمع بين العبد والرّبّ في الوجود ، وليس ذلك بجامع ؛ لأنّنا إنّما نعني بالجامع نسبة المعنى إلى كلّ واحد على حدّ نسبته إلى الآخر ، لا إطلاق الألفاظ ، وهذا غير موجود ، انتهى . 
وقالت الوليّة الكاملة سيّدة العجم في “ شرح المشاهد “ “ 3 “ : اعلم أنّ الرّبوبيّة مرتبطة بالعبوديّة ارتباط مقابلة ، كارتباط حرف “ لا “ ؛ لأنّ كلّ واحد من هذين الحرفين اللذين قد صارا واحدا في النّظر متوقّف على الآخر عند وضع حقيقة هذا الحرف ، انتهى. 
أي فمعرفة العبد للّه - تعالى - لا تعقل إلّا بوجود العبد “ 4 “ ، وأمّا حديث : “ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به . . . إلى آخره “ “ 5 “ ، فليس المراد به معنى الحدوث في نفس الأمر ، كما
.................................................................................
( 1 ) العبارة في الفتوحات : “ فإنك إذا علمت حكمت ونسبت ونصبت ، وكنت أنت أنت ، وصاحب هذا العلم لا يقول قط أنا اللّه ، وحاشاه من هذا حاشاه ، بل يقول : أنا العبد على كل حال ، واللّه الممتن علي بالإيجاد ، وهو المتعالي “ . انظر : الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 88 . 
( 2 ) عنوان هذا الباب هو “ في معرفة مقام ترك الأدب وأسراره “ . ولم أعثر على كلام محيي الدين الذي أشار إليه الشعراني في هذا الباب البتة . 
( 3 ) تقدم بيان عن شرح المشاهد وسيدة العجم . 
( 4 ) “ د “ : قوله : “ أي فمعرفة العبد للّه - تعالى - لا تعقل إلا بوجود “ ساقط . 
( 5 ) أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الرقاق ( الباب 809 / 1367 ) ، 8 / 483 ، وروايته : “ إن اللّه قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به . . . “ ، وفي مسند أحمد : “ ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فأكون أنا سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، وقلبه الذي يعقل به ، فإذا دعاني أحببته ، وإذا سألني أعطيته ، وإذا استنصرني نصرته ، وأحب ما تعبدني عبدي به النصح لي “ . 
انظر : الإمام أحمد في المسند ، 6 / 256 ( مع تباين قليل في رواية الحديث ) ، والحكيم الترمذي في -


“ 194 “
قاله سيّدي عليّ بن وفا “ 1 “ ، وإنّما المراد به أنّ ذلك الكون الشّهوديّ مرتّب على ذلك الشّرط الذي هو حصول المحبّة ، ومن “ 2 “ حيث التّرتيب الشّهوديّ جاء الحدوث لا من حيث التّقرير الوجوديّ ، وهذا نظير قوله - تعالى - :ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ” 3 “ ، فإنّ المراد به أنّه محدث النّزول ، لا محدث الوجود ، كما يقال : حدث اللّيلة عندنا ضيف ، مع أنّ عمره قد يكون مائة سنة وأكثر ، انتهى . 
وقال في الباب الخامس والسّتّين وثلاثمائة “ 4 “ : اعلم أنّه لولا نداء “ 5 “ الحقّ - تعالى - لنا ، ونداؤنا له ما تميّز عنّا ، ولا “ 6 “ تميّزنا عنه ، ففصل - تعالى - نفسه عنّا في الحكم ، كما فصلنا نحن أنفسنا عنه ، فلا حلول ولا اتّحاد ، انتهى “ 7 “ . 
وقال في باب الأسرار : من قال بالحلول فهو معلول ، وهو صاحب مرض لا يزول “ 8 “ ، ومن فصل بينك وبينه فقد أثبت عينك وعينه ، ألا ترى إلى قوله : “ كنت سمعه
- نوادر الأصول ، 1 / 493 ، 2 / 41 ، 2 / 218 ، وروايته ثمّ : “ إذا أحببت عبدي كنت سمعه وبصره ويده ورجله ، فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي يعقل ، وبي ينطق “ ، والطبراني في الكبير ، ( 7833 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الصلاة ، ( 3499 ) ، 2 / 427 . 
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ رضي اللّه عنه “ ، وقد تقدمت ترجمته . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فمن “ . 
( 3 ) ( الأنبياء ،الآية 2)، وقد ضرب هذا المثال محيي الدين في الفتوحات،8 / 46 . 
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل أسرار اتصلت في حضرة الرحمة بمن خفي مقامه وحاله على الأكوان “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 42 . 
( 5 ) “ ب “ : “ بدء “ ، وهو تصحيف لا يستقيم به المعنى البتة . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وما “ . 
( 7 ) عبارة محيي الدين في معرض حديثه عن قول الحق - تعالى - :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وفيها يقول : “ وأين التنزيه من التشبيه والآية واحدة ، وهي كلامه عن نفسه على جهة التعريف لنا بما هو عليه في ذاته ، ففصل بليس ، وأثبت بهو ، وأما نداؤه - تعالى - للعالم ونداء العالم إياه ، فمن حيث الانفصال فهو ينادي : “ يا أيها الناس “ ، ونحن ننادي : “ يا ربنا “ ، ففصل نفسه عنا كما فصلنا أيضا أنفسنا عنه ، فتميزنا ، وأين هذا المقام من مقام الاتصال إذا أحبنا ، وكان سمعنا وبصرنا . . . “ . انظر : الفتوحات المكية ، 6 / 48 . 
( 8 ) عبارته : “ من قال بالحلول فهو معلول ، وهو مرض لا دواء لدائه ، ولا طبيب يسعى في شفائه “ . 
انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 139 .


“ 195 “
الذي يسمع به “ ، فأثبتك بإعادة الضّمير إليك ، ليدلّ عليك ، ولم يقل بالاتّحاد إلّا أهل الإلحاد ، فعلم أنّ من فصل فنعم ما فعل ، ومن وصل فقد شهد على نفسه بأنّه فصل حتّى وصل ، والشّيء الواحد “ 1 “ لا يصل نفسه ، فافهم “ 2 “ . 

وقال في باب الأسرار أيضا : لو حلّ بالحادث القديم ، لصحّ قول أهل التّجسيم : 
القديم لا يحلّ ولا يكون محلّا “ 3 “ . وقال فيه أيضا : أنت أنت ، وهو هو ، فاحذر أن تقول كما قال العاشق :أنا من أهوى ومن أهوى أنا “ 4 “فهل قدر هذا أن يردّ العين واحدة ، لا واللّه ، فإنّه جهل ، والجهل لا يستطاع تعقّله حقّا ، فلا بدّ لكلّ أحد من غطاء ينكشف عند لقاء اللّه “ 5 “ ، فلا تقل : أنا هو ، وتغالط “ 6 “ ، فإنّك لو كنت هو لأحطت به ، ولم “ 7 “ تجهله ، ولا شيئا من مصنوعاته ، ونراك جاهلا باللّه “ 8 “ وبمصنوعاته . 
وقال في الباب الثّاني والتّسعين ومائتين “ 9 “ : من أعظم دليل على نفي القول بالحلول “ 10 “ والاتّحاد الذي ربّما توهّمه بعضهم علمك عقلا بأنّ الشّمس هي التي أفاضت على القمر النّور ، وأنّ القمر ليس فيه من نور الشّمس شيء مشهود ، لأنّها لم تنتقل إليه
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : العبارة : “ والشيء لا يصل . . . “ . 
( 2 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 129 . 
( 3 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 106 . 
( 4 ) هذا شطر بيت من الرمل من مقطعة للحلاج ، انظر : الحلاج ، الأعمال الكاملة ، 330 ، والحسين بن منصور الحلاج : حياته وشعره ونثره ، 106 . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 6 ) هنا ينتهي كلام محيي الدين في باب الأسرار ، وفيه يقول معلقا على قول الشاطح : “ ففرق واعتقد الفرقان تكن من أهل البرهان ، . . . ، فلا تغالط نفسك بأن تقول : أنا هو ، وهو أنا “ . انظر : 
الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 171 . 
( 7 ) “ ك “ : “ ولن “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ . 
( 9 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل اشتراك عالم الغيب وعالم الشهادة من الحضرة الموسوية “ . 
انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 426 . 
( 10 ) “ ك “ : “ على نفي الحلول “ .


“ 196 “
بذاتها ،وإنّما القمر محلّ لها، فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء، ولا حلّ فيه“1 “ . 
وقال في الباب الثّامن والخمسين وخمسمائة “ 2 “ في الكلام على اسمه - تعالى - “ البديع “ بعد كلام طويل : وهذا يدلّك على أنّ العالم ما هو عين الحقّ تعالى ، ولا حلّ فيه الحقّ تعالى ؛ إذ لو كان عين الحقّ تعالى “ 3 “ ، أو حلّ فيه ، لما كان قديما أو بديعا “ 4 “ . 
وقال في الباب الرّابع عشر وثلاثمائة “ 5 “ : لو صحّ أن يرقى الإنسان عن إنسايّته ، والملك عن ملكيّته ، ويتّحد بالحقّ تعالى ، لصحّ انقلاب الحقائق ، وخرج الإله عن كونه إلها ، وصار الخلق حقّا ، والحقّ خلقا “ 6 “ ، وما وثق أحد بعلم ، وصار المحال واجبا ، انتهى “ 7 “ . 
وقال في الباب الثّامن والأربعين “ 8 “ : الوجود كلّه ربّ وعبد ، وكلّ عبد مخلوق “ 9 “ ، فمن نفى المخلوق “ 10 “ في وقت ما فقد خرج عن مقام الكمال ، وكان صاحب حال وسكر ، لا صاحب علم وتحقيق ، وقال الشّيخ في “ لواقح الأنوار “ : لا يقدر عبد مقرّب ولو ارتفعت درجته في التّقريب إلى حضرة قاب قوسين أو أدنى أن يقول إنّ العالم عين
.................................................................................
( 1 ) انظر عبارة محيي الدين في الفتوحات المكية ، 4 / 431 . 
( 2 ) ما ورد في “ د “ و “ ك “ و “ ز “ : “ في الباب التاسع والخمسين وخمسمائة “ ، وليس ذلك كذلك ، وإنما في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة ، وعنوانه : “ في معرفة الأسماء الحسنى التي لرب العزة : حضرة الإبداع “ . انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 45 . 
( 3 ) “ د “ ، “ ز “ : “ عين الحق “ . 
( 4 ) عبارة محيي الدين : “ وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق ، وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ؛ إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا “ . انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 47 . 
( 5 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل الفرق بين مدارج الملائكة والنبيين والأولياء من الحضرة المحمدية “ ، انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 77 . 
( 6 ) “ د “ : قوله : “ والحق خلقا “ ساقط ، وهو مثبت في الفتوحات المكية ، 5 / 78 . 
( 7 ) زاد في الفتوحات : “ وصار الواجب ممكنا ومحالا ، والمحال واجبا ، وانفسد النظام ، فلا سبيل إلى قلب الحقائق . . . “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 78 . 
( 8 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة “ إنما كان كذا لكذا ، وهو إثبات العلة والسبب “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 2 / 395 . 
( 9 ) جاء في الفتوحات : “ فالوجود منقسم بينك وبينه ؛ لأنه مقسوم بين رب وعبد ، فالقديم الرب ، والحادث العبد “ . انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 224 . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ وكل عارف نفى مخلوقا في . . . “ .


“ 197 “
الحقّ - تعالى - أبدا ، وانظر إلى ذاتك ، فتعلم قطعا أنّك واحد ، لكن تعلم أنّ عينك غير حاجبك “ 1 “ ، ويدك غير رجلك ، إلى غير ذلك كما ذكرناه في كتاب “ فرائد “ 2 “ القلائد في علم العقائد “ “ 3 “ ، فراجعه ، ومن فهم ما قلناه “ 4 “ عرف أنّ خطأ من قال : “ أنا اللّه “ لا شكّ فيه “5“ ، وكذلك من فهم ذلك عرف معنى قوله - تعالى - :قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي” 6 “. 

وقال في الباب الثّاني والسّبعين وثلاثمائة “ 7 “ من “ الفتوحات “ بعد كلام طويل : 
فالقلوب به هائمة ، والعقول فيه “ 8 “ حائرة ، يريد العارفون أن يفصلوه عن العالم من جميع الوجود مبالغة في التّنزيه ، فلا يقدرون ، ويريدون الدّليل على أن يجعلوه من شدّة القرب عين العالم ، فلا يتحقّق ذلك لهم ، فهم متحيّرون ممسكون ، وأمّا غيرهم فتارة يقولون هو ، وتارة يقولون : ما هو “ 9 “ ، وتارة يقولون : هو ما هو “ 10 “ ، فتحيّروا في ذاته ، كما تحيّروا في صفاته ، وأنشدوا :ومن عجب أنّي أحنّ إليهم * وأسأل عنهم دائما وهم معي
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ عينيك غير حاجبيك “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فوائد “ ، وهو تصحيف . 
( 3 ) تقدم ذكر هذا الكتاب في باب القول على تآليف الشعراني . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ومن فهم عين ما قلناه “ . 
( 5 ) “ ز “ : “ عرف خطأ من قال . . . “ . “ أ “ ، “ ب “ : العبارة ملتوية فيهما : وهي : “ عرف من قال “ أنا اللّه “ خطأ لا شك فيه “ . 
( 6 ) ( الإسراء ، الآية 85 ) . 
( 7 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل سر وسرين وثنائك عليك بما ليس لك ، وإجابة الحق إياك في ذلك لمعنى شرفك به من حضرة محمدية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 222 . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فيه “ ساقطة . 
( 9 ) “ ك “ : “ ما هو هو “ . 
( 10 ) العبارة في الفتوحات : “ فالألسنة ناطقة ، والقلوب به هائمة عاشقة ، والألباب فيه حائرة ، يروم العارفون أن يفصلوه من العالم فلا يقدرون ، ويرومون أن يجعلوه عين العالم فلا يتحقق لهم ذلك ، فهم يعجزون ، فتكل أفهامهم ، وتتحير عقولهم ، وتتناقض عنه في التعبير ألسنتهم ، فيقولون في وقت : هو ، وفي وقت : هو ما هو ، فلا تستقر لهم فيه قدم “ . انظر : الفتوحات المكية ، 6 / 224 .


“ 198 “
وتبكيهم عيني وهم في سوادها * وتشتاقهم روحي وهم بين أضلعي “ 1 “انتهى . 

وكان سيّدي عليّ بن وفا يقول : مراد القوم بلفظ الاتّحاد “ 2 “ حيث أطلقوه فناء مرادهم في مراده تعالى ، فلا يبقى لهم مراد في غير مرضاته ، فكان المرادان من مراد ذات واحدة “ 3 “ ، وأنشدوا :وعلمك أنّ كلّ الأمر أمري * هو المعنى المسمّى باتّحاد ،انتهى “ 4 “ أي “ 5 “ كما يقال : فلان بينه وبين فلان اتّحاد ، لا يعنون أنّ ذاته اتّصلت بذات الآخر ، فصارت واحدة ، وإنّما يعنون أنّ كلّ واحد منهما يراعي مراد الآخر “ 6 “ ، ولعمري إنّ عبّاد الأوثان ، فضلا عن المسلمين ، ما تجرّؤوا على أن يجعلوا آلهتهم هي اللّه ، وإنّما جعلوها مرتبة دون اللّه “7“ بقولهم :ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى” 8 “ ، فكيف يظنّ أحد بأولياء اللّه - تعالى - أنّهم يقولون بالاتّحاد بالحقّ - تعالى - على حدّ ما يتعقّله العوامّ ،
.................................................................................
( 1 ) الشعر من الطويل لأبي مدين ، من قصيدة مطلعها :تملكتم عقلي وطرفي ومسمعي * وروحي وأحشائي وكلي بأجمعورواية البيتين في طبعة دار الكتب العلمية والهيئة المصرية للكتاب :ومن عجب أني أحن إليهم * وأسأل عنهم من أرى وهم معي 
وترصدهم عيني وهم في سوادها * ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعيأما الرواية في “ جامع النفحات القدسية “ :ومن عجب أني أحن إليهم * وأسأل شوقا عنهم وهم معي 
وتبكيهم عيني وهم في سوادها * ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعيانظر : الفتوحات المكية ، طبعة دار الكتب العلمية ، 1 / 272 ، وطبعة الهيئة العامة للكتاب ، السفر الثالث ، 141 ، وجامع النفحات القدسية ، 45 . 
( 2 ) “ ك “ : “ مراد القوم بالاتحاد “ . 
( 3 ) قوله : “ فكان المرادان من مراد ذات واحدة “ ساقط من “ د “ . 
( 4 ) الشعر من الوافر ، وقائله علي بن وفا ، وقبله :إذا ما كان قصدك عين قصدي * فذاك دليل صدقك في الودادانظر : ديوانه ، 29 أ . 
( 5 ) “ ك “ : “ أي “ ساقطة . 
( 6 ) “ د “ : قوله : “ فصارت واحدة ، وإنما يعنون أن كل واحد منهما يراعي مراد الآخر “ ساقط . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 8 ) ( الزمر ، الآية 3 ) .


“ 199 “
هذا كالمحال في حقّهم ، وما منهم أحد إلّا وهو يعلم ويتحقّق في ربّه أنّ حقيقته - تعالى - مخالفة لسائر الحقائق ، وأنّ كلّ ما خطر بالبال فاللّه - تعالى - بخلافه ، لا سيّما الشّيخ الكامل المحقّق “ 1 “ محيي الدّين بن العربيّ رضي اللّه عنه ، فإنّه من أعظم الأولياء تنزيها للحقّ جلّ وعلا، كما يشهد لذلك نصوصه السّابقة في هذا المبحث، فإنّها كلّها تكذّب من نسبه إلى القول بالحلول والاتّحاد “2“. 

وقد ذكر في الباب الحادي عشر وثلاثمائة من “ الفتوحات “ ما نصّه “ 3 “ : اعلم يا أخي أنّي لا أعلم أحدا الآن في عصري تحقّق بمقام العبوديّة الخالص غيري ، وإن كان هناك أحد ، فما وصل إليه علمي ، فإنّي بلغت من مقام العبوديّة اللّائقة بأمثالي غايته “ 4 “ ، فأنا العبد المحض الخالص الذي لا أعرف للرّبوبيّة على أحد من العالم طعما ، وقد منحني اللّه - تعالى - ذلك هبة منه تعالى ، ولم أنله بعمل “5“ ، وأرجو من فضله - تعالى - أن يمسك ذلك عليّ حتّى ألقاه ،فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” 6 “ ، انتهى . 
وكان سيّدي عليّ بن وفا - رضي اللّه عنه - يقول : إنّما كانت القلوب السّليمة تحنّ إلى التّنزيه أكثر من التّشبيه ؛ لأنّ التّنزيه هو الأصل ، والتّشبيه إنّما هو تنزّل للعقول ، ومن شأن الذّات الإطلاق لذاتها ، وتساوي النّسب لصفاتها ، فاعلم ذلك ، ونزّه ربّك عن صفات خلقه ، والحمد للّه ربّ العالمين.


38 - [ توهّم الخلق أينيّة للحقّ ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ الحقّ - تعالى - له أينيّة تليق به أخذا من قوله - تعالى - :وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ” 7 “ ، فالجواب أنّه قد أجمع المحقّقون على أنّ الحقّ
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ المحقق “ ليست فيهما . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ فإنها كلها تكذب من نسبه إلى القول بالحلول والاتحاد “ ساقط . 
( 3 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة النواشئ الاختصاصية الغيبة من الحضرة المحمدية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 60 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ غاية “ . 
( 5 ) “ ك “ : “ بعلم “ . 
( 6 ) ( يونس ، الآية 58 ) . انظر عبارة محيي الدين في الفتوحات المكية ، 5 / 60 . 
( 7 ) ( الحديد ، الآية 4 ) .


“ 200 “
- تعالى - قديم ، والعالم محدث ، فكما لا يتعقّل له “ 1 “ - تعالى - أينيّة قبل خلقه الخلق كلّهم ، فكذلك لا يكون له أينيّة بعد خلقه لهم ، وأمّا قوله - تعالى - :وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ” 2 “ فالأينيّة راجعة للخلق ، لأنّهم هم المخاطبون في الأين اللّازم لهم لا له تعالى ، فهو مع كلّ صاحب أين بلا أين لعدم مماثلته لخلقه بوجه من الوجوه . 

وقد قال في الباب الثّاني والسّبعين من “ الفتوحات “ “ 3 “ : اعلم أنّه ليست معيّة الحقّ - تعالى - لنا بأين ، فإنّ من لا أينيّة له لا يقبل المكان ، فهو مثل قولهم : المكان لا يقبل المكان ، فإذا كان لا أين لمن له أين “ 4 “ ، فكيف يكون الأين لمن لا أين له . 
وقال في الباب الثّامن والأربعين “ 5 “ : إنّما أمر اللّه - تعالى - الخلق بالسّجود ، وجعله مقام قربه بقوله :وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ” 6 “ ، وبقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد “ “ 7 “ ، إعلاما لنا بأنّ الحقّ - تعالى - لا يتحيّز ، فنسبة الفوقيّة إليه - تعالى - كنسبة التّحت إليه “ 8 “ على حدّ سواء ، فالسّاجد يطلب السّفل بوجهه ويديه ، لا يطلب من اللّه - تعالى - شيئا قطّ من جهة السّفل “ 9 “ ، وإن كان يعتقد فيه - تعالى - عدم التّحيّز ، لكنّ هذا مشهد الخلق مع ربّهم ، وقد زلّ نظر بعضهم من فوقيّة المكانة إلى شهود فوقيّة المكان ، فكان “ 10 “ يشهدها ، ثمّ يصرفها في الحال عن ذهنه بخلاف الأكابر ، فإنّهم ثبتوا شهودا “ 11 “ على فوقيّة المكان ، ولم يزلّوا ، فهم يسألون اللّه - تعالى - “ 12 “ من جهة
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ يعقل “ . 
( 2 ) (الحديد ، الآية 4 ) . 
( 3 ) عنوان هذا الباب “ في الحج وأسراره “ . انظر : الفتوحات المكية ، 2 / 419 . 
( 4 ) “ ك “ : “ فإذا كان لا أين لأين من له أين “ . 
( 5 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة “ إنما كان لكذا “ ، وهو إثبات العلة والسبب “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 395 . 
( 6 ) ( العلق ، الآية 19 ) . 
( 7 ) تقدم تخريجه . 
( 8 ) “ ك “ : “ إليه تعالى “ . 
( 9 ) انظر حديث محيي الدين في الفتوحات المكية ، 1 / 399 ، وقد تصرف الشعراني بالعبارة تصرفا ظاهرا . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فصار “ . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ثبتوا على شهود “ . 
( 12 ) “ د “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما .


“ 201 “
السّماء من حيث إنّها قبلة الدّعاء كالكعبة قبلة الصّلاة “ 1 “ ، مع اعتقادهم أنّ جهة الفوق كجهة السّفل على حدّ سواء ، ومن هنا قال بعضهم : إنّما جعل الشّارع - صلّى اللّه عليه وسلّم - “ 2 “ السّجود محلّ قربه من الحقّ - جلّ وعلا - لينبّه الحقّ “ 3 “ على ألّا يعبدوا “ 4 “ الحقّ - تعالى - في جهة دون جهة لعدم دخولهم في حضرة الكون ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، فاعلم ذلك فإنّه نفيس ، والحمد للّه ربّ العالمين .

.................................................................................

( 1 ) “ ك “ : “ كالكعبة ، فإنها قبلة الصلاة “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ صلى اللّه عليه وسلم “ ليست فيهما . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الخلق “ . 
( 4 ) “ ز “ : “ يقيدوا “ . 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ معيّة الحقّ معيّة تحيّز كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 12:42 pm

توهّم أنّ معيّة الحقّ معيّة تحيّز كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

39 - [ توهّم أنّ معيّة الحقّ معيّة تحيّز ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ معيّته - تعالى - “ 5 “ معنا كمعيّة متحيّزين ، فالجواب أنّ ذلك محال ، وإيضاح ذلك أنّ حقيقة المعيّة مصاحبة كلّ “ 6 “ شيء لآخر سواء كانا واجبين كذات الحقّ - تعالى - مع صفاته ، أو جائزين كالإنسان مع مثله ، أو واجبا وجائزا ، وهو معيّة الحقّ - جلّ وعلا - مع خلقه بذاته وصفاته المفهومة من قوله - تعالى - :وَهُوَ مَعَكُمْ” 7 “ ، ونحوها من الآيات ، كقوله - تعالى - :وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” 8 “ ،إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” 9 “ ، وذلك لما هو معلوم من أنّ مدلول الاسم الكريم إنّما “ 10 “ هو الذّات اللّازمة لها الصّفات المتعيّنة لتعلّقها بجميع الممكنات ، وليس كمعيّة متحيّزين لعدم مماثلته - تعالى - بخلقه ، فإنّ من لازمهم الجسميّة المفتقرة للوازمها الضّروريّة كالحلول في الجهة الأينيّة الزّمانيّة والمكانيّة ، بل معيّته - تعالى - كما يليق بجلاله من الكمال والجمال “ 11 “ ، وعدم الشّبيه والنّظير ،لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” 12 “ ، وبهذا يدفع ما توهّمه هذا المتوهّم ، وانتفى القول بلزوم الحلول في حيّز الكائنات على
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ كالكعبة ، فإنها قبلة الصلاة “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ صلى اللّه عليه وسلم “ ليست فيهما . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الخلق “ . 
( 4 ) “ ز “ : “ يقيدوا “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أن معية الحق “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كل “ ساقطة . 
( 7 ) ( الحديد ، الآية 4 ) . 
( 8 ) ( العنكبوت ، الآية 69 ) . 
( 9 ) ( الأنفال ، الآية 46 ) . 
( 10 ) “ ك “ : “ إنما “ ساقطة . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الكمال والجلال “ . 
( 12 ) ( الشورى ، الآية 11 ) .

“ 202 “
القول بمعيّة الذّات مع أنّه يلزم على القول بمعيّة الصّفات دون الذّات لانفكاك الصّفات عنها وبعدها وتحيّزها وسائر لوازم المعيّة التي لا يصلح “ 1 “ إطلاقها على الذّات المقدّس ، ولا على صفاته تعالى ، وحينئذ فيلزم من معيّة الصّفات التي سنّها العلم لشيء معيّة الذّات له وعكسه لتلازمهما مع تعاليهما عن المكان ولوازم الإمكان ؛ لأنّه - تعالى - مباين لخلقه تباينا مطلقا . 
وكان سيّدي محمّد المغربيّ الشّاذليّ “ 2 “ - رحمه اللّه - يقول : يلزم من القول بأنّ اللّه - تعالى - معنا بالعلم فقط اشتغال “ 3 “ الصّفات بأنفسها دون الذّات ، وذلك ممنوع ، ولعلّ من قال ذلك إنّما قاله قياسا على صفات الخلق ، فإنّه ربّما رأى الإنسان يسلب علمه وذاته كاملة لم ينقص منها شيء ، فظنّ أنّ الحقّ - تعالى - كذلك ، وهو قياس فاسد . 
وقد قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 4 “ في باب حضرات الأسماء من “ الفتوحات “ “ 5 “ : 
اعلم أنّه ليس في حضرات الأسماء الإلهيّة من يعطي التّنبيه “ 6 “ على أنّ الحقّ - تعالى - معنا بذاته إلّا الأمين الرّقيب ، لأنّه من الرّقبى ، وهو أن تملك رقبة الشّيء ، ثمّ إذا ملكت رقبة ذلك الشّيء تبعته صفاته كلّها وما ينسب إليه تعالى “ 7 “ ، كما أشار إليه قول الأعرابيّ لمّا
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ لا يصح “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ : “ علي المغربي “ ، وليس ذلك كذلك ، وإنما هو “ محمد المغربي الشاذلي “ ، من مشايخ الشعراني الذين أخذوا الطريق عن الشيخ أبي العباس المرسي ، وهو كذلك من مشايخ الجلال السيوطي ، كما جاء في لطائف المنن للشعراني ، كان من أولاد الأتراك ، وإنما اشتهر بالمغربي لأن أمه تزوجت مغربيا ، كان بخيلا بالكلام في الطريق ، فقد سئل أن يصنف رسالة فيها ، فقال - كما يقول الشعراني - : “ أصنف الطريق لمن ، هاتوا لي راغبا صادقا إذا قلت له اخرج عن مالك وعيالك خرج ، فسكتوا “ ، من كلامه : “ السالكون ثلاثة : جلاليّ وهو إلى الشريعة أميل ، وجماليّ وهو إلى الحقيقة أميل ، وكماليّ جامع لهما على حد سواء ، وهو منهما أكمل وأفضل “ ، مات سنة نيف وعشرين وتسعمائة ، ودفن بالقرافة . انظر ترجمته : الشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 679 ، والغزي ، الكواكب السائرة ، 1 / 79 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 1 / 260 . 
( 3 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ استقلال “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 5 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 372 . 
( 6 ) “ د “ : “ التشبيه “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ التنزيه “ ، ولعل ذلك تصحيف صوابه : “ التنبيه “ ، وهو ما ورد في الفتوحات المكية . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما .

“ 203 “
قال له - صلّى الله عليه وسلّم - : “ إنّ اللّه - تعالى - “ 1 “ ليضحك يوم القيامة من كذا " 2 “، فقال: لا نعدم خيرا من ربّ يضحك “، فإنّه أتبع الضّحك توابعه وآثاره “ 3 “ . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 4 “ يقول : إنّما قال - تعالى - :وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ” 5 “ إشارة إلى أنّ “ الأين “ في الآية إنّما أطلق لإفادة “ مع “ اللّه - تعالى - للمخاطبين في الأين اللّازم لهم لا له سبحانه وتعالى ، ويقال “ 6 “ فهو مع كلّ صاحب أين بلا أين ، وكان الشّيخ محمّد المغربيّ - رضي اللّه عنه - يقول “ 7 “ : معيّة الحقّ - تعالى - أزليّة ليس لها ابتداء لثبوت الأشياء أزلا في علمه - تعالى - تعيينا بلا بداية لتعلّقها به تعلّقا يستحيل عليه العدم لاستحالة كون علمه الواجب وجوده بغير معلوم ، واستحالة جريان تعلّقه بالذّات “ 8 “ لما يلزم من حدوث تصرّفاته “ 9 “ في علمه - تعالى - بعد أن لم تكن “ 10 “ ، وكما أنّها أزليّة ، كذلك هي أبديّة ، أي ليس لها انتهاء ، فهو معها بعد حدوثها من العدم عينا على وفق ما هي عليه في العلم تعيّنا ، وهكذا أينما كانت بساطتها “ 11 “ وتركيبها وإضافتها وتجريدها “ 12 “ من الأزل إلى ما لا نهاية له ، انتهى . 
وكان “ 13 “ الشّيخ تقيّ الدّين بن أبي المنصور - رحمه اللّه - “ 14 “ : يقول : المعيّات خمس ، ولكن يجمعها المعيّة الجامعة الشّاملة لكونه - تعالى - معنا أينما كنّا في حال كونه
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 2 ) تمام الحديث : “ ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره ، قال : قلت : يا رسول اللّه ، أو يضحك الرب ؟ قال : نعم ، قلت : لن نعدم خيرا من رب يضحك “ . أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 4 / 11 ، وابن ماجة في السنن ، ( 1 / 85 ورقمه 68 ) ، والطبراني في الكبير ( 19 / 207 - 208 ) ، والأوسط ( 4885 ) ، 3 / 378 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الإيمان ( 278 ) ، 1 / 110 . 
( 3 ) انظر: محيي الدين، الفتوحات المكية، 6 / 228، وفيها يقول : “ إذ من شأن من يضحك أن يتوقع منه وجود الخير“. 
( 4 ) “ ك “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 5 ) ( الحديد ، الآية 4 ) . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ويقال “ ساقطة . 
( 7 ) تقدمت ترجمته قبيل قليل . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بالمعلومات “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ معلوماته “ . 
( 10 ) “ د “ : “ يكن “ . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ في عوالم بساطتها “ . 
( 12 ) “ ك “ : العبارة : “ في عوالم بساطتها ، وإضافتها ، وتركيبها ، وتجريدها “ . 
( 13 ) “ ك “ : “ قال “ ، وهو تصحيف . 
( 14 ) “ د “ : “ رحمه اللّه “ ليست فيها .

“ 204 “
في العماء ، في حال كونه - تعالى - مستويا على العرش ، في حال كونه في السّموات والأرض “ 1 “ ، في حال كونه - تعالى - أقرب إلينا من حبل الوريد ، ولكلّ من هذه المعيّات معيّة تخصّها ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : واعلم أنّه لا يجوز على الذّات المقدّس معيّة ، كما أنّه لا يجوز أن يطلق على الذّات استواء على العرش ؛ وذلك لأنّه لم يرد لنا التّصريح بذلك في كتاب ولا سنّة ، فلا نقول على اللّه ما لا نعلم “ 2 “ ، فليتأمّل . 
وكان “ 3 “ الشّيخ محيي الدّين ابن العربي - رحمه اللّه - يقول : الأدب أن يقال إنّ اللّه معنا ، ولا نقول : نحن معه ، لأنّنا لا نعلم ذاته بخلافه سبحانه وتعالى ، فإنّه يعلمنا ، ويعلم أصلنا وفرعنا ، وغاية ما قالوه في المعيّة “ 4 “ إنّها معيّة الصّفات ، وإن “ 5 “ لم تنفكّ عن الذّات كما مرّ ، فإنّ الأسماء تطلب العالم ، والذّات لا تطلب أحدا ، فلا بدّ من معيّة الخلق مع الصّفات ليظهر آثارها فيهم “ 6 “ ، فرحيم بمن ، وعفوّ عمّن ، ومنتقم ممّن ، وهكذا “ 7 “ . 
وقال في باب الأسرار : لا “ 8 “ يشترط في المجاورة الجنس ، لأنّه علم في لبس ، فاللّه جار “ 9 “ عبده بالمعيّة ، وإن انتفت المثليّة “ 10 “ . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 11 “ يقول : من الأدب والإيمان أن نقول إنّ اللّه - تعالى - “ 12 “ معنا ، ولا نقول : نحن مع اللّه ، لأنّ الشّرع ما ورد به ، والعقل لا
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وفي الأرض “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ فلا تقولوا على اللّه ما لا تعلمون “ . 
( 3 ) “ ك “ : “ قال “ . 
( 4 ) “ ك “ : العبارة : “ وغاية ما قالوه إنها معية . . . “ . 
( 5 ) “ أ “ ، “ د “ : “ وإن “ ساقطة . 
( 6 ) “ د “ : “ فيهم “ ساقطة . 
( 7 ) “ د “ ، “ ز “ : “ وهكذا “ زيادة فيهما . 
( 8 ) “ ك “ : “ لا “ ساقطة . 
( 9 ) “ ك “ : العبارة : “ لأنه علم في لبس جار عنده بالمعية “ ، وليس ذلك كذلك في الفتوحات . 
( 10 ) “ ك “ : “ انتقلت “ ، وهو تصحيف ، والعبارة في الفتوحات : “ المحاورة لا تعقل من غير مجاورة ، المحاورة مراجعة الحديث في القديم والحديث ، الجار أحق بصقبه من صاحب نسبه ، فإنكم بالأصل من أولي الأرحام ، ومن أهل الالتئام والالتحام ، لا يشترط في الجوار الجنس ، فإنه علم في لبس ، اللّه جار عبده بالمعية ، وإن انتفت المثلية ، والعبد جار اللّه في حرمه ، ومطّلع على حرمه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 74 . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 12 ) “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها .

“ 205 “
يعطيه ، ولولا ما نسبه الحقّ - تعالى - إلى نفسه من المعيّة لم يقدر العقل أن يتعقّلها ، لأنّ الحقّ - تعالى - “ 1 “ ظاهر المعيّة من الوجه الذي يليق بجلاله كما أنّه - تعالى - ظاهر الصّحبة “ 2 “ من الوجه الذي يليق به ، قال - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ اللّهم أنت الصّاحب في السّفر ، والخليفة في الأهل “ “ 3 “ ، والسّفر مأخوذ من الإسفار ، وهو الظّهور . 

قال : ولا يخفى أنّ من يقول : “ إنّ الحقّ “ 4 “ - تعالى - معنا بصفاته “ 5 “ أكثر أدبا ممّن يقول إنّه - تعالى - معنا بذاته وصفاته ، وإن كانت الصّفة لا تفارق الموصوف ؛ لأنّ التّصريح بمعيّة الذّات لم يرد لنا في كتاب ولا سنّة ، فأردت أن أورد عليه قوله - تعالى - :وَهُوَ مَعَكُمْ” 6 “ ، وقوله - تعالى - “ 7 “ :إِنَّ اللَّهَ مَعَنا” 8 “ ، فانظر جوابه ، فمنعتني هيبته ، وأنا أعتقد قدرته على الجواب عنه ، فتأمّل ذلك ، واللّه أعلم “ 9 “ . 
فإن قال قائل : فإذا كان الحقّ - تعالى - أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، فكيف صحّ قرب إبليس منه حتّى إنّه أمر بالاستعاذة منه ؟ فالجواب أنّ قرب الحقّ - تعالى - لا يكيّف ؛ لأنّه ليس “ 10 “ بمسافة كقرب الخلق من بعضهم بعضا ، وهنا أسرار لا تسطّر في كتاب ، فاعلم ذلك ، وكن من أهل التّنزيه ، والحمد للّه ربّ العالمين .
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : قوله : “ لأن الحق تعالى “ ساقط ، “ ز “ : “ فإن الحق تعالى . . . “ . 
( 2 ) “ ك “ : العبارة : “ ظاهر من الوجه . . . “ . 
( 3 ) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 1 / 256 ) ، والترمذي في السنن ، كتاب الدعوات ( 3450 ) ، 5 / 276 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الحج ( 425 / 1342 ) ، الباب ( 75 ) ، شرح صحيح مسلم ، 9 / 118 ، والطبراني في الأوسط ( 1528 ) ، 1 / 417 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الأذكار ( 17084 ) ، 10 / 134 . 
( 4 ) “ ك “ : “ إنه تعالى “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ معنا بصفاته دون ذاته “ . 
( 6 ) ( الحديد ، الآية 4 ) . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ساقط . 
( 8 ) ( التوبة ، الآية 40 ) . 
( 9 ) “ د “ : قوله : “ فأردت أن أورد عليه قوله تعالى : “ وهو معكم “ ، وقوله تعالى : “ إن اللّه معنا “ ، فانظر جوابه ، فمنعتني هيبته ، وأنا أعتقد قدرته على الجواب عنه ، فتأمل ذلك ، واللّه أعلم “ ساقط . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ليس هو بمسافة “ .

“ 206 “

40 - [توهّم أنّ الحقّ يضبطه اصطلاح ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ الحقّ - تعالى - يضبطه اصطلاح ، فيكون ما يشهده منه زيد هو ما يشهده منه عمرو ، ومعلوم أنّ ذلك يؤدّي إلى حصر الحقّ تعالى ، وقد قال - تعالى - عن نفسه :وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ” 1 “ ، والجواب أنّ اللّه - تعالى - قال :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” 2 “ ، وإذا كان ليس كمثله شيء “ 3 “ ، فمن المحال أن يضبطه اصطلاح ، فليس ما يشهده منه عمرو جملة واحدة ، وبهذا القول عرفه العارفون ، كما قاله الشّيخ في الباب التّاسع والسّتّين وثلاثمائة من “ الفتوحات “ “ 4 “ ، فلا يتجلّى - تعالى - في شأن واحد لشخصين ، ولا في شأن “ 5 “ واحد مرّتين ، قال : وليس فوق هذه المعرفة مقام يطلب حصوله تضبط به التّجلّيات أبدا . 
قال “ 6 “ : وأمّا القدماء من الحكماء والأشاعرة والحنابلة والمعتزلة فقد اتّفقوا على أمر مضبوط في صفات الحقّ جلّ وعلا ، وجعلوا ذلك ضابطا للحقّ جلّ وعلا ، من “ 7 “ تعدّاه أخطأ ، والذي نعتقده أنّ أئمّتهم يقولون : تعالى اللّه عن التّقييد بحال دون حال ، ولعلّهم إنّما ضبطوا ذلك مصلحة للعوامّ الذين لا يعرفون مراتب التّجلّيات ولا يشعرون “ 8 “ بها بخلاف الكمّل من العارفين ، فإنّهم يشهدون تنوّع التّجلّيات لقلوبهم مع الآنات على اختلاف طبقاتهم ، ولذلك كان لا يقدر عارف أن يوصل إلى عارف آخر صورة ما يشهده من ربّه - عزّ وجلّ - أبدا ؛ وذلك لأنّ كلّ واحد يشهد من لا مثل له ، ولا يكون التّوصّل إلّا بالأمثال ، فعلم أنّ الحقّ - تعالى - لا يثبت له تجلّ “ 9 “ في قلوب العارفين أكثر
.................................................................................
( 1 ) ( البقرة ، الآية 247 ) . 
( 2 ) ( الشورى ، الآية 11 ) . 
( 3 ) “ د “ : قوله : “ وإذا كان ليس كمثله شيء “ ساقط . 
( 4 ) عنوان هذا الباب هو “ في معرفة منزل مفاتيح خزائن الجود “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 98 . 
( 5 ) “ د “ : “ ولا بشأن “ . 
( 6 ) يعني بذلك محيي الدين ، وعبارته في الفتوحات المكية ، 6 / 133 . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كل من “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ولا يعرفون “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ محل “ ، وهو تصحيف .

“ 207 “
من آن واحد ، ومن هنا “ 1 “ كان لا يصحّ لعبد تكييفه - تعالى - إذا شهده ؛ لأنّ التّجلّي لا يمكث له لحظة حتّى يكيّفه ويمثّله ، وقد أجمعوا على أنّه لا يثنى على اللّه - عزّ وجلّ - بأعظم من نفي المثل “ 2 “ . 

فإن “ 3 “ قال قائل : فهل الكاف فيلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” 4 “ كاف الصّفة أو زائدة ؟ فالجواب أنّ الكلام في ذلك فضول ؛ لأنّ العلم الصّحيح لا يدرك فيها بالقياس ولا بالنّظر ، بل هو راجع إلى ما يعلمه الحقّ - تعالى - من ذلك ، وهو - تعالى - لم يفصح لنا عن مراده بها من كونها أصليّة أو زائدة . 
وقال الشّيخ “ 5 “ في باب الأسرار من “ الفتوحات “ : ما حجب الرّجال إلّا وجود الأمثال ، ولهذا نفى الحقّ - تعالى - عن نفسه المثليّة تنزيها لقدسه تعالى ؛ فإنّ كلّ ما تصوّره العقل “ 6 “ ، أو مثّله ، أو خيّله هنالك ، فاللّه - تعالى - بخلاف ذلك ، هذا اعتقاد الجماعة إلى قيام السّاعة “ 7 “ ، انتهى .

41 - [ توهّم تقييد أسماء الحقّ وصفاته ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ أسماء الحقّ - تعالى - وصفاته غير مطلقة ، ويعتقد تقييد كلّ صفة بشيء هو خاصّ بها دون أخواتها : اعلم أنّ صفات الحقّ - تعالى - مباينة لصفات خلقه ، فكلّ صفة تفعل ما تفعل أخواتها بخلاف صفة الخلق ، فإنّ كلّ “ 8 “ صفة لا تتعدّى ما جعله الحقّ - تعالى - فيها ، فقوّة الشّمّ مثلا لا تعطي سوى وصول الرّائحة العطر
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ هنا “ ساقطة . 
( 2 ) انظر قول محيي الدين في الفتوحات المكية ، 6 / 133 . 
( 3 ) “ ك “ : “ وإن “ . 
( 4 ) تقدم تخريج الآية . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ز “ : “ العبد “ ، وإخاله تصحيفا . 
( 7 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 97 ، وقد ورد في النسخ التي بين يدي قوله : “ أو خيله هنالك “ في مقام “ هالك“، وأظنه تصحيفا صوابه ما ورد في المتن اعتمادا على المعنى ، وعلى ما ورد في الفتوحات المكية. 
( 8 ) قوله : “ فكل صفة تفعل ما تفعل أخواتها بخلاف صفة الخلق ، فإن كل “ ساقط من “ ك “ و “ ز “ .

“ 208 “
والمنتن “1“ ، ولمّا رأى بعض المحجوبين ذلك ظنّ أنّ صفات الحقّ - تعالى - “ 2 “ كذلك ، والحقّ أنّه أوّل “ 3 “ من غير ما هو آخر ، وظاهر من غير ما هو أوّل وباطن وظاهر ، وباطن من غير ما هو ظاهر وأوّل وآخر “ 4 “. 

وكان الشّيخ محيي الدّين ابن العربي يقول : الحقّ - تعالى - أوّل بلا “ 5 “ أوّليّة تحكم عليه ، وظاهر لا بعد استتار ، ولا ينزل بعد ارتفاع كما قد يتوهّمه بعضهم ، بل هو الظّاهر في حال كونه باطنا ، والباطن في حال كونه ظاهرا ، واختلاف حكم التّجلّيات إنّما هو في حقّ المدركين “ 6 “ والمشاهدين بقدر ما يكشف عن سرائرهم ، وتعالى اللّه عن صفة الأجسام حتّى إنّه يظهر بعد استتار “ 7 “ ، ويتنزّل “ 8 “ بعد الارتفاع ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : واعلم أنّه - تعالى - ما أخبرنا بأنّه الأوّل والآخر والظّاهر والباطن إلّا ليرشدنا إلى ترك التّعب في معرفة الذّات ، أي : الذي يطلبونه من الباطن هو عين ما يطلبونه من الظّاهر ، ومع ذلك فلم تصغ “ 9 “ أكثر النّفوس من الثّقلين إلى هذا الإرشاد ، بل كلّ أمر ظهر لنا من الصّفات نطلب خلافه ، ولو أنّها كانت وقفت مع ما ظهر لها “ 10 “ من وجوه المعارف لاستراحت ، وعرفت الأمر على ما هو عليه ؛ فكان طلبها لمّا غاب عنها هو عين حجابها ، فما قدرت الذي ظهر لها حقّ قدره لشغلها بما تخيّلت أنّه بطن منها “ 11 “ ، واللّه ما بطن عنها شيء
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رائحة العطر والنتن “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ . 
( 3 ) “ د “ : “ أول “ ساقطة . 
( 4 ) كدت أجعل العبارة : “ والحق أنه أول من غير ما هو آخر ، وآخر من غير ما هو أول ، وظاهر من غير ما هو باطن ، وباطن من غير ما هو ظاهر “ ، ولكن حديث الشعراني عن إثبات صفات الحق المطلقة دون تقييد واحدة بأخرى ، وما ورد في “ ك“ : “أنّه أوّل من غير ما هو آخر، وظاهر وباطن وآخر من غير ما هو أول، وظاهر وباطن من غير ما ظاهر وأول وآخر “. 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لا بأولية “ . 
( 6 ) “ ز “ : “ المتدركين “ ، “ ب “ : “ المذكورين “ ، وأحسبه تصحيفا . 
( 7 ) “ ب “ : “ الاستتار “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ أو ينزل “ ، “ ز “ : “ أو يتنزل “ . 
( 9 ) “ د “ : “ تمنع “ ، “ أ “ : “ تقنع “ ، وكله تصحيف . 
( 10 ) “ ك “ : “ معها “ . 
( 11 ) “ ك “ : “ عنها “ .

“ 209 “
هو من مقامها ، وإنّما حجب كلّ إنسان بما هو فوق مقامه لا غير . 

وكان الشّيخ أبو الحسن الشّاذليّ - رضي اللّه عنه - “ 1 “ يقول : قد محق اللّه - تعالى - الأغيار كلّها بقوله :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ” 2 “ ؛ فإنّ هذه الحضرات الأربع هي مجموع الوجود . انتهى ، فليتأمّل . 
وكان سيّدي عليّ المرصفيّ “ 3 “ يقول : لا يجوز حمل الاسم الظّاهر والباطن على محمل النّسب والإضافات ، وإنّما ينبغي حمله على أنّه أمر “ 4 “ ذاتيّ يوصف به على الوجه الذي يليق به ، ويعلمه - تعالى - من نفسه . انتهى ، فاعلم ذلك ، والحمد للّه ربّ العالمين .

42 - [ توهّم إيجاد العالم عن عدم متقدّم مطلقا] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ اللّه - تعالى - أوجد العالم عن عدم متقدّم مطلقا ؛ كما قال به بعض الأشاعرة : اعلم يا أخي أنّ العدم عدمان : عدم مطلق ، وعدم إضافيّ ؛
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ رضي اللّه عنه “ ليست فيها . أما أبو الحسن فهو علي بن عبد اللّه بن عبد الجبار الشاذلي ، رأس الطائفة الشاذلية ، ولد سنة ( 591 ه ) ، في بلاد “ غمارة “ في المغرب ، ثم نشأ وسكن بشاذلة ، فإليها نسب ، اشتغل بالعلوم الشرعية فأتقنها ، وصار يناظر عليها مع كونه ضريرا ، ثم سلك منهاج التصوف ، فجد واجتهد ، أخذ عن ابن مشيش وأبي سعيد الباجي ، قدم إلى الإسكندرية من المغرب بعد أن ثير عليه وأوذي وأخرج بجماعته من المغرب ، ثم انتقل إلى القاهرة ، فأخذ عنه العز بن عبد السلام ، له أحزاب محفوظة ، مات في رمضان سنة ( 656 ه ) وهو قاصد الحج في الطريق . من كلامه : “ كل علم تسبق إليك فيه الخواطر ، وتميل النفس إليه ، وتلتذ به ، فارم به ، وخذ بالكتاب والسنة “ ، وكذلك : “ من أراد عز الدارين فليرح من الدنيا قلبه وبدنه “ ، وكذلك : “ إذا أراد اللّه هوان عبد ستر عيوبه ، وإذا أراد عزه بصّره بها ليتوب منها “ . انظر ترجمته : ابن عطاء اللّه السكندري ، لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس المرسي وشيخه الشاذلي أبي الحسن ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 21 / 214 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 440 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 470 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 5 / 278 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 709 ، والكوهن الفاسي ، طبقات الشاذلية الكبرى ، 19 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 311 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 305 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 4 / 420 ، وعبد اللّه التليدي ، المطرب ، 122 . 
( 2 ) ( الحديد ، الآية 3 ) . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 4 ) “ د “ : العبارة : “ على أنه ذاتي . . . “ .

 “ 210 “
فالعدم المطلق “ 1 “ ما لم يتضمّنه علم اللّه القديم ، فهذا لا وجود له البتّة ؛ لأنّه ليس له عين ثابتة في العلم الإلهيّ ، والعدم الإضافيّ “ 2 “ ، وهو الذي تكلّم النّاس فيه ، وهو ما له عين ثابتة في العلم الإلهيّ ، فهو عدم بالنّسبة لعلم الخلق ، ووجود بالنّسبة إلى علم الحقّ تعالى ، ومن هنا قال المحقّقون : العالم كلّه قديم في العلم الإلهيّ ، حادث في الظّهور ؛ ولعلّ مراد الأشاعرة بقولهم : إنّ اللّه أوجد العالم من عدم ، أي من عدم نسبيّ إضافيّ لا العدم المحض الذي لم يتضمّنه علم اللّه القديم . 

فإن قال قائل : فهل العالم مرئيّ للحقّ - تعالى - حال عدمه ، أم “ 3 “ لم تتعلّق به الرّؤية إلّا بعد إيجاده في عالم الشّهادة ؟ 
فالجواب أنّ رؤية الحقّ - جلّ وعلا - لكلّ ما تضمّنه العلم القديم رؤية واحدة ، لا فرق في رؤيته له بين أن يكون موجودا لنا ، أو معدوما عندنا ؛ لأنّ الأمور كلّها لم تزل معلومة مرئيّة للحقّ - تعالى - في مراتبها كلّها على حدّ سواء ، وهذه من أعزّ المسائل المتعلّقة بسرّ القدر ، وقليل من الأولياء من عثر عليها ، فالممكنات “ 4 “ كلّها مشهودة للحقّ تعالى ، وإن لم تكن موجودة عندنا ، فما هي مفقودة “ 5 “ عند الحقّ تعالى ، فهي في حال عدمها مرئيّة للحقّ - تعالى - مسموعة “ 6 “ ، ولا ينبغي للمؤمن أن يتوقّف في ذلك ، فإنّ اللّه - تعالى - على كلّ شيء قدير . 
فإن قال قائل : هل هذا الذي وصف الحقّ - تعالى - نفسه بالقدرة عليه يشمل العدم المطلق ، أم هو خاصّ بالعدم الإضافيّ ؟ 
والجواب هو خاصّ بالعدم الإضافيّ كما مرّت الإشارة إليه قريبا ، فإنّ ما “ 7 “ لم يتضمّنه علمه القديم ليس هو بشيء قديم ، ولا حادث حتّى يوصف الحقّ - تعالى - بأنّه قدير عليه ، بل قالوا : لا يتّصف الحقّ - تعالى - بالقدرة على نفسه لقدمه ، وإن أطلق عليه شيء .
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ فالمطلق “ ، “ ز “ : العبارة : “ فالعدم المطلق هو ما لم . . . “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ز “ : “ وعدم إضافي “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أو “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ والممكنات “ . 
( 5 ) “ د “ : “ مقصودة “ ، وإخاله تصحيفا . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ مسموعة له “ . 
( 7 ) “ د “ : “ ما “ ساقطة .

“ 211 “
وقد قال في الباب التّسعين من “ الفتوحات “ “ 1 “ : اعلم أنّ اللّه - تعالى - لا يوصف بالقدرة إلّا على شيء “ 2 “ كما قال :إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” 3 “ ، فنفى تعلّق القدرة على ما ليس بشيء في علمه ، لأنّ “ لا شيء “ لا يقبل التّشبيه “ 4 “ ؛ إذ لو قبلها ما كانت حقيقته “ لا شيء “ ، ولا يخرج معلوم قطّ عن حقيقته ، فلا شيء محكوم عليه بأنّه لا “ 5 “ شيء أبدا ، وما هو شيء محكوم عليه بأنّه شيء أبدا “ 6 “ ، ويصحّ الجمع بين قولي المعتزلة والأشعريّة “ 7 “ بأن يحمل قول الأشعريّة أنّ كلّ ما وجد عن “ كن “ وجد عن عدم على العدم الإضافيّ لا على العدم المطلق ، ويحمل قول المعتزلة أنّ العالم كلّه وجد “ 8 “ عن ثبوت في العلم “ 9 “ لا في الوجود الظّاهر ؛ إذ العالم قديم في العلم ، حادث في الظّهور . 

وقال في باب الأسرار “ 10 “ : العجب كلّ العجب من رؤية الحقّ في القدم أعيانا حالها العدم ، ثمّ إنّه يقال : إذا أبرزهم إلى وجودهم “ 11 “ تميّزوا في الأعيان بحدودهم ، انظر وحقّق ما أنبّهك عليه ، ونظيره ما أوجد اللّه - تعالى - في عالم الدّنيا من “ 12 “ الكشف والرّؤيا ، فترى الأمور التي لا وجود لها في عينها قبل كونها ، وترى السّاعة في مجلّاها ، والحقّ - تعالى - يحكم بين عباده فيها حين جلّاها “ 13 “ ، وما ثمّ ساعة وجدت ، ولا حالة
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة الفرائض والسنن “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 252 . 
( 2 ) “ د “ : “ إلا على ما شيء “ . 
( 3 ) ( آل عمران الآية ، 165 ) . 
( 4 ) الفتوحات : “ الشيئية “ . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 257 . 
( 5 ) “ د “ : “ لا “ ساقطة ، وبهذا لا يستقيم المعنى . 
( 6 ) “ د “ : قوله : “ وما هو شيء محكوم عليه بأنه شيء أبدا “ ساقط . وهنا ينتهي كلام محيي الدين في الباب التسعين من الفتوحات ، وما بعده تفسير واستدراك للشعراني . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 257 . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الأشعرية والمعتزلة “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ أوجد “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ عن ثبوت ؛ أي ثبوت في العلم . . . “ . 
( 10 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 155 . 
( 11 ) “ ك “ : “ إلى الوجود “ . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ من “ ساقطة . 
( 13 ) “ د “ : قوله : “ والحق تعالى يحكم بين عباده فيها حين جلاها “ ساقط .

“ 212 “
ممّا رآها شهدت “ 1 “ ، فتوجد بعد ذلك في مرآها كما رآها “ 2 “ ، فإن تفطنت فقد رميت بك على الطّريق ، وهذا منهج التّحقيق ، انتهى “ 3 “ . 

فإن قال قائل : ما “ 4 “ المراد بالحقّ المخلوق به السّموات والأرض وما بينهما في قوله - تعالى - :ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ” 5 “ ، هل لهذا الحقّ عين موجودة أم لا ؟ 
فالجواب أنّ هذا موضع غلط فيه جماعة من أهل الابتداء في طلب طريق أهل اللّه تعالى ، فجعلوا لهذا الحقّ عينا موجودة ، والحقّ أنّ الباء هنا اللّام “ 6 “ ، ولهذا قال - تعالى - “ 7 “ في تمام الآية :تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُون َمن أجل الباء ، فمعنى بِالْحَقِّ: أي “ للحقّ “ ، وهذه الباء “ 8 “ هي عين اللّام في قوله - تعالى - :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( 56 ) “ 9 “ ، فإنّ الحقّ - تعالى - لا يخلق شيئا بشيء حقيقة ، وإنّما يخلق شيئا عند شيء ، وكلّ باء تقتضي الاستعانة والسّببيّة فهي لام ، فما خلق اللّه - تعالى - شيئا إلّا للحقّ “ 10 “ ، وهو أن يعبده ذلك المخلوق بحسب مقامه ، فيجازيه على ذلك بحسب ما سبق له في علمه “ 11 “ ، فاعلم ذلك ، واعتقد أنّ صفات الحقّ - تعالى - عالية عن صفات خلقه ، والحمد للّه ربّ العالمين .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ شهدت “ ساقطة . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كما رآها “ زيادة فيهما . 
( 3 ) انتهى كلام محيي الدين في باب الأسرار من الفتوحات المكية ، 8 / 155 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فما “ . 
( 5 ) ( الأحقاف ، الآية 3 ) . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بمعنى اللام “ . 
( 7 ) قوله : “ عينا موجودة ، والحق أن الباء هنا اللام ، ولهذا قال تعالى “ ساقط من “ ك “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ ومعنى هذه الباء هي معنى عين اللام “ . 
( 9 ) ( الذاريات ، الآية 56 ). 
( 10 ) “ ك “ : “ إلا بالحق “ . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ علمه تعالى “ .

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ معيّة الحقّ معيّة تحيّز كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:00 pm

توهّم أنّ معيّة الحقّ معيّة تحيّز كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

43 - [ توهّم خلق العالم على مثال سابق 

وممّا أجبت به من يتوهّم من كون العالم ثابتا “ 1 “ في العلم الإلهيّ قبل أن يخلقه الحقّ جلّ وعلا ، وأنّه “ 2 “ خلقه على مثال سبق ، فكأنّ هذا يقول : لا فرق بين خلق اللّه - تعالى - وخلق عباده بإذنه ، والجواب أنّ هذا المتوهّم إن كان قد توهّم أنّه - تعالى - أوجد العالم على حدّ ما علمه فتوهّمه حقّ ، إلّا أنّ عبادته فاسدة ، وإن كان توهّمه أنّ اللّه - تعالى - لم يعلم صور المخلوقات إلّا على حال ما سبق من علمه ، فذلك كفر . 
ومعلوم أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ اللّه - سبحانه وتعالى - أبدع العالم كلّه على غير مثال سبق عكس ما عليه عباده ، فإنّ اللّه - تعالى - إذا أقدر عبدا من عباده على أن يخلق شيئا بإذنه لا يخلقه إلّا إذا “ 3 “ أنشأه في نفسه أوّلا عن تدبير ورويّة ، ثمّ بعد ذلك تبرزه القوّة العمليّة “ 4 “ إلى الوجود الحسيّ على شكل ما يعلم له مثل ، وهذا محال في حقّ الحقّ تعالى ، فلم يزل الحقّ - تعالى - عالما بخلقه أزلا ، والخلق لا يعلمون بأنفسهم ، ولا يجوز أن يقال : 
الخلق “ 5 “ كانوا على صورة ، ثمّ علمها الحقّ - جلّ وعلا - قبل خلقهم ؛ لأنّه يؤذن بسبق صور العالم على العلم القديم ، وأنّه - تعالى - اخترع شيئا لم يكن يعلمه “ 6 “ ، وذلك كفر . 
وقد ثبت “ 7 “ بالأدلّة القاطعة نحو قوله “ 8 “ - تعالى - :أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ” 9 “ ، وقوله :إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” 10 “ أنّه عالم بكلّ شيء ، وأنّ علمه قديم ، وأنّه - تعالى - اخترعنا بالفعل على غير مثال سبق ، وأنّنا خرجنا للوجود على حدّ ما كنّا في علمه تعالى ، ولو لم يكن كذلك لخرجنا للوجود على حدّ ما لم “ 11 “ يعلمه الحقّ تعالى ، وما لا يعلمه لا يريده ، وما لا يريده ولا يعلمه لا يوجده ، فنكون نحن حينئذ موجودين بأنفسنا أو بحكم
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كان ثابتا “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الواو “ ساقطة . 
( 3 ) “ د “ : “ إذا “ ساقطة . 
( 4 ) “ ك “ : “ العلمية “ ساقطة . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ إن الخلق “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ لا يعلمه قبل ذلك . . . “ . 
( 7 ) “ ك “ : “ وقد سبق “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ على قوله تعالى “ . 
( 9 ) ( الملك ، الآية 14 ) . 
( 10 ) ( الشورى ، الآية 12 ) . 
( 11 ) قوله : “ في علمه تعالى ، ولو لم يكن كذلك لخرجنا للوجود على حد ما لم “ ساقط من “ ك “ و “ ز “ .

“ 214 “
الاتّفاق ، وإذا كنّا كذلك فلا يصحّ وجودنا عن عدم ، وقد ثبت بالبرهان القاطع وجودنا “ 1 “ عن عدم ؛ أي إضافيّ ، فإيّاك أن تفهم من قوله - تعالى -فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ” 2 “ ، إثبات الاستقلال بالخلق للخلق ، حيث أثبت - تعالى - أنّ هناك خالقين “ 3 “ ، ولكنّه - تعالى - أحسنهم خلقا ، فإنّ اللّه - تعالى - قد خلق عيسى - عليه الصّلاة والسّلام - “ 4 “ للطّير “ 5 “ بقوله بِإِذْنِي” 6 “ ، وقال :كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ” 7 “ ، ولم يقل : طيرا . 
وإيضاح قولهأَ حْسَنُ الْخالِقِينَ هو أن يعلم أنّ الحقّ - تعالى - لا يخلق شيئا إلّا عن شهود في علمه ، فيكسو “ 8 “ ذلك المخلوق بالخلق له حلّة الوجود بعد أن كان معدوما في شهود الخلق بخلاف العبد إذا خلق اللّه - تعالى - على يديه شيئا لا يقدر العبد [ على ] “ 9 “ خلقه إلّا بعد تصوّر شيء متقدّم من أعيان موجودة ، فيريد أن يخلق مثلها ، أو يبتدع مثلها ، والحقّ - تعالى - لم يزل عالما بالأشياء أزلا “ 10 “ ، ولا يحتاج إلى تقدّم مثال آخر ، لأنّه لا افتتاح لعلمه ولا لمعلومه ، كما تقدّم إيضاحه في هذا الباب مرارا ، وقد حصل الفرق بذلك بين خلق اللّه تعالى ، وبين ما خلقه العباد بإذنه “ 11 “ . 
وقد سئل أبو القاسم الجنيد - رحمه اللّه - عن هذا العالم هل هو قديم أو حادث ، فقال هو وجود متردّد بين وجود وعدم لا يخلص لأحد الطّرفين “ 12 “ ، فيا لها من حيرة ، فإنّه لو كان موجودا لا يتّصف بالعدم لكان حقّا ، ولو كان معدوما لا يتّصف بالوجود لكان محالا ، انتهى . 
وقال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب الثّامن والتّسعين ومائة من “ الفتوحات “ “ 13 “ : 
من قال إنّ العالم موجود عن عدم صدق ، ومن قال إنّه موجود عن وجود ؛ يعني في علم
.................................................................................
( 1 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ وجودنا “ ساقطة . 
( 2 ) ( المؤمنون ، الآية 14 ) . 
( 3 ) “ ك “ : قوله : “ حيث أثبت تعالى أن هناك خالقين “ ساقط . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيهما . 
( 5 ) “ د “ : “ للطير “ ساقطة . 
( 6 ) ( المائدة ، الآية 110 ) . 
( 7 ) ( المائدة ، الآية 110 ) . 
( 8 ) “ ك “ : “ فيكشف “ . 
( 9 ) إضافة من المحقق . 
( 10 ) “ د “ : “ أزلا “ ساقطة . 
( 11 ) “ د “ : “ بإذنه “ ساقطة . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لأحد الطريقين “ . 
( 13 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة النفس بفتح الفاء “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 29 .

“ 215 “
الحقّ ، صدق ، وأطال في ذلك ، ثمّ أنشد “ 1 “ :فلو رأيت الذي رأينا * علمت ما منه قد خلقتا “ 2 “ 

فظاهر الأمر كان قول * وباطن الأمر أنت كنتا “ 3 “ 
قد أثبت الشّيء قول ربّي * لو لم يكن ذاك ما وجدتا “ 4 “ 
فالعدم المحض ليس فيه * ثبوت عين ، فقل صدقتا 
لو لم تكن ثمّ يا حبيبي * إذ قال كن لم تكن سمعتا “ 5 “ 
فأيّ شيء قبلت منه ال * كون أو كون عين أنتا “ 6 “
وأنشد أيضا في الباب الثّامن وثلاثمائة “ 7 “ :
عجبي من قائل كن لعدم * والذي قيل له لم يك ثمّ 

ثمّ إن كان فلم قيل له * لتكن “ 8 “ والكون ما لا ينقسم 
فلقد أبطل كن قدرة من * دلّ بالعقل عليها وحكم 
كيف للعقل دليل والذي * قد بناه العقل بالكشف هدم 
فنجاة النّفس في الشّرع فلا * تك إنسانا رأى ثمّ حرم “ 9 “ 
واعتصم بالشّرع في الكشف فقد * فاز بالخير عبيد قد عصم 
أهمل الفكر ولا تحفل به * واتركنّه مثل لحم في وضم
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ثم قال “ ، والشعر من مخلع البسيط لمحيي الدين . 
( 2 ) العجز في الفتوحات : “ ما قلت إلا أنا هو أنتا “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ب “ : “ كنت أنتا “ وما أثبته من “ أ “ و “ ك “ والفتوحات المكية ، 4 / 46 . 
( 4 ) في النسخ جميعها : “ لو لم تكن ثمّ ما وجدتا “ ، وما أثبته هو ما ورد في الفتوحات . 
( 5 ) “ د “ ، “ ب “ : “ لم “ ساقطة ، وما أثبته من الفتوحات المكية ، 4 / 46 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ز“ : “ الكون أو كون أنت أنتا “ . انظر الشعر : الفتوحات المكية ، 4 / 46. 
( 7 ) الشعر من الرمل لمحيي الدين ، ذكره في مستفتح حديثه عن الباب الثامن وثلاثمائة ، وقد وسمه ب “ معرفة منزل اختلاط العالم الكلي من الحضرة المحمدية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 46 . 
( 8 ) الفتوحات : “ لتكن “ . 
( 9 ) في النسخ جميعها : “ جرم “ .

“ 216 “
كلّ علم يشهد الشّرع له * هو علم فبه فلنعتصم 

وإذا خالفه “ 1 “ العقل فقل * طورك الزم ما لكم فيه قدم 
مثل ما جهل اللّوح الذي * خطّ فيه الحقّ من علم القلم “ 2 “ ،انتهى . 
قال بعضهم : ووجه التّعجّب في كلام الشّيخ كون الحقّ - تعالى - أضاف التّكوين في قوله - تعالى - :إِنَّما قَوْلُنا” 3 “لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( 40 ) “ 4 “ ، إلى ذلك الشّيء الذي يكون لا إلى القدرة الإلهيّة ، فكأنّه - تعالى - قال لمخلوق : اخرج للصّلاة ، فخرج ، انتهى . 
وقال بعضهم : الحقّ أنّ للحقّ - تعالى - أن يفعل ما يريد ، ويكون ذلك من باب خطاب الصّفة لموصوفها ، انتهى “ 5 “ فليتأمّل ما نقول به نحن خلاف ما قاله هذان الشّخصان ، انتهى “ 6 “ ، ولكن لا يذكر إلّا مشافهة لأهله ، والحمد للّه ربّ العالمين . 
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 7 “ يقول في بعض الهواتف الربّانيّة “ 8 “ : 

يا عبدي ، أنا النّور لوجوبي ، وأنت الظّلمة الممتزجة “ 9 “ لإمكانك ، فإيّاك أن تعرض عن شهود ظلمتك ، فتعرض عن إمكانك ، وإذا أعرضت عن إمكانك “ 10 “ جهلتني ولم تعرفني ، فإنّه لا دليل لك على أنّي إلهك “ 11 “ وموجدك إلّا إمكانك ، وهو شهود ظلمتك ، فلا تنظر إليّ نظرا يغيّبك عن شهود ظلمتك ، فتدّعي أنّك أنا ، فتقع في الغلط ، ولا تنظر إلى ظلمتك
.................................................................................

( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ خالفك “ ، أما الفتوحات فهي “ خالفه “ . 
( 2 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 46 . 
( 3 ) “ أ “ ، “ ب “ ، “ د “ : “ أمرنا “ . 
( 4 ) ( النحل ، الآية 40 ) . 
( 5 ) “ ك “ : “ انتهى “ ساقطة . 
( 6 ) “ ك “ : “ انتهى “ ساقطة . 
( 7 ) “ ب “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه “ ساقطة . 
( 8 ) ليس الكلام الذي سمعه الشعراني عن الشيخ علي المرصفي للأخير ، بل هو لمحيي الدين في الباب السابع والسبعين ومائة من الفتوحات المكية ، وقد نقله بتصرف . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 456 . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ المهرجة “ ، وهو تصحيف وتحريف . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ وإذا أعرضت عن إمكانك “ ساقط . 
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ إلهك وربك وموجدك “ ، وهكذا هو الفتوحات المكية ، 3 / 456 .

“ 217 “
نظرا يغيّبك عنّي “ 1 “ ، فتجهل ما خلقتك له ، فكن تارة وتارة ، وما خلقت “ 2 “ لك عينين إلّا لتشهدني بالواحدة “ 3 “ ، وتشهد ظلمتك بالأخرى ، انتهى “ 4 “ ، فقد بان لك بما قرّرناه الفرق بين فعل اللّه وفعل عباده ، وإن كان كلّ فعل في الوجود يرجع إلى اللّه - تعالى - “ 5 “ وحده ، والحمد للّه ربّ العالمين .

44 - [ توهّم أنّ صفات الحقّ غيره ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ صفات الحقّ - تعالى - “ 6 “ غيره : 
اعلم يا أخي أنّ النّاس قد اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا ، قال إمام المتكلّمين بالمغرب أبو عبد اللّه الكتّانيّ - رحمه اللّه - “ 7 “ : كلّ من تكلّف دليلا “ 8 “ على كون الصّفات الإلهيّة عينا أو غيرا فهو قاصر ، لكن من قال إنّها عين أكثر أدبا مع اللّه - تعالى - ممّن يقول إنّها “ غير “ ؛ لأنّ جميع الأسماء والصّفات الإلهيّة نسب وإضافات ترجع إلى عين واحدة ؛ لأنّه لا يصحّ هناك كثرة بوجود أعيان أخر كما زعمه بعض النّظّار “ 9 “ ، ولو كانت الصّفات الإلهيّة أعيانا زائدة وما هو إله إلّا بها لكانت الألوهيّة معلومة ، ثمّ إنّه لا يخلو أن تكون الصّفات عين الإله ، فالشّيء لا يكون علّة لنفسه ، أو لا تكون عينه ، فالحقّ - تعالى - لا يكون معلولا لعلّة ليست عينه ، فإنّ العلّة متقدّمة على المعلول بالرّتبة ، فيلزم من ذلك افتقار الإله من كونه معلولا لهذه الأعيان الزّائدة التي هي
.................................................................................
( 1 ) “ أ “ : قوله : “ عن شهود ظلمتك ، فتدّعي أنّك أنا ، فتقع في الغلط ، ولا تنظر إلى ظلمتك نظرا يغيبك “ ساقط . 
( 2 ) “ د “ : “ وما جعل “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ بواحدة “ . 
( 4 ) انتهى الكلام الذي نسبه الشعراني للشيخ علي المرصفي ، وهو لمحيي الدين كما تقدم آنفا . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 6 ) “ ب “ : العبارة : “ صفات اللّه تعالى “ . 
( 7 ) هو محمد بن علي بن عبد الكريم ، الشهير بابن الكتاني ، من أهل فاس مولدا ووفاة سنة ( 577 هـ ) ، عرف بزهده وإعراضه عن الدنيا، كان غزير العلم بالفقه، زاهدا متعبدا شاعرا ، له ترجمة في جذوة الاقتباس ، 137 ، والأعلام ، 6 / 280. 
( 8 ) “ ب “ : “ دليلا “ ساقطة . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ النظام “ .

“ 218 “
علّة له ، وهو محال ، فبطل أن تكون الأسماء والصّفات أعيانا زائدة على ذاته ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا . 
وقال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب السّادس والخمسين من “ الفتوحات “ “ 1 “ : اعلم أنّ اللّه - تعالى - قادر خبير “ 2 “ ، كلّ ذلك بنفسه لا بأمر زائد على ذاته ؛ إذ لو كان ذلك بأمر زائد على ذاته ، وهي صفات كمال ، لا يكون كمال الذّات إلّا بها ، لكان كماله - تعالى - بشيء زائد “ 3 “ ، واتّصفت ذاته بالنّقص والفقر إذا لم يقم بها هذا الزّائد ، قال : وهذا هو الذي “ 4 “ دعا بعض المتكلّمين إلى أن يقول في صفات الحقّ - تعالى - “ 5 “ إنّها عينه ، وأمّا من يقول إنّها غيره “ 6 “ ، فدعاه إلى ذلك كونه رأى صفات المعاني ؛ كالعلم بقدر رفعه مع كمال ذات العالم من الخلق ، فلمّا أعطاه الدّليل ذلك طرده شاهدا وغائبا ، يعني في حقّ الحقّ تعالى “ 7 “ ، كما هو في حقّ الخلق ، فأخطأ كلّ الخطأ ؛ وذلك لأنّ الحكم على المحكوم عليه بأمر ما من غير أن يعلم “ 8 “ ذات المحكوم عليه وحقيقته جهل عظيم من الحاكم عليه ، فرحم اللّه الإمام أبا حنيفة حيث لم يقض على الغائب بشيء “ 9 “ .
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة الاستقراء وصحته من سقمه “ ، انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 428 . 
( 2 ) “ ك “ : “ عالم قادر خبير “ ، “ ب “ : “ عالم خبير “ . 
( 3 ) قوله : “ على ذاته ؛ إذ لو كان ذلك بأمر زائد على ذاته ، وهي صفات كمال ، لا يكون كمال الذّات إلّا بها ، لكان كماله تعالى بشيء زائد “ ساقط من “ ب “ ، وهو مثبت في الفتوحات المكية ، 1 / 429 . 
( 4 ) “ د “ : “ وهو الذي “ ، “ ز “ : “ وهذا الذي “ ، وفي الفتوحات : “ وهذا الذي 
( 5 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ وأما من قال إن صفات الحق تعالى غيره 
( 7 ) الفتوحات : “ يعني في الحق والخلق “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 429 . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ تعلم “ . 
( 9 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 429 ، وقد قال في موضع آخر : “ يرحم اللّه أبا حنيفة ، ووقاه من كل خيفة ، حيث لم يحكم على الغائب ، وهو عندي من أسدّ المذاهب ، وأحوط من جميع المذاهب “ . انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 125 . أما أبو حنيفة فهو النعمان بن ثابت ، “ الإمام البارع ، والبدر الساطع ، ولد سنة ثمانين من الهجرة بالكوفة ، ونشأ بها ، ثم نقله المنصور إلى بغداد ، فأقام بها حتى مات ، كان يسمى الوتد ، لكثرة تهجده قائما ، ولم يفطر منذ ثلاثين ، وصلى خمسا وأربعين سنة الصلوات الخمس بوضوء واحد ، أدرك أربعة من الصحابة ، أكره على توليته القضاء ، وضرب على رأسه ضربا شديدا أيام مروان فلم يل ، ولما أطلق قال : “ كان غم والدتي عليّ أشد -

“ 219 “
وأمّا وجه قول من قال إنّ صفات الحقّ “ 1 “ لا هي عينه ، ولا هي غيره ، فهو أنّه رأى العلم صفة للعالم من الخلق ، وهي حجاب بينه وبين ربّه لا يمكن العبد أن يرفع ذلك “ 2 “ الحجاب أبدا ، بل هو خلف علمه دائما ، ولذلك قالوا : العلم حجاب ، أي بين العبد وربّه ، فما عرف الحقّ - تعالى - حقيقة إلّا علم العبد لا العبد ، فلمّا علم هذا القائل ذلك قال في الصّفات : ما هي غيره فقط ، ووقف ، ثمّ إنّه رأى الصّفة أمرا معقولا زائدا على “ هو “ ، فنفى هذا القائل أن تكون الصّفات “ هو “ ، وما قدر “ 3 “ على أن يثبت “ هو “ من غير علم يصفه “ 4 “ به ، فقال : وما هو غيره ، فحار ، فنطق بما أعطاه فهمه ، وقال : صفات الحقّ لا هي هو ، ولا هي غيره “ 5 “ . 

وقال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب السّبعين وأربعمائة “ 6 “ : وهو كلام خليّ من الفائدة لا روح فيه ، ويدلّ على قصور “ 7 “ صاحبه في العلم ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : ولكن إذا قلنا نحن مثل هذا القول لا نقوله على حدّ ما يقوله المتكلّمون ؛ لأنّهم يعقلون الزّائد ،
- عليّ من الضرب “ ، قيل إنه سجن حتى توفي في السجن ببغداد سنة ( 150 ه ) ، كتب عنه كثير من القدماء والمحدثين ، وأفردوا له كتبا ، انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 4 / 576 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 5 / 222 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 10 / 110 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 27 / 89 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 1 / 129 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 1 / 469 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 1 / 227 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 461 ، والزركلي ، الأعلام ، 8 / 36 . 
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ صفات الحق تعالى “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أن يرفع الحجاب “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ يدري “ ، وهذا لا يتساوق مع ما بعده . 
( 4 ) “ د “ : “ يعتقده “ ، “ ك “ ، “ ز “ : يصعد به “ ، وهو تصحيف . 
( 5 ) العبارة لمحيي الدين في الباب السادس والخمسين ، انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 429 ، وكذلك في الباب السبعين وأربعمائة ، 7 / 150 ، وفيها يقول : “ وتتصف ذاته بالنقص إذا لم يقم بها هذا الزائد ، فهذا من الاستقراء ، وهذا الذي دعا المتكلمين أن يقولوا في صفات الحق: لا هي هو ، ولا هي غيره ، وفيما ذكرناه ضرب من الاستقراء الذي يليق بالجناب العالي“. 
( 6 ) عنوان هذا الباب : “ في حال قطب كان منزلهوَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( 56 ) . انظر : 
الفتوحات المكية ، 7 / 148 . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ فضول “ .

“ 220 “
ولا بدّ ، ونحن لا نقول بالزّائد ، انتهى “ 1 “ . 

وقال في الباب الثّامن والخمسين وخمسمائة “ 2 “ : إن قلنا : النّسب أمور عدميّة جعلنا “ 3 “ للعدم أثرا في الوجود ، وإن قلنا : إنّها أمور زائدة على الذّات ، وإنّها وجوديّة ولا كمال له - تعالى - إلّا بها ، جعلنا كماله - تعالى - بغيره “ 4 “ ، وقال في الباب الحادي عشر وخمسمائة “ 5 “ : من قال إنّ الصّفات هي “ هو “ صدق ، ومن قال ما هي “ هو “ صدق ، فمن هنا قال الأشعريّة : صفات الحقّ - تعالى- منها ما هي هو ، وما هو “ 6 “ غيره ، وذلك الاختلاف الذي يراه النّاظر فيها “ 7 “. 
أمّا من قال : لا هي هو ، ولا هي غيره ، فقد تقدّم كلام الشّيخ عليه قريبا ،
.................................................................................
( 1 ) نقل الشعراني عبارة محيي الدين متصرفا ، وفي ذلك الباب يقول : “ فقال : ما هو غيره ، فحار ، فنطق بما أعطاه فهمه ، فقال : إن صفة الحق ما هي هو ، ولا هي غيره ، ولكن ، إذا قلنا نحن مثل هذا القول ، ما نقوله على حد ما يقوله المتكلم ، فإنه لا يعقل الزائد ، ولا بد ونحن لا نقول بالزائد ، فما يزيد المتكلم على من يقول : إن اللّه فقير إلا بحسن العبارة ، ونعوذ باللّه أن نكون من الجاهلين ، فهذا بعض نتائج هذا الهجير ، واللّه يقول الحق ، وهو يهدي السبيل “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 150 . 
( 2 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة الأسماء الحسنى التي لرب العزة ، وما يجوز أن يطلق عليه منها لفظا وما لا يجوز “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 288 . 
( 3 ) “ أ “ ، “ د “ ، “ ز “ : “ جعلت “ . 
( 4 ) يوضح محيي الدين هذه المسألة بقوله : “ إن تلك النسب أمور زائدة على ذاته ، وإنها وجودية ، ولا كمال له إلا بها ، وإن لم تكن كان ناقصا بالذات ، كاملا بالزائد الوجودي ، وإن قلنا : ما هي هو ، ولا هي غيره ، كان خلفا من الكلام ، وقولا لا روح فيه ، يدل على نقص عقل قائله ، وقصوره في نظره أكثر من دلالته على تنزيهه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 290 . 
( 5 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة حال قطب كان منزلهإِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً،وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ .انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 221 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وما هي غيره “ . 
( 7 ) شرح الشعراني قول محيي الدين المنظوم ، فقد نثر شعره الذي قاله في الفتوحات :منزه الحق لا يدري بذاك ولا * مشبه الحق لا يدري وأدريه 
فمن ينزهه عنه يشبهه * به فهذا الذي قد قلته فيه” وهذا الفرقان الذي أنتجته التقوى لا يكون إلا بتعليم اللّه ، ليس للنظر الفكري فيه طريق غيره ، فإن أعطاه اللّه الإصابة في النظر الفكري ، فما هو هذا العلم الخاص ، فإن الطريق تميز العلوم المشتبهة بالصورة المختلفة بالذوق “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 222 .

“ 221 “
انتهى “ 1 “ ، فاعلم ذلك ، واعتقد أنّ صفات الحقّ - تعالى - عينه ليباين “ 2 “ صفات خلقه ، وإن لم تصل إلى ذلك إلّا بالسّلوك على يد شيخ ، وجب عليك السّلوك ليرفع عنك الحجاب ، وذلك هو الكمال الذي فيه يعطى “ 3 “ الحقّ - تعالى - الأدب على الكشف واليقين ، دون الظّنّ والتّخمين “ 4 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين “ 5 “ .


45 - [ توهّم عدم إيلام الحقّ للدّوابّ والأطفال ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم أنّه “ 6 “ ليس للّه “ 7 “ - تعالى - إيلام الدّوابّ والأطفال ، ويحجر على الحقّ - تعالى - في ملكه كما بلغني عن بعضهم “ 8 “ ، والجواب أنّ مثل هذا التوهّم لا يقع إلّا من جاهل باللّه - تعالى - وبأحكامه ، فإنّ اللّه - تعالى - يتصرّف في خلقه بالملك ، وله أن يفعل بهم ما يشاء ، ولو لم يقع منهم ذنب كما يقع منه - تعالى - ذلك حين يأمر إسرافيل بنفخة الصعق ، فيميتهم من أوّلهم إلى آخرهم إلّا من شاء اللّه ، ولا يصحّ الاعتراض عليه “ 9 “ إلّا لو كان متصرّفا في ملك غيره ، وقد قال - تعالى - :إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً( 93 ) “ 10 “ ، وقال - تعالى - :يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ *” 11 “ ، من حضرة إطلاقه تعالى ، كما أنّه لا يغفر أن يشرك به من حضرة تقييده ، فالكامل من آمن بهاتين الحضرتين لو فرض أنّه - تعالى - أراد تعذيب المطيع “ 12 “ ، أو عدم المغفرة لعصاة الموحدّين “ 13 “ ، أو فرض إثابتهم “ 14 “ ، ويقرب من هذه
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ انتهى “ ليست فيها . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لسائر “ . 
( 3 ) “ د “ : “ الذي يعطي “ . 
( 4 ) “ ب “ : العبارة : “ أوجب عليك السّلوك ؛ لتعطي الحق تعالى الأدب على الكشف واليقين ، دون الظّن والتّخمين “ . 
( 5 ) “ ب “ : قوله : “ والحمد للّه رب العالمين “ ليس فيها . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أن “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ ليس للحق “ . 
( 8 ) “ د “ : قوله : “ كما بلغني عن بعضهم “ ساقط . 
( 9 ) “ ب “ : “ عليه “ ساقطة . 
( 10 )  ( مريم ، الآية 93) . 
( 11 ) الآية ( المائدة ، 18 ، الفتح ، 14 ) . 
( 12 ) “ ب “ : العبارة : “ ولو فرض أنّه تعالى أراد . . . “ . 
( 13 ) “ ب “ : “ للعصاة “ . 
( 14 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : قوله : “ أو فرض إثابتهم “ ساقط . 

“ 222 “
المسألة اختلاف النّاس في إنفاذ الوعيد بالعذاب في حقّ عصاة الموحّدين إذا ماتوا على غير توبة مثلا “ 1 “ .


46 - [ كلام الشّيخ محيي الدّين ابن العربي على هذه المسألة ] 

وقد قال في باب الأسرار من “ الفتوحات “ في قوله - تعالى - :ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا” 2 “ : اعلم أنّ الحقّ - تعالى - أخبر في هذه الآية أنّ كلّ ما حصل للعبد من الأمور المؤلمة فهو جزاء ما هو ابتلاء “ 3 “ ، فما ابتليت البريّة “ 4 “ وهي بريّة “ 5 “ . قال : وهذه “ 6 “ مسألة صعبة المرتقى قد اختلف فيها طائفتان كبيرتان من المسلمين ، فمنعت إحداهما ما أجازت الأخرى ، ونصرت كلّ واحدة ما مرّ في غرضها “ 7 “ ، وذلك عين مرضها ، قال : وأمّا الطّبقة العليا من أهل الكشف ، فعلموا الأمر يقينا ، وأنّه لم يكن في الدّنيا أمر مؤلم قطّ إلّا وهو جزاء ما هو ابتلاء ؛ كقول الطّبيب إذا تألّم المريض من التّداوي : واللّه ما قصدت إلّا نفعك بما وصفته لك من الدّواء الكريه المؤلم ، فإذا مرض الطّبيب ولم يدر من أيّ باب دخل عليه المرض ، قال له الحقّ - جلّ وعلا - : إنّما أصابك هذا الألم مجازاة لك على ما أدخلته على المرضى من الآلام ، فخذ جزاء ما فعلته ، وإن كان ذلك “ 8 “ الألم ما قصدته أنت ، انتهى “ 9 “ ، فليتأمّل . 
وقال في الباب الثّالث والعشرين وثلاثمائة “ 10 “ : اعلم أنّ إنفاذ الوعيد قد نفاه قوم
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ مثلا “ ساقطة . 
( 2 ) ( الروم ، الآية 41 ) . 
( 3 ) “ ك “ : “ ابتداء “ ، وهو تصحيف ظاهر . 
( 4 ) “ ك “ : “ ابتليت “ ساقطة . 
( 5 ) يعني بذلك “ بريئة “ ، وانظر قول محيي الدين في الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 157 . 
( 6 ) “ د “ : “ والجواب أن هذه مسألة . . . “ ، وفي الفتوحات المكية كما هو في المتن . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ : العبارة : “ ونصرت واحدة ما قام في غرضها “ . 
( 8 ) “ د “ : “ لك الألم “ . 
( 9 ) انتهى كلام محيي الدين في باب الأسرار ، 8 / 157 . 
( 10 ) ورد كلام محيي الدين في الباب الثامن والتسعين ومائتين من الفتوحات ، لا كما ذكره الشعراني ، وعنوان هذا الباب “ في معرفة منزل الذكر من العالم العلوي في الحضرة المحمدية “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 476 .

“ 223 “
مع أنّه واقع في دار الدّنيا ، وأثبته قوم ، والذي أثبته هو المحقّ “ 1 “ ، فإنّ من قال به لم يقيّده بوقوعه في الآخرة ، فيحمل الفرق بوقوع العقوبة في دار الدنيا بوجه من الوجوه ، فينبغي حمل “ 2 “ من قال بإنفاذه على الدّنيا “ 3 “ بحصول الآلام النّفسيّة والحسّيّة “ 4 “ فيها ، وذلك عين إنفاذ الوعيد في حقّهم ؛ لأنّه لا بدّ لكلّ إنسان “ 5 “ من وقوع ما يؤلمه ، فصحّ قوله المعتزلة في مسألة إيلام البريء والطّفل ، فإنّ الأشعريّ يجوّز وقوع ذلك على اللّه تعالى ، وما كلّ جائز واقع “ 6 “ . 

وكان الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 7 “ يقول : وكلّ ما احتجّ به الأشعريّة على المعتزلة ليس هو بملزم ، فإنّ القائلين بإنفاذ الوعيد مصيبون ، ولكن حيث يعيّنه الحقّ - تعالى - في الدّنيا أو في الآخرة “ 8 “ ، فإذا أنفذه في الدّنيا بمرض ، أو ألم نفسيّ ، أو حسيّ ، كان ذلك عقوبة ، وكان سترا له عن عذاب الآخرة ، انتهى “ 9 “ . 
إذا علمت ذلك فاحمل كلام من قال بإنفاذ الوعيد ، ولا بدّ ، على هذه الأمراض والآلام التي لا يسلم منها أحد ، وأنّها تكفي في إنفاذ عقوبة الذّنب ، فإنّ اللّه - تعالى - قد يعفو عن صاحبها ما عدا العصابة الذين يدخلون النّار من عصاة الموحّدين ، والحمد للّه ربّ العالمين .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ الحق “ . 
( 2 ) “ ك “ : العبارة : “ فينبغي حمل كلام من . . . “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ على الدنيا “ ساقطة . 
( 4 ) “ ب “ : “ الحسية “ ساقطة . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لكل مخلوق “ . 
( 6 ) الكلام لمحيي الدين في الفتوحات المكية ، 4 / 477 . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه تعالى عنه “ . 
( 8 ) “ ب “ : “ في الدنيا والآخرة “ . 
( 9 ) عبارة محيي الدين في الفتوحات في قوله - تعالى - :لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ :” فقد قرر الذنب ، وأوقع المغفرة ، وأفهم من ذلك عباده أنه لا يعاقبهم في الآخرة ، وما علق المغفرة بالدنيا لما فيها من الالآم والأمراض النفسية والحسية ، وهو عين إنفاذ الوعيد في حقهم، ويصح قول المعتزلي في هذه المسألة؛ مسألة إيلام البريء، فإن الأشعري يجوز ذلك على اللّه...“. 
انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 477 .

“ 224 “

[ توهّم أنّ قرب الحقّ أو بعده مسافة ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم في قرب الحقّ - تعالى - من عبده ، أو بعده منه “ 1 “ أنّه مسافة ، كما هو وصف الأجسام : 
اعلم يا أخي أنّ شهود “ 2 “ البعد والقرب إنّما هو راجع إلى شهود العبد لا إلى الحقّ “ 3 “ تعالى ، فإنّه على الدّوام أقرب إلى العبد “ 4 “ من حبل الوريد ، وفي هواتف محمّد بن عبد الجبّار النّفّريّ “ 5 “ - رحمه اللّه - : يقول اللّه - عزّ وجلّ - : من شهد قربي تارة ، وبعدي عنه تارة ، فما عرفني ، فإنّ القرب الذي عرفه هذا مسافة ، والبعد الذي عرفه مسافة “ 6 “ ، وذلك من صفات الأجسام ، وأنا ليس بجسم ، فلا بعدي ، كما يليق بجلالي ، عرفوا ، ولا قربي ، كما يليق بجلالي ، عرفوا ، انتهى . 
وقال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في باب الأسرار من “ الفتوحات “ : من أعجب ما يعتقده “ 7 “ أهل التّوحيد وصفه - تعالى - بالقريب والبعيد ، قريب ممّن ؟ وبعيد عمّن ؟ هو “ 8 “ أقرب إلى جميع العبيد من حبل الوريد “ 9 “ . 
وقال في الباب السّتّين ومائتين “ 10 “ : ليس للبعد من اللّه - تعالى - سبيل ، وإنّما البعد
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : قوله : “ من عبده “ ساقط . 
( 2 ) “ د “ : “ أن شهود العبد البعد . . . “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ : “ الحق “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 4 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ العبيد “ . 
( 5 ) هو أبو عبد اللّه محمد بن عبد الجبار بن الحسن النّفّري ، نسبته إلى بلة نفّر بين الكوفة والبصرة ، من مصنفاته “ المواقف “ و “ المخاطبات “ ، وكلاهما في التصوف ، توفي سنة ( 354 ه ) ، من كلامه : إذا تعلق العارف بالمعرفة ، وادعى أنه تعلق بي ، هرب من المعرفة كما هرب من النكرة ، انظر ترجمته : 
الشعراني ، لواقح الأنوار ، 3 / 429 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 152 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 5 / 433 ، والزركلي ، الأعلام ، 6 / 184 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 384 . 
( 6 ) “ ب “ : قوله : “ والبعد الذي عرفه مسافة “ ساقط . 
( 7 ) “ ك “ : “ يعتقد “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ وهو “ . 
( 9 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 129 . 
( 10 ) “ أ “ ، “ ب “ : ومائة ، وليس بصحيح ، وإنما هو كما ذكر في المتن والفتوحات ، وعنوان هذا الباب “ في معرفة القرب ، وهو القيام بالطاعات ، وقد يطلقونه ، ويريدون به “ قرب قاب قوسين “ . والقرب - 

“ 225 “
منه - تعالى - أمر إضافيّ “ 1 “ يظهر في نسبة أثر أحكام “ 2 “ الأسماء الإلهيّة ، فزمان نسبة أثر حكم الاسم الإلهيّ في شخص هو “ 3 “ زمان اتّصافه “ 4 “ بالقرب من العبد ، وقرب العبد منه ، وأمّا الاسم الذي ما له نسب آثار في حكم العبد “ 5 “ في ذلك الوقت فهو بعيد عنه ، فإذا أطاع العبد فهو قريب من نسبة أثر “ 6 “ الاسم “ العزيز “ مثلا ، وإذا عصى فهو قريب من نسبة أثر الاسم “ 7 “ “ المذلّ “ كذلك ، ولا بعد في الحقيقة من الحقّ بوجه من الوجوه ، وإنّما ذلك كلّه راجع إلى شهود العبد “ 8 “ . 

وكثيرا ما يتوالى على العبد الطّاعات ، فيصير يحسّ بشدّة قربه من اللّه تعالى ، فيسأله في حوائجه من غير واسطة ، وتارة يعصيه ، فيصير يشهد “ 9 “ نفسه بعيدا ، فيسأله “ 10 “ بالوسائط حتّى إنّه يدقّ توابيت الأولياء الأموات “ 11 “ ، وقد تقدّم الجواب عن قول بعضهم : 
إذا كان الحقّ - تعالى - أقرب إلى عبده من حبل الوريد ، فكيف أمر العبد بالاستعاذة من الشّيطان ، وليس له محلّ يدخل منه “ 12 “ للوسوسة ، وإنّ الإشكال لا يأتي في جانب الحقّ تعالى ؛ لأنّ قربه ليس كقرب الأجسام لاستحالة الجسميّة في حقّه تعالى ، فاعلم ذلك ، فإنّه نفيس ، وإيّاك أن تظنّ بالحقّ - تعالى - “ 13 “ التّحييز في جهة من الجهات كالأجسام ،
- عنده على ثلاثة أنحاء : قرب بالنظر في معرفة اللّه ، وقرب بالعلم ، وقرب بالعمل . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 281 . 
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ أمر “ ساقطة . 
( 2 ) “ د “ ، “ ز “ : العبارة : “ يظهر في نسب أحكام الأسماء . . . “ . 
( 3 ) “ ب “ : العبارة : “ فزمان نسبة البعد أثر حكم الاسم الإلهي في شخص “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ز “ : “ زمن اتصافه ؛ أي الاسم . . . “ ، وليس هذا الشرح في الفتوحات المكية . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ وأمّا الاسم الذي ما له حكم العبد “ . 
( 6 ) “ د “ : قوله : “ نسبة أثر “ ساقط . 
( 7 ) “ د “ ، “ ز “ : قوله : “ نسبة أثر “ ساقط . 
( 8 ) انظر كلام محيي الدين في الفتوحات المكية ، 4 / 283 . 
( 9 ) “ ب “ : “ فيصير “ ساقطة . 
( 10 ) “ ب “ : قوله : “ في حوائجه من غير واسطة ، وتارة يعصيه فيشهد نفسه بعيدا ، فيسأله “ ساقط . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الأموات من الأولياء “ . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ منه “ ساقطة . 
( 13 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .

“ 226 “
فتخطئ ، والحمد للّه ربّ العالمين .

[ توهّم أنّ كلام الحقّ يكون عن صمت متقدّم ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ كلامه - سبحانه وتعالى - يكون عن صمت متقدّم ، أو سكوت متوهّم : 
اعلم يا أخي أنّ كلام الحقّ - سبحانه وتعالى - “ 1 “ قديم يباين كلام عباده ونطقهم ؛ لأنّه قديم أزليّ لا يكيّف كسائر صفاته من علم وإرادة وقدرة ، كلّم به موسى عليه الصّلاة والسّلام ، سمّاه التّوراة والتّنزيل والزّبور والإنجيل “ 2 “ من غير تشبيه ولا تكييف حتّى لو سئل موسى - عليه الصّلاة والسّلام - : كيف سمعت كلام ربّك ؟ لا يقدر على إيصال علم كيفيّة ذلك إلينا بعبارة ؛ لأنّه من جملة علوم الأذواق ، كما لو قلت لمن ذاق طعم العسل “ 3 “ : دونك ، صف لي طعمه “ 4 “ ، لا يقدر على إيصال صورة ذوقه لك في عبارة ؛ وإيضاح ذلك أنّ علوم الأذواق لا تضبطها عبارة ، كما أنّ القديم لا تضبطه عبارة سواء كلام اللّه أو غيره من صفاته تعالى ، فإنّه لا يصحّ تكييفه ؛ إذ كلام اللّه - تعالى - “ 5 “ من غير لهاة ولا لسان ، كما أنّ سمعه من غير أصمخة ولا آذان ، كما أنّ بصره من غير حدقة ولا أجفان . 
قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب السّابع والتّسعين “ 6 “ من “ الفتوحات “ “ 7 “ : اعلم أنّ أوّل كلام شقّ أسماع الممكنات كلمة “ كن “ ، فما ظهر العالم “ 8 “ إلّا عن صفة
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحق تعالى “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ التّوراة والإنجيل والزّبور “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ذاق العسل “ . 
( 4 ) “ د “ : “ دونك “ ساقطة ، والعبارة : “ صف لنا طعمه “ . 
( 5 ) “ك“ : “كلامه تعالى“ ، ب : “كلامه من . . .“ ، “ز “ : “ كلامه سبحانه وتعالى . . “. 
( 6 ) “ ك “ : “ التاسع والتّسعين “ . وليس ذلك كذلك ، وإنما هو كما ورد في المتن والفتوحات . 
( 7 ) عنوان هذا الباب : “ في مقام الكلام وتفاصيله “ ، وافتتحه بقوله الدال على مضمونه :
إن الكلام عبارات وألفاظ * وقد تنوب إشارات وإيماء 

لولا الكلام لكنا اليوم في عدم * ولم تكن ثم أحكام وأنباء
انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 272 . 

( 8 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ العالم “ ساقطة .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ معيّة الحقّ معيّة تحيّز كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:01 pm

توهّم أنّ معيّة الحقّ معيّة تحيّز كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

“ 227 “
الكلام “ 1 “ ، وهو توجّه نفس الرّحمن على عين من الأعيان ، فيتكيّف بذلك النّفس شخصيّة ذلك المقصود ، فيعبّر عن ذلك الكون بالكلام ، وعن ذلك الشّيء المتكوّن عنه بالنّفس ، وعن الشّيء المتكوّن ( اسم فاعل ) بالعالم “ 2 “ ، فعلم أنّ نفس الحقّ - تعالى - لا يكيّف ولا يعقل ، انتهى “ 3 “ . وقد وردت الإشارة في ذلك “ 4 “ في نحو حديث : “ إنّ نفس الرّحمن يأتيني من قبل اليمن “ “ 5 “ ، انتهى ، فكان مراده - صلّى اللّه عليه وسلّم - بنفس الرّحمن تنفيسه عنه بالأنصار حين أتوه من اليمن . 
وقال في الباب الثّاني والثّمانين ومائة “ 6 “ في قوله - تعالى - :وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” 7 “ : إنّما قدّم الاسم “ السّميع “ على “ البصير “ لأنّ أوّل شيء علمناه “ 8 “ من الحقّ - تعالى - “ 9 “ القول منه ، والسّماع منّا ، فكان عنه الوجود ، انتهى “ 10 “ ، فلم نعلم الكلام إلّا بالسّمع ، فهو أوّل شيء علمناه من الصّفات كما قاله الكمال بن أبي شريف “ 11 “ .
.................................................................................
( 1 ) عبارة محيي الدين : “ فما ظهر العالم إلا عن صفة الكلام “ . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 272 . 
( 2 ) “ ب “ : “ اسم فاعل ؛ أي المتكون “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ اسم “ ساقطة . 
( 3 ) نقل الشعراني عبارة الفتوحات بتصرف ، انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 272 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ إلى ذلك “ . 
( 5 ) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 2 / 541 ، وروايته : “ ألا إن الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن “ . 
( 6 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة مقام السماع “ . وفي مفتتحه يقول ملخصا ما ورد في هذا الباب :خذها إليك نصيحة من مشفق * ليس السماع سوى سماع المطلق 
واحذر من التقييد فيه فإنه * قول يفند عند كل محقّق 
إن السماع من الكتاب هو الذي * يدريه كل معلم ومطرّقانظر : الفتوحات المكية ، 3 / 548 . 
( 7 ) ( الشورى ، الآية 11 ) . 
( 8 ) “ ك “ : “ علمنا “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه تعالى “ ، “ ب “ : “ الحق تعالى “ . 
( 10 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 549 ، وفيها يقول : “ وكذلك نقول في هذا الطريق : كل سماع لا يكون عنه وجد ، وعن ذلك الوجد وجود ، فليس بسماع ، فهذه رتبة السماع التي يرجع إليها أهل اللّه “ . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ كما قاله الكمال بن أبي شريف “ ساقط . “ د “ : “ الأشرف “ ، وليس بصحيح . 
“ 228 “

[كيفيّة كلام اللّه وحدوثه وقدمه ] 

واعلم يا أخي أنّ مسألة كيفيّة كلام اللّه تعالى ، والكلام على حدوثه وقدمه من عضال المسائل ، وقد حصل بسببها ضرب وقتل للأئمّة ، فلنذكر لك أحسن ما رأيناه من كلام المتكلّمين ، ثمّ ما رأيناه من كلام العارفين ، فنقول وباللّه التّوفيق : 
اعلم أنّ القرآن يطلق على معنيين كما قاله الكمال بن أبي شريف - رحمه اللّه - “ 1 “ : أحدهما : الكلام القائم بالذّات المقدّس ، الثّاني : اللّفظ المنزّل على محمّد صلى اللّه عليه وسلّم ، وهل إطلاقه عليهما بالاشتراك ، أو هو في الثّاني مجاز مشهور ؟ 
الظّاهر الاشتراك ، ثمّ إنّ القرآن بالمعنى الأوّل محلّ نظر علماء أصول الدّين ، وبالمعنى الثّاني محلّ نظر علماء العربيّة والفقه وأصوله ، ووجه الإضافة في تسميته كلام اللّه بالمعنى الأوّل أنّه صفة للّه تعالى “ 2 “ ، وبالمعنى الثّاني أنّه - تعالى - أنشأه برقومه “ 3 “ في اللّوح المحفوظ لقوله - تعالى - :بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ( 21 ) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ( 22 ) “ 4 “ ، أو بحروفه في لسان الملك ؛ لقوله تعالى “ 5 “ :إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *( 40 ) “ 6 “ ، أو لسان النّبيّ لقوله - تعالى - “ 7 “ :نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ( 193 ) عَلى قَلْبِكَ” 8 “ ، ومعلوم أنّ المنزّل على القلب إنّما هو المعنى دون اللّفظ لا بمجرّد كونه دالّا على كلامه القديم ، ثمّ هل يعتبر في التّسمية بالقرآن بالمعنى الثّاني خصوص المحلّ كما قيل إنّه اسم لهذا المؤلّف القائم بأوّل لسان اخترعه اللّه - تعالى - فيه ؛ إذ لا يعتبر في التّسمية إلّا خصوص التّأليف الذي لا يختلف باختلاف المتلفّظين .
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى ونفعنا به “ . 
( 2 ) “ د “ : “ صفة كلام اللّه “ ، ك : “ صفة اللّه “ ، “ ز “ : “ صفة اللّه سبحانه وتعالى “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ برقومه “ ساقطة . 
( 4 ) ( البروج ، الآيتان 21 ، 22 ) . 
( 5 ) “ د “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما ، “ ز “ : “ لقوله سبحانه وتعالى “ . 
( 6 ) ( الحاقة ، الآية 40 ، التكوير ، الآية 19 ) . 
( 7 ) “ د “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 8 ) ( الشعراء ، الآيتان 193 ، 194 ) .


“ 229 “
قال الكمال بن أبي شريف “ 1 “ : الصّحيح الثّاني ؛ لأنّا نقطع أنّ ما يقرؤه كلّ واحد منّا هو القرآن المنزّل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ، وعلى الأوّل يكون مثل القرآن لا نفسه ، قال : وقد منع السّلف الصّالح من إطلاق القول بحلول القرآن بالمعنى الثّاني في اللّسان “ 2 “ ، أو في المصحف ، ومن القول بكونه مخلوقا أدبا واحترازا عن ذهاب الوهم إلى القرآن بالمعنى الأوّل الذي هو الكلام النّفسيّ “ 3 “ القائم بذاته تعالى ، انتهى . 
وقال الشّيخ أبو طاهر “ 4 “ القزوينيّ - رحمه اللّه - “ 5 “ : قد أجمع السّلف كلّهم على أنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوق من غير بحث منهم ، هل ذلك القراءة ، أو المقروء ، أو المكتوب ؟ 
كما أجمعوا أنّهم إذا زاروا قبر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلّم - أنّ المزور والمصلّى عليه “ 6 “ ، والمسلّم هو النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - من غير بحث أنّه شخصه أو روحه ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : وبالجملة فالأئمّة الكبار “ 7 “ من شيوخ السّلف مثل الإمام أحمد “ 8 “ ،
.................................................................................
( 1 ) أبو المعالي كمال الدين محمد بن محمد بن أبي شريف القدسي الشافعي ، فقيه أصولي مفسر متكلم ولد في القدس سنة ( 822 ه ) ، وقرأ على علمائها القرآن بالروايات والأصول والمنطق والعروض والحديث ، ورحل إلى القاهرة ، وأخذ عن بعض علمائها كابن حجر والشمس القاياتي ، له رسالة في الطاعون ، وحاشية على تفسير البيضاوي لم تكمل ، وشرح على جمع الجوامع . انظر ترجمته : السخاوي ، الضوء اللامع ، 9 / 57 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 8 / 29 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 2 / 222 ، والزركلي ، الأعلام ، 7 / 53 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 632 . 
( 2 ) “ ب “ : “ باللسان “ . 
( 3 ) “ ك “ : “ كلام النفيس “ ، وهو تحريف وسهو . 
( 4 ) “ ك “ : “ أبو الطاهر “ ، “ ز “ : “ العلامة الشيخ أبو طاهر “ . 
( 5 ) ورد كلام أبي طاهر في الباب الخامس من “ سراج العقول “ والموسوم “ بإثبات كلام اللّه تعالى ، وأنه ليس بحرف ولا صوت “ . انظر : سراج العقول ، 14 ب . 
( 6 ) “ د “ : “ المزور المصلى “ . “ ز “ : العبارة : “ أن المزور والمسلم عليه والمصلى هو النبي . . . “ ، وفي “ سراج العقول “ : “ أن المزور المصلى والمسلم عليه . . . “ . 
( 7 ) “ د “ : “ فالكبار “ . 
( 8 ) هو أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي ، القائل : “ طوبى لمن أخمل اللّه ذكره “ ، وقد قال أيضا : “ رأيت رب العزة في المنام فقلت : يا رب ، ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك ، فقال : بكلامي يا أحمد ، فقلت : بفهم أو بغير فهم ، قال : بفهم وبغير فهم “ . قيل إن أصله من مرو ، ولد سنة ( 164 ه ) ببغداد ، وتفقه على الشافعي ، له أسفار كثيرة في طلب العلم ، سجن ثمانية وعشرين شهرا لامتناعه عن القول بخلق القرآن ، توفي سنة ( 241 ه ) . أفرد له ابن الجوزي كتابا -

“ 230 “
وسفيان الثّوريّ “ 1 “ ، وأئمّة الحديث قاطبة - رضي اللّه عنهم أجمعين - كانوا أكثر عقلا ، وأغزر علما ، ومن المحال أن يخفى عليهم مثل ذلك ، وإنّما زجروا أصحابهم عن الخوض في مثل ذلك لدقّته وغموضه ، كما ذمّوا كلام التّوحيد “ 2 “ المطلق لعلمهم بأنّ استخلاص الأمر الحقّ “ 3 “ منه من بين فرث التّشبيه ، ودم التّعطيل عسر جدّا إلّا على “ 4 “ من رزقه اللّه - تعالى - “ 5 “ الفهم “ 6 “ ، فإنّ غالب النّاس لا يتفطّنون للفرق بين المقروء والقرآن ، فخاف السّلف أن يتزلزل على أصحابهم عقائدهم ، فأمروهم بمحافظة الأمر الظّاهر ، والإيمان به قطعا من غير بحث عن المعنى ؛ إذ قد صحّ إيمان المؤمنين باللّه وملائكته وكتبه ورسله “ 7 “ ، وهم لم يروا اللّه ولا ملائكته ورسله “ 8 “ ، ورأوا لأصحابهم أنّ السّكوت عن ذلك أسلم ، وقالوا : البحث عن ذلك بدعة ، وقالوا لهم : أمّروه “ 9 “ كما جاء من غير كيف ، وقولوا آمنّا به وصدّقنا .
قال : وهذا لعمري فيه مصلحة عظيمة للعوامّ ، انتهى “ 1 “ .

- في مناقبه ، انظر ترجمته : ابن أبي يعلى ، طبقات الحنابلة ، 1 / 10 - 23 ، وابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 1 / 87 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 7 / 455 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 6 / 225 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 1 / 132 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 1 / 517 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 96 ، والزركلي ، الأعلام ، 1 / 203 . 
.................................................................................

( 1 ) هو أبو عبد اللّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، من بني ثور بن عبد مناة ، من مضر ، ولد بالكوفة سنة ( 97 ه ) اتفاقا ، وبها نشأ ، طلب العلم وهو حدث باعتناء والده المحدث سعيد بن مسروق ، أمير المؤمنين في الحديث ، كان سيد زمانه في علوم الدين والتقوى ، خرج من الكوفة ، فسكن مكة والمدينة ، ثم طلبه المهدي فتوارى ، فانتقل إلى البصرة ، فمات مستخفيا ، وقيل إنه أقام في اختفائه نحو سنة ، وقد أخرج بجنازته على أهل البصرة بغتة سنة ( 161 ه ) ، انظر ترجمته : ابن النديم ، الفهرست ، 314 ، وابن سعد ، الطبقات ، 6 / 257 ، والأصبهاني ، حلية الأولياء ، 6 / 356 ، وابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2 / 322 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 5 / 359 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 65 / 174 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 1 / 118 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 1 / 303 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 95 ، والزركلي ، الأعلام ، 3 / 104 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 1 / 771 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الكلام على التوحيد “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الأمر “ ساقطة . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ على “ ساقطة . 
( 5 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 6 ) “ د “ ، “ ز “ : “ الفهم عنه “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ كتبه “ ليست فيها . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : قوله : “ وهم لم يروا اللّه وملائكته ورسله “ ساقط . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أقروه “ ، وفي “ سراج العقول “ : “ أمروها “ .

[ عقيدة الشيخ ابن العربيّ في كلام اللّه ] 
وأمّا كلام الصّوفيّة في هذا البحث فأحسنه كلام الشّيخ محيي الدّين ابن العربي رحمه اللّه “ 2 “ ، وها أنا ذاكر “ 3 “ لك من نقوله ما لا تجده عند غالب الأقران ، فأقول وباللّه التّوفيق : قال الشّيخ في الباب الرّابع والثّلاثين من “ الفتوحات “ “ 4 “ : إنّما نزل القرآن كلّه ليلة القدر إشارة إلى أنّه به تعرف مقادير الأشياء وموازينها ، وكان نزوله “ 5 “ في الثّلث الآخر منها “ 6 “ . 
وقال في الباب التّاسع والسّتّين وثلاثمائة “ 7 “ : المراد بقوله - تعالى - :ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ” 8 “ أنّه محدث “ 9 “ الإتيان لهم لا الوجود ، فهو قديم في العين ، حادث في الإتيان ، فحدث علمه عندهم حين سمعوه ، كما تقول : حدث اليوم عندنا ضيف ، ومعلوم أنّه كان موجودا قبل أن يأتي إلينا ، وقد جاء القرآن العظيم في موادّ حادثة تعلّق السّمع بها ، وكذلك الفهم تعلّق بما دلّت عليه الكلمات ، فله الحدوث من حيث الإتيان ، وله القدم من حيث العين ، وأطال في ذلك “ 10 “ ، ثمّ قال : وممّا يدلّك على أنّ

.................................................................................
( 1 ) انتهى كلام أبي طاهر المقتبس من “ سراج العقول “ ، 18 أ - 18 ب . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ ، “ ب “ : “ رحمه اللّه “ ليست فيها . 
( 3 ) “ ك “ : “ أذكر “ . 
( 4 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة شخص تحقق في منزل النفاس ، فعاين منها أمورا أذكرها “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 323 . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ نزوله “ ساقط . 
( 6 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ الثلث الأخير “ ، وانظر قوله في الباب الرابع والثلاثين من الفتوحات المكية ، 1 / 329 . 
( 7 ) عنوان هذا الباب: “في معرفة منزل مفاتيح خزائن الجود “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 98 . 
( 8 ) ( الأنبياء ، الآية 2 ) . 
( 9 ) “ د “ : “ أنّه “ ساقطة . 
( 10 ) يعني بذلك محيي الدين ، وقد قال في الفتوحات في تفسيرإِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *( 19 ) ، وتفسيرفَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ :” فأضاف الحدوث إلى كلامه ، فمن فرق بين الكلام والمتكلّم به ( اسم مفعول ) ، فقد عرف بعض المعرفة ، وما أسمع الرحمن كلامه بارتفاع الوسائط إلا ليتمكن الاشتياق في السامع إلى رؤية المتكلم لما سمعه من حسن الكلام ، فتكون رؤية المتكلم أشد ، ولا سيما ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقول : “ إن اللّه جميل يحب الجمال “ ، والجمال محبوب لذاته ، وقد وصف الحق نفسه به ، فشوّق النفوس إلى رؤيته “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، -

“ 232 “
الكلام للّه عزّ وجلّ ، والتّرجمة للمتكلّم ، قوله - تعالى - مقسما أنّه يعني القرآن العظيم “ 1 “ :لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *” 2 “ ، فأضاف الكلام إلى الواسطة والمترجم ، كما أضافه - تعالى - إلى نفسه بقوله - تعالى - :فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ” 3 “ ، فإذا تلي علينا القرآن فقد سمعنا كلام اللّه ، وموسى - عليه الصّلاة والسّلام - لمّا سمع كلمة ربّه “ 4 “ سمع كلام اللّه ، ولكن ، بين السّماعين أبعد من بعد المشرقين “ 5 “ ، فإنّ الذي يدركه من يسمع كلام اللّه بلا واسطة لا يساويه من يسمعه بالوسائط “ 6 “ ، انتهى “ 7 “ . 

وقال في الباب الثّاني والسّبعين وثلاثمائة “ 8 “ في الكلام على قوله - تعالى - :وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً” 9 “ إلى آخره ؛ أي : وليس بماء : اعلم أنّ حكم من يسمع كلام اللّه - تعالى - كذلك ، فربّما سمع العبد كلام ربّه بصوت وحرف “ 10 “ إذا رآه في المنام ، وليس هو بصوت ولا حرف في نفس الأمر ، وإن كان من المحال أن يظهر أمر في صورة أمر آخر إلّا بمناسبة تكون بينهما ، فهو مثله في النّسبة ، لا مثله في العين ، وأطال في ذلك ثمّ قال : فكما أنّ الظّمآن إذا جاء السّراب لم
- 6 / 147 . 
.................................................................................

( 1 ) “ ب “ : قوله : “ أن الكلام للّه عز وجل ، والتّرجمة للمتكلم ، قوله تعالى مقسما أنه يعني القرآن العظيم “ ساقط ، وقوله : “ العظيم “ ليست في “ أ “ . 

( 2 ) ( التكوير ، 19 ، الحاقة ، 40 ) . 

( 3 ) ( التوبة ، الآية 6 ) . 

( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ لمّا كلّمه ربّه سمع . . . “ . 

( 5 ) “ د “ : العبارة : ولكن بين السماعين بعد المشرقين “ . 

( 6 ) “ د “ ، “ ز “ : “ بالواسطة “ . 

( 7 ) انظر قول محيي الدين في الفتوحات المكية ، في الباب التاسع والستين وثلاثمائة ، 6 / 147 ، وقد نقله الشعراني متصرفا بالعبارة . 

( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ الثّامن والسّبعين وثلاثمائة “ ، وليس ذلك كذلك ، وإنما كما ورد في “ أ “ و “ ب “ والفتوحات ، وعنوان هذا الباب في الفتوحات “ في معرفة منزل سر وسرين وثنائك عليك بما ليس لك ، وإجابة الحق إياك في ذلك لمعنى شرفك به من حضرة محمدية “ . انظر : الفتوحات المكية ، 6 / 222 . 

( 9 ) (النور ، الآية 39 ) . 

( 10 ) “ ب “ : “ بحرف وصوت “ .

“ 233 “
يجده ماء كما كان رآه من بعد ، كذلك من سمع كلام اللّه في المنام لو كشف عنه الغطاء لم يجده بصوت ولا حرف كما سمعه ، انتهى “ 1 “ . 

وكان - رضي اللّه تعالى عنه - يقول : مثال ظهور الوحي في الألفاظ مثل ظهور جبريل - عليه السّلام - في صورة دحية “ 2 “ ؛ فإنّه لم يكن حين ظهر فيها بشرا محضا ، ولا ملكا محضا ، ولا كان بشرا وملكا “ 3 “ معا في آن واحد ، فكما تبدّلت صورته في أعين النّاظرين ، ولم تتبدّل “ 4 “ حقيقته التي هو عليها ، فكذلك الكلام الأزليّ ، والأمر الأحديّ ، يتمثّل بلسان العربيّ تارة ، وبلسان العبريّ تارة “ 5 “ ، وبلسان السّريانيّ تارة ، وهو في ذاته أمر واحد أزليّ ، فالكافر والمشرك يسمع كلام اللّه ، وموسى يسمع كلام اللّه “ 6 “ ، ولكن ، بين سماعيهما أبعد من بعد المشرقين “ “ 7 “ ، ولو كان سماعهما واحدا لبطل الاصطفاء ، انتهى . 

وقال في الباب الخامس والعشرين وثلاثمائة “ 8 “ : اعلم أنّه ما دام القرآن في القلب
.................................................................................

( 1 ) انتهى كلام محيي الدين في الباب الثاني والسبعين وثلاثمائة ، وعبارته : “ ومن المحال أن يظهر أمر في صورة أمر آخر من غير تناسب ، فهو مثله في النسبة لا مثله في العين ، . . . ، والحق - تعالى - يظهر في عين الرائي السراب ماء ، وليس بماء ، وهو عنده إذا جاء إليه الظمآن ، وكذلك المعطش إلى العلم باللّه يأخذ في النظر في العلم به ، فيقيده تقييد تنزيه أو تشبيه ، فإذا كشف الغطاء وهو حال وصول الظمآن إلى السراب لم يجده كما قيده ، فأنكره ووجد اللّه عنده غير مقيد بذلك التقييد الخاص “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 231 .
( 2 ) وهذا حديث شريف أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 2 / 107 ، وفيه : “ كان جبريل يأتي النبي - صلى اللّه عليه وسلم - في صورة دحية “ . أما دحية الكلبي فهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس ، بعثه الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - إلى قيصر في الهدنة ، نزل الشام، وبقي إلى أيام معاوية. انظر ترجمته : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 3 / 276 ، وتهذيب الكمال ، 1 / 392 ، وابن الأثير ، أسد الغابة ، 2 / 136 . 

( 3 ) “ ك “ : “ أو ملكا “ . 

( 4 ) “ د “ : “ تبدّل “ . 

( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ العبراني “ . 

( 6 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ وموسى يسمع كلام اللّه “ ساقط . 

( 7 ) “ د “ : “ ولكن بين كلاميهما بعد المشرقين “ ، “ ك “ : “ بين كلاميهما “ . 

( 8 ) عنوانه “ في معرفة منزل القرآن من الحضرة المحمدية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 134 .

“ 234 “
فلا حرف ولا صوت ، فإذا نطق به القارئ نطق بصوت وحرف ، انتهى “ 1 “ .

وقال في الباب التّاسع والعشرين وثلاثمائة “ 2 “ : اعلم أنّ القرآن هو الوحي الدّائم “ 3 “ الذي لا ينقطع من حيث معناه ، فهو الجديد الذي لا يبلى ، لكنّه يظهر في قلوب العلماء على صورة لم يظهر بها في ألسنتهم ؛ لأنّ اللّه - تعالى - جعل لكلّ موطن حكما لا يكون لغيره ، فهو يظهر في القلب أحديّ العين ، ثمّ يأخذه الخيال ، فيجسّمه ويقسّمه ، ثمّ يأخذه منه اللّسان ، فيصيّره القارئ بشاكلة ذات صوت وحرف ، ويقيّد “ 4 “ به سمع الآذان ، وقد قال - تعالى - :فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ” 5 “ ، فتلاه رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بلسانه أصواتا وحروفا ، فأسمعها “ 6 “ الأعرابيّ بسمع أذنه “ 7 “ في حال ترجمته ، فالكلام للّه بلا شكّ ، والتّرجمة به لذلك المتكلّم كائنا من كان ، انتهى “ 8 “ .

وقال في باب الأسرار : ما العجب إلّا منّا كيف نتلو كلامه وهو قائم بذاته ؟ واللّه
.................................................................................

( 1 ) عبارة محيي الدين في ذلك : “ فمن كونه حروفا ، والمفهوم من هذا الاسم أمران : الأمر الواحد المسمى قولا وكلاما ولفظا ، والأمر الآخر يسمى كتابة ورقما وخطا ، والقرآن يخط ، فله حروف الرقم ، وينطق به ، فله حروف اللفظ ، . . . ، فإذا انتظمت الحروف سميت كلمة ، وإذا انتظمت الكلمات سميت آية ، وإذا انتظمت الآيات سميت سورة “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 139 .

( 2 ) عنوان الباب “ في معرفة منزل علم الآلاء والفراغ إلى البلاء ، وهو من الحضرة المحمدية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 158 .

( 3 ) “ د “ : “ الحي الدائم “ .

( 4 ) “ د “ : “ يفيد “ ، ولعله تصحيف .

( 5 ) ( التوبة ، الآية 6 ) .

( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ سمعها “ .

( 7 ) “ أ “ : أدبه “ ، وهو تصحيف يدحضه المعنى وما ورد في الفتوحات المكية .

( 8 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 160 ، وفيه يقول : “ فنزل على قلب محمد صلى اللّه عليه وسلم ، نزل به الروح الأمين ، ثم لا يزال ينزل على قلوب أمته إلى يوم القيامة ، فنزوله في القلوب جديد لا يبلى ، فهو الوحي الدائم ، فللرسول - صلوات اللّه عليه وسلامه - الأولية في ذلك ، والتبليغ إلى الأسماع من البشر ، والإبداء من البشر ، . . . ، وظهر في قلبه على صورة لم يظهر بها في لسانه ، فإن اللّه جعل لكل موطن حكما لا يكون لغيره ، . . . ، فأخذه اللسان ، فصيره ذا حرف وصوت ، وقيد به سمع الآذان ، وأبان أنه مترجم عن اللّه . . . فتلاه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بلسانه أصواتا وحروفا سمعها الأعرابي بسمع أذنه في حال ترجمته “ . انظر : الفتوحات المكية ، 5 / 160 .
“ 235 “
إنّها لستور مسدلة ، وأبواب مقفلة ، وأمور مبهمة ، وعبارات موهمة ، هي شبهات من أكثر الجهات ، انتهى “ 1 “ .

وقال في باب الأسرار أيضا : ذكر القرآن أمان ، وبه يجب الإيمان أنّه كلام الرّحمن ، مع تقطّع حروفه في اللّسان ، ونظم حروفه فيما رقم باليراع والبنان ، فحدثت الألواح والأقلام ، وما حدث الكلام ، وحكمت على العقول الأوهام ، بما “ 2 “ عجز عن إدراكه الأفهام “ 3 “ .

وقال فيه أيضا : الذّكر القديم ذكر الحقّ ، وإن حكى ما نطق به الخلق ، كما أنّ الذّكر الحادث ما نطق به الخلق ، وإن كان كلام الحقّ ، إذا كان الحقّ - تعالى - يتكلّم على لسان عبده ، فالذّكر قديم ، ومزاجه بالعبد من تسنيم ، لا يعرف الحقّ في هذه المسألة إلّا من كان الحقّ - تعالى - قوّاه ، ولا يكون قوّاه إلّا إن أيّده وقوّاه “ 4 “ .

وقال فيه أيضا : لا يضاف الحدوث إلى كلام اللّه إلّا إذا كتبه الحادث أو تلاه ، ولا يضاف القدم إلى كلام الحادث إلّا إذا تكلّم به اللّه ؛ كموسى ومن شاء اللّه ؛ نحو قوله :وَقالَ مُوسى” 5 “ ،وَقالَ فِرْعَوْنُ” 6 “ .

وقال في باب الأسرار أيضا “ 7 “ : اعلم أنّ أصدق القول ما جاء في الكتب المنزّلة ، والصّحف المطهّرة ، ومع تنزيهه الذي لا يبلغه تنزيه ، نزل إلى التّشبيه الذي لا يماثله تشبيه ، فنزلت آياته بلسان رسوله ، وبلّغ رسوله بلسان قومه ، وما ذكر صورة ما جاء به الملك ، هل هو أمر ثالث ليس هو مثلهما ؟ أو مشترك ؟ وعلى كلّ حال ، فالمسألة فيها

.................................................................................

( 1 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 146 ، والعبارة ثمّ : “ ما العجب إلا كيف قيل : يرجع إليه من هو لديه ، ولم يزل في يديه ستور مسدلة ، وأبواب مقفلة ، وأمور مبهمة . . . “ .

( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ لما “ .

( 3 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 107 .

( 4 ) نقل الشعراني العبارة متصرفا بها ، مجتزئا منها ، وفيها يقول : “ لا يعرف الحق إلا من كان قواه ، ولا يكون قواه إلا من قواه “ . انظر : الفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 107 .

( 5 ) ( يونس ، الآية 84 ) .

( 6 ) ( يونس ، الآية 79 ) ، وانظر عبارة محيي الدين في باب الأسرار من الفتوحات المكية ، 8 / 172 .
( 7 ) “ ب “ : “ أيضا “ ساقطة . وقد جاء هذا القول في باب الأسرار : “ من بلي بالأشد في تحري الأسد “ ، انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 158 .
“ 236 “

إشكال ؛ لأنّ العبارات لحننا ، والكلام للّه ليس هو لنا ، فما هو المنزّل “ 1 “ ؟ والمعاني لا تتنزّل ، إن كان العبارات ، فما هو القول الإلهيّ ؟ وإن كان القول ، فما هو اللّفظ الكيانيّ “ 2 “ ؟
وهو اللّفظ بلا ريب ، فأين الشّهادة والغيب ؟ إن كان دليلا فكيف هو أقوم قيلا ، وما ثمّ قيل إلّا من هذا القبيل ، وهو معلوم “ 3 “ عند علماء الرّسوم ، انتهى “ 4 “ ، فتحقّق به ، ولا تنطق ، انتهى .
فإن قال قائل : فهل كان يجوز لرسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أن يتصرّف فيما أنزل عليه بعبارة أخرى ؟ فإنّنا ما علمنا كلام اللّه “ 5 “ إلّا منه صلّى اللّه عليه وسلّم ، كنظير ما قاله العلماء إنّه يجوز رواية الحديث بالمعنى للعارف .
والجواب : لا يجوز لأحد أن يعتقد أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - تصرّف في المنزّل “ 6 “ عليه ، أو أنّه رواه بالمعنى ؛ لأنّه لو صحّ في حقّه ذلك ، لكان مبيّنا لنا صورة فهمه - صلّى اللّه عليه وسلّم - لا صورة ما نزّل عليه ، وقد قال - تعالى - :لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ” 7 “ ، فمن المحال أن يكون - صلّى اللّه عليه وسلّم - غيّر شيئا من أعيان تلك الآيات التي أنزلت عليه ، بل لو فرض أنّه علم جميع معاني كلام اللّه - تعالى - “ 8 “ بحيث لا يشذّ عنه شيء من معناه ، وعدل عمّا أنزل ، فأيّ فائدة للعدول “ 9 “ ، وحاشاه من “ 10 “ ذلك حاشاه ، ولو أنّه صحّ في حقّه تصرّف في صورة ما نزل من الحروف اللّفظيّة ، لكان يصدق عليه أنّه بلّغ للنّاس ما أنزل عليهم “ 11 “ ، وما لم ينزّل إليهم ، ولا قائل بذلك ، فافهم ، فقد بان لك تنزيه كلام اللّه - تعالى - عن صفة كلام خلقه ، والحمد للّه ربّ العالمين .
.................................................................................

( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ التّنزّل “ ، وفي الفتوحات كما في المتن . 

( 2 ) “ أ “ : “ الكتابي “ ، “ د “ : “ الكياني “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ الكائن “ ، وفي الفتوحات كما ورد في المتن .

( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ معلوم “ ساقطة .

( 4 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 158 .

( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .

( 6 ) “ د “ ، “ ز “ : “ باللفظ المنزل “ ، “ ك “ : “ تصرف باللفظ “ .

( 7 ) ( النحل ، الآية 44 ) .

( 8 ) “ د “ ، “ ك “ : “ عز وجل “ .

( 9 ) “ ب “ : “ لعدوله “ .

( 10 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ عن “ .

( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ إليهم “ .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ سماع جبريل أو النّبيّ كلام اللّه كسماع الخلق بعضهم بعضا كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:19 pm

توهّم أنّ سماع جبريل أو النّبيّ كلام اللّه كسماع الخلق بعضهم بعضا كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

51 - [ توهّم أنّ سماع جبريل أو النّبيّ كلام اللّه كسماع الخلق بعضهم بعضا ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ سماع جبريل أو محمد - صلّى اللّه عليه وسلّم “ 1 “ - كلام اللّه - تعالى - صورته صورة سماع كلام الخلق “ 2 “ لبعضهم بعضا ، فتتشكّل الحروف اللّفظيّة التي ينطق بها العبد “ 3 “ في الهواء ، ثمّ تتّصل بمجال السّماع على صورة ما نطق به المتكلّم ، ثمّ إذا تشكّلت في الهواء ، فحينئذ تتعلّق بها أرواحها ، فلا يزال الهواء يمسك عليها شكلها ، وإن انقضى عملها ، ثمّ بعد ذلك تلتحق بسائر الأمم ، فيكون شغلها التّسبيح لربّها “ 4 “ . 
والجواب أنّ الذي عليه أهل الكشف قاطبة أنّ سماع محمّد وجبريل - عليهما الصّلاة والسّلام - كلام الرّبّ جلّ وعلا “ 5 “ لا يصحّ تكييفه ، ولا يقدران على إيصال ذلك إلينا بعبارة ؛ لتوهّم العقل أنّ النّشأة الإنسانيّة أنّه ليس بصوت ، ولا حرف ، ولا هو عربيّ ، ولا هو عجميّ ، ولا يشبه “ 6 “ كلام شيء من سائر الحيوانات والجماد ، ولكن ، يخلق اللّه - تعالى - لمن سمع كلامه علما ضروريّا لا يشكّ فيه أنّه كلام اللّه يقذف في قلبه قذفا لا يدري كيف وصل إليه ، ولا يتحيّز بجهة . 
فإن قلت : إذا كانت الحروف المنطوق بها في ألسنة الخلق تتطوّر ملائكة تسبّح ربّها ، ويكون ثوابها للمتكلّم بها كما قال أهل الكشف ، فما حكم الكلمات التي نهى اللّه عنها ؟ هل تتطوّر كذلك ملائكة تسبّح اللّه “ 7 “ ، وتستغفر للنّاطق بها ، أو تسبّه ؟ فالجواب الذي عليه أهل الكشف أنّ الكلمات التي “ 8 “ إن كانت ترضي اللّه - تعالى - فهي تستغفر لصاحبها ، وإن كانت تسخط اللّه - تعالى - فهي تلعن صاحبها ، وفي الحديث : “ إنّ العبد ليتكلّم “ 9 “ بالكلمة من سخط اللّه ما يلقي لها بالا يهوي بها في النّار سبعين
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عليهما “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ سماع الخلق بعضهم “ . 
( 3 ) “ ب “ : العبارة : “ ينطق بها في الهواء “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ تسبيح ربها “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عز وجل “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ يشبهه “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ التي “ ساقطة . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ يتكلم “ .

“ 238 “
خريفا “ “ 1 “ ، وذهب بعضهم إلى أنّ حروف الكلمة التي نهى اللّه عنها “ 2 “ تستغفر لصاحبها من عصاة المؤمنين من حيث إنّه كان سببا في ظهور نشأتها ، ولا علم لها بما على صاحبها من الإثم ، والحديث ربّما يردّ ذلك ، فإيّاك والغلط . 

وقد سمعت بعض أهل الكشف يقول “ 3 “ : إنّ الأفعال والأقوال التي نهى اللّه عنها ، أو أمر بها ، هي التي تتولّى عذاب أهلها ، أو نعيمهم ، فتتطوّر له بصورة “ رضوان “ “ 4 “ ، أو صورة “ 5 “ “ مالك “ خازن النّار . 
فإن قال قائل : فهل يدرك الحروف اللّفظيّة الهوائيّة موت بعد وجودها ؟ 
فالجواب : قد “ 6 “ أجمع أهل الكشف على أنّه لا يلحقها موت بخلاف الحروف الرّقميّة ، والفرق أنّ الحروف الرّقميّة تقبل التّغيير والزّوال ؛ لأنّها في محلّ يقبل ذلك ، ولا هكذا الأشكال اللّفظيّة ، فإنّها في محلّ لا يقبل التّغيّر “ 7 “ ، فكان لها البقاء ، انتهى .


52 - [ القول على الحروف المقطّعة أوائل السّور ] 

فإن قال قائل : فما المراد بهذه الحروف أوائل السّور مثل “ ألم “ “ وحم “ و “ ق “ و “ ن “ ؟ 
فالجواب : قد ذكر الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب الثّامن والتّسعين ومائة “ 8 “ من
.................................................................................
( 1 ) يروى الحديث : “ إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار “ ، أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 3 / 469 ، ويروى فيه : “ وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه - عز وجل - ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب اللّه - عز وجل - بها عليه سخطه إلى يوم القيامة “ ، والبخاري في الصحيح ، كتاب الرقاق ( الباب 804 / 1358 ) ، 8 / 479 ، وابن ماجة في السنن ، كتاب الفتنة ( 3970 ) ، 4 / 341 ، والترمذي في السنن ، كتاب الزهد ( 2321 ) ، والإمام مالك في الموطأ ، كتاب الكلام ، 772 . 
( 2 ) “ د “ ، “ ز “ : “ اللّه عنها تعالى “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ يقولون “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بصورة نحو “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ صورة نحو مالك “ ، “ ب “ : “ بصورة مالك “ . 
( 6 ) “ ب “ : “ قد “ ساقطة ، “ ز “ : “ فقد “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ التغيير “ . 
( 8 ) “ أ “ : ومائتين ، “ د “ ، “ ز “ : “ الثاني والتسعين ومائة “ ، “ ك “ : “ ومائة “ ، “ ب “ : “ الباب الثامن والتسعين “ . والحق أنه في الباب الثامن والتسعين ومائة ، وعنوانه : “ في معرفة النفس بفتح الفاء “ . 
انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 29 .

“ 239 “
“ الفتوحات “ أنّ جميع الحروف المقطّعة أوائل السّور ملائكة ، قال : وقد اجتمعت بهم في بعض الوقائع ، وما منهم أحد إلّا وأفادني علما لم يكن عندي ، فهم من جملة أشياخي من الملائكة ، فإذا نطق القارئ بهذه الحروف كان مثل ندائهم ، فيجيبونه ، فإذا قال القارئ “ ألم “ مثلا ، قال له هؤلاء الثّلاثة من الملائكة “ 1 “ : ما تقول ؟ ، فيقول القارئ ما بعد هذه الحروف ، فيقولون له : صدقت ، إن كان خيرا ، ويقولون “ 2 “ : هذا مؤمن حقّا ، نطق بحقّ وأخبر بحقّ ، فيستغفرون له ، وهكذا القول في “ المص “ ونحوها ، قال : ومجموع ذلك أربعة عشر ملكا آخرهم “ ن “ . قال : وقد ظهروا في منازل القرآن على وجوه مختلفة ، فبعض المنازل ظهر فيها واحد “ 3 “ ؛ نحو “ ص “ و “ ق “ و “ ن “ ، ومنازل ظهر فيها اثنان ؛ مثل “ طس “ و “ يس “ و “ حم “ ، وهكذا ، وصورها مع التّكرار تسعة وسبعون ملكا ، بيد كلّ ملك شعبة من شعب الإيمان ، فمن تلا القرآن عاملا به ، فقد استمسك بشعب الإيمان كلّها “ 4 “ ، فإنّ الإيمان بضع وسبعون شعبة “ 5 “ ، كما ورد “ 6 “ ، والبضع من واحد إلى تسعة ، فقد استوفى غاية البضع “ 7 “ . 
وأطال الشّيخ “ 8 “ في ذلك ، ثمّ قال : فمن نظر إلى هذه الحروف بالباب الذي فتحته له رأى عجائب “ 9 “ ، منها أنّ هذه الأرواح الملكيّة “ 10 “ التي هذه الحروف كأجسامها تكون
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ من الملائكة “ ساقطة . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وقالوا “ ، وهذا لا يستقيم . 
( 3 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : العبارة : “ ظهر ملك واحد “ . 
( 4 ) قوله : “ من شعب الإيمان ، فمن تلا القرآن عاملا به ، فقد استمسك بشعب الإيمان كلها “ ساقط من “ أ “ و “ ب “ . 
( 5 ) “ ك “ : قوله : “ فإن الإيمان بضع وسبعون شعبة “ ساقط ، “ ز “ : ثم سقط ظاهر في الجملة كلها . 
( 6 ) هذا من الأحاديث المشتهرة ، وقد أخرجه مسلم في الصحيح ، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها ( 35 ) ، وأحمد في المسند ، 4 / 148 ، وأبو داود في السنن ، باب في رد الإرجاء ( 4676 ) ، والترمذي في السنن ، باب ما جاء في استكمال الإيمان ( 2614 ) ، والنسائي في السنن ، باب ذكر شعب الإيمان ( 11736 ) ، وابن حبان في الصحيح ، باب ذكر البيان بأن الإيمان أجزاء وشعب ( 166 ) . 
( 7 ) الكلام لمحيي الدين في الفتوحات ، 4 / 116 . 
( 8 ) “ ب “ : العبارة : “ وأطال في ذلك “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عجائب عظيمة “ ، و “ عظيمة “ ليست في الفتوحات . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الأرواح الملائكة “ .

“ 240 “
تحت تسخيره إذا نطق بها ، فتمدّه بما بيدها من شعب الإيمان ، وتحفظ عليه إيمانه إلى الممات ، انتهى “ 1 “ . 

فإن قلت : فهل لمقام تلاوة “ 2 “ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - للقرآن بعده وارث أم لا ؟ 
فالجواب : نعم ، له وارث ، وكذلك القول في كلّ “ 3 “ مقام ما لم يرد لنا شرع بخلافه “ 4 “ ، والفرق بين تلاوة الوارث وغير الوارث أنّ الوارث يتلو القرآن عارفا بمعاني ما يقرؤه ، وغير الوارث يتلو حروفا نزلت من الخيال الذي هو في مقدّم الدّماغ إلى اللّسان ، فترجم بها من غير أن تجاوز “ 5 “ حنجرته إلى القلب الذي في صدره ، فلم يصل إلى قلبه “ 6 “ منه شيء ، وإيضاح ذلك أنّ القارئ إذا لم يكن وارثا لمقام رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - في التّلاوة إنّما يتلو حروفا ممثّلة في خياله ، حصلت له من ألفاظ معلمة “ 7 “ إن كان أخذ القرآن عن تلقين ، أو عن حروف كتابة إن كان أخذه من كتاب ، فإذا أحضر تلك الحروف في خياله ، ونظر إليها بعين خياله ، ترجم اللّسان عنها ، فتلاها من غير تدبّر ولا فهم ، بل لبقاء “ 8 “ تلك الحروف في خياله .
فإن قيل : فهل لهذا القارئ أجر تلاوة القرآن أم لا ؟ 
فالجواب الذي دلّ عليه الكشف الصّحيح أنّ لهذا التّالي “ 9 “ من الأجر مثل أجر التّرجمة لا مثل أجر القرآن “ 10 “ ؛ وذلك لأنّه ما تلا المعاني ، وإنّما تلا الحروف ، وقد قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - في الذين يقرؤون القرآن لا يجاوز “ 11 “ حناجرهم إنّهم
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ انتهى “ ساقطة ، وزاد محيي الدين : “ وتحفظ عليه إيمانه ، وهذا كله من النفس الرحماني الذي نفس اللّه به عن خلقه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 116 . 
( 2 ) “ د “ : العبارة : “ فهل لمقام رسول اللّه . . . “ . 
( 3 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ كل “ ساقطة . 
( 4 ) “ ب “ ، “ ز “ : العبارة : “ . . . شرع يخالفه “ . 
( 5 ) “ ب “ : العبارة : “ من غير تجاوز “ ، “ ز “ : “ من غير أن يجاوز “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ : “ القلب “ . 
( 7 ) “ د “ : “ من الألفاظ مسلمة “ . 
( 8 ) “ د “ : “ كيّف “ . 
( 9 ) “ ب “ : “ القارئ “ . 
( 10 ) “ د “ : العبارة : “ لا أجر القرآن “ . 
( 11 ) “ ب “ : “ لا يتجاوز “ .

“ 241 “
يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة “ 1 “ ، انتهى . أي : يمرقون من الجزاء على قراءتهم إن كانوا مسلمين ، يعني الجزاء الكامل الحاصل للوارث ، فافهم ، ونزّه سماع جبريل ومحمّد - صلّى اللّه عليهما وسلّم - كلام اللّه عن صورة سماع الخلق كلام بعضهم بعضا ، والحمد للّه ربّ العالمين .


53 - [ توهّم أنّ آيات الصّفات وأخبارها مكيّفة ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من آيات الصّفات وأخبارها أنّ المراد بها ما يتعقّله العوامّ منها ، والجواب أنّ أهل اللّه - تعالى - “ 2 “ قاطبة أجمعوا على أنّه يجب الإيمان بآيات الصّفات وأخبارها على “ 3 “ حدّ ما يعلمه اللّه تعالى “ 4 “ ، وعلى حدّ ما تقبله ذاته “ 5 “ ، وما يليق بجلاله “ 6 “ ، ولا يجوز لنا ردّ شيء من ذلك ، ولا تكييفه ، ولا نسبة ذلك إلى الحقّ - جلّ وعلا - على حدّ ما ننسبه إلينا ، وذلك لأنّنا جاهلون بذاته - تعالى - في هذه الدّار وفي الآخرة “ 7 “ لا ندري كيف يكون الحال ، وكلّ من ردّ شيئا أثبته الحقّ - تعالى - لنفسه على ألسنة رسله ، فقد كفر بما جاء من عند اللّه ، وكلّ من آمن ببعض ذلك ، وكفر ببعض فقد
.................................................................................
( 1 ) نص الحديث : “ يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يقولون من قول خير البرية ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . . . “ ، أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 1 / 88 ، 92 ، 131 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب التوحيد ( الباب 1252 / 2359 ) ، 8 / 841 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الزكاة ، الباب 47 ، ( 143 - 144 / 1064 ) ، ( شرح صحيح مسلم ) ، 7 / 168 ، وابن ماجة في السنن ، المقدمة ، باب ذكر الخوارج ، ( 168 / 2 ) ، 1 / 108 ، وأبو داود في السنن ، كتاب السنة ، باب في قتال الخوارج ، ( 4764 ) ، 5 / 78 ، والترمذي في السنن ، كتاب الفتن ، ( 2195 ) ، 4 / 80 ، والنسائي في السنن ، الزكاة ، 79 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 1 / 347 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ولكن على . . . “ . 
( 4 ) “ ب “ : قوله : “ أن المراد بها ما يتعقّله العوام منها ، والجواب أن أهل اللّه تعالى قاطبة أجمعوا على أنه يجب الإيمان بآيات الصّفات وأخبارها على حد ما يعلمه اللّه تعالى “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ذاته المقدسة “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ وما لا يليق بصفاته “ ، وهذا لا يستقيم . 
( 7 ) “ ب “ : “ وفي الآخرة “ ساقط .

“ 242 “
كفر كذلك “ 1 “ ، وكلّ من آمن بذلك “ 2 “ ، ولكن شبّهه في نسبة ذلك إليه مثل نسبته إلينا ، أو توهّم ذلك ، أو خطر على باله “ 3 “ ، أو تصوّره ، أو جعل ذلك ممكنا بوجه لا يخالف الإجماع ، أو ما يعلم له أو لمثله “ 4 “ من الدّين بالضّرورة “ 5 “ ، فقد جهل ، وما كفر . 
وذكر في الباب الثّالث من “ الفتوحات “ ما نصّه “ 6 “ : اعلم أنّ جميع ما وصف الحقّ - تعالى - به “ 7 “ نفسه من خلق ، وإحياء ، وإماتة ، ومنع ، وإعطاء “ 8 “ ، ومكر “ 9 “ ، واستهزاء ، وكيد ، وفرح ، وتعجّب “ 10 “ ، وتبشيش ، وقدم ، ويد ، ويدين ، وأيد ، وأعين ، وإصبع “ 11 “ ومعيّة ، وضحك ، وإتيان ، ومجيء ، وسخرية ، وهرولة ، واستواء ، ونزول “ 12 “ ، وبصر ، وعلم ، وكلام ، وصوت ، وحدّ ، ومقدار ، ورضا ، وغضب ، وذراع ، ونحو ذلك كلّه ، نعت لربّنا صحيح ، فإنّنا ما وصفناه به من عند أنفسنا ، وإنّما هو - تعالى - الذي “ 13 “ وصف به نفسه على ألسنة رسله قبل وجودنا ، وهو - تعالى - الصّادق ، وهم الصّادقون بالأدلّة العقليّة ، انتهى .
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : قوله : “ وكل من آمن ببعض ذلك ، وكفر ببعض فقد كفر كذلك “ ساقط . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : قوله : “ وكل من آمن بذلك “ ساقط . 
( 3 ) “ د “ ، “ ز “ : “ باله ذلك “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ ما يعلم لمثله “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بالصورة “ . 
( 6 ) عنوان هذا الباب “ في تنزيه الحق - تعالى - عما في طي الكلمات التي أطلقها عليه سبحانه في كتابه ، وعلى لسان رسوله - صلى اللّه عليه وسلم - من التشبيه والتجسيم ، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا “ ، فقال في مقدمة هذا الباب دالا على مضمونه :في نظر العبد إلى ربه * في قدس الأيد وتنزيهه 
علوه عن أدوات أتت * تلحق بالكيف وتشبيههانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 144 ، ولم يرد ما أورده الشعراني بلفظه في الفتوحات ، وإنما ورد بالمعنى ، فعرج على الفرح والذراع والقدم والإصبع والنسيان والتبشبش والنفس والتعجب والضحك والفرح والغضب . 
( 7 ) “ ب “ : العبارة : “ وصف الحق تعالى نفسه “ . 
( 8 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ إعطاء “ ساقطة ، “ ز “ : “ وعطاء “ . 
( 9 ) “ أ “ : “ فكر “ ، وهو تصحيف . 
( 10 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ تعجب “ ساقطة . 
( 11 ) “ ب “ : “ إصبع “ ساقطة . 
( 12 ) “ ك “ : “ ونزول وسمع “ . 
( 13 ) “ ك “ : العبارة : “ هو تعالى وصف.

“ 243 “
وكان سيّدي عليّ المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 1 “ يقول : جميع الصّفات الواردة في كتاب اللّه “ 2 “ والسّنّة ممّا يقرب من التّشبيه كلّها معقولة المعنى لنا ، مجهولة النّسبة إلى اللّه تعالى ، يجب الإيمان بها ؛ لأنّه حكم حكم به الحقّ - تعالى - على نفسه ، وهو أولى ممّا حكم به العقل .

فإن قلت : فمن أين دخل الضّلال على المشبّهة ؟
فالجواب : دخل الضّلال عليهم من التّأويل وحمل ما جاء من الآيات والأخبار على غير وجهها من غير ردّ حكم “ 3 “ ذلك إلى اللّه عزّ وجلّ ، ولو أنّهم بحثوا عمّا يجب للّه - تعالى - “ 4 “ من التّنزيه في آيات الصّفات وأخبارها وترك القول بما يسبق منها إلى الأفهام ، ووكلوا علم ذلك إلى اللّه - تعالى - “ 5 “ ورسوله لأفلحوا ، وكان يكفيهم لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” 6 “ ، فمتى جاءهم حديث فيه تشبيه قالوا إنّ اللّه “ 7 “ قد نفى التّشبيه عن نفسه ، فما بقي إلّا أنّ ذلك الخبر له وجه “ 8 “ من وجوه التّنزيه ، وجيء بذلك الوجه لفهم العربيّ الذي نزّل القرآن بلسانه أنّك لا تجد قطّ لفظة في آية أو حديث إلّا وهي تحتمل عند العرب وجوها ، منها ما يؤدّي إلى التّشبيه ، ومنها ما يؤدّي إلى التّنزيه ، فلا يوجد لنا آية ، ولا حديث يكون نصّا في التّشبيه أبدا ، فحمل المتأوّل ذلك اللّفظ على الوجه الذي يؤدّي إلى التّشبيه ، ثمّ يأخذ في تأويله جور “ 9 “ على ذلك اللّفظ إذا لم يوفّه حقّه بما يعطيه وصفه “ 10 “ في اللّسان مع ما في ذلك من التّعدّي على حدود اللّه - عزّ وجلّ - بحمل صفاته على ما لا يليق به “ 11 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ رضي اللّه تعالى عنه “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ في الكتاب “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ علم “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 6 ) ( الشورى ، الآية 11 ) . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 8 ) “ أ “ : “ وجه “ ساقطة . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أجور “ ، وهو تحريف . 
( 10 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ وصفه “ ساقطة ، “ ز “ : “ بوصفه “ . 
( 11 ) “ د “ ، “ ز “ : “ بجلاله “ ، والكلام مأخوذ بتصرف من الباب الثالث في الفتوحات المكية ، 1 / 148 .

“ 244 “

54 - [ تأويل بعض آيات الصّفات الواردة في جنب الحقّ ] 

وقد حبّب لي أن أذكر لك تأويل بعض الصّفات “ 1 “ لتقيس عليها ما لم نذكره ، فمن ذلك حديث : 
“ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرّحمن “ “ 2 “ : نظر العقل بما يقتضيه الوضع من الحقيقة والمجاز ، فوجد الإصبع لفظا مشتركا يطلق على الجارحة ، وعلى النّعمة ، تقول العرب : ما أحسن إصبع فلان ؛ يعني ماله ، فإذا كان الإصبع يحتمل الجارحة ، والنّعمة ، والثّناء الحسن ، فبأيّ وجه يحمل الإصبع على الجارحة في جانب الحقّ “ 3 “ ، ويترك وجه التّنزيه ؟ “ 4 “ . 
ومن ذلك القبضة واليمين : نظر العقل بما يقتضيه الوضع ، فعرف من وضع اللّسان العربيّ أنّ معنى ذلك أنّ الوجود كلّه في قبضته ، وتحت حكمه ، كما يقال : فلان في
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ب “ : “ بعض صفات “ . 
( 2 ) في سنن الترمذي : “ يا أم سلمة ، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع اللّه “ . انظر : 
الترمذي في السنن ، كتاب الدعوات ( 3533 ) ، 5 / 310 ، وفي رواية أخرى : “ إن القلوب بين إصبعين من أصابع اللّه “ ، وفي رواية ثالثة : “ إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن . . . “ . أخرجه أحمد في المسند ، 2 / 168 ، 173 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب القدر ، الباب 3 ، ( 17 / 2654 ) ، شرح صحيح مسلم ، 16 / 443 ، وابن ماجة في السنن ، المقدمة ، 13 ، وقد عرج عليه محيي الدين في الفتوحات في الباب الثالث ، وروايته فيه : “ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع اللّه “ ، وفي ذلك يقول منزها الحق عن التشبيه والتجسيم : “ وفي هذا الحديث أن إحدى أزواجه قالت له : أو تخاف يا رسول اللّه ؟ فقال - صلى اللّه عليه وسلم - : “ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع اللّه “ ، يشير - صلى اللّه عليه وسلم - إلى سرعة التقليب من الإيمان إلى الكفر وما تحتهما ، . . . ، وهذا الإلهام هو التقليب ، والأصابع للسرعة والاثنينية لها خاطر الحسن ، وخاطر القبيح ، فإذا فهم من الأصابع من ذكرته ، وفهمت منه الجارحة ، وفهمت منه النعمة ، والأثر الحسن ، فبأي وجه تلحقه بالجارحة ، وهذه الوجوه المنزهة تطلبه ، فإما نسلم ونكل علم ذلك إلى اللّه - تعالى - وإلى من عرفه الحق ذلك من رسول مرسل ، أو ولي ملهم ، بشرط نفي الجارحة ولا بد ، وإما إن أدركنا فضول ، وغلب علينا إلا أن نرد بذلك على بدعيّ مجسم مشبه ، فليس بفضول ، بل يجب على العالم عند ذلك تبيين ما في اللفظ من وجوه التنزيه حتى تدحض به حجة المجسم المخذول “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 149 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحق تعالى “ . 
( 4 ) “ ز “ : “ التنزيل “ ، وهو تصحيف ، والكلام مأخوذ من الفتوحات المكية ، 1 / 148 - 149 .

“ 245 “
قبضة يدي ؛ يريد أنّه تحت حكمي ، وتصريفي فيه ، فإنّه ليس في يده المحسوسة منه شيء ، فلمّا استحالت الجارحة على اللّه - تعالى - عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها ، قال - تعالى - “ 1 “ :وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ” 2 “ ، فما ذكر اليمين إلّا لكونها محلّ القوّة والتّصريف المطلق عندنا “ 3 “ ، وفي ذلك إشارة إلى تمكّن القدرة من الفعل ، فوصل المعنى إلى أفهام العرب في ألفاظ تعرفها ، وتسارع بالتّلقّي إليها “ 4 “ .

ومن ذلك النّسيان ، ومعلوم أنّ الحقّ - تعالى - “ 5 “ لا يجوز عليه النّسيان ، لكن لمّا عذّبهم الحقّ - تعالى - عذاب الآباد ، ولم تنلهم رحمته ، فتدفع عنهم ما هم فيه “ 6 “ ، صاروا كالمنسيّين عنده “ 7 “ .
ومن ذلك الغضب على العبد ، وبغض اللّه له ، يجب حمله على أنّ ذلك إنّما هو لما سبق به العلم الإلهيّ ، وإلّا فهو - تعالى - الخالق للذّات المغضوب عليها ، والمبغوضة “ 8 “ ولصفاتها ، فلا يجوز حمله على صفة غضب الخلق “ 9 “ وبغضهم لبعضهم بعضا ، فإنّ مثل
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ قال اللّه تعالى “ . 
( 2 ) ( الزمر ، الآية 67 ) . 
( 3 ) “ ب “ : “ محل التّصريف والقوّة “ . 
( 4 ) الكلام لمحيي الدين في الباب الثالث من الفتوحات في مضمار تنزيه الحق عن التشبيه والتجسيم ، انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 50 ، وقد ضرب مثلا على المجاز الواقع في قول الحق - تقدس اسمه - : 
“ بيمينه “ ، فقال : “ واليمين عندنا محل التصريف المطلق القوي ، فإن اليسار لا يقوى قوة اليمين ، فكنى باليمين عن التمكن من الطي ، فهي إشارة إلى تمكن القدرة من الفعل ، فوصل إلى أفهام العرب بألفاظ تعرفها ، وتسرع بالتلقي لها ، قال الشاعر :إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين “انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 150 . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه تعالى “ . 
( 6 ) “ د “ : قوله : “ فتدفع عنهم ما هم فيه “ ساقط . 
( 7 ) “ ك “ : “ كأنهم كالمنسيّين “ . والعبارة لمحيي الدين ، نقلها الشعراني متصرفا فيها . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 150 . 
( 8 ) “ أ “ : “ والبغض فيه “ . 
( 9 ) “ أ “ : “ الحق “ ، وهو تصحيف لا يستقيم به المعنى .

“ 246 “
ذلك لا يصدر إلّا من الخلق لعجزهم عن ردّ ما يغضبون لأجله ، بخلاف الحقّ جلّ وعلا ، فإنّه خالق لجميع الأقوال والأفعال ، ومعلوم أنّ الخالق لا يغضب من فعل نفسه ، فافهم .
ومن ذلك النّفس في نحو “ 1 “ حديث “ إنّ نفس الرّحمن يأتيني من قبل اليمن “ “ 2 “ ، ومعلوم أنّه - تعالى - منزّه عن النّفس الذي هو الهواء الخارج من الجسم المتنفّس “ 3 “ ، والجواب كما قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 4 “ في الباب الثّامن والتّسعين ومائة من “ الفتوحات المكّيّة “ “ 5 “ : أنّ المراد بنفس “ 6 “ الحقّ - تعالى - هو العماء ، وليس المراد به الهواء ، ولهذا قال - صلّى اللّه عليه وسلّم - في صفة العماء “ 7 “ الذي كان الحقّ - تعالى - فيه قبل خلق الخلق من غير حلول : “ ليس تحته هواء ، ولا فوقه هواء “ “ 8 “ ، يعني أنّ له صفة الفوق والتّحت ، أمّا الفوق فمن كون الحقّ - تعالى - نسب إلى نفسه أنّه فيه “ 9 “ ، وأمّا التّحت فلما تقدّمت الإشارة إليه في حديث “ أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد “ “ 10 “ ، وليس النّفس
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ في حديث “ . 
( 2 ) تقدم تخريجه ، وتأويله عند محيي الدين أن هذا كله من التنفيس ؛ أي تنفيس الرحمن عنه للكرب الذي كان فيه من تكذيب قومه إياه وردهم أمر اللّه من قبل اليمن ، فكأن الأنصار نفّس اللّه بهم عن نبيه - صلى اللّه عليه وسلم - ما كان أكربه من المكذبين ، فإن اللّه - تعالى - منزه عن النفس الذي هو الهواء الخارج من المتنفس ، تعالى اللّه عما نسب إليه الظالمون من ذلك علوا كبيرا . انظر : 
الفتوحات المكية ، 1 / 151 . 
( 3 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 151 . 
( 4 ) “ ب “ : قوله : “ والجواب كما قال الشيخ محيي الدين “ ساقط . 
( 5 ) عنوانه “ في معرفة النفس بفتح الفاء “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 29 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ تنفس “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ في بعض طرق حديث صفة العماء “ . 
( 8 ) نص الحديث بعد سؤال الرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : “ أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ فقال : “ كان في عماء ، ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، وخلق عرشه على الماء “ . قيل إن إسناده ضعيف ، انظر : الإمام أحمد في المسند ، 4 / 11 ، وابن ماجة في السنن ، المقدمة ، الباب 13 ( فيما أنكرت الجهمية ) ، والترمذي في السنن ، كتاب التفسير ، 3120 ، 5 / 75 ، وابن حبان في الصحيح ، باب بدء الخلق ( 6141 ) ، 14 / 9 . 
( 9 ) “ ب “ : “ نسب إلى نفسه الفوقية “ . 
( 10 ) تقدم تخريجه .

“ 247 “
الذي هو عندنا العماء كما تقدّم مخلوقا ؛ إذ لو كان “ 1 “ العماء مخلوقا لما كان للجواب فائدة ، انتهى . أي : فيجب الإيمان بهذا العماء ، ويحمل على ما يليق بجلال الحقّ “ 2 “ على علم اللّه فيه “ 3 “ .

وذكر “ 4 “ الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في كتابه “ لواقح الأنوار “ ما نصّه : اعلم أنّه ليس عندنا في كلام العرب مجاز أصلا ؛ إنّما هو حقيقة ؛ وذلك لأنّهم وضعوا ألفاظهم حقيقة لما وضعوها له “ 5 “ ، فوضعوا يد القدرة للقدرة ، ويد الجارحة للجارحة “ 6 “ ، ويد الحاجة للحاجة “ 7 “ ، ويد المعروف للمعروف ، وهكذا ، ومن ادّعى أنّهم تجوّزوا في ذلك فعليه الدّليل ، ولا سبيل له إليه “ 8 “ ، ولمّا قالوا : “ فلان أسد “ وضعوا هذا الإطلاق حقيقة لا مجازا ، قال : ومن هنا تعلم يا أخي أنّ كلّ ما جاء في الكتاب والسّنّة من ذكر العين ، واليد ، والجنب ، والهرولة ، ونحو ذلك لا يقضي بالتّشبيه في شيء ؛ إذ التّشبيه “ 9 “ إنّما يكون بلفظ المثل ، أو كاف الصّفة ، وما عدا هذين الأمرين إنّما هو ألفاظ اشتراك ، فتنسبها “ 10 “ حينئذ متى جاءت إلى كلّ ذات بما يناسبها وتعطيه حقيقتها “ 11 “ ، ولو أنّ تلك الصّفات التي جاءت بها الرّسل - صلوات اللّه وسلامه عليهم - “ 12 “ لا يصحّ إطلاقها على اللّه تعالى ، لكان الصّدق كذبا ، وما بعث رسولا “ 13 “ إلّا بلسان قومه ليبيّن لهم ، فوجب علينا الإيمان
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : قوله : “ فلما تقدمت الإشارة إليه في حديث “ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد “ ، وليس النّفس الذي هو عندنا العماء كما تقدم مخلوقا ؛ إذ لو كان “ ساقط . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحق تعالى “ . 
( 3 ) “ ك “ : لعل الناسخ قد أضاف : “ فليتأمّل مع ما تقدم في هذا الجواب قريبا أن نفس الرّحمن هو تنفيسه - تعالى - عنه - صلّى اللّه عليه وسلم - بالأنصار حين أتوه من اليمن “ ؛ ذلك أن هذه الفقرة ليست في النسخ الأخرى ، بل تكرر ما تقدم آنفا . 
( 4 ) “ د “ : “ وقال “ . 
( 5 ) “ د “ : “ له “ ساقطة . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ ويد الجارحة للجارحة “ ساقط . 
( 7 ) قوله : “ ويد الحاجة للحاجة “ زيادة من “ ك “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ز “ : “ إليه “ ساقطة . 
( 9 ) “ د “ : قوله : “ إذ التشبيه “ ساقط . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فنسبتها “ . 
( 11 ) “ ب “ : “ يناسبها “ ساقطة . 
( 12 ) “ ب “ : قوله : “ صلوات اللّه وسلامه عليه “ ليس فيها . 
( 13 ) “ ب “ : “ رسول اللّه “ .

“ 248 “
بجميع آيات الصّفات وأخبارها على علم اللّه “ 1 “ - تعالى - فيها ، وجهلنا بكيفيّة ذلك التّشبيه “ 2 “ لا يقدح في إيماننا ، انتهى .خاتمة :

ذكر الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب الثّالث والسّتّين وثلاثمائة من “ الفتوحات “ ما نصّه “ 3 “ : اعلم أنّ من عدم الإنصاف إيمان النّاس بما جاءهم من أخبار الصّفات على ألسنة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام ، وعدم إيمانهم بها إذا جاءت على يد أحد من العلماء الوارثين للرّسل ، مع أنّ البحر واحد ، وكلّ ما جاءت الرّسل بما تحيله العقول من الصّفات ، ووجب الإيمان به ، كذلك يجب إيمان بما جاء الأولياء المحفوظون من التّلبيس ، وكما سلّمنا ما جاء به الأصل ، كذلك نسلّم ما جاء به الفرع بجامع الموافقة ، ويا ليت النّاس إذا لم يؤمنوا بما جاء به الأولياء جعلوهم كأهل الكتاب لا يصدّقونهم ، ولا يكذّبونهم ، انتهى “ 4 “ .
فاعلم ذلك ، وانسب آيات الصّفات وأخبارها إلى اللّه “ 5 “ على علم اللّه فيها ، أو بتأويل يقبله لسان العرب فيها ، لكن لا يخفى نقص إيمان المؤوّل من حيث إنّ اللّه - تعالى - أمره أن يؤمن بما أنزل اللّه ، لا بما أوّله بعقله ، فقد لا يكون ذلك الأمر الذي أوّله يرضاه اللّه تعالى ، وما أوّل العلماء باللّه - تعالى - إلّا عند الضّرورة ؛ كخوفهم على
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ حد علم اللّه . . . “ . 
( 2 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ تلك النّسبة “ ، وهو تصحيف . 
( 3 ) “ د “ : “ ما نصه “ ليس فيها ، وعنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل إحالة العارف ما لم يعرفه على من هو دونه ليعلمه ما ليس في وسعه أن يعلمه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 23 . 
( 4 ) العبارة في الفتوحات : “ وأما غير المؤمنين فهم الذين يقتلون النبيين بغير حق ، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وهم الورثة الذين دعوا إلى اللّه على بصيرة ، كما دعوا الرسل ، . . . ، ومعنى البصيرة هنا ما ذكرناه ، أي على الكشف مثل كشف الرسل ، فكيف آمن بهذا المؤمن من الرسول ، وكفر به بعينه من التابع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخيه المؤمن إذا جاءه به ، فلا أقل من أن يأخذه منه حاكيا ، وما رأينا ولا سمعنا عن صاحب كشف إلهي من المؤمنين خالف كشفه ما جاءت به الرسل جملة واحدة ، ولا تجده ، فقد علمت الفرق بين العقلاء في معرفة عينه ، وبين الرسل والأولياء وما جاءت به الكتب المنزلة في ذلك ، فالمؤمن عندما أعطاه سبيله ، والعاقل عندما أعطاه دليله “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 28 . 
( 5 ) “ د “ : “ اللّه عز وجل “ .

“ 249 “
العامّة الذين لم يصلوا إلى فهم التّنزيه من محظور ؛ كتشبيه وتمثيل ، ودليلهم في ذلك قول الحقّ - تعالى - “ 1 “ في حديث “ 2 “ مسلم وغيره : “ جعت فلم تطعمني ، ومرضت فلم تعدني “ إلى آخر النّسق “ 3 “ ، فإنّ الحقّ - تعالى - لمّا رأى عبده توقّف ، وقال : كيف أطعمك ، أو أعودك وأنت ربّ العالمين ؟ أوّل له ذلك وقال “ 4 “ : أما علمت أنّ عبدي فلانا جاع ، أما إنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، وقال في المريض : أما إنّك لو عدته لو جدتني عنده، فاعلم ذلك ، والحمد للّه ربّ العالمين.


55 - [ توهّم أنّ للحقّ تعالى قدمين ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من حديث القدمين اللّتين تدلّتا “ 5 “ من العرش إلى الكرسيّ كما ورد أنّهما كقدمي الآدميّ ، وتعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، والجواب أنّ المراد بالقدمين هنا بإجماع أهل الكشف كلّهم أنّهما “ 6 “ قدما الأمر والنّهي ، ويعبّر عنهما أيضا بالخير والشّرّ اللّذين هما من أثر الأمر والنّهي “ 7 “ ، وكلاهما صحيح خلاف ما توهّمه المجسّمة “ 8 “ ، وإيضاح ذلك أنّ الكرسيّ تحت العرش كالسّلّم تحت الغرفة في العادة ، والعرش محلّ أحديّة الكلمة لغلبة الرّحمة فيه على الرّحمة التي في الكرسيّ بقرينة قوله - تعالى - :الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى( 5 ) “ 9 “ ، فما ذكر الاستواء إلّا باسم
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ دليل “ . 
( 3 ) أخرجه أحمد في المسند ، 2 / 404 ، وفيه : “ مرضت فلم يعدني ابن آدم ، وظمئت فلم يسقني ابن آدم “ ، ومسلم في الصحيح في كتاب البر والصلة ( 43 / 2569 ) ، 16 / 362 ، والطبراني في الأوسط ( 8722 ) ، 6 / 264 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب الإنفاق والصدقة ( 161 ) ، 1 / 186 . 
( 4 ) “ أ “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ وقال “ ساقطة . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تدليان “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ أنهما هما . . . “ ، “ ز “ : العبارة : “ هما قدماه . . “ 
( 7 ) “ د “ : قوله : “ ويعبر عنهما أيضا بالخير والشّر اللّذين هما من أثر الأمر والنهي “ ساقط . 
( 8 ) المجسمة والمشبهة هم الذين صرحوا بالتشبيه ، فلم يتعرضوا للتأويل ، وجعلوا معبودهم جسما له لحم وجوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين ، وهم فرق وشيع ، ولهم مقالات أتي على بعضها الشهرستاني في الملل والنحل ، 1 / 92 . 
( 9 ) ( طه ، الآية 5 ) .

“ 250 “
“ الرّحمن “ “ 1 “ ، وأمّا الكرسيّ فقد انقسمت الكلمة فيه إلى أمرين ليخلق - تعالى - من كلّ زوجين اثنين ، فظهرت الشّفعيّة في الكرسيّ بالفعل ، وكانت في العرش بالقوّة ، فإنّ قدمي الأمر والنّهي لمّا تدلّتا إلى الكرسيّ انقسمت فيه الكلمة الرّحمانيّة إلى قسمين : أهل الجنّة وأهل النّار ، وقال - تعالى - فيهم : هؤلاء للجنّة ، ولا أبالي ، وهؤلاء للنّار ولا أبالي “ 2 “ ، فاستقرّت كلّ قدم في مكان غير مكان القدم الآخر ، وهو منتهى استقرارها “ 3 “ ، فسمّي أحدهما الجنّة ، والآخر جهنّم ، وليس بعدهما مكان آخر ينتقل أهل القبضتين إليه .

فإن قال قائل : فهل يتجاوز الكرسيّ عمل ، أم الأعمال كلّها إذا صعدت تقف فيه ، ولا تتجاوزه من حيث إنّ نهاية كلّ أمر يرجع إلى ما منه بدأ ، وقد بدأ ، وقد بدأت الأوامر والنّواهي من الكرسيّ ؟ 
فالجواب : إنّ أراد هذا القائل عالم الخلق والأمر فصحيح ؛ لأنّ هؤلاء لا يتعدّون الكرسيّ أبدا ، وإن أراد التّكاليف فلا ؛ وذلك لما قاله أهل الكشف من أنّ التّكليف انقسم من السّدرة ، فقطع أربع مراتب قبل السّدرة ؛ إذ السّدرة “ 4 “ هي المرتبة الخامسة ، فإنّ التّكليف ينزل من قلم ، إلى لوح ، إلى عرش ، إلى كرسيّ ، إلى سدرة ، فإذا صعدت أعمال بني آدم كلّهم ، فلا تتجاوز سدرة المنتهى أبدا .
فإن قال قائل : هل نزلت الأحكام الخمسة من مكان “ 5 “ واحد ، أو من أماكن مختلفة ؟
فالجواب : نزلت من أماكن مختلفة ، فظهر الواجب من القلم ، والمندوب من اللّوح ، والمحظور من العرش ، والمكروه من الكرسيّ ، والمباح من السّدرة “ 6 “ ، لأنّ المباح “ 7 “ قسم النّفس ، وإلى هذا المكان “ 8 “ تنتهي نفوس عالم السّعادة ، وإلى أصولها ، وهي
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ز “ : بالاسم الرحمن “ . 
( 2 ) تقدم تخريج هذا الحديث . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ : قوله : “ وهو منتهى استقرارها “ ساقط . 
( 4 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ إذ السّدرة “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ محل “ . 
( 6 ) “ أ “ ، “ ك “ : قوله : “ والمباح من السدرة “ ساقط . 
( 7 ) “ ب “ : قوله : “ من السّدرة ، لأن المباح “ ساقط . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ هذه السدرة “ .

“ 251 “
الزّقّوم ، تنتهي نفوس عالم الشّقاوة “ 1 “ ، فإذا صعدت أحكام الدّين الخمسة المذكورة كان غايتها إلى الموضع الذي منه ظهرت ، ذكره الشّيخ في الباب الثّامن والخمسين من “ الفتوحات “ “ 2 “ . 

فإن قال قائل : فما كيفيّة صعود الأعمال مع أنّها أعراض ؟
فالجواب ما قاله الشّيخ في الباب السّابع والتّسعين وثلاثمائة “ 3 “ من “ الفتوحات “ أنّها تتطوّر ملائكة “ 4 “ ، ثمّ تصعد على شاكلة فاعلها وعمله حسنا وقبحا “ 5 “ ، فتخرج من الهيكل إلى محالّها على مركّبها الذي هو روح الحضور “ 6 “ فيها ، فيقع طرف قدمه على منتهى بصره حتّى يصل إلى محلّ نهايته “ 7 “ .
قال “ 8 “ في الباب الثّامن والخمسين من “ الفتوحات “ “ 9 “ : يكون من القلم نظر إلى الأعمال الواجبة ، فيمدّها بحسب ما يرى فيها ، ويكون من اللّوح نظر إلى الأعمال المندوبة ، فيمدّها بحسب ما يراه فيها ، ويكون من العرش نظر إلى المحظورات “ 10 “ ، فلا يمدّها إلّا بالرّحمة ؛ لأنّه مستوى الاسم “ الرّحمن “ ، ولهذا يكون مآل عصاة الموحّدين إلى الرّحمة “ 11 “ ، ويكون من الكرسيّ نظر إلى الأعمال المكروهة ، فيمدّه بحسب ما يرى
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ز “ : “ الشقاء “ ، والعبارة لمحيي الدين في الفتوحات المكية ، 1 / 437 . 
( 2 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة أسرار أهل الإلهام المتدلين ، ومعرفة علم إلهي فاض على القلب ، ففرق خواطره وشتتها “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 434 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ والثلاثمائة “ . 
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منازلةإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 385 . 
( 5 ) “ ب “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ حسنا وقبيحا “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ المحضور “ . 
( 7 ) في الكلام سقط كثير ، أما عبارة الفتوحات بتمامها ففي الفتوحات المكية ، 6 / 385 . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وقال “ . 
( 9 ) تقدم فضل بيان عن هذا الباب آنفا . 
( 10 ) “ د “ : “ المحظور “ . 
( 11 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 438 ، والعبارة ثمّ : “ ولهذا يكون مآل أصحابها إلى الرحمة “ .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ سماع جبريل أو النّبيّ كلام اللّه كسماع الخلق بعضهم بعضا كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:20 pm

توهّم أنّ سماع جبريل أو النّبيّ كلام اللّه كسماع الخلق بعضهم بعضا كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

 فيها “ 1 “ ، ولا يخفى أنّ رحمة الكرسيّ دون رحمة العرش ؛ إذ الرّحمة تعظم بحسب عظمة “ 2 “ الذّنب ، وتصغر بصغره عادة ، فالكرسيّ تحت حيطة العرش ، كما أنّ المكروه تحت حيطة الحرام ، والمستحبّ تحت حيطة الواجب كاندراج الوضوء في الغسل عندما يجتمع على المكلّف الحدث الأصغر “ 3 “ مع الأكبر ، فليس فوق رحمة العرش رحمة “ 4 “ ؛ لأنّ رحمته عمّت العالم كلّه بإذن اللّه تعالى ، إمّا رحمة دوام ، وإمّا رحمة إمهال ، وإمّا رحمة تخفيف وعذاب ، أو عدم مؤاخذة بالكلّيّة ، واعلم أنّ الكرسيّ لمّا كان محلّ نزول الأمر والنّهي كما قرّرناه ، وكان فيه رحمة ، ما عفا اللّه - تعالى - عن أهل حضرته في جميع ما فعلوه من المكروه ، وحصل الأجر في تركه “ 5 “ ، فيثاب تاركه ، ولا يؤاخذ فاعله ، انتهى “ 6 “ ، فاعلم ذلك ، وإيّاك أن تعتقد في اللّه - تعالى - شيئا من صفات خلقه ، فإنّ حقيقته - تعالى - مخالفة لسائر الحقائق ، والحمد للّه ربّ العالمين .

56 - [ توهّم انتفاء تأبيد الخلود في النّار ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم من قول اللّه - تعالى - “ 7 “ للقلم في الحديث القدسيّ “ 8 “ : 
“ اكتب علمي “ 9 “ في خلقي إلى يوم القيامة “ 10 “ أنّ الشّقاء ينقضي ؛ لأنّه
.................................................................................
   
( 1 ) العبارة لمحيي الدين في الباب الثامن والخمسين من الفتوحات المكية ، وفيها يقول : “ ويكون من الكرسي نظر إلى الأعمال المكروهة ، فينظر إليها بحسب ما يرى فيها “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 438 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ عظم “ . 
( 3 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ الأصغر “ ساقطة ، “ ز “ : العبارة : “ كحدث الأصغر مع الأكبر “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ فوق “ ساقطة ، وبهذا يستحيل المعنى كفرا . 
( 5 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ وحصل الأجر “ ساقط . 
( 6 ) انتهى كلام محيي الدين في الباب الثامن والخمسين من الفتوحات المكية ، وقد نقل الشعراني النص متصرفا بالعبارة . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ عز وجل “ . 
( 8 ) “ ب “ : قوله : “ في الحديث القدسي “ ساقط . 
( 9 ) “ د “ : “ حكمي “ ، وإخاله تصحيفا ، وسترد “ علمي “ في “ أ “ مرتين . 
( 10 ) جاء في الحديث القدسي قوله : “ إن أول ما خلق اللّه القلم ، فقال : اكتب ، فقال : ما أكتب ؟ ، قال : اكتب القدر ، وما هو كائن إلى الأبد “ ، وفي رواية أخرى : “ قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة “ . أخرجه أحمد في المسند ، 5 / 317 ، وأبو داود في السنن ، كتاب السنة ، 16 ، والترمذي في الصحيح ، كتاب القدر ، 17 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب التوحيد والإيمان -


“ 253 “
من “ 1 “ جملة ما كتبه القلم ، وقال “ 2 “ : جميع ما كتبه القلم خاصّ بالأمور الواقعة في الدّنيا فقط لتناهيها ، وأمّا الآخرة فلا يكتب القلم علمه - تعالى - فيها لعدم تناهيها ، وما لا يتناهى أمده ، لا يحويه الوجود ، والكتابة وجود ، انتهى “ 3 “ .
والجواب أنّه يجب قطعا اعتقاد تأبيد الخلود في النّار لأهل النّار الذين هم أهلها ، وهم أربع طوائف : المشركون باللّه ، والمتكبّرون على اللّه ، والمنافقون ، والمعطّلون ، فإنّ الخلود في الدّارين لأهلها قد ثبت بالنّصوص القاطعة ، وذلك لا ينافي دخوله في الكتابة للبغاة بقوله - تعالى - “ 4 “ : “ اكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة “ ؛ لأنّ المراد : اكتب علمي في خلقي الذي من جملته تخليد الكافرين في النّار ، أو المراد : اكتب أعمالهم وأقوالهم التي يجازون عليها إلى يوم القيامة ، وأمّا الجزاء الأبديّ فلا تدخله الغاية إلّا لكونه أبديّا ، وأمّا غيره فتكتب غايته ، فهو نظير قول الإنسان لغلامه : إن فعلت كذا في اليوم الفلانيّ حبستك سنة ، أو لا أطلقك حتّى أموت .
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 5 “ يقول : قد غلط قوم من المتصوّفة ، فقالوا : إنّ مدّة الشّقاء تنقضي ، فصادموا “ 6 “ بذلك النّصوص القطعيّة ، ولو أنّهم تأمّلوا الوجه والتّأبيد لأهل النّار فيها من توابع تلك الأحكام التي كتبها القلم عليهم لتجزى كلّ نفس بما نوت وعزمت ، وقد كان أهل النّار عازمين على الدّوام على كفرهم ما داموا أحياء ولو أبدا ، فجازاهم اللّه - تعالى - بالتّأبيد في العذاب لعزمهم على التّأبيد في الكفر ، ومخالفة الرّسل .
واعلم يا أخي أنّ اللّه - تعالى - خلق القلم الأعلى واللّوح المحفوظ “ 7 “ ، ثمّ خلق تحته ثلاثمائة وستّين قلما “ 8 “ أخرى ، وثلاثمائة وستّين لوحا “ 9 “ ، فما في اللّوح المحفوظ لا
- ( 75 ) ، 1 / 103 .
.................................................................................
( 1 ) “ أ “ : “ من “ ساقطة . 
( 2 ) “ ب “ : “ قال “ ساقطة . 
( 3 ) “ د “ : “ انتهى “ ساقطة . 
( 4 ) “ ك “ : بزيادة قوله : “ أي للقلم “ ، “ ز “ : “ لقوله تعالى “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فضايقوا “ . 
( 7 ) “ د “ : “ المحفوظ “ ساقطة . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ ثمانية وستين قلما “ . 
( 9 ) عرج على هذا الذي ذكره الشعراني من قبل محيي الدين في الباب الثالث عشر من الفتوحات المكية ، 1 / 227 .


“ 254 “
يدخله محو ، وما في هذه الألواح يدخله المحو ، وما سمّي اللّوح الأعلى إلّا محفوظا لحفظ ما فيه من المحو “ 1 “ ، وأمّا ألواح المحو والإثبات فهي المشار إليها بقوله - تعالى - :يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ( 39 ) “ 2 “ ، أي : اللّوح المحفوظ .
قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 3 “ : ومن هذه الألواح تنزّلت الكتب الإلهيّة والصّحف على الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام “ 4 “ ، ولذلك دخلها النّسخ ، بل دخلها في الشّرع الواحد ، فإنّ النّسخ “ 5 “ عبارة عن انتهاء مدّة الحكم لا على البدء ، فإنّ ذلك يستحيل على اللّه تعالى ، فكأنّه - تعالى - يقول لعباده : افعلوا كذا شهرا مثلا ، فإذا انقضى الشّهر فاتركوا ذلك واعملوا بكذا ، فقال العباد السّعداء : سمعا وطاعة ، وأطال الشّيخ “ 6 “ في ذلك ، ثمّ قال :
فعلم بأنّ القلم الأعلى أثبت في لوحه كلّ شيء ممّا تحويه ألواح المحو والإثبات ، ففي اللّوح المحفوظ إثبات المحو في هذه الألواح ، وإثبات الإثبات ، ومحو الإثبات عند وقوع “ 7 “ حكم ، وإنشاء أمر آخر كالقلم “ 8 “ ، أو زوال صفة ، ودخول أخرى ؛ كالنّسخ “ 9 “ ، فهو لوح مقدّس عن المحو كما مرّت الإشارة إليه ، انتهى “ 10 “ .
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 11 “ يقول : المحو خاصّ بالأعمال
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ فإن قيل : فلم سمّي اللّوح الأعلى محفوظا ؟ فالجواب : سمي بذلك لحفظه ما فيه من المحو . . . “ . وعبارة الشعراني مأخوذة من كلام محيي الدين في الباب السادس عشر وثلاثمائة من الفتوحات المكية ، 5 / 89 . 
( 2 ) ( الرعد ، الآية 39 ) . 
( 3 ) انظر قول محيي الدين في الباب السادس عشر وثلاثمائة من الفتوحات ، 5 / 89 . 
( 4 ) “ د “ : “ السلام “ ليست فيها . 
( 5 ) “ ب “ : قوله : “ بل دخلها في الشّرع الواحد ، فإن النسخ “ ساقط . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 7 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ ففي اللّوح المحفوظ إثبات المحو في هذه الألواح ، وإثبات الإثبات ، ومحو الإثبات عند وقوع “ ساقط . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كالقبلة “ . 
( 9 ) “ أ “ ، “ ب “ : كالمسح “ ، وهو تصحيف يدحضه ما ورد في “ ك “ والفتوحات المكية . 
( 10 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 89 - 90 . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ .


“ 255 “
والأحوال دون الذّوات ؛ إذ الذّوات لا يتوجّه إليها محو بخلاف الأعمال والأحوال “ 1 “ ، كما أشار إليه حديث : “ إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة . . . “ الحديث ، انتهى “ 2 “ .
فإن قال قائل : فهل أحاط أحد من أهل الكشف بشيء ممّا في اللّوح المحفوظ كما هو مشهور بين الأولياء ، فيقول أحدهم : رأيت في اللّوح المحفوظ كذا وكذا ؟
فالجواب : نعم كما ذكره الشّيخ في الباب الثّامن والتّسعين ومائة من “ الفتوحات “ “ 3 “ ، فقال : اعلم يا أخي أنّ جميع ما سطّر في اللّوح المحفوظ من آيات الكتب الإلهيّة مئتا ألف آية ، وتسعة وتسعون ألف آية ومائتا آية ، قال : وهذا ما أطلعنا اللّه - تعالى - “ 4 “ عليه في اللّوح من الأحكام المتعلّقة بالخلق إلى يوم القيامة .
وقال في الباب الثّالث عشر “ 5 “ : اعلم أنّ القلم الأعلى هو رأس ملائكة التّدوين والتّسطير ، وأمّا اللّوح فهو مشتقّ من القلم ، وله ثلاثمائة وستّون سنّا ، كلّ “ 6 “ سنّ يغترف من ثلاثمائة وستّين صنفا من العلوم الإجماليّة “ 7 “ ، فيفصّلها في اللّوح “ 8 “ ، فإذا ضربت علوم التّفصيل الثّلاثمائة وستّين صنفا في مثلها ، فالخارج “ 9 “ هو مقدار أمّهات فروع العلوم الإلهيّة المتعلّقة بالخلق إلى يوم القيامة خاصّة لا تزيد علما واحدا من الأمّهات ولا تنقص .
فإن قال قائل : فما عدد علوم الإمام المبين الذي أحصى اللّه - تعالى - “ 10 “ فيه كلّ شيء ؟ فالجواب-كما قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي-أنّ عدد علومه مائة ألف نوع وتسعة وعشرون ألف نوع وستّمائة نوع لا تزيد علما واحدا ولا تنقص.
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : قوله : “ إذ الذّوات لا يتوجّه إليها محو بخلاف الأعمال والأحوال “ ساقط . 
( 2 ) تقدم تخريج الحديث . 
( 3 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة النفس “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 29 . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليس فيهما . 
( 5 ) “ ك “ : بزيادة “ منها “ . وعنوانه : “ في معرفة حملة العرش “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 225 . 
( 6 ) “ أ “ : “ كل “ ساقطة . 
( 7 ) “ د “ : “ من العلم الإلهي “ ، “ ك “ : “ العلوم الإلهية “ . 
( 8 ) هنا ينتهي كلام محيي الدين في الفتوحات المكية ، 1 / 227 . 
( 9 ) “ ب “ : “ كان هو . . . “ . 
( 10 ) “ أ “ : “ تعالى “ ليست فيها ، “ ك “ ، “ ز “ : “ عز وجل “ .


“ 256 “
فإن قال قائل : فمن أين عرف “ 1 “ الأولياء هذه العلوم وليسوا بالأنبياء “ 2 “ ؟
فالجواب أنّهم يعرفون ذلك بالكشف الصّحيح ، فيكشف اللّه - تعالى - عن قلبهم “ 3 “ الحجاب ، ويصفّي باطنهم من الكدورات ، فيرتسم في قلب أحدهم جميع ما يقابله من الوجود العلويّ والسّفليّ ؛ كالمرآة المصقولة الكرة إذا علّقت بين السّماء والأرض تحكي كلّ ما قابلها من الجهات السّتّ ، ويصير صحيح البصر “ 4 “ يحكي الوجود كلّه على التّفصيل ، ومن هنا كان الشّيخ أبو العبّاس المرسي “ 5 “ يقول لأصحابه : أيّكم أطلعه اللّه - تعالى - على كلّ نطفة نزلت في رحم ، أو ورقة ، أو ثمرة خرجت من عود ، أو نبات خرج من الأرض ، فيقولون : لا ندري ، فيقول : ابكوا على قلوب محجوبة عن الملك والملكوت “ 6 “ .
وقد كان سيّدي إسماعيل الأنبابيّ يقول “ 7 “ : رأيت في اللّوح المحفوظ كذا وكذا ،
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عرفوا “ على لغة “ أكلوني البراغيث “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ : “ بالأنبياء “ ، “ ز “ : “ بأنبياء “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قلوبهم “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ ويصير البصر “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . وهو أبو العباس شهاب الدين أحمد بن عمر المرسي ، فقيه متصوف ، من أهل الإسكندرية ، لم يضع كتابا قط ولا رسالة كشيخه الشاذلي ، فقد كان يقول : هذه علوم لا يحمل فهمها عموم الخلق ، والكتاب يقع في أهله وغيرهم ، فكتبنا أصحابنا . توفي سنة ( 686 هـ ) ، من كلامه : ربما دخل في طريق الرجل بعد وفاته أكثر مما دخل في حياته ، فما بين أظهر الناس لا يلقون إليه بالا ، وكذلك : لو حجب عني رسول اللّه طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين ، وكذلك : من أحب الظهور فهو عبد الظهور ، أو الخفاء فهو عبد الخفاء ، ومن كان عبد اللّه فسواء عليه أظهره أم أخفاه ، وكذلك : رجال الليل هم الرجال ، وكلما أظلم الوقت قوي نور الولي ضرورة . انظر ترجمته : ابن عطاء اللّه السكندري ، لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس المرسي وشيخه الشاذلي أبي الحسن ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 7 / 173 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 2 / 457 ، والمقري ، نفح الطيب ، 2 / 190 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 338 ، والكوهن الفاسي ، طبقات الشاذلية الكبرى ، 61 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 1 / 465 ، والزركلي ، الأعلام ، 1 / 186 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 1 / 241 . 
( 6 ) “ ب “ : “ الملكوت “ ساقطة . 
( 7 ) “ أ “ : “ المبنوني “ ، وهو تصحيف ، “ د “ ، “ ب “ : “ المتبولي “ ، وليس ذلك كذلك ، بل الصواب ما ورد في “ ب “ و “ ز “ ، أما ترجمته فهو إسماعيل بن يوسف الأنبابي العارف الولي الشهير ، كان والده من أعيان جماعة الشيخ أحمد البدوي ، ولما دخل طريقه أمره أن يقيم بأنبابة ، فأقام بها ، فأقبل عليه -


“ 257 “
فأفتى بعض العلماء المالكيّة بقتله ، فقال : ممّا رأيته أنّ هذا المفتي يموت غريقا ، فغرق في بحر الفرات ، وكان أخي أفضل الدّين - رحمه اللّه - يقول : أنا أعرف ما تكتبه الملائكة في حقّي الآن في الألواح السّماويّة ، فقلت له : كيف ؟ فقال : لأنّ بين العالم العلويّ والسّفليّ ارتباطا برقائق ممتدّة ، وأقلام الألواح تكتب كلّ ما يفعله العالم السّفليّ ، أو يقوله ، أو يخطر على باله ، ويصير عليه “ 1 “ ، وكذلك يعلمون “ 2 “ كلّ ما يخطر على بال أحدهم “ 3 “ ، فكلّ فعل يفعله ، أو قول يقوله ، أو خاطر يخطر له ، ثمّ يصير عليه ، فهو الذي تكتبه الملائكة في حقّه ذلك الوقت ، انتهى .
وقد بسطنا الكلام على كيفيّة تنزّل الأمر من السّماء إلى الأرض “ 4 “ ، وكيفيّة عروج الملائكة ، وهبوطهم بالأمر والنّهي في مبحث “ خلق اللّوح والقلم “ في كتاب “ اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر “ ، فراجعه “ 5 “ ، واعتقد أنّ اللّه - تعالى - قد يكشف حجب غيبه لبعض أوليائه “ 6 “ ، فيري ملكوت السّموات والأرض ، وإنّما منع بعض العلماء وقوع ذلك لغير الأنبياء سدّا لما يتطرّق إليه من تصديق الأولياء في مثل ذلك في حال عدم عصمتهم “ 7 “ ، فربّما لبّس الشّيطان على أحدهم ، ومثّل له لوحا محفوظا ، وسطّر له فيه شيئا يخالف ما جاءت به الشّريعة ، فيحصل بذلك فساد في الدّين ، ولكنّ المرجع
- الأمراء والكبراء بمصر ، وقد ذكر هذه الحادثة التي هي في المتن المناوي ، وبعد وفاة أبيه صار شيخ الزاوية التي لوالده ، منقطعا بها ، مشتغلا بالعلم والتربية ، توفي سنة ( 790 ه ) ، انظر ترجمته : ابن حجر ، الدرر الكامنة ، 1 / 224 ، والسيوطي ، حسن المحاضرة ، 1 / 527 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 3 / 21 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 6 / 311 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 1 / 524 .
.................................................................................
( 1 ) قوله : “ أو يخطر على باله ، ويصير عليه “ ساقط من “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ يقولون “ . 
( 3 ) “ أ “ : قوله : “ وكذلك يعلمون كل ما يخطر على بال أحدهم “ ساقط . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ من السماء والأرض “ . 
( 5 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، المبحث التاسع عشر : في الكلام على الكرسي واللوح والقلم الأعلى ، 1 / 196 . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قد يخرق العادة لبعض أوليائه “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ مع عدم عصمتهم “ .


“ 258 “
لميزان الشّرع ، فكلّ ما “ 1 “ أتى به الوليّ موافقا للشّرع قبلناه ، وكلّ ما يخالف ذلك رددناه ، وإن جوّزنا العصمة لغير الأنبياء “ 2 “ فنعم ما فعل العلماء ، والحمد للّه ربّ العالمين .


57 - [ توهّم أن كتابة الحقّ ككتابة الخلق ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من كتابة اللّه - تعالى - شيئا في الأزل أنّ ذلك في زمان مخلوق سابق على الكتابة ككتابة الخلق “ 3 “ ، والجواب أنّه يجب جزما اعتقاد “ 4 “ أنّ كتابة الحقّ - جلّ وعلا - حيث أطلقت فالمراد بها تعلّق العلم بذلك المكتوب في العلم الإلهيّ الذي لا افتتاح له ، فما ذكر اللّه - تعالى - الكتابة إلّا ليتعقّلها عباده من حيث وجوده “ 5 “ لا من حيث الكتابة ، وقد سئل الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 6 “ عن الأزل ما المراد به ، فقال : المراد به القدم ؛ إذ ليس بين وحدانيّته - تعالى - “ 7 “ وبين إخراجه الخلق من العدم إلى الوجود زمان يعقل “ 8 “ ، وأمّا الزّمان المعقول فهو المخلوق “ 9 “ الذي امتدّ وخلق اللّه فيه ما سواه “ 10 “ ، أي أبرزهم من العدم الإضافيّ ، وهو الذي أخذ اللّه - تعالى - فيه العهد الأوّل على بني آدم ؛ إذ الزّمان لا يتعقّل إلّا بوجود العقل ، ووجوده مشروط بوجود آدم “ 11 “ ، وقبل آدم لا عقل لنا ، فافهم .
فإن قال قائل : قد ورد في الصّحيح أنّ اللّه - تعالى - كتب التّوراة بيده ، وكتابته - تعالى - قديمة ، وإذا كانت قديمة فكيف وقع فيها التّبديل والتّغيير الذي هو
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فكل شيء “ . 
( 2 ) “ ك “ : قوله : “ ولكن المرجع لميزان الشرع ، فكل ما أتى به الولي موافقا للشرع قبلناه ، وكل ما يخالف ذلك رددناه ، وإن جوزنا العصمة لغير الأنبياء “ ساقط . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ الكتاب ككتاب الخلق “ . 
( 4 ) “ ب “ : “ أن تعتقد “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ليتعقل عباده من حيث وجودهم “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ وحدانية اللّه تعالى “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وذلك زمان لا يتعقل “ . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ فهو الزمان “ . 
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ ما يراه من الخلق “ . 
( 11 ) “ ب “ : “ بوجود الخلق “ .


“ 259 “
من علامة المحدثات ؟ 
فالجواب أن التّوراة في نفسها ما تغيّرت ، فإنّ فيها إعلاما برسالة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ، وحيث كان كذلك ، ففي ضمنه الإعلام بإبعاث شرعه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وإنّما كتابتهم إيّاها ، وتلفظّهم بها ، هو الذي لحقه التّغيير ، فنسبة “ 1 “ مثل ذلك إلى كلام اللّه - تعالى - ليس على الحقيقة “ 2 “ ، قال - تعالى - :يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” 3 “ ، فهم يعلمون أنّ كلام اللّه “ 4 “ - تعالى - معقول عندهم ، ولكنّهم أبدوا في التّرجمة عنه خلاف ما في صدورهم ، وفي مصحفهم المنزّل عليهم ، فإنّهم ما حرّفوا إلّا ما عندهم ، ونسخهم من الأصل “ 5 “ ، وأبقوا الأصل على ما هو عليه ليبقى لهم ولعلمائهم بعدهم العلم . 
فإن قال قائل : إنّ آدم - عليه الصّلاة والسّلام - قد خلقه اللّه - تعالى - بيديه ، وما حفظه من التّغيير حين أكل ناسيا من الشّجرة ، وأين رتبة اليد من اليدين اللّتين “ 6 “ هما كناية عن شدّة اعتنائه به ؟ “ 7 “ 
فالجواب أنّ كلام اللّه - تعالى - ما عصم من التّغيير إلّا من حيث كونه حكما للّه عزّ وجلّ ، ومعلوم أنّ أحكامه - تعالى - قديمة ، والقديم لا يلحقه تغيير ، وأمّا آدم فليس هو من أحكام اللّه تعالى “ 8 “ ، فلذلك لم يحفظه من التّغيير الصّوريّ بجريان الأقدار فيه ، بل هو المحلّ الأعظم ، فظهور “ 9 “ ما ظهر منه كذلك . 
فإن قال قائل : إذا قلتم إنّ خلق آدم باليدين إشارة إلى شدّة الاعتناء به أكثر من غيره ، فإذا الأنعام أشدّ اعتناء من الحقّ - تعالى - بها من آدم من حيث إنّ اللّه
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فنسب “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ . . . إلى كلام اللّه تعالى بحكم المجاز لا الحقيقة “ . والعبارة في “ ب “ فيها التواء . 
( 3 ) (البقرة ، الآية 75 ) . 
( 4 ) “ ب “ : “ كلام “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللذين “ ، وهو لا يستقيم البتة . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الاعتناء “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عز وجل “ . 
( 9 ) “ أ “ : “ لظهور “ . ولعل ما ورد في “ د “ و “ ك “ و “ ز “ هو الأعلى .


“ 260 “
- تعالى - “ 1 “ جمع “ 2 “ في خلقها “ الأيدي “ بقوله - تعالى - :مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً” 3 “ .
فالجواب أنّ توجّه اليدين على آدم أقوى من توجّه الأيدي ؛ لأنّ التّثنية برزخ بين المفرد والجمع ، فلها القوّة والتّمكين من حيث إنّه لا يصل إلى مرتبة الجمع إلّا بها ، ولا ينتقل عن المفرد إلّا إليها ، وعلم أيضا أنّ كلّ من فسّر اليد بالقدرة ينتقض ذلك عليه باليدين والأيدي ، فإنّ قدرة اللّه لا تثنّى ولا تجمع .
فإن قال قائل : فلم سمّى الحقّ - تعالى - نفسه بالدّهر ، ومعلوم أنّ الدّهر لا يتعقّل إلّا أنّه زمان ؟
فالجواب أنّ المراد به هنا الأزل والأبد اللّذان هما الأوّل والآخر حقيقة “ 4 “ ، وهما من نعوت اللّه - تعالى - بلا شكّ ، فإنّه سمّى نفسه بالأوّل “ 5 “ ، ولكن لا بأوّليّة تحكم عليه كالأوّليّات المسبوقة بالعدم ، فإنّ ذلك منتف في حقّ الحقّ - تعالى - “ 6 “ بلا شكّ ؛ إذ لو كانت أوليّته - تعالى - كأوّليّة المخلوقات “ 7 “ لم يصف نفسه بالآخر ؛ إذ الآخر عبارة عن وجوده - تعالى - بعد انتهاء الموجودات المحدثة كلّها ، فهو - تعالى - آخر لا بآخريّة تحكم عليه ، نظير ما قلنا في اسمه “ الأوّل “ ، فما كفر الدّهريّة “ 8 “ إلّا من ظنّهم أنّ الدّهر هو الزّمان الفلكيّ الذي لا حقيقة له في زمان اللّه - تعالى - الذي لا يعقل ، ولو أنّهم اعتقدوا في الدّهر أنّه الأوّل والآخر ما كفروا ، ولا توجّهت عليهم مؤاخذة ، على أنّ بعضهم هرب من ربط الزّمان في حقّ الحقّ مطلقا ، ولو لم يتعقّل ، فاعلم ذلك ، فإنّه نفيس ، والحمد للّه ربّ العالمين .
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ من حيث إنه تعالى “ . 
( 2 ) “ أ “ : “ جمع “ ساقطة . 
( 3 ) ( يس ، الآية 71 ) . 
( 4 ) “ ك “ : “ حقيقة “ ساقطة . 
( 5 ) “ ب “ : قوله : “ والآخر حقيقة ، وهما من نعوت اللّه - تعالى - بلا شك ، فإنه سمى نفسه بالأول “ ساقط . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 7 ) “ أ “ : “ المخلوقات “ ساقطة . 
( 8 ) رجل دهريّ ودهريّ ملحد لا يؤمن بالآخرة ، بل يقول ببقاء الدهر . انظر : اللسان ، مادة “ دهر “ .


“ 261 “

58 - [توهّم العقل في قصور القدرة الإلهيّة ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم عقله في قبول شيء من أحوال القدرة الإلهيّة كإدخال الحقّ - تعالى - السّموات والأرض مثلا في خرم إبرة من غير أن يوسّع ذلك الخرم :
اعلم يا أخي أنّ اللّه - تعالى - على كلّ شيء قدير ، ومن شكّ في القدرة الإلهيّة كفر ، ولمّا استبعدت عقول المعتزلة وقوع أخذ العهد على بني آدم ، وهم في ظهر آدم أنكروا هذا العهد لتحكيمهم العقل ، وتقديمه على الشّرع “ 1 “ ، وزعموا أنّ معنى أخذ العهد على بني آدم ، وهم في ظهره أنّه أخذ بعضهم من ظهور بعض بالتّناسل في الدّنيا إلى يوم القيامة ، وليس هناك عهد ولا ميثاق حقيقة ، وإنّما العهد والميثاق إرسال الرّسل ، واستكمال العقل والنّظر “ 2 “ ، واستدلال توجيه الخطاب إلى العهد “ 3 “ ، وكيف يصحّ للمعتزلة ذلك ومعظم الاعتقاد في إثبات الحشر والنّشر مبنيّ على هذه المسألة ؟ والذي “ 4 “ يظهر لي “ 5 “ أنّهم ما أنكروا ذلك إلّا فرارا من غموض مسائل هذا المبحث ودقّة معانيه ، والرّضا بالجهل عند غالب النّاس أمر سهل عندهم ، وقد ذكر العلماء في قوله - تعالى - :وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْالآية “ 6 “ اثني عشر سؤالا ، ونحن نوردها عليك مع الجواب عنها بما فتح اللّه - تعالى - به “ 7 “ :
الأوّل : أين موضع أخذ اللّه هذا العهد ؟
والجواب أنّ اللّه - تعالى - أخذ ذلك ببطن نعمان ، وهو واد تحت “ 8 “ عرفة ؛ قاله
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : قوله : “ على بني آدم ، وهم في ظهر آدم أنكروا هذا العهد لتحكيمهم العقل ، وتقديمه على الشرع “ ساقط . 
( 2 ) “ ب “ : “ والفطنة “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ العبد “ ، وهو تصحيف . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فالذي “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ لي “ ساقطة . 
( 6 ) ( الأعراف ، الآية 172 ) ، وفي “ ك “ و “ ز “ : “ ذرياتهم “ . 
( 7 ) “ ب “ : العبارة : “ بما فتح اللّه تعالى “ ، وممن أتى على هذه الأسئلة جميعها أبو طاهر في كتابه “ سراج العقول “ في باب “ أخذ العهد “ ، وعبارة الشعراني في جل ما تقدم تكاد تكون مقتبسة منه . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بجنب “ .

“ 262 “
ابن عبّاس وغيره ، وقال بعضهم : أخذ بسرنديب “ 1 “ من أرض الهند ، وهو الموضع الذي هبط فيه آدم “ 2 “ من الجنّة ، وقال الكلبيّ : كان أخذ العهد بين مكّة والطّائف ، وقال الإمام عليّ بن أبي طالب - رضي اللّه عنه - : كان أخذ العهد في الجنّة “ 3 “ ، وكلّ هذه الأمور محتملة ، ولا يضرّنا الجهل بالمكان بعد صحّة الاعتقاد بأخذ العهد .
الثّاني : كيف استخرجهم من ظهره ؟
والجواب : ورد في الصّحيح أنّه - تعالى - مسح ظهر آدم ، وأخرج ذرّيّته منه كلّهم كهيئة الذّرّ “ “ 4 “ ، ثمّ اختلف النّاس هل شقّ ظهره واستخرجهم منه ، أو استخرجهم من بعض ثقوب رأسه ؟ وكلا الوجهين بعيد ، والأقرب - كما قيل - أنّه استخرجهم من مسامّ شعرات ظهره “ 5 “ ؛ إذ تحت كلّ شعرة ثقبة دقيقة يقال لها سمّ مثل سمّ الخياط ؛ أي في النّفوذ لا في السّعة “ 6 “ ، فتخرج الذّرّة الصّغيرة منها كما يخرج منها العرق المنصبّ والصّببان “ 7 “ ، وهذا غير بعيد في العقل ، والواجب اعتقادنا إخراجهم من ظهر
.................................................................................
( 1 ) سرنديب : “ ديب “ بلغة الهنود الجزيرة ، وهي جزيرة عظيمة بأقصى بلاد الهند ، وقيل إن آدم هبط فيها ، على جبل يقال له “ الرّهون “ ذاهب في السماء ، يراه البحريون من مسافة أيام ، ويقال إن أثر آدم عليه ، انظر : ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، 5 / 42 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ آدم فيه “ . 
( 3 ) انظر هذه الأقوال : القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، 7 / 201 ، وخلاصة القول فيها ما جاء في البحر المحيط : “ واختلفوا في كيفية الإخراج ، وهيئة المخرج ، والمكان ، والزمان “ . انظر : أبو حيان ، البحر المحيط ، 4 / 419 . 
( 4 ) أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب القدر ، 704 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 1 / 219 ، وفي رواية أخرى : “ إن اللّه خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون . . . “ . انظر : الترمذي في السنن ، كتاب التفسير ، ( 3086 ) ، 5 / 51 ، وفي رواية أخرى : “ لما خلق اللّه آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة . . . “ ، وأبو داود في السنن ، كتاب السنة ( 4703 ) ، 5 / 54 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب التوحيد والإيمان ، 1 / 93 . 
( 5 ) مسامّ الجسد ثقبه ، ومسامّ الإنسان تخلخل بشرته وجلده الذي يبرز عرقه وبخار باطنه منها ، سميت “ مسامّ “ لأن فيها خروما خفية ، وهي السّموم . انظر : لسان العرب ، مادة “ سمم “ . 
( 6 ) “ ك “ : “ أي “ ساقطة . 
( 7 ) “ك“ : “الصبيان“، وهو تصحيف، “ز“ : العبارة : “فتخرج الذرة الصغيرة كما تخرج من الفرق والمنصب. .“.

“ 263 “
آدم “ 1 “ كما شاء اللّه ، ولا يجوز أنّه - تعالى - مسح ظهر آدم على وجه المماسّة ؛ إذ لا اتّصال بين الحادث “ 2 “ والقديم .
الثّالث : كيف أجابوه - تعالى - ببلى ؟ هل كانوا أحياء عقلاء ، أم أجابوه بلسان الحال ؟
فالجواب أنّهم أجابوه بالنّطق وهم أحياء عقلاء ؛ إذ لا يستحيل في العقل أنّ اللّه - تعالى - يعطيهم الحياة والعقل والنّطق “ 3 “ مع صغرهم ، فإنّ بحار قدرته - تعالى - واسعة، وغاية وسعنا في كلّ مسألة أن نثبت الجواز ، ونكل علم كيفها إلى اللّه تعالى.
الرّابع : فإذا قال الجميع : بلى ، فلم قبل - تعالى - قوما ، وردّ آخرين ؟
والجواب ، كما قاله الحكيم التّرمذيّ ، أنّ اللّه - تعالى - تجلّى للكفّار بالهيبة “ 4 “ ، فقالوا : بلى ، مخافة منه ، فلم يك ينفعهم إيمانهم ، فكان إيمانهم كإيمان المنافقين “ 5 “ ، وتجلّى للمؤمنين بالرّحمة ، فقالوا : بلى ، مطيعين مختارين ، فنفعهم إيمانهم ، وقال الشّيخ أبو طاهر القزوينيّ “ 6 “ : الصّحيح عندي أنّ قول أصحاب الشّمال “ بلى “ كان على وفق السّؤال ؛ وذلك أنّ اللّه - تعالى - “ 7 “ سألهم عن ربّهم ، ولم يسألهم عن إلههم ، ولم يكونوا يومئذ في زمان تكليف ، وإنّما كانوا في حالة التّخليق والتّربية ، وهي الفطرة ، فقال لهم :أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ” 8 “ ، فقالوا : بلى ؛ لأنّ تربيتهم إذّاك كانت مشهودة لهم ، فصدقوا في ذلك كلّهم ، ثمّ لمّا انتهوا إلى زمان التّكليف ، وظهور ما قضى اللّه - تعالى - في سابق علمه لكلّ أحد من السّعادة والشّقاوة ، كان منهم من وافق اعتقاده في قبول “ 9 “ الإلهيّة إقراره
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فيجب اعتقاد إخراجها . . . “ . 
( 2 ) “ د “ ، “ ز “ : “ الحديث “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ يعطيهم الحياة والنّطق والعقل “ . 
( 4 ) “ أ “ : “ بالهيئة “ ، وهو تصحيف . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ فكان إيمانهم “ ساقطة . 
( 6 ) انظر قول أبي طاهر في “ سراج العقول “ في الباب الحادي عشر “ في أخذ الميثاق “ ، 35 ب . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ . 
( 8 ) ( الأعراف ، الآية 172 ) . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قبوله “ . وفي “ سراج العقول “ : “ في قبول “ .


“ 264 “
الأوّل ، ومنهم من خالف “ 1 “ ، ولو أنّه - تعالى - كان قال لهم : ألست بواحد ، لقالوا كلّهم :
نعم “ 2 “ ، ولم يشرك أحد ، فليتأمّل . ولا يخفى ما فيه من فوات صورة “ 3 “ الاحتجاج بالآية كما سيأتي قريبا .
الخامس : إذا سبق لنا عهد وميثاق مثل هذا ، فلأيّ شيء لا نتذكّره اليوم ؟
والجواب أنّنا إنّما لم نتذكّر هذا العهد لأنّ تلك البيّنة قد انقضت ، وتغيّرت أحوالها بمرور الزّمان عليها في أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات ، ثمّ استحالت بتصريفها في الأطوار الواردة عليها من العلقة ، والمضغة ، واللّحم ، والعظم ، وهذا كلّه ممّا يوجب النّسيان ، وكان الإمام عليّ بن أبي طالب - رضي اللّه تعالى عنه - يقول : إنّي لأتذكّر العهد الذي عهد إليّ ربّي ، وكذلك كان يقول سهل بن عبد اللّه رحمه اللّه تعالى “ 4 “ ، وزاد بأنّه يعرف تلامذته من ذلك اليوم ، وأنّه لم يزل يربّيهم في الأصلاب حتّى وصلوا إليه ، وإنّما أخبر - تعالى - بأنّه أخذ الميثاق منّا إلزاما للحجّة علينا ، وتذكيرا لنا “ 5 “ ، فهذا هو “ 6 “ فائدة ذكر العهد .
السّادس : هل كانت تلك الذّرّات متصوّرة بصورة الإنسان أم لا ؟
والجواب : لم يبلغنا في ذلك دليل إلّا أنّ الأقرب في “ 7 “ العقول عدم الاحتياج إلى كونها بصورة الإنسان ؛ إذ السّمع والنّطق لا يفتقران إلى الصّورة ، بل يقتضيان محلّا حيّا لا غير ، فإذا أعطاه اللّه - تعالى - “ 8 “ الحياة والفهم ، جاز أن يتعلّق بها السّمع والنّطق ، وإن كانت القدرة على ذلك لا تتقيّد بصورة الإنسان ؛ إذ البيّنة عندنا ليست بشرط ، وإنّما
.................................................................................
( 1 ) هنا ينتهي كلام أبي طاهر في “ سراج العقول “ ، 37 أ . 
( 2 ) لعل الأصح القول “ بلى “ في موضع “ نعم “ ؛ ذلك أن المعنى سيصير : “ نعم لست بواحد “ ، وهذا ليس المراد في هذا السياق البتة . 
( 3 ) “ ب “ : “ مورود “ ، “ ز “ : “ سورة “ . 
( 4 ) “ أ “ : قوله : “ ابن عبد اللّه رحمه اللّه تعالى “ ساقط . “ ب “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ساقطة ، وقد تقدمت ترجمته . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تذكرة “ . 
( 6 ) “ ب “ : “ فهذا هذا “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ من “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ساقطة .


“ 265 “
اشترطها المعتزلة ، ويحتمل أن يكونوا متصوّرين بصورة الإنسان ؛ لقوله - تعالى - :مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ” 1 “ ، ولم يقل : “ ذرّاتهم “ ، ولفظ الذّرّية يقع على المصوّرين “ 2 “ .
السّابع : متى تعلّقت الأرواح بالذّرّات التي هي “ 3 “ من الذّرّيّة ؟ أقبل خروجها من ظهر آدم أم بعد خروجها ؟
والجواب : قال بعضهم : إنّ الظّاهر أنّه - تعالى - استخرجهم أحياء ؛ لأنّه سمّاهم ذرّيّة ، والذّرّيّة هم الأحياء ؛ لقوله - تعالى - :وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ( 41 ) “ 4 “ ، فيحتمل أنّ اللّه - تعالى - خلق الخلق والأرواح فيهم “ 5 “ ، وهم في ظلمات ظهر أبيهم ، ثمّ أدخلها مرّة أخرى وهم في ظلمات ظهر أبيهم “ 6 “ ، ثمّ أدخلها مرّة أخرى وهم في ظلمات بطون أمّهاتهم ، ثمّ يدخلها مرّة ثالثة وهم في ظلمات بطون الأرض ، هكذا جرت سنّة اللّه ، فسمّى ذلك خلقا ، قال : ولا يردّه قول :هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً” 7 “ ؛ لأنّ قصده أحياء ، فليتأمّل .
الثّامن : ما الحكمة في أخذ الميثاق منهم ؟
والجواب أنّ الحكمة في ذلك إقامة اللّه الحجّة على من لم يوف بذلك العهد كما تقدّمت الإشارة إليه قريبا “ 8 “ ، وقد “ 9 “ وقع نظير ذلك أيّام التّكليف على ألسنة الرّسل وسائر الدّعاة إلى اللّه تعالى . 
التّاسع : هل أعادهم إلى ظهر آدم أحياء ، أم استردّ أرواحهم ، ثمّ أعادهم إليه أمواتا ؟
والجواب : أنّ الظّاهر أنّه لمّا ردّهم إلى ظهره “ 10 “ قبض أرواحهم قياسا على ما
.................................................................................
( 1 ) ( الأعراف ، الآية 172 ) . 
( 2 ) “ أ “ : “ الصورتين “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ هي “ ساقطة . 
( 4 ) ( يس ، الآية 41 ) . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ خلق الأرواح فيهم “ . 
( 6 ) “ أ “ ، “ ك “ : قوله : “ وهم في ظلمات ظهر أبيهم “ ساقط . 
( 7 ) ( آل عمران الآية ، 38 ) . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قريبا “ ساقطة . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وكما “ . 
( 10 ) “ ب “ : “ إلى ظهر آدم “ ، “ ز “ : “ آدم “ ساقطة .


“ 266 “
يفعله بهم إذ ردّهم إلى الأرض بعد الموت ، فإنّه يقبض “ 1 “ أرواحهم ، ثمّ يعيدهم فيها .
العاشر : أين رجعت الأرواح بعد ردّ الذّرّات إلى ظهره ؟
والجواب : هذه مسألة غامضة لا يتطرّق إليها النّظر العقليّ عندي بأكثر من أن يقال : رجعت لما كانت عليه قبل “ 2 “ الذّرّات كما سيأتي في الجواب بعده ، فمن رأى في ذلك شيئا فليلحقه بهذا الموضع .
الحادي عشر : قوله :وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ” 3 “ ، والنّاس يقولون إنّ الذرّيّة أخذت من ظهر آدم ، فما الجواب “ 4 “ ؟
والجواب أنّه - تعالى - أخرج من آدم “ 5 “ بنيه لصلبه ، ثمّ أخرج من بني آدم “ 6 “ بنيه من ظهور بنيه ، فاستغنى عن ذكر إخراج بني آدم من آدم بقول بني آدم ؛ إذ من المعلوم أنّ بنيه لا يخرجون إلّا منه ، ومثال ذلك مثال من أودع جوهرة في صدفة ، ثمّ أودع الصّدفة في خرقة ، ثمّ أودع الخرقة مع الجوهرة في حقّة ، ثمّ أودع الحقّة في درج ، ثمّ أودع الدّرج في صندوق ، ثمّ أدخل يده في الصّندوق ، فأخرج منه تلك الأشياء بعضها من بعض ، ثمّ أخرج الجميع من الصّندوق ، فهذا لا تناقض فيه .
الثّاني عشر : في أيّ مكان أودع كتاب العهد والميثاق ؟
فالجواب : قد جاء في الحديث أنّه أودع في باطن الحجر الأسود ، وأنّ للحجر الأسود “ 7 “ عينين وفما ولسانا “ 8 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قبض “ ، وهو غير مستقيم . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ من مثل “ . 
( 3 ) ( الأعراف ، الآية 172 ) . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ فما الجواب “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ من ظهر آدم “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ آدم “ ساقطة . 
( 7 ) “ ب “ : “ الأسود “ ساقطة . 
( 8 ) جاء في نوادر الأصول للحكيم الترمذي : “ وإذا قصدوا الكعبة لاذوا بها ، وجددوا بيعة الإسلام الذي دنسوه وأخلقوه باستلام الحجر الذي فيه بيعتهم حين استخرجهم من الأصلاب للميثاق “ . 
انظر : 2 / 587 - 588 ، وفي موضع آخر يقول : “ عن أبي وليد القرشي قال : سمعت فاطمة بنت الحسين - رضي اللّه عنهما - تقول : لما أخذ اللّه ميثاق العباد جعله في الحجر ، فمن الوفاء للّه بالعهد استلام الحجر ، فكذلك ماء زمزم هو بهيئته على ما في الجنة من حلاوته ، ولذته ولونه “ . انظر : 
نوادر الأصول ، 2 / 413 ، أما اللسان والشفتان فقد ورد : “ يبعث اللّه الحجر الأسود والركن اليماني يوم القيامة ولهما عينان ولسان وشفتان يشهدان لمن استلمهما بالوفاء “ . أخرجه الطبراني في الكبير - 


“ 267 “
وقين “ 3 “ .
قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 4 “ : وهذا علم غريب عجيب ، وقد ذقناه وشاهدناه ، وحكي أنّ فقيرا كان طائفا بالبيت “ 5 “ ، فقال له إنسان : هل نزلت لك ورقة من السّماء بعتقك من النّار ؟ فقال : لا ، وهل ينزل للنّاس أوراق ؟ فقال له الحاضرون : نعم ، وهم يمزحون معه ، فما زال يطوف ويسأل اللّه “ 6 “ أن ينزّل له براءة من النّار ، فنزلت
- ( 11432 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، باب فضل الحجر الأسود ( 5489 ) ، 4 / 407 . وفي رواية أخرى : “ أشهدوا هذا الحجر خيرا ، فإنه يوم القيامة شافع مشفع ، له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه “ .
انظر : الهيثمي ، مجمع الزوائد ، باب فضل الحجر الأسود ( 5487 ) ، 4 / 407 .
وفي رواية ثالثة : “ يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان “ . أخرجه أحمد في المسند ، 2 / 211 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، الباب نفسه ( 5486 ) ، 4 / 407 . 
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل وجوب العذاب من الحضرة المحمدية “ . انظر : الفتوحات المكية ، 5 / 83 . 
( 2 ) أخرجه أحمد في المسند ، 2 / 167 ، والترمذي في السنن ، كتاب القدر ( 2148 ) ، 4 / 56 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب التوحيد والإيمان ( 73 ) ، 1 / 98 . 
( 3 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 87 . 
( 4 ) قول محيي الدين في الباب الخامس عشر وثلاثمائة في الفتوحات المكية ، 5 / 87 . 
( 5 ) عبارة محيي الدين : “ و
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ سماع جبريل أو النّبيّ كلام اللّه كسماع الخلق بعضهم بعضا كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:21 pm

توهّم أنّ سماع جبريل أو النّبيّ كلام اللّه كسماع الخلق بعضهم بعضا كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

“ 268 “
ورقة “ 1 “ من ناحية الميزاب فيها مكتوب عتقه من النّار ، ففرح بها ، وأطلع النّاس عليها ، وكان من شأن تلك الكتابة أنّها تقرأ من “ 2 “ كلّ ناحية على السّواء لا تتغيّر ، كلّما انقلبت “ 3 “ الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها ، فعلم النّاس أنّ ذلك من عند اللّه بلا شكّ . 

قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 4 “ : واتّفق في زماننا أنّ امرأة رأت في المنام كأنّ القيامة قد قامت ، وأعطاها اللّه ورقة من شجرة فيها مكتوب عتقها من النّار ، فمسكتها في يدها ، ثمّ استيقظت والورقة قد انقبضت يدها عليها ، فلم يقدروا على فتح يدها بحيلة ، فأرسلوها إليّ ، فألهمني اللّه - عزّ وجلّ - “ 5 “ أن قلت لها : انوي بقلبك مع اللّه - تعالى - أنّك تبتلعين الورقة إذا فتح كفّك ، فقرّبت يدها إلى فمها ، ونوت ذلك ، فابتلعتها ؛ وذلك لأنّ اللّه - تعالى - أراد منها أنّها لا تطلع عليها أحدا ، انتهى “ 6 “ . فاعلم ذلك “ 7 “ ، وآمن بأنّ اللّه على كلّ شيء قدير ، والحمد للّه ربّ العالمين .

59 - [ توهّم العقل أنّ النّشأة الإنسانيّة لا تكون إلّا عن سبب واحد ] 
وممّا أجبت به ضعيف العقل الذي يتوهّم أنّ القوّة الإلهيّة أو الحقائق تعطي أنّ هذه النّشأة الإنسانيّة لا تكون إلّا عن سبب واحد يعطي بذاته هذه النّشأة ، فالجواب أنّ
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ فنزلت عليه ورقة “ .
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تقرأ على كل . . . “ .
( 3 ) “ د “ ، “ ز “ : “ قلبت “ ، وما أثبته من النسخ الأخرى والفتوحات المكية . 
( 4 ) انظر قول محيي الدين في الفتوحات المكية ، 5 / 88 ، وقد تصرف الشعراني بالعبارة .
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .
( 6 ) انظر حكاية هذه الحال التي رواها محيي الدين في الفتوحات المكية ، 5 / 87 ، وعقب عليها بقصة مالك بن أنس إمام دار الهجرة لما اتفق في ذلك الزمان أن امرأة غسلت ميتة ، فلما وصلت إلى فرجها ، قالت ما يسوء متهمة لها بالزنا ، فالتصقت يدها بالفرج ، والتحمت به ، فسئل فقهاء المدينة ، فمن قائل بقطع يدها ، ومن قائل بقطع جزء من بدن الميتة قدر ما مسكت عليه اليد ، فقال مالك : أرى أن تجلد الغاسلة حد الفرية ، فإن كانت افترت فإن يدها تنطلق ، فجلدت فانطلقت يدها ، فتعجب الفقهاء من ذلك . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 88 . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ يا أخي “ .


“ 269 “
اللّه - تعالى - قد ردّ هذه الشّبهة في وجه صاحبها بقوله - تعالى - :إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ” 1 “ .
وإيضاح ذلك كما قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 2 “ أنّ ابتداء الجسوم الإنسانيّة على أربعة أنواع : آدم ، وحوّاء ، وعيسى ، وبنو آدم ، وكلّ جسم من هذه الأربعة يخالف نشأة الآخر في السّببيّة والاجتماع في الصّورة لئلّا يتوهّم ضعيف العقل أنّ الجسوم كلّها وجدت “ 3 “ بسبب واحد ، فلذلك أظهر اللّه “ 4 “ هذا النّشء الإنسانيّ “ 5 “ في آدم - عليه السّلام - “ 6 “ بطريق لم يظهر به جسم حواء ، وأظهر جسم حواء بطريق لم يظهر به جسم ولد آدم ، وأظهر جسم ولد آدم بطريق لم يظهر به جسم عيسى عليه الصّلاة والسّلام ، وقد جمع اللّه - تعالى - هذه الأربعة أنواع “ 7 “ في آية من القرآن ، وهي قوله - تعالى - :يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى” 8 “ الآية ، فقوله : “ خلقناكم “ يريد آدم وجميع النّاس ، وقوله : “ 9 “ “ من ذكر “ : يريد حوّاء ، وقوله : “ 10 “ “ وأنثى “ : يريد عيسى “ 11 “ ، ومن المجموع “ من ذكر وأنثى “ معا بطريق النّكاح ، يريد بني آدم ، فهذه الآية من جوامع الكلم ، وفصل الخطاب ، انتهى “ 12 “ .
فإن قيل : فهل يوصف آدم بكونه لم يولد ، أم ذلك من خصائص الحقّ ، ويكون خلقه من تراب كتكوينه في بطن أمّه ، وظهور صورته كالولادة ؟
.................................................................................
( 1 ) ( آل عمران الآية ، 59 ) .
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ .
( 3 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ أوجدت “ .
( 4 ) “ ك “ : “ اللّه تعالى “ .
( 5 ) “ ب “ : “ هذه النّشأة الإنسانية “ .
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه السلام “ ليست فيها .
( 7 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ الأربعة “ ساقطة .
( 8 ) ( الحجرات ، الآية 13) .
( 9 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ وقوله “ ساقط .
( 10 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ وقوله “ ساقط .
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : زاد : “ خلقه من مريم من غير أب “ .
( 12 ) ذكر محيي الدين ذلك في الباب الثالث والستين وأربعمائة ، وقد عقد له العنوان : “ في معرفة الاثني عشر قطبا الذين يدور عليهم عالم زمانهم “ ، وقد قال في ذلك : “ ومن هذا العلم تعلم أن النساء شقائق الرجال ، ألا ترى حواء خلقت من آدم ، فلها حكمان : حكم الذكورة بالأصل ، وحكم الأنوثة العارض ، فهي من المتشابه ، فإن الإنسانية مجمع الذكر والأنثى ، . . . ، وبالمجموع مثل بني آدم باقي الذرية ، فهي الجامعة لخلق الناس “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 124 .


“ 270 “
فالجواب : نعم ، يوصف بكونه لم يولد لأنّ اللّه - تعالى - ما نفى أنّه “ 1 “ لم يولد إلّا تنزّلا للعقول التي يلعب بها إبليس ؛ كالعقول الضّعيفة التي يقول لها : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتّى يقول لها : من خلق اللّه ؟ وإلّا فآدم - عليه الصّلاة والسّلام - لم يولد ، فافهم .

فإن قال قائل : فلأيّ شيء كانت حوّاء مخلوقة من ضلع آدم القصير ؟
فالجواب أنّه - تعالى - إنّما استخرج حوّاء من ضلع آدم القصير إشارة لقصورها عن درجة الرّجل ، فما تلحق به أبدا ، فإن قيل : فلم لم يكن “ 2 “ - تعالى - خلق أولاد آدم كلّهم من ضلعه كما فعل في حوّاء ، ولم يحوج النّاس إلى نكاح ؟ فالجواب إنّما فعل ذلك لما سبق في علمه - تعالى - من عدم وجود شهوة في جسم آدم إلّا بوجود زوجة يميل إليها ، ولولا حوّاء ما كان في الوجود تناسل .
فإن قيل : فما حكمة تخصيص خلق السّيّدة حوّاء من الضلع دون غيره ؟
فالجواب : الحكمة في ذلك كونها تصير تحنو على ولدها وزوجها لما في الضّلع من الانحناء ، ولذلك كان حنوّ الرّجل على المرأة إنّما هو حنوّ على نفسه ، لأنّها في الحقيقة جزء منه ، وأمّا المرأة “ 3 “ على الرّجل فإنّما هو لكونها خلقت من ضلعه ، والضّلع من شأنه الانحناء والانعطاف ، ثمّ إنّ حوّاء لمّا خرجت من ضلع آدم عمّر اللّه - تعالى - ذلك الموضع من آدم بالشّهوة ، وذلك حتّى لا يبقى في الوجود خلاء ، فلمّا عمّره اللّه - تعالى - “ 4 “ بالهوى حنّ إليها حنينه إلى نفسه كما مرّ ، وكما حنّت حوّاء الأخرى إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه ، فكان حبّ حوّاء حبّ الموطن ، وحبّ آدم حبّ نفسه ، ولذلك كان حبّ الرّجل للمرأة يظهر إذ كانت عينه ، بخلاف حبّ المرأة لزوجها ، فإنّه يخفى لما أعطيته المرأة من القوّة المعبّر عنها بالحياء ، فقويت بذلك على الإخفاء ؛ إذ الموطن لا يتّحد بها اتّحاد آدم بها ، وإن كان الحقّ - تعالى - قد صوّر “ 5 “ في ذلك الضّلع جميع ما صوّره وخلقه في جسم آدم على اختلاف الوضع ، فإنّ نشء آدم “ 6 “ في صورته كنشء الفاخوريّ فيما ينشئه من الطّين والطّبخ ، وأمّا نشأة جسم حوّاء فكان كنشأة النّجّار فيما
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أنه تعالى “ .
( 2 ) “ أ “ : “ يبين “ ، وهو تصحيف .
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ حنو المرأة “ .
( 4 ) “ د “ : “ اللّه “ ليست فيها .
( 5 ) “ د “ : “ جعل “ .
( 6 ) “ ك “ : “ نشأة “ ، “ ب “ : “ فأنشأ آدم “ .


“ 271 “
ينحته من الصّور في الخشب ، ثمّ إنّه - تعالى - لمّا نحتها من الضّلع ، وأقام صورتها وسوّاها نفخ فيها من روحه ، فقامت حيّة ناطقة أنثى ليجعلها محلّا للزّراعة والحرث والإنبات الذي هو التّناسل .
فإن قلت : فما سبب تسمية عيسى “ 1 “ روحا من اللّه - تعالى - دون غيره مع أنّ أرواح الخلق كلّها من اللّه تعالى ، أي من خلقه وتقديره ؟
فالجواب - كما قاله “ 2 “ الشّيخ أبو طاهر القزوينيّ - “ 3 “ أنّ اللّه - تعالى - لمّا خلق الأرواح قبل الأجساد “ 4 “ بألفي عام خبّأها “ 5 “ في مكنون علمه “ 6 “ ، ثمّ لمّا خلق الأجساد أدخل في كلّ ذرّة الرّوح التي كان خبّأها لها في غيبه “ 7 “ مشاكلة لسعادتها أو شقاوتها ، فكانت تلك الذّرّات على وفق حكمه وعلمه أزواجا لأزواجها ، كما قال - تعالى - “ 8 “ :سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها” 9 “ ، أي : خلقها مقرونة بها “ 10 “ ، ثمّ إنّ اللّه - تعالى - لمّا أراد أخذ الميثاق منهم أهبط بقدرته تلك الأرواح من أماكنها على تلك الذّرّات على وفق علمه وحكمته “ 11 “ ، ثمّ إنّه - تعالى - “ 12 “ لمّا أخذ منهم الميثاق حلّ عقال الأرواح ، فطارت إلى أماكنها التي كانت كامنة فيها في الملكوت إلى وقت التحاق ماء تخلّق النّطف لقبولها ، فهناك يكون اتّصالها بالأجنّة في الأرحام ، وأمّا روح عيسى فلم تتوقّف على حصول نطفة “ 13 “ ، وقيل لأنّ اللّه - تعالى - قال “ 14 “ لروحه : ادخلي فيه بغير واسطة ملك ، وقيل غير ذلك ، ثمّ إنّ اللّه - تعالى - رفعه إلى السّماء ، فكان مكثه فيها بقدر ما فيه من
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ .
( 2 ) “ ك “ : “ قال “ .
( 3 ) “ د “ : “ الشيخ “ ساقطة .
( 4 ) “ د “ ، “ ز “ : “ الأجسام “ .
( 5 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ خبأها “ ساقطة .
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ في علمه “ .
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ : قوله : “ ثم لما خلق الأجسام أدخل في كلّ ذرة الرّوح التي كان خبأها لها في غيبه “ ساقط .
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ .
( 9 ) ( يس ، الآية 36 ) .
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بما يشاكلها “ .
( 11 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وحكمته تعالى “ ، وفي “ سراج العقول “ : “ علمه وقدرته وحكمته “ .
( 12 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ .
( 13 ) “ د “ : قوله : “ وأما روح عيسى فلم تتوقف على حصول نطفة “ ساقط .
( 14 ) “ ب “ : “ قال “ ليست فيها .

“ 272 “
الرّوحانيّة ، وكان مكثه في الأرض قبل الرّفع بقدر ما فيه من جزء الطّين من حيث أمّه “ 1 “ .

قال الشّيخ أبو طاهر “ 2 “ : وقول اللّه - تعالى - حكاية عنه “ 3 “ وهو في مهده :وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ” 4 “ إشارة منه إلى أنّ هذه الجملة تعني : أينما كنت من السّماء والأرض ، ويؤيّد ما قلناه قول أبيّ بن كعب - رضي اللّه عنه - : خلق اللّه - تعالى - أرواح بني آدم لمّا أخذ عليهم الميثاق ، ردّها إلى صلب آدم عليه الصّلاة والسّلام “ 5 “ ، ثمّ ردّها إلى الملكوت وبني آدم إلى صلب آدم ، وأمسك عنده روح عيسى عليه الصّلاة والسّلام “ 6 “ ، فلمّا أراد خلقه أرسل ذلك الرّوح إلى مريم ، فكان منه عيسى عليه السّلام “ 7 “ ، فلهذا قال :وَرُوحٌ مِنْهُ” 8 “ ، انتهى .
فإن قال قائل : فمن هؤلاء الملائكة الموكّلون بنفخ الأرواح في الأجنّة ، وتصوير الأجسام ؟
فالجواب : هم أعوان إسرافيل عليه الصّلاة السّلام “ 9 “ ، فإنّه هو الموكّل بالصّور ، فلم يزل ناظرا إلى صور الخليقة المصوّرة “ 10 “ تحت العرش ، فإنّ في الحديث : “ إنّ لكلّ ما خلق اللّه - تعالى - صورة مخصوصة في ساق العرش أظهرها اللّه - تعالى - لإسرافيل قبل تكوين الخلق “ ، انتهى “ 11 “ ، ولكلّ صور “ 12 “ بني آدم تشابه وتشاكل في الخلقة ؛ لأنّ أصلهم
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ من حيث أمه “ ساقط ، وانظر قول أبي طاهر في “ سراج العقول “ ، 39 أ .
( 2 ) “ ك “ : “ قال أبو طاهر القزويني “ ، وقد ورد كلامه في كتابه “ سراج العقول “ في الباب الحادي عشر “ .
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عنه حكاية “ .
( 4 ) ( مريم ، الآية 31 ) .
( 5 ) “ أ “ ، “ ك “ : قوله : “ ردّها إلى صلب آدم عليه الصلاة والسلام “ ساقط .
( 6 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيهما . 
( 7 ) “ ب “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ، “ ك “ : قوله : “ فلما أراد خلقه أرسل ذلك الرّوح إلى مريم ، فكان منه عيسى عليه الصّلاة والسّلام “ ساقط .
( 8 ) ( النساء ، الآية 171 ) ، وهنا ينتهي كلام أبي طاهر في “ سراج العقول “ ، 38 ب .
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عليه السلام “ .
( 10 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ المصورة “ ساقطة .
( 11 ) تقدم بيان عن هذا الحديث قبلا .
( 12 ) “ أ “ : “ صورة “ ، ولعله لا يستقيم .


“ 273 “
صورة “ 1 “ آدم ، وإلى ذلك الإشارة بقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ إنّ اللّه خلق آدم على صورته “ “ 2 “ ، أي التي نقشت في ساق العرش ، أو اللّوح المحفوظ “ 3 “ قبل خلق آدم ، فإنّ الحقّ - تعالى - لا صورة له تعقل لمخالفته - تعالى - لسائر الحقائق “ 4 “ ، فافهم .
قال وهب بن منبّه “ 5 “ : فإسرافيل دائما ناظر إلى الصّور المنقوشة في ساق العرش ، وإلى الأرحام عند تصوير الأجنّة ، فإذا أراد اللّه - تعالى - نفخ الرّوح في جنين أخذ إسرافيل تلك الصّورة المختصّة بذلك الجنين ، فيلقيها إلى ملك الأرحام ، فيلقيها ملك الأرحام إلى الجنين ، فيصوّره في الرّحم على شاكلة “ 6 “ تلك الصّورة المنقوشة “ 7 “ في ساق العرش المعيّنة لها “ 8 “ .
قال الشّيخ أبو طاهر “ 9 “ : وإلقاء الصّورة في الحقيقة إنّما هو إلقاء لنسختها التي
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : “ صورة “ ساقطة .
( 2 ) تقدم تخريجه .
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ المحفوظ “ ساقطة .
( 4 ) الكلام مقتبس من “ سراج العقول “ ، 43 أ - 44 ب .
( 5 ) هو الحافظ أبو عبد اللّه وهب بن منبه الصنعاني ، عالم أهل اليمن ، ولد سنة أربع وثلاثين بصنعاء ، أخذ عن ابن الحنفية ، وغالب أخذه عن ابن عباس ، مؤرخ كثير الإخبار عن الكتب القديمة ، ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء صنعاء ، وكان يقول : قرأت نيفا وسبعين كتابا من الكتب الإلهية ، فوجدت فيها كلها : من وكل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر ، يا ابن آدم ، ما قمت لي بما يجب عليك ، أذكرك وتنساني ، وأدعوك وتفر مني ، خيري إليك نازل ، وشرك إلى صاعد ، من لطيف أقواله : البلاء للمؤمن كالشكال للدابة ، وكذلك : إن اللّه يحفظ بالعبد الصالح القبيلة من الناس ، وكذلك : ما ينفع التدبير إذا خالف التقدير ، قيل إنه صلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة ، توفي بصنعاء سنة ( 114 ه ) . انظر ترجمته : الأصبهاني ، حلية الأولياء ، 4 / 23 ، وياقوت ، معجم الأدباء ، 5 / 576 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 4 / 293 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 1 / 105 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 1 / 477 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 1 / 150 ، والزركلي ، الأعلام ، 8 / 125 .
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ على تلك المنقوشة “ .
( 7 ) “ د “ : “ الصّورة “ ساقطة .
( 8 ) “ أ “ : “ المهيأة “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ المعينة “ ساقطة ، وما أثبته من “ سراج العقول “ ، والكلام لأبي طاهر ، 44 ب .
( 9 ) ورد كلام أبي طاهر في “ سراج العقول “ في الباب الرابع عشر “ في تصوير الجنين في قرار مكين “ ، 43 أ .


“ 274 “
تليق بها “ 1 “ ، قال - تعالى - :هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ” 2 “ ، فأضاف التّصوير إلى نفسه “ 3 “ دون غيره ، فهو - تعالى - مصوّر للصور ، ومصوّر لمصوّريها ، لا خالق سواه ، ولا مصوّر “ 4 “ إلّا هو ، ولذلك شدّد في الوعيد للمصوّرين ، ويقال لهم يوم القيامة : أحيوا ما خلقتم “ 5 “ ، ثمّ يكون مآلهم إلى الجنّة بالشّفاعة إن كانوا مسلمين ، أمّا الكافر المصوّر للأصنام “ 6 “ التي تعبد من دون اللّه “ 7 “ فهو في النّار “ 8 “ كما ورد أنّه يخرج عنق من النّار “ 9 “ ، فيلتقط المصوّرين ، ثمّ يدخل بهم النّار ، فاعلم ذلك ، وتأمّل فيه ، فإنّك لا تجده في كتاب ، واعتقد أنّ اللّه على كلّ شيء قدير ، والحمد للّه ربّ العالمين .

.................................................................................

( 1 ) “ ك “ : العبارة : “ لنسخها الذي يليق بها “ . 
( 2 ) ( آل عمران الآية ، 6 ) . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ نفسه تعالى “ . 
( 4 ) “ د “ : “ يصور “ . 
( 5 ) جاء في الحديث الشريف : “ المصورون يعذبون يوم القيامة ، ويقال أحيوا ما خلقتم “ . أخرجه الإمام مالك في الموطأ ، كتاب الاستئذان ، 8 ، والإمام أحمد في المسند ، 2 / 4 ، 20 ، 26 ، 55 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب التوحيد ( الباب 1251 / 2354 ) ، 8 / 840 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب اللباس ( 37 / 69 ) ، شرح صحيح مسلم ، 14 / 336 ، وابن ماجة في السنن ، كتاب التجارات ، 5 . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أما من يصور الأجسام التي . . “ . 
( 7 ) “ د “ : “ دون “ ساقطة . 
( 8 ) “ ب “ : العبارة : “ الكافر المصور للأصنام التي تعبد دون اللّه فهو في النّار “ . 
( 9 ) “ أ “ : قوله : “ من النار “ ساقط ، وهنا ينتهي كلام أبي طاهر من “ سراج العقول “ ، 44 ب . 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ رؤية الحقّ تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:26 pm

توهّم أنّ رؤية الحقّ تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

[ توهّم أنّ رؤية الحقّ تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب ]

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ رؤية اللّه - تعالى - “ 10 “ للمؤمنين في الدّار الآخرة تكون بحقيقة الذّات “ 11 “ من غير حجاب ، أو تكون متحيّزة في جهة ، تعالى اللّه “ 12 “ عن
.................................................................................
( 10 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 11 ) “ ك “ : العبارة : “ أنّ رؤية اللّه تعالى للمؤمنين في الدّار الآخرة تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب “ .
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى اللّه تعالى “ .

“ 275 “
ذلك علوّا كبيرا “ 1 “ ، فالجواب أن تعلم يا أخي أنّ رؤية اللّه - جلّ وعلا - “ 2 “ إذا وقعت تكون منزّهة عن المقابلة ، والجهة ، والمكان ؛ إذ الرّؤية نوع من الكشف يدرك بها الرّائي العلم بالمرئيّ ، ويخلق اللّه - تعالى - ذلك له عند مقابلة الحاسّة له بإبعاده ، فجاز أن يخلق هذا القدر بعينه من غير أن ينقص منه قدر من الإدراك من غير مقابلة لهذه الحاسّة أصلا كما كان - صلّى اللّه عليه وسلّم - يرانا من وراء ظهره “ 3 “ ، وكما أنّ الحقّ - تعالى - “ 4 “ يرانا من غير مقابلة ولا جهة باتّفاقنا أنّ الرّؤية نسبة خاصّة بين طرفي راء ومرئيّ ، فإن اقتضت عقلا كون أحدهما في جهة ، اقتضت كون الآخر كذلك ، فإذا ثبت عدم لزوم ذلك في أحدهما ثبت مثله في الآخر ، هذا ما عليه جمهور المتكلّمين والأصوليّين ، قالوا : وتكون رؤية اللّه - تعالى - للمؤمنين في الدّنيا بالقلوب ، وفي الآخرة بالأبصار بلا كيف في الرّؤيتين “ 5 “ ، وذلك يختصّ “ 6 “ بقوله - تعالى - :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ” 7 “ ، انتهى .

وكان الشّيخ أبو طاهر القزوينيّ - رحمه اللّه تعالى - يقول : العقل معزول هنا عن إدراك كيفيّة رؤية اللّه - تعالى - في الدّار الآخرة ، فلا يدرك في هذه الدّار إلّا إن أمدّ اللّه “ 8 “ أحدا من الخواصّ بقوّة زائدة على العقل ، فهذا ربّما أحاط بذلك علما وذوقا نعمة معجّلة من اللّه - تعالى - لذلك العبد في هذه الدّار ، انتهى “ 9 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ علوا كبيرا “ ساقط .
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه عز وجل “ .
( 3 ) رواية الحديث الشريف : “ أقيموا الصفوف ، فإني أراكم خلف ظهري “ ، وفي رواية أخرى : “ فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسدوا الفرج ، فإني أراكم من وراء ظهري “ . أخرجه الإمام مالك في الموطأ ، كتاب السفر ، 70 ، والإمام أحمد في المسند ، 3 / 3 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب الأذان ( الباب 469 / 682 ) ، 2 / 346 ، والنسائي في السنن ، كتاب التطبيق ، 60 ، والسهو ، 102 ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 1371 ، 1372 ) ، 1 / 204 . 
( 4 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الاثنتين “ .
( 6 ) “ ب “ : “ مختص “ ، “ د “ ، “ ز “ : “ مخصص “ .
( 7 ) ( الأنعام ، الآية 103 ) .
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ إلا أن يمد اللّه تعالى “ .
( 9 ) ورد كلامه ذاك في الباب الثاني والعشرين من “ سراج العقول “ ، والموسوم ب “ الرؤيا ، ورؤية اللّه ورؤيته في المنام “ ، انظر : سراج العقول ، 59 أ .

“ 276 “
وكان - رضي اللّه تعالى عنه - يقول أيضا “ 1 “ : إذا وقعت رؤية اللّه - تعالى - للمؤمنين في الآخرة ، فتكون بواسطة شيء آخر “ 2 “ يليق به تعالى ، منزّه عن الشّكل والصّورة ، ويكون تجلّيه - تعالى - في ذلك المثال ليفهم عباده كلامه القديم المنزّه عن الصّوت والحرف بواسطة الحروف والأصوات ، فكما أنّ الكلام الأزليّ منزّه عن الحرف والصّوت الحادثين ، ويفهم بواسطتهما كلامه القديم “ 3 “ ، كذلك يجوز أن تكون ذاته - تعالى - “ 4 “ الأزليّة المنزّهة عن الصّورة والشّكل ترى بواسطة شيء آخر “ 5 “ يناسبها بأدنى معنى ، فيكون كالمثل المذكور في القرآن في قوله “ 6 “ :مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ” 7 “ بفتحتين ، لا كالمثل بكسر الميم ، وسكون “ 8 “ المثلّثة التي توجب المماثلة من كلّ وجه ، أمّا إذا رآه “ 9 “ في صورة لا تناسب جلال الصّمديّة في معنى ما ، فالرّائي ممّن عبث به الشّيطان “ 10 “ .
فإن قال قائل : إنّ رؤية اللّه - تعالى - على ما هو عليه في ذاته غير ممكنة لعدم صحّة المثل والمثل في نفس الأمر “ 11 “ ، فالجواب أنّ اللّه - تعالى - إذا تجلّى لعباده المؤمنين بذاته المقدّسة ، فالرّوح تعرف بالفطرة الأزليّة “ 12 “ أنّه هو الإله الحقّ ، وإيضاح ذلك أنّ النّفس بآلاتها الخياليّة لا تستطيع رؤية ما لا صورة له ، ولكن تتصوّره بوسائط وأمثلة ، ثمّ تذهب الأمثلة كأنّها جفاء ، وتبقى معها رؤية اللّه حقّا ، كما أنّ كلام اللّه “ 13 “ القديم يتعلّم “ 14 “ بواسطة الحروف الممثّلة في الحروف باللّوح “ 15 “ ، ثمّ يمحى اللّوح ، ويبقى القرآن في الذّهن .
.................................................................................
( 1 ) انظر قول أبي طاهر في “ سراج العقول “ ، 64 أ - 65 ب .
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بواسطة مثال “ .
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ الكلام القديم “ .
( 4 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ مثال “ .
( 6 ) “ د “ ، “ ز “ : “ قوله “ ساقطة .
( 7 ) ( النور ، الآية 35 ) .
( 8 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وفتح “ ، وهو لا يستقيم .
( 9 ) “ ك “ : العبارة : “ إذا رآه أحد في تخليه . . . “ .
( 10 ) انظر كلام أبي طاهر في سراج العقول ، 65 ب .
( 11 ) “ د “ : قوله : “ في نفس الأمر “ ساقط .
( 12 ) “ أ “ : “ الأوليّة “ .
( 13 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .
( 14 ) “ ب “ : “ يتعلّق “ . 
( 15 ) “ د “ : “ الحروف “ ساقطة ، “ ز “ : العبارة : “ بواسطة الحروف الممثلة في اللوح “ .

“ 277 “

[ باب القول على رؤية الخلق للحقّ في المنام ] 

ومن هنا قالوا إنّ الحقّ - تعالى - يصحّ أن يرى في صورة في “ 1 “ المنام في دار الدّنيا ، ولا يوجب ذلك التّشبيه والتّمثيل “ 2 “ بدليل رؤية المعاني المجرّدة “ 3 “ في صورة كالإيمان ، والقرآن ، والكفر ، والشّرف ، والهدى ، والضّلال ، والحياة ، مع أنّ الإيمان لا شكل له ولا صورة ، وكذلك ما بعده ، ولكن ، قد أوّل النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قميص عمر لمّا رآه في المنام يجرّه عمر بالإيمان “ 4 “ ، فقد رأى الإيمان بجعل القميص له مثالا ، وكذلك الكفر يمثّل ، فيراه النّاس ظلمة ، وكذلك يرى العزّ “ 5 “ والشّرف بواسطة ركوب الفرس ، وكذلك يرى القرآن في صورة اللّؤلؤ ، ويرى الهدى “ 6 “ في صورة النّور ؛ كالضّلالة ترى برؤية العمى ، وهكذا “ 7 “ .
ولعلّ من منع رؤية اللّه - تعالى - في المنام في صورة ظنّ أنّ المثل بفتحتين هو المثل - بكسر الميم وسكون الثّاء المثلّثة - “ 8 “ الذي هو العدل ، وتأمّل قوله - تعالى - :إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ الآية “ 9 “ مع أنّ الحياة لا صورة لها ، ولا شكل ، والماء ذو شكل وصورة ؛ لكنّه لا لون له في نفسه ، وإنّما لونه “ 10 “ يكون
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ في “ ساقطة . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ ولا التمثيل “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ المتجردة “ . 
( 4 ) “ ك “ : العبارة : “ يجره ؛ أي عمر بالإيمان بجعل القميص له مثالا . . . “ ، وتمام الحديث : “ بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره ، قالوا : وما أولت يا رسول اللّه ؟ قال : الدين “ . أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب فضائل أصحاب النبي الباب ( 36 - 210 ) ، 5 / 73 ، وأحمد في المسند ، 3 / 186 ، 5 / 374 ، ومسلم في كتاب الفضائل ، باب من فضائل عمر بن الخطاب ( 15 / 3 ) ، ( 6139 ) ، 15 / 155 ، والنسائي في السنن ، باب زيادة الإيمان ( 18 ) ، 8 / 114 . 
( 5 ) “ ك “ : “ الكفر “ ، وهو تصحيف . 
( 6 ) “ ب “ : قوله : “ يرى الهدى “ ساقط ، والعبارة في “ ك “ : “ وكذلك يرى الهدهد “ ، وهو تصحيف . 
( 7 ) الكلام كله لأبي طاهر في “ سراج العقول “ ، 64 أ ، وقد نقله الشعراني متصرفا بالعبارة . 
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ الثّاء “ ساقطة . 
( 9 ) ( يونس ، الآية 24 ) . 
( 10 ) “ ب “ : العبارة : “ والماء لونه “ .

“ 278 “
بحسب ظرفه لسرّ لا يذكر إلّا مشافهة لأهله ، فعلم أنّه لا يشترط المساواة في التّشبيه من كلّ وجه “ 1 “ ، فافهم ، هذا أحسن ما وجدته من كلام المتكلّمين في هذه المسألة “ 2 “ .


[ باب القول على كلام الصّوفيّة في رؤية الحقّ ] 

وأمّا كلام الصّوفيّة فقد قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في علوم الباب التّاسع والسّتّين وثلاثمائة “ 3 “ : اعلم أنّه لا يصحّ لإنسان “ 4 “ أن يعبّر عمّا طريقه الذّوق بعبارة أبدا ، ولكن لمّا صحّ أنّ العقل يدرك الحقّ - تعالى - “ 5 “ مع أنّ العقل محدث ، جاز أن يدركه بالبصر أيضا في الدّار الآخرة من غير إحاطة ؛ إذ لا فضل لمحدث على محدث إلّا من حيث الصّفات ، ومن قال إنّ الحقّ - تعالى - يدرك عقلا ، ولا يدرك بصرا ، فكالمتلاعب لا علم له بما هو العقل ، ولا بما هو البصر ، ولا بالحقائق على ما هي عليه “ 6 “ .
قال : وهذا شأن المعتزلة ، فإنّهم لا يفرقون بين الأمور العاديّة والأمور الطّبيعيّة ، فلا ينبغي لعاقل الكلام مع من هذا شأنه ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : ولولا أنّ موسى - عليه الصّلاة والسّلام - فهم من الأمر أن كلّمه ربّه بارتفاع الوسائط ما أجرأه على طلب الرّؤية ما فعل ، فإنّ سماع كلام اللّه - تعالى - بارتفاع الوسائط هو عين الفهم عنه ، فلا يفتقر إلى فكر ولا تأويل ، فكما كان عين السّمع في هذا المقام عين الفهم ، لذلك سأل “ 7 “ - عليه الصّلاة والسّلام - ربّه الرّؤية ليعلّم أتباعه ، ومن ليس له هذه المرتبة من اللّه - تعالى - أنّ رؤية اللّه - تعالى - ليست بمحال ، انتهى “ 8 “ .
.................................................................................
( 1 ) هنا ينتهي كلام أبي طاهر في “ سراج العقول “ ، 64 أ . 
( 2 ) يعني بذلك كلام أبي طاهر المذكور آنفا . 
( 3 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل مفاتيح خزائن الجود “ . انظر : الفتوحات المكية ، 6 / 98 . 
( 4 ) “ ب “ : العبارة : “ لا يصح أن . . . “ . 
( 5 ) “ ب “ : العبارة : “ ولكن لما صح أن العقل يدرك الحق تعالى به “ . 
( 6 ) انظر كلام محيي الدين في الفتوحات في الباب التاسع والستين وثلاثمائة ، 6 / 148 ، وقد نقلها الشعراني متصرفا . 
( 7 ) “ ك “ : “ سأل موسى “ . 
( 8 ) انتهى كلام محيي الدين في الباب التاسع والستين وثلاثمائة ، في مبحث “ الوصل السادس عشر : من خزائن الجود “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 148 .

“ 279 “
وقال في الباب التّسعين من “ الفتوحات “ “ 1 “ : اعلم أنّ رؤية الحقّ - جلّ وعلا - “ 2 “ أعظم نعيم يكون للمؤمنين “ 3 “ ، لكن هنا دقيقة ، وهي أنّ ما ورد في الحديث من أنّ رؤية اللّه “ 4 “ لا نعيم فوقها لأهل الجنّة يقتضي شدّة الالتذاذ بالرّؤية ، ومعلوم أنّ الالتذاذ بالرّؤية إنّما يكون من تجلّي الحقّ - تعالى - في المظاهر التي يتنزّل فيها للعقول “ 5 “ ؛ إذ الالتذاذ بالرّؤية لا يكون إلّا برؤية من بيننا وبينه مناسبة ، ولا مناسبة بيننا وبين الحقّ - تعالى في علا ذاته - “ 6 “ عن ذلك المثال “ 7 “ بوجه من الوجوه ، فلا يصحّ لأحد تعقّل ذاته حتّى يلتذّ بها ، ولكن إذا تفضّل اللّه - تعالى - على عبد بالرّؤية له تعالى ، وأن يلذّذه “ 8 “ بها ؛ إذ لا التذاذ منه - تعالى - إلّا به كما تقدّم مرارا “ 9 “ ، أقام له مثالا يتخيّله “ 10 “ في عقله بحكم المطابقة لمعتقده “ 11 “ ، فيقع له الالتذاذ بذلك المثال أو الأمر الضّروريّ الملذّذ “ 12 “ فضلا منه ونعمة ، وتعالى اللّه في علا ذاته عن ذلك المثال وعن الالتذاذ به “ 13 “ ، ولعلّ مراد العلماء بقولهم :
يراه عباده المؤمنون من غير إحاطة ولا كيف . انتهى “ 14 “ .
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة الفرائض والسنن “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 252 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ .
( 3 ) هنا ينتهي كلام محيي الدين ، وما تلاه تعقيب للشعراني ، وعبارته في الفتوحات : “ وأما اختياره الرؤية فإنها غاية البصر ، فاللذة البصرية لا تشبهها فإنها عين اليقين في المعبود “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 259 .
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ز“ : قوله : “ إنما يكون من تجلّي الحق - تعالى - في المظاهر التي ينزل فيها للعقول “ ساقط. 
( 6 ) “ ب “ : قوله : “ وفي علا ذاته “ ساقط .
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ عن ذلك المثال “ ساقط .
( 8 ) “ ب “ : يتلذذ “ . 
( 9 ) “ ب “ : “ مرارا “ ساقطة . “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ ولكن إذا تفضّل اللّه - تعالى - على عبد بالرّؤية له تعالى ، وأن يتلذّذ بها ؛ إذ لا التذاذ منه - تعالى - إلا به كما تقدم “ ساقط .
( 10 ) “ أ “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ بتجليه “ .
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بحكم بالمطابقة “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ معتقده “ ساقطة .
( 12 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ الملذذ “ ساقطة . 
( 13 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عن المثال والأمر الاعتباري وعن الالتذاذ . . . “ .
( 14 ) انتهى تعقيب الشعراني على مقولة محيي الدين .

“ 280 “
وقال أيضا في الباب الثّامن والتّسعين ومائة “ 1 “ : إذا أراد الحقّ - جلّ وعلا - أن يري نفسه لعبد من عبيده أفناه بالتّجلّي عن شهود نفسه وعن الأكوان ، وجرّد روحه عنها ، فرأت الرّوح ربّها كما تراه الملائكة ، وإذا “ 2 “ أراد أن ينعّم عبدا “ 3 “ بالتّلذّذ برؤيته أرسل الحجب بينه وبين عبده “ 4 “ ، فوقع تلذّذ للعبد “ 5 “ برؤية ذلك المظهر الحجابيّ ، قال : 

وهذه المسألة من علوم الأسرار ، وما أظهرتها باختياري ، وإنّما حكم بها الجبر الإلهيّ عليّ إيثارا لإظهار التّنزيه للّه ، والعلم اليقينيّ في هذه الدّار قبل كشف الحجاب “ 6 “ ، انتهى . 
ويؤيّد قوله “ 7 “ - رحمه اللّه - في كتابه “ 8 “ “ لواقح الأنوار “ : اعلم يا أخي أنّ المشاهد يفنى “ 9 “ عند رؤية البارئ جلّ وعلا ، فيغيب عن حسّه وعن لذّته ؛ إذ النّفس أحديّة الذّات ، فليس في قدرتها أن تشتغل بمشاهدة أمرين معا “ 10 “ في آن واحد إلّا إن أمدّها اللّه - تعالى - بقوّة “ 11 “ فوق طور البشر ، فإذا لم يمدّها اللّه - تعالى - بالقوّة كانت متوجّهة بكلّيّتها لإدراك الرّؤية أو قبولها ، فعلم أنّ الحقّ - تعالى - لا يشهدك نفسه إلّا إن أفناك عنك ، وحينئذ “ 12 “ فلا يجد الخطاب محلّا يتوجّه إليه “ 13 “ ، فإذا كلّمك أوجدك ، ولم يفنك ؛ وذلك لأنّه لا بدّ لقبول الخطاب منك ، وإذا فنيت فمن يتوجّه الخطاب له ؟ فافهم ما
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة النفس “ ، 4 / 29 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وإن “ . 
( 3 ) “ أ “ : “ عبدا “ ساقطة ، “ ز “ : “ عبده “ . 
( 4 ) “ أ “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وبين ربه “ ، وهو سهو من الناسخين . 
( 5 ) “ د “ : “ التلذّذ للعبد “ . 
( 6 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 143 ، وفيه يقول : “ فيفنى الناظر المتجلي له عن شهود نفسه عند رؤية اللّه ، فإذا أرسل الحجاب ظهر الظل ووقع التلذذ ، . . . ، وهذا الفصل علم عظيم لا يمكن أن ينقال ولا سره أن يذاع “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ ويؤيد ذلك قوله “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ كتاب “ . 
( 9 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ يعني “ ، وهو تصحيف . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ معا “ ساقطة ، والعبارة في “ ز “ : “ أن تشتغل بمشاهدة هذه بأمرين . . . “ . 
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بالقوة “ . 
( 12 ) “ ب “ : “ حينئذ “ ساقطة . 
( 13 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ يتوجه عليه “ .

“ 281 “
وجدته “ 1 “ . 
وقد كان الإمام أبو العبّاس السّيّاريّ “ 2 “ أحد رجال رسالة القشيريّ “ 3 “ - رحمه اللّه - يقول : ما التذّ عاقل قطّ “ 4 “ بمشاهدة الحقّ ؛ وذلك لأنّها فناء ، والفناء ليس فيه لذّة “ 5 “ ، وفي هواتف محمّد بن عبد الجبّار النّفّريّ - رحمه اللّه - “ 6 “ : إذا أقامك الحقّ - تعالى - في مشهد ما ، وأشهدك نفسك معه ، فاعلم أنّك من أبعد الأبعدين منه ؛ لأنّ نفسك كون ، وأين التّراب من ربّ الأرباب ، لكن ، لك حينئذ مع الحقّ - تعالى - المجاورة المعنويّة ، وهي أنّه
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ ما وجدته “ ساقطة . 
( 2 ) هو أبو العباس القاسم بن مهدي من أهل مرو ، كان فقيها محدثا متحليا بالزهد والورع ، صحب الواسطي وغيره ، وانتمى إليه في علوم هذه الطائفة ، وكان عالما كما يقول القشيري ، من كلامه : إنما يروض المريد نفسه بالصبر على الأوامر ، وتجنب النواهي ، ومحبة الصالحين ، وخدمة الفقراء ، وكذلك : حقيقة المعرفة الخروج عن المعارف ، توفي سنة ( 342 ه ) . انظر : ترجمته : 
الأصبهاني ، حلية الأولياء ، 10 / 380 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 9 / 582 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 24 / 11 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 51 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 364 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 50 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 212 . 
( 3 ) هو أبو القاسم زين الإسلام عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري ، ولد سنة ( 376 ه ) ، وقيل سنة ( 377 ه ) ببلدة استوا ، توفي أبوه وهو صغير ، حلت به محنة لما حمل عليه بعض الحسدة ، فاستصدروا فتوى بحرمانه الوعظ ، ولعنه علنا في المساجد ، فتفرق شمل أصحابه ، وانفض الناس من حوله ، فخرج من نيسابور طريدا ، ثم قدم بغداد ، وتوفي سنة ( 465 ه ) . أما الرسالة القشيرية فقد وجهها القشيري إلى الذين عادوا التصوف ، دون النظر أو التمحيص أو إعمال العقل ، وهي كذلك موجهة إلى أهل التصوف ليبين لهم حقيقة هذه الطريقة وما شابها من انحراف وأباطيل ، وأن التصوف ليس شيئا زائدا عما في القرآن والسنة ، ففيها حديث عن أصول التوحيد عند الصوفية ، وعن مصطلحات التصوف ، وعن شرح لمقامات أرباب السلوك ، وعن الأحوال والكرامات ، وأعلام التصوف . انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 3 / 176 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 11 / 111 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 19 / 63 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 2 / 186 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 3 / 319 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 607 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 57 . 
( 4 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ قط “ ساقطة . 
( 5 ) انظر قول الدشطوطي في الكواكب الدرية ، 2 / 52 ، وكذلك 3 / 146 ، وانظر قول السياري في الرسالة القشيرية كذلك ، 419 ، وكذلك أورد قول السياري محيي الدين في شرح ترجمان الأشواق ، 17 . 
( 6 ) تقدمت ترجمته قبلا .

“ 282 “
ليس بينك وبين اللّه - تعالى - أمر زائد ، كما أنّه ليس بين الجوهرين المتجاورين حيّز ثالث ، وللّه المثل الأعلى ، ثمّ إنّ هذه المجاورة مع قربها لابدّ أن يكون بينها وبين صاحبها وبين الحقّ - تعالى - “ 1 “ سبعون ألف حجاب من نور وظلمة ، فما من نفس تسمع شيئا من حسّ تلك الحجب إلّا ماتت “ 2 “ لوقتها ، انتهى .

وقال في باب الأسرار من “ الفتوحات “ : اعلم أنّ الحقّ - تعالى - إذا عوين فلا يعاين إلّا من حيث العلم أو المعتقد ، واللّه أجلّ وأعظم من أن تعلم ذاته ، انتهى . وقال في باب الوصايا من “ الفتوحات “ : اعلم أنّ للأولياء في هذه الدّار المشاهدة للحقّ - تعالى - “ 3 “ بقلوبهم لا الرّؤية ببصرهم ، فإذا ادّعى إنسان مقام المشاهدة للحقّ - تعالى - بقلبه امتحنّاه ، وذلك بأن نأمره أن يعكس مرآة قلبه إلى الكون ، ثمّ ننظر ، فإن رأيناه يعرف ما في ضمائر جميع الخلق من طريق الكشف ، وصدّقه النّاس على ذلك الذي في ضمائرهم ، فهو صادق في أنّه يشاهد الحقّ - تعالى - يقظة “ 4 “ ، وإن لم يعرف ذلك ، فهو في حجاب النّفس ، انتهى “ 5 “ .

[ الفرق بين الشّهود والرّؤية ]
فإن قال قائل : فما الفرق بين الشّهود الذي تقول به الطّائفة وبين الرّؤية ؟
فالجواب ما “ 6 “ قاله الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب السّادس والسّتّين ومائتين من “ الفتوحات “ “ 7 “ أنّ من الفرق “ 8 “ بينهما أنّ الرّؤية قد “ 9 “ لا يتقدّمها علم بالمرئيّ ، والشّهود يتقدّمه علم بالمشهود ، وهو المسمّى بالعقائد ، ولهذا يقع الإقرار والإنكار في الرّؤية يوم
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 2 ) “ ك “ : “ باتت “ ، وهو تصحيف ، “ ز “ : “ بانت “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 4 ) “ ب “ : “ بقلبه “ . 
( 5 ) لم أعثر على قول محيي الدين في هذا الباب . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ كما “ . 
( 7 ) عنوان هذا الباب في الفتوحات “ في معرفة الشاهد ، وهو بقاء صورة المشاهد في نفس المشاهد “ ، انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 295 . 
( 8 ) “ ب “ : “ أن الفرق “ . 
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ قد “ ساقطة .

“ 283 “
القيامة من قوم كما ورد ، ولا يكون في الشّهود إلّا الإقرار فقط ، وما سمّي الشّاهد شاهدا إلّا لكون ما رآه يشهد له بصحّة ما اعتقده ، فما كلّ مشاهدة رؤية “ 1 “ ولا عكس . قال - تعالى - :أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ” 2 “ ، أي يشهد له بصحّة ما اعتقده ، ومن هنا سأل موسى - عليه الصلاة والسّلام - الرّؤية بقوله “ 3 “ :أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ” 4 “ ، ولم يقل : أشهدني “ 5 “ ؛ لأنّه - تعالى - كان مشهودا له ما غاب عنه ، وكيف يغيب عن رسول كريم ، ولا يغيب عن الأولياء كما في الدّار الآخرة “ 6 “ ، فما طلب موسى “ 7 “ إلّا التّجلّي الخاصّ بالرّؤية بالبصر كما في الدّار الآخرة ، وإنّ اللّه - تعالى - يعجّله له في دار الدّنيا “ 8 “ ، انتهى .

فإن قال قائل : كيف يصحّ من معصوم طلب ما لا يمكن “ 9 “ وقوعه في دار الدّنيا ؟ وذلك لا يليق :
فالجواب إنّما طلب ذلك ؛ لأنّ مقامه الشّريف أعطي ذلك ؛ أي السّؤال ، كما سيأتي بسطه في هذا المبحث إن شاء اللّه تعالى ، وأمّا شهوده للحقّ - تعالى - “ 10 “ كما يقع للأولياء فذلك خبره وديدنه من حيث ولايته ، ومن الفرق أيضا بين الرّؤية والمشاهدة أنّ المشاهدة هي “ 11 “ ما يمسكه العبد في نفسه من شاهد الحقّ - تعالى - “ 12 “ المشار إليه بقوله - صلّى اللّه عليه وسلم - : “ اعبد اللّه كأنّك تراه “ “ 13 “ ، فقوله : “ كأنّك تراه “ ، هو شاهد الحقّ
.................................................................................
( 1 ) يقول محيي الدين في هذا الباب : “ فكل مشاهدة رؤية ، وما كل رؤية مشاهدة “ ، وهذا بخلاف ما ذكره الشعراني . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 294 ، أما “ أ “ و “ ب “ و “ ز “ فقد جاء فيهما : “ فما كل مشاهدة رؤية “ ، ولعله سهو من الناسخين . 
( 2 ) ( هود ، الآية 17 ) . 
( 3 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ بقلبه “ ، وهو تصحيف . 
( 4 ) ( الأعراف ، الآية 143 ) . 
( 5 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ أرني أشهدني “ ، وهو تحريف . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ كما في الدّار الآخرة “ ساقط . 
( 7 ) “ د “ : “ موسى عليه الصلاة والسلام “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ في الدنيا “ ، “ ب “ : “ الدار الدنيا “ . 
( 9 ) “ د “ ، “ ز “ : “ يعلم “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ للحق جل وعلا “ . 
( 11 ) “ د “ ، “ ز “ : “ هو “ . 
( 12 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 13 ) تقدم تخريجه .

“ 284 “
- تعالى - “ 1 “ الذي أقمته في نفسك كأنّك تراه .
قال “ 2 “ الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 3 “ : وهذه درجة التّعليم للعامّة ، ثمّ إنّك ترتقي منها إلى درجة الخصوص ، وهي علمك بأنّ اللّه - تعالى - يراك ، ولا تراه ، وذلك أبلغ في التّنزيه ، وإيضاح ذلك أنّك إذا ضبطت شهوده - تعالى - في قلبك عند صلاتك مثلا في جهة القبلة ، فقد أخليت شهودك عن بقيّة الوجود المحيط بك “ 4 “ ، فإذا تحقّقت بذلك علمت عجزك عن رؤيته - تعالى - على وجه الإدراك الحقيقيّ العلميّ ، وكيف يرى المقيّد المطلق ؟
فإذا شهدت يا أخي هذا المشهد بقيت مع نظره - تعالى - المحقّق إليك ، لا مع نظرك أنت المقيّد المحدود ، وهو - تعالى - المنزّه عن القيود والحدود ، فإذا الشّهود له المعرفة ، والرّؤية لها الكشف التّامّ ، فتعلّم يا أخي الحقائق والفرق بينهما ، والحمد لله ربّ العالمين ، انتهى “ 5 “ .
وكان سيّدي عليّ بن وفا - رضي اللّه عنه - يقول : من إمارة صحّة الاعتقاد عدم الجهة حال رؤيته للّه “ 6 “ - تعالى - في الدّار الآخرة إلّا أن يعطي اللّه - تعالى - الشّخص “ 7 “ في الدّنيا نفوذ البصر “ 8 “ ، حتّى ينفذ “ 9 “ من أقطار السّموات والأرض ، ويصير “ 10 “ يرى الوجود
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وقال “ . 
( 3 ) “ د “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بكن “ ، وهو تصحيف . 
( 5 ) “ د “ ، “ ز “ : “ انتهى “ ساقطة ، وانظر حديث محيي الدين عن هذا الحديث في غير موضع من الفتوحات ، 2 / 31 ، وفي موضع آخر فسر هذا الحديث بأن المراد منه : “ أي تخيله في قبلتك وأنت تواجهه لتراقبه وتستحيي منه ، وتلزم الأدب معه في صلاتك ، فإنك إن لم تفعل هذا أسأت الأدب “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 461 ، وفي موضع آخر يقول محيي الدين : “ اعبد اللّه كأنك تراه “ ، فيكون هذا العمل جزاؤه عند اللّه رؤيته ، وهي أرفع المنازل ، فهي للحاضر هنا في عمله جزاء ، وهي لغير الحاضر زيادة ومنة ، فهو عند هذا ليس عوضا ، وهو عند الآخر عوض ، فيكون الحضور في الدنيا من الجود المطلق من عين المنة ، وتكون الرؤية من الجود المقيد جزاء بما أوجبه على نفسه “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 437 ، وكذلك ما قاله في موضع آخر ، 4 / 260 . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ يقول : لا يخرج أحد عن القول بالجهة حال رؤيته للّه “ . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ إلا إن أعطاه في الدنيا “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تصور البصر “ . 
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ نفذ “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ وصار “ .

“ 285 “
العلويّ والسّفليّ كأنّه قنديل صغير في جوّ لا سماء له “ 1 “ ، ولا أرض ، فإن نزل أبد الآبدين ، أو صعد أبد الآبدين لم يجد له مركزا ولا رفعا ولا خفضا “ 2 “ ، فمن شهد ذلك فهو الذي صحّ له “ 3 “ اعتقاد أن يرى الحقّ - تعالى - في غير جهة مخصوصة كما كان في دار الدّنيا ، وأمّا من كان متقيّدا في السّموات والأرض في دار الدّنيا ، فلا يتعقّل رؤية اللّه إلّا في جهة ، وغايته الإيمان بذلك “ 4 “ ؛ وذلك لأنّ كلّ عبد لا يجني هناك إلّا ثمرة علمه وعمله ، انتهى .
ويؤيّد ذلك قول الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في “ لواقح الأنوار “ : ما رأى عبد ربّه قطّ إلّا بصورة استعداده قوّة وضعفا ، وضيقا وسعة ، غير ذلك لا يكون ، فإذا ما رأى العبد إلّا وسعه من علم نفسه في مرآة معرفة الحقّ تعالى ، وما رأى الحقّ تعالى ، نظير ذلك المرآة إذا رأيت المصوّر فيها لا تراها ، قال : وما ثمّ مثال أقرب ولا أشبه بالرّؤية والتّجلّي من هذا ، واجهد في نفسك عندما “ 5 “ ترى الصّورة من المرآة أن ترى جرم المرآة ، ولا تراه أبدا البتّة ، فلا تطمع يا أخي أن ترقى إلى أعلى من هذا المرقى “ 6 “ ، فما هو ثمّ أصلا “ 7 “ ، وما بعده إلّا العدم المحض ، انتهى “ 8 “ .
فإن قال قائل : كيف صحّ تفاضل النّاس في الرّؤية مع أنّ الحقّ - تعالى - من حيث هو لا تقبل ذاته الزّيادة “9“ ولا النّقصان؟
فالجواب أنّ النّاس ما تفاوتوا في الرّؤية إلّا لكونهم إذا أرادوا أن يشهدوا الحقّ
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ له “ ساقطة . 
( 2 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ ولا رفعا ولا خفضا “ ساقط . 
( 3 ) “ د “ ، “ ز “ : العبارة : “ فهو الذي له . . . “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ وغايته الإيمان بذلك “ ساقط . 
( 5 ) “ ك “ : العبارة : “ واجهد نفسك عند ذلك كما ترى الصورة في المرآة . . . “ ، “ ز “ : ثم سقط ظاهر في هذه العبارة . 
( 6 ) “ د “ : “ المرقى “ ساقطة ، “ ز “ : “ من هذه المرقى “ ، وهو غير مستقيم . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ فما ثم أصلا “ . 
( 8 ) أتى محيي الدين على ما يقرب من دلالة هذا النص في الفتوحات المكية في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة ، 7 / 298 ، وكذلك في 8 / 47 . 
( 9 ) “ ك “ : “ الرؤية “ ، وهو تحريف ، “ ز “ : “ لا “ ساقطة .

“ 286 “
- تعالى - في مرآة معرفته سبقت صور حقائقهم “ 1 “ ، فارتسمت في تلك المرآة ، فلا يشهدون إلّا حقائقهم في مرآة معرفة الحقّ تعالى “ 2 “ ، فمن هنا تفاوتوا في حضرة التجلّي ، ولو أنّهم كانوا يشهدون عين الذّات التي هي حقيقة الحقائق عند القوم في الوجود لتساووا كلّهم في الرّؤية ، ولم يصحّ بينهم تفاضل ، انتهى .

وقال في الباب الحادي والثّلاثين وثلاثمائة “ 3 “ : اعلم أنّ رؤية المؤمنين لربّهم “ 4 “ إنّما تفاضلت في الآخرة من حيث تفاضلهم في مشاهدته بقلوبهم في الدّنيا ، فكانت رؤيتهم لربّهم على قدر علمهم باللّه تعالى ، وعلى قدر ما فهموه ممّن قلّدوه “ 5 “ ، فكان تفاضلهم في نعيم الرّؤية تبعا لتفاضلهم في المعرفة لا يخرجون عن ذلك ، فمنهم من ألقى إليه عالمه “ 6 “ ما عنده من العلم باللّه - تعالى - بحسب مقام ذلك العالم ، ومنهم من ألقى إليه عالمه على قدر ما علم من قبول عقل ذلك المتعلّم ، وهكذا ، ومنهم طائفة يرون ربّهم في مرآة معرفتهم المقتبسة من مرآة معرفة نبيّهم محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ، وهي أكمل المرائي ؛ لأنّها حاوية على جميع مرائي الأنبياء والأولياء ، فهذا سبب تفاوتهم في كمال الرّؤية .
وأمّا تفاوتهم “ 7 “ في اللّذّة في النّظر ، فمنهم من حظّه في النّظر إلى ربّه لذّة عقليّة “ 8 “ ، ومنهم من حظّه من ذلك لذّة نفسيّة ، ومنهم من حظّه من ذلك لذّة حسّيّة ، ومنهم من حظّه من ذلك لذّة خياليّة ، ومنهم من حظّه من ذلك لذّة مكيّفة “ 9 “ ، ومنهم من حظّه من
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ ، “ ك “ ، “ ز “ : أضاف : “ في مرآة معرفة الحق تعالى “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ فارتسمت في تلك المرآة ، فلا يشهدون إلا حقائقهم في مرآة معرفة الحق تعالى “ ساقط . 
( 3 ) “ ك “ : “ وثماني مائة “ ، وهو سهو من الناسخ . وعنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل الرؤية والقوة عليها والتداني والترقي والتلقي والتدلي “ . انظر : التفوحات المكية ، 5 / 171 ، وفي مفتتحه يقول :عجبت لعين كيف تدرك عينها * وتعجز عن إدراك من قال إنها 
ولم يك مشهود سواه وإنما * شهود ورود الغيب عنها أجنها( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لربهم تعالى “ . 
( 5 ) “ ب “ : العبارة : “ ممن قلدوه من العلماء “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ : “ عالمه إليه “ . 
( 7 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أما “ ساقطة ، وليس ذلك كذلك في “ أ “ و “ ب “ والفتوحات المكية ، باب الأسرار ، 8 / 217 . 
( 8 ) “ د “ : قوله : “ فمنهم من حظه في النظر إلى ربه لذة عقلية “ ساقط . 
( 9 ) “ ز “ : “ تكييفية “ .

“ 287 “
ذلك لذّة ينقال تكييفها “ 1 “ ، ومنهم من حظّه لذّة لا ينقال تكييفها ، انتهى “ 2 “ .
فإن قيل “ 3 “ : فهل حجاب الكفّار عن رؤيته - تعالى - يوم القيامة وما بعده حجاب حقيقيّ ، أو المراد أنّهم يرونه ولكن لا يعرفون أنه هو ؟
فالجواب أنّ المعتمد عدم رؤيتهم له - سبحانه وتعالى - لقوله - تعالى - “ 4 “ :كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ( 15 ) “ 5 “ ، وقيل إنّهم يرونه ولا يعرفونه أنّه هو المتجلّي في تلك المظاهر ، ففاتهم لذّة النّظر التي هي أعظم نعيم يكون في الجنّة ، فحجابهم هو جهلهم به “ 6 “،صرّح بذلك الشّيخ محيي الدّين بن العربيّ وغيره“7 “ .
فإن قيل : فهل رؤية المؤمنين لربّهم في الآخرة تكون بجميع أجسادهم ، أو بجميع وجوههم كما قيل ؛ لأنّها دار تخرق العوائد فيها “ 8 “ ، أم يكون بباصر العين كما هو الأمر في رؤية الأشياء في الدّنيا ؟
فالجواب : قد صرّح الشّيخ تقيّ الدّين بن أبي المنصور في عقيدته بأنّ الرّؤية تكون بجميع أجسادهم لكمال النّعيم ، فكلّ أجسادهم أبصار في الآخرة .
فإن قيل : فهل يلزم من شهود العبد ربّه بقلبه أن يكون المشهود “ 9 “ هو المطلوب أم لا ؟ “ 10 “ :
فالجواب أنّه لا يلزم أن يكون المطلوب هو ما تجلّى لقلبه إلّا أن يكون ذلك
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : قوله : “ ومنهم من حظه من ذلك لذة ينقال تكييفها “ ساقط . 
( 2 ) انظر مما ورد قريبا من هذا المعنى في الباب نفسه : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 172 ، وفيه يقول : 
“ ونحن نعلم أن ذوق الرسل فوق ذوق الأتباع بما لا يتقارب ، . . . ، فمن الرائين من يراه ولا يقيد ، ومنهم من يراه به ، ومنهم من يراه بنفسه ، ومنهم من لا يراه عنده وهو قد رآه ولا يعلم أنه رآه “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ قال قائل “ . 
( 4 ) “ د “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ساقطة . 
( 5 ) ( المطففين ، الآية 15 ) . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ فحجابهم هو حجابه “ . 
( 7 ) انظر حديث محيي الدين عن قول الحق - تعالى -كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ( 15 ) في الفتوحات المكية : 3 / 239 ، 276 ، 4 / 446 . 
( 8 ) “ د “ : “ فيها “ ساقطة . 
( 9 ) “ د “ : “ المرئي “ ، “ ك “ : قوله : “ المشهود هو المطلوب أم لا ؟ فالجواب أنّه لا يلزم أن يكون “ ساقط . 
( 10 ) ثمّ سقط أخل بالعبارة في النسخة “ ك “ و “ ز “ ، وإصلاحه كان من النسخ الأخرى .

“ 288 “
بإعلام من اللّه - تعالى - له “ 1 “ بخلقه العلم الضّروريّ في نفس العبد مثل ما يجده النّائم في نومه ، فيجد في نفسه علما ضروريّا من غير سبب ظاهر ، إنّ ذلك المرئيّ هو الحقّ تعالى ، وذلك لوجدانه حقّا في نفسه مطابقا لما هو الأمر عليه فيما رآه ، هكذا يدرك العبد العلم باللّه تعالى ، أمّا بالنّظر الفكريّ فلا يدرك ، انتهى .


[ باب القول على رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ]

قال “ 2 “ في الباب الثّاني والأربعين وأربعمائة من “ الفتوحات “ “ 3 “ : اعلم أنّ رؤية المرئيّ تعطي العلم به ، ويعلم الرّائي أنّه رأى أمرا ما “ 4 “ ، وقد أحاط علما بما رأى بوجه ، ورأينا الذي يرى الحقّ - تعالى - لا تنضبط له رؤية لمخالفة حقيقته - تعالى - “ 5 “ لسائر الحقائق ولسائر الصّفات ، ولعدم مكث التّجلّي آنين لأنّه كلمحة بارق ، ومعلوم أنّ ما لا “ 6 “ ينضبط لا يقال فيه إنّ الذي رآه عرف أنّه رآه ؛ إذ لو رآه حقيقة لعلمه ، وقد علم تنوّع صور التّجلّيات على قلبه في حال رؤيته ، فعلى هذا لم ير الحقّ - تعالى - حقيقة ، وإنّما يعلم بعلمه الذي علم أنّه ما رآه “ 7 “ . قال موسى - عليه الصّلاة والسّلام - : “ أرني انظر إليك “ ، فقال له “ 8 “ ربّه : “ لن تراني “ “ 9 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ له “ ساقطة . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وقال “ . 
( 3 ) عنوان هذا الباب : “في معرفة منازلة واجب الكشوف العرفاني“ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 81. 
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : قوله : “ أنه رأى “ ساقط .
( 5 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 6 ) “ أ “ : “ لا “ ساقطة .
( 7 ) “ ب “ : “ أنه رآه “ ، وهذا يقلب المعنى .
( 8 ) “ د “ : “ له “ ساقطة ، “ ز “ : “ فقال ربه له “ .
( 9 ) انظر عبارة محيي الدين في الفتوحات المكية ، 7 / 81 ، وقد نقله الشعراني متصرفا ، وفيه يقول :
“ أرني أنظر إليك “ بعيني ، فإن الرؤية بأداة إلى رؤية العين ، قال له : “ لن تراني “ بعينك ؛ لأن المقصود من الرؤية حصول العلم بالمرئي، ولا تزال ترى في كل رؤية خلاف ما تراه في الرؤية التي تقدمت، فلا يحصل لك علم برؤية أصلا في المرئي “.

“ 289 “
قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 1 “ : والنّكتة في ذلك قوله : “ أرني أنظر إليك “ بالهمزة في “ أنظر “ ، ولو أنّه كان “ 2 “ قالها بالنّون ، أو الياء “ 3 “ ، لربّما لم يكن الجواب : “ لن تراني “ مع أنّ السّؤال مجمل في قوله : “ أنظر “ ، والجواب مجمل في قوله “ لن تراني “ ، وإيضاح ذلك أنّ الرّؤية بأداة إلى رؤية العين ، أي “ لن تراني “ بعينك ، والمقصود بالرّؤية حصول العلم بالمرئيّ لا غير ، ومعلوم أنّك لا تزال ترى في كلّ رؤية خلاف ما تراه في المرائي التي تقدّمت ، فلا يحصل لك علم بالمرئيّ في رؤيتك له - تعالى - أبدا ، فصحّ قوله - تعالى - “ 4 “ :

“ لن تراني “ ، أي : فكان لسان حال المقام يقول “ لن تراني “ “ 5 “ ؛ لأنّي لا أقبل من حيث ما أنا عليه في ذاتي “ 6 “ التّنوّع ، وأنت أيّها العبد المتطلّب لرؤيتي من موسى وغيره لا ترى ربّك إلّا متنوّعا “ 7 “ بالنّظر إليك لا إليه ، وأنت ما تنوّعت أيضا ، فما رأيتني ، ولا رأيت نفسك ، وقد رأيت “ 8 “ ، فلا بدّ أن تقول : رأيت الحقّ وأنت ما رأيتني حقيقة ، وإن قلت :

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ رؤية الحقّ تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:27 pm

توهّم أنّ رؤية الحقّ تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

تابع [ باب القول على رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ]
رأيت نفسي ، فما رأيت نفسك حقيقة ، وما ثمّ إلّا الحقّ - تعالى - وأنت ، ولا أحدا “ 9 “ من الحقّ تعالى “ 10 “ والحقّ رأيت ، وأنت تعلم أنّك قد رأيت “ 11 “ ، فما هذا الذي رأيت ، فلن تراني بعينك إلّا إن قوّيتك على ذلك ، انتهى “ 12 “ .

وهذا من مشاهد الحيرة في اللّه تعالى ، وكان سيّدي عليّ بن وفا - رضي اللّه عنه - “ 1 “ يقول : من أعجب الأمور قوله - تعالى - لموسى “ 2 “ - عليه الصّلاة والسّلام - “ لن تراني “ ؛ أي مع كونك تراني على الدّوام ، ولا تشعر “ ، انتهى . 

ويؤيّد ذلك قول الشّيخ في الباب الثّامن والأربعين وأربعمائة “ 3 “ : اعلم أنّ الرّؤية إذا وقعت للخلق يوم القيامة فلا تكون إلّا بقدر استعدادهم ، والحقّ - تعالى - على ما هو عليه من وراء جميع “ 4 “ معقولاتهم لا يقبل الزّيادة ولا النّقصان ، ألا ترى إلى موسى - عليه الصّلاة والسّلام - ما أصعقه إلّا ما كان عنده من العلم باللّه تعالى ، ولم يكن يعلم ذلك “ 5 “ حين طلب من ربّه الرّؤية ، فلمّا علم عند تدكدك الجبل ما لم يكن يعلم من الحقّ - تعالى - قال : تبت إليك ؛ أي : لا أطلب رؤيتك على الوجه الذي كنت طلبتها أوّلا ، فإنّي قد عرفت ما لم أكن أعلمه منك ، وأنا أوّل المؤمنين بقولك “ لن تراني “ ؛ لأنّك ما قلت ذلك إلّا لي ، وهو خبر ، فلذلك ألحقه موسى - عليه الصّلاة والسّلام - بالإيمان “ 6 “ دون العلم ، ولو أنّه - عليه الصّلاة والسّلام - أراد مطلق الإيمان الذي هو أعمّ من الإيمان لقوله “ 7 “ : “ لن تراني “ ما صحّت له الأوّليّة ، فإنّ المؤمنين كانوا قبله كثيرا بيقين ، ولكن بهذا الخبر الذي هو أوّل من سمعه لم يكن سبقه إليه “ 8 “ مؤمن ، فكلّ من آمن بعد الصّعق فقد آمن على بصيرة ، وهو صاحب علم “ 9 “ في إيمان ، وهو مشهد عزيز قليل من ذاقه ؛ يعني الإيمان مع
.................................................................................
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ واحدا “ .
( 10 ) العبارة في الفتوحات : “وما ثم إلا أنت والحق ، ولا واحدا من هذين رأيت “. انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 81. 
( 11 ) “ د “ ، “ ز “ : “ أنك رأيت “ .
( 12 ) انتهت عبارة محيي الدين في الباب الثاني والأربعين من الفتوحات ، وقد تصرف بها الشعراني ، انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 81 .
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ .
( 2 ) “ب“ : قوله : “ وكان سيدي علي بن وفا - رضي اللّه عنه - يقول : من أعجب الأمور قوله تعالى لموسى “ ساقط.
( 3 ) عنوان هذا الباب في معرفة منازلة “ من كشفت له شيئا مما عندي بهت ، فكيف يطلب أن يراني فيها “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 92 .
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ : قوله : “ وراء جميع “ ساقطة .
( 5 ) “ د “ : “ يعلم “ ساقطة .
( 6 ) “ ب “ : “ بالإيمان “ ساقط .
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ بقوله “ .
( 8 ) “ أ “ : قوله : “ الذي هو أوّل من سمعه لم يكن سبقه إليه “ ساقط .
( 9 ) “ ب “ : قوله : “ الذي هو أول من سمعه لم يكن سبقه إليه مؤمن ، فكل من آمن بعد الصعق فقد آمن على بصيرة ، وهو صاحب علم “ ساقط .

“ 291 “
العلم ، فإنّه لمّا انتقل إلى العلم الذي هو أوضح ، فقد انتقل عن “ 1 “ إيمانه إلى الشّهود ، فالكامل هو من يؤمن بما هو عالم ، وذلك ليحوز أجر الإيمان مع أجر العلم معا “ 2 “،كما بسط الشّيخ الكلام على ذلك في الباب الثّامن والخمسين وخمسمائة ،فراجع"3"
وقال في الباب الأحد والأربعمائة “ 4 “ : إنّما قال اللّه - تعالى - لموسى - عليه الصّلاة والسّلام - “ لن تراني “ ؛ لأنّ كلّ مرئيّ لا يصحّ للرّائي “ 5 “ أن يرى منه إلّا على قدر منزلته ورتبته في العلم به لا غير ، ولو كان الرّائي للحقّ - تعالى - يحيط به ما اختلفت الرّؤية ؛ وذلك أنّ الرّائي لمّا شغل “ 6 “ برؤية نفسه في حال تجلّي الحقّ - تعالى - له “ 7 “ حجبه ذلك عن كمال رؤية الحقّ تعالى ، فما حجبنا عنه - تعالى - “ 8 “ إلّا بأنفسنا ، ولو أنّنا زلنا عمّا رأيناه أيضا ؛ لأنّه لم يبق ثمّ من يراه إذا زلنا “ 9 “ ، وإذا لم نزل نحن أيضا “ 10 “ فما رأينا في المرآة الصّفاتيّة “ 11 “ إلّا أنفسنا ، وقد يتوسّع في العبارة ، فيقول “ 12 “ : إنّا رأيناه ، انتهى “ 13 “ .
فإن قال قائل : فلم أحال اللّه - تعالى - موسى على نظره للجبل حين سأل ربّه الرّؤية ؟
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ على “ .
( 2 ) انظر عبارة محيي الدين في الباب الثامن والأربعين وأربعمائة من الفتوحات المكية، 7 / 92. 
( 3 ) عنوان هذا الباب “في معرفة الأسماء الحسنى التي لرب العزة وما يجوز أن يطلق عليه منها لفظا وما لا يجوز“ . انظر حديثه عن حضرة البصر في الفتوحات المكية ، 7 / 288.
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منازلة : الميت والحي ليس له إلى رؤيتي من سبيل “ ، وفي مفتتحه يقول دالا على مضمونه :قد استوى الميت والحي * في كونهم ما عندهم شي
مني فلا نور ولا ظلمة * فيهم ولا ظل ولا في
رؤيتهم إلي معدومة * فنشرهم في كونها طيانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 3 .
( 5 ) “ د “ : “ للرؤيا “ ، وهو تحريف .
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ اشتغل “ .
( 7 ) “ ب “ : “ له “ ساقطة .  ( 8 ) “ ب “ : العبارة : “ تعالى عنه “ .
( 9 ) “ د “ : “ إذا زلنا “ ساقط .
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أيضا “ ساقطة .
( 11 ) “ ز “ : “ الصقالية “ ، “ د “ : “ الصّافية “ ، وهو تحريف يدحضه ما ورد في النسخ الأخرى .
( 12 ) “ ك “ : “ فيقال “ .
( 13 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 3 .

“ 292 “
فالجواب : إنّما أحاله على ذلك لأنّ من صفات الجبل الثّبوت ؛ كأنّه - تعالى - يقول له : إن ثبت الجبل عندما تجلّيت له ، فستراني من حيث ما في ذلك من صفة ثبوت الجبل “ 1 “ ، يقال : فلان جبل من الجبال إذا كان يثبت عند الشّدائد والأمور العظام .

فإن قال قائل : لم رجع موسى - عليه الصلاة والسّلام - “ 2 “ إلى صورته بعد الصّعق دون الجبل ، فإنّه لم يرجع بعد الدّكّ إلى صورته ؟
فالجواب : إنّما زالت عين الجبل بالكلّيّة لخلوّه عن الرّوح المدبّر له بخلاف موسى عليه الصّلاة والسّلام “ 3 “ ، فإنّه بقي بعد الصّعق لكونه كان ذا روح ، فروحه هي التي أمسكت بإذن اللّه - تعالى - “ 4 “ صورته على ما هي عليه بخلاف الجبل . 
وقال في الباب الخمسين وأربعمائة “ 5 “ : اعلم أنّه لا طاقة للمحدث على رؤية القديم إلّا إن كان الحقّ - تعالى - مؤيّدا له في ذلك كما أشار إليه حديث “ كنت سمعه الذي يسمع به . . . إلخ “ “ 6 “ ، ألا ترى إلى موسى - عليه الصّلاة والسّلام - كيف ثبت لسماع كلام اللّه “ 7 “ - تعالى - حين كان الحقّ - تعالى - سمعه الذي يليق أن يسمع كلامه به “ 8 “ عند التّجلّي “ 9 “ ، ثمّ لمّا وقع التّجلّي ثانيا ، ولم يكن الحقّ - تعالى - بصره الذي يليق أن يبصر به تعالى “ 10 “ ، كما كان سمعه المذكور “ 11 “ ، صعق ولم يثبت ، ولو أنّه - تعالى - كان أيّده بالقوّة المذكورة “ 12 “ في بصره كما أيّده في سمعه لثبت “ 13 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ الجبال “ .
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيها .
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيهما .
( 4 ) “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 5 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منازلة : من ثبت لظهوري كان بي لأنه سبحانه كان به لا بي ، وهو الحقيقة والأول مجاز “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 94 .
( 6 ) تقدم تخريجه . وانظر ما قاله محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 95 .
( 7 ) “ د “ : “ لكلام اللّه “ .
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ : “ به “ ساقطة .
( 9 ) “ د “ : قوله : “ الذي يليق أن يسمع كلامه “ ساقط .
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ساقطة . “ ب “ : “ يبصره تعالى “ .
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ : “ المذكور “ ساقطة .
( 12 ) “ د “ : “ المذكورة “ ساقطة .
( 13 ) انظر عبارة محيي الدين في الباب الخمسين وأربعمائة من الفتوحات المكية ، 7 / 95 .
 
“ 293 “

فإن قلت : قد ورد : “ لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به “ “ 1 “ ، ولا شكّ أنّ موسى - عليه الصّلاة والسّلام - ربّما هو أحبّ بعض من تقرّب بالنّوافل “ 2 “ حتّى أحبّه اللّه تعالى ، فما الجواب عن كون الحقّ لم يكن بصر موسى ؟ فالجواب أنّه - تعالى - لم يقل : كنت بصره الذي يبصرني به ، وإنّما قال : الذي يبصر “ 3 “ به ، أي المبصرات العاديّة “ 4 “ المرادة عند الإطلاق ، ونحن ما نفينا إلّا “ 5 “ القوّة التي يبصر بها العبد ربّه سبحانه وتعالى ، فليتأمّل .

فإن قلت : اندكاك الجبل يؤذن بحياة الجبل ؛ لأنّه لولا حياته ومعرفته بعظمة اللّه - تعالى - ما اندكّ ، وقد نفى بعضهم حياة الجماد ، فالجواب أنّ اللّه - تعالى - قد قال :وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ” 6 “ ، ومعلوم أنّه لا يوصف بالخشية إلّا حيّ درّاك ، وقد أخذ اللّه - تعالى - بأبصار غالب الجنّ والإنس عن إدراك حياة الجماد “ 7 “ إلّا من شاء اللّه - تعالى - من الأولياء ؛ فإنّهم لا يحتاجون إلى دليل سمعيّ في ذلك ؛ لأنّ اللّه - تعالى - قد كشف لهم عن حياة كثير من الجماد “ 8 “ ، وأسمعهم تسبيحه ونطقه ، فعلم أنّه لولا معرفة الجبل بعظمة اللّه - عزّ وجلّ - “ 9 “ ما اندكّ ، فإنّ الذّوات لا تؤثّر في أمثالها ، وإنّما يؤثّر فيها معرفتها بعظمة اللّه - عزّ وجلّ - من تجلّى لها لا غير “ 10 “ ، فالعلم بالعظمة “ 11 “ هو الذي أثّر لا الذّات .
.................................................................................
( 1 ) تقدم تخريجه .
( 2 ) “ ز “ : العبارة : “ هو أحب لشيء بعض من تقرب “ ، وهي ركيكة ، “ ك “ : “ هو أفضل من تقرب “ ، وقد أشار الناسخ إلى عبارة الأصل ، ولكنه غير فيها .
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ وإنما قال : الذي يبصر “ ساقط ، وبهذا لا يستقيم المعنى .
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ أي المبصرات العادية المنصرف إليها “ .
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ إلا “ ساقطة .
( 6 ) ( البقرة ، الآية 74 ) ، وليس النقل صحيحا إطلاقا .
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ حياة كثير من الجماد “ .
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عن حياة الجماد “ .
( 9 ) “ ك “ : “ سبحانه وتعالى “ ، “ ز “ : “ تعالى “ .
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ : “ بعظمة من تجلى لا غير “ .
( 11 ) “ د “ : “ بعظمة اللّه عز وجل “ .

“ 294 “
فإن قال قائل : فلم قال موسى - عليه السّلام - “ 1 “ دون سائر الأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - :رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ” 2 “ مع أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - كان أشوق إلى رؤية اللّه “ 3 “ - عزّ وجلّ - من موسى - عليه الصّلاة والسّلام - بما لا يتقارب ؟ فالجواب أنّ موسى - عليه الصّلاة والسّلام - ما قال ذلك إلّا لعلمه “ 4 “ بجوازه لمثله “ 5 “ ، ولما قام عنده من شدّة التّقرّب الإلهيّ ، وسماعه “ 6 “ كلام البارئ من غير واسطة ، فاستغرقته اللّذّة ، فطمع في الرّؤية ، وسأل ما يجوز له السّؤال فيه ذوقا ونقلا لا عقلا ؛ لأنّ ذلك من محيّرات العقول ، ولو أنّه صبر ولم يسأل الرّؤية لما تميّز محمّد - صلّى اللّه عليه وسلّم - عنه في مقام الأدب ؛ فإنّه كان أشوق إلى رؤية ربّه من موسى ، ولكن لمّا سلك الأدب وصبر جازاه الحقّ - تعالى - بأن دعاه الحقّ - تعالى - “ 7 “ إلى رؤيته من غير سؤال .
وقد يكون موسى - عليه الصّلاة والسّلام - إنّما “ 8 “ قصد بقوله :أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ” 9 “ بعد اطّلاعه على ما تقع به “ 10 “ إجابة للحقّ - تعالى - له من طريق الوحي أو الكشف “ 11 “ بقوله : “ لن تراني “ ببيان انحطاط مقامه عن مقام محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ؛ إذ الأنبياء معصومون من الحسد لأحد من الخلق ، وهم دائرون مع الحقّ تعالى “ 12 “ ، فإذا قرّب - تعالى - عبدا ، وميّزه عليهم ، كانوا من أوّل من يتظاهر بإظهار عظمة ذلك العبد طلبا لمرضاة اللّه عزّ وجلّ “ 13 “ ، وممّا يجوز فيه السّؤال ، وممّا لا يجوز ، انتهى “ 14 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ب “ : “ عليه السلام “ ليست فيهما .
( 2 ) ( الأعراف ، الآية 143 ) .
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ إلى ربه “ .
( 4 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ إلا لما علمه “ ، “ ب “ : “ إلا بعلمه “ .
( 5 ) “ د “ : قوله : “ علمه بجوازه لمثله “ ساقط .
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وسماع كلام “ .
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ ، “ ب “ : “ دعاه إلى رؤيته “ .
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ : “ إنما “ ساقطة . 
( 9 ) ( الأعراف ، الآية 143 ) . 
( 10 ) “ د “ : العبارة : “ ما تقع به “ ساقطة ، والعبارة فيها : “ بعد اطلاعه على إجابة الحق . . . “ . 
( 11 ) “ ب “ : “ الكشف الإلهيّ “ . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 13 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 14 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ ومما يجوز فيه السؤال ، ومما لا يجوز ، انتهى “ ساقط .

“ 295 “
وقد سمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - يقول : الرّسل - عليهم الصّلاة والسّلام - أعلم النّاس باللّه عزّ وجلّ ، وبما يجوز فيه السّؤال ، وما لا يجوز ، انتهى “ 1 “ .

قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 2 “ : ثمّ إنّ الحقّ - تعالى - لمّا أجاب موسى - عليه الصّلاة والسّلام - “ 3 “ بقوله : “ لن تراني “ لحكمة إلهيّة ، استدرك - تعالى - استدراكا لطيفا بقوله :وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ” 4 “ ، فأحاله على الجبل في استقراره عند التّجلّي ؛ إذ الجبل من جملة الممكنات ، فلمّا تجلّى له الحقّ “ 5 “ وتدكدك ، حصل له من ذلك أنّ الجبل رأى “ 6 “ ربّه ، وأنّ رؤيته هي التي أوجبت له التّدكدك ، وإذا ثبت أنّ الجبل الذي هو محدث رآه ، فما المانع أن يكون موسى - عليه الصّلاة والسّلام - رأى ربّه حال تدكدك الجبل ، ووقع النّفي على الاستقبال ، أو على نفي الرّؤية “ 7 “ على وجه الإحاطة بالكنه “ 8 “ ، والآية محتملة ، وقد قام الدّليل على رؤية اللّه - تعالى - في الآخرة ، وما ثبت وقوعه هناك “ 9 “ جاز تعجيله هنا لمن “ 10 “ شاء اللّه تعالى ، فكان الصّعق لموسى - عليه الصّلاة والسّلام - “ 11 “ كالتّدكدك للجبل ، ويحمل قوله :وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ” 12 “ أي : بوقوع هذا الجائز ، كما حمل قوله فيما مضى قبل وقوع الرّؤية “ 13 “ بقوله “ 14 “ : “ وأنا أوّل المؤمنين “ بكونك لا ترى ؛ أي من
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : هذه الفقرة ساقطة . 
( 2 ) ورد قوله في الباب الأحد والثلاثين وثلاثمائة ، وعنوانه : “ في معرفة منزل الرؤية والقوة عليها والتداني والترقي والتدلي “ . انظر : الفتوحات المكية ، 5 / 171 . 
( 3 ) “ د “ ، “ ب “ : “ عليه الصّلاة والسّلام “ ليست فيهما . 
( 4 ) ( الأعراف ، الآية 143 ) . 
( 5 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ فلما تجلى تعالى له “ ، “ ب “ : “ فلما تجلى له الحق تعالى “ . 
( 6 ) “ د “ : “ يرى “ . 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رؤية “ . 
( 8 ) “ د “ : قوله : “ أو على نفي الرّؤية على وجه الإحاطة بالكنه “ ساقط . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ هنا “ ، وهو غير مستقيم . 
( 10 ) “ د “ : “ لما “ . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيها . 
( 12 ) ( الأعراف ، الآية 143 ) . 
( 13 ) “ د “ : “ قبل الوقوع “ . 
( 14 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ على قوله “ .

“ 296 “

حيث حقيقتك ، انتهى “ 1 “ . 

وقال في باب الأسرار : من أعجب الأمور أنّ الحقّ - تعالى - يعلم بالعقل ، ولا يرى به ، ويرى بالكشف ، ولا يعلم به ، قال : وهل ثمّ لنا “ 2 “ مقام يجمع بين “ 3 “ الرّؤية والعلم ؟ لا أدري ، انتهى “ 4 “ .

65 - [ باب القول على لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ] 
فإن قلت : فما المراد بقوله - تعالى - :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ” 5 “ ، وهو نفي مطلق ، وقد ثبتت رؤية المؤمنين لربهم في الدّار الآخرة ؟ فالجواب أنّ المراد بقوله :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ :الكونيّة الخليّة عن النّور المدرك له بفضله “ 6 “ ، فكثّر وجمع ، ولذلك لم يقل : لا يدركه البصر “ 7 “ ، إذ الحقّ - تعالى - أحديّ الوصف ، فهو ، وإن تعدّدت ذوات النّاظرين ، فالبصر واحد من الجميع ، وهو بالأصالة نور الحقّ - تعالى - الذي أودعه في تلك الأحداق لتراه به “ 8 “ لا غير “ 9 “ . 
وقد قام الدّليل البرهانيّ على منع المناسبة بين العالم وبين هويّة الحقّ جلّ وعلا ، ومعلوم أنّه لا تصحّ رؤية تكشف الحقائق من راء إلّا بمناسبة تكون بينه وبين المرئيّ ،
.................................................................................
( 1 ) انتهى كلام محيي الدين المنقول بتصرف من الفتوحات المكية ، 5 / 171 ، وقد عقب محيي الدين بقوله : “ وإنما أوجده ليكون مسبحا له ، فلذلك لم تحفظ عليه صورة الجبلية ، وأثر فيه التجلي ، وحفظ روح موسى - عليه السلام - على موسى ، وما رجع الجبل جبلا ، فعلم موسى أنه قد وقع منه ما كان ينبغي له ألا يقع إلا بأمر إلهي “ . 
( 2 ) “ ب “ : “ وهل لنا “ ، “ ز “ : “ وهل تم لنا “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بين “ ساقطة . 
( 4 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 185 ، ( وثم تباين بين العبارتين ؛ عبارة الشعراني ومحيي الدين ) . 
( 5 ) ( الأنعام ، الآية 103 ) . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ أي أبصار الكون الخليّة . . . “ . 
( 7 ) “ ب “ : “ الأبصار “ ، وفي الفتوحات كما ورد في المتن ، انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 55 . 
( 8 ) “ د “ : “ لتراه “ ساقطة ، “ ز “ : “ لا تراه “ ، وهو تحريف . 
( 9 ) العبارة لمحيي الدين ، فقد قال : “ فكثر وجمع ، فإنها أبصار الكون ، ولم يقل : لا يدركه البصر ، وإن كان جمع قلة ، ولكن على كل حال هو أكثر من بصر “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 55 .

“ 297 “
فصاحب هذا العلم في حال شهوده ورؤيته لربّه يحكم بأنّه ما رآه ، ورؤيته صحيحة ؛ لأنّه ما رأى الحقّ - تعالى - إلّا بنور الحقّ ، وهي أكمل المرائي ، فصحّ قول أهل السّنّة والجماعة إنّ الحقّ - تعالى - يدرك بالبصر المنسوب إلى العبد على هذا الشّرط ، وهو عدم الإحاطة بحقيقة الكنه “ 1 “ ، فتفطّن يا أخي لهذه النّكتة ، فإنّها نافعة جدّا ، ذكره الشّيخ في “ الفتوحات “ في الباب الخامس والعشرين وأربعمائة “ 2 “ .

وقال في الباب الحادي عشر ومائتين “ 3 “ : اعلم أنّ قوله - تعالى - :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ” 4 “ يحتمل معنيين : أحدهما أنّه نفى أن تدركه الأبصار على طريق التّشبيه على الحقائق ؛ أي : على معنى أنّ المدرك له - تعالى - ليس هو الأبصار ، وإنّما الإدراك أن يكون “ 5 “ للمبصرين بالأبصار . المعنى الثّاني : أن يكون المعنى لا تدركه الأبصار المقيّدة بالجارحة لضعفها عن مقابلة النّور الإلهيّ ، فعلم أنّ الأبصار إذا لم تتقيّد بالجارحة أبصرته - تعالى - بنوره الذي وقع فيه التّشبيه بالمصباح لا بنورها المقيّد الذي يقبل التّشبيه ، انتهى “ 6 “ .
وقال في “ شرح ترجمان الأشواق “ : إذا كان الحقّ - تعالى - قد تنزّه عن إدراك الوهم له الذي هو ألطف من الإدراك الحسّيّ ، فكيف لا يتنزّه عن إدراك البصر الذي هو
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : قوله : “ وهو عدم الإحاطة بحقيقة الكنه “ ساقط .
( 2 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منازلة من طلب العلم صرفت بصره عني “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 54 ، وانظر قوله هذا هناك .
( 3 ) عنوان هذا الباب “ في اللوائح “ ، وفي مفتتحه يقول دالا على مضمونه :
لوائح الحق ما تبدو لأسرار * من السمو ومن حال إلى حال
وقد تكون بما يبدو لناظره * من غير جارحة بالعلم والحال
من النعوت التي يعطيك شاهدها * دليلها أنها في الآل كالآل
انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 190 .
( 4 ) ( الأنعام ، الآية 103 ) .
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : العبارة : “ وإنما الإدراك يكون . . . “ .
( 6 ) العبارة في هذا الباب : “ وخرج قوله “ لا تدركه الأبصار “ على وجهين : الوجه الواحد أنه نفى أن تدركه الأبصار على طريق التنبيه على الحقائق ، وإنما يدركه المبصرون بالإبصار لا الأبصار ، والوجه الثاني : لا تدركه الأبصار المقيدة بالجارحة . . . “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 191 .

“ 298 “
الأكثف ؟ واللّه لقد أصاب من قال : كلّ ما خطر ببالك ، فاللّه بخلاف ذلك ، انتهى“ “ . 
فإن قال قائل : فما المانع من رؤية اللّه - تعالى - “ 2 “ مع شدّة قربه المشار إليها بقوله “ 3 “ :وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” 4 “ ، وبقوله - تعالى - :وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ( 85 ) “ 5 “ ؟ 
فالجواب أنّ شدّة القرب “ 6 “ هي المانعة من الرّؤية ؛ لأنّ شدّة القرب حجاب ، ولذلك كان الهواء لا يرى لاتّصاله ببياض “ 7 “ العين ، وكذلك الماء إذا فتح الإنسان عينيه فيه لا يراه ، فقوله - تعالى - :وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ” 8 “ ، أي للحجب “ 9 “ السّبعين ألفا التي بيننا وبينه “ 10 “ مع شدّة هذا القرب ، فنحن أيّها المؤمنون خلف الحجب على الدّوام الدّنيويّ ، ويسمّى ذلك حجاب العظمة “ 11 “ الذي لا يصحّ رفعه في الدّنيا والآخرة ؛ لأنّه لو رفع لأدرك الخلق الذّات ، وذلك لا يصحّ بإجماع المحقّقين . 
وقال في الباب العشرين وأربعمائة “ 12 “ من “ الفتوحات “ في قوله - تعالى - :لا
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ انتهى “ ساقطة ، وعبارة محيي الدين في “ شرح ترجمان الأشواق “ : “ هو ما تخيله الوهم في الجناب الأعز من التصور ، فذلك جرح فيه ، والوهم ألطف من الإدراك الحسي ، فهي منزهة عن إدراك اللطف ، فكيف بالبصر الذي هو أكثف ، ولهذا يقال في العقائد في جناب الحق : “ كل ما خطر في سرك ، أو تلجلج في صدرك ، أو حصره وهمك ، فالله بخلاف ذلك “ . انظر : محيي الدين ، شرح ترجمان الأشواق ، 165 . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الحق جل وعلا “ . 
( 3 ) “ ك “ : “ بقوله تعالى “ .     ( 4 ) ( ق ، الآية 16 ) . 
( 5 ) ( الواقعة ، الآية 85 ) .    ( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ شدة هذا القرب “ . 
( 7 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ بباصر العين “ ، وأحسبها تصحيفا . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : الآية ليست فيهما . 
( 9 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ أي “ ساقطة . 
( 10 ) “ أ “ ، “ ك “ : “ بيننا وبينكم “ ، وهو خطأ لا يستقيم . وقد أشار الناسخ إلى أن المرجح : “ بيننا وبينه “ ، ولعل ذلك كذلك ، قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : “ إن للّه سبعين ألف حجاب “ ، وفي مجمع البحرين للهيثمي : “ عن أنس بن مالك عن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - قال : سألت جبريل : هل ترى ربك ؟ قال : إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور ، ولو رأيت أدناها لاحترقت “ . 
انظر : الهيثمي ، مجمع البحرين ، باب الرؤية ( 62 ) ، 1 / 56 ، وانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 56 . 
( 11 ) “ ب “ : “ ذلك الحجاب حجاب “ . 
( 12 ) لم يرد قول محيي الدين في هذا الباب الذي ذكره الشعراني ، بل ورد في الباب الأحد والعشرين -

“ 299 “
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ” 1 “ : يعني من كلّ عين من أعين الوجوه ، وأعين القلوب “ 2 “ ، فإنّ القلوب لا ترى إلّا بالبصر ، والوجوه لا ترى أيضا إلّا بالبصر ، فإنّ البصر “ 3 “ حيث كان هو الذي يقع به الإدراك ، لكن يسمّى البصر في القلب عين البصيرة ، ويسمّى في الظّاهر بصر العين ، والعين في الظّاهر محلّ البصر ، والبصيرة في الباطن “ 4 “ محلّ العين الذي هو بصر في عين الوجوه ، فاختلف الاسم عليه ، وما اختلف هو في نفسه ، فكما لا تدركه العيون بأبصارها ، كذلك لا “ 5 “ تدركه البصائر بأعينها ، انتهى “ 6 “ . 
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص - رحمه اللّه - يقول : إذا كانت الرّسل والملائكة مؤمنين باللّه - تعالى - من خلف حجاب كما أشار إليه قوله - تعالى - :آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ” 7 “ ، فكيف بآحاد المؤمنين ، انتهى . 
قلت : ولعلّ المراد بهذا الحجاب هو حجاب العظمة الذي يكون في جنّة عدن كما ورد ، واللّه أعلم ، وقد بسطنا الكلام على هذا المبحث في كتاب “ اليواقيت والجواهر“ 8 “ ،
- وأربعمائة من الفتوحات ، وعنوان هذا الباب “ في معرفة منازلة : من طلب الوصول إلي بالدليل والبرهان لم يصل إلي أبدا ، فإنه لا يشبهني شيء “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 43 . 
.................................................................................
( 1 ) ( الأنعام ، الآية 103 ) . 
( 2 ) “ د “ : قوله : “ وأعين القلوب “ ساقط . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ فالبصر “ . 
( 4 ) “ أ “ ، “ ك “ : الظاهر “ ، وأحسب أن الصواب هو ما ورد في المتن ، وهو الوارد في “ د “ و “ ب “ و “ ز “ والفتوحات المكية . 
( 5 ) “ ب “ : قوله : “ العيون بأبصارها ، كذلك لا “ ساقط . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ انتهى “ ساقطة . وعبارة محيي الدين : “ يعني من كل عين من أعين الوجوه وأعين القلوب ، فإن القلوب لا ترى إلا بالبصر ، وأعين الوجوه لا ترى إلا بالبصر ، فالبصر حيث كان به يقع الإدراك ، فيسمى البصر في العقل عين البصيرة ، ويسمى في الظاهر بصر العين ، والعين في الظاهر محل للبصر ، والبصيرة في الباطن محل للعين الذي هو بصر في عين الوجه ، فاختلف الاسم عليه ، وما اختلف هو في نفسه ، فكما لا تدركه العيون بأبصارها ، كذلك لا تدركه البصائر بأعينها “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 44 . 
( 7 ) ( البقرة ، الآية 285 ) . 
( 8 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، في المبحث الثاني والعشرين : “ في بيان أنه تعالى مرئي للمؤمنين في الدنيا بالقلوب ، وفي الآخرة لهم بالأبصار بلا كيف في الدنيا والآخرة “ ، 1 / 212 .

“ 300 “
وحاصله “ 1 “ أنّ الجامع بين من أنكر رؤية الحقّ تعالى ، وبين من أثبتها أن يقال إنّ الرّؤية تكون على قدر استعداد العبد لا غير ، فلا يصحّ نفيها مطلقا ، ولا إثباتها على وجه الإحاطة ومعرفة الكنه ، ووجه من أنكرها قوله : إنّ حجاب العظمة لا يصحّ رفعه ، فلا يصحّ “ 2 “ لأحد إدراك حقيقة الذّات ، وإذا لم يدرك “ 3 “ حقيقة الذّات فما أحاط به ، وإذا لم يحط به فكأنّه ما رآه مع أنّه رآه ، فاعلم ذلك ، ونزّه ربّك في اعتقادك صحّة رؤيته عن صفات رؤيتك للخلق “ 4 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .



66 - [ توهّم نفي رؤية الحقّ في المنام ] 

وممّا أجبت به من ينفي وقوع رؤية الحقّ - تعالى - في المنام : اعلم يا أخي أنّ جمهور العلماء ذكروا وقوعها في المنام لكثير من الأولياء والعلماء “ 5 “ ؛ كالإمام أحمد بن حنبل “ 6 “ ، وحمزة الزّيّات “ 7 “ ، والإمام أبي حنيفة ، وأبي يزيد البسطامي “ 8 “ ، وغيرهم ، وقرأ حمزة على الحقّ - جلّ وعلا - سورة “ يس “ ، فلمّا بلغ تَنْزِيلَ
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ والحاصل “ . 
( 2 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ رفعه ، فلا يصح “ ساقط . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تدرك “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ للخلق “ ساقطة . 
( 5 ) “ د “ : قوله : “ لكثير من الأولياء والعلماء “ ساقط . 
( 6 ) تقدمت ترجمته . 
( 7 ) هو أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي ، كان - كما قال المناوي - من أكابر الأولياء ، وأعاظم الفصحاء ، من موالي التيم ، فنسب إليهم ، ولد سنة ثمانين ، وأدرك الصحابة بالسن ، فلعله رأى بعضهم ، تصدر للإقراء مدة ، وقرأ عليه عدد كبير ، وهو من القراء السبعة ، قال الثوري عنه : “ ما قرأ حمزة حرفا إلا بأثر “ ، كان إماما حجة قيما بكتاب اللّه ، حافظا للحديث ، بصيرا بالفرائض والعربية ، سمي بالزيات لأنه كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ، في آخر سواد العراق ، توفي سنة ( 156 هـ ) ، انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2 / 186 ، وياقوت ، معجم الأدباء ، 3 / 261 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 5 / 284 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 13 / 105 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 4 / 271 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 1 / 240 ، والزركلي ، الأعلام ، 2 / 277 . 
( 8 ) هو أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي ، نسبة إلى بسطام بين خراسان والعراق ، أصله منها ، كان مولده سنة ( 188 ه ) ، وكانت وفاته فيها سنة ( 261 ه ) ، سماه محيي الدين أبا يزيد الأكبر ، وسمي أيضا سلطان العارفين ، وقد سئل يوما : بأي شيء بلغت هذه المعرفة ؟ فقال : ببطن جائع ، وبدن –

“ 301 “
الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ( 5 ) “ 1 “ ، بضمّ اللّام ، ردّ عليه الحقّ - جلّ وعلا - “ 2 “تَنْزِيلَ؛ بفتح اللّام ، وقال : أي “ 3 “ نزّلته تنزيلا ، وقرأ عليه أيضا سورة “ طه “ ، فلمّا بلغ إلى قوله “ 4 “ :وَأَنَا اخْتَرْتُكَ” 5 “ ، قال له : وإنّا اخترناك “ 6 “ ، فهي قراءة برزخيّة “ 7 “ ، وعلى ذلك علماء التّعبير .
وبالغ شيخ الإسلام ابن الصّلاح “ 8 “ في إنكارها ، والحقّ ما عليه جمهور علماء
- عار . من كلامه : غلطت في بدايتي في أربعة : توهمت أني أذكره ، وأعرفه ، وأحبه ، وأطلبه ، فلما نظرت رأيت ذكره لي ، ومعرفته بي ، وحبه لي ، وطلبه إياي كان أولا حتى طلبته . وكذلك قوله :
إنما نالوا ما نالوا بتضييع ما لهم ، وشهود ما له تعالى . وكذلك : الجوع سحاب ، فإذا جاع عبد أمطر القلب حكمة ، وكذلك : طوبي لمن كان همه هما واحدا ، ولم يشغل قلبه بما رأت عيناه ، وسمعت أذناه . انظر ترجمته : الأصبهاني ، حلية الأولياء ، 10 / 33 ، والقشيري ، الرسالة القشيرية ، 395 ، وابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2 / 436 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 8 / 382 ، والصفدي ، الوافي بالوفيات ، 16 / 295 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 11 / 38 ، والشعراني ، لواقح الأنوار ، 1 / 174 ، والمناوي ، الكواكب الدرية ، 1 / 651 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 2 / 143 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 434 ، والنبهاني ، جامع كرامات الأولياء ، 2 / 128 ، والزركلي ، الأعلام ، 3 / 235 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 3 - 4 / 457 . 
.................................................................................
( 1 ) ( يس ، الآية 5 ) .    ( 2 ) “ ب “ : “ الحق تعالى “ . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ إنّي “ .    ( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قوله تعالى “ . 
( 5 ) ( طه ، الآية 13 ) . 
( 6 ) أورد هذا الخبر المناوي في الكواكب الدرية لما ترجم له . انظر : 4 / 271 ، وأورده كذلك أبو طاهر في “ سراج العقول “ ، 63 أ . 
( 7 ) انظر ما قاله محيي الدين في هذه القراءة في الباب الثامن والتسعين ومائة من الفتوحات المكية ، 4 / 64 . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بن صلاح الدين “ ، وهو تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي ، المعروف بابن الصلاح ، وابن صلاح الدين ، ولد في شرخان من قرى أربل سنة ( 577 ه ) ، وهو فقيه شافعي من فضلاء عصره ، له مشاركات في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال ، قرأ الفقه على والده الصلاح ، وكان من جلة مشايخ الأكراد ، نقله أبوه إلى الموصل ، واشتغل بها مدة ، ثم إلى خراسان ، ثم رجع إلى الشام ، وتولى التدريس بالمدرسة الصلاحية بالقدس ، توفي سنة ( 643 ه ) بدمشق ، وحمل على الرؤوس ، وتزاحم الخلق على سريره ، ودفن بمقابر الصوفية . انظر ترجمته : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 3 / 212 ، والذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 13 / 283 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 5 / 221 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 208 ، وعمر كحالة معجم المؤلفين ، 2 / 361 .
 
“ 302 “

السّلف من أنّه تجوز رؤية اللّه - تعالى - في المنام لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ خير الرّؤيا أن يرى العبد ربّه في منامه ، أو يرى نبيّه ، أو يرى أبويه إن كانا مسلمين “ “ 1 “ ، ولقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ رأيت ربّي في أحسن صورة “ “ 2 “ .


67 - [ حجّة المانعين للرّؤية ] 

وممّا احتجّ به المانعون للرّؤية أنّ الرّائي لا يرى إلّا صورة ، وتعالى الحقّ تعالى “ 3 “ عن الصّورة ، والجواب أنّ ذلك لا يمنع وقوع الرّؤية ، فإنّ الخيال أوسع الأكوان ؛ كأنّه يحكم بحقيقته على كلّ شيء ، وعلى ما ليس بشيء ، ويصوّر العدم المحض “ 4 “ والمحال والواجب “ 5 “ ، ويجعل الوجود عدما ، والعدم وجودا ، ويريك العلم لبنا ، والإسلام قبّة ، ويريك الحقّ - تعالى - في صورة مع أنّه “ 6 “ لا يقبل - تعالى - الصّورة ولا التّصوير من حيث ذاته ، وفي حديث الطّبرانيّ مرفوعا : “ رأيت ربّي اللّيلة في صورة شابّ أمرد له وفرة من شعر ، وعلى وجهه فراش اللّؤلؤ ، وفي رجليه نعلان من ذهب “ “ 7 “ .
.................................................................................
( 1 ) تقدم بيان عن هذا الحديث مع تباين طفيف بين الروايتين . 
( 2 ) رواية الحديث في سنن الترمذي : “ إني نعست فاستثقلت نوما ، فرأيت ربي في أحسن صورة . . . “ ، وفي رواية أخرى : “ أتاني الليلة ربي - تبارك وتعالى - في أحسن صورة “ . أخرجه الترمذي في السنن ، كتاب التفسير ، ( 3244 ) ، 5 / 160 ، وأحمد في المسند ، 1 / 368 ، 4 / 88 ، 5 / 243 ، 378 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 2 / 255 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب التعبير ( 11742 ) ، 7 / 263 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب الصلاة ( 129 ، 130 ) ، 1 / 156 .
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وتعالى الحق “ .
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ العدم من المحض “ .
( 5 ) “ ك “ : زاد الناسخ : “ والواجب الذي لم يتضمّن علم اللّه - تعالى - وجوده في الخارج بالفعل والمحال “ .
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أنه تعالى “ .
( 7 ) يروى الحديث : “ رأيت ربي في المنام في صورة شاب موفر ، في خف عليه نعلان من ذهب ، وعلى وجهه فراش من ذهب “ ، أخرجه الطبراني في “ الكبير “ ( 25 / 143 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب التعبير ( 11745 ) ، 7 / 265 ، وانظر ما قاله محيي الدين في هذا الحديث في الفتوحات المكية ، 4 / 12 ، وجعله من باب ما يراه النائم في نومه من المعاني في صور المحسوسات ؛ لأن الخيال هذه حقيقته أن يجسد ما ليس من شأنه أن يكون جسدا .

“ 303 “
وقد اختلف النّاس في تأويله ، ومنهم من نفاه ، وقال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 1 “ : هذه الرّؤية وقعت في عالم الخيال ، ومن شأن الخيال أن يجسّد ما ليس من شأنه التّجسّد ؛ لأنّ حضرته تعطي ذلك ، وتعطي مجرّد المعاني في الصّور المحسوسة ، فما ثمّ أقوى من الخيال ولا أوسع ، قال : ومن حضرته أيضا ظهر “ 2 “ المحال ، فيريك الحقّ - تعالى - في صورة مع أنّه - تعالى - لا يقبل الصّورة ، فقد قبل المحال الوجود الوجود “ 3 “ في هذه الحضرة ، وكذلك من قوّة الخيال أنّه يريك الجسم الواحد في مكانين كما رأى آدم - عليه الصّلاة والسّلام - “ 4 “ نفسه “ 5 “ في حديث القبضة الذي رواه التّرمذيّ من قوله : “ فلمّا بسط الحقّ - تعالى - يده “ “ 6 “ ، أي كما يليق بجلاله ، فإذا فيها آدم وذريّته ، فآدم في هذا الحديث في القبضة ، وهو عينه خارجها ، فيا من تخيّل “ 7 “ كون الجسم في مكان “ 8 “ ، ما تقول في هذا الحديث ؟
ونظير ذلك صلاته - صلّى اللّه عليه وسلّم - بالأنبياء ليلة الإسراء في السّماء مع كونهم في قبورهم في الأرض ، ونظير ذلك أيضا رؤية الإنسان نفسه في المنام في بلد آخر “ 9 “ تخالف حاله الذي هو عليه في الموضع الذي نام “ 10 “ فيه ، وهو عينه لا غيره ، ولولا ذلك ما قدر العقلاء على فرض المحال ، فإنّه لولا صوّره في نفسه ما قدر على تعقّله ، ونظير ذلك أيضا الشّهيد المقتول في سبيل اللّه - تعالى - “ 11 “ يرى مقتولا في المعركة وفي القبر ، وهو حيّ عند اللّه يرزق في حواصل طير “ 12 “ خضر تسرح في الجنّة كما ورد “ 13 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر قول محيي الدين في الباب الثامن والثمانين ومائة من الفتوحات ، 4 / 12 .
( 2 ) “ ب “ ، “ د “ : “ ظهور “ .
( 3 ) “ ب “ : العبارة : “ فقد قبل المحال الوجود “ .
( 4 ) “ د “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيها .
( 5 ) “ د “ : “ نفسه “ ساقطة .
( 6 ) انظر : الحكيم الترمذي ، نوادر الأصول ، 1 / 446 ، وقد تقدم بيان عن حديث القبضة قبلا .
( 7 ) “ أ “ : “ يحيل “ ، وهو تصحيف .
( 8 ) “ أ “ ، “ د “ : “ في مكانين “ ، وليس ذلك كذلك ، فهو يردّ على من يحصر الجسم في مكان واحد .
( 9 ) ما ورد في النسخ جميعها : “ من بلد أخرى “ .
( 10 ) “ ك “ : “ قام “ .
( 11 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ساقطة .
( 12 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ حواصل طيور “ .
( 13 ) جاء في الحديث الشريف : “ أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل . . . “ . أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 6 / 386 ( مع تباين قليل في الرواية ) ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الإمارة ، ( 121 / 1887 ) ، شرح صحيح -

يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: توهّم أنّ رؤية الحقّ تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:28 pm

توهّم أنّ رؤية الحقّ تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

تابع 67 - [ حجّة المانعين للرّؤية ] 
وإيضاح ذلك - كما قاله الشّيخ في الباب الرّابع والسّتّين وأربعمائة من “ الفتوحات “ “ 1 “ - أنّ المواطن تحكم بنفسها على كلّ من ظهر فيها ، فكلّ من مرّ على موطن انصبغ به ، قال : والدّليل على ذلك رؤية العبد للحقّ “ 2 “ في المنام الذي هو موطن الخيال ، فإنّك لا ترى الحقّ - تعالى - فيه إلّا في صورة مع كونه - تعالى - منزّها عن الصّورة ، فإذا كان حكم الموطن قد حكم عليك في الحقّ - تعالى - بما هو منزّه عنه ، ولا تراه إلّا كذلك ، فكيف بغيره ؟ ثمّ إنّك إذا خرجت من حضرة الخيال إلى موطن النّظر العقليّ لم تر الحقّ - تعالى - إلّا منزّها عن الصّورة التي كنت أدركتها في موطن الخيال ، وإذا كان الحكم للمواطن ، فأنت تعرف إذا رأيت الحقّ تعالى ما رأيت “ 3 “ ، وأثبت ذلك الحكم للموطن حتّى يبقى الحقّ - تعالى - لك “ 4 “ مجهولا أبدا ، فلا يحصل لك به علم “ 5 “ أبدا ؛ إذا لا يخلو من موطن تكون فيه يحكم عليك بحاله ، وما عندك من معرفته في موطن ينفد منك في موطن آخر ، فما عندك من العلم به - تعالى - ينفد ، وما عنده - تعالى - من علمه “ 6 “ بنفسه لا يتغيّر ، ولا يتبدّل ، ولا يتنوّع .
فإن قال قائل : فما محلّ النّوم من الأماكن ؟
فالجواب : محلّه ما تحت مقعر فلك القمر خاصّة ، هذا في الدّنيا ، وأمّا في الآخرة ، فمحلّه “ 7 “ ما تحت مقعر فلك الكواكب الثّابتة “ 8 “ ، وما “ 9 “ دون فلك القمر لا نوم ، وقد
- مسلم ، 13 / 34 ، وابن ماجة في السنن ، كتاب الجنائز ، 4 ، والترمذي في السنن ، تفسير سورة 3 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب الجهاد ( 250 ، 251 ، 252 ، 254 ) ، 1 / 267 . 
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب “ في حال قطب هجيره “ لا إله إلا اللّه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 130 .
( 2 ) “ د “ : “ رؤية الحق للعبد “ ، “ ب “ : “ للّه “ ، “ ز “ : “ للحق تعالى “ .
( 3 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ ما رأيت “ ساقطة .
( 4 ) “ ب “ ، “ د “ : “ لك “ ساقطة . “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 5 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ علم به “ .
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ من علم “ .
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ فمحله عنده “ .
( 8 ) الكلام مأخوذ من الباب الثامن والثمانين ومائة من الفتوحات المكية ، 4 / 14 .
( 9 ) “ ب “ : “ وما “ ساقطة ، والعبارة في الفتوحات : “ وما فوق فلك الكواكب فلا نوم ، وأعني به هذا النوم الكائن المعروف في العرف “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 14 .

“ 305 “
بسطنا الكلام على ذلك في مبحث الرّؤيا في كتاب “ اليواقيت والجواهر “ ، فراجعه “ 1 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .


68 - [ توهّم مذهب الجبريّة ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ الفعل في الوجود للّه “ 2 “ وحده ، وأنّه لا يصحّ إضافته إلى العبد بوجه من الوجوه كما هو مذهب الجبريّة “ 3 “ ، فالجواب أنّ هذا المذهب باطل بالإجماع “ 4 “ لهدمه جميع أركان الشّريعة ، وجميع أحكامها ، وقد قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي :
من قال : لا فعل لي مع اللّه - تعالى - فكأنّه “ 5 “ كذّب القرآن لما في أنبائه من لفظ “ 6 “ “ يفعلون “ ، “ يعملون “ ، “ يكسبون “ ، “ يقولون “ ، “ يصنعون “ ، “ يفقهون “ ، “ يتّقون “ ، وكذلك يكذّب جميع الكتب الإلهيّة ؛ لأنّها كلّها نزلت بإضافة الأفعال إلى العباد .
وقال في باب الأسرار من “ الفتوحات “ : ما في الوجود إلّا اللّه - تعالى - وأفعاله مع أنّه حرّم الفواحش ، فسلّم ولا تناقش “ 7 “ ، وقال في الباب الثّامن والتّسعين ومائة في قوله - تعالى - :وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ( 96 ) “ 8 “ ، أثبت “ 9 “ - تعالى - الفعل للعبد بالضّمير ، ونفاه بالفعل الذي هو خلق ، كما انتفى أبو بكر “ 10 “ ، فلم يظهر له اسم في “ العمران “ ، وأثبت ضمير التثنية في “ العمران “ ، انتهى “ 11 “ .
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، في المبحث الثاني والعشرين : في بيان أنه - تعالى - مرئي للمؤمنين في الدنيا بالقلوب ، وفي الآخرة لهم بالأبصار بلا كيف في الدنيا والآخرة، 1 / 233. 
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ للّه تعالى “ ، “ ب “ : “ للّه في الوجود “ .
( 3 ) الجبر هو نفي الفعل حقيقة من العبد ، وإضافته إلى الحق تعالى ، والجبرية أصناف ، فثم الخالصة التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا ، والمتوسطة التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلا . انظر : الشهرستاني ، الملل والنحل ، 1 / 72 ، والجرجاني ، التعريفات ، 77 ، والتهانوي ، كشاف اصطلاحات الفنون ، 200 .
( 4 ) “ ك “ : “ بإجماع “ .
( 5 ) “ د “ ، “ ز “ : “ فقد كذب . . . “ .
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ لأنه من أوله إلى آخره من لفظ . . . “ .
( 7 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 132 .
( 8 ) ( الصافات ، الآية 96 ) .
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ابتدأ “ .
( 10 ) “ د “ : “ رضي اللّه عنه “ .
( 11 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 38 .

“ 306 “

وقال في “ لواقح الأنوار “ : اعلم أنّه لا يجوز تعرية العبد من الفعل لأنّ اللّه “ 1 “ - تعالى - قد أضاف الفعل إليه ، والحقّ - تعالى - لا يخبر إلّا بالواقع ، ولولا صحّة نسبة الفعل للعبد لكان ذلك قدحا في الخطاب والتّكليف ، ومباهتة للحسّ ، وكان لا يوثق بالحسّ في شيء ، وكأنّه - تعالى - حينئذ يقول للعبد الزّمن : امش يا مقعد “ 2 “ ، وافعل يا من لا يفعل “ 3 “ ، وتعالى اللّه “ 4 “ عن مثل ذلك ، كما بسط الشّيخ الكلام عليه في الباب السّادس والثّمانين ومائتين ، فراجعه “ 5 “ .
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - يقول : لا ينبغي أن يقال إنّ العبد مجبور في عين اختياره لما لا يخفى في ذلك من سوء الأدب وسلب الأفعال عن العباد ، وذلك مخالف لسائر الكتب الإلهيّة ، وكان الشّيخ أبو القاسم الجنيد - رحمه اللّه - “ 6 “ يقول :
إيّاك أن تقف في حضرة شهود الفعل للّه وحده دون خلقه ، فتقع في مهواة من التّلف ، ولا تصير ترى لك ذنبا تتوب منه ، وفي ذلك هدم للشّرائع كلّها ، انتهى “ 7 “ .
وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 8 “ يقول أيضا : ما طلب الحقّ - تعالى - من عباده الاستعانة في نحو قوله :إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ( 5 ) “ 9 “ ، وفي قوله :اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ” 10 “ إلّا لينبّه “ 11 “ العباد على أنّهم لا يجوز لهم أن يعروا نفوسهم من الأفعال جملة .
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لأن الحق “ .
( 2 ) “ أ “ : قوله : “ امش يا مقعد “ ساقط .
( 3 ) “ ب “ : العبارة على النقيض ، وهي : “ افعل يا من يفعل “ .
( 4 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ وتعالى اللّه تعالى “ .
( 5 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل من قيل له “ كن “ فأبى ، فلم يكن من الحضرة المحمدية “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 391 .
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ .
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ انتهى “ ليست فيهما ، وجل هذه الفقرة ساقط من “ أ “ .
( 8 ) “ ب “ : قوله : “ إياك أن تقف في حضرة شهود الفعل للّه وحده دون خلقه ، فتقع في مهواة من التلف ، ولا تصير ترى لك ذنبا تتوب منه ، وفي ذلك هدم للشرائع كلها ، انتهى ، وسمعت سيدي عليا المرصفي رحمه اللّه “ ساقط .
( 9 ) ( الفاتحة ، الآية 5 ) .
( 10 ) ( الأعراف ، الآية 128 ) .
( 11 ) “ ب “ : “ ليفيد “ 


“ 307 “

69 - [ مذهب الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في مسألة خلق الأفعال وتعقّل وجه الكسب فيها ]

وقال في الباب الثّامن والسّتّين في الكلام على الوضوء “ 1 “ : اعلم أنّ منشأ الخلاف بين أهل النّظر في مسألة الكسب كونهم لم يدروا “ 2 “ لماذا يرجع ذلك التّمكّن “ 3 “ الذي أعطاه اللّه - تعالى - للعبد ووجده في نفسه حال الفعل ، هل يرجع إلى أن يكون للقدرة الحادثة فينا أثر في تلك العين الموجودة عن تمكّننا ، أو عن الإرادة المخلوقة فينا ، فيكون التّمكين أثر الإرادة لا أثر القدرة الحادثة ، فعلى ذلك ينبني كون الإنسان مكلّفا لعين التّمكين “ 4 “ الذي يجده في نفسه ، ولا يحقّق تعقّله ، لماذا يرجع ذلك التّمكين ؟ هل لكونه قادرا ، أو لكونه مختارا ؟ فبذلك القدر من التّمكين الذي يجده من نفسه صحّ أن يكون مكلّفا ، ولهذا قال - تعالى - :لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها” 5 “ ، فقد أعطاها أمرا وجوديّا ، ولا يقال أعطاها لا شيء ، انتهى “ 6 “ .
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب من الفتوحات “ في أسرار الطهارة “ ، وقد افتتحه محيي الدين بقوله :
تبصر ترى سر الطهارة واضحا * يسيرا على أهل التيقظ والذكا

فكم طاهر لم يتصف بطهارة * إذا جانب البحر اللدني واحتمى
ولو غاص في البحر الأجاج حياته * ولم يفن عن بحر الحقيقة ما زكا
انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 497 .

( 2 ) “ د “ : قوله : “ لم يدروا “ ساقط .
( 3 ) “ ك “ : “ التمكين “ ، “ ز “ : “ المتمكن “ .
( 4 ) قوله : “ أثر الإرادة لا أثر القدرة الحادثة ، فعلى ذلك ينبني كون الإنسان مكلّفا لعين التمكين “ ساقط من “ أ “ .
( 5 ) ( الطلاق ، الآية 7 ) .
( 6 ) انظر قول محيي الدين هذا في الباب الثامن والستين من الفتوحات المكية ، 1 / 514 ، وقد نقل الشعراني العبارة بتصرف ظاهر ، والمعنى واحد ، وفيها يقول محيي الدين : “ وعليه ينبني كون الإنسان مكلفا لعين التمكن الذي يجده من نفسه ، ولا يحقق بعقله لماذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، . . . ، فقد أعطاها أمرا وجوديا ، ولا يقال أعطاها لا شيء ، وما رأينا شيئا أعطاها بلا خلاف إلا التمكن الذي هو وسعها “ .


“ 308 “
وقال في الباب الخمسين من “ الفتوحات “ “ 1 “ : إن قال قائل : إنّ اللّه “ 2 “ هو الخالق والموجد لأعمالنا وحده “ 3 “ ، فمن أين جاءنا التّكليف ؟ وليس لنا فعل معه “ 4 “ ولا اختيار ؟
فالجواب أنّه - تعالى - ما كلّفنا إلّا بعد أن جعل لنا قدرة يعجز العلماء باللّه عن الإفصاح عنها بعبارة مع كون العبد يشهدها من نفسه ولا ينكرها “ 5 “ ، فلم يكلّفنا إلّا بعد وجود هذه القدرة ، وإذا فقدت لم يكلّفنا ، وتأمّل الزّمن كيف لم يكلّفه الحقّ - تعالى - “ 6 “ بالصّلاة قائما ، ولا بالجهاد ولا غير ذلك من الأمور التي كلّف اللّه - تعالى - بها السّليم .
قال “ 7 “ : وهذه القدرة التي أظهرها “ 8 “ النّفخ الإلهيّ في الإنسان بواسطة الملك ، فلولا هذه القدرة ما توجّه علينا “ 9 “ التّكليف ، ولا قيل لأحدنا : قل : “ وإيّاك نستعين “ “ 10 “ ، فإنّ في الاستعانة إثبات جزء من الفعل للعبد ، فصدقت المعتزلة في إضافتها الفعل للعبد من جانب واحد بدليل شرعيّ “ 11 “ ، وصدقت الجبريّة في إضافتها الفعل للّه - تعالى - بحكم الأصل ، وأخطأت المعتزلة “ 12 “ أيضا في إضافتها “ 13 “ الفعل للعبد بحكم الاستقلال دون اللّه تعالى ، كما أخطأت الجبريّة أيضا في عدم إضافتها الفعل للعبد جملة “ 14 “ ، وصدقت الأشعريّة الذين هم الفرقة النّاجية في إضافتهم الأفعال إلى اللّه - تعالى - خلقا ، وإلى العبد
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب هو “ في معرفة رجال الحيرة والعجز “ ، انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 408 ، ولم يرد كلام محيي الدين في الباب الذي ذكره الشعراني البتة .
( 2 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .
( 3 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ وحده “ ساقطة .    ( 4 ) “ ب “ : “ فعل “ ساقطة .
( 5 ) “ ب “ ، “ ك “ : “ ولم ينكرها “ .   ( 6 ) “ ب “ : “ اللّه تعالى “ .
( 7 ) يعني بذلك محيي الدين ، وقد ورد كلامه في الباب الثاني والخمسين من الفتوحات المكية ، 1 / 416 ، وقد نقله الشعراني متصرفا بالعبارة تصرفا واضحا .
( 8 ) “ ب “ : “ وبهذه القدرة التي أظهر . . . “ .
( 9 ) “ ب “ : العبارة : “ ما توجه التكليف . . . “ ، وفي الفتوحات : “ عليه “ .
( 10 ) “ ب “ : “ نعبد ونستعين “ ، وهو تحريف لا يستقيم .
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ واحد بدليل شرعي “ ساقط .
( 12 ) “ ب “ : “ الجبرية “ .
( 13 ) “ ب “ : “ عدم إضافتها “ ، وهو غير لا يستقيم .
( 14 ) “ د “ : “ حكما “ .


“ 309 “
كسبا من الجانبين بدليل شرعيّ عقليّ “ 1 “ ، انتهى .
وقال في الباب الثّاني والسّبعين “ 2 “ من “ الفتوحات “ : اتّفق النّظّار كلّهم على أنّ خلق القدرة المقارنة للفعل من العبد للّه وحده ، وأنّها ليست من كسب العبد ، ولا من خلقه بالأصالة ، وإنّما الكسب إسناد الفعل إليه لا غير ، فمن نفى إسناد الفعل إليه أخطأ ؛ لأنّه لا دليل في العقل يخرج الفعل عن العبد ، ومن أثبت “ 3 “ فهو موافق للشّارع “ 4 “ في صحّة إضافة الفعل إليه ، وجميع النّصوص التي جاءت تخرج العبد عن إضافة الفعل إليه تحتمل التّأويل “ 5 “ ؛ نحو قوله “ 6 “ - تعالى - :اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ” 7 “ ، فإنّ أفعال المخلوقين مقدّرة من اللّه تعالى ، ووجود أسبابها بالأصالة أيضا من اللّه تعالى “ 8 “ ، وليس للعبد فيها مدخل إلّا من حيث إنّه مظهر لها على يديه ؛ إذ الأفعال أعراض ، والأعراض لا تظهر إلّا في جسم .
وأطال في ذلك الشّيخ “ 9 “ ، ثمّ قال : فالحقّ - تعالى - يقول لك : اعمل “ 10 “ ، وهو العامل بك لا أنت ، ثمّ ينسب العمل إليك من حيث كونك مستخلفا في الأرض ، أو امتحانا لك “ 11 “ ؛ لينظر - وهو أعلم - أدبك معه في الفعل هل تدّعي ما أضافه إليك لنفسك ، أو تردّ الأمر إليه أدبا معه ، ولولا أنّ العمل ليس بمحلّ للجزاء من نعيم ، أو ألم “ 12 “ ، لكان الحقيق بالجزاء العمل لا العبد ، فلمّا لم يكن العمل أهلا للتّنعّم والتّألّم ، ولا بدّ للجزاء من قائم يقوم به ، جعل اللّه - تعالى - “ 13 “ محلّه من نسب الفعل إليه حسّا ، وهو المكلّف لأنّه كالآلة للفعل ، انتهى “ 14 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ عقلي شرعي “ .
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ والتسعين “ ، وهو تصحيف ، وعنوانه “ في الحج وأسراره “ . انظر : الفتوحات المكية ، 2 / 419 .
( 3 ) “ أ “ ، “ د “ ، “ ز “ : قوله : “ ومن أثبت “ ساقط .
( 4 ) “ د “ : “ للشارع صلى اللّه عليه وسلم “ .
( 5 ) “ ب “ : بزيادة : “ فهو موافق للشّارع “ .
( 6 ) “ ك “ : “ في نحو قول اللّه تعالى . . . “ .
( 7 ) ( الزمر ، الآية 62 ) .    ( 8 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 9 ) “ ك “ : “ الشّيخ في ذلك “ .    ( 10 ) “ ب “ : “ اعمل “ ساقطة .
( 11 ) “ ب “ : “ وامتحانا لك “ .
( 12 ) “ ك “ : “ من نعيم وألم “ ، وقد أشار الناسخ في “ ك “ إلى أن الصواب قد يكون بإسقاط “ أو “ .
( 13 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 14 ) انتهى كلام محيي الدين المأخوذ من الباب الثاني والسبعين من الفتوحات المكية ، 2 / 419.

“ 310 “
وقال في باب الأسرار : ما أجهل من يقول إنّ اللّه - تعالى - لا يخلق بالآلة ، وهو يقرأ “ 1 “ قوله - تعالى - :قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ” 2 “ ، كما أنّ من يجعل الفعل للعبد جاهل أيضا لقوله - تعالى - :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ” 3 “ ،وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى” 4 “ ، فترى هذا يكفر بما هو به مؤمن “ 5 “ ، هذا هو العجب العجاب ، فالسيف آلة لك ، وأنت والسّيف آلة له ، انتهى “ 6 “ ، وأطال الشّيخ في تفسير هذه الآية في البابين الأحد والتّسعين وثلاثمائة “ 7 “ ، والثّامن والخمسين وخمسمائة “ 8 “ في الكلام على الاسم “ الخالق “ “ 9 “ من “ الفتوحات “ ، فراجعها تر العجب “ 10 “ .
وقال في باب الأسرار منها : ما أمر اللّه - تعالى - “ 11 “ عباده بنصره إلّا وأعطاهم من الاشتراك “ 12 “ في أمره ، فمن قال : لا قدرة لي ، ويعني الاقتدار ، فقد ردّ الآيات والأخبار ، وكان ممّن يكبّ على وجهه في النّار ، فإنّه ممّن نكث ، وألحق تكليف
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ يقبل “ ، وهو تصحيف .  ( 2 ) ( التوبة ، الآية 14 ) .
( 3 ) ( الأنفال ، الآية 17 ) .  ( 4 ) ( الأنفال ، الآية 17 ) .
( 5 ) “ ب “ : “ مؤمن “ ساقطة .
( 6 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 190 ، وعنوان هذا المبحث في باب الأسرار “ عموم الخطاب لمن طاب “ .
( 7 ) عنوان هذا الباب في الفتوحات “ في معرفة منازلة المسلك السيال الذي لا يثبت عليه أقدام الرجال السؤال “ ، وفي تفسيرها يقول : “ فنفى “ إذ رميت “ ، فأثبت الرمي لمن نفاه عنه ، ثم لم يثبت على الإثبات ، بل أعقب الإثبات نفيا كما أعقب النفي إثباتا ، فقال : “ ولكن اللّه رمى “ ، فما أسرع ما نفى ، وما أسرع ما أثبت لعين واحدة ، فلهذا سميت هذه المنازلة “ المسلك السيال “ تشبيها بسيلان الماء الذي لا يثبت على شيء من مسلكه إلا قدر مروره عليه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 369 .
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ والخامس والخمسين وخمسمائة “ ، “ ب “ : “ الخامس وخمسمائة “ ، ولم أجده في الموضعين ، والصواب كما ورد في الفتوحات في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة في حضرة الخلق والأمر ، وهي للاسم “ الخالق“ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 309. 
( 9 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ الخافض “ ، وهو تصحيف .
( 10 ) عنوان هذا الباب هو “ في معرفة حال قطب كان منزله “ واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 210 .
( 11 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ تعالى “ ليست فيهما .
( 12 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ وأعطاهم الاشتراك “ .


“ 311 “
الشّارع “ 1 “ بالعبث ، انتهى “ 2 “ .
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص “ 3 “ يقول : ليس العجز من صفة العبد وحقيقته ، وإنّما هو كناية عن عدم إرادة الحقّ خلق ذلك الفعل ، فإطلاق العجز على العبد مجاز ، انتهى ، فليتأمّل “ 4 “ .
وقال في الباب الثّامن والتّسعين ومائة “ 5 “ : إذا نزّهت الحقّ - تعالى - عن الشّريك فقيّده بالشّركة في الملك دون الفعل لأجل صحّة التّكليف ، فإنّه لولا أنّ للعبد شركة في الفعل ما صحّ تكليفه ، لكنّ تلك الشّركة من خلف حجاب الأسباب ، فمن نزّه ربّه عن شركة الفعل أخطأ الشّرائع “ 6 “ ، انتهى .
وقال في “ لواقح الأنوار “ : محال من الحكيم العليم أن يقول : امش يا مقعد ، أو افعل يا من لا يفعل ، فإنّ الحكمة لا تقتضي ذلك ، فنفي “ 7 “ نسبة الفعل إلى الفاعل ينبغي أن يعرف ، انتهى “ 8 “ ، وقال في باب الوصايا من “ الفتوحات “ : اعلم أنّ الحقّ - تعالى - جعلك محلّا لظهور العمل ووجوده ، ولو لاك لما ظهر للعمل “ 9 “ صورة ، فلك حكم في الإيجاد “ 10 “ لكلّ عمل برز على يديك ، ولا أثر لك فيه .
وزاد “ 11 “ في الباب الثّالث والعشرين وثلاثمائة “ 12 “ ، فقال : أكثر النّاس لا يفرقون بين الأثر والحكم ، بل يظنّون أنّ الأثر هو الحكم ، وليس كذلك ، وأنّ اللّه - تعالى - إذا أراد
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ الشارع صلى اللّه عليه وسلم “ ، وهي ليست في الفتوحات المكية .
( 2 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 8 / 114 .
( 3 ) “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ .
( 4 ) “أ“ ، “ب“ : قول علي الخواص ليس واردا فيهما ، وهو مثبت في “د“ و “ ك “ و “ ز “.
( 5 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة النفس بفتح الفاء “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 29 .
( 6 ) “ ب “ : “ خطأه الشارع “ .
( 7 ) “ أ “ : “ فيبقى “ ، “ ك “ : “ فبقي “ ، وأحسبه تصحيفا .
( 8 ) ورد نحو هذا القول في الفتوحات المكية ، 4 / 396 .
( 9 ) “ أ “ : “ للعلم “ ، “ ب “ : “ في العمل “ ، وهو تصحيف .
( 10 ) “ ب “ : “ حكم الإيجاد “ .
( 11 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ وأورد في . . . “ .
( 12 ) عنوان هذا الباب “في معرفة منزل بشرى مبشر لمبشر به ، وهو من الحضرة المحمدية“. انظر : الفتوحات المكية ، 5 / 123 .


“ 312 “
إيجاد حركة أو معنى من الأمور التي لا يصحّ وجودها إلّا في محلّ يقوم فيها “ 1 “ ، فلا بدّ من محلّ يظهر “ 2 “ فيه تكوين هذا الأمر الذي لا يقوم بنفسه ، فللمحلّ حكم في إيجاد هذا الممكن ، وما له أثر فيه “ 3 “ ، فهذا الفرق بين الأثر والحكم من تحقّقه عرف وجه نسبة “ 4 “ الفعل إلى اللّه تعالى “ 5 “ ، ووجه نسبته إلى العبد ، وقام بالأدب مع اللّه ومع شرعه ، انتهى “ 6 “ .
وقال في الباب الحادي والسّتّين وثلاثمائة “ 7 “ : من قال إنّ العبد مجبور في عين اختياره فما قام بالأدب مع الشّريعة ، وقد أنف أهل اللّه أن يصرّحوا بمثل ذلك لما “ 8 “ يترتّب عليه من حيث اللّفظ ، وإنّما قالوا إنّ الفعل للّه - تعالى - خلقا ، وللعبد إسنادا “ 9 “ .
وقال في الباب الثّامن والخمسين وخمسمائة “ 10 “ : اعلم أنّه لولا حكم النّسب - بكسر النّون - وتحقّق النّسب بفتحها ما كان للأسباب عين “ 11 “ ، ولا ظهر عندها أثر ، ومعلوم أنّ إسناد العالم “ 12 “ أكثره إلى الأسباب “ 13 “ ، فما شاهد المؤمنون أثرا إلّا لها “ 14 “ ،
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ يقوم فيه “ ، “ ز “ : يقوم به ، والعبارة في الفتوحات : “ فإن اللّه إذا أراد إيجاد حركة أو معنى من الأمور التي لا يصح وجودها إلا في مواد ؛ لأنها لا تقوم بأنفسها ، فلا بد من وجود محل يظهر فيه تكوين هذا الذي لا يقوم بنفسه“ ، انظر : محيي الدين، الفتوحات المكية، 5 / 124. 
( 2 ) “ د “ : “ يقوم فيه “ .
( 3 ) “ ب “ : “ وله أثر فيه “ .
( 4 ) “ د “ : “ عرف نسبة “ .
( 5 ) “ د “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما .
( 6 ) انتهى كلام محيي الدين الذي اقتبسه الشعراني متصرفا بعبارته ، انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 124 . 
( 7 ) وسمه محيي الدين بقوله : “ في معرفة منزل الاشتراك مع الحق في التقدير ، وهو من الحضرة المحمدية “ .
وقد لخص بابه ذاك بقوله :ولا تناد بما نادت به فرق * يا مبدأ الأمر بل يا علة العلل 
لأنه لقب أعطت معالمه * فقرا يقوم به كسائر العلل انظر : الفتوحات المكية ، 6 / 3 .
( 8 ) “ د “ ، “ ز “ : “ بما “ ، “ ك “ : “ فيما “ ، “ أ “ : “ ذلك “ ساقطة .
( 9 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 12 .
( 10 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة الأسماء الحسنى التي لرب العزة وما يجوز أن يطلق عليه منها لفظا وما لا يجوز “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 288 .
( 11 ) “ د “ : “ أثر “ ، ولعل ما ورد في النسخ الأخرى والفتوحات هو الأليق بسياق الكلام .
( 12 ) “ أ “ : “ العام “ ، “ ب “ : “ إسناد العلوم “ ، وما أثبته من “ د “ و “ ك “ و “ ز “ والفتوحات .
( 13 ) “ د “ : قوله : “ عين ، ولا ظهر عندها أثر ، ومعلوم أن إسناد العالم أكثره إلى الأسباب “ ساقط .
( 14 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ إلا منها “ .


“ 313 “
وما عقلوه إلّا عندها ، فمن النّاس من قال : وجدت الآثار بها ولا بدّ ، ومن النّاس من قال : 
عندها ولا بدّ ، وأمّا نحن وأمثالنا من أهل الكشف والتّحقيق فنقول : وجدت الآثار بها وعندها “ 1 “ ؛ أي عندها عقلا ، وبها شهودا ، وحسّا ، فما طلب الحقّ - تعالى - من عباده إلّا ما لهم فيه تعمّل ، فلا بدّ من حقيقة تكون هنا تعطي الإضافة في العمل إليك مع كونه خلقا للّه “ 2 “ - تعالى - لا لك ،وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ( 96 ) “ 3 “ ، فالعمل للعبد ، والخلق للّه “ 4 “ ، وبين العمل والخلق فرقان في المعنى واللّفظ ، وقد يكون للأمر الواحد وجوه كثيرة ، فمن حيث ما هو عمل هو لك ، وتجازى به ، ومن حيث ما هو خلق هو “ 5 “ للّه تعالى ، فلا تغفل عن معرفة هذا ، فإنّه معنى لطيف خفيّ “ 6 “ ، انتهى .
وهذا قريب ممّا قرّرناه مرارا في معنى “ أرحم الرّاحمين “ ، وهو أنّ جميع ما ظهر من الرّحمة في الدّنيا والآخرة إنّما ظهر على يد الأسباب ، وبقيت “ 7 “ رحمة أرحم الرّاحمين القائمة بذاته ، لم يبد لنا منها شيء ، فمن تأمّل وجد ما ظهر من الرّحمة بالنّسبة لما لم يظهر “ 8 “ كذرّة في أرض فلاة ، واللّه أعلم “ 9 “ ، ومن تحقّق بذلك صحّ له جعل “ أفعل “ التّفضيل على بابه “ 10 “ .
وقال في الباب التّاسع والسّبعين ومائتين “ 11 “ : “ لولا الرّابطة بين الرّبّ والمربوب ما
.................................................................................
( 1 ) الفتوحات : “ . . . بالأمرين معا : عندها عقلا ، وبها شهودا وحسا “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 333 .
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ مع كونها خلق اللّه “ .
( 3 ) ( الصافات ، الآية 96 ) .
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ للّه تعالى “ .
( 5 ) “ ب “ : “ هو “ ساقطة ، أما “ د “ : “ فهو خلق هو للّه “ ، وما أثبته من “ أ “ و “ ك “ و “ ز “ والفتوحات المكية .
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ خفي “ ساقطة. وانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 333. 
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وبقية “ .
( 8 ) “ ك “ : “ لم “ ساقطة ، “ ز “ : العبارة : “ بالنسبة إلى ما بطن “ .
( 9 ) “ ك “ : “ واللّه سبحانه وتعالى “ .
( 10 ) “ ك “ : “ على به “ .
( 11 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منزل الاعتبار وأسراره من المقام المحمدي “ . انظر الفتوحات المكية ، 4 / 353 .
 
“ 314 “
كان - تعالى - مكلّفا عباده بالأمر والنّهي ، ولا جازاهم على أفعالهم ، ولا كان المربوب قبل “ 1 “ التّخلق بأخلاقه ، ولا كان ممّن “ 2 “ يدلّ على اللّه تعالى “ 3 “ ، ويعرّف عباده بالأدب معه ، فتفطّن يا أخي لما نبّهناك عليه، فإنّي أظنّ أنّه ما طرق سمعك قطّ، ومن لم يعرف ذلك فاته علم كثير “ 4 “. 
وذكر نحوه أيضا في الباب الحادي والسّتّين “ 5 “ ، وقال في الباب الثّاني “ 6 “ والعشرين من “ الفتوحات “ “ 7 “ : صورة مسألة خلق الأفعال “ 8 “ وكسبها صورة لا في حروف الهجاء ؛ لأنّ الرّائي لا يدري ببادئ الرّأي أيّ الفخذين هو اللّام ، حتّى يكون الآخر هو الألف ، ويسمّى هذا الحرف الذي هو لام ألف حرف التباس “ 9 “ في الأفعال ، فلم يتخلّص الفعل الظّاهر على يد المخلوق لمن هو ، فإن قلت : هو للّه “ 10 “ : صدقت ، وإن قلت : هو للمخلوق صدقت ، قال : ولولا ذلك ما صحّ خطاب العبد بالتّكليف ، ولا أضاف الحقّ
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ يقبل “ .     ( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ مما “ .
( 3 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 4 ) “ ك “ : العبارة : “ ولم تعرف ذلك ، فإنه علم كبير “ ، وما أثبته من “ أ “ و “ د “ و “ ز “ والفتوحات المكية ، وعبارة محيي الدين في الفتوحات : “ فلولا النسبة الموجودة بين الرب والمربوب ما دل عليه ، ولا قبل الاتصاف بصفته لا هذا ولا هذا ، وبتلك النسبة كان الحق مكلفا عباده وآمرا وناهيا ، وبها بعينها كان الخلق مكلفا مأمورا منهيا ، فحقق ما نبهناك عليه إن كنت ذا قلب ، وألقيت السمع وأنت شهيد لما ذكرناه ، فإن لم تكن كذلك ، فاتك خير كثير ، وعلم نافع جليل القدر ، لكنه عظيم الخطر إلا أن يعصم اللّه “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 357 .
( 5 ) “ ز “ : قوله : “ “ وذكر نحوه أيضا في الباب الحادي والستين “ ساقط من “ ز “ . وعنوان هذا الباب هو “ في معرفة جهنم وأعظم المخلوقات فيها عذابا ومعرفة بعض العالم العلوي “ ، وقد ورد ما أشار إليه الشعراني ثمّ ، انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 452 .
( 6 ) “ أ “ ، “ ك “ ، “ د “ ، “ ز “ : “ الحادي “ ، والصواب ما ورد في المتن من “ ب “ والفتوحات المكية ، 1 / 262 .
( 7 ) وقد وسمه محيي الدين بأنه “ في معرفة علم منزل المنازل ، وترتيب جميع العلوم الكونية “ . انظر : الفتوحات المكية ، 1 / 262 .
( 8 ) “ د “ : “ خلق الأفعال وكيفيتها وكسبها “ .
( 9 ) “ د “ ، “ ز “ : “ الالتباس “ .
( 10 ) “ ب “ : “ للّه تعالى “ .


“ 315 “
- تعالى - الفعل إليه في نحو قوله “ 1 “ :اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ” 2 “ ، انتهى “ 3 “ . 
وقال في الباب الثّاني والعشرين وأربعمائة “ 4 “ : “ إنّما أضاف - تعالى - “ 5 “ إلينا الأعمال ، لكوننا محلّا للثّواب والعقاب ، وهي للّه - تعالى - خلقا ، ولنا كسبا ، فهو - تعالى - الفاعل فينا بنا ، وأطال في ذلك “ 6 “ .
وقال في الباب الأحد وعشرين ومائة “ 7 “ : “ اعلم أنّ مسألة خلق الأفعال وتعقّل وجه الكسب فيها من أصعب المسائل ، قال : وقد مكثت عمري الماضي كلّه أستشكلها ، ولم يفتح لي بالحقّ “ 8 “ فيها ، وبالعلم “ 9 “ بما هو الأمر عليه إلّا ليلة تقييدي لهذا الباب في سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة ، قلت : وذلك قبل موت الشّيخ بخمس سنين ، واللّه أعلم . قال
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ في قوله “ .
( 2 ) ( فصلت ، الآية 40 ) .
( 3 ) انتهى كلام محيي الدين الذي نقله عنه الشعراني متصرفا فيه ، وعبارته ثم : “ إن انعقد اللام بالألف كما قلنا ، وصار عينا واحدة ، فإن فخذيه يدلان على أنهما اثنان ، ثم العبارة باسمه تدل على أنه اثنان ، فهو اسم مركب من اسمين لعينين : العين الواحدة اللام ، والأخرى الألف ، ولكن ، لما ظهرا في الشكل على صورة واحدة ، لم يفرق الناظر بينهما ، ولم يتميز له أي الفخذين هو اللام حتى يكون الآخر الألف ، فاختلف الكتّاب فيه ، فمنهم من راعى التلفظ ، ومنهم من راعى ما يبتدئ به مخططه ، فيجعله أولا ، فاجتمعا في تقديم اللام على الألف ، لأن الألف هنا تولد عن اللام بلا شك ، وكذلك الهمزة تتلو اللام في مثل قوله : “ لأنتم أشد رهبة “ وأمثاله ، وهذا الحرف ، أعني لا ألف ، هو حرف الالتباس في الأفعال ، فلم يتخلص الفعل الظاهر على يد المخلوق لمن هو ؟ إن قلت : هو للّه صدقت ، وإن قلت هو للمخلوق صدقت ، ولولا ذلك ما صح التكليف وإضافة العمل من اللّه للعبد “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 270 .
( 4 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة منازلة : من رد إلى فعلي فقد أعطاني حقي وأنصفني مما لي عليه “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 48 . 
( 5 ) “ ك “ : “ أضاف الحق تعالى “ .
( 6 ) انظر عبارة محيي الدين في الباب الثاني والعشرين وأربعمائة من الفتوحات ، 7 / 49 ، وقد نقلها الشعراني متصرفا فيها ، وفيها يقول محيي الدين : “ فرد الفعل الذي أضافه إلى نفسه ، . . . ، فتعلم أن المكلفين هم المقصودون بالخطاب والتكليف ، فإنهم محل العقاب والثواب بخلاف سائر المخلوقين “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 49 .
( 7 ) عنوان هذا الباب “ في مقام ترك الشكر “ . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 305 . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ لم يفتح لي الحق تعالى فيها “ .
( 9 ) “ ب “ : العبارة : “ يفتح لي بالحق وبالعمل بما “ ، والعبارة في “ ز “ مضطربة ركيكة .


“ 316 “
الشّيخ : وكنت قبل أن يفتح لي “ 1 “ بعلمها يعسر عليّ تصوّر الفعل بين الكسب الذي يقول به قوم وبين الخلق الذي يقول به آخرون “ 2 “ ، والآن فقد عرفت تحقيق هذه المسألة على القطع الذي لا شكّ فيه “ 3 “ ، وقد قال الإمام أبو حامد الغزاليّ “ 4 “ : هذه المسألة من مسائل سرّ القدر ، لا يصحّ كشف علمها لأحد في هذه الدّار ، وهو معذور في ذلك “ 5 “ .
قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 6 “ : “ وصورة هذا الفتح “ 7 “ أنّ الحقّ - تعالى - أوقفني بين يديه في المنام بكشف بصري “ 8 “ على المخلوق الأوّل الذي لم يتقدّمه مخلوق ؛ إذ لم يكن ثمّ إلّا وحده “ 9 “ ، وقال لي : انظر ، هل ههنا أمر يورث اللّبس والحيرة ؟ قلت : لا يا ربّ ، قال لي : وهكذا جميع ما تراه من المحدثات ، ما لأحد فيه أثر “ 10 “ ولا شيء من الخلق ، فأنا الذي أخلق الأشياء عند الأسباب لا بالأسباب ، فيكون عن أمري ، خلقت النّفخ وعيسى ، وخلقت التّكوين في الطّائر ، فقلت له : يا ربّ ، فنفسك إذا خاطبت بقولك : افعل ، ولا تفعل ، فقال لي : إذا أطلعتك بشيء من علمي فالزم الأدب ، ولا تحاقق ، فإنّ الحضرة لا تحتمل المحاققة ، فقلت له : يا ربّ ، وهذا عين ما نحن فيه ، ومن يحاقق ومن يتأدّب وأنت خالق المحاققة والأدب ؟ ، فإن خلقت المحاققة فلا بدّ من حكمها ، وإن خلقت الأدب فلا بدّ من حكمه ، فقال : هو ذاك ، فاسمع وأنصت . فقلت له : يا ربّ ، ذلك لك ، اخلق السّمع حتّى أسمع ، والإنصات حتّى أنصت ، وما يخاطبك الآن سوى ما خلقت ،
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ لي “ ساقطة .
( 2 ) “ ب “ : “ يقول به قوم “ ، “ ز “ : العبارة : “ بين الكسب الذي يقول به وبين الخلق الذي يقول بها قوم . . . “ .
( 3 ) “ ب “ : “ أشك فيه “ .
( 4 ) “ د “ ، “ ب “ : “ رحمه اللّه “ .
( 5 ) الكلام لمحيي الدين في الفتوحات المكية ، 3 / 307 .
( 6 ) “ د “ : “ رضي اللّه عنه “ . وانظر قول محيي الدين في الباب الأحد والعشرين ومائة من الفتوحات المكية ، 3 / 307 .
( 7 ) “ ب “ : “ النّفخ “ ، وهو تصحيف لا يستقيم به المعنى .
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ بصيرتي “ ، وفي الفتوحات كما ورد في المتن .
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ إلا اللّه تعالى وحده “ .
( 10 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ أثر “ ساقطة 


“ 317 “
فقال لي : ما أخلق إلّا ما علمت ، وما علمت “ 1 “ إلّا ما هو المعلوم عليه في الأزل حين تعلّق علمي به في الأزمان “ 2 “ ، ولي الحجّة البالغة ، انتهى “ 3 “ .
قلت : ومع هذا الكشف العظيم فلا بدّ من نسبة الفعل إلى العبد لتجري عليه الأحكام ، وتقام عليه الحدود ، واللّه أعلم ، فإن قلت : قد أضاف اللّه - تعالى - الخلق “ 4 “ إلى الخلق في قوله - تعالى - في عيسى “ 5 “ :وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي” 6 “ ، فالجواب أنّ قوله بِإِذْنِ يردّ إلى التّكليف والعبوديّة “ 7 “ ، وغايته أنّه خرج عن الإثم الذي يلحق المصوّرين ، فكأنّه نجّار أو فاخوريّ لا غير ، وقد ذكر الشّيخ في الباب الثّامن والثّلاثين وثلاثمائة “ 8 “ من “ الفتوحات “ في معنى قوله “ 9 “ - تعالى - :أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ” 10 “ : اعلم أنّ خلق عيسى للطّير “ 11 “ إنّما كان بإذن من اللّه ، فكان خلقه للطّير عبادة يتقرّب بها إلى اللّه تعالى ، فإنّ اللّه - تعالى - ما أضاف الخلق حقيقة إلّا لإذن اللّه، فإنّ عيسى بالإجماع عبد ، والعبد لا يكون خالقا “ 12 “.
قال “ 13 “ : وإنّما جئنا بهذه المسألة لعموم كلمة “ ما “ ، فإنّها لفظة تطلق على كلّ
.................................................................................
( 1 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ وما علمت “ ساقط ، وما أثبته من “ د “ و “ ك “ و “ ز “ .
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ حين تعلق علمي به فيّ لا في زمان “ .
( 3 ) انتهى كلام محيي الدين الذي نقله الشعراني بتصرف .
( 4 ) “ ب “ : “ الحق “ ، وهو تصحيف يخل بالمعنى .
( 5 ) “ د “ : أضاف قوله : “ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام “ .
( 6 ) ( المائدة ، الآية 110 ) .
( 7 ) “ أ “ : “ العبودية “ ساقطة .
( 8 ) ما ورد في كل النسخ التي بين يدي : “ السابع والثلاثين وثلاثمائة “ ، وليس ذلك كذلك ، وإنما ورد ذلك في الباب الثامن والثلاثين وثلاثمائة من الفتوحات المكية ، 5 / 221 .
( 9 ) “ ك “ : العبارة : “ في قوله تعالى “ .
( 10 ) ( الأحقاف ، الآية 4 ) .
( 11 ) “ د “ : “ عليه الصلاة والسلام “ .
( 12 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 221 .
( 13 ) يعني بذلك محيي الدين ، وقد ورد كلامه ذاك في الباب نفسه ، أعني الثامن والثلاثين وثلاثمائة من الفتوحات المكية ، 5 / 221 


“ 318 “
شيء ممّن يعقل ، وممّن لا يعقل “ 1 “ ، هكذا قال سيبويه “ 2 “ ، وهو المرجوع إليه في علم اللّسان ، فإنّ بعض المنتحلين لهذا الفنّ يقولون : إنّ لفظة “ ما “ تختصّ بما لا يعقل ، و “ من “ تختصّ “ 3 “ بمن يعقل ، وهو قول غير محرّر إلّا أن يراد أنّ القاعدة أغلبيّة “ 4 “ ، فقد رأينا في كلام العرب جمع ما لا يعقل “ 5 “ جمع من يعقل ، وإطلاق “ ما “ على ما يعقل ، وأطال في ذلك ، ثمّ قال : فعلم أنّه لا يقال في لفظة “ ما “ من قوله “ 6 “ : “ ما تعبدون من دون اللّه “ “ 7 “ إنّ المراد بها من لا يعقل ، فإنّ عيسى - عليه الصّلاة والسّلام - “ 8 “ يعقل مع أنّه “ 9 “ لا يدخل في هذا الخطاب جزما ، فما قاله سيبويه أولى ، أي بالاجتهاد من حيث إنّ القاعدة أغلبيّة ، انتهى“ 10 “ .
.................................................................................
( 1 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ وممن لا يعقل “ ساقط .
( 2 ) انظر مذهب سيبويه في هذه المسألة في الكتاب ، 4 / 228 ، وقد جاء فيه : “ ( من ) ، وهي للمسألة عن الأناسي ، ويكون بها الجزاء للأناسي ، ويكون بمنزلة “ الذي “ للأناسي ، . . . ، و ( ما ) مثلها ، إلا أن ( ما ) مبهمة تقع على كل شيء “ .
( 3 ) “ ب “ : “ يختص “ .
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ إلا أن يراد أن القاعدة أغلبية “ ساقط ، ولم ترد هذه الجملة في عبارة محيي الدين في الفتوحات المكية .
( 5 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ جمع ما لا يعقل “ ساقط .
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ قوله تعالى “ .
( 7 ) في التنزيل :إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ( الأنبياء ، 98 ) ، وكذلك :ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ( يوسف ، 40 ) .
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيها .
( 9 ) “ ب “ : قوله : “ مع أنه “ ساقط .
( 10 ) انظر كلام محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 222 .

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: الكلام على سرّ “ كن “ وتعلّقه بكسب الأفعال كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:29 pm

الكلام على سرّ “ كن “ وتعلّقه بكسب الأفعال كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

70 -  [ الكلام على سرّ “ كن “ وتعلّقه بكسب الأفعال ] 

فإن قال قائل “ 11 “ : فإذا أعطى اللّه - تعالى - عبدا حرف “ كن “ وتصرّف بها ، فهل يؤاخذ بالمعاصي التي كوّنها ؟ فالجواب : نعم ، قال - تعالى - :لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا
.................................................................................
( 11 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ فإن قيل “ .

“ 319 “
اكْتَسَبَتْ” 1 “ ، وهذا الخلق من جملة كسبها “ 2 “ كما تقدّم بسطه في مبحث فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ” 3 “ مع أنّ تصرّف العبد ب “ كن “ “ 4 “ سوء أدب مع اللّه تعالى ؛ لأنّها “5“ قد تكون استدراجا له ، واختبارا له حين ادّعى الأدب مع ربّه “6“.
وكان “ 7 “ الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 8 “ يقول : الأدب لمن أعطاه اللّه - تعالى - “ 9 “ حرف “ كن “ ألّا يتصرّف بها ، كما بسط الكلام على ذلك في الباب السّابع والسّبعين ومائة من “ الفتوحات “ “ 10 “ ، ثمّ لمّا تركوا التّصرّف بها أدبا لكون الحقّ جعلها بالأصالة خاصّة به أعطاهم بدلها لفظة “ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم “ ، فيكوّنون بها ما شاء ، وأمّن مشى على الماء والهواء ونحو ذلك ، فكان التّكوين ببسم اللّه راجعا إلى اللّه تعالى ، ظاهرا كما هو له باطن عند تصريفهم بها ، وإنّما استعملها رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - في غزوة تبوك بيانا للجواز ، فقال : “ كن أبا ذرّ “ “ 11 “ ، فكان ، وقال لعسيب من النّخل : كن سيفا ، فكان سيفا ، وفي ذلك إعلام لخواصّ أصحابه “ 12 “ ببعض أسرار اللّه تعالى .
فإن قلت : فإذا خلق عبد بإذن اللّه - تعالى - إنسانا لو فرض “ 13 “ ، فهل هو إنسان
.................................................................................
( 1 ) ( البقرة ، الآية 286 ) .
( 2 ) قوله : “ وهذا الخلق من جملة كسبها “ ساقط من “ أ “ .
( 3 ) ( الأنعام ، الآية 149 ) .
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ يكون “ ، وهو غير مستقيم ؛ إذ الحديث عن سر “ كن “ .
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لأنه “ .
( 6 ) “ ك “ : “ ربه تعالى “ ، “ ز “ : “ مع اللّه تعالى “ .
( 7 ) “ ك “ : “ وقال “ ، وهذا لا يستقيم . ( 8 ) “ د “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ .
( 9 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 10 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة مقام المعرفة “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 3 / 447 .
( 11 ) العبارة لمحيي الدين ، وقد نقلها الشعراني متصرفا بها ، وفيها يقول محيي الدين : “ وأما “ كن “ فهو من فعل الكلمة الواحدة لا من فعل الحروف ، وخاصيته في الإيجاد ، وله شروط ، مع هذا يتأدب أهل اللّه مع اللّه ، فجعلوا بدله في الفعل “ بسم اللّه “ ، وقد استعمله رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - في غزوة تبوك ، وما سمع منه قبل ذلك ولا بعده ، وإنما أراد إعلام الناس من علماء الصحابة بمثل هذه الأسرار بذلك “ . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 452 . أما تخريج الحديث “ كن أبا ذر “ فهو في مستدرك الحاكم ، 3 / 50 ، وابن حجر ، الكافي الشافي في تخريج الكشاف ، 644 ، والبيهقي ، دلائل النبوة ، 5 / 222 .
( 12 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لبعض خواص “ .
( 13 ) “ ب “ : “ لو فرض “ ساقطة 

“ 320 “
أو حيوان في صورة ظاهر جسم إنسان ؟ “ 1 “ فالجواب : الظّاهر الثّاني ؛ لأنّا لم نسمع إطلاق الإنسان إلّا على بني آدم ، وهذا ليس من بني آدم ، ولا شكّ أنّ اللّه - تعالى - “ 2 “ قد أعجز الخلق كلّهم أن يخلقوا ذبابا فضلا عن صورة الإنسان التي هي أكمل الصّور ، ولكن ، ذكر الشّيخ في الباب الخامس والثّلاثين وثلاثمائة “ 3 “ أنّه رأى في كتاب “ الفلاحة النّبطيّة “ “ 4 “ أنّ بعض العلماء بعلم الطّبيعة كوّن من المني الإنسانيّ بتعفين خاصّ على وزن مخصوص ، واعتبار مقدّر من الزّمان والمكان ، إنسانا بالصّورة الآدميّة ، وأقام سنة يفتح عينيه ويغلقهما “ 5 “ ، ولا يتكلّم ولا يزيد على ما يتغذّى به شيئا ، فمات بعد سنة أخرى “ 6 “ ، قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي - رضي اللّه عنه - “ 7 “ : فلا أدري “ 8 “ أكان إنسانا حكمه حكم أخرس ، أو كان حيوانا آخر في صورة إنسان ، انتهى “ 9 “ ، وسبب الشّك كونه من المني .


71 - [ وجه إضافة الفعل إلى الحقّ ووجه إضافته إلى الخلق ] 

فإن قلت : إنّ اللّه - تعالى - قد أضاف فعل السّيئة إلى العبد دون الحسنة في قوله
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : قوله : “ فهل هو إنسان أو حيوان في صورة ظاهر جسم إنسان “ ساقط .
( 2 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ ولا بد أنه تعالى “ .
( 3 ) عنوان هذا الباب هو “ في معرفة منزل الأخوة ، وهو من الحضرة المحمدية والموسوية “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 201 .
( 4 ) علم الفلاحة يتعرف منه كيفية تدبير النبات من أول نشوئه إلى منتهى كماله ، بإصلاح الأرض إما بالماء أو بما يخلخلها ويحميها من المعفنات ، وتختلف قوانين الفلاحة باختلاف الأقاليم ، وهو ضروري للإنسان في معاشه ، ومن لطائفه إيجاد بعض نتائجه في غير أوانه ، واستخراج بعض مبادئه من غير أصله . أما كتاب الفلاحة النبطية فهو لأبي بكر بن وحشية ، وهو أبو بكر أحمد بن علي الكلداني ، كان شعوبيا يفاخر بانتسابه إلى الأنباط أو إلى قدماء الآراميين ، وهو عالم بالفلاحة والسحر والسموم ، وله “ السر والطلسمات “ ، و “ السحر الكبير “ ، و “ نزهة الأحداق في ترتيب الأوفاق “ . انظر : ابن النديم ، الفهرست ، 433 ، وطاش كبري زاده ، مفتاح السعادة ، 1 / 322 ، 377 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 1 / 212 . 
( 5 ) “ ك “ : “ ويقفلهما “ .
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أخرى “ ساقطة .
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ ليست فيها .
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ يدرى “ .
( 9 ) الكلام لمحيي الدين في الباب الخامس والثلاثين وثلاثمائة ، انظر : الفتوحات المكية ، 5 / 201 .

“ 321 “

- تعالى - :ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ” 1 “ ، فالجواب : إنّما قال - تعالى - :فَمِنْ نَفْسِكَ، ليعلّمه - صلّى اللّه عليه وسلّم - الأدب ، فيضيف الفعل القبيح إلى نفسه إسنادا لا إيجادا ، والفعل الحسن إلى سيّده ، وإلّا فقد قال - تعالى - “ 2 “ قبل ذلك “ 3 “ :قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ” 4 “ ، ولم يزل الأكابر من أهل الأدب يضيفون الفعل المؤوف “ 5 “ إلى أنفسهم إسنادا لا إيجادا “ 6 “ ، قال السّيّد إبراهيم الخليل - عليه الصّلاة والسّلام - “ 7 “ :وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ( 80 ) إسنادا “ 8 “ ، ولم يقل : “ وإذا أمرضني “ ، بل أضاف المرض إلى نفسه “ 9 “ ، حيث كان مكروها للنّفوس ، وأضاف الشّفاء إلى ربّه لكونه “ 10 “ محبوبا لها .
وكذلك قال السّيّد أيّوب - عليه الصّلاة والسّلام - “ 11 “ : ربّ إنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين “ 12 “ ، ولم يقل : ربّ مسستني بالضّرّ “ 13 “ ، فارحمني “ 14 “ ، بل حفظ أدب الخطاب ، ونظير ذلك قول الخضر - عليه الصّلاة والسّلام - :فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها، فأضاف العيب إلى نفسه لمّا كان العيب تكره النّفوس إضافته إليها ، ثمّ قال :فَأَرادَ رَبُّكَ
.................................................................................
( 1 ) ( النساء ، الآية 79 ) .
( 2 ) “ ك “ : “ اللّه تعالى “ .
( 3 ) “ ز “ : “ قبل ذلك “ ساقطة .
( 4 ) ( النساء ، الآية 78 ) .
( 5 ) “ ز “ : “ الموت “ ، وهو تصحيف ، “ ك “ : كتب الناسخ على هامش الورقة : “ أي القبيح “ ، وما ورد في “ ب “ : “ المكروه “ ، و “ المؤوف “ الذي أصابته آفة ، وقيل : إيف الطعام ، فهو مئيف ومؤوف مثل معيف ، وقد إيف الزرع إذا أصابته آفة ، فهو مؤوف . انظر : اللسان ، مادة “ أوف “ .
( 6 ) “ ب “ : قوله : “ إسنادا لا إيجادا “ ساقط .
( 7 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيها .
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ إسنادا “ ساقطة ، ( الشعراء ، الآية 80 ) .
( 9 ) “ د “ : “ المرض “ ساقطة .
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ : “ حيث كان “ .
( 11 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ ليست فيها .
( 12 ) ما ورد في التنزيل الحكيم : “ وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر . . . “ .
( 13 ) “ ب “ : “ أمستني الضّر “ .
( 14 ) “ د “ : قوله : “ ولم يقل : رب مستني بالضر ، فارحمني “ ساقط 

“ 322 “
أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً” 1 “ ، حيث كان ذلك محبوبا إلى النّفوس .

وأطال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب الحادي والثّلاثين “ 2 “ من “ الفتوحات “ في معنى قوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ بئس الخطيب أنت “ “ 3 “ ، لمن جمع بين اللّه - تعالى - ورسوله في ضمير واحد وهما بأنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - جمع نفسه مع ربّه في ضمير “ 4 “ في قوله : “ من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى “ “ 5 “ . وفي قول الخضر “ 6 “فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً( 81 ) “ 7 “ ، فراجعه “ 8 “ ، فأدب الأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - “ 9 “ لا يقاومه أدب .
فإن قلت : هل أطلع اللّه أحدا من الأولياء على ما يجريه اللّه - تعالى - “ 10 “ على يديه من الأفعال المستقبلة إلى أن يموت ، فالجواب : نعم ، أطلع اللّه - تعالى - “ 11 “ على ذلك جماعة من الأولياء ؛ كأبي يزيد البسطاميّ ، وسهل بن أبي عبد اللّه التّستريّ وغيرهما “ 12 “ .
.................................................................................
( 1 ) ( الكهف ، الآية 82 ) .
( 2 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة أصول الركبان “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 306 . 
( 3 ) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 4 / 256 ، 379 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الجمعة ( 48 / 870 ) ، شرح صحيح مسلم ، 6 / 407 ، وانظر حديث محيي الدين عن هذا الحديث في الفتوحات المكية ، 1 / 311 .
( 4 ) “ أ “ ، “ ك “ : “ ضمير “ ساقطة ، وثم سقط في “ ك “ .
( 5 ) تقدم تخريجه .   ( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الخضر “ ساقطة .
( 7 ) ( الكهف ، الآية 81 ) .
( 8 ) العبارة لمحيي الدين ، وفي ذلك يقول : “ فإن قلت : فلم جمع بين اللّه وبين نفسه في ضمير النون ؛ أعني نون “ فأردنا “ ، وقال - صلى اللّه عليه وسلم - لما سمع بعض الخطباء ، وقد جمع بين اللّه - تعالى - ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - في ضمير واحد في قوله : “ ومن يعصهما “ : “ بئس الخطيب أنت “ ، فاعلم أنه من الباب الذي قررناه ، وهو أنه لا يضاف إلى الحق إلا ما أضافه الحق إلى نفسه ، أو أمر به رسوله ، أو من آتاه علما من لدنه ، كالخضر “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 311 .
( 9 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ عليهم الصلاة والسلام “ ليست فيها .
( 10 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 11 ) “ ز “ ، “ ك “ : “ اللّه تعالى “ ليست فيهما .
( 12 ) تقدمت ترجمتهما 

“ 323 “
وقال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 1 “ في الباب الحادي والثّلاثين وخمسمائة في مسألة خلق الأعمال أو كسبها “ 2 “ : قد عملت على قوله - تعالى - :وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ” 3 “ ، فصرت رقيبا على نفسي نيابة عن الحقّ تعالى ، ولم أزل أراقب آثار ربّي التي يوردها على “ 4 “ قلبي في جميع حركاتي وسكناتي ، وأقيم الوزن بين أمره ونهيه ، وبين إرادتي لأرى مواقع الخلاف والوفاق ، وما جعلني كذلك إلّا قوله “ 5 “ لمحمّد - صلّى اللّه عليه وسلّم - :فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ” 6“، فكان يجتهد أن تكون أفعاله كلّها تحت الأمر الإلهيّ، لا يخالفه في شيء حتّى إنّه قال : “ شيّبتني هود وأخواتها “ “7“.

قال “ 8 “ : ولم أزل أراقب آثار ربّي حتّى عرفت الأمر الإلهيّ الذي لا يعصى ، ومن هو المخاطب بذلك ، وما هو الأمر الإلهيّ الذي يعصى في وقت ما ، وذلك في الأوامر التي تكون بالواسطة “ 9 “ ، فإنّها هي التي تصحّ أن تعصى لغلبة الإرادة على الأمر ، وهو على
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ رضي اللّه عنه “ .
( 2 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة حال قطب كان منزلهوَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ .انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 256 .
( 3 ) ( يونس ، الآية 61 ) .
( 4 ) “ ك “ : “ يوردها عليّ “ .
( 5 ) “ د “ ، “ ز “ : “ تعالى “ .
( 6 ) ( هود ، الآية 112 ) .
( 7 ) للحديث روايات ، منها : “ شيبتني هود وأخواتها “ ، و “ شيبتني هود والواقعة “ ، و “ شيبتني هود وأخواتها : الواقعة ، والحاقة ، و “ إذا الشمس كورت “ ، و “ شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون و “ إذا الشمس كورت “ . أما نص الحديث الذي هو في المتن فقد أخرجه الترمذي في السنن ، كتاب التفسير ، ( 3308 ) ، 5 / 193 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 2 / 97 ، والطبراني في الكبير ، 17 / 286 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ( 11073 ) ، 7 / 82 ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 4191 ، 4912 ) ، 2 / 81 ، والكلام لمحيي الدين في الباب الأحد والثلاثين وخمسمائة ، 7 / 257 .
( 8 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ قال الشيخ “ ، أي قال الشيخ محيي الدين في الباب الأحد والثلاثين وخمسمائة من الفتوحات ، 7 / 256 .
( 9 ) “ ب “ : “ في الواسطة “ 


“ 324 “
الحقيقة أمر لفظيّ صوريّ ، وهو صيغة أمر لا حقيقة الأمر ، وعلمت أيضا بتلك المراقبة أنّ المأمور بالأمر الإلهيّ الذي لا يعصى إنّما هو المخاطب من عين الممكن الذي قال له الحقّ : “ كن “ ، فكان ، وذلك هو الأمر الذي لا يعصيه المخاطب أبدا ، وغاية المكلّف أنّه محلّ ظهور هذا المكوّن ، كما أنّ المكوّن هو محلّ التّكوين “ 1 “ .

قال “ 2 “ : وقد أطلعني اللّه - تعالى - على مشاهدة تكوين الأشياء في ذاتي وفي ذات غيري “ 3 “ أعيانا قائمة ذاكرة مسبّحة بحمد ربّها مع كونها يطلق عليها اسم معصية وطاعة ، ولا علم “ 4 “ لها بما على المكلّف بسببها ، فطلبت من اللّه - تعالى - أن يطلعني هل لمسمّى المعصية عين وجوديّة ، أو لا عين لذلك ، وهل بينه وبين مسمّى الطّاعة فرقان ، أم الحكم في ذلك سواء ؟ فإنّ اللّه “ 5 “ لا يأمر بالفحشاء ، ومع ذلك فلا يتكوّن شيء إلّا بإرادته وأمره ، فهل للمعصية تكوين أم لا ؟ فأطلعني - تعالى - “ 6 “ على أنّ مسمّى المعصية إنّما هو ترك ، والتّرك لا شيء ولا عين له ، فوجدناها مثل مسمّى العدم ؛ إذ العدم اسم ليس تحته شيء ، ولا عين وجوديّة ، والشّأن محصور في أمر “ 7 “ “ افعل “ ، ونهي “ لا تفعل “ “ 8 “ ، وأمّا “ اعصوا “ فلم يأت به “ 9 “ كتاب ، فغير هذين الأمرين ما هو ثمّ .
فإذا قيل لنا :وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ *” 10 “ ، ولم نفعل عصينا ، وخالفنا أمر ربّنا ، فليس تحت قولنا إذا عصينا وخالفنا ولم نفعل إلّا أمر عدميّ لا وجود له ، وكذلك القول في
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ : قوله : “ وكما أن المكون “ ساقط . وانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 257 . 
( 2 ) القول لمحيي الدين من الباب نفسه ، 7 / 257 . 
( 3 ) “ ب “ : “ وفي غيري “ . 
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ولا على علم “ . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ اللّه تعالى “ ، “ ز “ : “ فأطلعني اللّه على . . . “ . 
( 7 ) “ ك “ : “ في أمرين : “ فعل ، ونهي “ لا تمتثل “ . 
( 8 ) “ د “ ، “ ب “ ، “ ز “ : لا تمتثل ، وفي الفتوحات : “ في أمر لا يعمل ، ونهي لا يمتثل “ . انظر : الفتوحات المكية ، 7 / 257 . 
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ بها “ . 
( 10 ) ( البقرة ، 43 ، 83 ، 110 ، يونس ، 87 ، الروم ، 31 ، المزمل ، 20 ) .


“ 325 “
النّهي إذا قيل لنا : “ لا تفعلوا كذا “ مثل قوله :وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً” 1 “ ، فلم نمتثل نهيه ، فإنّ مدلول “ لم “ تمثيل عدم لا وجود له “ 2 “ .

ونظير ذلك : احفظوا فروجكم ، وغضّوا أبصاركم “ 3 “ ، فإذا لم نحفظ ، ولم نغضّ ، فليس لذلك عين وجوديّة ؛ وكذلك القول في قوله :وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً” 4 “ ، هو لا عين له “ 5 “ لأنّه نفي ، فإذا اغتبنا ظهر في محلّنا عين موجودة أوجدها الحقّ - تعالى - “ 6 “ بالأمر التّكوينيّ والقول الموجود في لساننا على طريق خاصّة هي “ 7 “ الغيبة ، فامتثل ذلك القول في لساننا “ 8 “ أمر الحقّ الموجود له “ 9 “ ، ولم يضف إلينا منه إلّا كوننا لم نمتثل نهيه ، فانتفى عن محلّنا الامتثال ، فلم يؤاخذنا الحقّ - تعالى - في الوجهين إلّا بأمر عدميّ ، وهو ترك الأمر والنّهي ، ولا بدّ لنا في كلّ نفس أن يكون في شأن ، وذلك الشّأن ليس لنا ؛ إذ الشّأن الظّاهر في وجودنا “ 10 “ إنّما هو له تعالى “ 11 “ ، لا لنا .
وسمعت سيّدي عليّا الخوّاص “ 12 “ يقول : إنّما كان الحقّ - تعالى - لا ينتقم لنفسه لأنّه خالق لأفعال عباده ، وإنّما يؤاخذهم بظلم بعضهم بعضا .
وقال في الباب السّادس والتّسعين ومائتين “ 13 “ من “ الفتوحات “ : كنت لا أزال
.................................................................................
( 1 ) ( الحجرات ، الآية 12 ) . 
( 2 ) هنا ينتهي كلام محيي الدين في هذا الباب المذكور آنفا ، 7 / 257 . 
( 3 ) يأتي ذلك الأمر مصداقا لقول الحق - تقدس اسمه - :قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، ( النور ، الآية 30 ) . 
( 4 ) ( الحجرات ، الآية 12 ) . 
( 5 ) “ ب “ : قوله : “ وكذلك القول في قوله : “ ولا يغتب بعضكم بعضا “ ساقط . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبحانه وتعالى “ . 
( 7 ) “ ز “ : “ هو “ . 
( 8 ) “ ز “ : “ لساننا “ ساقطة . 
( 9 ) “ د “ : “ الموجد له “ . 
( 10 ) “ د “ : “ الوجود “ . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ للّه تعالى “ . وانظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 7 / 257 . 
( 12 ) “ د “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ ، “ ك “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ، “ ب “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ساقطة . 
( 13 ) “ ب “ : “ الباب السادس والسبعين ومائتين “ ، وهو تصحيف صوابه ما ورد في المتن والفتوحات المكية ، وعنوان هذا الباب “ في معرفة منزل انتقال صفات أهل السعادة إلى أهل الشقاء في الدار الآخرة “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 460 .

“ 326 “
أنفي التّجلّي في الفعل تارة ، وأثبته أخرى بوجه يقتضيه ويطلب التّكليف ؛ إذ “ 1 “ كان التّكليف بالعمل من حكيم عليم ، ولا يصحّ من الحكيم أن يقول لمن يعلم أنّه لا يفعل :
افعل ؛ إذ لا قدرة له على الفعل ، وقد ثبت الأمر الإلهيّ بالعمل للعبد مثل “ أقيموا الصّلاة “ ، فلا بدّ أن يكون له في المنفعل عنه تعلّق من حيث الفعل به “ 2 “ يسمّى فاعلا “ 3 “ ، وإذا كان هذا واقعا صحّ وقوع التّجلّي في الفعل بهذا القدر من النّسبة ، وبهذا الطّريق كنت أثبته ، وهو طريق “ 4 “ في غاية الوضوح يدلّ على أنّ القدرة الحادثة “ 5 “ لها نسبة صحيحة تعقل بها ما كلّفت به ، لا بدّ من ذلك “ 6 “ .
وأطال في ذلك “ 7 “ ، ثمّ قال : وحاصله أنّ العبد ما صحّت له نسبة الفعل إلّا من كون الحقّ - تعالى - جعله خليفة في الأرض ، ولو أنّه - تعالى - جرّد عنه الفعل لما صحّ أن يكون خليفة ، ولما قبل التّخلّق بالأسماء . قال : وهذه الفائدة ممّا نبّهني عليها تلميذي بدر الحبشيّ “8“ ، وفي نسخة أخرى تلميذي إسماعيل “9“ . قال : فلمّا أفادها لي
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ إذا “ .  ( 2 ) “ د “ : “ به “ ساقطة .
( 3 ) العبارة في الفتوحات المكية : “ يسمى فاعلا وعاملا “ .
( 4 ) “ د “ : “ وهي طريق “ .
( 5 ) “أ“ ، “ك“ ، “ ب “ : “ القدرة الاتحادية “ ، وإخاله تصحيفا صوابه ما ورد في الفتوحات المكية و “ ز “.
( 6 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 464 .
( 7 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 464 .
( 8 ) هو بدر الحبشي الحراني اليمني ، قال عنه المناوي : “ أحد أتباع الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي ، كان عبدا حبشيا رباه ابن العربي ، وتبناه ، وهذبه واصطفاه ، حتى صار من أكابر العارفين ، ورؤوس الأولياء الراسخين ، والعظماء الزاهدين “ . ومن وصايا محيي الدين له ما ذكره في الدالية التي قال فيها :
يا بدر بادر إلى المنادي * كفيت فاشكر ضر الأعادي 

قد جاءك النور فاعتقله * ولا تعرج على السواد
فقم بوصف الإله وانظر * إليه فردا على انفراد
وحصن السمع لو تنادى * وخلص القول إذ تناد
يقيل إنه توفي في أواخر القرن السادس ، وقيل حوالي سنة ( 625 هـ ) . انظر : المناوي ، الكواكب الدرية ، 4 / 232 . 
( 9 ) “ ز “ : العبارة : “ وفي نسخة إسماعيل “ ، وفي نسخة الفتوحات التي بين يدي : “ إسماعيل “ ، وعبارة محيي الدين : “ ولقد نبهني الولد العزيز العارف شمس الدين إسماعيل بن سودكين التوري على أمر كان -

“ 327 “
فلم “ 1 “ يعلم مقدار ما دخل عليّ من السّرور إلّا اللّه تعالى ، انتهى “ 2 “ . 

فاعلم ذلك ، وتأمّل في هذا المحلّ ، فإنّك ربّما لا تجده عند أحد من أقرانك الآن ، وألحق “ 3 “ الأفعال إلى ربّك خلقا ، وإليك إسنادا ، كما قال سيّدي الشّيخ أبو الحسن الشّاذليّ “ 4 “ - رضي اللّه عنه - “ 5 “ في معنى قوله - تعالى - :ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ” 6 “ ، أي : إيجادا وإسنادا ،وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ” 7 “ ، أي : إسنادا لا إيجادا ، والحمد للّه ربّ العالمين .

72 - [ توهّم أنّ أفعال الحقّ بالحكمة ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم أنّ أفعاله - تعالى - بالحكمة ، ويجعل الحكمة موجبة له ، فيكون محكوما عليه - تعالى - بها ، وتعالى اللّه عن ذلك : 
اعلم أنّ اعتقاد الطّائفة العلّيّة من أهل اللّه - تعالى - أنّ أفعال الحقّ - تعالى - كلّها عين الحكمة ، ولا يقال إنّها بالحكمة ؛ لئلّا تكون الحكمة موجبة له “ 8 “ ، فيكون محكوما عليه بأمر ما ، وذلك محال ، فإنّه - تعالى - أحكم الحاكمين ، فلا ينبغي أن تعلّل أفعاله بالحكمة .
- عندي محققا من غير الوجه الذي نبهنا عليه هذا الولد ، . . . ، فقد يستفيد الأستاذ من التلميذ أشياء من مواهب الحق تعالى لم يقض اللّه للأستاذ أن ينالها إلا من هذا التلميذ “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 464 . 
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ فلا يعلم “ . 
( 2 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 464 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ وأضف “ . 
( 4 ) تقدمت ترجمته . 
( 5 ) “ ب “ : “ رضي اللّه عنه “ ليست فيها ، وإنما في “ أ “ و “ ب “ و “ ز “ ، وكذلك “ كلمة “ معنى “ فهي ساقطة من “ ك “ و “ ز “ . 
( 6 ) ( النساء ، الآية 79 ) . 
( 7 ) ( النساء ، الآية 79 ) . 
( 8 ) “ ب “ : العبارة : “ موجبة الحكمة له “ .

“ 328 “
وقد قال في الباب الثّامن والسّتّين وثلاثمائة “ 1 “ من “ الفتوحات “ في قوله - تعالى - :وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ” 2 “ : الباء في قوله بِالْحَقِّ بمعنى اللّام ، أي للحقّ ، نظير قوله - تعالى - :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( 56 ) “ 3 “ ، فإنّ اللّه - تعالى - لا يخلق شيئا بشيء ، وإنّما يخلق شيئا عند شيء طلبا لستر القدرة الإلهيّة ، ولذلك كان - صلّى اللّه عليه وسلّم - إذا أراد نبع الماء من بين أصابعه “ 4 “ وضع كفّه في ماء قليل سترا وأدبا مع اللّه تعالى “ 5 “ ، واقتداء به - تعالى - في السّتر ، وإلّا فالمخلوق الأوّل الذي لم يتقدّمه مادّة مخلوق بلا شيء يتعيّن ، ولم يزل الحقّ - تعالى - يخلق على هذه الصّفة ، ولكن لمّا كثر مشاهدة الأسباب المولّدات ظنّ النّاس أنّ اللّه - تعالى - يخلق شيئا بشيء ، ومن هنا قالوا : إنّ للّه “ 6 “ الفعل بلا آلة ، والفعل بالآلة مشيا على ما تواطأ النّاس عليه “ 7 “ ، وإلّا فاللّائق بقدرة اللّه - تعالى - أن يخلق الأشياء بلا آلة ، ولو أثبتنا الآلة فهي مخلوقة لا تتحرّك إلّا إن حرّكها محرّك ، وهو اللّه “ 8 “ كشفا وإيمانا ، والمخلوق شهودا “ 9 “ ، قال اللّه - تعالى - :الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ” 10 “ ، ففيها نفي أوليّة “ 11 “
.................................................................................
( 1 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل الأفعال مثل “ أتى “ و “ لم يأت “ وحضرة الأمر وحده “ . انظر : 
الفتوحات المكية ، 6 / 90 .
( 2 ) ( الحجر ، الآية 85 ) .  ( 3 ) ( الذاريات ، الآية 56 ) .
( 4 ) “ أ “ ، “ ب “ : قوله : “ من بين أصابعه “ ساقط .
( 5 ) هذا من الأحاديث المشتهرة في مظان الحديث ، ولفظه : “ رأيت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وحانت صلاة العصر ، فالتمس الناس وضوءا فلم يجدوا ، فأوتي رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بوضوء ، فوضع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - في ذلك الإناء يده ، وأمر الناس أن يتوضؤوا ، قال : فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه ، فتوضأ الناس . . . “ . وفي رواية أخرى : “ كنت أرى العيون تنبع من بين أصابع رسول اللّه “ . أخرجه أحمد في المسند ، 3 / 132 ، 343 ، ومالك في الموطأ ، كتاب الطهارة ( 32 ) ، 60 ، ومسلم في كتاب الفضائل ( 4 ، 5 ) ، ( 5900 ) ، 15 / 40 ، والنسائي في السنن ، كتاب الطهارة ، 60 .
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ إن اللّه تعالى “ .
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ على اعتباره “ ، “ ب “ : “ اعتياده “ .
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ . ( 9 ) “ د “ : “ والمخلوق مشهود “ .
( 10 ) ( البقرة ، الآية 21 ) .
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ألوهية “ 

“ 329 “
الأسباب . 

قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي - رضي اللّه عنه - “ 1 “ : وكلّ باء “ 2 “ تقتضي الاستعانة أو السّببيّة فهي “ لام “ ، فإذا أخبرنا الحقّ - تعالى - بأنّه خلق شيئا بشيء فتلك الباء “ لام “ “ 3 “ ، فعين خلقه هو عين الحكمة ، ولا ينبغي أن يعلّل بالحكمة كما مرّ ؛ لئلّا يكون معلولا عنها ، فاعلم ذلك ، فإنّه نفيس ، والحمد للّه ربّ العالمين .
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ ليست فيها . 
( 2 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ ما “ ، وهو تصحيف . 
( 3 ) العبارة في الفتوحات : “ والباء هنا بمعنى اللام ، ولهذا قال - تعالى - في تمام الآية : “ تعالى عما يشركون “ ، من أجل الباء ، . . . ، وكذلك : ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق ، أي للحق ، فاللام التي نابت الباء هنا منابها عين اللام التي في قوله “ ليعبدون “ ، فخلق السماوات والأرض للحق ، والحق أن يعبدوه ، ولهذا قال : “ وتعالى عما يشركون “ ، والشرك هو الظلم العظيم “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 90 . 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: الكلام على سرّ “ كن “ وتعلّقه بكسب الأفعال كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:29 pm

الكلام على سرّ “ كن “ وتعلّقه بكسب الأفعال كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

73 - [ توهّم أنّ الحقّ خلق الخلق وقد تركهم لا يبالي ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من قوله - تعالى - في الحديث القدسيّ : “ هؤلاء للجنّة ولا أبالي ، وهؤلاء للنّار ولا أبالي “ “ 4 “ خلاف المراد ، ويقول إنّ اللّه - تعالى - من حين خلق الخلق “ 5 “ تركهم ولم يبال “ 6 “ بهم ، فالجواب أنّه لو كان المراد بذلك ما فهمه هذا المحجوب لما وقعت المؤاخذة بالجرائم ، ولا وصف الحقّ - تعالى - نفسه بالغضب “ 7 “ على قوم ، ولا “ 8 “ قال - تعالى - :إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ( 12 ) “ 9 “ ، ولا كانت الرّحمة محرّمة على أهل النّار ، فهذا كلّه من المبالاة بهم ، والتّهمّم بأمر المؤاخذة ، فلو لا المبالاة ما كان هذا الحكم ، فللأمور والأحكام مواطن إذا عرفها أهلها لم يتعدّوا بكلّ حكم موطنه ، فلم
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ ليست فيها .
( 2 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ ما “ ، وهو تصحيف .
( 3 ) العبارة في الفتوحات : “ والباء هنا بمعنى اللام ، ولهذا قال - تعالى - في تمام الآية : “ تعالى عما يشركون “ ، من أجل الباء ، . . . ، وكذلك : ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق ، أي للحق ، فاللام التي نابت الباء هنا منابها عين اللام التي في قوله “ ليعبدون “ ، فخلق السماوات والأرض للحق ، والحق أن يعبدوه ، ولهذا قال : “ وتعالى عما يشركون “ ، والشرك هو الظلم العظيم “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 90 .
( 4 ) تقدم تخريجه .
( 5 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ من حيث “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ من حين الخلق . . . “ .
( 6 ) “ ب “ : “ لا يبالي “ .
( 7 ) “ ب “ : قوله : “ كان المراد بذلك ما فهمه هذا المحجوب لما وقعت المؤاخذة بالجرائم ، ولا وصف الحق - تعالى - نفسه بالغضب “ ساقط .
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ ولا “ ساقطة .
( 9 ) ( البروج ، الآية 12 ) 


“ 330 “
تتناقض عليهم الأمور ، وأمّا عدم مبالاته بأهل الجنّة وأهل النّار فهو لكون رحمته سبقت غضبه . 

وسمعت سيّدي عليّا المرصفيّ - رحمه اللّه - “ 1 “ يقول : الجنّة دار جمال وأمن “ 2 “ وسرّ “ 3 “ إلهيّ لطيف ، وأمّا النّار فهي دار جلال وجبروت وقهر “ 4 “ ، ولذلك خلقها اللّه - تعالى - “ 5 “ بطالع الأسد الذي يقهر الحيوان ويفترسه ، فالاسم “ الرّبّ “ مع أهل الجنّة ، والاسم “ الجبّار “ مع أهل النّار أبد الآبدين ، ودهر الدّاهرين ، فهو - تعالى - يتجلّى لأهل الجنّة بالجمال الصّرف ، ولأهل الدّنيا “ 6 “ بالجلال الممزوج بالجمال “ 7 “ ، فإنّه “ 8 “ - تعالى - لو تجلّى لأهل الدّنيا بالجلال الصّرف لذابوا كأهل النّار ، فاعلم ذلك ، فإنّه نفيس ، والحمد للّه ربّ العالمين .


74 - [ توهّم أنّ حكم الإلهام في التّقوى والفجور واحد ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من قوله - تعالى - :فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها( 8 ) “ 9 “ أنّ حكم الإلهام “ 10 “ في التّقوى والفجور واحد على حدّ سواء ، فالجواب “ 11 “ : قد قال - تعالى - :إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ” 12 “ ، ففرّق بين الخير والشّرّ ، ومعنى الآية : فألهمها فجورها لتعلم فتجتنبه ، ولا تعمل به ، وألهمها تقواها لتعلمه فتلازمه ، ولا تترك العمل به ، انتهى . 
وهنا دقيقة لطيفة “ 13 “ ، وهي أنّ اللّه - تعالى - كما لم يأمر بالفحشاء ، كذلك لا يريدها ، بيان كونه لا يريدها أنّ كونها فاحشة ما هو عينها ، وإنّما هو حكم اللّه “ 14 “ فيها ،
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه تعالى “ . 
( 2 ) “ ب “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أنس “ . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ وتنزل إلهي لطيف “ . 
( 4 ) “ د “ : “ دار جلال وقهر “ . 
( 5 ) “ ك “ : “ تعالى “ ليست فيها . 
( 6 ) “ ب “ ، “ ز “ : “ ولأهل النّار “ . 
( 7 ) “ أ “ : “ بالكمال “ ، “ ز “ : “ بالجلال الممزوج بالجمال “ . 
( 8 ) “ ز “ : “ فاللّه تعالى “ . 
( 9 ) ( الشمس ، الآية 8 ) . 
( 10 ) “ ب “ : “ أن الإلهام “ . 
( 11 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ والجواب “ . 
( 12 ) ( الأعراف ، الآية 28 ) . 
( 13 ) “ ك “ : “ لطيفة خفية “ . 
( 14 ) “ د “ : “ اللّه تعالى “ .

“ 331 “
وحكم اللّه في الأشياء غير مخلوق ، وما لم يجر “ 1 “ عليه الخلق لا يكون مرادا للحقّ تعالى ؛ لأنّ تلك الإرادة لا تتوجّه على القديم ، ومن هنا كان القرآن “ 2 “ قديما ؛ لأنّه كلّه حكم “ 3 “ اللّه “ 4 “ ، فيقال إنّ اللّه - تعالى - “ 5 “ يريد إدخال الذكر في فرج الزّانية ، ولا يقال : أراد ذلك من حيث كونه “ 6 “ فاحشة وحراما ؛ لأنّهما حكمان للّه تعالى ، فافهم ، وقد طلب منّي الشّيخ ناصر الدّين اللّقّانيّ المالكيّ “ 7 “ - رضي اللّه عنه - كتابة هذا الكلام ، وقال : هذا كلام يكتب بنور الأحداق ، انتهى ، والحمد للّه ربّ العالمين .



75 - [ توهّم في معنى “ إنّ رحمتي سبقت غضبي “ ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من قوله - تعالى - في الحديث القدسيّ : “ إنّ رحمتي سبقت غضبي “ “ 8 “ ، وفي رواية “ غلبت غضبي “ أنّ معنى السّبق والغلبة انتهاء مدّة الغضب على أهل النّار ، ودخولهم في الرّحمة “ 9 “ والجنّة بعد ذلك ، والجواب : أنّ هذا أمر لا يجوز
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ يجز “ .
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ القرآن العظيم “ .
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ أحكام اللّه “ .
( 4 ) “ ك “ : “ اللّه تعالى “ .
( 5 ) “ د “ : قوله : “ فيقال إن اللّه تعالى “ ساقط .
( 6 ) “ أ “ : قوله : “ من حيث كونه “ ساقط .
( 7 ) هو أبو عبد اللّه ناصر الدين محمد اللقاني المصري المالكي المتوفى سنة ( 957 ه ) ، وقيل سنة ( 958 ه ) ، صنف حاشية على “ شرح جمع الجوامع “ للمحلي في الأصول ، وحاشية على “ شرح التصريف “ للزنجاني . انظر ترجمته : البغدادي ، هدية العارفين ، 6 / 244 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 - 13 / 174 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 3 / 611 . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ سبقت عذابي “ ، والحديث بتمامه : “ إن اللّه - عز وجل - لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه : إن رحمتي تغلب غضبي “ . أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب التوحيد ( الباب 1250 / 2351 ) ، 8 / 838 ، وبدء الخلق ( الباب 878 / 1358 ) ، 4 / 544 ، والإمام أحمد في المسند ، 2 / 242 ، 258 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب التوبة ، الباب 4 ، ( 14 - 16 / 2751 ) ، شرح صحيح مسلم ، 17 / 74 ، وابن ماجة في السنن ، كتاب الزهد ، ( 4296 ) ، 4 / 514 ، والترمذي في السنن ، كتاب الدعوات ، ( 3554 ) 5 / 320 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 1 / 600 ، 2 / 43 ، وجامع الأحاديث القدسية ، كتاب رحمة اللّه ( 675 ) ، 2 / 313 .
( 9 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ الرحمة “ ساقطة 


“ 332 “
اعتقاده بإجماع المسلمين في حقّ أهل الخلود في النّار “ 1 “ ، وقد قال الشّيخ محيي الدّين ابن العربي - رحمه اللّه - “ 2 “ في “ الفتوحات “ : إيّاك أن تفهم يا أخي من قول بعضهم إنّ أهل النّار لا بدّ أن تنالهم رحمة اللّه ، ثمّ يخرجون منها إلى الجنّة أنّ مرادهم بأهل النّار الذين هم أهلها ، فإنّ ذلك لا يقوله عاقل ، وإنّما مرادهم بذلك عصاة الموحّدين فقط ، فإيّاك والغلط .


76 - [ الدّسّ على الشّيخ محيي الدّين ابن العربي والشّعرانيّ ] 

وكذلك قال الشّيخ عبد الكريم الجيليّ “ 3 “ في شرحه لباب الأسرار من “ الفتوحات المكيّة “ ، فقال : إيّاك أن تظنّ بالشّيخ محيي الدّين ابن العربي أو غيره بأنّهم يقولون بإخراج الكفّار من النّار ، فإنّ ذلك ظنّ فاسد ، وقد قال في عقيدته الصّغرى أوّل “ الفتوحات “ “ 4 “ : ويعتقد تخليد الكافرين في العذاب المهين أبد الآبدين ، ودهر الدّاهرين ، كما صرّح بتخليد فرعون في النّار ، وأنّه لا يخرج منها أبدا خلاف ما أشاعوه عنه ، وإن وجد ذلك في كتاب “ 5 “ “ الفصوص “ أو غيره فهو مدسوس عليه “ 6 “ ، دسّه بعض الملاحدة ليروّج أمره بإضافته إلى
.................................................................................
( 1 ) “ أ “ : قوله : “ في حق أهل الخلود “ ساقط . “ ك “ : العبارة : “ في حق أهل النار “ ، “ ب “ : “ حق أهل “ ساقطة .
( 2 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللّه تعالى “ .
( 3 ) هو عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الصوفي الحنبلي ، ابن سبط الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ولد سنة ( 767 هـ ) ، وتوفي سنة ( 832 هـ ) ، وقيل سنة ( 820 هـ ) ، من علماء المتصوفة المكثرين في التصنيف ، له “ شرح مشكلات الفتوحات المكية “ ، و “ حقيقة اليقين وزلفة التمكين وعمارة الدين “ ، انظر ترجمته : البغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 610 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 50 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 12 / 248 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 204 .
( 4 ) قال أولها وهو يترجم عن عقيدته : “ والتأبيد للمؤمنين والموحدين في النعيم المقيم في الجنان حق ، والتأبيد لأهل النار في النار حق “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 65 .
( 5 ) “ ك “ : “ في الفصوص “ .
( 6 ) جاء في كتاب “ الفصوص “ ما نصه : “ وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه اللّه عند الغرق ، فقبضه طاهرا مطهرا ليس شيء من الخبث ، لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام ، والإسلام يجب ما قبله ، وجعله آية على عنايته سبحانه لمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة اللّه ،إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ( يوسف ، 87 ) ، فلو كان فرعون ممن ييأس ما بادر إلى الإيمان “ . انظر : فصوص الحكم ، ( الفص الموسوي : فص حكمة علوية في كلمة موسوية ) ، 187 - 188 . وأحسب أن القول مدسوس عليه لما جاء به في عقيدته أول الفتوحات وما في أبوابها .


“ 333 “
الشّيخ ، واعتقاد النّاس فيه ، وفي غزارة علمه ، أو لينفر النّاس عن مطالعة كلامه كما هو الغالب من الحسدة ، فإذا رأوا مؤلّفا لبعض أقرانهم مدحه النّاس ، وتلقّوه بالقبول ، ربّما غلبهم الحسد ، ودسّوا فيه أمورا تخالف ظاهر الشّريعة كما فعلوا ذلك في كتابي المسمّى ب “ البحر المورود في المواثيق والعهود “ ، ووقع بذلك فتنة عظيمة في جامع الأزهر وغيره ، ولولا أنّي أرسلت لهم النّسخة الصّحيحة السّالمة من الدّسّ التي عليها خطوط مشايخ الإسلام ما سكنت الفتنة ، ولكن جزاهم اللّه - تعالى - “1“ عنّي خيرا في إنكارهم عليّ بتقدير صحّة نسبة ذلك إليّ ، فلهم ثواب قصدهم ونيّتهم. 
هذا أمر وقع لي ، وقد رأيت كتابا كاملا صنّفه بعض الملاحدة ، ونسبه إلى أبي حامد الغزاليّ ليروّج بذلك بدعته ، فظفر به الشّيخ عزّ الدّين بن جماعة “ 2 “ ، وكتب على ظهر الكتاب : كذب واللّه وافترى من أضاف هذا الكتاب إلى حجّة الإسلام رضي اللّه تعالى عنه ، فيحتمل أن تكون هذه المواضع التي انتقدت على الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في كتاب “ الفتوحات “ و “ الفصوص “ دسّها عليه بعض الحسدة ، فإيّاك أن تضيف إلى الشّيخ محيي الدّين ابن العربي “ 3 “ ما يخالف ظاهر الشّريعة ؛ فإنّه إمام المحقّقين .
وقد قال في “ الفتوحات “ : اعلم أنّ أهل الجنّة وأهل النّار مخلّدون “ 4 “ فيهما أبد الآبدين “ 5 “ ، لا يخرج أحد منهم من داره أبدا ، وأمّا عصاة الموحّدين فيخرجون من النّار
.................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 2 ) هو عز الدين عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد اللّه بن جماعة الكناني ، الحموي الأصل ، الدمشقي المولد ، ولد سنة ( 694 هـ ) ، ولي قضاء الديار المصرية ، وقد بلغ عدد شيوخه ألفا وثلاثمائة ، تفقه على والده ، والجمال الوجيزي ، وأخذ عن أبي حيان ، وحدث وصنف وجاور بالحجاز ، فمات بمكة سنة ( 767 هـ ) ، ودفن بالحجون ، انظر ترجمته : ابن حجر ، الدرر الكامنة ، 2 / 230 ، وحاجي خليفة ، كشف الظنون ، 1940 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 6 / 208 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 582 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 26 ، وبروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، 10 - 11 / 276 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 166 . 
( 3 ) “ د “ : “ رضي اللّه عنه “ .
( 4 ) “ ز “ : “ يخلدون “ ، “ أ “ ، “ ب “ : “ مخلوقون “ ، وصوابه ما ورد في المتن .
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ ودهر الداهرين “ .


“ 334 “
بالنصوص المتواترة “ 1 “ ؛ إذ النّار بطبعها لا تقبل خلود موحّد أبدا “ 2 “ ، كما أنّها بطبعها لا تقبل “ 3 “ خروج أحد من أهلها منها أبدا ؛ لأنّها خلقت من الغضب السّرمديّ ، هذا اعتقاد الجماعة إلى قيام السّاعة ، انتهى . فاعلم ذلك .
وقد ذكر الشّيخ في الباب الرّابع والأربعين وثلاثمائة “ 4 “ في حديث : “ ورحمتي سبقت غضبي “ “ 5 “ ، وفي حديث التّرمذيّ وغيره : “ أمّتي أمّة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب ، “ وإنّ عذابها في الدّنيا الزّلازل والفتن “ “ 6 “ ، وفي رواية : “ عذاب أمّتي في دنياها الزّلازل والفتن “ “ 7 “ ، وفي حديث الطّبراني مرفوعا : “ الحمّى حظّ كلّ موحّد “ 8 “ من النّار “ “9“، وقال ما نصّه “10“ : اعلم أنّ مراد الشّارع “11“ بهذه الرّحمة الخاصّة بالموحّدين، ومعنى “ليس
.................................................................
( 1 ) يسند ذلك قوله أول كتاب الفتوحات : “ وإخراج أرحم الراحمين بعد الشفاعة من النار من شاء حق ، وجماعة من أهل الكبائر المؤمنين يدخلون جهنم ثم يخرجون منها بالشفاعة والامتنان حق “ .
انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 1 / 65 .
( 2 ) “ ك “ : “ أبدا “ ساقطة .
( 3 ) “ د “ : قوله : “ خلود موحّد أبدا ، كما أنها بطبعها لا تقبل “ ساقط . 
( 4 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل سرين من أسرار المغفرة ، وهو من الحضرة المحمدية “ . انظر : الفتوحات المكية ، 5 / 259 .
( 5 ) تقدم تخريج الحديث قبلا ، وانظر حديث محيي الدين عنه في الفتوحات المكية ، 5 / 259 - 260 .
( 6 ) للحديث روايات مختلفة ، وقد أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط في موضعين ( 947 ) ، ( 4055 ) ، 3 / 12 ، ونصه : “ إن أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها ، وإنما عذابها في الدنيا الزلازل والفتن والقتل “ ، ومن روايات الحديث : “ أمتي أمة مرحومة قد رفع عنهم العذاب إلا عذابهم أنفسهم بأيديهم “ . أخرجه أحمد في المسند ، 4 / 418 ، وأبو داود في السنن ، كتاب الفتن ، 7 ، والطبراني في المعجم الأوسط ( 974 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الفتن ( 11985 ) ، 7 / 325 ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 1622 ) ، 1 / 248 .
( 7 ) “ ب “ : “ الرواية الثانية للحديث ليست فيها .
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ مؤمن “ .
( 9 ) الحديث عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال عنه شرف الدين الدمياطي : “ رواه البزار بإسناد حسن “ . انظر : الهيثمي في مجمع الزوائد ، 6 / 306 ، والعجلوني في كشف الخفاء ، 1 / 366 ، والدمياطي في المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح ، باب الحمى ( 1807 ) ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 3848 ) ، 1 / 593 .
( 10 ) “ ك “ : “ ما نصه “ ساقطة ، “ ز “ : “ وقال “ ساقطة .
( 11 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ الشارع صلى اللّه عليه وسلم “ .


“ 335 “
عليها في الآخرة عذاب “ : أي : مسرمد عليهم ، بدليل الآيات والأخبار الواردة في دخول طائفة من عصاة الموحّدين النّار “ 1 “ .

قال في الباب الحادي والسّبعين وثلاثمائة “ 2 “ في حديث “ ينادي المنادي حين يدخل أهل الجنّة الجنّة ، وأهل النّار النّار : يا أهل الجنّة ، خلود بلا موت ، ويا أهل النّار ، خلود بلا موت “ ما نصّه “ 3 “ : اعلم أنّه إذا وقع هذا النّداء ارتفع الإمكان من قلوب أهل الجنّة من وقوع الخروج منها ، وكذلك يرتفع الإمكان من قلوب أهل النّار من توقّع خروجهم منها ، فيها لها من حسرة ما أعظمها ، قال : وتغلق أبواب النّار حينئذ غلقا لا فتح بعده أبد الآبدين ، ويصير الخلق في النّار كقطع اللّحمة “ 4 “ التي جعلت في الماء “ 5 “ في قدر ، ثمّ أجّجت تحتها نار عظيمة حتّى صارت صاعدة هابطة “ 6 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .
وقد بسطنا الكلام على أهل الجنّة والنّار “ 7 “ وعلى أحوالهم في الدّارين أواخر
.................................................................
( 1 ) عبارة محيي الدين في هذا الباب الذي نقل منه الشعراني : “ كنت جالسا عند ابن زياد وعنده عبد اللّه بن يزيد ، فجعل يؤتى برؤوس الخوارج ، قال : وكانوا إذا مروا برأس قلت : إلى النار ، قال : فقال لي : لا تفعل يا ابن أخي ، فإني سمعت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقول : يكون عذاب هذه الأمة في دنياها “ ، . . . ، فإن الملائكة تشفع يوم القيامة ، يقول اللّه : شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ، وبقي أرحم الراحمين ، فيشفع عند شديد العقاب والمنتقم ، وهذا من باب شفاعة الأسماء الإلهية ، فيخرج من النار كل موحد وحد اللّه من حيث علمه لا من حيث إيمانه ، وما له عمل خير غير ذلك ، لكنه عن غير إيمان ، فلذلك اختص اللّه به ، وهذا الصنف من الموحدين هم الذين شهدوا مع شهادة اللّه سبحانه والملائكة أنه لا إله إلا هو “ . انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 5 / 260 .
( 2 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة سر وثلاثة أسرار لوحية أمية محمدية “ ، انظر : الفتوحات المكية ، 6 / 178 .
( 3 ) ليس نقل الشعراني نصيا البتة ، فقد تصرف بالعبارة ، وقد ورد قول محيي الدين في الفتوحات ، 6 / 211 . والحديث طويل لفظه ، أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الرقاق ، الباب 822 ، ( 1413 ) ، 8 / 497 ، وأحمد في المسند ، 2 / 118 ، 3 / 9 ، 330 ، ومسلم في الصحيح ، كتاب الجنة ونعيمها ( 40 / 10 ) ، ( 7110 ) ، 17 / 183 ، والترمذي في الصحيح ، كتاب الجنة ( 20 ) ، ( 2526 ) ، 4 / 251 .
( 4 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ اللحم “ .
( 5 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ النّار “ ، ولعل ما أثبت في المتن هو الأعلى .
( 6 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 6 / 211 .
( 7 ) “ د “ : “ أهل الجنة “ ، وما أثبته من النسخ الأخرى واليواقيت والجواهر .

“ 336 “

كتاب “ اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر “ “ 1 “ ، والحمد للّه ربّ العالمين .


77 - [ توهّم في معنى “ بادرني عبدي “ ] 
وممّا أجبت به من يتوهّم من حديث “ بادرني عبدي “ “ 2 “ فيمن قتل نفسه أنّ المراد أنّ اللّه - تعالى - أراد حياته ، وأراد هو موت نفسه ، فغلب قاتل نفسه الإرادة الإلهيّة ، والجواب أنّ من اعتقد مثل ذلك فهو أجهل الجاهلين باللّه تعالى ؛ وذلك لأنّه ما بادر بقتل نفسه إلّا بإرادة “ 3 “ اللّه السّابقة في الأزل بأن يقتل هذا نفسه ، ثمّ يدخله اللّه “ 4 “ النّار إن شاء “ 5 “ ، ولا يجوز أن يفهم أحد أنّه بادر بقتل نفسه مستقلّا بذلك دون إرادة اللّه - تعالى - له ذلك ، فافهم ، ومعلوم أنّ غالب الأحكام الشّرعيّة دائرة مع حكم الأمر ، وأمّا الإرادة فهي تحصيل الحاصل ؛ إذ لا تتحرّك ذرّة في الوجود ، ولا تسكن إلّا بإرادة اللّه تعالى ، ومن هنا قالوا : نؤمن بالقدر ولا نحتجّ به ، فإنّ الإرادة لها النّفوذ على الدّوام بما يخالف الأمر الإلهيّ ، أو بما يوافقه ، فعلم أنّه لا يموت أحد إلّا بأجله حين انتهائه ، لقوله - تعالى - :فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ” 6 “ . 
فإن قال قائل : فإذا كان أحد لا يموت إلّا بأجله “ 7 “ سواء قتله أحد من الخلق ، أو مات حتف أنفه “ 8 “ بمرض ، أو فجأة ، فكيف تقتلون من قتله ؟
.................................................................................
( 1 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، في المبحث الحادي والسبعين : “ في بيان أن الجنة والنار حق ، وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام “ ، 2 / 616 .
( 2 ) قصة الحديث أن رجلا كان به جراح ، فقتل نفسه ، فقال اللّه - عز وجل - : “ بادرني عبدي بنفسه ، حرمت عليه الجنة “ ، أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في قاتل النفس ( 868 / 1271 ) ، 2 / 581 .
( 3 ) “ د “ : “ بإذن اللّه “ .
( 4 ) “ ك “ : “ اللّه تعالى “ .
( 5 ) “ أ “ : “إن شاء“ ساقطة. “ ك “ : “ إن شاء اللّه تعالى “ ، وجل العبارة ساقطة من “ز“. 
( 6 ) ( الأعراف ، الآية 34 ) .
( 7 ) “ ب “ : قوله : “ حين انتهائه ، لقوله تعالى : “ فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون “ ، فإن قال قائل : فإذا كان أحد لا يموت إلا بأجله “ ساقط .
( 8 ) “ د “ : “ نفسه “ .


“ 337 “
فالجواب أنّ ذلك من حكم اللّه أيضا لا من حكمنا ، فكأنّه - تعالى - قال لنا : من قتل أحدا بغير طريق شرعيّ فاقتلوه ، فقلنا : سمعا وطاعة ، فكما انتهى “ 1 “ أجل ذلك المقتول بقتل القاتل ، كذلك انتهى أجل هذا القاتل بقتلنا له ، ولا لوم على من امتثل أمر ربّه ، فاعلم ذلك ، فإنّه نفيس كما بسطنا الكلام عليه أواخر كتاب “ اليواقيت والجواهر “ “ 2 “ ، والحمد للّه رب العالمين .



78 - [ توهّم حقيقة الرّوح ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من قوله - تعالى - :قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي” 3 “ أنّ الرّوح قديمة ، والجواب أنّه لا يلزم من كونها من أمر ربّنا أن تكون قديمة “ 4 “ ، وقد أجمع أهل الكشف على أنّ المراد بكونها من أمر اللّه - تعالى - أنّها وجدت عن خطاب الحقّ - تعالى - بغير واسطة ، كما قيل في عيسى - عليه الصّلاة والسّلام - إنّه روح اللّه تعالى ، فإنّه وجد عن نفخ اللّه - تعالى - “ 5 “ كما يليق بجلاله بلا واسطة بخلاف غيره من الخلق .
وذهب الإمام إلى أنّ معنى قوله - تعالى - :قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي” 6 “ ، أي : من عالم غيبه ، فإنّ عالم الأمر عنده هو عالم الغيب ، وعالم الخلق عنده هو عالم الشّهادة ، حكى ذلك عنه الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في “ الفتوحات “ ، ثمّ قال : والأمر عندنا هو بخلاف ما قال الغزاليّ ، وهو كلّ ما أوجده الحقّ - تعالى - بلا واسطة فهو من عالم الأمر ، قال له الحقّ - تعالى - “ كن “ ، فكان ، وكلّ ما أوجده الحقّ - تعالى - بواسطة ، فهو من عالم الخلق “ 7 “
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ فكما أن انتهاء . . . “ .
( 2 ) ما جاء في النسخ جميعها “ الجواهر واليواقيت “ ، وذلك وهم وتحريف لانتفاء سجعة عنوان الكتاب ، وقد ورد هذا المبحث في كتاب الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، في المبحث الحادي والستين : “ في بيان أنه لا يموت أحد إلا بعد انتهاء أجله ، وهو الوقت الذي كتب اللّه في الأزل انتهاء حياته فيه بقتل أو غيره “ ، 2 / 541 .
( 3 ) ( الإسراء ، الآية 85 ) .
( 4 ) “ ب “ : قوله : “ والجواب أنّه لا يلزم من كونها من أمر ربنا أن تكون قديمة “ ساقط .
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ نفخ الحق تعالى “ .
( 6 ) ( الإسراء ، الآية 85 ) .
( 7 ) “ ب “ : قوله : “ بلا واسطة فهو من عالم الأمر ، قال له الحق تعالى “ كن “ ، فكان ، وكل ما أوجده الحق - تعالى - بواسطة ، فهو من عالم الخلق “ ساقط .


“ 338 “
سواء كان من عالم الشّهادة ، أو من عالم الغيب ، انتهى .
وذكر الشّيخ في الباب الرّابع والسّتّين ومائتين ما نصّه “ 1 “ : اعلم أنّ اليهود ما سألوا النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن الرّوح إلّا ليعرفوا من أين ظهر “ 2 “ ، ولم يسألوه عن الماهيّة ، كما فهمه كثير من النّاس ، فإنّهم لو سألوه عن الماهيّة لكانوا قالوا له : ما الرّوح ؟
فإنّ “ ما “ هي التي يسأل بها عن الماهيّة ، كما قال فرعون لموسى “ 3 “ :وَما رَبُّ الْعالَمِينَ” 4 “ ، وإن كان السّؤال ب “ ما “ أيضا محتملا ، لكنّ قوي الوجه الذي “ 5 “ ذهبنا إليه ما جاء في الجواب من قوله :مِنْ أَمْرِ رَبِّي” 6 “ ، ولم يقل هو كذا “ 7 “ ، وقد سمّى اللّه - تعالى - الوحي روحا ، فيحتمل أن يكون مرادهم بالرّوح الوحي ، انتهى .
وقد صرّح الحديث الصّحيح بخلق الأرواح بقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : “ إنّ اللّه - تعالى - خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام “ 8 “ ، انتهى . والمراد بالخلق هنا ظهور التّقدير بعد خفائه “ 9 “ ، وقال في الباب الثّاني والسّبعين من “ الفتوحات “ “ 10 “ : لا يصحّ لأحد
.................................................................................
( 1 ) الصواب أنه في الباب الثامن والستين ومائتين لا كما ذكره الناسخ ، وعنوانه : “ في معرفة الروح “ ، انظر : الفتوحات ، 4 / 296 ، وليس ما أورده الشعراني نصا ، بل غير في العبارة . 
( 2 ) قصة هذا الحديث أن رواية قال : “ كنت أمشي مع النبي - صلى اللّه عليه وسلم - في حرث بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب ، فمر بنفر من اليهود ، فقال بعضهم : لو سألتموه ، فقال بعضهم : لا تسألوه ، فإنه يسمعكم ما تكرهون ، فقالوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن الروح ، فقام النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ساعة ، ثم رفع إلى السماء ، فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ، ثم قال : “ قل الروح من أمر ربي ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا “ . أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب التفسير ( الباب 396 / 1146 ) ، 6 / 439 ، وكتاب العلم ، الباب 47 ( تفسيروَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )، والترمذي ، كتاب التفسير ، 3152 ، 5 / 95 .
( 3 ) “ د “ : “ عليه الصلاة والسلام “ .
( 4 ) ( الشعراء ، الآية 23 ) .
( 5 ) “ ب “ : “ التي “ ، وهو تصحيف لا تستقيم به العبارة .
( 6 ) ( الإسراء ، الآية 85 ) .
( 7 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 296 ، وهنا ينتهي كلام محيي الدين . 
( 8 ) أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وانظر ما قاله في الأصل الثامن والعشرين والمائة في تلاقي الأرواح في الدنيا ، والأصل الثالث والثمانين والمائتين في طنين الأذن ، وفيه : “ إن الأرواح لتتلاقى في الهوى ، وأحدهما من صاحبه على مسيرة يوم وليلة ، وإن الأرواح خلقت قبل الأجساد بألفي عام ، فتشامت كما تتشام الخيل “ . انظر : نوادر الأصول ، 1 / 639 ، 2 / 611 . 
( 9 ) “ ب “ : “ مع خفائه “ .
( 10 ) “ ك “ : “ من الفتوحات “ ساقطة ، “ ز “ : “ الثاني والستين “ . وعنوان هذا الباب “ في الحج -


“ 339 “
أن يطّلع على كنه الرّوح ؛ لأنّ الحقّ - تعالى - جعل معرفتها مرتبة تعجيز للخلق عن معرفة كنه “ 1 “ ذاته تعالى .
وقال في الباب الثّامن والسّتّين ومائتين “ 2 “ : إنّما قال - تعالى - في آدم “ 3 “ :وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي *” 4 “ بياء الإضافة إلى نفسه - تعالى - لينبّه على مقام التّشريف لآدم “ 5 “ ، كأنّه - تعالى - يقول : من كان شريف الأصل ، فلا ينبغي أن يخالف فعل أهل الفضائل “ 6 “ ، ويفعل فعل الأراذل ، انتهى “ 7 “ .
فإن قال قائل : فمن أين جاء تفاضل الأرواح “ 8 “ مع أنّها من حيث النّفخ الإلهيّ متساوية ؟ 
فالجواب إنّما تفاضلت الأرواح من حيث القوابل ، فإنّ لها وجها إلى الطّبيعة ، ووجها إلى الرّوحيّة المحضة ، ولذلك كانت عند العلماء باللّه من عالم “ 9 “ البرازخ ؛ كالأفعال المذمومة سواء ؛ فإنّها - أي الأفعال المذمومة - “ 10 “ من حيث كسب العبد لها ناقصة ، ومن حيث كون الحقّ - تعالى - خالقا لها كاملة .
فإن قال قائل : فهل تشهد الأرواح في نفسها رئاسة على العالم ؟
فالجواب ، كما قاله الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في الباب الثّامن والسّبعين ومائتين من “ الفتوحات “ “ 11 “ أنّه لا رئاسة عند الأرواح بوجه من الوجوه “ 12 “ ، ولا تذوق لها طعما ، بل - وأسراره “ ، 2 / 419 . 
.................................................................................
( 1 ) “ ب “ : “ كنه “ ساقطة . 
( 2 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة الروح “ . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 296 . 
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ لآدم “ . 
( 4 ) ( الحجر ، الآية 29 ، ص ، الآية 72 ) . 
( 5 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ عليه الصلاة والسلام “ . 
( 6 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ فعل أهل “ ساقطة . 
( 7 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 296 مع اختلاف طفيف بين العبارتين . 
( 8 ) “ د “ : العبارة : “ فمن أين تفاضل . . . “ . 
( 9 ) “ ك “ : “ علم “ . 
( 10 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : قوله : “ فإنها أي الأفعال المذمومة “ زيادة منهما . 
( 11 ) عنوان هذا الباب : “ في معرفة منزل الألفة وأسراره من المقام الموسوي والمحمدي “ . 4 / 347 . 
( 12 ) انظر : محيي الدين ، الفتوحات المكية ، 4 / 352 ، وعبارته : “ ولماذا يتخيل أنه يراه أعظم عنده من نفسه ، وأن سعادته في عبوديته وذلته بين يديه مع أنه يحب الرئاسة بالطبع ؟ فإن الروح لا رئاسة -


“ 340 “
ذليلة خاضعة لبارئها على الدّوام ، انتهى .

فإن قيل : فهل للرّوح كمّيّة “ 1 “ حتّى إنّها تقبل الزّيادة من حيث جوهر ذاتها ؟
فالجواب : ليس للرّوح كمّيّة كما صرّح به الشّيخ في الباب قبله ، فلا يقبل الزّيادة في جوهر ذاته “ 2 “ ، وإنّما هو فرد لا يجوز عليه التّركيب ؛ إذ لو قبل التّركيب لجاز أن يقوم بجزء منه علم بأمر ما ، وبالجزء الآخر جهل بذلك الأمر عينه ، فيكون الإنسان عالما بما هو به جاهل “ 3 “ ، وذلك محال ، فتركيبه في جوهر ذاته محال ، وإذا كان هكذا فلا يقبل الزّيادة ولا النّقصان ، كما هو شأن المركّبات ، فإنّها تقبل ذلك ، ولولا ما هو عاقل بذاته ما أقرّ بربوبيّة خالقه عند أخذ الميثاق ، ولا يخاطب الحقّ - تعالى - “ 4 “ إلا من يعقل عند خطابه ، وهذا هو حقيقة الإنسان في نفسه .
وأطال في ذلك ، ثمّ قال “ 5 “ : فعلم “ 6 “ أنّ اللّه - تعالى - خلق الرّوح كاملا ، بالغا ، عاقلا ، عارفا ، بتوحيد اللّه تعالى ، مقرّا بربوبيّته ، وهي الفطرة التي فطر اللّه النّاس عليها ، المشار إليها بخبر “ كلّ مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه ، أو ينصّرانه ، أو يمجّسانه “ ، انتهى “ 7 “ ، فاعلم ذلك ، وتأمّل فيه “ 8 “ ، فإنّه نفيس ، ولا تنس قوله - تعالى - :
- عنده في نفسه ، ولا يقبل الوصف بها ، . . . ، ويعلم من هذا المنزل ما أردناه بقولنا :
الحق ما بين مجهول ومعروف * فالناس ما بين متروك ومألوف
والشأن ما بين وصاف وموصوف * فالحال ما بين مقبول ومصروف
.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ كنه “ ، وهو تصحيف .
( 2 ) “ ك “ : “ الجوهر ذاته “ .
( 3 ) “ د “ ، “ ز “ : “ به “ ساقطة .
( 4 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها .
( 5 ) يعني بذلك محيي الدين في الفتوحات المكية ، 4 / 477 .
( 6 ) “ ب “ : “ واعلم “ ، “ ز “ : “ نعلم “ .
( 7 ) الكلام للشيخ محيي الدين ، أورده في الباب التاسع والتسعين ومائتين . انظر : الفتوحات المكية ، 4 / 477 . أما الحديث فقد أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب الجنائز ، 52 ، 213 ، والبخاري في الصحيح ، كتاب الجنائز ( الباب 877 / 1293 ) ، 2 / 587 ، وأبو داود في السنن ، كتاب السنة ، ( 4714 ) ، 5 / 58 ، والترمذي في السنن ، كتاب القدر ( 2145 ) ، 4 / 54 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، 1 / 422 ، وفيه روايتان “ يولد على الملة “ ، و “ وعلى الفطرة “ ، والسيوطي ، الجامع الصغير ( 6355 ) ، 2 / 287 .
( 8 ) “ د “ : قوله : “ وتأمل فيه “ ساقط .


“ 341 “
كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ” 1 “ ، وقوله - تعالى - :كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ( 26 ) “ 2 “ ، فإنّ في الحكم الأول “ 3 “ : كلّ ما له ابتداء فله انتهاء ، والحمد للّه ربّ العالمين .


79 - [ توهّم أنّ للحقّ وجها كوجه الخلق ] 

وممّا أجبت به من يتوهّم من نحو قوله - تعالى - :كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ” 4 “ ، وقوله :وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ” 5 “ أنّ ذلك الوجه كوجه المخلوقات وذواتها “ 6 “ ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، والجواب : قد أجمع أهل الكشف على أنّ الضّمير في قوله :كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ” 7 “ راجع إلى ذلك الشّيء لا إلى الحقّ “ 8 “ جلّ وعلا “ 9 “ ، والمراد أنّ حقيقة كلّ شيء لا يصحّ فناؤها ؛ لأنّها معلوم علم اللّه ، فإنّ الحقائق الثّابتة في العلم لا يصحّ فناؤها وهلاكها ، وإنّما تنقل من طور إلى طور من غير هلاك ولا فناء “ 10 “ .
وقال في الباب الثّالث والسّبعين “ 11 “ من “ الفتوحات “ في قوله - تعالى - :وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ( 27 ) “ 12 “ : المراد بوجه الرّبّ هنا ما أضيف إليه - تعالى - بحكم الاختصاص ؛ كالعمل الصّالح الذي أريد “ 13 “ به وجه اللّه تعالى “ 14 “ ، فإنّه باق لا
.................................................................................
( 1 ) ( القصص ، الآية 88 ) .
( 2 ) ( الرحمن ، الآية 26 ) .
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة فيها : وفي كلام الحكماء الأول “ .
( 4 ) ( القصص ، الآية 88 ) .
( 5 ) ( الرحمن ، الآية 27 ) .
( 6 ) “ د “ : “ وذاتها “ ، “ ز “ : “ وذواتها “ ساقطة .
( 7 ) تقدم تخريجها .
( 8 ) “ أ “ : “ راجع إلى وجه الحق “ ، وهذا لا يستقيم والمعنى . “ ك “ ، “ ز “ : “ راجع إلى وجه ذلك الشيء لا إلى وجه . . . “ .
( 9 ) ورد هذا الرأي في باب الأسرار في الفتوحات المكية ، وقد جاء فيه : “ وجه الشيء حقيقته ، . . . ، فالضمير الذي في وجهه يعود على الشيء ، ويعود على الحق “ . انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 195 .
( 10 ) “ ب “ : شطب الناسخ الجملة : “ وهلاكها ، وإنما تنقل من طور إلى طور من غير هلاك ولا فناء “ .
( 11 ) عنوان هذا الباب “ في معرفة عدد ما يحصل من الأسرار للمشاهد عند المقابلة والانحراف ، وعلى كم ينحرف من المقابلة “ . انظر : الفتوحات المكية ، 3 / 5 .
( 12 ) ( الرحمن ، الآية 27 ) .
( 13 ) “ أ “ : “ أريد “ ساقطة .
( 14 ) “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيها 


“ 342 “
يفنى “ 1 “ ، بخلاف ما دخله الرّياء وحبّ السّمعة ، انتهى “ 2 “ .
وكان الأستاذ سيّدي عليّ بن وفا - رحمه اللّه - “ 3 “ يقول “ 4 “ : حيثما جاء ذكر الوجه في الصّفات الإلهيّة الواردة في الكتاب والسّنّة ، فالمراد به من كان واسطة بينك وبين الحقّ - تعالى - في الاستمداد من الحقّ - تعالى - من شيخ أو غيره ، فإنّه منه تحصل الإفاضة “ 5 “ من الحقّ - تعالى - عليك ، ويتفرّع الإمداد ، فكلّ من بلّغك عن الحقّ - تعالى - “ 6 “ حكما أو أدبا فهو وجه اللّه - تعالى - “ 7 “ الذي تعرّف به إليك “ 8 “ ، قال : ووجه الحقّ الأعظم هو “ 9 “ شريعة محمّد - صلّى اللّه عليه وسلم - لكونها حاوية لجميع شرائع الأنبياء والمرسلين “ 10 “ . انتهى .
فاعلم ذلك ، ونزّه ربّك عن صفة الأجسام ، فإنّ المجسّمة كفّار على “ 11 “ أحد الأقوال المبنيّ على “ 12 “ أنّ لازم المذهب مذهب ؛ وذلك لأنّ المجسّمة عبدوا جسما تخيّلوه في نفوسهم “ 13 “ ، وهو غير اللّه بيقين ، ومن عبد غير اللّه كفر ، كما هو مقرّر في كتاب “ 14 “ الرّدّة من أبواب الفقه ، ومن هنا أيضا كفّروا المعتزلة حيث أنكروا الصّفات ،
.................................................................................
( 1 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ باق عند اللّه لا يفنى “ . 
( 2 ) وقد جاء في موضع آخر من الفتوحات في باب الأسرار ما يرادف هذا المتقدم ، وهو قوله : “ فإن الوجه له البقاء ، والذات التي لها الاعتلاء “ . انظر : الفتوحات المكية ، 8 / 82 . 
( 3 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ رضي اللّه عنه “ . 
( 4 ) “ د “ : “ يقول “ ساقطة . 
( 5 ) “ أ “ ، “ د “ ، “ ب “ : “ الإضافة “ ، ولعل في ذلك تحريفا وتصحيفا . 
( 6 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ تعالى “ ليست فيهما . 
( 7 ) “ ب “ : “ الحقّ تعالى “ . 
( 8 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ تعرف إليك “ . 
( 9 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : العبارة : “ هو وجه شريعة . . . “ . 
( 10 ) “ د “ : “ عليه وعليهم الصلاة والسلام “ ، “ ز “ : “ المرسلين “ ساقطة . 
( 11 ) “ ب “ : العبارة : “ لا على أحد القولين “ ، وبهذا ينقلب المعنى . 
( 12 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ القولين المبنيّ على “ . 
( 13 ) “ ب “ : قوله : “ تخيلوه في نفوسهم “ ساقط . 
( 14 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ كتب “ .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: الكلام على سرّ “ كن “ وتعلّقه بكسب الأفعال كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:30 pm

الكلام على سرّ “ كن “ وتعلّقه بكسب الأفعال كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

فإنّه يلزم من إنكار الصّفات إنكار أحكامها ، وذلك كفر .

80 - [ لا نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب ] 

وقال الشّيخ كمال الدّين بن أبي شريف “ 1 “ : والصّحيح أنّ لازم المذهب ليس بمذهب ولا كفر بمجرّد اللّزوم ، فإنّ اللّزوم “ 2 “ غير الالتزام ، ووقع في “ المواقف “ ما يقتضي تقييده ، بما إذا لم يعلم ذو المذهب اللّزوم ، أو أنّ اللّازم كفر ، فإنّه قال : من يلزمه الكفر ولا يعلم “ 3 “ ، فليس بكافر ، انتهى “ 4 “ . قال : ومفهومه أنّه إن علم ذلك ، أي أنّه كفر “ 5 “ ، ثمّ تديّنه “ 6 “ كفر لالتزامه إيّاه ، واللّه أعلم .
وقد بسطنا الكلام على تكفير أهل الأهواء والبدع في مبحث “ 7 “ : “ ولا نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب “ في كتابنا “ اليواقيت والجواهر “ ، وذكرنا أنّ الإمام أبا الحسن الأشعريّ - رحمه اللّه - “ 8 “ رجع “ 9 “ عن تكفير أهل البدع والأهواء ، وقال عند موته : اشهدوا عليّ أنّي لم “ 10 “ أكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب ؛ وذلك لأنّي رأيتهم كلّهم يشيرون إلى معبود واحد ، والإسلام يشملهم ويعمّهم ، وفي رواية أنّه قال : لا أكفّر أحدا من أهل القبلة ؛ لأنّ الجهل بالصّفات ليس جهلا “ 11 “ بالموصوف ، انتهى “ 12 “ .
.................................................................................
( 1 ) تقدمت ترجمته .
( 2 ) “ د “ : قوله : “ فإن اللزوم “ ساقط .
( 3 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ به “ ساقطة .
( 4 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، 2 / 529 .
( 5 ) “ ب “ : ثم سقط أصلح من النسخ الأخرى .
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ دام عليه “ ، “ ب “ : “ داوم “ .
( 7 ) “ ك “ ، “ ز “ : في مبحث قولنا “ .
( 8 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ رحمه اللّه “ ليست فيها . وقد تقدمت ترجمته .
( 9 ) “ أ “ ، “ ب “ : “ رجع “ ساقطة .
( 10 ) “ ب “ : “ لا “ .
( 11 ) “ أ “ : “ جحدا “ ، وإخاله تصحيفا .
( 12 ) انظر : الشعراني ، اليواقيت والجواهر ، في المبحث الثامن والخمسين : “ في بيان عدم تكفير أحد من أهل القبلة بذنبه أو ببدعته وبيان أن ما ورد في تكفيرهم منسوخ أو مؤول أو تغليظ وتشديد ؛ -

“ 344 “
وتبعه أكثر الأئمّة على ذلك ، وقالوا : إنّ التّكفير أمر هائل عظيم الخطر ، ومن كفّر إنسانا فكأنّه أخبر عنه بأنّ عاقبته في الآخرة العقوبة الدّائمة أبد الآبدين ، وأنّه في الدّنيا مباح الدّم والمال ، لا يمكّن من نكاح مسلمة ، ولا تجري عليه “ 1 “ أحكام أهل الإسلام في حياته “ 2 “ ، ولا بعد مماته ، وقالوا : الخطأ في ترك قتل ألف كافر أهون من الخطأ في سفك قدر محجمة من دم مسلم “ 3 “ . 

وسئل شيخ الإسلام السّبكيّ “ 4 “ - رحمه اللّه تعالى - “ 5 “ عن تكفير أهل الأهواء والبدع ، فقال : إنّ تكفير هؤلاء يحتاج إلى أمرين عزيزين :
أحدهما : تحرير المعتقد ، وهو صعب من جهة صعوبة علم الكلام ، ومواطن “ 6 “ الاستنباط ، وتمييز الحقّ فيه من غيره .
الثّاني “ 7 “ : عسر معرفة ما في القلب ، وتخليصه ممّا يشوبه ، وإذا كان الإنسان يعجز عن تحرير معتقده في عبادة ، فكيف بتحريره اعتقاد غيره في عبادة ، وإنّما يحصل هذان
- كقوله - تعالى - :وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، 2 / 526 .
.................................................................................
( 1 ) “ د “ : “ عليه “ ساقطة .
( 2 ) “ ب “ : “ في حياته “ ليست فيها .
( 3 ) “ ب “ : “ من مسلم “ .
( 4 ) هو الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي السبكي المفسر الأصولي اللغوي المقرئ البياني الجدلي النظار شيخ الإسلام ، ومن أبنائه العلماء المصنفين البهاء السبكي ، والتاج ، ولد التقي سنة ( 683 هـ ) في “ سبك “ من أعمال المنوفية بمصر ، وانتقل إلى القاهرة والشام ، وقد كان شافعي المذهب ، أشعري العقيدة ، وقد قيل إنه صنف نحو مائة وخمسين كتابا مطولا ، توفي سنة ( 756 هـ ) ، انظر ترجمته : ابن حجر ، الدرر الكامنة ، 3 / 38 ، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 14 / 196 ، والسيوطي ، بغية الوعاة ، 342 ، وحسن المحاضرة ، 1 / 277 ، وابن العماد ، شذرات الذهب ، 6 / 180 ، والبغدادي ، هدية العارفين ، 5 / 720 ، والزركلي ، الأعلام ، 4 / 302 ، وعمر كحالة ، معجم المؤلفين ، 2 / 461 .
( 5 ) “ ب “ : “ رحمه اللّه تعالى “ ليست فيها .
( 6 ) “ ك “ ، “ ز “ : “ موطن “ .
( 7 ) “ أ “ ، “ ك “ ، “ ب “ : “ الثاني عشر “ ، وهو وهم لا يستقيم سببه تداخل رسم كلمة “ الثاني “ مع “ كلمة “ عسر “ ، فظن النساخ أنها “ الثاني عشر “ .

“ 345 “
الشّرطان لرجل جمع صحّة الذّهن ، ورياضة النّفس ، وخرج عن الميل عن “ 1 “ الهوى ، والتّعصّب بعد امتلائه “ 2 “ من علوم الشّريعة ، فإنّ المسائل التي يكفّر بها المبتدعة في غاية الدّقّة والغموض لكثرة تشعبها “ 3 “ ، ودقّة مداركها ، واختلاف قرائنها ودواعيها ، ومعرفة الألفاظ المحتملة للتّأويل وغير المحتملة ، وذلك يستدعي معرفة جميع طرق أهل اللّسان من سائر قبائل العرب في مجازاتها واستعاراتها ، وهذا عسر جدّا على العلماء فضلا عن آحاد النّاس .

فتأمّل يا أخي في جميع ما ذكرته لك في هذه الأجوبة ، وإن تجد عيبا فسدّ الخلل “ 4 “ ، فإنّ كلّ عبد إنّما يجيب في الأحكام المسكوت في الشّرع عن الإفصاح بها بقدر وسعه ، ودائرة علمه ، وقد يكون ما أجاب به عن أحد من الأكابر قريبا من مقام الهجو له لبعده عن ذوق مقامه ، فكيف بربّ الأرباب جلّ وعلا ، وما حملني على التّورّط “ 5 “ في مثل ذلك إلّا الغيرة الإيمانيّة على جناب “ 6 “ الحقّ - تعالى - على أن يعتقد “ 7 “ أحد من الملحدين في أسمائه وصفاته على ما قاله فيها فضلا عن كلامه في الذّات المقدّس ، فاعلم ذلك يا أخي ، وإن فتح اللّه - تعالى - عليك بجواب أوضح من جوابي في هذا الكتاب فأحلقه به نصيحة للّه ولرسوله ، واللّه يتولّى هدانا وهداك ، وهو يتولّى الصّالحين ، والحمد للّه ربّ العالمين .
وليكن ذلك آخر كتاب “ القواعد الكشفيّة الموضحة لمعاني الصّفات الإلهيّة “ “ 8 “ ، وكان الفراغ منها يوم الخميس المبارك [ من شهر ] “ 9 “ جمادى الأولى

.................................................................................
( 1 ) “ ك “ ، “ ب “ ، “ ز “ : “ إلى “ . 
( 2 ) “ ك “ ، “ ب “ : “ إلى امتلائه “ ، “ ز “ : “ وامتلأ من علوم . . . “ . 
( 3 ) “ ب “ : “ شبهه “ . 
( 4 ) هذا بعض بيت ، وتمامه :إن تجد عيبا فسد الخللا * جل من لا عيب فيه وعلا( 5 ) “ د “ : “ التوريط “ . 
( 6 ) “ د “ ، “ ك “ ، “ ز “ : “ جانب “ . 
( 7 ) “ أ “ : “ يعتد “ ، والعبارة في “ د “ و “ ب “ و “ ز “ : “ من أن يقر . . . “ . 
( 8 ) “ ك “ : “ الإلهية المرضية “ . 
( 9 ) ما بين القوسين المعقوفين زيادة من المحقق مكان كلمة مطموسة غير مقروءة .


“ 346 “

سنة تسع وسبعين وتسعمائة ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل ، والحمد للّه ربّ العالمين “ 1 “ .
.................................................................................
( 1 ) كتب الناسخ في نهاية المخطوطة بعد ذكر السنة حروفا : سنة 979 . 
وقد ختم الناسخ النسخة “ د “ بقوله : “ ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله وسلّم ، وافق الفراغ من كتابة هذه النّسخة المباركة في أواخر شهر محرّم الحرام سنة اثنتين وعشرين وألف على يد أضعف خلق اللّه ، وأحوجهم إلى مغفرته ، شرف بن الطّوخيّ الشّعراويّ ، غفر اللّه له ، ولوالديه ، ولمشايخه ، ولمن دعا لهما بالمغفرة ، ولكلّ المسلمين ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه تعالى “ .
وقد ختم الناسخ النسخة “ ك “ بقوله : “ وصلى اللّه على سيدنا محمد خير البرية ، وعلى آله وأصحابه الصحبة المرضية ، تسليما كثيرا إلى يوم الدين ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم ، وكان الفراغ من نقل هذه النسخة المباركة يوم الخميس من شهر ذي الحجة ، تسعة وعشرون يوما خلت منه اختتام 1149 ، غفر اللّه لكاتبها ولوالديه ، ومن طالعها آمين “ . 

أما نهاية النسخة “ ب “ فقد جاء فيها : “ وكان الفراغ من كتابتها في سلخ رجب الفرد من شهور سنة سبع وعشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام من رب البرية ، على يد أحقر المساكين ، عمر باب الدين ، غفر له ولوالديه والمسلمين ، آمين “ ،
أما النسخة “ ز “ فقد قفلها الناسخ بقوله : “ وليكن ذلك آخر كتاب “ القواعد الكشفيّة الموضحة لمعاني الصّفات الإلهيّة “ ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد خير البريّة ، وعلى أصحابه الصّحبة المرضيّة تسليما كثيرا إلى يوم الدّين ،
وكان الفراغ من نقلها 17 شهر شوّال 1234 من الهجرة النّبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام ، آمين “ .



* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: فهرس المحتويات لكتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني   كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه Emptyالجمعة ديسمبر 29, 2023 1:31 pm

فهرس المحتويات لكتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني

كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني 898 ه‍ - 973 ه‍ 

فهرس المحتويات 
الإهداء 3 
مهاد وتأسيس 5 
مقدّمة التّحقيق 9 
أوّلا : ترجمة المؤلّف 9 
اسمه وكنيته ونسبه 9 
مولده وطلبه للعلم 10 
المرحلة الأولى : النّاشىء في القرية 10 
المرحلة الثّانية : المتعلّم في مصر 11 
المرحلة الثّالثة : الدّاخل في طريق القوم 12 
شيوخه 14 
من تآليفه 15 
الدّسّ عليه 28 
وفاته 30 
من لطيف كلامه 31 


ثانيا : الشّعرانيّ في عيون المستشرقين 32 
المستشرق “ نيكلسون “ 32 
المستشرق “ ماكدونالد “ 32 
المستشرق “ فوللرز “ 32 
المستشرق “ بروكلمان “ 32 
ثالثا : شكل الكتاب ومضمونه 33 
رابعا : بين الشّعرانيّ والشّيخ محيي الدّين ابن العربي 36 
خامسا : زمن تصنيف الكتاب ونسبته 38 
سادسا : المصطلح الصّوفيّ في هذا الكتاب 38


سابعا : وصف النّسخ المخطوطة 43 
ثامنا : سير التّحقيق 46 
تاسعا : صور من النّسخ المخطوطة 48 
الكتاب محقّقا 63 
شروط من يتصدّر للجواب عن آيات الصّفات 64 
مفهوم التّقدير والتّدبير 66 
معنى حديث “ والشّقيّ من شقي في بطن أمّه “ 68 
المحاجّة بين آدم وموسى عليهما السّلام 71 
تفاوت الوجود في المقامات والذّوات 75 
شبهة الاعتراض على القدرة 78 
مقصود الكتاب 82 
العقيدة الصّالحة الجامعة 82 
الجواب عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم 88 
الأشعريّة والماتريديّة 90 
الباعث على تصنيف كتب العقائد 92 
القرآن دليل قطعيّ سمعيّ عقليّ 92 
عقيدة العوامّ الفطريّة 95 
توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق 97 
توهّم أنّ محبّة الحقّ لشيء كمحبّة الخلق 98 
توهّم إحاطة الخلق بالحقّ تعالى 99 
توهّم خلق الوجود من عدم في علم الحقّ 103 
توهّم إضافة النّسيان وغيره ممّا لا يجوز إلى جناب الحقّ 104 
توهّم معرفة كنه الذّات المقدّس 104 
كلام الشّيخ محيي الدّين ابن العربي على ماهيّة الذّات وكنهها 106


توهّم ارتفاع حجابيّة العلم بين الحقّ والخلق 112 
توهّم مراقبة الذّات الأحديّة 113 
توهّم صحّة الأنس باللّه 114 
توهّم الخلق صورة معقولة للحقّ 116 
توهّم الوحدة المطلقة وأنّ كلّ ما وقع عليه البصر هو اللّه 120 
توهّم أنّ ذات الحقّ مقيّدة مشبّهة أخذا من حديث “ ينزل ربّنا كلّ ليلة “ 123 
توهّم قدم العالم 125 
توهّم إيجاد العالم من ذاته 128 
توهّم “ لولا التّوحيد ما فهمت الوحدانيّة “ 130 
توهّم جهة الفوق دون التّحت 132 
أقوال المتصوّفة في دفع شبهة الجهة في جناب الحقّ 133 
مذهب الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في آية الاستواء 136 
أقوال المتصوّفة في آية الاستواء وحديث النّزول 139 
توهّم “ لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن “ 147 
توهّم أنّ غضب الحقّ على وزان غضب الخلق 151 
توهّم التّكليف بما هو فوق الطّاقة 152 
توهّم الجبريّة 154 
مذهب الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في قول الحقّ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ160 
تعلّق علم الحقّ بالخلق قديما 165 
توهّم أنّ ظلم الخلق من غير إرادة الحقّ 167 
توهّم استفادة الحقّ علما من الخلق 167 
مذهب الشّيخ محيي الدّين ابن العربي على قول الحقّ حَتَّى نَعْلَمَ168 
توهّم أنّ نزول البلاء على أهل محلّة العاصي ليس بعدل 175


توهّم في معنى “ من عرف نفسه عرف ربّه “ 177 
توهّم أنّ التّسبيح تنزيه عن النّقائص 182 
توهّم أنّ الحقّ يوجب على نفسه ما لا يصحّ له الرّجوع عنه 184 
تخصيص قول الحقّ “ ورحمتي وسعت كلّ شيء “ 187 
توهّم القول بأنّ الحقّ غنيّ عن إيجاد الخلق لا وجودهم 188 
توهّم حلول الحقّ واتّحاده بالخلق 192 
منع الشّيخ محيي الدّين ابن العربي مفهوم الحلول والاتّحاد 192 
توهّم الخلق أينيّة للحقّ 199 
توهّم أنّ معيّة الحقّ معيّة تحيّز 201 
توهّم أنّ الحقّ يضبطه اصطلاح 206 
توهّم تقييد أسماء الحقّ وصفاته 207 
توهّم إيجاد العالم عن عدم متقدّم مطلقا 209 
توهّم خلق العالم على مثال سابق 213 
توهّم أنّ صفات الحقّ غيره 217 
توهّم عدم إيلام الحقّ للدّوابّ والأطفال 221 
كلام الشّيخ محيي الدّين ابن العربي على هذه المسألة 222 
توهّم أنّ قرب الحقّ أو بعده مسافة 224 
توهّم أنّ كلام الحقّ يكون عن صمت متقدّم 226 
كيفيّة كلام اللّه وحدوثه وقدمه 228 
عقيدة الشيخ ابن العربيّ في كلام اللّه 231 
توهّم أنّ سماع جبريل أو النّبيّ كلام اللّه كسماع الخلق بعضهم بعضا 237 
القول على الحروف المقطّعة أوائل السّور 238 
توهّم أنّ آيات الصّفات وأخبارها مكيّفة 241 
تأويل بعض آيات الصّفات الواردة في جنب الحقّ 244


توهّم أنّ للحقّ تعالى قدمين 249 
توهّم انتفاء تأبيد الخلود في النّار 252 
توهّم أن كتابة الحقّ ككتابة الخلق 258 
توهّم العقل في قصور القدرة الإلهيّة 261 
توهّم العقل أنّ النّشأة الإنسانيّة لا تكون إلّا عن سبب واحد 268 
توهّم أنّ رؤية الحقّ تكون بحقيقة الذّات من غير حجاب 274 
باب القول على رؤية الخلق للحقّ في المنام 277 
باب القول على كلام الصّوفيّة في رؤية الحقّ 278 
الفرق بين الشّهود والرّؤية 282 
باب القول على رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ288 
باب القول على لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ296 
توهّم نفي رؤية الحقّ في المنام 300 
حجّة المانعين للرّؤية 302 
توهّم مذهب الجبريّة 305 
مذهب الشّيخ محيي الدّين ابن العربي في مسألة خلق الأفعال وتعقّل وجه الكسب فيها 307 
الكلام على سرّ “ كن “ وتعلّقه بكسب الأفعال 318 
وجه إضافة الفعل إلى الحقّ ووجه إضافته إلى الخلق 320 
توهّم أنّ أفعال الحقّ بالحكمة 327 
توهّم أنّ الحقّ خلق الخلق وقد تركهم لا يبالي 329 
توهّم أنّ حكم الإلهام في التّقوى والفجور واحد 330 
توهّم في معنى “ إنّ رحمتي سبقت غضبي “ 331 
الدّسّ على الشّيخ محيي الدّين ابن العربي والشّعرانيّ 332 
توهّم في معنى “ بادرني عبدي “ 336
توهّم حقيقة الرّوح 337  
توهّم أنّ للحقّ وجها كوجه الخلق 341
لا نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب 343
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب التجليات الإلهية من 01 - 10 الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي رضي الله مع تعليقات و شرح ابن سودكين
» الطبقات الكبرى للشعراني الجزء الأول لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية الشيخ عبد الوهاب الشعراني
» كتاب المناظر الإلهية العارف بالله الشيخ قطب الدين عبد الكريم الجيلي قدس الله روحه
» فهرس المحتويات .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» كتاب مراتب الوجود وحقيقة كل موجود الشيخ قطب الدين عبد الكريم الجيلي قدس الله سره

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: المنتدى الصوفى العام-
انتقل الى: