منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:31 pm

المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

المقدمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، الواحد الأحد ، في ذاته وصفاته وأفعاله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشّورى : 11 ] خلق الأكوان من العدم على غير مثال سبق وما زال يمدها بالوجود ويمسكها عن الزوال مصداقا لقوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا[ فاطر : 41 ] .
والحمد للّه رب العالمين أمرنا بالتخلّق بأخلاقه تعالى بقوله :وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ[ آل عمران : 79 ] .
والصلاة والسلام على سيد ولد آدم ، النبي الخاتم ، والإنسان الكامل ، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، ليعلّمهم مكارم الأخلاق مصداقا لقوله صلى اللّه عليه وسلم : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »
. وبعد فهذا شرح لثلاثين حكمة في تربية النفس وتزكيتها من الأوصاف السيئة وتحليتها بالأخلاق الفاضلة لتتهيأ لسلوك طريق الآخرة ، بسيرها على الصراط المستقيم وصولا إلى معرفة اللّه تعالى التي هي غاية خلق الخلق .
وهذه الحكم اخترتها من حكم الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري إمام عصره في علمي الشريعة والحقيقة قال عنه الإمام الذهبي : « كانت له جلالة عظيمة ، ووقع في النفوس ، ومشاركة في الفضائل وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروّح النفوس » ( شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 6 / 20 ) .
وقال عنه الشيخ ابن الأهدل : « الشيخ العارف باللّه شيخ الطريقين ( الشريعة والحقيقة ) وإمام الفريقين ( الفقهاء والصوفية ) كان فقيها عالما ينكر على الصوفية ، ثم جذبته العناية ( الإلهية ) فصحب شيخ الشيوخ أبا العباس المرسي ، وفتح عليه على يديه وله عدة تصانيف ، منها الحكم وكلها مشتملة على أسرار ومعارف وحكم ولطائف ، نثرا ونظما من طالع كتبه عرف فضله » . ( المرجع السابق ) .
وأما الحكم فيقول عنها الشيخ ابن عباد النفري في مقدمة كتابه غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية : « أما بعد فإنا لما رأينا كتاب الحكم المنسوب إلى الشيخ الإمام المحقق العارف ابن عطاء اللّه السكندري من أفضل ما صنف في علم التوحيد وأجل ما اعتمده بالتفهم والتحفظ كل سالك ومريد ، لكونه صغير الجرم ، عظيم العلم ، ذا عبارات رائعة ومعان حسنة فائقة ، قصد فيها إلى إيضاح طريق العارفين والموحّدين وإبانة مناهج السالكين والمتجرّدين، أخذنا في وضع تنبيه يكون كالشرح لبعض معانيه الظاهرة ».
هذا وقبل أن أبدأ في شرح الحكم مهّدت ببحث عن التصوف الإسلامي ثم تكلمت عن وجوب معرفة اللّه تعالى على كل مكلّف وبينت أنها أول واجب عليه تعلّمه.
ثم تكلمت عن أقسام الدين الإسلامي الكامل : الإسلام والإيمان والإحسان ، وبيّنت تعلق علم الفقه بالإسلام ، وعلم العقيدة بالإيمان ، وعلم التصوف بالإحسان .
ثم تكلمت عن المعوقات التي تحول بين العبد وربه ، وتمنعه من سلوك الطريق المستقيم طريق الآخرة التي أمرنا اللّه تعالى باتباعها لنصل إلى السعادة الأبدية .
وأخيرا وإتماما للفائدة ألحق بالكتاب النص الكامل للحكم العطائية الكبرى والصغرى مرقّمة ومضبوطة بالشكل الكامل ، إضافة إلى مناجاته الإلهية ومختارات من مكاتباته لبعض مريديه ، كما وضعت فهرسا بشرح مصطلحات الصوفية عند ابن عطاء اللّه رحمه اللّه تعالى ونفعنا وإياكم بعلومه وأسراره .
وأسأل اللّه تعالى أن يجعل ما أجراه على خاطري وخطه بناني خالصا لوجهه الكريم وأن يجعله حجة لي وينفعني به والمسلمين ويزيدني علما وتحققا بأسمائه وصفاته وتجردا عن كل ما سواه تعالى إنه نعم المولى ونعم النصير .
والحمد للّه رب العالمين .
وكتبه العبد الفقير إلى اللّه تعالى
عاصم إبراهيم الكيالي 
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
والحمد للّه ، الوجود الحق المبين ، قيوم السماوات والأرض ، المنزّه عن الإطلاق والتقييد والمتعالي عن التشبيه والتنزيه ، المتجلي بجماله وجلاله في مظاهر أسمائه وصفاته ، الباطن بأحديته حيث لا تدركه البصائر والأبصار ، والظاهر بواحديته حيث الوجوه الناضرة إلى ربها ناظرة .
والصلاة والسلام على الرحمة المهداة من أزل الأولية الذاتية ، الكنزية المخفية ، إلى أبد الآخرية ، الصفاتية العيانية . والصادر من عماء البطون ساريا في أطوار الشؤون ، لإيجاد الوجود في عوالم الملك والملكوت والجبروت ، والقدوة الحسنة للهيكل الإنساني في أرض جسمه ونفسه ، وسماء قلبه وعقله ، وحقيقة روحه وسره ، بما بعث له به من الإسلام والإيمان والإحسان . إظهارا للحقائق والتعينات العلمية على مقتضى الاستعدادات والقوابل القدرية الحكمية .
ورضوان اللّه تعالى وسلامه وتحياته على جميع آله الطيبين الطاهرين ، المبرئين من أدناس الأغيار ، والمتزينين بحلل المعارف والأسرار ، والمتزيين بزي حبيبهم المختار ، من قلائد المراقبة والشهود والاستحضار بجميع الأنفاس والأطوار . والآيلين إليه بالأنساب وبالمتابعة في جميع أنواع الأنوار ، الذين شيّد اللّه تعالى بهم البيت الإلهي وعمره تعميراإِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[ الأحزاب : 33 ] .
وعلى أصحابه المقربين الأبرار ، المهاجرين منهم والأنصار ، الخارجين من مكة النفوس قبل الفتح إلى مدينة القلوب الروحانية والأسرار الربانية ، والناصرين للملة الإسلامية بين البرية بالأقوال والأفعال والأحوال :مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ[ الفتح : 29 ] .
وعلى التابعين لهم بإحسان في كل حال ومقام ، على مدى الأزمنة والأوقات ، في جميع مراتب التجليات والتنزلات ، بحسن المتابعة والاقتداء ، وكمال الاهتداء إلى يوم الدين .
وأما بعد ، فقبل أن نبدأ الحديث عن التصوّف الإسلامي ، مبينين حدّه ، واشتقاقه واستمداده ، وحكم الشّارع فيه ، ونسبته من سائر العلوم الشّرعيّة ، ومواضيع أخرى تكشف لنا عن حقيته وأهميته في حياة الفرد والمجتمع ، وعن موقعه في الموروث الحضاري الإسلامي والعالمي ، لا بد من ذكر مقدمات ذات علاقة عضوية وجوهرية بالتصوف ، تعتبر من مفردات موضوعاته ، وتشمل الحديث عن العناوين التالية :
السعادة المادية والروحية ، وغاية وجود الإنسان ، والإنسان ومعرفة اللّه تعالى ، ووجوب المعرفة على كلّ مكلّف ، وأقسام المعرفة البرهانية والعيانية ؛ الكسبية والوهبية ، الشرعية والحقيقية ، وحقيقة الإنسان الخليفة الملكية والملكوتية والجبروتية ، ومبدأ الدين الإسلامي ووسطه وكماله : الإسلام والإيمان والإحسان .
وأبدأ بالحديث عن السعادة المادية والسعادة الروحية قائلا : إن السعادة تنقسم إلى نوعين : الأول سعادة مادية جسدية آنية ، والثاني سعادة عقلية روحية أبدية ، وإنّ البشر يسعون جاهدين دون كلل أو نصب لتحقيق أحد هذين النوعين من السعادة .
إنّ لكل إنسان هدفا يشبع من خلاله غرائزه ورغباته واحتياجاته المادية أو الروحية ، لكي يصل إلى اللذة أو السعادة التي يجدها في هذا الهدف الذي يعده غاية وجوده ، إنّ هذا الهدف المحرك للإنسان نحو غايته مركوز ، في تركيبته الجامعة للمادة والروح ، وتوجهات الإنسان ومساعيه المحققة لاحتياجات هذه التركيبة منطقية وضرورية فطرية .
إنّ اللّه تعالى خالق هذه التركيبة ، لم يترك الإنسان تائها يتخبط في سيره نحو تحقيق السعادة دون دليل يسترشد به ويضيء له الطريق ، فكانت المحجة البيضاء التي لا يضل عنها إلا هالك : كتاب اللّه وسنّة النبي محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم .
غاية وجود الإنسان :
إنّ السعادة المادية في الإسلام مطلوبة من الإنسان على أنها من وسائل استمرار وجوده وليست غاية وجوده ، فملذات الحياة الدنيا غير مقصودة لذاتها ، بل لتساعد المؤمن في سيره نحو مقصده الأسمى اللّه تعالى ، الذي هو غاية وجوده في هذا الكون .
إنّ معرفة اللّه تعالى ومعرفة وحدانيته في ذاته وصفاته وأفعاله ، هي عين السعادة الحقيقية الروحية الأبدية ، فهي غاية خلق الخلق ، قال تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )[ الذّاريات : 56 ] .
فسّر عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما « إلا 
ليعبدون » بإلا ليعرفون فيكون الحق تعالى قد عبّر عن « المعرفة » التي هي الغاية ب « العبادة » التي هي الوسيلة .
الإنسان ومعرفة اللّه :

إنّ الإنسان مفطور على معرفة اللّه تعالىفِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها[ الرّوم : 30 ] ، ولكنه بعد نزوله إلى الدنيا وانغماسه في شهواتها بإغواء الشيطان والنفس والهوى تشوهت هذه المعرفة ، فأرسل اللّه تعالى رسله عليهم الصلاة والسلام ، وأنزل كتبه للتذكير بتوحيد الفطرة .أول واجب على كل مسلم مكلّف :
إنّ الشريعة الإسلامية جعلت معرفة اللّه تعالى أول واجب على كل مسلم مكلّف ، قال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ[ محمّد : 19 ] .
قال الإمام السيوطي في كتابه ( الإكليل في استنباط التنزيل ) : « قد استدل بالآية من قال بأن أول الواجبات معرفة اللّه تعالى » . وهذه المعرفة تنقسم إلى قسمين : معرفة استدلالية برهانية ، ومعرفة شهودية عيانية .المعرفة أو الإيمان أو العلم باللّه تعالى القولي ( التقليدي ) ، والنظري ( الاستدلالي ) ، والشهودي ( اليقيني العياني ) :
يقول الشيخ عبد الغني النابلسي موضحا ذلك : « اعلم أن العلوم ثلاثة : علم القول ، وعلم الفهم ، وعلم الشهود . فعلم القول للمقلدين القاصرين ، وعلم الفهم للناظرين المستدلين ، وعلم الشهود للعارفين الذائقين .
« وقد انقسم الإيمان باللّه وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالشرائع والأحكام إلى ثلاثة أقسام :
إيمان المقلدين وهو بالقول فقط مع طمأنينة قلوبهم من غير فهم وهو المشار إليه بقوله تعالى :قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا[ البقرة : 136 ] الآية .

وإيمان المستدلين وهو بالفهم مع القول فقط وهو المشار إليه بقوله تعالى :قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ يونس : 101 ] .
وأما القسم الثالث فهو إيمان العارفين وهو بالشهود فقط بعد القول والفهم وهو المشار إليه بقوله تعالى :شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ[ آل عمران : 18 ] » .

ثم يشرح الشيخ عبد الغني النابلسي هذه الآية قائلا : « ومن عظيم أسرار هذه الآية أن الشهادة ذكرت فيها مرة وأسندت إلى ثلاثة حقائق : اللّه والملائكة وأولو العلم ، فدلّ أن الشهادة واحدة أسندت إلى اللّه أولا ثم تنزلت إلى الملك ثم إلى صاحب العلم فهي في اللّه فعل وفي الملك وصاحب العلم تفويض وبالتفويض يقع الشهود . فإن اللّه لا ينسب إليك شهادته إلا إذا فوضت إليه وإذا فوضت إليه محقك من عينك فكان هو الشاهد والمشهود وفي هذا المقام يقول بعض العارفين : ما عرف اللّه إلا اللّه . . . .
« ولا شك أن أقسام الإيمان الثلاثة ترجع إلى قسم واحد وهو ما ورد عن اللّه تعالى ، قاله المقلدون بأفواههم ، وتصوره المستدلون بأذهانهم ، وشهده العارفون بأسرارهم .
فهو في المقلد قول وفي المستدل تصور وفي العارف شهود . بمنزلة من قال بلسانه نار ، ومن تصور النار في ذهنه ، ومن أدرك حرارتها ببدنه . فالقائل يستند في قوله إلى غيره حاكيا عنه . والمتصور يستند في شهوده إلى ذهنه حاكيا عنه ، والمشاهد يستند في شهوده إلى حقيقة ما شاهده حاكيا عنه . فمعلّم الأول آخر مثله ، ومعلم الثاني فكره وذهنه ، ومعلم الثالث ربه ، كما قال بعض العارفين : أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت . وشتان بين من ينطق عن غيره أو فكره وبين من ينطق عن ربه .
فالحق الذي يجب الإيمان به واحد ولكن يختلف باختلاف الظهورات ؛ فظهوره في أصحاب الأقوال غير ظهوره في أصحاب الاستدلال غير ظهوره في أصحاب شهود الأحوال » انتهى .

وهذا العلم الأخير علم شهود الأحوال هو المعبّر عنه بالعلم الوهبي أو العلم اللدني .العلم الوهبي أو العلم اللدني :
وهو العلم المشار إليه بقوله تعالى :وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ[ البقرة : 282 ] وقوله تعالى :وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً[ الكهف : 65 ] والمشار إليه بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم داعيا لعبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما : « اللهم فقّهه في الدين وعلمه التأويل »
وهو المراد بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « العلماء ورثة الأنبياء »
وبقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ». 
وقال الإمام علي رضي اللّه عنه وكرّم وجهه :«علّمني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بابا من العلم لم يعلّم ذلك لأحد غيري».
 وكان يضرب بيده على صدره ويقول : « إن ههنا علوما جمّة لو وجدت لها حملة » .
وفي رواية البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : « حملت عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جرابين من العلم فأما الواحد فبثثته فيكم ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم » . ( صحيح البخاري ، باب حفظ العلم ، من كتاب العلم ، حديث رقم 42 ، الجزء الأول ) .
وأخرج الحاكم في ترجمة أبي هريرة قوله : « حفظت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحاديث ما حدثتكم بها ، ولو حدثتكم بها لرميتموني بالأحجار » .
وقال صلى اللّه عليه وسلم :« نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم »
وهو معنى قوله تعالى :وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً[ النّساء : 63 ] أي خاطبهم على قدر عقولهم ومقدار فهومهم ، فإن القول البليغ هو الذي يكون بحسب مبالغ المخاطبين . ثم أمرنا عليه الصلاة والسلام بما أمر به فقال : « خاطبوا الناس على قدر عقولهم » .
وفي الحديث الشريف أيضا : « إن من العلم كهيئة المكنون ، لا يعلمه إلا العلماء باللّه ، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة باللّه » « 1 » .
وقال بعض أهل العلم شارحا هذا الحديث : « هي أسرار اللّه يبديها إلى أمناء أوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة ، وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها إلا الخواص فإذا سمعها العوام أنكروها . 
ومن جهل شيئا عاداه ، ومن يكن ذا فم مريض يجد مرارة الماء الزلال » .
وروي عن الإمام جعفر الصادق قوله :
يا ربّ جوهر علم لو أبوح به * قيل أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وروي عن الإمام الششتري قوله :
بالسر إن بحنا تباح دماؤنا * وكذا دماء البائحين تباح
وقال الشيخ القطب أبو مدين :وفي السر أسرار دقاق لطيفة * تراق دمانا جهرة لو بها بحنا
( 1 ) أخرجه العراقي في المغني عن حمل الأسفار 1 / 21 ، والمنذري في الترغيب والترهيب ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1 / 166 ، 2 / 66 ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، وابن كثير في التفسير 6 / 357 ، والسيوطي في اللآلء المصنوعة 1 / 115 ) .
وقال الشيخ ابن عجيبة : قال بعضهم :
فمن فهم الإشارة فليصنها * وإلا سوف يقتل بالسنان
كحلاج المحبة إذ تبدت * له شمس الحقيقة بالتداني
وهو الذي أشار إليه الشيخ ابن الفارض سلطان العاشقين بقوله :
ولا تك ممن طيشته طروسه * بحيث استقلت عقله واستقرت

فثمّ وراء النقل علم يدق عن * مدارك غايات العقول السليمة
تلقيته مني وعني أخذته * ونفسي كانت من عطائي ممدتي
وقال البوصيري :قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * وينكر الفم طعم الماء من سقم
وشبّه مشايخ التصوف منكر علومهم بالعنين الذي ينكر شهوة الجماع ، وبالمزكوم الذي ينكر رائحة المسك الأذفر ، وبالمحموم الذي ينكر حلاوة السكر .
علم الشريعة وعلم الحقيقة :

وهذا العلم يعبر عنه أيضا بعلم الحقيقة في مقابلة علم الشريعة وبينهما علم الطريقة . قال الشيخ أحمد بن عجيبة الحسني مبينا الفرق بين الشريعة والحقيقة :
« أشكل على بعض الفضلاء قوله تعالى :ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ النّحل : 32 ] مع قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« لن يدخل أحدكم الجنة بعمله » الحديث .
والجواب هو أن نقول : إن الكتاب والسنّة وردا بين شريعة وحقيقة .
أو نقول بين تشريع وتحقيق ، فقد يشرعان في موضع ويحققان في آخر في ذلك الشيء بعينه ، وقد يحققان في موضع ويشرعان فيه في آخر ، وقد يشرع القرآن في موضع وتحققه السنة ، وقد تشرع السنة في موضع ويحققه القرآن فالرسول عليه الصلاة والسلام مبين لما أنزل اللّه .
قال تعالى :وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ[ النّحل : 44 ] .
فقوله تعالى :ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ النّحل : 32 ] .
هذا تشريع لأهل الحكمة وهم أهل الشريعة ، وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« لن يدخل أحدكم الجنة بعمله »
هذا تحقيق لأهل القدرة وهم أهل الحقيقة ، كما أنّ قوله تعالى :وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ[ الإنسان : 30 ] تحقيق .
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « إذا همّ أحدكم بحسنة كتبت له حسنة  » تشريع .
والحاصل أن القرآن تقيده السنّة والسنّة يقيدها القرآن ، فالواجب على الإنسان أن تكون له عينان : إحداهما تنظر إلى الحقيقة ، والأخرى تنظر إلى الشريعة ، فإذا وجد القرآن قد شرع فلا بد أن يكون قد حقق في موضع آخر أو تحققه السنة ، وإذا وجد السنة قد شرعت في موضع فلا بد أن تكون قد حققت في موضع آخر أو حققها القرآن ، ولا تعارض حينئذ بين الآية والحديث ، ولا إشكال .
وهنا جواب آخر : وهو أن اللّه تعالى لما دعا الناس إلى التوحيد والطاعة على أنهم لا يدخلون فيه من غير طمع فوعدهم بالجزاء على العمل ، فلما رسخت أقدامهم في الإسلام أخرجهم عليه الصلاة والسلام من ذلك الحرف ورقاهم إلى إخلاص العبودية والتحقق بمقام الإخلاص ، فقال لهم : « لن يدخل أحدكم الجنة بعمله » واللّه تعالى أعلم » . انتهى .
فالشريعة أن تعبده ، والطريقة : أن تقصده ، والحقيقة : أن تشهده . أو تقول :
الشريعة لإصلاح الظواهر ، والطريقة لإصلاح الضمائر ، والحقيقة لإصلاح السرائر .
قال بعض المحققين : من بلغ إلى حقيقة الإسلام لم يقدر أن يفتر عن العمل ، ومن بلغ إلى حقيقة الإيمان لم يقدر أن يلتفت إلى العمل بسوى اللّه ، ومن بلغ إلى حقيقة الإحسان لم يقدر أن يلتفت إلى أحد سوى اللّه .
قال بعض الصوفية في بيان ترابط هذين العلمين وتعاونهما في تكوين شخصية المسلم الكامل ظاهرا وباطنا ، حسا ومعنى ، مادة وروحا : « حقيقة بلا شريعة باطلة ، وشريعة بلا حقيقة عاطلة » . وقال الإمام مالك : « من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق » . فهما للمسلم كجناحي الطائر لا يستقل بأحدهما دون الآخر .
إن الحديث عن الشريعة والطريقة والحقيقة يدفعنا إلى الحديث عن العوالم الوجودية الثلاث : الملكية والملكوتية والجبروتية ، التي يجمعها الإنسان بكينونته الجامعة لنفسه وقلبه وروحه ، كما يدفعنا إلى الحديث عن مبدأ الدين الإسلامي ووسطه وكماله : الإسلام والإيمان والإحسان .
وأبدأ بالحديث عن حقيقة الإنسان .

حقيقة الإنسان الخليفة الملكية والملكوتية والجبروتية :
إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعتبر محور الكون وسبب وجوده ، فهو الذي يعمره ويكوّن حضاراته وذلك لما يحمله من مقومات الاستمرار الحسية والمعنوية ، فهو الوحيد الذي حمل أمانة استخلاف اللّه تعالى له في الأرض ، فهو النموذج الخلقي الذي تظهر به ومن خلاله الكمالات الأسمائية الإلهية كالرب والملك والرزاق والرحمن والغفّار والستّار والرؤوف والمحيي والمميت والخافض والرافع والمعز والمذل ، فالإنسان هو المرآة الجامعة للعوالم الوجودية ؛ الحقية والخلقية ، الملكية والملكوتية . يقول الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري في حكمه موضحا هذه الفكرة : « جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ، ليعلمك جلالة قدرتك بين مخلوقاته ، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته » .
إن الإنسان يقابل عالم الشهادة بجسمه الطيني ، ويقابل عالم الملكوت بقلبه النوراني ، ويقابل عالم الجبروت بروحه الأمري . لذلك كان الإنسان جامعا للحقائق الوجودية كلها المادية والمعنوية ، وفي ذلك يروى عن الإمام علي رضي اللّه عنه وكرّم وجهه قوله : « أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر » وفي الحديث الشريف : « إن اللّه خلق آدم على صورته » وفي رواية « على صورة الرحمن » . إن جمعية الإنسان للحقائق الخلقية الكونية ، وللحقائق الروحية الملكوتية ، وللحقائق الحقية الأمرية الجبروتية ، هي التي رفعت قدره بين المخلوقات ، وأهّلته ليكون خليفة اللّه في أرضه وحاملا لأمانته . قال اللّه تعالى :وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[ البقرة : 30 ] وقال تعالى :إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا ( 72 )[ الأحزاب : 72 ] .
وفي الحديث الشريف : « من عرف نفسه فقد عرف ربه » .
ولأن العوالم الوجودية ثلاثة : الملك والملكوت والجبروت ، ولأن الإنسان كون جامع لهذه العوالم بحقائقه الحسية والمعنوية ، جاء الدين الإسلامي كاملا ومتضمنا للإسلام والإيمان والإحسان .
فالإسلام في مقابل جسم الإنسان الملكي الشهادي ، والإيمان في مقابل قلبه الملكوتي الغيبي ، والإحسان في مقابل روحه الأمري الجبروتي .
وبيان ذلك أن نقول : مبدأ الدين الإسلامي ووسطه وكماله ؛ الإسلام والإيمان والإحسان : إن الدين الإسلامي هو الدين عند اللّه تعالى ، أكمله لنا وارتضاه ، ولا يقبل غيره من أحد من العالمين .
قال تعالى :إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[ آل عمران : 19 ]
وقال تعالى :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ]
وقال تعالى :وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ( 85 )[ آل عمران : 85 ] .

إن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة قسمت الدين الإسلامي إلى ثلاثة أقسام رئيسية : الإسلام والإيمان والإحسان . قال اللّه تعالى :فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ البقرة : 132 ]
وقال تعالى :وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ( 4 )[ البقرة : 4 ]
وقال تعالى :وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً[ النّساء : 125 ] .

و عن عمر رضي اللّه عنه قال : « بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطت إليه سبيلا » قال : صدقت ، فعجبنا منه يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : « أن تؤمن باللّه وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره » قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : « أن تعبد اللّه كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : « ما المسؤول عنها بأعلم من السائل » قال : فأخبرني عن أمارتها ؟
قال : « أن تلد الأمة ربّتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان » قال :
ثم انطلق فلبثت مليا ، قال : « يا عمر أتدري من السائل ؟ » قلت : « اللّه ورسوله أعلم » قال : « فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم »
( رواه مسلم ) .
يتضح لنا من هذا الحديث الشريف ومن الآيات القرآنية الكريمة المتقدمة أن الدين الإسلامي ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية : الإسلام والإيمان والإحسان .
إن الإسلام يتعلق بأعمال الجوارح ، والإيمان يتعلق بأعمال القلوب ، والإحسان يتعلق بأعمال السر أو الروح .
والإسلام أول درجات الدين الإسلامي ، وهو عبارة عن الاستسلام والانقياد للّه تعالى ظاهرا ، فهو مبدأ مراتب الدين الإسلامي ، قال تعالى :إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ( 131 )[ البقرة : 131 ] .
والإيمان ثاني درجات الدين الإسلامي ، فهو أعلى درجة من الإسلام . قال تعالى :قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ[ الحجرات : 14 ] . والإيمان هو التصديق بالقلب بكل ما جاء به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلم من الدين بالضرورة . وهو يتضمن الإسلام ، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا .
والإحسان أعلى درجات الدين الإسلامي وهو مراقبة اللّه تعالى في السر والعلن ، والشعور بوجوده تعالى وصولا إلى الشهود والعيان ، وهي مرتبة :وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ( 99 )[ الحجر : 99 ] . فهو الكمال المتضمن للإسلام والإيمان . قال تعالى :بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ[ البقرة : 112 ] فكل محسن مؤمن ومسلم وليس كل مؤمن ومسلم محسنا .
إن النصوص السابقة تبين لنا أن الدين الإسلامي الذي أكمله اللّه تعالى وارتضاه لنا ، ولا يقبل غيره من أحد من العالمين ، هو مجموع الإسلام والإيمان والإحسان .
وهذا يقتضي أن الإنسان المعتنق للدين الإسلامي لا يكون مسلما كاملا إلا إذا كان مسلما مؤمنا محسنا . وإذا قصر في أصل من هذه الأصول الثلاثة ، يكون بذلك قد نزل عن درجة اكتمال دينه الإسلامي الذي يعتنقه . فإذا قصر بأحد أركان الأصل الأول الذي هو الإسلام اختلّ سلوكه ، لأن الإسلام هو مظاهر سلوكية . وإذا قصّر أو أخلّ بأحد أركان الأصل الثاني الذي هو الإيمان اختلّ أو بطل اعتقاده ، لأن الإيمان هو علم اعتقادي تصديقي . وإذا عطل أو قصر في أحد ركني الإحسان ضعف واختلّ يقينه وتحققه بالإسلام والإيمان .
ونتيجة للتقصير في أصل من هذه الأصول الثلاثة أو في ركن من أركانها يكون الاختلال في الغايات والثمرات ، التي هي معرفة اللّه تعالى والفوز والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة .
وغالب تقصير المسلمين اليوم يتعلق بالإحسان ، لذلك انخرم سلوكهم ، وفسدت عقيدتهم ، وضعفت مراقبتهم للّه تعالى ، فقلّت خشيتهم ، ونقص يقينهم ، فتهاونوا في دينهم .
وحال المسلمين هذا يستدعي تأخرهم في دنياهم ، وخذلان ربهم لهم بعدم نصرهم ، لأن الحق تعالى علّق نصره للمسلمين بنصرهم له تعالى ، وذلك يتحقق بالأخذ والعمل بمجموع دينه الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان .حد التصوف أو تعريفه :
وكنتيجة لهذه المقدمات يكون التصوف هو العلم المتعلق أو الشارح أو الموضوع لكيفية تزكية النفس وتطهيرها وتصفيتها من الرذائل وتحليتها بالفضائل لتتهيأ القلوب لمعرفة الحق تعالى المعرفة الحقيقة من حيث معرفة تجليات الذات والصفات والأسماء والأفعال ، التي هي معرفة الشهود والعيان بطريق الذوق والوجدان .
عرّف ابن خلدون التصوف في مقدمته تعريفا جمع فيه سبب نشأته فقال : « هذا العلم من علوم الشريعة الحادثة في الملة ، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية ، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى اللّه تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها ، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه ، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة ، وكان ذلك عامّا في الصحابة والسلف ، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده ، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة » .
إن تعريف ابن خلدون هذا للتصوف يعتبر ناقصا لأنه عرف فقط قسما من أقسام التصوف وهو علم الطريقة ولم يتضمن علم الحقيقة وهو الشهود والعيان . هذا وسأذكر عددا من التعاريف لعلماء هذا الشأن دون التعرض لها نقدا وتحليلا .
قال الجنيد رحمه اللّه تعالى : التصوف أن يميتك الحق عنك ويحييك به . وقال أيضا : أن تكون مع اللّه بلا علاقة . وقيل في حده : « هو الدخول في كل خلق سني ، والخروج عن كل خلق دني . وقيل : هو الجلوس مع اللّه بلا هم ، وقيل هو العصمة من رؤية الكون » .
وقال الشيخ أحمد زروق : « قد حدّ التصوف ورسم وفسّر بوجوه تبلغ نحو الألفين ، ترجع كلها لصدق التوجه إلى اللّه تعالى » .
وقيل للجنيد أيضا : ما التصوف ؟ قال : « لحوق السر بالحق ، ولا ينال ذلك إلا بفناء النفس عن الأسباب لقوة الروح والقيام مع الحق » « 1 » .
..............................................................
( 1 ) التعرف لمذهب أهل التصوف ، الكلاباذي ، ص 91 .

وقال الشيخ عبد الرزاق القاشاني في كتابه اصطلاحات الصوفية معرّفا التصوف :
« التصوف هو التخلّق بالأخلاق الإلهية » « 1 » .
وعرّفه الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات بقوله : « وقيل : التصوف : تصفية القلب عن موافقة البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبيعية ، وإخماد صفات البشرية ، ومجانبة الدعاوى النفسانية ، ومنازلة الصفات الروحانية ، والتعلق بعلوم الحقيقة ، واستعمال ما هو أولى على السرمدية ، والنصح لجميع الأمة ، والوفاء للّه تعالى على الحقيقة ، واتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الشريعة » « 2 » .التصوف عند ابن عربي :
قال الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في الباب الرابع والستين ومائة في معرفة مقام التصوف من كتابه الفتوحات المكية : « التخلق بأخلاق اللّه تعالى هو التصوف » .
وشرح معنى ذلك بقوله : « والحكماء هم المقسطون :وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً[ البقرة : 269 ] . . . وسبب وصفه بالكثرة ( أي وصف الحكمة بالخير الكثير ) لأن الحكمة سارية في الموجودات التي هي وضع اللّه ، ثم خلق الإنسان وحمّله الأمانة بأن جعل له النظر في الموجودات والتصرف فيها بالأمانة ليؤدي إلى كل ذي حق حقه . . . كما أن اللّه أعطى كل شيء خلقه ، فجعل الإنسان خليفة في الأرض دون غيره من المخلوقين . . . فالموجودات بيد الإنسان أمانة عرضت عليه فحملها ، فإن أدّاها فهو الصوفي ، وإن لم يؤدها فهو الظلوم الجهول ، والحكمة تناقض الجهل والظلم ، فالتخلق بأخلاق اللّه هو التصوف ، وقد بيّن العلماء التلخق بأسماء اللّه الحسنى وبيّنوا مواضعها وكيف تنسب إلى الخلق ولا تحصى كثرة ، وأحسن ما تصرف فيه مع اللّه خاصة ، فمن تفطن وصرفها مع اللّه أحاط علما بتصريفها مع الموجودات فذلك المعصوم الذي لا يخطئ أبدا ، والمحفوظ من أن يتحرك أو يسكن سدى ، جعلنا اللّه من الصوفية القائمين بحقوق اللّه والمؤثرين جناب اللّه » انتهى « 3 » .التصوف عند حجة الإسلام الغزالي :
يقول الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي مؤلف كتاب الإحياء في علوم الدين : « علمت أن طريقتهم ( أي الصوفية ) تتم بعلم وعمل ، وكان حاصل علومهم
..................................................................
( 1 ) ص 156 .
( 2 ) ص 62 .
( 3 ) الفتوحات المكية ( 3 / 402 ) طبعة دار الكتب العلمية .

قطع عقبات النفس ، والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة ، وحتى يتوصل بها إلى تخلية القلب من غير اللّه ، وتحليته بذكر اللّه » . إلى أن يقول : « وكان العلم أيسر عليّ من العمل . . فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات . . . فعلمت أنهم أرباب أحوال لا أصحاب أقوال » .
انتهى .اشتقاق كلمة التصوف أو علم التصوف :
هذه الأقوال سالفة الذكر هي نماذج لتعريف التصوف أما اشتقاقه فقد اختلف فيه على أقوال كثيرة ، منها : أنه من الصوفة لأنه ( أي السالك إلى اللّه تعالى ) كالصوفة المطروحة لا تدبير له . ومنها أنه منقول من صفة المسجد النبوي الذي كان منزلا لأهل الصفّة ، لأن الصوفي تابع لهم فيما أثبت اللّه لهم من الوصف حيث قال مخاطبا نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم :وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ[ الكهف : 28 ] .
وأحسن الأقوال في اشتقاق التصوف أنه من الصفاء لأن مداره على التصفية تصفية القلب وصفاء النفس . قال بعض الصوفية :تخالف الناس في الصوفي واختلفوا * وكلهم قال قولا غير معروف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى * صافي فصوفي حتى سمي الصوفيوقال بعض العارفين : لا بد للصوفي أن يتحقق بمعاني حروف اسمه ؛ فالصاد صفاؤه ، والواو وفاؤه ، والفاء فناؤه ، والياء يقينه .استمداد علم التصوف :
هذه نماذج مما قيل في اشتقاقه أما استمداده أي الأصول التي استمد منها التصوف تعاليمه : « فهو مستمد من الكتاب ( القرآن ) والسنّة النبوية وإلهامات الصالحين وفتوحات العارفين ، وقد أدخلوا فيه أشياء من علم الفقه لمس الحاجة إليه في علم التصوف ، حررها حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في الإحياء في أربعة كتب : كتاب العبادات ، وكتاب العادات ، وكتاب المهلكات ، وكتاب المنجيات . وهي فيه كمال لا شرط إلا ما لا بد منه في باب العبادات » « 1 » .
.........................................................................
( 1 ) إيقاظ الهمم في شرح الحكم العطائية لأحمد بن عجيبة ص 26 ( طبعة دار الكتب العلمية ) .

حكم الشارع في التصوف أو حكمه شرعا :
أما حكم الشارع فيه فقد قال الإمام الغزالي : « إنه ( أي التصوف ) فرض عين ( على كل مكلّف ) إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام » .
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية : « من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر ، وحيث كان فرض عين يجب السفر إلى من يأخذ عنه إذا عرف ( يعني هذا الشيخ العارف باللّه ) بالتربية ( والتسليك إلى اللّه تعالى ) واشتهر الدواء على يده » « 1 » .نسبة علم التصوف من سائر العلوم الشرعية :
أما نسبة علم التصوف من سائر العلوم : « فهو كلي لها وشرط فيها ، إذ لا علم ولا عمل إلا بصدق التوجه إلى اللّه تعالى ، فالإخلاص شرط في الجميع ، وهذا باعتبار الصحة الشرعية والجزاء والثواب ، وأما باعتبار الوجود الخارجي ، فالعلوم توجد في الخارج دون التصوف ولكنها ناقصة أو ساقطة » « 2 » . وقال الشيخ أحمد زروق رحمه اللّه تعالى : « نسبة التصوف من الدين نسبة الروح من الجسد ، لأنه مقام الإحسان الذي فسره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لجبريل عليه السلام :
« أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك »
. إذ لا معنى له سوى ذلك ، إذ مداره على مراقبة بعد مشاهدة ، أو مشاهدة بعد مراقبة وإلا لم يقم له وجود » « 3 » .
وقيل في وصف التصوف والصوفي :ليس التصوف لبس الصوف ترقعه * ولا بكاءك إن غنّى المغنّونا
ولا صياح ولا رقص ولا طرب * ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كدر * وتتبع الحقّ والقرآن والدينا
وأن ترى خائفا للّه ذا ندم * على ذنوبك طول الدهر محزونا 
وكخلاصة لكل ما تقدم أذكر كلاما للشيخ أحمد بن عجيبة شارح حكم ابن عطاء اللّه السكندري بيّن فيه حقيقة التصوف إذ يقول :« واعلم بأن هذه الطريقة * بحث عن التحقيق للحقيقة
.........................................................................
( 1 ) نفس المرجع السابق .
( 2 و 3 ) نفس المرجع السابق .

قلت : البحث هو التفتيش ، يقال : بحث عن كذا : فحص عنه ، وبحث في الأرض أخرج ترابها ، والتحقيق : إدراك الشيء من أصله ، والحقيقة : ذات الشيء وأصله ، وحقيقة الإنسان : ماهيته ومادته .
وأما في اصطلاح الصوفية فهي : كشف رداء الصون عن مظهر الكون ، فيفنى من لم يكن ، ويبقى من لم يزل ، وهي عندهم نتيجة التصفية التي هي الطريقة ، والطريقة : هي نتيجة الشريعة ، فالشريعة هي إصلاح الجوارح الظاهرة ، وهي تدفع إلى الطريقة التي هي إصلاح الأسرار الباطنة، وهي تدفع إلى الحقيقة التي هي كشف الحجاب ومشاهدة الأحباب من داخل الحجاب ».
ثم يتابع الشيخ أحمد بن عجيبة حديثه عن التصوف قائلا : « وطريقة الصوفية هي بحث وتفتيش عن تحقيق الحقيقة وإدراكها : ذوقا وحالا » .
ثم يشرح ذلك بقوله : « واعلم أن اللّه جلّ جلاله واحد في ملكه ، لا شريك معه ولا ضد له ولا ند له ، كان ولا شيء معه ، وهو الآن على ما كان عليه ، كان في أزل أزليته لطيفا خفيا ، حكيما قديرا لطيفا لا يدرك ، خفيا لا يعرف ، قائما بذاته ، متصفا بمعاني أسمائه وصفاته ، فأراد سبحانه أن يعرف بذاته ، وأن يظهر أثر أسمائه وصفاته ، فأظهر قبضة من نوره اللطيف ، فتكثفت بقدرته ليتهيأ بها التعريف ، ثم تنوعت على عدد أسمائه وصفاته ، فلما ظهرت تلك القبضة النورية تجلّى فيها باسمه الباطن ، فبطنت في ظهورها ، وكمنت في مظاهرها ، فالأشياء كلها مظاهر للحق ، لكن لا بد للحسناء من نقاب ، وللشمس من سحاب ، فنسجت تلك الخمرة اللطيفة الأزلية بقدرتها رداء ، واكتست بحكمتها إزارا ، فقالت : « العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما قصمته » ثم اختلفت تلك الحكمة في نسجها وغزلها ، فمنها ما رق غزله ولطف نسجه ، فكان فيه النور قريبا من الظهور ، ومنه ما غلظ غزله وكثف نسجه ، فخفي النور لأجل غلظ الستور ، ثم إن الذي رق غزله ولطف نسجه منه ما هو نور محض ، وهم الملائكة ، ومنه ما هو نور وظلمة وهم بنو آدم . ومنه ما هو نور وظلمة وغلب عليه ظهور الظلمة ، وهي الجمادات وما لا يعقل من الحيوانات ، ونعني بالنور المعنى ، وبالظلمة الحس ، فالكون كله باطنه نور وظاهره ظلمة ، باطنه قدرة وظاهره حكمة ، باطنه لطيف وظاهره كثيف ، وإليه أشار صاحب العينية ( أي الشيخ عبد الكريم الجيلي ) بقوله :وما الكون في التمثال إلا كثلجة * وأنت لها الماء الذي هو نابع
ثم إن الحق سبحانه خصّ مظهر هذا الآدمي بخصائص لم تكن لغيره .
منها : أن جعل روحه اللطيفة النورانية في قالب كثيف ، ليتأتى له منه غاية التصريف .
ومنها : أن جعل ذلك القالب في أحسن تقويم ، وأبدع فيه من بدائع حكمته وعجائب صنعه ما يليق بقدرة السميع العليم .
ومنها : أنه جعله حاكما على المظاهر كلها ، مالكا لها بأسرها ، خليفة عن اللّه فيها ، ثم فتح له من فنون العلوم ومخازن الفهوم ما لم يفتحه على غيره مما هو معلوم ، وقال تعالى :إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[ البقرة : 30 ] وقال في ذلك الخليفة :وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها[ البقرة : 31 ] .
ومنها : أن أعطاه سبحانه وتعالى سبعا من الصفات تشبه صفات المعاني الأزلية ، إلا أنها ضعفت بإحاطة القهرية ، وهي : القدرة ، والعلم ، والحياة ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، فحصل له بهذا أنموذج وشبه بالصمدانية الإلهية .
ومنها : أنه سبحانه جعله نسخة الوجود ، يحاكي بصورته كل موجود ، فإن عرف الحق كان الوجود نسخة منه ، إلى بعض هذه المعاني أشار بقوله :وهذه حقيقة الإنسان * حيث لها أنموذج ربانيقلت ( أي الشيخ ابن عجيبة ) : حقيقة الإنسان هي روحانية ، وهي لطيفة نورانية لاهوتية جبروتية ، ثم احتجبت ببشرية كثيفة ناسوتية ، فسبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية ، وظهر بإظهار الربوبية في مظاهر العبودية .
الأنموذج ، قال في القاموس : والنموذج بالفتح : الشبه . . . وهذا الشبه الذي حازه الإنسان دون غيره هو اتصافه بشبه أوصله إلى الحق سبحانه ، حيث جعل اللّه فيه : قدرة ، وإرادة ، وعلما ، وحياة ، وسمعا ، وبصرا ، وكلاما ، وجعله نسخة من الوجود بأسره ، وخليفة عن اللّه في حكمه ، يتصرف في الأشياء باختياره في ظاهر أمره ، ولذلك ورد في الحديث : « خلق اللّه آدم على صورته » ، وفي رواية « على صورة الرحمن » . ومعناه خلق آدم وأعطاه من الصفات ما يشبه صفات الرحمن ، وهي صفات المعاني والمعنوية ، وخصه أيضا فجعله خزانة لسائر أسمائه ، ففي الآدمي تسعة وتسعون اسما ، كلها كامنة في سره ، ثم يظهر على ظاهره ما سبق له في علم الغيب ، فالبعض يظهر عليه اسمه الكريم ، والبعض اسمه الرحيم ، والبعض اسمه الحليم ، والبعض اسمه المنتقم ، والبعض اسمه المتكبر ، والبعض اسمه القهّار ، والبعض اسمه القابض ، والبعض اسمه الباسط ، وقد يتعاقب عليه أسماء كثيرة في وقت واحد ، وإذا فني عن حسه وغاب عن نفسه ظهرت عليه أنوار الألوهية ، فينطق بالأنانية غلبة ووجدا ، وبهذا قتل الحلاج .
وقد ورد في الترغيب في التخلق بأخلاق الرحمن ، قال صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« تخلّقوا بأخلاق الرحمن »
. ورغّب في الصيام لما فيه من شبه الصمدانية ، وقد رغّب أيضا في التقرب إليه تعالى حتى يكون سمعه وبصره ويده ورجله ، ومعناه تغيبه عن صفة الحدوث بشهود أنوار القدم وفي ذلك يتحقق له هذا الأنموذج الصمداني .
وفي الحكم : « وصولك إليه وصولك إلى العلم به ، وإلا فجل ربنا أن يتصل بشيء أو يتصل به شيء » . » . انتهى .
وبنص الشيخ ابن عجيبة هذا ننهي الحديث عن علم التصوف . والحمد للّه رب العالمين في الأولية والآخرية وفي الظهور والبطون من الأزل إلى الأبد . سائلين اللّه تعالى أن ينفعنا بما علّمنا ويزيدنا علما به تعالى .

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:32 pm

المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي

تعريف ببعض الطرق الصوفية
1 - الطريقة القادرية : أسس هذه الطريقة سيدي عبد القادر الجيلاني ( توفي حوالي 561 هجرية ) وهي من أوسع الطرق انتشارا في جميع أرجاء العالم الإسلامي .
2 - الطريقة النقشبندية : مؤسس هذه الطريقة هو مولانا بهاء الدين نقشبند ( توفي سنة 791 هجرية ) . هي أيضا من الطرق الواسعة الانتشار خصوصا في بلاد الشام وبلاد المشرق الإسلامي . من مشاهير أتباعها : الشيخ عبد الرحمن الجامي ، الخواجة أحرار ، الشيخ محمد پارسا وغيرهم كثير .
3 - الطريقة الشاذلية : مؤسس هذه الطريقة هو سيدي أبو الحسن الشاذلي ( توفي سنة 656 هجرية ) . ولها فروع كثيرة جدا . وهي ، بدون منازع ، أوسع الطرق انتشارا في بلاد المغرب الإسلامي . وهي واسعة الانتشار في مصر وبلاد الشام أيضا .
أشهر أتباعها : سيدي أبو العباس المرسي ، الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري صاحب الحكم العطائية ، سيدي العربي الدرقاوي وغيرهم كثير .

4 - الطريقة الرفاعية : مؤسس هذه الطريقة هو سيدي أحمد الرفاعي ، ولها انتشار واسع في بلاد الشام .
5 - الطريقة السهروردية : مؤسس هذه الطريقة هو الشيخ أبو النجيب ضياء الدين السهروردي ( توفي سنة 564 هجرية ) . انتشرت كثيرا في العراق وبلاد فارس والهند .
6 - الطريقة الكبروية : مؤسسها هو الشيخ نجم الدين كبرى ( المستشهد في غزو المغول سنة 618 هجرية ) . تعد أوسع الطرق انتشارا في بلاد فارس ولها من الفروع كثير . وقد اشتهر الكثير من أتباعها ومنهم : الشاعر المشهور فريد الدين العطار ، الشيخ سعد الدين الحموي وغيرهم كثير .
7 - الطريقة المولوية : مؤسس هذه الطريقة هو مولانا جلال الدين الرومي ( توفي سنة 672 هجرية ) . كان لهذه الطريقة ازدهار كبير وانتشار واسع في تركيا أيام الدولة العثمانية . اشتهرت بلباس أتباعها المميز ورقصتهم الدائرية المشهورة .
8 - الطريقة النعمة اللهية : مؤسس هذه الطريقة هو الشاه نعمة اللّه الولي الكرماني ( توفي حوالي سنة 834 هجرية ) . لها انتشار واسع في إيران .
9 - الطريقة البكداشية : مؤسس هذه الطريقة هو الحاج بكداش ولي ( توفي حوالي سنة 738 هجرية ) . انتشرت بشكل واسع في تركيا وبلاد البلقان ، وكانت الطريقة الرسمية للجيش الانكشاري العثماني .
وجوب معرفة اللّه تعالى على كل مكلّف السعادة الإنسانية الحسية والمعنوية :
إن السعادة الإنسانية تنقسم إلى نوعين :
الأول سعادة حسية مادية جسدية كثيفة آنية ،
والثاني سعادة معنوية لطيفة عقلية روحية لطيفة أبدية ، وإنّ جميع الخلق يسعون جاهدين دون كلل أو نصب للوصول إلى تحقيق أحد هذين النوعين من السعادة الخاصة بالبشر .

إن لكل واحد منا هدفا يشبع من خلاله غرائزه ورغباته واحتياجاته المادية النفسية الشهادية أو مقتضياته وضروراته الروحية الغيبية لكي يصل إلى اللذة أو السعادة التي يجدها في هذا الهدف الذي يعدّه غاية وجوده في هذه الحياة التي يعيشها ، إنّ هذا الهدف المحرك للإنسان نحو غايته مركوز في تركيبته الجامعة للمادة والمعنى الكثيف واللطيف الجسد والروح ، وتوجهات الإنسان ومساعيه المحققة لاحتياجات هذه التركيبة منطقية وضرورية فطرية .
إنّ اللّه تعالى خالق هذه التركيبة - المكونة من الجسد والنفس والعقل والقلب والروح والسر - لم يترك الإنسان تائها يتخبط في سيره نحو تحقيق السعادة التي ينشدها دون دليل يسترشد به ويضيء له الطريق ، فكانت المحجة البيضاء التي لا يضل عنها إلا هالك : كتاب اللّه تعالى وسنّة النبي الخاتم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم .غاية خلق الخلق :
إن السعادة المادية الحسية النفسية العزيزية مطلوبة من الإنسان في الإسلام على أنها وسيلة من وسائل استمرار وجوده وليست غاية وجوده ، فشهوات الحياة الدنيا وملذاتها غير مقصودة لذاتها بل لتساعد المؤمن في سيره نحو مقصده الأسمى اللّه تعالى الذي هو غاية وجوده في هذا العالم .
إن معرفة اللّه تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه هي عين السعادة الحقيقية الروحية في الدنيا حيث الحياة العاجلة الفانية وفي الآخرة حيث الحياة الأبدية فهي غاية خلق الخلق ، قال تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )[ الذّاريات : 56 ]
فسّر عبد اللّه بن عباس رضي اللّه تعالى عنهما « إلا ليعبدون » ب « إلا ليعرفون » فيكون الحق تعالى عبّر عن المعرفة التي هي الغاية بالعبادة التي هي الوسيلة .
معرفة الإنسان لربه تعالى :

إن الإنسان مفطور على معرفة اللّه تعالى فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها[ الرّوم : 30 ] ولكنه بعد نزوله إلى الدنيا وانغماسه في شهواتها بإغواء من الشيطان تشوهت هذه المعرفة ، فأرسل اللّه تعالى رسله عليهم الصلاة والسلام وأنزل كتبه للتذكير بتوحيد الفطرة .
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الباب الثالث من كتابه ( اليواقيت والجواهر ) : « ورد مرفوعا أن اللّه تعالى خلق العباد على معرفته فاختالهم الشيطان عنها ، فما بعثت الرسل إلا للتذكير بتوحيد الفطرة وتطهيره عن تسويلات الشيطان بالاستدلالات النظرية والدلائل العقلية وبها توجهت التكاليف على العقلاء » . ويقول في موضع آخر : « المعرفة ضرورة فالناس كلهم يشيرون إلى الصانع جلّ وعلا وإن اختلفت طرائقهم وعللهم ولا يجهلون سوى كنه الذات ، ولذلك لم يأت الأنبياء والرسل ليعلمونا بوجود الصانع ، وإنّما أتونا ليدعونا إلى التوحيد » .
قال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ[ محمّد : 19 ] .
والخلق إنما أشركوا بعد الاعتراف بالموجود لما اعتقدوه من الشركاء للّه تعالى أو لنفي واجب من صفاته أو لإثبات مستحيل منها أو لإنكارهم النبوات » .معرفة اللّه تعالى أول الواجبات على المسلم المكلّف :

إنّ الشريعة الإسلامية جعلت معرفة اللّه تعالى أول واجب على كل مكلّف ، قال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ[ محمّد : 19 ] .
قال الإمام السيوطي في كتابه (الإكليل في استنباط التنزيل) : « قد استدل بالآية من قال بأن أول الواجبات معرفة اللّه تعالى ».
وقال الإمام الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في كتابه ( الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف أصحاب الحديث ) بعد سرده لهذه الآية ولقوله تعالى :فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ[ الأنفال : 40 ]
ولقوله تعالى :فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ هود : 14 ]
ولقوله تعالى :قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا[ البقرة : 136 ] .
« فوجب بالآيات قبلها ، معرفة اللّه تعالى وعلمه ، ووجب بهذه الآية - الأخيرة - الاعتراف به والشهادة له بما عرفه ، ودلت السنّة على مثل ما دلّ عليه الكتاب » .

وقال القاضي علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي في شرحه على ( العقيدة الطحاوية ) : ( اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل ، وأول منازل الطريق ، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى اللّه عزّ وجل ) قال تعالى :وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ النّحل : 36 ]
وقال تعالى :وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ( 25 )[ الأنبياء : 25 ] ،
ويقول في موضع آخر :

« فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام ، وآخر ما يخرج به من الدنيا ، كما قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة »
( رواه أبو داود وأحمد في المسند والحاكم وقال : صحيح الإسناد ) وهو أول واجب وآخر واجب .
ويقول الإمام عبد الباقي المواهبي الحنبلي في كتابه ( العين والأثر في عقائد أهل الأثر ) : « فتجب معرفة اللّه تعالى شرعا ومما ورد في الشرع : النظر في الوجود والموجود على كل مكلّف قادر ، وهو أول واجب للّه تعالى » .
وقد نقل العلامة السوداني في كتابه ( زبد العقائد ) إجماع العلماء على أن معرفة اللّه تعالى أول الواجبات على المكلّف حيث يقول ما نصه : « فقد أجمع أهل الحق قاطبة على أن أول الواجبات العلم باللّه تعالى ، واتفقوا على عدم صحة العبادة لمن لا يعرف معبوده » « 1 » .
والأدلة على ذلك متواترة .

قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي اللّه تعالى عنه : « من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح » « 2 » .
إن العلم باللّه تعالى متمثلا بالعقيدة الحقة عقيدة علم اليقين بالدليل والبرهان أو معرفته متمثلا بعقيدة عين وحق وحقيقة اليقين بالشهود والعيان هو الذي يصحح الأعمال ويجعلها مقبولة عند اللّه تعالى .
.......................................................................
( 1 ) انظر مفتاح الجنة في شرح عقيدة أهل السنة لمحمد الهاشمي التلمساني ، طبعة دمشق .
( 2 ) رواه ابن عبد البر في كتاب العلم .

استناد معرفة اللّه تعالى إلى النظر والاستدلال العقليين :
إن علماء التوحيد اشترطوا لصحة المعرفة استنادها إلى النظر والاستدلال العقليين ، قال اللّه تعالى :قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ يونس : 101 ] وقال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ[ محمّد : 19 ] .
يقول إمام المتكلمين القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني في كتابه ( الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ) : « إن الواجب على المكلّف أن يعلم أن أول ما فرض اللّه عزّ وجل على جميع العباد النظر في آياته ، والاعتبار بمقدوراته ، والاستدلال عليه بآثار قدرته ، وشواهد ربوبيته ، لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار ، ولا مشاهد بالحواس ، وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله بالأدلة القاهرة ، والبراهين الباهرة » .
ويقول الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه ( الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ) : « ثم أمر اللّه تعالى في آية أخرى بالنظر فيهما - السماوات والأرض » - فقال لنبيه :قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ يونس : 101 ] .
يعني واللّه أعلم من الآيات الواضحات ، والدلالات النيرات ، وهذا لأنك إذا تأملت هيئة هذا العالم ببصرك ، واعتبرتها بفكرك ، وجدته كالبيت المبين المعد فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من آلة وعتاد . والإنسان كالمملّك البيت المخوّل ما فيه . وفي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبير وتقدير ونظام ، وأن له صانعا حكيما تام القدرة ، بالغ الحكمة » .
دليل معرفة اللّه تعالى الإجمالي والتفصيلي :

إنّ من عنده الأهلية العقلية من المكلفين يجب عليه تعلم دليل المعرفة الإجمالي : « وهو المعجوز عن تقريره وحل شبهه وردها - ويحصل به العلم والطمأنينة بعقائد الإيمان ، كما إذا قيل له : أتعتقد أن اللّه تعالى موجود ؟ فيقول : نعم . فيقول له : وما دليلك على ذلك ؟ فيقول : هذه المخلوقات » فإن الصنعة تدل على الصانع وكما قال الأعرابي : البعرة تدل على البعير والسير يدل على المسير ، أفأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج لا تدل على الواحد القهار ؟ ! « 1 »
أما معرفة الدليل التفصيلي لعقائد التوحيد كأن يبرهن المستدل على وجود اللّه تعالى بهذه المخلوقات على جهة دلالتها ، هل هي حدوثها كأن يقول : المخلوقات
.......................................................................
( 1 ) انظر حاشية الدسوفي على أم البراهين .

حادثة وكل حادث لا بد له من محدث ، فالمخلوقات لا بد لها من محدث ومحدثها هو اللّه تعالى . أو يقول : المخلوقات ممكنة الوجود ، والممكن يتساوى وجوده وعدمه ، فهو يحتاج إلى مرجح يرجح إما وجوده وإما عدمه ، فالمخلوقات لها صانع مرجح وهو اللّه تعالى ، فإن الشريعة الإسلامية لم تجعله فرض عين على كل مكلّف ، بل فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر ، لتوجد فئة من العلماء المتخصصين بعلم أصول الدين تدافع عن العقيدة الحقة وتنصر الدين الحنيف « 1 » .
موقع الإيمان من الظن والوهم والشك ومن الجزم غير المطابق للواقع ومن التقليد :

إن إمعان الفكر والعقل في أدلة مسائل العقيدة يفيد العلم . « والمعرفة والعلم مترادفان على معنى واحد هو الجزم القاطع المطابق للواقع عن دليل ولو جمليا ، فالظن والشك والوهم ليسوا بمعرفة ، وكذلك الجزم غير المطابق للواقع كجزم النصارى بالتثليث ، فيتحصل أن الظان والشاك والمتوهم والجازم جزما غير مطابق للواقع كل منهم كافر اتفاقا ، وأما المتصف بالتقليد ، وهو أن يأخذ بقول غيره من غير أن يعرف دليله مع الجزم بمضمون المأخوذ ، فقد اختلف العلماء في صحة إيمانه ، لأنه لا يخلو عن قبول التردد الموصل إلى الظن والشك الموصلان إلى الكفر، لذلك اختلف العلماء في إيمان المقلد » « 2 ».
ورد في شرح ( السنوسية على أم البراهين ) للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي ما نصه : « اختلف الجمهور القائلون بوجوب المعرفة فقال بعضهم : المقلد مؤمن إلا أنه عاص بترك المعرفة التي ينتجها النظر الصحيح .
وقال بعضهم : إنه مؤمن ولا يعصي إلا إذا كان فيه أهلية لفهم النظر الصحيح . وقال بعضهم : المقلد ليس بمؤمن أصلا .

وقد أنكر هذا القول الأخير بعض العلماء .
وذهب غير الجمهور إلى أن النظر - الاستدلال العقلي - ليس بشرط في صحة الإيمان بل وليس بواجب أصلا وإنما هو من شروط الكمال فقط . والحق الذي يدل عليه الكتاب والسنّة وجوب النظر الصحيح مع التردد في كونه شرطا في صحة الإيمان أو لا والراجح أنه شرط في صحته » .
.......................................................................
( 1 ) انظر مفتاح الجنة في شرح عقيدة أهل السنة للشيخ ، محمد الهاشمي التلمساني .
( 2 ) انظر شرح جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم الباجوري .

المراد بمعرفة اللّه تعالى :
إن المراد بمعرفة اللّه تعالى معرفة صفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه تعالى ، ومعرفة ما يجب له من مقتضيات الكمال ، وما يستحيل عليه تعالى ، وما يجوز في حقه تعالى من فعل كل ممكن أو تركه . وليس المراد معرفة كنه وحقيقة ذاته سبحانه وتعالى .
فالإنسان الحادث أعجز من أن يعرف كنه وحقيقة نفسه وروحه ، فكيف به يطلب معرفة ذلك من ربه الأزلي الأبدي « الأول والآخر والظاهر والباطن » .
قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : 
« تفكروا في خلق اللّه ولا تفكروا في اللّه »
« 1 » وروي عن الصديق الأكبر أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه قوله : « العجز عن درك الإدراك إدراك ، والبحث في ذات اللّه إشراك » .
وفي قول جامع لكل أحكام التوحيد يقول الشيخ سهل بن عبد اللّه التستري رحمه اللّه تعالى : « ذات اللّه تعالى موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة ، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا ، موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا إحاطة ولا حلول ، وتراه العيون في العقبى ظاهرا وباطنا في ملكه وقدرته ، قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته ، ودلّهم عليه بآياته ، والقلوب تعرفه ، والعقول لا تدركه ، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ، ولا إدراك نهاية » « 2 » .خلاصة لما تقدم :
اتضح لنا مما تقدم أن السعادة الحقيقية هي السعادة الروحية الأبدية ، المتحققة بمعرفة اللّه تعالى ، التي هي غاية وجود الإنسان .
وإن الإنسان مفطور على هذه المعرفة إلا أن الدنيا بشهواتها والشيطان بإغوائه حجبا الإنسان عنها ، فأرسل اللّه تعالى الرسل وأنزل الكتب وبعث النبي الخاتم سيدنا محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم لتصحيح مسار الإنسان نحو غايته المطلقة : اللّه جلّ جلاله .

وإن أول الواجبات على المكلّف معرفة اللّه تعالى معرفة تستند إلى الحجج والبراهين العقلية ، لينتفي الظن والوهم والشك عن الإيمان ، فيطمئن القلب بجزمه القاطع المطابق للواقع ، ولا يكتفي بالتقليد الجازم إلا إذا كان غير مؤهّل للنظر في أدلة العقيدة الحقة .
.......................................................................
( 1 ) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء عن ابن عباس .
( 2 ) انظر كشف المحجوب لعلي الهجويري الغزنوي .

واتضح لنا أيضا أن المعرفة المرادة هي العلم باللّه تعالى من حيث صفاته وأسماؤه وأفعاله وأحكامه .
أما معرفة الذات الإلهية من حيث الكنه والماهية ومن حيث الإحاطة ، فهي مستحيلة غير مدركة للإنسان لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وقفة اعتبار :

فهلا عرفت بعد ذلك أيها الإنسان الهدف من وجودك في هذه الحياة الدنيا والغاية منه ، فتوجهت بكليتك روحا وعقلا ونفسا وهوى نحو ربك ، مسرعا لتنال السعادة الحقيقية الأبدية .
وهلا كنت بعد ذلك صادقا في عبوديتك قائما بحقوق ربوبيته وألوهيته سبحانه وتعالى ، يقول الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري في حكمه: « إنه ما من وقت يرد إلا وللّه عليك فيه حق جديد وأمر أكيد ، فكيف تقضي فيه حق غيره وأنت لم تقض حق اللّه فيه ».

مبدأ الدين الإسلامي ووسطه وكماله الإسلام والإيمان والإحسان
إن الدين الإسلامي هو الدين عند اللّه تعالى ، أكمله لنا وارتضاه ، ولا يقبل غيره من أحد من العالمين . قال تعالى :إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[ آل عمران : 19 ]
وقال تعالى :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ]
وقال تعالى :وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ( 85 ) [ آل عمران : 85 ] .

إن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة قسمت الدين الإسلامي إلى ثلاثة أقسام رئيسية : الإسلام والإيمان والإحسان . قال اللّه تعالى :فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ البقرة : 132 ]
وقال تعالى :وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ( 4 ) [ البقرة : 4 ]
وقال تعالى :وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً[ النّساء : 125 ] .

عن عمر رضي اللّه تعالى عنه قال : « بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ؟
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : 
« الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا » . قال : صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : « أن تؤمن باللّه وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره » . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : « أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : « ما المسؤول عنها بأعلم من السائل » . قال : فأخبرني عن أماراتها ؟
قال : « أن تلد الأمة ربّتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان » .

قال : ثم انطلق فلبثت مليا ، قال : « يا عمر أتدري من السائل ؟ » قلت : اللّه ورسوله أعلم . قال : « فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم » « 1 » .
يتضح لنا من هذا الحديث الشريف ومن الآيات القرآنية الكريمة المتقدمة أن الدين الإسلامي ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية : الإسلام والإيمان والإحسان . وكل قسم منها ينقسم إلى أركان وأصول .[ انقسام الإسلام والإيمان والإحسان ]
فالإسلام ينقسم إلى خمسة أركان وهي :
1 - شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه ، 2 - الصلاة ، 3 - الزكاة ، 4 - الصوم ، 5 - الحج للمستطيع .

والإيمان ينقسم إلى ستة أركان وهي :
الإيمان ب : 1 - اللّه تعالى ، 2 - الملائكة ، 3 - الكتب السماوية ، 4 - الرسل ، 5 - اليوم الآخر ، 6 - القضاء والقدر .
والإحسان ينقسم إلى أصلين وهما :
1 - عبادة اللّه تعالى كأننا نراه ، 2 - عبادة اللّه تعالى مع الإيقان والشعور بأنه تعالى يرانا .

إن الإسلام يتعلق بأعمال الجوارح ، والإيمان يتعلق بأعمال القلوب ، والإحسان يتعلق بأعمال السر أو الروح .
والإسلام أولى درجات الدين الإسلامي ، وهو عبارة عن الاستسلام والانقياد للّه تعالى ظاهرا ، فهو مبدأ مراتب الدين الإسلامي ، قال تعالى :إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ( 131 ) [ البقرة : 131 ] .
والإيمان ثاني درجات الدين الإسلامي ، فهو أعلى درجة من الإسلام ، قال تعالى :قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ[ الحجرات : 14 ] والإيمان هو التصديق بالقلب بكل ما جاء به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلم من الدين بالضرورة ، وهو يتضمن الإسلام ، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا ، قال الخطابي : « والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق ، وذلك أنّ المسلم
.......................................................................
( 1 ) رواه مسلم : كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان حديث رقم ( 1 - 8 ) .

قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمنا في بعضها ، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنا .
وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات ، واعتدل القول فيها ، ولم يختلف شيء منها . وأصل الإيمان التصديق ، وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد . فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر غير منقاد في الباطن وقد يكون صادقا في الباطن غير منقاد في الظاهر » « 1 » .والإحسان أعلى درجات الدين الإسلامي

وهو مراقبة اللّه تعالى في السر والعلن ، والشعور بوجوده تعالى ، فهو الكمال المتضمن للإسلام والإيمان . قال تعالى :بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ[ البقرة : 112 ] فكل محسن مؤمن ومسلم وليس كل مؤمن ومسلم محسنا ، قال الإمام أبو الفتح الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل في الباب الأول ) : « فإذا كان الإسلام بمعنى التسليم والانقياد ظاهرا موضع الاشتراك فهو المبدأ .
ثم إذا كان الإخلاص معه بأن يصدق باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويقر عقدا بأن القدر خيره وشره من اللّه تعالى ، بمعنى أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، كان مؤمنا حقا ، ثم إذا جمع بين الإسلام والتصديق ، وقرن المجاهدة بالمشاهدة وصار غيبه شهادة فهو الكمال .
فكان الإسلام مبدأ ، والإيمان وسطا ، والإحسان كمالا » .

وقال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي رحمه اللّه في حديث سؤال جبريل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الإيمان والإسلام : « جعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال ، وجعل الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد ، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان ، والتصديق بالقلب ليس من الإسلام ، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين ، ولذلك قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : « ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم » والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا ، يدل عليه قوله سبحانه وتعالى :إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[ آل عمران : 19 ] ووَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ] ووَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ[ آل عمران :
85 ] أخبر سبحانه وتعالى أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام ، ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل » « 2 » .
.......................................................................
( 1 ) انظر شرح صحيح مسلم للنووي ، كتاب الإيمان .
( 2 ) انظر شرح النووي على صحيح مسلم .

وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم في باب الإيمان عند شرحه لحديث سؤال جبريل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم » فيه أنّ الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا .
واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام كما حكيناه عن القاضي عياض » .

إن النصوص المتقدمة تبين لنا أن الدين الإسلامي الذي أكمله اللّه تعالى وارتضاه لنا ، ولا يقبل غيره من أحد من العالمين ، هو مجموع الإسلام والإيمان والإحسان .
وهذا يقتضي أن الإنسان المعتنق للدين الإسلامي لا يكون مسلما كاملا إلا إذا كان مسلما مؤمنا محسنا . وإذا قصر في أصل من هذه الأصول الثلاثة ، يكون بذلك قد نزل عن درجة اكتمال دينه الإسلامي الذي يعتنقه .
فإذا قصر بأحد أركان الأصل الأول الذي هو الإسلام اختلّ سلوكه ، لأن الإسلام هو مظاهر سلوكية .
وإذا قصّر أو أخلّ بأحد أركان الأصل الثاني الذي هو الإيمان اختلّ أو بطل اعتقاده ، لأن الإيمان علم اعتقادي تصديقي . وإذا عطل أو قصر في أحد ركني الإحسان ضعف واختل يقينه وتحققه بالإسلام والإيمان ، لأن الإحسان عبارة عن المراقبة والخشوع والخضوع للّه تعالى ليتحقق بالإسلام والإيمان .

ونتيجة للتقصير في أصل من هذه الأصول الثلاثة أو في ركن من أركانها يكون الاختلال في الغايات والثمرات ، التي هي الفوز والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة .
وغالب تقصير المسلمين اليوم يتعلق بالإحسان ، لذلك انخرم سلوكهم ، وفسدت عقيدتهم ، وضعفت مراقبتهم للّه تعالى ، فقلّت خشيتهم ، ونقص يقينهم ، فتهاونوا في دينهم .
وحال المسلمين هذا يستدعي تأخرهم في دنياهم ، وخذلان ربهم لهم بعدم نصرهم ، لأن الحق تعالى علّق نصره للمسلمين بنصرهم له تعالى ، وذلك يتحقق بالأخذ والعمل بمجموع دينه الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان .
ونختم كلامنا هذا بنص للإمام ابن قيم الجوزية اخترناه من كتابه القيّم ( مدارج السالكين شرح منازل السائرين ) يوضح فيه أهمية الأصل الثالث من أصول الدين الإسلامي الذي هو « الإحسان » حيث يقول : ومن منازلإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ( 5 ) [ الفاتحة : 5 ] منزلة « الإحسان » وهي لب الإيمان وروحه وكماله . وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل ، فجميعها منطوية فيها ، وكل ما قيل من أول الكتاب إلى هنا فهو من الإحسان .
قال صاحب المنازل رحمه اللّه تعالى : « وقد استشهد على هذه المنزلة بقوله تعالى :هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ( 60 ) [ الرّحمن : 60 ] وبحديث « أن تعبد اللّه كأنك تراه » فالإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق وهو أن تعبد اللّه كأنك تراه . . .

وأما الحديث : فإشارة إلى كمال الحضور مع اللّه عزّ وجل ، ومراقبته الجامعة لخشيته ، ومحبته ومعرفته ، والإنابة إليه ، والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان ، قال : « وهو على ثلاث درجات :
الدرجة الأولى : الإحسان في القصد بتهذيبه علما ، وإبرامه عزما ، وتصفيته حالا .
الدرجة الثانية : الإحسان في الأحوال ، وهو أن تراعيها غيرة وتسترها تظرفا وتصححها تحقيقا .
الدرجة الثالثة : الإحسان في الوقت ، وهو أن لا تزايل المشاهدة أبدا ، ولا تخلط بهمتك أحدا ، وتجعل هجرتك إلى الحق سرمدا . . . إذ كل متوجه إلى اللّه بالصدق والإخلاص ، فإنه من المهاجرين إليه . فلا ينبغي أن يتخلّف عن هذه الهجرة ، بل ينبغي أن يصحبها سرمدا . . . حتى يلحق باللّه عزّ وجل فما هي إلا ساعة ثم تنقضي . . .
وللّه على كل قلب هجرتان ، وهما فرض لازم له على الأنفاس . هجرة إلى اللّه سبحانه بالتوحيد ، والإخلاص ، والإنابة ، والحب ، والخوف ، والرجاء ، والعبودية ، وهجرة إلى رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم بالتحكيم له والتسليم والتفويض ، والانقياد لحكمه ، وتلقي أحكام الظاهر والباطن من مشكاته ، فيكون تعبده به أعظم من تعبد الركب بالدليل الماهر في ظلم الليل ومتاهات الطريق » .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:33 pm

المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي

القواطع عن طريق اللّه تعالى
إن الإنسان موجود في هذه الحياة الدنيا ليعرف اللّه تعالى من خلال تطبيقه للدين الحنيف الذي أكمله اللّه تعالى لنا ورضيه لنا دينا وذلك بقوله :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ] وقال اللّه تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ( 57 )[ الذّاريات : 56 ، 57 ]
وهذا الأمر يتطلب من الإنسان المسلم بذل الجهد الكبير في صراعه بين الخير والشر لأنه - انطلاقا من قوله تعالى :وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ( 7 ) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ( 8 )[ الشّمس : 7 ، 8 ]
- مؤهّل للسير في أحد الطريقين ابتلاء واختبارا من اللّه تعالى له .

قال اللّه تعالى :أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ( 2 )[ العنكبوت : 2 ] فكما أن اللّه تعالى وملائكته وشريعته المطهرة يدفعون الإنسان إلى سلوك الطريق المستقيم طريق الخير ، فإن النفس الأمّارة بالسوء والشيطان والدنيا والناس يدفعونه إلى سلوك طريق السبل المتشعبة طريق الشر والضلال .
فالنفس تشد صاحبها إلى السوء ، مصداقا لقول اللّه تعالى :إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ[ يوسف : 53 ] لذلك كان لزاما على الإنسان أن يربيها ، تطبيقا لقول اللّه تعالى :قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ( 9 ) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ( 10 )[ الشّمس : 9 ، 10 ]
فالنفس تدعو صاحبها إلى الشرك والكفر والنفاق والفسوق والبدعة والرياء وحب الجاه والرئاسة والحسد والعجب والكبر والشح والغرور والغضب والظلم والكذب والغش واتباع الهوى والطمع بالدنيا وشهواتها وغير ذلك من الأمراض . فعلى الإنسان المسلم أن يسارع إلى علاج هذه الأمراض بأخذه الأدوية اللازمة للشفاء ، وهي كثيرة منها : إقامة الفرائض والسنن والنوافل ، واجتناب المحرمات والمكروهات ، ومنها : مراقبة اللّه تعالى في السر والعلن ، ومنها : الإكثار من ذكر اللّه تعالى ، مصداقا لقول اللّه تعالى :إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ[ العنكبوت : 45 ]
ومنها : 
التفكر في خلق اللّه تعالى ، قال اللّه تعالى :وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ[ آل عمران : 191 ] ،
ومنها : ذكر الموت 
205 ] . 
وقال اللّه تعالى :وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[ الأنعام : 116 ] .
وحماية النفس من الناس سهل ، فما عليك أيها الإنسان إلا أن تطبق ما ورد في قوله تعالى :وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ( 28 )[ الكهف : 28 ] ،
ولا تصاحب إلا الأتقياء الذين يخافون اللّه تعالى ويرجون ثوابه ورضاه ويحبون لقاءه .

فعليك أخي المسلم أن تتجنب هذه القواطع الأربعة سالفة الذكر ، التي تصدك عن سبيل اللّه تعالى ، وهي : النفس والشيطان والدنيا والخلق .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: الحكم العطائية من 01 الى 10 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:34 pm

الحكم العطائية من  01 الى 10 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

الحكمة الأولى « 1 » [ من علامات الاعتماد على العمل ] « من علامات الاعتماد على العمل ، نقصان الرّجاء عند وجود الزّلل » .

شرح الحكمة : إن الاعتماد على الشيء : هو الاستناد عليه والركون إليه . وقبل الشروع في بيان معنى الحكمة العام لا بد من الإشارة إلى انقسام الأعمال التي يقوم بها المكلّف إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : عمل الشريعة ويسمى الإسلام وهو الركن الأول من أركان الدين الكامل المشار إليه في قوله تعالى :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ] .
القسم الثاني : عمل الطريقة أو السلوك ويسمى الإيمان وهو الركن الثاني من أركان الدين الكامل .
القسم الثالث : عمل الحقيقة ويسمى الإحسان ، وهو الركن الثالث من أركان الدين الكامل فالشريعة أو الإسلام لإصلاح الظواهر أي الجوارح ويتحقق بامتثال الأوامر الشرعية واجتناب النواهي . والطريقة أو الإيمان لإصلاح الضمائر القلب والنفس ويتحقق ذلك بتهذيب النفس وتخليتها من الرذائل وتربيتها وتحليتها بأنواع الفضائل .
والحقيقة أو الإحسان لإصلاح السرائر أي الأرواح ويتم ذلك بالأدب والتواضع والانكسار وحسن الخلق .
إن هذه الحكمة « من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل » تحث المسلم على عدم الاعتماد على أعماله الصالحة - سواء كانت من مقام الإسلام أو الإيمان أو الإحسان - بأن يغترّ بها ويركن إليها ، بل يجب عليه أن يعلق قلبه باللّه تعالى وبرحمته وفضله مصداقا لقوله تعالى :الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 42 )[ النّحل : 42 ] فهذه الآية تشير إلى اعتماد العبد وتوكله على
.......................................................................
( 1 ) ورقمها ( 1 ) في النص الكامل للحكم .

ربه تعالى لا على عمله ، لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « لن يدخل أحدكم الجنة بعمله » قالوا :
ولا أنت يا رسول اللّه ؟ قال : « ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه بفضله ورحمته » .
ذلك أن عمل الإنسان لا يكون معتبرا إلا إذا كان مقبولا ، وقبوله بمحض فضل اللّه تعالى هذا إضافة إلى أن أعمال العبد هي بتوفيق اللّه تعالى ومنّه . قال تعالى :وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ( 96 )[ الصّافات : 96 ] 
فاللبيب من لا يعظم رجاؤه إذا ما كثرت أعماله الصالحة ، ولا يقنط من رحمة اللّه تعالى وييأس إذا ما قصّر في الطاعة أو وقع في المعصية :
قال الإمام الشافعي :يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بأن عفوك أعظم 
وقال الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري :
ولا يمنعه ذنب من رجاء * فإن اللّه غفار الذنوب 
وقال الإمام البوصيري :
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه * أو يرجع الجار منه غير محترم 
وقال أيضا :
يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت * إن الكبائر في الغفران كاللمم
لعلّ رحمة ربي حين يقسمها * تأتي على حسب العصيان في القسم
يا رب واجعل رجائي غير منعكس * لديك واجعل حسابي غير منخرم 
ولا يظن أحد أن هذه الحكمة تقلل من أهمية الإكثار من الأعمال الصالحة بل هي تحذر الإنسان من الاعتماد عليها والركون إليها والغرور بها لكي لا ينقص رجاؤه إذا ما قصر يوما ما فييأس ويقنط من رحمة اللّه تعالى فيصدق في حقه قول اللّه تعالى :وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ[ الحجر : 56 ] .
فالأعمال الصالحة هي سبب رضي اللّه تعالى ورفع الدرجات في الجنة . فعلى المسلم أن يتمثل قول اللّه تعالى :الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 42 )[ النّحل :
42 ] ويتمثل قول اللّه تعالى :لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً[ الزّمر : 53 ] .

الحكمة الثانية « 1 » « إرادتك التّجريد مع إقامة اللّه إيّاك في الأسباب من الشّهوة الخفيّة ، وإرادتك الأسباب مع إقامة اللّه إيّاك في التّجريد انحطاط عن الهمّة العليّة » .

شرح الحكمة : التجريد في اللغة : الإزالة ، تقول : جردت الثوب أزلته عني ، وجردت الجلد : أزلت شعره .
هذا هو معنى التجريد في اللغة ، وأما عند علماء التربية والسلوك فله معان عدة بحسب أقسامه الثلاثة :
القسم الأول : تجريد الظاهر ومعناه : ترك الأسباب الدنيوية التي تشغل الجوارح عن طاعة اللّه تعالى .
القسم الثاني : التجريد الباطني ومعناه : ترك العلائق النفسانية التي تشغل القلب عن الحضور مع اللّه تعالى .
والقسم الثالث : تجريد الظاهر والباطن معا ويقال له التجريد الكامل ويشمل المعنيين .
فيكون معنى التجريد التفرغ للعبادة والمراقبة مع ترك الأسباب الدنيوية ، كالعمل من أجل الكسب الحلال ، 
وعلى هذا فيكون معنى الحكمة في شطرها الأول ، أن الإنسان الذي أقامه اللّه تعالى في الأسباب أي : الأخذ في أسباب الرزق بأن يعمل ويجاهد سعيا وراء الكسب الحلال ليعيل نفسه وأهله وأولاده ، عليه أن يحمد اللّه تعالى الذي وفقه وأقامه في هذه الحالة ، لا أن يطلب من اللّه تعالى أن ينقله إلى مقام التجريد ليرتاح من عناء السعي وراء الكسب لما في ذلك من جهد ومشقة وتعب ، مدعيا أن ذلك يشغله عن العبادة ، لأن نفسه تريد من وراء هذا الطلب وهذا الادعاء أن ترتاح ، فيكون مطلبها من الشهوة الخفية ، وكون ذلك من الشهوة الخفية لعدم وقوف العبد مع مراد مولاه . 
وعليه أن يعلم أن ما هو فيه يعتبر عبادة وطاعة لقوله تعالى :أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ[ البقرة : 267 ] . 
وقوله تعالى :فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ[ الجمعة : 10 ] . ولقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« ما أكل
.......................................................................
( 1 ) ورقمها ( 2 ) في النص الكامل للحكم .

أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي اللّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده » « 1 » .
أما معنى الحكمة في شطرها الثاني وهو : وإرادتك الأسباب مع إقامة اللّه إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية .
أي : من أقامه اللّه تعالى في خدمته ، بأن تفرّغ لتعلم العلم وتعليمه ، وانقطع بذلك عن كل ما يشغل الجوارح عن طاعة اللّه تعالى ، والقلب عن الحضور مع اللّه مصدقا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر اللّه وما والاه وعالما ومتعلما » .
وهو في حاله هذا عنده من الرزق ما يكفيه ويكفي عياله ، أو كان يأتيه رزقه يوما بعد يوم ، ثم أراد أن يترك مقام التجريد هذا فإنه يكون بذلك ضعيف الهمة ، لأن مقام التجريد يحتاج إلى قوة كبيرة من اليقين والصبر وجهاد النفس أثناء الذكر والعبادة وتحصيل العلوم الشرعية ودعوة الخلق وإرشادهم إلى الحق ، قال تعالى :وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 33 )[ فصّلت : 33 ] .
وقال تعالى :وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 104 )[ آل عمران : 104 ] . 
قال الشيخ ابن عطاء اللّه في كتابه التنوير : « والذي يقتضيه الحقّ منك أن تمكث حيث أقامك حتى يكون الحق تعالى هو الذي يتولى إخراجك كما تولى إدخالك ، وجاء في شرح الحكم العطائية : « واعلم أن المتسبب والمتجرد عاملان للّه إذ كل واحد منهما حصل له صدق التوجه إلى اللّه تعالى حتى قال بعضهم : مثل المتجرد والمتسبب كعبدين للملك ، قال لأحدهما : اعمل وكل ، وقال لآخر : الزم أنت حضرتي وأنا أقوم لك بقسمتي ، ولكنّ صدق التوجه في المتجرد قد يكون أقوى لقلة عوائقه وقطع علائقه ، وقد يكون العكس هو الصحيح وذلك يختلف باختلاف الأشخاص .
.......................................................................
( 1 ) رواه البخاري : كتاب البيوع باب كسب الرجل وعمله بيده حديث رقم ( 2072 ) .


الحكمة الثالثة [ في عزلة ] « ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة » « 2 » .
 ( 2 ) ورقمها ( 12 ) في النص الكامل للحكم .

شرح الحكمة : هذه الحكمة تشير إلى الحديث الشريف : « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب » .
إنّ هذا الحديث يبين لنا أن قلب الإنسان هو الأساس ، وإذا كان الأساس سليما يكون البناء الذي هو الجسد سليما ، وهذه الحكمة تبين لنا أن العزلة تنفع في صلاح القلب وتساعده على الاعتبار والتفكر في الكون والمكوّن ، وذكر العلماء عشرة فوائد للعزلة :
الأولى : السلامة من آفات اللسان ، فإن من كان وحده لا يجد معه من يكلمه 
وقد جاء في الخبر : « رحم اللّه عبدا سكت فسلم أو تكلم فغنم » 
وورد أيضا : « أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ، وأكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم خوضا فيما لا يعنيه » .
الفائدة الثانية : حفظ البصر والسلامة من آفات النظر ، قال محمد بن سيرين :
إياك وفضول النظر فإنها تؤدي إلى فضول الشهوة » .
الفائدة الثالثة : حفظ القلب وصونه عن الرياء والمداهنة وغيرهما ، قال بعض الحكماء : من خالط الناس داراهم ، ومن داراهم راءاهم ، ومن راءاهم وقع في ما وقعوا فيه فهلك كما هلكوا .
الفائدة الرابعة : حصول الزهد في الدنيا والقناعة منها ، وبذلك يحقق حب اللّه تعالى وحب الناس له ، مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « ازهد في الدنيا يحبك اللّه وازهد في ما في أيدي الناس يحبك الناس » .
الفائدة الخامسة : السلامة من صحبة الأشرار ومخالطة الأرذال ، وفي مخالطتهم فساد عظيم وخطر جسيم ، لأن الصاحب ساحب ، وكما ثبت في الحديث : « المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل » .
الفائدة السادسة : التفرغ للعبادة والذكر والعزم على التقوى والبر ، فالعبد إذا كان وحده تفرّغ لعبادة ربه وانجمع عليها بجوارحه وقلبه وعقله لعدم وجود من يشغله عن ذلك .
الفائدة السابعة : وجدان حلاوة الطاعات ولذيذ المناجاة لفراغ سره عن الأغيار التي تشغله عن مولاه .
الفائدة الثامنة : راحة القلب والبدن ، فإن في مخلاطة الناس ما يوجب تعب القلب .
الفائدة التاسعة : صيانة نفسه ودينه من التعرض للشرور والخصومات التي توجبها الخلطة ، فإن النفس تسارع في الخوض في مثل ذلك إذا اجتمعت بأرباب الدنيا وزاحمتهم فيها ، والعزلة تحميه من ذلك .
الفائدة العاشرة : التمكن من عبادة التفكر والاعتبار ، نقل عن سيدنا عيسى عليه السلام قوله : « طوبى لمن كان كلامه ذكرا ، وصمته تفكرا ونظره عبرة » 
ونقل عن الحسن قوله : «الفكرة تريك حسنك من سيئك ويطلع بها على عظمة اللّه تعالى وجلاله إذا تفكر في آياته ومصنوعاته».
قال الشيخ ابن عباد النفري : « هذه ثمرات عزلة أهل البداية ، وأما أهل النهاية فعزلتهم مصحوبة معهم ولو كانوا وسط الخلق ، لأنهم حاضرون مع اللّه تعالى على الدوام استوت عندهم الخلوة والخلطة .
ولما للخلوة من أهمية في حياة المريد السالك إلى اللّه تعالى انطلاقا من تحققه في مقامات الدين الكامل الإسلام والإيمان والإحسان وإتماما للفائدة نذكر ملخصا عن كل ما يتعلق بالخلوة من فوائد وأسرار عند الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي كما ذكرها في كتابه ( الفتوحات المكية ) حيث يقول : 
« اعلم وفقنا اللّه وإياكم أن الخلوة أصلها في الشرع : « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه » فهذا حديث إلهيّ صحيح يتضمن الخلوة والجلوة ، وأصل الخلوة من الخلاء الذي وجد فيه العالم : [ الرجز ]فمن خلا ولم يجد فما خلا * فهي طريق حكمها حكم البلا
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : « كان اللّه ولا شيء معه »
وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال : « كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء » ثم خلق الخلق وقضى القضية وفرغ من أشياء وهوكُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ[ الرحمن : 29 ] وسيفرغ من أشياء ثم يعمر المنازل بأهلها إلى الأبد .
الخلوة أعلى المقامات وهو المنزل الذي يعمره الإنسان ويملؤه بذاته فلا يسعه معه فيه غيره ، فتلك الخلوة ونسبتها إليه ، ونسبته إليها نسبة الحق إلى قلب العبد الذي وسعه ولا يدخله ، وفيه غير بوجه من الوجوه الكونية فيكون خاليا من الأكوان كلها فيظهر فيه بذاته ، ونسبة القلب إلى الحق أن يكون على صورته فلا يسع فيه سواه ، وأصل الخلوة في العالم الخلاء الذي ملأه العالم ، فأوّل شيء ملأه الهباء وهو جوهر مظلم ملأ الخلاء بذاته ثم تجلّى له الحق باسمه النور فانصبغ به ذلك الجوهر وزال عنه حكم الظلمة وهو العدم فاتصف بالوجود فظهر لنفسه بذلك النور المنصبغ به وكان ظهوره به على صورة الإنسان ، وبهذا يسميه أهل اللّه الإنسان الكبير ، وتسمى مختصره الإنسان الصغير لأنه موجود أودع اللّه فيه حقائق العالم الكبير كلها ، فخرج على صورة العالم مع صغر جرمه ، والعالم على صورة الحق ، فالإنسان على صورة الحق وهو قوله : « إنّ اللّه خلق آدم على صورته » . . .
فالإنسان عالم صغير والعالم إنسان كبير ، ثم انفتحت في العالم صور الأشكال من الأفلاك والعناصر والمولدات فكان الإنسان آخر مولد في العالم أوجده اللّه جامعا لحقائق العالم كله وجعله خليفة فيه فأعطاه قوّة كل صورة موجودة في العالم ، فذلك الجوهر الهبائيّ المنصبغ بالنور وهو البسيط ، وظهور صور العالم فيه هو الوسيط ، والإنسان الكامل هو الوجيز ، قال تعالى :سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ[ فصلت : 53 ] 
ليعلموا أن الإنسان عالم وجيز من العالم يحوي على الآيات التي في العالم فأوّل ما يكشف لصاحب الخلوة آيات العالم قبل آيات نفسه لأن العالم قبله كما قال تعالى :سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ[ فصلت : 53 ] 
ثم بعد هذا يريه الآيات التي أبصرها في العالم في نفسه . . .
فأبانت له رؤية تلك الآيات التي في الآفاق وفي نفسه أنه الحق لا غيره وتبين له ذلك ، فالآيات هي الدلالات له على أنه الحق الظاهر في مظاهر أعيان العالم ، فلا يطلب على أمر آخر صاحب هذه الخلوة ، فإنه ما ثم جملة واحدة ، ولهذا تمّم تعالى في التعريف فقال :أَ وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعيان العالم شَهِيدٌ[ فصلت : 53 ] على التجلي فيه والظهور ، وليس في قوّة العالم أن يدفع عن نفسه هذا الظاهر فيه ولا أن لا يكون مظهرا وهو المعبر عنه بالإمكان ، فلو لم يكن حقيقة العالم الإمكان لما قبل النور وهو ظهور الحق فيه الذي تبين له بالآيات ، ثم تمّم وقال :إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من العالم مُحِيطٌ[ فصلت : 54 ] والإحطاة بالشيء تستر ذلك الشيء فيكون الظاهر المحيط لا ذلك الشيء ، فإن الإحاطة به تمنع من ظهوره فصار ذلك الشيء وهو العالم في المحيط كالروح للجسم ، والمحيط كالجسم للروح الواحد شهادة وهو المحيط الظاهر والآخر غيب وهو المستور بهذه الإحاطة وهو عين العالم . . .
ثم إنه لما انصبغ بالنور كان في خلوة بربه ، وبقي في تلك الخلوة إلى الأبد لا يتقيد بالزمان لا بأربعين يوما ولا بغير ذلك ، فالعارف إذا عرف ما ذكرناه عرف أنه في خلوة بربه لا بنفسه ومع ربه لا مع نفسه . . .
فالخلوة من المقامات المستصحبة دنيا وآخرة إلى الأبد من حصلت له لا تزول فإنه لا أثر بعد عين . . .
قال بعضهم لصاحب خلوة : اذكرني عند ربك في خلوتك ، فقال له : إذا ذكرتك فلست معه في خلوة . 
ومن هنا تعرف قوله تعالى : « أنا جليس من ذكرني » فإنه لا يذكره حتى يحضر المذكور في نفسه إن كان المذكور ذا صورة في اعتقاده أحضره في خياله ، وإن كان من غير عالم الصور أو لا صورة له أحضرته القوّة الذاكرة ، فإن القوّة الذاكرة من الإنسان تضبط المعاني ، والقوّة المتخيلة تضبط المثل التي أعطتها الحواس أو ما تركبه القوّة المصوّرة من الأشكال الغريبة التي استفادت جزئياتها من الحس لا بدّ من ذلك ليس لها تصرّف إلّا به ، فمن شرط الخلوة في هذا الطريق الذكر النفسي لا الذكر اللفظيّ ، فأوّل خلوته الذكر الخياليّ وهو تصوّر لفظة الذكر من كونه مركبا من حروف رقمية ولفظية يمسكها الخيال سمعا أو رؤية فيذكر بها من غير أن يرتقي إلى الذكر المعنويّ الذي لا صورة له وهو ذكر القلب ، ومن الذكر القلبيّ ينقدح له المطلوب والزيادة من العلوم ، وبذلك العلم الذي انقدح له يعرف ما المراد بصور المثل إذا أقيمت له ، وأنشأها الحسّ في خياله في نوم ويقظة وغيبة وفناء ، فيعلم ما رأى وهو علم التعبير للرؤيا » .
ويتابع الشيخ الأكبر رحمه اللّه تعالى حديثه عن الخلوة وأسرارها إلى أن يذكر لنا بعض أصناف السالكين الذين يدخلون الخلوة مبيّنا الأسباب التي من أجلها دخلوا الخلوة فيقول : « ومنهم من يأخذ الخلوة لصفاء الفكر ليكون صحيح النظر فيما يطلبه من العلم ، وهذا لا يكون إلّا للذين يأخذون العلم من أفكارهم ، فهم يتخذون الخلوات لتصحيح ما يطلبونه إذا ظهر لهم بالموازين المنطقية وهو ميزان لطيف أدنى هواء يحرّكه فيخرجه عن الاستقامة فيتخذون الخلوات ويسدّون مجاري الأهواء لئلا تؤثر في الميزان حركة تفسد عليهم صحة المطلوب ، ومثل هذه الخلوة لا يدخلها أهل اللّه وإنما لهم الخلوة بالذكر ليس للفكر عليهم سلطان ولا له فيهم أثر ، وأيّ صاحب خلوة استنكحه الفكر في خلوته فليخرج ويعلم أنه لا يراد لها وأنه ليس من أهل العلم الإلهيّ الصحيح ، إذ لو أراده اللّه لعلم الفيض الإلهي لحال بينه وبين الفكر .
ومنهم من يأخذ الخلوة لما غلب عليه من وحشة الأنس بالخلق فيجد انقباضا في نفسه برؤية الخلق حتى أهل بيته ، حتى أنه ليجد وحشة الحركة فيطلب السكون فيؤدّيه ذلك إلى اتخاذ الخلوة . 
ومنهم من يتخذ الخلوة لاستحلاء ما يجد فيها من الالتذاذ ، وهذه كلها أمور معلومة لا تعطي مقاما ولا رتبة ، وصاحب الخلوة لا ينتظر واردا ولا صورة وشهودا ، وإنما يطلب علما بربه فوقتا يعطيه ذلك في غير مادّة ، ووقتا يعطيه ذلك في مادة ، ويعطيه العلم بمدلول تلك المادة .
هذا ومن أراد التوسع في معرفة الخلوة وفوائدها وأسرارها وأهميتها في حياة الفرد المسلم السالك إلى اللّه تعالى فليرجع إلى الجزء الثالث والتسعين ، من الباب الثامن والسبعين في معرفة الخلوة . 
وليرجع إلى كتاب « الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر في الخلوة من الأنوار » المتن للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي والشرح للشيخ عبد الكريم الجيلي رحمهما اللّه تعالى .


الحكمة الرابعة « 1 » : « ادفن وجودك في أرض الخمول ، فما نبت ممّا لم يدفن لا يتمّ نتاجه » .

شرح الحكمة : هذه الحكمة تحث الإنسان على عدم التصدر للخلق بالإرشاد والنصح من أجل الشهرة قبل أن يزكي نفسه بالأخلاق الحميدة ، وينمي عقله بالعلم الغزير فإذا ما فعل ذلك استفاد منه الخلق وأثمرت شجرته .
فإنه لا شيء أضر على النفس من الشهرة قبل بناء الشخصية البناء الصحيح لذلك قالوا : حب الظهور يقسم الظهور . وقالوا : كل ظهور يتبعه عداوة . 
وقال إبراهيم بن أدهم : « ما صدق اللّه من أحب الشهرة » . 
وقال رجل لبشر بن الحارث وهو من أصحاب الفضيل بن عياض : « أوصني . فقال له : أخمل ذكرك وأطب مطعمك » . وهذا كله لكي لا يدخل الرياء إلى قلبه فيحبط عمله .
ولا يظن أحد أن هذه الحكمة تدعو إلى السلبية والانهزام ، بل هي على العكس من ذلك فإنها تدعو إلى العزلة المؤقتة التي تسمح للإنسان بالتحصيل العلمي وتزكية النفس . فالعلم والأخلاق شرطان أساسيان لمن أراد أن يتصدر لتعليم الخلق ونصحهم لكي يؤثر عمله إيجابا في الناس ويستفيدوا منه ، فيحصل النفع وتتم الفائدة . 
فكما أن من شرط إثمار الشجرة دفن البزرة في الأرض فمن شرط إنتاج المرشد أن يعزل نفسه مدة من الزمان تساعده على تحصيل العلم والأخلاق المطلوبين في عمله الإرشادي التعليمي .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 11 ) في النص الكامل للحكم .
 

الحكمة الخامسة: « اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك ، دليل على انطماس البصيرة منك » « 1 ».

شرح الحكمة : أن الشيء الذي ضمنه اللّه تعالى لنا هو الرزق وذلك في قوله تعالى :وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها[ هود : 6 ] وقوله تعالى :وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ[ العنكبوت : 60 ] 
والآيات القرآنية في ذلك كثيرة . وإن الشيء الذي طلبه الحق تعالى من الخلق هو العبادة ، والآيات في ذلك كثيرة أيضا منها قوله تعالى :يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[ البقرة : 21 ] 
وتمام هذه الآية قوله تعالى :* وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ( 6 )[ هود : 6 ] .
فعلى الإنسان أن لا يبذل كل وسعه في جلب الرزق الذي كفله اللّه له ، ويترك أو يقصر في عبادة اللّه تعالى التي طلبها الحق تعالى منه ، لأنه إذا فعل ذلك يكون مطموس البصيرة .
والبصيرة هي نظر القلب ، كما أن البصر هو نظر العين وبالبصيرة ينظر الإنسان إلى الأمور المعنوية كما أنه بالبصر ينظر إلى الأمور الحسية . 
وهذا الذي ذكرته الحكمة من انطماس البصيرة يتحقق باجتماع الأمرين : الاجتهاد في طلب الرزق المضمون والتقصير في طلب العبادة المطلوبة ، أما إذا طلب الرزق الحلال من غير تقصير في العبادة فهذا عين الحكمة . 
قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : « من بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له » رواه الطبراني في الأوسط .
فعلى الإنسان أن يكون عاقلا حكيما ينظر ببصره إلى الدنيا فيأخذ منها ما يحتاجه في سيره إلى الآخرة التي ينظر إليها ببصيرته فيجتهد في طلبها ويجد ، قال تعالى :وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ( 39 )[ النّجم : 39 ] 
وقال تعالى :وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ( 4 )[ الضّحى : 4 ] .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 5 ) في النص الكامل للحكم .



الحكمة السادسة: « الأعمال صور قائمة ، وأرواحها وجود سرّ الإخلاص فيها »« 1 »  .

شرح الحكمة : إن الأعمال المقصودة في هذه الحكمة هي العبادات المطالبين بإقامتها ، وهي نوعان : جسمانية وقلبية . 
شبّهتها الحكمة بالصور الحسية والمعنوية أيضا لأن الصورة هي ما يرى في النظر ويتشخص في الذهن من الكيفيات . 
والروح : هو السر المودع في الحيوانات ، والمراد به هنا الكمال المعتبر في الأعمال . 
والإخلاص : هو إفراد القلب لعبادة الرب . 
وسره : لبه وهو الصدق المعبّر عنه بالتبري من الحول والقوة إذ لا يتم إلا به .
وعلى ذلك يكون معنى الحكمة أن الأعمال التي يفعلها الإنسان ليتقرب بها إلى اللّه تعالى سواء كانت من الفرائض أو الواجبات أو السنن أو النوافل ليست معتبرة إلا إذا قرنها صاحبها بالإخلاص .
إن الأعمال كالأجساد ، وأرواحها وجود الإخلاص فيها ، فكما لا قيام للأشباح إلا بالأرواح وإلا كانت ميتة ، كذلك لا قيام للأعمال - سواء كانت بدنية أو قلبية - إلا بوجود الإخلاص فيها وإلا كانت صورا قائمة وأجسادا خاوية لا حياة فيها ولا روح .
إن اللّه تعالى أمرنا أن نعبده ونحن مخلصون له لكي نستفيد من هذه العبادة ونشعر بحلاوتها وينتفي عنا الرياء المحبط للأعمال ، قال اللّه تعالى :وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ[ البيّنة : 5 ] ، 
وقال تعالى :قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ( 11 )[ الزّمر : 11 ] ، 
وقال تعالى :إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ( 2 )[ الزّمر : 2 ] .
والإخلاص ينقسم إلى ثلاثة أقسام : إخلاص مقام الإسلام ، وهو إخلاص العوام الذين يطلبون الحظوظ الدنيوية والأخروية .
وإخلاص مقام الإيمان، وهو إخلاص المتقين، وأعمالهم من أجل الحظوظ والسعادة الآخروية فقط ، وهي خالية عن الرياء الجلي.
وإخلاص مقام الإحسان ، وهو إخلاص المحبين والمقربين ، وأعمالهم خالصة من الرياء الجلي والخفي ، وهي للّه تعالى إجلالا وتعظيما وعبودية دون طمع في جنة أو خوف من نار كما قالت السيدة رابعة العدوية :
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 10 ) في النص الكامل للحكم .

كلهم يعبدوك من خوف نار * ويرون النجاة حظا جزيلا
أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا * بقصور ويشربوا سلسبيلا
ليس لي بالجنان والنار حظ * أنا لا أبتغي بحبي بديلافنسأل اللّه تعالى أن يوفقنا لأن تكون أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم .


الحكمة السابعة « 1 » « إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النّفس » .

شرح الحكمة : إن الإنسان دائم الانشغال بدنياه ، ومشاغل الدنيا لا تنقضي ، وذلك لأن الإنسان لا يشبع منها مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« لو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى أن يكون له واديان ، وما ملأ جوف ابن آدم إلا التراب »
قال الشاعر :
نروح ونغدو لحاجاتنا * وحاجات من عاش لا تنقضي
وقال آخر :فما قضى أحد منها لبانته * ولا انتهى أرب إلا إلى أرب 
فهذه الحكمة تحذر الإنسان من تأخير الأعمال الصالحة التي طالبه بها الحق تعالى من أجل سعادته الأخروية إلى أن يتفرغ من مشاغل الدنيا ، فإن هذا التفكير وهذا التسويف هو من رعونات نفسه أي من حمقها ، لأن النفس أمّارة بالسوء فهي لا تشبع من الدنيا وشهواتها . والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول :
« الكيّس ( العاقل ) من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه الأماني » .
وقديما قالوا : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك .
وروى الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف موقوفا على بكر المزني : « ما من يوم أخرجه اللّه إلى أهل الدنيا إلا ينادي : ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي . 
ولا ليلة إلا تنادي : ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي » .
فالإنسان العاقل لا يؤثر الدنيا على الآخرة بتأجيله الأعمال الصالحة إلى وقت فراغه . قال تعالى :بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ( 16 ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ( 17 )[ الأعلى :الآيتان 16 ، 17 ] . 
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 18 ) في النص الكامل للحكم .

ومما قيل في ذلك : « ألا وإن من علامة العقل التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى القبور والتأهب ليوم النشور » .
فعلى الإنسان أن يكون كيّسا فطنا ثاقب الذهن فيبادر إلى انتهاز الفرصة في الأعمال الصالحة قبل أن يفاجئه الأجل المحتوم فيندم على ما فرط في جنب اللّه سبحانه وتعالى .


الحكمة الثامنة « 1 » : « لا تستغرب وقوع الأكدار ، ما دمت في هذه الدّار ، فإنّها ما أبرزت إلّا ما هو مستحقّ وصفها وواجب نعتها » .

شرح الحكمة : إن هذه الحكمة تنبه المسلم على عدم استغرابه وقوع البلايا والمصائب به ما دام في هذه الحياة الدنيا . قال تعالى :وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً[ الأنبياء : 35 ] . 
قال الإمام البغوي في تفسيره شارحا هذه الآية : « الشر والخير هما الشدة والرخاء ، والصحة والسقم ، والغنى والفقر » . 
وقال تعالى :الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ( 2 )[ الملك : 2 ] .
إن صدور الأكدار التي تؤلم النفس وتكدرها من الدنيا شيء طبيعي ، لأنه وصف تستحقه الدنيا ويجب أن توصف به .
ومما قيل في ذلك : « أيها الناس : إن هذه الدار دار تواء ( هلاك ) ، لا دار استواء ، ومنزل ترح ( حزن ) لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخائها ولم يحزن لشقائها ، ألا وإن اللّه خلق الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، وإنها لسريعة التوى وشيكة الانقلاب ، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها ، واهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها ، ولا تسعوا في عمران دار قد قضى اللّه خرابها ، ولا تواصلوها وقد أراد اللّه منكم اجتنابها ، فتكونوا لسخطه متعرضين ولعقوبته مستحقين » .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 24 ) في النص الكامل للحكم .

قال الإمام جعفر الصادق رضي اللّه تعالى عنه : « من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق ، فقيل له : وما ذاك ؟ قال : الراحة في الدنيا » وفي هذا المعنى قال الشاعر :
تطلب الراحة في دار العناء * خاب من يطلب شيئا لا يكون
وقال أحد الصالحين : « ملتمس السلامة في دار المتالف والمعاطب كالمتمرغ على مزاحف الحيّات ومداب العقارب » .
فلا تتعجب أيها الإنسان من نزول الأكدار الدنيوية بك ، فهذا هو شأن الدنيا .
قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر » .
فعليك أن تهيئ نفسك على توقع استقبال المحن ، وتستعين على دفع ذلك بالصبر والرضا عند وقوع القضاء . قال اللّه تعالى :إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ[ الزّمر : 10 ] 
وقال تعالى :وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ[ البقرة : 45 ] 
وورد شعرا :وإذا تصبك مصيبة فاصبر لها * عظمت مصيبة مبتلى لا يصبر.


الحكمة التاسعة « 1 » : «ما توقّف مطلب أنت طالبه بربّك، ولا تيسّر مطلب أنت طالبه بنفسك ».

شرح الحكمة : إن كل إنسان يحب أن تكون أموره متيسرة متحققة الوقوع ، وهذه الحكمة تنبه المسلم على أنه إذا أراد إنجاز مطالبه وتسهيلها عليه لا بد أن يطلب قضاءها باللّه تعالى ، أي بأن يستند إلى اللّه تعالى في تيسيرها . 
فمن أنزل حوائجه باللّه تعالى والتجأ إليه وتوكل عليه كفاه اللّه تعالى مؤنتها وقربها إليه ويسرها عليه ، وعلامة ذلك كما يقول الشيخ أحمد زروق : « ثلاثة : التفويض في المراد ، والتوكل في التحصيل ، والاستقامة في التوجه ، فإذا تمت هذه الأشياء فالمطلب متيسر ، سواء وجد أم لم يوجد ، لأن المقصود تبريد حرقة الاحتياج ، ولا بقاء لها مع التفويض ( إلى اللّه تعالى والاعتماد والتوكل عليه ) لأن عاقبته الرضا في الوجود والعدم » .
قال تعالى :وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ( 2 ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ( 3 )[ الطلاق : 2 ، 3 ] .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 25 ) في النص الكامل للحكم .

فالذي يعتمد على ربه تعالى في طلبه الأشياء تتحقق له الأشياء . قال اللّه تعالى :قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ( 128 )[ الأعراف : 128 ] .
أما الإنسان الذي يطلب الأشياء بالاعتماد على نفسه في تحصيل مراده بأن يعتمد على عقله وقوته وتدبيره وينسى اللّه تعالى ، فإنه سيفشل في تحقيق ما أراد وقوعه وسيرى أن أموره تتعسر ، 
وعلامة ذلك كما يقول الشيخ أحمد زروق : « حب الموافقة - لمراده - من غير تفويض إلى اللّه تعالى ، وأن يعتمد على الأسباب من غير توكل على اللّه تعالى ، والتهور في التحصيل دون تقوى ولا استقامة ، وكلها تعود عليه بالضرر في الوجود والعدم ، فالمطلب وإن تيسر بها صورة فهو حرمان في الحقيقة ، لما فيه من نسيان الشكر ومفارقة الحق والاعتماد على الخلق » .
فعلى الإنسان أن يطلب الأشياء باللّه تعالى لتتيسر ولا يطلبها بنفسه لكي لا تتوقف وتتعسر .
قال الشيخ ابن عطاء اللّه في كتابه التنوير في إسقاط التدبير : « وما أدخلك اللّه فيه تولى إعانتك عليه ، وما دخلت فيه بنفسك وكلك إليه » قال تعالى :وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً ( 80 )[ الإسراء : 80 ] .


الحكمة العاشرة « 1 » : « تشوّفك إلى ما بطن فيك من العيوب ، خير لك من تشوّفك إلى ما حجب عنك من الغيوب » .

شرح الحكمة : نمهد لشرح الحكمة بالقول : إن الإنسان كائن صغير في حجمه كبير في حقيقته ، فهو مركب من مادة ومعنى وهما يشكلان مجموع جسم الإنسان وعقله وقلبه ونفسه وروحه ، والنفس مليئة بالعيوب بدليل قول اللّه تعالى :إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ[ يوسف : 53 ] فهي تميل إلى الدنيا بشهواتها ، وهذا يدفعها إلى معصية اللّه تعالى والتخلق بالأخلاق الذميمة . 
وإن الروح تميل إلى عالم الملكوت فهي دائمة التشوف والتطلع إليه . 
فهذه الحكمة تحث المسلم على النظر فيما غاب عنه من عيوب نفسه ليتجنبها بدلا من أن يتطلع ويتشوف إلى ما خفي واستتر عنه من عالم الملكوت .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 32 ) في النص الكامل للحكم .

وإنّ عيوب الإنسان كثيرة ؛ منها ما هو نفسي ومنها ما هو قلبي ومنها ما هو روحي .
وإن عيوب النفس وأمراضها منها ما هو ظاهر جلي كحب الشهوات الدنيوية من مأكل ومشرب وملبس ومركب ومسكن ومنكح ، ويدخل فيها الغيبة والنميمة والغش والكذب وغير ذلك .
ومنها ما هو باطن خفي ، ويسمى بالأمراض القلبية كحب التسلط على الخلق بالرياسة وحب العز والجاه والمداهنة والكبر والعجب والرياء والحسد والحقد وغير ذلك .
وأما العيوب المنسوبة إلى الروح ، فهي تعلقها بالحظوظ الباطنية كحب الاطلاع على المغيبات والأسرار الملكوتية وطلب الكرامات والمقامات وغير ذلك .
فالإنسان العاقل هو الذي يتطلع ويتشوف إلى الاشتغال بعيوبه النفسية والقلبية والروحية ، فيعمل جهده في التخلص منها ، فيقوم بحقوق عبوديته للّه تعالى ، فإن هذا خير له من التطلع والتشوف إلى ما حجب عنه من غيوب الملكوت ، لأن اشتغاله بذلك يمنعه من القيام بحقوق الربوبية للّه تعالى 
وفي ذلك قال العارفون باللّه تعالى : « كن طالب الاستقامة ولا تكن طالب الكرامة ، فإن نفسك تدفعك لطلب الكرامة ، ومولاك يطالبك بالاستقامة ، ولأن تكون بحق ربك أولى من أن تكون بحظ نفسك » .
فنسأل اللّه تعالى أن يجعلنا ممن يهتم بعيوب نفسه فيعمل على تطهيرها من الأخلاق الرديئة بدلا من الاهتمام بما حجب عنا من مغيبات لنتحقق بقوله تعالى :قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ( 9 ) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ( 10 )[ الشّمس : 9 ، 10 ] ، 
فندخل في قوله تعالى :يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ( 27 ) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ( 28 ) فَادْخُلِي فِي عِبادِي ( 29 ) وَادْخُلِي جَنَّتِي ( 30 )[ الفجر : 27 - 30 ] .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: الحكم العطائية من 11 الى 20 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:35 pm

الحكم العطائية من  11 الى 20 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

الحكمة الحادية عشرة « 1 » : « اخرج من أوصاف بشريّتك ، عن كلّ وصف مناقض لعبوديّتك ، لتكون لنداء الحقّ مجيبا ، ومن حضرته قريبا » .

شرح الحكمة : نمهد لشرح هذه الحكمة بالقول : إن الإنسان مركب من قوى مادية ومن قوى روحية ، لذلك كانت احتياجاته ومتطلباته كثيرة ومتنوعة . منها ما هو
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 34 ) في النص الكامل للحكم .

حسي حيواني كشهوتي البطن والفرج ، ومنها ما هو ملكوتي نفسي كالصفات القلبية المتضادة : الكبر والتواضع ، والحسد وسلامة الصدر ، والغلظة واللين ، وحب الغنى والأغنياء وكراهة الفقر والفقراء وغير ذلك . ومنها ما هو روحي جبروتي كمراقبة الإنسان المسلم للّه تعالى وشعوره أنه في حضرته من حيث أنه سبحانه وتعالى شاهده وناظره ومطلع عليه .
إن الشريعة الإسلامية لم تترك الإنسان يسير على غير هدى باحثا عن هذه الاحتياجات ، بل جاءت بما يشبع هذه القوى المادية والروحية على السواء ، فشرعت أركان الدين الإسلامي الثلاثة : الإسلام والإيمان والإحسان .
إن الإسلام يتضمن أحكام ظاهر الإنسان بما في ذلك من ماديات ، والإيمان يتضمن أحكام باطن الإنسان القلبي بما في ذلك من ملكوت ، والإحسان يتضمن أحكام باطن الإنسان الروحي بما في ذلك من جبروت .
والإنسان المسلم إذا التزم الدين الإسلامي بأركانه الثلاثة سالفة الذكر الإسلام والإيمان والإحسان ، يكون بذلك خارجا عن أوصاف بشريته المناقضة لعبوديته للّه تعالى ، ويكون لنداء الحق مجيبا ومن حضرته قريبا ، 
وتفصيل شرح ذلك أن نقول :
إن الإنسان مطالب بأن يكون عبدا خالصا للّه تعالى ، بأن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه ، والنفس والشيطان وشهوات الدنيا يعملون على منع الإنسان من الخضوع للّه تعالى ، فيجعلونه يتخلّق بالأوصاف البشرية المناقضة لعبوديته للّه تعالى . 
فبالنسبة لظاهره وجوارحه ، يرتكب المخالفات الشرعية لجهله بفقه الحلال والحرام ، فلا يطيع اللّه تعالى بل يعصيه ، فلا يؤدي الفرائض من صلاة وزكاة وصيام وحج ، ويشبع شهوتي بطنه وفرجه من الحرام . 
وبذلك يكون مخالفا لأوصاف عبوديته المتعلقة بمقام الإسلام .
وبالنسبة لنفسه وقلبه يتركهما دون تربية فيتخلّق بالأوصاف الذميمة وهي أخلاق الشياطين كالكبر والحسد والحقد والغضب والبطر والغلظة والبخل والشح والرياء والعجب والكذب وغير ذلك من أوصاف مناقضة لعبوديته في مقام الإيمان .
وبالنسبة لروحه يترك الإخلاص والصبر والتوكل والتواضع والزهد والحياء والقناعة ، وصدق التوجه إلى اللّه تعالى والاعتماد عليه ، ويترك الخشوع ومراقبة اللّه سبحانه وتعالى في السر والعلن ، وغير ذلك من صفات مناقضة لعبوديته في مقام الإحسان ، وهو مقام : أن تعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
أيها الإنسان المسلم إذا أردت أن تخرج من أوصاف بشريتك المناقضة لعبوديتك لتكون لنداء الحق مجيبا ومن حضرته قريبا ، عليك أن تتفقه في الدين فتؤدي الفرائض وتجتنب النواهي وتأخذ من الدنيا وشهواتها قدر ما سمح لك الحق تعالى بأخذه من الحلال.
وأن تزكي نفسك وتطهرها من الرذائل وتحلي قلبك بمكارم الأخلاق المحمدية التي بعث بها إلينا ، وأن تستغني باللّه تعالى عن كل ما سواه وتعلم بأن اللّه تعالى يراك في كل أحوالك وشؤونك فتراقبه على الدوام لتشعر بقربه تعالى منك فتأنس وتطمئن به تعالى.
فنسأل اللّه تعالى أن يجعلنا لندائه مجيبين ومن حضرته قريبين .
* * *

الحكمة الثانية عشرة « 1 » : « لا تصحب من لا ينهضك حاله ، ولا يدلّك على اللّه مقاله » .

شرح الحكمة : إن الإنسان كائن اجتماعي يتأثر بالآخرين المحيطين به ويتأثرون به ، لذلك كان لزاما على المسلم أن يتخير أصحابه ، لأن الصاحب ساحب والمرء على دين خليله ، فعليه أن ينظر من يصاحب ، قال محمد بن سيرين : « إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم » . فهذه الحكمة تنصحنا بصحبة من يرفعنا حاله ويدلنا على اللّه مقاله . 
وهذا الصاحب الذي ينهضك حاله هو الإنسان المسلم بجوارحه ونفسه ، المؤمن بعقله وقلبه ، المحسن بروحه وسره ، ربّى جوارحه ونفسه على امتثال أوامر اللّه تعالى واجتناب نواهيه لا يقدم على عمل حتى يعلم حكم اللّه تعالى فيه ، وربّى عقله على العقيدة الصحيحة من حيث الإيمان بوحدانية اللّه تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه وبأن اللّه تعالى متصف بكل كمال ومنزّه عن كل نقص ، أخذا من قوله تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشّورى : 11 ] .  
وربّى قلبه على مكارم الأخلاق فتخلّق بأخلاق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم القائل : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » .
وربّى روحه وسره على الاعتماد والتوكل على اللّه تعالى والثقة به في كل شؤونه ، فهو دائم المراقبة والذكر له تعالى .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 43 ) في النص الكامل للحكم .


قال تعالى :وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ( 28 )[ الكهف : 28 ] .
فعليك أيها المسلم بصحبة من كان هذا حاله ، فإذا جالسته دلّك على اللّه تعالى مقاله ونقلك من الغفلة إلى الذكر والحضور واليقظة مع اللّه تعالى ، ونقلك من الطمع والتعلق بالدنيا إلى الزهد فيها وفي كل ما سوى اللّه تعالى ، ونقلك من المعصية إلى التوبة والرجوع إلى رحمة اللّه تعالى ومغفرته ، ونقلك من الجهل بالدين إلى العلم والتفقه به .
ولا تصحب أخي المسلم من كان حاله بخلاف ما ذكرنا ، قال أحد العارفين باللّه تعالى : « خمسة لا تصح صحبتهم : الجاهل بالدين ، والذي يسقط حرمة المسلمين ، والذي يخوض فيما لا يعنيه ، والذي يتبع الهوى في كل شيء فهو صاحب بدعة ، وسئ الخلق » وقال سهل بن عبد اللّه التستري : « احذر صحبة ثلاثة أصناف : الجبابرة الغافلين ، والقراء المداهنين ، والمتصوفة الجاهلين » ، ولبعض الحكماء : « لا تؤاخ من الناس من يتغير عليك في أربع : عند غضبه ورضاه وعند طمعه وهواه » . ونسب لسيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه وكرّم وجهه قوله :
« شر الأصدقاء من أحوجك إلى المداراة وألجأك إلى الاعتذار » .
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه اللّه تعالى : « أوصاني خليلي فقال : « لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب اللّه ، ولا تجلس إلا حيث تأمن غالبا من معصية اللّه ، ولا تصحب إلا من تستعين به على طاعة اللّه ، ولا تصطف لنفسك إلا من تزداد به يقينا باللّه تعالى ، وقليل ما هم » . فلا تصحب أخي المسلم من لا ينهضك حاله ولا يدلك على اللّه مقاله .
* * *

الحكمة الثالثة عشرة «1» : « من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات ، وترك النّدم على ما فعلت من وجود الزّلّات ».

شرح الحكمة : إن مدار هذه الحكمة على قلب الإنسان وهي تتحدث عن بعض علامات موته . والمقصود بالقلب هنا اللطيفة النورانية الموجودة في الإنسان وليس
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 48 ) في النص الكامل للحكم .


المقصود القلب الصنوبري المادي الذي يضخ الدم في جسد الإنسان مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب » .
فهذا القلب ، هو الذي يولد الطاقة الإيمانية في الإنسان بشرط أن يكون حيا وصالحا . ويتحقق ذلك بأمور منها : ذكر اللّه تعالى ، والزهد في الدنيا ، واشتغال الجوارح بطاعة اللّه تعالى ، وصحبة العلماء باللّه تعالى وبشرعه ، وهذا القلب ينطبق في حقه قوله تعالى :إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)[الأنفال : 2].
وسبب موت القلب أمور منها : الغفلة عن ذكر اللّه مصداقا لقوله تعالى :وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ( 124 )[ طه : 124 ] ومنها : استعمال الجوارح في معصية اللّه تعالى مصداقا لقول اللّه تعالى :كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ( 14 )[ المطفّفين : 14 ] وقوله تعالى :فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ ( 10 ) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ( 11 ) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ ( 12 )[ البقرة :
الآيات 10 - 12 ] ومنها : حب الدنيا ، قال تعالى :وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى ( 131 )[ طه : 131 ] ومنها : الجهل بالدين ، قال تعالى :فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ[ التّوبة : 122 ] .
وذكر العلماء علامات يعرف بها موت القلب ، منها : عدم حزنه على ما فاته من الطاعات ، فلا يحزن إذا ما قصر في واجباته الدينية ، ولا يكترث لذلك ، لأنه منصرف عن رضا مولاه بالدنيا ، مستغرق في جمع حطامها ظنا منه أنه مخلّد فيها ، ونسي أنها دار عبور وفناء وليست دار استقرار وخلود . ومنها : عدم الندم والحزن والمسارعة إلى التوبة إذا ما صدر منه معصية للّه تعالى ، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة ؟ فهو غافل عن سخط اللّه تعالى وغضبه .
أما القلب الحي فإنه يفرح بصدور الطاعة منه ، لأنها دليل على رضا اللّه تعالى عنه فيفرح بها ، وكذلك يحزن مسرعا تائبا إلى اللّه تعالى إذا ما فعل سيئة ، لأنه يعرف أن ذلك مما يغضب اللّه تعالى ، مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « من سرّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن »
* * *

الحكمة الرابعة عشرة « 1 » : « ما بسقت أغصان ذلّ إلّا على بذر طمع » .

شرح الحكمة : بسقت أي : طالت وبسقت النخلة إذا طالت ، قال تعالى :وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ[ ق : 10 ] أي طويلات . 
والأغصان : معروفة وهي جمع غصن ، وهي ما تشعب عن جذع الشجرة . 
والبذر : هو الحب الذي يزرع في الأرض .
والطمع : هو ميل النفس إلى الشيء وتعلقها به وحرصها عليه .
وقالوا في معنى الطمع أيضا : هو تعلق القلب بما في أيدي الخلق وتشوفه إلى غير مولاه سبحانه وتعالى .
فيكون معنى الحكمة لا تغرس بذر الطمع في قلبك فتخرج منه شجرة الذل وتتشعب أغصانها .
والطمع من أعظم آفات النفس لأنه أصل الذل للخلق وهو ينافي العزة المشار إليها بقوله تعالى :وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[ المنافقون : 8 ] 
فهو ينافي حقيقة الإيمان ويقدح في العبودية للّه تعالى ، لأنه يصرف الهمة عن التعلق باللّه والثقة به والاعتماد والتوكل عليه تعالى إلى التذلل إلى الخلق واعتقاد أنهم ينفعونه وأن الخير وأصل إليه منهم وفي ذلك ذله من عدة وجوه ، منها : شكه في قدرة اللّه تعالى المتعلقة في المقدور ، ومنها : تملقه للمطموع فيه ، ومنها : استشعاره الخيبة والمهانة عند الطلب ، ومنها : بذله ماء وجهه عند مواجهة المطلوب منه . وفي ذلك من المذلة ما لا يخفى .
قال أحد العلماء باللّه تعالى : « أيها الرجل ما قدر لما ضغيك أن يمضغاه فلا بد أن يمضغاه ، ويحك فكله بعز ولا تأكله بذل » .
وقال الشيخ أبو الحسن الوراق رحمه اللّه تعالى : « من أشعر في نفسه محبة شيء من الدنيا فقد قتلها بسيف الطمع ، ومن طمع في شيء ذلّ له ، وبذلّه هلاكه » . 
وقال الشيخ ابن عطاء اللّه في كتابه التنوير في إسقاط التدبير : « وتفقد وجود الورع من نفسك أكثر مما تتفقد ما سواه ، وتطهر من الطمع في الخلق ، فلو تطهر الطامع فيهم بسبعة أبحر ما طهره إلا اليأس منهم ورفع الهمة عنهم » .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 60 ) في النص الكامل للحكم .


وقدم سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه وكرّم وجهه إلى مدينة البصرة في العراق فدخل جامعها ، فوجد القصّاص يقصّون فأقامهم - أي طردهم من المسجد - حتى جاء إلى الحسن البصري رضي اللّه عنه ، فقال له : يا فتى إني سائلك عن أمر فإن أجبتني عنه أبقيتك - أي في التدريس - وإلا أقمتك كما أقمت أصحابك - وكان قد رأى عليه سمتا وهديا - فقال الحسن البصري : سل ما شئت ، قال : ما ملاك الدين - أي أصله وقوامه ؟ قال : - أي الحسن البصري : ملاك الدين الورع . 
قال - أي سيدنا علي - : فما فساد الدين ؟ قال : الطمع . قال : - أي سيدنا علي - : اجلس فمثلك من يتكلم على الناس » .
فعليك أخي المسلم بعدم الطمع لأنه أصل الذل ، ورحم اللّه تعالى القائل :
ترك المطامع للفتى شرف له * حتى إذا طمع الفتى ذلّ الشرف 
وقال آخر :اضرع إلى اللّه لا تضرع إلى الناس * واقنع بعز فإن العز في الياس
واستغن عن كل ذي قرب وذي رحم * إن الغني من استغنى عن الناس 
وفي المثل المشهور : الطمع ضر وما نفع ، وما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع .
* * *

الحكمة الخامسة عشرة « 1 » « من رأيته مجيبا عن كلّ ما سئل ، ومعبّرا عن كلّ ما شهد ، وذاكرا كلّ ما علم ، فاستدلّ بذلك على وجود جهله » .

شرح الحكمة : هذه الحكمة تتضمن ثلاثة أمور : الإجابة عن كل سؤال ، والتعبير عن كل مشهود ، والتكلم بكل ما يعلم . وهي تدل على جهل من تصدر عنه . فأي إنسان صادفته يجيب عن كل ما يسأل عنه ، ويعبر عن كل ما يراه من أمور ، ويتكلم بكل ما يعلمه من علوم ، فاستدل بهذه الأمور الثلاثة على جهل هذا الرجل المتصف بها .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 70 ) في النص الكامل للحكم .


وسنتكلم على كل صفة من هذه الصفات الثلاث كلّ على حدة لتوضيح الحكمة .
أما الأولى : وهي الإجابة عن كل سؤال ، فهذا يقتضي أنه أحاط بجميع العلوم والمعارف ، وهذا محال بدليل قوله تعالى :وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[ الإسراء : 85 ] .
هذا من وجه ، ومن وجه آخر على المسؤول عن مسألة أن يراعي حال السائل في سؤاله ، قيل للإمام الجنيد رحمه اللّه تعالى : يسألك الرجلان عن المسألة الواحدة فتجيب هذا بخلاف ما تجيب هذا ؟ 
فقال الجنيد : إن الجواب يكون على قدر السائل لا على قدر المسائل .
وروي أن أحد العلماء سئل عن مسألة فلم يجب عنها فقال له السائل : أما علمت أن من كتم علما نافعا ألجمه اللّه تعالى يوم القيامة بلجام من نار ؟ فقال له العالم : ضع اللجام واذهب ، فإن جاء من يستحقه وكتمته عنه فليلجمني . 
وقد سئل الإمام مالك رحمه اللّه تعالى عن اثنتين وثلاثين مسألة ، فأجاب عن ثلاث وقال في الباقي : لا أدري .
أما الفقرة الثانية : وهي التعبير عن كل ما يراه من أمور ، سواء كانت حسية تتعلق بالآخرين أو كانت معنوية تتعلق به هو ، من كرامات ومكاشفات وغير ذلك من أحوال ومقامات روحانية ذوقية ، فإن تعبيره عنها دليل على جهله ، لأنه بفعله هذا يكون مفشيا للأسرار ، وقديما قالوا : قلوب الأحرار قبور الأسرار ، وهتك الأسرار من شأن الأشرار . 
وقال الشاعر :لا يكتم السر إلا كل ذي ثقة * فالسر عند خيار الناس مكتوم 
وأيضا فإن مثل هذه المشاهدات تعتبر أمورا روحانية وأسرارا ربانية لا يفهمها إلا من ذاقها ، 
وفي ذلك قالوا :لا يعرف الشوق إلا من يكابده * ولا الصبابة إلا من يعانيها 
فلا فائدة ترجى من التعبير عنها . والدليل على ما ذكرنا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر سيدنا حارث بن مالك الأنصاري بعدم التعبير عما رآه قائلا له : عرفت فالزم . والحديث بتمامه هو
أن الحارث بن مالك الأنصاري مرّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال له : « كيف أصبحت يا حارثة ؟ » قال : أصبحت مؤمنا حقا ، قال : « انظر ما تقول ؟ فإن لكل شيء حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ » فقال : قد عزفت نفسي عن الدنيا ، وأسهرت لذلك ليلي ، وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها . فقال : « يا حارثة عرفت فالزم » ثلاثا « 1 » .
أما فيما يتعلق بالفقرة الأخيرة وهي : تحدّثه بكل ما علمه من علوم ، سواء أكانت مادية أم ربانية ، والاستدلال على جهله بتصرفه هذا ، فما ورد في الخبر :
« لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم » .
وقد قيل : « إن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا العلماء باللّه ، فإذا أظهروه أنكره أهل الغرة باللّه » وقال سيدنا أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه : « حفظت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جرابين من العلم :
أما أحدهما فبثثته في الناس ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم » . 
وللإمام زين العابدين علي بن الحسين رضي اللّه عنه قوله شعرا :
يا ربّ جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحلّ رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا
إني لأكتم من علمي جواهره * كي لا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا 
وقال الإمام الغزالي رحمه اللّه تعالى : قد تضر علوم الحقائق بأقوام كما يتضرر الجعل بالمسك والورد ( والجعل بضم الجيم حشرة الخنفس ) .
فعلى الإنسان العاقل أن لا يجيب عن كل ما يسأل عنه ، وأن لا يخجل من قوله لا أدري ، وأن لا يعبّر عن كل ما يشهده من أسرار وأذواق روحانية ، وأن لا يتحدث بكل ما علمه من معارف ربانية ، لكي لا يكذب من الآخرين ويوصف بالجهل أو بالكفر والزندقة .
* * *

الحكمة السادسة عشرة « 2 » « إن أردت أن يكون لك عزّ لا يفنى ، فلا تستعزّنّ بعزّ يفنى » .

شرح الحكمة : إن الإنسان بفطرته يصبو إلى الجاه والعز ، ويحب أن يكون عزيزا بالدنيا ، وإنّ النفس تحث صاحبها على السعي جاهدا في سبيل الوصول إلى هذا العز ونيله ، ولكنها إن كانت أمّارة بالسوء جاهلة بربها محجوبة عنه بظلمات المعاصي
.............................................................................
( 1 ) المعجم الكبير للطبراني 3 / 266 ومصنف ابن أبي شيبة 7 / 226 .
( 2 ) ورقمها ( 86 ) في النص الكامل للحكم .


والشهوات ، فإنها تضلل الإنسان وتجعله يعتز بما يفنى ، فيتعلق بالمال والعشيرة والولد والمنصب والسلطان وغير ذلك من أمور الدنيا الفانية التي يظن أن عزه فيها فيشغل قلبه بها ، مع أنه لو ملك الدنيا جميعها واعتزّ بها إنما يكون قد اعتزّ بأقل من جناح بعوضة بدليل قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيما صحّ عنه : « لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء » « 1 » .

وأما الإنسان العاقل صاحب النفس المطمئنة بنور الإيمان ، فإنه يعتز بما يبقى ، لأنه يريد أن يكون له عز لا يفنى ، وهو : العز باللّه تعالى وبطاعته وامتثال أمره وموالاة أحبابه ، قال تعالى :كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ( 26 ) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ( 27 )[ الرّحمن : 26 ، 27 ] وقال تعالى :مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً[ فاطر : 10 ] وقال تعالى :وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ ( 56 )[ المائدة :
56 ] وقال تعالى :وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ[ المنافقون : 8 ] .
وروي عن سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه وكرّم وجهه قوله : « من أراد الغنى بغير مال ، والكثرة بغير عشيرة فلينتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة » أي من استعز باللّه تعالى لا يقدر أحد أن يذله ، ويروى في ذلك قصة الرجل الذي أمر هارون الرشيد بالمعروف فغضب منه وحنق عليه ، فقال : - أي هارون الرشيد - اربطوه مع بغلة سيئة الخلق لتقتله ، فلم تفعل معه شيئا ، ثم قال : اسجنوه وطيّنوا عليه الباب ففعلوا ، فرئي في بستان فأتي به فقال له : من أخرجك من السجن ؟ فقال : الذي أدخلني البستان ، فقال : ومن أدخلك البستان ؟ فقال : الذي أخرجني من السجن ، فعلم هارون الرشيد أنه لم يقدر على ذله ، وأمر الرشيد أن يركب الرجل وينادى عليه : ألا إن هارون أراد أن يذل عبدا أعزّه اللّه فلم يقدر » .
فعليك أخي المسلم ، إذا أردت أن يكون لك عز لا يفنى ، أن لا تستعز بغير اللّه تعالى القائل :أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً[ النّساء : 139 ] . وقال تعالى :وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً[ طه : 97 ] .
.............................................................................
( 1 ) الترمذي رقم 2320 .
* * *

الحكمة السابعة عشرة « 1 » : « متى أعطاك أشهدك برّه ، ومتى منعك أشهدك قهره ، فهو في كلّ ذلك متعرّف إليك ، ومقبل بوجود لطفه عليك » .

شرح الحكمة : إن النفس البشرية تحب العطاء لأنه يوافق الهوى والطبع ، وتكره المنع لأنه يخالفهما ، لأن العطاء وجود والمنع عدم ، وهي تحب الوجود وتكره العدم ، فمن أعطاها من الخلق شيئا أحبّته لذلك ، ومن منع عنها شيئا سخطت عليه وكرهته ، ولذلك قيل : « جبلت النفوس على حب من أحسن إليها » وذلك شأن العبد مع ربه ، إذا أعطاه فرح وإذا منعه حزن ، مصداقا لقوله تعالى :فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ( 15 ) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ( 16 )[ الفجر : الآيتان 15 ، 16 ] .
وهذه الحكمة تحدثنا عن العلاقة بين اللّه تعالى وبين عبده في العطاء والمنع ، فهي تبين أن اللّه تعالى إذا أعطى عبدا شيئا فإنه يكون بذلك العطاء يريد أن يشهده برّه ولطفه به وفضله عليه ، وإن منع عنه شيئا بأن حرمه ما يوافق طبعه وهواه ، أو ابتلاه بما يكره ، فإنه يكون بذلك المنع يريد أن يشهد عبده القهر الإلهي ، قال تعالى :وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ[ الأنعام : 18 ] وفي كلتا الحالتين : العطاء والمنع يتعرف العبد على لطف اللّه تعالى به ، قال تعالى :وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ البقرة : 216 ] .
فلطف اللّه تعالى لا ينفك عن العبد سواء في العطاء أم في المنع . قال تعالى :أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ( 14 )[ الملك : 14 ] فاللّه تعالى لطيف بعبده خبير بما يصلحه وبما يفسده ، قال الشيخ ابن عطاء اللّه الإسكندري مؤلف هذه الحكم :
« من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره » .
فالحق تعالى يريد من عبده المحسن السالك طريق معرفته : - المسلم والمؤمن والمحسن السائر والسالك على الصراط المستقيم صراط الدين الكامل الموصل إلى معرفة اللّه تعالى - أن يشهد عند العطاء صفاته الجمالية ، من الرحمة والجود والبرّ والكرم والإحسان واللطف وغير ذلك ، وأن يشهد عند المنع صفاته الجلالية ، من القهر والكبرياء والعزة والاستغناء وغير ذلك ، فيصل العبد عند ذلك إلى درجة الكمال
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 93 ) في النص الكامل للحكم .


الديني ، فيعرف معنى قوله تعالى :لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ[ الحديد : 23 ] 
والمؤمن إذا أعطاه اللّه تعالى شكر ، فأثابه اللّه تعالى على هذا الشكر ، وإذا منعه صبر ، فأثابه اللّه تعالى على هذا الصبر ، فكل شؤون المؤمن خير ، وهذا هو عين اللطف الإلهي بعباده ، فمتى أعطاهم أشهدهم برّه ، ومتى منع عنهم أشهدهم قهره ، وهو في كل ذلك متعرف إليهم بإشهادهم لطفه تعالى عليهم .
* * *

الحكمة الثامنة عشرة «1» « نعمتان ما خرج موجود عنهما، ولا بدّ لكلّ مكوّن منهما : نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد ».

شرح الحكمة : هذه الحكمة تتحدث عن نعمة إيجاد المخلوقات من العدم ، وعن نعمة إمدادها بالوجود ، وقبل الشروع في بيان معناها العام ، أشرح بعض الألفاظ الواردة فيها ، ليسهل علينا بعد ذلك فهمها . 
إنّ المراد بكلمة ( موجود ) : ممكن الوجود وهو : ما يتصور في العقل وجوده وعدمه ، ويسمى أيضا بالجائز ، أي : يجوز في حقه الوجود والعدم ، ويسمى أيضا بالحادث ، أي : حدث بعد أن لم يكن . 
والمراد من قوله ( مكوّن ) أي : مخلوق من كون الشيء أي : أحدثه وأوجده . وهي تبين المراد من كلمة موجود الواردة سابقا ، فخرج بها الموجود الواجب كذاته اللّه تعالى وصفاته .
أشرع في بيان معنى الحكمة العام فأقول : إن كل ما سوى اللّه تعالى من المخلوقات أصله العدم السابق على الوجود ، قال اللّه تعالى :هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ( 1 )[ الإنسان : 1 ] 
وقال اللّه تعالى :وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً[ مريم : 9 ] فأول نعمة أنعمها اللّه تعالى على الموجودات هي إخراجها من العدم إلى الوجود فهذه هي نعمة الإيجاد .
وأما النعمة الثانية فهي نعمة الإمداد وبيانها : أن الكائنات بعد وجودها من العدم دائمة الافتقار إلى غنى اللّه تعالى ليمدها بالبقاء ، قال اللّه تعالى :* يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( 15 )[ فاطر : 15 ] 
وقال اللّه تعالى :إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا[ فاطر : 41 ] 
فالعالم دائم الاحتياج إلى أن يمده اللّه تعالى بأسباب وجوده من المنافع التي تقتضي بقاء صورته ومعناه ، قال الشيخ أبو
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 97 ) في النص الكامل للحكم .


مدين رحمه اللّه تعالى : « الحق ممد والوجود مستمد ، والمادة من عين الجود فلو انقطعت المادة انهدم الوجود » . وكلامه هذا مستمد من قول اللّه تعالى :أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ( 15 )[ ق : 15 ] .
فعلى الإنسان أن يداوم على شكر اللّه تعالى الذي أنعم عليه حسا ومعنى ، قال اللّه تعالى :وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً[ لقمان : 20 ] وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « أحبّوا اللّه لما يغذوكم به من نعمه »« 1 » 
ونعمه تعالى الظاهرة هي : كل ما فيه بقاء أجسادنا من غذاء ولباس ومسكن ، 
ونعمه الباطنة هي : كل ما فيه تزكية نفوسنا وتطهير قلوبنا وتفتّح عقولنا وترقّي أرواحنا . 
فالحمد للّه الذي حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، قال اللّه تعالى :وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً[الحجرات : 7، 8].
* * *

الحكمة التاسعة عشرة « 2 » « لا يخاف عليك أن تلتبس الطّرق عليك ، وإنّما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك » .

شرح الحكمة : هذه الحكمة تتحدث عن أمرين : الأول عدم الخوف على المسلم من خفاء الطرق الموصلة له إلى مولاه عزّ وجل ، والثاني الخوف على السائر إلى اللّه تعالى من أن يتبع هواه . 
وقبل الشروع في شرح هذه الحكمة لا بد من تفسير معنى الهوى لأن فهم معناه يسهل علينا فهمها .
الهوى : مصدر هواه إذا أحبه واشتهاه وجمعه الأهواء ، ثم سمي به المهوي المشتهى محمودا كان أو مذموما ، ثم غلب على غير المحمود ، فيطلق على من زاغ عن طريقة أهل السنة والجماعة وكان من أهل القبلة فيقال : فلان اتبع هواه .
وعرّف الهوى أيضا : بأنه الميل إلى الشهوات والمستلذات من غير داعية الشرع ، وبأنه ميل النفس إلى ما يلائمها من الشهوات ، وإعراضها عما ينافرها ، وقد يطلق الهوى ويراد به مطلق الميل والمحبة ليشتمل على الميل للحق وغيره ، وقال الشعبيّ رحمه اللّه تعالى وهو من التابعين : إنما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه . وبعد بيان معنى الهوى ، 
.............................................................................
( 1 ) رواه الترمذي عن ابن عباس وصححه حديث رقم ( 3789 ) .
( 2 ) ورقمها ( 107 ) في النص الكامل للحكم .


أبدأ بشرح الحكمة فأقول : إنه لا يخاف على المسلم أن تلتبس عليه الطرق التي توصله إلى اللّه تعالى ورضوانه ، لأن اللّه تعالى قال :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ] . 
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي »
وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم أيضا : « تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك » .
فبما أن طريق الهدى واضح وهو كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه ومن اتبعهما لن يضل أبدا ، لم يبق إلا أن يخاف على المسلم أن يغلبه هواه فيتبعه فيضل عن الصراط المستقيم ، وضلاله من وجهين : إما أن هواه سيدفعه إلى الانغماس في شهوات الدنيا ومستلذاتها فتفسد نفسه ويقسو قلبه ويسوء عمله ، وإما أن يدفعه إلى البدع والاعتقادات الباطلة فيزيغ عقله ويضعف إيمانه ويتلاشى فيخسر آخرته التي فيها حياته الأبدية . قال اللّه تعالى :وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ[ الأنعام : 119 ] ، 
وقال اللّه تعالى :وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ[ القصص : 50 ] ، 
وقال اللّه تعالى :أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ[ الجاثية : 23 ] 
قال سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه وكرّم وجهه : « أخاف عليكم اثنين : اتباع الهوى وطول الأمل ، فإن اتباع الهوى يصد عن الحق وطول الأمل ينسي الآخرة » وقال الحسن البصري وهو من كبار التابعين : « أفضل الجهاد ، جهاد الهوى » .
إن اتباع الهوى يؤدي إلى فساد الفرد والمجتمع بل والعالم مصداقا لقوله تعالى :وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ[ المؤمنون : 71 ] .
فعليك أخي المسلم أن تخالف هواك وتجعله يسير تبعا لما جاء به سيدنا محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم لتفوز بجنة ربك ، قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به »
وقال اللّه تعالى :وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ( 40 ) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ( 41 )[ النّازعات : الآيتان 40 ، 41 ] .
* * *

الحكمة العشرون « 1 » : « أمرك في هذه الدّار بالنّظر في مكوّناته وسيكشف لك في تلك الدّار عن كمال ذاته » .

.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 116 ) في النص الكامل للحكم .

شرح الحكمة : قبل الشروع في شرح الحكمة وذكر المقصود منها أوضح نصها فأقول : أمرك ( أي اللّه تعالى ) في هذه الدار ( أي الدنيا ) بالنظر ( أي بالتفكر والاعتبار ) في مكوناته ( أي مخلوقاته ) وسيكشف لك ( أيها المسلم ) في تلك الدار ( أي الآخرة ) عن كمال ذاته ( أي عنها وذلك بشهودها مصداقا لقوله تعالى :وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ( 22 ) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ( 23 )[ القيامة : 22 ، 23 ] .
أبدأ في الشرح فأقول : إن غاية خلق الإنسان والعالم هي معرفة اللّه تعالى بدليل قوله تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )[ الذّاريات : 56 ] فسّر سيدنا عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما قول اللّه تعالى :لِيَعْبُدُونِ[ الذّاريات : 56 ] ب « ليعرفون » ، ويكون الحق تعالى عبّر عن الغاية التي هي المعرفة بالوسيلة التي هي العبادة . والعبادة متنوعة منها ما هو حسي متعلق بالجوارح كأركان الإسلام ، ومنها ما هو معنوي روحي متعلق بركني الإيمان والإحسان .
وهذه الحكمة تتحدث عن عبادة التفكر والاعتبار التي تتحقق من خلال النظر في الآفاق والأنفس ، وقد أمرنا اللّه تعالى بها في قوله :قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ يونس : 101 ] وقوله :وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ[ آل عمران : 191 ] 
وقوله تعالى :سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ[ فصّلت : 53 ] .
إن النظر في المكونات والتفكر فيها يوصل إلى معرفة اللّه تعالى . قال أبو العتاهية :وفي كل شيء له آية * تدل على أنه الواحدإن الأثر يدل على المؤثر ، والصنعة تدل على الصانع ، وقال أعرابي : إن البعرة تدل على البعير ، والسير يدل على المسير ، أفأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج أفلا تدل على الواحد القهّار . 
إن نظر هذا الأعرابي في مخلوقات اللّه وتفكره فيها أوصله إلى الاعتراف بوجود اللّه تعالى الواحد القهّار . 
فكل جزء من أجزاء هذا العالم إما أن يدل على صفة من صفاته تعالى ، وإما أن يدل على اسم من أسمائه تعالى ، وإما أن يدل على فعل من أفعاله تعالى ، فهو بمجموعه يوصل العبد إلى معرفة وحدانية اللّه تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه .
وقد أمرنا شرعا بالتفكر في خلق اللّه ولم نؤمر بالتفكر في ذاته تعالى ، لأن اللّه عزّ وجل لا يدرك من حيث الحقيقة والكنه والماهية ، قال اللّه تعالى :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ[ الأنعام : 103 ] . وإنما نعرف منه تعالى صفاته وأسماءه وأفعاله ، ونعرف آثار هذه الصفات والأسماء والأفعال ، لذلك قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « تفكروا في آلاء اللّه ولا تفكروا في اللّه » .
والشريعة المطهرة بما فيها من إسلام وإيمان وإحسان تؤهل الإنسان لرؤية اللّه تعالى في الآخرة مصداقا لقوله تعالى :وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ( 22 ) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ( 23 )[ القيامة : 22 ، 23 ] ، 
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته » « 1 » .
وهذا هو المقصود من الحكمة في شطرها الأخير : « وسيكشف لك في تلك الدار عن كمال ذاته » .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: الحكم العطائية من 21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:37 pm

الحكم العطائية من  21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

الحكمة الواحدة والعشرون « 2 » : « لمّا علم الحقّ منك وجود الملل لوّن لك الطّاعات ، وعلم ما فيك من وجود الشّره فحجرها عليك في بعض الأوقات ، ليكون همّك إقامة الصّلاة لا وجود الصّلاة ، فما كلّ مصلّ مقيم » .

شرح الحكمة : قبل البدء في شرح الحكمة أوضح بعض الألفاظ الواردة فيها ليسهل علينا فهم معناها العام .
فالملل : هو السآمة والضجر من عمل يلحق الشخص فيه مشقة فيدفعه الملل إلى تركه .
لوّن : أي نوّع لك الطاعات وعددها من صلاة وصيام وتلاوة وذكر وغير ذلك .
والشره : مجاوزة الحد في التسارع إلى العمل والحرص عليه فيؤديه ذلك إلى وقوع النقص والتقصير فيه .
حجرها : أي منعها في بعض الأوقات .
إقامة الصلاة : أي تعديل أركانها وتوفير شروطها وتكميل آدابها بقدر الوسع .
.............................................................................
( 1 ) رواه البخاري : كتاب مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة العصر رقم ( 554 ) ورواه مسلم : كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب فضل صلاتي الصبح والعصر حديث رقم ( 211 - 633 ) .
( 2 ) ورقمها ( 118 ) في النص الكامل للحكم .

فيكون معنى الحكمة العام : أن اللّه سبحانه وتعالى خالق كل شيء ، القائل :أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ( 14 )[ الملك : 14 ] علم أننا نضجر ونسأم من تكرار العمل الواحد لذلك فرض علينا أعمالا متنوعة لكي نتجنب الوقوع في هذا الملل قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« إنّ اللّه لا يمل حتى تملّوا » .
وفي ذلك قيل :لا يصلح النفس إذ كانت مدبّرة * إلا التنقل من حال إلى حالقال الشيخ أحمد زروق رحمه اللّه تعالى : لونت له ( أي للعبد ) الطاعة ( أي العبادات ) لثلاثة أوجه : أحدها : رحمة به ليستريح من لون إلى لون ، والثاني : إقامة للحجة عليه إذ لا عذر له في الترك ( أي لعدم وجود الملل والسآمة ) ، والثالث : ليثبت له النسبة في العمل بوجود التخيير في الجملة فتكمل الكرامة وتسهل الطاعة ( وهذا خاص بنوافل الطاعات ) .
وأيضا لمّا علم الحق تعالى من عباده وجود الشره وهو حبهم الشديد للخير والعجلة في كسبه مصداقا لقوله تعالى :وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ( 8 )[ العاديات : 8 ] 
وقوله تعالى :خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ[ الأنبياء : 37 ] 
وقوله :وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا[ الإسراء : 11 ] 
وقوله مخاطبا نبيه :وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ[ طه : 114 ] ، 
مما سيدفعهم للسرعة المؤدية لوجود النقص في العبادة ، لأنه سيصبح همهم فعل الصلاة لا إقامة الصلاة ، منعهم من فعل بعض الطاعات في بعض الأوقات ليكون همهم إقامة الصلاة لا مجرد فعل الصلاة وإيجاد صورتها . قال الشيخ أبو العباس المرسي رحمه اللّه تعالى : « كل موضع ذكر فيه المصلون في معرض المدح ، فإنه إنما جاء لمن أقام الصلاة ، إما بلفظ الإقامة ، أو بمعنى يرجع إليها ، 
قال اللّه سبحانه :الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ[ البقرة : 3 ] 
وقال اللّه تعالى :رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي[ إبراهيم : 40 ] وقال اللّه عزّ وجل :وَأَقِمِ الصَّلاةَ[ هود : 114 ] 
وقوله وَإِقامَ الصَّلاةِ[ الأنبياء : 73 ] وقوله :وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ[ الحجّ : 35 ] . 
ولما ذكر اللّه تعالى المصلين بالغفلة قال :فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ( 5 )[الماعون : الآيتان 4 ، 5 ] 
ولم يقل فويل للمقيمين الصلاة الذين هم عن صلاتهم ساهون » .
يتبين لنا مما تقدم أن على المسلم أن يكون همه إقامة الطاعة ، بحفظ أركانها وسننها والخشوع فيها والحضور مع اللّه فيها ، لا مجرد فعلها ليجد ثمرتها في روحه وقلبه ونفسه وسلوكه ، قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له »
فهذا هو المقصود من هذه الحكمة ، وذكرت الصلاة كمثال لأنها أكثر الفرائض وقوعا من المكلّف .
* * *

الحكمة الثانية والعشرون «1» «الصّلاة مطهرة للقلوب من أدناس الذّنوب، واستفتاح لباب الغيوب».

شرح الحكمة : إن الصلاة هي من أفضل الأعمال التي تهذب النفس وتطهر القلب وتنور العقل وترقي الروح ، ولأهميتها هذه قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة »« 2 »
وقال أيضا : « رأس الأمر وعاموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد » « 3 » .
فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام : 
قال اللّه تعالى :وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( 5 )[ البيّنة : 5 ] 
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على اللّه » ( متفق عليه ) .
إن إقامة الصلاة تعود على المسلم بفوائد كثيرة منها : الانتهاء عن الفحشاء والمنكر بدليل قوله تعالى :إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ[ العنكبوت : 45 ] . 
وإذا انتهت النفس عن الفحشاء والمنكر تطهر القلب وتنور واستعد لتلقي الواردات الإلهية والعلوم الربانية ،  وهذا ما أشار إليه في آخر الحكمة بقوله : « واستفتاح لباب الغيوب »
قال الحكيم الترمذي : « دعا اللّه الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم ، وهيأ لهم فيها أنواع الضيافة لينال العبد من كل قول وفعل شيئا من عطاياه تعالى ، فالأفعال كالأطعمة والأقوال كالأشربة ، وهي عرش الموحدين هيأها رب العالمين لأهل رحمته في كل يوم خمس مرات حتى لا يبقى عليهم دنس من الأغيار ( المخلوقات ) .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 119 ) في النص الكامل للحكم .
( 2 ) رواه مسلم : كتاب الإيمان ، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة حديث رقم ( 133 - 81 ) .
( 3 ) رواه أحمد في المسند عن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه حديث رقم ( 22077 ) .

ومنها : تكفير الذنوب قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ » قالوا : لا يبقى من درنه شيء قال : « فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو اللّه بهن الخطايا »
( متفق عليه ) وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ، كفارة لما بينهم ما لم تغش الكبائر »
( رواه مسلم ) .
ومنها : رفع الدرجات في الجنة مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« عليك بكثرة السجود ، فإنك لن تسجد سجدة إلا رفعك اللّه بها درجة ، وحط عنك بها خطيئة »
( رواه مسلم ) .
ومنها : مرافقة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الجنة ، بدليل ما رواه مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وكان من أهل الصفة - قال : كنت أبيت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته ، فقال : « سلني » فقلت : أسألك مرافقتك في الجنة ، فقال : « أو غير ذلك ؟ » قلت : هو ذاك قال : « فأعنّي على نفسك بكثرة السجود » .
فالصلاة طهرة للنفوس من أدناس الذنوب واستفتاح لباب الغيوب ، لأنها تطهر ظاهر الإنسان بالطهارات الحسية وتطهر قلبه بالطهارة المعنوية ، فترتفع عن العبد الحجب الظلمانية بما تجده روحه من الأنوار الإلهية ، فترى ما كان غائبا عنها من المعارف والأسرار الربانية ، 
قال اللّه تعالى :وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ البقرة : 282 ] 
وقوله تعالى :آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً[ الكهف : 65 ] .
 * * *

الحكمة الثالثة والعشرون «1» : «استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيّتك ، دليل على عدم صدقك في عبوديّتك. غيّب نظر الخلق إليك بنظر اللّه إليك، وغب عن إقبالهم عليك بشهود إقباله عليك».

شرح الحكمة : إن هذه الحكمة تشتمل على أمرين : الأول أحد أمراض النفس وهو الرياء وعبّر عنه بقوله : « استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك » أي : بكرامتك عند اللّه تعالى لما خصك اللّه به من صالح الأعمال « دليل على عدم صدقك في عبوديتك » ،
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 161 و 162 ) في النص الكامل للحكم .

 أي : وهذا يدل على عدم صدق من كان هذا حاله في عبوديته للّه تعالى لأن الصدق في العبودية يتطلب الإخلاص في العمل للّه تعالى بدليل قوله تعالى :وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ[ البيّنة : 5 ] .
والرياء هو العمل من أجل الناس طلبا للمنزلة عندهم ، قال اللّه تعالى :يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا[ النّساء : 142 ] وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« قال اللّه تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه »
( رواه مسلم ) .
قال أحمد بن أبي الحواري رحمه اللّه تعالى : « من أحبّ أن يعرف بشيء من الخير أو يذكر به فقد أشرك في عبادته ، لأن من خدم على المحبة لا يحب أن يرى خدمته غير مخدومه » . أي من عبد اللّه حبا به ولم يعبده خوفا أو طمعا لا يحب أن يطلع على عمله غير محبوبه الذي عبده على المحبة وهو اللّه تعالى . وقال سهل بن عبد اللّه التستري رحمه اللّه تعالى : « من أحب أن يطلع الناس على عمله فهو مراء ، ومن أحب أن يطلع الناس على حاله فهو كذاب » . وقال إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى : « ما صدق اللّه من أحب الشهرة » .
ذكر علماء التربية والسلوك علامات للمرائي تدل على ريائه منها : نشاطه في العبادة أمام الناس وكسله وقعوده عنها في خلوته . ومنها : إتقانه للعبادة حيث يراه الناس وإسراعه فيها وتساهله بها حيث لا يراه أحد غير اللّه تعالى . ومنها : تطلعه بقلبه توقير الناس له وتعظيمه . ومنها الرغبة في مسارعتهم إلى قضاء حوائجه لما يرونه من صلاحه ، حتى إنه إذا قصر أحدهم في حقه الذي يدّعيه لنفسه استنكر ذلك منهم .
والأمر الثاني الذي اشتملت عليه هذه الحكمة هو الدواء الشافي من الرياء ، وعبّر عنه بقوله : « غيب نظر الخلق إليك بنظر الحق إليك ، وغب عن إقبالهم عليك بشهود إقباله عليك » أي ، لا تنظر إلى نظر الخلق إليك ، بأن تكون تشعر بنظرهم إليك وتهتم لذلك ، بل غب عن نظرهم إليك ، بالاكتفاء بنظر اللّه إليك بمراقبتك له وحضورك معه تعالى ، وعلمك بأنه عزّ وجل مطلع على ظاهرك وباطنك مصداقا لقوله تعالى :يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ( 19 )[ غافر : 19 ] وقال تعالى :أَ وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[ فصّلت : 53 ] .
وعليك أيضا أن تغيب عن إقبال الخلق عليك بالتبجيل والتعظيم ، لأنهم لا يملكون لك ضرا ولا نفعا ولا رفعا ولا خفضا ، وتكتفي بشهودك إقبال من ناصيتك بيده سبحانه وتعالى ، الذي أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة ، قال اللّه تعالى :وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً[ لقمان : 20 ] وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم موضحا إقبال اللّه على العبد فيما يرويه عن ربه : « قال اللّه عزّ وجل : إذا تقرب عبدي مني شبرا تقربت منه ذراعا ، وإذا تقرب مني ذراعا ، تقربت منه باعا ، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة » ( رواه مسلم ) .
* * * 

الحكمة الرابعة والعشرون « 1 » : « إذا علمت أنّ الشّيطان لا يغفل عنك ، فلا تغفل أنت عمّن ناصيتك بيده » .

شرح الحكمة : أمهد لشرح هذه الحكمة بالقول : إن الإنسان لم يخلق عبثا في هذا الكون مصداقا لقوله تعالى :أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ( 115 )[ المؤمنون : 115 ] . 
إن سبب خلقنا في هذه الدنيا نجده في قوله تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )[ الذّاريات :
56 ] فنعبد اللّه تعالى بإطاعة أوامره واجتناب نواهيه وصولا إلى معرفة وحدانيته تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله ، لأن هذه المعرفة هي غاية العبادة وهدفها الأسمى ، فبها يعمّر الكون ، وتستقيم الحياة البشرية ، ويدرك الاطمئنان الدنيوي ، وتنال السعادة الأبدية .
إلا أن الإنسان خلال طاعته لربه ، سيجد معوقات وموانع تحول بينه وبين تحققه بعبوديته للّه تعالى والخضوع لشريعته . وهي كثيرة وأصولها أربعة : 
الأول : النفس مصداقا لقوله تعالى :إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ[ يوسف : 53 ] 
الثاني : الدنيا مصداقا لقوله تعالى :اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ[ الحديد : 20 ] 
الثالث : الخلائق مصداقا لقوله تعالى :وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[ الأنعام : 116 ] 
الرابع : الشيطان مصداقا لقوله تعالى :إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا[ فاطر : 6 ] .
إن هذه الحكمة تتكلم عن هذا المانع الرابع الذي هو الشيطان ، وتذكرنا علمنا ومعرفتنا بأنه - أعاذنا اللّه منه - لا يغفل عنا ، لأنه أقسم أنه سيغوينا وسيحول بيننا وبين دين اللّه تعالى وصراطه المستقيم ، قال اللّه تعالى :قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( 82 ) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ( 83 )[ ص : الآيتان 82 ، 83 ] وقال تعالى :قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ( 16 ) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ( 17 )[ الأعراف : الآيتان 16 ، 17 ] . قال سيدنا عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما 
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 236 ) في النص الكامل للحكم .

في تفسير هذه الآية : « من بين أيديهم : أشككهم في آخرتهم ، ومن خلفهم : أرغبهم في دنياهم ، وعن أيمانهم : أشبه عليهم أمر دينهم ، وعن شمائلهم : أزين لهم المعاصي وأحقق لهم الباطل » .
فإذا علمنا أن الشيطان لا يغفل عنا لأنه يجري منا مجرى الدم مصداقا لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم »
فعلينا أن لا نغفل عمن نواصينا بيده سبحانه وتعالى ، لأن حضورنا مع اللّه تعالى هو أنجع الأدوية التي تعالجنا من سيطرة الشيطان على أعمالنا ونفوسنا وقلوبنا وعقولنا . 
وإن عدم الغفلة عن اللّه تعالى تتحقق بأمور كثيرة منها : المداومة على ذكر اللّه تعالى بأنواعه المختلفة ، قال اللّه تعالى :إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ[ العنكبوت : 45 ] 
ومنها : تلاوة القرآن الكريم ، قال اللّه تعالى :وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[ الأنفال : 2 ] . 
ومنها : الاستغفار وفي الحديث الذي رواه أحمد في المسند من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه تعالى عنه : « إن إبليس قال : وعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم ، فقال اللّه عزّ وجل : وعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني » .
ومنها : التوكل على اللّه تعالى في كل الأمور مصداقا لقوله تعالى :إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 99 )[ النّحل : 99 ] 
ومنها : صدق العبودية للّه تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه مصداقا لقوله تعالى:إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)[الإسراء : 65]. ومنها : الاستعاذة باللّه من الشيطان امتثالا لقوله تعالى :فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ[ النّحل : 98 ] .
ومنها : التقوى المؤدية إلى سرعة الرجوع إلى اللّه تعالى بالتوبة عند مس خواطر الشيطان لهم مصداقا لقوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ( 201 )[ الأعراف : 201 ] .
ومنها : التسمية عند شؤونك كلها قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : « إذا دخل الرجل بيته فذكر اللّه تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر اللّه تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت : وإذا لم يذكر اللّه تعالى عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء »
( رواه مسلم ) . 
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : « لو أن أحدهم ، إذا أراد أن يأتي أهله قال : باسم اللّه اللّهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه ، إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا » ( رواه مسلم ) .
فعليك أخي المسلم أن لا تغفل عن اللّه تعالى طرفة عين إذا أردت أن تسلم من كيد الشيطان ومكره وإغوائه ، ويتحقق لك ذلك بأن تعبد اللّه تعالى كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهذا هو مقام الإحسان ، والإحسان ثالث أركان الدين الإسلامي ويأتي بعد ركني الإسلام والإيمان .
* * *

الحكمة الخامسة والعشرون « 1 » : « لا تنفعه طاعتك ، ولا تضرّه معصيتك ، وإنّما أمرك بهذه ، ونهاك عن هذه ، لما يعود عليك » .

شرح الحكمة : إن هذه الحكمة تتحدث عن مسألة في العقيدة وهي وجوب الكمال المطلق للّه عزّ وجل ، ومن مقتضيات هذا الكمال الإلهي : اتصافه تعالى بالغنى الذاتي فهو تعالى غني عن كل ما سواه من المخلوقات ، قال اللّه تعالى :لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( 64 )[ الحجّ : 64 ] وهي تفتقر إليه في كل نفس من الأنفاس ، 
قال اللّه تعالى :* يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( 15 )[ فاطر : 15 ] إن اللّه عزّ وجل لم يلحقه بإيجاد الأكوان كمال كما لم يلحقه بإعدامها نقص . 
فهو تعالى لم يخلق الخلق لغرض يعود عليه منهم ، لأن أفعاله تعالى منزّهة عن الأغراض والأعواض بل أمرهم بالخير ونهاهم عن الشر لما يعود عليهم من المنافع والمصالح في دنياهم وآخرتهم تفضلا منه تعالى ورحمة ، 
قال اللّه تعالى :وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا[ الإسراء : 70 ] 
وقال تعالى :وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ( 18 )[ النّحل : 18 ] 
وقال تعالى :وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً[ لقمان : 20 ] 
وقال تعالى :إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 164 )[ البقرة : 164 ] 
وقال تعالى :اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ( 102 )[ الأنعام : 102 ] .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 211 ) في النص الكامل للحكم .

روى الإمام مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيما روى عن اللّه تبارك وتعالى أنه قال :
« يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا . يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم . يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم . 
يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم . 
يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني .
يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا . 
يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا . 
يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . 
يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد اللّه ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه » .
أخي المسلم إذا علمت أن طاعتك لا تنفعه تعالى وأن معصيتك لا تضره فهو تعالى خالق الخير والشر وهو القاهر فوق عباده . 
وإذا علمت أن اللّه تعالى أمرك بطاعة أوامره ونهاك عن اقتراف نواهيه لما يعود عليك من فوائد دنيوية وأخروية مصداقا لقوله تعالى :مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ( 46 )[ فصّلت : 46 ] 
وقوله تعالى :مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ ( 40 )[ غافر :
40 ] . 
فعليك بالمسارعة إلى شكره تعالى على ما أنعم عليك ، ويتحقق لك ذلك بصدق توجهك إليه والإخلاص في عملك له وتفريغ قلبك من غيره سبحانه وتعالى .
* * *

الحكمة السادسة والعشرون « 1 » : « خير العلم ما كانت الخشية معه . العلم إن قارنته الخشية فلك ، وإلّا فعليك » .

شرح الحكمة : إن أشرف العلوم أشرفها معلوم ، وأشرف معلوم هو ذات اللّه تعالى وصفاته وأسماؤه ، فالعلوم الشرعية من أعظم العلوم ، لأنها تدلنا على
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 232 و 233 ) في النص الكامل للحكم .

اللّه تعالى وتقربنا منه ، وكذلك العلوم الكونية التي تحقق نفس الغاية والهدف . إلا أن هذه العلوم لا ينتفع بها الإنسان إلا إذا لازمها الخشية من اللّه تعالى ، لأن الخشية مهابة يصحبها تعظيم ، أو خوف يصحبه إجلال ، يدفعان صاحبها للعمل بما علم ، وإذا عمل بما علم أورثه اللّه تعالى علم ما لم يعلم ، وقد امتدح اللّه تعالى العلماء العاملين الذين يخشونه بقوله :إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ[ فاطر : 28 ] .
وتحدّث الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه « لطائف المنن » عن العلم الذي تصحبه خشية قائلا : « فشاهد العلم الذي هو مطلوب اللّه تعالى وجود الخشية للّه ، وشاهد الخشية موافقة الأمر » ، ثم تحدّث عن العلم بدون خشية فقال : « أما علم تكون معه الرغبة في الدنيا ، والتملق لأربابها ، وصرف الهمة لاكتسابها ، والجمع والإدخار والاستكثار ، فما أبعد من هذا العلم علمه ، من أين يكون من ورثة الأنبياء ؟ وهل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التي يكون بها عند الموروث عنه ؟ » .
يشير الشيخ الشعراني في الفقرة الأخيرة إلى قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر » .
ولا شك أن علم الأنبياء تصحبه الخشية ، فيشترط في العالم الوارث أن يحافظ على الصفة التي كان بها هذا العلم عند الأنبياء الموروث عنهم ، لكي ينتفع به وينفع به الآخرين ، ويحصل ثمرته من معرفة اللّه تعالى وقربه ورضاه ، ودخول جنته يوم القيامة ، والنظر إلى وجهه الكريم .
إن العلم النافع الذي صحبته الخشية من اللّه تعالى له علامات يعرف بها ، 
منها : ما ورد في جواب الإمام الجنيد رحمه اللّه تعالى عندما سأله أحد تلامذته عن هذا العلم قائلا : « والعلم النافع : ما يدل صاحبه على التواضع ، ودوام المجاهدة ، ورعاية السر ، ومراقبة الظاهر ، والخوف من اللّه ، والإعراض عن الدنيا وعن طالبيها ، والتقلل منها ، ومجانبة أربابها ، وترك ما فيها على من فيها من أهلها ، والنصيحة للخلق ، وحسن الخلق معهم ، ومجالسة الفقراء وتعظيم أولياء اللّه تعالى والإقبال على ما يعنيه » .
وأما العلم الذي لم تقارنه الخشية من اللّه تعالى ، فهو وبال على صاحبه ، وفيه هلاكه لما سيجره عليه من ضر وإثم وعقاب ، فهو حجة عليه لا له يوم القيامة ، مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « الصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه أو موبقها »
( رواه مسلم ) وقد استعاذ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من هذا العلم الذي لم تقارنه الخشية بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع » ( رواه ابن حبان ) .
وقال سفيان الثوري رضي اللّه عنه : « إنما يتعلم العلم ليتقى به اللّه تعالى ، وإنما فضل العلم على غيره لأنه يتقى اللّه به » . وقال صلى اللّه عليه وسلم :
« من تعلّم علما مما يبتغى به وجه اللّه تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة ( أي رائحتها ) يوم القيامة » .
فعليك أيها المسلم بالعلم النافع المقرون بالخشية من اللّه تعالى لتجد نوره في قلبك فتزداد معرفتك بربك عزّ وجل ، وذلك لأن الخشية توصل إلى التقوى ، وهو يوصل إلى العلم اللدني الوهبي المشار إليه بقوله تعالى :آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً[ الكهف : 65 ] ، 
مصدقا لقوله تعالى :وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ البقرة : 282 ] ، فهذا العلم هو المقصود من قول اللّه تعالى مخاطبا نبيه صلى اللّه عليه وسلم :وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً[ طه : 114 ] .
* * *

الحكمة السابعة والعشرون «1» : «من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبّر حقّا، إذ ليس التّواضع إلّا عن رفعة، فمتى أثبتّ لنفسك رفعة فأنت المتكبّر حقّا».

شرح الحكمة : إن هذه الحكمة تشير إلى صفتين الأولى محمودة وهي التواضع ، والثانية مذمومة وهي الكبر ، 
وإن التواضع فضيلة في النفس ناشئة عن أمرين :
الأول : معرفة الإنسان المسلم بصفات نفسه الحقيقية من الضعف والعجز والجهل والذل والافتقار الدائم للّه تعالى ، وعلمه بأن كل ما فيه من محامد إنما هو من فضل اللّه تعالى عليه ، ورحمته به أن أجرى الخير على يديه . 
والأمر الثاني : مراقبة الإنسان المؤمن لعظمة اللّه تعالى وكبريائه ، وأنه القاهر فوق عباده مما سيولد في قلبه الخشية والهيبة والرهبة من اللّه تعالى ، فلا يرى لنفسه رفعة على أحد من خلق اللّه تعالى ، 
قال سيدنا موسى عليه السلام فيما أوحاه اللّه تعالى إليه : « إنّما أقبل عمل من تواضع لعظمتي ولم يتكبر على خلقي ، وألزم قلبه خوفي ، وقطع النهار بذكري » . 
وقد حثنا اللّه تعالى على التواضع وأمرنا به بقوله تعالى :وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 215 )[ الشّعراء : 215 ] 
وفي الحديث القدسي : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن اللّه أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد »
( رواه مسلم ) .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 238 ) في النص الكامل للحكم .

وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم : « ما نقصت صدقة من مال وما زاد اللّه عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد للّه إلا رفعه اللّه » ( رواه مسلم ) .
إن الإنسان لا يستطيع التحقق بصفة التواضع إلا إذا تخلصت نفسه من داء الكبر الذي يعتبر من أفظع المهلكات وأردئها ، قال اللّه تعالى :كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ[ غافر : 35 ] وقال تعالى :وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ[ إبراهيم : 15 ] .
إن الكبر صفة مذمومة شرعا وعقلا تقود صاحبها إلى غضب اللّه ومقته مصداقا لقوله تعالى :كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ[ غافر : 35 ] 
وقوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ[ غافر : 60 ] 
وقوله تعالى :وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ[ لقمان : 18 ] .
ومصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم :« لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر » ( رواه مسلم ) . 
وقوله صلى اللّه عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى : « العزّ إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته » ( رواه مسلم )
وروى الشيخان عن حارثة بن وهب رضي اللّه عنه قال : ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتلّ جوّاظ مستكبر »
، والعتل : الغليظ الجافي . والجوّاظ : الضخم المختال في مشيته . 
فعليك أخي المسلم بالعمل على الاستشفاء من مرض الكبر لتتحلى نفسك بصفة التواضع .
وأعود الآن إلى معنى الحكمة فأقول : إن المقصود من الحكمة التحذير من التكبر الناتج عن ادعاء الإنسان المسلم التواضع لنفسه لأنه إذا فعل ذلك يكون متكبرا وعلل ذلك بقوله : « إذ ليس التواضع إلا عن رفعة » أي يرى لنفسه مزية على غيره إلا أنه تنازل عنها تواضعا فهو عين التكبر ، 
قال الشيخ أبو يزيد البسطامي رحمه اللّه تعالى : « ما دام العبد ينظر أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر » . 
فعليك أخي المسلم بالعمل على الاستشفاء من مرض الكبر لتتخلق بصفة التواضع .

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: الحكم العطائية من 21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:38 pm

الحكم العطائية من  21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي

الحكمة الثامنة والعشرون « 1 » : « دلّ بوجود آثاره على وجود أسمائه ، وبوجود أسمائه على ثبوت أوصافه ، وبثبوت أوصافه على وجود ذاته ، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه . فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ، ثمّ يردّهم إلى شهود صفاته ، ثمّ يرجعهم إلى التّعمّق بأسمائه ، ثمّ يردّهم إلى شهود آثاره ، والسّالكون على عكس هذا فنهاية السّالكين بداية المجذوبين ، وبداية السّالكين نهاية المجذوبين. لكن لا بمعنى واحد، فربّما التقيا في الطّريق هذا في ترقّيه ، وهذا في تدلّيه» .

.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 250 ) في النص الكامل للحكم .
شرح الحكمة : إن هذه الحكمة تشير إلى مسألة مهمة في العقيدة وهي وجوب النظر والاستدلال على المكلّف للوصول إلى الإيمان بوجود اللّه تعالى وصفاته وأسمائه ، يقول الإمام أبو بكر الباقلاني رحمه اللّه تعالى موضحا ذلك : « إن الواجب على المكلّف أن يعلم أن أول ما فرضه اللّه عزّ وجل على جميع العباد النظر في آياته والاعتبار بمقدوراته والاستدلال عليه بآثار قدرته وشواهد ربوبيته لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار ولا مشاهد بالحواس وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله بالأدلة القاهرة والبراهين الباهرة » « 1 » .
ويقول الإمام الجويني : « أجمعت الأمة على وجوب معرفة الباري واستبان بالعقل أنه لا يتأتى الوصول إلى اكتساب المعارف إلا بالنظر وما يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب » « 2 » ويقول الإمام عبد الباقي المواهبي الحنبلي : « فتجب معرفة اللّه تعالى شرعا ومما ورد في الشرع النظر في الوجود والموجود على كل مكلّف قادر وهو أول واجب للّه تعالى » « 3 » .
وهذه الحكمة تبين لنا عملية النظر والاستدلال الموصلة إلى معرفة اللّه تعالى فتقول : دل ( أي اللّه تعالى ) بوجود آثاره ( أي مخلوقاته ) على وجود أسمائه ( الحسنى التسعة والتسعين التي وردت بالشرع ) وبوجود أسمائه ( أي ودل بوجود أسمائه الحسنى ) على ثبوت أوصافه ( أي اتصافه تعالى بصفات الكمال ) وبثبوت أوصافه ( أي ودل الحق تعالى باتصافه بالكمالات ) على وجود ذاته ( تعالى ) إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه ( أي بما أنه ثبت عقلا استحالة قيام الصفة بنفسها ولا بد لها من ذات تقوم بها ثبت وجود ذات اللّه تعالى التي تقوم بها الصفات العلية ) .
وتفصيل شرح هذه الحكمة أن نقول : إن الأثر يدل على المؤثر ، والصنعة تدل على الصانع ، وكما قال الأعرابي : « البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير أفأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير ؟ ! » . 
.............................................................................
( 1 ) كتاب الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص 22 .
( 2 ) الإرشاد إلى قواطع الأدلة ص 9 .
( 3 ) العين والأثر في عقائد أهل الأثر ص 29 .

فالآثار التي هي المخلوقات تدل بجواهرها وأعراضها وكلياتها وجزئياتها وأنواعها وأجناسها وبديع صنعها على وجود أسماء اللّه تعالى .
فمثلا أسماؤه تعالى العليم والمريد والقادر المتعلقة بإيجاد المخلوقات ، تدل على ثبوت صفة العلم والإرادة والقدرة للّه تعالى ، فالعلم يتعلق بالآثار تعلق انكشاف ، والإرادة تتعلق بها تعلق تخصيص على وفق ما كشفه العلم ، والقدرة تتعلق بها تعلق إيجاد من العدم على وفق ما خصصته الإرادة ، وهذه الصفات المتقدمة الذكر تدل على بقية صفات المعاني من الحياة والسمع والبصر والكلام ، 
وصفات المعاني هذه تدل على ثبوت الصفات المعنوية وهي : كونه تعالى حيا سميعا بصيرا متكلما عليما مريدا قادرا ، وهي بمجموعها تدل على بقية الصفات الكمالية العشرين الواجبة للّه تعالى وهي : الوجود والقدم والبقاء والقيام بالنفس والمخالفة للحوادث والوحدانية . وهذه الصفات تدل على ذات اللّه تعالى لأن الصفة لا تقوم بنفسها إنما هي قائمة بموصوفها والموصوف بها هو اللّه تعالى .
وبهذا الإيجاز يتضح لك أيها المسلم كيفية دلالة الآثار الكونية على وجود اللّه تعالى المسمى بالأسماء الحسنى والمتصف بالصفات العلى .
أما شرح الحكمة في شطرها الثاني فسأورد ما ذكره الشيخ ابن عباد النفري الرندي في شرحه لها لوضوحه واختصاره ونصه :
« فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ، ثم يردهم إلى شهود صفاته ، ثم يرجعهم إلى التعلق بأسمائه ، ثم يردهم إلى شهود آثاره .
والسالكون على عكس هذا .
نهاية السالكين بداية المجذوبين .
وبداية السالكين نهاية المجذوبين .
لكن لا بمعنى واحد ، فربما التقيا في الطريق هذا في ترقيه ، وهذا في تدليه .
عباد اللّه المخصوصون بالقرب منه ، والوصول إليه ينقسمون إلى قسمين :
سالكين ومجذوبين .
فشأن السالكين الاستدلال بالأشياء عليه ، وهم الذين يقولون ما رأينا شيئا إلا ورأينا اللّه بعده .
وشأن المجذوبين الاستدلال به على الأشياء ، وهم الذين يقولون ما رأينا شيئا إلا رأينا اللّه قبله .
ولا شك أن الدليل أبدا أظهر من المدلول . فأما ما ظهر للسالكين من الآثار ، وهي الأفعال ، فاستدلوا بها على الأسماء ، وبالأسماء على الصفات ، وبالصفات على وجود الذات ، فكان حالهم الترقي والصعود من أسفل إلى أعلى .
وأول ما ظهر للمجذوبين حقيقة كمال الذات المقدسة ، ثم ردّوا منها إلى مشاهدة الصفات ، ثم رجعوا إلى التعلق بالأسماء ثم أنزلوا إلى شهود الآثار . فكان حالهم التدلي والتنزل من أعلى إلى أسفل .
فما بدأ به السالكون من شهود الآثار إليه انتهاء المجذوبين .
وما ابتدأ به المجذوبون من كشف حقيقة الذات إليه انتهاء السالكين . 
لكن لا بمعنى واحد ؛ فإن مراد السالكين شهود الأشياء للّه . 
ومراد المجذوبين شهود الأشياء باللّه ، فالسالكون عاملون على طريق الفناء والمحو ، والمجذوبون مسلوك بهم طريق البقاء والصحو . 
ولما كان شأن الفريقين النزول في تلك المنازل المذكورة لزم التقاؤهما في طريق سفرهما : السالك مترقّ ، والمجذوب متدلّ » انتهى .
* * *

الحكمة التاسعة والعشرون «1» : «جعلك في العالم المتوسّط بين ملكه وملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته، وأنّك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوّناته».

شرح الحكمة : قبل البدء في شرح الحكمة أوضح بعض ألفاظها ليسهل علينا فهم معناها فأقول : جعلك ( أي اللّه تعالى أيها الإنسان ) في العالم المتوسط ( أي بما أن العوالم كثيرة ، منها ما هو حسي ملكي ، ومنها ما هو غيبي ملكوتي ، بينت الحكمة أن اللّه تعالى جعل الإنسان في العالم المتوسط ) بين ملكه ( أي عالم الشهادة ) وملكوته ( أي عالم المعاني ) ليعلمك ( أي ليخبرك اللّه تعالى ) جلالة قدرك ( أي مكانتك عند اللّه تعالى و ) بين مخلوقاته ، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته ( أي أنت أيها الإنسان الجوهرة المقصودة مما هو موجود داخل أصداف هذه المخلوقات ) .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 245 ) في النص الكامل للحكم .

والآن أبدأ في الشرح فأقول : قال اللّه تعالى :* وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا ( 70 )[ الإسراء : 70 ] 
إن هذه الآية الكريمة تشير إلى تكريم اللّه تعالى للإنسان وتفضيله على كثير ممن خلق ، ولبيان هذا التكريم والتفضيل أخبرنا اللّه تعالى في كتابه الكريم أنه خلق الإنسان بيديه في أحسن تقويم ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته عليهم السلام ، وسخر له السماوات والأرض ، 
قال اللّه تعالى :لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( 4 )[ التّين : 4 ] 
وقال تعالى :قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ( 75 ) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ( 76 )[ ص : 75 ، 76 ] 
وقال تعالى :فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ( 29 )[ الحجر : 29 ] 
وقال تعالى :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ[ الجاثية : 13 ] 
وزيادة على ما تقدم أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم : « إن اللّه خلق آدم على صورته » ( رواه مسلم )
 أي الصورة المعنوية من حيث إن اللّه تعالى موجود وحي وعليم ومريد وقادر وسميع وبصير ومتكلم ، والإنسان كذلك يتكلم ويبصر ويسمع ويريد ويقدر ويعلم وهو حي وموجود ، فهو بصفاته الحادثة هذه يتعرف على صفات اللّه تعالى الأزلية ، 
وفي ذلك يقال : « من عرف نفسه عرف ربه » .
إن الإنسان يقابل عالم الشهادة بجسمه الطيني ، ويقابل عالم المكوت بقلبه النوراني وروحه الأمري ، لذلك كان الإنسان جامعا للحقائق الوجودية كلها المادية والمعنوية ، وفي ذلك يروى عن الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه وكرّم وجهه قوله :
« أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر » إن جمعية الإنسان للحقائق الخلقية الكونية وللحقائق الروحية الملكوتية هي التي رفعت قدره بين المخلوقات وأهلته ليكون خليفة اللّه تعالى في أرضه وحاملا لأمانته ، 
قال اللّه تعالى :وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[ البقرة : 30 ] 
وقال تعالى :إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا ( 72 )[ الأحزاب : 72 ] .
هذا وإتماما للفائدة أذكر قصيدة للشيخ عبد الغني النابلسي رحمه اللّه تعالى من ديوانه « ديوان الحقائق ومجموع الرقائق » يبين فيها قدر الإنسان وحقيقته ومكانته عند اللّه تعالى وهي التالية :
أجهلت قدرك أيّها الإنسان * أنت الجميع وبعضك الأكوان
والنور والظلمات أنت حقيقة * وسوى كمالك كلّه نقصان
يكفيك أنّ الحقّ سمعك قد غدا * ويدا ورجلا فيك وهو عيان
والكون أجمعه لأجلك خادم * يسعى وأنت المالك السلطان
فإذا انتبهت لبست ثوب سعادة * وإذا غفلت فثوبك الخسران
ولطيفك الجنّات أنت منعم * فيها غدا وكثيفك النيران
انزع ثيابك عنك وابق بغيرها * تعرف مقامك أيّها الإنسان 
أخي المسلم إن مقصود الحكمة أن تعرف قدرك بين الأكوان ، ليكون ذلك حافزا لك على إخلاصك في عبوديتك للّه تعالى ، فتحمل أمانة استخلافه لك في الأرض ، وترفع همتك عن كل ما سواه وتقبل عليه تعالى بكليتك أثناء تطبيقك للدين الحنيف .
* * *

الحكمة الثلاثون « 1 » : « الخذلان كلّ الخذلان أن تتفرّغ من الشّواغل ثمّ لا تتوجّه إليه ، وتقلّ عوائقك ثمّ لا ترحل إليه » .

شرح الحكمة : إن هذه الحكمة تشير إلى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ » ( رواه الإمام البخاري ) . 
وبيان ذلك أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا مطالب بعبادة اللّه تعالى ومعرفته ونشر دينه ، إلا أن شواغل الدنيا الحسية ، وعلائق القلب المعنوية ، وعوائق النفس والهوى والشيطان ، وكذلك البلايا والرزايا والأمراض ، كل ذلك يحول بينه وبين طريق الآخرة .
إن احتياجات الإنسان المادية وغرائزه الحيوانية تشده إلى الجري خلف الدنيا ، ليشبع هذه الاحتياجات والغرائز ، فيملأ وقته بجمع المال ، الذي يحقق له بقاء صورته ، ويشبع شهواته ، ويرضي نفسه وهواه ، ويكون ذلك على حساب احتياجاته الروحية ، التي هي أصل وجوده ، وهذه الشواغل المادية تنمي عنده العوائق النفسية والشيطانية . لأن الانغماس في الدنيا يفسد النفس ويقسي القلب ويحجب الروح ، ويميل بالهوى .
فمن كان هذا حاله لا شك أنه سيغفل عن هدف وجوده ، ويضل عن طاعة ربه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه .
.............................................................................
( 1 ) ورقمها ( 261 ) في النص الكامل للحكم .

فالإنسان العاقل هو الذي ينتهز فرصة تمتعه بنعمتي الصحة والفراغ في الإقبال على عبادة اللّه تعالى ، لكي لا يغبن في تجارته قال اللّه تعالى :إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ ( 29 )[ فاطر : 29 ] 
قال الشيخ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عند شرحه للحديث آنف الذكر : « وقال الطيبي : ضرب النبي صلى اللّه عليه وسلم للمكلّف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال ، فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله ويلزم الصدق والخدمة لئلا يغبن ، فالصحة والفراغ رأس المال ، وينبغي له أن يعامل اللّه بالإيمان ، ومجاهدة النفس وعدو الدين ، ليربح خيري الدنيا والآخرة ، وقريب منه قول اللّه تعالى :هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ[ الصّف : 10 ] 
وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح » .
وقال أيضا : « وقال ابن الجوزي : قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله ، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا ، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون ، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة ، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة ، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة اللّه فهو المغبوط ، ومن استعملها في معصية اللّه فهو المغبون ، لأن الفراغ يعقبه الشغل ، والصحة يعقبها السقم » .
فالخذلان كل الخذلان لمن تفرغت جوارحه من الشواغل الحسية الظاهرة وقلبه من العوائق المعنوية الباطنة ، ولم يتوجه إلى مولاه بإخلاص العبودية له تعالى ، بأن يقبل عليه بكليته ، فلا يشغل عقله وقلبه بسواه تعالى . 
قال الشيخ عبد الكريم القشيري : « فراغ القلب من الأشغال نعمة عظيمة ، فإذا كفر عبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى ، وانجرّ في قياد الشهوات ، شوّش اللّه عليه نعمة قلبه ، وسلبه ما كان يجد من صفاء لبه » .
* * *
انتهى بعونه تعالى كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية ،
ويليه كتاب : « الحكم العطائية الكبرى » للشيخ ابن عطاء اللّه السكندري رحمه اللّه تعالى .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: الحكم العطائيّة الكبرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:39 pm

الحكم العطائيّة الكبرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية د. عاصم إبراهيم الكيالي 

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
1 - من علامات الاعتماد على العمل ، نقصان الرّجاء عند وجود الزّلل .
2 - إرادتك التّجريد مع إقامة اللّه إيّاك في الأسباب من الشّهوة الخفيّة ، وإرادتك الأسباب مع إقامة اللّه إيّاك في التّجريد انحطاط عن الهمّة العليّة .
3 - سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار .
4 - أرح نفسك من التّدبير ، فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك .
5 - اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك ، دليل على انطماس البصيرة منك .
6 - لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدّعاء موجبا ليأسك . فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك ، وفي الوقت الّذي يريد ، لا في الوقت الّذي تريد .
7 - لا يشكّكنّك في الوعد عدم وقوع الموعود به وإن تعيّن زمنه، لئلّا يكون ذلك قدحا في بصيرتك ، وإخمادا لنور سريرتك .
8 - إذا فتح لك وجهة من التّعرّف فلا تبال معها إن قلّ عملك ، فإنّه ما فتحها لك إلّا وهو يريد أن يتعرّف إليك ، ألم تعلم أنّ التّعرّف هو مورده عليك ، والأعمال أنت مهديها إليه ، وأين ما تهديه إليه ممّا هو مورده عليك .
9 - تنوّعت أجناس الأعمال ، لتنوّع واردات الأحوال .
10 - الأعمال صور قائمة ، وأرواحها وجود سرّ الإخلاص فيها .
11 - ادفن وجودك في أرض الخمول ، فما نبت ممّا لم يدفن لا يتمّ نتاجه .
12 - ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة .
13 - كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى اللّه وهو مكبّل بشهواته ؟ أم كيف يطمع أن يدخل حضرة اللّه وهو لم يتطهّر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟
14 - الكون كلّه ظلمة وإنّما أناره ظهور الحقّ فيه ، فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار .
15 - ممّا يدلّك على وجود قهره سبحانه أن حجبك عنه بما ليس بموجود معه .
16 - كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو الّذي أظهر كلّ شيء ؟ كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو الّذي ظهر بكلّ شيء ؟ كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو الّذي ظهر في كلّ شيء ؟ كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو الّذي ظهر لكلّ شيء ؟ كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو الظّاهر قبل وجود كلّ شيء ؟ كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو أظهر من كلّ شيء ؟ كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو الواحد الّذي ليس معه شيء ؟
كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كلّ شيء ؟ كيف يتصوّر أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود كلّ شيء ؟ يا عجبا كيف يظهر الوجود في العدم ؟ أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم .
17 - ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره اللّه فيه .
18 - إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النّفس .
19 - لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها ، فلو أرادك لاستعملك من غير إخراج .
20 - ما أرادت همّة سالك أن تقف عندما كشف لها إلّا ونادته هواتف الحقيقة :
الّذي تطلب أمامك ، ولا تبرّجت ظواهر المكوّنات إلّا ونادته حقائقها :إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ[ البقرة : 102 ] .
21 - طلبك منه اتّهام له ، وطلبك له غيبة منك عنه ، وطلبك لغيره لقلّة حيائك منه ، وطلبك من غيره لوجود بعدك عنه .
22 - ما من نفس تبديه ، إلّا وله قدر فيك يمضيه .
23 - لا تترقّب فروغ الأغيار ، فإنّ ذلك يقطعك عن وجود المراقبة له فيما هو مقيمك فيه .
24 - لا تستغرب وقوع الأكدار ، ما دمت في هذه الدّار ، فإنّها ما أبرزت إلّا ما هو مستحقّ وصفها وواجب نعتها .
25 - ما توقّف مطلب أنت طالبه بربّك ، ولا تيسّر مطلب أنت طالبه بنفسك .
26 - من علامات النّجح في النّهايات ، الرّجوع إلى اللّه في البدايات .
27 - من أشرقت بدايته ، أشرقت نهايته .
28 - ما استودع في غيب السّرائر ، ظهر في شهادة الظّواهر .
29 - شتّان بين من يستدلّ به أو يستدلّ عليه ، المستدلّ به عرف الحقّ لأهله ، فأثبت الأمر من وجود أصله ، والاستدلال عليه ، من عدم الوصول إليه . وإلّا فمتى غاب حتى يستدلّ عليه ؟ ومتى بعد حتى تكون الآثار هي الّتي توصل إليه ؟
30 -لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ[ الطّلاق : 7 ] الواصلون إليه .وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ[ الطّلاق : 7 ] السّائرون إليه .
31 - اهتدى الرّاحلون إليه بأنوار التّوجّه ، والواصلون لهم أنوار المواجهة .
فاللأوّلون للأنوار ، وهؤلاء الأنوار لهم ، لأنّهم للّه لا لشيء دونه،قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ( 91 )[ الأنعام : 91 ] .
32 - تشوّفك إلى ما بطن فيك من العيوب ، خير لك من تشوّفك إلى ما حجب عنك من الغيوب .
33 - الحقّ ليس بمحجوب عنك وإنّما المحجوب أنت عن النّظر إليه ، إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ، ولو كان له ساتر ، لكان لوجوده حاصر ، وكلّ حاصر لشيء فهو له قاهر وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ[ الأنعام : 18 ] .
34 - اخرج من أوصاف بشريّتك ، عن كلّ وصف مناقض لعبوديّتك ، لتكون لنداء الحقّ مجيبا ، ومن حضرته قريبا .
35 - أصل كلّ معصية وغفلة وشهوة الرّضا عن النّفس ، وأصل كلّ طاعة ويقظة وعفّة عدم الرّضا منك عنها . ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه ، خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه ، فأيّ علم لعالم يرضى عن نفسه ؟ وأيّ جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه ؟
36 - شعاع البصيرة يشهدك قربه منك ، وعين البصيرة تشهدك عدمك لوجوده ، وحقّ البصيرة يشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك .
37 - كان اللّه ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه كان .
38 - لا تتعدّ نيّة همّتك إلى غيره ، فالكريم لا تتخطّاه الآمال .
39 - لا ترفعنّ إلى غيره حاجة هو موردها عليك ، فكيف يرفع غيره ما كان له واضعا ؟ من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعا ؟ .
40 - إن لم تحسن ظنّك به لأجل حسن وصفه ، فحسّن ظنّك به لوجود معاملته معك ، فهل عوّدك إلّا حسنا ؟ وهل أسدى إليك إلّا مننا ؟ .
41 - العجب كلّ العجب ممّن يهرب ممّن لا انفكاك له عنه ، ويطلب ما لا بقاء له معهفَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ[ الحجّ : 46 ] .
42 - لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرّحى يسير والمكان الّذي ارتحل إليه هو الّذي ارتحل منه ، ولكن ارحل من الأكوان إلى المكوّنوَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ( 42 )[ النّجم : 42 ] . وانظر إلى قوله صلى اللّه عليه وسلم :
« فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه »
فافهم قوله عليه الصّلاة والسّلام : فهجرته إلى ما هاجر إليه وتأمّل هذا الأمر إن كنت ذا فهم .
43 - لا تصحب من لا ينهضك حاله ، ولا يدلّك على اللّه مقاله .
44 - ربّما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك صحبتك إلى من هو أسوأ حالا منك .
45 - ما قلّ عمل برز من قلب زاهد ، ولا كثر عمل برز من قلب راغب .
46 - حسن الأعمال نتائج حسن الأحوال وحسن الأحوال من التّحقّق في مقامات الإنزال .
47 - لا تترك الذّكر لعدم حضورك مع اللّه فيه ، لأنّ غفلتك عن وجود ذكره أشدّ من غفلتك في وجود ذكره . فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة ، إلى ذكر مع وجود يقظة ، ومن ذكر مع وجود يقظة ، إلى ذكر مع وجود حضور ، ومن ذكر مع وجود حضور ، إلى ذكر مع وجود غيبة عمّا سوى المذكور ،وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ( 20 )[ إبراهيم : 20 ] .
48 - من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات ، وترك النّدم على ما فعلت من وجود الزّلّات .
49 - لا يعظم الذّنب عندك عظمة تصدّك عن حسن الظّنّ باللّه ، فإنّ من عرف ربّه ، استصغر في جنب كرمه ذنبه .
50 - لا صغيرة إذا قابلك عدله ، ولا كبيرة إذا واجهك فضله .
51 - لا عمل أرجى للقبول من عمل يغيب عنك شهوده ، ويحتقر عندك وجوده .
52 - إنّما أورد عليك الوارد لتكون به عليه واردا .
53 - أورد عليك الوارد ليتسلّمك من يد الأغيار ، وليحرّرك من رقّ الآثار .
54 - أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك ، إلى فضاء شهودك .
55 - الأنوار ، مطايا القلوب والأسرار .
56 - النّور جند القلب ، كما أنّ الظّلمة جند النّفس ، فإذا أراد اللّه أن ينصر عبده أمدّه بجنود الأنوار ، وقطع عنه مدد الظّلم والأغيار .
57 - النّور له الكشف ، والبصيرة لها الحكم ، والقلب له الإقبال والإدبار .
58 - لا تفرحك الطّاعة لأنّها برزت منك ، وافرح بها لأنّها برزت من اللّه إليك ،قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( 58 )[ يونس : 58 ] .
59 - قطع السّائرين له والواصلين إليه عن رؤية أعمالهم وشهود أحوالهم . أمّا السّائرون فلأنّهم لم يتحقّقوا الصّدق مع اللّه فيها ، وأمّا الواصلون فلأنّه غيّبهم بشهوده عنها .
60 - ما بسقت أغصان ذلّ إلّا على بذر طمع .
61 - ما قادك شيء مثل الوهم .
62 - أنت حرّ ممّا أنت عنه آيس ، وعبد لما أنت له طامع .
63 - من لم يقبل على اللّه بملاطفات الإحسان ، قيد إليه بسلاسل الامتحان .
64 - من لم يشكر النّعم فقد تعرّض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيّدها بعقالها .
65 - خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجا لك ،سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ[ الأعراف : 182 ] .
66 - من جهل المريد أن يسيء الأدب فتؤخّر العقوبة عنه فيقول : لو كان هذا سوء أدب لقطع الإمداد ، وأوجب الإبعاد ، فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ، ولو لم يكن إلّا منع المزيد ، وقد يقام مقام البعد وهو لا يدري ، ولو لم يكن إلّا أن يخلّيك وما تريد .
67 - إذا رأيت عبدا أقامه اللّه تعالى بوجود الأوراد ، وأدامه عليها مع طول الإمداد ، فلا تستحقرنّ ما منحه مولاه لأنّك لم تر عليه سيما العارفين ، ولا بهجة المحبّين ، فلو لا وارد ما كان ورد .
68 - قوم أقامهم الحقّ لخدمته ، وقوم اختصّهم بمحبّته ،كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ( 20 )[ الإسراء : 20 ] .
69 - قلّما تكون الواردات الإلهيّة إلّا بغتة صيانة لها أن يدّعيها العباد ، بوجود الاستعداد .
70 - من رأيته مجيبا عن كلّ ما سئل ، ومعبّرا عن كلّ ما شهد ، وذاكرا كلّ ما علم ، فاستدلّ بذلك على وجود جهله .
71 - إنّما جعل الدّار الآخرة محلّا لجزاء عباده المؤمنين ، لأنّ هذه الدّار لا تسع ما يريد أن يعطيهم ، ولأنّه أجلّ أقدارهم عن أن يجازيهم في دار لا بقاء لها .
72 - من وجد ثمرة عمله عاجلا ، فهو دليل على وجود القبول آجلا .
73 - إذا أردت أن تعرف قدرك عنده فانظر فيماذا يقيمك .
74 - متى رزقك الطّاعة والغنى به عنها ، فاعلم أنّه قد أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة .
75 - خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك .
76 - الحزن على فقدان الطّاعة مع عدم النّهوض إليها من علامات الاغترار .
77 - ما العارف من إذا أشار وجد الحقّ أقرب إليه من إشارته ، بل العارف من لا إشارة له ، لفنائه في وجوده ، وانطوائه في شهوده .
78 - الرّجاء ما قارنه عمل وإلّا فهو أمنيّة .
79 - مطلب العارفين من اللّه تعالى الصّدق في العبوديّة ، والقيام بحقوق الرّبوبيّة .
80 - بسطك كي لا يبقيك مع القبض ، وقبضك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما حتى لا تكون لشيء دونه .
81 - العارفون إذا بسطوا أخوف منهم إذا قبضوا ، ولا يقف على حدود الأدب في البسط إلّا قليل .
82 - البسط تأخذ النّفس منه حظّها بوجود الفرح ، والقبض لا حظّ للنّفس فيه .
83 - ربّما أعطاك فمنعك ، وربّما منعك فأعطاك .
84 - متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء .
85 - الأكوان ظاهرها غرّة ، وباطنها عبرة ، فالنّفس تنظر إلى ظاهر غرّتها ، والقلب ينظر إلى باطن عبرتها .
86 - إن أردت أن يكون لك عزّ لا يفنى ، فلا تستعزّنّ بعزّ يفنى .
87 - الطّيّ الحقيقي أن تطوي مسافة الدّنيا عنك ، حتى ترى الآخرة أقرب إليك منك .
88 - العطاء من الخلق حرمان ، والمنع من اللّه إحسان .
89 - جلّ ربّنا أن يعامله العبد نقدا فيجازيه نسيئة .
90 - كفى من جزائه إيّاك على الطّاعة أن رضيك لها أهلا .
91 - كفى العاملين جزاء ما هو فاتحه على قلوبهم في طاعته ، وما هو مورده عليهم من وجود مؤانسته .
92 - من عبده لشيء يرجوه منه ، أو ليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه ، فما قام بحقّ أوصافه .
93 - متى أعطاك أشهدك برّه ، ومتى منعك أشهدك قهره ، فهو في كلّ ذلك متعرّف إليك ، ومقبل بوجود لطفه عليك .
94 - إنّما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن اللّه فيه .
95 - ربّما فتح لك باب الطّاعة وما فتح لك باب القبول ، وربّما قضى عليك بالذّنب فكان سببا في الوصول .
96 - معصية أورثت ذلّا وافتقارا ، خير من طاعة أورثت عزّا واستكبارا .
97 - نعمتان ما خرج موجود عنهما ، ولا بدّ لكلّ مكوّن منهما : نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد .
98 - أنعم عليك أوّلا بالإيجاد ، وثانيا بتوالي الإمداد .
99 - فاقتك لك ذاتيّة ، وورود الأسباب مذكّرات لك بما خفي عليك منها .
والفاقة الذّاتيّة لا تدفعها العوارض .
100 - خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك ، وتردّ فيه إلى وجود ذلّتك .
101 - متى أوحشك من خلقه فاعلم أنّه يريد أن يفتح لك باب الأنس به .
102 - متى أطلق لسانك بالطّلب فاعلم أنّه يريد أن يعطيك .
103 - العارف لا يزول اضطراره ، ولا يكون مع غير اللّه قراره .
104 - أنار الظّواهر بأنوار آثاره ، وأنار السّرائر بأنوار أوصافه ، لأجل ذلك أفلت أنوار الظّواهر ، ولم تأفل أنوار القلوب والسّرائر ، ولذلك قيل :إنّ شمس النّهار تغرب باللّي * ل وشمس القلوب ليست تغيب
105 - ليخفّف عنك ألم البلاء علمك بأنّه سبحانه هو المبلي لك ، فالّذي واجهتك منه الأقدار ، هو الّذي عوّدك حسن الاختيار .
106 - من ظنّ انفكاك لطفه عن قدره ، فذلك لقصور نظره .
107 - لا يخاف عليك أن تلتبس الطّرق عليك ، وإنّما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك .
108 - سبحان من ستر سرّ الخصوصيّة بظهور البشريّة ، وظهر بعظمة الرّبوبيّة في إظهار العبوديّة .
109 - لا تطالب ربّك بتأخّر مطلبك ، ولكن طالب نفسك بتأخّر أدبك .
110 - متى جعلك في الظّاهر ممتثلا لأمره ، ورزقك في الباطن الاستسلام لقهره ، فقد أعظم المنّة عليك .
111 - ليس كلّ من ثبت تخصيصه ، كمل تخليصه .
112 - لا يستحقر الورد إلّا جهول . الوارد يوجد في الدّار الآخرة ، والورد ينطوي بانطواء هذه الدّار ، وأولى ما يعتنى به ما لا يخلف وجوده . الورد هو طالبه منك ، والوارد أنت تطلبه منه ، وأين ما هو طالبه منك ممّا هو مطلبك منه ؟
113 - ورود الإمداد ، بحسب الاستعداد ، وشروق الأنوار ، على حسب صفاء الأسرار .
114 - الغافل إذا أصبح ينظر ماذا يفعل ، والعاقل ينظر ماذا يفعل اللّه به .
115 - إنّما استوحش العبّاد والزّهاد من كلّ شيء لغيبتهم عن اللّه في كلّ شيء ، فلو شهدوه في كلّ شيء لم يستوحشوا من شيء .
116 - أمرك في هذه الدّار بالنّظر في مكوّناته وسيكشف لك في تلك الدّار عن كمال ذاته .
117 - علم منك أنّك لا تصبر عنه ، فأشهدك ما برز منه .
118 - لمّا علم الحقّ منك وجود الملل لوّن لك الطّاعات ، وعلم ما فيك من وجود الشّره فحجرها عليك في بعض الأوقات ، ليكون همّك إقامة الصّلاة لا وجود الصّلاة ، فما كلّ مصلّ مقيم .
119 - الصّلاة طهرة للقلوب من أدناس الذّنوب ، واستفتاح لباب الغيوب .
120 - الصّلاة محلّ المناجاة ، ومعدن المصافاة ، تتّسع فيها ميادين الأسرار ، وتشرق فيها شوارق الأنوار ، علم وجود الضّعف منك فقلّل أعدادها ، وعلم احتياجك إلى فضله فكثّر أمدادها .
121 - متى طلبت عوضا عن عمل طولبت بوجود الصّدق فيه ، ويكفي المريب وجدان السّلامة .
122 - لا تطلب عوضا على عمل لست له فاعلا ، يكفي من الجزاء لك على العمل أن كان له قابلا .
123 - إذا أراد أن يظهر فضله عليك ، خلق ونسب إليك .
124 - لا نهاية لمذامّك إن أرجعك إليك ، ولا تفرغ مدائحك إن أظهر جوده عليك .
125 - كن بأوصاف ربوبيّته متعلّقا ، وبأوصاف عبوديّتك متحقّقا .
126 - منعك أن تدّعي ما ليس لك ممّا للمخلوقين ، أفيبيح لك أن تدّعي وصفه وهو ربّ العالمين ؟
127 - كيف تخرق لك العوائد ، وأنت لم تخرق من نفسك العوائد ؟
128 - ما الشّأن وجود الطّلب ، إنّما الشّأن أن ترزق حسن الأدب .
129 - ما طلب لك شيء مثل الاضطرار ، ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذّلّة والافتقار .
130 - لو أنّك لا تصل إليه إلّا بعد فناء مساويك ، ومحو دعاويك ، لم تصل إليه أبدا ، ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه ستر وصفك بوصفه ، وغطّى نعتك بنعته ، فوصلك إليه بما منه إليك ، لا بما منك إليه .
131 - لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلا للقبول .
132 - أنت إلى حلمه إذا أطعته ، أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته .
133 - السّتر على قسمين : ستر عن المعصية وستر فيها . فالعامّة يطلبون من اللّه تعالى السّتر فيها خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق ، والخاصّة يطلبون من اللّه السّتر عنها خشية سقوطهم من نظر الملك الحقّ .
134 - من أكرمك فإنّما أكرم فيك جميل ستره ، فالحمد لمن سترك ، ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك .
135 - ما صحبك إلّا من صحبك وهو بعيبك عليم ، وليس ذلك إلّا مولاك الكريم . خير من تصحب من يطلبك لك لا لشيء يعود منك إليه .
136 - لو أشرق لك نور اليقين لرأيت الآخرة أقرب إليك من أن ترحل إليها ، ولرأيت محاسن الدّنيا قد ظهرت كسفة الفناء عليها .
137 - ما حجبك عن اللّه وجود موجود معه إذ لا شيء معه ، ولكن حجبك عنه توهّم موجود معه .
138 - لولا ظهوره في المكوّنات ما وقع عليها وجود إبصار . ولو ظهرت صفاته ، اضمحلّت مكوّناته .
139 - أظهر كلّ شيء لأنّه الباطن ، وطوى وجود كلّ شيء لأنّه الظّاهر .
140 - أباح لك أن تنظر ما في المكوّنات . وما أذن لك أن تقف مع ذوات المكوّناتقُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ[ يونس : 101 ] فتح لك باب الأفهام ، ولم يقل انظروا السّموات لئلّا يدلّك على وجود الأجرام .
141 - الأكوان ثابتة بإثباته ، وممحوّة بأحديّة ذاته .
142 - النّاس يمدحونك لما يظنّونه فيك ، فكن أنت ذامّا لنفسك لما تعلمه منها .
143 - المؤمن إذا مدح استحيا من اللّه أن يثنى عليه بوصف لا يشهده من نفسه .
144 - أجهل النّاس من ترك يقين ما عنده لظنّ ما عند النّاس .
145 - إذا أطلق الثّناء عليك ولست بأهل فأثن عليه بما هو أهله .
146 - الزّهّاد إذا مدحوا انقبضوا لشهودهم الثّناء من الخلق ، والعارفون إذا مدحوا انبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحقّ .
147 - متى كنت إذا أعطيت بسطك العطاء ، وإذا منعت قبضك المنع ، فاستدلّ بذلك على ثبوت طفوليّتك ، وعدم صدقك في عبوديّتك .
148 - إذا وقع منك ذنب فلا يكن سببا ليأسك من حصول الاستقامة مع ربّك ، فقد يكون ذلك آخر ذنب قدّر عليك .
149 - إذا أردت أن يفتح لك باب الرّجاء فاشهد ما منه إليك ، وإذا أردت أن يفتح لك باب الخوف فاشهد ما منك إليه .
150 - ربّما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في إشراق نهار البسطلا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً[ النّساء : 11 ] .
151 - مطالع الأنوار ، القلوب والأسرار .
152 - نور مستودع في القلوب ، مدده من النّور الوارد من خزائن الغيوب .
153 - نور يكشف لك به عن آثاره ، ونور يكشف لك به عن أوصافه .
154 - ربّما وقفت القلوب مع الأنوار ، كما حجبت النّفوس بكثائف الأغيار .
155 - ستر أنوار السّرائر ، بكثائف الظّواهر ، إجلالا لها أن تبتذل بوجود الإظهار ، وأن ينادى عليها بلسان الاشتهار .
156 - سبحان من لم يجعل الدّليل على أوليائه إلّا من حيث الدّليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلّا من أراد أن يوصله إليه .
157 - ربّما أطلعك على غيب ملكوته ، وحجب عنك الاستشراف على أسرار العباد .
158 - من اطّلع على أسرار العباد ولم يتخلّق بالرّحمة الإلهيّة كان اطّلاعه فتنة عليه ، وسببا لجرّ الوبال إليه .
159 - حظّ النّفس في المعصية ظاهر جليّ ؛ وحظّها في الطّاعة باطن خفيّ ، ومداواة ما يخفى صعب علاجه .
160 - ربّما دخل الرّياء عليك ، من حيث لا ينظر الخلق إليك .
161 - استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيّتك ، دليل على عدم صدقك في عبوديّتك .
162 - غيّب نظر الخلق إليك بنظر اللّه إليك ، وغب عن إقبالهم عليك بشهود إقباله عليك .
163 - من عرف الحقّ شهده في كلّ شيء ، ومن فني به غاب عن كلّ شيء ، ومن أحبّه لم يؤثر عليه شيئا .
164 - إنّما حجب الحقّ عنك ، شدّة قربه منك .
165 - إنّما احتجب لشدّة ظهوره ، وخفي عن الأبصار لعظم نوره .
166 - لا يكن طلبك تسبّبا إلى العطاء منه ، فيقلّ فهمك عنه . وليكن طلبك لإظهار العبوديّة ، وقياما بحقوق الرّبوبيّة .
167 - كيف يكون طلبك اللّاحق ، سببا في عطائه السّابق ؟
168 - جلّ حكم الأزل ، أن ينضاف إلى العلل .
169 - عنايته فيك لا لشيء منك ، وأين كنت حين واجهتك عنايته ، وقابلتك رعايته ؟ لم يكن في أزله إخلاص أعمال ، ولا وجود أحوال . بل لم يكن هناك إلّا محض الإفضال ، وعظيم النّوال .
170 - علم أنّ العباد يتشوّفون إلى ظهور سرّ العناية فقال :يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ[ البقرة : 105 ] ، وعلم أنّه لو خلّاهم وذلك لتركوا العمل اعتمادا على الأزل فقال :إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[ الأعراف : 56 ] .
171 - إلى المشيئة يستند كلّ شيء ، ولا تستند هي إلى شيء .
172 - ربّما دلّهم الأدب ، على ترك الطّلب ، اعتمادا على قسمته ، واشتغالا بذكره عن مسألته .
173 - إنّما يذكّر من يجوز عليه الإغفال ، وإنّما ينبّه من يمكن منه الإهمال .
174 - ورود الفاقات أعياد المريدين .
175 - ربّما وجدت من المزيد في الفاقات ، ما لا تجده في الصّوم والصّلاة .
176 - الفاقات بسط المواهب .
177 - إن أردت ورود المواهب عليك ، صحّح الفقر والفاقة لديكإِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ[ التّوبة : 60 ] .
178 - تحقّق بأوصافك يمدّك بأوصافه. تحقّق بذلّك يمدّك بعزّته. تحقّق بعجزك يمدّك بقدرته تحقّق بضعفك يمدّك بحوله وقوّته.
179 - ربّما رزق الكرامة ، من لم تكمل له الاستقامة .
180 - من علامات إقامة الحقّ لك في الشّيء إدامته إيّاك فيه مع حصول النّتائج .
181 - من عبّر من بساط إحسانه أصمتته الإساءة ، ومن عبّر من بساط إحسان اللّه إليه لم يصمت إذا أساء .
182 - تسبق أنوار الحكماء أقوالهم . فحيث صار التّنوير ، وصل التّعبير .
183 - كلّ كلام يبرز وعليه كسوة القلب الّذي منه برز .
184 - من أذن له في التّعبير فهمت في مسامع الخلق عبارته ، وجلّيت إليهم إشارته .
185 - ربّما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار ، إذا لم يؤذن لك فيها بالإظهار .
186 - عباراتهم إمّا لفيضان وجد ، أو لقصد هداية مريد ، فالأوّل حال السّالكين ، والثّاني حال أرباب المكنة والمحقّقين .
187 - العبارات قوت لعائلة المستمعين ، وليس لك إلّا ما أنت له آكل .
188 - ربّما عبّر عن المقام من استشرف عليه ، وربّما عبّر عنه من وصل إليه ، وذلك ملتبس إلّا على صاحب بصيرة .
189 - لا ينبغي للسّالك أن يعبّر عن وارداته ، فإنّ ذلك يقلّ عملها في قلبه ، ويمنعه وجود الصّدق مع ربّه .
190 - لا تمدّنّ يدك إلى الأخذ من الخلائق إلّا أن ترى أنّ المعطي فيهم مولاك ، فإذا كنت كذلك فخذ ما وافق العلم .
191 - ربّما استحيا العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه لاكتفائه بمشيئته ، فكيف لا يستحيي أن يرفعها إلى خليقته ؟
192 - إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النّفس فاتّبعه ، فإنّه لا يثقل عليها إلّا ما كان حقّا .
193 - من علامات اتّباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات ، والتّكاسل عن القيام بالواجبات .
194 - قيّد الطّاعات بأعيان الأوقات كي لا يمنعك عنها وجود التّسويف ، ووسّع عليك الوقت كي تبقى لك حصّة الاختيار .
195 - علم قلّة نهوض العباد إلى معاملته ، فأوجب عليهم وجود طاعته ، فساقهم إليها بسلاسل الإيجاب . عجب ربّك من قوم يساقون إلى الجنّة بالسّلاسل .
196 - أوجب عليك وجود خدمته ، وما أوجب عليك إلّا دخول جنّته .
197 - من استغرب أن ينقذه اللّه من شهوته ، وأن يخرجه من وجود غفلته ، فقد استعجز القدرة الإلهيّةوَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً[ الكهف : 45 ] .
198 - ربّما وردت الظّلم عليك ، ليعرّفك قدر ما منّ به عليك .
199 - من لم يعرف قدر النّعم بوجدانها ، عرفها بوجود فقدانها .
200 - لا تدهشك واردات النّعم عن القيام بحقوق شكرك ، فإنّ ذلك ممّا يحطّ من وجود قدرك .
201 - تمكّن حلاوة الهوى من القلب هو الدّاء العضال .
202 - لا يخرج الشّهوة من القلب إلّا خوف مزعج ، أو شوق مقلق .
203 - كما لا يحبّ العمل المشترك ، كذلك لا يحبّ القلب المشترك ، العمل المشترك لا يقبله ، والقلب المشترك لا يقبل عليه .
204 - أنوار أذن لها في الوصول ، وأنوار أذن لها في الدّخول .
205 - ربّما وردت عليك الأنوار ، فوجدت القلب محشوّا بصور الآثار ، فارتحلت من حيث نزلت .
206 - فرّغ قلبك من الأغيار ، يملأه بالمعارف والأسرار .
207 - لا تستبطىء منه النّوال ، ولكن استبطىء من نفسك وجود الإقبال .
208 - حقوق في الأوقات يمكن قضاؤها ، وحقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها إذ ما من وقت يرد إلّا وللّه عليك فيه حقّ جديد ، وأمر أكيد ، فكيف تقضي فيه حقّ غيره ؟ وأنت لم تقض حقّ اللّه فيه .
209 - ما فات من عمرك لا عوض له ، وما حصل لك منه لا قيمة له .
210 - ما أحببت شيئا إلّا كنت له عبدا ، وهو لا يحبّ أن تكون لغيره عبدا .
211 - لا تنفعه طاعتك ، ولا تضرّه معصيتك ، وإنّما أمرك بهذه ، ونهاك عن هذه ، لما يعود عليك .
212 - لا يزيد في عزّه إقبال من أقبل عليه ، ولا ينقص من عزّه إدبار من أدبر عنه .
213 - وصولك إلى اللّه وصولك إلى العلم به ، وإلّا فجلّ ربّنا أن يتّصل به شيء أو يتّصل هو بشيء .
214 - قربك منه أن تكون مشاهدا لقربه ، وإلّا فمن أين أنت ووجود قربه .
215 - الحقائق ترد في التّجلّي مجملة ، وبعد الوعي يكون البيان .فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ( 18 ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ( 19 )[ القيامة : 18 ، 19 ] .
216 - متى وردت الواردات الإلهيّة إليك ، هدمت العوائد عليك .إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها[ النّمل : 34 ] .
217 - الوارد يأتي من حضرة قهّار ، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلّا دمغهبَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ[ الأنبياء : 18 ] .
218 - كيف يحتجب الحقّ بشيء والّذي يحتجب به هو فيه ظاهر ، وموجود حاضر ؟
219 - لا تيأس من قبول عمل لم تجد فيه وجود الحضور ، فربّما قبل من العمل ما لم تدرك ثمرته عاجلا .
220 - لا تزكّينّ واردا لا تعلم ثمرته فليس المراد من السّحابة الإمطار ، وإنّما المراد منها وجود الإثمار .
221 - لا تطلبنّ بقاء الواردات بعد أن بسطت أنوارها ، وأودعت أسرارها ، فلك في اللّه غنى عن كلّ شيء ، وليس يغنيك عنه شيء .
222 - تطلّعك إلى بقاء غيره دليل على عدم وجدانك له ، واستيحاشك لفقدان ما سواه دليل على عدم وصلتك به .
223 - النّعيم وإن تنوّعت مظاهره فإنّما هو بشهوده واقترابه ، والعذاب وإن تنوّعت مظاهره إنّما هو بوجود حجابه ، فسبب العذاب ، وجود الحجاب ، وإتمام النّعيم ، بالنّظر إلى وجهه الكريم .
224 - ما تجده القلوب من الهموم والأحزان ، فلأجل ما منعت من وجود العيان .
225 - من تمام النّعمة عليك أن يرزقك ما يكفيك ، ويمنعك ما يطغيك .
226 - ليقلّ ما تفرح به ، يقلّ ما تحزن عليه .
227 - إن أردت أن لا تعزل فلا تتولّ ولاية لا تدوم لك .
228 - إن رغّبتك البدايات ، زهّدتك النّهايات . إن دعاك إليها ظاهر ، نهاك عنها باطن .
229 - إنّما جعلها محلّا للأغيار ، ومعدنا للأكدار ، تزهيدا لك فيها .
230 - علم أنّك لا تقبل النّصح المجرّد فذوّقك من ذواقها ، ما يسهّل عليك وجود فراقها .
231 - العلم النّافع هو الّذي ينبسط في الصّدر شعاعه ، ويكشف به عن القلب قناعه .
232 - خير العلم ما كانت الخشية معه .
223 - العلم إن قارنته الخشية فلك ، وإلّا فعليك .
234 - متى آلمك عدم إقبال النّاس عليك ، أو توجّههم بالذّمّ إليك ، فارجع إلى علم اللّه فيك فإن كان لا يقنعك علمه ، فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشدّ من مصيبتك بوجود الأذى منهم .
235 - إنّما أجرى الأذى على أيديهم ، كي لا تكون ساكنا إليهم ، أراد أن يزعجك عن كلّ شيء ، حتى لا يشغلك عنه شيء .
236 - إذا علمت أنّ الشّيطان لا يغفل عنك ، فلا تغفل أنت عمّن ناصيتك بيده .
237 - جعله لك عدوّا ليحوشك به إليه ، وحرّك عليك النّفس ليدوم إقبالك عليه .
238 - من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبّر حقّا ، إذ ليس التّواضع إلّا عن رفعة ، فمتى أثبتّ لنفسك رفعة فأنت المتكبّر حقّا .
239 - ليس المتواضع الّذي إذا تواضع رأى أنّه فوق ما صنع ، ولكنّ المتواضع الّذي إذا تواضع رأى أنّه دون ما صنع .
240 - التّواضع الحقيقيّ هو ما كان ناشئا عن شهود عظمته وتجلّي صفته .
241 - لا يخرجك عن الوصف إلّا شهود الوصف .
242 - المؤمن يشغله الثّناء على اللّه عن أن يكون لنفسه شاكرا ، وتشغله حقوق اللّه عن أن يكون لحظوظه ذاكرا .
243 - ليس المحبّ الّذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا ، فإنّ المحبّ من يبذل لك ، ليس المحبّ من تبذل له.
244 - لولا ميادين النّفوس ما تحقّق سير السّائرين ، إذ لا مسافة بينك وبينه حتّى تطويها رحلتك ، ولا قطعة بينك وبينه حتّى تمحوها وصلتك .
245 - جعلك في العالم المتوسّط بين ملكه وملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته ، وأنّك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوّناته .
246 - إنّما وسعك الكون من حيث جثمانيّتك ، ولم يسعك من حيث ثبوت روحانيّتك .
247 - الكائن في الكون ولم تفتح له ميادين الغيوب مسجون بمحيطاته ، ومحصور في هيكل ذاته .
248 - أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكوّن ، فإذا شهدته كانت الأكوان معك .
249 - لا يلزم من ثبوت الخصوصيّة عدم وصف البشريّة ، إنّما مثل الخصوصيّة كإشراق شمس النّهار ، ظهرت في الأفق وليست منه . تارة يقبض ذلك عنك فيردّك إلى حدودك ، فالنّهار ليس منك وإليك ، ولكنّه وارد عليك .
250 - « دلّ بوجود آثاره على وجود أسمائه ، وبوجود أسمائه على ثبوت أوصافه ، وبثبوت أوصافه على وجود ذاته ، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه . فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ، ثمّ يردّهم إلى شهود صفاته ، ثمّ يرجعهم إلى التّعمّق بأسمائه ، ثمّ يردّهم إلى شهود آثاره ، والسّالكون على عكس هذا فنهاية السّالكين بداية المجذوبين ، وبداية السّالكين نهاية المجذوبين . لكن لا بمعنى واحد ، فربّما التقيا في الطّريق هذا في ترقّيه ، وهذا في تدلّيه » .
251 - لا يعلم قدر أنوار القلوب والأسرار إلّا في غيب الملكوت ، كما لا تظهر أنوار السّماء إلّا في شهادة الملك .
252 - وجدان ثمرات الطّاعات عاجلا ، بشائر العاملين بوجود الجزاء عليها آجلا .
253 - كيف تطلب العوض على عمل هو متصدّق به عليك ؟ أم كيف تطلب الجزاء على صدق هو مهديه إليك ؟
254 - قوم تسبق أنوارهم أذكارهم ، وقوم تسبق أذكارهم أنوارهم ، وقوم تتساوى أذكارهم وأنوارهم ، وقوم لا أنوار ولا أذكار ، نعوذ باللّه من ذلك .
255 - ذاكر ذكر ليستنير به قلبه فكان ذاكرا ، وذاكر استنار قلبه فكان ذاكرا ، والّذي استوت أذكاره وأنواره فبذكره يهتدى . وبنوره يقتدى .
256 - ما كان ظاهر ذكر ، إلّا عن باطن شهود وفكر .
257 - أشهدك من قبل أن يستشهدك فنطقت بإلهيّته الظّواهر ، وتحقّقت بأحديّته القلوب والسّرائر .
258 - أكرمك بكرامات ثلاث : جعلك ذاكرا له ولولا فضله لم تكن أهلا لجريان ذكره عليك ، وجعلك مذكورا به إذ حقّق نسبته لديك ، وجعلك مذكورا عنده فتمّم نعمته عليك .
259 - ربّ عمر اتّسعت آماده ، وقلّت أمداده . وربّ عمر قليلة آماده ، كثيرة أمداده .
260 - من بورك له في عمره أدرك في يسير من الزّمن من منن اللّه تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تلحقه الإشارة.
261 - الخذلان كلّ الخذلان أن تتفرّغ من الشّواغل ثمّ لا تتوجّه إليه ، وتقلّ عوائقك ثمّ لا ترحل إليه .
262 - الفكرة سير القلب في ميادين الأغيار .
263 - الفكرة سراج القلب ، فإذا ذهبت فلا إضاءة له .
264 - الفكرة فكرتان : فكرة تصديق وإيمان ، وفكرة شهود وعيان . فالأولى لأرباب الاعتبار ، والثّانية لأرباب الشّهود والاستبصار .


* * *
تمّت بعونه تعالى الحكم العطائية الكبرى ويليها الحكم العطائية الصغرى ثم المناجاة الإلهية ومختارات من مكاتباته لبعض إخوانه
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: الحكم العطائيّة الصغرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:39 pm

الحكم العطائيّة الصغرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
1 - وقال رضي اللّه عنه : يعرف العاقل بثلاث : بملكته لنفسه عند الشّهوة ، وبملكته لها عند الغضب ، وبتركه ما لا يعنيه مع القدرة على الدّخول فيه .
2 - تفرّق الوجه عليك ، لا يمنعني من النّظر بلطفي إليك إذا كان لك عناية مني ، فكم من متفرّغ شغلته عنّي ، وكم من مشتغل جمعته عليّ .
3 - قبّح اللّه وجه التّفريط ، لو كان وقتا لكان ليلا ، ولو كان صوتا لكان ويلا .
4 - كلّ مقدور عليه مزهود فيه ، وكلّ ممنوع عنه مرغوب فيه .
5 - الحمد للّه الّذي أطعمنا مع العجز ، ونصرنا مع وجود الخذلان ، والحمد للّه الّذي لم يقطع عنّا عوائد الإحسان ، بوجود العصيان ، والحمد للّه الّذي لم يحبس عنّا عوائد رفده ، مع نقضنا لعهده ، والحمد للّه على كلّ نعمة ، وأستغفر اللّه العظيم من كلّ ذنب ، ونعوذ باللّه من كلّ محنة ، ونسأل اللّه تعالى من كلّ خير ومنّة ، والحمد للّه ربّ العالمين .
6 - لا تواضع مع دعوى ، ولا كبر مع تقوى .
7 - يا أيّها الطّالب من الخلق كلّ ما تريد ، أنت لم تجد من نفسك كلّ ما تريد ، فكيف تجد من الخلائق كلّ ما تريد ؟
8 - من لم يوف ربّه كيف يطلب منه أن يوفيه ؟
9 - مخالفة الهوى مرّ على النّفوس ، إذا لم تتحسّن هذه المرارة فلا سبيل إلى الشّفاء أبدا .
10 - شهد للدّنيا بالتّعظيم من كان عليها مقبلا .
11 - غمسة في الذّنوب توجب جمعك عليه ، خير لك من دوام على طاعة توجب تكبّرك عليه .
12 - حقيقة بلاي ، ميل قلبك إلى سواي .
13 - فتح باب عطائي ، شكرك لنعمائي .
14 - إقبالك على غيري إقرارك له بالعبوديّة ، وكيف أرضى لك أن تعبد غيري ؟
15 - طلب من العبد أن يكون له عبدا ، فأبى أن يكون إلّا ضدّا .
16 - طلب غير اللّه عمدا ، فمنع اللّه عنه رفدا .
17 - من وجدني لم يشهد معي غيري ، ومن شهد معي غيري فما وجدني .
18 - لو أثبتّ معي غيري وأتيتني لم أقبل عليك ، فكيف إذا أثبتّ معي غيري وأقبلت عليه ؟
19 - إنّ اللّه حكم حكما قبل أن يخلق السّموات والأرض ألّا يطيعه أحد إلّا أعزّه ، وأن لا يعصيه أحد إلّا أذلّه ، فربط مع الطّاعة العزّ ، ومع المعصية الذّلّ ، كما ربط الإحراق مع النّار ، فمن لا طاعة له لا عزّ له .
20 - لا تنسبنّ نفسك لعفاف ، ولا لتقلّل وكفاف ، ولكن اشهد فضلي عليك .
21 - ما نظر إلى قيامه بنفسه في الطّاعة ، وغفل عن إقامة اللّه تعالى إيّاه فيها إلّا عبد جهول .
22 - اشهد فضلي عليك ، ولا تشهد عملك معي ، فإنّك إن شهدت عملك معي ادّعيت بين يديّ ، وإن شهدت فضلي عليك أرجعت ذلك إليّ .
23 - من اكتفى باللّه تعالى لم تطرقه النّكبات .
24 - قد شهد للدّنيا بالتّكبير من أقبل عليها ، ونسب التّحقير إلى الآخرة من أعرض عنها .
25 - تحقيرك للأشياء وأنت عليها مقبل زور وبهتان ، تعظيمك للشّيء مع وجود إعراضك عنه من أمارات الخذلان .
26 - كيف ترجو أن يكون لك قدر عنده ، وقد استعبدك من ليس له قدر عنده ؟
27 - لو اشتغلت بالباقيات عنّي ما كان ذلك عذرا لك عندي ، هذا إذا اشتغلت بباق لا يفنى فكيف إذا اشتغلت بفان لا يبقى ؟
28 - ليس للكون من القيمة ما يستحقّ أن يؤثر عليّ ، ولا للعوارض من القدر أن تعوق من أراد التّوجّه إليّ .
29 - يا عبدنا لم تطلب منّا النّوال ، ولا تطالب نفسك بالإقبال ؟
30 - اطلب ممّن الفضل له ، وطالب من الحقّ عليه . فالحقّ تعالى له الكرم وله الحقّ فاطلب منه من حيث كرمه ، وطالب نفسك من حيث حقوقه عليك .
31 - ليس الوجه الّذي تلقى به الغريم ، كالوجه الّذي تجلس به مع النّديم .
32 - متى ضعفت الأعمال أردفها الحقّ بالمحق .
33 - ليس المستغفر من استغفر باللّسان ، وأقام على أفعال الهوان ! إنّما المستغفر من ترك العصيان .
34 - من اعتمد على المعلومات والمدّخرات ، فقد عبد غير اللّه تعالى وهو لا يشعر .
35 - أقربهم إلى اللّه تعالى أفهمهم عنه وأفهمهم عنه أشدهم استسلاما له .
36 - من لم يأت إلى اللّه بعواطف الامتنان سيق إليه بسلاسل الامتحان .
37 - رضاك عنّي في الفاقة ساعة واحدة ، خير من عبادة سبعين سنة ، صيامها وقيامها .
38 - إذا تقرّب النّاس إليّ بكثرة الأعمال ، تقرّب إليّ أنت بالرّضا عنّي في الأفعال . واعلم أنّ من جلس معنا على بساط فاقة راضيا عنّا ، رفعنا مرتبته عندنا .
39 - تأبّى الأشياء عنك ، على حسب تأبّيك عنّا .
40 - ليس أهل العفو عن الجناية ، كأهل التّخصّص والعناية .
41 - جلّ ربّنا أن يعصى عنادا ، أو يطاع استبدادا .
42 - من أخلاق الأولياء ثلاثة : سلامة الصّدر ، وسخاوة النّفس ، وحسن الظنّ في عباد اللّه .
43 - لا يصحّ من راغب إخلاص ، ولا يمكن من زاهد رياء .
44 - إذا أردت أن تعرف قدر العمل الّذي أنت فيه ، فانظر من يشاركك فيه .
45 - الدّنيا عبارة عمّا يشغل عن اللّه .
46 - النّفس عبارة عن كلّ خلق مذموم .
47 - من وكل إلى نفسه لم تفته المعصية وإن لم يكن لها فاعلا .
48 - الأحمق من يطالب النّاس لنفسه ، ولا يطالب نفسه للنّاس .
49 - أوّل الدّواء الحمية ، فمن عجز عن الحمية كان عن الدّواء أعجز وأعجز .
50 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : الحمية رأس الدّواء . ( هذا ليس بحديث بل من كلام طبيب العرب ) .
51 - لا معنى لدعوى النّفس للأعمال قبل كشف الحجاب ، فإنّ العلل تلزمها ، ولا معنى لدعواها بعد كشف الحجاب ، فإنّ الشّهود يلزمها .
52 - لولا الحجاب والاستتار ، ما ثبتت رؤية الآثار .
53 - حرام على من استكثر من الشّهوات أن تفتح له أبواب الغيوب .
54 - لا عبادة مع نهمة ، ولا غفلة مع يقظة .
55 - من أعطى نفسه نهمتها من الحلال ، وقع في الحرام .
56 - كيف يرجو أن تنصلح الأشياء له من أعرض عن مصلحها ؟
57 - من نزلت به فاقة فلم ترجعه إلى اللّه فمصيبته بالغفلة عن اللّه أعظم من مصيبته بالفاقة .
58 - قد استحقّ إحباط قدره ، من أقبل على من لا قدر له .
59 - أقبل إلى اللّه على حسب حاجتك إليه ، واذكره ما علمت أنّه لك ذاكر ، ولا تستبدل منه إلّا من هو أرأف بك منه ولن تجد ذلك أبدا .
60 - لو يعلم المحدّث لمن يحدّث ما كذب في حديثه .
* * *
تمت بعونه تعالى الحكم الصغرى ويليها المناجاة الإلهية
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: المناجاة الإلهيّة للشّيخ تاج الدّين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:40 pm

المناجاة الإلهيّة للشّيخ تاج الدّين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
وقال رضي اللّه عنه في مناجاته :
1 - إلهي أنا الفقير في غناي ، فكيف لا أكون فقيرا في فقري ؟
2 - إلهي أنا الجاهل في علمي ، فكيف لا أكون جهولا في جهلي ؟
3 - إلهي إنّ اختلاف تدبيرك، وسرعة حلول مقاديرك، منعا عبادك العارفين بك عن السّكون إلى عطاء ، واليأس منك في بلاء.
4 - إلهي منّي ما يليق بلؤمي ، ومنك ما يليق بكرمك .
5 - إلهي وصفت نفسك باللّطف والرّأفة بي قبل وجود ضعفي ، أفتمنعني منها بعد وجود ضعفي ؟
6 - إلهي إن ظهرت المحاسن منّي فبفضلك ولك المنّة عليّ ، وإن ظهرت المساوىء منّي فبعدلك ولك الحجّة عليّ .
7 - إلهي كيف تكلني إلى نفسي وقد توكّلت لي ؟ وكيف أضام وأنت النّاصر لي ؟ أم كيف أخيب وأنت الحفيّ بي ؟ ها أنا أتوسّل إليك بفقري إليك ، وكيف أتوسّل إليك بما هو محال أن يصل إليك ؟ أم كيف أترجم لك بمقالي وهو منك برز إليك ؟
أم كيف تخيب آمالي وهي قد وفدت إليك ؟ أم كيف لا تحسن أحوالي وبك قامت وإليك ؟
8 - إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي ! وما أرحمك بي مع قبيح فعلي !
9 - إلهي ما أقربك منّي ! وما أبعدني عنك !
10 - إلهي ما أرأفك بي فما الّذي يحجبني عنك ؟
11 - إلهي قد علمت باختلاف الآثار، وتنقّلات الأطوار ، أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليّ في كلّ شيء ، حتّى لا أجهلك في شيء.

12 - إلهي كلّما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك وكلّما آيستني أوصافي أطمعتني منّتك .
13 - إلهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي؟ ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي؟
14 - إلهي حكمك النّافذ ، ومشيئتك القاهرة ، لم يتركا لذي مقال مقالا ، ولا لذي حال حالا .
15 - إلهي كم من طاعة بنيتها ، وحالة شيّدتها ، هدم اعتمادي عليها عدلك ، بل أقالني منها فضلك .
16 - إلهي أنت تعلم وإن لم تدم الطّاعة منّي فعلا جزما ، فقد دامت محبّة وعزما .
17 - إلهي كيف أعزم وأنت القاهر ؟ وكيف لا أعزم وأنت الآمر ؟
18 - إلهي تردّدي في الآثار ، يوجب بعد المزار ، فاجمعني عليك ، بخدمة توصلني إليك .
19 - إلهي كيف يستدلّ عليك ، بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟
أيكون لغيرك من الظّهور ما ليس لك ، حتّى يكون هو المظهر لك ؟
متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك ؟ ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي الّتي توصل إليك ؟

20 - إلهي عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيبا .
21 - إلهي أمرت بالرّجوع إلى الآثار ، فارجعني بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار ، حتّى أرجع إليك منها ، كما دخلت إليك منها ، مصون السّرّ عن النّظر إليها ، ومرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها ، إنّك على كلّ شيء قدير .
22 - إلهي هذا ذلّي ظاهر بين يديك ، وهذا حالي لا يخفى عليك ، منك أطلب الوصول إليك ، وبك أستدلّ عليك ، فاهدني بنورك إليك ، وأقمني بصدق العبوديّة بين يديك .
23 - إلهي علّمني من علمك المخزون ، وصنّي بسرّ اسمك المصون .

24 - إلهي حقّقني بحقائق أهل القرب ، واسلك بي مسالك أهل الجذب .
25 - إلهي أغنني بتدبيرك عن تدبيري ، وباختيارك لي عن اختياري ، وأوقفني على مراكز اضطراري .
26 - إلهي أخرجني من ذلّ نفسي ، وطهّرني من شكّي وشركي قبل حلول رمسي . بك أستنصر فانصرني ، وعليك أتوكّل فلا تكلني ، وإيّاك أسأل فلا تخيّبني ، وفي فضلك أرغب فلا تحرمني ، ولجنابك أنتسب فلا تبعدني ، وببابك أقف فلا تطردني .
27 - إلهي تقدّس رضاك عن أن تكون له علّة منك ، فكيف تكون له علّة منّي ؟
أنت الغنيّ بذاتك عن أن يصل إليك النّفع منك ، فكيف لا تكون غنيّا عنّي ؟

28 - إلهي إنّ القضاء والقدر غلبني ، وإنّ الهوى بوثائق الشّهوة أسرني ، فكن أنت النّصير لي حتّى تنصرني وتنصر بي ، وأغنني بفضلك حتّى أستغني بك عن طلبي .
أنت الّذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتّى عرفوك ووحّدوك ، وأنت الّذي أزلت الأغيار من قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سواك ولم يلجؤوا إلى غيرك . أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم ، وأنت الّذي هديتهم حتّى استبانت لهم المعالم ، ما ذا وجد من فقدك ؟ وما الّذي فقد من وجدك ؟ لقد خاب من رضي دونك بدلا ، ولقد خسر من بغى عنك متحوّلا .
29 - إلهي كيف يرجى سواك وأنت ما قطعت الإحسان ؟ وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدّلت عادة الامتنان ؟ يا من أذاق أحبّاءه حلاوة مؤانسته فقاموا بين يديه متملّقين ، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بعزّته مستعزّين أنت الذّاكر من قبل الذّاكرين ، وأنت البادىء بالإحسان من قبل توجّه العابدين ، وأنت الجواد بالعطاء من قبل طلب الطّالبين ، وأنت الوهّاب ثمّ أنت لما وهبتنا من المستقرضين .
30 - إلهي اطلبني برحمتك حتّى أصل إليك ، واجذبني بمنّتك حتّى أقبل عليك .
31 - إلهي إنّ رجائي لا ينقطع عنك وإن عصيتك ، كما أنّ خوفي لا يزايلني وإن أطعتك .
32 - إلهي قد دفعتني العوالم إليك ، وقد أوقفني علمي بكرمك عليك .

33 - إلهي كيف أخيب وأنت أملي ؟ أم كيف أهان وعليك متّكلي ؟
34 - إلهي كيف أستعزّ وأنت في الذّلّة أركزتني ؟ أم كيف لا أستعزّ وإليك نسبتني ؟ أم كيف لا أفتقر وأنت الّذي في الفقر أقمتني ؟ أم كيف أفتقر وأنت الّذي بجودك أغنيتني ؟ أنت الّذي لا إله غيرك تعرّفت لكلّ شيء فما جهلك شيء ، وأنت الّذي تعرّفت إليّ في كلّ شيء ، فرأيتك ظاهرا في كلّ شيء ، فأنت الظّاهر لكلّ شيء ، يا من استوى برحمانيّته على عرشه فصار العرش غيبا في رحمانيّته ، كما صارت العوالم غيبا في عرشه ، محقت الآثار بالآثار ، ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار ، يا من احتجب في سرادقات عزّه عن أن تدركه الأبصار ، يا من تجلّى بكمال بهائه فتحقّقت عظمته الأسرار ، كيف تخفى وأنت الظّاهر ؟ أم كيف تغيب وأنت الرّقيب الحاضر ؟
* * *
واللّه الموفّق وبه استعين . وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تمت بعونه تعالى المناجاة الإلهية ويليها المكاتبات
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: مكاتبات للشّيخ تاج الدّين أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ إلى بعض إخوانه ومريديه   اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:41 pm

مكاتبات للشّيخ تاج الدّين أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ إلى بعض إخوانه ومريديه

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

1 - [ إنّ البدايات ، مجلّات النّهايات ]

وقال مما كتب به لبعض إخوانه : أمّا بعد فإنّ البدايات ، مجلّات النّهايات وإنّ من كانت باللّه بدايته ، كانت إليه نهايته ، والمشتغل به هو الّذي أحببته وسارعت إليه ، والمشتغل عنه هو المؤثر عليه .
وإنّ من أيقن أنّ اللّه يطلبه صدق الطّلب إليه ، ومن علم أنّ الأمور بيد اللّه انجمع بالتّوكّل عليه .
وأنّه لا بدّ لبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه ، وأن تسلب كرائمه .

فالعاقل من كان بما هو أبقى ، أفرح منه بما هو يفنى .
قد أشرق نوره ، وظهرت تباشيره ، فصدف عن هذه الدّار مغضيا ، وأعرض عنها مولّيا ، فلم يتّخذها وطنا ، ولا جعلها سكنا ، بل أنهض الهمّة فيها إلى اللّه تعالى ، وصار فيها مستعينا به في القدوم عليه .
فما زالت مطيّة عزمه لا يقرّ قرارها ، دائما تسيارها ، إلى أن أناخت بحضرة القدس ، وبساط الأنس ، محلّ المفاتحة والمواجهة ، والمجالسة والمحادثة ، والمشاهدة والمطالعة ، فصارت الحضرة معشّش قلوبهم ، إليها يأوون ، وفيها يسكنون .
فإذا نزلوا إلى سماء الحقوق ، أو أرض الحظوظ ، فبالإذن والتّمكين ، والرّسوخ في اليقين ، فلم ينزلوا إلى الحقوق بسوء الأدب والغفلة ، ولا إلى الحظوظ بالشّهوة والمتعة ، بل دخلوا في ذلك باللّه وللّه ومن اللّه وإلى اللّه .
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ[ الإسراء : 80 ] ليكون نظري إلى حولك وقوّتك إذا أدخلتني ، واستسلامي وانقيادي إليك إذا أخرجتني ،وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً[ الإسراء : 80 ]
ينصرني وينصر بي ولا ينصر عليّ ، ينصرني على شهود نفسي ، ويفنيني عن دائرة حسّي .

* * *

2 - [ إنّ اللّه واحد في منّته ]

ومما كتب به إلى بعض إخوانه: إن كانت عين القلب تنظر إلى أنّ اللّه واحد في منّته ، فالشّريعة تقتضي أنّه لا بدّ من شكر خليقته.
وإنّ الناس في ذلك على ثلاثة أقسام :
غافل منهمك في غفلته : 
قويت دائرة حسّه ، وانطمست حضرة قدسه ، فنظر الإحسان من المخلوقين ، ولم يشهده من ربّ العالمين . إمّا اعتقادا فشركه جليّ ، وإمّا استنادا فشركه خفيّ ،
وصاحب حقيقة غاب عن الخلقّ ، بشهود الملك الحقّ ، وفني عن الأسباب ، بشهود مسبّب الأسباب ، فهو عبد مواجه بالحقيقة ، ظاهر عليه سناها ، سالك للطّريقة ، قد استولى على مداها ، غير أنّه غريق الأنوار ، مطموس الآثار ، قد غلب سكره على صحوه ، وجمعه على فرقه ، وفناؤه على بقائه ، وغيبته على حضوره . 
وأكمل منه عبد شرب فازداد صحوا ، وغاب فازداد حضورا ، فلا جمعه يحجبه عن فرقه ، ولا فرقه يحجبه عن جمعه ، ولا فناؤه يصرفه عن بقائه ؛ ولا بقاؤه يصدّه عن فنائه ، يعطي كلّ ذي قسط قسطه . ويوفي كلّ ذي حقّ حقّه .
وقد قال أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه لعائشة رضي اللّه عنها لمّا نزلت براءتها من الأفك على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا عائشة اشكري رسول اللّه ، فقالت : واللّه لا أشكر إلّا اللّه .
دلّها أبو بكر على المقام الأكمل ، مقام البقاء المقتضي لإثبات الآثار ، وقد قال اللّه تعالى :أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ[ لقمان : 14 ]
وقال صلى اللّه عليه وسلم : 
لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس .
وكانت هي في ذلك الوقت مصطلمة عن شاهدها ، غائبة عن الآثار ، فلم تشهد إلّا الواحد القهّار .
* * *
3 - [ جعلت قرة عيني في الصلاة ]
وقال رضي اللّه عنه : لما سئل عن قوله صلوات اللّه وسلامه عليه : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) هل ذلك خاص به أم لغيره منه شرب ونصيب ؟ فأجاب :
إنّ قرّة العين بالشّهود ، على قدر المعرفة بالمشهود . فالرّسول ليس معرفة كمعرفته ، فليس قرّة عين كقرّته .
وإنّما قلنا إنّ قرّة عينه في صلاته بشهود جلال مشهوده ، لأنّه قد أشار إلى ذلك بقوله في الصّلاة ولم يقل بالصّلاة ، إذ هو صلى اللّه عليه وسلم لا تقرّ عينه بغير ربّه ، وكيف وهو يدلّ على هذا المقام ويأمر به من سواه بقوله : اعبد اللّه كأنّك تراه ، ومحال أن يراه ويشهد معه سواه .

فإن قال قائل : قد تكون قرّة العين بالصّلاة لأنّها فضل من اللّه ، وبارزة من عين منّة اللّه ، فكيف لا يفرح بها ؟
وكيف لا تكون قرّة العين بها وقد قال سبحانه وتعالى :قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا[ يونس : 58 ]
فاعلم أنّ الآية قد أومأت إلى 
الجواب ، لمن تدبّر سرّ الخطاب ، إذ قال :فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا[ يونس : 58 ]
وما قال فبذلك فافرح يا محمّد ، قل لهم فليفرحوا بالاحسان والتّفضّل ، وليكن فرحك أنت بالمتفضّل ، كما قال في الآية الأخرى :قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ[ الأنعام : 
91 ] .
* * *

4 - [ انقسام النّاس في ورود المنن ]

وقال رضي اللّه عنه مما كتب به لبعض إخوانه : النّاس في ورود المنن على ثلاثة أقسام : 
فرح بالمنن لا من حيث مهديها ومنشيها ، ولكن بوجود متعته فيها ، فهذا من الغافلين ، يصدق عليه قوله تعالى :حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً[ الأنعام : 44 ] ، 
وفرح بالمنن من حيث أنّه شهدها منّة ممّن أرسلها ، ونعمة ممّن أوصلها ، يصدق عليه قوله تعالى :قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( 58 )[ يونس : 58 ] ، 
وفرح باللّه ما شغله من المنن ظاهر متعتها ، ولا باطن منّتها ، بل شغله النّظر إلى اللّه عمّا سواه ، والجمع عليه فلا يشهد إلّا إيّاه ، يصدق عليه قوله تعالى :قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ[ الأنعام : 91 ] . 
وقد أوحى اللّه إلى داود عليه السّلام : يا داود قل للصّدّيقين بي فليفرحوا ، وبذكري فليتنعّموا ، واللّه تعالى يجعل فرحنا وإيّاكم به والرّضا منه ، وأن يجعلنا من أهل الفهم عنه ، وأن لا يجعلنا من الغافلين ، وأن يسلك بنا مسلك المتّقين ، بمنّه وكرمه .
* * *

[ 5 - الاستسلام إلى اللّه ، والتّضرّع إليه ، وحسن الظّنّ به ، وتجديد التّوبة إليه ]

ومما كتب به لبعض إخوانه وبعد فلا أرى شيئا أنفع لك من أمور أربعة : 
الاستسلام إلى اللّه ، 
والتّضرّع إليه ، 
وحسن الظّنّ به ، 
وتجديد التّوبة إليه ولو عدت إلى الذّنب في اليوم سبعين مرّة .
ففي الاستسلام إليه الرّاحة من التّدبير معه عاجلا ، والظّفر بالمنّة العظمى آجلا ، والسّلامة من الشّرك بالمنازعة ، ومن أين لك أن تنازعه فيما لا تملكه معه ، وألق نفسك في مملكته فإنّك قليل في كثيرها ، وصغير في كبيرها ، يدبّرك كما يدبّرها ، فلا تخرج عمّا هو لك من العبوديّة ، إلى ما ليس لك من ادّعاء وصف الرّبوبيّة ، فإنّ التّدبير والاختيار ، من كبائر القلوب والأسرار وتجد ذلك في كتاب اللّه تعالى ، 
قال اللّه تعالى :وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 68 )[ القصص : 68 ] .
وأمّا التّضرّع إلى اللّه تعالى ففيه نزول الزّوائد ، ورفع الشّدائد ، والانطواء في أردية المنن ، والسّلامة من المحن ، فتعوّض جزاء ذلك أن يتولّى مولاك الدّفع عن نفسك في المضارّ ، والجلب لك في المسارّ ، وهو الباب الأعظم ، والسّبيل الأقوم ، يؤثّر مع الكفران ، فكيف لا يؤثّر مع الإيمان ؟ ألم تسمع قوله تعالى :وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ( 67 )[ الإسراء : 67 ] 
أي فأجابكم ، وهو الباب الذي جعله اللّه تعالى بينه وبين عباده ، ترد واردات الألطاف على من توجّه إليه ، وتتوالى المنن على من وقف به عليه ، ويصل إلى حقيقة العناية من دخل منه إليه ، ومتى فتح عليك به فتح عليك من كلّ خيراته ، وأوسع هباته ، وتجد ذلك في كتاب اللّه تعالى . 
قال اللّه تعالى :فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا[ الأنعام : 43 ] .
وأمّا حسن الظّنّ باللّه فبخ بخ بمن منّ اللّه عليه بها ، فمن وجدها لم يفقد من الخير شيئا ، ومن فقدها لم يجد منه شيئا . لا تجد لك عذرا عند اللّه أنفع لك منها ولا أجدى ، ولا تجد أدلّ على اللّه منها ولا أهدى ، تعلمك عن اللّه بما يريد أن يصنعه معك ، وتبشّرك ببشائر لا تقرأ سطورها العينان ، ولا يترجم عنها اللّسان ، وتجد ذلك في سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حاكيا عن اللّه :
أنا عند ظنّ عبدي بي .
وأمّا تجديد التّوبة إليه فهي عين كلّ رتبة ومقام أوّله وآخره ، باطنه وظاهره ، لا مزيّة لمن فقدها ، ولا فقد لمن وجدها ، مفتاح كلّ خير ظاهر وباطن ، روح المقامات وسبب الولايات ، ولو استوت توبة القطب والصّالح لاستواء مقامهما لم يرتفع عنه رفيع المقام لرفعة شأنه ، ولعظيم إيقانه ، لم يجعل الحقّ سبحانه وتعالى رتبة دونها إلّا الظّلم فقال سبحانه وتعالى :وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ الحجرات : 11 ] ، 
فهي مطلوبة من كلّ رسول ونبيّ ، وصدّيق ووليّ ، وبارّ تقيّ ، وفاجر غويّ ، وكافر شقيّ ، وتجد ذلك في كتاب اللّه تعالى ، قال اللّه سبحانه وتعالى :يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ[ النّساء : 1 ] 
فتقواه بالتّوبة إليه ، والنّدم بين يديه ، فأهل الشّرور توبتهم بالخروج من شرورهم ، وأهل الخيور توبتهم بعدم الوقوف مع خيورهم وردا كانت أو واردا ، كلاهما مع عدم الوقوف معهما واحد ،مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ[ الحج : 78 ] . 
وإنّ من ملّة إبراهيم عدم الوقوف مع الفانيات والانقطاع عن نظر الكائنات ، قال اللّه سبحانه وتعالى مخبرا عنه :لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ[ الأنعام : 76 ] ، 
وبالجملة من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير ومن لم تنفعه الإشارة ، لم تنفع فيه العبارة ، وإذا أفهمك اللّه لم ينقطع سماعك ، ولم يتحيّن انتفاعك ، فهمّنا اللّه وإيّاك عنه ، وأسمعنا وإيّاك منه ، وقطعنا عن كلّ شيء سواه ، وأدخلنا في كنفه وحماه ، وجعلنا ممّن بصّره وهداه ، وإلى كنفه آواه ، ولا شتّت قلوبنا ، وجمع عليه همومنا ، وأزال بالوصول كروبنا آمين .
والسّلامة على الجماعة أجمعين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين .
* * *
تمت بعونه تعالى مكاتباته لبعض إخوانه ويليها فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية    اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:42 pm

فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية 

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

بسم الله الرحمن الرحيم
( أ )
الآثار ( أثر )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 ، 53 .
الشرح : الأثر هو علامة لباقي شيء قد زال . قال بعضهم : من منع من النظر استأنس بالأثر ، ومن عدم الأثر تعلل بالذكر . ( اللمع للطوسي ) .
قلت « * » : الآثار : الأغيار ، الأكوان ، الحوادث ، السوى ( كل ما سوى اللّه تعالى ) ، العالم ، المخلوقات ، عالم الملك ، المرايا ، المظاهر ، الممكنات .
وقال الشيخ عبد الرزاق القاشاني في كتابه لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام : سرائر الآثار : يعني بها بواطن الآثار الظاهرة في الكون ، فإن جميع ما فيه ليس سوى آثار ظاهرة عن الحق تعالى ، لا تقوم تلك الآثار إلا بسرائرها التي هي باطن كل أثر معنوي أو صوري ذلك الباطن هو الرابطة والرقيقة التي يحصل بها الإمداد مع الأنات ، وصور تلك السرائر هي الستائر التي تفهم معنى الأسماء الإلهية من خلقها .

الآخرة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 71 .
الشرح : الدنيا لأهل الدنيا غرور ، والآخرة لأهل الآخرة سرور في سرور ، ومحبة اللّه سرور من نور .
الدنيا والآخرة ضرتان إن أرضيت إحداهما سخطت عليك الأخرى .
( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي للدكتور رفيق العجم ) .
قلت : الآخرة هي ما بعد القيامة عالم الجنة أو النار وأيضا تطلق الآخرة على ما بعد معرفة العبد بربه وبنفسه ويتحقق ذلك بالموت الاختياري بتزكية النفس وتطهير القلب أو بالموت الاضطراري بانقضاء الأجل . والآخرة هي ثمرة أعمال الإنسان التي يؤول إليها .

الآمال ( الأمل )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 37 .
الشرح : الآمال هي قصود القاصدين . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم لأحمد بن عجيبة ) .
الأمل : فهو الرجاء وتعلق القلب بالبقاء ، فمن طال أمله اشتغل بالجمع والتحصيل وغفل عن الموت وتركه نسيا منسيا حتى يصير كمن أيقن أنه يبقى إلى أقصى أوقات الآجال . ( جامع الأصول في الأولياء للشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي ) .

أثر – الآثار الأحدية
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 141 .
الشرح : عبارة عن مجلى الذات ليس للأسماء ولا للصفات ولا لشيء من مؤثراتها فيه ظهور ، فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية .
( الإنسان الكامل للشيخ عبد الكريم الجيلي ) .

الإحسان
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 44 .
الشرح : اسم جامع لجميع أبواب الحقائق ، وهو : « أن تعبد اللّه كأنك تراه ». 
هكذا أجاب النبي صلى اللّه عليه وسلم جبريل عليه السلام في الحديث الصحيح المسمى حديث الإيمان الذي أخرجه مسلم في صحيحه .
وإنما كان الإحسان اسما جامعا لجميع الحقائق لأنه هو مقام التحقق بمعرفة الربوبية والعبودية ، تحققا في قوله صلى اللّه عليه وسلم : « كأنك تراه » من إثبات الرؤية ونفيها ، أي إنك تراه ، وما تراه حالة رؤيتك له ، لأن عين ما ترى عين ما لا ترى ، لأنك لا ترى شيئا إلا به ، وفيه ، وله . 
وإذا استحال أن ترى شيئا سواه غير قائم به فالكل تعيناته ، فلا شيء يوصف مما سواه بأنه عينه أو أنه غيره ، فإذا ذقت هذا تحققت بأنك لست ناظرا إليه ، بل كأنك ناظر إليه ، لتعالى الذات الأقدس ، تعزز وتقدس أن يرى في إطلاقه لغير ذاته . 
فإذا عبدته بهذا الشهود كنت ممن عرف المشهود ، وتحقق منه له بالشهود .
( لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام للشيخ عبد الرزاق القاشاني ) .

الأحوال ( الحال )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 9 .
الشرح : الحال هو ما يرد على القلب من غير تأمل ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب أو حزن أو غم أو فرح أو قبض أو بسط أو شوق أو ذوق أو انزعاج أو هيبة أو أنس أو غير ذلك ، وإن الأحوال تأتي من عين الجود ، والمقامات تحصل ببذل المجهود . وقيل : الحال تغير الأوصاف على العبد . . . فحاصل تسمية الحال حالا ، إنما هو لتحوله ، وزواله . وسمي المقام مقاما لإقامته واستقراره ، ولهذا صار الوصف الواحد هو بعينه حالا وهو مقام أيضا ، وذلك أن الوصف الواحد ما دام غير ثابت ، ولا مستقر فهو حال ، فإذا دام واستقر وثبت صار مقاما . ( لطائف الإعلام ) .


الإخلاص
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 10 .
الشرح : تصفية كل عمل قلبي أو قالبي من كل شوب ، بحيث يكون العمل للّه وحده . قال تعالى :أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ[ الزمر : 3 ] أي من كل شوب يمازجه من الرياء وطلب التزيين عند الناس لتحصيل الجاه والحرمة . وقال القشيري في رسالته :
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول : الإخلاص : التوقي عن ملاحظة الخلق .
( لطائف الإعلام ) .

الأدب
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 66 ، 81 .
الشرح : الأدب للعارف بمنزلة التوبة للمستأنف . ( اللمع لأبي نصر السراج الطوسي ) .
الأدب سند للفقراء وزين للأغنياء والناس في الأدب متفاوتون وهم على ثلاث طبقات : أهل الدنيا وأهل الدين وأهل الخصوصية . . .
فأما أهل الخصوصية من أهل الدين فإن أكثر آدابهم في طهارة القلوب ومراعاة الأسرار ، والوفاء بالعقود ، وحفظ الوقت ، وقلة الالتفات إلى الخواطر والعوارض والبوادي والطوارق ، واستواء السر مع الإعلان وحسن الأدب في مواقف الطلب ومقامات القرب وأوقات الحضور والقرب والدنو والوصلة . ( اللمع للطوسي ) .

أذكار ( الذكر )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 254 .
الشرح : الذكر هو أعظم أركان الرياضة وأكبر قربة تقرب بها العبد من ربه .
قال اللّه تعالى :وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ[ العنكبوت : 45 ] .
على العموم هو ما يتقرب به عامة أهل الإيمان من ذكر اللّه تعالى ، إما بكلمة الشهادة ، وهي كلمة : لا إله إلا اللّه ، وإما غيرها من التسبيحات والأدعية والأذكار .
( لطائف الإعلام ) .

أرواح الروح
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 10 .
الشرح : الروح في اصطلاح القوم هو اللطيفة الإنسانية المسماة عند الحكماء بالنفس الناطقة ، لا الروح الحيواني الذي هو جسم بخاري ينشأ عن غليان دم القلب فإن اللطيفة الإنسانية جوهر مجرد عن المادة . . . فإن أهل الطريق ( أي طريق السير إلى معرفة اللّه تعالى ) 
« * » لا يثبتون ما يثبتون من قواعدهم التي يبنون عليها تجرد النفس وغيره عن خبر واستدلال ، بل على ما يقتضيه الكشف والعيان ، ثم إن الاعتماد فيما يورد في كتبهم على سبيل التوصل لمن يشاهد ذلك كونها قابلة لما لا يتناهى من الصور المختلفة نوما ويقظة ، مشاهدة وتخيلا وتعقلا . 
فاستحال مع ذلك أن تكون غير مجردة عن جميعها ، ومن فهم هذا عرف معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم : « من عرف نفسه عرف ربه »
أنه لو جاز أن يكون مقيدا بشيء من تعيناته لما صح أن يكون قيوما بجميعها . ( لطائف الإعلام ) .( * ) شرح للمؤلف .

الأزل
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 168 .
الشرح : « الأزل عبارة عن معقول القبلية المحكوم بها للّه تعالى من حيث ما يقتضيه في كماله ، لا من حيث إنه تقدم على الحادثات بزمان متطاول العهد ، فعبر عن ذلك بالأزل كما يسبق ذلك إلى فهم من ليس له معرفة باللّه ، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا . . . فأزله موجود الآن كما كان موجودا قبل وجودنا ، لم يتغير عن أزليته ولم يزل أزليا في أبد الآباد . ( الإنسان الكامل ) .

الاستعداد
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 69 .
الشرح : الاستعداد على وجهين : 
أحدهما واجب وهو الذي تأسف عليه النادمون عند الموت وهو أن يتوب العبد توبة طاهرة عن الذنوب والخطايا . . . 
والوجه الثاني من الاستعداد هو نافلة بذلك المجهود من القلب والبدن وبذل ما تملك من الدنيا إلا ما كان أولى به من حبسه حتى لو قيل له إنك تموت غدا ما كان عنده مستزاد في عمله . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .
قلت : الاستعداد هو قابلية الإنسان من حيث عينه الثابتة في العلم الإلهي أي الصفات والأحكام والخصائص التي يتمتع بها عندما كان عينا ثابتة ، معلوما للّه تعالى ، ويكون في عالم الشهادة على وفق ما كشفه العلم من استعداد وخصصته الإرادة وأبرزته القدرة .

الاستقامة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 148 .
الشرح : هي روح تحيا بها الأعمال ، وتزكو بها الأحوال . قال اللّه تعالى :الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا[ فصلت : 30 ] . 
فقوله :ثُمَّ اسْتَقامُوا *هو من جوامع الكلم ، فإنه جمع بقوله :ثُمَّ اسْتَقامُ واالائتمار بجميع الأوامر ، والانزجار عن جميع المناهي .
وذلك أنه لو أتى إنسان بجميع الطاعات واجتنب جميع الخطيئات ، إلا أنه سرق حبة من بر ، لخرج بذلك عن خير الاستقامة .
. . . واستقامة خاصة الخاصة : هي ترك رؤية الاستقامة والغيبة عن تطلب الاستقامة بمشاهدة قيام الحق بذاته ، وأن ما سواه لا قيام له إلا بالحق المقيم لكل ما سواه . ( لطائف الإعلام ) .

أسماء اللّه تعالى
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 250 .
الشرح : هي في اصطلاح الطائفة عبارة عن ظاهر الوجود من حيث تقيده بمعنى . وذلك أن كل اسم إلهي إنما هو ظاهر الوجود الذي هو عين الذات ، لكن لا من حيث هو هو ، بل من حيث تعينه وتقيده بمعنى أو بصفة ، وذلك كالحي مثلا ، فإنه اسم للوجود الظاهر المتعين ، لكن من حيث تعينه وتقيده بمعنى هو الحياة ، فبالنظر إلى عين الوجود ، فإن الحي هو عين الذات ، وبالنظر إلى التقيد بذلك المعنى وتميزه عن غيره من المعاني فإنه غير الذات فإذا فهمت ما ذكرنا عرفت معنى قولهم بأن الاسم لا هو عين المسمى ولا غيره . وإن شئت قلت هو عين المسمى ، وهو غيره أيضا كما قد اتضح لك ذلك . ( لطائف الإعلام ) .

الإشارة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 184 .
الشرح : ما يخفى عن المتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه .
الإشارة : إخبار الغير عن المراد بغير عبارة اللسان .
الإشارة : تكون مع القرب مع حضور الغير وتكون مع البعد . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

الأغيار ( غير )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 53 .
الشرح : الطور الأول هو الأغيار يعني غير اللّه تعالى 
كما قال تعالى :ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ( 13 ) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً ( 14 )[ نوح : 13 ، 14 ] 
والطور الثاني هو الأفعال يعني صار كله أفعال اللّه تعالى : ظاهره وباطنه ؛ 
والطور الثالث هو صفات اللّه تعالى وأسماؤه ؛ 
والطور الرابع هو ذاته تعالى كما قال تعالى :لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ( 19 )[ الانشقاق : 19 ] 
فتخرجون من طبق الأغيار فلا يبقى أحد منكم غيرا لدخولكم في طبق الأفعال ، فتصيرون أفعال اللّه تعالى كما قال تعالى :ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ[ لقمان : 28 ] 
وهي النفس الواحدة والعين الواحدة، ثم تخرجون من طبق الأفعال فتدخلون طبق الصفات الإلهية والأسماء الربانية ثم لا تبقى منكم بقية وتصيرون في الطبق الرابع. 
قال تعالى :وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ( 42 )[ النجم : 42 ] . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

الافتقار ( أو الفقر )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 96 .
الشرح : هو الفقر من المادة . الفقر هو رداء الشرف ، ولباس المرسلين ، وجلباب الصالحين ، وتاج المتقين ، وزينة المؤمنين ، وغنيمة العارفين ، ومنبه المريدين ، وحصن المطيعين ، وسجن المذنبين ، ومكفر للسيئات ، ومعظم للحسنات ، ورافع للدرجات ، ومبلغ إلى الغايات . وهو شعار الصالحين ودأب المتقين .

الأقدار ( القدر )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 3 .
الشرح : القدر هو توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها ، وهذا هو عين سر القدرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ[ ق : 37 ] فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ [ الأنعام : 149 ] . 
فالحكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها فيها بما يقتضيه ذاتها . ( لطائف الإعلام ) .

الأكدار
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 229 .
الشرح : قلت : هي المنغصات الدنيوية التي تعكر صفو حضور القلب مع اللّه تعالى أو مراقبته .
قال أبو عبد اللّه محمد النفري : « ورود الأغيار والأكدار الدنيوية على العبد نعم من اللّه تعالى عليه ؛ لأن ذلك لا محالة يدعوه إلى الزهادة في الدنيا والتجافي عنها ،ويصرف عنه وجود الغباوة والجهالة لأجل تمسكه بالخيال وما يستضرّ به في الحال والمآل . (غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية للشيخ محمد النفري).

الأكوان ( كون )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 .
الشرح : كل أمر وجود ( لطائف الإعلام ) .
اسم مجمل لجميع ما كوّنه المكوّن بين الكاف والنون . ( اللمع ) .

اللّه
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 58 .
الشرح : هو اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية ، المنفرد بالوجود الحقيقي ، فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته وإن ما استفاد الوجود منه فهو من حيث ذاته هالك ومن جهته التي تليه موجود هالك إلا وجهه .
والأشبه أنه جاء في الدلالة على هذا المعنى مجرى الأسماء الأعلام ، وكل ما ذكر في اشتقاقه وتصريفه تعسف وتكلف .

وهذا الاسم أعظم الأسماء التسعة والتسعين لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شيء .
وسائر الأسماء لا تدل آحادها إلا على آحاد المعاني ، من علم أو قدرة أو فعل أو غيره . 

ولأنه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا ، وسائر الأسماء قد تسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيره .
فلهذين الوجهين يشبه أن يكون هذا الاسم أعظم هذه الأسماء .

( المقصد الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى للإمام أبي حامد الغزالي ) .

الألوهية
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 257 .
الشرح : « اعلم أن جميع حقائق الوجود وحفظها في مراتبها تسمى الألوهية ، وأعني بحقائق الوجود أحكام المظاهر مع الظاهر فيها ، أعني الحق والخلق ، فشمول المراتب الإلهية وجميع المراتب الكونية ، وإعطاء كل حقه من مرتبة الوجود هو معنى الألوهية » . ( الإنسان الكامل ) .

الأمل – الآمال الإنزال
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 46 .
الشرح : قال الشيخ أحمد بن عجيبة : فعلامة التحقق بمقامات الإنزال هو حسن الحال وعلامة حسن الحال هو حسن العمل ، فإتقان الأعمال وحسنها هو ثمرة ونتيجة حسن الأحوال ، وحسن الأحوال وإتقانها هو نتيجة التحقق بمقامات الإنزال أي التحقق بالإنزال في المقامات .
أو تقول : حسن الأحوال دليل على التحقق بالمقامات التي ينزل اللّه تعالى عبده فيها ، وحسن الأعمال دليل على حسن الأحوال ، والتحقق بالحال والسكون في المقام أمر باطني . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .


الأنس
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 91 .
الشرح : هو انبساط المحب إلى المحبوب . وقال ذو النون : أدنى مقام الأنس أن يلقى في النار فلا يغيبه ذلك عمن أنس به . 
والأنس باللّه تعالى : أن تستوحش من الخلق إلا من أهل ولاية اللّه ؛ فإن الأنس بأهل ولاية اللّه هو الأنس باللّه . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

الأنوار ( نور )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 .
الشرح : النور هو حقيقة الشيء الكاشفة للمستور ، ويطلقونه بمعنى كل وارد إلهي يطرد الكون عن القلب . وهو نوعين :
الأول : النور الوجودي الظاهري وهو عبارة عن تجلي الحق باسمه الظاهر في أعيان الكائنات ، وصور حقائق الموجودات .
والثاني : هو باطن كل حقيقة ممكنة ، وهو العين الثابتة . ( لطائف الإعلام ) .

أنوار التوجه
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 31 .
الشرح : هي أنوار ( مقام ) الإسلام و ( مقام ) الإيمان ( أي أنوار الشريعة والطريقة ) أو تقول : أنوار التوجه ( هي ) أنوار الطاعة الظاهرة والباطنة ، أو تقول : أنوار التوجه ( هي ) أنوار المجاهدة والمكابدة . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

أنوار المواجهة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 31 .
الشرح : هي أنوار ( مقام ) الإحسان ، أو تقول ( هي ) أنوار الفكرة والنظرة ، أو تقول ( هي ) أنوار الحقيقة ، أو تقول ( هي ) أنوار المشاهدة والمكالمة . 
يقول الشيخ أحمد بن عجيبة رحمه اللّه تعالى : « وبيان ذلك أن الحق سبحانه إذا أراد أن يوصل عبده إليه توجه إليه أولا بنور حلاوة العمل الظاهر وهو مقام الإسلام ، فيهتدي إلى العمل ويفنى فيه ويذوق حلاوته ، ثم يتوجه إليه بنور حلاوة العمل الباطن وهو مقام الإيمان من الإخلاص والصدق والطمأنينة والأنس باللّه والتوحش مما سواه ، فيهتدي إليه ويفنى فيه ويذوق حلاوته ويتمكن من المراقبة وهذا النور أعظم من الأول وأكمل ، ثم يتوجه إليه بنور حلاوة المشاهدة وهو عمل الروح وهو أول نور المواجهة ، فتأخذه الدهشة والحيرة والسكرة ، فإذا أفاق من سكرته وصحا من جذبته وتمكن من الشهود وعرف الملك المعبود ورجع إلى البقاء كان للّه وباللّه فاستغنى عن النور بمشاهدة نور النور لأنه صار عين النور ، فصار مالكا للأنوار بعد أن كانت مالكة له لافتقاره لها قبل وصوله إلى أصلها ، فلما وصل صار عبدا للّه حرا مما سواه ظاهره عبودية وباطنه حرية . ( إيقاظ الهمم ) .

الأوراد
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 67 .
الشرح : أفضل أوارد المريد الذكر ، لأن الصلاة وإن كانت عظيمة فقد لا تجوز في بعض الأوقات التي يجوز فيها الذكر ، بخلاف ذكر اللّه عزّ وجل لا يمنع في حالة من الأحوال . 
وكان يقول : الذي عندي أن أفضل صيغ ذكر المريد قول « لا إله إلا اللّه » ما دام له هوى فإن فنيت أهويته كلها ، كان ذكر الجلالة أنفع له . 
وكان يقول : من حرم الأوراد في بدايته، حرم الواردات في نهايته، فعليك أيها المريد بالأوراد ولو بلغت المراد . (الأنوار القدسية للشيخ عبد الوهاب الشعراني).

الأوقات ( الوقت )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 17 ، 194 .
الشرح : الوقت عبارة عن حال في زمن الحال ، لا تعلق لك فيه بالماضي ولا الاستقبال ، فيقال : فلان وقته كذا . أي حاله كذا ، ولهذا قالوا : « الوقت ما أنت فيه ، إن كنت بالدنيا ، فوقتك الدنيا ، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى ، وإن كنت بالسرور فوقتك السرور ، وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن » فعنوا بذلك إن وقت الإنسان هو حاله الغالبة عليه . 
ولهذا قالوا : « الصوفي ابن وقته ، لا يهمه ماضي وقته ولا آتيه ، بل دائما يهمه الوقت الذي هو فيه » . . ومن هنا قالوا : « فلان بحكم الوقت » أي أنه
مستسلم لما يبدو من الغيب ، من غير اختيار ، فإن من استسلم لحكم الحق نجا ، ومن عارضه بترك الرضا انتكس وارتدى .

الأول : صاحب الوقت ، أعني من استسلم لما يقضيه وقته .
والثاني : صاحب المقت ، أي من عارض وقته بترك الرضا . ( لطائف الإعلام ) .

الأولياء ( الولي )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 156 .
الشرح : الولي هو من توالت طاعاته من غير تخلل معصية .
وقيل : من يلي الحق ويليه الحق برفع الحجب ليسمع كلام الحق ويعيه .
وقيل : من تولى الحق حفظه وحواسه على الدوام والتوالي ، فلم يخلق فيه الخذلان الذي هو تمكنه من العصيان ، ثم إنه تعالى يديم له توفيقه الذي هو تمكينه وإقداره على فنون الطاعات وكرائم الإحسان .
قال تعالى :وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ[ الأعراف : 196 ] ( لطائف الإعلام ) .

( ب )
الباطن والظاهر - الظاهر والباطن البدايات

رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 228 .
الشرح : يعنون بقسم البدايات عشرة منازل يبتدئ السائرون إلى الحق بالنزول فيها . فأولها اليقظة ثم التوبة ثم الإنابة ثم المحاسبة ثم التفكر ثم الذكر ثم الفرار ثم السماع ثم الرياضة ثم الاعتصام باللّه بالتعلق بجميع أسمائه وصفاته تعلقا من مقام الإسلام وتخلقا من مقام الإيمان وتحققا من مقام الإحسان .
والبدايات هي القسم الأول من الأقسام العشرة ذات المنازل المئة التي ينزلها السائرون إلى اللّه تعالى .
وتسمى منازل هذا القسم بالبدايات ، لأنها بداية الأخذ في السير بتقويم قوى النفس ، وتعديل آلاتها الظاهرة ، وتحصيل قوتها . 
وقوّتها الباطنة بتوجهها إلى تدبير البدن وتكميله وتوصيله إلى ما فيه نفعه ، عاجلا وآجلا على الوجه الجميل اللائق والرأي الصواب الموافق لما شرعه اللّه لعبيده .
واتفق أكابر الطائفة على أن النهايات لا تصح إلا بتصحيح البدايات ، كما أن الأبنية لا تقوم إلا على الأساس . ( لطائف الإعلام ) .

بساط – بسط البسط
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 80 .
الشرح : قال الشيخ ابن العربي في الفتوحات المكية : « هو عندنا حال من يسع الأشياء ولا يسعه شيء » وقيل : « هو حال الرجاء » .
وقيل : « هو وارد موجبه إشارة إلى قبول ورحمة وأنس » والقبض ضد البسط كما ستعرف في باب القاف .
وقيل في تفسير البسط : « إنه عبارة عن كون النفس فيما هي بسبيله على نشاط وطرب وبهجة يتسع معها لقبول الواردات ، وأن القبض ضد البسط . ( لطائف الإعلام ) .

بسط ( بساط )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 176 .
الشرح : أهل البساط لا يتعدى طرفهم من هم في بساطه غير أن البسط كثيرة :
بساط عمل وبساط علم وبساط تجلّ وبساط مراقبة ، فإن كنت في العمل فما ، وإن كنت في العلم فيمن ، وإن كنت في التجلّي فمن ، وإن كنت في المراقبة فلمن ، وهكذا في كل بساط يكون . 
فيقال لك في العمل ما قصدت وفي العلم من هو معلومك وفي التجلي من تراه وفي المراقبة لمن راقبت فأنت بحسب جوابك عن هذه الأسئلة فأنت محصور بالخطاب محصور بالجواب فما تشاهد سوى الحال الخاص بك ما دمت في البساط ، فإن أجبت بما يقتضيه الحال كنت حكيما حكما ، وإن أجبت بالحق لا بك فكنت على قدر اعتقادك في الحق ما هو ، وإن أجبت بنفسك أجبت إجابة عبد والمراتب متفاضلة . ( الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي ) .

البشرية
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 34 .
الشرح : من البشر ، والبشر : الخلق . 
قال العارف باللّه تعالى الشيخ أحمد بن عجيبة : وأوصاف البشرية هي الأخلاق التي تناقض خلوص العبودية ، ومرجعها إلى أمرين :
الأول : تعلق القلب بأخلاق البهائم ، وهي شهوة البطن والفرج وما يتبعهما من حب الدنيا وشهواتها الفانية ، قال اللّه تعالى :زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ[ آل عمران : 14 ] .
والثاني : تخلقه بأخلاق الشياطين ، كالكبر والحسد والحقد والغضب ، والحدة وهي القلق ، والبطر وهي خفة العقل ، والأشر وهو التكبر وحب الجاه والرياسة والمدح والقسوة والعطا والفظاظة والغلظة وتعظيم الأغنياء ، واحتقار الفقراء ، وكخوف الفقر وهم الرزق والبخل والشح والرياء والعجب ، وغير ذلك مما لا يحصى . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

البصيرة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 5 .
الشرح : قوة باطنة هي للقلب كعين الرأس ، ويقال : هي عين القلب عندما ينكشف حجابه ، فيشاهد بها بواطن الأمور ، كما يشاهد عين الرأس ظواهرها . ولهذا قالوا : « البصيرة : ما يخلص من الحيرة » . ( لطائف الإعلام ) .

البلاء
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 105 .
الشرح : هو ظهور امتحان الحق لعبده في حقيقة حاله بالابتلاء .
البلاء يقوي القلب واليقين ويحقق الإيمان والصبر ويضعف النفس والهوى .
أساس النبوة والرسالة والولاية والمعرفة والمحبة البلاء ، فإذا لم تصبر على البلاء فلا أساس لك ولا بقاء لبناء إلا بأساس . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

( ت )
التجريد
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 2 .
الشرح : يعنون به إماطة السوى والكون عن السر والقلب . ( لطائف الإعلام ) .
ويقول الكلاباذي صاحب « التعرف لمذهب أهل التصوف » : التجريد : أن يتجرد الإنسان بظاهره عن الأعواض ، وبباطنه عن الأعراض ، لا يأخذ من عرض الدنيا شيئا ، ولا يطلب على ما ترك منها عوضا من عاجل ولا آجل ، بل يفعل ذلك لوجوب حق اللّه تعالى لا لعلة ولا لسبب ، بل ويتجرد بسرّه عن ملاحظة المقامات التي يجلها والأحوال التي ينازلها ، بمعنى السكون إليها والاعتناق لها .

التّجلّي
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 215 .
الشرح : هو إشراق أنوار إقبال الحق على قلوب المقبلين عليه . ( اللمع ) .
قال سهل : التجلي على ثلاثة أحوال : تجلي ذات وهي المكاشفة ، وتجلي صفات الذات وهي موضع النور ، وتجلي حكم الذات وهي الآخرة وما فيها . ( التعرف لمذهب أهل التصوف للشيخ محمد الكلاباذي ) .

التحقق أو التحقيق
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 46 ، 59 .
الشرح : التحقق هو كمال العلم والعمل بالشيء . والتحقق بالأسماء الإلهية يعني : كمال العلم والعمل بها على الوجه اللائق بالعبد ، وقد يعني بذلك معنى آخر ، وذلك أن تعلم أن للعبد بأسماء اللّه تعالى تعلقا ، وتخلقا ، وتحققا .
فالتعلق : هو افتقار العبد إليها مطلقا من حيث دلالتها على الذات الأقدس .
والتحقق : معرفة معانيها بالنسبة إلى الحق ، وبالنسبة إلى العبد .
والتخلق : أن يقوم العبد بها على نحو ما يليق به ، كما يقوم هو سبحانه بها على نحو ما يليق بجناب قدسه ، فيكون نسبتها إلى الحق على الوجه اللائق بقدس الحق تعالى ، وإلى العبد على الوجه اللائق بعبوديته .
والتحقيق : عبارة عن رؤية الحق تعالى في أسمائه ، فإن لم ير اللّه كذلك فهو : إما محجوب برؤية الكون عن العين ، وبرؤية الخلق عن الحق أو مستهلك في العين عن الكون . 
وفي الحق عن الخلق ، وهذا الشخص يفوته من الحق بقدر ما جهل من الخلق ، إذ لا يمكن أن تعلم أنه تعالى خالق ورازق حال فنائك عن رؤية المخلوق والمرزوق ، فمن لم يشاهد الاسم الخالق والرازق عند رؤية كل مخلوق ومرزوق ، فهو محجوب عن العين بالكون فلا يرى اللّه ، ومن لم ير اللّه فقد فاته المعرفة الحقيقية لكونه لا يشهد خالقا ورازقا ونافعا وضارا وغير ذلك من الأسماء التي لا تعرف إلا بشواهدها التي هي أعيان الكائنات الدالة على مكونها . ( لطائف الإعلام ) .


التعبير ( العبارة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 182 .
الشرح : قلت : الحديث عن الحقائق الإلهية بكلام واضح وصريح بعكس الإشارة فيرمز بها ويشار إلى الحقائق الإلهية تلويحا لا تصريحا . انظر مصطلح « الإشارة » .

التكبر
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 238 .
الشرح : هو رفع النفس فوق قدرها . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

التلوين
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 118 .
الشرح : هو تنقل العبد في أحواله . قال الشيخ الأكبر في « الفتوحات » : « إنه عند الأكثرين مقام نقص ، وعندنا هو أكمل المقامات ، حال العبد فيه حال قوله تعالى :كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ[ الرحمن : 29 ] .

التمكين – المكنة التواضع
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 238 .
الشرح : سئل الجنيد عن التواضع . فقال : هو خفض الجناح وكسر الجانب .
قال رويم : التواضع تذلل القلوب لعلّام الغيوب .
قال سهل : كمال ذكر اللّه المشاهدة ، 
وكمال التواضع الرضا به . وقال غيره : التواضع قبول الحق من الحق للحق . 
وقال آخر : التواضع الافتخار بالقلة ، والاعتناق للذلة ، وتحمل أثقال أهل الملة .

وسئل الفضيل عن التواضع ؟ فقال : تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله وتسمع منه ، وقال أيضا : من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب .
قال ذو النون : ثلاثة من علامات التواضع : تصغير النفس معرفة للعيب ، وتعظيم الناس حرمة للتوحيد ، وقبول الحق والنصيحة من كل واحد . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

التوبة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 .
الشرح : هي الرجوع إلى اللّه تعالى . قالوا : التوبة مستجمعة لأمور ثلاثة وهي :
الندم على الذنب ، وتركه في الحال ، والعزم على تركه في المآل . . .
والرجوع ( إلى اللّه تعالى ) على مراتب : رجوع من المخالفة إلى الموافقة ، ومن الطبع إلى الشرع ، ومن الظاهر إلى الباطن ، ومن الخلق إلى الحق ، بحيث يتوب العبد عن كل ما سوى اللّه ، بحيث لا يبقى في قلبه ميل إلى غير ربه تعالى ، وهذا هو الذي يعبد اللّه للّه ، لا لرغبة في مثوبة ، أو رهبة من عقوبة ، ثم يتوب بعد ذلك من علة التوبة ، أي من رؤيته بأن التوبة مما سوى اللّه ، إنما حصلت له من نفسه ، بل إنما هي فضل ربه ، ثم يتوب من رؤية توبته من تلك العلة ، بحيث لا يرى أنه رأى ذلك بنفسه ، إنما رآه بربه . ( لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام ) .

( ج )
الجذب ( الجذبة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 250 .
الشرح : في اصطلاح الطائفة ( الصوفية ) هي العناية الإلهية الجاذبة للعبد إلى عين القرب بتهيئته تعالى له كل ما يحتاج إليه في مجاوزته لمنازل السير إلى ربه ، ومقامات القرب منه من غير مشقة ومجاهدة ، وصاحب الجذبة هو المشار إليه بقول شيخ الإسلام « عبد اللّه الأنصاري الهروي » في كتاب « المنازل » حكاية عن « أبي عبيد اللّه البسري » . في قوله رحمه اللّه تعالى : « إن للّه تعالى عبادا يريهم في بداياتهم ما في نهايتهم » . ( لطائف الإعلام ) .

الجذبة – الجذب الجنابة

رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 .
الشرح : قلت : الجنابة نوعين :
الأولى : حسية وهي المني وبخروجه ينجس الإنسان وعليه التطهر بالماء بالغسل .
والثانية : الجنابة المعنوية : وهي تعلق القلب بالنقائص الكونية أو هي تعلق النفس بالشهوات الحسية والمعنوية أو هي الغفلة عن اللّه تعالى بالإعراض عنه والإقبال على الدنيا . 
وبالجنابة المعنوية لا يدخل السالك حضرة القدس فعليه التطهر من هذه الجنابة المعنوية بكثرة الذكر وبمخالفة النفس وبتزكيتها على يد الوارث المحمدي .

جند القلب
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 56 .
الشرح : هي أنوار الواردات .
قال الشيخ أحمد بن عجيبة : « تقابل القلب مع النفس بالمحاربة كناية عن صعوبة انتقال الروح من وطن الظلمة التي هي محل النفس إلى وطن النور الذي هو القلب ، وما بعده ، فالقلب يحاربها لينقلها إلى أصلها وهي تتقاعد وتسقط إلى أرض البشرية وشهواتها ، فالقلب له أنوار الواردات تقربه وتنصره حتى يتقوى إلى الحضرة التي هي أصله وفيها كان وطنه وكأنها جنود له من حيث إنه يتقوى بها وينتصر على ظلمة النفس وهذه الأنوار هي الواردات . ( إيقاظ الهمم ) .


جند النفس

رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 54 .
الشرح : هي الشهوات وهي ظلمة . 
قال الشيخ أحمد بن عجيبة : « والنفس لما ركنت إلى الشهوات واستحلتها صارت كأنها جنود لها ، وهي ظلمة من حيث إنها حجبتها عن الحق ومنعتها من شهود شموس العرفان فإذا هاجت النفس بجنود ظلماتها وشهواتها إلى معصية ، أو شهوة رحل إليها القلب بجنود أنواره ، فيلتحم بينهما القتال ، فإذا أراد اللّه عناية عبده ونصره أمد قلبه بجنود الأنوار وقطع عنه من جهة النفس مدد الأغيار ، فيستولي النور على الظلمة وتولي النفس منهزمة .
وإذا أراد اللّه خذلان عبده أمد نفسه بالأغيار وقطع عن قلبه شوارق الأنوار فيأتي المنصور بالأمر على وجهه والمخذول بالشيء على عكسه » . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .


الجنّة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 196 .
الشرح : الجنة أنواع :
الجنة الصورية : هي دار النعيم التي أعد اللّه فيها من فضله العميم ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين مما لا يحصى من وجوده المقيم .
الجنة المعنوية : هي ستر عين الذات بستور صور الصفات .
جنة الأعمال : هي التي يجزى فيها العبد على مجاهداته ، وعباداته ، وبالجملة على المرضيّ من أعماله جزاء وفاقا، كما وعد على كل عمل منها وحدّ له من الأجر فيها.
جنة الميراث : هي ما يجزى به العبد على الإتيان لمن أمره باتباعه من المرسلين من اللّه تعالى إليه ، وأعلاها منزلة لمن تحقق بالوراثة لأخلاق من أرسل إليه من الأنبياء عليهم السلام وتلك منزلة العلماء الربانيين المشار إليهم بأنهم الورثة في قوله صلّى اللّه عليه وسلم : «العلماء ورثة الأنبياء» .


( ح )
الحادث ( أو الحدث أو الحوادث )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 16 .
الشرح : هو اسم لما لم يكن فكان . ( اللمع ) .
قلت : الحادث أو الحوادث : المخلوقات ، العالم ، السوى : ( كل ما سوى اللّه تعالى )، الممكنات ، الأغيار ، المظاهر ، المرايا ، الآثار ، الأكوان ، عالم الملك.

الحال – الأحوال الحجاب
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 ، 164 .
الشرح : حائل يحول بين الشيء المطلوب المقصود وبين طالبه وقاصده ، كان سري السّقطي رحمه اللّه تعالى يقول : اللهم مهما عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب . ( اللمع ) .

الحجاب ويقال الران ، والمراد بذلك انطباع الصور الكونية في القلب على سبيل الاستيعاب له والرسوخ فيه ، بحيث لا يبقى مع ذلك مطمع لتجلي الحقائق فيه ، لعدم نوريته بتراكم ظلم الحجب المختلفة عليه ، فلهذا يسمى عموم حصول صور الأكوان في القلب ، ورسوخها فيها حجابا ورينا عليه .
وقد يطلق الحجاب ويراد به رؤية الأغيار بأي صفة كان من صفات الأغيار .
( لطائف الإعلام ) .

حدّ – الحدود الحدث – الحادث الحدود ( حد )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 249 .
الشرح : الحدّ : الفصل بينك ( أي العبد ) وبينه ( أي الرب ) .
الحدود الذاتية الإلهية : هي التي يتميز بها الحق من الخلق لا يعلمها إلا أهل الرؤية لا أهل المشاهدة ولا غيرهم ولا تعلم بالخبر لكن قد تعلم بعلم ضروري يعطيه اللّه من يشاء من عباده لا يلحق بالخبر الإلهي . 
وما ثمّ أمر لا يدرك من جهة الخبر الإلهي إلا هذا وما عدا هذا فلا يعلم إلا بالخبر أو العلم الضروري لا غير ، فحدود الموجودات على اختلافها هي حدود الممكنات من حيث أحكامها في العين الوجودية وحد العين الوجودية الذاتي ليس إلا عين كونها موجودة فوجودها عين حقيقتها إذ ليس لمعلوم وجود أصلا وغاية العارفين أن يجعلوا حدود الكون بأسره هو الحدّ الذاتي لواجب الوجود والعلماء باللّه تعالى فوق هذا الكشف والمشهد . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

الحضرة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 .
الشرح : تجلي الحق تعالى . وعدّ الشيخ عبد الكريم الجيلي لتجليات الحق تعالى ثمان حضرات : 
الحضرة الأولى : يتجلى فيها باسمه الظاهر من حيث باطنالعبد . 
الحضرة الثانية : يتجلى الحق فيها باسمه الباطن من حيث ظاهر العبد . 
الحضرة الثالثة : يتجلى الحق فيها باسمه اللّه من حيث روح العبد . 
الحضرة الرابعة : يتجلى فيها الحق بصفة الرب من حيث نفس العبد . 
الحضرة الخامسة : هو تجلي المرتبة ، وهو ظهور الرحمن في عقل العبد . 
الحضرة السادسة : يتجلى الحق فيها من حيث وهم العبد . 
الحضرة السابعة : معرفة الهوية يتجلى الحق فيها من حيث إنية اسم العبد .
الحضرة الثامنة : معرفة الذات من مطلق العبد ، يتجلى الحق في هذا المقام في ظاهر الهيكل الإنساني وباطنه ، باطنا بباطن ، وظاهرا بظاهر ، هوية بهوية وإنية بإنية ، وهي أعلى الحضرات وما بعدها إلا الأحدية ، وليس للخلق فيها مجال لأنها من محض الحق ، وهي من خواص الذات الواجب الوجود . ( الإنسان الكامل ، الباب التاسع والأربعون ) .

الحضور
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 47 .
الشرح : هو حضور القلب لما غاب عن عيانه بصفاء اليقين فهو كالحاضر عنده وإن كان غائبا عنه . ( اللمع للطوسي ) .
المراد من الحضور : حضور القلب بدلالة اليقين حتى يصير الحكم الغيبي له مثل الحكم العيني . 
والمراد من الغيبة : غيبة القلب عما دون الحق إلى حد أن يغيب عن نفسه ، حتى أنه بغيبته عن نفسه لا يرى نفسه . . . فالغيبة عن النفس حضور بالحق ، والحضور بالحق غيبة عن النفس . ( كشف المحجوب لأبي الحسن علي بن عثمان الهجويري الغزنوي ) .

الحق
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 .
الشرح : الحق مثل الشمس مضيء : إذا نظر الناظر إليه أيقن به . فمن طلب البيان بعد البيان فهو في الخسران .
الحق هو اللّه عزّ وجل ، قال اللّه عزّ وجل :أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( 25 )[ النور : 25 ] .
مرادهم من الحق : اللّه ، لأن هذا اسم من أسماء اللّه .
الحق ما وجب على العبد من جانب اللّه وما أوجب الحق على نفسه .

حضرة الحق هي حضرة الجمع لأنها جامعة لحضرات الجمع والوجود والكشف والشهود. (موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي).

حق البصيرة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 36 .
الشرح : البصيرة إذا صحت واشتد نورها ، فاتصل نورها بنور أصلها ، فلم تر إلا النور الأصلي وأنكرت أن يكون ، ثم شيء زائد على نور الأصل : كان اللّه ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان .
ووجه تسميته بحق البصيرة هو أن البصيرة لما أدركت الحق من أصله وغابت عن نور الفروع بنور الأصول سميت حق البصيرة لما أدركته من الحق وغابت عن شهود الخلق وهذا مقام حق اليقين ، وهو نور الرسوخ والتمكين لأهل المكالمة .
( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية    اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:46 pm

فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية 

الحقيقة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 20 .
الشرح : هي مشاهدة ( تجليات ) « * » الربوبية بمعنى أنه تعالى هو الفاعل في كل شيء والمقيم له ، لأن هويته قائمة بنفسها مقيمة لكل شيء سواه . ( لطائف الإعلام ) .
قلت : الحقيقة عند السادة الصوفية تطلق ويراد بها معان عدة ؛ منها : مقام الإحسان وهو مقام أن تعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
ومنها باطن الأشياء حيث ظاهرها خلق وباطنها حق، من حيث إن اللّه تعالى قيوم السماوات والأرض مصداقا لقوله تعالى :اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ[ البقرة : 255 ] .

ومنها : أنوار التجليات الإلهية الذاتية .
ومنها : فناء من لم يكن وبقاء من لم يزل أي فناء الحادث وبقاء القديم مصداقا لقوله تعالى :كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ( 26 ) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ( 27 )[ الرحمن :26 ، 27 ] . ( * ) ما بين قوسين من زيادات المصنف .
ومنها : أنها تطلق على قوله تعالى :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ[ الحديد : 3 ] .
ومنها : أنها تطلق على قوله تعالى :وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى[ الأنفال : 17 ] .
ومنها : مقام الجمع وهو مقام كان اللّه ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان . إلخ .

الحكماء ( الحكيم )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 182 .
الشرح : الحكيم عبارة عن المعرفة بأفضل الأشياء .
الحكيم يروم أن يؤدّي فكره إلى الحق ، ثم يفنى في الحق ، ثم يبقى بالحق .
( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

الحكيم – الحكماء الحوادث – الحادث الحياء
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 21 .
الشرح : هو في هذا الطريق ( الصوفي : السلوك إلى اللّه ) اسم لتعظيم منوط بوادي مرتبط به ومتصل إليه . 
وهو نوعان :

الأول : حياء العامة : وهو ما يحدث لهم عند علمهم بنظر الحق إليهم . 
فإن العبد إذا علم أن الحق ناظر إليه استحى منه ، وهذا هو الحياء الذي يجذب العبد إلى كمال تحمل المجاهدة ، واستقباح الجناية ، وصاحب هذا الحياء هو الذي لا يفقده الحق حيث أمره ، ولا يجده حيث نهاه .
والثاني : حياء الخاصة : وهو ما يحدث لهم عند مشاهدة كشف جمعية لا يمازجه حجاب تفرقة وغيرية . 
وهذا الكشف يوجب لصاحبه الحياء من الحق أن يراه ملتجأ في شيء إلى سواه لكونه حياء ناشئا عن شهود محقق بأن الأمر كله للّه بخلاف الأول ، فإنه إنما نشأ عن خبر موجب للإيمان، ومعلوم أن الخبر ليس كالعيان في بلوغه إلى مقام الإيقان . (لطائف الإعلا ).


( خ )
الخاصة ( الخواص )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 133 .
الشرح : الخاصة هم علماء الطريقة ( أي تزكية النفس وتطهير القلب ) وخاصة الخاصة : هم علماء الحقيقة ( أي علماء الحقيقة أو الشهود والعيان ) . ( لطائف الإعلام ) .


الخدمة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 68 .
الشرح : قال الشيخ أحمد بن عجيبة : العباد المخصوصون بالعناية على قسمين قسم وجههم الحق لخدمته ، وأقامهم فيها وهو أنواع ، فمنهم من انقطع في الفيافي ، والقفار لقيام الليل وصيام النهار وهم العباد والزهاد ومنهم من وجهه الحق لإقامة الدين ، وحفظ شرائع المسلمين وهم العلماء والصلحاء . . . أهل الخدمة طالبون الأجور وأهل المحبة رفعت عنهم الستور ، أهل الخدمة يأخذون أجورهم وراء الباب وأهل المحبة في مناجاة الأحباب ، أهل الخدمة مسدول بينهم ، وبينه الحجاب وأهل المحبة مرفوع بينهم وبينه الحجاب ، أهل الخدمة من أهل الدليل والبرهان ، وأهل المحبة من أهل الشهود والعيان . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

الخذلان
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 261 .
الشرح : قال الشيخ أحمد بن عجيبة : « إذا قلّت شواغلك في الظاهر ، وعوائقك في الباطن ثم لم تتوجه إليه في ظاهرك ، ولم ترحل إليه في باطنك فهو علامة غاية الخذلان » . ( إيقاظ الهمم ) .
قلت : الخذلان : هو أن يتعلق الإنسان السالك إلى اللّه تعالى بالدنيا وما فيها من شهوات حسية مادية وشهوات قلبية معنوية وتحول بينه وبين متابعة السير إلى اللّه تعالى .


الخشية
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 232 .
الشرح : هي انكسار القلب من دوام الانتصاب بين يدي اللّه تعالى .
الخوف رعدة تحدث في القلب عن ظنّ مكروه يناله . والخشية نحوه لكن تقتضي ضربا من الاستعظام والمهانة . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .
والخشوع في اصطلاح الطائفة ( الصوفية ) عبارة عن خمود النفس ، وهمود الطباع لمتعاظم أو مفزع . . والمراد بخمود النفس موتها ، وبهمود الطباع سكونها ، والمراد بالطباع هنا قوى النفس ، والمتعاظم من له عظمة ومهابة في القلوب ، والمفزع من له سطوة تخشى ونقمة تتقى . ( لطائف الإعلام ) .

الخصوص - الخصوصية الخصوصية ( أو الخصوص )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 108 .
الشرح : أهل الخصوص هم الذين خصهم اللّه تعالى من عامة المؤمنين بالحقائق والأحوال والمقامات ، وخصوص الخصوص هم أهل التفريد وتجريد التوحيد ومن عبر الأحوال والمقامات وسلكها وقطع مفاوزها . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

الخواص - الخاصّة الخوف
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 149 .
الشرح : ما يحذر من المكروه في المستأنف ، والخائفون من اللّه سبحانه منهم من يبلغ الخوف به إلى حد الانخلاع عن طمأنينة الأمن ، خوفا من العقوبة أو من المكر أو الهيبة .
. . . خوف الخاصة : إجلال وهيبة ، إذ ليس في مقام الخصوص وحشة الخوف . ( لطائف الإعلام ) .

( د )
الدقائق ( دقة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 .
الشرح : هي دقائق التوحيد وغوامضه التي لا يمكن التعبير عنها ، وإنما هي رموز وإشارات لا يفهمها إلا أهلها ولا تفشى إلا لهم وقليل ما هم ، ومن أفشا شيئا من أسرارها مع غير أهلها ، فقد أباح دمه وتعرض لقتل نفسه ، كما قال أبو مدين رضي اللّه عنه :وفي السر أسرار دقاق لطيفة * تراق دمانا جهرة لو بها بحنا وهذه الأسرار هي أسرار الذات ، وأنوار الصفات التي تجلى الحق بها في مظهر الكون . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

دقّة – الدقائق ( ذ )الذات
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 141 .
الشرح : « اعلم أن مطلق الذات هو الأمر الذي تستند عليه الأسماء والصفات في عينها لا في وجودها ، فكل اسم أو صفة استند إلى شيء فذلك الشيء هو الذات ، سواء كان معدوما كالعنقاء فافهم أو موجودا ، والموجود نوعان : نوع موجود محض ، وهو ذات الباري سبحانه . ونوع موجود ملحق بالعدم وهو ذات المخلوقات » . ( الإنسان الكامل ) .

الذكر – أذكار الذنب ( الذنوب )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 49 .
الشرح : الذنوب في الجملة ثلاثة أقسام :
أحدها : ترك واجبات اللّه سبحانه وتعالى عليك من صلاة أو صوم أو زكاة أو كفارة أو غيرها فتقضي ما أمكنك منها .
والثاني :ذنوب بينك وبين اللّه سبحانه وتعالى كشرب الخمر وضرب المزامير وأكل الربا ونحو ذلك فتندم على ذلك وتوطن قلبك على ترك العود إلى مثلها أبدا.
والثالث : ذنوب بينك وبين العباد وهذا أشكل وأصعب وهي أقسام قد تكون في المال وفي النفس وفي العرض وفي الحرمة وفي الدين . ( إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الشيخ أبي حامد محمد الغزالي ) .
قلت : والذنب في مقام الإحسان هو ادعاء المريد الوجود مع اللّه تعالى فعلا وصفة وذاتا ومن هنا قالوا : وجودك ذنب لا يقاس به ذنب .


( ر )
الراحل - الراحلون الراحلون ( الراحل )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 31 .
الشرح : هم السائرون للأنوار لافتقارهم إليها .
قال الشيخ ابن عجيبة في شرحه على الحكم : « إن المريد ما دام في السير فهو يهتدي بأنوار التوجه مفتقرا إليها لسيره بها ، فإذا وصل إلى مقام المشاهدة حصلت له أنوار المواجهة ، فلم يفتقر إلى شيء لأنه للّه لا لشيء دونه ، فالراحلون ، وهم السائرون للأنوار لافتقارهم إليها وفرحهم بها ، وهؤلاء الواصلون الأنوار لهم لاستغنائهم عنها باللّه ، فهم للّه وباللّه لا لشيء دونه . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .
قلت : الراحل والسائر والمريد والسالك والصوفي بمعنى واحد وهم طالبي الوصول إلى معرفة اللّه تعالى في تجلياته الأفعالية  والأسمائية والذاتية .

الرّبّ
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 49 .
الشرح : الرّب اسم للرب تعالى ، باعتبار انتشاء نسب الحقائق عنه تعالى ، فإن كل حقيقة كونية إنما يتسبب انتشاؤها وتعينها عن حقيقة إلهية ، فكل ما تعين في وجوده العيني وظهر في المراتب : روحا ، ومثالا ، وحسا ، فإنما ذلك عن اسم إلهي متعين بتلك الحقيقة الإلهية من حيث تميزها ووصفها ، فكان ذلك الاسم ربها ، فلا تأخذ إلا منه ، ولا تعطي إلا به ، ولا ترجع إلا إليه في توجهاتها ، ودعواتها بالحال أو المقال في جميع المواطن ولا ترعى إلا إياه . ( لطائف الإعلام ) .


الربوبية
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 79 .
الشرح : الربوبية اسم للمرتبة المقتضية للأسماء التي تطلبها الموجودات ، فدخل تحتها الاسم العليم والسميع والبصير والقيوم والمريد والملك وما أشبه ذلك ، لأن كل واحد من هذه الأسماء والصفات يطلب ما يقيم عليه ، فالعليم يقتضي المعلوم ، والقادر يقتضي مقدورا عليه ، والمريد يطلب مرادا وما أشبه ذلك . ( الإنسان الكامل ) .


الرجاء
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 1 .
الشرح : الرجاء تعلق القلب بمحبوب سيحصل في المستقبل وكما أن الخوف يقع في مستقبل الزمان فكذلك الرجاء يحصل لما يؤمل في الاستقبال وبالرجاء عيش القلوب واستقلالها ، والفرق بين الرجاء وبين التمني أن التمني يورث صاحبه الكسل ولا يسلك طريق الجهد والجد وبعكسه صاحب الرجاء فالرجاء محمود والتمني معلول . ( الرسالة القشيرية للشيخ عبد الكريم القشيري ) .
الطمع في طول الأجل وبلوغ الأمل . ولهذا كان الرجاء حال الضعفاء من أهل السلوك عند هذه الطائفة ( أي الصوفية ) وذلك لما فيه من الرعونة التي هي الوقوف مع حظ النفس الذي يرجى حصوله ، وإنما كان ذلك رعونة ؛ لأن هذه الطائفة أول طريقها الخروج عن النفس فضلا عن شهواتها ، لأن مرادهم أن يكونوا باللّه لا بأنفسهم . ( لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام ) .

الروح – أرواح الرياء
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 160 .
الشرح : إرادة غير اللّه تعالى بالطاعة فالرياء إرادة المخلوقين بطاعة اللّه عزّ وجل .
الرياء ثلاثة عقود في ضمير النفس : حب المحمدة وخوف المذمة والضعة في الدنيا والطمع لما في أيدي الناس .
الرياء هو شرك يحبط الأعمال ويوجب اختلال التملك ، ويدعو إلى عدم الحق .
طالب الشهرة بين الناس صاحب رياء وفقر وإفلاس . لا يرضيهم إلا بغضب مولاه . ولا يصاحبهم إلا لجهله وهواه .
ما رآه المريد من صورة رياء في حق شيخه إنما هو صفته هو وكيف يصح منه رياء وهو يشهد كشفا ويقينا أن اللّه تعالى خالق له ولجميع أفعاله ليس له من أعماله إلا نسبة التكليف فقط . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

( ز )
الزهد
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 45 .
الشرح : هو إسقاط الرغبة في الشيء بالكلية . وهو أربعة أنواع :
الأول : زهد العامة : وهو التنزه عن الشبهات بعد ترك الحرام حذرا عن المعتبة ، وأنفة عن الغصة كراهة مساواة الفساق .
والثاني : زهد أهل الإرادة : النزاهة عن الفضول بترك ما زاد عما يحصل به المسكة ، وبقاء الرمق بقدر البلاغ من القوت اغتناما للفراغ إلى عمارة الوقت ، والتحلي بحلية الأنبياء والصديقين .
والثالث : زهد خاصة الخاصة : وهو إعراضهم عن كل ما سوى اللّه تعالى من الأغراض والأعراض الظاهرة أولا، والباطنة ثانيا ، وعن كل ما هو غير ثالثا.
والرابع : الزهد في الزهد : ومعناه استحقارك لما زهدت فيه ، ولهذا كان الزهد في الدنيا سيئة في نظر الخواص ، فإن ما سوى الحق تعالى أي شيء هو حتى يرغب فيه أو عنه ، ومن تحقق بهذا النظر استوت عنده الحادثات لتحققه شمول إرادة الحق لجميع المرادات . ( لطائف الإعلام ) .

( س )
السائر – السائر و السائرون ( السائر )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 30 .
الشرح : هو السالك إلى اللّه المتوسط بين المريد والمنتهي ( الواصل ) ما دام في السلوك .
وبداية السائر ( أو السالك ) التحقق بمقام الإسلام العلمي ، ونهايته التحقق بمقام الإحسان العملي . والسائر ( أو السالك ) إذا خلص عمله من الشوائب ، وكان عمله لمعمول له واحد كان في مقام الإسلام ، وإذا خلص عمله من الدعاوي فيه كان في مقام الإيمان وإذا تخلص من الثنوية ( أي الإثنينية وهي إشراك نفسه مع اللّه تعالى ) كان في مقام الإحسان . ( موسوعة مصطلحات الصوفية ) .
قلت : السائر والسالك والمريد والراحل والصوفي بمعنى واحد .

السالك
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 20 .
الشرح : هو المترقي في مفاتح القرب إلى حضرات الرب فعلا وحالا ، وذلك بأن يتحد باطنه وظاهره فيما هو بصدده ، مما يتكلفه من فنون المجاهدات وما يقاسيه من مشاق المكابدات ، بحيث لا يجد في نفسه حرجا من ذلك . ( لطائف الإعلام ) .
قلت : السالك هو السائر في أحوال ومقامات ركن الإحسان أي الحقيقة بعد تحققه بركني الإسلام والإيمان أي الشريعة والطريقة حتى يصل إلى مقام عين اليقين وهو مقام معرفة اللّه تعالى شهودا وعيانا من حيث تجليات الذات والأسماء والصفات والأفعال الإلهية .

السحاب - السّحب سحابة - السّحب السّحب ( أو السحاب ) ( أو سحابة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 .
الشرح : السحاب فهو الاعتقادات الخبيثة ، والظنون الكاذبة ، والخيالات الفاسدة التي صارت حجبا بين الكافرين وبين الإيمان ومعرفة الحق والاستضاءة بنور شمس القرآن والعقل : فإن خاصية السحاب أن يحجب إشراق نور الشمس . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

السرّ - السريرة السريرة ( السر )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 7 .
الشرح : السرّ يعنى به حصة كل موجود من الحق بالتوجه الإيجادي المنبه عليه بقوله تعالى :إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ[ النحل : 40 ] الآية ، فقولهم : لا يحب الحق إلا الحق ، ولا يطلب الحق إلا الحق ، ولا يعلم الحق إلا الحق ، إنما أشاروا بذلك إلى السر المصاحب من الحق للخلق ، على الوجه الذي عرفت ، فإنه هو الطالب للحق والمحب له والعالم به . 
قال صلّى اللّه عليه وسلم : « عرفت ربي بربي » . ( لطائف الإعلام ) .


( ش )
شعاع البصيرة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 36 .
الشرح : هو عبارة عن نظر البصيرة باعتبار إدراك نور المعاني اللطيفة إذا صح ناظرها وقوي شيئا ما حتى قرب أن يفتح عينه لكن لشدة الشعاع لم يطق أن يفتح عينه ، فأدرك شعاع النور قريبا منه وهو لعامة المتوجهين .
ووجه تسميته بشعاع البصيرة أن صاحبها لما كان يرى وجود الأكوان انطبعت في مرآة بصيرته ، فحجبته عن شهود النور من أصله ، لكن لما رقت كثافتها وتنورت دلائلها رأى شعاع النور من ورائها قريبا منه ، فأدرك الشعاع ولم يدرك النور وهذا هو نور الإيمان وهو مقام علم اليقين وهو نور الإيمان لأهل المراقبة . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

الشكر
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 64 .
الشرح : في اللغة الثناء على المنعم بما يدل على أن الشاكر قد عرفه واعترف له بها وبحسن موقعها عنده مع حضور قلبه له لأجل ذلك .
وقيل الشكر : هو ملاحظة المرء لما أنعم اللّه به عليه من إعطائه ما ينبغي وصرف ما هو من المكروه كذلك سواء كان الإعطاء والمنع راجعين إلى ما يتعلق بالنفس أو البدن أو الدنيا والآخرة . ( لطائف الإعلام ) .

شمس - شموس شموس ( شمس )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 .
الشرح : قلت : الشمس تطلق عند الطائفة ( أي الصوفية ) ويراد بها عدة أشياء منها : الحضرة الإلهية ، والحقيقة المحمدية ، والشيخ الوارث المحمدي المرشد الكامل ، وأنوار التجليات الإلهية ، والقطب الفرد ، والإنسان الكامل ( أي سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم وخلفاؤه الكمل ) والغوث وأسرار القلوب .
ومما قيل في الشمس كناية عن ما ذكرنا :
هذه الشمس قابلتنا بنور * ولشمس اليقين أبهر نورا
فرأينا بهذه النور لكن * بهاتيك قد رأينا المنير 
او قيل أيضا :
إن شمس النهار تغرب بليل * وشمس القلوب ليس لها مغيب
قال ابن عجيبة في شرح الحكم : « فشمس القلوب لا تغيب أبدا بل هي دائمة لا تنقطع ، وباقية لا تنصرم لبقاء مددها وهي معاني الأوصاف الربانية ودوام محالها وهي الآفاق الروحانية ، فالمتعلق بها متعلق بحقيقة لا تنصرم ومن هذا الوجه كان غنى القوم باللّه لا بالأسباب وتعلقهم به لا بشيء دونه . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ص 169 ، طبعة دار الكتب العلمية ) .
وقال الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي :
شمس ضحى في فلك طالعة * غصن نقا في روضة قد نصبا
قوله : شمس ضحى ، يريد وضوح التجلي عند الرؤية . والفلك عبارة عن الصورة التي يقع بها التجلي وهي تختلف باختلاف المعتقدات والمعارف وهي حضرة التبدل والتحول في الصور ، وهذه القوة الإلهية والصفة الربانية تظهر أعلامها لأهل الجنان في سوق الجنة الذي لا بيع فيه ولا شراء ، وقد يصل إلى هذا المقام هنا بعض العارفين كقضيب البان وغيره في الصورة الحسية . وأما في الصورة الباطنة فهي أحوال الخلق كافة . 
وأراد بطلوعها ظهورها لعين المشاهد . ( ترجمان الأشواق للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي ) .

الشهود
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 51 ، 54 .
الشرح : هو الحضور مع المشهود ، ويطلق أيضا بمعنى الإدراك الذي يجتمع فيه الحواس الظاهرة والباطنة ، وتتحد في إدراكها ، وقد عرفت فيما تقدم أن الموجب لاتحادها نور من جناب المشهود ، يمحو ظلمة حجابيتها ويقوم مقامها فيرى الحق بنوره ، ويفنى كل ما سواه بظهوره . ( لطائف الإعلام ) .

الشواغل
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 261 .
الشرح : قلت : هي الأمور الحسية التي يهتم بها السالك وتقف حائلا بينه وبين متابعة السير إلى اللّه تعالى . فكل ما يمنع المريد عن مراقبة اللّه تعالى أو الحضور معه من الأمور الحسية يسمى شواغلا أما تعلق المريد بالأمور القلبية الباطنية يسمى عوائقا .
( انظر : مصطلح : العوائق ) .

الشوق
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 202 .
الشرح : يعنون به قواصف قهر المحبة بشدة ميلها إلى إلحاق المشتاق بمشوقه ، والعاشق بمعشوقه . 
وعبر أبو إسماعيل الأنصاري قدّس اللّه سره ، بأنه هبوب القلب إلى غائب ، قال : فهو في مذهب أهل هذه الطائفة علة عظيمة ، لأن الشوق إنما يكون إلى الغائب والحق تعالى حاضر لا يغيب ، ولهذا كان مذهب هذه الطائفة إنما قام على المشاهدة . ( لطائف الإعلام ) .

شيء
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 16 .
الشرح : الشيء يقتضي الجمع ، والأنموذج يقتضي العزة ، والرقيم يقتضي الذلة ، وكل من هؤلاء مستقل في عالمه سابح في فلكه ، فمتى خلعت على الأنموذج شيئا من صفات الرقيم انخرم قانون الأنموذج عليك ، ومتى كسوت الرقيم شيئا من حلل الأنموذج لم تره فيه لظهوره بما ليس له ، ومتى نسبت الذات إلى أحد منهما ولم تنسبه إلى الآخر احتجت للآخر ذاتا ثانيا فوقعت في الاشتراك . ( الإنسان الكامل ) .
شيئية حق وشيئية خلق فليس كمثل الخلق في افتقاره شيء لأنه ما ثم إلا الحق والحق لا يوصف بالافتقار فما هو مثل الخلق فليس مثل الخلق شيء ، وليس كمثل الحق في غناه شيء ، لأنه ما ثمّ إلا الخلق ، والخلق لا يتصف بالغنى لذاته فما هو مثل الحق فليس مثل الحق شيء لأنه كما قلنا ما ثمّ شيء إلا الخلق والحق ، فالخلق من حيث عينه ذات واحدة في كثير ، والحق من حيث ذاته وعينه ذات واحدة لها أسماء كثيرة ونسب . ( الفتوحات المكية ) .

الشيطان
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 236 .
الشرح : سر الحكمة في إيجاد الشيطان أن يكون مظهرا ينسب إليه أسباب العصيان ووجود الكفران والغفلة والنسيان . ( التنوير في إسقاط التدبير لابن عطاء اللّه السكندري ) .
قال الشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل : « ثم اعلم أن الشياطين أولاد إبليس عليه اللعنة ، وذلك أنه لما تمكن من النفس الطبيعية أنكح النار الشهوانية من الفؤاد في العادات الحيوانية ، فتولدت لذلك الشياطين كما يتولد الشرر من النار والنبات من الأرض ، فهم ذريته وأتباعه ، يخطرون في القلب مثل الخواطر النفسانية ، بهم يغوي الناس وهم الوسواس الخناس ، وهذا مشاركته لبني آدم حيث قال :وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ[ الإسراء : 64 ] . 
فهذا مشاركته ، فمن هؤلاء من تغلب عليه الطبيعة النارية فيكون ملتحقا بالأرواح العنصرية ، ومنهم من تغلب عليه الطبيعة النباتية الحيوانية فيبرز بصورة بني آدم وهو شيطان محض ، وذلك قوله تعالى :شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ[ الأنعام : 112 ] . 
وهؤلاء البارزون في صورة بني آدم هم خيله ، لأنهم أقوى من الشياطين الملحقة بالأرواح ، فهؤلاء أصول الفتن في الدنيا ، وأولئك فروعه وهم رجله ، قال تعالى :وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ[ الإسراء : 64 ] .

( ص ) 
الصحبة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 43 .
الشرح : الصحبة مع الإخوان والأقران ، ومع المشايخ الخدمة .
المقتضي للصحبة وجود الجنسية وقد يدعو إليها أعم الأوصاف ، وقد يدعو إليها أخص الأوصاف ، فالدعاء بأعم الأوصاف : كميل جنس البشر بعضهم إلى بعض ، والدعاء بأخص الأوصاف كميل أهل كل ملة بعضهم إلى بعض ، ثم أخص من ذلك كميل أهل الطاعة بعضهم إلى بعض ، وكميل أهل المعصية بعضهم إلى بعض ، فإذا علم هذا الأصل وأن الجاذب إلى الصحبة وجود الجنسية بالأعم تارة وبالأخص أخرى ، فليتفقد الإنسان نفسه عند الميل إلى صحبة شخص ، وينظر ما الذي يميل به إلى صحبته ؟ ويزن أحوال من يميل إليه بميزان الشرع ، فإن رأى أحواله مسدّدة فليبشر نفسه بحسن الحال ، فقد جعل اللّه تعالى مرآته مجلوّة يلوح له في مرآة أخيه جمال حسن الحال ، وإن رأى أفعاله غير مسدّدة فيرجع إلى نفسه باللائمة والاتهام ، فقد لاح له في مرآة أخيه سوء حاله . ( عوارف المعارف للشيخ شهاب الدين عمر السهروردي ) .

الصدق
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 59 .
الشرح : يقال على معنيين :
أحدهما : صدق الخبر ، وهو أن يكون نطق اللسان موافقا لما في الجنان .
وثانيهما : تمام قوة الشيء كما يقال : رمح صدق ، أي صلب قوي ، فلهذا لما كان الحافظ للسانه يحتاج إلى قوة كاملة يسمى صادقا لكمال قوته التي بكماله صح منه أن يكون حافظا للسانه .
وعند الطائفة ( أي الصوفية ) الصدق هو : الموافقة للحق في الأقوال والأفعال والأحوال ، ولا شك أن ذلك لا يتم إلا ممن كمل في ضبطه لنفسه في جانبي العلم والعمل . ( لطائف الإعلام ) .

صفات اللّه ( الصفة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 250 .
الشرح : لا بعد الصفات في الظهور إلا الذات فهي بهذا الاعتبار أعلى مرتبة من الاسم .
الصفات منهم من قال عنها عين ، ومنهم من قال عنها غير ، ومنهم من قال عنها لا عين ولا غير .
الصفة ما لا ينفصل عن الموصوف ولا يقال هو الموصوف ولا غير المصوف .
الصفة : ما لا يقبل النعت لأنه غير قائم بذاته . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .
الصفة الذاتية للحق : هي الصفة التي لا تغاير ذات الحق ، وهي أحدية جمع لا يعقل وراءها جمعية ولا نسبة ، ولا اعتبار ، فذلك هو المعني بالصفة الذاتية ، والتحقق بشهود هذه الصفة ، ومعرفتها تماما ، إنما يكون بمعرفة أن الحق في كل متعين قابل للحكم عليه بأنه متعين بحسب الأمر المقتضي إدراك الحق فيه متعينا مع العلم بأنه غير منحصر في التعين ، وأنه من حيث هو غير متعين . ( لطائف الإعلام ) .


الصفة - صفات اللّه الصلاة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 175 .
الشرح : معنى الصلاة التجريد عن العلائق والتفريد بالحقائق ، والعلائق ما سوى اللّه تعالى ، والحقائق ما للّه ومن اللّه . ( التعرف لمذهب أهل التصوف ) .
الصلاة عماد الدين ، وقرة عين العارفين وزينة الصديقين ، وتاج المقربين .
ومقام الصلاة مقام الوصلة والدنو والهيبة والخشوع والخشية والتعظيم والوقار والمشاهدة والمراقبة والأسرار والمناجاة مع اللّه تعالى ، والوقوف بين يدي اللّه تعالى ، والإقبال على اللّه تعالى ، والإعراض عما سوى اللّه تعالى . ( اللمع ) .

الصور
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 205 .
الشرح : قلت : الصور لها عدة معان :
منها : الممكنات أو التجليات الإمكانية أي مظاهر العالم . انتهى .
ومنها : « صور الحق : وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم لتحققه بالحقيقة الأحدية والواحدية ويعبر عنه ب ( ص ) كما لوّح إليه ابن عباس رضي اللّه عنهما حين سئل عن معنى ( ص ) فقال جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن .
ومنها : صور الإله : وهو الإنسان الكامل لتحققه بحقائق الأسماء الإلهية . ( أي النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم ووراثة الكمل ) .
ومنها : صور الإرادة : وهو الانقطاع عن رؤية وقوع شيء بإرادة غير اللّه وشهود وقوع جميع الأشياء بإرادة الحق » . ( جامع الأصول في الأولياء للشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي المجددي الخالدي ) .

الصوم
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 175 .
الشرح : صوم الشريعة : هو الصوم المشروع . وصوم الطريقة : هو صون النفس عن المعاصي . وصوم الحقيقة : هو صيانة الباطن عن خواطر السوى ، كما صينت الأعضاء عن اقتراف المعاصي .
صوم أهل الحق تعالى : هو صون السر عما سوى الحق كائنا ما كان . ( لطائف الإعلام ) .

( ط )
الطمع
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 60 .
الشرح : تعلق القلب بما في أيدي الخلق وتشوف القلب إلى غير الرب وهو أصل شجرة الذل . وإنما كان الطمع هو أصل الذل لأن صاحبه ترك ربا عزيزا وتعلق بعبد حقير . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

الطهارة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 .
الشرح : هي التخلي عن رذائل الأخلاق ليصح التحلي بحميدها وتارة يعبر بالطهارة عن مجموع الأمرين . 
والطهارة على مراتب : طهارة البدن : وتسمى طهارة الظاهر ، ويعنى بها تطهير البدن من الأحداث والنجاسات العينية والحكمية ، وبذلك يتميز البشر عما سواه من البهائم والأنعام .
طهارة النفس : ويعني بها طهارة الجوارح من الجرائم والآثار ، وبذلك تتميز نفوس المخبتين للّه عمن عبد سواه ، فقد صار المرء في تحققه بإنسانيته ، وتمييزها بين صفاتها الملكية والشيطانية ، وفي تخلقه بالأخلاق الإلهية واستكمال استغراقه فيها متوقفا في جميع ذلك على التخلي عما يضاد ذلك ، ليصح له التحلي بما هو المقصود منها ، ذلك التحلي هو المعبر عنه بالطهارة المذكورة في هذه المراتب الأربع ، وبذلك يظهر سر قوله صلى اللّه عليه وسلم : « الطهور شطر الإيمان »
من جهة كون الإيمان مجموع أمرين هما : التخلي عن رذائل الأخلاق ، والتحلي بحميدها ، فكان الطهور هو الشطر الواحد من شطري الإيمان ، كما ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم . ( لطائف الإعلام ) .



الطّي
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 87 .
الشرح : هو اللّف ، والضم بحيث يصير الطويل قصيرا والكبير صغيرا ، يقال طويت الثوب أي ضممته ، وينقسم عند الصوفية إلى أربعة أقسام طي الزمان وطي المكان وطي الدنيا وطي النفوس ، فأما طي الزمان فهو أن يقصر في موضع ويطول في موضع آخر ، كالرجل الذي خرج يغتسل في الفرات يوم الجمعة قرب الزوال ، فلما فرغ من غسله لم يجد ثيابه ، فسلك طريقا حتى دخل مصر ، فتزوج فيها وولد له أولاد ، وبقي سبع سنين ، ثم ذهب يغتسل يوم الجمعة بنيل مصر ، فلما فرغ ، فإذا ثيابه الأولى فسلك طريقا فإذا هو ببغداد قبل صلاة الجمعة من ذلك اليوم الذي خرج فيه .
وأما طي المكان ، فمثاله أن يكون بمكة مثلا ، فإذا هو بغيرها من البلدان .
وأما طي الدنيا ، فهو أن تطوي عنك مسافتها بالزهد فيها والغيبة عنها وحصول اليقين التام في قلبك .
وأما طي النفوس فهو بالغيبة في اللّه عنها ، وهذا هو الطي الحقيقي .

( ظ )
الظاهر والباطن
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 139 .
الشرح : احتجب الحق تعالى عن الخلق بنوره ، وخفي عليهم بشدة ظهوره ، فهو الظاهر الذي لا أظهر منه ، وهو الباطن الذي لا أبطن منه .
فاعلم : أنه إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره. وظهوره سبب بطونه، ونوره هو حجاب نوره، وكل ما جاوز حده انعكس لضده . (المقصد الأسنى للغزالي).
باطن : إن العلم ظاهر وباطن وهو علم الشريعة الذي يدل ويدعو إلى الأعمال الظاهرة والباطنة ، والأعمال الظاهرة كأعمال الجوارح الظاهرة ، وهي العبادات والأحكام ، مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغير ذلك ؛ فهذه العبادات ، وأما الأحكام فالحدود والطلاق والعتاق والبيوع والفرائض والقصاص وغيرها ، فهذا كله على الجوارح الظاهرة التي هي الأعضاء وهي الجوارح ، وأما الأعمال الباطنة فكأعمال القلوب وهي المقامات والأحوال ، مثل التصديق والإيمان واليقين والصدق والإخلاص والمعرفة والتوكل والمحبة والرضا والذكر والشكر والإنابة والخشية والتقوى والمراقبة والفكر والاعتبار والخوف والرجاء والصبر والقناعة والتسليم والتفويض والقرب والشوق والوجد والوجل والحزن والندم والحياء والخجل والتعظيم والإجلال والهيبة ، ولكل عمل من هذه الأعمال الظاهرة والباطنة علم وفقه وبيان وفهم وحقيقة ووجد ، ويدل على صحة كل عمل منها من الظواهر والباطن آيات من القرآن وأخبار عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم علمه من علمه وجهله من جهله . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .
قلت : الظهور : شهادة أو ملك أو واحدية ، والبطون : غيب أو ملكوت أو جبروت أو أحدية . الظهور باسمه الظاهر والبطون باسمه الباطن فهو تعالى ظاهر في عين بطونه وباطن في عين ظهوره فهو الأول والآخر والظاهر والباطن .

ظاهر الممكنات – الظواهر الظّلم - الظّلمة الظلمة ( الظّلم )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 ، 56 .
الشرح : تطلق على العلم بالذات ، فإنها لا تنكشف لغيرها ، وتطلق على كل نقص بالنسبة إلى ما يعلوه مما هو كمال بالنسبة إليه ، فالظلمة بالحقيقة على هذا إنما هي الكفر . قال تعالى :اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ[ البقرة : 257 ] . ( لطائف الإعلام ) .
والظلمة : نكتة تقع من الهوى في النفس عن عوارض الوهم فتوجب العمى عن الحق لتمكن الباطل من الحقيقة ، فيأتي العبد ويذر على غير بصيرة . قاله الشيخ زروق . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

الظن
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 40 .
الشرح : الظّنّ شك ويقين إلا أنه ليس بيقين عيان إنما هو يقين تدبّر ، فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم .
قلت : ويراد بالظن هنا ( أي في الحكمة ) اليقين . 
قال الشيخ أحمد بن عجيبة :« الناس في حسن الظن باللّه على قسمين خواص وعوام ، أما الخواص ، فحسن ظنهم باللّه تعالى ناشىء عن شهود جماله ورؤية كماله فحسن ظنهم باللّه لا ينقطع سواء واجههم بجماله أو بجلاله لأن اتصافه تعالى بالرحمة والرأفة والكرم والجود لا ينقطع ، فإذا تجلى لهم بجلاله أو قهريته علموا ما في طي ذلك من تمام نعمته وشمول رحمته ، فغلب عليهم شهود الرحمة والجمال ، فدام حسن ظنهم على كل حال .
وأما العوام : فحسن ظنهم باللّه ناشىء عن شهود إحسانه وحسن معاملته وامتنانه ، فإذا نزلت بهم قهرية أو شدة نظروا إلى سالف إحسانه وحسن ما أسدى إليهم من حسن لطفه ، وامتنانه ، فقاسوا ما يأتي على ما مضى ، فتلقوا ما يرد عليهم بالقبول والرضى .

الظهور
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 ، 16 .
الشرح : يشير به القوم إلى حق بخلق كما عرفت في باب البطون ، وأنه أعنى البطون حق بلا خلق ، وعرفت هناك إشاراتهم إلى المعنيين بقولهم :إن بطن الخلق فهو حقّ * أو ظهر الحقّ فهو خلقأ ما عند البطون ، فلما ذكر في قوله : إن بطن الخلق فهو حق ، أي ليس ثم إلا الحق ، إذ لا خلق ظاهر هناك .
وأما بعد الظهور ، فلما ذكر في قوله : أو ظهر الحق فهو خلق ، أي ليس الظاهر خلقا بل حقا ، ظهر بأحكام تعيناته التي هي أعيان ثابتة لا تظهر أبدا . ( لطائف الإعلام ) .

الظواهر ( ظاهر الممكنات )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 104 .
الشرح : هو تجلي الحق بصور الأسماء أعيانها وصفاتها وهو المسمى بالوجود الإضافي ، وقد يطلق عليه ظاهر الوجود .
ظاهر الممكنات : هو تجلي الحق بصور أعيانها وهو المسمى بالوجود الإضافي وقد يطلق عليه ظاهر الوجود . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .
وأنوار الظواهر : هي ما ظهر على تجليات الأكوان من تأثير قدرته وإبداع حكمته . ( إيقاظ الهمم ) .


يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية    اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:47 pm

فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية 

( ع )
العارض – العوارض عارف - العارفون العارفون ( عارف )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 67 .
الشرح : العارف ما فرح بشيء قط ، ولا خاف من شيء قط .
سئل أبو تراب النخشبي رحمه اللّه عن صفة العارف فقال : هو الذي لا يكدره شيء ويصفو به كل شيء .
المؤمن ينظر بنور اللّه ، والعارف ينظر باللّه عزّ وجل ، وللمؤمن قلب وليس للعارف قلب ، وقلب المؤمن يطمئن بالذكر ولا يطمئن العارف بسواه سبحانه وتعالى .

العاقل
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 114 .
الشرح : هو العارف باللّه ولو قل له ذكر اللسان إذ المعتبر هو ذكر الجنان .
( إيقاظ الهمم ) . والغافل هو الجاهل باللّه ولو كثر ذكره باللسان . ( إيقاظ الهمم ) .

العبارة – التعبير العبودية
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 34 .
الشرح : هي ترك الاختيار فيما يبدو من الأقدار ويقال العبودية التبرّي من الحول والقوة والإقرار بما يعطيك ويوليك من الطول والمنة . ويقال العبودية معانقة ما أمرت به ومفارقة ما زجرت عنه . ( الرسالة القشيرية ) .
العبودية : أن تسلّم إليه كلك وتحمل عليك كلّك ، وقيل من علامات العبودية ترك التدبير وشهود التقدير . وقال ذو النون المصري : العبودية أن تكون عبده في كل حال كما أنه ربك في كل حال . ( الرسالة القشيرية ) .

العدم
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 16 .
الشرح : المراد بالعدم والفناء في عبارات هذه الطائفة - أي الصوفية - فناء الآلة المذمومة والصفة المرذولة في طلب الصفة المحمودة ، لا عدم المعنى بوجود آلة الطلب .
الوجود والعدم عبارتان عن إثبات عين الشيء أو نفيه ثمّ إذا ثبت عين الشيء أو انتفى فقد يجوز عليه الاتصاف بالعدم والوجود معا وذلك بالنسبة والإضافة ، فيكون زيد الموجود في عينه موجودا في السّوق معدوما في الدار ، فلو كان العدم والوجود من الأوصاف التي ترجع إلى الموجود كالسواد والبياض لاستحال وصفه بهما معا بل كان إذا كان معدوما لم يكن موجودا كما أنه إذا كان أسود لا يكون أبيض وقد صحّ وصفه بالعدم والوجود معا في زمان واحد هذا هو الوجود الإضافيّ والعدم مع ثبوت العين ، فإذا صحّ أنه ليس بصفة قائمة بموصوف محسوس ولا بموصوف معقول وحده دون إضافة فليثبت أنه من باب الإضافات والنسب مطلقا مثل المشرق والمغرب واليمين والشمال والأمام والوراء فلا يخصّ بهذا الوصف وجود دون وجود ، فإن قيل كيف يصح أن يكون الشيء معدوما في عينه يتّصف بالوجود في عالم ما أو بنسبة ما فيكون موجودا في عينه معدوما بنسبة ما فنقول نعم لكل شيء في الوجود أربع مراتب إلا اللّه تعالى فإن له في الوجود المضاف ثلاث مراتب : المرتبة الأولى وجود الشيء في عينه وهي المرتبة الثانية بالنظر إلى علم الحق بالمحدث ، والمرتبة الثانية وجوده في العلم وهي المرتبة الأولى بالنظر إلى علم اللّه تعالى بنا ، والمرتبة الثالثة وجوده في الرقوم ووجود اللّه الحق تعالى بالنظر إلى علمنا على هذه المراتب ما عدا مرتبة العلم ، هذا هو الإدراك الذي حصل بأيدينا اليوم . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

العذاب
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 223 .
الشرح : انظر مصطلح « النعيم » .

العزلة

رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 12 .
الشرح : الخلوة صفة أهل الصفوة ، والعزلة من أمارات الوصلة ولا بد للمريد في ابتداء حاله من العزلة عن أبناء جنسه ثم في نهايته من الخلوة لتحققه بأنسه ، ومن حق العبد إذا آثر العزلة أن يعتقد باعتزاله عن الخلق سلامة الناس من شره ولا يقصد سلامته من شر الخلق ، فإن الأول من القسمين نتيجة استصغار نفسه والثاني شهود مزيته على الخلق ومن استصغر نفسه فهو متواضع ومن رأى لنفسه مزية على أحد فهو متكبر . ( الرسالة القشيرية ) و ( اصطلاحات الصوفية للشيخ عبد الرزاق القاشاني ) .

العطاء
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 84 .
الشرح : العطاء منه واجب ومنه امتنان فإعطاء الحق العالم الوجود امتنان وإعطاء كل موجود من العالم خلقه واجب . (موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي).

العلة - العلل العلل ( العلة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 168 .
الشرح : عند القوم ( أي الصوفية ) تنبيه من الحق ومن تنبيهات الحق قوله على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم : « إن اللّه خلق آدم على صورته »
وفي رواية يصححها الكشف وإن لم تثبت عند أصحاب النقل على صورة الرحمن ، فارتفع الإشكال وهو الشافي من هذه العلة .
العلة عبارة عن بقاء حظ العبد في علم أو حال أو بقاء رسم له وصفة . ( موسوعة اصطلاحات التصوف ) .
من وجب له الكمال الذاتي والغنى الذاتي لا يكون علة لشيء لأنه يؤدي كونه علة توقفه على المعلول والذات منزهة عن التوقف على شيء ، فكونها علة محال . ( موسوعة اصطلاحات التصوف ) .

العناية
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 169 .

الشرح : العناية فإنها راجعة إلى القابلية الأولى للتجلي الغيبي الباطني ، ومنها سرى حكم السابقة المعبّر عنها بالعناية الأزلية ، المشار إليها بقوله :لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ[ يونس : 2 ] وذلك في الشخص بحسب قلة ميل حقيقته من الحضرة البرزخية إلى الحقيقة الإمكانية ، أو بحكم عدم ميلها . إذ بمقدار البعد عن الطرف الإمكاني في حضرة العماء تكون العناية والسعادة ، ثم بعد ذلك يقع الجذب عن المحبة والأحكام ، ويخلص السر الوجودي المفاض على الحقيقة إلى أصله بحكم ظهور أثره. ( موسوعة مصطلحات التصوف ).


العوائق
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 261 .
الشرح : قلت : العوائق ما يمنع المريد من متابعة السير إلى اللّه ويقف بينه وبين مراده وهي قلبية . قال الشيخ أحمد بن عجيبة : « إذا قلّت شواغلك في الظاهر وعوائقك في الباطن ثم لم تتوجه إليه في ظاهرك ولم ترحل إليه في باطنك فهو علامة الخذلان الكبير » . ( إيقاظ الهمم ) .

العوارض ( العارض )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 99 .
الشرح : ما يعرض للقلوب والأسرار من إلقاء العدو والنفس والهوى ، فكل ما يكون من إلقاء النفس والعدو والهوى فهو العارض ، لأن اللّه تعالى لم يجعل لهؤلاء الأعداء طريقا إلى قلوب أوليائه إلا بالعارض دون الخاطر والقادح والبادي والوارد .
( اللمع للطوسي ) .


العيان
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 224 .
الشرح : قلت : العيان من العين ويعبر به عن شهود تجليات الحق تعالى .
ويقولون : التوحيد ينقسم إلى قسمين :
توحيد الدليل والبرهان . وهذا التوحيد خاص بالقلب والعقل .
وتوحيد الشهود والعيان وهو خاص بالروح والسر .

العيب – العيوب العين - عين البصيرة عين البصيرة ( العين )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 36 .
الشرح : عبارة عن نظر البصيرة باعتبار إدراك نور المعاني اللطيفة إذا قوي ناظرها وفتح عين بصيرته ، فأدرك النور محيطا به حتى غاب عن نفسه بمشاهدة النور ، وهذا لخاصة المتوجهين .
ووجه التسمية بعين البصيرة هو أن البصيرة لما صحت وقويت انفتحت عينها فرأت النور محيطا ومتصلا بها ، فسميت عين البصيرة لانفتاحها وإدراكها ما خفي على غيرها وهذا مقام عين اليقين ، وهو نور الإحسان لأهل المشاهدة . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

العيوب ( العيب )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 32 .
الشرح : كالحسد ، والكبر، وحب الجاه ، والرياسة ، وهم الرزق ، وخوف الفقر وطلب الخصوصية وغير ذلك من العيوب ( النفسية والقلبية والروحية الكثيرة ).
والعيوب ثلاثة : عيوب النفس ، وعيوب القلب ، وعيوب الروح ، فعيوب النفس تعلقها بالشهوات الجسمانية كطيب المآكل والمشارب والملابس والمراكب والمساكن والمناكح ؛ وشبه ذلك .
وعيوب القلب تعلقه بالشهوات القلبية ، كحب الجاه والرياسة والعز والكبر والحسد والحقد وحب المنزلة والخصوصية وشبه ذلك .
وعيوب الروح تعلقها بالحظوظ الباطنية ، كطلب الكرامات ، والمقامات والقصور والحور ، وغير ذلك من الحروف . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .


( غ )
الغفلة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 ، 35 .
الشرح : الغفلة ( عن اللّه تعالى ) أصل كل شر ، كما أن التيقظ ( الحضور مع اللّه تعالى ) أصل كل خير . ( آداب النفوس للشيخ الحارث بن أسد المحاسبي ) .
الغفلة لا يطردها الذكر مع غفلة القلب ، إنما يطردها التذكر والاعتبار وإن لم تكن الأذكار لأن الذكر ميدانه اللسان ، والتذكر ميدانه القلب ، وطيف الهوى لما ورد إنما ورد على القلوب لا على الألسنة ، فالذي ينفيه إنما هو التذكر الذي يحل محله ويمحق فعله . ( التنوير في إسقاط التدبير للشيخ ابن عطاء اللّه السكندري ) .


الغيب – الغيوب الغيبة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 47 .
الشرح : الغيبة هي غيبة القلب عن مشاهدة الخلق بحضوره ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر العبد .
والغشية : هي غيبة القلب بما يرد عليه ويظهر ذلك على ظاهر العبد . ( اللمع للطوسي ) .
الغيبة أن يغيب عن حظوظ نفسه فلا يراها وهي أعني الحظوظ قائمة معه موجودة فيه غير أنه غائب عنها بشهود ما للحق كما قال أبو سليمان الداراني .
( التعرف لمذهب التصوف للشيخ أبي بكر محمد الكلاباذي ) .


غير – الأغيار الغيوب ( الغيب )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 32 .
الشرح : كل ما ستره الحق عن الخلق . ( لطائف الإعلام ) .
الغيوب كالاطلاع على أسرار العباد وما يأتي به القدر من الوقائع المستقبلة، وكالإطلاع على أسرار غوامض التوحيد. قبل الأهلية له. ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ).
قلت : الغيوب : هي كل ما خفي أو غاب عنا من عوالم الملك أو الملكوت أو الجبروت . 
والغيب قسمين غيب مقيد يعلمه بعض العباد بمشيئة اللّه تعالى وغيب مطلق لا يعلمه إلا اللّه سبحانه وتعالى .

( ف )
الفقر – الافتقار الفاقة – الفاقات  الفاقات ( الفاقة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 174 .
الشرح : الفاقة هي عند البعض أن يأكل المرء مرة كل يومين وليلتين ، وعند بعض كل ثلاثة أيام وليال ، وعند بعض كل أسبوع ، وعند بعض أن تأكل شيئا مرة كل أربعين يوما بلياليها ، لأن المحققين على أن الجوع الصادر أن يؤكل مرة كل أربعين يوما ، وذلك حفظا للحياة ، وما يظهر خلال ذلك يكون الشره وغرور النفس والطبع . ( كشف المحجوب ) .

الفكر ( الفكرة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 12 ، 275 .
الشرح : الفرق بين الفكر والتفكر ، أن التفكر جولان القلب والفكر وقوف القلب على ما عرف .
الفكر : هو التأمل في آياته ليصل بذلك إلى معرفة ربه .
الفكرة : قال الجنيد : أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد والتنسم بنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد ، والنظر بحسن الظن للّه عزّ وجل ، ثم قال : يا لها من مجالس ما أجلّها ومن شراب ما ألذّه طوبى لمن رزقه. (إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الشيخ أبي حامد محمد الغزالي).

الفكرة – الفكر الفناء
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 77 .
الشرح : هو اضمحلال ما دون الحق علما ثم جحدا ، ثم حقا ، وورقته الأولى فناء المعرفة ، والثانية : فناء شهود الطلب لإسقاطه ، وفناء شهود المعرفة لإسقاطها ، وفناء شهود العيان لإسقاطه . الثالثة : الفناء عن شهود الفناء .
الفناء هو أن يفنى عن كل ما سوى اللّه باللّه ولا بد وأن تفنى في هذا الفناء عن رؤيتك فلا تعلم أنك في حال شهود حق ، إذ لا عين لك مشهودة في هذا الحال .
( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .


( ق )
القبض
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 80 .
الشرح : وارد يرد على القلب ، مما يوجب إشارة إلى عتاب أو تأديب ، فيحصل في القلب لا محالة قبض لذلك . وهو ضد البسط . ( لطائف الإعلام ) .

القدر – الأقدار القدم
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 16 .
الشرح : القدم عبارة عن حكم الوجوب الذاتي فالوجوب الذاتي هو الذي أظهر اسمه القديم للحق لأن من كان وجوده واجبا بذاته لم يكن مسبوقا بالعدم ومن كان غير مسبوق بالعدم لزم أن يكون قديما بالحكم والافتعال عن القدم ، لأن القدم تطاول مرور الزمان على المسمى به تعالى الحق عن ذلك ، فقدمه إنما هو الحكم اللازم للوجوب الذاتي ، وإلا فليس بينه سبحانه وتعالى وبين خلقه زمان ولا وقت جامع ، بل تقدّم حكم وجوده على وجود المخلوقات هو المسمى بالقدم . ( الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأنوار للشيخ عبد الكريم الجيلي ) .

القرب
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 36 ، 164 .
الشرح : هو عبارة عن الإقامة على الموافقة لأوامر اللّه تعالى والطاعة ، والاتصاف في دوام الأوقات بعبادته ، إلا أنه لا يعد من أهل القرب من وقف مع رؤية قربه ، لأن رؤية القرب حجاب عن القرب ، فمن شاهد لنفسه محلا فهو ممكور به .
وقد يطلق القرب على حقيقة قاب قوسين . ( لطائف الإعلام ) .
وقاب قوسين : يشيرون به إلى مقام قرب قوسي الوحدة والكثرة أو قوسي الوجوب والإمكان أو قوسي الفاعلية والقابلية قربا يجمع بينهما ، ويرفع بينهما . . .
فيجعل الجميع دائرة متصلة لكن مع أثر خفي من التمييز والتكثر بينهما ، ثم إن باطن هذا المقام هو مقام « أو أدنى » ، أي أقرب من القوسين المذكورين ، وذلك الباطن هو التعين الأول . . لأنه لا يبقى عنده أثر التميز والتكثر في دائرة الجمعية بين حكم الأحدية والواحدية أصلا . ( لطائف الإعلام ) .
والأحدية : هي عبارة عن مجلى الذات ليس للأسماء ولا للصفات ولا لشيء من مؤثراتها فيه ظهور ، فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية . ( الإنسان الكامل ) .
والواحدية : هي عبارة عن مجلى ظهور ، الذات فيها صفة والصفة فيها ذات ، فبهذا الاعتبار ظهر كل من الأوصاف عين الآخر ، فالمنتقم فيها عين اللّه ، واللّه عين المنتقم ، والمنتقم عين المنعم .

القلب
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 12 .
الشرح : عند الطائفة ( أي الصوفية ) عبارة عن صور العدالة الحاصلة للروح الروحاني في أخلاقه ، بحيث يصير فيها على حافة الوسط بلا ميل إلى الأطراف . ( لطائف الإعلام ) .
وقال الشيخ عبد الكريم الجيلي : « القلب هو النور الأزلي والسر العلي المنزل في عين الأكوان لينظر اللّه تعالى به إلى الإنسان ، وعبّر عنه في الكتاب بروح اللّه المنفوخ في روح آدم حيث قال :وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي[ الحجر : 29 ] 
ويسمى هذا النور بالقلب لمعان :
منها : أنه لبابة المخلوقات وزبدة الموجودات جميعها أعاليها وأدانيها ، فيسمى بهذا الاسم لأن قلب الشيء خلاصته وزبدته .
ومنها : أنه سريع التقلب وذلك لأنه نقطة يدور عليها محيط الأسماء والصفات . ( الإنسان الكامل ) .

القهر
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 15 .
الشرح : تأييد الحق بإفناء المرادات ( أي بقهرها ) ، ومنع النفس عن الرغبات ، من غير أن يكون لهم في ذلك مراد . والمراد من اللطف : تأييد الحق ببقاء السر ودوام المشاهدة ، وقرار الحال في درجة الاستقامة ، إلى حد أن قالت طائفة : إن الكرامة من الحق حصول المراد ، وهؤلاء أهل اللطف. وقالت طائفة إن الكرامة هي أن الحق تعالى يردّ العبد عن مراد نفسه إلى مراده ، ويقهره بغير مراده ، بحيث إذا ذهب إلى البحر في حال الظمأ يجفّ البحر. ( كشف المحجوب للهجويري ).

( ك )
الكرامة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 179 .
الشرح : هي علامة صدق الولي ، ولا يجوز ظهورها على الكاذب إلا كعلامة على كذب دعواه ، وهي فعل ناقض للعادة في حال بقاء التكليف . ومن يعرف بتعريف الحق الصدق من الكذب ، على وجه الاستدلال ، فهو أيضا ولي .
الكرامة فعل لا محالة وهو ناقض للعادة وتحصل في زمن التكليف على عبد تخصيصا له وتفضيلا .
الكرامة لاحقة بمعجزات نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم لأن كل من ليس بصادق في الإسلام تمتنع عليه الكرامات ، فكل نبي ظهرت له كرامة على واحد من أمته فهي معدودة من جملة معجزاته إذ لو لم يكن ذلك الرسول صادقا لم تظهر على من تابعه المعجزة يعني التي هي الكرامة لهذا الواحد . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

الكريم
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 38 .>
الشرح : هو الذي إذا سئل أعطى ولا يبالي كم أعطى ، ولا لمن أعطى ، وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى ، وإذا جفا عفا ، وإذا عاتب ما استقصى ، فهذا من كمال كرمه تعالى وتمام إحسانه وإنعامه . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .
الكريم هو الذي إذا وعد وفى ، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء ، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى .
وإن وقعت حاجة إلى غيره لا يرضى وإذا جفى عاتب وما استقصى ، ولا يضيع من لاذ به والتجأ ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء .
فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلف ، فهو الكريم المطلق وذلك هو اللّه تعالى فقط . 
( المقصد الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى لحجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي ) .

الكشف
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 57 .
الشرح : بيان ما يستتر على الفهم فيكشف عنه للعبد كأنه رأي عين ، قال أبو محمد الحريري : « من لم يعمل فيما بينه وبين اللّه تعالى بالتقوى والمراقبة لم يصل إلى الكشف والمشاهدة » .
وقال النوري : « مكاشفات العيون بالإبصار ومكاشفات القلوب بالاتصال » . ( اللمع للطوسي ) .

الأكدار
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 229 .
الشرح : قلت : هي المنغصات الدنيوية التي تعكر صفو حضور القلب مع اللّه تعالى أو مراقبته .
قال أبو عبد اللّه محمد النفري : « ورود الأغيار والأكدار الدنيوية على العبد نعم من اللّه تعالى عليه ؛ لأن ذلك لا محالة يدعوه إلى الزهادة في الدنيا والتجافي عنها ، ويصرف عنه وجود الغباوة والجهالة لأجل تمسكه بالخيال وما يستضرّ به في الحال والمآل . ( غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية للشيخ محمد النفري ) .


الأكوان ( كون )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 .
الشرح : كل أمر وجود ( لطائف الإعلام ) .
اسم مجمل لجميع ما كوّنه المكوّن بين الكاف والنون . ( اللمع ) .

( ل )
اللطف
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 93 .
الشرح : هو تأييد الحق ببقاء السر ودوام المشاهدة ، وقرار الحال في درجة الاستقامة ، إلى حد أن قالت طائفة إن الكرامة من الحق حصول المراد وهؤلاء أهل اللطف . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

( م )

محبّ - المحبّون - المحبة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 68 .
الشرح : قال الجنيد : المحبة ميل القلوب . معناه أن يميل قلبه إلى اللّه وإلى ما للّه من غير تكلف وقال غيره : المحبة هي الموافقة معناه الطاعة له تعالى فيما أمر والانتهاء عما زجر ، والرضا بما حكم وقدر .
المحبة من أعلى مقامات العارفين وهي إيثار من اللّه تعالى لعباده المخلصين ومعها نهاية الفضل العظيم .
للمحبة ظاهر وباطن ، ظاهرها اتباع رضا المحبوب ، وباطنها أن يكون مفتونا بالحبيب عن كل شيء ولا يبقى فيه بقية لغيره ولا لنفسه ؛ فمن الأحوال السنية في المحبة الشوق ، ولا يكون المحب إلا مشتاقا أبدا ؛ لأن أمر الحق تعالى لا نهاية له ، فما من حال يبلغها المحب إلا ويعلم أن ما وراء ذلك أوفى منها وأتم . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

المحبون ( محب )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 67 .
الشرح : هو الذي تعلق قلبه بين الهمة والأنس في البذل والمنع ، أي في بذل النفس للمحبوب ومنع القلب من التعرض إلى ما سواه تعالى ، وإنما يكون ذلك بإفراد المحب بمحبوبه بالتوجه إليه والإعراض عما عداه ، وذلك عندما ينسى أوصاف نفسه في ذكر محاسن حبه ، فتذهب ملاحظته التثنية وإلى هذا المعنى أشار القائل :شاهدته وذهلت عنّي غيرة * منّي عليه فذا المثنّى مفرد( لطائف الإعلام ) .

محقّق - المحقّقون المحققون ( محقق )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 186 .
الشرح : قالوا : المحقق هو الذي لا يحجبه مقام عن مقام ولا منزل عن منزل عند التنقل في المنازل ، فهو الذي يعمر المنازل جملا وتفصيلا .
الدرجات عندهم ( أي الصوفية ) ، 
أولها : الصوفي للتجريد ، ثم المحقق لمعرفة الوحدة ، ثم المقرّب وهو الذي اجتزأ بالعين من عين عينه عن الأثر .
المحقق من لا وصف له ولا ذات ، ولا حيطة تحوطه في الكائنات . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

المدد
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 56 .
الشرح : المدد الوجودي يعني به وصول ما يحتاج كل ما سوى الحق تعالى من تجدد إمداده له تعالى بالبقاء مع الأنفاس . . . وكل شخص إنساني أو غير إنساني روحانيا كان أو جسمانيا ، فإنه يحتاج كل آن جديد إلى تجديد المدد الوجودي المرجح لجانب بقاء ذلك الشخص على فنائه الذي هو من مقتضى عدم ماهيته .
فوصول هذا المدد دائما مع الأنات هو الخلق الجديد، الذي فهمه علماء الحقيقة مما ورد بلسان الشريعة في قوله تعالى :بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ[ ق : 15 ].
قال الشيخ أحمد زروق رضي اللّه عنه : وأمداد الأنوار ثلاثة :
أولها : يقين لا يخالطه شك ولا ريب . 
والثاني : علم تصحبه بصيرة ، وبيان . 
الثالث : إلهام يجري بعد العيان .
وإمداد الظلم ثلاثة : 
أولها : ضعف اليقين . 
الثاني : غلبة الجهل على النفس .
الثالث : الشفقة على النفس ، وذلك كله أصله الرضى عن النفس . 
ومظهره الثلاث المترتبة عليه وهي : المعاصي والشهوات والغفلات . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .

المرآة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 13 .
الشرح : هي وحدة الوجود العيني من حيث كونه مفاضا ، وإنما تسمى مرآة لكثرة أحكام الحقائق الكونية ، ولكونها إنما تظهر به ، أي بشعاع الوجود الوجداني المفاض ، فكان هو المرآة لهذا ، فلهذا صارت تلك الكثرة المنطبعة في هذه المرآة ظاهرة ، ووجه المرآة مخفيا كما ترى في الخارج ، أنه متى انطبع في المرآة صورة كان المنطبع ظاهرا ووجه المرآة مخفيا . ( لطائف الإعلام ) .

المريد
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 66 .
الشرح : الذي صح له الابتداء وقد دخل في جملة المنقطعين إلى اللّه تعالى بالاسم ، وشهد له قلوب الصادقين بصحة إرادته ولم يترسم بعد بحال ولا مقام فهو في السير مع إرادته .
والمراد : هو العارف الذي لم يبق له إرادة وقد وصل إلى النهايات وعبر الأحوال والمقامات والمقاصد والإرادات فهو مراد أريد به ما أريد ولا يريد إلا ما يريد . ( اللمع للطوسي ) .

المشيئة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 171 .
الشرح : الدائرة الأولى مشيئته ، والثانية حكمته ، والثالثة قدرته ، والرابعة معلوماته وأزليته . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .
« المشيئة والإرادة شيء واحد ، وإليهما تستند الأشياء كلها ، قال تعالى :وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ[ الإنسان : 30 ] :وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ[ الأنعام : 112 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على سبق المشيئة لكل شيء ، وأما هي فلا تستند إلى شيء ، ولا تتوقف على شيء فلا تتوقف على سؤال ولا على طلب ، فما شاء اللّه كان من غير سبب ولا سؤال ، وما لم يشأ ربنا لم يكن ، قرّب من شاء بلا عمل ، وبعّد من شاء بلا سببلا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ( 23 ) [ الأنبياء : 23 ] . ( إيقاظ الهمم ) .

المصافاة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 120 .
الشرح : المصافاة خلوص المناجاة من تشويش الحس وكدر الهواجس ، فهي أرقى وأصفى من المناجاة وهذه مصافاة العبد لربه ، ومصافاة الرب لعبده بالإقبال عليه حتى لا يدعه لغيره .

المعارف ( المعرفة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 14 ، 206 .
الشرح : في اصطلاح الطائفة ( أي الصوفية ) عبارة عن إحاطة العبد بعينه ، وإدراك ما له وما عليه . وقال الجنيد : أن تعرف ما لك وما له تعالى .
والمعرفة نوعين : 
الأولى : المعرفة الحقيقية وهي المشار إليها بقوله صلى اللّه عليه وسلم : « من عرف نفسه عرف ربه »
فالمعرفة الحقيقية هي المعرفة الجامعة بين معرفة النفس ومعرفة الرب مترتبة على المحبة الذاتية من المقام الأحدي الجمعي الذي هو غاية الغايات ، ونهاية النهايات ، وذلك بإيفاء مقام الإسلام حقه ، ثم مقام الإيمان ، ثم مقام الإحسان .
الثانية : المعرفة العيانية وهي ما يحصل من الشهود لمن فجأه الحق بتجلّ غير مضبوط ولا مكيف بحيث يستلزم ذلك الشهود ، وتلك المعاينة معرفة لم ترد على حال معين ، وكان من شأن تلك المعرفة معرفته سبحانه أنه بكل وصف موصوف ، وأن له ظاهرية جميع الصور والحروف جمعا وفرادى ، وتكثرا وتوحدا يقبل بالذات من كل حال كل حكم ويظهر بكل اسم ، ويتسمى من حيث كل شأن من شؤونه التي لا تتناهى بكل اسم لا ينحصر في عرفان ونكرة ، ولا يتنزه من حيث ذاته عن أمر نسبة التركيب إليه كالبساطة، والإطلاق والتقييد والإحاطة ، وحدته وحدة وكثرة جامعة بين ما يباين ، ويوافق وينافر ويخالف. (لطائف الإعلام).
ومعرفة اللّه على نوعين :
أحدهما : علم ، والآخر : حال ، والمعرفة العلمية هي قاعدة جميع خيرات الدنيا والآخرة .
معرفة اللّه تعالى : « من أمارات المعرفة باللّه حصول الهيبة من اللّه تعالى فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته . . . المعرفة توجب السكينة في القلب كما أن العلم يوجب السكون فمن ازدادت معرفته ازدادت سكينته » . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

المعرفة – المعارف المعصية
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 35 .
الشرح : قال ابن عطاء اللّه السكندري : « التكاليف شاقة على العباد ويدخل في ذلك امتثال الأوامر والانكفاف عن الزواجر والصبر على الأحكام والشكر عند وجود الإنعام ، فهي إذا أربعة : طاعة ومعصية ونعمة وبلية . 
وهي أربع لا خامس لها ، وللّه عليك في كل واحدة من هذه الأربع عبودية يقتضيها منك بحكم الربوبية . فحقه عليك في الطاعة شهود المنّة منه عليك فيها وحقه عليك في المعصية الاستغفار مما صنعت فيها وحقه عليك في البلية الصبر معه عليها ، وحقه عليك في النعمة وجود الشكر منك فيها . . . وإذا علمت أن الإصرار على المعصية والدخول فيها يوجب العقوبة من اللّه آجلا وانكشاف نور الإيمان عاجلا كان ذلك سببا للترك منك لها . ( التنوير في إسقاط التدبير ) .
قلت : المعصية عند علماء الشريعة هي اجتناب الأوامر وارتكاب النواهي وعند علماء الحقيقة هي الغفلة عن اللّه تعالى والحضور مع غيره من الأكوان ، ويدخل في ذلك الغفلة عن الحضور مع تجليات الأفعال أو الأسماء والصفات أو الذات الإلهية .


مقام - المقامات المقامات ( مقام )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 46 .
الشرح : المقام عبارة عن استيفاء حقوق المراسم على التمام . ولهذا صار من شروطهم أنه لا يصح منه أن يكون متوكلا ، ومن لا توكل له لا يصح له مقام التسليم ، وهكذا فمن لا توبة له ، فإنه لا يصح أن يكون من أهل الإنابة ، ومن لا تورع له لا يصح منه الزهد .
وسميت هذه وما سواها بالمقامات ، لإقامة النفس في كل واحد منها لتحقيق ما هو تحت حيطتها . 
وبظهورها على النفس المسماة أحوالا لتحولها . ( لطائف الإعلام ) .
المقامات سكون القلب بالطمأنينة مثال ذلك : مقام الزهد مثلا ، فإنه يكون أولا عمله مجاهدة بترك الدنيا وأسبابها ، ثم يكون مكابدة بالصبر على الفاقة حتى يصير حالا، ثم يسكن القلب ويذوق حلاوته فيصير مقاما . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ).

المكنة ( التمكين )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 186 .
الشرح : هو عبارة عن التمكين في التلوين ، ويعبر به عن حال أهل الوصول ، فمراتب التمكين أيضا على ثلاث كما كانت مراتب التلوين .
1 - التمكين الجمعي : هو التمكين المستجمع الثبات في جميع التجليات الظاهرية والباطنية والجامعة بينهما .
2 - التمكين الحقيقي : هو التمكين الذي لا يكون فيه تلوين بوجه ، بحيث يكون تمكينا من وجه وتلوينا من آخر ، بل بحيث لا يبقى وجه من الوجوه التي يعبر فيها بالتمكين إلا وهذا التمكين غير خال منه .
3 - التمكين النسبي : هو التمكين الذي لا يكون كذلك ، وهو التمكين الحاصل من التجليات الظاهرية دون الباطنية أو بالعكس . ( لطائف الإعلام ) .

المكوّن
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 42 .
الشرح : المكوّن (هو خالق الكون سبحانه وتعالى) والكون : هو كل أمر وجودي وجد عن عدم ( أي المخلوقات أو الحوادث أو العالم أو كل ما سوى اللّه تعالى ).
قال الإمام أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي : « اعلم أن التكوين غير المكوّن عند أهل السنة والجماعة ؛ والتكوين والتخليق والترزيق والإيجاد والإحداث والإبداء والاختراع يرجع إلى معنى واحد وهو إيجاد الشيء من العدم إلى الوجود .
والباري (سبحانه وتعالى) هو المكون الأزلي وأنه لم يزل خالقا ، والتكوين أزلي صفة الخالق، وهي صفة أزلية قائمة كالحياة والعلم والقدرة (شرح بدء الأمالي).
قلت : والمكوّن هو القائل سبحانه وتعالى :إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 40 )[ النحل : 40 ] . 
فيكون المكون هو اللّه تعالى المتوجه على إيجاد الأعيان الثابتة في العلم الإلهي بقوله :كُنْأو نقول المكوّن هو المتجلي بنوره حسب استعدادات وقوابل الأعيان الثابتة أي الممكنات .

الملك
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 245 .
الشرح : عالم الملك : هو عالم الشهادة . ( لطائف الإعلام ) .
قلت : هو عالم الشهادة أو الحس أو المادة أو الخيال أو الأغيار أو الحوادث أو السوى أو الفناء أو السراب .

الملكوت
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 157 .
الشرح : عالم الغيب . ( لطائف الإعلام ) .
يطلقون اسم الغيب على مرتبة الجمع فقط ، والملكوت على المجردات فقط وعلى النفوس المدبرة فقط. (الإسفار عن رسالة الأنوار).
قلت : الملكوت : هو عالم اللطائف أو حقيقة عالم الملك أو باطنه المحرك له .
وحقيقة الملكوت هو الجبروت .

المناجاة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 120 .
الشرح : مخاطبة الأسرار عند صفاء الأذكار للملك الجبار .
المناجاة والمراقبة من حيث تضع قلبك ، وهو أن تضعه دون العرش فتناجي من هناك . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

المنن ( منّة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 260 .
الشرح : المنّة بالضم القوة أي له القوة على هبة العقل وإبداعه ونصب النقل وتشريعه . وبالكسر الإنعام أي الإنعام والجود بذلك يقال منّ عليه منّا أنعم ، والمنان اسم من أسماء اللّه ويجوز أن يكون من قبيل قوله :بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ[ الحجرات : 17 ] ، و ( الطول ) أي الجود ومنه القوة والحول على استعمال ما وهبه والاهتداء بما نصبه وشرعه لأن المنّة له لا لغيره . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

منّة – المنن ( ن )النّعم ( النعمة )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 199 .
الشرح : النعم تنقسم إلى ما هي غاية مطلوبة لذاتها وإلى ما هي مطلوبة لأجل الغاية ؛ أما الغاية فإنها سعادة الآخرة ويرجع حاصلها إلى أربعة أمور : بقاء لا فناء له ، وسرور لا غمّ فيه ، وعلم لا جهل فيه ، وغنى لا فقر بعده ، وهي النعمة الحقيقية .
النعمة بالحقيقة هي السعادة الأخروية وتسمية ما سواها نعمة وسعادة إما غلط وإما مجاز كتسمية السعادة الدنيوية التي لا تعين على الآخرة نعمة فإن ذلك غلط محض ، وقد يكون اسم النعمة للشيء صدقا ، ولكن يكون إطلاقه على السعادة الأخروية أصدق فكل سبب يوصل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها إما بواسطة واحدة أو بوسائط فإن تسميته نعمة صحيحة وصدق لأجل أنه يفضي إلى النعمة الحقيقية . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

النعمة - النّعم النعيم
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 223 .
الشرح : النعيم لا يكون إلا دائما وأما العذاب إما أن يكون دائما أيضا وهو عذاب الكفار أو منقطع وهو لبعض العصاة . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

النفس
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 4 .
الشرح : في اللغة وجود الشيء نفسه ، ولما كان مبدأ وجود هذا الهيكل الجسماني ومستنده في بقائه وفنائه وحيائه وتوابعها ، إنما هو بروحه الروحانية التي لولاها لتلاشت حقيقة هذه الصورة الجسمانية وتفرقت أجزاؤها . سمى الحكماء تلك اللطيفة الروحانية بالنفس الناطقة ، وحيث كان مبنى هذا الشأن عند الطائفة إنما هو على التعمل في فناء وجود نفس العبد وبقائه بوجود الحق صار المراد بالنفس في اصطلاح القوم ما كان معلولا من أوصاف العبد كذميم الأفعال وسفاسف الأخلاق ، وذلك مثل الكبر والحقد ، والحسد ، وسوء الخلق ، وقلة الاحتمال ، ونحو ذلك . ( لطائف الإعلام ) .

النهايات
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 228 .
الشرح : النهايات هي أحد الأقسام العشرة ذوات المنازل المائة ، التي ينزلها السائرون إلى اللّه تعالى ، وسميت بقسم النهايات لانتهاء السائرين عند ختمها إلى حضرة جمع الجمع التي هي غاية النهاية . . ، فأول المنازل العشرة التي يشتمل عليها هذا القسم المسمى بالنهايات ، هو المعرفة ، ثم الفناء ، ثم البقاء ، ثم التحقيق ، ثم التلبيس ، ثم الوجود ، ثم التجريد ، ثم التفريد ، ثم الجمع ، وإليه ينتهي السير ، إذ ليس وراء اللّه مرمى لرام . ( لطائف الإعلام ) .

نور راجع  الأنوار

( هـ )
الهاتف – هواتف الهمة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 2 ، 3 .
الشرح : تبعث السر على السير في منازل المحبة ورتبها ، وقد تطلق بإزاء تجريد القلب للمنى . وتطلق بإزاء أول صدق المريد ، وتطلق بإزاء جمع الهمة لصفاء الإكرام ، وتطلق بإزاء تعلق القلب بطلب الحق تعلقا صرفا ، أي خالصا من رغبة في ثواب أو رهبة عن عقاب . ولهذا قالوا : « الهمة : ما يثير شدة الانتهاض إلى معالي الأمور » .
ويقال : « الهمة : طلب الحق بالإعراض عما سواه من غير فتور ولا توان ويعبر بالهمة عن نهاية شدة الطلب » . ( لطائف الإعلام ) .

الهمة : القوة المنبعثة في طلب المقاصد . ( إيقاظ الهمم ) .
الهمة : أعز شيء وضعه اللّه في الإنسان ، وذلك أن اللّه تعالى لما خلق الأنوار وقفها بين يديه ، فرأى كلا منها مشتغلا بنفسه ، ورأى الهمة مشتغلة باللّه فقال لها : وعزتي وجلالي لأجعلنك أرفع الأنوار ولا يحظى بك من خلقي إلا الأشراف الأبرار . . . ثم تجلى عليها باسمه القريب ونظر إليها باسمه السريع المجيب ، فأكسبها ذلك التجلي أن تستقرب كل ما بعد على القلوب ، وأفادها ذلك النظر سرعة حصول المطلوب ؛ فلهذا إن الهمة إذا قصدت شيئا ثم استقامت على ساقها نالته على حسب وفاقها . ( الإنسان الكامل ) .

الهوى
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 107 .
الشرح : عبارة عن ميل النفس إلى مقتضيات الطبع وإعراضها عن أحكام الشرع ، وذلك هو الموجب لانحجابها عن بساطتها الكلية ، وطهارتها الحقيقية بأحكام قيودها الجزئية ، وتعشقاتها الخلقية . ( لطائف الإعلام ) .

هواتف ( الهاتف )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 20 .
الشرح : هي لسان حال الكشف عن عين التحقيق . ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) .
قلت : هي ما يرد على القلب من أنوار التجليات من غير كسب أو قصد من العبد .
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Empty
مُساهمةموضوع: فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية    اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي Emptyالإثنين يناير 01, 2024 8:48 pm

فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية 

( و )
الوارد
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 52 .
الشرح : هو ما يرد على القلب من الخواطر المحمودة من غير تعمل العبد .
ويطلق بإزاء كل ما يرد على القلب ، سواء كان وارد قبص أو بسط أو حزن أو فرح ، أو غير ذلك من المعاني . ( لطائف الإعلام ) .

الواصل - الواصلون الواصلون ( الواصل )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 30 .
الشرح : الواصل : هو صاحب الاتصال في حضرة الوصال الذي خدمته المقامات وطاوعته الحالات .
الواصل هو الممتن عليه في جميع حالاته بمشاهدة محبوبه في سائر حضراته . وهذا هو الوصل الذي من فاته حصل على الندم . ولو حاز ما حاز من القدم . ( قوانين حكم الإشراق لمحمد أبي المواهب الشاذلي ) .
والواصلون على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : وهو الأعلى ، هم الواصلون إلى الأسماء الذاتية .
والقسم الثاني : هم الواصلون إلى الأسماء الصفاتية .
والقسم الثالث : هم الواصلون إلى الأسماء الفعلية . ( الإسفار عن رسالة الأنوار ) .

الوجد
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 186 .
الشرح : قيل : إنه بمعنى الوجدان للشيء والوجود له ويتفاوت معناهما. والمراد بذلك مصادفة الشيء وملاقاته معنى أو صورة. . .
والمراد بالوجد : لهيب يتأجج من شهود عارض مقلق ، وذلك عندما يجد السر أثر الألم والقهر العارض من العطش والقلق بحيث يكاد أن يغيبه . . .
وقالوا : الوجد ثمرة الواردات التي هي ثمرة الأوراد ، فمن ازدادت وظائفه ازدادت من اللّه لطائفه ، ومن لا ورد له بظاهره فلا وجد له في باطنه ، وليس له وجدان في سرائره . ( لطائف الإعلام ) .

الوجه
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 223 .
الشرح : وجه الحق : هو ما به يكون الشيء حقا ؛ إذ لا حقيقة لشيء إلا به تعالى ، وهو المشار إليه بقوله تعالى :فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ[ البقرة : 115 ] وهو عين الحق المقيم بجميع الأشياء، فمن رأى قيومية الحق للأشياء فهو الذي يرى وجه الحق في كل شيء. (اصطلاحات الصوفية للشيخ عبد الرزاق القاشاني).

الوجود
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 16 .
الشرح : هو وجدان الشيء نفسه في نفسه، أو غيره في نفسه ، أو في غيره في محل ومرتبة ، ونحوهما ، فيكون الوجود على مراتب .
الوجود في التعين الأول : والمرتبة الأولى : هو وجدان الذات نفسها في نفسها باندراج اعتبار الواحدية فيها وجدان مجمل مندرج فيه تفصيل محكوم عليه بنفي الكثرة والمغايرة والغيرية والتمييز .
الوجود في التعين الثاني : والمرتبة الثانية : عبارة عن وجدان الذات عينها من حيث ظهورها وظهور صورتها المسماة بظاهر اسم الرحمن ، وظهور صور تعيناتها المسماة بأسماء الإلهية مع وحدة عينها وصحة إضافة الكثرة النسبية إليها . 
فله وحدة حقيقية وكثرة نسبية .
الوجود الظاهر : في المراتب الكونية ، هو ظهوره في مرتبة الأرواح والمثال والحس المسمى كل تعين منها من الوجود خلقا وغيرا لا محالة ، بمعنى إدراك الوجود في تلك المراتب صورته كل تعين منه نفسها ومثلها موجودا روحانيا أو مثاليا أو حسيا .
الوجود الظاهري : هو تجلي الحق باسمه الظاهر في أعيان المظاهر .
الوجود الباطني : هو وجود كل باطن حقيقة ممكنة .
الوجود العام : هو اسم الوجود باعتبار انبساطه على الممكنات . ( لطائف الإعلام ) .

الوصف ( وصف ذاتي للحق وصف ذاتي للخلق )
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 241 .
الشرح : الوصف الذاتي للحق : هو أحدية الجمع ، والوجوب الذاتي ، والغنى عن العالمين . ( اصطلاحات الصوفية ) .
وصف للحق : الوصف الذي للحق هو أحدية الجمع ، والوجوب الذاتي ، والغنى عن العالمين . ( جامع الأصول في الأولياء ) .
وصف ذاتي للخلق : الوصف الذاتي للخلق : هو الإمكان الذاتي والفقر الذاتي . ( اصطلاحات الصوفية ) .
وصف للخلق : الوصف الذي للخلق هو الإمكان الذاتي والفقر الذاتي .
( جامع الأصول في الأولياء ) .

الوصول
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 95 .
الشرح : هو الاتصال في حضرة الوصال لمن خدمته المقامات وطاوعته الحالات . ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ) .

الوقت – الأوقات الولي – الأولياء الوهم
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 61 .
الشرح : صفة النفس وحجاب العقل ، وغمامة شمس القلب إذا ارتفع حجاب الأوهام ، شهدت أنوار حضرة الإلهام . الوهم يثبت إنيتك مع الحق ويكثر لك وصف تعداد الخلق . الوهم يوقعك في اليأس ويخوفك من الناس . ( موسوعة مصطلحات التصوف ) .

( ي )

اليقظة
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 35 .
الشرح : هي الفهم عن اللّه تعالى في زجره . واليقظة هي أول منازل السائرين ( إليه تعالى ) التي يشتمل عليها قسم البدايات الذي هو أول المنازل ( وهي كذلك ) لكون السلوك لا يصح مع عدمها . إذ معناها الانتباه من سنة الغفلة والنهوض عن ورطة الفترة ، اعتبارا بأهل البلاء ، وتفرغا للشكر على النعماء . . .
وفسر شيخ الإسلام ( أبو زكريا الأنصاري الهروي صاحب كتاب منازل السائرين ) اليقظة بالقومة في كتاب « المنازل » ( المشار إليه سابقا ) اتباعا للآية في قوله تعالى :قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ[ سبأ : 46 ] 
فقال رحمه اللّه تعالى : القومة للّه تعالى هي اليقظة من سنة الغفلة ، وإنما كانت اليقظة هي أول منازل السائرين ، لأن العبد إذا استيقظ قام ، وإذا قام سار فإذا اليقظة هي أول العزم على السير ثم يتلوها القومة إلى المسير لمن أراد ذلك . ( لطائف الإعلام ) .

اليقين
رقم الحكمة الوارد فيها المصطلح : 144 .
الشرح : هو السكون والاطمئنان لما غاب بناء على ما حصل الإيمان به ، وارتفع الريب عنه ، فإذا حصل السكون والاطمئنان بما غاب بناء على قوة الدليل بحيث يستغني بالدليل عن الجلاء ، فذلك علم اليقين ، وإذا حصل السكون والاستقرار بالاستغناء عن الدليل لأجل استجلاء العين بشهود الفعل الوحداني الساري في كل شيء ، فذلك هو عين اليقين ، والإشارة بالمظهر الكوني في قوله تعالى :ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ ( 7 )[ التكاثر : 7 ] . ( لطائف الإعلام ) .


* * *
تم بعونه تعالى فهرس شرح مصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري ويليه فهرس الحكم العطائية مرتبا على الموضوعات في ثلاثين بابا
* * *
*

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رسالة من لطائف المنن - ابن عطاء الله السكندري
» كتاب تاج العروس وغيره من كتب ابن عطاء الله السكندري
» لا إله إلا الله والتوحيد .. ابن عطاء الله السكندري
» لطائف المنن ـ ابن عطاء الله السكندري
» مِـن حِـكَم ابن عطاء الله السكندري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الإمام أبو حامد الغزالي ـ وابن عطاء الله السكندرى -
انتقل الى: