منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:44 pm

مقدمة المحقق شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

نبذة عن المحقق :
ولد كامل بن مصطفى بن محمد حسين الكاظمي المكي العبدري ، أبو طريف الشيبي في الكاظمية ببغداد عم 1927 ، أتم دراساته الأولى هناك والجامعية في الإسكندرية بمصر التي تخرج منها عام 1950 ونال الماجستير عام 1958 من نفس الجامعة والدكتوراه من جامعة كمبردج بانكلترا 1961 . 
مارس التدريس في مختلف مراحله وحتى بعد تقاعده الإجباري المبكر تحت ذريعة الأسباب الصحية المعروفة في عراق تلك الأيام ، عام 1982 في جامعات عراقية وعربية وغير عربية . من أشهر مؤلفاته التي تم طبعها لمرات عديدة نذكر منها وفي طبعاتها الأولى فقط العناوين التالية : 
الصلة بين التصوف والتشيع ، بغداد 1963 - 1964 ، 
ديوان أبي بكر الشبلي ، بغداد 1967 ، 
ديوان الدوبيت في الشعر العربي ، طرابلس الغرب 1972 ، 
ديوان الحلاج ، بغداد 1974 ، شرح ديوان الحلاج ، بيروت - بغداد ، 1974 ، 
الحب العذري ، بيروت 1997 . 
توفي عام 2006 ببغداد .

صحيفة إهداء مطولة
حدّثني الدكتور إبراهيم السامرائي ، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة بغداد الآن ، والدكتور هشام الشواف ، الأمين العام للمكتبة المركزية بها ، عن الأب القسّ العراقي دهان الموصلي المقيم في باريس ، أن المرحوم الأستاذ لويس ماسينيون ( 25 تموز 1883 - 31 تشرين الأول 1962 م ) / ( 1 شوّال 1301 - 2 جمادى الثانية 1382 هـ ) كلّفه في ربيع 1953 م بإقامة قدّاس خاص على روح الحسين بن منصور الحلّاج في البيعة التي يشرف عليها في العاصمة الفرنسية ، يوم ذكرى وفاته في 24 ذي القعدة 309 ه ( 26 آذار 922 م ) . 
وذكر القس دهان أنه دهش للطلب وذكّر الأستاذ ماسينيون بأن الحلّاج كان مسلما والبيعة دار عبادة مسيحية ، فكان جوابه : « إنّ الحلّاج رجل متصوّف روحاني وإن فوارق الأديان لا يحسب لها حساب في حالته » .
وذكر الدكتور السامرائي أن الأستاذ ماسينيون حدّثه بأنه « دائم الذكر للشهيد الحلّاج والترحّم عليه في كنائس النصارى » .

وأخبرني الدكتور الشوّاف أيضا أنه رأى الأستاذ ماسينيون واقفا « وقفة تبتّل وخشوع في الجامع الكبير بمدينة باريس وهو يتلو سورة الفاتحة على أرواح العمال الجزائريين الذين سقطوا صرعى رصاص الشرطة الفرنسية عند خروجهم في تظاهرة وطنية انتصارا للقضية الجزائرية » . 

وكان أوّل هذا التعاطف مع العرب ، عند ماسينيون ، حبّ الحلّاج والإعجاب به ، وبسببه غدا هذا المستشرق الكبير محبا للعرب والمسلمين مؤيّدا للقضايا التي ينادون بها .

وكتب المرحوم الأب أنستاس ماري الكرملي ، اللغوي العراقي الشهير ، في مجلته « لغة العرب » سنة 1920 م « أن الأديب لويس ماسينيون . . . قدم بغداد سنة 1907 ( وله من العمر 24 سنة ) فرأينا فيه عالما خبيرا بتاريخ العرب ومشاهيرهم ومؤلفاتهم حتى إنه لا يشقّ له غبار في هذا الميدان مع حداثة سنّة » . 

وأضاف إلى ذلك قوله : « وقد بحث في مؤتمر المستشرقين المنعقد في أثينة في 11 نيسان 1912 بحثا دقيقا في هذه الكلمة « أنا الحق » المنسوبة إلى الحلّاج . . . فأوغل في بحثها التاريخي إيغالا عجيبا حتى فاق المتصوفة أنفسهم » .
وكتب المرحوم الكرملي أيضا أن ماسينيون كان في سنة 1920 م قد أتم مراجعة ألف وسبعمائة وستة وثلاثين مصنفا في أكثر . من ثماني لغات تتصل كلها بالحلّاج وسيرته وآرائه ! واللّه يعلم كم راجع خلال أكثر من أربعين سنة .
لهذا كله ، ليس من الغريب ، بل هو من الطبيعي ، أن نهدي جهدنا في تحقيق ديوان الحلّاج وشرحه إلى الأستاذ المستشرق الكبير المرحوم لويس ماسينيون الذي انتقل إلى عالم الأرواح فالتقى بصديق الأبد الحسين بن منصور الحلّاج .
ورحم اللّه الصديقين اللذين تفاوتا في الزمان والمكان وجمعهما اللازمان واللامكان .
ك . م . ش .

كلمة للطبعة الثانية
هذا كتاب كان من المفروض أن يصدر عن « دار المعارف بمصر » العريقة قبل أكثر من عشرين سنة ضمن سلسلتها « ذخائر العرب » العتيدة . وقد تم إبرام عقده في ذلك الوقت ، فعلا . 
لكنه تأخر بسبب تعجّلي لظرف قاهر طرأ يومئذ فكان مصداقا لحكمة مثلنا العتيق : « ربّ عجلة تهب رثيا » . 
ومن الغريب أني قدّمته إلى الدار في طريق عودتي من ليبيا إلى الوطن ، وأجدني أودعه رحابها بعد أن استقرّ بي النوى فيها ثانية .
لقد كرمتني دار المعارف بطبع كتابي « الصلة بين التصوّف والتشيّع » سنة 1969 طباعة تدعو إلى الرضا والفخر ، ولهذا أجدني أعدّ تأخّر طبع « شرح ديوان الحلّاج » الحالي ، بمثابة عقوبة أستحقها ، وقد عبّر عنها الحلّاج بقوله :
قد كنت في نعمة الهوى بطرا * فأدركتني عقوبة البطر
وإذ تعذّر على دار المعارف طبع هذا الكتاب لأسباب خاصة فأنا جدّ سعيد لصدور « شرح ديوان الحلّاج » على هذه الصورة المهيبة من دار منشورات الجمل التي يمتلكها ويديرها مواطننا الشاعر خالد المعالي .
لقد طبع هذا الكتاب طبعة سقيمة عقيمة سنة 1974 ، أسقطته من نظري ، مع أهميته القصوى عندي وبين أعمالي ، فشرعت خلال السنوات التالية أستزيد من النصوص والحواشي والشروح حتى اجتمع عندي ما يكاد يعادل نصفه . 
وهكذا قيّض له أن يخرج على هذه الهيئة المحسّنة المصفاة في الكيف ، المزيدة في الكمّ ، ونأمل أن تحقق الغرض الثقافي المنشود في أوساط المتعلمين والمثقفين والمتخصصين في العالمين العربي والإسلامي ،
وبين الباحثين والمتتبعين والدارسين من المستشرقين والمستعربين خارجهما .
وفي هذه المناسبة تنزل السكينة على نفسي أن أستمطر شآبيب رحمته تعالى ومغفرته على شيوخي الذين علّموني مما علّمهم اللّه ، ابتداء بأوّلهم على الإطلاق ، المرحوم السيد محيي الدين أبو العيس الذي هداني إلى أول حرف ، وانتهاء بالبروفسور آرثر جون آربري الذي طوى صحف كتابي وأجازني بالخوض في غمرات العلم والسّرى في فيافيه وغاباته .
وبين إشادتي بذكرى معلّمي في الطفولة وأستاذي في الكهولة ، يشرح صدري أن أذكر بالبرّ والخير والفخر أساتذتي الآخرين ، الذين اختارهم اللّه إلى جواره ، ومنهم أستاذي في الدراسة المتوسطة محمد حسني المراياتي وأستاذي في الدراسة الثانوية عبد المجيد حسن ولي الذي شجّعني التشجيع الحق ، وكان يطوف بسطوري الساذجة على زملائي الشبّان يقرؤها عليهم ويحثهم على منافستي في هذا الشأن ، والأستاذ ( الدكتور الفذّ ) محمد صقر خفاجة الذي كان يعاملنا معاملة الأخ الكبير الشقيق في العراق ولم تنقطع عنايته بنا إلى أن توفّاه اللّه عميدا لكلية الآداب في جامعة القاهرة في مصر ، والدكتور محمود غنّاوي الزهيري الذي حرضني على الخروج من قوقعة العراق وزيّن لي التوجه إلى الآفاق الرحيبة .
ورحم اللّه أساتذتي في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية الذين أسسوا كياني العلمي المتواضع ، وبثّوا فيّ روحا منهم ليمكنوني من شق طريقي بنفسي في المستقبل . 
منهم أساتذتي في قسم الفلسفة : العلّامة يوسف كرم والأستاذ الدكتور توفيق الطويل والباحث الكبير الدكتور أبو العلا عفيفي ، وأبي الروحي وصديقي الدنيوي الأستاذ الدكتور علي سامي النشّار ، ومنهم أساتذتي في قسم اللغة العربية ، الأساتذة الباحثون : محمد خلف اللّه أحمد وإبراهيم مصطفى ، والدكاترة محمد محمد حسين وطه الحاجري وعبد المحسن الحسيني .
ولا أدري ما فعل اللّه بأساتذتي الفلسفيين الآخرين الدكاترة : محمد ثابت الفندي والسيد أحمد البدوي ، والأدبيين : محمد زكي العشماوي وحسن
عون ومحمد حسن الزيّات وطه ندى والسيّد خليل ؛ فإن كانوا في قيد الحياة فأطال اللّه بقاءهم وأجزل ثوابهم ، وإلّا فكلّنا على الجادة نرجو رحمته الواسعة هنا وهناك .
ثم أبتهل إليه - سبحانه - أن ينعم على سيدي وشيخي الأستاذ الدكتور بدوي أحمد طبانة بالعمر المديد الحافل بالبحث السديد والتوجيه الرشيد لأبنائه الروحيين الذين ينتشرون في الأقطار العربية كلها . 
لقد خصّني برعايته وعنايته وحنوّه الأبوي منذ نحو نصف قرن ، وما زال ، ذلك الأب الروحي والصديق الحميم ، جزاه اللّه عني ، وعن إخواني الآخرين ، خير الجزاء .
وبعد ، فهذا شرح ديوان الحلّاج كتاب بذلت فيه أشق ما عندي من منّة وعقل وتتبّع ، كتاب أحتسب فيه الحق تعالى وأدعوه مخلصا أن يغفر لي ولعبده المظلوم الذي بذل حياته في سبيله الحسين بن منصور بن محمى البيضاوي الحلّاج ، ولعباده الذين يرتضيهم .
واللّه الموفق للرشاد الشارح
د. كامل مصطفى الشيبي
طرابلس الغرب ، جمادى الأول 1414 هـ /
[ الشهر الحادي عشر 1993 م ]

تصدير للطبعة الأولى
برّا بوعدي لقراء كتابي « ديوان أبي بكر الشبلي » الذي صدر في بغداد سنة 1967 م ، يزيد من سروري إخراج « ديوان الحلّاج » بهذه الصورة التي أفرغت فيها جهدا شاقا اتصل أكثر من خمسة عشر عاما !
لقد أثار فيّ الحلّاج فضول المبتدئ سنة 1953 م ، وما زال عصيّا في سنة 1973 م ؛ لكني سعيد بعملي ، غير آسف على الوقت ولا الجهد ، فلقد حفلت كل كلمة من الديوان بألوان من الإثارة تعدّ إغراء بمزيد من البحث والتعمق ، وتدعو إلى بذل جهد غير معتاد في الشرح والتعليل والتأويل وفي استكشاف العلاقات الدقيقة والإشارات الغامضة التي يحفل بها ديوان الحلّاج وتمتدّ منه خيوط غير منظورة ولا ملموسة لنتصل بالأشعار والآراء التي سبقته ولحقته . 
وفوق ذلك ، بذلت في ديوان الحلّاج طاقة زائدة في شرح الألفاظ اللغوية والاصطلاحية ، وذلك عمل لم أجدني محتاجا إليه عند تحقيقي ديوان الشبلي المذكور . 
وإيفاء للنصّ والمعنى حقهما وجدت نفسي منقاد في غير أسف ولا مراعاة لمزاج القرّاء في طريق الاستكثار من النصوص والآراء والتخريجات في محاولة لا شعورية لجمع كل ما يمكن جمعه من أدلّة على نية الحلّاج الحسنة في شطحاته المتطرفة الحادة التي تفاجئ القارئ وتتحرش به تحرشا ، وكأنّ الحلّاج أراد أن يقول لنا جميعا :
لا حاجة لي بعطفكم ولا تأويلكم ولا دفاعكم ، لقد قلت ما أردت ، فافعلوا أنتم الآن ما شئتم فلن يزيد على ما كابدته من سلفكم !
وقد يتساءل متسائل : كيف ينشر ديوان الحلّاج تحت اسم محقق آخر ، وقد سبق المستشرق المرحوم لويس ماسينيون إلى ذلك منذ تسعة وثلاثين عاما ؟ فالحقّ أن ذلك وارد ، لكنّ شفيعي فيه أنني باشرت عملية الجمع والتحقيق مستقلا عن ماسينيون ، ودام ذلك خمسة عشر عاما شرعت بعدها أقارن بين ما توصلت إليه وما جمعه ماسينيون ، في الديوان الذي أخرجه للحلّاج وطبعه ثلاث طبعات ، في ما بلغني ، وآخرها تلك التي صدرت في باريس سنة 1955 م . 
واتضح لي من المقارنة أن ما توصّلت إليه يستحق أن يكون عملا مستقلا بنفسه . وكم كان بودي لو مدّ اللّه في حياة شيخ المستشرقين ماسينيون ، إذن لعرضته عليه ورجوته أن يكتب مقدّمته . 
لكنه إذ سبقنا إلى دار البقاء ، رأيت من البرّ به والاعتراف بفضله أن أهدي ثمرة جهدي إلى روحه مكافأة أرضية متواضعة على ما بذل من جهد متواصل ، بدأ قبل سنة 1912 م ولم يتوقف مدة نصف قرن من الزمان .

وسيلاحظ القرّاء أني لم أطفّف الميزان على ماسينيون قيد شعرة ولم أغمط حقه حبة خردل ، إذ أفرغت محتوى ديوانه متنا وتعليقا وشرحا في هوامش ديواني هذا وأضفت الكثير الذي لا يسعفني التواضع على التقليل من كميته أو كيفيته أو أهميته . 
وقد كان من حسن طالعي - إن جاز أن يكون الأمر على هذه الصورة - أن وفّقت إلى مصادر لم يفطن إليها ماسينيون ككتاب « عطف الألف المألوف على اللّام المعطوف » للديلمي ، والقصة الشعبية الحلبية « قصّة حسين الحلّاج وما جرى له مع علماء بغداد » وغيرهما من الكثير الذي يجده القرّاء في ثبت المراجع إن لم ينعم النظر في الهوامش والتفصيلات .
وفوق هذا ، يميز تحقيقنا هذا إضافات إلى أشعار الحلّاج لم يفطن إليها ماسينيون ونقص لما كان يظنه من شعر هذا الصوفي هدتنا إليه الكتب التي لم تصل إليها يداه . 
وسيلاحظ القارئ أنني عانيت كثيرا جدّا في إقامة النص ، وأنّ اجتهاد ماسينيون ودأبه الشديدين واستعانته بالمتخصصين من أصدقائه لم تمكّنه من بلوغ هذه الغاية . ولو لم يكن الفرق بين تحقيقه وتحقيقنا غير هذا لكفى .
أما النماذج على هذه التصحيفات الكثيرة التي حفلت بها طبعات ماسينيون ، فأجلّ هذا التقديم أن يشاب به ، وأحيل القارئ على صلب العمل ليستكشفه بنفسه .

وعلى عادتي في الربط بين عالمي الأدب التقليدي والصوفي ، في المجالات المشتركة بينهما ، نبهت إلى المعاني الشعرية التي طرقها الحلّاج أولا ثم الشعراء التقليديون من قبله ومن بعده ، وتبين لي أن صوفينا كان كثيرا ما يصوّر بألفاظهم ويركب من معانيهم ، ولكنّ مسحة التجريد والتسامي لازمت تعبيراته دائما ، ومن هنا أطرد في أشعاره طابع واضح ثابت وأسلوب متميز من أوّل كلمة فيه إلى آخرها . 
وسيرى القارئ أنّ ما عدّ شنيعا وفظيعا من معاني الحلّاج التي ميل بها إلى الكفر وبرّرت بها تهمة الحلول وادّعاء الربوبية لم يكن إلا تعبيرا حسيا طرقه الشعراء التقليديون كما طرقه الحلّاج دون أن يدور بخلد أحد اتهام الأوّلين به أو يبرّئ الأخير من تبعته ، وذلك عجيب حقا . ونموذج على هذا يتمثل في قول الحلّاج :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته أبصرتنا
وقوله :
اقتلوني يا ثقاتي * إنّ في قتلي حياتي
وحياتي في مماتي * ومماتي في حياتي
إلخ ، وسيجد القارئ في صلب الديوان وحواشيه أنّ هذه المعاني أدبية توشك أن تكون حسية في دنيا الأدب التقليدي ، وقد طرقها الشعراء الذين نألفهم على هذا الأساس .
وشيء آخر يهمني أن أبثّه القراء ، وذلك أني تصدّيت لجمع مادة تتصل بجوانب الحلّاج ، المختلفة ، فوفّقت إلى إحراز ما يكفي لكتابة كتاب كبير وأصيل ، لكني وجدت ديوانا للحلّاج ، دون مقدّمة ضافية ، عملا ناقصا ، ومن هنا عدت إلى ذخائري أحاول أن أستخلص منها شيئا يسيرا لا يخلّ في هذا المشروع ولا يبطله . 
ومع نموّ الفكرة وحاجة البحث وجدتني أضع في المقدمة زبدة ما جهدت في الوصول إليه واقتصدته لكتاب برأسه أكتبه في الحلّاج . 
وأخيرا وجدت البخل مع الكرام منقصة ، وهكذا أطلقت العنان لنفسي في المضمون لا في الحيّز مع كبح الجماح في موضوعات كثيرة ، فكان هذا الذي يراه القارئ وأرجو أن يصدق الخبر الخبر .
وأصارح القراء أنني أعتزّ بشيئين تضمنتهما المقدمة ، 
الأول : ما اكتشفته من وجود خلف للحلّاج في فلسطين ، وتصحيح ذلك وتمحيصه - على الوجه الكامل - ليس من شأني ولا من قدرة أحد من الناس . 
والثاني : الفقرة التي كتبتها عن مكانة الحلّاج في الفكر الإسلامي الحديث وبخاصة ما يتصل من ذلك بالأدب العربي المعاصر الذي وجد الحلّاج صداه فيه على صور مختلفة ، من شعر ومسرحية ورواية وبحث ومقالة .
وفي هذا المجال بالذات لم أزد على هذا اللمس الخفيف الذي يوشك أن يكون سطحيا لضيق المجال وعدم مناسبة المقام ، ويريحني أن يعدّه القراء استعراضا تاريخيا مفتوحا باب بحثه للأدباء والباحثين من كل جنس .
وإذ كان عملي الحاضر : في الصلب والمقدمة ، يزيد على مدى التحقيق كثيرا ، رأيت أن أصفه بالشرح وأعني به مجموع الجهد الذي يشمل إقامة النص والتحقيق والمقارنة وشرح الألفاظ لغويا واصطلاحيا بالإضافة إلى التحليلات والشروح العامة ، وبذلك يستقل عملنا عن عمل ماسينيون تماما ويعود الأمر طبيعيا لا تداخل فيه .
واجتزاء من الكثير بالقليل ، أختتم هذا التقديم بتسجيل اعترافي بالجميل والإعراب عن إعجابي وحبي لإخواني الذين أعانوني على إتمام هذا العمل الشاق كل في ميدانه وعلى أقصى استطاعته . 
وأوّلهم الأخ الكبير الأستاذ السيد مكي السيد جاسم الذي سمع مني كلّ كلمة في الديوان وحواشيه في مراجعته الأخيرة مفيدا صابرا متفضلا كريما مصوّبا مصححا في حمارّة القيظ دون استمهال لانسلاخ الحرّ ولا برم باستطالة الجلسات ولا شكوى من انحراف الصحة وعلوّ السن ، مدّ اللّه في عمره وزيّنه بأبراد الصحة وكلأه برعايته وأبقاه نموذجا حيا نادرا للحافظ الحكيم والموجه الكريم ذي الخلق الرضيّ . 
ومن دواعي رضاي وسروري تبرّكي باسم أخي الدكتور حسين علي محفوظ في كلّ مصنّف أخرجه للناس ، وذلك لأن له مكانة الناصح الأمين والباذل في غير حدّ لما في نفسه الكبيرة من علم ، ولما في خزانة كتبه العامرة من مصنفات ، جزاه اللّه عن العلم والفضل والكرم خير الجزاء .
وأشيد ، هنا بذكر أستاذي وشيخي وصديقي الأستاذ الدكتور علي سامي النشّار ، أستاذ كرسي الفلسفة بجامعة الإسكندرية سابقا ، بالإجلال والاحترام لتشمّره لترجمة كثير من التعاليق والنصوص الفرنسية ولتشجيعه المستمر لشخصي الضعيف ، زاده اللّه علما فوق ما أنجز وأخرج وما يعلم ويحرز .
ويسرني أن أتوجه بالشكر والمنّة لإخواني : السيد يحيى سلوم العباسي على ما تجشّم من صعاب في سبيل إعادة رسم صورة الحلّاج الرمزية عن الأصل الذي رسمه الرسام الإيراني أحمد الشيرازي في القرن العاشر الهجري ( السادس عشر الميلادي ) ، وسواء أتضمنها الديوان أم لا فإنه قد سعى وأريد لسعيه أن يرى . 
ويستحق التنويه - في هذا المجال - الرسام العراقي السيد صادق سميسم والسيد ثامر مهدي تلميذي وصديقي الذي هداني إليه . 
ولقد أسهم الأخ السيد عادل كامل الآلوسي ، أمين قسم المخطوطات في المتحف العراقي ، ضمن الجهود التي بذلت للتعريف بالحلّاج ، في تصوير مشهده الرمزي في بغداد وفي رسم مخطط له ربما وجده القارئ بين فقرات المقدمة التي كتبت بين يدي هذا الديوان .
ويستحق الشكر أيضا تلميذي السابق وصديقي وزميلي الآن الدكتور عبد الأمير الأعسم الذي لم تشغله متاعب الدراسة في كمبردج عن البرّ بي في طرابلس الغرب ، مثابة تحرير هذه المقدمة ، في شؤون شتى تتصل بالمراجعة والمتابعة لما يتعلق بهذا الديوان ومقدمته . ولا بد من ذكر السيد طالب وأبيه السيد محمد الشيخ نجم ، من موظفي مكتبة كلية الآداب بجامعة بغداد ، لما أعانا به جامع هذا الديوان على البعد والقرب من مراجعة ومراسلة .
لقد أعان على إخراج هذا العمل إخوان آخرون ذهب بأسمائهم بعد العهد وانشغال البال ، لكن ذلك لا يمنع من إيفائهم حقهم من التقدير والاعتراف بالجميل ، وهذه تحية ودّ وإعجاب .
أما القرّاء فأرجو أن أكون عند حسن الظن منهم وفيهم ، ولا يضيع اللّه أجر من أحسن عملا .
وفقنا اللّه جميعا لما فيه الخير والبرّ .
د. كامل مصطفى الشيبي
بغداد في أوّل أيلول ( سبتمبر 1973 م )
( 4 شعبان 1393 هـ )

مفتاح الرموز التي ترد في المقدمة والمتن والحواشي

ت / ( توفي سنة . . . )

ح / ( حكم من سنة . . . - سنة . . . )

ق / ( قتل سنة . . . )

مخطوط برلين : « حكاية الحسين بن منصور الحلّاج » ، مخطوط برلين ، رقم 349 .

مخطوط تيمور : « ترجمة حسين بن منصور الحلّاج وشيء من كلامه وما جرى له مع الخليفة وصفة قتله » ، مخطوط المرحوم أحمد تيمور باشا بدار الكتب المصرية ، رقم 1291 .

مخطوط الجزائري : « بعض إشارات الحسين بن منصور الحلّاج وكلامه وشعره ، أو : الرسالة الحلّاجية » ، نسخة المرحوم الأستاذ ماسينيون التي اشتراها من الأستاذ الجزائري .

مخطوط السليمانية : نسخة الخزانة السليمانية باستانبول ضمن المخطوط رقم 1028 ، ورقة 358 ب - 365 ب .

مخطوط قازان : « كتاب في سيرة الشيخ حسين بن منصور الحلّاج » ، أو « مقامات الحلّاج ومقالاته » ، نسخة المكتبة الشرقية المركزية بقازان في الاتحاد السوفيتي ، فنون شتى برقم 68 .

مخطوط لندن : « تقييد بعض الحكم والأشعار ، مختصر من كلام السيد أبي عمارة الحسين بن منصور الحلّاج رضي اللّه عنه » ، نسخة المتحف البريطاني رقم 9692 ،Add( ) : زيادة منا حشو النصوص شرحا وإيضاحا أو ما إلى ذلك


* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:47 pm

سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

سيرة الحلّاج
هو أبو المغيث الحسين بن منصور بن محمى البيضاوي « 1 » . ولد في قرية الطّور « 2 » في الشمال الشرقي من مدينة البيضاء ، من مدن مقاطعة فارس بإيران ، في نحو سنة 244 هـ / 857 م « 3 » ، وكان جده « محمى » مجوسيا « 4 » .
دخل أبوه العراق مع أسرته من الحدود الجنوبية الشرقية الحالية ، عند البصرة ومناطق شط العرب - وكان يحترف حلج القطن - ليمارس مهنته في هذه المواضع التي يبدو أنها كانت مراكز لزراعة هذا المحصول وحلجه ونسجه . 
واستقرت الأسرة بواسط - في ما يبدو - وكانت مدينة كبيرة عامرة تقع في منتصف الطريق بين البصرة وبغداد ، وتقوم أطلالها الآن بالقرب من مدينة الحيّ من محافظة واسط ( لواء الكوت سابقا ) ، في العراق المعاصر .
قضى الحلّاج صباه يتعلم في كتاتيب واسط ، وكانت حركة الزنج الشيعية ، الزيدية في رأي ماسينيون « 5 » ، قائمة على قدم وساق - إذ بدأت في سنة 255 هـ / 869 م - وللحلّاج نحو إحدى عشرة سنة ، ودوّخت الدولة
..................
( 1 ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ( أبي بكر أحمد بن علي ، ت 463 هـ / 1071 م ) ، دمشق 1945 م ، 8 / 112 . وذكر هنا أنه كان يكنّى بأبي عبد اللّه أيضا ، وفي مطلع كتاب الطواسين كني الحلاج بأبي عمارة ( انظر ص 69 ) .
( 2 ) أيضا 8 / 112 ، أربعة نصوص غير منشورة تتعلق بالحلاج : رسالة ابن باكويه ( أبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الشيرازي ، ت 428 هـ / 1036 - 7 م ) ، ط . باريس 1914 م ، ص 28 .
( 3 ) المنحنى الشخصي لحياة الحلاج شهيد الصوفية في الإسلام لماسينيون ، ترجمة عبد الرحمن بدوي ضمن كتاب ( شخصيات قلقة في الإسلام ) ، مصر 1946 م ، ص 63 .
( 4 ) تاريخ بغداد 8 / 112 .
( 5 ) المنحنى الشخصي : شخصيات قلقة في الإسلام ص 65 سطر 8 .

« 24 »
العباسية أربع عشرة سنة واستولت على مناطق الأهواز وخوزستان وهاجمت البصرة نفسها في سنة 257 هـ/ 871 م « 1 » .
قصد الحلّاج في أول شبابه إلى تستر ( شوشتر الإيرانية ) ، على شاطئ نهر كارون الذي يصب في شط العرب ، ليصحب سهل بن عبد اللّه التستري ، صاحب التفسير الصوفي الإشاري وأحد الصوفية البارزين في القرن الثالث الهجري ( ت 283 هـ / 896 م ) ، ودامت هذه الصحبة سنتين « 2 » . وفي سنة 262 هـ / 875 م ، انتقل الحلّاج إلى البصرة ليصحب عمرو بن عثمان المكي الصوفي البارز ( ت 297 هـ / 909 - 10 م ) لمدة سنة ونصف « 3 » ، وكانت ثورة الزنج في أوجّ قوتها ، ليتم على يديه ما بدأه مع سهل بن عبد اللّه التستري ويحتل مركزا مرموقا في الأوساط الصوفية في هذه المدينة بمساعدة أستاذه الجديد . وقد نال الحلّاج إعجاب شيخه الجديد وتوسّم فيه خيرا وصلاحا وتوقّع له مستقبلا زاهرا في عالم الروح . 
وفي هذه الأثناء هفت نفس الحلّاج إلى الزواج ، فبنى بأمّ الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع « 4 » ، منافس عمرو بن عثمان المكي على زعامة الصوفية في البصرة ، مما أدى إلى خصومة ووحشة بين الشيخين « 5 » نتيجة تنافسهما على استخلاص الحلّاج الذي كان يعتزل في جامع البصرة « يتعبد ويتصوف ويقرئ » « 6 » .
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ الشعوب الإسلامية لكارل بروكلمان ( 1868 - 1956 م ) ترجمة نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي ، ط 4 ، بيروت 1965 م ، ص 216 .
( 2 ) أربعة نصوص ( ابن باكويه ) ص 28 ، المنتظم لابن الجوزي ( أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ، ت 597 هـ / 1201 م ) ، ط . حيدر آباد 1357 - 61 هـ ، 6 / 160 .
( 3 ) أيضا ص 28 ، وقد ذكر ابن كثير أن زواج الحلاج كان بمكة « فأولدها أحمد بن الحسين وقد ذكر سيرة أبيه كما ساقها من طريق الخطيب » ( البداية والنهاية لابن كثير عماد الدين أبي الفداء إسماعيل . . . القرشي الدمشقي ، ت 774 هـ / 1373 م ) ، ط . مصر 1351 - 8 هـ، 11 / 135 . 
وربما كان ذلك أقرب إلى الصواب ، مع غرابته الظاهرة ، إذ كان عمرو بن عثمان المكي قاضي جدة وهي قريبة من مكة كما هو معلوم ( انظر تاريخ بغداد 9 / 224 ) .
( 4 ) أيضا ص 28 .
( 5 ) أيضا ص 28 .
( 6 ) نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ( أبي علي الحسن بن علي بن محمد ، ت 394 هـ / 1004 م ) ، الجزء الأول ، مصر 1921 م ، ص 248 . 
« 25 »
والصوفية « تدّعي له المعجزات من طرائق التصوف وما يسمونه معونات . . . » « 1 » . ويبدو أن صدر الحلّاج قد ضاق بفعل هذه الخصومة ، فقصد إلى الجنيد بن محمد البغدادي ، شيخ الطائفة ( الصوفية ) ( ت 298 هـ / 910 - 11 م ) يستشيره ويستنصحه « فأمره بالسكون والمراعاة » « 2 » ، فصبر على ذلك مدة . ولما استمر الأمر ، مقرونا بالظروف الصعبة التي كانت البصرة كلها تعانيها ، ترك الحلّاج المدينة قاصدا مكة لأداء فريضة الحج ، وجاور هناك سنة كاملة أنفقها في ممارسة أشقّ الرياضات الصوفية بتعريض جسده لأشدّ ألوان العذاب الجسماني ، من اقتصار على الخبز والماء وتعرّض لأشعة الشمس اللافحة ، في جبال مكة الجرداء « 3 » . 
وذكر عنه في هذه الفترة أنه « كان مشهورا بصحبة صوفي بمكة بعد مفارقته صوفية فارس » « 4 » .
وبعد عودة الحلّاج من مكة بدا للناس في صورة شيخ واثق في نفسه إلى حد الإفراط ، واستقل في العمل ، وحمله طموحه على أن يشطح في عباراته ويبالغ في مواجيده ولا يتحرى الحيطة في أفعاله مما أثار ثائرة الصوفية ، وشيخهم الجنيد على الخصوص ، وكانوا يتوقّعون كثيرا من اطّلاع الناس على أسرارهم الثقافية والتطبيقية خشية وقوعهم تحت طائلة الفقهاء من
..........................................................................................
( 1 ) نشوار المحاضرة ص 12 .
( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 112 ، أربعة نصوص ( نص ابن باكويه ) ص 28 .
( 3 ) أيضا 8 / 112 ، وفيه ، أن الحلاج دخل إلى مكة « وكان أول دخلته » ، « فجلس في صحن المسجد سنة لا يبرح من موضعه إلا للطهارة أو للطواف ولا يبالي بالشمس ولا بالمطر . وكان يحمل إليه كل عشية كوز ماء للشراب وقرص من أقراص مكة ، فيأخذ القرص ويعضّ أربع عضات من جوانبه ويشرب من الماء ، شربة قبل الطعام وشربة بعده ، ثم يضع باقي القرص على رأس الكوز فيحمل من عنده » . وذكر أنه رآه جمع من الصوفية و « هو جالس على صخرة من ( جبل ) أبي قبيس في الشمس . 
والعرق يسيل منه على تلك الصخرة » . وكان تعليق أحد الصوفية على هذا المشهد قوله لعمرو بن عثمان المكي - الذي حضر هذه الواقعة : « إن عشت تر ما يلقى هذا ، لأن اللّه يبتليه ببلاء لا يطيقه : قعد يتصبر مع اللّه » .
( 4 ) المغني في أبواب التوحيد للقاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي ( ت 415 هـ / 1024 م ) الجزء 15 ، التنبؤات والمعجزات ، تحقيق الدكتور محمود قاسم ، مصر 1965 م ، ص 720 .

« 26 »
ناحية ومراقبة الدولة ، التي كانت تعاني من الزنج ، من ناحية أخرى . وقد كان ثمن هذه الطموح الذي دفعه الحلّاج فقد شيخه عمرو بن عثمان المكي ومستشاره الجنيد « 1 » شيخ الصوفية كلهم . وكان عليه بعد هذا أن يعتمد على نفسه فقط .
وبدأ الحلّاج هذه المرحلة من حياته بالوعظ في الأهواز ، بالقرب من موطنه القديم ، زاهدا في خرقة التصوف نفسها « 2 » فألقاها عنه وجعل يخاطب الناس بكلام فلسفيّ ميتافيزيقي يعسر على أصحاب الثقافة العادية البسطاء من الناس إدراكه . ويبدو أن الحلّاج لم ينجح النجاح الذي توقعه هنا ، فانتقل إلى خراسان ليعظ الناس في الطالقان « 3 » بشرقي إيران ، حيث كانت تقوم حكومة شيعية زيدية منذ سنة 250 هـ / 864 م واستمرت فيها إلى سنة 345 هـ / 956 م لما ورث السامانيون ملك الزيديين هناك « 4 » . وإذ لم تطب الإقامة للحلّاج هناك ، عاد إلى الأهواز ومنها قصد إلى بغداد ، صحبة جماعة من المعجبين ، ليقيم فيها مع أسرته « 5 » . ويبدو أن الظروف في بغداد لم تكن مواتية بفعل خصومة الصوفية للحلّاج . ومن هنا ضاقت به الحال من جديد فاتجه إلى مكة ليحج ثانية ويبتعد بنفسه عن بغداد حتى تصفو الأمور . لكن الحلّاج لم يعد إليها بعد إتمام الحج ، بل آثر أن يبتعد عن بغداد مدة أطول وأن يبدّل الأوطان والخلّان ؛ وهكذا شرّق في رحلة واسعة شملت التركستان والهند إلى أن بلغ الصين [ - ماصين ] « 6 » . وفي
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ بغداد 8 / 113 ، نص ابن باكويه ص 28 .
( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 113 ، نص ابن باكويه ص 28 .
( 3 ) المنحنى الشخصي ( شخصيات قلقة في الإسلام ص 67 ) ، ويذكر ولده حمد ( ولعله أحمد المذكور آنفا ) أن الحلاج قصد في هذه الفترة إلى « خراسان وما وراء النهر ودخل إلى سجستان وكرمان ثم رجع إلى فارس » ( أربعة نصوص ، النص الثالث ، ص 28 ) .
( 4 ) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، لجامع الديوان ، بغداد 1966 م ، ص 43 .
( 5 ) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، لجامع الديوان ، بغداد 1966 م ، ص 43 .
( 6 ) أربعة نصوص ، الرسالة المذكورة ص 28 . وعن رحلة الحلّاج إلى الهند ذكر ابن الجوزي أن أحمد الحاسب قال لابنه علي : « وجهني المعتضد ( حكم بين سنتي 279 - 289 ه / 892 - 902 م ) إلى الهند ، وكان معي في السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور ، فلما خرجنا من المركب قلت له : في أي شيء جئت إلى ههنا ؟ قال : جئت -

« 27 »
الهند زاد الحلّاج نضجا وعمقا واعتاد المجاهدات الشاقة وتعلّم التحكم في نفسه وكوّن مذهبا وأسلوبا عزم على أن ينشرهما بين الناس لدى عودته إلى موطنه .
ويبدو أن الحلّاج عاد من الهند مقتنعا بأن ما غرسته فيه رحلته هذه ينبغي أن يعرض على اللّه في مكة وأن يخلع فيها عنه التراكمات غير الإسلامية التي علقت بنفسه وعقله ، ومن هنا قطع عهدا على نفسه أمام اللّه ببذل حياته في سبيله حيث قال : « تهدي الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي » « 1 » أو هذا ما يراه على الأقل !
وعند عودته إلى بغداد أخيرا في نحو سنة 291 هـ / 903 - 4 م لاحظ أحمد بن الحلّاج أن أباه قد تغيّر « 2 » . وبهذا يبدو أن هذه الرحلة كانت فاصلة في حياته وأنه توصل خلالها إلى الفكرة التي ينبغي أن يؤمن بها والمنهج الذي ينبغي أن يتبع لتحقيقها . وهكذا بدأ الحلّاج يدعو الناس سرا إلى مذهبه الجديد الذي يقوم على تغليب جانب الروح على الجسد برياضة النفس بأشد ما تكون الرياضات ، بهدف شحنها بالروح الإلهية وتمكينها من تقبّل الطاقة الربانية التي يعجز البشر العادي أن يتحمل إشعاعها في نفسه ليكون في وسعه في النهاية أن يتعلم من اللّه ويصدر عنه على الصورة التي ظهرت في آدم لما علّمه تعالى الأسماء كلها ، وفي المسيح لما مكنه من إحياء الموتى ، وفي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لما أظهر على لسانه القرآن معجزته الكبرى .
وكان من رأي الحلّاج في هذه الفترة أن صاحب الدعوة ينبغي أن يمضي في
...............................................................................................
- لأتعلم السحر وأدعو الخلق إلى اللّه » ( المنتظم 6 / 161 ) . ويبدو أن هذا الخبر هو الذي حمل ابن تيمية أن يقرر أن للحلّاج كتابا مشهورا في السحر ( انظر : رسالة في الجواب عن سؤال عن الحلّاج : هل كان صديقا أم زنديقا ؟ ) لابن تيمية ضمن كتاب :
جامع الرسائل ، المجموعة الأولى تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ، مصر 1389 هـ / 1969 م ، ص 188 .
 ( 1 ) انظر الديوان في قافية الميم ، وراجع المنحنى الشخصي من كتاب شخصيات قلقة في الإسلام ص 69 .
( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 113 .

« 28 »
دعوته إلى الغاية التي ما بعدها غاية دون تراجع ، أسوة بإبليس ، رئيس الملائكة السابق ، الذي لم يبال بغضب اللّه عليه لما أمره بالسجود لآدم ، وهو من طين أدنى من عنصره الناريّ ، وآثر أن يتمسك بفضل عنصره وسموّه ورفعته على الطين . وكان من رأي الحلّاج أيضا أنّ صاحب الفكرة ينبغي أن يتأسّى بفرعون الذي لم يستجب لنداء موسى لما دعاه إلى نبوّته حرصا منه على ألّا يجعل لإنسان سلطة إغلاق الطريق الواسعة التي يحق لكل إنسان أن يسلكها إلى اللّه في كل زمان ومكان . « 1 » وأخيرا كان من رأي الحلّاج أنه
...............................................................................................
( 1 ) انظر طاسين الأزل والالتباس من كتاب « الطواسين » للحلّاج ، باريس 1913 م ، ص 50 حيث يقع قول الحلّاج : « تناظرت مع إبليس في الفتوة فقال إبليس : إن سجدت سقطت من منزل الفتوة . وقال فرعون : « ما علمت لكم من إله غيري ( القرآن القصص ، 28 : 38 ) حين لم يعرف في قومه من يميز بين الحق والباطل » .
وعقّب الحلّاج على ذلك بقوله : 
« فصاحبي ( الصحيح : فصاحباي ) وأستاذي ( الصحيح : أستاذاي ) إبليس وفرعون ؛ وإبليس هدد بالنار وما رجع عن دعواه ، وفرعون أغرق في اليمّ وما رجع عن دعواه ولم يقر بالواسطة . . . وإن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي ورجلاي ما رجعت عن دعواي » .
ومما يجلو هذه الفكرة ويزيل عنها طابع الكفر الصريح أن الحلّاج نفسه كان يرى في محمد ( صلى الله عليه وسلم  ) وموسى ( عليه السلام  ) نبيين من أفتى الأنبياء ، 
وقد أثر عنه أنه « سئل : يا شيخ ما تقول في ما قال فرعون ؟ قال : كلمة حق » فسئل : « ما تقول في ما قال موسى ؟ قال : كلمة حق ، لأنهما كلمتان جرتا في الأبد كما جرتا في الأزل » ( أخبار الحلّاج ، ص 29 ، أربعة نصوص ، النص الرابع ص 70 ) . 
كذلك قال الحلّاج : « ما صحت الدعاوى لأحد إلا لإبليس وأحمد ( صلى الله عليه وسلم  ) غير أن إبليس سقط عن العين وأحمد ( صلى الله عليه وسلم ) كشف له عن العين : قيل لإبليس : اسجد ، ولأحمد : انظر . هذا ما سجد وأحمد ما نظر ، ما التفت يمينا ولا شمالا -« ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى »( القرآن النجم / 53 : 17 ) .
أما إبليس فإنه دعا لكنه رجع إلى حوله ، وأحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ادّعى ورجع عن حوله بقوله : بك أحول وبك أصول ، وبقوله : يا مقلب القلوب ، وقوله : لا أحصي ثناء عليك . . . » ( الطواسين : طاسين الأزل والالتباس ، ص 41 ) .
وكل هذا يقع تحت رأي الحلّاج من أنه: « ليس على وجه الأرض كفر إلا وتحته إيمان ولا طاعة إلا وتحتها معصية أعظم منها ولا إقرار بالعبودية إلا وتحته ترك الحرمة ولا دعوى المحبة إلا وتحتها سوء الأدب . لكن اللّه تعالى عامل عباده على قدر طاقتهم » ( أخبار الحلّاج ص 48 ) . وهو هنا يتكلم عن الأضداد التي يجمعها اللّه في مخلوقاته فيجعل واحدا منها ظاهرا والآخر كامنا تمكينا لها من تحقيق قضائه والنزول على -

« 29 »
ينبغي عليه - إذا فشل في تحقيق فكرته - أن يأتمّ بالمسيح الذي بذل دمه قربانا للّه وغسل ذنوب البشر بسيل من حشاشته الإنسانية ليكشف عن أعينهم حجاب الجسد ويجلو عن أذهانهم وأفهامهم ما كانوا فيه من جهل وغفلة ووهم . 
ويبدو أن فلسفة الحلّاج في هذا البرنامج كانت تتمثل في أنّ موته في حال إخفاقه سيكون سببا في ثقة الناس به وتقديرهم لتضحيته وإيمانهم بفكرته على نحو ما حصل مع السيد المسيح ، وأن حياته الروحية بعد فناء الجسد ستخلص من أسار الزمان والمكان وتتيح له أن يراقب الناس من عل وقد بدأوا يتفهمونه شيئا فشيئا ويدركون أنه لم يخدعهم وإنما جاءهم بفكرة سبقت زمانهم ولم تتهيأ لها الظروف المناسبة . وهذا مصداق قوله :
على دين الصليب يكون موتي  .....    ولا البطحا أريد ولا المدينة « 1 »
..................................
- حكمه متى شاء . ومن المعاني التي يسوقها القرآن في التعبير عن هذه الفكرة قول المشركين :( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى )( الزمر 39 : 3 ) .
ومما ينبغي أن يشار إليه هنا الأثر الذي خلفه هذا الرأي في الصوفية ومنهم جلال الدين الرومي ( محمد البلخي ، 604 - 672 هـ / 1207 - 75 م ) . الذي طبق نظرية الشرّ النسبي - كما يمكن أن يعبر عن هذه الفكرة هنا - على عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب شيخ الأولياء عند الصوفية فقال في ابن ملجم ما ترجمته :
ليس في مقدوري أن أمسّ شعرة منك * لأن القلم قد خطّ لك ما فعلت فلا تحزن ، فإني أنا الشفيع لك * فأنا سيّد نفسي لا عبد بدني
( مطاعن الصوفية لمحمد رفيع بن شفيع التبريزي ، ت بعد 1221 هـ / 1806 م ، مخطوط جامعة كمبردج رقم 16 .Browne D، ورقة 60 ب ) .
( 1 ) انظر الديوان قافية النون والشروح في الهامش . وفوق هذا ذيل ماسينيون على هذا المعنى بنص استفاده من لطائف المنن للشعراني ( مصر 1321 هـ ، 2 / 84 ) يقول فيه أبو العباس المرسي : « وما نقل عنه يصح تأويله ، نحو قوله : على دين الصليب يكون موتي ، ومراده أنه يموت على دين نفسه فإنه الصليب ، وكأنه قال : أنا أموت على دين الإسلام وأشار إلى أنه يموت مصلوبا ، وكذلك كان » . وإذا كان هذا هو المقصود فإن الصوفية قد تنبؤوا بقتل الحلّاج مصلوبا أيضا .
( انظر : الفرق بين الفرق للبغدادي ، مصر 1947 ، ص 157 - 8 ، التبصير في الدين للأسفرايني ، مصر 1940 م ، ص 77 رسالة الغفران : رسالة ابن القارح ، ط 3 ، ص 36 ، وهذه النبوءة تنسب إلى الجنيد مرة ، إلى الشبلي أخرى ، وتتمثل في عبارة تقول : أيّ خشبة تفسد وهو معنى عبر عنه أبو يوسف القاضي : يعقوب بن إبراهيم الإنصاري ( 113 - 182 هـ / 731 - 798 م ) بقوله لبشر بن عياث المريسي ، المتكلم القائل بخلق -

« 30 »
وفي بغداد بشر الحلّاج بدولة الروح هذه عشر سنوات كاملات ، أنفقها جميعا في العمل السري ، وفقد خلالها مودة الصوفية من أصدقائه كالشبلي وغيره لاستعظامهم دعوته وخوفهم من غوائلها . واستقر الحلّاج في بغداد استقرار رجل له غايات بعيدة « وتغير عما كان عليه في الأوّل واقتنى العقار وبنى دارا ودعا الناس » « 1 » . 
وفي هذه المرحلة اتضح للحلّاج منذ اللحظة الأولى أن الدولة والنظام العباسيين حجر عثرة في طريقه وأنهما ينبغي أن يزولا « 2 » . وتحقيقا لهذا الغرض ، انقلب الحلّاج سياسيا معارضا يبحث عن حلفاء وأنصار . وسرعان ما اتصل بالعلويين على نية القيام بحركة شبيهة بحركة الزنج المدمرة ، التي عاصرها في صباه وشبابه ، لتأسيس دولة مثل دولة الزيديين في طبرستان التي رآها رأي العين في أسفاره .
وهكذا روي أن الحلّاج قصد إلى الكوفة للتشاور مع أبي الحسن العلوي الذي كان ميالا إلى الصوفية وصديقا ومريدا لأبي علي الخواص ( ت 291 هـ / 903 - 4 م ) . 
وتم الاجتماع بحضور الخواص نفسه « 3 » . 
ويبدو أن هذا العلوي لم يكن مستعدا لهذه المغامرة ؛ ومن هنا اتجه الحلّاج إلى علوي آخر أكثر ثورية وأميل إلى المغامرة ؛ وأكثر تقبلا لآرائه هو أبو عمارة محمد بن عبد اللّه الهاشمي الذي يبدو أن اشتراكه مع الحلّاج في كنية واحدة هي « أبو عمارة » « 4 » ، كان يعني شيئا يتجاوز المصادفة إلى الوحدة الروحية
..........................................................................................
- القرآن وغيره ( ت 218 أو 219 هـ / 833 أو 834 م ) : « لا تنتهي حتى تصعد خشبة ، وكأني بك قد شغلت على الناس خشبة باب الجسر ، فاحذر » ( انظر : تاريخ بغداد 7 / 63 ، 66 ) .
( 1 ) أربعة نصوص ، نص ابن باكويه ، ص 28 ، تاريخ بغداد 8 / 113 .
( 2 ) في هذا المعنى قال ابن النديم : « وكان جاهلا مقداما مدهورا ( لعلها مزهوا ) جسورا على السلاطين مرتكبا للعظائم يروم انقلاب الدول . . . » ( ص 283 ) .
( 3 ) انظر الفكر الشيعي لنا ، ص 69 .
( 4 ) انظر تكنية الحلّاج بابي عمارة في كتاب الطواسين ( ص 69 ) بافتتاحه بعبارة : « قال العالم الغريب أبو عمارة الحسين بن منصور الحلّاج . . . » وكذا في كتاب « تقييد بعض الحكم والأشعار » لمجهول ، الذي أعقب ذلك بوصفه بأنه « مختصر من كلام السيد أبو ( كذا ) عمارة الحسين بن منصور الحلّاج » مخطوط المتحف البريطاني رقم 9692 .Add.

« 31 »
والأخوّة النفيسة التي تفضل أخوّة الدم « 1 » . وكان أبو عمارة الهاشمي من أبناء التجار الموسرين من أمّ ربعية « 2 » تألف التشيع والامتياز الروحي . وكان من العوامل التي ساعدت على الاتفاق بين الرجلين أن الهاشمي المذكور كان زوجا لامرأة أهوازية من بنات التجار يقال لها بنت ابن جان بخش « 3 » .
وهكذا تم الاتفاق بين الحلّاج ورأس علوي يصلح أن يكون قائدا لثورة عارمة في الوقت المناسب .
وذكر أنّ أبا عمارة هذا قد كان له مجلس في البصرة « يتكلم فيه على مذاهب الحلّاج ويدعو إليه » « 4 » ، وأن أتباع الحلّاج عدّوه « بمنزلة محمد بن أبي بكر [ ربيب علي وقتيل عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح في مصر لمّا وجهه علي أميرا عليها ] خال المؤمنين » « 5 » . ولفت اسم أبي عمارة أنظار المصنفين فذكروا أن الحلّاجية كانوا يوردون فيه أنه « حلّت فيه روح محمد بن عبد اللّه ( ص ) » « 6 » ، وأنه « كان يخاطب في الأهواز بسيدنا ، وهي من أعلى المنازل عندهم » « 7 » ، وبذلك ساغ أن نصف أبا عمارة هذا بنبي الحلّاج « 8 » .
ولعل أبا عمارة الصوفي المذكور هو المقصود بقول الثعالبي ( أبي منصور عبد الملك بن محمد النيسابوري ، ( ت 429 هـ / 1038 م ) : « وقرأت في كتاب التحف والطرف لأبي لبيب غلام أبي الفرج البّبغاء [ . . . ] لأبي عمارة الصوفي في ثقيل خفيف على القلب ( من الخفيف ) :وثقيل لو كان في حسناتي ، * وجميع الأنام في سيّئاتي
..........................................................................................
( 1 ) انظر في هذا المعنى بحثا لماسينيون بعنوان « سلمان الفارسي والبواكير الروحية في الإسلام » وقد ترجمه الدكتور عبد الرحمن بدوي وضمنه كتابه « شخصيات قلقة في الإسلام » وانظر في هذا الخصوص ص 19 ، وارجع إلى كتابنا : الصلة بين التصوف والتشيع ، ط 2 ، دار المعارف بمصر ، ص 197 .
( 2 ) نشوار المحاضرة 1 / 84 .
( 3 ) نشوار المحاضرة 1 / 174 . وجان بخش بالفارسية بمعنى باذل النفس ويدلّ على عراقة في الانتماء الفارسي . ولذلك تفنيد انظره في الموضع .
( 4 ) نشوار المحاضرة 1 / 174 . وجان بخش بالفارسية بمعنى باذل النفس ويدلّ على عراقة في الانتماء الفارسي . ولذلك تفنيد انظره في الموضع .
( 5 ) نشوار المحاضرة 1 / 174 . وجان بخش بالفارسية بمعنى باذل النفس ويدلّ على عراقة في الانتماء الفارسي . ولذلك تفنيد انظره في الموضع .
( 6 ) أيضا 1 / 177 .
( 7 ) أيضا 1 / 177 .
( 8 ) صلة عريب بن سعد القرطبي ( على هامش تجارب الأمم ) 1 / 86 .

« 32 »
لاستخفّ الذنوب بل ك * سر الميزان من ثقله على الكفّات
وله في ثقيل ( من الطويل ) :
ثقيل يراه اللّه أثقل من يرى * ففي كلّ قلب بغضة منه كامنه
مشى فدعا من ثقله الحوت ربّه * فقال : إلهي ، زدت في الأرض ثامنه !
( يتيمة الدهر ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد .
مطبعة السعادة بمصر 1377 ، 1 / 305 ) .
بعد هذا اتجه الحلّاج إلى الشيعة الاثنا عشرية في أيام محنة الغيبة الصغرى للمهدي عندهم ليتحالف معهم على مشاركتهم في حركته هذه التي تحقق لهم أعز هدف يتطلعون إليه ، وهو إسقاط الدولة العباسية التي اغتصبت السلطان من العلويين ثم انقلبت عليهم كما لم تنقلب الدولة الأموية نفسها .
وقصد الحلّاج إلى أبي سهل النوبختي للاتفاق معه - كما تذكر الكتب العامة « 1 » - أو إلى الحسين بن روح ( ت 326 هـ / 937 - 8 م ) الوكيل الثالث للمهدي أيام الغيبة الصغرى في رأي أتباعه - كما تذكر كتب الأثناء عشرية خطأ « 2 » - وتذكر أيضا أنه قصد إلى قمّ ، مركز الشيعة الأثناء عشرية في إيران حتى اليوم ، هادفا إلى استمالة أبي الحسن بن بابويه ، فخاب سعيه أيضا « 3 » . 
وفوق هذا ، ذكر الحلّاج ضمن كتابه « الإحاطة والفرقان » أسماء الأئمة الاثني عشر ابتداء من علي
..........................................................................................
( 1 ) انظر مثلا نشوار المحاضرة 1 / 81 ، تاريخ بغداد 8 / 124 ، المنتظم لابن الجوزي 6 / 62 / 163 وراجع أيضا روضات الجنات للخوانساري ( محمد باقر : 1226 - 1313 هـ / 1811 - 1899 م ) ، طهران 1307 هـ ، ص 227 .
( 2 ) انظر الغيبة للطوسي ( أبي جعفر محمد بن الحسين ، شيخ الطائفة ، ت 460 هـ / 1069 م ) ، ط . تبريز 1323 هـ ، ص 262 ، وذلك أن الحسين بن روح تسلم السفارة أو الوكالة أو النيابة من سلفه محمد بن عثمان بن سعيد المعروف بالشيخ الخلاني سنة وفاته في 304 هـ / 916 - 17 م أي بعد اعتقال الحلّاج بثلاث سنين ، فإن كانت المراسلة تمت قبل سنة 304 هـ المذكورة لم يكن منها الفائدة المرجوة باعتبار الحسين بن روح رجلا من رجال الشيعة ، ويبقى احتمال المراسلة ، بعد ذلك وفي فترة زعامته للشيعة وهذه جائزة .
( 3 ) أيضا ص 262 - 1916 م .

« 33 »
وانتهاء بالمهدي « ثم نسق الأئمة نسق الأهلّة » « 1 » ، وصلا بقوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً )( التوبة 9 : 36 ) ، على غرار ما صنعته الإسماعيلية من إصدار سباعاتهم إصدارا مقدسا يتصل بالعناية الإلهية ويتمثل في السباعات التي وضعها اللّه في الطبيعة كالكواكب السيارة والبحار وأيام الأسبوع وما إلى ذلك « 2 » .
وفوق هذا ذكر أن الحلّاجية كانوا يرون « أن الأئمة أنوار من نور اللّه تعالى وأبعاض من أبعاضه » « 3 » على نحو ما كان الغلاة يرون فيهم .
ولا يبعد أن يكون هذا المعنى مقصد الحلّاج حقا محاولة منه للصدور عن التشيع الذي ألفه وعاش في كنفه ، في شكليه الزيدي والقرمطي ، أثناء إقامته في إيران والبصرة وواسط من العراق ، وبخاصّة أن حركة القرامطة قد ظهرت في الكوفة وأطراف واسط سنة 278 هـ / 890 م « 4 » في أيام نضج الحلّاج وعلو شبابه .
لكن الاثنا عشرية أعرضوا عنه برواية المؤرخين من شيعة وغيرهم ، واتهمه الشيعة منهم بمنازعة رؤسائهم على الزعامة الدينية والقيادة المذهبية « 5 » . ولما يئس الحلّاج منهم تحول إلى القرامطة الذين خبرهم من قبل في أطراف العراق الجنوبي والأوسط ، وكانوا دعاة إلى الأئمة الفاطميين الذين بدأوا حركتهم في الشام على يد الإمام محمد الحبيب ( ت 297 هـ / 909 م ) ، قبل سنة 277 هـ المذكورة بالضرورة ، وجعلوا يحركون أتباعهم في أطراف العراق حتى قيّض لهم أن يؤسسوا

..........................................................................................
( 1 ) البدء والتاريخ للمقدسي ( محمد بن طاهر ، ت بعد 350 هـ / 961 م ، ط . فرنسا 1899 - 1916 م ) 5 / 26 .
( 2 ) انظر الصلة بين التصوف والتشيع لكاتب السطور ص 198 .
( 3 ) البدء والتاريخ للمقدسي 5 / 129 .
( 4 ) المنتظم لابن الجوزي 5 / 110 وانظر تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص 229 .
( 5 ) يرد ذلك في المصادر الشيعية المذكورة آنفا ، ويذكر القاضي عبد الجبار خبرا ربما سببا وجيها لإعراض الشيعة عن الحلّاج من أنه « كان ربما ادعى أنه من أولاد رسول اللّه ( ص ) - على ما ذكر » ( المغني في أبواب التوحيد 15 / 270 ) ليغنيه هذا الادعاء - إن صح - عن تطلب رأس علوي لحركته والاقتصار من القيادة الفخرية والفعلية على نفسه . ولعل وصف الحلّاج بالسيد في رأس رسالة « تقييد بعض الحكم والأشعار » في مخطوط المتحف البريطاني رقم 9692Addدليل على ذلك .


« 34 »
دولتهم في تونس سنة 299 هـ / 910 م .
ومن غرائب الاتفاقات أن السنة التي أخبر ابن النديم أن فيها « ظهر أمر الحلّاج وانتشر ذكره » « 1 » هي سنة 299 هـ ، هذه التي تأسست فيها الدولة الفاطمية . 
ومن هنا لم يكن غريبا ظهور رقعة من رقاع الحلّاج وفيها قوله لمريد من مريديه : « وقد آن الآن أذانك للدولة الغراء الفاطمية الزهراء المحفوفة بأهل الأرض والسماء . . . ليكشف الحق قناعه ويبسط العدل باعه » « 2 » .
ولا بد لنا من وقفة هنا ؛ فالظاهر أن الحلّاج استقى شيئا من أفكاره وأسلوب عمله من الإسماعيلية الباطنية التي لم تكن قد سجلت آراءها الإعلامية ، كما يقال الآن ، في رسائل إخوان الصفا التي ظهرت في البصرة في نحو سنة 352 ه - 963 م وإن كانت على ألسنة الدعاة وفي عقول المريدين وأفهامهم . ومع أن من غير المقنع أن يحال إلى نص متأخر نحو نصف قرن بوصفه منبع فكرة سابقة عليه ، نجد من المفيد تسجيل رأي إخوان الصفا في القربان أو التضحية والفداء في سبيل اللّه وتقسيمهم له إلى قربانين : شرعي وفلسفي على نسق ما فعل الحلّاج في قطعته التي استشهدنا بشطر منها في ما مرّ وضمّناها ديوانه اللاحق لهذه المقدمة .
قال إخوان الصفا : « واعلم ، أيها الأخ ، أن القربان كما ذكرنا قربانان : شرعي وفلسفي لا ثالث لهما . 
فأما القربان الشرعي فهو المأمور به في الحج من ذبح الحيوانات . . . وأما الفلسفي فهو مثل ذلك إلا أن النهاية فيه التقرب بالأجساد إلى اللّه سبحانه وتعالى بتسليمها إلى الموت وترك الخوف كما فعل سقراط لمّا شرب السم » « 3 » .
ومن المفيد أيضا أن نشير إلى ظاهرة أخرى تجمع الحلّاج وإخوان
..........................................................................................
( 1 ) الفهرست ، ص 270 - 284 .
( 2 ) نشوار المحاضرة ص 86 .
( 3 ) رسائل إخوان الصفا 4 / 208 .

« 35 »
الصفا في صعيد واحد . ذلك أن إخوان الصفا أشاروا ، في رسائلهم ، إلى أن لهم أعوانا ودعاة من طبقات الناس كلها من أولاء الملوك والأمراء والوزراء والعمال والكتّاب وأولاد الأشراف والدهاقين والتجار والتنّاء ( المرابطين ) وأولاد العلماء والأدباء والفقهاء وحملة الدين وأولاد الصناع والمتصرفين وأمناء الناس « 1 » . 
وذكروا أنهم يستطيعون معاونة أنصارهم بكل وسيلة عن طريق هؤلاء .
ومن هنا ليس بعيدا ولا غريبا أن يرتبط الحلّاج بالدعوة الإسماعيلية . 

ومما يرجّح هذا الظن أن دعاة الإسماعيلية كانوا يحملون اسمين : واحدا يعرفه الناس ممن يلقون الرجل الاعتيادي الذي ألفوه جارا وقريبا وخصما وصديقا ، والآخر يعرفه زملاؤه في الدعوة، وهو مقابل للاسم الحزبي عندنا في الحركات السرية في العراق المعاصر.
والغريب أن الحلّاج قد عرف باسمين : أحدهما ما نعرفه ، والثاني : محمد بن أحمد الفارسي « 2 ». 
فكأن الاسم الثاني مثّل صفته السياسية باعتباره داعية إسماعيليا على غرار ما كان عليه أبو عبد اللّه الصوفي الذي كانت مهمته العمل على نشر المذهب في المغرب ؛ فلعل الحلّاج كان مسؤولا عن المشرق « 3 » . 
ولعل من غير المملّ أن نذكر ما عهد عن الحلّاج من كرامات ومخاريق وسحر فإنه يمكن أن يلتقي مع أسلوب العمل الإسماعيلي الذي يخاطب الناس على قدر عقولهم ويعطيهم ما يريدون وبالأسلوب الذي يؤثر فيهم ويجذبهم إلى الدعوة ، وإلى هذا أشار إخوان الصفا في رسائلهم في قولهم داعين الداخلين في عقيدتهم إلى تصيّد ذوي الاستعداد لتقبّلها فقالوا :
« . . . وإذا عرفت منهم أحدا وأنست منهم رشدا فعرّفنا حاله وما هو بسبيله من أمور دنياه وطلب معاشه وتصرفه في حالاته لكي نعرف ذلك ونعاونه على ما يليق به من المعاونة . . . وإن كان ممن يرغب في العلم والحكمة والأدب وأمر الدين وطلب الآخرة علّمناه مما علّمناه اللّه عزّ وجلّ ، وألقينا إليه من
..........................................................................................
( 1 ) أيضا 4 / 214 - 15 .
( 2 ) هامش تجارب الأمم 1 / 86 .
( 3 ) انظر كتابنا : الصلة بين التصوف والتشيع ص 370 .

« 36 »
حكمتنا وأطلعناه على أسرارنا بحسب ما يحتمل عقله وتتسع له نفسه وتتوق همّته - إن شاء اللّه عزّ وجلّ » « 1 » . يضاف إلى هذا أن الإسماعيلية بشّروا بمذهب جامع لا يضادّ عقيدة وإنّما يقبل كل شيء ثم يؤّوّله تأويلا يضعه ضمن عقيدته ، وهو ما فعله الحلّاج من إفادته من آراء الهنود والفرس ومذاهب المتكلمين والفلاسفة وأصحاب الكيمياء والطب والسحر « 2 » . ، واستغلها كلها في نشر عقيدته وكسب الناس إلى صفه . 
وهذا - في رأينا - هو تفسير ما نسب إليه من مخاريق لا بد أنه تعلّمها في الهند بلد السحر والمخرقة إلى يومنا هذا .
مهما يكن الأمر فقد كانت الأحوال السياسية غير مستقرة في بغداد وكان المجتمع العراقي يغلي بعد الانقلاب الفاشل الذي راح ضحيته ابن المعتز ورجال الدولة الممتازون سنة 296 هـ / 908 - 9 م ، هذا إلى قيام دولة زيدية في طبرستان ودولة فاطمية في تونس ، وتهديد القرامطة المستمر للعراق نفسه . 
وفوق هذا كانت الأحوال الاقتصادية سيئة والأرزاق محبوسة عن الجند والأسعار عالية « 3 » ، وكل ما في الدولة يدل على السقوط والانهيار .
..........................................................................................
( 1 ) رسائل إخوان الصفا 4 / 215 .
( 2 ) بالنسبة للطب والكيمياء انظر : صلة عريب ( ص 89 ) والمنتظم 6 / 16 ، ومرت الإشارة إلى السحر في خبر ابن تيمية . وعن إحراز الباحثين العرب والمسلمين من القدماء لهذه الثقافات الواسعة نثبت هنا نصا نقله أستاذنا الدكتور محمد طه الحاجري في كتابه ( الجاحظ : حياته وآثاره دار المعارف 1962 ، ص 170 ، عن مجموعة برلين من مختارات ، الجاحظ : ورقة 75 ) وصف فيه الجاحظ أستاذه إبراهيم بن سيار النظام بأنه « كان فرضيا عروضيا ، وكان حاسبا منجما وكان نسابا وكان حافظا للقرآن العظيم وتفسيره وللتوراة والإنجيل والزبور وكتب الأنبياء . 
وكان قد عالج الكيمياء وعرف مذاهبها ، وكان أروى الناس لكلام الأوائل ولصنوف نحل الإسلام ، وأحسن الناس احتجاجا وأبلغهم عند الاحتجاج لسانا . . . وكان صاحب حديث عالما وكان له نسك ، وخالط الصوفية وأصحاب المضمار وعرف اختلافهم ، وكان يقول الشعر إذا أراده ، وكان يستخرج المعمى ، وكان حسن العلم بالنحو » .
( 3 ) انظر مروج الذهب للمسعودي 2 / 396 .

« 37 »
وفي سنة 299 هـ / 911 - 12 م ، وفي أيام وزارة ابن الفرات ( علي بن محمد بن موسى ، الذي قتل مصادرا سنة 312 هـ / 924 م ) ، الأولى أحست الدولة بالجهد الذي يبذله الحلّاج في الثورة عليها « 1 » ، أو إسقاطها من الداخل ، وذلك حين وشى به رجل من أهل البصرة كان من أنصاره وانفصل عنه « 2 » ؛ فجدّت الشرطة في البحث عنه دون جدوى ودامت المطاردة سنتين .
وفي سنة 301 هـ / 913 - 14 م ، قبض السلطان على غلام للحلّاج يعرف بالدبّاس « وأطال حبسه وأوقع به مكروها وخلّاه بعد أن كفله وأحلفه أن يطلب الحلّاج ، وبذل له مالا وكان يجول البلاد خلفه » « 3 » .
وفي هذه السنة كشفت امرأة النقاب عن وجود الحلّاج في السوس وذكرت للشرطة أنه « قد نزل في دار رجل يعرف بالحلّاج وله قوم يصيرون إليه في كل ليلة خفية ويتكلمون بكلام منكر . . . « 4 » » . 

وكان أن قبض عليه أبو الحسن علي بن أحمد الراسبي « 5 » . ( ت 301 هـ / 913 م ) الذي كان يتقلد من حدّ واسط إلى حد شهرزور وكورتين من كور الأهواز : جنديسابور والسوس ، وبادرايا وباكسايا « 6 » ؛ فكانت السوس ضمن أعماله .
ويبدو أن الراسبي سلم الحلّاج إلى حامد بن العباس ( الوزير الذي قتل الحلّاج في أيام وزارته ، وقتل هو مصادرا سنة 311 هـ / 924 م ) ، الذي كان يومئذ يلي واسطا ، وواجه الحلّاج عند محاكمته بقوله : « ألست تعلم أني قبضت عليك بدور الراسبي وأحضرتك ؛ فكيف ادّعيت بعدي الإلهية ؟ « 7 » » .

مهما يكن الأمر فقد قبض على الحلّاج في هذه المواضع ، ومعه أخو زوجته وانتهى الأمر بأن « حمل فأدخل مدينة السلام ( بغداد ) على جمل ومعه
..........................................................................................
( 1 ) انظر إشارة ابن النديم السابقة .
( 2 ) كتاب العيون والحدائق لمجهول ، على هامش تجارب الأمم ، 1 / 86 .
( 3 ) الفهرست ص 27 .
( 4 ) أيضا ، ص 284 .
( 5 ) المنتظم 6 / 162 . وقد ذكر ابن الجوزي قبل ذلك أن الذي قبض على الحلّاج هو عبد الرحمن خليفة علي بن أحمد الراسبي ، أي نائبه أو وكيله بلغة عصرنا ( 6 / 122 ) .
( 6 ) معجم البلدان لياقوت الحموي ، مادة « دور راسب » .
( 7 ) أربعة نصوص ، النص الأول ، ص 7 .

« 38 »
غلام له على آخر مشتهرين ونودي عليه : هذا أحد القرامطة فاعرفوه ، وحبس » « 1 » . وكانت القرمطة تهمة ليس عليها دليل مادي ، والظاهر أنها كانت أسرع التهم إلى الأفواه وأسهلها تسويفا ؛ فقد كان القرامطة أعداء العصر وكانت القرمطة تهمة العصر « 2 » .
..........................................................................................
( 1 ) المنتظم 6 / 115 .
( 2 ) لقد كانت الدولة العباسية تخشى القرامطة إلى حدّ فقدت معه صوابها معهم ، ومن هنا لما هزم القرامطة سنة 291 هـ - 903 - 4 م وأسر منهم جماعة فيهم قائد لهم يسمى زكرويه ويلقب بصاحب الشامة ، تفنن المكتفي الخليفة في إهانته ورسم الخطط لقتله أفظع قتلة . 
وانتهى الأمر بأن « دخل المكتفي بغداد ، والأسرى بين يديه مقيّدون ورئيس القوم قد جعل في فيه خشبة مخروطة وشدّت إلى قفاه كهيئة اللجام ! » ( المنتظم 6 / 23 ) ، ولم يكتف المكتفي بذلك بل أمر « ببناء دكة في المصلى العتيق من الجانب الشرقي ارتفاعها عشرة أذرع وبني لها درج . فلما كان يوم الاثنين لسبع بقين من ربيع الأول ، أمر المكتفي القواد والغلمان بحضور الدكة ، فحضرها الناس . 
وجئ بالأسرى - وهم يزيدون على ثلاثمائة - وجيء بالقرمطي الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة فصعد به إلى الدكة وقدم له أربعة وثلاثون من الأسرى ، فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم واحدا بعد الآخر . ثم قدم كبيرهم فضرب مائتي سوط وقطعت يداه ورجلاه وكوي بالنار ثم أحرق ورفع رأسه على خشبة . ثم قتل الباقون وصلب بدن القرمطي في طرف الجسر الأعلى » ( المنتظم 6 / 23 ) . 
وهذا نموذج من المثلة التي عاناها الحلّاج كلها كما يأتي .
والمهم أن الإسماعيليين أو الفاطميين - وكانوا أولياء القرامطة ومحركيهم - ذكروا هذا الحادث ونصوا على أن المقبوض عليه كان « أبا مهزول بن أبي محمد » وأنه وأخويه كانوا ينوون اغتيال الإمام لعزله إياهم عن قيادة الدعوة بعد موت أبيهم سنة 290 هـ - 902 - 3 م . 
وجاء الخبر هكذا : « ولما رجع القرمطي إلى بغداد شهر ونودي عليه ونصبت الدكة للمعتضد ( الصحيح المكتفي ) وفرش له البرمية حتى يشرف على قتله وهو يضرب بالسوط ، فقد كانوا يقولون : من أنت ؟ وأيش أنت أصلك ؟ ولمن كنت تدعو ؟ 
فقال لهم : ما أنا من أهل الرياسة ولا من أهل القرمطة ، إنما أمرني بالخروج رجل ، وهو فلان بن فلان من مدينة سلمية يعني المهدي عليه السلام - وهو من صفته كذا وكذا بصفته . وكتب صفته على ما وصف الملعون . 
ثم مات - لعنه اللّه - بالعذاب وأحرق بالنار » ( استتار الإمام : مذكرات في حركة المهدي الفاطمي لأحمد بن إبراهيم النيسابوري ، من إسماعيلية القرنين الثالث والرابع الهجريين / التاسع والعاشر الميلاديين ، نشر ، إيقانوف ، مجلة كلية الآداب ، ( القاهرة ، ديسمبر 1938 م ، ص 106 ) . وكان من رواج هذه التهمة في ذلك الوقت وبعده بقليل أن ابن الفرات ، الوزير الذي أمر بإلقاء القبض على الحلّاج لأول مرة ، قد اتهم بالقرمطة لما صودر -
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:47 pm

سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

وأخذ الحلّاج إلى علي بن عيسى الجراح الوزير ( ت 334 هـ / 946 م ) الذي استوزر في أول سنة 301 هـ / 913 م ، ليستجوبه ؛ فلم يظفر منه بطائل .
ويبدو أنّ صوفيّنا تظاهر بالبلاهة والسذاجة والجهل ؛ فاكتفى الوزير - وكان حكيما عاقلا محبا للصوفية وصديقا للشبلي « 1 » - بالعبث والتشهير به ، فأمر به
..........................................................................................
- سنة 312 هـ / 924 م ، وهي السنة التي أوقع فيها القرامطة بالحجّاج العراقيين وقتلوهم وسبوا نساءهم فووجه بقول نصر القشوري : « من الذي أسلم رجال السلطان وأصحابه إلى القرمطي سواك ! ؟ » مما حمل العامة على الوثوب على الوزير ورجم داره وصياحهم به : « يا ابن الفرات ، القرمطي الكبير ؟ ! » وقولهم عند القبض عليه : « قد قبض على القرمطي الكبير ! » ( المنتظم 6 / 188 - 189 ) . 
وكان ذلك من نصر القشوري ردا على ابن الفرات وانتقاما منه لا تهامه له بإخفاء رجل قبض عليه في بيت المقتدر تمهيدا لقتله ( الكامل لابن الأثير ، حوادث سنة 312 ، 8 / 47 ) فكأنه كان يتهمه بالتواطؤ مع القرامطة أيضا . وذكر ابن الجوزي ، في حوادث سنة 313 هـ و 315 هـ أخبار القبض على جماعة بتهمة القرمطة وقتلهم ( المنتظم 6 / 195 ، 209 ) ومن أكثر الأخبار إثارة في هذا المجال ما جاء في « استتار الإمام » في ما يتصل بظروف التمرد المذكورة على الفاطميين ، أن بني أبي محمد المذكور كانوا عازمين على التوجه إلى سلمية لإبادة العلويين فيها . 
وساق النيسابوري الخبر فقال : « فاتصل ذلك بدعاة بغداد ، وهم حامد بن العباس وابن عبد ربه وجماعته من الشيعة ، فكتبوا إلى المهدي ( عليه السلام ) أن بني أبي محمد قد عزموا على قتلك وقتل أهلك ؛ فإن كنت قاعدا فقم فإنهم قد زحفوا إليك وهم عازمون على قتلك . فإن لم يجدوا إلى ذلك سبيلا وشوا بك إلى أحمد بن طولون وهم يقولون : إنك مخالف للمذهب ويشهرون أمرك . . . » ( ص 96 ) ولولا بقية من تؤدة لاستعجلنا الزعم بأن المقصود بحامد بن العباس هنا خصم الحلّاج وعامل الدولة على واسط وليس ذلك كثيرا عليه ، وإن كان الأمر في حاجة إلى حجة أقوى .
وفوق هذا بقيت تهمة القرمطة مستمرة مع قوة الفاطميين وشدة خطرهم على الدولة العباسية ولم تنته حتى أواخر القرن الخامس الهجري . ومن هنا ذكر أن الكيا الهراس ( علي بن محمد بن علي الطبري ، 450 - 505 هـ / 1058 - 1111 م ، تلميذ أبي المعالي الجويني : عبد الملك بن عبد اللّه ، ت 478 هـ / 1085 م ) الذي درس بالنظامية ووعظ وذكر مذهب الأشعري » كاد له خصومه عند العامة « فرجم وثارت الفتن واتهم بمذهب الباطنية . فأراد السلطان قتله ، فمنعه المستظهر وشهد له » ( مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي : أبي المظفر يوسف بن قرأوغلي بن عبد اللّه البغدادي ، ت 654 هـ / 1256 م ، حيدر آباد ، 1951 م ، 8 : 1 / 37 .
( 1 ) ديوان أبي بكر الشبلي ، جمع وتحقيق وتقديم ، كاتب هذه السطور ، بغداد 1967 م ، ص 58 .

« 40 »
« فصلب في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة ثم في الجانب الغربي حتى رآه الناس « 1 » » . وذكر البغدادي أنّ هذا التشهير ، بالصلب - وهو حي معلّق بحبل تحت إبطيه كالجرّة المعلقة على خشبة - « 2 » ، استغرق أياما متوالية في رحبة الجسر كل يوم غدوة ( صباحا ) وينادى عليه بما ذكر ثم ينزل به ويحبس » « 3 » . 
والظاهر أن حبس الحلّاج دون قتله - في حال اتهامه بالقرمطة - قد قصد به إلى ضرب مثل في التسامح مع هذه الطائفة ، التي عاثت في العراق قتلا ونهبا ، في محاولة لتأليف قلوبهم وتجنّب شرورهم وضمان ولائهم محافظة على الدولة العباسية من السقوط . ولعل الدليل على هذا ما ذكره ابن الجوزي ، في حوادث سنة 301 ه المذكورة - من أن هذا الوزير « شاور المقتدر في أمر القرامطة فأشار بمكاتبة أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي المتغلب على هجر ؛ فتقدم إليه بمكاتبته . 
فكتب كتابا طويلا يتضمن الحثّ على طاعة الخلفاء ويعاتبه على ترك الطاعة ويوبّخه على ما يحكى عن أصحابه من إعلان الكفر . . . فوصل الكتاب وقد قتل أبو سعيد :
وثب عليه خادم له صقلابي فقتله » « 4 » . 
ولكن علي بن عيسى لم ييأس ، وإنما أمر رسله « بإيصال الكتاب إلى أولاده ومن قام مقامه » « 5 » ؛ فكان ردّهم كونهم متهمين في غير تهمة وقتالهم للدولة في حال من الدفاع عن النفس « 6 » . فلما وصل كتابهم « كتب الوزير إليهم كتابا جميلا يعدهم فيه بالخير » « 7 » . وهكذا
..........................................................................................
( 1 ) الفهرست لابن النديم ، ص 283 ، المنتظم 6 / 123 .
( 2 ) انظر في ذلك قول ابن المعتز في وصف صلب حمدان قرمط ، قبل قتله :
حتى أقيم في جحيم الهاجره‏  . ..    و رأسه كمثل قدر فائره‏
و جعلوا في يده حبالا     . . .    من قنب يقطع الأوصالا
و علقوه في عرى الجدار  . . .   كأنه برادة في الدار
و صفقوا قفاه صفق الطبل‏ . . .  نصبا بعين شامت و خل‏ 
( الديوان ، تحقيق الشيخ محيي الدين الخياط ، دمشق 1371 هـ / 1951 م ، ص 164 ) .
( 3 ) تاريخ بغداد 8 / 127 .
( 4 ) أيضا : 6 / 121 .
( 5 ) أيضا : 6 / 121 .
( 6 ) أيضا : 8 / 127 .
( 7 ) أيضا : 8 / 127 .

« 41 »
أبقي على الحلّاج وأكتفي بحبسه « سنين كثيرة ، ينقل من حبس إلى حبس حتى حبس بأخرة في دار السلطان » « 1 » .
ولم يمنع الاعتقال الحلّاج من التعبير عن مواجيده وأفكاره وإظهار مواهبه في الفراسة والسياسة وقراءة الأفكار وإظهار الكرامات والتأثير في الرجال ؛ ومن هنا يبدو أن فترة حبسه كانت أخصب ما مرّ به من سنيّ حياته . ويكفي أنه كتب ، في أثنائها ، كتابه « الطواسين » الذي لم يبق الزمان على غيره من مصنفاته « 2 » .
وقد ذكر خصوم الحلّاج أنه ، في هذه الفترة ، « استغوى جماعة من غلمان السلطان وموّه عليهم واستمالهم بضروب من حيله حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه ويرفّهونه » « 3 » . وبالغوا في ذلك حتى ذكروا أنه « راسل جماعة من الكتاب وغيرهم ببغداد وغيرها ، فاستجابوا له » « 4 » .
وفي هذه الأثناء كانت الدولة الفاطمية يرسخ بنيانها ، ففي سنة 301 هـ / 914 م ، سنة القبض على الحلّاج ، احتل الفاطميون الإسكندرية - في غزوة استطلاعية - وقطعة من الفيّوم « 5 » وثبتوا أقدامهم في تونس . وفي سنة 307 هـ / 919 م « دخلت القرامطة البصرة » « 6 » . وفي سنة 308 هـ / 920 م « ملك العبيديون جيزة الفسطاط ففزعت الخلق وشرعت في الهرب » « 7 » . 
وفي سنة 309 هـ / 921 م، سنة قتل الحلّاج، اندفع الفاطميون مرة أخرى إلى مصر العليا «8».
..........................................................................................
( 1 ) أيضا : 8 / 127 .
( 2 ) انظر المنحنى الشخصي لحياة الحلّاج ، لماسينيون في كتاب شخصيات قلقة في الإسلام ، ص 72 .
( 3 ) تاريخ بغداد 8 / 127 .
( 4 ) تاريخ بغداد 8 / 127 .
( 5 ) تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص 202 .
( 6 ) المنتظم لابن الجوزي 6 / 153 .
( 7 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 252 .
( 8 ) تاريخ الشعوب الإسلامية ص 202 وقد ذكر عريب القرطبي ، في صلته لتاريخ الطبري ( ط . ليدن 1897 م ) ، في حوادث هذه السنة أن فيها « زحف ثمل الفتى إلى الإسكندرية -

« 42 »
وفوق هذا كان المقتدر : جعفر بن المعتضد ، خليفة ضعيفا متقلبا استخلف بمساعدة حامد بن العباس سنة 295 هـ / 908 م ، وله من العمر ثلاث عشرة سنة ، وقتل دفاعا عن ملكه ضد المتآمرين عليه من قواده سنة 320 هـ / 932 م شابا في الثامنة والثلاثين من عمره « 1 » . وخلال حكمه ، الذي استغرق نحو ربع قرن ، غيّر وزراءه خمس عشرة مرة « 2 » . ولم يسلم المقتدر نفسه من عواصف السياسة بل عزل مرتين واستخلف ثلاث مرات « 3 » .
وإذا تعمقّنا الأسباب وتقصّينا الحقائق وجدنا المجتمع العراقي العباسي ، في مطلع القرن الرابع الهجري ، مضطربا إلى أبعد حدود الاضطراب ، يتحكم فيه رجال أعمتهم الأنانية وتطلبوا النفع الشخصي وحده ، واستغلوا الناس أشنع استغلال في ظروف عصيبة صعبة مهّدت لسقوط الدولة العباسية سقوطا جزئيا بدخول البويهيين العراق في سنة 334 هـ / 947 م ، ولولا لعبة الحظ وعمى السياسة لتغيّر مجرى التاريخ الإسلامي كلّه « 4 » .
والمهم في الأمر هنا أنّ رجال الدولة لم يكونوا يعملون لها بقدر ما كانوا يعملون لأنفسهم مستغلين مناصبهم والفوضى التي ضربت أطنابها في طول البلاد وعرضها . ومن هنا وجدنا عجبا من العجب ؛ فرجل مثل علي بن أحمد الراسبي ، الذي كان يتقلد الأعمال التي ذكرناها في ما مرّ ، لم يكن يدفع للدولة من الأموال التي يجبيها إلا مليونا وأربعمائة ألف دينار ، وهو
..........................................................................................
- فأخرج عنها قائد الشيعة ورجال كتامة . . . وأطلق كل من كان في سجنهم ، ثم أقبل ممدّا لمؤنس واجتمعا بفسطاط مصر وزحفا إلى الفيوم لملاقاة أبي القاسم الشيعي ومناجزته ومعهما جني الصفواني وغيرهم » ( ص 85 ) .
( 1 ) مروج الذهب للمسعودي ، مصر 1283 هـ ، 2 / 290 .
( 2 ) أيضا : 2 / 396 - 7 ، وبالنسبة لخلع المقتدر انظر المنتظم أيضا ( 6 / 96 ) . وقد استخلف المقتدر سنة 295 هـ / 908 م ، وخلع بعد أربعة أشهر وسبعة أيام ؛ وذلك لما وقع الانقلاب الفاشل الذي جاء بعبد اللّه بن المعتز إلى الخلافة ، التي لم تدم غير يوم واحد ، وأعيد الأمر بعده إلى المقتدر . وخلع المقتدر ثانية سنة 307 هـ / 929 م لصالح محمد بن المعتضد الذي لقب بالقاهرة ، وعاد الأمر إلى صاحبه بعد يومين فقط .
( 3 ) أيضا : 2 / 396 - 7 ، وبالنسبة لخلع المقتدر انظر المنتظم أيضا ( 6 / 96 ) . وقد استخلف المقتدر سنة 295 هـ / 908 م ، وخلع بعد أربعة أشهر وسبعة أيام ؛ وذلك لما وقع الانقلاب الفاشل الذي جاء بعبد اللّه بن المعتز إلى الخلافة ، التي لم تدم غير يوم واحد ، وأعيد الأمر بعده إلى المقتدر . وخلع المقتدر ثانية سنة 307 هـ / 929 م لصالح محمد بن المعتضد الذي لقب بالقاهرة ، وعاد الأمر إلى صاحبه بعد يومين فقط .
( 4 ) في الحق أن المعتضد تنبأ بزوال الملك على يدي المقتدر ، وقد كان تعليق ابن الجوزي على هذه النبوءة قوله : « فكان كما تنبأ » ( المنتظم 6 / 69 ) .

« 43 »
مبلغ زهيد جدا إذا قيس بما يتوقع من إيرادات هذه الرقعة الواسعة ذات الزراعات والصناعات الكثيرة . ومن هنا لم يكن غريبا أن يخلّف الراسبي « من العين ألف ألف دينار وآنية ذهب وفضة بقيمة مائة ألف دينار ، ومن الخيل والبغال والجمال ألف رأس ومن الخزّ ألف ثوب . وقيل : إنه كان له ثمانون طرازا [ - آلة ] ينسج فيها الثياب » « 1 » . 
وقد ذكر المؤرخون في علي بن محمد بن الفرات ، الوزير المشهور ، الذي استوزر للمقتدر ثلاث مرات « 2 » ابتداء من سنة 299 ه ، سنة طلب الحلّاج « 3 » ، أنه - مع كرمه وحبه للمساعدة وحكمته في تسيير شؤون الدولة - « ملك أموالا كثيرة تزيد على عشرة آلاف ألف دينار وبلغت غلته ألف ألف دينار » « 4 » . 
وأشار المؤرخون أيضا إلى أن تصرّف الوزراء وكبار الموظفين في أموال الدولة كان لا بد أن يرتبط بإضعاف القضاء لئلا يقع المسؤولون تحت طائلة العقاب . ومن هنا ذكر ابن عيّاش أنه « كان أول ما انحلّ من نظام سياسة الملك ، فيما شاهدناه ، القضاء » « 5 » . 
وأضاف إلى هذا أن ابن الفرات وضع منه وأدخل فيه أقواما لا علم ( لهم إليه ) « 6 » ، وكان السبب واضحا . لكن أول هذا الأمر كان لما « قلّد ابن الفرات أبا أمية الأحوص البصري ؛ فإنه كان بزازا ، فاستتر ابن الفرات عنده وخرج من داره إلى الوزارة فولاه القضاء » « 7 » . وإذ بلغ الأمر هذا المدى
..........................................................................................
( 1 ) المنتظم 6 / 125 ، وانظر أيضا صلة عريب ص 44 ، دول الإسلام للذهبي 1 / 144 النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 183 .
( 2 ) مروج الذهب 2 / 396 .
( 3 ) مروج الذهب 2 / 396 .
( 4 ) المنتظم 6 / 191 .
( 5 ) المنتظم 6 / 191 .
( 6 ) أيضا : 6 / 190 .
( 7 ) أيضا : 6 / 190 وقد ذكر ابن الجوزي أن أبا أمية « كان قليل العلم إلا أن عفته وتصوّنه غطى ( الصحيح : غطيا ) على نقصه ؛ فلم يزل بالبصرة حتى قبض عليه ابن كنداج ، أمير البصرة ، في بعض نكبات المقتدر لابن الفرات . . . ولا نعلم أن قاضيا مات في السجن سواه » ( المنتظم 6 / 190 ) . 
ويذكر أن أبا أمية هذا كان قاضي البصرة وواسط والأهواز . وكان من فتوّة أبي أمية أن ابن الفرات كان « قد صودر على ألف دينار وستمائة ألف دينار فأدى جميعها في مدة ستة عشر يوما من وقت أن قبض عليه » ( أيضا ) .


« 44 »
لم يكن عجيبا أن نقرأ أنه في سنة 307 هـ / 919 - 20 م « أمرت السيدة أم المقتدر قهرمانة لها تعرف بثمل أن تجلس . . للمظالم وتنظر في رقاع الناس في كل جمعة ؛ فجلست وأحضرت القاضي أبا الحسين الأشناني وخرجت التوقيعات على السداد » « 1 » . ! وغدا من الطبيعي أنه « ما مضت إلا سنوات حتى ابتدأت الوزارة تتّضح ويتقلدها من ليس بأهل [ لها ] » « 2 » . وغدت أشبه شيء بولايات العثمانيين على العراق حين كانت الولاية تباع لمن يزيد في الضمان ! وكان حامد بن العباس من هؤلاء الوزراء الذين نعنيهم هنا ؛ فمع أنه كان رجلا إداريا يلي واسطا منذ سنة 287 هـ / 900 م « 3 » إلا أن براعته كانت منصبّة على الضمان وتحصيل الأموال دون السياسة وتصريف شؤون الدولة . 
والحق أن السبب الذي جاء بحامد إلى هذا المنصب السامي لم يكن ليتعدى عجز الدولة عن الإنفاق على حربها لابن أبي الساج الذي كان يهددها بالزوال « 4 » . 
ذلك أن ابن الفرات لما رأى الأمور تسوء ، بفعل خروج الريّ عن ملك العباسيين « 5 » وتأخير رواتب الضباط والجنود الذين يحاربون في الجبهة « 6 » ، طلب إلى الخليفة أن يقدّم مائتي ألف دينار لتلافي الكارثة « 7 » . فأنكر عليه الخليفة ذلك « لأنه كان ضمن القيام بأرزاق الجنود والأحشاد وجميع النفقات المترتبة » .
..........................................................................................
( 1 ) أيضا 6 / 148 ، و « السيدة » هي أم ولد يقال لها شغب أدركت خلافته وسميت السيدة وكانت لأم القاسم بنت محمد بن عبد اللّه بن طاهر فاشتراها منها المعتضد » ( المنتظم 6 / 67 ) .       ( 2 ) أيضا : 6 / 191 .                ( 3 ) أيضا : 6 / 24 .
 ( 4 ) انظر تاريخ ابن خلدون 3 / 370 .
( 5 ) انظر تاريخ ابن خلدون 3 / 370 .
( 6 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 ، وانظر المنتظم لابن الجوزي 6 / 147 . وبالنسبة لثروة حامد بن العباس وجاهه ، ذكر ابن الجوزي أنه كان له « أربعمائة مملوك يحملون السلاح لكل واحد منهم مماليك ، وكان يحجبه ألف وسبعمائة حاجب ! » ( المنتظم 6 / 180 ) . وذكر ابن الجوزي أيضا أنه وجد لحامد في نكبته التي قتل فيها ( سنة 311 هـ / 924 م ) في بئر المستراح [ بالوعة المرحاض ] أربعمائة ألف دينار عينا ، دل عليها لما اشتدت به المطالبة . . . وباع حامد داره التي كانت له على الصراة ( أحد أنهار بغداد العباسية ) من نازوك بإثني عشر ألف دينار ، وباع خادما له عليه بثلاثة آلاف دينار ، وأقر حامد بألف ومائتي ألف دينار » ( المنتظم 6 / 180 - 183 ) .
( 7 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 ، وانظر المنتظم لابن الجوزي 6 / 147 . وبالنسبة لثروة حامد بن العباس وجاهه ، ذكر ابن الجوزي أنه كان له « أربعمائة مملوك يحملون السلاح لكل واحد منهم مماليك ، وكان يحجبه ألف وسبعمائة حاجب ! » ( المنتظم 6 / 180 ) . وذكر ابن الجوزي أيضا أنه وجد لحامد في نكبته التي قتل فيها ( سنة 311 هـ / 924 م ) في بئر المستراح [ بالوعة المرحاض ] أربعمائة ألف دينار عينا ، دل عليها لما اشتدت به المطالبة . . . وباع حامد داره التي كانت له على الصراة ( أحد أنهار بغداد العباسية ) من نازوك بإثني عشر ألف دينار ، وباع خادما له عليه بثلاثة آلاف دينار ، وأقر حامد بألف ومائتي ألف دينار » ( المنتظم 6 / 180 - 183 ) .

« 45 »
وحاول ابن الفرات معالجة الأمر بمطالبة حامد بن العباس « بأكثر من ألف ألف دينار من فضل ضمانه » ، لكن هذا لم يترك الفرصة تفلت « فكتب إلى نصر الحاجب وإلى والدة المقتدر [ وكانت متنفذة ] بسعة نفسه وكثرة أتباعه » واستعداده لتقديم كل ما يطلب منه من مال بشرط إيكال الأمور إليه . 
وهكذا صار محصّل الضرائب وزيرا . وظهر منذ اللحظة الأولى أن حامدا ليس مستوفيا لشروط الوزارة ، ومن هنا استعين بوزيرين سابقين لمساعدته على تسيير الأمور هما : علي بن عيسى وأبو علي بن مقلة وضم إليهما رجل كفء هو أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل المعروف بزنجي « 1 » . 
وتبين في النهاية « أنه لا فائدة في الاعتماد عليه في شيء من الأمور ، فتفرّد أبو الحسن علي بن عيسى بتدبير جميع أمور المملكة وصار حامد لا يأمر في شيء البتة » « 2 » . وإذ ساءت الأمور إلى هذا الحدّ ، كان من طبيعة الأشياء أن يجوع الناس ويتوتر الجو ويشغب الجند ويفلت زمام الأمور . 
وهكذا « شغب أهل السجن الجديد وصعدوا على السور فركب نزار بن محمد صاحب الشرطة وحاربهم وقتل منهم واحدا ورمى برأسه إليهم فسكنوا » « 3 » . 
وأعقب ذلك أن « كسرت العامة الحبوس بمدينة المنصور فأفلت من كان فيها ، وكانت أبواب المدينة الحديد باقية فغلّقت وتتبع أصحاب الشرطة من أفلت فلم يفتهم منهم أحد » « 4 » . ووثب بنو هاشم على علي بن عيسى لتأخر أرزاقهم فمدّوا أيديهم إليه ، فأمر المقتدر بالقبض عليهم وتأديبهم ونفاهم إلى البصرة وأسقط أرزاقهم » « 5 » . 
ومع أن حامدا عزل عن الوزارة سنة 307 هـ / 919 م إلا أن الظروف كانت من السوء بحيث اضطر السلطان إلى تكليفه بها بعد سنة من الزمان مما حمله على المبالغة في الشره ، فترك علي بن عيسى يصرّف الأمور وانصرف هو إلى ضمان « أعمال الخراج والضياع الخاصّة المستحدثة والقرارية بسواد بغداد والكوفة وواسط والأهواز
..........................................................................................
( 1 ) المنتظم 6 / 147 - 8 .
( 2 ) المنتظم 6 / 147 - 8 .
( 3 ) أيضا : 6 / 147 .
( 4 ) أيضا : 6 / 153 .
( 5 ) أيضا : 6 / 147 .

« 46 »
وأصبهان » « 1 » . وكان أن ترك بغداد تغلي وخرج هو إلى واسط ، مركزه الحصين ، « للنظر في الأعمال التي ضمنها » « 2 » . واتضح في ما بعد أن حامدا كان كغيره من الوزراء والقواد ممن اعتادوا أن يستغلّوا الظروف أشنع استغلال دون وازع من ضمير أو إنسانية فكانوا « يخزّنون الغلال » « 3 » ليرفعوا الأسعار ويزيدوا إيراداتهم ويكنزوا المال في غير وجهه ، وكان من تحصيل الحاصل أن ترتفع الأسعار ؛ لكن قلة ما بأيدي الناس من مال وانهيار الاقتصاد كليا حمل الناس حملا على التظاهر وإعلان السخط « فاضطربت العامة لذلك وقصدوا باب حامد فخرج إليهم غلمانه فحاربوهم فقتل من العامة جماعة ومنعوا يوم الجمعة من الصلاة وهدموا المنازل وأخربوا مجالس الشرطة وأحرقوا الجسور » «4» ، وذلك في سنة 308 هـ / 920 م .
وكان الأمر واضحا وعلاجه بسيطا ، وهكذا اضطر الخليفة إلى أن يأمر « بفتح المخازن التي للحنطة وبيعها ، فرخص السعر وسكن إلى منع الناس من بيع الغلال في البيادر وخزنها » «5». 
ولما كان حامد هو أساس البلاء ، انتهى الأمر بأن « رفع الضمان عن حامد وصرف عماله عن السواد » « 6 » « وبيع الكرّ بنقصان خمسة دنانير » « 7 » ، فأدّى الأمر إلى سكون مؤقت . ولم تنته المشاكل
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 .
( 2 ) المنتظم 6 / 156 . وفي هذا المجال ذكر ابن الأثير أن حامدا « قد ضجر من المقام ببغداد وليس إليه من الأمر شيء . . . وكان إذا اشتكى إليه [ إلى علي بن عيسى ] بعض نواب حامد يكتب على القصة [ - الشكوى ] إنما عقد الضمان على النائب الوزيري عن الحقوق الواجبة السلطانية فليقدم إلى عماله بكف الظلم عن الرعية » ، الكامل ( مصر 1303 ه ) ، 8 / 43 .
( 3 ) ابن خلدون 3 / 371 .
( 4 ) المنتظم 6 / 156 ، وانظر شذرات الذهب لابن العماد ( 2 / 252 ) حيث ذكر أن سنة 308 ه « فيها ظهر اختلال الدولة العباسية وجيشت الغوغاء بغداد . فركب الجند ، وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العباس ، فقصدت العامة داره فحاربهم غلمانه - وكان له مماليك كثيرة - فدام القتال أياما وقتل عدد كثير . ثم استفحل البلاء ووقع النهب في بغداد » .
( 5 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 .
( 6 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 371 .
( 7 ) المنتظم 6 / 156 .

« 47 »
بالترفيه عن الجياع بل سرعان ما استغاث العمّال وجميع أصحاب الأرزاق بأنه [ علي بن عيسى وكيل حامد بن العباس ] حطّ من أرزاقهم شهرين من كل سنة ، فكثرت الفتنة على حامد « 1 » . ومع هذا كله بقي حامد في دست الوزارة إلى سنة 311 هـ / 924 م « 2 » . فكان من سوء حظه أن وقع دم الحلّاج في رقبته . 
وقد صار الحلّاج شهيد الصوفية وراصّ بنيان التصوّف على مرّ العصور ، وباء حامد بن العباس بالفضيحة وسوء الصيت ، وغدا اسمه مقترنا بالحلّاج كما اقترن اسم هابيل بقابيل واسم يزيد بالحسين واسم يهوذا الأسخريوطي بالمسيح ( ع ) .
وإذا عدنا إلى الحقائق المتصلة بالسنين الأخيرة للحلّاج وجدناه ينقل من سجن إلى سجن خشية إنقاذ أتباعه له حتى استقر به الاعتقال في حبس منيع ، في ما يبدو ، ليكون تحت مراقبة الشرطة حتى يفصل في أمره . ويبدو أنه لم يكن رهن الاعتقال في ما دعي عندئذ بالسجن الجديد ، وهو السجن الذي حدث فيه الشغب سنة 306 هـ المذكورة ، وفرّ منه كثير من السجناء .
ولهذا أشار ماسينيون - دون دليل - إلى « أن الحلّاج رفض الفرار من حبسه » « 3 » . والظاهر أنه كان قبل ذلك في « دار السلطان » ، أي دار الخلافة كما يفهم من سياق الحوادث .
وفي المعتقل الجديد ظهرت مواهب الحلّاج وبراعاته من « حسن عبارة وحلاوة منطق وشعر على طريقة التصوف » « 4 » . 
ووجد الحلّاج في السجن طمأنينته وهدوء نفسه ، فانصرف إلى العبادة حتى قيل إنه « استمال أهل الحبس
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 373 .
( 2 ) المنتظم 6 / 180 .
( 3 ) المنحنى الشخصي للحلّاج ( ضمن شخصيات قلقة في الإسلام ص 75 ) . ولم يعين ماسينيون مصدر هذه الواقعة وما نعرفه من ذلك يتصل بقصة أسطورية جاءت في تذكرة الأولياء للعطار ( 2 / 113 ) ومحفل الأوصياء ( للأردستاني : علي أكبر حسين ، من رجال القرن الحادي عشر الهجري [ السابع عشر الميلادي ] ، مخطوط دائرة الهند بلندن رقمEthe45G، ورقة 265 ب ، وفيها الحلّاج كسر قيود ثلاثمائة سجين ممن كانوا ينزلون السجن معه وأطلقهم من السجن دون أن يفعل هو فعلهم رضي بالمصير الذي اختاره له اللّه .
( 4 ) تاريخ بغداد 8 / 112 .

« 48 »
بإظهار السنة فصاروا يتبرّكون به » « 1 » . وفوق هذا شغل الحلّاج نفسه بالتصنيف ؛ فعلاوة على كتاب « الطواسين » ، لا شك أنه كتب في السجن كتاب « السياسة والخلفاء» الذي ربما صنفه للمقتدر نفسه « 2 »، وكتاب « الدرّة » «3». 
الذي صنّفه باسم نصر القشوري ، حاجب المقتدر؛ وكتاب « السياسة » الذي صنفه باسم الحسين بن حمدان « 4 »، القائد الذي قتله الخليفة بوشاية حامد بن العباس سنة 306 هـ / 918 - 19 م « 5 ». 
وبهذا يتبين أن الحلّاج استمال موظفي القصر أيضا في فترة سجنه هذه ، وكان أولهم نصر القشوري الذي تسكت كتب التاريخ والسير عن ترجمته ( ت 316 هـ / 928 م ) « 6 » .
وقد ذكر - في ما يتصل بالصداقة التي توطدت أواصرها بين الحلّاج ونصر القشوري ، حاجب المقتدر - أنّ الأول « استغوى » الثاني « من طريق الصلاح والدين مما كان يدعو إليه » « 7 » ، وهو تعبير صاغه خصم لكنه يشفّ عن الجاذبية التي كان يتمتع بها الحلّاج حيال المحايدين من الناس ممن لا يدفعهم دافع ؛ من أوّل نظرة إلى الخصومة والتشنيع . 
ولعلّ عبارة عريب القرطبي أدنى إلى
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ بغداد 8 / 112 .
( 2 ) الفهرست لابن النديم ص 272 .
( 3 ) ذكر الصابي ( أبو الحسن الهلال بن المحسّن ، 359 - 448 هـ / 970 - 1056 م ) في كتابه « الوزراء » ، ( أو « تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء » ، تحقيق عبد الستار أحمد فراج ، مصر 1958 ) ، ص 231 أن خزانة علي بن عيسى الوزير كانت تحتوي على « دفتر منسوب إلى الحلّاج فيه آداب الوزارة » . 
فلعل هذا يرجّح تصنيف الكتاب باسم الخليفة ، وإن كان تصنيفه باسم الوزير عندنا أرجح تألفا لقلبه أو اعترافا بجميله لعدم إعدامه سنة 301 هـ لما قبض عليه والاكتفاء بالتشهير به ثلاثة أيام ، على نحو ما مر ، باعتبار هذا العقاب الحد الأدنى الذي لم يمكن فرض أقل منه على الحلّاج استجابة لضغط الحكومة .
( 4 ) الفهرست ص 272 .
( 5 ) الفهرست ص 272 .
( 6 ) قال فيه ابن الجوزي : « حجب المقتدر باللّه وتقدم عنده وكان دينا عاقلا . وخرج إلى لقاء القرامطة محتسبا [ ومتطوعا مجاهدا ] فأنفق من ماله مائة ألف دينار إلى ما أعطاه السلطان ، فاعتل في الطريق ومات في هذه السنة ( 316 هـ ) فحمل إلى بغداد في تابوت » ( المنتظم 6 / 220 ) .
( 7 ) تاريخ ابن خلدون 3 / 370 .

« 49 »
التعبير عن هذه الصلة الودّية بإفراغها في قوله : « وادّعى قوم أن نصرا مال إليه » « 1 » . لكن من الثابت أن نصرا كان يميل إلى الحلّاج إلى درجة الولاء وأنه ذهب في حمايته إلى حدّ مخاصمة علي بن عيسى في سبيله « 2 » .
وتطورت هذه المودّة إلى مدى بعيد ساغ معه لنصر القشوري أن يسمي الحلّاج بالشيخ الصالح « 3 »، وأن يقصد إلى دار الخليفة مستأذنا في « أن يبني له بيتا في الحبس » « 4 » . 

وانتهى الأمر إلى أن ( بني له دارا بجنب الحبس وسدّوا باب الدار وعملوا حوله سورا وفتحوا بابه إلى الحبس ، وكان الناس يدخلون عليه قريبا من سنة . . . » « 5 » . وكانت الحجة الظاهرة لهذه الحماية ما قيل من أنّ نصرا كان يسبغها على الحلّاج لأنه « سنّي وإنما تريد قتله الرافضة ! » « 6 » ، وهي حجة واهية متهافتة أريد بها تسويغ هذه الحماية تسويغا طائفيا يغطي على براءة الحلّاج مما رمي به من تهم ظاهرها ديني وباطنها سياسي بحت .
وكان للحلّاج حام آخر في القصر هو أمّ المقتدر : شغب ، وكانت أم ولد من جواري المكتفي « 7 » ولقبت بالسيدة في أيام ولدها ، في ما يبدو ، لئلا تسمى باسمها « 8 » الصارخ الدلالة على ماضيها . وكانت « السيدة » ذات شخصية
..........................................................................................
( 1 ) صلة عريب ، على هامش تجارب الأمم ، 1 / 86 .
( 2 ) أربعة نصوص ، النص الثالث ، ص 28 .
( 3 ) الفهرست لابن النديم ، ص 271 .
( 4 ) أربعة نصوص : النص الثالث ، ص 28 . والظاهر أن الحلّاج كان ، قبل بناء هذا السجن الخاص ، مكفولا من قبل نصر القشوري ومعتقلا في بيته حماية له وإعجابا به ، ومن هنا ذكر ابن كثير أن الحلّاج « كان قبل احتياط الوزير حامد عليه في حجرة من دار نصر القشوري الحاجب ، مأذونا لمن يدخل إليه . . . » ( البداية والنهاية 11 / 140 ) .
( 5 ) أربعة نصوص : النص الثالث ، ص 28 . والظاهر أن الحلّاج كان ، قبل بناء هذا السجن الخاص ، مكفولا من قبل نصر القشوري ومعتقلا في بيته حماية له وإعجابا به ، ومن هنا ذكر ابن كثير أن الحلّاج « كان قبل احتياط الوزير حامد عليه في حجرة من دار نصر القشوري الحاجب ، مأذونا لمن يدخل إليه . . . » ( البداية والنهاية 11 / 140 ) .
( 6 ) المنتظم 6 / 163 .
( 7 ) مروج الذهب 2 / 390 .
( 8 ) انظر المنتظم 6 / 233 ، ومن تصرفات هذه السيدة أنها « طلبت من القاضي أبي الحسن علي بن محمد بن أبي جعفر بن البهلول ( ت 318 هـ / 930 م ) كتاب وقف لضيعة كانت ابتاعتها ، وكان كتاب الوقف مخزونا في دار القضاء وأرادت أخذه لتحرقه وتمتلك الوقف . . . فقال لأم موسى القهرمانة [ لعلها ثمل الماضية ] : تقولين لأم المقتدر السيدة . اتقي اللّه ، هذا واللّه ما لا طريق إليه » . وقد ذكر ابن الجوزي أن المقتدر نفسه تدخل أيضا ليمنع ذلك ولم يرضه .

« 50 »
طاغية قوية ، تتدخل في شؤون الدولة وتفرض رأيها فرضا ، وقد مرّ كيف أنها أسست مجلسا للمظالم . وواضح أن هذه السيدة التركية ، في ما يبدو ، كانت عامية العقلية تتأثر بمظاهر الصلاح كتأثّر العوامّ البسطاء وتأثّر الرجال في دار السلطان الذين « مالوا [ إلى الحلّاج ] وصاروا يتبركون به ويستدعون منه الدعاء » « 1 » . 
ولهذا تحركت عاطفة الأمومة في « السيدة » لما « حمّ المقتدر وافتصد وبقي محموما ثلاثة عشرة يوما » « 2 » سنة 303 هـ / 916 م . 
هنا رجا نصر القشوري الحلّاج أن يدخل على الخليفة « فرقّاه . . . . فاتّفق زواله عنه وكذلك وقع لوالدة المقتدر : السيدة ، فرقّاها فزالت عنها » « 3 » . 
وقصة مثل هذه معقولة ومناسبة لمجرى الأحداث ؛ ويؤكدها أنّ نصرا والسيدة حاولا منع المقتدر من إعدام الحلّاج بعد صدور الحكم ، دون جدوى ، « فحمّ المقتدر يومه فازداد نصر والسيدة افتنانا وتشكك المقتدر فيه » « 4 » .
وهكذا عاش الحلّاج ناعم البال في قصر الخليفة - وإن كان يحسّ الأخطار تتهدده كل يوم من قبل حامد ورهطه . وجاءت النهاية في سنة 309 هـ / 922 م في ظروف عصيبة جابهتها الدولة من الشعب الثائر والجيش الشاغب والضمان الملغى لحامد الوزير بفعل ثورة الشعب والجيش . 
وقد حاول حامد بن العباس أن يقمع الشعب ، وكان جلّه من الحنابلة الذين نما عددهم باضطراد من أيام انتصار أحمد بن حنبل على المعتزلة ونصرة المتوكل له قبل هذا التاريخ ، وفي سنة 232 هـ / 846 م بالتحديد . 
وتحقيقا لهذا الغرض « أحضر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري [ المؤرخ المشهور ، ت 310 هـ - 922 م ] إلى دار علي بن عيسى لمناظرة الحنابلة ، فحضر ولم
..........................................................................................
( 1 ) المنتظم 6 / 130 .
( 2 ) أيضا : 6 / 131 .
( 3 ) البداية والنهاية 11 / 140 ، وانظر المنحنى الشخصي للحلّاج من كتاب شخصيات قلقة في الإسلام ( ص 72 ) حيث أضاف ماسينيون إلى هذا إحياء الحلّاج لببغاء كان لولي العهد نقلا عن صلة عريب ( هـ . ص 92 ) ، وكأنه قصة حقيقية .
( 4 ) نشوار المحاضرة 1 / 83 .

« 51 »
يحضروا فعاد إلى منزله . . . » « 1 » ، وكان ذلك في ذي القعدة من هذه السنة « 2 » ، وهو الشهر الذي قتل الحلّاج في الرابع والعشرين منه كما يأتي .
ولما فشلت هذه المحاولة اتجه حامد إلى استرضاء الخليفة في محاولة للبقاء في الحكم وكسب ثقته ومودته وإطلاق يده لتعويض ما فاته في السنة الماضية من خسارة فادحة أصابته بسبب إلغاء ضمانه وتخفيض أسعار المحاصيل التي بيعت على الناس من الأراضي التي كانت تحت يده . ومن هنا ذكر ابن الجوزي أن حامدا أهدى « . . . إلى المقتدر البستان المعروف بالناعورة : بناه له وأنفق على بنائه ألف دينار وعلّق على المجالس التي فيه الستائر وفرشه باللبود الخراسانية ثم أهداه » « 3 » .
وإذا عرفنا أن ابن الفرات كان يقدّر للنفقة على الجيش العباسي ، الذي كان يحارب ابن أبي الساج مائتي ألف دينار فقط ، أدركنا عظم هذه الهدية التي قدمت إلى الخليفة - وليس من المبالغة في شيء أن نصفها بالرشوة ، في وقت كان الناس يتضورون فيه جوعا ويحتاجون إلى الدانق لسدّ جوعتهم .
ولما اطمأن حامد إلى رضا المقتدر وضمن سكوته ، وكان حينئذ شابا في السابعة والعشرين ، اتجه إلى قطاع آخر من العامة يدين بالولاء للحلّاج والصوفية على العموم من أصحاب القيم الروحية ، وكان كثير منهم يدين بمذهب ابن حنبل ، كصديق الحلّاج وتلميذه أحمد بن عطاء الأدمي « 4 » الذي
..........................................................................................
( 1 ) المنتظم 6 / 159 . ولم يغفر الحنابلة للطبري موافقته على مناظرتهم باعتبارها ضربا من المعارضة والتحالف مع الدولة على اضطهادهم . 
ومن هنا ، لما مات في سنة 310 هـ / 923 م « دفن ليلا . . . لأن العامة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار وادّعوا عليه الرفض ثم ادعوا عليه الإلحاد ! » ( المنتظم 6 / 172 ) . 
وقد شرح ابن الجوزي هذه التعقيدات بأن الطبري كان يرى جواز المسح على القدمين ولا يوجب غسلهما ( كالشيعة ) فلهذا نسب إلى الرفض ( أيضا ) .
( 2 ) المنتظم 6 / 159 .
( 3 ) أيضا : 6 / 159 .
( 4 ) انظر مثلا أخذه عن الفضل بن زياد صاحب أحمد بن حنبل في تاريخ بغداد 5 / 26 وراجع المنحنى الشخصي للحلّاج من كتاب « شخصيات قلقة في الإسلام » ص 76 .

« 52 »
توفي بعد الحلّاج بأيام « 1 » متأثرا بالضرب الشديد الذي عاناه في أثناء التحقيق مع الحلّاج نتيجة إهانته لحامد بن العباس ورفضه التعاون معه على هلاك صديقه .
وبهذا يبدو أن حامدا وجّه حقده وغيظه وحسده إلى الحلّاج ، أسيره في قصر السلطان ، ثأرا لماله وكرامته وحفظا لمستقبله وانتقاما من العامة في صورة رجل من زعمائهم . 
ويبدو أن حامد بن العباس أخذ يقارن بين غناه وفقر الحلّاج وجاهه وحبس الحلّاج وبين تفكيره المادّي الصرف ، الذي لا ينفصل عن المال والخراج والضمان والضياع ، وبين تفكير الحلّاج الروحي البحت الذي تتكرر فيه عبارات النور الشعشعاني « 2 » والحب الإلهي والتضحية في سبيل اللّه والحياة بعد الموت وما إلى ذلك ؛ فأخذه الدهش من إخفاقه ونجاح هذا الأسير ، وبين كره الناس له وحبهم لسجينه حتى لقد جذبت مغناطيسيته رجال القصر ونساءه بما في ذلك السيدة أم الخليفة نفسها . ورجل مثل حامد في حيرته وجهله لا بدّ أن تضيق به الدنيا في حال عجزه عن تحقيق ما تمنّاه وإخفاقه في قمّة مجده لما بلغ الوزارة ، وهذا في مقابل نجاح باهر حظي به سجين منقطع عن الدنيا منذ ثماني سنوات يزوره الناس من الطبقات كافة ، ويتوسلون إليه في الدعاء لهم ، ويتزاحمون على رؤيته والسماع منه . وهكذا انضم حامد إلى موكب الحاسدين الحاقدين على الحلّاج وجعل يتحيّن الفرص للإيقاع به وعيّن له غلاما من غلمانه لمراقبته انتظارا للفرصة « 3 » .
وجاءت اللحظة التي طال انتظارها . فقصّ علينا ابن زنجي - نجل
..........................................................................................
( 1 ) ذكر ابن الجوزي أنه توفي في ذي القعدة في ( المنتظم 6 / 160 ) .
( 2 ) ذكر ابن أبي الحديد ( عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني ، ت 655 هـ / 1258 م ) في شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، مصر 1959 - 1964 م ، 11 / 141 ) أنه « كان مما نقم حامد بن العباس وزير المقتدر وعلي بن عيسى الجراح وزيره أيضا على الحلّاج أنهما وجدا في كتبه لفظ النور الشعشعاني وذلك لجهالتهم مراد القوم واصطلاحهم ومن جهل أمرا عاداه » .
( 3 ) تأتي الإشارة إلى المرجع في ما بعد .

« 53 »
الإداري الذي عيّن مساعدا لحامد - تفاصيلها بقوله : « كنت أنا وأبي يوما بين يدي حامد إذ نهض مسرعا من مجلسه .
وخرجنا إلى دار العامة وجلسنا في رواقها وحضر هارون بن عمران الجهبذ بين يدي أبي ، ولم يزل يحادثه .
فهو في ذلك إذ جاء غلام حامد ، الذي كان موكلا بالحلّاج ، وأومأ إلى هارون بن عمران أن يخرج إليه ، فنهض مسرعا ونحن لا ندري ما السبب .

فغاب عنا قليلا ثم عاد وهو متغير اللون جدّا . فأنكر أبي ما رأى فسأله عن خبره فقال : دعاني الغلام الموكل بالحلّاج فخرجت إليه فأعلمني أنه دخل إليه ومعه الطبق الذي رسمه أن يقدم إليه في كل يوم فوجده قد ملأ البيت بنفسه فهو من سقفه إلى أرضه وجوانبه حتى ليس فيه موضع ! فهاله ما رأى ورمى بالطبق من يده وعدا مسرعا ، وأنّ الغلام ارتعد وانتفض وحمّ . فبينما نحن نتعجب من حديثه إذ خرج إلينا رسول حامد وأذن في الدخول إليه ، فدخلنا .
وجرى حديث الغلام ، فدعا به فإذا هو محموم . وقصّ عليه قصّته فكذّبه وشتمه وقال : فزعت من نيرنج الحلّاج [ ! ] وكلاما في هذا المعنى - لعنك اللّه أغرب عني . فانصرف الغلام وبقي على حالته من الحمى مدة طويلة » « 1 » .

وعدّ حامد بن العباس هذا العمل من الحلّاج ، عبثا به هو شخصيا ومحاولة للنفوذ إلى جماعة غلمانه لصرفهم عنه والتآمر عليه ؛ فكان ذلك في مثل هذه الظروف الحرجة تحدّيا سافرا من الحلّاج وفرصة ذهبية لحامد بن العباس يشفي بها صدره ويثأر لكرامته التي نالت منها العامة .
وحشد حامد طاقاته كلها يجمع خيوط الاتهام لينسج منها شبكة يوقع فيها
..........................................................................................
( 1 ) تجارب الأمم لمسكويه ص 79 - . 80 وقد وصف المناوي ( أبو محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي الحدادي ، ت 1031 هـ / 1622 م ) ، هذه الظاهرة بالتطوّر وقال « وكان شأنه التطور فلما طلب للقتل تطور في البيت فملأه ، فأتاه الجنيد وقال : فتحت في الإسلام ثغرة لا يسدها إلا رأسك . . » ( الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية ، الجزء الثاني ، مصر 1963 م ص 25 ) وظاهر أنه - وإن احتملنا تسمية هذه الظاهرة كذلك - إلا أن مجرى الحوادث لم يكن على الصورة التي رواها المناوي إذ معروف أن الجنيد سبق الحلّاج إلى الدار الأخرى بإحدى عشرة سنة .

« 54 »
الحلّاج . وبدأ حملة واسعة افتتحها باعتقال من كان له وجه اتصال بالحلّاج واستنطاقه بالعسف والتنكيل ليقرّ بما يلقي به إلى الهلكة . وهكذا قبض على « حيدرة والسمري ومحمد بن القنّائي والمعروف بأبي المغيث الهاشمي » « 1 » من جماعته . وكبست دار الحلّاج نفسه ، فذكر أنه عثر فيها على « دفاتر كثيرة » وكذا في منزل القنائي وكان فيها أسماء بن بشر وشاكر اللذين اتضح - في ما زعم من أقوال أصحابه - أنهما كانا داعيين له في خراسان « 2 » . وكانت حصيلة هذه الخطوة اعترافات من أصدقاء الحلّاج بادّعائه الإلهية « 3 » . وزعم حامد أنه وجد في كتب الحلّاج ما يصلح أن يكون فقها لمذهبه ودينه ، فيه ذكر للصيام والصلاة والزكاة والحج والعبادة على طريقته الخاصة . وذكر في ما يتعلق بتفصيلات هذه العبادات أنه « إذا صام الإنسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر ، وأخذ في اليوم الرابع ورقات هندباء وأفطر عليها ، أغناه عن صوم رمضان . وإذا صلى في ليلة واحدة ركعتين من أوّل الليلة إلى الغداة ، أغنته عن الصلاة بعد ذلك . وإذا تصدّق في يوم واحد بجميع ما ملكه في ذلك اليوم أغناه ( اللّه ) عن الزكاة . وإذا بنى بيتا وصام أياما ثم طاف حوله عريانا مرارا أغناه اللّه عن الحج . وإذا صار إلى قبور الشهداء بمقابر قريش في ( كاظمية الحالية شمال بغداد ) عشرة أيام يصلّي ويصوم ولا يفطر إلّا بشيء يسير من خبز الشعير والملح الجريش ، أغناه اللّه عن العبادة باقي عمره » « 4 » .
ولم يكتف حامد بذلك وإنما زيّن له ضميره أن يطعن الحلّاج في شرفه
..........................................................................................
( 1 ) صلة عريب ، على هامش تجارب الأمم 1 / 79 . وذكر مسكويه أنهما طلبا من خراسان مرة بكتب رسمية « فلم يرد جواب أكثرها ، وقيل في ما أجيب عنه منها :
إنهما يطلبان ومتى حصلا حملا ، ولم يحملا إلى هذه الغاية » ( تجارب الأمم ، نشر ليونيه كيتاني ، طبعة مصورة ، ليدن ، 1909 - 17 م ، 5 / 157 ) .
وذكر في شأن شاكر هذا الذي وصف بكونه « خادم الحلّاج » أنه « كان من أهل بغداد ، وأنه كان شهما مثل الحلّاج وهو الذي أخرج كلامه للناس ضرب [ضربت] عنقه بباب الطاق بسبب ميله إلى الحلّاج ».
( 2 ) صلة عريب ، على هامش تجارب الأمم 1 / 79 . وذكر مسكويه أنهما طلبا من خراسان مرة بكتب رسمية « فلم يرد جواب أكثرها ، وقيل في ما أجيب عنه منها :
إنهما يطلبان ومتى حصلا حملا ، ولم يحملا إلى هذه الغاية » ( تجارب الأمم ، نشر ليونيه كيتاني ، طبعة مصورة ، ليدن ، 1909 - 17 م ، 5 / 157 ) .
وذكر في شأن شاكر هذا الذي وصف بكونه « خادم الحلّاج » أنه « كان من أهل بغداد ، وأنه كان شهما مثل الحلّاج وهو الذي أخرج كلامه للناس ضرب [ضربت] عنقه بباب الطاق بسبب ميله إلى الحلّاج ».
( 3 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 ، تاريخ بغداد 8 / 126 .
( 4 ) المنتظم 6 / 163 .
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:48 pm

سيرة الحلاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

وذلك بزعمه أنه استدعى زوجة صاحبه السمري أو ابنته - وكانت مقيمة عند الحلّاج في سجنه مع أسرته - واستجوبها ، فذكرت ، فوق ما ذكرت من نيرنجات وحيل وأمثلة للكفر ، قولها : « وكنت نائمة ، وهو قريب مني . فما أحسست إلّا وقد غشيني ؛ فانتبهت فزعة ، فقال : إنما جئت لأوقظك للصلاة ! » « 1 » ، كل هذا وللحلّاج خمس وستون سنة . وزيادة في الحرص على ضبط صحيفة الاتهام ، حاول حامد بن العباس أن يضرب الصوفية بعضهم ببعض ، ومن هنا استدعى أبا العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي ، صديق الحلّاج وتلميذه ، بقصد إرهابه واستخلاص شهادة منه بإدانة الحلّاج ، غير أن فتوة ابن عطاء وولاءه لأستاذه حملاه على أن يواجه الوزير بقوله : « ما لك ولهذا ؟ عليك بما نصبت له من أخذ أموال الناس وظلمهم وقتلهم ! ما لك ولكلام هؤلاء السادة ؟ » « 2 » .
وكانت النتيجة ، بالنسبة لابن عطاء ، معروفة ؛ فقد ضرب ضرب التلف حتى مات بعد ذلك بأسبوع « 3 » ، فسبق الحلّاج إلى الرفيق الأعلى بنحو أسبوعين أو زيادة أيام « 4 » ، فلم يشهد العذاب الفظيع الذي تعرّض له صديقه في ما بعد .

وفوق هذا ، يبدو أن حامد بن العباس نقل الحلّاج من حبسه إلى بيته هو مبالغة في الحرص وزيادة في الحيطة ، وكان يفتنّ في إهانته هناك . وذكر عريب القرطبي أن حامدا « كان يخرجه إلى من حضره ، فيصفع وتنتف لحيته » « 5 » ، وفي أثناء ذلك كان حامدا « يستنطقه فلا يظهر منه ما تكرهه الشريعة المطهرة » « 6 » .
..........................................................................................
( 1 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 255 ، عن ثابت بن سنان ، وترد القصة بدون هذه الواقعة في صلة عريب ( على هامش تجارب الأمم 1 / 89 ) . وذكر مسكويه أن هذه المرأة قد حميت ، و « جعلت في دار حامد إلى قتل الحلّاج » ( تجارب الأمم ، الطبعة السابعة ، 5 / 157 ) .
( 2 ) أربعة نصوص ، النص الثاني ، ص 21 .
( 3 ) أربعة نصوص ، النص الثاني ، ص 21 .
( 4 ) انظر تاريخ بغداد 5 / 30 ، حيث حقق الخطيب وفاة ابن عطاء فوجدها « لأيام خلت من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة » .
( 5 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 6 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .

« 56 »
بعد كل هذا الإعداد ، قدّم الحلّاج إلى المحاكمة بحضور حامد بن العباس نفسه ، وكانت هيئتها مكوّنة من القضاة الرسميين الكبار في بغداد :
فكان رئيسها أبو عمر الحمادي ( محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق الأزدي البغدادي ، 243 - 320 هـ / 857 - 932 م ) قاضي الجانب الشرقي « 1 » ، وهو الكرخ « 2 » ، من بغداد . واختير مع أبي عمر أبو جعفر بن البهلول ( محمد بن أحمد بن إسحاق التنوخي الأنباري ) « 3 » ، ( ت 318 هـ / 930 م ) قاضي مدينة المنصور « 4 » - وهو الجانب الغربي من بغداد - منذ سنة 296 هـ / 908 م « 5 » .
وشارك هذين ابن الأشناني ( أبو الحسين عمر بن مالك الشيباني ( 259 - 339 هـ / 872 - 951 م ) ، محتسب بغداد السابق « 6 » ، الذي كان قادما من مقر عمله القضائي في الشام « 7 » ليخلف ابن البهلول في منصبه « 8 » في ما يبدو . وكانت هذه الهيئة الثلاثية « 9 » مالكية برئيسها « 10 » ، حنفية بعضويها « 11 » ، و « لم يحضر الجلسة أحد من الشافعية » « 12 » ولا الحنابلة ، بالضرورة لأنهم كانوا خصوم الدولة ومعارضين لهذه المحاكمة على إطلاقها بتأثير أحمد بن عطاء الذي كان ينتمي إليهم « 13 » . ومع أن أعضاء المحكمة كانوا من مشاهير

...................................
( 1 ) تاريخ بغداد 3 / 401 ، وكان أبو عمر قاضيا لمدينة المنصور في الجانب الغربي منذ سنة 284 ه ورقي إلى هذا المنصب سنة 292 هـ وأعفي منه بعد أربع سنوات وأعيد إليه سنة 301 ه على يد علي بن عيسى الوزير ثم عين قاضيا للقضاة سنة 317 . وانظر أيضا اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير ، مصر 1357 هـ ، 2 / 386 والعبر في خبر من غبر للذهبي ، الكويت 1960 - 61 م ، 2 / 183 .
( 2 ) تاريخ بغداد 3 / 401 .
( 3 ) تاريخ بغداد 1 / 278 ، وانظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 228 ، وشذرات الذهب لابن العماد 2 / 276 .
( 4 ) تاريخ بغداد 1 / 278 ، وانظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 228 ، وشذرات الذهب لابن العماد 2 / 276 .
( 5 ) تاريخ بغداد 1 / 278 ، وانظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 228 ، وشذرات الذهب لابن العماد 2 / 276 .
( 6 ) تاريخ بغداد 11 / 237 ، وبالنسبة لاستخلافه ابن البهلول ، عيّن ابن الأشناني في هذا المنصب سنة 310 ه ولم يبق فيه غير ثلاثة أيام ( المنتظم لابن الجوزي ، 6 / 66 ) وهذا التاريخ معقول بخلاف ما حدده الخطيب البغدادي بسنة 316 ه ولعله تصحيف في المخطوط أو خطأ في الطبع .
( 7 ) تاريخ بغداد 11 / 237 ، وبالنسبة لاستخلافه ابن البهلول ، عيّن ابن الأشناني في هذا المنصب سنة 310 ه ولم يبق فيه غير ثلاثة أيام ( المنتظم لابن الجوزي ، 6 / 66 ) وهذا التاريخ معقول بخلاف ما حدده الخطيب البغدادي بسنة 316 ه ولعله تصحيف في المخطوط أو خطأ في الطبع .
( 8 ) تاريخ بغداد 11 / 237 ، وبالنسبة لاستخلافه ابن البهلول ، عيّن ابن الأشناني في هذا المنصب سنة 310 ه ولم يبق فيه غير ثلاثة أيام ( المنتظم لابن الجوزي ، 6 / 66 ) وهذا التاريخ معقول بخلاف ما حدده الخطيب البغدادي بسنة 316 ه ولعله تصحيف في المخطوط أو خطأ في الطبع .
( 9 ) انظر نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي 1 / 83 ، الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 10 ) انظر الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون ( برهان الدين إبراهيم بن علي اليعمري المدني ، ت 799 ه / 1399 م ) ، ط 4 ، مصر 1351 ، ص 241 - 2 .
( 11 ) المنحنى الشخصي للحلّاج : شخصيات قلقة في الإسلام ص 76 - 77 .
( 12 ) المنحنى الشخصي للحلّاج : شخصيات قلقة في الإسلام ص 76 - 77 .
( 13 ) المنحنى الشخصي للحلّاج : شخصيات قلقة في الإسلام ص 76 - 77 .

« 57 »
القضاة ، وخصوصا رئيسها أبا عمر الحمادي الذي كان مضرب المثل في العدل والحلم والنزاهة والعلم « 1 » - وكانوا يمثلون أعلى المستويات في القضاء - إلا أنه لا مفر من ملاحظة ما انطوى عليه هذا التشكيل من تحيّز وسوء نية من قبل حامد بن العباس تحقيقا لرغبته العارمة في الانتقام ، فمن المعروف أوّلا : أن المالكية لا يجوّزون توبة الزنديق أصلا بعكس غيرهم من أتباع المذاهب الأخرى « 2 » ، وكان هذا هو موقف أبي عمر في أثناء المحاكمة « 3 » . 
فكأنّ تعيين هذا القاضي ضمن هيئة المحكمة أريد به الحكم بالإعدام لا غيره . ومما يؤكد هذا أن الشافعيّة لم يمثّلوا في المحاكمة كما مرّ ، لسبب بسيط واضح هو قبولهم لتوبة الزنديق والحكم بإطلاق سراحه متى اعترف وتاب . 
والشيء الآخر في هذه المحكمة أن اختيار أبي جعفر البهلول ربّما قصد به كبح جماح ( السيدة ) والدة الخليفة من التدخل في صالح الحلّاج باعتبار موقف القاضي السابق منها في القضية المذكورة آنفا . 
من هنا يحتمل أن يكون اختيار أبي الحسين الأشناني - القاضي المفضّل عند السيدة نفسها - قد وقع تحت تأثيرها الشخصي ليقف في صف الحلّاج . 
لكن هذا القاضي وقع فريسة سهلة ، لرهبة حامد بن العباس أو رغبته ، ومال مع رأي القاضي المالكي المذكور . 
ويبدو أن الثمن كان قضاء الرصافة أو مدينة المنصور الذي عين فيه في ما بعد ولم يستمر فيه إلا ثلاثة أيام فقط ، وآخر ما يتصل بتحيّز هذه الهيئة أن حامدا حشد لها عددا وافرا من الشهود وكافأ رئيسهم بمنصب قضائي فخري في القاهرة « 4 » ليكون بمنجاة من انتقام أنصار
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ بغداد 3 / 401 ، وذكر البغدادي هنا « أن الإنسان كان إذا بالغ في وصف رجل قال : كأنه أبو عمر وإذا امتلأ الانسان غيظا قال : لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت » ( الموضع نفسه ) . انظر أيضا : العبر للذهبي 2 / 183 ؛ شذرات الذهب 2 / 386 ؛ الديباج المذهب لابن فرحون ص 241 - 242 .
( 2 ) راجع نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار للشوكاني ( محمد بن علي بن عبد اللّه 1173 - 1250 هـ / 1760 - 1834 م ) ، الجزء السابع ، مصر 1380 ه / 1961 م ، ص 203 - 5 .
( 3 ) نشوار المحاضرة 1 / 83 .
( 4 ) المنحنى الشخصي للحلّاج : ( شخصيات قلقة في الإسلام ) ، ص 77 ) وبالنسبة للشهود وكذا الفقهاء ، انظر ابن الأثير 8 / 39 .

« 58 »
الحلّاج . ومما يؤخذ على هذه المحاكمة في عمومها أنها أفرغت في قالب ديني وإن كانت في أساسها سياسية ؛ ومن هنا كان ينبغي أن تكون إسلامية دينية يومئذ . وبذلك يكون الحكم عادلا غير متحيز . أما أن يسلط على عنق المتهم حاكم ذو اتجاه معروف مقدّما فليس من العدل في شيء ولو من حيث المظهر فقط .
مهما يكن الأمر ، فقد جرت محاكمة الحلّاج على أساس من استجوابه في ما نسب إليه بمراجعة أدلّة الإتّهام وفحص مستنداته التي قدّمها جميعا خصمه حامد بن العباس اعتمادا على الشهود من ناحية وعبارات الحلّاج في كتبه المشعرة بالردّة والخلاف من ناحية أخرى . ومضت الأسئلة والأجوبة واستعراض المصنّفات في صالح الحلّاج إلى أن وصل الدور إلى فقرة الحجّ ، كما وردت في أدلّة الاتّهام ، وكما نصّ عليها كتابه « الصدق والإخلاص » - الآتي في مصنّفاته ، في رأينا . ولما توقّف أبو عمر القاضي مستفسرا عن مصادرها كان جواب الحلّاج أنّه وجد حكمها في كتاب « الإخلاص » للحسن البصري « 1 » الزاهد المشهور ( ت 110 ه : 758 م ) . ومع أن
..........................................................................................
( 1 ) تجارب الأمم لمسكويه 5 / 160 ، الكامل لابن الأثير 8 / 39 ، تاريخ أبي الفداء ، طبع ليدن 2 / 342 تاريخ ابن الوردي ( عمر بن المظفر المصري ، 691 - 749 هـ / 1292 - 1349 م ) مصر 1285 هـ ، 1 / 256 الخ . . .
وبالنسبة لكتاب الإخلاص المذكور ، عده الحاج خليفة ( مصطفى بن عبد اللّه الشهير بكاتب جلبي ، ت 1067 ه / 1658 م ) مصنفا تاريخيا استنادا إلى خبر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد نقلا عن النكت الوفية الذي لا يرد عنه شيء في كشف الظنون . وخلص الحاج خليفة في النهاية إلى أنه « فهذا إقرار من أبي عمرو ( كذا ) أن كتاب الإخلاص للحسن ، فهو أول مصنف مطلقا » ( كشف الظنون إسطنبول ، 1366 هـ ، 2 / 259 ) . والحق أن هذا تشكيك في الكتاب كما يأتي . ولقد ذكر الصولي ( محمد بن يحيى ، ت 335 هـ / 947 م ) بنقل ابن الجوزي ، أن هذا الكتاب « هو كتاب السنن » للحسن البصري لا « الإخلاص » ( المنتظم 6 / 163 ) وذكر ابن تيمية أنه كتاب « الصلاة » في « جامع الرسائل » له ( ص 189 ) . وفي ما يتصل بمعنى الإخلاص ذكر ابن قتيبة في عيون الأخبار ( 2 / 283 ) عن ابن عباس أنه « هكذا ، وبسط يده اليمنى وأشار بإصبعه من يده اليسرى » . وأضاف ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ( تحقيق أحمد أمين وزميليه ، 3 / 221 ) أن ابن العباس « بسط يده اليسرى وأشار بإصبعه من يده اليمنى » . وزاد النويري في نهاية -

« 59 »
الحسن البصري لم يكن ثقة في الحديث بل وصفه ابن سعد ( محمد الزهري ت 230 هـ : 844 م ) بكونه ( ليس بحجة ) « 1 » ، ووصفه الذهبي ( شمس الدين
..........................................................................................
- الأرب 5 / 288 أن ابن العباس « رفع إصبعا واحدا ( كذا ) من اليد اليمنى » وهذا يعني أن الإخلاص هيئة من هيئات الدعاء تتمثل في الإشارة بالراحتين إلى السماء ويكون الابتهال منه برفع اليدين فوق الرأس وظهراهما إلى الوجه ( انظر الكتب السابقة ) ومن هنا تنقطع الأسباب بين هذا الكتاب وموضوع القضية على الإطلاق ، ولعل الصحيح أنه السنن كما ذكر الصولي آنفا .
وفي ما يتصل بهذه الفكرة على إطلاقها ، ذكر أن العرب الجاهليين كان « منهم من اتخذ بيتا ومنهم من اتخذ صنما . ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت ، نصب حجرا أمام الحرم ، وأمام غيره مما استحسن ، ثم طاف به كطوافه بالبيت وسموها الأنصاب . . . فكانوا ينحرون ويذبحون عندها كلها ويتقربون إليها وهم على ذلك عارفون بفضل الكعبة عليها : يحجونها ويعتمرون إليها » ( الأصنام لابن الكلبي :
هشام بن محمد الكوفي ت 204 هـ / 819 - 20 م ، تحقيق أحمد تيمور ، ص 33 ) . وذكر القاضي التنوخي أن دفاتر الحلّاج تضمنت نصا يقول : « إن الإنسان إذا أراد الحج ؛ فإنه يستغني عنه بأن يعتمد ( - يعمد ) إلى بيت من داره فيعمل به محرابا ويغتسل ويحرم ويقول كذا ويفعل كذا ويصلي كذا ويطوف بهذا البيت كذا ويسبّح كذا : أشياء قد رتبها وذكرها من نفسه . قال : فإذا فرغ من ذلك فقد سقط عنه الحج إلى بيت اللّه الحرام . وهذا شيء معروف عند الحلّاجية ؛ وقد اعترف ( به ) لي رجل منهم - يقال :
إنه عالم لهم - ولكن ذكر أن هذا رواه الحلّاج عن أهل البيت - صلوات اللّه عليهم - وقال : ليس عندنا أنه يستغنى به عن الحج ، ولكن يقوم مقامه لمن لا يقدر على الخروج بإضافة أو منع أو علة ، فأعطى المعنى وخالف في العبارة .
( و ) قال لي أبو الحسن : « فسئل الحلّاج عن هذا - وكان عنده أنه لا يستوجب عليه شيئا - فأقرّ به وقال : هذا شيء رويته كما سمعته ، فتعلق بذلك عليه » ( نشوار المحاضرة 1 / 82 ) ، وإن كان لهذه العبارة أصل فلعله إسماعيلي وأمارة ذلك عبارة « صلوات اللّه عليهم » التي تساق إلى الأئمة عندهم ( انظر الملحق 3 و 11 من كتاب المعز لدين اللّه للدكتور حسن إبراهيم حسن مصر 1948 م ، ص 307 - 342 ) . وقد ورد هذا الضرب من الحج عند أصحاب وحدة الوجود ؛ فقال لسان الدين بن الخطيب ناقلا كلام ابن العربي الحاتمي الطائيالحاتمي الطائي منهم : « الحج حج ثان لا يثني نفس المريد عنه ثان .
طريقه التجريد وزاده الذكر وطوافه المعرفة وإفاضته الفناء .فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ.
الغرام صعب المرام والدخول فيه حرام ما لم يكن فيه شروط كرام . من عرف ما أخذ هان عليه ترك » ( روضة التعريف بالحب الشريف ، ص 373 ، وانظر « رسالة الإسراء إلى مقام الأسرى » لابن العربي الحاتمي الطائي في رسائله ، حيدر آباد 1942 م - 48 ) .
( 1 ) الطبقات الكبرى ، ليدن 1917 - 28 م ، 7 : 1 / 114 .

« 60 »
محمد بن أحمد التركماني ) ، ( ت 748 هـ / ت 1347 م ) بعدئذ بقوله : « مدلّس فلا يحتج بقوله عمّن لم يدركه ، وقد يدلّس عمن لقيه من بينه وبينه ، واللّه أعلم » « 1 » ، أصرّ أبو عمر القاضي على أنه رأى الكتاب المذكور في مكة ولم يكن هذا النصّ فيه « 2 » . 
في هذه اللحظة غضب القاضي الحليم الهادئ وأفلتت منه عبارة « يا حلّال الدم » « 3 » . 
فتعلق بها حامد تعلق الغريق بطوق النجاة ، ولم يفد القاضي تشاغله ولا محاولته التملّص أو الاعتذار ، وكان للوزير ما أراد .
ولم يكن الحلّاج يتوقع أن يكون تسليمه بهذا النقل مدعاة للحكم عليه بالإعدام ، ومن هنا احتج بشدة وجعل يصرخ في المجلس « ظهري حمى وجسمي حرام ، وما يحل لكم أن تتأوّلوا عليّ بما يبيحه ( الدين ) . اعتقادي الإسلام ومذهبي السنّة ولي كتب في الورّاقين موجودة في السوق . فاللّه اللّه في دمي » « 4 » .
وكان الحلّاج يقول هذا « والقوم يكتبون خطوطهم ، حتى كمل الكتاب بخطوط من حضر وأنفذه حامد إلى المقتدر » « 5 » . 

ولم يسلّم الحلّاج بهذه النتيجة وإنما تحدّى قضاته إلى المباهلة أي الملاعنة وتحكيم اللّه في المخطئ المذنب من أحد الطرفين المتنازعين « 6 » . لكن الأمر كان قد بلغ غايته ، وكان حامد بن العباس يستعجل تصديق الخليفة على الحكم وتحديد طريقة الإعدام . ولما بلغ نصرا القشوري الخبر فوجئ به ولجأ إلى السيدة والدة الخليفة محاولة منه لإلغاء
.........................................
( 1 ) تذكرة الحظاظ للذهبي ، حيدر آباد ، 1955 م ، 1 / 71 .
( 2 ) تجارب الأمم 5 / 160 وبقية المصادر المذكورة . وذكر ابن خلكان احتجاج الحلّاج وبقية الخبر على الوجه الواضح التالي : « . . . فقال لهم الحلّاج : ظهري حمى ودمي حرام ، وما يحل لكم أن تتقولوا عليّ بما يبيحه ( الدين ) . وأنا اعتقادي الإسلام ومذهبي السنة وتفضيل الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة - رضوان اللّه عليهم أجمعين - ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين فاللّه اللّه في دمي . ولم يزل يردد هذا » ( وفيات الأعيان ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مصر 1948 ، 1 / 406 ) .
( 3 ) تجارب الأمم 5 / 160 وبقية المصادر المذكورة . وذكر ابن خلكان احتجاج الحلّاج وبقية الخبر على الوجه الواضح التالي : « . . . فقال لهم الحلّاج : ظهري حمى ودمي حرام ، وما يحل لكم أن تتقولوا عليّ بما يبيحه ( الدين ) . وأنا اعتقادي الإسلام ومذهبي السنة وتفضيل الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة - رضوان اللّه عليهم أجمعين - ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين فاللّه اللّه في دمي . ولم يزل يردد هذا » ( وفيات الأعيان ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مصر 1948 ، 1 / 406 ) .
( 4 ) المرجع السابق ، المواضع نفسها .
( 5 ) المرجع السابق ، المواضع نفسها .
( 6 ) الفهرست ص 271 ، رسالة ابن القارح ( في مقدمة رسالة الغفران ط 4 ، ص 38 ) ، وانظر المباهلة في سيرة ابن هشام ، مصر 1936 م ، 2 / 222 - 33 ؛ وآية المباهلة في سورة آل عمران ( 3 : 61 ) .

« 61 »
الحكم أو أستصدار عفو عن الحلّاج أو تأجيل التنفيذ فيه . وبدأ نصر هذه المحاولة بتخويف السيدة من مغبة قتل الحلّاج وقال لها : « لا آمن من أن يلحق ابنك - يعني المقتدر - عقوبة هذا الشيخ الصالح .
فمنعت المقتدر من قتله فلم يقبل وأمر حامدا فأمر بقتله . فحمّ المقتدر يومه ذلك ، فازداد نصر والسيدة افتتانا .
وتشكك المقتدر فيه ؛ فأنفذ إلى حامد من بادره بمنعه من قتله . فتأخر [ فأخّر ] ذلك أيّاما إلى أن زال عن المقتدر ما كان يحذر من العلة .
فاستأذنه حامد في قتله فضعّف الكلام ، فقال حامد : يا أمير المؤمنين ، إن بقي قلب الشريعة وارتدّ الخلق على يده وأدّى ذلك إلى زوال السلطان ، فدعني أقتله وإن أصابك شيء فاقتلني .
فأذن في قتله ، فعاد فقتله من يومه لئلّا يتلوّن المقتدر » « 1 » ، وكان تصديق المقتدر على الحكم مقترنا بصورة تنفيذه على شكل فظيع لم تجر العادة به في مثل حالة الحلّاج ، وقد استعمل فيه السوط الذي يكون في « الحدود كلّها وفي التعزير » « 2 » ، والسيف « الذي لا يقع إلّا بين كتفي زنديق » « 3 » ، والصلب الذي يكون في العادة لقطّاع الطرق والمحاربين « 4 » والنار التي نهي عنها لأنها

.................................
( 1 ) نشوار المحاضرة 1 / 83 .
( 2 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أبي عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري ، ( ت 567 و / 1171 - 2 م ) ، مصر 1354 - 1369 هـ / 1935 - 1950 م . وهيئة الجلد بالسوط لها أحكام ، « فالسوط الذي يجب أن يجلد به يكون سوطا بين سوطين لا شديدا ولا لينا » وأما موضع الضرب من الجسم فعند مالك أنه « لا يجزى عنده إلا في الظهر ، وأصحاب الرأي [ - الحنفية ] والشافعي يرون أن يجلد الرجل وهو واقف ، وهو قول علي بن أبي طالب ، رضي اللّه عنه » ، وقال الشافعي : « إن كان مدّه صلاحا مدّ » . وفي هذه الحالة يجرّد المضروب « إلا في حال القذف فإنه يضرب وعليه ثيابه . . . » .
واختلفوا في المواضع التي تضرب من الإنسان في الحدود فقال مالك : « الحدود كلها لا تضرب إلا في الظهر وكذلك التعزير وقال الشافعي وأصحابه يتقى الوجه والفرج وتضرب سائر الأعضاء . . . واختلفوا في ضرب الرأس فقال الجمهور يتقى الرأس وقال أبو يوسف : يضرب الرأس ، وروى عن عمر وابنه مقالا : « يضرب الرأس » . أما الضرب نفسه فينبغي « أن يكون مؤلما لا يجرح ولا يبضع ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه وبه الحكّام . ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم يختارهم الإمام لذلك وكذلك كانت الصحابة تفعل » . أيضا ( 12 / 161 ) .
( 3 ) البداية والنهاية لابن كثير 11 / 135 .
( 4 ) انظر نيل الأوطار للشوكاني ( 7 / 161 ) ذلك أنهم « إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا -

« 62 »
مثلة « 1 » ثم نصب الرأس والأعضاء الذي لا يكون إلّا للخارج « 2 » ، مع تنفيذ كل ذلك علنا وأمام الناس « 3 » . كل ذلك تنفيذا لتوقيع الخليفة الذي كتب في التصديق على حكم الإعدام : « إذا كان [ القضاة ] قد أفتوا بقتله وأباحوا دمه ، فلتحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة وليتقدّم إليه بتسليمه وضربه ألف سوط .
فإن تلف تحت الضرب ، وإلا ضرب عنقه » « 4 » ، وهو حكم أورد مسكويه فيه تفصيلات أخرى ، فذكر أن الخليفة ضمنّها كتابه في قوله : « . . . واضربه ألف سوط ، فإن لم يمت فتقدّم بقطع يديه ورجليه ثم اضرب رقبته وانصب رأسه وأحرق جثته » « 5 » .
وإذ كان محمد بن عبد الصمد ، صاحب الشرطة ، يتخوّف من أنصار الحلّاج ويخشى « أن ينتزع من يده » « 6 » ، « وقع الاتفاق على أن يحضر بعد العتمة ( إلى دار حامد بن العبّاس حيث كان معتقلا ) ومعه جماعة على بغال موكفة يجرون مجرى السّاسة ، وليجعل [ الحلّاج ] على واحد منها ويدخل في غمار القوم » « 7 » .
وانتهى الأمر بأن نفّذت هذه الخطة ، و « ركب غلمان حامد

...................................................
- وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض . . » اما مدة الصلب فالرأي فيه كثير فقوم رأوا أن يستمر « حتى تنتثر عظامه » وآخرون أن يكون « حتى يسيل صديده » وقال بعض أصحاب الشافعي : « ثلاثا في البلاد الباردة وفي الحارة ينزل قبل الثلاث » ( أيضا : 7 / 165 ) .
( 1 ) أيضا 7 / 164 .
( 2 ) العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ( أحمد بن محمد المرواني ت 328 ه / 940 م ) ، مصر 1948 - 1953 م ، 4 / 461 - 2 .
( 3 ) وذلك تحقيقا لقوله تعالى في الزانيين« وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ »( النور 24 : 2 ) وعليه قيس غيره من الحدود ، والحكمة فيه مختلفة وقد أورد القرطبي لذلك الإغلاظ على الزناة والتوبيخ بحضرة الناس وأن ذلك يردع المحدود وأن من شهده وحضره يتعظ به ويزدجر لأجله » الخ . . . ( الجامع لأحكام القرآن 12 / 164 ، 167 ) .
( 4 ) أربعة نصوص ، نص ابن زنجي ، 1 / 12 .
( 5 ) تجارب الأمم ، 5 / 160 .
( 6 ) المنتظم 6 / 163 - 4 وفيه العبارة واضحة ، وهي مصحفة في تجارب الأمم 5 / 160 .
( 7 ) المنتظم 6 / 163 - 4 وفيه العبارة واضحة ، وهي مصحفة في تجارب الأمم 5 / 160 .

« 63 »
معه حتى أوصلوه إلى الجسر » ، مكان الإعدام « 1 » ، وكان ذلك ليلة الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة « 2 » . أما الحرّاس « فباتوا مجتمعين حوله » « 3 » .
وأمّا الحلّاج ، فلمّا أصبح الصباح « أخرج ليقتل ؛ فجعل يتبختر في قيده وهو يقول ( بقول أبي النواس ) :
نديمي غير منسوب * إلى شيء من الحيف
سقاني مثل ما يشر * ب فعل الضيف بالضيف
فلما دارت الكسا * س دعا بالنّطع والسيف
كذا من يشرب الرا * ح مع التنّين في الصيف » « 4 »
وقبل أن يفوت الأوان ينبغي أن نلفت الأذهان إلى حقيقة غابت عن كثير من المصنّفين قدماء ومحدثين . ذلك أن الحلّاج لم يؤاخذ على عبارته المشهورة « أنا الحق » ، كما يتوهم الكثير وهي العبارة التي قيل : إن الجنيد البغدادي تنبأ له بالقتل بسبب صدورها عن الحلّاج - بل يبدو من سياق المحاكمة من تصوير كتب التاريخ والتصوّف لها أنّ أشياء أخرى فقهية في الظاهر وسياسية في الواقع هي التي أودت بحياة الجلاج . 
ومما يجلو هذه المسألة أنّ الحلّاج نفسه ظلّ متشبثا بقوله « أنا الحق » في « الطواسين » - وهو الكتاب الذي ألّفه في أخريات أيّامه حين كان سجينا في دار السلطان - كما يأتي في فقرة مصنّفاته .
وقد قال الحلّاج في الطواسين : « تناظرت مع إبليس وفرعون في الفتوّة ؛ فقال إبليس : إن سجدت سقط عنّي اسم الفتوّة ، وقال فرعون : إن آمنت برسوله سقطت من منزل الفتوّة . 
وقلت أنا : إن رجعت عن دعواي سقطت من منزل الفتوّة وقال إبليس : أنا خير منه حين لم يراء ( ير ) غيره غيرا ، وقال فرعون : ما علمت لكم من إله غيري ، حين لم يعرف في قومه من يميّز بين الحقّ والباطل .
..........................................................................................
( 1 ) تجارب الأمم 5 / 161 .
( 2 ) المنتظم 6 / 164 ، وانظر تجارب الأمم أيضا : 5 / 161 .
( 3 ) المنتظم 6 / 164 ، وانظر تجارب الأمم أيضا : 5 / 161 .
( 4 ) أيضا : 6 / 164 ، وراجع باب « أشعار تنسب إلى الحلّاج » في آخر الديوان .

« 64 »
وقلت أنا إن لم تعرفوه فاعرفوا آثاره ، وأنا ذلك الأثر وأنا الحق ، لأنيّ ما زلت أبدا بالحقّ حقا » . ( ص 50 - 51 ) .
ومع أن الحلّاج ذكر بنفسه أنه طالما اتّهم بالزندقة في قوله : « المنكر في دائرة البرّاني وأنكر حالي حين لم يراني ( يرني ) وبالزندقة سمّاني وبالسوء رماني » ( الطواسين ، ص 29 ) ، لم يرد في محاضر المحاكمة شيء يتّصل بمسؤوليته عن تلك العبارة ولا هذا الرأي .
والنتيجة أن الموت صار الحكم على هذا الصوفي المتّهم .
وبرز الحلّاج إلى ساحة الإعدام في رحبة الجسر « 1 » بباب خراسان « 2 » في الجانب الغربي من بغداد « 3 » ، شيخا في الخامسة والستين « ابيض الشعر واللحية . . . له علامة في رأسه هي ضربة » « 4 » . « واجتمع عليه خلق كثير » « 5 » ، وتقدّم الحلّاج فصلى الركعتين اللتين سنّهما خبيب بن عديّ قبل القتل في الإسلام الأول « 6 » ، « فقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وبعدها :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ، وَالْجُوعِ )( الآية البقرة 2 : 155 ) ، ثم في الثانية فاتحة الكتاب وبعدها :( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ )( الآية آل عمران 3 : 185 ) « 7 » .
ومبالغة في التعذيب « تقدم أبو الحارث السيّاف فلطمه لطمة هشّم بها وجهه وأنفه » « 8 » ، ثم ضرب نحوا من ألف سوط « 9 » . ؛ فلمّا لم يمت « قطعت
..........................................................................................
( 1 ) صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي ، ليدن 1897 م ، ص 86 .
( 2 ) المنحنى الشخصي للحلّاج ، شخصيات قلقة في الإسلام ، ص 77 ، ويذكر الدميري أن ذلك قد تم بباب الطاق ( حياة الحيوان 1 / 245 ) [ - وموضعه مدينة الأعظمية من ضواحي بغداد الجنوبية الحالية حيث مشهد الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، ت 150 ه / 667 م ] .
( 3 ) تاريخ بغداد 8 / 27 أربعة نصوص : نص ابن زنجي ، ص 12 .
( 4 ) الفهرست ص 270 .
( 5 ) حياة الحيوان للدميري 1 / 45 .
( 6 ) شرح لامية العجم للصفدي 2 / 181 .
( 7 ) حياة الحيوان 1 / 245 عن مفاتيح الكنوز لعز الدين بن عبد السلام .
( 8 ) تاريخ بغداد 8 / 127 ، والمراجع الأخرى تحدّد السياط بألف عدا .
( 9 ) تاريخ بغداد 8 / 127 ، والمراجع الأخرى تحدّد السياط بألف عدا .

« 65 »

يده ثم رجله ثم رجله الأخرى ثم يده » « 1 » . ثم « ضربت عنقه وأحرقت جثته » « 2 » ، « فلما صار رمادا ألقي في دجلة » « 3 » . كل ذلك « دون أن يتأوّه » « 4 » « ونصب رأسه للناس على سور السجن الجديد » « 5 » « المعروف بالمترف » « 6 » « وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه » « 7 » .
« وفي يوم الاثنين سلخ ذي القعدة ، أخرج رأس الحسين بن منصور الجلاج من دار السلطان ليحمل إلى خراسان » « 8 » ، « لأنه كان له بها أصحاب » « 9 » . ثم ظلت الشرطة تلاحق أنصاره إلى سنة 312 هـ / 924 - 5 م ، حين أحضر « في مجلس الشرطة ببغداد . . . ثلاثة نفر من أصحاب الحلّاج ، وهم حيدرة والشعراني وابن منصور » « 10 » . 
فطالبهم « نازوك بالرجوع عن مذهب الحلّاج ، فأبوا فضرب أعناقهم ثم صلبهم في الجانب الشرقي من بغداد ، ووضع رؤوسهم على سور السجن في الجانب الغربي » « 11 » . وينبغي أن نذكر هنا ، وقبل أن تفوت الفرصة ، أنّ الحلّاج قد برّ بوعده للّه لمّا تعهّد ببذل دمه في سبيله حين قال : « تهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي » .
وكان يريد بذلك أن يضرب مثلا نادرا في الفتوة ضرب هو عليه إبليس
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ مختصر الدول لابن العبري ( أبي الفرج غريغوريوس بن آهرون الملطي ، ت 685 هـ / 1286 م ) بيروت ، 1890 م ، ص 156 ، والمصادر الأخرى تقول : « قطعت يداه ورجلاه » ويقول ابن الأثير بقطع يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ( الكامل 8 / 39 ) .
( 2 ) التنبيه والإشراف للمسعودي ، مصر 1346 هـ ، ص 335 .
( 3 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 4 ) أيضا : 8 / 39 ، تاريخ مختصر الدول ص 156 .
( 5 ) تاريخ بغداد 8 / 127 .
( 6 ) التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص 335 . وكان في دار الخلافة خزانة تحفظ فيها الرؤوس وقد احترقت سنة 601 هـ / 1204 م ، وكان فيها رؤوس كثيرة من جلة المعدمين ( انظر مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ، 8 / 523 ) .
( 7 ) تاريخ بغداد 8 / 127 .
( 8 ) المنتظم لابن الجوزي 6 / 167 . وقد وردت هذه الواقعة في حوادث سنة 310 هـ ، والصواب أنها في السنة التي قبلها .
( 9 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 10 ) المنتظم 6 / 189 .
( 11 ) المنتظم 6 / 189 .

« 66 »
وفرعون مثلين صارخين لمّا رفض الأول السجود لآدم ورفض الثاني الاعتراف بنبوّة موسى كما مرّ . وقد أراد الحلّاج بذلك وبقوله : « على دين الصليب يكون موتي » أن يكون هو المثل ، الثالث الذي يضرب على التضحية والفداء وأن يتقدم على المسيح ( ع ) في ذلك لأنّ الحلّاج صبر على المحنة ولم يتأوه ، والمسيح ( ع ) قد جزع وهو على الخشبة فدعا اللّه في ألم وضيق صدر قائلا : « إيلي ، إيلي ، لمّا شبقتني ، أي : إلهي ، إلهي لماذا تركتني » « 1 » .
ومن هنا ذكر عن الحلّاج أنه « لما أتي ليصلب ورأى الخشب والمسامير ضحك كثيرا » . وذكر أنه قال : « إلهي أفنيت ناسوتيّتي في لاهوتيّتك « 2 » ، فبحقّ ناسوتيّتي على لاهوتيّتك أن ترحّم على ( كذا ) من سعى في قتلي » « 3 » .
وبعد قتل الحلّاج « أحلف الورّاقون ألا يبيعوا شيئا » « 4 » . من كتبه « ولا يشتروها » « 5 » .
خلف الحلّاج : وذهب الحلّاج وخلّف وراءه زوجة وآلهة ، وأولادا نعرف منهم ابنه سليمان الذي وعد أبوه ابنة السمري بتزويجها منه ، وأحمد ( أو حمد ) الذي روى أخباره ، وعبد الصمد الذي ذكر أنه كان السبب في تأسيس الطريقة الحلّاجية « 6 » ! وابنة جاء ذكرها في خبر الفتاة المذكور في صلة عريب على
..........................................................................................
( 1 ) إنجيل متى 27 : 26 ، مرقس 15 : 24 ، وانظر مقالا للدكتور فؤاد حسنين ، بعنوان :
« إلهي إلهي ، لماذا تركتني » في جريدة الأخبار القاهرية عدد يوم 25 / 4 / 1970 ص 12 .
( 2 ) حياة الحيوان للدميري 1 / 245 ، عن مفاتيح الكنوز لعز الدين بن عبد السلام .
( 3 ) مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي ( أبي بكر عبد اللّه بن محمد بن شاهاور الأسدي ، ت 645 هـ / 1247 م ) ، طهران 1377 هـ ص 189 وهي عبارة تذّكر بقول المسيح ( ع ) « لما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحدا عن يمينه والآخر عن يساره فقال يسوع : يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون . . . » ( إنجيل لوقا الأصحاح 23 الآية 33 ، 34 ) . وهذا المعنى ورد على لسان النبي ( ص ) في قوله : « رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » ( البخاري ، أنبياء ، الطبعة الأولى 54 ، مرتدين 5 ، صحيح مسلم ، جهاد 104 ، سنن ابن ماجة فتن 23 ، مسند ابن حنبل 1 / 380 ، 427 ، 432 إلخ . . . ) .
( 4 ) تجارب الأمم تحقيق ه . ن . أمدروز ، مصر 1334 هـ / 1914 م ، ص 82 .
( 5 ) تجارب الأمم تحقيق ه . ن . أمدروز ، مصر 1334 هـ / 1914 م ، ص 82 .
( 6 ) انظر « السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين » لمحمد بن علي السنوسي المؤسس -

« 67 »
هامش تجارب الأمم ( 1 : 86 ) ، وأختا جميلة كانت تحتقر الرجال ولا تحتجب منهم « 1 » ، وتقول : « الحلّاج نفسه نصف رجل لإفشائه الأسرار الإلهية ، فكيف بباقي الرجال » « 2 » .
ومن الاكتشافات التي أعتز بها حقا أني التقيت في أثناء إيفادي إلى كلية الآداب بجامعة الإسكندرية في السنة الجامعيّة 1967 - 68 م بأخ فلسطيني من خريجي قسم الجغرافية بهذه الكلية سنة 1967 م تسمّى لي فإذا هو يحمل لقب « الحلّاج » ، وكان ذلك في الثاني من نيسان ( أبريل ) 1968 م .
وسألته عن معنى اللقب فذكر أنه ينتمي إلى الحسين بن منصور الحلّاج ، وأن الأسرة كانت تحتفظ بشجرة نسبها عند « علي أحمد الحلّاج » في قلقيلية في الأردن فضاعت بوفاته .
والأخ الفلسطيني المذكور هو محمد شريف ( بن سعيد بن أحمد بن صالح بن حمّودة بن مصطفى الحلّاج ) ويعمل مدّرسا في مدرسة الجهراء المتوسطة للبنين في الجهراء بالكويت . وبناء على رجائي بعث إلي برسالة
..........................................................................................
- ( 1202 - 1276 هـ ، 1787 - 1860 م ) ؛ مطابع دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1388 ه / 1968 م ص 37 ) ووصف السنوسي الحلّاج بأنه « صاحب الخرقة شطاح العراق رئيس السكارى والعشاق سيدي أبو المغيث حسين بن منصور بن أبي بكر الأنصاري الحلّاج رحمه اللّه وأثابه ، ووصفه قبل هذه السطور بالإمام ووصف طريقته بأنها « طريقة السادة الحلّاجية باعتبار أن « مبناها على الجمع باللّه ويتعلمون في تحصيله بذكر الجلالة بعد طرح الألف واللام منها وتحريك الهاء بالحركات الثلاث [ لاه ، لاه ، لاه ! ] ويضرب بالمضمومة على اليمين والمفتوحة على اليسار والمكسورة على القلب » . وزاد السنوسي بأن هذا الذكر « فوائده كثيرة » واستدرك بأنه « إلا أنه لا يجوز الذكر به إلا في الخلوة لعالم بالمدرك . وقال : هذا وقد علا [ الصحيح غلا ] كثير من المنتسبين إلى هذه الطائفة في المشرب فأفشوا كثيرا مما يجب كتمانه حتى اغتر به طائفة خذلهم اللّه تعالى ، والعياذ باللّه من مكره » ( ص 37 ) .
( 1 ) مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي ، الباب الثاني ، الفصل الثالث . وانظر تاريخ إيران للسير جون مالكولم وترجمة ميرزا حيرت ( إلى الفارسية ) ، الهند 1323 ه / 1905 م ، ص 204 .
( 2 ) تاريخ كزيدة لحمد اللّه المستوفي القزويني ( ت 750 ه / 1349 - 50 م ) طبعة مصورة بليدن ، 1328 هـ / 1910 م ، ص 776 .

« 68 »
لاحقة في الثاني عشر من كانون الأول ( ديسمبر ) سنة 1968 م ألحق بها ثمرة جهده في جمع الأخبار المشتّتة عن الأسرة والمنتمين إليها الذين ينتشرون في العالم العربي كله ومنهم جماعة في أمريكا أيضا . وقال في رسالته المذكورة : « فقد قمت بذلك متفهّما لأسلوب البحث والدراسة والاستقصاء » ، وقال : « وكم كنت أود أن أوافيك بصورة عن المخطوطات وشجرة العائلة التي كانت محفوظة عند عمي الأكبر ولكن لم نعثر لها على أثر ، فقد لعبت نكبة فلسطين سنة 1948 م دورا في تشتيت أبناء شعب فلسطين وإضاعة الكثير من التراث . . . ولعدم اهتمام من توارثوا تلك المخطوطات وكتب الحسين بن منصور الشهيد ، لذلك فقد ضاعت بين النكبة وعدم الاهتمام ولكن حفظنا قصة حياة الشهيد الحلّاج الجد الأكبر جيلا بعد جيل بالسماع وبما كان يقرؤه الكبار من الكتب للصغار » .
وقد أرفق الأخ محمد شريف سعيد الحلّاج برسالته ، تلك كتيبا صغيرا عنوانه « قصة حسين الحلّاج وما جرى له مع علماء بغداد » من مطبوعات المكتبة الأدبية بحلب ، دون تاريخ ، وقد ورد على الغلاف أن هذه الرسالة « نقلت عن نسخة خطّية قديمة » . 
وهذه الرسالة مما غفل عنه ماسينيون وتتضمن رواية شعبية لقصة شهيد الصوفية ؛ وقد استعملناها في تحقيق بعض الأشعار التي وردت مصحّفة في المصادر الأخرى ، وأكملنا منها بعضها الآخر ، واستخرجنا منها مادة للأشعار التي تنسب إلى الحلّاج وهو أحد الملحقين اللذين ألحقناهما بالديوان .
أما نتيجة بحث الأخ الحلّاج ، التي ضمّنها ورقتين منفصلتين ، فيسرنا أن نثبتها في ما يلي بنصها :
« أستاذي الفاضل ،
لقد هاجر أحفاد الحسين بن منصور الحلّاج من العراق إلى مصر وعاش غالبيتهم في القاهرة.
ومن القاهرة هاجر حسين السيد حمّودة الحلّاج وأخوه محمد إلى برّ الشام ( فلسطين ) حيث نزل الحسين قرية قلقيلية .
أمّا أخوه محمد السيد حمّودة فنزل قرية ( المغار ) من قرى قطاع غزة ، ومن

« 69 »
هنا كان مركز أفراد العائلة في هاتين البلدتين في فلسطين . وفرع آخر من العائلة سكن في القرى المجاورة لمدينة يافا ، وهم الآن ( كذا ) بعضهم عاد إلى القاهرة حيث يسكنون العباسية ومنهم جماعة تسكن الزرقاء بالأردن بعد نكبة 1948 م التي أثّرت في أبناء شعب فلسطين وانتشارهم . والآن يوجد تركّز لأبناء العائلة في جبل الهاشمي ( مدينة عمان ) وفي مدينتي الزرقاء ، والرمثا بالأردن . وفي مدينة بغداد يوجد محمد خيري علي الحلّاج ، وفي أمريكا بولاية فلوريدا الدكتور محمد يوسف الحلّاج ، وهو منذ 13 سنة أستاذ في جامعة جاكسون قيل ، وآخرون في ألمانيا الغربية ويوغوسلافيا .
وجميع هؤلاء أحفاد الحسين بن السيد حمّودة الحلّاج الذي أنجب من الأولاد ثلاثة هم : يوسف وصالح ومحمد ، ومن نسلهم كان أفراد العائلة في قلقيلية وفي الأردن .
والابن الثالث لصالح بن الحسين السيد حمّودة ( محمد ) كان يرحمه اللّه مثالا للصلاح والتقوى ، يحترمه جميع أبناء البلد منذ صغره إلى أن توفي شيخا وقورا دون أن يتزوج ، زاهدا بالحياة الدنيا ، ولحب واحترام العائلة له فقد أطلق اسمه على العديد من أبناء العائلة .
ويقال عن شيخ آخر من أفراد العائلة - وهذا سمعنا قصته بعد النكبة ونحن نعيش في مدينة إربد - فقد علمنا أنه كان يعيش في قرية الطيبة بني علوان في غور الأردن وكان وحيدا يعمل في أرضه ، ومتدينا يعيش في منزل في أرضه ، بعيدا عن منازل القرية يتعبد . وبعد موته أقيم له ضريح . ولعدم وجود وريث له ، قسّمت الأرض بين جيرانه . ومحدّثنا أخذ نصيبه من ذلك .
وهو برغم كبر سنه يذكر ذلك الرجل الحلّاج وتقواه .
ومن المتصوفين المرحوم مصطفى الحلّاج الذي عاش في قرية رمانة إلى الشمال من الطيبة في فلسطين وعاش متعبدا دون أن يتزوج .
ومن نساء العائلة المتصوفات : عائشة بنت صالح بن الحسين الحلّاج التي عاشت متدينة تعشق الوحدة وتقوم الليل إلى الفجر .

« 70 »
ومن أسما النساء : ناعسة ، جميلة ، لطيفة ، فاطمة ، خديجة ، ظريفة ، عزيزة ، صبحة ، عائشة .
ومن أسماء الرجال : صالح ، محمد ، أحمد ، سعيد ، يوسف ، إبراهيم ، حسن ، مصطفى ، عبد الكريم ، عبد اللطيف ، عبد الهادي ، عبد اللّه ، خليل ، سعد الدين ، ونعيم الذي يسير على درب التصوّف وهو لا يزال في العقد الثالث من العمر ؛ ويصوم الأشهر الثلاثة ، رجب وشعبان ورمضان كل عام ، غير الأيام المتفرقة ، ويقوم بالصلاة في أوقاتها وبالزكاة ويقوم الليل وذلك معروف عنه في الرمثا حيث يعيش . وقد أوردت الرأي عن شيخ المسجد والقاضي الشرعي في تلك البلد ( كذا ) ، ونأمل أن يوفّقه اللّه على طريق حبّ الذات الإلهية .
ومن أفراد العائلة يوجد فروع :
في مدينة حلب بسوريا منهم مصطفى الحلّاج والمحامي وجيه الحلّاج .
وفي مدينة دمشق محمد الحلّاج في الجيش العربي السوري . وفي مركز بلبيس في المحافظة الشرقية ج . م . ع .
بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقا .
وليسدّد اللّه خطاكم على طريق الخير .
محمد شريف سعيد أحمد صالح
حسين السيد حموّدة الحلّاج
الجهراء - الكويت
12 - 12 - 1968 م »
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: مصنفات الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:49 pm

مصنفات الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

مصنفات الحلّاج
خلّف الحلّاج عددا من الكتب التي نوّه عنها في المحاكمات ومنع تداولها بعدها ، وقد ذكر ابن النديم قائمة بها ندرجها في ما يلي عن طبعة ليبزج 1872 م ، ص 192 ، وطبعة مصر ، ص 271 .
1 - كتاب طاسين الأزل والجوهر الأكبر والشجرة النورية ، ويبدو أنه كتاب الطواسين الذي نشره ماسينيون سنة 1913 م محققا عن نسخ مخطوطة في إسطنبول ولندن مع حواش منقولة من كتاب روزبهان البقلي « شرح شطحيات » الآتي في الديوان .
2 - كتاب الأحرف المحدثة والأزلية والأسماء الكلية .
3 - كتاب الظلّ الممدود والماء المسكوب والحياة الباقية ( في تفسير قوله تعالى :( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . . . )( الواقعة 56 : 30 - 32 ) ، في صفة أهل الجنة وحياتهم الباقية ) .
4 - كتاب حمل النور والحياة والأرواح .
5 - كتاب الصيهور « 1 » ( في نقص الدهور ) ( في علم الحروف
..........................................................................................
( 1 ) في طبعة ليبزج وردت « الصيهور » على « الصهيون » وفي طبعة مصر « الصهيور » والتصحيح من حواشي الطواسين « ص 142 » حيث أشار ماسينيون إلى وروده في كتاب « سلام الوصول » لحاجي خليفة ، مخطوط مكتبة شهيد علي بإسطنبول رقم 1887 باعتباره كتابا في علم الحروف والطلسمات والسيمياء والكيمياء ، وواضح أن المقصود من السجعة « الصيهور » لا غيرها .
ومعروف أن هذا الكتاب قد ضاع لكن ماسينيون أحال على فقرة منه وردت في مقدمة -


« 72 »
..........................................................................................
- كتاب قناطر الخيرات للجيطالي ( أبي طاهر إسماعيل بن موسى النفوسي ، ت 750 هـ / 1349 م ) وحدد مكانها بالصفحتين 3 و 4 من جزئه الأول . وواضح أن ماسينيون يشير إلى نسخة مطبوعة هي التي طبعها الشيخ محمد يوسف الباروني في المطبعة البارونية بمصر سنة 1307 ه / 1890 م وإلى ذلك أشار عمرو خليفة التامر محقق الطبعة الجديدة ( مصر ، مكتبة وهبة ، 1965 م ، المقدمة 1 / 2 ) لكن نص العبارة غير محدد إلا بقول ماسينيون في صفة الجيطالي بأنه « أعاد استعمال مقدمة كتاب الصيهور للحلّاج في رأس كتابه قناطر الخيرات » .
[ حياة الحلّاج بعد موته ، لماسينيون ترجمة أكرم فاضل « مجلة المورد » البغدادية ، المجلد الأول ، العدد 3 ، 4 ، 1972 م ، ص 64 ب . ]
وإذا صح ذلك فلا بد أن المقصود بهذه الفقرة النص السابق على عبارة « أما بعد » ( في قناطر الخيرات 1 / 2 ) وننقل هنا نصها إتماما للفائدة وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من التحقيق . نص العبارة :
« الحمد للّه المتوحد بالألوهية والكبرياء ، المنفرد ( المتفرد ) بالديمومة والبقاء ، المتقدس عن نقائص العاهات ، تعالى عن العيوب والآفات . خلق كل شيء فقدره ، واخترع الإنسان وصوره . خضع كل شيء لهيبته ، وتواضع كل شيء لعظمته ، وذلّ كل شيء لعزته ، واستسلم كل شيء لجبروته . لم يزل عالما بجميع المحدثات على ما هي عليه من الصفات : من تفاصيل أجناسها ومجاري أنفاسها ، قبل وجود أعيانها وجريان أزمانها . شاءها الحكيم في أزليته فظهرت على وفق مشيئته ، ليس له شريك في إنشائها ولا ظهير في إيجادها . أنشأها لا من شيء معه موجود ، وأتقنها على غير مثال معهود . اخترعها دلالة على قدرته ، وتحقيقا لما في إرادته ، وما خلق الجن والإنس إلا لعبادته . عالم في الآزل لما هم عاملون ، وبآجالهم التي إليها ينتهون ، وبأرزاقهم التي هم لها آكلون ؛ فهم لما علم منهم منقادون ، وعلى ما سطر في كتابه المكنون ماضون . فجميع ما وجد بعد العدم من الأشياء والأمم فقد سبق به من اللّه القضاء ، وجف به القلم . فالآجال محدودة والأنفاس معدودة ، والأرزاق مقسومة ، والأعمال محتومة ، والآثار محسوبة ، وفي اللوح مكتوبة . لا يستأخر شيء عن أجله ولا يسبقه قبل حلول محله ، ولا يفوت أحدا رزقه المقسوم ، ولا يتعدى ما قدر له في أمره المحتوم . سبقت كلمته الحسنى لعباده المرسلين وأوليائه المخلصين كما حق القول منه لأعدائه الغاوين : كل ميسّر لما خلق له ولا يتجاوز ما وقت له . يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون ، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن فيكون .
أحمده حمد من أخلص له الإبانة وأدعوه دعاء مؤمّل من الإجابة ، وأشهد أن لا إله إلا اللّه الملك المحمود ، الذي ليس بوالد ولا مولود . وأشهد أن محمدا عبده المرتضى ورسوله المصطفى أرسله إلى الثقلين بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا ، فبلّغ به رسالة ربه ، ناصحا لأمته حتى أتاه من ربه اليقين ، بعد كمال الدين .
صلى اللّه عليه وعلى آله الطيبين الأخيار ، وأصحابه المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم تشخص فيه الأبصار » .
[ قناطر الخيرات 1 / 1 - 2 . ]


« 73 »
والطلسمات والكيمياء « 1 » الذي كان أبو عبد الرحمن السلمي ( محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري ، ت 412 ه / - 1022 م ) يملك نسخة منه في نيسابور « 2 » .
6 - كتاب تفسير : قل هو اللّه أحد .
7 - كتاب الأبد والمأبود .
8 - كتاب القرآن والفرقان والقرآن هو الاقتران ، ويبدو أنّه بحث في معنى القرآن المتصل بالقراءة ومعنى الفرقان المتصل بمعنى الفصل وبيان الحدود الواضحة بين الحق والباطل .
9 - كتاب خلق الإنسان والبيان « 3 » .
10 - كتاب كيد الشيطان وأمر السلطان « 4 » .
11 - كتاب الأصول والفروع .
12 - كتاب سرّ العالم والمبعوث .
13 - كتاب العدل والتوحيد « 5 » .
..........................................................................................
( 1 ) هذه العبارة من الحاشية المشار إليها .
( 2 ) انظر تاريخ بغداد 2 / 249 .
( 3 ) لعله كتاب« خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ »باعتباره تفسيرا لهذه الآية ( الرحمن 55 : 4 ) وهو موضوع أكثر الحلّاج من الكتابة فيه كما يبدو .
( 4 ) لعله في تفسير سورة يوسف في ما يتصل بقوله تعالى :( لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ ، فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً )( آية : 5 ) وكون يوسف قد غدا عزيز مصر .
( 5 ) لعل هذا الكتاب في نقض رأي المعتزلة الذين جعلوا عقيدتهم في هاتين الفكرتين ، وربما كان الكتاب في تصحيح الفكرة أو تناولها تناولا آخر لما عرف عن الحلّاج من محاولة لتكوين عقيدة كلية تعم التقاليد كلها . ومهما يكن الأمر فقد ذكر ابن الجوزي ، -


« 74 »
14 - كتاب الساسة والخلفاء والأمراء « 1 » ، الذي نرجّح أنه كتبه لعلي ابن عيسى الوزير ، وقد وجد في خزانة كتبه كما مرّ .
15 - كتاب علم البقاء والفناء ( في التصوف ) .
16 - كتاب شخص [ لعله تشخص ] الظلمات .
17 - كتاب نور النور .
18 - كتاب المتجليّات ( لعله التجليات ) .
19 - كتاب الهياكل والعالم والعالم .
20 - كتاب مدح النبي والمثل الأعلى .
21 - كتاب الغريب الفصيح ( لعله في اللغة ) .
22 - كتاب اليقظة وبدء الخلق .
23 - كتاب القيامة والقيامات .
24 - كتاب الكبر والعظمة .
25 - كتاب الصلاة والصلوات .
26 - كتاب خزائن الخيرات ، ويعرف بالألف المقطوع والألف المألوف « 2 » .
..........................................................................................
نقلا عن الصولي - وهو خصم للحلّاج - أنه قال : « رأيت الحلّاج وخاطبته ، فرأيته جاهلا يتعاقل وغبيا يتبالغ ( لعلها يتذاكى ) وفاجرا يتزهد . وكان ظاهره أنه ناسك صوفي ؛ فإذا علم أن أهل بلد يرون الاعتزال صار معتزليا أو يرون الإمامة صار إماميا . . . أو رأى أهل السنة صار سنيا . . . وكان ينتقل في البلدان » ( المنتظم 6 / 161 ) واللّه أعلم .
( 1 ) كتاب الساسة ( لا السياسة ) ليناسب ( الخلفاء والأمراء ) بعد .
( 2 ) يذكر هذا العنوان بكتاب « عطف الألف المألوف على اللام المعطوف » لأبي الحسن الديلمي ( علي بن محمد من رجال القرنين الرابع والخامس الهجريين - العاشر والحادي عشر الميلاديين ) الذي حققه ج . ك . قاديه وطبعه في مطبعة المعهد الفرنسي بالقاهرة سنة 1960 م . وترد في كتاب عطف الألف المذكور أخبار عن الحلّاج وهو من المراجع التي لم يطلع عليها ماسينيون . والظاهر أن كتاب الحلّاج المذكور هو « الألف المعطوف والألف المألوف » فجاء الديلمي واستعار الصيغة معدلة .


« 75 »
27 - كتاب موابيد ( لعلّه مواجيد ) العارفين .
28 - كتاب خلائق القرآن الاعتبار .
29 - كتاب الصدق والإخلاص « 1 » .
30 - كتاب الأمثال والأبواب .
31 - كتاب اليقين .
32 - كتاب التوحيد .
33 - كتاب« النَّجْمِ إِذا هَوى »( في تفسير هذه الآية ، بحذف الواو من أوّلها ( سورة النجم 53 : 1 ) ، وخصوصا بقية معناها :( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (إلخ ) .
34 - كتاب« الذَّارِياتِ ذَرْواً »( في تفسير سورة الذاريات : رقم 51 وخصوصا قوله تعالى :( إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ )( الذاريات 51 : 5 ، 6 ) كما يبدو لنا ) .
35 - كتاب في« إِنَّ الَّذِيأنزلالْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ »( لعله في الرجعة ) وصحة الآية بالفعل« فَرَضَ عَلَيْكَ »لا « أنزل » ( القصص 28 : 85 ) .
36 - كتاب الدرة إلى نصر القشوري .
37 - كتاب السياسة إلى الحسين بن حمدان .
38 - كتاب هو هو .
..........................................................................................
( 1 ) يذكّر هذا العنوان بما ورد من أخبار محاكمة الحلّاج من أنه أحال إلى كتاب الإخلاص للحسن البصري باعتباره مصدرا للمادة التي ذكرها عن إمكان الاستغناء عن الحج بطريقة أخرى غير شدّ الرحال إلى مكة المكرمة . وقد ذكر أن المصدر كان « كتاب السنن » للحسن البصري وكذا كتابا شيعيا إسماعيليا . والظاهر - واللّه أعلم - أن الحلّاج كان يحيل على كتابه هذا الذي ضمّنه تخريجات أخباره وأسانيده .


« 76 »
39 - كتاب كيف كان وكيف يكون .
40 - كتاب الوجود الأوّل .
41 - كتاب الكبريت الأحمر « 1 » .
42 - كتاب السّمري وجوابه معروف أن السّمري من أتباع الحلّاج وكانت ابنته مع أسرة الحلّاج في السجن ، وهي التي شهدت عليه .
43 - كتاب الوجود الثاني .
44 - كتاب « لا كيف » .
45 - كتاب الكيفية والحقيقة ( لعلها في الحقيقة أو بالحقيقة ) .
46 - كتاب الكيفية والمجاز ( لعل الصحيح بالمجاز أو في المجاز ، كما ورد في طبعة ليبزج ، ولكلّ وجه ) .
هذا ما ذكره ابن النديم من كتب الحلّاج . ونضيف نحن ما يكمل عدتها من محصولنا من أخبارها .
47 - كتاب « الإحاطة والفرقان » ( في أن الأئمة اثنا عشر على نسق الأهلّة في قوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً )، وقد ذكره المقدسي وحده في البدء والتاريخ ( 5 / 26 ) .
48 - كتاب أنفاس النور ، كما في حقائق التفسير للسلمي ( ص 683 ) .
49 - كتاب في السحر ، لم يقع لنا عنوانه وربما كان كتاب الصيهور ( رقم 5 ) وقد ذكر ذلك ابن تيمية فقال فيه « وصنّف كتابا في السحر معروفا وهو موجود إلى اليوم » « 2 » .
..........................................................................................
( 1 ) يذكّر هذا الكتاب بمثيل له من تأليف عبد الوهاب الشعراني الصوفي المتأخر ( ت 973 هـ / 1565 م ) .
( 2 ) جامع الرسائل لابن تيمية ، المجموعة الأولى تحقيق د . محمد رشاد سالم ، مصر 1389 هـ / 1969 م ، رسالة في الجواب عن الحلّاج هل كان صديقا أو ( الصحيح أم ) زنديقا ، ص 187 - 199 ، وهذه الإشارة في ص 188 .


« 77 »
50 - الديوان ، وواضح أن هذا الثبت ينقصه الديوان الذي نحن بصدد التقديم له ، غير أنه تمّ جمعه على أيدي كثير من محبي الحلّاج على مرّ العصور حتى جمعه ماسينيون من مظانّه المختلفة ونشره لأول مرة في الصحيفة الآسيوية ( الفرنسية ) في المدة بين كانون الثاني وآذار ( يناير - مارس ) 1931 م ، وطبع بعد ذلك في كتاب منفصل ، وصدرت طبعته الثالثة - وهي التي اعتمدنا عليها في المقابلة والتحقيق والمناقشة - في باريس 1955 م .
ومن الملاحظ أن تحريم كتب الحلّاج قد أثمر ، فلم يبق الزمن من مصنّفات الحلّاج إلا على كتاب الطواسين الذي ذكر ماسينيون أنّه هرّب من سجن الحلّاج على يد صديقه وتلميذه أحمد بن عطاء الأدمي .
حتى كتاب السياسة والخلفاء والأمراء ، الذي كانت منه نسخة في مكتبة الوزير علي بن عيسى لم يبق عليه الزمان .

ولعل المستقبل يميط اللثام عن شيء من مصنفات هذا الصوفي لنطّلع عليها ونستطيع أن نصدر حكمة أقرب إلى الصواب .


عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: شخصية الحلّاج بعد مقتله شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:50 pm

شخصية الحلّاج بعد مقتله شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

شخصية الحلّاج بعد قتله

وجاور الحلّاج ربه بارّا بوعده ، وتبعه حامد بن العباس بعد سنتين مصادرا وثلّت المقتدر بعد حامد بتسع سنين . 
وذهبت المصالح واختفت الشرطة والأعوان ، وأنزل الزمان ستاره على العصر كلّه ، وأمسى كل شيء في ذمة اللّه ، وعادت الأسماء الرنانة والأموال الطائلة والجيوش المجيشة ، وكذا الفقراء والجياع وأصحاب الطموح والأطماع حروفا تخطها ريشة الزمان على صفحات التاريخ . وأتيح للناس أن يتعرفوا إلى الحلّاج ومأساته على مهل ويبحثوا شؤونه بمعزل عن الرغبة والرهبة والحسد والغبطة والحبّ والكره . 
وسرعان ما بدأت أخبار الحلّاج تجمع والكتب فيه تصنّف وآراء الناس فيه تسجل . 
وبدل أن ينساق هؤلاء مع التيار الذي شقّ قناته أعداؤه من رسميين ومنافقين ومصلحيين ، وجّه هذا النبع إلى مجرى آخر يصفو في الماء ، وتتحلّل منه الشوائب فعاد ماء عذبا زلالا لذّة للشاربين . 
وهكذا تحوّل كل ما يتصل بالحلّاج من خذلان ومؤاخذة ومساءة إلى عطف ونصرة وتبرير ، وترطبت حلوق الصوفية بعد أن جفّفها الرعب وارتفعت أصواتهم تهدر بعبارات قوية واضحة تزيل الغبار عن سجل الحلّاج المطموس وتغسل الدم عن وجهه المرفوع فوق الرمح في شوارع خراسان ، وتعيد إليه اعتباره وترفعه إلى مكانه اللائق به في رأيهم تحت شمس التاريخ .
وهكذا سمعنا أبا بكر الشبلي الذي قيل : إنه أعرض عن الحلّاج في أخريات أيامه لقوله : « أنا الحق » « 1 » ، يهتف بين جمع من الناس دون خوف أو
..........................................................................................
( 1 ) رسالة ابن القارح - مع رسالة الغفران لأبي العلاء المعري ، ط 3 ، ص 36 ، بدلالة

« 80 »
تردد : « كنت أنا والحلّاج شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت » « 1 » . 
ووجدنا محمد بن خفيف ، الذي لعن الحلّاج من قبل ، يصفه بقوله : « الحلّاج عالم ربّاني » « 2 » . وغدا الفقهاء الذين حكموا بالإعدام يقولون بلسان أبي العباس بن سريج ، الفقيه الشافعي ( ت 306 هـ / 918 - 19 م ) - إذ سئل عنه - « هذا رجل خفي عنّي حاله وما أقول فيه شيئا » « 3 » .
وحوّل المعجبون بالحلّاج من صوفية ومن سواهم ، ساعات عذابه إلى لحظات من السعادة الروحية والتوفيق الإلهي ، ومن هنا قرن صبره بصبر أيوب ( ع ) « 4 » وألحق بالمعذبين من السابقين الأوّلين من المسلمين بروايتهم عنه أنه تحمل لسع السوط صابرا محتسبا سعيدا وأنه كان يقول مع كل جلدة « أحد ، أحد » « 5 » . 
وشبّه الحلّاج في الشجاعة ببابك الخرّمي ، الثائر الفارسي المجوسي ( ق 223 هـ / 838 م ) الذي كاد يدكّ عرش المعتصم ، إذ روي أن الأوّل « لمّا لطّخ وجهه بالدم حين قطعت أطرافه » « 6 » . سوّغ ذلك بأنه إنّما « كان لئلا يظهر إلى عين العامة تغيّر مزاجه غيرة منه على الحق لمعرفته بهذا كله » « 7 » . 
وبابك هو السابق إلى ذلك ، إذ لمّا قطعت يده لطّخ وجهه بدمه
..........................................................................................
الفرق بين الفرق للبغدادي ( أبي منصور عبد القاهر بن طاهر ، ت 429 هـ / 1038 م ) ، مصر 1367 ه / 1947 م ، ص 157 - 8 . ومما يذكر هنا أن نص الرسالة المذكورة ناقص في هذا الموضع وقد بينا وجه ذلك وأشرنا إلى أشياء كثيرة من هذا القبيل في بحثنا « رسالة الغفران » في طبعتها الرابعة الذي نشر ناقصا في مجلة « المجلة » القاهرية ، من أعداد سنة 1968 م ، وكاملا في العددين التاسع والعاشر من السنة الثانية من مجلة البلاغ البغدادية .
( 1 ) انظر كتابنا « الصلة بين التصوف والتشيع » ط 2 ، ص 49 .
( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 112 ، وذكر الخطيب البغدادي هنا أن أبا العباس ( أحمد ) بن عطاء ( الأدمي ) البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم بن محمد النصر آباذي ، صححوا حاله ودوّنوا كلامه .
( 3 ) وفيات الأعيان لابن خلكان ، مصر 1948 م ، 6 / 409 .
( 4 ) الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي ( محمد بن علي الحاتمي ، ت 638 هـ / 1241 م ) ، مصر 1293 م ، 4 / 182 .
( 5 ) تاريخ بغداد 8 / 131 .
( 6 ) الفتوحات المكية 4 / 182 .
( 7 ) الفتوحات المكية 4 / 182 .

« 81 »
وضحك يري الناس « أنه لم يؤلمه القطع وأن روحه ليس تحسّ بشيء من ذلك » « 1 » . وفوق هذا كله إنّما كان أنصار الحلّاج في خراسان يرفعون من قدره بوصفه زعيما سياسيا عظيما ، فخاطبوه بعبارة « رب لأرباب » « 2 » إجلالا له . كما كانت رعية الأفشين ( خيذر بن كاوس الصّغدي ، القائد التركي المشهور الذي صلبه المعتصم مع بابك الخرّمي ) ، يكاتبونه وأباه وجدّه من قبله « 3 » . من قولهم ، في ديباجة رسائلهم إليهم : « إلى إله الآلهة من عبيده . . . » « 4 » . 
وأوفى الحلّاج على الغاية لمّا قورن بالحسين بن علي بن أبي طالب أبي الشهداء في تضحيته وفدائه وبطولته « 5 » ومكانته ، لما ذكر أن صوفيّنا « لمّا وقع دمه على الأرض كتب : « اللّه اللّه » ، إشارة لتوحيده وإنما لم يكتب دم الحسين ذلك لأنه لا يحتاج إلى تبرئة » « 6 » . 
حتى إلقاء رماد جثة الحلّاج في دجلة اقترن بأسطورة أريد بها الرفع من شأنه وتبديد الوقع السيّىء الذي يرسب منه في النفوس . 
ولهذا ذكر المعجبون بالحلّاج أنه « لمّا ألقي رماده في دجلة ، ظهر على وجه الماء بدله عبارة : « أنا الحق » « 7 » .
وانتهى الأمر أخيرا بأن عدّ الحلّاج ثالث ثلاثة أحبّهم قوم فكفروا بحبّهم وأبغضهم قوم فكفروا ببغضهم ، والاثنان الآخران : عيسى بن مريم وعلي بن
..........................................................................................
( 1 ) البدء والتاريخ للمقدسي 6 / 117 .
( 2 ) انظر مثلا التبصير في الدين للأسفرايني ( أبي المظفر شاهفور بن طاهر الشافعي ، ت 471 هـ / 1080 م ) ، مصر 1359 هـ / 1940 م ، ص 78 .
( 3 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 .
( 4 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 .
( 5 ) انظر : تراجم القرنين ( السادس والسابع الهجريين ) لأبي شامة ( أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل ، 599 - 665 هـ / 1202 - 1267 م ) ، مصر 1366 هـ / 1947 م ، ص 18 - 19 .
( 6 ) الكواكب الدرية لعبد الرؤوف المناوي 2 / 25 . وقد بولغ في ذلك بمصر سنة 596 هـ / 1199 - 600 م . حتى فضل الحلّاج على الحسين السبط ، فما كان من شهاب الدين محمد الطوسي الذي توفي في هذه السنة ، إلا أن قال : « كيف يجوز هذا ؟ قطرة من دم الحسين أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلّاج . فلما قال السائل : قدم الحلّاج كتب على الأرض : اللّه ، ولا كذلك دم الحسين ، فقال الطوسي : المتهم يحتاج إلى تزكية » ( تراجم القرنين ، ص 18 - 19 ) .
( 7 ) تاريخ كزيدة لحمد اللّه المستوفي القزويني ، ص 776 .

« 82 »
أبي طالب « 1 » .
وهكذا يعدّ الزعم بأن الحلّاج لم يقتل أمرا مألوفا في مثل هذه الظروف العاطفية ، ومن هنا ذكر أن القتل وقع على « دابة » « 2 » مرة و « بغلة » « 3 » مرة أخرى ، وتواضع قوم فذكروا أنه وقع على رجل ألقي عليه شبهه « 4 » .
وبعد هذا جرؤ قوم على الزعم بأنهم سمعوا الحلّاج يقول لأصحابه : « لا يهوّلنّكم هذا فإنّي عائد إليكم بعد ثلاثين يوما » « 5 » . وتمشّيا مع هذه القصة ذكر ابن الأثير أن « بعضهم » قال : « لقيته على حمار بطريق النهروان ( ماضيا من العراق إلى إيران قاصدا خراسان طبعا ! ) وأنه قال لهم : « لا تكونوا مثل هذا البقر ( الصحيح : النفر ) الذين يظنون أنني ضربت وقتلت » « 6 » .
ومن الطبيعي أن تتداعى هذه الصور إلى الرجعة والمهدية ؛ وهذا شيخ المعرّة ( ت 449 هـ / 1057 م ) يخبرنا أن « الصوفية ، اليوم ، من يرفع شأنه ويجعل مع النجم مكانه . وبلغني أن ببغداد قوما ينتظرون خروجه وأنهم يقفون بحيث صلب على دجلة ، يتوقعون ظهوره . . . » « 7 » . وهكذا ارتفعت اللعنة والسخرية والنقمة وحلّت الرحمة والإعجاب والحب والتقدير . 
ذلك أن من يبذل دمه ثمنا لما يدين به لن يعقد صفقة خاسرة ، فالقتل جدّ ليس بعده جدّ ، وهو عند الناس برهان ساطع على الصدق والإخلاص ومجلبة للعطف والاحترام والاهتمام . 
ولولا تضحية المسيح ما انتشرت المسيحية هذا الانتشار ، ولولا قتل ميرزا محمد الباب ما قامت للبهائية قائمة في العصر الحديث ، عصر العلم والعقل والبرهان .
..........................................................................................
( 1 ) الحلّاج شهيد التصوف الإسلامي ، لطه عبد الباقي سرور ، مصر 1961 م ، ص 254 عن اليافعي .
( 2 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 3 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 453 .
( 4 ) الفرق بين الفرق للبغدادي ، ص 159 ، وفي تجارب الأمم أن أصحاب الحلّاج ادعوا أن المضروب « كان عدوا للحلّاج ألقي شبهه عليه » ( 5 / 79 ) .
( 5 ) تاريخ بغداد 6 / 164 . وهذا يذكر بصعود موسى الجبل لميقات ربه ( البقرة 2 : 51 ) .
( 6 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 7 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 454 .

« 83 »
وأطرف ما نختم به هذه المعاني ما حكي من أن « الحلّاج كانت له أخت تخرج من البيت كل ليلة . فتعقبها يوما فرأى حورية من حوريات الجنة تسقيها كأسا من شرابها ، ولما طلب الحلّاج جرعة لنفسه ، حذرته أخته من قصوره عن تحمل أثرها وخوّفته من الهلاك بسببها . 
لكن الحلّاج أصرّ ، فسقي بضع قطرات من تلك الكأس ، فكان قوله : « أنا الحق ، من عقابيل هذه الجرعة » « 1 » . 
وتستمر هذه الأسطورة في مصاحبة الحلّاج في تفصيلات محاكمته وقتله لتروي أنه « لمّا رفع الحلّاج إلى المشنقة ، افتقده الناس فلم يجدوه ثم ظهر متربعا في الهواء ! وكلما سعى أمراء الغضب في القبض عليه اقترن سعيهم بالإخفاق . وفي أثناء هذه الاضطرابات فارقت روح الحلّاج بدنه وارتفعت إلى الجنة حيث لقيت النبي ( صلى عليه وسلم ) . 
وبعد أن تلقت التهنئة على درجة الوصال ( التي نالتها ) . . . طلب إليها النبي ( صلى عليه وسلم ) أن ترضى بالقتل حفظا لظاهر الشريعة . وسمعت روح الحلّاج لقول النبي ( صلى عليه وسلم ) فعادت إلى الأرض وبذلت بدنها ليقتل قتلا ظاهريا » « 2 » .
وصورت هذه الحكاية بألوان أزهى لمّا ذكر العطار الأردستاني أن الحلّاج حين حبس حبسا انفراديا ، وذلك بعد رفضه الرجوع عن آرائه شرطا لإطلاق سراحه ، زاره الصوفية ثلاث ليال سويا ، ففي الأولى افتقدوه فلم يجدوه ، وفي الثانية وجدوه ولم يروا السجن ، وفي الثالثة غاب هو والسجن عن عيانهم ! ولما سئل عن ذلك قال : كنت في الليلة الأولى في الحضرة ( الإلهية ) ، وفي الليلة الثانية كان الحق ( تعالى ) هنا ! ومن هنا غاب السجن عن العيان . 
واليوم أعادني الحق إلى سجني حفظا ( لظاهر ) الشريعة فتعالوا وافعلوا ما أمرتم « 3 » . 
ولما حانت ساعة التنفيذ كان الحلّاج كلما ضربوه عصا سمعوا صوتا فصيحا يقول له : ولدي منصور ، لا تخف » « 4 » .
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ إيران للسير جون مالكولم وترجمة ميرزا حيرت ( إلى الفارسية ) ، ص 204 .
( 2 ) أيضا ، ص 205 .
( 3 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد -
( 4 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد -

« 84 »
المعتذرون عن الحلّاج المسوّغون لأقواله :
وبقطع النظر عن إحاطة الحلّاج بهذه الهالة من الأساطير تصدّى لتسويغ المآخذ عليه والاعتذار عنه والرفع من شأنه والائتمام به جماعة من عظماء التاريخ الإسلامي في طول العالم الإسلامي وعرضه من : صوفية ومتكلمين وفلاسفة ومفكرين وغيرهم ؛ فبالإضافة إلى محمد بن خفيف ، تطوع أبو سعيد بن أبي الخير ، شاعر الرباعيات الفارسي ( ت 440 هـ / 1048 - 49 م ) يقول : « في اليوم الذي قال ( الحلّاج فيه ) : أنا الحق ، أين كان ؟ لقد كان ( هو ) اللّه اللّه » « 1 » .
وقد ذكر في تضاعيف حركة الحلّاج أن محمد بن داود الظاهري الأصفهاني ، صاحب كتاب الزهرة ( ت 297 هـ / 909 - 10 م ) ، كان من ألدّ أعدائه الأوائل وكان يقول في التعبير عن موقفه منه : « إن كان ما أنزل اللّه على نبيّه حقا فما يقول الحلّاج باطل » « 2 » ، وهي عبارة ما لبثت أن وجدت نقضا عليها على لسان أبي القاسم إبراهيم بن محمد النصر آبادي الصوفي ( ت 367 هـ / 977 - 8 م ) في قوله : « إن كان بعد النبيين الصدّيقين موحّد فهو الحلّاج » « 3 » .
وكان موقف الأشاعرة الأول معاديا للحلّاج فوقع فيه وردّ عليه منهم الباقلاني ( محمد بن الطيب ، ت 403 هـ / 1013 م ) ، والبغدادي صاحب « الفرق بين الفرق»، وتلميذه الأسفرايني، صاحب « التبصير في الدين » ( وقد أكثرنا من النقل منهما ). 
وجاء في كتاب البغدادي الآخر « أصول الدين » قوله : « وقد اشتمل كتاب تاريخ الصوفية [ الضائع ] لأبي عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من شيوخ الصوفيد ما فيهم واحد من أهل الأهواء ، بل كلّهم من أهل السنّة سوى ثلاثة منهم : أحدهم أبو حلمان الدمشقي ، فإنه تستّر
..........................................................................................
ناجي القيسي ، بغداد 1388 هـ / 1968 م ، ص 461 ( باب في مناقب . . . الحلّاج للعطار ) ، والنص هنا ترجمة حرفية لما ورد في التذكرة ، والنص الذي أثبتناه من ترجمتنا .
( 1 ) مجموعة نصوص غير منشورة تتعلق بتاريخ التصوف ، جمعه ونشره ماسينيون ، باريس 1929 م ، ص 88 .
( 2 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 255 .
( 3 ) البداية والنهاية لابن كثير 11 / 132 .

« 85 »
بالصوفية وكان من الحلولية ، والثاني الحسين بن منصور الحلّاج وشأنه مشكل ، والثالث القنّاد : اتهمته الصوفية بالاعتزال فطردوه لأن الطيب لا يقبل الخبيث » « 1 » . ولما كتب القشيري ( أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، ( ت 465 هـ / 1074 م ) رسالته في الدفاع عن الصوفية ورفع تهمة الزندقة عنهم - وكان أشعريا - « ما ذكر الحلّاج للخلاف الذي وقع فيه حتّى لا تتطرق التهمة لمن وقع ذكره من الرجال في رسالته » « 2 » .
أما إمام الحرمين الجويني ( عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف ) ، ( ت 478 هـ / 1085 م ) ، أستاذ الغزالي ، محمد بن محمد الطوسي ، ( ت 505 هـ / 1111 م ) ، فقد تورّط في خصومة الحلّاج جهلا به حتى جمعه في مؤامرة على قلب نظام الحكم العباسي مع ابن المقفع الذي قتل قبله بنحو مائة وخمسين سنة - والجنابي ( أبي سعيد ، ت 301 هـ / 913 - 14 م ، أو أبي طاهر الذي نقل الحجر الأسود من مكة إلى هجر ( ت 318 هـ / 939 - 40 م ) . 
وذلك في كتابه « الشامل في أصول الدين » « 3 » . الذي نشر ثلثه الباقي أستاذنا الدكتور علي سامي النشار بالتعاون مع تلميذيه فيصل بدير عون وسهير محمد المختار في الإسكندرية سنة 1969 م وليس فيه هذا الخبر « 4 » .
..........................................................................................
( 1 ) أصول الدين ، إسطنبول 1928 ، ص 315 - 16 .
( 2 ) أخبار الحلّاج ، الرسالة الرابعة ، هامش ص 22 ، وهذا هو كلام ابن العربي الحاتمي الطائي منقولا من الفتوحات المكية .
( 3 ) انظر : الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي ، الجزء الثاني ، طبع دار الكتب المصرية 1936 م ، ص 75 ، وراجع البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 143 - 44 ) وانظر ترجمة الحلّاج في وفيات الأعيان لابن خلكان .
( 4 ) الجزء المنشور من كتاب الشامل يتضمن ثلاثة أبواب أو كتب بتقسيم المصنف وهي :
كتاب النظر وكتاب التوحيد وكتاب العلل ، وبقي منه كتب ( فصول ) : الصفات والإرادة والقدر والنبوات وإبطال القول بالتولد والرد على الطبائعيين والتعديل والتجوير . ولعل خبر الحلّاج موجود ضمن كتاب التنبؤات كما فعل القاضي عبد الجبار في الجزء الخاص بالتنبؤات والمعجزات من كتابه « المغني في أبواب التوحيد » وقد جاء في المقدمة أن معهد المخطوطات العربية في القاهرة يحتفظ بملخص للشامل اسمه « الكامل في اختصار الشامل » ومختصر لهذا اسمه « مختصر الكامل » وتحتفظ به مكتبة جامعة الأزهر فلا بد أن الخبر المذكور وارد في الأول منهما ( انظر مقدمة الشامل ص 87 ) .

« 86 »
لكن هذا الموقف تغير تماما حين تشمّر الغزالي للدفاع عن الحلّاج في كتابه « مشكاة الأنوار » « 1 » حيث اعتذر عنه وحمل أقواله التي أوخذ عليها ، من نحو قوله : أنا الحق ، على محامل حسنة ، وبرر ذلك بأنه إنما كان « من فرط المحبة وشدة الوجد » فأثار بذلك اهتمام المصنفين « 2 » .
أما الحنابلة فقد راح الحلّاج عندهم لمعارضته الدولة مثلهم ولوقوف ابن عطاء إلى جانبه ، ثم يبدو أن الأمور قد تغيّرت في ما بعد بحيث وجدنا أحد الحنابلة وهو أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل العقيلي ( ت 513 هـ / 1119 - 20 م ) يتوب عن الاعتزال ويقرن ذلك بإعلانه أنه « رجع عن اعتقاده كون الحلّاج من أهل الحق والخير وأنه قد رجع عن الجزء الذي عمله في ذلك وأن الحلّاج قتل بإجماع علماء أهل عصره على زندقته وأنهم كانوا مصيبين في قتله وما رموه به » « 3 » ، وحدث هذا سنة 465 هـ / 1072 م « 4 » .
وعاد الموقف فانقلب من جديد في صالح الحلّاج وذلك حين تصدى الشيخ عبد القادر الجيلي ( بن موسى بن عبد اللّه الحنبلي ، ت 561 هـ / 1166 م ) لتصحيح أقوال الحلّاج والدفاع عنه دفاعا مجيدا وذلك في قوله : « عثر الحلّاج فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده ، ولو كنت في زمنه لأخذت بيده » « 5 » . 
ومن أقوال الجيلي في هذا المجال أيضا : « طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة : « أنا الحق » . رأى روض الأبدية خاليا عن الحسيس والأنيس . صفر بغير لغة تعريضا لخيفة ( لحتفه ) . ظهر عليه عقاب الملك من مكمن :إِنَّ اللَّهَ نعني( غَنِيٌّ ) عَنِ الْعالَمِينَ، ( آل عمران 3 / 97 ) . أنشب في إهابه مخلاب :كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، ( أيضا 3 / 185 ) قال له : شرع سليمان الزمان ( كذا ) ثم تكلمت بغير لغتك ثم ترنمت بلحن غير معهود من
..........................................................................................
( 1 ) انظر مثلا : مرآة الجنان لليافعي ( أبي محمد عبد اللّه بن أسعد ، 698 - 768 هـ / 1298 - 1367 م ) ، ط حيدر آباد 1918 - 20 م ، 2 / 253 ، تاريخ ابن الوردي 1 / 257 ، روضات الجنات للخوانساري ( محمد باقر ت 1313 هـ / 1895 م ) ، طهران 1307 هـ / 1889 - 90 م ، ص 226 .
( 2 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 3 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 4 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 5 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 .

« 87 »
مثلك ؟ ! أدخل الآن إلى قفص وجودك . ارجع من طريق القدم إلى مضيق ذلّة الحدث . قل بلسان اعترافك - ليسمعك أهل الدعوى - : حسب الواحد إفراد الواحد . مناط خفض ( حفظ ) الطريق إقامة وظائف الشرع » « 1 » .
وكان موقف الغزالي وعبد القادر الجيلي فاصلا في تشجيع الصوفية ، على الخصوص ، للتعبير عن آرائهم وعواطفهم تجاه الحلّاج في الظاهر ، والإعراب عن أفكارهم ومواجيدهم في الحقيقة . وهكذا وجدنا فريد الدين العطار ( ت 607 هـ / 1210 م ) « 2 » يثني على الحلّاج ويعيد صياغة آرائه في قصيدة سماها « هيلاج نامه » « 3 » بمعنى عين الحياة ، أي الخلود « 4 » . وهو لفظ يوناني في الأصل « 5 » .
ومنه هذه القصيدة المترجمة بألفاظ الدكتور أحمد ناجي القيسي في كتابه ( عطّار نامه ، ص 141 - 142 ) .
تقول القصيدة :
«لقد جلست في زاوية بقيت ( فيها ) منتحبا ضعيفا ، غير ذي قدرة ، ذليلا وبقيت مغموما من التفكّر ليلا ونهارا :ماذا سيحدث لي ، بعد ، من الصانع الطاهر أفكر : ماذا سيظهر لي هنا من الأسرار بعد « الجواهر » ( هـ / كتابه ، جوهر الذات ) ونظرت فرأيت مجنونا
..........................................................................................
( 1 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 .
( 2 ) هذا التاريخ حققه الدكتور أحمد ناجي القيسي في كتابه « عطار نامة » ص 242 .
( 3 ) مجموعة نصوص ، ص 1 ، وانظر : عطار نامة ( 141 ) .
( 4 ) معجم : برهان قاطع لابن خلف التبريزي المتلخص ببرهان ، مطبوعات فريدة علمي ، إيران دون تاريخ ، ص 1224 .
( 5 ) معجم : برهان قاطع لابن خلف التبريزي المتلخص ببرهان ، مطبوعات فريدة علمي ، إيران دون تاريخ ، ص 1224 .

« 88 »
رأيت غريبا عن علم الصورة ،قد تقدّم إليّ هذا العاشق النحيف وفتح شفتيه ، ونطق بالأسراروأن تفشي الحقيقة مرة ثانية وأن تأتي بكتابك ، باسمي ، بديعا وأن تأتي به حكيما ، ممتلئا معنى إني إلهيّ في هذا الزمان ومطّلع عليك في داخل روحك ، وإني واصفك.
فقلت لها : أيّها الروح ! ما اسمك ؟أنا لك اللّه هنا رغبتك 
فأجابني : أنا منصور الحلّاج واسمي في الآفاق هيلاج (الخلود)إننا ناطقون في داخل روحك وإنك أصبحت باحثا عنّي في العشق». 
والعطّار هو الذي روى الأخبار الأسطورية عن الحلّاج من نحو امتناعه عن الفرار من السجن ، وقصة الوردة التي آذته دون الأحجار الثقيلة لإصابته بها بيد صديقه الشبلي، وقصة نطق أعضاء الحلّاج بعبارة «أنا الحق» بعد قتله (عطّار نامة، ص 223) وغير ذلك. 
وفوق هذا تقمّص العطار شخصية الحلّاج بنفسه وبغيره وصار ينطق عن لسانه ، ومن هنا أعاد نظم أبيات أبي نواس التي ردّدها الحلّاج قبل قتله بألفاظ أخرى في كتابه « منطق الطير » ( انظر : عطّار نامة أيضا ص 305 ) .
وحسبنا من العطار هذا القدر .

« 89 »
وفتح باب الدفاع عن الحلّاج في الدوائر الكلامية والصوفية والفلسفية على مصراعيه . وإتماما للفائدة نسجل هنا الفقرة المعينة التي دافع بها الغزالي عن الحلّاج وأبي يزيد البسطامي والشاطحين من الصوفية على العموم .
قال الغزالي : « إشارة : العارفون ، بعد العروج إلى سماء الحقيقة ، اتّفقوا على أنّهم لم يروا في الوجود إلّا الواحد الحق . لكنّ منهم من كان له هذه الحال عرفانا علميّا ، ومنهم من صار له ذلك حالا ذوقيا . 
وانتفت عنهم الكثرة بالكلية واستغرقوا بالفردانية المحضة واستوفيت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متّسع لا لذكر غير اللّه ولا لذكر أنفسهم أيضا . فلم يكن عندهم إلا اللّه ، فسكروا سكرا دفع دونه سلطان عقولهم ، فقال أحدهم [ الحلّاج ] : أنا الحق ، وقال الآخر [ أبو يزيد البسطامي ، ت 261 هـ / 875 م ] : سبحاني ما أعظم شأني ، وقال آخر ( هو أيضا ، وتنسب أيضا إلى أبي سعيد بن أبي الخير ) « 1 » : ما في الجبّة إلا اللّه .
وكلام العشاق ، في حال السكر ، يطوى ولا يحكى .
فلما خفّ عنهم سكرهم وردّوا إلى سلطان العقل ، الذي هو ميزان اللّه في أرضه ، عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل شبه الاتّحاد مثل قول العاشق ، في حال فرط عشقه : أنا من أهوى ومن أهوى أنا [ وهو الحلّاج كما لا يخفى ] ولا يبعد أن يفاجئ الإنسان مرآة فينظر فيها - ولم ير المرآة قطّ - فيظنّ أن الصورة التي رآها هي صورة لمرآة متحدة بها ، ويرى الخمر في الزجاج فيظن أن الخمر لون الزجاج . 
وإذا صار ذلك عنده مألوفا ورسخ فيه قدمه استغفر وقال : [ وهو الصاحب بن عباد ]
رق الزجاج ورقّت الخمر * فتشابها فتشاكل الأمر
..........................................................................................
( 1 ) مرصاد العباد للرازي ص 178 .

« 90 »
فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر
وفرق بين أن يقول : الخمر قدح ، وبين أن يقول : كأنه قدح .
وهذه الحالة إذا غلبت سميت ، بالإضافة إلى صاحب الحالة ، فناء بل :
« فناء الفناء ، لأنّه فني عن نفسه وفني عن فنائه ، فإنه ليس يشعر بنفسه في تلك الحال ولا بعدم شعوره بنفسه . ولو شعر بعدم شعوره بنفسه لكان قد شعر بنفسه ؛ وتسمى هذه الحالة ، بالإضافة إلى المستغرق به بلسان المجاز ، اتّحادا ، أو بلسان الحقيقة توحيدا .
ووراء هذه الحقائق أيضا أسرار يطول الخوض فيها » « 1 » .
وفي هذا الوقت ساغ لعمر السهروردي ( ت 632 هـ / 1234 - 5 م ) أن يضمّن كتبه دفاعا حارّا لا عن الحلّاج فقط ، وإنّما عن أبي يزيد البسطامي ( ت 261 هـ / 874 - 5 م ) قبله في قوله : « سبحاني ما أعظم شاني » ، سوّغه ، وعرّج على الحلّاج في قوله : « أن الحق » ففنّده بأنه « إنما كان على معنى الحكاية عن اللّه تعالى » « 2 » شأن عبارة أبي يزيد السابقة . وجاء في كتاب جلال الدين الرومي ( محمد بن محمد البلخي ، ت 672 هـ / 1234 - 5 م ) المسمّى « سخنان منظوم » « 3 » ( الكلم المنظوم ) أن « نور ( الحسين بن ) منصور تجلّى ، بعد مائة وخمسين [ الصحيح بعد ثلاثمائة وخمسين سنة ] ، في فريد الدين العطار ، وصار مربّيه » ، وبهذا لم يتحرّج اليافعي من نظم قصيدة طويلة وسمها بالدرّ النضيد في جيد الملاح في بيان الاعتذار عما يصدر عن المشايخ أرباب الأحوال الملاح ، ضمّن في مقدّمتها قوله : « وقيل : الحلّاج وما منه في ظاهر الشريعة يستباح ، وكونه شهيدا لأن الغائب بالحال ما عليه جناح » ، وقال فيها :
..........................................................................................
( 1 ) مشكاة الأنوار ، بتحقيق أستاذنا المرحوم د . أبو العلا عفيفي ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة 1964 م ، ص 59 - 60 ، وانظر إشارة أخرى في ص 62 .
( 2 ) ذكر ذلك اليافعي في مرآة الجنان ( 2 / 255 ) نقلا عن « عوارف المعارف » ولم نجد النص فيه فلعل الطبعات ناقصة أو لعل الخبر في كتاب آخر .
( 3 ) غرائب المسائل لفاضل محمد ، مخطوط جامعة أوكسفورد ، المكتبة البودلية ، ورقة 13 ب ، وانظر : سخنان منظوم لجلال الدين الرومي .

« 91 »
وبعض عن الأكوان فان ، وبعضهم * به جاوز الإسكار حدّا معربدا 
فسلّ عليه الشرع سيفا حمى به * حدودا ، فذا الحلّاج ماض محدّدا
فمات شهيدا عندكم من محقّق * وكم ( عندكم ) يخرج عن النهج ملحدا« 1 » .
وعبّر عز الدين بن عبد السلام المقدسي ( ت 660 هـ / 1262 م ) عن مشاعره تجاه الحلّاج ،
فقال على لسان الصوفية على العموم :

هيهات ما قتلوه * كلا ولا صلبوه 
لكنهم حين غابوا * عن وجده شبّه 
وهأحبابه حين غاروا * عليه قد غيّبوه
سقوه صرفا وراموا * كتمان ما أودعوه
فما أطاق ثبوتا * لثقل ما حمّلوه
فتاه سكرا ونادى : * أنا الذي أفردوه
يا لائمي كيف أخفي * في الحب ما أظهروه
أم كيف يكتم قلب * بالشوق قد مزّقوه « 2 »
وحكي عن الشيخ علاء الدين السمناني ( أبي المكارم ركن الدين أحمد بن محمد ، من نسل ملوك سمنان في نواحي خراسان ، ت 736 هـ / 1336 م ) وكان من شيوخ التصوّف الكبار في القرن الثامن الهجري ( الرابع عشر الميلادي ) ، أنه قال في المفاضلة بين الحلّاج وفرعون : « سيطرت على نفسي حال ( صوفية ) شديدة فقصدت إلى زيارته [ المقصود : الحلّاج ] ( في عالم الأرواح ) . وبعد إعمال المراقبة وجدته في أعلى عليين ( من الجنة ) .
عندئذ توجهت إلى اللّه تعالى بالمناجاة ودعوته قائلا : إلهي ، كيف يكون فرعون في سجّين لقوله : أنا ربّكم الأعلى ويكون الحلّاج في أعلى عليين وقد قال : أنا الحق ، وكلاهما ادّعى الإلهية ؟ وما الحكم في ذلك ؟ 
فنادى ( تعالى ) في سرّي : لقد وقع فرعون إلى البين ولم ير غير نفسه فأضاعنا ،
..........................................................................................
( 1 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 266 ، ونص الأبيات مصحّف وقد أصلحناه جهد المستطاع ، وورد البيت الثالث في « نشر المحاسن الغالية » لليافعي أيضا ، مصر 1381 هـ / 1961 م ، ص 286 - 7 .
( 2 ) شرح حال الأولياء ، مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، ص 108 .

« 92 »
ولم ير الحلّاج غيرنا فأضاع نفسه ، وما أعظم هذا الفرق » « 1 » ، وهي قصة تبين عن تحليل الموقف وتبن لقضية الحلّاج وموافقته على أن قوله : « أنا الحق » ، قد صدر عن شطح أو عن حكاية عنه تعالى ، كما قال شهاب الدين عمر السهروردي في ما مضى .
وتجاوزت هذه العاطفة شيوخ التصوف خلال العصور حتى بلغت العامّة فسمعنا قائلهم يقول على لسان الحال :
الخمر دنّي ودنّ الخمر ريحاني * ومجلس الذكر تسبيحي وعيداني
ما يشرب الخمر إلا من يكن بطلا * ويطلّق النوم لم تغمض له أجفاني
طلّقت نومي ولم اسلا حلاوته * حتى بقي جفن عيني ساهرا فاني
أنا الحسين أنا الحلّاج يا فقرا * ذوّبت سيدانهم ( ! ) من عظم برهاني
أنا الذي شاع ذكري في الملا الأعلى * حلجت قطني بتقواي وإيماني « 2 »
وفي المجال الشيعي ، الذي قيل : « إن الحلّاج ثار عليه ونازع زعماءه مكانتهم ، حظي الحلّاج عند ثلاثة من أشهر رجالهم وأولهم الفيلسوف العالم نصير الدين الطوسي ( أبو جعفر محمد بن الحسن : ت 672 هـ / 1289 م ) الذي اعتذر عن الحلّاج في قوله : أنا الحق بأنّه إنّما قال ذلك ومراده « رفع الإنّية دون الإثنينية » « 3 » .
وسرى هذا الميل إلى العطف على الحلّاج إلى النزّاعين إلى التصوّف من الشيعة ومنهم القاضي نور اللّه التستري صاحب مجالس المؤمنين ( ق 1019 هـ / 1610 م ) الذي سرد خصومة الشيعة للحلّاج ثم عقّب عليها بقوله نقلا عن السنجري : « إن الحلّاج كان يدعو الناس إلى إمامة محمد المهدي صاحب الزمان ويقول لهم : إنه سيظهر من طالقان الديلم عن قريب . 
وبناء على ذلك ألقي القبض عليه وسيق إلى بغداد حيث أوخذ . ومن هنا يظهر أن
..........................................................................................
( 1 ) محفل الأوصياء للأردستاني ، ورقة 245 ب .
( 2 ) ديوان الحلّاج ، جمع وتحقيق ماسينيون باريس 1955 ، ص 141 .
( 3 ) انظر ذلك في هامش قول الحلّاج :
بيني وبينك إني يزاحمني * فارفع بلطفك إنّي من البين

« 93 »
ذنب الحلّاج إنما كان الانتساب إلى مذهب الشيعة الإمامية والاعتقاد بوجود مهدي أهل البيت ( ع ) ودعوة الناس إلى نصرته وحثّهم على الثورة على الدولة العباسية » « 1 » . 
ومع وضوح المغالطة في هذا السرد ، يبدو مدى العطف الذي حظي به الحلّاج من لدن متصوفة الشيعة على العموم بحيث ساغ لهم أن يبرروا أشقّ الأمور لصرف اللوم عنه . 
ومن هؤلاء الشيعة المعجبين بالحلّاج أيضا بهاء الدين العاملي ( محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي ، ( ت 1031 هـ / 1622 م ) الذي نظم في الحلّاج شعرا فارسيا ترجمته :
« إذا ساغ أن ينطق اللّه من خلال شجرة ، فلم لا يسوغ أن ينطق من خلال الحلّاج لطفا وحسن طالع » « 2 » .
وفوق هذا نفذ الحلّاج إلى أعماق المجتمع الإسلامي في المشرق ، على الخصوص بتأثير من الطرق الصوفية ، ففي تركية ما زال أتباع الطريقة المولوية يسمون المزمار الرئيسي في أذكارهم « ناي المنصور » « 3 » . وكذا ما زال أتباع الطريقة البكتاشية فيها يتبعون ، في حفل تخريج المريدين ، تقليدا حلّاجيا واضحا يتمثل في إفرادهم مكانا في تكاياهم ، التي يسمونها « الميدان » ، يطلقون عليه اسم « دار منصور » « 4 » ، يريدون « صليب الحلّاج » « 5 » .
[ الصحيح صلّابة أو مشنقة منصور ] . 
فإذا أتمّ المريد سلوكه واستحق لقب « بكتاشي » جاؤوا به إلى « دار منصور » ووضعوا في عنقه حبلا يرمز إلى أنه « قد مات عن هذه الدنيا الفانية ورحل إلى ميادين المعشوق الإلهي » « 6 » .
وذكرت المستشرقة الألمانية آنّه - ماري شيمل أن الأتراك يتمثلون بعبارة
..........................................................................................
( 1 ) مجالس المؤمنين ، طهران 1320 هـ / 1902 م ، ص 259 .
( 2 ) انظر حواشي قول الحلّاج السابق من الديوان . وراجع روضات الجنات للخوانساري ص 127 ، والحق أن الأصل النثري لهذا المعنى يرد في تذكرة الأولياء للعطار ، تحقيق محمد القزويني ، طهران ، 1942 م ، 2 / 109 .
( 3 ) المنحنى الشخصي للحلّاج ( كتاب شخصيات قلقة ، ص 88 ) .
( 4 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 .
( 5 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 .
( 6 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 .

« 94 »
تقول « إن الوردة التي ألقاها الحبيب آلمتنا » « 1 » ، إشارة إلى أسطورة ذكرها فريد الدين العطار في كتابه « تذكرة الأولياء » من أنّ الحلّاج تحمّل رجم الناس صابرا راضيا ، لكنه جزع من وردة حصبه بها الشبلي صديقه القديم ، ومن هنا كان وقعها عليه أشدّ من وقع الأحجار الشادخة « 2 » .
ولاحظت هذه الكاتبة أيضا ، في ما لاحظت ، انتماء الحلّاجين في تركية إلى الحلّاج باعتباره رئيسهم الروحي ومثلهم الأعلى ، وقالت : « وأذكر أنه أتى إلى دارنا في إستانبول حلّاج لتحليج ( كذا ) قطن الفراش وأنه حكى لي قصصا كثيرة عن الوليّ المحترم منصور » « 3 » .
وفوق هذا ذكر ماسينيون أن الحلّاج يدعى [ يستنجد به ] في الدعوات الشخصية . . . لوقف بكاء الأطفال الصغار على وجه التخصيص » « 4 » .
وذكرت السيدة شيمل المذكورة من مشاهداتها في الهند أنه « وجد في كجرات بالهند صنف من الملّاحين يدعون المنصوريين ، أي أن الحلّاج هو وليّهم الخاص » « 5 » . 

وذكرت أنها رأت عام 1961 م في قرية صغيرة في السّند ، القريبة من حدود البلوجستان « طائفة من القوّالين » ، أي الموسيقيين الذي يطوفون البلاد يترنمون ويتغنون ، وإذا بشعر يردّد فيه بعد كل بيت :
سلوا العاشقين عن شروط العشق * وإن لا تصدقوا فسلوا من مثل منصور « 6 » .
وذكرت في ما يتصل بوادي السند والبنجاب في الهند أنه « ما من شاعر صوفي في هذه المنطقة إلا ويذكر اسم ذلك العاشق الشهيد في أبياته » « 7 » .
وعقّبت على ذلك بقولها : « هكذا شاعت شهرة الحلّاج في قرى الهند وباكستان : تنشد أحواله العشائر البتّانية في جبال أفغانستان والفلاحون في الپنجاب والملّاحون على نهر السند» «8».
.........................................................................................
( 1 ) أيضا : ، ص 24 .
( 2 ) تذكرة الأولياء 2 / 114 - 115 .
( 3 ) فكر وفن ، العدد السابق ص 25 .
( 4 ) المنحنى الشخصي ص 88 .
( 5 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ص 25 .
( 6 ) أيضا : ص 27 .
( 7 ) أيضا : ص 27 .
( 8 ) أيضا : ص 27 .

« 95 »
وفي العراق ، حيث لا يزال قبر الحلّاج الخالي من رفاته ، الذي شيد له منذ القرن الخامس الهجري ( الحادي عشر الميلادي ) ، يقاوم عوامل الفناء ويحظى بزيارة أعداد من الناس « أكثرهم من الهنود والباكستانيين » ليضعوا على القبر شموعا ونقودا . 
ويصرّ السيد صالح بن عبد اللّه القصير ، مختار محلة المنصورية التي يقع فيها القبر ، على « أنّ نورا خافتا يظهر عند الليل من قبره » « 1 » .
ولما ذكر له الأخ عادل الألوسي ، الذي زار القبر وقابل المعنيين به ، أن هذا النور ربّما كان بسبب إيقاد الشموع التي يضعها الناس عليه قال : « لا أعلم ، فليس للشموع أن تبقى حتى الصباح » « 2 » ، وأخذ يردد كلاما حول « معجزات الحلّاج وحياته » « 3 » . 
وفي العراق أيضا زحفت شهرة الحلّاج إلى المجتمع التركماني في كركوك فرست على شكل مثل يضرب للاضطراب وعدم التنظيم في البيوت والغرف ونصه المترجم إلى العربية « كأنّه حلّاج منصور ! » « 4 » .
ومن المرجح أن الحلّاج قد خلّف أثرا في المجتمعات الإسلامية الأخرى عربية وغير عربية ، من نماذج هذه الآثار أنّ القرويين الفلسطينيين اعتادوا أن يسبغوا على هذا الصوفي القداسة حين تجمعهم مجالسهم وترد سير الصالحين . وقد حدثني الزميل الكريم الدكتور عبد اللطيف البرغوثي ، خبير اليونسكو في كلية التربية بطرابلس الغرب ، أنه ، بالإضافة إلى كتابة دم الحلّاج عبارة « لا إله إلا اللّه » المحورة عن ( اللّه ، اللّه ) التي ترد في الأخبار ، زحزح القصر الذي عاش فيه الحلّاج عند القرويين الفلسطينيين قرنين ونصفا من الزمن إلى الأمام فجمعه مع الحجّاج في محاورة جريئة مفادها أن الحجّاج - بوصفه نموذجا للظلم والتعسف - قال للحلّاج :
« ابصق في خراب لا يعمر ، وإلا قطعت رأسك » تعجيزا وتجبرا « فنظر الحلّاج حوله ثم بصق في عين الحجاج العوراء ! » . ويستطيع المتتبع أن يجمع مادة أوسع حول هذه النقطة ، غير أن في ما ذكرناه غنية لهذا المجال .
..........................................................................................
( 1 ) من رسالة بعث بها إليّ مشكورا الأخ السيد عادل الآلوسي بناء على تكليف مني بذلك في 25 آذار 1970 م .
( 2 ) هذه الرسالة أيضا .
( 3 ) هذه الرسالة أيضا .
( 4 ) أخبرتنا بهذا زوجتي السيدة سماحة النفطحي ، وهي من هناك .

* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: شخصية الحلّاج بعد مقتله شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:50 pm

شخصية الحلّاج بعد مقتله شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

شخصية الحلّاج بعد قتله

وجاور الحلّاج ربه بارّا بوعده ، وتبعه حامد بن العباس بعد سنتين مصادرا وثلّت المقتدر بعد حامد بتسع سنين . 
وذهبت المصالح واختفت الشرطة والأعوان ، وأنزل الزمان ستاره على العصر كلّه ، وأمسى كل شيء في ذمة اللّه ، وعادت الأسماء الرنانة والأموال الطائلة والجيوش المجيشة ، وكذا الفقراء والجياع وأصحاب الطموح والأطماع حروفا تخطها ريشة الزمان على صفحات التاريخ . وأتيح للناس أن يتعرفوا إلى الحلّاج ومأساته على مهل ويبحثوا شؤونه بمعزل عن الرغبة والرهبة والحسد والغبطة والحبّ والكره . 
وسرعان ما بدأت أخبار الحلّاج تجمع والكتب فيه تصنّف وآراء الناس فيه تسجل . 
وبدل أن ينساق هؤلاء مع التيار الذي شقّ قناته أعداؤه من رسميين ومنافقين ومصلحيين ، وجّه هذا النبع إلى مجرى آخر يصفو في الماء ، وتتحلّل منه الشوائب فعاد ماء عذبا زلالا لذّة للشاربين . 
وهكذا تحوّل كل ما يتصل بالحلّاج من خذلان ومؤاخذة ومساءة إلى عطف ونصرة وتبرير ، وترطبت حلوق الصوفية بعد أن جفّفها الرعب وارتفعت أصواتهم تهدر بعبارات قوية واضحة تزيل الغبار عن سجل الحلّاج المطموس وتغسل الدم عن وجهه المرفوع فوق الرمح في شوارع خراسان ، وتعيد إليه اعتباره وترفعه إلى مكانه اللائق به في رأيهم تحت شمس التاريخ .
وهكذا سمعنا أبا بكر الشبلي الذي قيل : إنه أعرض عن الحلّاج في أخريات أيامه لقوله : « أنا الحق » « 1 » ، يهتف بين جمع من الناس دون خوف أو
..........................................................................................
( 1 ) رسالة ابن القارح - مع رسالة الغفران لأبي العلاء المعري ، ط 3 ، ص 36 ، بدلالة

« 80 »
تردد : « كنت أنا والحلّاج شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت » « 1 » . 
ووجدنا محمد بن خفيف ، الذي لعن الحلّاج من قبل ، يصفه بقوله : « الحلّاج عالم ربّاني » « 2 » . وغدا الفقهاء الذين حكموا بالإعدام يقولون بلسان أبي العباس بن سريج ، الفقيه الشافعي ( ت 306 هـ / 918 - 19 م ) - إذ سئل عنه - « هذا رجل خفي عنّي حاله وما أقول فيه شيئا » « 3 » .
وحوّل المعجبون بالحلّاج من صوفية ومن سواهم ، ساعات عذابه إلى لحظات من السعادة الروحية والتوفيق الإلهي ، ومن هنا قرن صبره بصبر أيوب ( ع ) « 4 » وألحق بالمعذبين من السابقين الأوّلين من المسلمين بروايتهم عنه أنه تحمل لسع السوط صابرا محتسبا سعيدا وأنه كان يقول مع كل جلدة « أحد ، أحد » « 5 » . 
وشبّه الحلّاج في الشجاعة ببابك الخرّمي ، الثائر الفارسي المجوسي ( ق 223 هـ / 838 م ) الذي كاد يدكّ عرش المعتصم ، إذ روي أن الأوّل « لمّا لطّخ وجهه بالدم حين قطعت أطرافه » « 6 » . سوّغ ذلك بأنه إنّما « كان لئلا يظهر إلى عين العامة تغيّر مزاجه غيرة منه على الحق لمعرفته بهذا كله » « 7 » . 
وبابك هو السابق إلى ذلك ، إذ لمّا قطعت يده لطّخ وجهه بدمه
..........................................................................................
الفرق بين الفرق للبغدادي ( أبي منصور عبد القاهر بن طاهر ، ت 429 هـ / 1038 م ) ، مصر 1367 ه / 1947 م ، ص 157 - 8 . ومما يذكر هنا أن نص الرسالة المذكورة ناقص في هذا الموضع وقد بينا وجه ذلك وأشرنا إلى أشياء كثيرة من هذا القبيل في بحثنا « رسالة الغفران » في طبعتها الرابعة الذي نشر ناقصا في مجلة « المجلة » القاهرية ، من أعداد سنة 1968 م ، وكاملا في العددين التاسع والعاشر من السنة الثانية من مجلة البلاغ البغدادية .
( 1 ) انظر كتابنا « الصلة بين التصوف والتشيع » ط 2 ، ص 49 .
( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 112 ، وذكر الخطيب البغدادي هنا أن أبا العباس ( أحمد ) بن عطاء ( الأدمي ) البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم بن محمد النصر آباذي ، صححوا حاله ودوّنوا كلامه .
( 3 ) وفيات الأعيان لابن خلكان ، مصر 1948 م ، 6 / 409 .
( 4 ) الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي ( محمد بن علي الحاتمي ، ت 638 هـ / 1241 م ) ، مصر 1293 م ، 4 / 182 .
( 5 ) تاريخ بغداد 8 / 131 .
( 6 ) الفتوحات المكية 4 / 182 .
( 7 ) الفتوحات المكية 4 / 182 .

« 81 »
وضحك يري الناس « أنه لم يؤلمه القطع وأن روحه ليس تحسّ بشيء من ذلك » « 1 » . وفوق هذا كله إنّما كان أنصار الحلّاج في خراسان يرفعون من قدره بوصفه زعيما سياسيا عظيما ، فخاطبوه بعبارة « رب لأرباب » « 2 » إجلالا له . كما كانت رعية الأفشين ( خيذر بن كاوس الصّغدي ، القائد التركي المشهور الذي صلبه المعتصم مع بابك الخرّمي ) ، يكاتبونه وأباه وجدّه من قبله « 3 » . من قولهم ، في ديباجة رسائلهم إليهم : « إلى إله الآلهة من عبيده . . . » « 4 » . 
وأوفى الحلّاج على الغاية لمّا قورن بالحسين بن علي بن أبي طالب أبي الشهداء في تضحيته وفدائه وبطولته « 5 » ومكانته ، لما ذكر أن صوفيّنا « لمّا وقع دمه على الأرض كتب : « اللّه اللّه » ، إشارة لتوحيده وإنما لم يكتب دم الحسين ذلك لأنه لا يحتاج إلى تبرئة » « 6 » . 
حتى إلقاء رماد جثة الحلّاج في دجلة اقترن بأسطورة أريد بها الرفع من شأنه وتبديد الوقع السيّىء الذي يرسب منه في النفوس . 
ولهذا ذكر المعجبون بالحلّاج أنه « لمّا ألقي رماده في دجلة ، ظهر على وجه الماء بدله عبارة : « أنا الحق » « 7 » .
وانتهى الأمر أخيرا بأن عدّ الحلّاج ثالث ثلاثة أحبّهم قوم فكفروا بحبّهم وأبغضهم قوم فكفروا ببغضهم ، والاثنان الآخران : عيسى بن مريم وعلي بن
..........................................................................................
( 1 ) البدء والتاريخ للمقدسي 6 / 117 .
( 2 ) انظر مثلا التبصير في الدين للأسفرايني ( أبي المظفر شاهفور بن طاهر الشافعي ، ت 471 هـ / 1080 م ) ، مصر 1359 هـ / 1940 م ، ص 78 .
( 3 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 .
( 4 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 .
( 5 ) انظر : تراجم القرنين ( السادس والسابع الهجريين ) لأبي شامة ( أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل ، 599 - 665 هـ / 1202 - 1267 م ) ، مصر 1366 هـ / 1947 م ، ص 18 - 19 .
( 6 ) الكواكب الدرية لعبد الرؤوف المناوي 2 / 25 . وقد بولغ في ذلك بمصر سنة 596 هـ / 1199 - 600 م . حتى فضل الحلّاج على الحسين السبط ، فما كان من شهاب الدين محمد الطوسي الذي توفي في هذه السنة ، إلا أن قال : « كيف يجوز هذا ؟ قطرة من دم الحسين أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلّاج . فلما قال السائل : قدم الحلّاج كتب على الأرض : اللّه ، ولا كذلك دم الحسين ، فقال الطوسي : المتهم يحتاج إلى تزكية » ( تراجم القرنين ، ص 18 - 19 ) .
( 7 ) تاريخ كزيدة لحمد اللّه المستوفي القزويني ، ص 776 .

« 82 »
أبي طالب « 1 » .
وهكذا يعدّ الزعم بأن الحلّاج لم يقتل أمرا مألوفا في مثل هذه الظروف العاطفية ، ومن هنا ذكر أن القتل وقع على « دابة » « 2 » مرة و « بغلة » « 3 » مرة أخرى ، وتواضع قوم فذكروا أنه وقع على رجل ألقي عليه شبهه « 4 » .
وبعد هذا جرؤ قوم على الزعم بأنهم سمعوا الحلّاج يقول لأصحابه : « لا يهوّلنّكم هذا فإنّي عائد إليكم بعد ثلاثين يوما » « 5 » . وتمشّيا مع هذه القصة ذكر ابن الأثير أن « بعضهم » قال : « لقيته على حمار بطريق النهروان ( ماضيا من العراق إلى إيران قاصدا خراسان طبعا ! ) وأنه قال لهم : « لا تكونوا مثل هذا البقر ( الصحيح : النفر ) الذين يظنون أنني ضربت وقتلت » « 6 » .
ومن الطبيعي أن تتداعى هذه الصور إلى الرجعة والمهدية ؛ وهذا شيخ المعرّة ( ت 449 هـ / 1057 م ) يخبرنا أن « الصوفية ، اليوم ، من يرفع شأنه ويجعل مع النجم مكانه . وبلغني أن ببغداد قوما ينتظرون خروجه وأنهم يقفون بحيث صلب على دجلة ، يتوقعون ظهوره . . . » « 7 » . وهكذا ارتفعت اللعنة والسخرية والنقمة وحلّت الرحمة والإعجاب والحب والتقدير . 
ذلك أن من يبذل دمه ثمنا لما يدين به لن يعقد صفقة خاسرة ، فالقتل جدّ ليس بعده جدّ ، وهو عند الناس برهان ساطع على الصدق والإخلاص ومجلبة للعطف والاحترام والاهتمام . 
ولولا تضحية المسيح ما انتشرت المسيحية هذا الانتشار ، ولولا قتل ميرزا محمد الباب ما قامت للبهائية قائمة في العصر الحديث ، عصر العلم والعقل والبرهان .
..........................................................................................
( 1 ) الحلّاج شهيد التصوف الإسلامي ، لطه عبد الباقي سرور ، مصر 1961 م ، ص 254 عن اليافعي .
( 2 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 3 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 453 .
( 4 ) الفرق بين الفرق للبغدادي ، ص 159 ، وفي تجارب الأمم أن أصحاب الحلّاج ادعوا أن المضروب « كان عدوا للحلّاج ألقي شبهه عليه » ( 5 / 79 ) .
( 5 ) تاريخ بغداد 6 / 164 . وهذا يذكر بصعود موسى الجبل لميقات ربه ( البقرة 2 : 51 ) .
( 6 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 7 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 454 .

« 83 »
وأطرف ما نختم به هذه المعاني ما حكي من أن « الحلّاج كانت له أخت تخرج من البيت كل ليلة . فتعقبها يوما فرأى حورية من حوريات الجنة تسقيها كأسا من شرابها ، ولما طلب الحلّاج جرعة لنفسه ، حذرته أخته من قصوره عن تحمل أثرها وخوّفته من الهلاك بسببها . 
لكن الحلّاج أصرّ ، فسقي بضع قطرات من تلك الكأس ، فكان قوله : « أنا الحق ، من عقابيل هذه الجرعة » « 1 » . 
وتستمر هذه الأسطورة في مصاحبة الحلّاج في تفصيلات محاكمته وقتله لتروي أنه « لمّا رفع الحلّاج إلى المشنقة ، افتقده الناس فلم يجدوه ثم ظهر متربعا في الهواء ! وكلما سعى أمراء الغضب في القبض عليه اقترن سعيهم بالإخفاق . وفي أثناء هذه الاضطرابات فارقت روح الحلّاج بدنه وارتفعت إلى الجنة حيث لقيت النبي ( صلى عليه وسلم ) . 
وبعد أن تلقت التهنئة على درجة الوصال ( التي نالتها ) . . . طلب إليها النبي ( صلى عليه وسلم ) أن ترضى بالقتل حفظا لظاهر الشريعة . وسمعت روح الحلّاج لقول النبي ( صلى عليه وسلم ) فعادت إلى الأرض وبذلت بدنها ليقتل قتلا ظاهريا » « 2 » .
وصورت هذه الحكاية بألوان أزهى لمّا ذكر العطار الأردستاني أن الحلّاج حين حبس حبسا انفراديا ، وذلك بعد رفضه الرجوع عن آرائه شرطا لإطلاق سراحه ، زاره الصوفية ثلاث ليال سويا ، ففي الأولى افتقدوه فلم يجدوه ، وفي الثانية وجدوه ولم يروا السجن ، وفي الثالثة غاب هو والسجن عن عيانهم ! ولما سئل عن ذلك قال : كنت في الليلة الأولى في الحضرة ( الإلهية ) ، وفي الليلة الثانية كان الحق ( تعالى ) هنا ! ومن هنا غاب السجن عن العيان . 
واليوم أعادني الحق إلى سجني حفظا ( لظاهر ) الشريعة فتعالوا وافعلوا ما أمرتم « 3 » . 
ولما حانت ساعة التنفيذ كان الحلّاج كلما ضربوه عصا سمعوا صوتا فصيحا يقول له : ولدي منصور ، لا تخف » « 4 » .
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ إيران للسير جون مالكولم وترجمة ميرزا حيرت ( إلى الفارسية ) ، ص 204 .
( 2 ) أيضا ، ص 205 .
( 3 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد -
( 4 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد -

« 84 »
المعتذرون عن الحلّاج المسوّغون لأقواله :
وبقطع النظر عن إحاطة الحلّاج بهذه الهالة من الأساطير تصدّى لتسويغ المآخذ عليه والاعتذار عنه والرفع من شأنه والائتمام به جماعة من عظماء التاريخ الإسلامي في طول العالم الإسلامي وعرضه من : صوفية ومتكلمين وفلاسفة ومفكرين وغيرهم ؛ فبالإضافة إلى محمد بن خفيف ، تطوع أبو سعيد بن أبي الخير ، شاعر الرباعيات الفارسي ( ت 440 هـ / 1048 - 49 م ) يقول : « في اليوم الذي قال ( الحلّاج فيه ) : أنا الحق ، أين كان ؟ لقد كان ( هو ) اللّه اللّه » « 1 » .
وقد ذكر في تضاعيف حركة الحلّاج أن محمد بن داود الظاهري الأصفهاني ، صاحب كتاب الزهرة ( ت 297 هـ / 909 - 10 م ) ، كان من ألدّ أعدائه الأوائل وكان يقول في التعبير عن موقفه منه : « إن كان ما أنزل اللّه على نبيّه حقا فما يقول الحلّاج باطل » « 2 » ، وهي عبارة ما لبثت أن وجدت نقضا عليها على لسان أبي القاسم إبراهيم بن محمد النصر آبادي الصوفي ( ت 367 هـ / 977 - 8 م ) في قوله : « إن كان بعد النبيين الصدّيقين موحّد فهو الحلّاج » « 3 » .
وكان موقف الأشاعرة الأول معاديا للحلّاج فوقع فيه وردّ عليه منهم الباقلاني ( محمد بن الطيب ، ت 403 هـ / 1013 م ) ، والبغدادي صاحب « الفرق بين الفرق»، وتلميذه الأسفرايني، صاحب « التبصير في الدين » ( وقد أكثرنا من النقل منهما ). 
وجاء في كتاب البغدادي الآخر « أصول الدين » قوله : « وقد اشتمل كتاب تاريخ الصوفية [ الضائع ] لأبي عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من شيوخ الصوفيد ما فيهم واحد من أهل الأهواء ، بل كلّهم من أهل السنّة سوى ثلاثة منهم : أحدهم أبو حلمان الدمشقي ، فإنه تستّر
..........................................................................................
ناجي القيسي ، بغداد 1388 هـ / 1968 م ، ص 461 ( باب في مناقب . . . الحلّاج للعطار ) ، والنص هنا ترجمة حرفية لما ورد في التذكرة ، والنص الذي أثبتناه من ترجمتنا .
( 1 ) مجموعة نصوص غير منشورة تتعلق بتاريخ التصوف ، جمعه ونشره ماسينيون ، باريس 1929 م ، ص 88 .
( 2 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 255 .
( 3 ) البداية والنهاية لابن كثير 11 / 132 .

« 85 »
بالصوفية وكان من الحلولية ، والثاني الحسين بن منصور الحلّاج وشأنه مشكل ، والثالث القنّاد : اتهمته الصوفية بالاعتزال فطردوه لأن الطيب لا يقبل الخبيث » « 1 » . ولما كتب القشيري ( أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، ( ت 465 هـ / 1074 م ) رسالته في الدفاع عن الصوفية ورفع تهمة الزندقة عنهم - وكان أشعريا - « ما ذكر الحلّاج للخلاف الذي وقع فيه حتّى لا تتطرق التهمة لمن وقع ذكره من الرجال في رسالته » « 2 » .
أما إمام الحرمين الجويني ( عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف ) ، ( ت 478 هـ / 1085 م ) ، أستاذ الغزالي ، محمد بن محمد الطوسي ، ( ت 505 هـ / 1111 م ) ، فقد تورّط في خصومة الحلّاج جهلا به حتى جمعه في مؤامرة على قلب نظام الحكم العباسي مع ابن المقفع الذي قتل قبله بنحو مائة وخمسين سنة - والجنابي ( أبي سعيد ، ت 301 هـ / 913 - 14 م ، أو أبي طاهر الذي نقل الحجر الأسود من مكة إلى هجر ( ت 318 هـ / 939 - 40 م ) . 
وذلك في كتابه « الشامل في أصول الدين » « 3 » . الذي نشر ثلثه الباقي أستاذنا الدكتور علي سامي النشار بالتعاون مع تلميذيه فيصل بدير عون وسهير محمد المختار في الإسكندرية سنة 1969 م وليس فيه هذا الخبر « 4 » .
..........................................................................................
( 1 ) أصول الدين ، إسطنبول 1928 ، ص 315 - 16 .
( 2 ) أخبار الحلّاج ، الرسالة الرابعة ، هامش ص 22 ، وهذا هو كلام ابن العربي الحاتمي الطائي منقولا من الفتوحات المكية .
( 3 ) انظر : الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي ، الجزء الثاني ، طبع دار الكتب المصرية 1936 م ، ص 75 ، وراجع البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 143 - 44 ) وانظر ترجمة الحلّاج في وفيات الأعيان لابن خلكان .
( 4 ) الجزء المنشور من كتاب الشامل يتضمن ثلاثة أبواب أو كتب بتقسيم المصنف وهي :
كتاب النظر وكتاب التوحيد وكتاب العلل ، وبقي منه كتب ( فصول ) : الصفات والإرادة والقدر والنبوات وإبطال القول بالتولد والرد على الطبائعيين والتعديل والتجوير . ولعل خبر الحلّاج موجود ضمن كتاب التنبؤات كما فعل القاضي عبد الجبار في الجزء الخاص بالتنبؤات والمعجزات من كتابه « المغني في أبواب التوحيد » وقد جاء في المقدمة أن معهد المخطوطات العربية في القاهرة يحتفظ بملخص للشامل اسمه « الكامل في اختصار الشامل » ومختصر لهذا اسمه « مختصر الكامل » وتحتفظ به مكتبة جامعة الأزهر فلا بد أن الخبر المذكور وارد في الأول منهما ( انظر مقدمة الشامل ص 87 ) .

« 86 »
لكن هذا الموقف تغير تماما حين تشمّر الغزالي للدفاع عن الحلّاج في كتابه « مشكاة الأنوار » « 1 » حيث اعتذر عنه وحمل أقواله التي أوخذ عليها ، من نحو قوله : أنا الحق ، على محامل حسنة ، وبرر ذلك بأنه إنما كان « من فرط المحبة وشدة الوجد » فأثار بذلك اهتمام المصنفين « 2 » .
أما الحنابلة فقد راح الحلّاج عندهم لمعارضته الدولة مثلهم ولوقوف ابن عطاء إلى جانبه ، ثم يبدو أن الأمور قد تغيّرت في ما بعد بحيث وجدنا أحد الحنابلة وهو أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل العقيلي ( ت 513 هـ / 1119 - 20 م ) يتوب عن الاعتزال ويقرن ذلك بإعلانه أنه « رجع عن اعتقاده كون الحلّاج من أهل الحق والخير وأنه قد رجع عن الجزء الذي عمله في ذلك وأن الحلّاج قتل بإجماع علماء أهل عصره على زندقته وأنهم كانوا مصيبين في قتله وما رموه به » « 3 » ، وحدث هذا سنة 465 هـ / 1072 م « 4 » .
وعاد الموقف فانقلب من جديد في صالح الحلّاج وذلك حين تصدى الشيخ عبد القادر الجيلي ( بن موسى بن عبد اللّه الحنبلي ، ت 561 هـ / 1166 م ) لتصحيح أقوال الحلّاج والدفاع عنه دفاعا مجيدا وذلك في قوله : « عثر الحلّاج فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده ، ولو كنت في زمنه لأخذت بيده » « 5 » . 
ومن أقوال الجيلي في هذا المجال أيضا : « طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة : « أنا الحق » . رأى روض الأبدية خاليا عن الحسيس والأنيس . صفر بغير لغة تعريضا لخيفة ( لحتفه ) . ظهر عليه عقاب الملك من مكمن :إِنَّ اللَّهَ نعني( غَنِيٌّ ) عَنِ الْعالَمِينَ، ( آل عمران 3 / 97 ) . أنشب في إهابه مخلاب :كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، ( أيضا 3 / 185 ) قال له : شرع سليمان الزمان ( كذا ) ثم تكلمت بغير لغتك ثم ترنمت بلحن غير معهود من
..........................................................................................
( 1 ) انظر مثلا : مرآة الجنان لليافعي ( أبي محمد عبد اللّه بن أسعد ، 698 - 768 هـ / 1298 - 1367 م ) ، ط حيدر آباد 1918 - 20 م ، 2 / 253 ، تاريخ ابن الوردي 1 / 257 ، روضات الجنات للخوانساري ( محمد باقر ت 1313 هـ / 1895 م ) ، طهران 1307 هـ / 1889 - 90 م ، ص 226 .
( 2 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 3 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 4 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 5 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 .

« 87 »
مثلك ؟ ! أدخل الآن إلى قفص وجودك . ارجع من طريق القدم إلى مضيق ذلّة الحدث . قل بلسان اعترافك - ليسمعك أهل الدعوى - : حسب الواحد إفراد الواحد . مناط خفض ( حفظ ) الطريق إقامة وظائف الشرع » « 1 » .
وكان موقف الغزالي وعبد القادر الجيلي فاصلا في تشجيع الصوفية ، على الخصوص ، للتعبير عن آرائهم وعواطفهم تجاه الحلّاج في الظاهر ، والإعراب عن أفكارهم ومواجيدهم في الحقيقة . وهكذا وجدنا فريد الدين العطار ( ت 607 هـ / 1210 م ) « 2 » يثني على الحلّاج ويعيد صياغة آرائه في قصيدة سماها « هيلاج نامه » « 3 » بمعنى عين الحياة ، أي الخلود « 4 » . وهو لفظ يوناني في الأصل « 5 » .
ومنه هذه القصيدة المترجمة بألفاظ الدكتور أحمد ناجي القيسي في كتابه ( عطّار نامه ، ص 141 - 142 ) .
تقول القصيدة :
«لقد جلست في زاوية بقيت ( فيها ) منتحبا ضعيفا ، غير ذي قدرة ، ذليلا وبقيت مغموما من التفكّر ليلا ونهارا :ماذا سيحدث لي ، بعد ، من الصانع الطاهر أفكر : ماذا سيظهر لي هنا من الأسرار بعد « الجواهر » ( هـ / كتابه ، جوهر الذات ) ونظرت فرأيت مجنونا
..........................................................................................
( 1 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 .
( 2 ) هذا التاريخ حققه الدكتور أحمد ناجي القيسي في كتابه « عطار نامة » ص 242 .
( 3 ) مجموعة نصوص ، ص 1 ، وانظر : عطار نامة ( 141 ) .
( 4 ) معجم : برهان قاطع لابن خلف التبريزي المتلخص ببرهان ، مطبوعات فريدة علمي ، إيران دون تاريخ ، ص 1224 .
( 5 ) معجم : برهان قاطع لابن خلف التبريزي المتلخص ببرهان ، مطبوعات فريدة علمي ، إيران دون تاريخ ، ص 1224 .

« 88 »
رأيت غريبا عن علم الصورة ،قد تقدّم إليّ هذا العاشق النحيف وفتح شفتيه ، ونطق بالأسراروأن تفشي الحقيقة مرة ثانية وأن تأتي بكتابك ، باسمي ، بديعا وأن تأتي به حكيما ، ممتلئا معنى إني إلهيّ في هذا الزمان ومطّلع عليك في داخل روحك ، وإني واصفك.
فقلت لها : أيّها الروح ! ما اسمك ؟أنا لك اللّه هنا رغبتك 
فأجابني : أنا منصور الحلّاج واسمي في الآفاق هيلاج (الخلود)إننا ناطقون في داخل روحك وإنك أصبحت باحثا عنّي في العشق». 
والعطّار هو الذي روى الأخبار الأسطورية عن الحلّاج من نحو امتناعه عن الفرار من السجن ، وقصة الوردة التي آذته دون الأحجار الثقيلة لإصابته بها بيد صديقه الشبلي، وقصة نطق أعضاء الحلّاج بعبارة «أنا الحق» بعد قتله (عطّار نامة، ص 223) وغير ذلك. 
وفوق هذا تقمّص العطار شخصية الحلّاج بنفسه وبغيره وصار ينطق عن لسانه ، ومن هنا أعاد نظم أبيات أبي نواس التي ردّدها الحلّاج قبل قتله بألفاظ أخرى في كتابه « منطق الطير » ( انظر : عطّار نامة أيضا ص 305 ) .
وحسبنا من العطار هذا القدر .

« 89 »
وفتح باب الدفاع عن الحلّاج في الدوائر الكلامية والصوفية والفلسفية على مصراعيه . وإتماما للفائدة نسجل هنا الفقرة المعينة التي دافع بها الغزالي عن الحلّاج وأبي يزيد البسطامي والشاطحين من الصوفية على العموم .
قال الغزالي : « إشارة : العارفون ، بعد العروج إلى سماء الحقيقة ، اتّفقوا على أنّهم لم يروا في الوجود إلّا الواحد الحق . لكنّ منهم من كان له هذه الحال عرفانا علميّا ، ومنهم من صار له ذلك حالا ذوقيا . 
وانتفت عنهم الكثرة بالكلية واستغرقوا بالفردانية المحضة واستوفيت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متّسع لا لذكر غير اللّه ولا لذكر أنفسهم أيضا . فلم يكن عندهم إلا اللّه ، فسكروا سكرا دفع دونه سلطان عقولهم ، فقال أحدهم [ الحلّاج ] : أنا الحق ، وقال الآخر [ أبو يزيد البسطامي ، ت 261 هـ / 875 م ] : سبحاني ما أعظم شأني ، وقال آخر ( هو أيضا ، وتنسب أيضا إلى أبي سعيد بن أبي الخير ) « 1 » : ما في الجبّة إلا اللّه .
وكلام العشاق ، في حال السكر ، يطوى ولا يحكى .
فلما خفّ عنهم سكرهم وردّوا إلى سلطان العقل ، الذي هو ميزان اللّه في أرضه ، عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل شبه الاتّحاد مثل قول العاشق ، في حال فرط عشقه : أنا من أهوى ومن أهوى أنا [ وهو الحلّاج كما لا يخفى ] ولا يبعد أن يفاجئ الإنسان مرآة فينظر فيها - ولم ير المرآة قطّ - فيظنّ أن الصورة التي رآها هي صورة لمرآة متحدة بها ، ويرى الخمر في الزجاج فيظن أن الخمر لون الزجاج . 
وإذا صار ذلك عنده مألوفا ورسخ فيه قدمه استغفر وقال : [ وهو الصاحب بن عباد ]
رق الزجاج ورقّت الخمر * فتشابها فتشاكل الأمر
..........................................................................................
( 1 ) مرصاد العباد للرازي ص 178 .

« 90 »
فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر
وفرق بين أن يقول : الخمر قدح ، وبين أن يقول : كأنه قدح .
وهذه الحالة إذا غلبت سميت ، بالإضافة إلى صاحب الحالة ، فناء بل :
« فناء الفناء ، لأنّه فني عن نفسه وفني عن فنائه ، فإنه ليس يشعر بنفسه في تلك الحال ولا بعدم شعوره بنفسه . ولو شعر بعدم شعوره بنفسه لكان قد شعر بنفسه ؛ وتسمى هذه الحالة ، بالإضافة إلى المستغرق به بلسان المجاز ، اتّحادا ، أو بلسان الحقيقة توحيدا .
ووراء هذه الحقائق أيضا أسرار يطول الخوض فيها » « 1 » .
وفي هذا الوقت ساغ لعمر السهروردي ( ت 632 هـ / 1234 - 5 م ) أن يضمّن كتبه دفاعا حارّا لا عن الحلّاج فقط ، وإنّما عن أبي يزيد البسطامي ( ت 261 هـ / 874 - 5 م ) قبله في قوله : « سبحاني ما أعظم شاني » ، سوّغه ، وعرّج على الحلّاج في قوله : « أن الحق » ففنّده بأنه « إنما كان على معنى الحكاية عن اللّه تعالى » « 2 » شأن عبارة أبي يزيد السابقة . وجاء في كتاب جلال الدين الرومي ( محمد بن محمد البلخي ، ت 672 هـ / 1234 - 5 م ) المسمّى « سخنان منظوم » « 3 » ( الكلم المنظوم ) أن « نور ( الحسين بن ) منصور تجلّى ، بعد مائة وخمسين [ الصحيح بعد ثلاثمائة وخمسين سنة ] ، في فريد الدين العطار ، وصار مربّيه » ، وبهذا لم يتحرّج اليافعي من نظم قصيدة طويلة وسمها بالدرّ النضيد في جيد الملاح في بيان الاعتذار عما يصدر عن المشايخ أرباب الأحوال الملاح ، ضمّن في مقدّمتها قوله : « وقيل : الحلّاج وما منه في ظاهر الشريعة يستباح ، وكونه شهيدا لأن الغائب بالحال ما عليه جناح » ، وقال فيها :
..........................................................................................
( 1 ) مشكاة الأنوار ، بتحقيق أستاذنا المرحوم د . أبو العلا عفيفي ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة 1964 م ، ص 59 - 60 ، وانظر إشارة أخرى في ص 62 .
( 2 ) ذكر ذلك اليافعي في مرآة الجنان ( 2 / 255 ) نقلا عن « عوارف المعارف » ولم نجد النص فيه فلعل الطبعات ناقصة أو لعل الخبر في كتاب آخر .
( 3 ) غرائب المسائل لفاضل محمد ، مخطوط جامعة أوكسفورد ، المكتبة البودلية ، ورقة 13 ب ، وانظر : سخنان منظوم لجلال الدين الرومي .

« 91 »
وبعض عن الأكوان فان ، وبعضهم * به جاوز الإسكار حدّا معربدا 
فسلّ عليه الشرع سيفا حمى به * حدودا ، فذا الحلّاج ماض محدّدا
فمات شهيدا عندكم من محقّق * وكم ( عندكم ) يخرج عن النهج ملحدا« 1 » .
وعبّر عز الدين بن عبد السلام المقدسي ( ت 660 هـ / 1262 م ) عن مشاعره تجاه الحلّاج ،
فقال على لسان الصوفية على العموم :

هيهات ما قتلوه * كلا ولا صلبوه 
لكنهم حين غابوا * عن وجده شبّه 
وهأحبابه حين غاروا * عليه قد غيّبوه
سقوه صرفا وراموا * كتمان ما أودعوه
فما أطاق ثبوتا * لثقل ما حمّلوه
فتاه سكرا ونادى : * أنا الذي أفردوه
يا لائمي كيف أخفي * في الحب ما أظهروه
أم كيف يكتم قلب * بالشوق قد مزّقوه « 2 »
وحكي عن الشيخ علاء الدين السمناني ( أبي المكارم ركن الدين أحمد بن محمد ، من نسل ملوك سمنان في نواحي خراسان ، ت 736 هـ / 1336 م ) وكان من شيوخ التصوّف الكبار في القرن الثامن الهجري ( الرابع عشر الميلادي ) ، أنه قال في المفاضلة بين الحلّاج وفرعون : « سيطرت على نفسي حال ( صوفية ) شديدة فقصدت إلى زيارته [ المقصود : الحلّاج ] ( في عالم الأرواح ) . وبعد إعمال المراقبة وجدته في أعلى عليين ( من الجنة ) .
عندئذ توجهت إلى اللّه تعالى بالمناجاة ودعوته قائلا : إلهي ، كيف يكون فرعون في سجّين لقوله : أنا ربّكم الأعلى ويكون الحلّاج في أعلى عليين وقد قال : أنا الحق ، وكلاهما ادّعى الإلهية ؟ وما الحكم في ذلك ؟ 
فنادى ( تعالى ) في سرّي : لقد وقع فرعون إلى البين ولم ير غير نفسه فأضاعنا ،
..........................................................................................
( 1 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 266 ، ونص الأبيات مصحّف وقد أصلحناه جهد المستطاع ، وورد البيت الثالث في « نشر المحاسن الغالية » لليافعي أيضا ، مصر 1381 هـ / 1961 م ، ص 286 - 7 .
( 2 ) شرح حال الأولياء ، مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، ص 108 .

« 92 »
ولم ير الحلّاج غيرنا فأضاع نفسه ، وما أعظم هذا الفرق » « 1 » ، وهي قصة تبين عن تحليل الموقف وتبن لقضية الحلّاج وموافقته على أن قوله : « أنا الحق » ، قد صدر عن شطح أو عن حكاية عنه تعالى ، كما قال شهاب الدين عمر السهروردي في ما مضى .
وتجاوزت هذه العاطفة شيوخ التصوف خلال العصور حتى بلغت العامّة فسمعنا قائلهم يقول على لسان الحال :
الخمر دنّي ودنّ الخمر ريحاني * ومجلس الذكر تسبيحي وعيداني
ما يشرب الخمر إلا من يكن بطلا * ويطلّق النوم لم تغمض له أجفاني
طلّقت نومي ولم اسلا حلاوته * حتى بقي جفن عيني ساهرا فاني
أنا الحسين أنا الحلّاج يا فقرا * ذوّبت سيدانهم ( ! ) من عظم برهاني
أنا الذي شاع ذكري في الملا الأعلى * حلجت قطني بتقواي وإيماني « 2 »
وفي المجال الشيعي ، الذي قيل : « إن الحلّاج ثار عليه ونازع زعماءه مكانتهم ، حظي الحلّاج عند ثلاثة من أشهر رجالهم وأولهم الفيلسوف العالم نصير الدين الطوسي ( أبو جعفر محمد بن الحسن : ت 672 هـ / 1289 م ) الذي اعتذر عن الحلّاج في قوله : أنا الحق بأنّه إنّما قال ذلك ومراده « رفع الإنّية دون الإثنينية » « 3 » .
وسرى هذا الميل إلى العطف على الحلّاج إلى النزّاعين إلى التصوّف من الشيعة ومنهم القاضي نور اللّه التستري صاحب مجالس المؤمنين ( ق 1019 هـ / 1610 م ) الذي سرد خصومة الشيعة للحلّاج ثم عقّب عليها بقوله نقلا عن السنجري : « إن الحلّاج كان يدعو الناس إلى إمامة محمد المهدي صاحب الزمان ويقول لهم : إنه سيظهر من طالقان الديلم عن قريب . 
وبناء على ذلك ألقي القبض عليه وسيق إلى بغداد حيث أوخذ . ومن هنا يظهر أن
..........................................................................................
( 1 ) محفل الأوصياء للأردستاني ، ورقة 245 ب .
( 2 ) ديوان الحلّاج ، جمع وتحقيق ماسينيون باريس 1955 ، ص 141 .
( 3 ) انظر ذلك في هامش قول الحلّاج :
بيني وبينك إني يزاحمني * فارفع بلطفك إنّي من البين

« 93 »
ذنب الحلّاج إنما كان الانتساب إلى مذهب الشيعة الإمامية والاعتقاد بوجود مهدي أهل البيت ( ع ) ودعوة الناس إلى نصرته وحثّهم على الثورة على الدولة العباسية » « 1 » . 
ومع وضوح المغالطة في هذا السرد ، يبدو مدى العطف الذي حظي به الحلّاج من لدن متصوفة الشيعة على العموم بحيث ساغ لهم أن يبرروا أشقّ الأمور لصرف اللوم عنه . 
ومن هؤلاء الشيعة المعجبين بالحلّاج أيضا بهاء الدين العاملي ( محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي ، ( ت 1031 هـ / 1622 م ) الذي نظم في الحلّاج شعرا فارسيا ترجمته :
« إذا ساغ أن ينطق اللّه من خلال شجرة ، فلم لا يسوغ أن ينطق من خلال الحلّاج لطفا وحسن طالع » « 2 » .
وفوق هذا نفذ الحلّاج إلى أعماق المجتمع الإسلامي في المشرق ، على الخصوص بتأثير من الطرق الصوفية ، ففي تركية ما زال أتباع الطريقة المولوية يسمون المزمار الرئيسي في أذكارهم « ناي المنصور » « 3 » . وكذا ما زال أتباع الطريقة البكتاشية فيها يتبعون ، في حفل تخريج المريدين ، تقليدا حلّاجيا واضحا يتمثل في إفرادهم مكانا في تكاياهم ، التي يسمونها « الميدان » ، يطلقون عليه اسم « دار منصور » « 4 » ، يريدون « صليب الحلّاج » « 5 » .
[ الصحيح صلّابة أو مشنقة منصور ] . 
فإذا أتمّ المريد سلوكه واستحق لقب « بكتاشي » جاؤوا به إلى « دار منصور » ووضعوا في عنقه حبلا يرمز إلى أنه « قد مات عن هذه الدنيا الفانية ورحل إلى ميادين المعشوق الإلهي » « 6 » .
وذكرت المستشرقة الألمانية آنّه - ماري شيمل أن الأتراك يتمثلون بعبارة
..........................................................................................
( 1 ) مجالس المؤمنين ، طهران 1320 هـ / 1902 م ، ص 259 .
( 2 ) انظر حواشي قول الحلّاج السابق من الديوان . وراجع روضات الجنات للخوانساري ص 127 ، والحق أن الأصل النثري لهذا المعنى يرد في تذكرة الأولياء للعطار ، تحقيق محمد القزويني ، طهران ، 1942 م ، 2 / 109 .
( 3 ) المنحنى الشخصي للحلّاج ( كتاب شخصيات قلقة ، ص 88 ) .
( 4 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 .
( 5 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 .
( 6 ) الحلّاج : شهيد العشق الإلهي لآنه ماري شيمل ، مجلة « فكر وفن » الألمانية الغربية ، العدد 13 ، العام السابع 1969 م ، ص 19 - 30 وانظر هاتين الإشارتين في ص 25 .

« 94 »
تقول « إن الوردة التي ألقاها الحبيب آلمتنا » « 1 » ، إشارة إلى أسطورة ذكرها فريد الدين العطار في كتابه « تذكرة الأولياء » من أنّ الحلّاج تحمّل رجم الناس صابرا راضيا ، لكنه جزع من وردة حصبه بها الشبلي صديقه القديم ، ومن هنا كان وقعها عليه أشدّ من وقع الأحجار الشادخة « 2 » .
ولاحظت هذه الكاتبة أيضا ، في ما لاحظت ، انتماء الحلّاجين في تركية إلى الحلّاج باعتباره رئيسهم الروحي ومثلهم الأعلى ، وقالت : « وأذكر أنه أتى إلى دارنا في إستانبول حلّاج لتحليج ( كذا ) قطن الفراش وأنه حكى لي قصصا كثيرة عن الوليّ المحترم منصور » « 3 » .
وفوق هذا ذكر ماسينيون أن الحلّاج يدعى [ يستنجد به ] في الدعوات الشخصية . . . لوقف بكاء الأطفال الصغار على وجه التخصيص » « 4 » .
وذكرت السيدة شيمل المذكورة من مشاهداتها في الهند أنه « وجد في كجرات بالهند صنف من الملّاحين يدعون المنصوريين ، أي أن الحلّاج هو وليّهم الخاص » « 5 » . 

وذكرت أنها رأت عام 1961 م في قرية صغيرة في السّند ، القريبة من حدود البلوجستان « طائفة من القوّالين » ، أي الموسيقيين الذي يطوفون البلاد يترنمون ويتغنون ، وإذا بشعر يردّد فيه بعد كل بيت :
سلوا العاشقين عن شروط العشق * وإن لا تصدقوا فسلوا من مثل منصور « 6 » .
وذكرت في ما يتصل بوادي السند والبنجاب في الهند أنه « ما من شاعر صوفي في هذه المنطقة إلا ويذكر اسم ذلك العاشق الشهيد في أبياته » « 7 » .
وعقّبت على ذلك بقولها : « هكذا شاعت شهرة الحلّاج في قرى الهند وباكستان : تنشد أحواله العشائر البتّانية في جبال أفغانستان والفلاحون في الپنجاب والملّاحون على نهر السند» «8».
.........................................................................................
( 1 ) أيضا : ، ص 24 .
( 2 ) تذكرة الأولياء 2 / 114 - 115 .
( 3 ) فكر وفن ، العدد السابق ص 25 .
( 4 ) المنحنى الشخصي ص 88 .
( 5 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ص 25 .
( 6 ) أيضا : ص 27 .
( 7 ) أيضا : ص 27 .
( 8 ) أيضا : ص 27 .

« 95 »
وفي العراق ، حيث لا يزال قبر الحلّاج الخالي من رفاته ، الذي شيد له منذ القرن الخامس الهجري ( الحادي عشر الميلادي ) ، يقاوم عوامل الفناء ويحظى بزيارة أعداد من الناس « أكثرهم من الهنود والباكستانيين » ليضعوا على القبر شموعا ونقودا . 
ويصرّ السيد صالح بن عبد اللّه القصير ، مختار محلة المنصورية التي يقع فيها القبر ، على « أنّ نورا خافتا يظهر عند الليل من قبره » « 1 » .
ولما ذكر له الأخ عادل الألوسي ، الذي زار القبر وقابل المعنيين به ، أن هذا النور ربّما كان بسبب إيقاد الشموع التي يضعها الناس عليه قال : « لا أعلم ، فليس للشموع أن تبقى حتى الصباح » « 2 » ، وأخذ يردد كلاما حول « معجزات الحلّاج وحياته » « 3 » . 
وفي العراق أيضا زحفت شهرة الحلّاج إلى المجتمع التركماني في كركوك فرست على شكل مثل يضرب للاضطراب وعدم التنظيم في البيوت والغرف ونصه المترجم إلى العربية « كأنّه حلّاج منصور ! » « 4 » .
ومن المرجح أن الحلّاج قد خلّف أثرا في المجتمعات الإسلامية الأخرى عربية وغير عربية ، من نماذج هذه الآثار أنّ القرويين الفلسطينيين اعتادوا أن يسبغوا على هذا الصوفي القداسة حين تجمعهم مجالسهم وترد سير الصالحين . وقد حدثني الزميل الكريم الدكتور عبد اللطيف البرغوثي ، خبير اليونسكو في كلية التربية بطرابلس الغرب ، أنه ، بالإضافة إلى كتابة دم الحلّاج عبارة « لا إله إلا اللّه » المحورة عن ( اللّه ، اللّه ) التي ترد في الأخبار ، زحزح القصر الذي عاش فيه الحلّاج عند القرويين الفلسطينيين قرنين ونصفا من الزمن إلى الأمام فجمعه مع الحجّاج في محاورة جريئة مفادها أن الحجّاج - بوصفه نموذجا للظلم والتعسف - قال للحلّاج :
« ابصق في خراب لا يعمر ، وإلا قطعت رأسك » تعجيزا وتجبرا « فنظر الحلّاج حوله ثم بصق في عين الحجاج العوراء ! » . ويستطيع المتتبع أن يجمع مادة أوسع حول هذه النقطة ، غير أن في ما ذكرناه غنية لهذا المجال .
..........................................................................................
( 1 ) من رسالة بعث بها إليّ مشكورا الأخ السيد عادل الآلوسي بناء على تكليف مني بذلك في 25 آذار 1970 م .
( 2 ) هذه الرسالة أيضا .
( 3 ) هذه الرسالة أيضا .
( 4 ) أخبرتنا بهذا زوجتي السيدة سماحة النفطحي ، وهي من هناك .

* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: شعر الحلاج و ديوان الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:52 pm

شعر الحلاج و ديوان الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

ديوان الحلّاج

واضح من ثبت مصنفات الحلّاج ، الذي سجلناه في ما مرّ ، أن هذا الصوفي لم يهتم بجمع شعره في حياته ، فلا بد أنه كان مفرّقا بين مصنفاته التي منعت السلطات تداولها ومحفوظا في صدور أخصّائه وأوراقهم .
ورجل ، مثل الحلّاج في حياته العاصفة ومكانته عند الصوفية ، لا يعدم رجالا يبذلون أقصى الوسع في جمع أشعاره باعتبارها خزانة آرائه وذكرى حيّة من ذكراه ومجالا للتمثّل والترنّم وبث روح النشاط في الأفكار والمجالس وغيرها .
وأول من سجلت المصنفات له هذا السعي صراحة ، هو أبو عبد الرحمن السلمي ( محمد بن الحسين النيسابوري ، صاحب طبقات الصوفية وغيره ، ت 412 هـ / 1022 م ) يفقد ذكر الخطيب البغدادي ( أبو بكر أحمد بن علي ، ت 463 هـ / 1071 م )
في ترجمة أبي عبد الرحمن ما يلي :
« أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن النيسابوري ( صاحب الرسالة القشيرية ، 376 - 465 هـ / 986 - 1073 م ) ،
قال : كنت يوما بين يدي أبي علي الحسن بن علي الدقاق ( النيسابوري ، ت 406 هـ / 1016 م ) فجرى حديث أبي عبد الرحمن السلمي وأنه يقوم في السماع موافقة للفقراء . فقال أبو علي : مثله في حاله لعلّ السكون أولى به ! ثم قال لي : امض إليه ، فستجده قاعدا في بيت كتبه وعلى وجه الكتب مجلّدة حمراء مربعة صغيرة فيها أشعار الحسين بن منصور ، فاحمل تلك المجلدة ولا تقل له شيئا وجئني بها - وكان وقت الهاجرة فدخلت على أبي عبد الرحمن ، وإذا هو في بيت كتبه والمجلّدة موضوعة بحيث ذكر . . . فقلت : إن الأستاذ أبا علي وصف هذه



« 140 »
المجلدة وقال لي : أحملها إليّ من غير أن تستأذن الأستاذ ، وأنا أخاف وليس يمكنني مخالفته ، فأيش تأمر ؟ فأخرج أخيرا مجموعة من كلام الحسين بن منصور وفيها تصنيف له سمّاه الصيهور في نقض الدهور ، وقال :
احمل إليه هذه وقل له : إني أطالع تلك المجلّدة فأنقل منها أبياتا إلى مصنفاتي ، فخرجت » ( تاريخ بغداد 2 : 248 - 249 ) .
وإذ توفي الدقّاق سنة 406 هـ / 1016 م فلا بد أن هذه الحادثة وقعت قبل هذا التاريخ وربما كان ذلك في نحو سنة 394 هـ / 1003 - 4 م ، وللقشيري نحو ثمانية عشر عاما .
ويتبيّن من سياق هذه الواقعة أن ديوان الحلّاج كان شيئا نادرا جدا بحيث لم يتوان الدقاق ، على جلالة قدره عند الصوفية بنيسابور ، أن يأمر مريدا له بسرقته صراحة .
وإذ لم يعاصر أبو عبد الرحمن السلمي الحلّاج فبديهي أن يكون الديوان قد وصله من أشخاص آخرين عاصروا صوفيّنا أو جمعوه من معاصريه .
وقد بذل ماسينيون جهودا جبارة في الوصول إلى هذه الحقيقة وكان رأيه أن تلميذا للحلّاج هو فارس بن عيسى البغدادي « 1 » ( الدينوري الذي توفي في سمرقند نحو سنة 342 ه / 953 م ) هو هذا الجامع وأنه كان أستاذا للكلاباذي ( أبي بكر محمد بن إسحاق البخاري ، ت 380 هـ / 990 م ) ، صاحب كتاب التعرف ، ومصدرا من مصادر السلمي المذكور .
ورجّح ماسينيون أن هذا الجمع قد تم بين سنتي 332 و 325 هـ / 933 و 936 م ( انظر مقدمة الديوان ) .
وقد جهد ماسينيون في البحث عن نصّ حتى وفق إلى استخلاصه من ستة مخطوطات يكمل بعضها بعضا ورأى فيها ما يحقق طلبه ، فنشره على صورة « ديوان » بعد محاولة سابقة اعتمد فيها على أربعة فقط .
وفي النهاية ، صار في وسعه أن يقول : « وبهذا نرى أن هذا هو ديوان الأشعار والمناجيات الذي كتبه الحلّاج وهو الذي رآه القشيري في مكتبة السلمي بنيسابور . . . » وهو إرسال ليس فيه تحرّي العالم ولا تدقيقه ! مهما يكن الأمر فقد ذكر الهجويري ، المعاصر للقشيري ، أنه قصد من دمشق إلى الرملة صحبة درويش لزيارة ابن المعلّا

..........................................................................................
( 1 ) انظر ترجمته في تاريخ بغداد ، 12 / 390 - 391 .


« 141 »
[ المعلّى ] في طلب أشعار الحلّاج ومناجياته ، فكان أن حقّق أمنيته وحصل على جزء فيه الأشعار والمناجيات التي جاء بطلبها ، كما في كشف المحجوب ( ص 447 - 448 ) .
فإن كان لنا أن نبذل جهدا ، في اتّجاهين ، أوّلهما تحصيل مجلدة السلمي . وثانيهما : البحث عن الجزء الذي ظفر به الهجويري من ابن المعلّا [ المعلّى ] الرملي المذكور ، أمكننا أن نجمع هذا التراث الضائع من جديد .

أما مخطوطات ماسينيون الستة فهي بأجمعها غفل من المصنف وهذا بيان بها :
1 - « كتاب في سيرة الشيخ الشهيد حسين بن منصور الحلّاج ، أو مقامات الحلّاج ومقالاته » ، نسخة المكتبة المركزية الشرقية بقازان في الاتحاد السوفياتي ( رقم : فنون شتى ، ص 68 ) .
2 - « ترجمة حسين بن منصور الحلّاج وشيء من كلامه وما جرى له مع الخليفة وصفة قتله ، رحمه اللّه رحمة واسعة » مخطوط دار الكتب المصرية ، نسخة أحمد تيمور باشا ، رقم تاريخ 1291 ، ( الأوراق من 1 - 58 ) .
3 - نسخة الخزانة السليمانية باستانبول ضمن المخطوط رقم 1028 ( الأوراق 358 ب - 365 ب ) وهي مجموعة من القطع المتجانسة التي تروى كل مرة تقريبا بعد مناجاة جذبية ، وليس لها عنوان معيّن .
4 - « تقييد بعض الحكم والأشعار : مختصر من كلام السيد أبي عمارة الحسين بن منصور الحلّاج ، رضي اللّه عنه » ، نسخة المتحف البريطاني بلندن برقم 9692 .Add.
5 - « بعض إشارات الحسين بن منصور الحلّاج وكلامه وشعره » أو « الرسالة الحلّاجية » وهي نسخة الأستاذ ماسينيون ، ابتاعها سنة 1912 م بواسطة الشيخ طاهر الجزائري بالقاهرة ( الأوراق 1 - 5 ) ويبدو أنها ضمن مجموع .


« 142 »
6 - « حكاية الحسين بن منصور الحلّاج » نسخة برلين 3492 ( الوقف الثاني لبيترمان رقم 553 ، ورقة 41 أ - 43 أ ) .
ونستطيع إضافة أصلين إلى هذه الستة وهما :
1 - « قصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار فيه الوجد » وهي رسالة نشرها ماسينيون نفسه في مجلةOrientala Suecanaالسويدية التي تصدرها جامعة أوبسالا ، المجلد الثالث لسنة 1954 ، ص 102 - 114 ولم يفد منها الأستاذ ماسينيون في طبعته الأخيرة للديوان سنة 1955 م .
2 - « قصة حسين الحلّاج وما جرى له مع علماء بغداد » ، طبع المكتبة الأدبية بحلب ، دون تاريخ .
من هذا يتبين أن الديوان الذي أخرجه ماسينيون ، ونخرجه نحن اليوم ، لم يكن في الأصل على هذه الصورة وإنما صنعه هو من مصادر تتمثل في رسائل صغيرة تتضمن شذرات من أخبار الحلّاج متلوّة أو محشوّة بأشعاره عن غير قصد . فإذا كان الأمر كذلك ساغ لنا ما فعلناه ، وفعله ماسينيون من قبل ، من تطلّب هذه المادّة من كل مصنّف يعرض الحلّاج ، بشتى الصور ، على أمل تضمّن أخباره لجانب من أشعاره . وهكذا فعلنا فارتدنا ما بلغته أيدينا من ذلك في تراجم هذا الصوفي في كتب التاريخ والرجال والأدب وعلم الكلام مما هو مبسوط في ثبت المصادر . على أنّ مما ينبغي أن يشار إليه جملة من الكتب الضائعة التي تضمنت أخبارا للحلّاج وأشعارا ولم تحصل في يد المحققين بعد فمنها :
1 - كتاب لابن علي الخطبي ( أبي محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل ( 269 - 350 هـ ، نسبة إلى الخطب وإنشائها ) ، وقد ذكر ابن تيمية في هذا المجال أنه « قد جمع العلماء أخباره في كتب كثيرة أرّخوها ( كذا ) الذين كانوا في زمانه والذين نقلوا عنهم من ابن علي الخطبي . . . » ( جامع الرسائل ، رسالة في الجواب عن الحلّاج ، ص 188 ) .
2 - كتاب أبي يوسف القزويني ( عبد السلام بن محمد بن يوسف بن


« 143 »
بندار ، شيخ المعتزلة الزيدي ، 393 - 488 هـ / 1002 - 1095 م ) ( كما في جامع الرسائل أيضا ، ص 188 ، والتعريف لمحقق الكتاب ، وانظر هامش النص الرابع من كتاب أربعة نصوص لماسينيون ، ص 66 ) .
3 - كتاب في شرح كلام الحلّاج للهجويري ( أبي الحسن علي بن عثمان الجلّابي الغزنوي ، ت 466 هـ / 1077 م ) ، صاحب كشف المحجوب ، وقد ذكره في هذا الكتاب ، ص 192 .
4 - كتاب البيان لأهل العيان ، له أيضا في الردّ على الحلّاجية المذكورين أيضا ص 333 .
5 - كتاب البراهين في الرد على الحلّاجية البغداديين له أيضا ( الكتاب نفسه ، ص 192 ) .
6 - كتاب « في معنى ما زاغ البصر وما طغى » في أن الرسول كان في جمع الجمع فلم يلتفت إلى شيء ، ويبدو أنه شرح لكتاب الحلّاج« النَّجْمِ إِذا هَوى »الذي يمثل عنوانه الآية الأولى من سورة النجم وكتاب الهجويري الآية الثانية منه . ( الكتاب نفسه ، ص 333 ) ، ( وانظر مصنف الحلّاج رقم 33 في ثبت كتبه الماضي ) .
7 - كتاب « القاطع لمحال اللّجاج القاطع بمحال الحلّاج » لابن الجوزي ( أبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي ، ت 597 هـ / 1201 م ) .
وقد ذكره في المنتظم ( 6 : 162 ) وقال المؤلف في التعريف به : « أفعال الحلّاج وأقواله وأشعاره كثيرة وقد جمعت أخباره في كتاب سميته القاطع . . . فمن أراد أخباره فلينظر فيه » ( تلبيس إبليس له أيضا ، ص 166 - 167 ) ، وابن الجوزي مواطن عراقي قديم ولعل كتابه هذا يظهر يوما ما كما ظهر غيره .
8 - أخبار الحلّاج لابن الساعي ( تاج الدين علي بن أنجب البغدادي ، ت 674 هـ ) وهو - بوصف الحاج خليفة - « مجلد » ( كشف الظنون له ، ص 74 ) .
9 - ويبدو أن أول كتاب صنّف في أخبار الحلّاج هو « رسالة في أخبار


« 144 »
الحلّاج » لهارون بن عبد العزيز الأوارجي ( ت 344 هـ / 955 م ) ومنها نقل السيد محمد الحسيني خبر قتل عمرو بن الليث الصفّار لأبي الحلّاج ( بيان الأديان ، مجلة فرهنك إيران زمين ، العدد السابق ، ص 302 ) .
ومما يؤكّد هذا أن الخطيب البغدادي أشار إلى كتاب الأوارجي المذكور ، المعاصر للحلّاج ، ووصفه بأنّه « ذكر فيه مخاريق الحلّاج والحيلة فيها » ( تاريخ بغداد 8 / 134 ) .

وبالرجوع إلى نصّ الحسيني المنقول عن رسالة الأوارجي يتبين أنه كان مهتما بكرامات هذا الصوفي مما يرجّح وحدة النصّين وكونهما تلك الرسالة الأولى في أخبار الحلّاج .
ولجملة صالحة من الكتب الخاصة بأخبار الحلّاج، انظر مقدمة كتاب « أخبار الحلّاج لمجهول » التي كتبها ماسينيون وبأول كراوس.
وبعد فهذا ديوان الحلّاج وشرحه في هيكله الجديد ، أرجو أن أكون سددت به ثغرة ، وكفيت حاجة .
واللّه من وراء القصد . ك . م . ش .
شعر الحلّاج
1 - من الظواهر الغريبة في تاريخ التصوّف أن الشعر الصوفي لم يساير تطور التصوف ، قوة وضعفا ، خلال القرون وإنما كان متخلفا عنه أيام قوته ونضجه في القرنين الثالث والرابع الهجريين [ - التاسع والعاشر الميلاديين ] متفوّقا عليه في القرنين السادس والسابع الهجريين [ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين ] ، وما بعدهما .
والظاهر أن البناء النفسي والفكري للتصوّف سار أشواطا لم يقو الشعر على قطعها في المدة نفسها لسبب بسيط ، هو أن الشعر يتطلب ممارسات معينة ، قياسية في الغالب ، ذات تقاليد وصور وألفاظ تحتاج إلى إنعام نظر ودربة ورياضة وخبرة لم تكن قابلة للمعايشة والمتابعة والتنمية لانشغال الصوفي ، على العموم ، ببواطنه لا بقصد التعبير وإنما بقصد العمارة والبناء والتطبع قبل كل شيء .
والحق أن هذه المشغلة هبطت بالشعر الصوفي عن الطبقة التي كان ينبغي أن يرتفع إليها .
وبيان ذلك أن طابع التركيز في التربية الصوفية من التلبس بالمقامات ومعاناة الأحوال والإلحاح على تحصيل خلائق بعينها ، كالزهد والتوبة والفتوة والفناء والجمع وعين الجمع وما إلى ذلك ، كلّه يستوفي جهد الصوفي ويستنفد وقته ، فلا يدع له مجالا للعناية بشؤونه الأخرى ، ومنها قرض الشعر وصقله والظهور بمظهر الشاعر التقليدي الصنّاع القادر على تطويع الألفاظ للمعاني التي تعتمل في نفسه . ولهذا تلمسنا في الشعر الصوفي المبكر ركة وضعفا وسذاجة في اللفظ والقافية والصياغة ، وإن



« 146 »
كان حافلا بالمعاني الأبكار والأحاسيس الدفينة .
أما اللفظ فقد خان الصوفية كثيرا لتركيزهم على معنى بعينه في رحلتهم الصوفية النفسية التي يفرض فيهم أن يقطعوا المقامات واحدا بعد الآخر بعد تشبّعهم بمعناه . 
ونموذج على هذه الظاهرة يتمثل في قول الشبلي أثناء مغالبته مصاعب مقام الصبر :
صابر الصبر فاستغاث به الصب * ر فقال المحب للصبر : صبرا !
فقد حمله امتلاء نفسه بمعاني الصبر وتمثّله لها في كل لحظة ومعايشته لها بقصد تطويعها لنفسه وغرسها فيها ، بوصفها طبيعة من طبائعه ، حمله ذلك على التكرار مرة بعد مرة دون إحساس بأن ذلك القبيح في الشعر ، وأن على الشاعر أن يروض نفسه على السعة والتشعّب ليحصّل القدرة على التصرف في الألفاظ لا الرضوخ لها والاستئسار لسلطانها .
لكن غلبة العنصر النفسي أدى إلى الاستجابة إليه على القيم الجمالية التي كانت مرعية لأيامه .

2 - أ . وقد وقع الحلّاج في هذا العيب النقدي في قوله - مكررا لفظ النور وجمعه أربع مرات في شطر واحد ، وكلمة السر ومشتقاته أربع مرات في الشطر الثاني - :
لأنوار نور النور في الخلق أنوار * وللسر في سرّ المسرّين أسرار
ومثل هذا وقع في قوله :
يا كلّ كلي ، وكلّ الكل ملتبس * وكلّ كلّك ملبوس بمعنائي
ومما يذكر هنا أن ابن العربي الحاتمي الطائي ، كان شيخ الصوفيين الأكبر وخبيرهم في اللغة والشعر،( ت 638 هـ / 1241 م )، 

وقع في هذا المحذور ، لا انقيادا وضعفا ، وإنما قصدا وتعمدا ، وابداء لبراعته في التصرف في الألفاظ ، غير أنه خرج بهذا التعبير عن الشعر ألقريض ، الذي تتحكم فيه التقاليد المذكورة ، إلى الشعر العامي الذي يبدو أن تقاليده وقواعده كانت تسمح بهذا التكرار .
من هنا قال ابن العربي الحاتمي الطائي على المواليا :


« 147 »
إياك إياك يا من أحياك من إياك * واخرج لإياكّ من إياك عن إيّاك
وافنى بإيّاك عن إياك عن إياك * وانظر لإياك تلق إياك هو إيّاك « 1 »
.2 - ب . ودون وعي ودون اهتمام ، وانشغالا بالقيم الروحية ، وقع الحلّاج في محذور شعري آخر هو ملء البيت من الشعر بحشد من حروف الجر كقوله :
العشق من أزل الآزال من قدم * فيه به منه يبدو فيه إبداء
وقوله :
كان الدليل له منه إليه به * من شاهد الحق في تنزيل قرآن
كان الدليل له منه به وله * حقا وجدناه في تنزيل فرقان
ولعل القارئ لاحظ أن البيتين الأخيرين يحفلان بأحد عشر حرف جر عدا ، وهو أمر ممجوج جدا في عالم الشعر التقليدي ، لكنه كان - بالنسبة للحلّاج - مظهرا من مظاهر التركيز والفهم والإشارة ، إذ به ينقطع الطريق على الجهات الست كلها أن تدعي إحداها أنها خلو من الإشارة إلى معنى الحق ، أو يسوغ لإحداها فقط الصلاح لتضمّن الحق أو احتوائه .
بل إن تداعي المعنى ليشير إلى جهة سابقة ليست الفوق ولا التحت ولا الخلف ولا الأمام ولا اليمين ولا اليسار ، بل هي المركز الذي هو الذات أو القلب ويشار إليه بالباء . 

وهذه الباء المركزية أيضا غريبة وضعيفة عن حمل الحق وتحمله وإن كان لها شأن آخر في أفكار الحلّاج كما تأتي الإشارة .
2 - ج . فوق هذا شغل التوجّه الروحي الكامل الحلّاج عن الوقوع في عيوب شعرية طالما أخذت على كبار الشعراء .
لكنها كانت - بالنسبة للحلّاج - مظهرا من مظاهر السذاجة وقلة البضاعة من فنون الشعر العملية .

من هذه النماذج قلبه الهاء في القافية همزة في قوله :
واللام بالألف المعطوف مؤتلف * كلاهما واحد في السبق معناء

..........................................................................................
( 1 ) روض البشر في أعيان دمشق في القرن الثالث عشر لمحمد جميل الشطي ( 1201 - 1300 هـ / 1786 - 1883 م ) ط . دمشق 1946 م ، 1 / 185 .


« 148 »
وقلبه الياء همزة في قوله :
لبيك لبيك يا سرّي ونجوائي * لبيك ، لبيك يا قصدي ومعنائي
أدعوك ؟ بل أنت تدعوني إليك فهل * ناديت إياك أم ناديت إيائي
وواضح أن الأصل في كلمتي القافية هو « معناي وإياي » . 
ويذكر أن أبا نواس نفسه وقع في هذا المنزلق وعنه أخذ الحلّاج ، وللقارئ أن يرجع إلى تعاليقنا على هذه المقطعة في مكانها المناسب من كتابنا هذا .
2 - د . وعيب آخر من عيوب القافية جاز على الحلّاج فالتبس به دون أن يشعر ، وذلك باستعماله قافية نادرة الورود في الشعر هي الياء المكسورة في قوله : من مقطعة - :
يا جملة الكل لست غيري * فما اعتذاري ، إذن ، إليّ
وقد أخذ أبو العلاء المعرّي على الحلّاج هذا العيب وذكر أن غيره من الشعراء المتأخرين وقع فيه أيضا ، وللقارئ أن يرجع إلى التعاليق للوقوف على النص وموضعه من رسالة الغفران .
وقد فطن المصنفون من ذوي الاطلاع على التصوف إلى هذه الركّة البادية في شعر الحلّاج فعبّر عن آرائهم شيخ من كبار المصنفين في الإسلام - هو ابن الجوزي - في وصفه شعر الحلّاج بأنه « غير مهذّب » .
3 - أ . وينبغي أن يشار إلى أن شعر الحلّاج - في جملته - ينطبع بطابع العقلانية والتعبير المباشر عن المعاني النفسية - فلسفية وعاطفية - بأسلوب يتعلق بالمعاني دون الألفاظ ، وبالجمل المرسلة - إن صح التعبير - الخالية من التعقيدات البيانية والتركيبات الحافلة بالصور . 
من هنا يصلح شعر الحلّاج للترجمة كما صلح شعر الخيام ومن سواه من شعراء الفلاسفة . 
فكأن التعبير السلس المرسل ميزة للشعر - في اللغات كلها - تجعل منه عملة أدبية قابلة للتداول في المجتمع الإنساني كله ، وإذا صح هذا الحكم ساغ لنا أن نشير إلى أن الحلّاج قد ألمّ بشيء من التشبيهات من نحو قوله معبرا عن الحب الإلهي والشوق إلى المثل الأعلى:


« 149 »
يسري وما يدري وأسراره * تسري كلمح البارق النائر
كسرعة الوهم لمن وهمه * على رقيق الغامض الغائر
ومن تشبيهات الحلّاج البسيطة قوله :
وأطيب الحبّ ما نمّ الحديث به * كالنّار لا تأتي نفعا وهي في الحجر
وقوله :يا شمس ، يا بدر ، يا نهار * أنت لنا جنّة ونار
أما ألفاظ الحلّاج فكانت - كألفاظ الشبلي الذي جمعنا شعره من قبل - حافلة بألفاظ الصوفية ، التي لا يحبها النقاد في الأدب التقليدي . فهو كالشبلي يستعمل الألفاظ : كل ، وكل الكل ، والتباعيض والأجزاء والجميع ، والجملة والحال والأحوال فوق استعماله المصطلحات الفلسفية والصوفية ، من نحو « لا أين » واللامكان والجوهر ، والذكر ، والأشباح والهياكل ، والشاهد والشهود ، والمشيئة والصفات والطوالع ، والعارف والمعارف ، والعشق وتصريفات العلوم والغير ، وتصريفات الفناء والقدم والحدوث والكفر والايمان ، والكيف واللاهوت والناسوت ، والنور وتصريفاته ، والوجد والمواجيد والوجود ، والوصل والوصال والاتصال ، فوق الألفاظ التي ترد في السحر والكيمياء كالنقطة والسمسم والشيرج والياسمين وما إلى ذلك .
4 - أ . وفي ما عدا هذا ينبغي أن يشار إلى أن شعر الحلّاج يعرض لمعان يمكن تقسيمها إلى معان حسّية وأخرى ثقافية . 
ويعرض شعر الحلّاج الحسّيّ لشؤون حياته المادية كالعهد بالشعراء التقليديين ، ونجد في ديوانه مقطعات تتناول مراسلات مختصرة مع أصدقائه ، وأخرى تتناول معاني غزلية حسّية وجّهها إلى أصدقائه أو وصف المحبّين ممن عرفهم أو عرّف بهم ، ومجموعة تتناول نشاطه الذهني في الموضوعات المادية كالسحر مثلا .
وفوق هذا ، نجد للحلّاج شعرا ربما كان أقرب إلى اللهو ويتمثل في ثلاث مقطعات من الألغاز الشعرية التي عرفها الشعراء المعاصرون للحلّاج واتسع نطاقها بعد ذلك اتساعا كبيرا جدا حتى صار فنّا قائما بذاته.



« 150 »
أما شعر الحلّاج الثقافي فيعرض لموضوعات فكرية كثيرة كانت منطلقا واحتجاجا وإثباتا لآرائه الفلسفية والكلامية والصوفية وخصوصا أفكاره الخاصة التي نادى بها بوصفه متكلما شيخ فرقة وصوفيا مسلّكا وفيلسوفا ذا آراء ومنطق .
ويمكن ترتيب هذه الأشعار في تتابع وتعاقب يتبين منهما ما بشر به ثم راح ضحيته على نحو يبدأ من المصدر ، ثم يتسلسل حتى يؤدي إلى ما لا رجعة فيه من آراء تمثل أصالته وفلسفته ، أو بالأحرى ما أوخذ عليه في النهاية .
4 - ب . وإفراغا لهذه العناصر في قالب محسوس ، لا بد من التمثيل والمحاضرة لها ليكون لها مضمون وما صدق .
لقد أفرغ الحلّاج ثلاثا من رسائله في قالب شعري لم يكن شيئا مألوفا ليمثل غرضا من أغراض الشعر التقليدي . فكأنه كان غرضا نادرا في هذا المجال .
فكتب الحلّاج إلى صديقه أبي العباس بن عطاء الآدمي ، الذي ضحّى بحياته دفاعا عنه ، يقول :كتبت ولم أكتب إليك وإنما * كتبت إلى روحي بغير كتاب
وذلك أنّ الروح لا فرق بينها * وبين محبّيها بفصل خطاب
وكلّ كتاب صادر منك وارد * إليك ، بلا ردّ الجواب ، جوابي
وينبغي ، لفهم هذه المقطعة ، أن نقدّر حرف العطف « أو » قبل كلمة « وارد » في البيت الثالث ليسوغ الكسر الذي فرضناه عليها . وهذا نموذج آخر لقصور الكلمات عن حمل المعنى الحلّاجي ، وبالتالي شكل آخر من أشكال الضعف في ديوان الحلّاج ، وإن كانت فيه لمع من الجمال لا تخفى .
وكتب الحلّاج ، ردّا على صديق راسله ، في فترة سجنه ، ولم يستطع زيارته :
أرسلت تسأل عني : كيف كنت وما * لقيت بعدك من همّ ومن حزن
لا كنت إن كنت أدري : كيف كنت ولا * لا كنت إن كنت أدري كيف لم أكن


« 151 »
يريد بذلك أنه كان مستغرقا في مواجيده وتأملاته استغراقا منعه من التمييز بين وجوده وعدمه ، ومن هنا كانت عبارة صديقه « كيف كنت » ؟ 
- في رسالته التي اقتبسها منها - غير ذات مضمون عند الحلّاج ، فاستوت عبارته « كيف كنت ؟ » و « كيف لا كنت ؟ » أي استوى الوجود والعدم ، فلم يعد مجال للسؤال عن شيء ليس له قوام .
وردا على هذا الصديق أيضا ، قال الحلّاج يتشوّق إليه ويعرب عن الحب :
يا من إشارتنا إليك * همّي به وله عليكروحان ضمّهما الهوى * فيما يليك وفي يديك
وهو معنى يتصل بالرسالة الأولى ، فكأن الرسائل الثلاث موجهات إلى ابن عطاء .
4 - د . وكان للحلّاج قسمه من الغزل الحّسي ، وقد عبر عنه تعبيرا حمل النقاد من غير المتبحرين على إضافته إلى التصوف والحب الإلهي ومن ذلك قوله :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته أبصرتنا
والشاهد على حسّية هذا الشعر قول السرّاج - مصنف كتاب اللمع ، الذي هو من أمهات كتب التصوف ، : « وهذه مخاطبة مخلوق لمخلوق في هواه . . . » ( ص 438 ، وانظر التعاليق على هذه المقطعة في قافية النون ) ، 
ومن هذه المقولة قول الحلّاج :
يا شمس يا بدر يا نهار ، * أنت لنا جنّة ونار
تجنّب الإثم فيك إثم * وخيفة العار فيك عار
يخلع فيك العذار قوم * فكيف من لا له عذار ؟ !
وهو من أرقّ الشعر وأسرعه نفوذا إلى القلب لبساطته وسلامته وتلقائيته الجميلة وكأنه قيل ارتجالا .


« 152 »
ومثل هذا في الرقة والجمال قول الحلّاج :
يا نسيم الريح ، قولي للرّشا * لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبّه وسط الحشا * إن يشأ يمشي على خدي مشى
روحه روحي وروحي روحه * إن يشأ شئت وإن شئت يشا
وكأنّ الناس استكثروا على الحلّاج هذه الرقة فخرجوا بهذه المقطعة من الغزل إلى الكيمياء فزعموا أن الرشا والخد والنسيم والريح وما إلى ذلك ما هي إلا ألفاظ رمزية لها مدلول كيمياوي وأن المشي والورد والعطش تفاعلات كيمياوية وضعت بصورة معمّاة لا يفهمها إلا الراسخون في علم الكيمياء ! 
وأيّا ما كان الأمر فهي من أصلح الشعر للغزل ولإثارة الشوق والحنين في القلوب الحساسة .
ومن أجمل الأشعار الحسية التي نظمها الحلّاج قوله في مخلوق في الرابعة عشرة من عمره :
أنت بين الشّغاف والقلب تجري * مثل جري الدموع من أجفاني
وتحلّ الضمير جوف فؤادي * كحلول الأرواح في الأبدان
ليس من ساكن تحرّك إلّا * أنت حرّكته خفيّ المكان
يا هلالا بدا لأربع عشر * فثمان وأربع واثنتان
ومما يتصل بهذا الجانب الحسّي من شعر الحلّاج مقطعة أفرغ فيها قصة إخوانية سخر فيها من صديق كان في يوم من الأيام غلاما جميلا تستجلي صورته العيون ثم عمل فيه الزمان عمله ، دون أن يحس هو بذلك ، ومن هنا قال الحلّاج له بقصد هدم غروره :
دلال ، يا محمد ، مستعار ؟ * دلال ، بعد أن شاب العذار ؟ !
ملكت - وحرمة الخلوات - قلبا * لعبت به وقرّ به القرار
فلا عين يؤرّقها اشتياق * ولا قلب يقلقله ادّكار
نزلت بمنزل الأعداء مني * وبنت ، فلا تزور ولا تزار
كما ذهب الحمار بأمّ عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار !


« 153 »
وواضح أن التضمين المعروف للبيت الأخير في هذه المقطعة بارع جدا ومتمكن في موضعه تمكنا لا شك فيه .
4 - و . ومن المعاني الحسية التي طرقها الحلّاج السحر الذي اشتهر به وذكر ابن تيمية أنه متضمن في كتاب مشهور كان معروفا حتى القرن الثامن الهجري . 
والمقطعة السحرية التي وردت في شعر الحلّاج هي إلى المزاج أقرب ، وتتمثل في ثلاثة أبيات إخوانية الموضوع بين فيها الحلّاج أن الساحر يستطيع الاختفاء عن الأنظار إذا ما دهن وجهه بمرهم هو مزيج من السمسم والشيرج ، ثم إذا استعان بأحرف تخط على الجبين على صورة معينة .
وتكون النتيجة أن الصديق الذي طلى وجهه بذلك يسير إلى جانب صديقه فلا يراه وبذلك تتاح له فرصة العبث به وإثارة الرعب في نفسه وقال الحلّاج :

يا طالما غبنا عن أشباح النّظر * بنقطة يحكي ضياؤها القمر
من سمسم وشيرج وأحرف * وياسمين في جبين قد سطر
فامشوا ونمشي ونرى أشخاصكم * وأنتم لا ترونّا يا دبر !
4 - ز . ومع السحر مارس الحلّاج تضمين الألغاز والأحاجي شعره القليل ، وهو موضوع - إن أثار الدهشة - يدخل في صلب الشعر الحسّي الذي مارس الحلّاج نظمه في فترات لا نعرفها من حياته ، ويدلّ على راحة بال وسنوح وقت للانشغال بهذه الأشياء . 
وقد وجدنا في شعر الحلّاج ثلاثة ألغاز ، الأول يدور حول لفظ الجلالة ، والثاني حلّه كلمة « توحيد » ، والثالث يلغز المعية « مع اللّه » أو يحلّلها .
وفي الأول قال الحلّاج :
أحرف أربع بها هام قلبي * وتلاشت بها همومي وفكري
ألف تالف الخلائق بالصف * ح ولام على الملامة تجري
ثم لام زيادة في المعاني * ثم هاء بها أهيم وأدري
وفي الثاني قال :
ثلاثة أحرف لا عجم فيها * ومعجومان ، وانقطع الكلام


« 154 »
فمعجوم يشاكل وأجديه * ومتروك يصدّقه الأنام
وباقي الحرف مرموز معمّى * فلا سفر هناك ولا مقام
وفي الثالث يقول :
إرجع إلى اللّه ، إن الغاية اللّه * فلا إله - إذا بالغت - إلا هو
وإنه لمع الخلق الذين لهم * في الميم والعين والتقديس معناه
معناه في شفتي من بات منعقدا * عن التهجّي إلى خلق له فاهو
افإن تشكّ فدبّر قول صاحبكم * حتى يقول بنفي الشكّ : هذا هو
فالميم يفتح أعلاه وأسفله * والعين يفتح أقصاه وأدناه
5 - أ . أما شعر الحلّاج الثقافي فيصلح أن يكون صورة مصغّرة لآرائه العقلية والصوفية ويمكن ترتيبه ترتيبا يجعل من مقطعاته نماذج تمثيلية لأغلب ما نادى به .
بل يمكن منه الانطلاق إلى بناء صورة متكاملة لفلسفة الحلّاج على شكل جديد لم يلمّ به الباحثون من قبل .

وقد عرض الحلّاج في أشعاره للكلام على الذات الإلهية وقدّم الحجج على وجود اللّه وألمّ بالصفات الإلهية وأضاف إليها صفة العشق اجتهادا منه .
وبحث النبوّة والدين وكان له رأي في الأديان نعرض له بعد .
وفي مجال التصوف بيّن الحلّاج - شعرا - أسس التصوف الذي يرتضيه وهاجم التصوف التقليدي ثم تكلّم على تفاصيل فكره الصوفي فذكر الأسرار والطريقة والعقل والأقدار وانتهى إلى أن الحياة الحقيقية للإنسان تتمثل في فنائه عن وجوده الإنساني المادي باعتباره من قبيل طبقة معتمة تمنع التجليات الإلهية وأنوارها ، بل ووجودها ، من الظهور للعيان في عالم الإنسان .
ويؤكد الحلّاج في أشعاره على إزالة هذه الطبقة بفكرة عرفها الصوفية وصبّوها في قالب تعارفوا عليه بكونه « رفع الإنّية دون الآثنينية » .

وفوق هذا ألحّ الحلّاج - في شعره - على الثورة على التقاليد الدينية وذهب في الشطح مذهبا حمل المعجبين به على تحرّي التأويلات البعيدة له حفاظا عليه من الإفلات من نطاق الإسلام ودخوله في نطاق المؤاخذة الشرعية .


« 155 »
وتنتهي هذه السلسلة من الأفكار إلى تقرير الحلّاج أن ما يتراءى للناس أنه جحود للّه إنما هو عين التقديس وجوهر العبادة ، وأن ما قاله لم يكن إلا الجوهر في مقابل الأعراض التي علقت بها الأديان والمتدينون حرصا على وحدة الصف وكسبا لأكبر عدد من الناس في نطاق الآراء الجماهيرية ( بلغة العصر ) ومستوى العقلية الشعبية .
5 - ب . وعودا إلى التمثيل والمحاضرة نذكر أن الحلّاج ، بوصفه صوفيّا متفلسفا ، انطلق منطلق الفلاسفة من البدء بالفلسفة الأولى التي تعني التمهيد للآراء ، ذات الطابع المتديّن ، بالبحث في الذات الإلهية وإثبات وجودها قبل كل شيء لتكون هذه قاعدة يقوم عليها البناء الفلسفي كلّه .
ويرى الحلّاج أن الدليل على وجود اللّه لا يقوم على القاعدة الفلسفية المتعارف عليها من أنّ أول دليل على وجود الباري يقوم على ملاحظة آثاره ومخلوقاته وما فيها من نظام يؤدي إلى التعرف عليه ، بل يتبنى العبارة التي تقول : « فبه أستدلّ عليه » . 
وهذا الاستدلال على اللّه به يقوم في داخل النفس على صورة شعور غلّاب لا يتسرب إليه الزيف أو الشك بحيث يصبح الحديث النبوي أو عبارة علي بن أبي طالب « من عرف نفسه فقد عرف ربه » مثلا يضرب لتوضيح هذه الفكرة التي تقضي بأن وحدة الشهود ، وهو الإحساس الداخلي الطاغي ، بوجود اللّه دليل إيماني على وجوده تعالى وكونه في أعماق النفس الإنسانية .
وقال الحلّاج من مقطعة :
لا يعرف الحقّ إلا من يعرّفه * لا يعرف القدميّ المحدث الفاني
لا يستدلّ على الباري بصنعته * رأيتم حدثا ينبي عن أزمان ؟ !
كان الدليل له منه إليه به * من شاهد الحق في تنزيل فرقان
كان الدليل له منه به وله * حقّا وجدناه بل علما بتبيان
هذا وجودي وتصريحي ومعتقدي * هذا توحّد توحيدي وإيماني
فإذا ثبت أن اللّه موجود وماثل في كل إنسان ، ساغ للحلّاج أن ينتقل إلى موضوع آخر من موضوعات الفلسفة الأولى - أو علم الكلام - هو الصفات الإلهية .


« 156 »
 لقد ذكر المتكلمون وبخاصة المعتزلة أن للّه صفاته التي تقرّب إلى أذهان الناس إدراكه وفهم خلقه لهذا العالم كله ، ثم توجّه الكون كله إليه بعبادة يستحقها وهذه الصفات تتمثل في مجموعتين إحداهما تتعلق بذاته مباشرة وهي الحياة والعلم والقدرة ، والمجموعة الأخرى ترتبط بأفعاله تعالى كالخلق والرحمة والجبروت وما إلى ذلك مما يتمثل في الأسماء الإلهية التي ترد في القرآن .
ومع أن هذه الفكرة تعدّ عند الحلّاج أدنى كثيرا مما ينبغي اعتناقه من مثول اللّه داخل النفس الإنسانية ، أزعج الحلّاج إنكار الفقهاء للصفات الإلهية وتطلّبهم التدّين الإيماني وحده ومنعوا الخوض في الصفات الإلهية منعا باتا 

وقالوا في قوله تعالى :« الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى »بلسان الإمام مالك بن أنس :
« الاستواء منه معقول ، والكيف منه مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، والإيمان به واجب » ( التمسه في تعاليقنا على هذا القطعة ) . 
وهذا في رأي مالك ومن معه ، يعني أن الآية الماضية يجب أن تؤخذ على لفظها وأن غاية ما يسوّغ للمسلم أن يستفيده أو يستنبطه منها هو أن الاستواء هيئة يدركها العقل لكن كيفية الاستواء ، في حال توجيهها إلى الذات الإلهية ، مجهولة لا ينبغي الخوض فيها أصلا لأن ذلك يتسلسل في النهاية إلى هاوية الكفر .
والحلّاج هنا ، ينقض كون الكيفية مجهولة بأن لها صورتين إحداهما ظاهرية هي المعنى الذي تتداوله المعاجم اللغوية 
أولا ، والمعنى الذي يذكره المجسّمة من أن اللّه قد نصّ على أعضاء له في القرآن ، 
ثانيا ؛ والإيمان الذي يأمر به الفقهاء يقتضي أخذ المعنى كله على علّاته ومنه توجههم بالدعاء نحو السماء وكأنّ فيها مقرا للّه فعلا ؛ 
ثالثا : أما المعنى الحقيقي للاستواء على العرش فهو مثول اللّه تعالى في قلب الإنسان ورؤيته بعين الإنسان وتحركه بقدم من استطاع إزالة العوائق التي تحول دون تجلّي اللّه فيه كما تجلّى في الشجرة التي خاطبت موسى عليه السلام .
وهذا تفسير قول الحلّاج :
سرّ السرائر مطويّ بإثبات * من جانب الأفق مطويّ بطيّات


« 157 »
فكيف والكيف معروف بظاهره ؟ * فالغيب باطنه للذات بالذات
تاه الخلائق في عمياء مظلمة * قصدا ولم يعرفوا غير الإشارات
بالظنّ والوهم نحو الحق مطلبهم * نحو السماء يناجون السماوات
والربّ بينهم في كل منقلب * محلّ حالاتهم في كلّ ساعات
وما خلوا منه طرف العين لو علموا * وما خلا منهم في كلّ أوقات
وفي ما يتصل بالصفات الإلهية ، وبخاصة صفات الذات ، لاحظ الحلّاج أن الناس - في عبادتهم للّه تعالى خوفا وطمعا فقط - يهدرون أسمى رابطة يمكن أن تجمع بين الخالق والمخلوق ألا وهي الحب . 
وإذا كان اللّه قد خلق ليعبدوه فإن هذا يعني أنه خلقهم ليعشقوه وهذا هو السبب في أنه خلق آدم على صورته . 
ولو لم تكن صورة آدم جميلة ومحبوبة لما ساغ للإنسان أن يتلبس بها بفعل إلهيّ مباشر هو صفة من صفات اللّه . 
فكأن آدم هو الصورة المادية للّه : الصورة التي تنطوي ، تحت غلافها المادي الملموس المناسب للبيئة المحيطة بها ، على ذات اللّه بجواهرها وصفاتها وأسمائها .
فكأن ههنا وحدة تجمع الخالق والمخلوق أو المحب والمحبوب ، ومتى ما اتصلا تحقق للوجود كماله وذهب عنه انقسامه وغدا العشق القانون الذي يسيّر دولاب العالم كله .
لهذا كله أراد الحلّاج للعشق أن يكون هذا القانون فصبّ هذه الفكرة - التي ظهرت في البصرة ، أولا معاصرة للأفكار الأخرى ومنها الزندقة - في قالب عقلي كلامي ضمّنها الأفكار التي عبرت عنها رابعة العدوية وعامر بن عبد اللّه بن عبد قيس وعتبة للغلام وحبيب العجمي كما بيّنا ذلك في كتابنا « الصلة بين التصوف والتشيع » . 
وانتهى الأمر بأن عدّ الحلّاج العشق صفة من صفات اللّه تبدأ منه لتنتهي بالعباد .
ومن الحب النازل والصاعد يتسق العالم وينتظم ويسعد وتزول الشرور وترتفع مطالب البدن ومطامح الأفراد والجماعات ورؤى القوة والتسلط . 
وفي الكشف عن كون العشق صفة إلهية قديمة قال الحلّاج :
العشق من أزل الآزال من قدم * فيه به منه يبدو فيه إبداء


« 158 »
العشق لا حدث ، إذ كان هو صفة * من الصفات لمن قتلاه أحياء
صفاته منه فيه غير محدثة * ومحدث الشيء ما مبدأه أشياء
لما بدا البدء أبدى عشقه صفة * فيما بدا فتلألأ فيه لألاء
واللام بالألف المعطوف مؤتلف * كلاهما واحد في السّبق معناء
وفي التفرّق اثنان إذا اجتمعا * بالأفتراق هما عبد ومولاء
كذا الحقائق : نار الشوق ملتهب * عن الحقيقة إن باتوا وإن ناؤ
واذلّوا بغير اقتدار عندما ولهوا * إن الأعزّا إذا اشتاقوا أذلّاء
وبهذا يبدو أنّ الحلّاج بشّر بدين العشق بديلا من دين الخوف والطمع لعدم جدوى الأخير بشهادة التجارب الطويلة التي مرّت بها الأديان . ويبدو أن الحلّاج كان يستحضر في ذهنه قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ، فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ،وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ . فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )( المائدة 5 : 54 - 55 ) . 
فكأنه كان يعتقد أن العبادة خوفا وطمعا كانت تجربة وبلاء للناس ؛ فلما فشلوا فيها كان لا بد من فرض دين العشق الذي يغسل شرور الإنسانية ويقطع الطريق على المرتدّين عن جوهر الدين عند التجربة الأولى .
فإذا كان العشق هو فقه الدين الحقيقي وتطبيقه العملي ، كانت النبوة نتيجة لهذا الحب المتبادل ، وكان الوحي - الذي هو هنا نجوى حبيبين - شبيها بمصباح من النور يتلألأ في مشكاة القلب ، وبصور إسرافيل حين يوقظ الأموات للقيامة ، في الوضوح والجلاء .
وفي هذه الحالة تتضح الطريقة التي حققت الاتصال بين اللّه تعالى وبين موسى في الجبل بحيث يبدو للصوفي في حالة الإلهام كأنه حي يرزق بلحمه ودمه يتلقى الوصايا العشر .

فإذا كان الحلّاج يرى التديّن القائم على الخوف والطمع ردة ، ووقوف موسى على الجبل شيئا محسوسا متصلا بالرؤية القلبية وقابلا للتطبيق ؛ فما حقيقة الأديان عنده ؟ 
هنا يتناهى إلينا قوله :
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:52 pm

شعر الحلاج و ديوان الحلّاج شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

« 159 »
تَفَكَّرتُ في الأَديانِ جِدّ مُحَقّق  . . .   فَأَلفَيتُها أَصلاً لَهُ شَعبٌ جَمّا
فَلا تَطلُبَن لِلمَرءِ ديناً فَإِنَّهُ   . . .   يَصُدُّ عَنِ الأَصلِ الوَثيقِ وَإِنَّما
يُطالِبُهُ أَصلٌ يُعَبِّرُ عِندَهُ   .. .   جَميعَ المَعالي وَالمَعاني فَيَفهَما
فالدين عنده هو التواصل بين المحب والمحبوب أو الرب والمربوب على طريق العشق ، ومن هنا فالدين الحقيقي هو الطموح إلى الوصول إلى المثل الأعلى حبا .
أما التفريعات الأخرى التي تنتظم الطاعات والدعاء والنذور والصلوات وأداء الواجبات الشرعية الأخرى فما هي إلا شعب من هذا الأصل : كل شعبة منها تتسمى باسم وتستظل بنبي وتستريح إلى فقه وكلام ومنطق وإيمان . 

وهذا التحليل حمل الحلّاج على أن يقول بعد :
فلا تطلبن للمرء دينا ، فإنّه * يصدّ عن الأصل الوثيق ، وإنما
يطالبه أصل يعبّر عنده * جميع المعالي والمعاني فيفهما
وإذا كان للدين أصل ينبغي التعلق به فما هو في رأي الحلّاج ؟ 
إنه التصوف باعتباره جوهر الدين وباعتبار هدفه السمو بالإنسان من النقص إلى الكمال في جانبيه النفسي والمادي ، ويتم هذا بتجاوزه مضايق الإنسانية والشعور بالوجود الجزئي إلى الاندماج في العالم الروحي أو التلقي منه على الأقل بسريان الطابع الروحي إلى الإنسان عن طريق برنامج نفسي واجب التطبيق .
وهذا البرنامج يتطلب تعذيب الجسد والتلبس بأخلاق المعذبين من جهة ، 

وذلك في قول الحلّاج :
الحزن في مهجتي والنار في كبدي * والدمع يشهد لي فاستشهدوا بصري
ويتطلب نظرية معرفة جديدة تقوم على الاستلهام وحده ، كما قال معروف الكرخي من قبل : « التصوف ، الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق » وكما قال أبو يزيد البسطامي : « أخذتم علمكم ميتا عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت » . 
وجاء الحلّاج - وكان ذا عقلية أقرب إلى التفلسف وذهن ذكي - فقال في عبارة أدق :
شرط المعارف محو الكلّ منك إذا * بدا المريد بلحظ غير مطلّع
وتكون النتيجة بقول الحلّاج :
إذا سكن الحقّ السريرة ضوعفت * ثلاثة أحوال لأهل البصائر :


« 160 »
فحال يبيد السرّ عن كنه وصفه * ويحضره للوجد في حال حائر ،
وحال به زمّت ذرى السر فانثنت * إلى منظر أفناه عن كلّ ناظر
وهذا التصوف الذي يدعو إليه الحلّاج يرفض ممارسة الطقوس الصوفية التي يقصد بها ترقيق الأحاسيس وإثارة العواطف في مجالس الأذكار التي تستعين بالشعر والغناء والرقص والإيحاء النفسي لتحمل الصوفي بعيدا عن وجوده المادي وتمرّنه على التأمل والتلقي من العالم الروحي بإلغاء الإحساس بالوجود الجزئي .
وفي رفض نتائج الأذكار من مواجيد وشطحات يقول الحلّاج :
أنت المولّه لي لا الذكر ولّهني * حاشا لقلبي أن يعلق به ذكري
الذكر واسطة تخفيك عن نظري * إذا توشّحه من خاطري فكري
وفي هذا الموقف يذكرنا الحلّاج بأن في المعارف والأسرار والظواهر أعماقا لا يعرفها الناس ولا يألفونها ، وإنما ينبغي أن يراضوا عليها ويعوّدوها . 
ومن هنا ينبغي أن نتطلب هذا العمق الجديد ؛ فالنور له غاية في النورانية لم نتوصل إليها ، والسر يفرض علينا أن نتطلب سره الدفين وهذا الكون كله يدعونا إلى التعمق فيه بغية التوصل إلى العامل الذي يحرّكه والقانون الذي يسيطر عليه .
وهذه هي الفلسفة في حرفيتها ، وفي التعبير عنها بما وراء الطبيعة في هذا المجال بالذات .

وفي هذا يقول الحلّاج :
لِأَنوارِ نورِ النورِ في الخَلقِ أَنوارُ  ...  وَلِلسِرِّ في سِرِّ المُسِرّينَ أَسرارُ
وَلِلكَونِ في الأَكوانِ كَونُ مُكَوِّنٍ    ...   يُكِنُّ لَهُ قَلبي وَيُهدي وَيَختارُ
تَأَمَّل بِعَينِ العَقلِ ما أَنا واصِفٌ    ...    فَلِلعَقلِ أَسماعٌ وُعاةٌ وَأَبصارُ
لكن الحلّاج لا يريد لنا أن نستعمل عقلنا في تطلّب المعرفة وإنما يريد لنا أن نستعمله فقط في اختبار النتائج التي نستمدها من الاستيحاء والاستلهام وإلا فهو يقول بصراحة :
من رامه بالعقل مسترشدا * أسرحه في حيرة يلهو
قد شاب بالتدليس أسراره * يقول من حيرته : هل هو ؟


« 161 »
كيف تكون البداية إذن ؟ تطّلب الفناء والحرص عليه .
هنا ينادي الحلّاج :
ركوب الحقيقة للحقّ حقّ * ومعنى العبارة فيه يدقّ
ركبت الوجود بفقد الوجو * د وقلبي على قسوة لا يرقّ
ثم يقول :
حويت بكلّي كلّ كلّك ، يا قدسي ، * تكاشفني حتى كأنّك في نفسي
أقلّب قلبي في سواك فلا أرى * سوى وحشتي فيه وأنت به أنسي
فها أنا في حبس الحياة ممتّع * من الأنس فاقبضني إليك من الحبس
وبتطبيق هذا البرنامج ، بوصفه مقاما من مقامات الطريقة الحلّاجية - إن صح التعبير ، تنمو في أعماق النفس الإنسانية صفات الذات الإلهية المخزونة في أعماقهم منذ بدء الخليقة ويتشبّع بها الكيان الإنساني تشبّعا يتكرر معه شحن آدم بالأسماء كلها ، وولادة المسيح كمثل ولادة آدم وتصرفه في الأعيان المادية من خلال روح اللّه المنفوخة فيه ، ونطق محمد بآيات القرآن المعجزة للطاقة البشرية لأنه في الحقيقة( ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ). 
وفي تجلي اللّه أو طاقاته أو مشيئته في الإنسان يقول الحلّاج :
سبحان من أظهر ناسوته * سرّ سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا * في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه * كلحظة الحاجب بالحاجب
في هذا الموقف ، إذا نطق الإنسان بروح اللّه ، التي تعمل عملها فيه ، قد يخرج كلامه عن المألوف عند الناس ، ولكنه نطق روحاني إلهي إذ هو صادر عن وجود روحاني إلهي ، وفي هذه الحالة تصبح العبارات دليلا على شيء واحد هو الوجود ، ومن هنا يعدّ النفي والنقض والكفر والإبطال والإنكار وكل هذه المعاني السلبية مصداقا لشيء إيجابي واحد يقول : ( أنا موجود ، اللّه موجود ) ، وقد صب الحلّاج هذا المعنى في قوله :


« 162 »
جحودي لك تقديس * وظنيّ فيك تهويس
وقد حيّرني حبّ * وطرف فيه تقويس
وقد دلّ دليل الحبّ * أنّ القرب تلبيس
وما آدم إلّاك ، * ومن في البين إبليس
كل ذلك تحت عامل العشق الذي يوحّد روحي المحب والمحبوب ويجعلهما وجودا واحدا جميعا .
في هذه المرحلة يتنبّه الحلّاج إلى أن هذه الحال من الوحدة الجمعية مع المثل الأعلى تعرض للإنسان في لمحات وإشراقات ولمع وأنها في الواقع لا تدوم طويلا ، من هنا فالوحدة الحقيقية لا تتحقق . 
فإذا كان الأمر كذلك فهل هذه هي وحدة حقا أم إحساس بها يملأ النفس حتى ليبدو الأمر كالوحدة الحقيقية ؟ 
لقد التفت الحلّاج إلى وجود عامل فعّال يعيد هذا الإحساس المجرد إلى الواقع المادي ويربطه من جديد بقوى الجسد وأنظمته وقوانينه . 
هذا العامل الذي يقع في « البين » هو الإنّية الإنسانية التي تعني الشعور بالذات الجزئية وتحدّد هذا الأنا وذاك الأنا وتسبغ عليهما استقلالهما من ناحية وتمنعهما من الاتحاد المستمر من ناحية ثانية .
والحلّاج يذمّ هذه الإنّية البينية ويسميها إبليس ويدعو اللّه أن يطيل هذا الإحساس بالوجود ، الذي أطلق عليه الصوفية مصطلح وحدة الشهود ، وفي ذلك يقول :

أأنت أم أنا هذا في إلهين ؟ * حاشاك حاشاك من إثبات اثنين
هويّة لك في لائيّتي أبدا * كلّي على الكلّ تلبيس بوجهين
فأين ذاتك عني حيث كنت أرى ؟ * فقد تبيّن ذاتي حيث لا أيني
وأين وجهك مقصودا بناظرتي ؟ * في باطن القلب أم في ناظر العين ؟
بيني وبينك إنّيّ ينازعني * فارفع بلطفك ، إنّيّ من البين
فإذا بلغ الإنسان من النقاء الروحي هذا المبلغ ساغ له أن يلتزم بالجوهر ويترك العرض باعتباره مصدرا للمعرفة ومثابة للتوجيه ومجالا للأسوة والقدوة .
وفي هذه اللحظات التي يفقد فيها الإنسان إحساسه بوجوده الجزئي


« 163 »
وتنقطع علائقه بالمجتمع الذي يحيا فيه يجد نفسه وحيدا في ميدان يعبر فيه عن آرائه وأحاسيسه دون اهتمام بحسيب أو رقيب ، وكانت هذه هي حال الحلّاج 
حين قال :
كفرت بدين اللّه ، والكفر واجب * عليّ وعند المسلمين قبيح
وقال :
إذا بلغ الصّبّ من الهوى * وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
يشاهد حقّا حين يشهده الهوى * بأنّ صلاة العاشقين من الكفر
وروي في كلمة « صلاة » أنها جاءت على « كمال » كما في الديوان وشرحه . 
وقال أخيرا :
ألا أبلغ أحبّائي بأنّي * ركبت البحر وانكسر السفينة
على دين الصليب يكون موتي * ولا البطحا أريد ولا المدينة
ومع جريان هذه المعاني مع التيار الفكري للحلّاج ، تطوّع كثير من شيوخ التصوف لإخراجها من مجال المؤاخذة ، وقد نصصنا على ذلك في مواضعه من تعاليقنا على هذه الأشعار . 
وبعد كل هذا ، إذا ساغ لأحد أن يسأل الحلّاج : لم فعل ما فعل ؟ 
ولم قال ما قال ؟ ولم عرّض نفسه لذلك المصير الفاجع ؟ ولم تسبّب في انقسام الناس ؟ 
لم يكن جوابه إلا قوله :
ما حيلة العبد والأقدار جارية * عليه في كل حال ، أيها الرائي
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له : * إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء
وإذ ألحّ الفقهاء في محاسبته وتعزيره توجّه إليهم متوسلا وهو يقول :
أقتلوني يا ثقاتي * أنّ في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي * وحياتي في مماتي
أنا عندي محو ذاتي * من أجلّ المكرمات
وبقائي في صفاتي * من قبيح السيّئات
وبين الحلّاج وأعدائه يقوم صوفيّ آخر ليترضّى الجميع ويحسّن لهم إخلاصهم لعقيدتهم في مقطّعة جميلة تقول :


« 164 »
الحبّ حرّكهم لكل جدال * والحبّ أقحمهم على الأهوال
والحبّ قاطع بينهم وأضلّهم * عن نيل ما راموه كلّ ضلال
والحبّ أنشأ بينهم عصبية * بالقيل أضرم نارها والقال
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: الحلّاج والحركات الصوفية الثورية شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:53 pm

الحلّاج والحركات الصوفية الثورية شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

الحلّاج والحركات الصوفية الثورية
ولم يؤد قتل الحلّاج وحشد الفقهاء للعنه والوقوع فيه إلى قتل الطموح الصوفي إلى الزعامة عن طريق السياسة والانقلاب والثورة ، بل لقد كان توجيه الأضواء إليه لافتا لأنظار الصوفية . وعدّوا حركته محاولة أولى فشلت لأخطاء متى تجنبوا الوقوع فيها حالفهم النجاح وحققوا أغراضهم في تأسيس دولة صوفية تقوم على قاعدة من التقاليد والنظم والأعراف التي اعتادوا أن يبشّروا الناس باعتناقها .
وهكذا اشتعلت في العالم الإسلامي سلسلة من الحركات الثورية ذات المظهر الصوفي ، وكان أولها حركة رجل من الخوارج الإباضية اسمه أبو يزيد مخلد بن كيداد ، ( ق 334 هـ / 945 - 46 م ) ، سنة وفاة الشبلي . 

وكان كالحلّاج « يلبس الصوف ويظهر التزهّد » « 1 » وثار على حكم الفاطميين أيام الحاكم بأمر اللّه ، ( ت 411 هـ / 1020 - 1 م ) رجل تلبس بالزهد والتصوّف حتى لقّب أبا ركوة « 2 » ، وهو الوليد من نسل هشام بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ( ت 125 هـ / 742 - 3 م ) . 
وقد ظهر أبو ركوة سنة 397 هـ / 1006 - 7 م ، وكاد يسقط الدولة الفاطمية لولا أن استقتل جيشها في القضاء عليه . وانتهى أمر أبي ركوة بالإخفاق وقبض عليه وأهين
..........................................................................................
( 1 ) وفيات الأعيان ، مصر 1275 هـ ، 1 / 108 .
( 2 ) انظر : الكامل لابن الأثير ، حوادث سنة 397 هـ / 1006 - 7 م ( ط 2 ) بيروت 1387 هـ / 1967 م ، 7 / 234 - 7 ) وفي ص 234 أنه ( إنما كني أباركوة لركوة كان يحملها في أسفاره سنة الصوفية ، والركوة : إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء . وقال المقري ( أحمد بن محمد المغربي ، نحو 992 - 1041 هـ / 1584 - 1631 م ) : إن أبا ركوة « خرج من الأندلس على طريقة الفقر والتجرد ووصل برقة بركوة لا يملك سواها ، فعرف بأبي ركوة » ( نفح الطيب ، مصر 1302 هـ / 1884 - 5 م ، 2 / 26 ) .

« 98 »
وعزّر وأخذ ليقتل سنة 399 هـ / 1008 - 9 م لكنه مات قبل التنفيذ فلم يترك حتى صلب « 1 »، كما صلب الحلّاج.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، بل استمر المتبنّون للتصوف ظاهرا وباطنا ، في بذل المحاولات لإنشاء أنظمة حكم صوفية - إن صحّ هذا التعبير - فكان أن نجح محمد بن عبد اللّه بن تومرت الهرفي المهدي الحسني ( 485 - 524 هـ / 1902 - 1130 م ) « 2 » . 
فأسّس دولة دينية في مراكش جعل رياستها الدنيوية لعبد المؤمن بن علي القيسي الكومي ( ح 525 - 558 هـ / 1131 - 1163 م ) وذلك في سنة ( 514 هـ / 1120 - 1 م ) « 3 » فسجّل في تاريخ الحركات الصوفية أول دولة قامت على قواعد الروح والسلوك والأذكار ويقال : إن الغزالي هو الذي شجع ابن تومرت على ذلك ، وهو أمر ينسجم مع رأيه الماضي في الحلّاج ، فكأنّ الصوفية والنزاعين إلى التصوّف حققوا ، بقيام هذه الدولة ، أملا من أعزّ آمالهم يتمثل في قيام تنظيم روحي يشعّ المثل العليا على الشعب كله ويطبق القواعد السلوكية ويقدّم للعالم شيئا مثيرا كتمته الصدور وصرّت به الأقلام في إرسالها للسطور .
وفي بلاد الروم قامت الثورة البابائية سنة 638 هـ / 1242 م بوصفها حركة صوفية كاملة تهدف إلى إسقاط الدولة السلجوقية هناك لتؤسس حكما صوفيا بقيادة بابا إسحق الكفرسودي وبابا إلياس ، وكان شعار الحركة : « لا إله إلا اللّه البابا ولي اللّه » « 4 » ، ولقّب قائدها نفسه بأمير المؤمنين « 5 » . 
ونالت هذه الحركة تأييدا قويا من الأمة التركية عندئذ ، لكنها ما لبثت أن أخفقت أمام قوة الجيش السلجوقي الذي جند لها جنودا من المسيحيين « 6 » . ويذكر أن
..........................................................................................
( 1 ) انظر الكامل لابن الأثير ، الموضع نفسه ، البداية والنهاية 11 / 337 . وراجع الأعلام للزركلي 9 / 137 - 38 ، وذكر المقري أن أباركوة المذكور كان « بن هشام من ولد المغيرة بن عبد الرحمن الداخل وأنه انتهى بالقبض عليه وادخاله مصر وأمر به أن يطاف على جمل ثم قتل صبرا » ( نفح الطيب ، 2 / 26 ) .
( 2 ) انظر : وفيات الأعيان ، مصر 1948 م ، 4 / 127 - 146 ، 2 / 402 - 5 .
( 3 ) انظر : وفيات الأعيان ، مصر 1948 م ، 4 / 127 - 146 ، 2 / 402 - 5 .
( 4 ) انظر كتابنا الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، بغداد 1966 م ، ص 372 - 6 .
( 5 ) انظر كتابنا الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، بغداد 1966 م ، ص 372 - 6 .
( 6 ) الفكر الشيعي : ص 378 .

« 99 »
الحاج بكتاش الولي مؤسس الطريقة البكتاشية كان من تلاميذ البابا قائد الحركة البابائية «1». 
ولولا أن الدولة العثمانية أسرعت فتبنّت هذه الطريقة قالبا دينيا لجيشها لكان لها شأن في التاريخ «2».
وفي إيران وتركستان قامت محاولات ثورية من صوفية تقليديين لا شك في نزعتهم ووضوح منهجهم ومنها ما ذكر عن السيد نعمة اللّه الولي بن عبد بن محمد ( 731 - 834 هـ / 1330 - 1341 م ) الذي كان تيمور نفسه يخشاه ويراقبه وينقله منفيا من مكان إلى آخر ويقول له : « لا يمكن اجتماع ملكين في بلد واحد » « 3 » . والسيد نعمة اللّه الولي مؤسس الطريقة النعمة الّلهية التي ما زالت حية في إيران .
وفي سنة 804 هـ / 1041 - 2 م قتل فضل اللّه الحروفي الأسترآبادي مؤسس الحروفية وهي طريقة صوفية باطنية ما زال لها أنصارها في الأناضول من تركية في الوقت الحاضر . وكان قتله بعد محاكمات مثل محاكمة الحلّاج ولسبب سياسي كالذي أودى بحياة الحلّاج ، وكانت آراؤه شبيهة بآراء الحلّاج إلى حدّ كبير « 4 » . 
وكان من أنصار فضل اللّه الحروفي البارزين صوفي يسمى عليّ الأعلى ( ت 822 هـ / 1419 - 20 م ) الذي كان يقول :« نال الحلّاج ، الذي ارتقى المشنقة ، محل الأبرار من الفضل ( اللّه ) وانطلق يقول بنطقه : أنا الحق ، فصار قتيلا وصار وجودا مطلقا » « 5 » .
وكان من الحروفية أيضا عماد الدين النسيمي البغدادي ( أبو الحسن علي ( ق 821 أو 837 هـ / 1418 أو 1433 - 4 م ) الذي ذهب ضحية أفكاره الحروفية في حلب ولم يكن إلا صورة من الحلّاج وآرائه ، وحوكم كما حوكم الحلّاج وقتل كما قتل « 6 » . وكان النسيمي يقول :
..........................................................................................
( 1 ) الفكر الشيعي : ص 378 .
( 2 ) أيضا : ص 381 - 2 .
( 3 ) أيضا : ص 245 - 252 ، وهذا النص يرد في ص 246 .
( 4 ) راجع الكتاب نفسه ، ص 179 - 244 .
( 5 ) أيضا : ص 232 .
( 6 ) الفكر الشيعي ، ص 188 .

« 100 »
« منذ أمددت من الحق أردّد قوله : أنا الحق مثل منصور [ الحلّاج ] لقد سرت شهرتي في البلد ، فمن يرفعني إلى المشنقة مثل منصور ( الحلّاج ) » « 1 » .
وظهر ثائر آخر في إيران هو السيد محمد نور بخش بن عبد اللّه ( 795 - 869 هـ / 1393 - 1465 م ) مؤسس الطريقة النور بخشية التي تنتشر في إيران حتى الوقت الحاضر وكاد يسقط الدولة التيمورية لما بدأ حركته الثورية في سنة 826 هـ / 1423 م . ولكنها فشلت واعتقل في سنة ( 840 هـ / 1436 - 7 م ) ليتنازل عن دعوى الخلافة في هراة عاصمة التيموريين « 2 » . لكنه نال عطف الناس كلهم حتى لقد كان أنصاره يلقبونه « الإمام والخليفة على كافة المسلمين » « 3 » . 
ووصف للسلطان التيموري بأنه « المظهر الصادق ( للّه ) بشهادة كبار الصوفية » « 4 » . 
ونصح السلطان نفسه بالاستجابة له والتنازل عن الحكم لصالحه لأن « النوبة قد وصلت إلى آل محمد ليحكموا العالم » « 5 » . وكان نور بخش علويا « 6 » .
وظهر ثائر صوفي شيعي علوي عاش في واسط ، التي كانت مسرحا لنشاط الحلّاج ، وقاد ثورة صوفية فريدة أطلق على أتباعها لفظ المشعشعين نسبة إلى « الشعشعة » وهي الفكرة التي نادى بها محمد بن فلاح بن هبة اللّه العلوي ( ت 866 هـ / 1462 م ) الذي عاش حياة كحياة الحلّاج في مجاهداته واعتكافه في مسجد الكوفة سنة كاملة كان فيها « يقتات بشيء قليل من دقيق الشعير » « 7 » ، كما كان الحلّاج يفعل في مكة . 
وكان محمد بن فلاح ، طموحا إلى حد أنّه كان يقول لأصحابه « سأظهر ، أنا المهدي وسأفتح العالم . . . وسأقسم الدّنيا بين أصحابي وأتباعي » « 8 » . وكالحلّاج أيضا ، ذكر أن أسرار دعوة محمد بن فلاح ، التي قامت على ممارسة الخوارق الصوفية
..........................................................................................
( 1 ) أيضا : ص 233 .
( 2 ) أيضا ، ص 332 .
( 3 ) أيضا : ص 335 .
( 4 ) أيضا : ص 335 .
( 5 ) انظر تفاصيل حركته وآرائه في الكتاب المذكور ص 328 - 342 .
( 6 ) انظر تفاصيل حركته وآرائه في الكتاب المذكور ص 328 - 342 .
( 7 ) انظر الفكر الشيعي لكاتب هذه السطور ص 303 .
( 8 ) انظر الفكر الشيعي لكاتب هذه السطور ص 303 .

« 101 »
كدخول النار وأكل السيوف وعدم التأثّر بحدّها ، ارتبطت بكتاب سري - كان عند شيخه أحمد بن فهد الحلي ( 756 - 841 هـ / 1355 - 1438 م ) - يتضمن كيفية ممارسة هذه الخوارق . 
وكان من ميزاته أنه إذا ألقي في النهر « يضطرب الشط ويخرج منه دخان عظيم يعلو إلى أفق السماء » « 1 » . 
ويناسب هذا من أخبار الحلّاج ما ذكره أبو نصر السرّاج ( ت 388 ه / 988 م ) من أن عمرو بن عثمان المكي ، أستاذ الحلّاج ، كان عنده حروف [ لعلها : ظرف ] فيه شيء من العلوم الخاصة ، فوقع في يد بعض تلامذته فأخذ الكتاب وهرب . فلما علم بذلك عمرو بن عثمان قال : سوف يقطع يديه ورجليه ويضرب رقبته . ويقال :
إن الغلام الذي سرق منه ذلك الكتاب كان الحسين بن منصور الحلّاج ، وقد هلك بذلك وفعل به ما قال عمرو بن عثمان » « 2 » . 
والشعشعة ، التي اقترنت بحركة المشعشعيين ، كانت ذكرا جماعيا يمارسه جيش محمد بن فلاح كله ويعانون فيه صعوبة الانتقال من الطبيعة الإنسانية العاجزة ، التي تصطدم بضعفها وجبنها وثقل جسمها ، ثم تنمو القوة الروحية فيهم حين يتلقفون من السيد محمد أعمالهم . 
وبذلك يأذن لهم بالشعشعة ، أو الانتقال ( ! ) إلى الحالة النفسية الجديدة ، ليعقب ذلك تحجّر أجسادهم . 
وعندئذ تصدر منهم « أمور خطيرة من طعن أنفسهم بالسيوف وتعريض أجسامهم للنار وأكلهم السيف وما إلى ذلك من خوارق » « 3 » ، وهذا في جملته مستمد من الحلّاج حتى في لفظه، فقد وصف هذا النور الإلهي بالشعشعاني «4». 
وروى عنه أبو العلاء المعري قوله : « إن العارف من اللّه بمنزلة شعاع الشمس » ( من الشمس ) : منها يبدأ وإليها يعود ومنها يستمد نوره » « 5 » . ويطول المدى بتقصي هذه المشابه في هذا المجال الضيق « 6 » . لكن المهم في الأمر أنّ هذه الحركة
..........................................................................................
( 1 ) أيضا : ص 3 .
( 2 ) اللمع ، مصر 1380 هـ / 1960 م ، ص 499 .
( 3 ) الفكر الشيعي ص 317 .
( 4 ) « الفكر الشيعيّ » : ص 312 .
( 5 ) راجع التفصيل المذكور ، ص 302 - 327 .
( 6 ) راجع التفصيل المذكور ، ص 302 - 327 .

« 102 »
أرعبت العراق وإيران مدة ربع قرن ابتداء من سنة 841 هـ / 1438 م ، واستطاع محمد بن فلاح أن ينشئ له ملكا عريضا في هذه المواضع من منطلقه في الأهوار المشتركة بين البلدين معتمدا على أسطورة مخفية تقول : إن جيشه محصّن ضد الموت بفعل هذه الشعشعة . 
ولولا الغلو الذي اقترن بهذه الحركة وظهور الدولة الصفوية لكان لها شأن آخر .
وفي سنة ( 905 هـ / 1449 م ) ، رفع التاريخ ستاره عن مولد إمبراطورية صوفية في إيران تربع على عرشها شاب صوفي من سلالة سلسلة الآباء والأجداد مزجوا التصوّف بالسياسة وطمحوا إلى تحقيق حلم الحلّاج الذي راود الأحلام أكثر من ستة قرون كاملة . 
وكان هذا الصوفي الإمبراطور إسماعيل بن حيدر بن جنيد بن إبراهيم بن علي بن موسى بن إسحاق ( 892 - 930 هـ / 1487 - 1514 م ) الذي تمثل هذه السلسلة من النسب آباء ، من مشايخ التصوف البارزين الذين ينتمون إلى إسحق بن أمين الدين جبرئيل ، المعروف بصفي الدين الأردبيلي ( 650 - 735 هـ / 1252 - 1334 م ) الصوفي الحنفي المشهور . 
ولا يتسع المجال للخوض في تفصيلات تخرج بنا عن الموضوع ونجتزئ من ذلك بالإحالة إلى كتابنا « الفكر الشيعي » المذكور ( ص 389 - 424 ) لنتبين كيف تمت هذه الخطوة الكبرى في عالمي التصوف الروحي والسياسة المادية ، وكان أول من حاول ذلك الحسين بن منصور الحلّاج البيضاوي ناظم هذا الديوان .
ولئلا يتعلق هذا الخيط في الهواء ، ينبغي أن يشار إلى أن القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين حفلا بحركات ثورية قام بها صوفية بارزون منهم البطل عبد القادر الجزائري « 1 » ، الذي كان من أصحاب وحدة الوجود ومن المعجبين بابن العربي الحاتمي الطائي ، ومحمد أحمد المهدي بطل الحركة المهدية في السودان « 2 » ، وعمر المختار بطل الحركة الاستقلالية في ليبيا الحديثة « 3 » .
..........................................................................................
( 1 ) انظر حول تصوفه كتاب « التصوف والأمير عبد القادر الحسني الجزائري » لجواد المرابط ، دار اليقظة العربية ، بيروت 1966. وللأمير عبد القادر كتاب كبير في التصوف عنوانه « المواقف في التصوف » مطبوع في بيروت أيضا.
( 2 ) من الكتب التي تتصل بلب هذه الحركة الصوفية السياسية كتاب « منشورات المهدية » بتحقيق د . محمد إبراهيم أبو سليم ، بيروت 1969 .
( 3 ) انظر في هذا مثلا كتاب « عمر المختار » للطاهر الزاوي ، ط 2 ، بيروت 1970 م .

« 103 »
وفوق ذلك قاد حركات التحرير في إفريقيا رجال من الصوفية من أبرزهم الحاج عمر ، بطل الحركة الوطنية في الصومال « 1 » . وهكذا وضع الحلّاج البذرة ورواها بدمه ثم آتت أكلها على مرّ العصور .
..........................................................................................
( 1 ) في هذا الموضوع انظر كتاب « مهدي الصومال ، بطل الثورة ضد الاستعمار » للدكتور محمد المعتصم سيد ، الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة ، من سلسلة مذاهب وشخصيات رقم 63 ، بدون تاريخ .

مكانة الحلّاج في الفكر الحديث
من الملاحظ أن الاهتمام بالحلّاج قد تأخر في البلاد العربية عنه في بلاد الإسلام الأخرى وأنه قد ظهر عندنا بتأثير كتابات ماسينيون الذي شرع في التعلق بهذا الصوفي قبل سنة 1912 م وأرّخ اهتمامه به بهذه السنة حين ألقى فيها محاضرته في عبارة « أنا الحق » ، وذلك في مؤتمر المستشرقين الذي انعقد في أثينا عاصمة اليونان . 
أما في بلاد الإسلام الأخرى وخصوصا القارة الهندية والتركية وإيران ، فقد احتل فيها الحلّاج مكانة مبكرة عظيمة بوصفه نموذجا عظيما للمفكر والشاعر والشهيد . وقد أكثر هؤلاء من البحث في الحلّاج والإشارة إليه والاستشهاد بأقواله ونسج الأساطير حوله . 
وقد تصدى ماسينيون نفسه للنظر في هذه الأعمال وجمعها فوقف منها على 1736 كتابا رتبها على اللغات فكان نصيب الفارسية منها 243 كتابا ونصيب التركية 77 كتابا والماليزية والجاوية 24 كتابا ، هذا فوق الكتب العربية التي عدّت 892 كتابا . 
ومما يذكر أن ماسينيون عثر على 26 كتابا تتطرق إلى ذكر الحلّاج باللغة السريانية وكذا على كتابين عبريين في الموضوع ذاته . وكل هذا قد لحظه وبيّنه ونقده المرحوم الأب أنستاس الكرملي في مجلة دار السلام البغدادية ( العدد 26 من المجلد الثالث ، الصادر في ربيع الثاني 1339 هـ / 26 كانون الأول « ديسمبر » 1920 م ، ص 410 ) . 
ومع هذا التراث الضخم الذي كان في الإمكان أن يحرك مشاعر الناس نحو الحلّاج - إيجابا وسلبا - ويحثّهم على الكتابة عنه ، لم يحدث شيء إلا بعد أن دخل ماسينيون الميدان - في ما يبدو - فأحيا ذكر الحلّاج وبعثه من جديد ولفت الأنظار إليه على نحو ما سنبيّنه في هذه الفقرة .

« 106 »
وينبغي أن نذكر هنا أن ماسينيون كان في ذلك مثل الشاعر الإنكليزي إدوارد فيتزجرالد الذي لفت الأنظار إلى عمر الخيام وحمل العالم كله على ترجمة رباعياته والاستمتاع بمعانيها الفلسفية وأجوائها التأملية .
وعودا إلى الحلّاج ، يبدو أثر ماسينيون في لفت الأنظار إليه من أن محمد إقبال شاعر الهند الكبير لم يعرف الحلّاج حق معرفته قبل إطّلاعه على آثاره وقبل ظهور ماسينيون بخمس سنوات . 
لكن إقبالا صحّح آراءه سنة 1928 م ، متأثرا بماسينيون ، وضمّن إنتاجه العلمي وأشعاره مناقشات وأفكارا ومعاني لم يكن ليتطرق إليها بدون ذلك « 1 » . 
ومن طريف ما صدر عن إقبال في هذا المجال عقده صلة بين الحلّاج والفيلسوف الألماني نيتشه ووصفه للثاني ، من حيث عجز معاصريه عن فهمه ، بأنه كان « حلّاجا بلا صليب » « 2 » .
وذكرت السيدة آنّه ماري شيمل أن شاعرا سنديا اسمه إمام بخش خادم ، نظم سنة 1918 م ديوانا من الشعر في قصة الحلّاج « 3 » . وأن الشاعر الأردي أكبر اللّه آبادي ( ت 1921 م ) ، لمّا استهجن تقليد المسلمين للأوروبيين ، لم يجد إلا الحلّاج ليضمّنه شعرا يقول فيه :قال منصور : أنا الحق ، وقال داروين : أنا قرد .
وقال صديق لي ضاحكا : إنّ المرء عند ظنّه « 4 » !
ويبدو أن ماسينيون لم يكن له يد في هذا الأمر .
على أن أقدم أثر أدبي شرقي حديث يتصل بالحلّاج - مما لم يلتفت إليه ماسينيون ولم يشر إليه - هو « ديوان حسين منصور حلّاج » ، الذي ظهر بالفارسية في بومباي في شعبان 1305 هـ نيسان ( ابريل 1888 م ) بإشارة ميرزا
..........................................................................................
( 1 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي لآنه - ماري شيمل ، مجلة : فكر وفن العدد الماضي ، ص 28 - 29 .
( 2 ) أيضا : ص 29 .
( 3 ) أيضا : ص 27 .
( 4 ) أيضا : ص 30 .

« 107 »
المسيح مصلوبا على مثال السيد المسيح
صورة ملحقة بديوان الحلّاج الفارسي المنسوب إليه ط . بومبي 1888 م . ونلاحظ في الأعلى عبارة فارسية هي بيت غير منسوب ترجمته بما يلي :ما كان القلم في أيدي الغدرة * فلا جرم أن يرتفع منصورك بالحلّاج فوق الصليب

« 108 »
سردار بيك مطبوعا في مطبعة ملك الكتاب فيها . وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الديوان أثر قديم من آثار الحلّاج الضائعة ، لكنه بالنظر الفاحص مجموعة من القصائد على لسان الحال آثر الناظم أن يضنّ باسمه عن الاقتران بنظمه . 
وصدر الديوان وفي أوله صورة رمزية للحلّاج تظهره على صورة المسيح مصلوبا على خشبة مسمّر اليدين والقدمين وتحته نار مشتعلة وإلى جانبه أدوات القتل التي جاء ذكرها في صلب المسيح ( ع ) وزيادة : رمح وحبل وسيف وفأس وعصا طويلة تنتهي بقطعة قماش تذكر بالخلّ الذي أشربت به الخرقة التي اقترنت بالسيد المسيح ( ع ) .
 وكتب فوق الصليب بيت شعر بالفارسية لجلال الدين الرومي ترجمته :
ما دام القلم في أيدي الغدرة * فلا جرم أن يصلب الحلّاج
والديوان المذكور مجموعة من القصائد الطويلة التي تصور مأساة الحلّاج وتنطق عن لسانه ، ويقع في 166 صفحة كل واحدة فيها نحو 20 سطرا يستغرق كل واحد منها بيتا من الشعر ، فكأنه يشتمل على نحو 3500 بيت من الشعر على لسان الحال !
ويبدأ الديوان ( ص 2 ) بما ترجمته :
يا من ظللت بعيدا عن حرم الكبرياء الخاص عد ناحية الوطن من خطة الخطا
وتعرّج القصيدة على العشق الإلهي وتنتهي بذكر النبي ( ص ) وعليّ بن أبي طالب ، وينتهي الديوان بقصيدة معشّرة تنتهي كل فقرة منها بالبيت :
كه جهان صورت أست ومعنى يار * ليس في الدار غيره ديار
ومعنى الشطر الفارسي الأول : « إن العالم صورة ومعناه العاشق » . 
ويشير هذا البيت إلى قول الحلّاج - في مقطعة يجدها القارئ في قافية الراء من هذا الديوان :
ما فيه غيرك من سرّ علمت به * فانظر بعينك : هل في الدار ديّار
وتقول آخر فقرة في الديوان ما ترجمته :

« 109 »
فيا أيتها النفس ، جملة الأشياء أنت * ظاهرة أنت وباطنه أنت 
الستار المضروب على الكائنات أنت * وعارية وراء الستار أنت
وخلف الأسداف المختلفة الألوان * الناظر والمنظور أنت
وفي مقام النّفي والإثبات * مع كل لاء محضة وإلّا تقومين أنت
في كل جسم أنا عين القتيل من العشق * لتستجلي جمالك أنت
أنت حشو كل طلعة جميلة * وفي كلم منظور تعودين ناظرة أنت
وصحبة كل ناظر ومنظور * أنت المجنون مرة وأخرى ليلى أنت
وعلى محجة الظهور وفي أعماق الخفاء * ظاهرة أنت وباطنة أنت
فما كنت موجودة ، قولي ثانية * بلسان الحسين وبلسانك أنت
إن العالم صورة معناها العاشق * وليس في الدار غيره ديار
( ديوان حسين منصور الحلّاج ، ص 166 ) .
ولعل أهم ما يستدلّ به على مكانة الحلّاج في الأدب التركي المعاصر ، على الخصوص ، أن أول عمل فني ديني ظهر هناك بعد 27 سنة من تحريم التصوف دار حول الحلّاج في مسرحية شعرية كتبها حسن زكي أقطاي عنوانها « منصور حلّاج » وذلك في سنة 1942 م « 1 » . 
وأهم ما يميز هذه المسرحية أن الناظم جعل الحلّاج « يفتخر بأجداده الإيرانيين ويدّعي أنه في الحقيقة من أهل (نسل!) زرادشت » «2». 
وهذه خطوة سنجد ما بعدها في ما يأتي من إشارات .
وأضافت السيدة آنّه ماري شيمل إلى هذا أن الشاعرين التركيين المعاصرين أمين أولكن وآصف حالت جلبي ، المنتسب إلى الطريقة المولوية ، قالا شعرا فيه ذكر للحلّاج « 3 » .
وذكرت أن هذا الأخير « أحد ممثلي الاتّجاه الرمزي ثم ما فوق الواقعية في الأدب التركي » « 4 » . وأوردت له من هذا اللون قصيدة له بعنوان « منصور » قال فيها :

..........................................................................................
( 1 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 .
( 2 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 .
( 3 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 .
( 4 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 .

« 110 »
جاءت الألوان من الشمس * ذهبت الألوان إلى الشمس
ماتت الألوان في الشمس( و ) أنا لا أحتاج إلى الألوان * ولا إلى عدم الألوان
جاءت الشموس من مكان * ذهبت الشموس إلى لامكان
ماتت الشموس بدون مكان( و ) أنا لا أحتاج إلى ضياء * ولا إلى الظلمات
جاءت الأشكال من مكان * ذهبت الأشكال إلى ( لا ) مكان
غابت الأشكال ولا ترى بعد( و ) ، اضرب الطبل الأكبر * كل الأصوات مستغرقة في صوت واحد( ويقول ) : منصور . . . منصو وو وو ر . . « 1 ». 
ومع أن اهتمام المفكرين ، وخصوصا الشعراء العرب ما زال ضعيفا بالحلّاج ، ينبغي أن نذكر للزهاوي ( جميل صدقي بن محمد بن فيضي بن المنلا أحمد بابان ، 1279 - 1354 هـ / 1863 - 1938 م ) سبقه إلى ذكر الحلّاج في شعره باعتباره مفكّرا ثائرا وإنسانا من أصحاب المبادئ والفتوة بحيث لا تمنعه مثاليته من مناقشة اللّه -سبحانه- في ما يراه حقّا. 
وواضح
..........................................................................................
( 1 ) الحلّاج شهيد العشق الإلهي ، مجلة فكر وفن ، ص 30 .

« 111 »
أن الحلّاج كان قدوة ونموذجا للزهاوي نفسه في هذا المجال باعتباره رجلا بدأ فقيها متدينا ثم صار متكلما عقلانيا وتطوّر إلى صوفيّ روحانيّ واستقر أخيرا على قاعدة فلسفية بحتة تعلن الثورة على رتابة القوانين الطبيعية وصرامة القضاء والقدر وضيق الحرية الإنسانية . 
وقد نفّس الزهاوي عن أفكاره هذه بطريقة غير مباشرة بترجمته لرباعيات الخيام نثرا وشعرا سنة 1928 م وبنظمه لرباعياته الخاصة بعد ذلك بقليل ، وكان الوقت وقت اهتمام عالمي بالخيام .
لكن الزهاوي وحده خرج عن حصار الخيام إلى رحاب التفكير الفلسفي الحرّ بحيث سبق أمين أولكن التركي وسائر العرب إلى الإلمام بالحلّاج وغيره من الثائرين العقليين الأحرار في تاريخ الإسلام بقصيدة قصصية طويلة تذكّر برسالة الغفران سمّاها « ثورة في الجحيم » وختم بها ديوانه الأخير « الأوشال » الذي طبعه سنة 1934 م .
وفي الأوشال قال الزهاوي في الحلّاج في فقرة عنوانها :
« منصور الحلّاج في الجحيم يخاطب اللّه ويعاتبه » :
ورأيت الحلّاج يرفع منه الطر * ف نحو السماء وهو حسير
قائلا : أنت اللّه وحدك قيّو * ما وأما الأكوان فهي تبور
أنت من حيث الذات لست كثيرا * غير أن التجليات ( فهي ) كثير
إنّك الواحد الذي أنا منه * في حياتي شرارة تستطير
وبه لي بعد الظهور خفاء * وله بي بعد الخفاء ظهور
لم شئت العذاب لي ولماذا * لم تجرني منه وأنت المجير ؟
كان في الدنيا القتل منهم نصيبي * ونصيبي اليوم العذاب العسير
قلت : إنّ المقدور لا بد منه * أو حتى إن أخطأ المقدور ؟ ! « 1 » .
وإذا فهمنا من هيكل المسرحية أنّها مجموعة مواقف يردّدها مجموعة من الأشخاص كانت « ثورة في الجحيم » للزهاوي أوّل مسرحية ثقافية فلسفية
..........................................................................................
( 1 ) انظر أيضا ديوان جميل صدقي الزهاوي ، جمع وتقديم عبد الرزاق الهلالي ، المجلد الأول ، دار العودة ، بيروت 1972 ، ص 734 .

« 112 »
في الأدب العربي الحديث . وواضح أنّ الزهاوي كان سابقا لزمنه في التفاتته هذه إلى الحلّاج ، إذ فتر الاهتمام بهذا الصوفي في الأدب العربي من بعد الزهاوي إلّا على صورة إلمامات سريعة غير مقصودة لذاتها كإشارة المرحوم محمد كرد علي في كتابه « الإسلام والحضارة العربية » الذي طبع أوّلا في مصر سنة 1936 م ، إلى أن الحلّاج كان على اتّفاق تآمري مع رئيس القرامطة في عصره جريا مع الأسطورة التي ورد ذكرها في « كتاب الشامل » لإمام الحرمين الجويني « 1 » ، وكإشارة المرحوم الدكتور زكي مبارك إليه في كتابه المشهور « التصوّف الإسلامي في الأدب والأخلاق » ، الذي طبع في مصر سنة 1938 م في فقرة - سواء أطالت أم قصرت - لا تعبّر إلا تعبيرا جزئيا عما كان ينبغي أن يتبسّط فيه هذا الأديب العالم الذي كان من مريدي الطرق الصوفية وشيوخها حقيقة أو ادّعاء .
والحق أن أوّل كتاب حديث أفرد الحلّاج بدراسة كاملة في اللغة العربية هو كتاب المرحوم طه عبد الباقي سرور الذي صدر في القاهرة سنة 1961 م بعنوان « الحلّاج شهيد التصوّف الإسلامي » في 264 صفحة من القطع المتوسط ، وهو عمل يجمع كل ما يتّصل بالحلّاج من غثّ وسمين بما في ذلك ما يروى عنه من كرامات غدت في هذا الكتاب حقائق ثابتة . 
وفي الحلّاج قال طه عبد الباقي سرور ( ص 260 ) : « . . . عاش ليقدّم الدليل على أن الروح - إذا ارتفعت إلى اللّه سبحانه - صغرت الأكوان في نظرها وهانت الأحداث في منطقها فغدت - بزهوها وترفّعها - أعظم قوة تهزّ عروش البغي وتوجّه أحداث التاريخ » .
وفي عالم الشعر نطق الشاعر علي أحمد سعيد ، المتلخّص بأدونيس « 2 » - بعد سكوت الزهاوي بربع قرن - معبّرا عن نزعة صوفية متأصّلة في نفسه موروثة من أهل بيته في صورة مرثيّة من الشعر الحرّ تصوّره بصورة فارس شاعر يكتب الأحداث بريشة خضراء متجددة لا يبليها الزمان ليبيّن للإنسان
..........................................................................................
( 1 ) الإسلام والحضارة العربية : 1 / 75 .
( 2 ) سوري الأصل والنشأة ، يقطن في لبنان .

« 113 »
العربي المعاصر أنّ ما هو فيه من تفسّخ وتحلّل وما يقدّم من ضحايا على مذبح الحرية إيذانا بانبلاج فجر جديد مشرقه بغداد ، أرض الدم الذي سفح قبل ألف عام ، فركز في التاريخ راية للبطولات لا تتمزق وعلما رمحه لا يزال أخضر حيّا له جذور راسخة في تربة الزمان وطين الحدثان ؟
وأدونيس كان المنطلق الحقيقي لاهتمام شعراء الموجة الجديدة من الشعراء العرب بالحلّاج بوصفه نموذج النضال التاريخي اللاطائفي واللاقومي المستمد من تاريخ العرب والإسلام وكأنّه كان اكتشافا مذهلا لما يمكن أن يستمد من التراث العربي ، المثقل بالطائفية والنزعات المحافظة ، إذا ما نظر إليه من زاوية عقائدية حديثة « 1 » .
من هنا وجدنا عددا من شعراء العروبة المعاصرين يلتقطون هذا الحبل ويتتبعونه من غير ملل مردّدين معاني متشابهة لا تتغير فيها إلا الألفاظ . 
من ذلك ست مقطّعات ضمّنها عبد الوهاب البياتي مجموعته الشعرية « سفر الفقر والثورة » التي نظمها سنة 1964 م وأصدرها في أيلول ( سبتمبر ) 1965 م تحت هذه العنوانات : « المريد - رحلة حول الكلمات ، فسيفساء ، المحاكمة - الصلب - رماد في الريح » ( ص 11 - 30 ) .
وعاصر هذا الحدث وشارك فيه تلميذنا عبد الستّار الراوي الذي نظم قصيدة من الشعر الحرّ في ربيع 1965 م وأكملها في سنة 1968 م متأثرا فيها بأدونيس « 2 » .
وفي سنة 1965 نفسها أصدر صلاح عبد الصبور مسرحيته الشعرية الرائدة « مأساة الحلّاج » وذلك في كانون الأول ( ديسمبر ) 1965 م التي ذكر أنه استمدّها من ثلاثة أعمال كتبها أو نشرها ماسينيون ، بالإضافة إلى كتب أخرى ، منها ما لم يطّلع الشاعر منها إلا على العنوان مثل كشف
..........................................................................................
( 1 ) انظر : أغاني مهيار الدمشقي ، دار مجلة شعر ، بيروت 1961 ، ص 235 - 236 .
( 2 ) انظر ملحق الجمهورية ( البغدادية ) الأدبي ، ربيع 1965 م ، وراجع أعداد الجمهورية لسنة 1968 .

« 114 »
المحجوب ، المصنف الفارسي الذي ألّفه الهجويري ( ت 465 هـ ) ورسمه صلاح عبد الصبور على صورة الهجويري ! ولا شك في قيمة هذه المسرحية الشعرية وإن كانت حقائقها معبوثا بها ، كتشويه أخلاق أبي عمر القاضي المالكي الذي قاد استجواب الحلّاج في المحاكمة وكإجلاس الشاعر قاضيا شافعيا أثناء المحاكمة مع علمه بأن الشافعية لم يشاركوا فيها أصلا. 
وقد أحسن أنيس منصور القول في تعليق له على هذه المسرحية في إشارته إلى دور صلاح عبد الصبور في هذه المسرحية تمثّل في « أن يكون قريبا من الحلّاج وروحه وأن يقوده وراءه في ضلالات المجتمع وأن يجعله مواطنا شريفا . . 
وأن ما قاله الحلّاج في غيبوبته جاء واعيا يتردد عبر القرون الوسطى والحديثة » « 1 » ، وهو تصوير يسلك الغاية من هذه المسرحية في سلك الريادة الأولى للزهاوي و « الزعامة » التي نهض بها أدونيس .
وفي سنة 1966 م أو في قيس لفته مراد ، الشاعر العراقي المعاصر ، على الغاية بإصداره مجموعة شعرية كاملة - وإن كانت صغيرة - بعنوان « أغاني الحلّاج » استوحى معانيها من الاضطهاد والعذاب والصلب والنار والطين وما إلى ذلك . 
وقد قال الشاعر « . . إنّما أحببت في الرجل أنّه صورة الإنسان المتفرّد عن طبيعة زمنه وعن طبيعة أهله ، وأحببت في الرجل أنه لحظة قصيرة ذكيّة ولدت في ثنايا قرن غبي بليد . . .
قد يكون أسطورة اختلط فيها الخيال أكثر مما صنعها الواقع ، ولكنها - برغم ذلك - أسطورة حقيقية . فالخيال طموح الكائن المحدود إلى الوجود الأعظم ، إلى المصدر البعيد وراء انفعالات الرغبة - وفي أيام كل فرد منا لحظات قصيرة هي لحظات الاكتشاف : اكتشاف الإنسان لعلاقته باللّه » « 2 » .
ومع أن المجال قد ساغ فيه أن نذكر نماذج من هذه الأشعار إلا أننا نصرّ على أن نؤجل ذلك إلى كتاب يتضمن هذه الإشارات الحديثة مع
..........................................................................................
( 1 ) جريدة الأخبار ( القاهرية ) عدد 19 / 11 / 1967 م .
( 2 ) أغاني الحلّاج ، ص 5 - 6 .

« 115 »
أخواتها القديمة ونأمل أن نصدره قريبا « 1 » . وسيرا مع قافلة الشعر الحديث ، نشير إلى محمد سيد محمد ، الشاعر المصري الذي أصدر في القاهرة سنة 1967 مجموعة شعرية فيها قصيدة حرّة بعنوان « أبراج النور » بدأها بعبارة أبي يزيد البسطامي المشهورة « ما في الجبة إلا اللّه » وعلى وزنها ( المتدارك مخبونا ) - وقد انساق مع من انساق إلى نسبتها إلى الحلّاج - فتسلسل منها قائلا ، في ختام هذا العرض التاريخي لمكانة الحلّاج في الشعر الحديث :« ما في الجبة إلّا اللّه » * قتلوا عميّ خلف المسجد
قالوا : ملحد ! * كفر الشيخ فوجب القتل
سلّوا السيف فسال الدّم * يكتب فوق الرمل الأسود
قول موحّد : * ربّي ربّي فوق الكلّ
من كلّ الأشياء يطلّ * « ما في الجبة إلا اللّه ؟ »
لم لا يفصح هذا الشيخ « 2 » !ودخل الحلّاج دنيا السياسة الصريحة على صورة زاوية ثابتة في جريدة التآخي ، لسان الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق ( سابقا ) ، بعنوان « حلّاجيات » . 
وكان الكاتب ، وهو السيد فلك الدين الكاكائي ، يكتب خواطره فيها تحت اسم « الحلّاج » ، ليعكس الأحداث من خلال الظروف التي أحاطت بالحلّاج وليجدّد ذكره ويجعله نموذجا للضحية البريئة التي ذهبت على مذبح الملابسات السيّئة التي عاصرته وأودت به باعتباره رمزا للمظلوم الحرّ ، فكأن هذا الكاتب الكردي يرمز بذاك إلى الشعب الكردي نفسه
..........................................................................................
( 1 ) وقد فعلنا ذلك في كتابنا:الحلّاج موضوعا للآداب والفنون والعربية والشرقية قديما وحديثا طبع بغداد 1977 م .
( 2 ) موعد مع النجوم ، لمحمد سيد محمد ، القاهرة 1967 م ، ص 42 - 43 .

« 116 »
وقضيته في رأيه . وقبل أن نقتطف من كلمات فلك الدين الكاكائي لا بد من الإشارة إلى أنه ينتمي إلى طائفة الكاكائية [ - الإخوانيّة الصوفية ] ، وهي نحلة دينية تصدر عن روح الفتوة الصوفية والأخوة الروحية ( إذ معنى كاكا بالكردية هو الأخ ) ويحتل الحلّاج في أفكارها وعقائدها مكانة بارزة جدا « 1 » ، وكأنّ الكاتب ، بثنائه على الحلّاج وإشادته به قد تديّن بفكرته وعبّر عن مطامحه السياسية في وقت واحد .
ومن أطرف ما جاء في هذه الزاوية من خواطر يومية اعتبار الكاتب للحلّاج ممثلا للروح الوطنية الكردية ومعادا ( أو مهديا بالمعنى الإسلامي ) لزرادشت ، نبيّ الفرس والأكراد جيل منهم . 
وهي فكرة تذكّر بمسرحية الشاعر التركي حسن زكي أقطاي ، وإن كان جذرها متّصلا بالعقيدة الكاكائية في ما يرجح . يضاف إلى هذا أن الفقرة التي نشير إليها قد تضمّنت الصلة التي عقدها إقبال بين الحلّاج ونيتشه على صورة سلبية . 
وقال : الحلّاج الكردي الحديث :فلك الدين الكاكائي في جريدة التآخي ( عدد يوم 26 - 9 - 1967 م ) . . .
« الناسك القديم والعابد الهائم في الجبال من صومعته من جديد . 
هبط إلى الوادي لينشر بين الناس تعاليمه الجديدة ، ها هو زره دشت [ بالإملاء الكردي ] بقامته الطويلة ووجهه الصبوح الوضّاء ، يتقدمه مشعل وهّاج من فحم البلّوط على موقد من الصخر ، وعكازته من البلوط أيضا ، قوية تنغرس في الأرض فتترك وراءها سلسلة من الحفر الصغيرة تدلّ على الدرب الذي سلكه زره دشت من صومعته إلى الوادي . . . حين وصل إلى قاعدة الجبل ، وقف يلوّح بأطراف ثوبه : احرقوا ما نقله نيتشه على لساني ( والإشارة إلى الكتاب المشهور ) : إنما أعيد القول بأن الإنسان الأعلى الكامل سيولد عن قريب ، ولن يولد - كما توهّم نيتشه - من قتل الضعيف بحجة القضاء على الضعف الإنساني ، إنما يولد من خلال القضاء على ضعفه الداخلي في أعماقه للتسامي بروحه إلى علياء النقاء والصفاء .
وحين فاه زره دشت بهذا مات نيتشه إلى الأبد ، وانبعث من الأعماق
..........................................................................................
( 1 ) راجع كتاب الكاكائية في التاريخ للمرحوم عباس العزاوي ، طبع بغداد .

« 117 »
السحيقة للوادي صوفيّ بهيّ الطلعة ، يلبس خرقة مدمّاة قرمزية ويدمدم : أنا الحق ، هو هو الحلّاج ، بعث من جديد نقيّ الروح طاهرها . وتقدّم يحتضن التعاليم الجديدة لزره دشت بحرارة . وردّدت جنبات الوادي الهتاف المدوّي .
« فكّر خيرا ، قل خيرا ، اعمل خيرا [ عبارة زره دشت المشهورة ] وذلك هو الطريق الوضّاء نحو الحق » : الحلّاج .
وهذه عبارات غنية عن التعليق والشرح والتحليل .
وأحدث أثر أدبي تناول الحلّاج كتاب لميشال فريد غريّب بعنوان « الحلّاج ، أو وضوء الدم » على صورة « قصة صوفية تاريخية » ظهرت في بيروت سنة 1968 م ، وإن كان تاريخ الطبع غير وارد في الكتاب نفسه ! أما العنوان فقد أشار الكاتب فيه إلى عبارة ذكر أن الحلّاج قالها لمّا صلّى الصلاة الإسلامية التقليدية ، قبل الشروع في إعدامه : ركعتان في العشق لا يصحّ وضوؤهما إلا بالدم . 
وأما الكتاب نفسه فمحاولة جديدة في كتابة القصة التاريخية لا نجد لها مثيلا بين القصص العربية . 
ذلك أنها مزيج من التاريخ والقصة والبحث مع غلبة طابع التاريخ والاستعانة بأقل ما يمكن من الهوامش التي تشير إلى المراجع .
والقصة على العموم ، بارعة وتعدّ خطوة إلى الأمام في معالجة سيرة الحلّاج على أسس فنية ، وهي تصلح أن تكون قصة سينمائية ناجحة كما كانت مأساة الحلّاج لصلاح عبد الصبور مسرحية ناجحة .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: الحلّاج والحركات الصوفية الثورية شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:54 pm

الحلّاج والحركات الصوفية الثورية شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

قبر الحلّاج الرمزي في بغداد :
من الطبيعي أن يكون لرجل كالحلّاج في شهرته ومكانته موضع يقصده المعجبون أو المتخصّصون أو الفضوليّون لشتى الأسباب وإن علم الجميع بأنه لم يدفن قطّ وإنّما تنفّسه الهواء وشربه لمّا ذرّي رماده في سماء بغداد وألقيت بقاياه في أمواج دجلة . 
ولم يكن هذا بدعا ، فقد حاول الزيدية أن يرفعوا مزارا لإمامهم الشهيد والإباضية مثوى لعبد الرحمن بن ملجم مع كونهما قد صنع بهما قبل الحلّاج ما صنع به . 
بل إن الذهبي ينقل عن أحد رواته أن قبر علي بن أبي

« 118 »
طالب الحالي في النجف ليس إلا قبر خصمه المغيرة بن شعبة « 1 » . 
ولسنا نجهل الخلاف الواقع حول موضع رأس الحسين الشهيد .
وقد قتل الحلّاج على شاطئ دجلة الغربي في موضع يعرف الآن بمحلّة المنصورية نسبة إليه ( - ابن منصور ) لا يبعد عن مستشفى الكرامة إلا نحو خمسين مترا ويعدّه المعاصرون من أبناء الموضع متمّما لمقبرة معروف الكرخي، أكبر مقابر بغداد منذ نحو ألف عام.
وإذ كان للحلّاج معجبون وأولياء وتلاميذ جسدانيون وروحانيون ، فلا بدّ أنهم كانوا يقصدون إلى الموضع الذي قتل فيه إثارة للذكريات وتعزية للنفس واقترابا من الروح ! 
وهكذا ، لما تسلّلت الأسطورة إلى الواقع الملموس وامتزجت العاطفة بالعزاء جعل أولئك يقصدون كل رابع وعشرين من ذي القعدة لينقّلوا النظر بين التراب والماء في الموضع الذي عانى فيه رجل مظلوم من عبث جلّاد أجير قبض ثمنا بخسا على المثلة بإنسان بالسوط والسيف والخشب والنار . 
وكان هذا الموضع تلّا «كان قديما بيت عبادة، وعنده صلب الحسين بن منصور الحلّاج » «2».
وقد صرّح أبو العلاء المعري ( ت 449 هـ / 1057 م ) ، من العقلاء القليلين الذين خاصموا الحلّاج ، عن واقع مادّي لما قال : « وبلغني أن ببغداد قوما ينتظرون خروجه ( من الماء ! ) وأنّهم يقفون بحيث صلب على دجلة يتوقّعون ظهوره » « 3 » ، وهؤلاء هم الحلّاجية الذين لقيهم الهجويري ( أبو الحسن علي بن عثمان الجلّابي الغزنوي ، ت 466 هـ / 1077 م ) في بغداد وذكر أنهم يتولّون الحلّاج كما يتولّى الشيعة علي بن أبي طالب « 4 » .
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ الإسلام للذهبي ( شمس الدين محمد بن أحمد التركماني ، ت 748 هـ / 1347 م ) 2 / 206 ، وهذا موضوع طال فيه الجدل وليس على ما ينفي كونه قبره دليل مادي وقد قال : أبو الفرج الأصفهاني إنه : « دفن في الرحبة مما يلي أبواب كندة » ( مقاتل الطالبين ، النجف 1353 هـ ، ص 29 ) وانظر تاريخ بغداد : 1 / 137 - 138 .
( 2 ) المنتظم لابن الجوزي : 8 / 201 .
( 3 ) رسالة الغفران ، الطبعة الرابعة ، ص 454 .
( 4 ) كشف المحجوب ، ليننغراد 1926 ، ص 190 .

« 119 »
وإذا صدقت رواية محمد بن علي السنوسي ( 1202 - 1276 هـ / 1787 - 1859 م ) فإنهم كانوا بزعامة نسل الحلّاج نفسه الذين تسلسلوا من ابنه عبد الصمد ثم ابن هذا أحمد فابن هذا محمد فابن هذا الحسين فابن هذا عبد الرحيم فابن هذا محمد فابن هذا زكي الدين عبد اللّه ، وهكذا « 1 » .
في مثل هذه الظروف تمسّ الضرورة إلى رفع القواعد ذرّات من رماد احتفظ بها ولي أو فحمة من عظمة تبرّك بها مريد أو خرقة من ثوب تمزّق تحت وقع السوط ، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من هذا . ومما زاد المكان شهرة احتفال ابن المسلمة ( أبي القاسم علي بن الحسن بن أحمد ، 397 - 540 هـ / 1007 - 1059 م ) وزير القائم بأمر اللّه العبّاسي بنيله الوزارة في 8 جمادى الأولى سنة 437 هـ « 2 » في موضع قتل الحلّاج بالذات ، بوصفه حلّاجيا وصل إلى هذا المنصب ببركات شيخه ، « فأتى إلى تلّ فنزل في موكبه وصلّى عليه ركعتين وقال : هذا موضع مبارك » « 3 » .
ولم تهتّم كتب التاريخ ، التي تصبّ الاهتمام على الأحداث التقليدية ، بهذا الموضع لانقطاعه عن المناسبات الرسمية الفخمة ، ويبدو أنّه ارتفع فيه بناء متواضع يجمع الحلّاجيين في مناسباتهم . وإذ كان ابن المسلمة الوزير نفسه من هذا المشرب فليس غريبا أن يكون هو باني هذا المركز الروحاني خلال السنين الاثنتي عشرة التي باشر فيها الوزارة حتى قتله زميله السابق وخصمه البساسيري في انقلابه الفاشل الموالي للفاطميين سنة ( 450 هـ / 1058 م ) ، وهو أمر التفت إليه ماسينيون وإن أحاطه بكثير من التهويل والتعقيد «4». 
ثم تسكت كتب التاريخ والرحلات عنه حتى أخبرنا ابن جبير الرحّالة ( محمد بن أحمد الكناني الأندلسي ، ت 599 هـ / 1203 م ) أنه زار قبر
..........................................................................................
( 1 ) السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين ، بيروت 1968 م ، ص 37 .
( 2 ) المنتظم : 8 / 127 .
( 3 ) أيضا : 8 / 201 نقلا عن الجزء الثاني ( الضائع ) من تكملة تاريخ الطبري لمحمد بن عبد الملك الهمداني ، ت 521 هـ / 1127 م .
( 4 ) انظر : حياة الحلّاج بعد موته ، له وترجمة أكرم فاضل ، مجلة المورد العراقية ، المجلد الأول العددان 3 ، 4 ، 1972 ، ص 59 أ .

« 120 »
صورة الجانب الغربي من بغداد كما رسمها نصوح سلاحي المطراقي ونشرتها منظمة اليونيسكو ضمن كتاب صغير بعنوان « منمنمات تركية » - بالإنكليزية - تبين موضع قبر الحلّاج بالقرب من تربة معروف الكرخي والست زمرد خاتون التي يعرفها الناس باسم الست زبيدة وينبغي أن يلاحظ أن الصورة مقلوبة ويحدد الاتجاه موضع مشهد الكاظمين البادي في الزاوية اليمنى من الصورة .
الحلّاج في رحلته إلى بغداد سنة 581 هـ / 1185 م ، لكنه أخطأ في تحديد الموضع حين ذكر أنه كان في باب الطاق القديمة قرب قبر الإمام أبي حنيفة الإمام أحمد بن حنبل وأبي بكر الشبلي « 1 » ، 
فالحق أنها في مقبرة الخيزران في الجانب الشرقي من بغداد - وهو الرصافة - في ضاحية تعرف اليوم بالأعظمية ( نسبة إلى الإمام الأعظم صفة أبي حنيفة ) ، والحال أن المكان المعنيّ ، الذي يقع فيه قبر الحلّاج الرمزي ، يقوم في الجانب الغربي - وهو الكرخ - في موضع يبعد عن الأعظمية أكثر من عشرة كيلومترات . 
لكن الخطأ لا يعني ، بالضرورة كذب ابن جبير ولعله لا يعدو أكثر من سهوة طفيفة منه في تحديد المكان .
وقد أصلح هذا الخطأ مؤرّخ عراقي موصلّي ثقة هو ابن الطقطقي ( أبو جعفر محمد بن علي بن طباطبا العلوي ، 660 - 709 هـ / 1262 - 1309 م )
..........................................................................................
( 1 ) رحلة ابن جبير ، تحقيق د . حسين نصار ، مصر 1955 م ، ص 213 .

« 121 »
« صاحب كتاب الفخري في الآداب السلطانية » إذ قال / « وقبره ببغداد بالجانب الغربي قريب من مشهد معروف الكرخي ، رضي اللّه عنه » « 1 » .
بعد التحقّق من الموضع نترك الحبل لماسينيون ليعلّمنا أن جماعة من مشاهير رجال الإسلام زاروا تربة الحلّاج على مرّ العصور من بعد ابن جبير ابتداء من سنة 611 هـ / 1215 م إلى 1139 هـ / 1727 م ثم إلى زيارة ماسينيون الأخيرة له في جمادى الأولى سنة 1364 هـ / نيسان 1945 م « 2 » .
والغريب أن الرحالة المتأخرين ، وأكثرهم من الأوروبيين ، الذين زاروا العراق وكتبوا عنه لم يهتموا بزيارة هذه التربة ولم يتطرقوا إليها . بل إن المؤسف أن نسجّل هنا على المرحوم الدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة إغفالهما ذكرها في كتابهما المتخصّص « دليل خارطة بغداد قديما وحديثا » الذي طبع في مطبعة المجمع العلمي العراقي سنة 1378 هـ / 1958 م ، هذا مع اهتمامهما التفصيلي بدقائق المواقع التاريخية ، وكل ما استفدناه من كتابهما تعداد « محلة منصور الحلّاج » ضمن محلّات الجانب الغربي منها وهي واحدة من 49 محلة « 3 » .
وفي ما عدا هذا ، فللعلامة المرحوم ماسينيون علينا أن ننوّه له بالعثور على أول صورة لقبر الحلّاج الرمزي كما كان سنة 942 هـ / 1535 - 6 م .
وورد في كتاب « بيان منازل » لنصوح سلاحي مطراقي ( مخطوط مكتبة يلدز رقم 2295 ؛ ورقة 4 أ ) ويسرّنا أن نثبت صورتها قريبة من هذا الكلام .
ومع أنّ إشارة لا ترد حول أصل هذا البناء يبدو لنا راجحا جدا أن السلطان سليمان الذي فتح بغداد سنة 941 هـ كان هو الآمر ببناء أو تجديد بناء قبر الحلّاج الرمزي على الصورة التي أوردها نصوح سلاحي مطراقي الذي كان ضمن الحملة العثمانية على العراق وهو « الذي حكى هذا
..........................................................................................
( 1 ) الفخري ، بيروت 1960 م ، ص 261 - 2 .
( 2 ) حياة الحلّاج بعد موته ، ص 59 أ .
( 3 ) دليل خارطة بغداد ، ص 269 .

« 122 »
قبر الحلاج الرمزي في بغداد كما كان سنة 942 ه‍ / 1535 - 69 وكما صوره نصوح سلاحي المطراقي في كتابه المخطوط ، " بيان منازل " الذي سجل حملة السلطان سليمان القانوني على العراق . والراجح عندنا أن السلطان المذكور هو الذي أمر برفع هذا البناء ( عن ديوان الحلاج لماسينيون ) وقد مرت صورة تخطيطية لهذا القبر من عملنا .
صورة أخرى لقبر الحلاج من رسم نصوح صلاحي المطراقي المذكور ضمنها صورة لمدينة بغداد بضفتيها .


« 124 »
الفتح » « 1 » . في كتبه أسفار بحرية عثمانية « 2 » . ومرآة الممالك « 3 » . 
وبيان زيارات الذي تضمن صورة القبر بعد الفتح بسنة واحدة فقط . ومما يزيد الأمر ترجيحا أن السلطان المذكور عمّر قبة الإمام أبي حنيفة وجدّد بناءها سنة الفتح وكذا رفع قبة الشيخ عبد القادر الجلي وبنى له دار ضيافة للفقراء ، وأكمل بناء الحضرة الكاظمية التي بدأ العمل فيها بأمر الشاه إسماعيل الصفوي سنة 926 هـ / 1520 م « 4 » . 
ومع أن المؤرخين أهملوا ذكر قبر الحلّاج إلّا أنه لا مفر من تقرير أن عمارته التي تمّت في هذه الفترة بالذات قد كانت بأمر السلطان المذكور .
..........................................................................................
( 1 ) تاريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ، الجزء الرابع ، بغداد 1949 م ، ص 29 .
وبالنسبة لمرافقة نصوح للحملة ورسمه لصورة قبر الحلّاج ، انظر : حياة الحلّاج بعد موته لماسينيون ، ترجمة أكرم فاضل ، مجلد المورد ، العددان 3 ، 4 ، بغداد 1972 م ، ص 65 أ .
( 2 ) تاريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ، الجزء الرابع ، بغداد 1949 م ، ص 29 .
وبالنسبة لمرافقة نصوح للحملة ورسمه لصورة قبر الحلّاج ، انظر : حياة الحلّاج بعد موته لماسينيون ، ترجمة أكرم فاضل ، مجلد المورد ، العددان 3 ، 4 ، بغداد 1972 م ، ص 65 أ .
( 3 ) تاريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ، الجزء الرابع ، بغداد 1949 م ، ص 29 .
وبالنسبة لمرافقة نصوح للحملة ورسمه لصورة قبر الحلّاج ، انظر : حياة الحلّاج بعد موته لماسينيون ، ترجمة أكرم فاضل ، مجلد المورد ، العددان 3 ، 4 ، بغداد 1972 م ، ص 65 أ .
( 4 ) انظر تاريخ العراق بين احتلالين : 4 / 30 - 35 .

« 125 »
ويبدو على هذا البناء لأوّل وهلة أنه كان يقوم على نشر من الأرض ، كما هي الحال الآن ، ويرقى إليه الزائر درجتين ودكّة متوسطة الارتفاع ، وبيّن أن البناء كان صغيرا متواضعا مع جمال ورشاقة وعناية ولعلّه في عرضه ، البادي في الصورة ، كان مساويا للبناء الحالي ( نحو 500 ، 4 من الأمتار ) إن لم يقلّ عن ذلك وربما كان ( نحو 50 ، 3 من الأمتار ) ، وأغلب الظن أنه كان مربّعا وربّما دائريا لتدور الحيطان السفلى مع دوران القبة وقاعدتها الظاهرة في الصورة . 
أما القبة فلعلّ ارتفاعها ، ابتداء من حزامها الأسفل ، كان نحو مترين يعلوها ميل يرتفع نحو متر على الشكل الظاهر .
ويلاحظ على القبة أنها كانت مزيّنة بست زهرات مفتوحة تذكّرنا بالأسطورة المعروفة ، كل منها ذات سبع ورقات لها مركز وتبدو خمس من الزهرات في الصورة واحدة مركزية تحيط بها أربع نصفها باد ونصفها الآخر في الوجه الخلفي مع زيادة زهرة مركزية أخرى ، ولا يحتمل الشكل أكثر من

« 126 »
هذا العدد . وتتراجع القبة عن الحيطان السفلى نحو متر تقديرا أو يزيد قليلا ، ولا ندري إن كان ذلك ممكنا من الناحية الهندسية ، وهذه المسافة واضح إنها مغطاة بالقرميد الأحمر ، المعروف في بلاد الشام والمغرب وتركية ، ولحماية البناء من المطر ، وهي ظاهرة لا نجدها في المباني المقدسة في العراق ونرى أنها دليل واضح جدا عن تركيّة البناء وحداثته في ذلك الوقت .
وتبدو في الصورة ثلاثة شبابيك ، لعل وضعها المتقارب مبعد للاحتمال السابق من كون البناء دائريا ، ويبدو الأوسط منها دائريا مزينا بحلية دائرية من القضبان أو الثقوب عددها سبعة يكتنفه شبّاكان مستطيلان مع تقويس الضلع الأعلى منهما ، تزيّنهما حليّة مماثلة في العدد والمادة ، أما الباب فواضح أنه ليس عاليا بما فيه الكفاية وربما كان عرضه كعرض الباب الحالي ( نحو 120 سم ) .
قال لي السيد نوري ( بن عبد اللّه القصير ، مختار المنصورية ) : إن القبر كان محاطا بقبور أخرى كثيرة ، يعني أن الفسحة التي أشرت إليها - كانت مرقدا لآلاف من البشر إلّا أن قبورهم درست وشمخ قبر الحلّاج وحده ، ولولا رعاية الناس والصالحين والسيد نوري لدرس هو الآخر . 
وقد أشار السيد نوري إلى وجود قبر في المنطقة ذاتها للشيخ صالح بن الشيخ عبد القادر الكيلاني ويقع هذا القبر في دربونة ( - زقاق ، زنقة ) الورّة . 
وثمة قبر آخر لوليّ آخر يقع قريبا منه ، وشاءت الصدفة أن يكون في وسط كراج للسيارات للغسل والتشحيم ( ! ) ، وهو ظاهر للعيان .
. . . يزور جمع من العامة قبر الحلّاج ، وأكثرهم من الهنود والباكستانيين ويضعون على القبر نقودا وشموعا .صفة البناء :
ينقسم البناء إلى قسمين :
1 - المدخل : عبارة عن غرفة مربعة الشكل تقريبا مبنية بالجص والطابوق ( الجير والطوب ) ذات سقف منحن ، وهي مهملة فيها أكداس من الرمل والطابوق والحصى . . .
2 - الضريح : يدخل إليه بواسطة باب على شكل مقوّس . ويوجد الضريح بشكل مستطيل ويقع بانحراف إلى الجهة اليسرى من المدخل ، وليس عليه أي شاهد سوى برقعة خضراء ( قماش من الساتان الرخيص ) ، وقد جدّد بناء هذه الغرفة بالطابوق بشكل بسيط وغير مجصّص ، وهي حديثة البناء أيضا

« 134 »
خالية من كل زخرفة أو تزويق أو حتى تبييض بالجصّ . هذا في سنة 1970 م .
وأما في سنة 1973 م فقد ساءت الأمور مع الحلّاج ، إذ خلت المسافة بين المدخل والضريح من الباب الذي أشار إليه السيد الآلوسي ، وزحف البلى إلى المكان وسقطت من زاوية البناء اليسرى ، من الخارج ، قطعة من أضلاعها طولها نحو 60 سم ، ولم يبق من القماش الأخضر إلا خرقة صغيرة ، وتجرّد الضريح وبدا هيكله عاريا معروقا وزحفت الرطوبة إلى البناء وما زال الحصى والطابوق في مكانه الأول مع ثالثة الأثافي الباب المخلوع ! وفوق هذا حوصر البناء من كل ناحية ، بالمعنى الحرفي ، بمشروع وصل بناؤه إلى السقوف لإسكان الأرامل بحيث عادت بغداد مع تخطيطه صورة من بغداد القديمة بأزقتها الضيقة وهوائها الحبيس . 
والشوارع ، أو الأزقة على الصحيح ، في المشروع الجديد الذي أخذ بأنفاس الحلّاج لا يزيد عرضها على المترين تقريبا مع التصاق فعلي من أحد البيوت بالزاوية اليمنى الخليفة من البناء موضوع البحث . ويزيد الأمر سوءا أن البيوت الصغيرة التي يعنى بها هذا المشروع ستكون في المستقبل ، القريب ، مكانا مهملا لا يصلح إلا

« 135 »
لقضاء حاجة أو أدنى من ذلك ، والحلّاج أرفع وأجلّ من هذا كله . ورجل مثل الحلّاج في مكانته وإعجاب عظماء المسلمين وغيرهم به يستحق منّا شيئا أفضل بكثير . 
ثم إن الحلّاج أمانة مودعة عندنا فهو للإنسانية وللتاريخ ، وإهمالنا له إهمال لقيمة إنسانية ، وتخلف حضاري ينبغي أن نترفع عنه حفاظا على السمعة إن لم يكن ذلك بمحض اختيارنا .
ولئلا تخلو هذه الفقرة من فائدة جغرافية ، نذكر أنه فوق ذكر نصّوح السلاحي المطراقي لقبر الحلّاج وتضمينه خريطته التي رسمها مصوّرة لبغداد سنة 944 هـ / 1537 م ، حدّد نفر من الرحّالين موضع قبر الحلّاج في خرائطهم التي رسموها بأنفسهم ، فمن هؤلاء فيليكس جونس والمستر كولينكوود في سنة 1853 - 4 م « 1 » / 1269 - 70 هـ والسيد رشيد الخوجة في سنة 1324 هـ / 1908 م أثناء تولّيه رئاسة ركن في الجيش العثماني « 2 » سار وهرزفيلد في أوائل القرن العشرين « 3 » . ومما يذكر أن الشيخ ياسين خير اللّه العمري ( 1157 - 1327 هـ / 1744 - 1822 م ) ذكر قبر الحلّاج في الفصل الذي عقده « للمراقد المشرفة في بغداد » وقال : « مرقد منصور الحلّاج بالجانب الغربي من بغداد » « 4 » .
ومن هذا كله ، وبنتيجة استعراض موقع القبر المذكور في الخرائط والرسوم التي عرضت لبغداد يبدو أن مكانه هو هذا الذي عرّفنا به من مدينة بغداد . ومع هذا التواتر الملحّ ، أغفل الدكتور أحمد سوسة تحديد موقعه على الخرائط التي رسمها لبغداد في الدور البويهي « 5 » والدور السلجوقي وأواخر العهد العباسي « 6 » والعهد الحاضر « 7 » حتى في خارطة محلّات مدينة
..........................................................................................
( 1 ) انظر « أطلس بغداد » للدكتور أحمد سوسة ، بغداد ، مطبعة مديرية المساحة العامة 1371 هـ / 1952 م ، ص 15 .
( 2 ) أيضا : ص 16 .
( 3 ) أيضا : ص 17 .
( 4 ) غاية المرام في تاريخ محاسن بغداد ، دار السلام ، بغداد 1388 هـ / 1968 م ، ص 35 .
( 5 ) أطلس بغداد للدكتور أحمد سوسة ، ص 8 ، 9 .
( 6 ) أيضا : ص 10 .
( 7 ) أيضا : ص 20 - 27 .

« 136 »
بغداد « 1 » . ولمّا أثبت المراقد القديمة في بغداد وضع صورة مقبرة معروف الكرخي وغيره وأهمل قبر الحلّاج « 2 » .
ومن الغريب أن هذه الظاهرة تكرّرت في كتاب « دليل خارطة بغداد قديما وحديثا » الذي شارك الدكتور أحمد سوسة في وضعه ، المرحوم العلامة الدكتور مصطفى جواد ، ومن هنا لم يرد لقبر الحلّاج ذكر ولم يثبت موضعه حتى في الخارطة التي نقلاها عن ماسينيون الذي وضعها بدوره سنة 1908 م « 3 » ، مع أنهما ذكرا « محلة منصور الحلّاج » ضمن محلّات الجانب الغربي من بغداد « 4 » . 
وما يثير العجب حقّا أن هذه النكتة تكررت من جديد في « خارطة بغداد قديما وحديثا » « 5 » التي انضم إلى الدكتور أحمد سوسة والدكتور مصطفى جواد في وضعها الأستاذ أحمد حامد الصرّاف وهو من رجالنا المطّلعين على التصوّف والصوفية في بلادنا وغيرها ، ومن هنا خلت هذه الخارطة من تحديد موضع قبر الحلّاج مع اهتمامها بمقابر الشيخ جنيد والشيخ معروف وزمرّد خاتون المجاورة لقبر الحلّاج بل ومع تحديد موضع مستشفى العزل ( مستشفى الكرامة حاليا ) الذي لا يبعد عن قبر الحلّاج بأكثر من مائة متر . ولا شك أنّ السادة المذكورين مدينون لنا بإيضاح في هذا الشأن وخصوصا الدكتور أحمد سوسة الذي يبدو أنّه المحرك لهذه الظاهرة وبادؤها .
واستيعابا للمادة الجغرافية في شأن الحلّاج نذكر إشارة محقّق « غاية المرام » الذي آثر أن يكتم اسمه ، إلى أنّه « للحلّاج نصب آخر في الموصل تنسب إليه مدرسة كان يدرّس فيها شيخنا العلّامة عثمان الديوه جي » « 6 » .
..........................................................................................
( 1 ) أيضا : ص 20 .
( 2 ) أيضا : مقابل ص 28 - 29 .
( 3 ) خارطة مدينة بغداد قديما وحديثا ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، 1378 هـ / 1958 م ، مقابل ص 216 .
( 4 ) أيضا : ص 269 ، ومما يذكر هنا أن فهرس الأعلام في هذا الكتاب خلا من اسم الحلّاج حتى بصورته هذه المشوشة .
( 5 ) من منشورات المجمع العلمي العراقي ومن طبع مطبعة المساحة ، بدون تاريخ .
( 6 ) غاية المرام ، المذكور ، ص 35 . وقد سألنا الأخ السيد يوسف ذنون ، وهو من الباحثين

« 137 »
فلعلّه كان مرّ به أو أقام فيه فترة ، وهذا - في كل الأحوال - مظهر من مظاهر الاهتمام بهذا الصوفي القتيل .
الشبان المعنيين بخطط الموصل فكتب إلينا هذه الملاحظات حول مقام أو نصب الحلّاج في الموصل وإن كنا لا نوافق موافقة مطلقة على كل ما جاء فيه من استنتاجات . أجاب الأخ يوسف ذنون :


مسجد منصور الحلّاج :
ذكر عنه العمري في منهله : « إنه مسجد صغير قديم في محلة الحديثيين » المسجد منسوب إلى رجل حلاج كان يعمل به اسمه منصور فسمي مسجد منصور الحلّاج ولا علاقة له بالحلّاج الصوفي المشهور ، هذا ما أعلمنا به المرحوم والدنا أحمد الديوهجي نقلا عن المعمرين من أهل الموصل .
وآخر من عمر المسجد المذكور هو المرحوم عمنا عثمان أفندي الديوهجي فإنه هدم كافة مرافق المسجد وجدد عمارته سنة 1327 م ، وتطوع ببناء المصلى الحاج محمد رشيد بن حسن أفندي البزاز الشاعر الموصلي . 
كما أن عمنا بنى له مدرسة في نفس المسجد ، وكان يدرّس فيها ، ودرس عليه جماعة كثيرون . 
وبقي على هذا إلى سنة 1922 م حيث عين قاضيا لمدينة بغداد ، وبعد أن أحيل إلى التقاعد سنة 1932 م وعاد إلى الموصل استأنف التدريس به حتى أدركه أجله وفي سنة 1955 م اقتطعت مديرية أوقاف الموصل المدرسة مع حوش الوضوء واتخذتها دارا .
مجموع الكتابات المحررة في أبنية مدينة الموصل جمعها نقولا سيوفي وعني بتحقيقها ونشرها سعيد الديوهجي مطبعة شفيق - بغداد 1376 ، 1956
وقد زرت هذا المسجد الذي يقع في محلة باب المسجد فلم أجد فيه ما يدل على قدمه وليس فيه من الآثار الظاهرة للعيان ما يعود إلى الفترة العباسية وقد ذكره محمد أمين العمري 1151 - 1203 ، في كتابه منهل الأولياء : 2 / 216 ويقول : « فلعله نزله الحلّاج أياما ، وأقام فيه مدة فنسب إليه » ، ولا يقدم سندا في ذلك وانما هو مجرد تخمين .
وقد ذكره أيضا أحمد بن الخياط الموصلي ( 1195 - 1285 هـ ) في كتابه ترجمة الأولياء ولعله نقل معلوماته من منهل الأولياء إذ تكرر فيه نفس المعلومات تقريبا بعد أن أثبت الخبر المخمن السابق . وقد جدده الحاج رجب بن فتحي سنة 1184 هـ .
وعمّره أخرى الحاج محمد رشيد نجل حسن أفندي البزاز سنة 1327 هـ .
والمدرسة شيدها عثمان الديوهجي سنة 1327 هـ .
يوسف ذنون  الموصل في 10 / 7 / 1973 .
* * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء فبراير 07, 2024 10:58 pm عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية الألف شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:54 pm

القوافي في ديوان الحلّاج قافية الألف شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

[ القوافي في ديوان الحلّاج ]
قافية الألف المقصورة والهمزة 
[ 1 ] من مجزوء الخفيف : 
1- نظري بدء علّتي * ويح قلبي وما جنى 1 
2- يا معين الضنى علي * ي ، أعنّي على الضنى 2 
اللغة : 
الضنى : الداء المخامر كلما ظنّ المريض أنه برأ منه نكس ، وأضناه المرض يضنيه أثقله ، فهو رجل ضني وضن . يقال تركته ضني وضنينا ( مقاييس اللغة لابن فارس ، أبي الحسين أحمد ، ت 395 هـ / 1005 م ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، مصر 1366 هـ / 1947 م ، 3 : 373 ، مختار 
..........................................................................................
[ 1 ]
ديوان الحلّاج ، جمع وتحقيق لوي ماسينيون ، ط 3 ، باريس 1955 م ، ص 127 عن :
تقييد . . . ( مختصر العنوان : « تقييد بعض الحكم والأشعار » وهو اسم جامع أطلقه ماسينيون على فصول الديوان الستة برمتها يفرع بعده كل فصل منها على حدته بين قوسين أو بعد فاصلة وهي عملية ليس لها مبرر وقد جاريناه فيها حفظا لأمر مشترك بين جمعنا وجمعه . وقد أخذ ماسينيون هذا العنوان من الأصل الأساس الذي وجده في المتحف البريطاني برقم 9692 .Addوعنوانه الكامل هكذا : « تقييد بعض الحكم والأشعار » : مختصر من كلام السيد أبي عمارة الحسين بن منصور الحلّاج ، « ترجمة حسين بن منصور الحلّاج وشيء من كلامه . . . » ، نسخة أحمد تيمور باشا ، مخطوط رقم 129 بلا تاريخ بدار الكتب المصرية ( مخطوط تيمور ) ، ص 19 ، الهمداني ( محمد بن عبد الملك ، ت 521 هـ / 1127 م : تكملة تاريخ الطبري ) نشر دي كوجيه ، ص 98 ( ص 27 من طبعة بيروت 1961 م ، بتحقيق ألبرت يوسف كنعان ) .

« 166 »
الصحاح للرازي ، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر ، ت 666 هـ / 1367 م ، بيروت 1967 م ، ص 385 ) .التحقيق :
أ - عدّ ماسينيون هذه القطعة من الآثار القديمة التي تعبّر عن لسان حال الحلّاج .
ب - في مقدمة هذين البيتين ذكر الهمداني أنّه « حكي أنه قال : إلهي ، إنك تتودّد إلى من يؤذيك ، فكيف لا تتودّد إلى من يوذى فيك ؟ ! » وأنشد :
ج - في هذا المعنى قال الشريف البياضي :
ألفت الضنى لمّا تطاول مكثه * فلو زال عن جسمي بكته الجوارح
ولذّ سهاد الليل عندي ، وإنه * لمرّ وطاب الدّمع لي وهو مالح
( تشنيف السمع بانسكاب الدمع ) للصفدي .
( صلاح الدين بن أيبك ت 764 هـ / 1363 م ، مصر ، 1321 هـ ، ص 75 )
وفيه قال : « لا يقال مالح إلا في لغة رديئة، والفصيح ما نطق به القرآن العظيم في قوله تعالى :(وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ)(الفرقان 25 :53).
د - ربما خطر بالبال أن « الضنى » هنا تقبل القراءة على « الفنا » لتقارب الرسمين ومناسبة المعنيين ، وبخاصة أن البغدادي روى عن الحلّاج خبرا أسطوريا ختمه بقول الحلّاج : « يا معين الفنا عليّ أعنّي على الفنا » ( تاريخ بغداد 8 : 130 )
وكذلك فعل الدكتور زكي مبارك بروايته أن الحلّاج قال : 
« يا معين الفناء عليّ ، أعنّي على الفناء » - دون ذكر للمصدر الذي نقل عنه ( التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ، مصر 1357 هـ / 1938 ، 1 :218 ) .
وفي هذا المجال يصحّ إيراد خبر الوشّاء ( أبي الطيّب محمد بن إسحاق ، من رجال القرن الثالث الهجري - التاسع الميلادي ) من أنّه « نقش

« 167 »
بعض الظرفاء الصوفية على خاتمه : 
أنا للّه ، وباللّه أنا * أنا واللّه مقرّ بالفنا 
( الموشّى ، مصر 1325 هـ / 1907 ، ص 168 ) . 
ه - بالنسبة للبيت الأول يرد هذا المعنى في الشعر الحسيّ كثيرا ، 
ومن ذلك قول القائل : 
كلّ الحوادث مبداها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر 
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها * فتك السهام بلا قوس ولا وتر 
والمرء ما دام ذا عين يقلّبها * في أعين الناس موقوف على الخطر 
يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته * لا مرحبا بسرور جاء بالضرر 
(كتاب « في العشق وأخبار العشق » لمجهول ، مخطوط معهد الدراسات الاسلامية بجامعة بغداد 
رقم 306 ، ص 183 ) . 
وترد هذه القطعة في « شرح مراقي العبودية للشيخ محمد نوري الجاوي على بداية الهداية » للغزالي ، مطبعة مصطفى محمد بمصر ، بلا تاريخ ، ص 68 ، مع ورود « الغيد » بدل « الناس » في البيت الثالث ومع اختلاف في ترتيب الأبيات . 
وترد بزيادة أبيات واختلاف رواية في ديوان ابن الفارض ، صنعة سبطه ، مخطوط الأستاذ عبد المجيد الملّا ، ورقة 53 أ . 
و - في استعمال كلمة « الضنى » قال الشريف الرضي : 
أعاد لي عيد الضنى * جيراننا على منى 
مواقف تبدل ذا ال * شيب شطاطا بحنى 
( الديوان ، بيروت 1301 هـ ، ص 894 ) ، والشطاط : اعتدال القامة ، والحنى ، الأنحناء . 
ز - وفي المعنى كلّه قال أحد الصوفية : 
دائرات البلا عليّ تدور * وإلى ما ترى عليّ تثور ؟ 

« 168 »
ما أرى للبلا بلاء سوائي * وبلائي على البلاء كدور 
فأنا محنة البلا وبلائي * حاضن للبلا عليه غيور 
إلى أن يقول : 
يا معين البلا عليّ أعنّي * في البلا ، فالبلا عليّ سعير 
( اللمع للسراج ، ص 429 ) : 
ح - يبدو أن هذه المعاني كلّها تنظر إلى قول أبي نواس ( الحسن بن هانئ ، ت 195 هـ / 811 م ) : 
يا ويلتي من جسدي كلّه * رضّض منّي مفصلا مفصلا 
ترى المعافى يعذر المبتلي * ولا يعين المبتلي المبتلى 
( الديوان ، بتحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي ، ط مصر 1953 هـ ، ص 282 ) . 
ط - بل هي من قوله أيضا : 
إنّ القلوب مع العيون إذا جنت * جاءت بليّتها على الأجساد 
أشكو إليك جفاء أهلك ، إنّهم * ضربوا عليّ الأرض بالأسداد 
ي - ومن هذه المعاني أخذ ظافر الحدّاد الإسكندري ( ت 529 هـ / 1134 م ) في قوله : 
من كان يرغب في السلامة فليكن * أبدا من الحدق المراض عياذه 
لا تخدعنّك بالفتور فإنّه * نظر يضرّ بقلبك استلذاذه 
كما في وفيات الأعيان ( 2 / 219 ) . 
[ 2 ] من الوافر : 
1 - إلى كم أنت في بحر الخطايا * تبارز من يراك ولا تراه ؟ 3 
2 - وسمتك سمت ذي ورع ودين * وفعلك فعل متّبع هواه ؟ ! 4 
..........................................................................................
[ 2 ]
الديوان ، ص 38 عن : مخطوط تيمور ( ص 10 - 11 ) .

« 169 »
- 3فيا من بات يخلو بالمعاصي ، * وعين اللّه شاهدة تراه 5 
- 4أتطمع أن تنال العفو ممّن * عصيت ، وأنت لم تطلب رضاه ؟ 6 
- 5أتفرح بالذنوب وبالخطايا * وتنساه ولا أحد سواه ؟ ! 7 
- 6فتب قبل الممات وقبل يوم * يلاقي العبد ما كسبت يداه 8 
اللغة : 
السمت ، الطريق ، وهو أيضا : « هيئة أهل الخير » وهو المقصود هنا ( انظر : مختار الصحاح ، ص 312 ) ومنه التسميت : ذكر اسم اللّه تعالى على الشيء ، وتسميت العاطس وتشميته أن يقال له يرحمك اللّه . 
التحقيق : 
أ - في البيت الرابع : وردت « ممن » في الديوان على لفظ « مما » ولا يستقيم بها المعنى . 
ب - سجّل ماسينيون « بالخطايا » على لفظ « الخطايا » ويختل بها الوزن . 
ج - كان البيت السادس سابقا على الخامس في الديوان وأخّرناه لمقتضى السياق وتسلسل المعنى . 
د - أطال الشيخ عبيد الحريفيش ( أبو سعد عبد اللّه بن سعد بن عبد الكافي المصري المكي ، ت 801 هـ / 1399 م ) في رواية هذه القطعة إطالة تنبئ عن إضافة - كما سيفعل في غيرها مما سنورده بعد - فضمّن البيت الثالث وأجاز عليه اثني عشر غيره فقال : 
فيا من بات يخلو بالمعاصي * وعين اللّه شاهدة تراه 
أما تخشى من الديّان طردا * وتحرم دائما أبدا تراه 
تبارز بالمعاصي منك مولى * على جهل : يراك ولا تراه 
أتعصي اللّه وهو يراك جهرا * وتنسى في غد حقّا لقاه 
وتخلو بالمعاصي وهو دان * إليك ولست تخشى من شطاه 
وتنكر فعلها ولها شهود * على الإنسان تكتب ما حواه ؟ 
فويل العبد من صحف وفيها * مساويه إذا وافى مساه 

« 170 »
ويا حزن المسئ لشؤم ذنب * وبعد الحزن يكفيه جواه 
ويندم حسرة من بعد فوت * ويبكي حيث لا يجزى بكاه 
يعضّ يديه من ندم وحزن * ويندب حسرة ما قد عراه 
فكن باللّه ذا ثقة وحاذر * هجوم الموت من قبل أن تراه 
وبادر بالمتاب وأنت حيّ * لعلك أن تنال به رضاه 
( الروض الفائق في المواعظ والرقائق ، مصر 1316 هـ ، ص 140 ) . 
هـ - من الغريب أن هذه المقطّعة وردت ، ما عدا البيتين الأولين خاصة ، في ديوان أبي العتاهية ( إسماعيل بن القاسم ، ت 211 هـ / 826 م ) ، بطبع دار صادر ، ص 476 على الصورة التالية : 
فيا من بات ينمو بالمعاصي * وعين اللّه ساهرة تراه 
أما تخشى من الديّان طردا * بجرم ، دائما أبدا ، تراه 
أتعصي اللّه - وهو يراك جهرا - * وتنسى في غد حقّا تراه 
وتخلو بالمعاصي - وهو دان * إليك - وليس تخشى من لقاه 
وتنكر فعلها - ولها شهود * بمكتوب عليك - وقد حواه 
فيا حزن المسئ لشؤم ذنب * وبعد الحزن يكفيه حماه 
فيندب حسرة من بعد موت * ويبكي حيث لا يجدي بكاه 
يعضّ اليدّ من ندم وحزن * ويندب حسرة ما قد عراه 
فبادر بالصلاح وأنت حيّ * لعلك أن تنال به رضاه 
فهل هذه القوافي والألفاظ والركّة الواضحة ، لا السلاسة الجميلة ، تصلح أن تنسب إلى أبي العتاهية حقا ، وبخاصة ما يتصل بتكرار القافية في الأبيات الثلاثة الأولى - وإن كان لها وجه في عالم الشعر . 
على كل حال هذا مثل من أشعار أبي العتاهية ملنا به إلى الحلّاج ، وثمة نماذج أخرى من شعر الأول وكذا من شعر أبي نواس وضعناها في القسم الخاص بالشعر المنسوب إلى الحلّاج لعدم كفاية الأدلّة كما يقول القانونيون ! 

« 171 »
[ 3 ] من المتقارب ( 1 ) :
1 - إذا دهمتك خيول البعا * د ونادى الإياس بقطع الرجا 9
2 - فخذ في شمالك ترس الخضو * ع وشدّ اليمين بسيف البكا 10
3 - ونفسك ، نفسك ! كن خائفا * على حذر من كمين الجفا 11
4 - فإن جاءك الهجر في ظلمة * فسر في مشاعل نور الصفا 12
5 - وقل للحبيب : ترى ذلّتي ؟ ! * فجد لي بعفوك قبل اللقا 13
6 - فو الحبّ ! لا تنثني راجعا * عن الحبّ إلّا بعوض المنى 14
التحقيق :
أ - في البيت الثاني : رويت « الخضوع » على لفظ « الخشوع » أيضا : وما في المتن أقرب موردا .
ب - في البيت الرابع : رويت « المشاعل » على لفظ « المصابيح » أيضا .
ج - في البيت السادس ورد لفظ « عوض » قلقا وإن كان المعنى مفهوما والعوض « الخلف : أعاضني اللّه منه عوضا وعوضا . . . وعوّضني » كما في القاموس المحيط للفيروز أبادي ( أبي طاهر محمد بن يعقوب الصدّيقي الشيرازي ، ت 816 هـ / 1413 م ) . وفيه أيضا أن « عوض - مثلثة الآخر مبنية - ظرف لاستغراق المستقبل فقط : لا أفارقك عوض ، أو الماضي أيضا - أي أبدا . .. ويعرب إن أضيف: كلا أفعله عوض العائضين. وعوض : معناه أبدا أو الدهر، سمّي به لأنه كلّما مضى جزء عوّضه جزء...».
[ 4 ] من مجزوء الرجز :
1 - إنّ كتابي - [ يا أنا ] - * عن فرط سقم وضني 15
..........................................................................................
[ 3 ]
الديوان ، ص 40 عن : تقييد (مخطوط لندن، ورقة 342 أ « الأبيات 1 - 6 ») مخطوط تيمور ، ورقة 9 ( الأبيات 1 - 6 ).
[ 4 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 341 ب - 342 أ .

« 172 »
2 - وعن فؤاد هائم * عن سقام وعنا 16
3 - وعن بكاء دائم * جرى فأجرى السّفنا 17
4 - وعن جفون أرقت * فما تذوق الوسنا 18
5 - وعن نحول ساقني * طوعا إلى فنا الفنا 19
6 - وعن حشا * . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 20
7 - فاكفف ملامي ، عاذلي ، * [ فقد ] فقدت السّكنا 21
8 - وغاض ماء أدمعي * وصار عيشي محنا 22
9 - وغاب من عذت به * ولم يزل لي وطنا 23
10 - أتلفت فيه مهجتي * وصار شوقي ديدنا 24
11 - وصار ، إذ سرت به ، * نضوي لغيري مرسنا 25
12 - يا أيّها الحقّ الذي * يدنو إليه من دنا 26
13 - ما لي رميت بالضّنى * وبالصّدود والونا 27
14 - ما لي جفا معذّبي * وما جفوت المعدنا ؟ 28
15 - فلم جرى ذا ، يا أنا ، * بحقّ حقّ الأمنا 29
16 - أردد جواب واله * خاصم فيك الحزنا 30
17 - فأوصلوا الوصل له * بهجر هجر القرنا 31
18 - وراقبوا العهد الذي * أمطر فينا المننا 32
19 - فمثلكم ، يا سادتي ، * أجمل ثمّ أحسنا 33
20 - يا واهبي السّؤل أما * ترون شوقي معلنا 34
21 - شهوده ضرورة * حقائقي قد بيّنا 35
22 - منك دعاني [ ما ] دعا * فجئته بلا أنا 36
23 - جئت إليكم بكم * فصرتم لي وطنا 37
24 - إلى متى أبقى أنا * كعابد ترهبنا 38
25 - فما ألوم لائمي * وليس في اللّوم ونا 39
26 - ففي النّوى عهد الهوى * وطيب عيش وهنا 40
27 - أظنّه البحر ومن * مرّ الجفا قد أمنا 41
28 - فكن هواء في الهوى * من الهوى قد كمنا 42
29 - وانظر ترى عجائبا * تحار فيها الفطنا 43

« 173 »
30 - إنّ الذي هي التي * حشت حشانا شجنا 44
31 - ينقضها عقد الهوى * وما من المهيمنا [ كذا ] 45
32 - رعى لها حقوقها * ، تواصلا ، والدّمنا ! 46
33 - لكنّها عنه ونت * وليس في الحبّ ونا 47
34 - أنا أراعي فاتنا * جميل فعل وتنا 48
النص :
في البيت الأول : أعجزتنا بديل [ يا أنا ] التي اقترحناها وجاءت في الأصل هكذا « ياين » ، وعبارة « يا أنا » صالحة للمكان وتكرّرت في البيت الخامس عشر أيضا ، وفي ذلك قال السري السقطي ( ت 251 هـ / 865 م ) :
إن شئت أن أدعوه ناديت يا أنا * وإن يدعني نادى جميعي بيا إنّي
( كتابنا شرح ديوان الحلّاج ، ص 283 ) في البيت السابع : أضفنا [ فقد ] لا كمال الشطر لفظا ووزنا .
البيت العاشر : جاء حادي عشر وأردفناه بالتاسع ليتسلسل المعنى، وجاءت « أتلفت » فيه على « أتلف » وما أثبتنا أصلح للموضع.
في البيت الحادي عشر : جاءت « مرسنا » على « مسكنا » والدابة هي التي ترسن والبيت هو الذي يسكن ، ويحتمل أن يكون الشطر الثاني هكذا « بيتي لغيري مسكنا » .
في البيت الثالث عشر : الونا تعني الفتور والإهمال .
في البيت الخامس عشر : كان الأصل هكذا :
فلم كل ذا يا أنا * بحق حق الأمنا
وألفاظه تفضل عن الحدّ فنقصناها إلى قدر الحاجة ووثقنا البيت بكلمة « جرى » التي تقيم المعنى ولعلها الكلمة التي صحفت « كل » إليها ! .
في البيت السادس عشر : جاءت « خاصم » في الأصل على « خاطب » ولا معنى لها .

« 174 »
في البيت العشرين : جاءت « واهبي » على « واهب » ، وبالجمع يستقيم المعنى .
في البيت الثاني والعشرين : دسسنا « ما » ملأ للفراغ وإقامة للوزن .
في البيت الرابع والعشرين : جاءت « ترهبنا » على « تبرهانا » والصحيح ما أثبتنا .
في البيت السادس والعشرين : جاء الشطر الثاني على « وطب عيش وهنا » وما أثبتنا أنسب للمكان .
في البيت السابع والعشرين : جاءت « أظنه البحر » على « أظن هو البحر » وهو تصحيف واضح .
وفي البيت التاسع والعشرين : لم يجزم جواب الطلب ، وهو سائغ نحوا و « الفطنا » جمع فطن .
في البيت الثلاثين : جاءت « شجنا » على « شجانا » ، والبيت ما زال غير مستقر .
في البيت الحادي والثلاثين : « المهيمنا » نافرة وقراءة الشطر عسيرة جدا ولا تبلغ مأمنا فهل من معين ؟ !
في البيت الثاني والثلاثين : « الدمنا » معطوفة على الحقوق .
إشارة : قبل تسجيل هذه القصيدة قدّم المصنف المجهول لها بقوله :
« وقيل : كانت للحسين بن منصور - رحمة اللّه عليه - أخبار غير مستقصيات في هذه القصة وله أخبار مقطّعة وأبيات كانت ترد منه في غير هذا الموقف بل من موقف عد [ وّ ] وعند كل تبيعة [ - تبعة ] . فتتبعت الموجود من شعره من عدة رجال كانوا يحضرون معه وينقلون عنه ؛ ممن يعتمد طريق الصوفية وينتحل الأسباب العقلية ويشاهد الحالات الغايبة عن أكثر البرية .
ومن الموجود من شعره هذا [ هذه ] الأبيات وهو قوله [ القصيدة ] ( تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 341 ب ) ويلاحظ أن الأشعار التالية لهذه القصيدة

« 175 »
في جملتها من المشهورات التي تنسب إلى الحلّاج ومن هنا يبدو أن القصيدة راجحة النسبة إليه ، واللّه أعلم . ومع كل هذا ومع المشقة العظيمة التي كابدناها في إصلاح هذه القصيدة جهد الطاقة ، وبما كانت منحولة ومصنوعة ، والأمر متروك للآتين ويستحق بذل مزيد من الجهد لاستكناه حقيقته .
وأما الشرح فلا نجد داعيا إليه لأن القصيدة جامعة للأفكار العامة للتصوّف ، وتصوف الحلّاج على العموم ، وستشرح نفسها شيئا فشيئا في ثنايا المقطّعات والقصائد الآتية . على أن غرابة هذه القصيدة وغربتها عن طابع الحلّاج تكمنان في طولها وهي ظاهرة تنفرد بها ولا تجد لها أختا في هذا الديوان .
[ 5 ] من الوافر :
1 - وأيّ الأرض تخلو منك حتّى * تعالوا يطلبونك في السماء ؟ 49
2 - تراهم ينظرون إليك جهرا * وهم لا يبصرون من العماء ! 50
التحقيق :
أ - قدّم الفركاوي لهذين البيتين بقوله :
« وعند أصحاب القلوب والبصائر لا تمكن الإشارة إليه إذ هو منزّه من الحدّ والمكان والجهات ، وفيه نقول . . . ( ! ) » .
ب - يشير الحلّاج - في ما يبدو - إلى الآية : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ( البقرة 2 : 115 ) والآية : هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ
..........................................................................................
[ 5 ]
الديوان ، ص 37 عن : تقييد ( المخطوط ت ، ص 5 « الأبيات 1 - 2 » ) عيوني بغدادي :
فوائد ( كذا ) .
انظر أيضا : شرح منازل السائرين لمحمود الفركاوي ( من رجال القرن الثامن الهجري ) ، مصر 1953 م ، ص 152 ، مجموع صوفي رقم 10369 في المتحف العراقي ببغداد .

« 176 »
أَيْنَ ما كُنْتُمْ ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » ( الحديد 57 : 4 ) ، والآية : ( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ؟ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( المجادلة 58 : 7 ) .
أمّا النظر إليه تعالى فلعل الحلّاج يشير به إلى الحديث : « خلق اللّه آدم على صورته » فكأن كلّ إنسان يمثل صورة للّه ينظر إليها الإنسان . ولعل مما يشرح هذا المعنى قول الشبلي : « إنّ اللّه موجود عند الناظرين في صنعه مفقود عند الناظرين في ذاته » .
( حلية الأولياء : لأبي نعيم الاصفهاني ، أحمد بن عبد اللّه بن أحمد ، ت 430 هـ / 1039 م ، مصر 357 هـ / 1938 م ، 10 : 371 ) .
ج - عبّر الصوفية المتأخرون عن هذا المعنى شعرا فقال منهم من قال :
لقد ظهرت فلا تخفى على أحد * إلّا على أكمة لا يبصر القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجبا * وكيف يعرف من بالعزة استترا
( الفتوحات الآلهية في شرح المباحث الأصلية ، لابن عجيبة الحسني :
أحمد بن محمد ، ت 1266 هـ / 1849 - 50 م ( تصحيح محمد محيسن ، مصر بلا تاريخ ، 1 : 49 ، وإيقاظ الهمم 2 : 27 ( ومجموع صوفي مخطوط برقم 10369 في المتحف العراقي ببغداد ) .
وفي هذا المعنى قال بعض العارفين :
إليك وجّهت وجهي لا إلى الطّلل * وفيك أصبحت بين الخوف والأمل
يا من تجلّى وكان المستهام به * موسى ، وكان المنى في ذروة الجبل
فما المناجي ؟ وما موسى ؟ وما الجبل ؟ * الكلّ أنت بلا كيف ولا مثل
يا عين عيسى ويا روح المسيح ويا * هاء الإشارة ، يا منجّي من الزّلل
نقلّب السّلف الماضي بجهلهم * وهم يشيرون نحو الرّبع والطّلل
وأنت أقرب من حبل الوريد لهم * يا ويحهم في غد من وقفة الخجل
( مجموع صوفي رقم 10369 في المتحف العراقي ببغداد ، ورقة 64 ب ) .

« 177 »
[ 6 ] من البسيط :
1 - العشق في أزل الآزال من قدم * فيه به منه يبدو فيه إبداء 51
2 - العشق لا حدث إذ كان هو صفة * من الصفات لمن قتلاه أحياء 52
3 - صفاته منه فيه غير محدثة * ومحدث الشيء ما مبدأه أشياء 53
4 - لمّا بدا البدء أبدى عشقه صفة * فيما بدا فتلالى فيه لألاء 54
5 - واللام بالألف المعطوف مؤتلف * كلاهما واحد في السّبق معناء 55
6 - وفي التفرّق اثنان إذا اجتمعا * بالافتراق هما عبد ومولاء 56
7 - كذا الحقائق : نار الشوق ملتهب * عن الحقيقة إن باتوا وإن ناؤوا 57
8 - ذلّوا بغير اقتدار عندما ولهوا * إنّ الأعزّا ، إذا اشتاقوا ، أذلّاء 58
التحقيق :
أ - في البيت الخامس : « معناء » ، بمعنى معناه ، كما هو واضح !
ب - في البيت السادس : في هامش الأصل ، رواية أخرى مكان « الافتراق » على « فالافتراق » و « مولاء » هنا قلقة وفيها ضرورة قبيحة بمدّ القصر في مولى إلى « مولاء » .
ج - في البيت السابع : « ناؤوا » بمعنى « نهضوا بجهد ومشقة » ، أي تحمّلوا عناء العشق ، وربما كانت « ناؤوا » بمعنى رحلوا مقابل باتوا بمعنى أقاموا ليتم التضاد بينها وبين « بانوا » فيعبّر المعنى عن أنّ نار الشوق دائمة الالتهاب سواء في القرب أو البعد .
د - ذكر الديلمي في الفقرة التي سبقت رواية هذه القطعة أن الحلّاج قال : « العشق نار نور أوّل نار ، وكانت في الأزل تتلوّن بكل لون وتبدو بكلّ صفة وتلتهب ذاتها بذاتها وتتشعشع صفاتها بصفاتها ، لا تجوز إلّا جوازا من الأزل ، في الآباد ينبوعها من الهوية ، متقدس عن الإنّية . باطن ظاهر ذاتها
..........................................................................................
[ 6 ]
عطف الألف المألوف على اللام المعطوف للديلمي ( أبي الحسن علي بن محمود ، من رجال القرنين الرابع والخامس الهجريين [ - العاشر والحادي عشر الميلاديين ] ، تحقيق ج . ك . قاديه ، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي بمصر ، 1962 م ، ص 44 .

« 178 »
حقيقة الوجود ، وظاهر باطن صفاتها الكاملة بالاستتار المنبي عن الكلية بالكمال . » ( عطف الألف المألوف على اللام المعطوف أيضا ، ص 44 ) ، مع تحويل الضمير ابتداء من « تلتهب ذاتها . . . » من المذكر إلى المؤنث مراعاة للسياق ، وتغيير « بالاستتار » إلى « للاستتار » للسبب ذاته .
هـ - في التعليق على هذه القطعة قال الديلمي أيضا : « انفرد الحسين بن منصور بهذا القول عن سائر المشايخ . 
وموضع انفراده أنّه أشار ( إلى ) أن العشق صفة من صفات الذات على الإطلاق وحيث ظهر . 
وأمّا غيره من الشيوخ فقد أشار إلى اتّخاذ المحبّ والمحبوب في حال تناهي المحبّة عند فناء كلية المحبوب بالمحبوب من غير أن قالوا ( الأنسب : يقولوا ) بلاهوت وناسوت » . وقد قالوا أيضا : « إنّ محبّته لأوليائه قديمة ، ومحبّتهم له من تأثيرات تلك بلا امتزاج بل باتحاد العبد به حتى كأنّه هو من طريق الفناء به ، كما قال القائل :
أفنيتني بك عنّي * عجبت منك ومنّي
وقفتني في مكان * حسبت أنّك أنّي
وأشباه هذا مما يكثر ذكره . . . » ( أيضا ، ص 44 - 45 ) .
والحق أن هذين البيتين للحلّاج نفسه كما يأتي .
و - وإيضاحا لمعنى المحبة ننقل عبارة الديلمي التي تقول : « أمّا نفس المحبة فهي معنى نورانيّ ظهر من تأثيرات المحبة الأصلية في محل العقل ، فأوصلها العقل إلى روح روحاني فقبلته ، وأوصلته إلى أجسام لطاف فقبلته وتحلّت به ، وأوصلت الأرواح إلى الأجسام ما استحلّت من محلّها من اللذّة والرقّة والحسن واللطّف معها فصار كل ذلك للمحبّ حلية وللمحبوب صفة) (أيضا، ص 45).
ز - تقريبا لمعنى هذه القطعة إلى الإفهام نذكر أنّ الحلّاج قرر أن العشق هو صفة من صفات الذات الإلهية القديمة كالعلم والقدرة والحياة وأنّه جوهر العلاقة بين الخالق والمخلوق كما يقول الفيثاغوريون . ويذكر الحلّاج في التدليل على قدم العشق أنّ المراد به العشق المصطلح عليه في عالم

« 179 »
التصوف من إفناء الوجود الإنساني المادّي بالرياضة والمجاهدة والتوجّه الكامل المعنوي بحيث يزول عامل البدن ويرتفع عامل الزمن ويتحقق الموت المعنوي للصوفي مع بقاء الحياة الروحية الخالدة ، هناك تتضح حقيقة العشق بهذا المعنى وتبدو فلسفته التي تتمثل في أنّ اللّه تعالى لمّا خلق الخلق أرسل عشقه على صورة نار تتلألأ ، فلما أضاءت لهم اجتذبت أرواحهم ووقع الجذب بين الروح الإلهي والروح الإنساني بتحوّل صفة الذات الإلهية إلى مخلوقاته أو محبوباته ، في هذا المجال . ويشير الديلمي إلى أنّ اللام التي تشير إلى الإنسان تتحد بالألف التي تشير إليه ، سبحانه ، لتجعل منهما شيئا واحدا كما كانا في البدء وقبل الخلق . 
ويفهم من هذا الرمز الذي يكوّن حرف النفي « لا » أنّ الانفصال الذي يراه الناس بين اللّه تعالى وخلقه ما هو في الواقع الّا اتصال ظاهره نفي مثل « لا النافية » وحقيقته اتحاد . 
ومن هنا فاللّه تعالى والإنسان هما في الافتراق مولى وعبد وفي الحقيقة ذات واحدة يوحّدها العشق باعتباره صفة ثابتة في الطرفين . 
ويختم الحلّاج هذه التسابيح بتقريره بأنّ نار الشوق تشفّ عن حقيقتها التي تتمثل في التواصل المستمر بين الخالق والمخلوق في الأحوال كلها من ظاهر وباطن وباد وخاف . 
وينتهي إلى أنّ هذا التسليم الكامل ، الذي يبدو في الإيمان الكامل باللّه ، ليس إلّا ذلّ الحبيب لحبيبه وترك إرادته لإرادته ، وذلك أمر معروف عند البشر .
[ 7 ] من البسيط :
1 - ما حيلة العبد ، والأقدار جارية * عليه في كل حال ، أيّها الرائي ؟ 59
2 - ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له : * إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء ! 60
..........................................................................................
[ 7 ]
الديوان ، ص 122 عن : الباجوري : شرح جوهرة اللقاني : وفيات الأعيان لابن خلكان ( أبي العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم ، ت 681 هـ / 1283 م ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مصر 1948 / 1967 م ، 1 / 405 .

« 180 »
التحقيق : 
أ - في « ألف ليلة وليلة » ومخطوط د . علوان فقط وردت « ما يفعل العبد » على « ما حيلة العبد » ، وفي المخطوط وردت كلمة « جارية » على « غالبة » ولعلّها الأصل . 
ب - علّق الشعراني على هذين البيتين بقوله : « ومثل هذا لا يجوز عندنا التفوّه به لما فيه من رائحة الحجّة على اللّه تعالى ، فعلم أن الجبريّة وغيرهم ما وقعوا في ما وقعوا فيه إلّا من شهودهم وجه حدوث العبد وكونه مخلوقا . ولو أنهم شهدوا الوجه الآخر - وهو كونه قديما في العلم الإلهي - لأقاموا الحجّة على نفوسهم ، فليتأمّل ، فإنّه يتفلّت من الذهن ، واللّه تعالى أعلم » . 
ج - علّق الأستاذ أحمد نجاتي في طبعة رفاعي من وفيات الأعيان ( مصر 1936 م ، الأجزاء الستة الأولى فقط ) على هذين البيتين بقوله : « وهو يمثّل مذهب المجبرة ، وما أعجزهم وأسوأ نيّتهم ! » ( ه 4 : / 326 ) . وهي عبارة مأخوذة ، في ما يبدو ، من « العلم الشامخ في تفضيل الحقّ على الآباء والمشايخ لصالح بن مهدي القبلي ، ت 1108 هـ : / 1696 - 7 م ؛ مصر 1328 هـ ، ص 268 حيث ذكر في مقدمة البيت الثاني من هذه القطعة « قال شاعر المجبرة » . 
..........................................................................................
وانظر أيضا مرآة الجنان لليافعي ( أبي محمد عبد اللّه بن أسعد ، 698 - 768 هـ / 1298 - 1367 م ) ، حيدر آباد 1337 هـ - 1918 / 9 - 20 م ، 2 / 258 ، ألف ليلة وليلة ، مطبعة محمد صبيح بلا تاريخ ، الليلة 266 ، 2 / 127 ( دون نسبة ) ، مدارج السالكين لابن قيم الجوزية ( أبي عبد اللّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ، 691 - 751 هـ / 1292 - 1530 م ، تحقيق محمد حامد الفقي ، مصر 1375 هـ / 1956 م ، 1 / 190 ، اليواقيت والجواهر للشعراني عبد الوهاب بن أحمد بن علي ، ت 973 هـ / 1579 م ، مصر 1351 / 1 / 150 ، دون نسبة ، دائرة معارف البستاني ، بيروت 1876 - 1900 م ، 7 / 152 ( البيت الثاني فقط ) ، مجموع شعري يملكه الأخ الدكتور محمد باقر علوان ، بجامعة هارقرد ، ورقة 56 ب ، دون نسبة ، ناقهاي عين القضاة همداني [ - كتب عين القضاة الهمداني ] باهتمام علي نقي منزوي وعفيف عسيران ، طهران 1969 م ، ص 36 ( البيت الثالث بثلاث روايات ، تترّدد فيها « مكتوفا و « مشدودا » إحداهما مكان الأخرى ) .

« 181 »
د - سبق إلى التعبير عن هذا المعنى سفيان الثوري ( ت 161 هـ / 778 م ) شيخ الزهّاد لأيامه في الكوفة ، فقد ذكر عبد اللّه بن المبارك الزاهد المحدّث المجاهد ( ت 191 هـ / 797 م ) عنه أنه : « قيل لسفيان :
لو دخلت عليهم [ - الأمراء والملوك ] .
قال : إني أخشى اللّه أن يسألني عن مقامي ما قلت فيه .
قيل : تقول وتتحفّظ .
قال : تأمروني [ تأمرونني ] أن أسبح في البحر ولا تبتلّ ثيابي » .
انظر : سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث [ سلسلة أعلام العرب ، رقم 92 ] ، للمرحوم الدكتور عبد الحليم محمود ، ط . الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة 1970 م ، ص 38 .
هـ - توسع الشيخ عبد الغني النابلسي ، الصوفي الشاعر المتفلسف المتأخر ( ت 1143 هـ / 1730 م ) في المعنى فقال على الوزن والقافية من قصيدة ذات أربعين بيتا نقتطف منها ما يأتي :
قد قال من قال ، من جهل وإغواء * عن حكم تكليف ربّي عبده النّائي ؟ !
« ما حيلة العبد والأقدار جارية * عليه في كل حال أيها الرائي
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له : * إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء »
حتى عليه فتى من أهل ملّتنا * قد قال في ردّه نظما بإنشاء
إن حفّه اللطف لم يمسسه من بلل * جرى عليه بتكليف وإلقاء
وإن يكن قدّر المولى له غرقا * فهو الغريق وإن ألقي بصحراء
يعني إذا كان في علم الإله له * سعادة علمت من غير إشقاء
فهو السعيد - وإن كانت شقاوته * في العلم فهو الشقيّ هكذا جائي !
والأمر والنهي من ربّ العباد على * عباده لا لسرّاء وضرّاء
ولا لأجل امتثال الأمر أو غرض * له - تعالى - ولا منع وإعطاء
وإنما هو تمييز الخبيث هنا * من طيّب ، ومراض من أصحّاء
وفي القيامة عدل اللّه يظهره * والفضل أيضا لأقوام أعزّاء
إلخ

« 182 »
( انظر : ديوان الحقائق ومجموع الرقائق له ، ط إسطنبول ، 1270 هـ / 1853 - 4 ، 1 / 26 ، وقد ورد لفظ « النائي » في المطلع ، في النص على « الثائي » بالثاء المثلثة ولم نتوصّل إلى دلّالتها هنا ووجدنا أن النائي أولى بالموضع نتيجة لخطأ الطبع .
[ 8 ]من البسيط :
1 - لبيّك ، لبيّك ، يا سرّي ونجوائي * لبيّك ، لبيّك ، يا قصدي ومعنائي 61
2 - أدعوك ، بل أنت تدعوني إليك فهل * ناديت إياك أم ناديت إيّائي ؟ 62
3 - يا عين عين وجودي يا مدى هممي * يا منطقي وعباراتي وإيمائي 63
4 - يا كلّ كلّي ويا سمعي ويا بصري * يا جملتي وتباعيضي وأجزائي 64
5 - يا كلّ كلّي ، وكلّ الكلّ ملتبس * وكلّ كلّك ملبوس بمعنائي 65
..........................................................................................
[ 8 ]
الديوان ، ص 11 - 13 : عن : 
تقييد ( نسخة لندن ، ورقة 323 أ : أبيات مختلفة ، الرسالة الحلّاجية ، نسخة الشيخ طاهر الجزائري ( نسخة ج ) ، ورقة 5 أ ، نسخة تيمور ، ص 12 - 13 ( الأبيات 1 - 13 ، 16 - 19 ) ، كتاب في سيرة الشيخ الشهيد حسين بن منصور الحلّاج أو مقامات الحلّاج ومقالاته ، نسخة المكتبة الشرقية المركزية في قازان في الاتحاد السوفياتي ، ( فنون شتى ، رقم : 68 ) ، ( نسخة : ق أو قازان ) ، ص 93 . ( الأبيات 1 - 4 ، 6 - 13 ، 15 ، 16 ، 14 ، 18 ، 19 ، حكاية الحسين بن منصور الحلّاج مخطوط برلين ، 439 ، الوقف الثاني لبيترمان ، رقم 553 ، ورقة 41 أ - 43 أ ( رمزها في هوامشنا ( ب ) أو برلين ) ، ( الأبيات : 1 - 4 ، 6 - 12 ، 14 ، 13 ، 16 - 19 ، كشف المحجوب للهجويري ( أبي الحسن علي بن عثمان الجلابي الغزنوي ، ت 466 ه / 1077 م ) تحقيق فالنتين زوكوفسكي لنينغراد : 1919 م ، ص 332 ، ( الأبيات 1 ، 3 ، 4 ) انظر مخطوط باريس رقم : ذيل المخطوطات الفارسية 1214 ، ورقة 171 ب ، وجنيزة : الأبيات 1 - 4 ) ، ابن كرد بوس التوزري : اكتفاء . . . مخطوط الرباط : ( الأبيات 1 - 4 ) ، ابن الجوزي : نرجس القلوب : الأبيات 1 - 3 ، 5 - 11 ، 13 - 19 ، بهاء الدين العاملي ، الكشكول ، طبعة 1329 ه ، ص 115 : الأبيات 1 ، 2 ، 11 ، 13 ( انظر الخوانساري :
روضات 2 / 236 ) ، النابلسي : هتك الأستار : الأبيات 1 - 5 .
انظر أيضا : « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » تلو « طبقات الصوفية للسلمي » مخطوط دار الكتب المصرية رقم 316 / 4 تاريخ ، ( الأبيات 1 - 4 ) .

« 183 »
6 - يا من به علقت روحي ، فقد تلفت * وجدا فصرت رهينا تحت أهوائي 66
7 - أبكي على شجني من فرقتي وطني * طوعا ، ويسعدني بالنوح أعدائي 67
8 - أدنو فيبعدني خوفي ، فيقلقني * شوق تمكّن في مكنون أحشائي 68
9 - فكيف أصنع في رحب كلفت به ؟ * مولاي ، قد ملّ من سقمي أطبائي 69
10 - قالوا : تداو به منه ، فقلت لهم : * يا قوم ، هل يتداوى الداء بالداء 70
11 - حبّي لمولاي أضناني وأسقمني ، * فكيف أشكو إلى مولاي مولائي ؟ 71
12 - إنّي لأرمقه والقلب يعرفه * فما يترجم عنه غير إيمائي 72
13 - يا ويح روحي من روحي ، فوا أسفي * عليّ منّي فإنّي أصل بلوائي 73
14 - كأنني غرق تبدو أنامله * تغوّثا وهو في بحر من الماء 74
15 - وليس يعلم ما لاقيت من أحد * إلّا الذي حلّ مني في سويدائي 75
16 - ذلك العليم بما لاقيت من دنف * وفي مشيئته موتي وإحيائي 76
17 - يا غاية السؤل والمأمول يا سكني * يا عيش روحي ، يا ديني ودنيائي ، 77
18 - قل لي - فديتك - : يا سمعي ويا بصري * لم ذي اللجاجة في بعدي وإقصائي ؟ ! 78
19 - إن كنت بالغيب عن عينيّ محتجبا * فالقلب يرعاك في الإبعاد والنائي 79
اللغة :
في البيت الرابع : التباعيض : من الفعل بعّضه أي جزّأه كما في مختار الصحاح ، ( ص 320 ) .
في البيت السادس عشر : الدنف : المرض الملازم ومنه الدنف والدنف ، يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، الذي ثقل من المرض ، والمرض هنا : الحب كما لا يخفى .
التحقيق :
أ - في البيت الثاني : وردت : « ناديت » على « ناجيت » في الموضعين وذلك في « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » .
ب - في البيت الثالث : وردت « إيمائي » على « إعيائي » وذلك غريب ، وهو مأخوذ من قول أبي نواس :
وقد حميت لساني أن أبين به * فما يعبّر عنه غير إيمائي
  

« 184 »
( الديوان ، مصر 1953 ، ص 236 ) .
ج - في البيت ضبط ماسينيون كلمة « علقت » على المبني للمجهول ، وليس بصحيح .
د - في البيت العاشر : وردت « الداء » في القافية على « الدائي » في الأصول .
ه - في البيت السابع عشر : ذكر ماسينيون لعبارة « يا ديني ودنيائي » رواية أخرى هي : « يا دنيائي وأخرائي » ، وذلك في الهامش ، ولا يستقيم بها الوزن .
و - يبدو أن مضمون البيت الأخير كان متداولا بين الشعراء ، ومن هنا نسب إلى الحكم بن قنبر الشاعر ( ت نحو 150 هـ / 767 م ) أو الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت 175 هـ / 791 م ) قول أحدهما :
إن كنت لست معي فالذكر منك معي * يرعاك قلبي وإن غيّبت عن بصري
العين تبصر من تهوى وتفقده * وناظر القلب لا يخلو من النظر
( انظر مثلا : المختار من شعر بشار للخالديين : أبي بكر محمد وأبي عثمان سعيد ابني هاشم بن وعلة بن عرام المعاصرين لسيف الدولة الحمداني ، ت 456 هـ / 961 م ، مصر 1353 هـ / 1934 م ، ص 50 ، وانظر هامش المحقق : السيد محمد بدر الدين العلوي ) .
وعبّر أبو العتاهية ( إسماعيل بن القاسم ، ت 213 هـ / 829 م ) عن هذا المعنى أيضا بقوله :
أما - والذي لو شاء لم - يخلق النوى * لئن غبت عن عيني كما غبت عن قلبي
ترينيك عين الذكر حتى كأنّما * أناجيك عن قرب وإن لم تكن قربي
( الديوان ، تحقيق د . شكري فيصل ، دمشق 1384 هـ / 1965 م ) ، ص 491 .
ز - وبعد كل هذا ، يبدو أن المعين الذي نبع منه هذا المعنى قول أبي النواس :

« 185 »
صليت من حبّها نارين : واحدة * جوف الفؤاد وأخرى بين أحشائي
وقد منعت لساني أن يبوح به * فما يعبّر عنه غير إيمائي
يا ويح أهلي ، أبلى بين أعينهم * على الفراش ولا يدرون ما دائي
لو كان زهدك في الدنيا كزهدك في * وصلي مشيت بلا شك على الماء
( الديوان 1 / 140 ) 
ح - روي عن سهل بن عبد اللّه التستري ، أستاذ الحلّاج الأول ، ( ت 283 هـ / 896 م ) أنه قال :
« كنت أسير في البر [ - البرّية ] إذ رأيت غلاما أسود وبين يديه أغنام وعلى وجهه من المعرفة أعلام - فقال لي : أنت حضريّ ؟ فقلت : نعم .
فقال : بم عرفت مولاك ؟ فقلت : بالشواهد . فقال : هيهات ! من عرفه بالشواهد غرق في بحار الشدائد وفاته من اللّه كريم الفوائد .
ثم أنشد وجعل يقول :
إني لأعرف مولائي بمولائي * ولست آمله إلا لبلوائي 
هو الجواد فلم يدركه من أحد * برؤيته بدليل العقل والرائي
( انظر المقدمة في التصوف للسلمي أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين ( ت 412 هـ / 1021 م ) ، بتحقيق د . حسين أمين ، ط . بغداد 1984 م ، ص 23 ) .
* * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء فبراير 07, 2024 10:59 pm عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية الباء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:55 pm

القوافي في ديوان الحلّاج قافية الباء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية الباء

[ 9 ] من المجتثّ :
1 - إرث لصبّ محبّ * نواله منك عجب ؟ 80
2 - عذابه فيك عذب * وبعده عنك قرب 81
3 - وأنت عندي كروحي * وأنت فيها أحبّ 82
4 - وأنت للعين عين * وأنت للقلب قلب 83
5 - حسبي من الحبّ أنّي * لما تحبّ أحبّ 84
التحقيق :
أ - ورد البيت الأول في « تقييد بعض الحكم والأشعار » فقط ، وسجل ماسينيون الشطر الأول منه هكذا : « الصبّ إرثي محبّ » ، فأعانتنا في الطبعة الأولى . ولدى الرجوع إلى المخطوط تبيّن أنه جاء على الصورة التي تضمّنها النصّ . وواضح أن هذا البيت هو بيت القصيد في هذه المقطعة .
..........................................................................................
[ 9 ]
الديوان ص 123 ، عن : تقييد . . . ( مخطوط لندن ، ورقة 331 ب ) القزويني : عجائب المخلوقات : 2 / 112 ( الأبيات 2 - 5 ) ، ابن الجوزي : رؤوس القوارير ، ص 58 ( البيت الثاني ) ، البستاني : دائرة المعارف ( مادة : حلّاج )
وانظر أيضا :
آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ( زكريا بن محمد بن محمود ، ت 682 هـ - 1283 م ) ، ط بيروت 1380 هـ - 1960 م ، ص 168 ، ( الأبيات 1 ، 2 ، 4 ) مشارق أنوار القلوب لابن الدبّاغ ( عبد الرحمن بن محمد الأنصاري ، ت 696 هـ / 1297 م ) ، بتحقيق هلموت ريتر ، ط بيروت 1959 م ، ص 76 ( الأبيات 2 - 5 ) .

« 187 »
ب - في البيت الثاني في المشارق وردت « نفسي » بدل « روحي » ، وهي أنسب للسياق هنا وبخاصة أن حرف الحاء يملأ القطعة كلها .
ج - في البيت الرابع وردت « حسبي » في المشارق على « حتّى » وما اخترناه أنسب للسياق ولم يفطن إلى هذه الدقيقة البستاني ( المعلم بطرس بولس 1234 - 1294 هـ / 1819 - 1887 م ) في دائرة معارفه ( طبع منها 11 جزءا بلغ فيها إلى حرف الغين ) ( بيروت 1876 - 1900 م : 1234 - 1294 هـ ) انظر مادة حلّاج 7 : 152 وتحتمل « أحبّ » الفعلية أن تكون « أحبّ » على أفعل التفضيل وهي أجمل هكذا .
د - في مناسبة إيراد هذه القطعة ذكر القزويني أن ذلك قد كان في محاورة بين أبي عبد اللّه محمد بن خفيف ، الذي كفّر الحلّاج - وذكر روزبهان البقلي أنه رجع عن رأيه - وقد ذكر أنّ الحلّاج قال لابن خفيف :
« يا ابن خفيف ، حججت إلى زيارة القديم فلم أجد لقدم موضعا من كثرة الزائرين فوقفت وقوف البهت . فنظر إليّ نظرة فإذا أنا متصل به ثم قال :
من عرفني ثم أعرض عني ، فإني أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين وجعل يقول . . . » .
[ 10 ] من السريع :
1 - سبحان من أظهر ناسوته * سرّ سنا لاهوته الثاقب 85
2 - ثم بدا في خلقه ظاهرا * في صورة الآكل والشارب 86
3 - حتى لقد عاينه خلقه * كلحظة الحاجب بالحاجب 87
..........................................................................................
[ 10 ]
الديوان ص 41 عن : تقييد مخطوط تيمور ، ص 5 : ( البيتان 1 ، 2 ) . ابن باكويه : البداية :
تحرير ماسينيون في كتابه أربعة نصوص تتعلق بتاريخ الحلّاج ، رقم : 18 ( عن الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، المنتظم لابن الجوزي ) الذهبي : التاريخ ، والكتبي :
عيون ( الأبيات 1 - 3 ) . الديلمي : ترجمة ابن خفيف ، ابن الداعي : التبصرة :
ص 402 س : 1 - 3 ، البقلي : شطحيات ، مخطوط ( أربعة نصوص ، ورقة 168أ

« 188 »
التحقيق :
أ - جاءت عبارة « في خلقه » على « لخلقه » في البداية والنهاية ، واخترناها من تاريخ بغداد 8 : 129 ، والمنتظم 6 : 162 ، وغرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة للوطواط ( أبي أسحق إبراهيم بن يحيى بن علي ) ، ت 718 هـ / 1318 م ، مصر 1299 م ، ص 170 .
ب - في « شرح شطحيات » لروزبهان البقلي الشيرازي ( صدر الدين أبي محمد بن أبي النصر الصوفي ، 522 - 616 هـ / 1128 - 1209 م ) تحقيق هنري كوربان ، طهران 1966 م ، ضبطت « ناسوته » بالفتح وكذلك فعل ماسينيون نقلا عن روزبهان هذا . وعلى الرفع سجّل أستاذنا المرحوم الدكتور أبو العلاء عفيفي هذا اللفظ في كتابه « التصوف ، الثورة الروحية في الإسلام » ، الإسكندرية 1963 م ، ص 82 .
وقد شرح الدكتور عفيفي هذه القطعة بقوله : « وفي هذه الأبيات إشارة إلى ثنائية الطبيعة الإنسانية : اللاهوت والناسوت ، وهما اصطلاحان أخذهما الحلّاج عن المسيحيين السريان الذين استعملوهما للدلالة على طبيعة المسيح » ( المصدر نفسه ، ص 83 ) .
..........................................................................................
البيتان : 1 ، 2 ) ( التفسير ، آية 31 سورة « يوسف » ) ، مكين مجموع ، ( الأبيات 1 - 3 ) .
الحريري عن ( ابن تيمية ، الرسائل والمسائل ، مصر 1341 ، ص 62 ، 81 ) الوطواط :
غرر ، ص 129 ( البيتان 1 ، 2 ) ( نسخة نخبة الأخبار ، بومبي 3 / 11 / 1887 م ) ، داوود القيصري : شرح النصوص ، ورقة 263 أ ، 271 ب ( البيتان 1 ، 2 ) . ابن عجيبة ، إيقاظ ، ص 156 ، ( الأبيات 1 - 3 ) .
وانظر أيضا : تلبيس إبليس لابن الجوزي ( أبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي ، ت 597 / 1201 ، ط 2 ، المطبعة المنيرية ، مصر ، بلا تاريخ ، ص 166 ، المنتظم له أيضا ، حيدر آباد 1357 هـ / 1936 م ، 6 / 162 ، البداية والنهاية لابن كثير ( أبي الفدا إسماعيل القرشي ، ت 774 هـ / 1373 ) ، مصر 1358 هـ / 1939 م ، 13 / 133 ، تنبيه الغبي إلى تكفير ابن العربي الحاتمي الطائي للبقاعي ( برهان الدين إبراهيم بن عمر ، 809 - 885 هـ / 1406 - 1480 م ) تحقيق عبد الرحمن الوكيل ، مصر 1372 / 1353 ه ، ص 177 - 58 ) .
التصوف الإسلامي للدكتور زكي مبارك : 2 / 217 .

« 189 »
وأشار الدكتور عفيفي أيضا إلى أن « الناسوت عند الحلّاج هو المظهر الخارجي للاهوت » ( ص 191 ) وأن الحلّاج « ادعى أنّه صورة الإله القائمة على الأرض وأنّ كل إنسان يمثّل واحدة من تلك الصور الإلهية التي لا تحصى » ، ( ص 233 ) .
ويزيد الدكتور عفيفي هذا المعنى بيانا في قوله : « وفي ضوء ما قلنا يتضح معنى الدعوى الحلّاجية التي من أجلها لقي صاحبها حتفه وهو قوله : « أنا الحق » التي يترجمها الأستاذ ماسينيون : « أنا الحق الخالق » وأفضّل أن تكون : « أنا صورة الحق » أي أنا المظهر الخارجي الذي ظهر فيه الحق وعن طريقه عرف الحق وبواسطته ظهر جلال الحق وجماله .
ويؤيد هذا التفسير عبارة للحلّاج نفسه يقول فيها :
« إن لم تعرفوه ( أي اللّه ) فاعرفوا آثاره ، وأنا ذلك الأثر ، وأنا الحق لأنّني ما زلت أبدا بالحق حقا . . . وإن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي ورجلاي ما رجعت عن دعواي » .
( الطواسين ، ص 51 - 52 ، التصوف ، ص 234 - 5 ) .
ج - لعن أبو عبد اللّه محمد بن خفيف ( ت 371 هـ / 884 - 5 م ) الحلّاج لقوله هذه القطعة ( تاريخ بغداد 8 : 129 شرح شطحيات ، ص 433 ) . 
وقد فعل ابن خفيف ذلك لأنّ فيه نوعا من التقعّر والتعمّق في الدين يخرج به عن استقراره إلى الاضطراب ، ومن هنا وردت في سورة الفرقان صورة من المحاذير التي تصاحب الدعاوى الإنسانية والنهي عنها حتّى في ما يتصل بنبيّنا ( صلى الله عليه وسلم ) 
قال تعالى :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ، فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً . وَقالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها ، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . قُلْ : أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً . وَقالُوا : ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ؟ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً . أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها . وَقالَ الظَّالِمُونَ : إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً . )

« 190 »
( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ). وفي آية أخرى :( وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ ، وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ، أَ تَصْبِرُونَ ؟ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً . وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا ، لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً . يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ، لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً . . . )( الآيات : 4 - 12 ، من سورة الفرقان ) .
د - قال ابن تيمية ( أبو العباس تقيّ الدين أحمد بن عبد الحليم الحرّاني ، ت 728 هـ / 1328 م ) في التعليق على هذه القطعة ( ناقصة البيت الثاني) «وأمّا البيتان المنسوبان إلى الحلّاج... فهذه قد تعيّن بها الحلول الخاص، كما تقول النصارى في المسيح..».
( مجموعة الرسائل والمسائل ، مصر 1341 هـ ، ص 81 ) .
وأمّا الصوفية فيعبّر عنهم أبو بكر الشبلي بأنّ هذا « توحيد الخاصة » « وهو وجود عظمة وحدانية اللّه تعالى وحقيقة قربه بذهاب حسّ العبد وحركته لقيام اللّه تعالى له في ما أراد منه . . وهو أن يوحّدك اللّه به ويفردك له ويشهدك ذلك ويغيّبك به عما يشهدك ، وهذا صفة توحيد الخاص » ( اللمع ، ص 424 ) . 
وبالنسبة لهذه القطعة بالذات عند الصوفية فإنهم بعد أن يربطوها بمقام الالتباس يشرحونها بقولهم : « ما أطهر من أوجد اللّه ناسوته » ويعنون به آدم ( عليه السلام ) الذي « أظهر منه أسرار سناء الربوبية ، وحقائق أنوار القدرة وجلال لطائف الصنع والحكمة ، وغضاضة الفعل . 
ومن هذه المشكاة تجلّت من الفطرة البديعة بصورة آدم للعارفين صنائع العرفان القديم دون مخالطة أو ممازجة بل مع التنزيه عن أشكال الحدثان » .
وفي تصحيح هذه الحقيقة قال الحسين بن منصور في عين المعرفة :«المعارف والآراء أوهام ومن يكون العارف مع عرفانه؟!». 
ويختم البقلي هذه الفقرة بنقله هذه العبارة : « القصة مع القصّاص ، والمعرفة مع الخواص ، والكلفة مع الأشخاص ، والنطق مع أهل الوسواس ، والفكرة مع

« 191 »
أهل الإياس ، والغفلة مع الاستيحاش ، والحق حق والخلق خلق ، ولا بأس » ( شرح شطحيات ، ص 443 - 4 ) ترجمة .
ه - ضمّن أبو الحسن الششتري ( علي بن عبد اللّه النميري ، 610 - 668 هـ / 1214 - 1269 م ) هذا المعنى في موشحة صوفية له مطلعها :
يا من بدا ظاهر * حين استتر
واختفى باطن * لمّا ظهر
ظهرت لم تخف * على أحد
وغبت لم تظهر * لكلّ حد
فأنت كالواحد * بلا أحد
( الديوان ، تحقيق الدكتور علي سامي النشار الإسكندرية 1960 ، ص 135 ) .
هـ - بالنسبة لسرعة الفطنة إلى الشيء التي عبّر عنها الحلّاج بلحظة الحاجب للحاجب يمكن الاستشهاد بقول الأمير تميم بن معز بن باديس :
إن نظرت مقلتي لمقلتها * تعلم ما مما أريد نجواه
كأنها في الفؤاد ناظرة * تكشف أسراره وفحواه
( وفيات الأعيان 1 / 271 ) .
ووصف رجل غلاما له فطنا فقال فيه : « يعرف المراد باللحظ ويفهمه باللفظ ويعاين في الناظر ما يجري في الخاطر . . . » ، كما في محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ( 1 / 104 ) . وفي الرسالة القشرية ( بتحقيق د . عبد الحليم محمود ، ط . دار الكتب الحديثة بمصر 1966 ، 1 / 201 ) قول شاعر :
إذا تخازرت وما بي من خزر * ثم كسرت العين من غير عور
و - ومن أخبار الفطنة والذكاء بالإشارة ما ذكر عن جليس للمأمون أنه كان بحضرته « فخمش غلام [ من غلمان المأمون ] غلاما - ورآهما المأمون - فأحب أن يعلم هل علم علي [ - ضيفه ] أم لا ، فقال له : أرأيت ؟ فأشار علي بيده - وفرّق أصابعه - أي : خمسة ، وتصحيف خمسة خمشة . . . » .
فالمعنى متداول بين الأدباء والسمّار ورأيناه عند الصوفيّة هنا .  
« 192 »

[ 11 ] من الطويل :
1 - كتبت ولم أكتب إليك ، وإنّما * كتبت إلى روحي بغير كتاب
 882 - وذلك أنّ الروح لا فرق بينها * وبين محبّيها بفصل خطاب
 893 - وكلّ كتاب صادر منك وارد * إليك ، بلا ردّ الجواب ، جوابي
 90التحقيق :
أ - في مرآة الجنان ( 2 : 258 ) ونشر المحاسن الغالية : وردت « روحي » في البيت الأول ، على لفظ « نفسي » ، وجاءت « ذلك أن » في البيت الثاني على « وذاك لأنّ » . وفي مخطوط لندن على « وذاك بأن » وفي نشر المحاسن الغالية جاء الشطر الثاني من البيت الثالث على : « إليك فلا تحتاج ردّ جواب » .
ب - كتب الحلّاج هذه القطعة إلى صديقه وتلميذه أبي العباس أحمد بن عطاء الذي ضرب ضرب التلف بسببه وتوفي سنة 309 هـ / 921 م .
ج - في مرآة الجنان أيضا : أن الحلّاج كتب إلى أبي العباس يقول :
« أطال اللّه لي حياتك ، وأعدمني وفاتك ، على أحسن ما جرى به قدر ، ونطق به خبر ، مع ما أنّ لك في قلبي - من لواعج أسرار محبّتك وأفانين ذخائر مودّتك - ما لا يترجمه كتاب ولا يحصيه حساب ولا يفنيه عتاب ، وفي ذلك أقول . . . » .
..........................................................................................
[ 11 ]
الديوان ، ص 42 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 328 ب ) ، الخركوشي : تهذيب ، ورقة 278 ب ( عن عمر بن روفائيل عن طريق أحمد بن عبد اللّه الحرشي في مكة ) ، ابن جهضم : بهجة الأسرار ( الخطيب : التاريخ ، ابن خميس : المناقب ) جنيزة ، القسم الثاني ، السراج : مشارع : ص 319 ، اليافعي : مرآة الجنان .
وانظر أيضا : تاريخ بغداد : 8 / 115 ، نشر المحاسن الغالية لليافعي ، ص 288 ، الطبقات الكبرى للشعراني ، مطبعة محمد صبيح بمصر ، بلا تاريخ 1 / 93 . تاريخ الإسلام للذهبي بنقل الأب أنستاس الكرملي ، مخطوط المتحف العراقي ، رقم 1826 ، ص 84 - 104 ، وهذه القطعة ترد في ص 103 . وراجع التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق للدكتور زكي مبارك ، مصر 1357 ه / 1938 م ، 1 / 216 . دائرة معارف البستاني 7 / 153 .

« 193 »
د - المعنى يتضح هنا بتقدير « أو » قبل كلمة « وارد » . فكأنه يريد أن يقول : سواء أتكاتبنا أم لا فإنّ ما بيننا من اتصال روحي يتيح لنا التفاهم دون كلام ، والتراسل دون كتابة .
ه - في بيان معنى هذه القطعة يحسن أن نورد قول السرّاج ( أبي نصر عبد اللّه بن علي الطوسي ، الملقّب بطاووس الفقراء ، ت 378 هـ / 988 - 9 م ) « وأما قول القائل لصاحبه : أنا أنت ، وأنت أنا » فمعناه معنى الإشارة إلى ما أشار إليه الشبلي ( أبو بكر جعفر بن يونس ، نحو 247 - 334 هـ / 861 - 946 م ) ، رحمه اللّه ، حيث قال في مجلسه : يا قوم ، هذا مجنون بني عامر كان - إذا سئل عن ليلى - فكان يقول : أنا ليلى ، فكان يغيب بليلى عن ليلى حتّى يبقى بمشهد ليلى ويغيّبه عن كلّ معنى سوى ليلى ويشهد الأشياء كلها بليلى . . » .
( اللمع ، تحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور ، مصر 1380 هـ / 1960 ، ص 437 ) .
وقد روى الشبلي نفسه قصة في هذا المعنى مؤدّاها أنّ « متحابّين ركبا بعض البحار ، فسقط أحدهما في البحر وغرق ، فألقى الآخر نفسه إلى البحر ، ( فأنقذا ) . . . 
فقال الأول لصاحبه : أما أنا فقد سقطت في البحر ، أنت لم رميت نفسك في البحر ؟ فقال له : أنا غائب بك عن نفسي ، توهمت أني أنت ! » . ( أيضا ، ص 437 )
وذكر أيضا أن الجنيد بن محمد البغدادي ( ت 298 هـ / 910 م ) قال :
« سمعت السري » ( السقطي ) يقول : لا تصحّ المحبة بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر : « يا أنا » وأنشد الجنيد في ذلك شاهدا شعريّا نصه :
إذا شئت أن أدعوه ناديت : يا أنا * وإن يدعني ، نادى جميعي بيا إنّي 
فيخبرني عني بما أنا مخبر * إذا شئت عنيّ بالذي مخبر عني
( روضة التعريف بالحب الشريف للسان الدين الخطيب ، ص 354 ) .

« 194 »
و - في هذا المعنى يقول الثعالبي في صديقه الخطابي ( أبي سليمان حمد بن محمد البستي ، ت 383 أو 388 هـ / 993 أو 998 م ) صاحب معالم السنن :
أبا سليمان ، سر في الأرض أو فأقم * فأنت عندي دنا مثواك أو شطنا
ما أنت غيري فأخشى أن تفارقني * قرّبت روحك بل روحي فأنت أنا
( خزانة الأدب لعبد القادر بن عمر البغدادي ، 1030 - 1093 : 1620 - 1682 ، مصر 1348 ، 2 : 107 )
ولعل « قرّبت » في الأصل على « قارنت » .
ز - ويبدو أن العتّابي الشاعر ( كلثوم بن عمرو بن أيّوب التغلبي ، ت 220 هـ / 835 م ) سبق هؤلاء جميعا في إلمامه بهذا المعنى حين كتب لصديق له رقعة يقول فيها « حامل كتابي إليك أنا فكن له أنا والسلام » .
( جمهرة رسائل العرب 2 : 227 ) .

[ 12 ] من البسيط :
1 - للعلم أهل وللإيمان ترتيب * وللعلوم وأهليها تجاريب 91
2 - والعلم علمان : منبوذ ومكتسب * والبحر بحران : مركوب ومرهوب 92
3 - والدهر دهران : مذموم وممتدح * والناس اثنان : ممنوح ومسلوب 93
4 - فاسمع بقلبك ما يأتيك عن ثقة * وانظر بفهمك ، فالتمييز موهوب 94
5 - إنّي ارتقيت إلى طود بلا قدم * له مراق على غيري مصاعيب 95
6 - وخضت بحرا ولم يرسب به قدمي * خاضته روحي وقلبي منه مرعوب 96
7 - حصباؤه جوهر لم تدن منه يد * لكنّه بيد الأفهام منهوب 97
8 - شربت من مائه ريّا بغير فم * والماء قد كان بالأفواه مشروب 98
..........................................................................................
[ 12 ]
الديوان ، ص 15 - 16 عن : مخطوط كوبرولو ، 1 / 620 أ ، ( الأبيات : 1 - 13 ) . تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 327 ب ، الأبيات : 1 ، 2 ، 5 ، 8 ، 10 ، 11 ) .

« 195 »
9 - لأنّ روحي قديما فيه قد عطشت * والجسم ما مسّه من قبل تركيب
9910 - إني يتيم ولي آب ألوذ به * قلبي لغيبته ما عشت مكروب
10011 - أعمى بصير ، وإنّي أبله فطن * ولي كلام ، إذا ما شئت – مقلوب
10112 - وفتية عرفوا ما قد عرفت ، فهم * صحبي ومن يحظ بالخيرات مصحوب
10213 - تعارفت في قديم الذرّ أنفسهم * فأشرقت شمسهم والدهر غرابيب 103
التحقيق :
أ - عنون ماسينيون هذه القطعة بجواب في حقيقة الإيمان .
ب - في البيت الأول : أثبت ماسينيون لفظ « وأهليها » على صورة « وأهلها » ويختلّ به الوزن .
ج - في البيت الثاني : أورد ماسينون رواية أخرى للشطر الأول هي والعلم صنفان: مطلوب ومرغوب ولعلها « مطبوع ومكتسب».
د - في البيت الثامن : حق مشروب أن تنصب على خبرية كان وهو خطأ نحوي واضح .
ه - في البيت التاسع : أثبت ماسينيون لفظ « مسّه » على صورة « ماسّه » ويختل به الوزن .
و - في البيت الثاني عشر : رسم ماسينيون أول الشطر الأول على لفظ « ذو فنا » ولا يقوم به معنى ، وبما أثبتنا يستقيم اللفظ والمعنى والوزن .
و - ذكر ماسينيون أن الشيخ عبد الرحمن سلام نبّهه إلى أن لفظ غربيب في الشطر الثاني من البيت الأخير يتصل بالآية ( 25 ) ( الحق أنها ألآية 27 ) من سورة فاطر ( رقم 35 ) ونصها :( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ( - طرق )بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ )
فكأنّ الحلّاج يريد أن يقول : إن صحبه قد تعارفت أرواحهم في عالم الذرّ يوم جمعها اللّه ليأخذ عليها الميثاق بوحدانيته 
كما صرّحت الآية :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ، مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قالُوا : بَلى ، شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا ، يَوْمَ )

« 196 »
( الْقِيامَةِ ، إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) ( الأعراف 7 : 172 ) . فوصف الدهر بالسواد الشديد تشبيها له بالليل فتشرق عليه الشمس ليطلع بعده النهار ويتحرك الزمان .
ز - ورد لفظ غربيب في شعر ابن المعتز ( عبد اللّه ، الخليفة ، 249 - 296 هـ / 863 - 909 م ) ، في قوله :
من يشتري مشيبي * بالشّعر الغربيب
من يشتري مشيبي * وليس بالمصيب
( الديوان ، مطبعة الإقبال ، بيروت 1332 ، ص 289 ) .
ومنه أيضا قوله :
سقتني في ليل شبيه بشعرها * شبيهة خدّيها بغير رقيب
فما زلت في ليلين : شعر ومن دجى * وشمسين من راح ووجه حبيب
وقد شرح الثعالبي ذلك بقوله :
« . . . من خبري يا سيّدي - فديتك - أن الزمان أسعفني بلقاء إنسانة فتّانة ، وجمعني وإيّاها مجلس مؤنس ، فسقتني في ليل شبيه بشعرها الغربيب مع غيبة الرقيب . . . » .  ( نثر النظم وحلّ العقد ، مصر 1317 ، ص 153 ) .
وفي الغربيب قال الثعالبي أيضا :
« قال آخر : سود غرابيب كأظلال الحجر : ظل الحجر يشبّه به كل أسود كثيف لأن ظلّ كل شيء أسود وظلّ الحجر أشدّ سوادا لأنّه مصمت لا تتخلله خلل . . . ! ) .
( ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ، له أيضا ، مصر 1326 / 1908 م ، ص 443 ) .
ورحم اللّه أمير الشعراء الذي أخذ من ابن المعتز الماضي معنى قوله :

« 197 »
ودخلت في ليلين : فرعك والدجى * ولثمت كالصبح المنّور فاك
ح - بالنسبة لهذه الثنائية السارية في القصيدة كلها يحسن أن نذكر قطعة فيها هذه الروح ذكر أنها كانت منقوشة على حجر بطبرستان ، وهي :
العيش لونان : فحلو ومر * والدهر نصفان : فزيف وضرّ
والنطق جزآن : فبعر ودرّ * والناس اثنان : فنذل وحرّ
ويومك يومان : فخير وشرّ * نهار يزول وليل يكرّ
كذاك الزمان على ما مضى * وكلّ السنين على ذا تمرّ

[ 13 ] من الخفيف :
1 - طلعت شمس من أحبّ بليل * فاستنارت فما لها من غروب 104
2 - إنّ شمس النهار تغرب باللي * ل ، وشمس القلوب ليس تغيب 105
3 - من أحبّ الحبيب طار إليه * اشتياقا إلى لقاء الحبيب 106
..........................................................................................
[ 13 ]
الديوان ، ص 45 ( البيتان 1 ، 2 ) عن : النصر أبادي ( السلمي : حقائق التفسير ، الآية 6 : 76 ( البيت الثاني ) . تقييد ( مخطوط قازان ، ص 74 ، مخطوط لندن ، ورقة 325 أ ) ، الخركومثي ، ورقة 15 أ ، القشيري : لطائف الأسرار ، آية 25 : 61 - 62 ( 3 / 80 من المطبوع ( البيت الثاني ) . الهمداني : تكملة تاريخ الطبري ، ابن باديس : ورقة 8 ب ، ابن عجيبة : الموضع السابق ( منسوبة إلى ذي النون المصري مع ثلاثة أبيات أخرى )
وانظر أيضا : روضة الطالبين للغزالي ( ضمن الرسائل الفرائد ، مكتبة الجندي بمصر ، بلا تاريخ ، ص 132 ) . 
تفليس إبليس لعز الدين بن عبد السلام المقدسي ، مخطوط المتحف العراقي ، رقم 769 ، الرسالة الخامسة ، ورقة 84 أ ، شرح النفزي على كتاب الحكم لابن عطاء اللّه 1 / 79 .
وفي تكملة تاريخ الطبري للهمداني ( محمد بن عبد الملك ، ت 521 هـ / 1127 م ) ، ط 2 ، بيروت 1961 م ، ص 27 ، يرد البيتان مستشهدا بهما من قبل الشبلي وفيهما أن الشمس « تطلع بالليل » والمعقول أنها « تغرب بالليل » ليستقر المعنى ويتسلسل وتظهر المقابلة بين غروبها في الليل وبقائها في القلوب . 
وراجع أيضا : الفتوحات الإلهية لابن عجيبة الحسني ، مع إيقاظ الهمم في شرح الحكم له أيضا ، 2 / 195 ( دون نسبة ) وفيه مصداق الرأي الذي سقناه آنفا . ويرد البيت الثالث في روضة الطالبين فقط .

« 198 »
التحقيق :
أ - في تكملة تاريخ الطبري للهمداني جاء الشطر الأول من البيت الأول ، هكذا :
طلعت شمس من أحبّك ليلا !
ب - في إيقاظ الهمم ورد البيت الثاني على :
إنّ شمس النهار تطلع ليلا * وشموس القلوب ليس تغيب
وصحة الشطر الأّول ما أثبتنا . 
يؤيد ذلك رواية الغزالي وعز الدين المقدسي وابن عجيبة التي تقول :
طلعت شمس من أحبّ بليل * فاستضاءت فما تلاها غروب
إنّ شمس النهار تغرب ليلا * وشموس القلوب ليست تغيب
( 2 : 195 ) .
ج - في البيت الثالث : تبدو « اشتياقا » قلقة وحدها ، لكنها صحيحة في مجال ضرورات الشعر .
د - أصل هذا المعنى الأول يتسلسل إلى قول أمية بن أبي الصلت ( ت 5 ه ) :
رجل وثور تحت رجل يمينه * والنسر للأخرى وليث مرصد
والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء يصبح لونها يتورّد
ليست بطالعة لهم في رسلها * إلا معذبة وإلّا تجلد
وقد روي ذلك للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : صدق
( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : أبي بكر يحيى بن سعدون الأزدي ، ت 657 هـ / 1171 - 2 م ، مصر 1354 - 1369 هـ / 1935 - 50 م ، 15 / 64 ، 18 / 266 - 267 ) .
وفي شرح هذا المعنى قال أبو الفرج الأصفهاني ( علي بن الحسين الأموي ،ت 356 هـ / 967 م )

« 199 »
يروي قول عكرمة في تفسير جلد الشمس : « والذي نفسي بيده ما طلعت قطّ حتى ينسخها سبعون ألف ملك يقولون لها : اطلعي فتقول : أأطلع على قوم يعبدونني من دون اللّه ؟
قال : فيأتيها الشيطان حين يستقبل الضياء يريد أن يصدّها عن الطلوع فتطلع على قرنيه ، فيحرقه اللّه تحتها .
وما غربت قط إلّا خرّت للّه ساجدة ، فيأتيها شيطان يريد أن يصدّها عن السجود فتغرب على قرنيه فيحرقه اللّه تحتها ؟ وذلك قول النبي ( ص ) : 
تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان » ( الأغاني ، دار الكتب ، 4 : 130 - 131 ) .
وأنظر أيضا : « نور القبس المختصر من المقتبس » لليغموري : أبي المحاسن يوسف بن أحمد ، ت 763 هـ / 1272 - 3 م ، تحقيق رودلف ولهلم ، قيسبادن 1964 م ، ص 277 - 278 ) .
هـ - قال ابن عجيبة في بيان المعنى الصوفي لهذه القطعة :
« وحقيقة النور ، في الأصل ، كيفية تنبسط من النيّرين على سطح الجسم فينكشف ما عليه بواسطة البصر ، ثم شبّه به العلم واليقين والمعرفة لما بينهما من الشبه في كشف حقيقة الأشياء وتمييزها ، فالنور الحسّي ينقطع بانقطاع أصله ، والنور المعنوي هو نور القلوب ، لا ينقطع أبدا » . ( إيقاظ الهمم 1 : 153 ) .
وفي هذه المعرفة الفيضية روى الهمداني محاورة بين الشبلي والحلّاج في السجن وكان الأخير « جالسا يخطّ في التراب ، فجلس ( الشبلي ) بين يديه حتى ضجر فرفع (الحلّاج) طرفه إلى السماء وقال : إلهي لكل حقّ حقيقة، ولكل خلق طريقة ، ولكل عهد وثيقة. 
ثم قال : يا شبلي ، من أخذه مولاه عن نفسه ثم أوصله إلى بساط أنسه ، كيف تراه ؟ فقال الشبلي : كيف ذلك ؟
قال : يأخذه عن نفسه ثم يردّه على قلبه ، فهو عن نفسه مأخوذ وعلى قلبه مردود . فأخذه عن نفسه تعذيب ، وردّه إلى قلبه تقريب ، وطوبى لنفس كانت له طائعة وشمس الحقيقة في قلوبها ( قلبها ) طالعة » . ( تكملة تاريخ الطبري ، ص 27 ) .

« 200 »
و - وطوّر محيي الدين بن العربي الحاتمي الطائي( محمد بن علي الحاتمي ، ت 638 هـ / 1241 م ) هذا المعنى وجعله ملاك الولاية الصوفية وجوهر معرفتها الإلهامية ، على أساس فيضي أيضا ، فقال : « لما انقطع أنباء التشريع بقي الإنباء الرفيع ، فإنه يعمّ الجميع ، وهو ميراث الأولياء من الأنبياء ، فلهم اللمحات والأنفاس والنفحات . 
الاجتهاد شرع حادث وتسمى الحادث بالحادث . 
الاجتهاد شرع مأذون فيه لإمام يصطفيه . 
لا يزال البعث ما بقي الورث ، وهذا المال الموروث لا ينقضي بالإنفاق بل سوقه أبدا في نفاق ( رواج ) ، فمثله كمثل المصباح الذي لا يعقبه صباح . للشمس ظهور في السورتين بالصورتين ، فهي بالقمر نور وبذاتها ضياء وبحالتيها يتعيّن الصباح والمساء ، فتخفي نفسها لنفسها إذا طلعت مع بقاء القمر نهارا . 
فهي الداعية سرا وجهارا وليس إلّا بالليل الأليليّ الداج ( ! ) ثبت للشمس اسم السراج . 
فنبوّة الوارث قمرية ونبوّة النبي الرسول شمسية ، فاجتمعا في النبوّة وفاز القمرة بالفتوة » .
ز - أعاد ابن العربي الحاتمي الطائي نظم هذا المعنى في قوله :
فالشمس طالعة بالليل في القمر * مع الغروب ، وما للعين من خبر
عجبت من صورة تعطيك في صور * ما عندها مثل نور العين بالبصر ؟
فطاعة الرسل من طاعات مرسلهم * وما لعين رسول اللّه من أثر
إن قال ، قال به ، لا بالهدى ، فلذا * يعصي الإله الذي يعصيه فاذّكر
( الفتوحات المكية 4 : 425 ، ويرد البيت الأول في مناهج الترسل للبسطامي ( عبد الرحمن بن محمد الحنفي ، ت 858 هـ / 1454 م ، الجوائب 1299 هـ ، ص 91 ) .
وكذلك عبّر الصوفية عن هذا المعنى على العموم فقال قائلهم :
هي الشمس إلّا أنّ للشمس غيبة * وهذا الذي نعنيه ليس يغيب
( لطائف الإشارات للقشيري ، تحقيق إبراهيم بسيوني ، 3 : 22 ، ص 80 ، ص 220 ) .  

« 201 »

وقائلهم الآخر :
للعارفين قلوب يعرفون بها * نور الإله بسرّ الحبّ في الحجب
صمّ عن الخلق ، عمي عن مناظرهم * بكم عن النطق في دعواه بالكذب
( الرسائل الفرائد للغزالي ، رسالة عمدة الطالبين ، ص 132 ، 
والإشارة إلى قوله تعالى : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ( البقرة 2 : 18 ) وهم ( بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) ( البقرة أيضا ، آية 171 ) مع توجيههما توجيها صوفيا ) .
وقائلهم الثالث :
طلعت نور شمس في القلوب * وأضاءت فما لها من غروب
يتباهون بالحبيب ، فكلّ * آخذ من حبيبه بنصيب
بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد ، للحكيم الترمذي ( محمد بن علي ، ت 285 هـ / 898 م ، بتحقيق د . نقولا هير ، نشر دار إحياء الكتب العربية ، 1958 م ، ص 98 ( وأنظر الشرح ) .
ح - في موضع آخر من لطائف الإشارات للقشيري كلام مباشر على هذا المعنى 4 : 320 قال فيه : قمر السما ، له نقصان ومحاق ، وفي بعض الأحايين هو بدر بوصف الكمال ، وقمر المعرفة أبدا له إشراق وليس له نقصان ، ولذا قال قائلهم :
دع الأقمار تخبو أو تنير * لها ( لنا ) بدر تذلّ له البدور
فأما شمس القلوب فهي التوحيد ، وشمس السماء تغرب ، ولكن شمس القلوب لا تغيب ولا تغرب ، وفي معناه قالوا :
أنّ شمس النهار تغرب باللي * ل وشمس القلوب ليس تغيب
ويصحّ أن يقال : إنّ شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب سلطانها في الضوء والطلوع بالليل أتمّ .
ط - وفي شرح حكم ابن عطاء لأحمد زرّوق ، الماضي ، شرح الأخير عبارة للأول يقول فيها :

« 202 »
« أنار الظواهر بأنوار آثاره ، وأنار السرائر بأنوار أوصافه » فقال : « هي المعارف الإيمانية والحقائق اليقينية » ثم مضى يضمّن ويشرح على الوجه التالي :
« فلأجل ذلك أفلت أنوار الظواهر ( بالزوال والفناء وانقضت بانقضاء الوقت والنظر الحاضر ) ولم تأفل أنوار القلوب والسرائر ( هي ثابتة في دار الآخرة الأبدية لا انقضاء لها أبد الآبدين ) ، فكان ثبات كلّ وزواله بحسب متعلّقه وأصله ، ولذلك قيل :
إنّ شمس النهار غرب باللي * ل وشمس القلوب ليس تغيب
وهو البيت الذي استشهد به المؤلف قبل بيت آخر وهو قوله :
طلعت شمس من أحبّ بليل * واستنارت فما تلاها غروب . . . » ( ص 202 - 203 ) .

[ 14 ] من الطويل :
1 - كفى حزنا أني أناديك دائبا * كأنّي بعيد أو كأنّك غائب 107
2 - وأطلب منك الفضل من غير رغبة * فلم أر قبلي زاهدا وهو راغب 108
التحقيق :
أ - في البيت الأول : وردت دائبا في حقائق التفسير على « دائما » وفي غاية السرور على « ديّنا » وبما أثبتنا يستقيم الطابع الصوفي من الدأب المستمر في التوجّه إلى اللّه وبذل المجهود فيه على سبيل الرياضة والتصفية .
وقد أعجبت الصوفية هذه الكلمة بالذات فأخذوا يتمثلون بشعر الوليد بن يزيد الذي يتضمنها في قوله :
..........................................................................................
[ 14 ]
الديوان ، ص 44 ، عن : ابن عطاء : التفسير ( 3 / 188 ، نسبة إلى « بعضهم » ) السلمي :
حقائق التفسير ، الخركوشي : تهذيب ، ورقة 162 ب ، تقييد ( - مخطوط لندن ، ورقة 326 ب ، 332 ب ، وقازان ، ص 83 ) ، الجلدكي : غاية السرور .

« 203 »
رأيتك تبني دائبا في قطيعتي * ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني
كأنّي بكم و « الليت » أفضل قولكم * ألا ليتنا كنّا إذ « الليت » لا تغني
( انظر اللمع للسراج ، ص 364 ) .
وبالنسبة لرجوع البيتين إلى الوليد بن يزيد انظر ديوانه بجمع وتحقيق ف . غابريلي ، ط 3 ، بيروت 1967 ص 68 ، وإن كانت الرواية على « دائما » و « جاهدا » ! 
على أنّ المحقق ذكر أنّ ابن الجوزي وابن الأثير رويا هذا اللفظ على دائبا وهو ما نرجّحه .
ب - في البيت الثاني : ورد لفظ « الفضل » على « الوصل » في المخطوط و « رغبة » على « رهبة » ، وجاءت « لم أر » في غاية السرور على « لم ير » .
ج - اخترنا عبارة « وهو راغب » برواية المخطوط ، بدل « فيك راغب » من المصادر الأخرى لمناسبتها للمعنى والبناء النحوي للجملة .  
* * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء فبراير 07, 2024 10:59 pm عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية التاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:56 pm

القوافي في ديوان الحلّاج قافية التاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية التاء
[ 15 ] من مجزوء الرمل :
1 - أقتلوني يا ثقاتي * إنّ في قتلي حياتي
 1092 - ومماتي في حياتي * وحياتي في مماتي
 1103 - أنا عندي محو ذاتي * من أجلّ المكرمات
 1114 - وبقائي في صفاتي * من قبيح السيّئات
 1125 - سئمت روحي حياتي * في الرسوم الباليات
 1136 - فاقتلوني واحرقوني * بعظامي الفانيات
 1147 - ثم مرّوا برفاتي * في القبور الدارسات
 1158 - تجدوا سرّ حبيبي * في طوايا الباقيات 116
..............................................................................................
[ 15 ]
الديوان ، ص 33 - 34 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 98 - 99 الأبيات 1 - 10 ، 12 ) . ومخطوط الجزائري البيتان ( 1 - 2 ) . السهروردي الحلبي : لغة موران ، مخطوط ، ورقة 91 ب ( البيتان 1 2 ) ابن العربي الحاتمي الطائي : تحفة ، السادس ( البيتان 1 ، 2 ) .
الفتوحات 4 / 171 ( البيت 12 ) . جلال الدين الرومي : المثنوي الدفتر الثالث ، البيت 177 ( الأبيات 10 - 12 ) . القزويني : عجائب : 2 / 112 ( البيتان 1 - 2 ) . العز المقدسي : حل الرموز ، مخطوط برلين ، 1109 ، ورقة 30 أ ، مخطوط 1757 ، ورقة 96 ب ( الأبيات 1 - 8 ) . كذا شرح حال الأولياء ، ورقة 250 أ ، 252 ب ، علاء الدولة السمناني : تفسير 62 ( سورة الجمعة ) ( البيتان 1 - 2 ) . الجلدكي : غاية السرور ( مخطوط الآلوسي البيتان 1 ، 2 ، و 9 - 20 ) مخطوط كلكتة ورقة 25 ب ( البيتان 1 ، 2 والأبيات 9 - 20 ) . المخطوطات التركية - فيينا - 3 / 508 ، 11 ب ( البيتان 1 - 2 ) .
يار علي : لمحات ( مخطوط ، مجموعة عثمان نوري ، ورقة 57 ب ( البيتان 9 - 10 ) .
وانظر مخطوط لندن ، ورقة 123 أ . حج عبد الرحمن البسطامي : فوائح ، علي

« 205 »
9 - إنّني شيخ كبير * في علوّ الدارجات
 11710 - ثم إني صرت طفلا * في حجور المرضعات
 11811 - ساكنا في لحد قبر * في أراض سبخات
 11912 - ولدت أمّي أباها ! * إنّ ذا من عجباتي
 12013 - فبناتي - بعد أن كن * ن بناتي – أخواتي
 12114 - ليس من فعل زمان * لا ، ولا فعل الزناة
 12215 - فاجمع الأجزاء جمعا * من جسوم نيّرات
 12316 - من هواء ثم نار * ثم من ماء فرات
 12417 - فازرع الكلّ بأرض * تربها ترب موات
 12518 - وتعاهدها بسقي * من كؤوس دائرات 126
...............................................................................................
القاري : شرح الشفا : 2 / 702 ( البيت الأول ) . المناوي : الكواكب الدرية ، النابلسي :
كشف السر الغامض ( الأبيات 1 - 4 ) . مخطوط الجميلي ( ص 444 ، الأبيات 1 ، 2 ، 6 ) . البستاني : دائرة المعارف ، 8 / 113 ( الأبيات 1 ، 2 ، 9 ، 10 ) .
وانظر أيضا : الفتوحات المكية : 2 / 868 ، 4 / 199 ( الأبيات 1 ، 2 ، 11 ) . مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي ، ت 654 / 1256 ، تحقيق شمس الرفاء حسين الحسيني النعمة اللهي ، طهران 1377 هـ / 1957 م ، ص 125 ( البيتان الأول والثاني ) . المجموع المخطوط رقم 4811 بمكتبة الأوقاف ببغداد ، ورقة 14 الأبيات 1 ، 2 ( ش ، د ) ، 6 ، 8 ) حل الرموز ومفاتيح الكنوز للشيخ عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلام المقدسي ، ت 660 ه / 1261 - 62 م ، بنقل الأب أنستاس الكرملي ، مخطوط المتحف العراقي 1266 ، ص 46 ( الأبيات 1 - 7 ) . آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص 168 ( البيتان 1 ، 2 ) ، ومعهما البيتان التاليان :والدي حي قديم * غير مفقود الصفاتوأنا منه رضيع * في حجور المرضعاتوقصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار فيه الوجد لمجهول ، نشر ماسينيون ، ص 110 ( الأبيات 6 ، 8 ، 4 ) وهي لا تفيد في التحقيق بشيء ونصها هكذا :اقتلوني وأحرقوني * بعظامي البالياتتجد ( وا ) سر حبيبي * في طوايا الفانياتغفلتي عن ذكر ربي * من عظام السيّئاتوالمجموع المخطوط رقم ( 817 شعر ) في المكتبة التيمورية بدار الكتب المصرية ، ( الأبيات 12 ، 10 ، 9 ) مع تصحيف كثير وبيت زائد شديد العامية ، نصّه :إن أتى [ - أتينا ] بيت عمي * خالتي إحدى خواتي

« 206 »
19 - من جوار ساقيات * وسواق جاريات
12720 - فإذا أتممت سبعا * أنبتت كل نبات
 128التحقيق :
أ - عنون ماسينيون هذه القطعة بعبارة : « في الإقامة من غلبة الحالة ، ( - الحال ) » . 
وعدّها صاحب المجموع التيموري لغزا .
ب - ذكر ماسينيون - عمّن نقل عنه - أنّ « هذه القصيدة من قصائد الحلّاج ، وهي طويلة وفيها ركاكة ألفاظ على نمط مقطّعاته » . ( الديوان ، ص 31 ) .
ج - لمناسبة البيتين الثاني عشر والثالث عشر ، روى ماسينيون عن صدر الدين القونوي : ربيب ابن العربي الحاتمي الطائي وابن زوجته ( ت 672 هـ / 1273 م ) أبياتا في هذا المعنى ، نصّها :
ولدت أبي من قبل أمّي وأمّها * وأنكحتها إيّاي حين تولّدي
وإني أبو الآباء قبل بنوّتي * لهم ، وهم في النشء كانوا ولائدي
وقد خال عمّي أنّني ابن أخ له * ولم يدر أنّي جدّ أمّ المولّد !
وقد سجل ماسينيون هذه القطعة مصحّفة جدّا فأصلحناها ، فتولدي ( جاءت على ، توالد ، وبنوتي على « بنوّت » وفي النشء ، من « النشأة » ، كانت « في نشأ » و « خال » جاءت بالحاء المهملة ، والشطر الأخير على لفظ « ألم يدر أني جدّ أم الموالدي » ) .
( الديوان ، ص 33 ) .
د - كذا أورد ماسينيون أبياتا للأمير عبد القادر الجزائري ، البطل المشهور ( ت 1300 هـ / 1882 م ) نقلها من كتابه « المواقف » ، ص 60 - 61 ، تناسب هذا المعنى ، وهي :
ولدت جدّي وجدّاتي ، وبعدهما * أبي تولّد عن أمي ، وأيّ أب !
وبعد ذا ولدوني بعد كوني أنا * ووالدي البرّ توأمان في صلب
وكنت من قبل في الحجور ترضعي * بطيب ألبانها الأمهات ، لا ترب !

« 207 »
وليس يدري الذي أقول غير فتى * قد جاوز الكون من عيب ومن رتبومن المعروف أن الأمير الجزائري كان صوفيّا من أنصار وحدة الوجود وكتابه هذا ، الذي أعيد طبعه في دمشق سنة 1966 م ، تقع هذه القطعة منه في ص 23 و 1107 ، وقد نسجه بلسان وحدة الوجود على منوال كتاب المواقف للنفرّي ( محمد بن عبد الجبار ، ت 354 هـ / 965 م ) - شاهد واضح على هذه النزعة . 
يضاف إلى هذا أن للأمير الجزائري ديوانا يضمّ مختارات من شعره طبع للمرة الثالثة في بيروت سنة 1965 م ، بعناية الدكتور محمد ممدوح حقي وفيه الفصل الأخير خاص بالشعر الصوفي له ، وفي ص 225 قصيدة فيها المعنى الذي نحن بصدده .
وقد شرح الأمير عبد القادر هذه القطعة بناء على طلب صديق له فقال : « ولدت جدّي من حيث إنّ كل شيء كان سببا أو شرطا في ظهور شيء كان أبا به من ذلك الوجه ، وقد يكون الابن عين الأب لكونه له عليه ولادة من وجه ، وقد يكون الأب عين الابن كذلك . 
ومن هذا المقام يقول ابن الفارض - رضي اللّه عنه - :
وإني - وإن كنت ابن آدم صورة - * فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
( من التائبة الكبرى - الديوان ، ط . بيروت : دار صادر ، ص 105 )
وقول الحلّاج - رضي اللّه عنه - :
ولدت أمي أباها * إنّ ذا من أعجباتي ( كذا ) 
وأبي طفل صغير * في حجور المرضعات ( الأبيات ) .
فكل من له عليك ولادة من أيّ نوع في أيّ صورة كان ، من ظاهر وباطن واسم إلهي ومخلوق ، فهو ابنك . وكلّ من له عليك ولادة من أيّ نوع وفي أيّ صورة كان ، من ظاهر وباطن واسم إلهي ومخلوق ، فهو أبوك . . . » .
( المواقف ، ص 1107 - 1108 ) .

« 208 »
هـ - مما يكمّل هذا المعنى ما ذكره عبد الوهاب الشعراني في « كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان » ( تحقيق محمد عبد اللّه عبد الرزّاق ، مصر 1357 هـ ، ص 130 - 131 ) من إجابته على السؤال : « كيف يصحّ منّا ومنكم تعقّل الوحدة ونحن لا نتعقل أنفسنا إلّا اثنين : روح وجسم ؟ ومن يشهد اثنين ، كيف توحيده ؟ » في قوله :
« ليس تركيبنا من روح وجسم اثنين ، وانّما هو واحد لفيف وكثيف :
باطن وظاهر ، فهو واحد من حيث إنّ كلّا منهما مخلوق ، والخليفة واحدة .
فإذا وحّدنا ربّنا فقد وحّد المخلوق خالقه . والذي يزيل بأشكال هذا أن ينظر إلى المخلوق الأول ، الذي لم يتقدمه مخلوق ، ويتأمّل : هل هناك غير اللّه تعالى ؟ يتضح له المعنى » .
وفي أثناء كلامه استشهد الشعراني بقول « بعض العارفين » وهو محيي الدين بن العربي الحاتمي الطائي : في معرفة آبائنا العلويات وآمهاتنا السفليات
أنا ابن آباء أرواح مطهرة ... وأمهات نفوس عنصريات
ما بين روح وجسم كان مظهرنا ... عن اجتماع بتعنيق ولذات
ما كنت عن واحد حتى أوحده ... بل عن جماعة آباء وأمات
هم للإله إذا حققت شأنهمو ... كصانع صنع الأشياء بآلات
فنسبة الصنع للنجار ليس لها ... كذاك أوجدنا رب البريات
فيصدق الشخص في توحيد موجده ... ويصدق الشخص في إثبات علات
فإن نظرت إلى الآلات طال بنا ... إسناد عوعنة حتى إلى الذات
وإن نظرت إليه وهو يوجدنا ... قلنا بوحدته لا بالجماعات
و - كان من شهرة هذه القصيدة في عالم التصوّف أن ألمّ بها كبار أصحاب وحدة الوجود منهم إلماما يوشك أن يكون حرفيّا ، وبخاصة في ما يتصل بمضمون البيتين الأولين من قطعة الحلّاج هذه :
من ذلك قول ابن الفارض ( عمر بن المرشد ، ت 632 هـ / 1235 ) :
فالموت فيه حياتي * وفي حياتي قتلي
( الديوان ، مصر 1370 هـ 1951 م ، ص 102 ) .

« 209 »
ومنه قول ابن العربي الحاتمي الطائي ( محيي الدين محمد بن علي الطائي ) الأندلسي ، ( ت 638 هـ / 1241 م ) :
اقتلوني يا عداتي * بوفائي بعداتي
إنّي أحيا بهذا * فحياتي في مماتي
أنا أبصرت علوما * كالبحار الزاخرات
في فؤادي وعيونا * من سحاب معصرات
كمّل اللّه وجودي * بأب ثم بنات
فأنا ابن وأنا أي * - ضا أب في المحدثات
ليت شعري كيف هذا * وبقائي في وفاتي
الديوان ، بومبي بدون تاريخ ، ص 211 ، المقطعة أخرى في المعنى انظر ص 19 .
ومنه أيضا قول أبي الحسن الششتري الأندلسي ( علي بن عبد اللّه النميري ، 610 - 668 ه / 1213 - 1269 م ) من موشّح :
إنّ موتي وحياتي * وفنائي بقا
وبمحو صفاتي * طاب لي الملتقى
وانجمعت بذاتي * وألفت التقى
( الديوان ، تحقيق وتعليق الدكتور علي سامي النشّار ، الإسكندرية 1960 ، ص 102 ) .
ز - مع وضوح اتصال هذا المعنى الحلّاجي بوحدة الوجود ودورانه حول إلغاء عوامل الزمان والمكان والتسلسل والتجزؤ والرجوع إلى الحقيقة الكبرى الإلهية ، يلاحظ في هذه الفكرة على العموم اتصالها بنظرية الكمون التي نادى بها إبراهيم بن سيار النظّام المعتزلي ( ت 231 هـ / 845 - 6 م )
 من « أنّ اللّه تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادنا ( كذا ) ونباتا وحيوانا وإنسانا ، ولم يتقدم خلق آدم - عليه السلام - على خلق أولاده ، غير أنّه أكمن بعضها في بعض ، فالتقدّم والتأخر إنّما يقع في ظهورها من مكانها دون حدوثها ووجودها »

« 210 »
( الملل والنّحل للشهرستاني : أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الأشعري ، ت 548 هـ / 1153 م ، مصر 1948 - 1949 م ، تحقيق أحمد فهمي محمد ، 1 / 75 - 76 ) .
وهذا الرأي يتصل من جانبه الإسلامي بآية الميثاق التي ترد على هذا المعنى أيضا في قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ، مِنْ ظُهُورِهِمْ ، ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ : أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قالُوا : بَلى ، شَهِدْنا . . . )( الأعراف 7 : 173 ) . 
وتطرّق الحلّاج إلى هذا المعنى يكشف عن أثر من آثار المعتزلة في آرائه وإن كانت الفكرة كلّها ، في صورتيها المعتزليّة والصوفية من تراث الرواقيين الذين تؤصّل أفكارهم جوانب من آراء الحلّاج وغيره من الصوفية .
ح - في ما عدا الجانب الصوفي الصرف من هذه المعاني يحسن أن نذكر أن أبا أحمد الفضل بن هاشم بن حدير البصري ، الشاعر الخليع الفاسق المعاصر للخليفة الواثق ( ح 227 - 233 هـ / 841 - 846 م ) كان يقول ، مادحا الخليفة :
أنا المخبّل صرفا * حماقتي ليس تخفى
أنا الذي كلّ يوم * يزيدني الخبل حرفا
فعاجلوني بلطم * وشجّجوا الرأس نقفا
ثم أقصفوا الظهر منّي * بالبشتبانات قصفا
وحرّقوني بنار * لهيبها لي يطفايا 
ويحكم ، مثّلوا بي * من قبل أن أتوفى
فإنّني مستحق * مذ كنت طفلا أن أنفى 
يا قوم ، إنّي حتف * فعجّلوا لي حتفا
( كتاب الورقة لمحمد بن داود الجرّاح ، قتل سنة 296 هـ / 908 - 9 م ، مصر 1953 ، ص 22 ) .
ط - أخذ عز الدين بن عبد السلام ( عبد العزيز المقدسي ، ت 660 هـ / 1261 - 2 م ) هذا المعنى وعكسه في قطعة تعبّر عن إعجابه بالحلّاج إلى حدّ الغلوّ فقال :

« 211 »
هيهات ! ما قتلوه * كلا ولا صلبوه
لكنّهم حين غابوا * عن وجده شبّهوه
أحبابه حين غاروا * عليه قد غيّبوه
سقوه صرفا وراموا * كتمان ما أودعوه
فما أطاق ثبوتا * لثقل ما حمّلوه
فتاه سكرا ونادى : * « أنا الذي أفردوه »
يا لائمي كيف أخفي * في الحبّ ما أظهروه
أم كيف يكتم قلب * بالشوق قد مزّقوه
( شرح حال الأولياء لعز الدين عبد السلام ( كذا ) ، مخطوط المتحف العراقي رقم 1254 ، ورقة 34 ب - 36 أ ، وقد جاءت « أودعوه » فيه على « ودّعوه » و « أظهروه » على « ظهروه » والصحيح ما أثبتنا ) .
وقدّم لهذه الأبيات بعبارة تقول :
يا الحلّاج ، بغير مزاج تصبر على مرارة العلاج .
ي - من الغريب أن أبا علي بن سينا ( ت 428 هـ / 939 م ) ، ألمّ بهذا المعنى وعلّق عليه بعبارة رجّح أنها لأرسطوطاليس ، وقال :
قوله : ليس في الأشخاص تقدّم ولا تأخّر ، أي ليس شخص أولى بأن يكون متكوّنا من شخص ، فلا يكون واحد أولى بأن يحمل عليه هذا النوع من آخر وإن كان بعض الأشخاص متقدما في الوجود على الآخر .
انظر : التعليقات لابن سينا بتحقيق د . عبد الرحمن بدوي ، ط . الهيئة العامة للكتاب ، مصر 1973 م ، ( ص 31 ) .
يا - جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ( 13 / 180 ) في ترجمة المؤمّل بن جميل بن يحيى بن أبي حفصة الشاعر المعاصر للخليفة المهدي الملقب بقتيل الهوى أنه كان يقول :
أنا ميت من هوى ألح * بّ فيا طيب مماتي
آن موتي يا ثقاتي * فاحضروا اليوم مماتي

« 212 »
ثم قولوا عند قبري : * يا قتيل الغانيات
ومنه يبدو أن اللفظ والمعنى اللذين جاءآ في هذه القطعة لم يكونا غريبين على عالمي الشعر والفكر .
يب - وفوق كل هذا جاء مدلول البيت :
ولدت أمي أباها * إن ذا من عجباتي
في الأحاديث النبوية بوصفه من أشراط الساعة وذلك في ما يروى عنه (ص)أنه قال:«إذا رأيت المرأة تلد ربّها فذاك من أشراطها ».
صحيح مسلم كتاب الإيمان ، الحديث 75 ، وانظر غير هذا النص في الكتب التسعة بمراجعة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث من ترتيب قنسنك وغيره .
يج - من طريف ما يتصل بهذه المعاني ما سمعته من السيد محمد صالح الموصلي ، المصوّر في بغداد ، أن البيت القريب دخل في الألغاز المتداولة في الدوائر الشعبية في الموصل والمعنيّ هنا حبّة الحنطة [ بد كل حبة تزرع ] التي تلدها الشجرة لتزرع وتلد أباها من جديد .
يد - انظر كيف شرّقت هذه الأبيات وغرّبت وكيف تسير شجون الثقافة .
[ 16 ]من البسيط :
1 - سرّ السرائر مطويّ بإثبات ، * في جانب الأفق من نور ، بطيّات
 1292 - فكيف والكيف معروف بظاهره ؟ * فالغيب باطنه للذات بالذات
 1303 - تاه الخلائق في عمياء مظلمة * قصدا ولم يعرفوا غير الإشارات 131
...............................................................................................
[ 16 ]
الديوان ، ص 48 - 49 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 327 ) ( الأبيات 1 - 6 ) ، مخطوط قازان ( البيتان 5 - 6 ) . النابلسي : هتك الأستار ( الأبيات 5 - 3 ) .

« 213 »
4 - بالظّن والوهم نحو الحق مطلبهم * نحو الهواء يناجون السماوات
 1325 - والرب بينهم في كلّ منقلب * محلّ حالاتهم في كل ساعات
 1336 - وما خلوا منه طرف العين ، لو علموا ، * وما خلا منهم في كلّ أوقات
 134التحقيق :
أ - في هذه القطعة تعبير عن المعنى الذي تضمّنته القطعة الماضية القائلة :
وأي الأرض تخلو منك حتّى * قالوا يطلبونك في السماء
تراهم ينظرون إليك جهرا * وهم لا يبصرون من العماء
ب - في ما يتصل بالبيت الثاني ، يشير الحلّاج إلى قول مالك بن أنس ( ت 179 هـ / 795 م ) لما سئل عن معنى قوله تعالى :( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى )( طه 20 : 5 ) : « الاستواء معقول وكيفيته مجهولة والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب » ( انظر أصول الدين للبغدادي : عبد القاهر بن طاهر التميمي ( ت 428 هـ / 1036 م ) ، أسطنبول 1346 هـ / 1928 م ، المسألة 15 ، ص 112 - 113 ) ، وكذا الملل والنحل للشهرستاني 1 : 125 ، ولاحظ الهامش حيث يورد المحقق الشيخ أحمد فهمي محمد نصّا من كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ( أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي ، ت 458 هـ / 1065 - 6 م ) ، ص 15 يتمثل في قول مالك : « الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة » ، ص 408 ، وانظر أيضا مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية ، الرسالة 11 ، العقيدة الحموية الكبرى ، ص 442 . 
حيث ينقل كتاب الأسماء والصفات المذكور هذا النص وينسب الجواب إلى مالك وإلى ربيعة بن عبد الرحمن أستاذ مالك ( الصحيح ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ المدني : ربيعة الرأي مولى آل المنكدر التميمي ، ت 136 : 753 ) ( انظر ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي ، أبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن عثمان ، ت 748 هـ / 1347 م ) تحقيق علي محمد البجاوي ، مصر 1382 هـ / 1963 م ، 2 : 44 ) .
والحلّاج يردّ على مالك ومن يرى رأيه من فقهاء المدينة والأصمعي

« 214 »
ليشير إلى أن الكيف من اللّه معروف بظاهره الذي يتمثل في الإنسان الإلهي كالمسيح مثلا ، لكن الغيب هو المجهول لأنه يتصل بالذات الإلهية نفسها وهذه لا يمكن النفوذ إلى كيفيتها بحال .
ج - في البيت الثالث يتطرق الحلّاج إلى غفلة الناس عن التطلّع إلى اللّه واقتصارهم من ذلك على الإشارات التي هي « ما يخفى عن المتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه » ومن هنا قال أبو علي الروذباري ( أحمد بن محمد بن القاسم ، ت 322 هـ / 934 م ) . 
« علمنا هذا إشارة ، فإذا صار عبارة خفي ، ومثّل الخبير للإشارة بجلوسه عند أحد شيوخ التصوف وقوله :
« فأوميت ( أومأت ) برأسي إلى الأرض (يريد بها مكان اللّه) فقال: بعد (بعد):ثم أوميت برأسي إلى السماء ، فقال بعد ( بعد )! 
أمّا الشبلي - وكان صديق الحلّاج - فقد صرّح بقوله : من أومأ إليه فهو كعابد وثن لأنّ الإيماء لا يصلح إلّا إلى الأوثان » ( اللمع ، ص 414 ) . 
وكل هذه المعاني تتصل بقوله تعالى :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )( ق 50 : 16 ) ، وقوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )( البقرة 2 : 511 ) ، وقوله تعالى :( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ )( الحديد 57 : 4 ) .
[ 17 ]من الخفيف :
1 - لي حبيب أزور في الخلوات * حاضر غائب عن اللحظات 135
...............................................................................................
[ 17 ]
الديوان ، ص 47 - 48 عن : تقييد ( المخطوط قازان ، ص 100 البيت 1 ، شطر 2 ، 2 ، 3 ، 6 ، 7 ، 4 ) . مخطوط لندن ، ورقة 323 أ ( الأبيات 1 - 4 ، 6 ، 7 ) مخطوط برلين ، ورقة 41 أ ( الأبيات 1 - 3 ، 6 ، 7 ) أبو سعد القيلوي ( عن الشطنوفي ، بهجة الأسرار 161 ( الأبيات 1 - 4 ، 6 ، 7 ) .
وانظر أيضا «شعر الحسين بن منصور الحلّاج» تلو مخطوط طبقات الصوفية للسلمي ، بدار الكتب المصرية رقم 316 / 4 تاريخ.
وانظر أيضا بهجة الأسرار للشطنوفي ( نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن جرير اللخمي ، ت 713 هـ / 1313 م ، مصر 1330 م ، ص 161 ( الأبيات 1 ، 2 ، 5 ، 7 ) لا كما أورد ماسينيون ، وكذا جامع الأنوار في مناقب الأخيار : تراجم الوجوه والأعيان

« 215 »
2 - ما تراني أصغي إليه بسرّي * كي أعي ما يقول من كلمات ؟ ! 
1363 - كلمات من غير شكل ولا نق * ط ولا مثل نغمة الأصوات
 1374 - فكأنّي مخاطب كنت إيّا * ه على خاطري بذاتي لذاتي
 1385 - حاضر غائب قريب بعيد * وهو لم تحوه رسوم الصفات
 1396 - هو أدنى من الضمير إلى الوه * سهم وأخفى من لائح الخطرات
 140التحقيق :
أ - في البيت الثاني ، وردت « بسرّي » في الأصول على « سمعي » .
ب - في البيت الثالث ، وردت « نقط » على « نطق » في الأصول ، وما اخترناه أثبت ، إذ التلازم واقع بين الشّكل والنقط . وفي هذا الموضوع كتب إبراهيم الزيادي ( ت 249 هـ / 863 م ) كتابه « النقط والشكل » ( انظر : الوافي بالوفيات للصفدي 2 / 356 ) .
وجاءت « نغمة » في مخطوط لندن ، على « غنّة » وقد جازت على ماسينيون رحمة اللّه عليه .
ج - في البيت السادس ، وردت « لوائح » في الأصول على « لائح » في « جامع الأنوار » ، وبها يستقيم الوزن .
وجاءت في « شعر للحسين بن منصور » على « اللحظات » ، وهو تصحيف .
د - ذكر ماسينيون أن أبا الحسن الششتري قلّد هذه القطعة ، بنقل ابن عجيبة في إيقاظ الهمم ، ص 182 ، ( 2 : 102 ، ط مصر 1961 م ) في قوله :
لي حبيب انما هو غيور
يظل في القلب كطير حذور
اذا رأى شيئاً امتنع أن يزور.
المدفونين في بغداد وما يليها من البلدان تعريب وتأليف عيسى صفاء البندنيجي ، ت 1283 هـ / 1866 - 7 م ، مخطوط في المتحف العراقي برقم 336 ، ص 573 ( الأبيات 1 ، 2 ، 6 ، 7 ) .

« 216 »
وديوان الششّتري خلو من هذا الشعر .
هـ - استشهد بهذه الأبيات أيضا أبو سعيد القيلوي الصوفي ( ت 557 هـ / 1162 م ) كما في جامع الأسرار ، ص 573 . وقد أشار البندنيجي في ص 550 أنه ينقل عن طبقات الشعراني وفيه أنّه أبو سعيد القلوري نسبة إلى قلورية وهي كالبريا في جنوب إيطاليا ( انظر أطلس التاريخ الإسلامي ، تصنيف هاري هازارد وترجمة إبراهيم زكي خورشيد ، مصر 1955 ، ص 37 ) .
[ 18 ]من مخلّع البسيط :
1 - رأيت ربّي بعين قلبي * فقلت : لا شك أنت ، أنت
 1412 - فليس للأين منك أين * وليس أين بحيث أنت 142
...............................................................................................
[ 18 ]
الديوان ، ص 46 عن : الطواسين ، 6 ( طاسين النقطة ) ، الجملة 11 ، ( الأبيات 1 ، 2 ، 4 ) الهجويري : كشف المحجوب ، ص 317 ( البيتان 6 ، 7 ) . السهروردي البغدادي : بستان قسم 26 ( البيت الأول ) . تقييد : المخطوط 24 ورقة 341 ب ( البيت الخامس ) . وفي قطعة مختلفة ، ابن العريف : محاسن ، ورقة 129 أ ( الأبيات 1 ، 4 ، 2 ، 3 ، 6 ، 7 ) .
القيصري : حجب ، ورقة 205 ب ، النابلسي : هتك ( الأبيات 1 ، 4 ، 2 ، 3 ، 9 ، 6 ، منسوبة إلى علي بن أبي طالب ) .
انظر أيضا : تقييد . . ، مخطوط لندن ( ورقة 326 أ : الأبيات 1 ، 3 ، 2 ، 4 ، 8 ، 7 ، 6 ، 12 ، ورقة 318 ب : الأبيات 1 ، 2 ، 4 ، 3 . إيقاظ الهمم لابن عجيبة : الأبيات 1 ، 4 ، 2 ، 3 ، 6 .
الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي : 4 / 22 ( الأبيات 11 ، 7 ، 10 ) ، حياة الحيوان للدميري ( كمال الدين محمد بن عيسى الشافعي ، ت 808 هـ / 1405 م ) ، مصر 1311 هـ ، 1 / 234 - 5 ، ( الأبيات 6 - 9 ) ، كتاب مناقب سيدنا أبا ( كذا ) يزيد البسطامي لمجهول ، ضمن شطحات الصوفية للدكتور عبد الرحمن بدوي ، مصر 1949 م ، ص 109 ( البيتان 8 ، 7 ) مع ثالث هو : فأنت تسلو ( كذا ) خيال عيني * فحيثما درت كنت أنت
ولعلّ « تسلو » في الأصل « تعلو » أو « تتلو » .
مدخل التشويق للغافلين لسعيد بن داوود العدني [ اليهودي ] ( ت نحو 885 هـ / 1480 م ) ، باللغة العربية وحروف عبرية ، مخطوط مكتبة جامعة كمبردج رقم : مضافات 1219 ( ورقة 52 ب - 53 ) ، الأبيات : 1 ، 4 ، 2 ، 3 + بيت آخر + 5 برواية مختلفة كليا ، + 7 ، 6 ، 10 ، وشكرا للدكتور ب . مزور على هذه الفائدة .

« 217 »
3 - أنت الذي حزت كلّ أين * فحيث لا أين ثمّ أنت
 1434 - وليس للوهم منك وهم * فيعلم الوهم أين أنت
 1445 - وحزت حدّ الدنوّ حتى * لم يعلم الأين أين أنت
 1456 - ففي بقائي ولا بقائي * وفي فنائي وجدت أنت
 1467 - في محو اسمي ورسم جسمي * سألت عني فقلت : أنت
 1478 - أشار سرّي إليك حتى * فنيت عنّي ودمت أنت
 1489 - وغاب عنّي حفيظ قلبي * عرفت سرّي فأنت أنت
 14910 - أنت حياتي وسرّ قلبي * فحيثما كنت كنت أنت
 15011 - أحطت علما بكلّ شيء * فكلّ شيء أراه أنت
 15112 - فمنّ بالعفو ، يا إلهي ، * فليس أرجو سواك أنت
 152النص :
أ - في البيت الأول ، اخترنا رواية سعيد العدني ، وجاءت في أكثر الأصول على :رأيت ربي بعين قلبي * فقلت : من أنت ؟ قلت : أنت !وهي محاورة غير واردة لأن السائل فيها الإنسان والمجيب اللّه . ثم ينبغي أن يكون الكلام التالي له تعالى ، وهو خلف . 
والحق أننا نرى الروايتين مصحفتين ونرجّح أن يكون الشطر الثاني على : فقلت : يا ربّ ، أين أنت ؟ إذ موضوع المقطعة كلها يدور حول المكانية والجهة وما إلى ذلك .
ب - في الأبيات : الثالث والخامس والسادس ، فضلنا رواية العدني أيضا .
ج - البيت العاشر ، إضافة ترد في رواية العدني أيضا .
د - البيت الزائد الذي يرد في شطحات لا يجري مع تسلسل المقطعة ويغني عن البيت الرابع .
التحقيق :
أ - نسب ابن عجيبة نقله إلى عليّ بن أبي طالب . ويبدو أنّ من حمله على ذلك المطلع الذي يناسب قول الإمام ، حين سئل هل نرى ربنا ؟ فقال :

« 218 »
وكيف نعبد من لم نره ؟ ثم قال : لم تره العيون - يعني في الدنيا - بكشف العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان . 
قال اللّه تعالى :( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى )( النجم : 11 ) ( اللمع للسراج ، ص 426 ) .
ب - نسب الدميري نقله إلى « بعضهم » وجاء في « مناقب سيدنا أبا يزيد البسطامي » ( كذا ) ما يشعر بأنّها له وإن كان يبدو أنه كان مستشهدا . وفي هذا المجال قدّم للقطعة بأن « البسطامي » كان إذا هاج بدا منه كلام نحفظه ، منه قوله :
« ودّه ودّي ، وودّي ودّه ، عشقه عشقي ، وعشقي عشقه ، حبّه حبي ، وحبي حبّه » وأنه كان يقول : « جاء سيل عشقه فأحرق الماء دوني ، فبقي الواحد كما لم يزل أحدا إذا ( إذ ) هو الواحد » . ( ص 109 ) .
ج - لا ينسب الهجويري نصّه إلى أحد وإنّما يلحقه بأحدهم ، وقد أورد البيتين شاهدا على الفناء والبقاء . وإذا كان الأمر كذلك فلنا أن نقرأ البيت الخامس على الوجه التالي :
وفي فنائي وفي بقائي * وفي وجودي وجدت أنت
د - كان ترتيب القطعة مشوّشا وروى منها ماسينيون الخمسة الأبيات الأولى ورتّبناها نحن على مقتضى السياق إلّا البيت الزائد الذي يروى عن أبي يزيد البسطامي ، فإنّ قلق « تسلو » فيه منعنا من وضعه في مكانه .
هـ - فنّ الشعر يقضي بمدّ القافية بالألف كما فعل الدميري ، لكن الصوفية لا يراعون القواعد مراعاة كاملة أوّلا ، وأراد الحلّاج هنا أن يكرّر كلمة « أنت » مشيرا إلى الحق تعالى ، فاللين في التاء أقرب إلى مناسبة الحال واقتضاء السياق .
و - في ما عدا هذا جاءت « للوهم » في البيت الرابع - في الطواسين - على « للدهر » وما أثبتناه خلاصة لإنعام نظر طويل في النص وترتيبه ، ويطول المدى بإيراد تفصيلاته .

« 219 »
ز - يذكر البيتان الثاني والثالث ببيت أورد الغزالي في رسالة الطير ، ويبدو أنه من وحيها ، وهو :
بأيّ نواحي الأرض أبغي وصالكم * وأنتم ملوك ما لمقصدكم نحو
انظر ( مقالات فلسفية قديمة من نشر الأب لويس شيخو ، بيروت 1911 ، ص 71 ) .
ح - فنّ الشعر يقتضي مدّ القافية بالألف ، كما فعل الدميري ، لكنّ الصوفية لا يراعون القواعد مراعاة كاملة ، أولا ، وأراد الحلّاج هنا أن يكرر كلمة « أنت » مشيرا إلى الحق تعالى ، فاللين في التاء أقرب إلى مناسبة الحال واقتضاء السياق ولتبقى كلمة « أنت » ما هي دون أن يخالطها شيء من الزيادة .
الشرح :
أعملت في قلبي عاطفة العشق [ التي هي من صفات اللّه القديمة في رأي الحلّاج ] ، حتّى غلبت عليه ، وصارت صفة ثابتة له .
وكما يقضي مبدأ العشق من لزوم الوحدة بين المحبيّن تجلّيت لي يا إلهي فأدركتك إدراك حبّ ، مصداقا لمذهبي في وحدة الشهود ، وأيقنت أنّك أنت بالذات الذي تجلّيت لي فملأت قلبي .
في هذه اللحظة عنّ لي أن أحلّل هذه النتيجة الحاصلة وأفلسفها على طريقة المفكّرين فبدأت الأفكار تتدفّق على ذهني وتتسلسل في عقلي على النحو الآتي :
لقد كان تجلّيك في عضو صغير من بدني ، يسمى قلبا ، هو في الحقّ أصغر من أن يسعك وليس إحساسي بك فيه إحساسا واقعيا ماديّا مكانيا ، ومن هنا فقد بدا لي جليّا أنك تتجلّى في اللامكان على صورة يخيّل للناس نقيضها ، وتجلّيك يكون في الروح اللامكانية واللامادية لأن المكان لا يسعك

« 220 »
وإنّما هو ذرّة ضمن قدرتك التي ليس لها حدّ . وهذا يعني ، بدوره ، أنّ المكان لا يحدّك ولا يقيسك ويستحيل أن يمتد إلى ذاتك التي هي أبعد من كل بعيد وأوسع من كل واسع . 
[ وقد جرّب إبراهيم ، خليلك الأول ، أن يتصوّرك في أبعد بعيد فتوهمك في القمر أولا ثم في الشمس ثانية ثم انقلب إليه بصره وهو حسير ] .
وإذ فشلت العين في الامتداد إليك عبر الآفاق في الجهات الستّ ظهر لي أن الخيال ، الذي يتجاوز مدى العين في اختراق الأبعاد وملاحقة الآمال ، لا يصلح أيضا وسيلة للوصول إليك ، إذ ذاتك أبعد من منتهى الأوهام .
وحين فشلت آلة الوهم في حملي إليك ، بافتراضك بعيدا جدّا ، زيّن لي منطقي الإنساني القاصر أن أجرب افتراضك قريبا ، والانطلاق إلى طلبك من هذا اللحاظ . 
ولاح لي - لمّا جرّبت ذلك [ وفي هدى قولك :وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ] أنك من القرب بحيث تعجز وحدة المكان المعروفة عن قياسك إذ أنت أدق وأدنى من كل مسافة ، فكأنّ العين ملتصقة بك تماما وهكذا تعجز عن أن تراك . 
وإذ عدت خائبا من تطلّبي لك عبر آفاق البعد ومتاهات القرب وجدتك فجأة تملأ نفسي في سائر أحوالي : في إحساسي بالوجود ، وفي تخريجي المتعمّد له ، وفي غيبتي عنه . 
فعلمت أن وجودك هو . الجوهر الثابت الذي لا يحول ، وارتحت إلى معرفتي أنّني أنا الحائل الزائل المتغيّر المتقلّب القلق الذي لا يقرّ له قرار . 
وأنارت بصيرتي هذه الحقيقة التي انبعثت من أعماق ذاتي ومن أغوار عشقي للّه ، وظهر لي أن مجرد شعوري الداخلي بوجودك هو في حدّ ذاته إلغاء لوجودي الجزئي وإعلاء لوجودك الكلّي المحيط واستمرار له .
وحتى في حال فنائي وإلغائي ، كلّما جال في ذهني الاستفسار عن حقيقتي أنا أضمحلّت ذاتي وغلبت ذاتك ، إذ أنت الموجود والمقصود والمعبود . 
أنت جوهري في حياتي وفي أحاسيسي ، واتّصالك بي لا ينقطع في كل مكان أمثل فيه وكل زمان يوقّت كوني حيّا موجودا . ولذّ لي أن أتبيّن

« 221 »
في النهاية أن إحاطتك بالأشياء علما إنّما هو حضورك فيها كما حضرت في نفسي ، ومن هنا وجدتك في كل شيء وأحببتك في كلّ مظهر من مظاهر الوجود [ وقد قلت سبحانك :( أَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )[ البقرة 2 : 115 ] .
وبعد كلّ هذا ، بدا لي أنّني ربّما تجاوزت الحدّ في التساؤل والتعقّل والتمنطق وأنّه كان ينبغي عليّ ألّا أشعر بسعادة بالشعور بوجودك برياضة العقل وفذلكة المنطق . 
إنّه ليحلو لي أن أستغفر وأتوب وأتذلل إذ لا رجاء لي سواك ولا أمل لي في غيرك .
وقال مرتب كتاب تقييد بعض الحكم والأشعار في شأن هذه الأبيات « ولم يسمع منه كلام بعده » ( ورقة 341 ب ) .

* * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء فبراير 07, 2024 10:59 pm عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج الثاء والحاء والدال شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 10:57 pm

القوافي في ديوان الحلّاج الثاء والحاء والدال شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية الثاء
[ 19 ]من البسيط :
1 - واللّه ، لو حلف العشاق أنّهم * موتى من الحب أو قتلى لما حنثوا
 1532 - قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا * ماتوا ، وإن عاد وصل بعده بعثوا
 1543 - ترى المحبّين صرعى في ديارهم * كفتية الكهف : لا يدرون كم لبثوا
 155التحقيق :
أ - في كتاب العشق لمجهول يرد قوله « وإن عاد وصل بعده بعثوا » على « فإن عاد في يهودونه بعثوا » وهو تصحيف من « من يهوونه » ولها وجه ولعلّها الأصل .
ب - جرت هذه الأبيات ضمن خبر روي عن أبي عبد اللّه محمد بن خفيف فيه مبالغات الصوفية وجاء فيه قوله : دخلت على الحسين بن منصور - وهو في الحبس - مقيّدا . فلمّا حضر وقت الصلاة رأيته نهض فتطايرت منه
...............................................................................................
[ 19 ]
آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص 167 ، ديوان ابن الفارض ، صنعة سبطه ( - ابن بنته ) علي ، مخطوط الأستاذ عبد المجيد الملا ، ورقة 14 ب ( دون نسبة ) ، كتاب في العشق وأخبار العشاق لمجهول ، من مخطوطات معهد الدراسات الإسلامية بجامعة بغداد ، رقم 306 ، ص 20 ( البيتان الأولان ) ، من دون نسبة ، المرافق الموافق لابن الجوزي ، مخطوط الخزانة العامة ، الرباط ، رقم 589 .D، ورقة 73 ب . روضة التعريف بالحبّ الشريف للسان الدين بن الخطيب ، ص 648 ( البيتان الثالث والأول ) بغير نسبة ، دائرة المعارف للبستاني 7 / 151 .

« 223 »
القيود ، وتوضّأ وهو على طرف المحبس وفي صدر ذلك المجلس منديل ، وكان بينه وبين المنديل مسافة . فو اللّه ، ما أدري أنّ المنديل قدم إليه أم هو إلى المنديل ؟ !
فتعجبت من ذلك ، وهو يبكي بكاء ، فقلت له : لم لا تخلّص نفسك ؟ فقال : ما أنا محبوس ! أين تريد يا بن خفيف ؟
قلت : نيسابور ! فقال : غمّض عينيك ثم قال : افتحهما ففتحت فإذا أنا بنيسابور في محلة أردتها . فقلت : ردّني ، فردّني وقال . . . » .

وورد مثل هذا الخبر في « أخبار الحلّاج » عن أحمد بن فاتك في قوله :
« لمّا حبس الحلّاج ببغداد كنت معه ، فأول ليلة جاء السجّان وقت العتمة فقيّده ووضع في عنقه سلسلة وأدخله بيتا ضيقا . 
فقال له الحسين : لم فعلت هذا بي ؟ قال : كذا أمرت : فقال له الحلّاج : الآن أمنت منّي قال : نعم .
فتحرك الحلّاج فتناثر الحديد عنه كالعجين .
وأشار بيده إلى الحائط فانفتح فيه باب ، فرأى السجّان فضاء واسعا فعجب من ذلك . 

ثم مدّ الشيخ يده وقال : الآن افعل ما أمرت به ، فأعاده كما فعل أول مرة . . . » ( ص 90 - 91 ) .
ج - واضح أن المراد بالموت هنا المعنويّ منه لا الحسّي ، والحبّ هنا ما يعبّر عنه عند الصوفية بالخلّة باعتبارها « تخلّل العبد بصفات الحقّ بحيث يتخلّله الحق ولا يخلّي منه ما يظهر عليه ( من ) شيء من صفاته فيكون العبد مرآة الحق » ( اصطلاحات الصوفية للكاشاني ، ص 161 ) وهي فكرة عبر عنها الشبلي بقوله :
قد تخلّلت مسلك الروح منّي * وبذا سمّي الخليل خليلا
فإذا ما نطقت كنت حديثي * وإذا ما سكتّ كنت غليلا
( ديوان الشبلي من جمعنا وتحقيقنا ، بغداد 1967 ، ص 120 ) .
د - تقريبا لمعنى هذه القطعة نذكر وصف سبط بن الفارض لجدّه الشاعر الصوفي الكبير على لسان ابنه محمود إذ قال فيه : « كان في أغلب أوقاته لا يزال داهشا لا يسمع من يكلّمه ولا يراه ، فتارة يكون واقفا وتارة يكون مستلقيا على ظهره مسجّى كما يسجّى الميت ، وتمر عليه عشرة أيّام

« 224 »
متواصلة وأقلّ من ذلك وأكثر وهو على هذه الحالة ، لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يتحرك وهو كما قيل : ( البيتان الثاني والثالث ) ثم يستفيق وينبعث من هذه الغيبة ويكون أول كلامه أنّه يملي من القصيدة ( المسماة ) نظم السلوك ما فتح اللّه عليه » ( ورقة 14 ب من الديوان المخطوط ) .
هـ - سبق علي بن بابويه ، وهو صوفيّ سمّي لابن بابويه القمّي المتكلم الشيعي المعروف ( ت 381 هـ / 991 م ) ، 
( انظر الكنى والألقاب للشيخ عبّاس القمّي ، النجف 1376 هـ / 1956 م ، 1 / 12 » ، إلى الاستشهاد بالبيت الثالث من هذه القطعة سنة 317 هـ / 929 م لما هاجم أبو طاهر الهجري القرمطي مكّة وقتل الحلّاج « وكان الناس في الطواف وهم يقتلون ، وكان في الجماعة علي بن بابويه يطوف ، فلما قطع الطواف ضربوه بالسيف . 
فلمّا وقع أنشد :
ترى المحبين صرعى في ديارهم * كفتية الكهف لا يدرون ما لبثوا
( المنتظم لابن الجوزي ، 6 : 222 ، وانظر الكنى والألقاب المذكور ) .

« 225 »
قافية الحاء
[ 20 ]من الطويل :
كفرت بدين اللّه ، والكفر واجب ، * علي وعند المسلمين قبيح
 156النص :يرد هذا البيت في مخطوط يملكه الأخ الدكتور محمد باقر علوان بجامعة هارقرد ، عام 1975 ، مع اختلاف في كلمة القافية ، إذ هي في
...............................................................................................
[ 20 ]
الديوان ، ص 106 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 16 ) ، مجموعة نصوص ( تحرير ماسينيون ) ، ص 59 ، عين القضاة الهمداني : زبدة . . . مخطوط باريس ، رقم : فارسيات مضافة 1356 ، ورقة 68 أ ، صاري : عبد اللّه : جواهر 4 / 102 ، مخطوط لندن ، رقم 16659 ، ورقة 560 ب ، مخطوط ولي الدين رقم 2061 ، ورقة 163 ب ، رضا قلي : رياض ( العلماء ) رقم 10 .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج لمجهول ، تحقيق لويس ماسينيون وبأول كراوس ، باريس 1936 ، ص 99 ، وفي الهامش ذكر المحققان أنهما وجدا هذا البيت في المصادر التالية ( فوق المذكورة ) :
شرح الكازوني على رسالة ابن سينا إلى أبي سعيد بن أبي الخير ، مخطوط المتحف البريطاني 16659 ، ورقة 560 ب ، كتاب الطالبين ووعدة الصالحين لصلاح بن محمد البخاري ( مخطوط مكتبة الحكومة بكلكتا ، رقم ي 89 ، ورقة 39 ب ) ،
رسالة مشتملة في معنى سخن قدوة الأولياء الشيخ حسين منصور حلّاج ( مخطوط وقف ولي الدين جار اللّه باستانبول ، رقم 2061 ، ورقة 163 ب ) ولعله يوجد في مجموعة رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي المحفوظة في الخزانة الآصفية بحيدر آباد ، 352 ، رقم 3 .

وراجع رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي ، حيدر آباد 1367 هـ - 1948 م، رسالة إلى الإمام الرازي ، 1 / 13، (دون نسبة ).

« 226 »
المخطوط على « حرام » بدل « قبيح » ، ونجدنا نميل إلى اللفظ الأخير (ورقة 50 أ )
التحقيق :
أ - هذا البيت نموذج للشطح الصوفي وهو « لغة : الحركة ويقال للطاحونة الشطّاحة لكثرة تحرك الرحى ، ويقال شطح الماء في النهر إذا فاض من حافته لكثرة الماء وضيق النهر ، وعرفا : حركة أسرار الواجدين إذا قوي وجدهم بحيث يفيض من إناء استعدادهم » ، ( اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق الكاشاني : كمال الدين أبي الغنايم بن جمال الدين السمرقندي ، ت 735 هـ / 1335 م ، تحقيق الدكتور الويز سبرنجر ، كلكتا 1845 ، ص 151 ) .
ب - ذكر ابن العربي الحاتمي الطائي في التقديم لهذا البيت أن الحلّاج كتب إلى بعض تلامذته يقول : « السلام عليك يا ولدى ستر الله عنك ظاهر الشريعة وكشف لك حقيقة الكفر فان ظاهر الشريعة شرك خفى وحقيقة الكفر معرفة جليلة.
اما بعد اعلم أن الله تعالى تجلى عن رأس إبرة لمن شاء وتستر في السماوات والأرضين عمن شاء شهد أنه لا هو وشهد ذلك أنه غيره فالشاهد باثباته والشاهد على نفيه غير مذموم والمقصود من هذا الكتاب ان أوصيك ان لا تغتر بالله ولا تيأس منه ولا ترغب في محبته ولا ترض أن تكون له غير محب ولا تقل باثباته ولا تمل إلى نفيه وإياك والتوحيد والسلام. ( ! ) 
كفرت بدين الله والكفر واجب * لدى وعند المسلمين قبيح
( رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي ، رسالة إلى الإمام الرازي ، ص 43 ، ص 63 ، وانظر أخبار الحلّاج المذكور المجهول ) .
ج - قبل هذا خاطب ابن العربي الحاتمي الطائي فخر الدين الرازي ( محمد بن عبد اللّه ، ت 606 هـ / 1209 - 10 م ) في هذه الرسالة بقوله : « . . . فالعقول تعرف اللّه من حيث كونه موجودا ومن حيث السلب لا من حيث الإثبات ، وهذا خلاف الجماعة من العقلاء ، والمتكلمين إلّا سيدنا أبا حامد ( الغزالي ) - قدس اللّه روحه - فإنّه معنا في هذه القضية . 
ويجلّ اللّه سبحانه وتعالى أن يعرفه العقل

« 227 »
بفكره ونظره ، فينبغي للعاقل أن يخلي قلبه عن الكفر إذا أراد معرفة اللّه تعالى من حيث المشاهدة ، وينبغي للعالي الهمة ألّا يكون تلقّبه عند هذا من عالم الخيال » ، ( ص 2 - 3 ) .
ومثّل ابن العربي الحاتمي الطائي لهذه الفكرة بأنّه « إذا نظر البصر إلى الشيء الصقيل فيرى فيه الصور ، فإدراكه للصور لا للجسم الصقيل ، لأنّه لو جهد أن يدرك ما يقابل الصورة التي في الصقيل لم يقدر لأنّ الصقيل لا يتقيّد ، فإذا سئل ما رأى ؟ 
فلا يقدر أن يقول رأيت الصقيل لأنّه لا يتقيد ولا يحكم عليه بشيء . . . واعلم أنّ اللّه تعالى أن ( الصحيح : لن ) يحيط به بصر أو عقل ولكن الوهم السخيف يقدّره ويحدّه ، والخيال الضعيف يمثله ويصوّره . . . » ، ص 8 . 
ومثّل ابن العربي الحاتمي الطائي لهذه الفكرة بالقصة التالية :
« قيل : إنّ بعض الصادقين دعا إلى اللّه سبحانه وتعالى بحقيقة التوحيد فلم يستجب إلا الواحد بعد الواحد ، فعجب من ذلك ، فأوحى اللّه تعالى قال : كيف أحجبهم وأنا أدعوهم إليك ؟ 
قال : تكلم في الأسباب وفي أسباب الأسباب . قال : فدعا إلى اللّه تعالى من هذا الطريق فاستجاب له الجمّ الغفير » ، ص 9 . 
وأضاف ابن العربي الحاتمي الطائي إلى ذلك أنّ « حقيقة علم التوحيد باطن المعرفة وهي سبق المعروف إلى من به تعرّف بصفة مخصوصة لحبيب مقرّب مخصوص لا يسع معرفة ذلك الكافّة ، وإفشاء سرّ الربوبية كفر . 
وقال بعض العارفين : من صرّح بالتوحيد وأفشى سرّ الوحدانية فقتله أفضل من إحياء عشرة ، وقال بعضهم : للربوبية سرّ لو ظهر لبطلّت النبوّة ، وللنبوّة سرّ لو كشف لبطل العلم ، وللعلماء باللّه سرّ لو ظهر لبطلت الأحكام ، وبهذا وقع التدبير وعليه انتظم النهي والأمر ، واللّه تعالى غالب على أمره . . . » ، ( ص 10 ) .
د - ذكر السراج نماذج من شطحات الصوفية وتأويلاتها ( اللمع ، ص 455 - 515 ) ومن ذلك ما نسب إلى محمد بن موسى الفرغاني ( أبي بكر الواسطي ، ت بعد 320 هـ / 932 م ) أنّه قال : « من ذكر افترى ، ومن صبر اجترا ، ومن شكر انبرى » ، فقال السراج : « هذا الكلام ظاهره مستشنع ،

« 228 »
ولأهل التعنّت فيه مقال ، إلّا أنّ إشارته فيما نطق به صحيحة » . 
وذكر السرّاج وجوها لكل عبارة نجتزئ من كل مجموعة بواحدة ، فبالنسبة للعبارة الأولى قال السرّاج : « يحتمل أنه أراد بذلك أن من ظنّ أنّه قد ذكر اللّه باستحقاق ذكره فقد افترى ، وإن كان ذاكرا اللّه » . 
وبالنسبة للعبارة الثانية قال : « إنّ الصبر على طوارق البلوى داع يدعو صاحبه إلى الجسارة والدعوى وإلى استدعاء المحن والبلوى ، والعجز الجزع عن عمل المكاره . . . كما قال يحيى ابن معاذ الرازي ( ت 258 هـ / 872 م ) : « ذنب أتذلّل به بين يدي اللّه أحبّ إليّ من طاعة أدلّ بها عليه » . 
وبالنسبة للعبارة الثالثة ، قال السراج : « ومن خطر بباله أنّه شكر لأقل نعمة من نعمه ، ولو بذل في ذلك مهجته وأتلف بذلك روحه ، فقد انبرى ، يعني : قد انفصل من درجة المتوجّهين . . » ( اللمع ، ص 506 - 508 ) .
هـ - ذكرت للحلّاج عبارة تصلح أن تكون تفسيرا لهذا الشطح وذلك في قوله : « واعلم أن المرء قائم على بساط الشريعة ما لم يصل إلى مواقف التوحيد . 
فإذا وصل إليها سقطت من عينه الشريعة واشتغل باللوائح الطالعة من معدن الصدق . 
فإذا ترادفت عليه اللوائح وتتابعت عليه الطوالع ، صار التوحيد عنده زندقة والشريعة عنده هوسا ؛ فبقي بلا عين ولا أثر : إن استعمل الشريعة استعملها رسما ، وإن نطق بالتوحيد نطق به غلبة وقهرا ! !
( أخبار الحلّاج ، الخبر 47 ، ص 73 ) .

« 229 »
قافية الدال
[ 21 ]من الطويل :
1 - فما لي بعد بعد بعدك بعدما * تيقّنت أن القرب والبعد واحد
 1572 - وإني وإن أهجرت فالهجر صاحبي * وكيف يصحّ الهجر والحبّ واحد
 1583 - لك الحمد في التوفيق في محض خالص * لعبد زكيّ ما لغيرك ساجد
 159اللغة :
« أهجرت » كلمة لا ترد في المعاجم ، وهكذا استعملها الحلّاج ، ولا يبدو أن فيها تصحيفا .التحقيق :
أ - كلمة « واحد » تكررت في قافيتي البيت الأول والثاني ولا بد أن الثانية على الأقل كلمة أخرى مناسبة .
ب - في « شرح شطحيات » أضاف البقلي إلى هذه القطعة العبارات التالية :
« قال : القرب والبعد واحد في التوحيد إلّا للممتحنين ، والهجر والوصل واحد إلّا للمطرودين ، وإذا سجدت لآدم مأمورا فقد سجدت للحق ،
...............................................................................................
[ 21 ]
الطواسين : طاسين الأزل والالتباس ، ص 44 ، تقييد : ( مخطوط لندن ) ورقة 320 أشرح شطحيات للبقلي : ص 44 - 45 . ( طبعة طهران ، ص 518 ) .

« 230 »
إذ لم يكن غيره لأن الغيرية بدت له من حيث كان محتجبا من القدم بالحدث » ، ( ص 518 ) .


[ 22 ]من الخفيف :
1 - لا تلمني ، فاللوم منّي بعيد * وأجر ، سيدي ، فإنّي وحيد
 1602 - إن في الوعد : وعدك الحق حقا * إنّ في البدء : بدء أمري شديد
 1613 - من أراد الكتاب هذا خطابي * فاقرأوا واعلموا بأنّي شهيد
 162الشرح :
لقد عقدت العزم على أن أمضي في سلوك طريق التصوّف حتى نهايته ، وعاهدت نفسي أن أتحمل مشاقّه كلها متطلعا إلى سعادة القرب من المثل الأعلى ومتشوقا إليها وواثقا في صدق وعدك متوكلا عليك .
لهذا فإن وجدت فيّ ما أؤاخذ عليه فاعلم أن سبب ذلك قلة تجربتي وحداثة عهدي بهذه الرياضات الروحية لا فتوري ولا كسلي . 
من هنا قوّ عزمي ووجّهني وسدّد خطاي ، وهذا أعز آمالي .


[ 23 ]من مجزوء الرمل :
1 - قد تصبّرت ، وهل يص * بر قلبي عن فؤادي
 1632 - مازجت روحك روحي * في دنوّي وبعادي 164
...............................................................................................
[ 22 ]
الديوان ، ص 51 ، عن : الطواسين ( طاسين الأزل والالتباس ) 6 : 9 ، ص 53 وانظر أيضا :
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 320 ب - 321 أ .
[ 23 ]
الديوان ص 52 عن : الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي 3 / 132 ، ( البيت 2 ) . تقييد ( مخطوط قازان ، ص 281 ( البيتان 1 ، 2 ) . مخطوط لندن ، ورقة 6 ، 3 أ ( الأبيات 1 - 3 ) مخطوط تيمور ، ص 10 ( الأبيات 1 - 3 ) .
وانظر أيضا : مشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ، ص 87 .

« 231 »
3 - فأنا أنت كما أنّ * ك أنسي ومرادي
 165التحقيق :
أ - في مشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ، وردت ، « تصبّرت » في البيت الأول بدل « قد تصبّرت » التي أثبتناها ، ولعلها الصحيحة . 
ووردت « جسمي » فيه بدل « قلبي » . 
وفي البيت الثاني خلت « دنوّي » من الياء وبه يصح التسلسل في المعنى .
ب - في الفتوحات ، مصر 1293 هـ ، 3 / 155 ، قال ابن العربي الحاتمي الطائي في تقديم هذه الأبيات : « وفيها ما ادّعت ذلك في حال السكر كالحلّاج ، فقال قول سكران ، فخبط وخلط لحكم السكر عليه وما أخلص » فبهذا سعد ، وإن شقي به آخرون ، فلا جناح عليه ولا حرج لأنّه سكران وهم المسؤولون . . . » .
ج - جاءت « أنسي » في البيت الثالث - في الأصول - على « أنّي » ، وبما أثبتنا يستقيم المعنى وتجري « أنسي » مع مرادي المعطوفة .
د - بالنسبة لاجتماع القلب والفؤاد في الشطر الثاني من البيت الأول يحسن أن نورد إيضاح الحكيم الترمذي ( أبي عبد اللّه محمد بن علي ) من كتابه بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللبّ ، تحقيق الدكتور نقولا هير ، مصر 1958 :
لقد شبّه الحكيم الترمذي القلب بالعين في جمعها « ما بين الشفيرين من البياض والسواد والحدقة والنور الذي في الحدقة » والقلب عنده اسم جامع للصدر والقلب والفؤاد واللب « فالقلب هو الأصل والصدر هو الفرع » ، « والصدر في القلب هو في المقام من القلب بمنزلة بياض العين في العين . . . 

وهو موضع ولاية النفس الأمارة بالسوء . وهو موضع نور الإسلام . ويكون أول سبب الوصول إليه التعلّم والسمع ، وإنّما سمّي صدرا لأنه صدر القلب وأول مقامه كصدر النهار الذي هو أوله . . . » . 
« وأما القلب فهو المقام الثاني فيه وهو داخل الصدر ، وهو كسواد العين الذي هو داخل العين وهو البياض . . وهو معدن نور الإيمان ونور الخشوع والتقوى

« 232 »
والمحبّة . . وهو معدن أصول العلم لأنّه مثل عين الماء والصدر مثل الحوض ، يخرج من العين إليه الماء كالصدر يخرج من القلب إليه العلم أو يدخل من طريق السمع إليه ، والقلب يهيج منه اليقين والعلم والنيّة حتى يخرج إلى الصدر » . 
« ومثل الفؤاد من القلب ، وهو المقام الثالث ، كمثل الحدقة في سواد العين . . وهذا الفؤاد موضع المعرفة وموضع الخواطر وموضع الرواية ، وكل ما يستفيد الرجل يستفيد فؤاده أوّلا ثم القلب . 
والفؤاد في وسط القلب كما أنّ القلب في وسط الصدر مثل اللؤلؤة في الصدر » .
وينتهي الترمذي إلى اللبّ ، فيرى أنّه « كمثل نور البصر في العين وكمثل نور السراج في فتيلة القنديل . . وهذا اللّب موضع نور التوحيد ونور التفريد وهو النور الأتّم والسلطان الأعظم » ، ( ص 33 - 38 ) .
هـ - طرق أبو نواس هذا المعنى على صورة جميلة جدا وعلى أساس حسّي رومانطيكي إذا صحّ التعبير وذلك في قوله :
روحي مقيم عند خلصاني * وإنما الشاخص جثماني
إذا المطايا ازددن بعدا بنا * واشتاقه قلبي وإنساني
مثّله في القلب ذكري له * كبعض ما قد كان أبلاني
فتارة مثّله راضيا * وتارة في شخص غضبانك
نت لذكراه الفدى والحمى * وقلّ للمذهب أحزاني
( الديوان ، ص 282 ) 
وواضح أن الشطر الأخير يعني : «وقل هذا الفداء للمذهب أحزاني وهو الحبيب المتشوّق إليه». 
( انظر هامش المحقق ) .
[ 24 ]من المجتث :
تأمّل الوجد وجد * والفقد في الوجد فقد ( 1 )
والبعد لي منك قرب * والقرب لي منك بعد ( 2 )
...............................................................................................
[ 24 ]
تقييد بعض الحكم الأشعار مختصر من كلام السيد أبي عمارة الحسين بن منصور الحلّاج ، مخطوط الخزانة البريطانية في لندن ، رقم 9692 .Or، ورقة 324 أ .

« 233 »
وكيف يثبت ثان * وأنت ، يا فرد ، فرد ( 3 )
فذاك قلب المعاني * وليس من ذاك بدّ ( 4 )
والشّرك إثبات غير * الشّرك لا شكّ جحد ( 5 )
( 27 ) فجاء من ذا [ ك أنّي ] * بوصف غير أعد ( 6 )
( 29 ) أعدّ في الناس مولى * لأنني فيه عبد ( 7 )
النص :
في البيت الثالث « يثبت » جاءت على « أثبت » وبما أثبتنا يستقيم الإعراب .
في البيت السابع : ما بين الحاصرتين زيادة منا لإقامة الوزن والمعنى .
[ 25 ]من المجتثّ :
1 - أنتم ملكتم فؤادي * فهمت في كلّ واد
 1662 - ردّوا عليّ فؤادي * فقد عدمت رقادي
 1673 - أنا غريب وحيد * بكم يطول انفرادي
 168التحقيق :
أ - أثبت ماسينيون الياء في « واد » والصحيح ما أثبتنا .
ب - سجّل ماسينيون « ردّوا » في البيت الثاني على « ودقّ » وبما ذكرنا يستقيم المعنى والوزن .
ج - جاءت « غريب » و « وحيد » عند ماسينيون منصوبتين وبما أثبتنا يستقيم المعنى ويصحّ الوضع النحوي .
...............................................................................................
[ 25 ]
الديوان ، ص 52 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 342 أ ) .

« 234 »
[ 25 أ ]الغائب الحاضر
1 - يا غائبا شاهدا في حال غيبته * إن غاب شخصك فالتذكار موجود
 1692 - والصبر عنك فمذمومة عواقبه * والصبر في سائر الأشياء محمود
 1703 - ومن دنا منك نال الخير أجمعه * ومن نأى عنك مكروب ومخمود
...............................................................................................
 171( 25 أ ) ذيل تاريخ بغداد لابن النجّار ، مخطوط في دار الكتب الوطنية في باريس تحققه طالبة الدراسات العليا آلاء نافع جاسم بإشراف الأستاذة نبيلة عبد المنعم .
اللغة والشرح :
مخمود ، في قافية البيت الثالث ، تعني سكون لهيب النار مع عدم انطفاء جمرها ، وهو معنى يحتمل هذه الكلمة . 
لكننا نرى أن المكان يحتمل كلمة « مكمود » التي تعني « تغيّر اللون والحزن الشديد ومرض القلب منه » كما في القاموس المحيط للفيروز آبادي ( المادة ) .
والمعنى كله يدور حول امتلاء النفس بالمحبوب سعادة في حال حضوره وعذابا وتشوّقا في حال غيابه ، لاستحقاقه للحب والشوق والاحتياج لأنه لا يمكن الاستغناء عنه في حال من الأحوال .
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية الرّاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:00 pm

القوافي في ديوان الحلّاج قافية الرّاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية الرّاء
[ 26 ]من البسيط :
1 - عقد النبوة مصباح من النور * معلّق الوحي في مشكاة تأمور
 1722 - باللّه ينفخ نفخ الروح في خلدي * لخاطري نفخ إسرافيل في الصور
 1733 - إذا تجلّى لروحي أن يكلّمني * رأيت في غيبتي موسى على الطور
 174النص :
أورد ماسينيون « لروحي » في الشطر الأول من البيت الثالث على « لطوري »
التحقيق :
وقد جاءت في المخطوط الأول على ما أثبتنا .
عقد النبوة : هنا بمعنى « عهد النبوة » لأنّ « عاقدته عقدا مثل عاهدته عهدا » ( كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي 100 - 175 هـ / 718 -
...............................................................................................
[ 26 ]
الديوان ، ص 57 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 336 ب ) ، مخطوط الجزائري ، ورقة 3 أ ، مخطوط الخزانة السليمانية بإستانبول ومخطوط قازان ، 24 .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 26 وفيه يشير المحققان إلى عذاب الحلّاج لماسينيون ( وهي رسالته الكبيرة التي نال بها الدكتوراه وعنوانها بالفرنسيةPassion ( D'al - Hallajص 123 - 4 .

« 236 »
791 م تحقيق الدكتور عبد اللّه درويش ، الجزء الأول ، بغداد 1386 هـ / 1967 ، ص 163 ) ، والمقصود بعقد النبوة تقريرها وإسباغها على إنسان لطفا من اللّه . وفي الشطر الأوّل تشبيه لعقد النبوة بالمصباح مع حذف أداة التشبيه . 
والعقد عند الصوفية « عقد السرّ وهو ما يعتقد القلب بقلبه بينه وبين اللّه تعالى أن يفعل كذا » ( اللمع ، ص 430 ) .
المشكاة : - معروفة وهي « الكوّة التي ليست بنافذة » كما في مختار الصحاح وتقابل « الروزنة » في الفارسي المعرّب ، التي يوضع فيها المصباح .
وقد ذكر ابن ناقيا البغدادي ( أبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن الحسن ، 410 - 485 هـ / 1019 - 1092 م ) أنّ المشكاة ربما كانت من لسان الحبشة ( الجمان في تشبيهات القرآن ، تحقيق عدنان محمد زرزور ومحمد رضوان الداية ، الكويت 1387 / 1968 ، ص 141 ) .
التأمور ( بالهمزة وبدونه ) : « هو كما عند أبي علي الفارسي ( الحسن بن أحمد النحوي ، 288 - 377 هـ / 901 - 987 م » ، انظر رغبة الآمل - هـ 4 : 24 ) سرياني معرّب في رأي ابن دريد ( أبي بكر محمد بن الحسن الأزدي البصري ، ت 321 هـ / 933 م ) ( انظر : المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي تحقيق محمد أحمد جاد المولى وزميليه ، ط 2 ، دار إحياء الكتب العربية ، بلا تاريخ ، 1 : 282 ) بمعنى « موضع السرّ » وكذا ذكر ابن ناقيا المذكور ( الجمان ، ص 142 ) 
واستشهد لذلك بقول أوس بن حجر ( نحو 98 - 2 ق . هـ / 530 - 620 م ) :
نبّئت أنّ بني سحيم أدخلوا * أبياتهم تامور نفس المنذر
ومراده من التامور هنا ، في رأي المحققين « النفس أو دم القلب ، فمراده بالتامور في البيت مهجة نفسه ، أي قتلوه » ( الجمان ، ص 142 ) .
وقد وردت التامورة في شعر الأعشى بمعنى وعاء الشراب في قوله :
فدخلت ، إذ نام الرقي * ب ، فبتّ دون ثيابها
وإذا لنا تامورة * مرفوعة لشرابها

« 237 »
( الديوان ، تحقيق الدكتور محمد حسين ، بيروت 1968 ، ص 289 - 291 ) . 
وفي رسالة الغفران ترد « لنا » على « لها » ( ط 3 ، ص 231 ) . 
ونقل الدكتور محمد حسين من المعرّب للجواليقي أنّ التامورة فارسي معرب ، صومعة الراهب ، وهي عند شهاب الدين الخفاجي ( أحمد بن محمد بن عمر المصري ، 977 - 1069 هـ / 1569 - 1658 ) .
وعاء للشراب أيضا وشاهده على ذلك بيت الأعشى المذكور ( شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ، مصر 1371 هـ / 1952 م ، ص 86 ) .
والتامورة ، بعد هذا : « الوعاء والنفس وحياتها والقلب وجنّته وحياته ودمه ، أو الدم ، والزعفران والولد ووعاؤه ووزير الملك ولعب الجواري أو الصبيان وصومعة الراهب وناموسه والماء وعريسة الأسد والخمر والإبريق . . . والتأموري والتأمري والتؤمري : الإنسان . . . » كما في القاموس المحيط ( مادة أمر ) . 
والعرب تقول « ألقي في روعي وفي قلبي وفي جخيفي وفي تاموري . . . ومعناه كله واحد » ، أي في أعماق النفس وفي القلب « الذي يبقي للإنسان ما بقي » ( رغبة الأمل 4 : 24 ) .
وإشباعا لهذا التتابع نقل عن أبي عبيد البكري الأوبني ( ت ، 487 هـ / 1094 م ) مزيدا من القول في معنى التأمور :
قال : « التامور ينقسم في اللغة على ستة أقسام :
أحدها : أن يكون التامور موضع الأسد . . .
ويكون صومعة الراهب ، قال [ هـ / ربيعة بن مقروم ] :
كدنا ، لبهجتها وحسن حديثها * ولهمّ من تاموره يتنزّل
ويكون دم القلب ، قال [ هـ / أوس بن حجر ] :
نبّئت أن بني سحيم أدخلوا * أبياتهم تأمور نفس المنذر
والعرب تقول : حرف في تأمورك خير من ألف في طومارك [ والطومار الصحيفة ] .

« 238 »
« ويكون التامور الماء , ويكون بمعنى : أحد , ويكون الإبريق . . . »
كما في فصل المقال في شرح كتاب الأمثال ، بتحقيق د . عبد المجيد عابدين ود . إحسان عباس ، ط . الخرطوم 1958 ، ( ص 402 ) .
والخلد : البال ، يقال : « وقع ذلك في خلدي أي في قلبي » كما في مختار الصحاح . 
وإسرافيل : الملك الموكّل بإعلان يوم القيامة بالنفخ في صوره أي قرنه بمعنى البوق كما يبدو من قول ابن الأثير الجزري ( المبارك ابن محمد بن محمد ، ت 606 هـ / 1209 - 10 م ) ، 
و « هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل - عليه السلام - عند بعث الموتى إلى المحشر . 
وقال بعضهم :
إن الصور جمع صورة يريد صور الموتى ينفخ فيها الأرواح ، والصحيح الأول لأن الأحاديث تعاضدت عليه تارة بالصور وتارة بالقرن » ( النهاية في غريب الحديث ، مصر 1322 ، 3 : 5 ) .
وظاهر أنّ الحلّاج اختار المعنى الثاني .
الطور : الجبل على العموم كما في المعاجم . ويشير الحلّاج هنا إلى الجبل في طور سيناء الذي تجلى فيه اللّه - عزّ وجلّ - لما دعاه موسى أن ينظر إليه ، 
وذلك في قوله تعالى( وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ، قالَ : رَبِّ ، أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ! قالَ : لَنْ تَرانِي ، وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي . فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً . فَلَمَّا أَفاقَ ، قالَ : سُبْحانَكَ ، تُبْتُ إِلَيْكَ ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )( الأعراف 7 :143 ) . 
وبعد هذا مباشرة قال تعالى :( قالَ : يا مُوسى ، إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي ، فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ).
فلعل الحلّاج كان يشير إلى هذه النتيجة التي أثمرتها تلك المقدمة .
والطور الأوّل المضاف إلى ضمير الحلّاج هنا يراد بها القلب ، كما واضح ، في مقابل الطور الثانية المتصلة بقصة موسى المذكورة .

« 239 »
وفي مناسبة تجلّي اللّه - سبحانه - لموسى في الطور أورد السيوطي ( جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ، ت 911 هـ / 1505 - 6 م ) حديثا في كتابه « اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة » ( نشر المكتبة التجارية الكبري بمصر ، بلا تاريخ ، 1 : 12 ) لم يحكم بوضعه بل يفهم من كلامه ترجيح صحّته ، ونصّه « . . . عن جابر بن عبد اللّه قال :
قال : رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لما كلّم اللّه موسى يوم الطور ، كلّمه بغير الكلام الذي كلّمه يوم ناداه ، فقال له موسى : يا ربّ ، ما هذا كلامك الذي كلمتني به .
قال يا موسى ، إنما كلّمتك بقوة عشرة آلاف لسان ، ولي قوة الألسن كلّها وأنا أقوى من ذلك . فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل ، قالوا : يا موسى ، صف لنا كلام الرحمن . قال : سبحان اللّه ! لا أستطيعه . 

قالوا فشبّه لنا . قال : ألم تروا إلى صوت الصواعق التي تقتل ، فإنّه قريب منه وليس به » .
ونقل عيسى صفاء الدين البندنيجي ( ت 1283 هـ / 1866 - 7 م )
عن الحلّاج أنه « سئل عن حال موسى - عليه السلام - في وقت الكلام فقال : بدا له باد من الحقّ ، فلم يبق لموسى أثر : فني موسى عن موسى ولم يكن لموسى خير من موسى ! ثم كلّم فكان المكلّم بحصول موسى في حال الجمع وفنائه عنه . ومتى كان يطيق موسى حمل الخطاب لو بإيّاه ( كذا ) كان ! لكنه باللّه - عزّ وجلّ - قام وبه سمع . ثم أنشد على أثر هذا الكلام أبياتا وقال : فيه مضى جواب مسألتك » . 
( جامع الأنوار في مناقب الأخيار ، مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، رقم 336 ، ص 357 ) .
التحقيق :
أ - قدّم صاحب أخبار الحلّاج لهذه المقطّعة بقوله : « وعن أبي الحسن علي بن أحمد مردويه قال : رأيت الحلّاج في سوق القطيعة ببغداد باكيا يصيح : أيّها الناس أغيثوني من اللّه ، ثلاث مرات ، فإنّه اختطفني منّي وليس يردّني عليّ ، ولا أطيق مراعاة تلك الحضرة وأخاف الهجران فأكون

« 240 »
غائبا محروما ، والويل لمن يغيب ( عنه ) بعد الحضور ويهجر بعد الوصل .
فبكى الناس لبكائه حتى بلغ مسجد عتّاب ، فوقف على بابه وأخذ في كلام فهم الناس بعضه وأشكل عليهم بعضه . 
فكان مما فهمه الناس أنّه قال : أيّها الناس ، أنه يحدّث الخلق تلطفا فيتجلّى لهم ثم يستتر عنهم تربية لهم . 
فلو لا تجلّيه لكفروا جملة ، ولولا ستره لفتنوا جميعا ، فلا يديم عليهم إحدى الحالتين . 
لكن ليس يستتر عنّي لحظة فأستريح حتى استهلكت ناسوتيّتي في لاهوتيّته وتلاشى جسمي في أنوار ذاته ، فلا عين لي ولا أثر ، ولا وجه ولا خبر، والأجسام متحركة بياسينه ، والهو (لعلها والياء) والسين طريقان إلى معرفة النقطة صلية (اللّه) ثم أنشأ يقول . . .».

[ 27 ]من الطويل :
1 - لأنوار نور النور في الخلق أنوار * وللسرّ في سرّ المسرّين أسرار
 1752 - وللكون في الأكوان كون مكوّن * يكنّ له قلبي ويهدي ويختار
 1763 - تأمّل بعين العقل ما أنا واصف * فللعقل أسماع وعاة وأبصار
 177التحقيق :
1 - قدم صاحب أخبار الحلّاج لهذه القطعة بقوله : « وقال : عين التوحيد مودعة في السرّ ، والسرّ مودع بين الخاطرين ، والخاطران مودعان بين الفكرتين ، والفكرة أسرع من لواحظ العيون ، ثم أنشأ يقول : »
2 - أعاد السهروردي المقتول بناء هذه الصورة الشعرية باستعارة البيت الأول من المقطعة وركّب عليه مقطوعة سباعية قال فيها :
لأنوار نور اللّه في القلب أنوار * وللسرّ في سرّ المحبّين أسرار
ولمّا حضرنا للسرور بمجلس * وحفّت بنا من عالم الغيب أسرار
...............................................................................................
[ 27 ]
الديوان ، ص 59 عن : تقييد ( مخطوط الجزائري ، ورقة 4 أ ) ، مخطوط لندن ، ورقة 338 أ . وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 52 .

« 241 »
ودارت علينا للمفارق قهوة * يطوف بها من جوهر العقل خمّار
وكاشفنا حتى رأيناه جهرة * بأبصار صدق لا تواريه أستار
وخالصنا في شكرنا ( ثم ) صحونا * قديم عليم دائم العفو جبّار
سجدنا سجودا حين قال : تمتّعوا * برؤيتنا إنّي أنا لكم جار
( خزانة الخيال لمحمد مؤمن بن هاشم الجزائري ( ت 1130 هـ / 1718 م ) ، ط . قم 1393 هـ ، ص 591 - 592 ) .

[ 28 ]من الوافر :
1 - دلال ، يا محمد ، مستعار ! * دلال بعد أن شاب العذار ؟ ! 
1782 - ملكت - وحرمة الخلوات - قلبا * لعبت به وقرّ به القرار
 1793 - فلا عين يورّقها اشتياق * ولا قلب يقلقله ادّكار 
1804 - نزلت بمنزل الأعداء منّي * وبنت ، فلا تزور ولا تزار
 1815 - « كما ذهب الحمار بأمّ عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار » ! 
182التحقيق :
أ - ذكر ماسينيون أن « يا محمد » جاءت في غير « تاريخ بغداد » من المصادر على « يا خليل » وأثبت هو في النص « يا حبيبي » وما أثبتنا ورد في تاريخ بغداد برواية معقولة .
ب - في البيت الثاني جاءت ( قرّ به ) على « قرّبه » والصحيح ما أثبتنا .
ج - في البيت الرابع أثبت ماسينيون في نصه « وثبت ، فلا تزور ولا تزار » وذكر في الهامش أن ذلك من العبارات الكلاسيكية نقلا عن « مجاني الأدب » للأب لويس شيخو 2 : 126 ، والشرنوبي في « تحفة العصر » ، مصر
...............................................................................................
[ 28 ]
الديوان ، ص 111 عن : ابن حيويه . انظر : الخطيب : تاريخ بغداد ( 8 / 116 ) ، الجلدكي : غاية : ابن فضل اللّه 2 / 316 ، البيت الخامس . وانظر : عذاب الحلّاج ، ص 234 .1166 ، ص 14 - 15 . 

« 242 »
والحق أن تسلسل المعنى لا يستدعي التوبة بل البعد والاعتزال ، ومن هنا تصلح « بنت » فأثبتناها كما في رواية البغدادي . وسجّل ماسينيون العبارة التالية على « فلا تزور ولا تزار » وفيها قلق من عود الضمير في الفعلين على اثنين وهو أمر لا يخفى . يضاف إلى هذا أن « لا تزور » و « لا تزار » بمعنى ، وفية خلف . 
فلم يبق إلّا أن تصحّ العبارة التي أثبتناها ليصح التسلسل . ثم إنّ العبارة الكلاسيكية ليست هذه وإنّما هي في البيت التالي الذي يتضمن المثل المعروف .
د - ذكر ماسينيون أنّ هذه المقطعة مما تمثّل به الحلّاج من نظم الشعراء السابقين ، ولم يفطن إلى ما ذكره الخطيب البغدادي في الموضع الذي أشرنا إليه من قوله : « أنبأنا الحسن بن علي الجوهري ، حدثنا محمد بن العباس الخزّاز قال : أنشدنا أبو عبد اللّه محمد بن عبيد اللّه الكاتب ، قال :
أنشدني أبو منصور أحمد بن مطر قال : أنشدني أبو عبد اللّه الحسين بن منصور الحلّاج لنفسه : وحبست معه في المطبق . . . » ، ( 8 : 116 ) .
هـ - هذه القطعة من شعر الحلّاج الحسيّ الساخر وفيها سلاسة وحسن تصرف في التضمين وهي تنظر ، فيما يبدو ، إلى قول أبي محمد اليزيدي يحيى بن المدارك العدوي ، مؤدّب المأمون ، 138 - 202 هـ / 755 - 818 م ) :
حبيبي لا يزور ولا يزار * وفيه عن مواصلتي نفارو
عيني لا تجفّ لها دموع * معاقبة سواكبها غزار
على وجه تطيف به صفات * فتغرق في المحاسن أو تحار
كأنّ الخمر تغدو وجنتيه * وحسبك ما تزيّنه العقار
كليل الطرف يجرحه - إذا ما * تحيّر فوق وجنته – احمرار
قضيب البان قامته ، ويخطو * بدعص نقا يغصّ به الإزار
(طبقات الشعراء لابن المعتز بتحقيق عبد الستار أحمد فرّاج، سلسلة ذخائر العرب رقم 20، دار المعارف بمصر 1956 م، ص 275. 
ووردت « صفات » في البيت الثالث على « صفاتي » و « دعص » في البيت السادس

« 243 »
بالضاد المعجمة وهو من خطأ الطبع ، والكتيب « يعبّر به عن الردف الثقيل » .
و - ألمّ الشعراء بهذا المعنى ، ومن ذلك قول أبي هلال العسكري ( ت 400 هـ / 1009 م ) :
لعب الزمان بحسن وجه محمّد * لعب الصّبا بالرّبع حتى أقفرا
قد كان معروف الجمال فلم يزل * ينتابه الحدثان حتى أنكرا
عهدي به متكفّر متعصفر * ثم انثنى متصندلا متزعفرا
وكأنّما صدغاه في وجنتاته * جعلان ينتابان سلحا أصفرا !
( ديوانه بتحقيق د . محسن غياض ، منشورات عويدات ، بيروت 1975 ، ص 98 )
ز - وأما أم عمرو التي ذهب بها الحمار فقد ذكر الأبشيهي ( محمد بن أحمد ، ت 850 هـ / 1446 م ) في المستطرف ، ( طبع مطبعة الاستقامة بمصر ، 1379 هـ ، 2 / 242 - 243 ) أنه حكى عن الجاحظ ( أبي عثمان عمرو بن بحر البصري ، ت 255 هـ / 869 م ) أنه قال : « ألّفت كتابا في نوادر المعلّمين وما هم عليه من التغفّل [ ! ] ، 
ثم رجعت عن ذلك وعزمت على تقطيع ذلك . فدخلت ، يوما ، فوجدت معلّما في هيئة حسنة ، فسلّمت عليه ، فردّ أحسن ردّ ورحّب بي . . . [ واتضّح أنه كان حزينا كاسف البال لموت معشوقة خيالية لم يرها ] فلما سأله الجاحظ :
كيف عشقت من لم تره فقال :
« اعلم أني كنت جالسا في هذا المكان - وأنا أنظر من الطاق ، إذ رأيت رجلا عليه برد وهو يقول :
يا أمّ عمرو ، جزاك اللّه مكرمة * ردّي عليّ فؤادي كالذي كانا
فقلت في نفسي : لولا أن أمّ عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر ، فعشقتها .

« 244 »
فلما كان بعد يومين مرّ ذلك الرجل وهو يقول :
لقد ذهب الحمار بأمّ عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار
فعلمت أنها ماتت فحزنت عليها وأغلقت المكتب وجلست في الدار. . .» فعاد الجاحظ إلى عزمه الأول وصنف في المعلمين رسالته.

[ 29 ]من السريع :
1 - يا موضع الناظر من ناظري * ويا مكان السرّ من خاطري
 1832 - يا جملة الكلّ التي كلّها * أحبّ من بعضي ومن سائري 
1843 - تراك ترثي للذي قلبه * معلّق في مخلبي طائر
1854 - مدلّه حيران مستوحش * يهرب من قفر إلى آخر
1865 - يسري وما يدري وأسراره * تسري كلمح البارق النائر
1876 - كسرعة الوهم لمن وهمه * على دقيق الغامض الغائر
1887 - في لجّ بحر الفكر تجري به * لطائف من قدرة القادر
189التحقيق :
أ - في روضة التعريف جاء الشطر الأول من البيت الأول على « يا نور نور النور من ناظري » وهو تصرّف أريد به أن تتشعشع القطعة بألفاظ الصوفية ! وجاءت « مكان » في البيت الأول على « محلّ » .
ب - ذكر البقلي أن هذه القطعة قد توجّه بها الحلّاج إلى الشبلي بعد
...............................................................................................
[ 29 ]
الديوان ، ص 18 - 19 عن : مخطوط كوبرولو ، 1620 ، القسم الرابع ، ( الأبيات 1 - 7 ) . تقييد : مخطوط لندن ، ورقة 325 ب ( الأبيات 1 - 5 ، 7 ، 6 ) . مخطوط قازان ، ص 77 ( البيتان 1 ، 2 ) ، ص 92 ( الأبيات 1 - 3 ، 5 - 8 ) . البقلي : شرح شطحيات ، رقم 164 ( البيتان 1 ، 2 ) . الجلدكي : غاية السرور ( الأبيات 1 - 7 ) وانظر أيضا :
روضة التعريف في الحب الشريف للسان الدين بن الخطيب ( محمد بن عبد اللّه بن سعيد السلماني ، 713 - 776 هـ - 1313 - 1375 م ) ، مصر 1387 - 1968 ، ص 347 ، دون نسبة ، ( الأبيات 1 ، 3 ، 4 ) .

« 245 »
أن قال له مشيرا إلى عين الجمع ، خلق الحق القلوب ووضع سرّه في داخلها ، وخلق الأنفاس وجعل مجراها في داخل القلب بينه وبين السرّ ، ووضع المعرفة في القلب والتوحيد في السرّ ، فلم يخرج نفس قطّ إلّا بإشارة التوحيد ودلالة المعرفة على بساط الاضطراب في عالم الربوبية ، وكل نفس يخلو من هذا فإنّما هو ميت وصاحبه عنه مسؤول » .
ج - في البيت الثاني جاءت : « أحبّ » في « شرح شطحيات » ( المطبوع ) وفي إثر ذلك قال هذين البيتين ، ص 381 ، على « كلّي » ( ص 380 ) وهو خطأ واضح .
د - في البيت الرابع ، يرى كاتب هذه السطور أن مولّه أوفى بالغرض من مدلّه وأنسب للمعنى وإن كان مدلول اللفظين متقاربا فمعنى المدلّه - كما في القاموس - « الساهي القلب من عشق ونحوه أو من لا يحفظ ما فعل به » والمولّه من الوله وهو « الحزن أو ذهاب العقل حزنا والخوف ، ومنه أتلهه النبيذ ، بمعنى « ذهب بعقله » .
هـ - بالنسبة للفظ « نائر » في البيت الخامس يصحّ أن تذكر أن شاعر المرتدّين قال :
ألا صبّحونا قبل نائرة الفجر * لعل منايانا قريب ولا ندري
أطعنا رسول اللّه ، ما كان بيننا ، * فيا لعباد اللّه ، ما لأبي بكر ؟ !
( انظر مفيد العلوم ومبيد الهموم لأبي بكر الخوارزمي ، جمال الدين ، مصر 1330 ، ص 84 ) وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون أنّ هذا الكتاب « مجلد لبعض المغاربة المتأخرين » .
ز - في البيت السادس وردت « الغائر » على « الغابر » وما أثبتناه مصداق لرأي الدكتور مصطفى جواد في ملاحظاته على « ديوان الشبلي » بتحقيقنا .
ومع قرب متناول هذا الرأي يحسن أن نذكر أن الفيروزآبادي شرح معنى « غبر » بأنّه : مكث وذهب ، وهو ضد وبهذا قد يصح المعنى بكلمة « غابر » أيضا بتشبيه الأسرار في اضطرابها وخفائها بالأمور الغامضة التي لا يقرّ لها قرار في الذهاب والبقاء .

« 246 »
[ 30 ] من الطويل :
1 - إذا بلغ الصبّ الكمال من الهوى * وغاب عن المذكور في سطوة الذّكر
 1902 - يشاهد حقا ، حين يشهده الهوى ، * بأنّ كمال العاشقين من الكفر
 191النص :
ذهل ماسينيون ، انسياقا مع الروايات الأخرى ، عن الإشارة إلى أن النص الأساس لتركيب ديوان الحلّاج أنه هو رسالة « تقييد بعض الحكم والأشعار » ( ورقة 338 ب ) التي وردت فيها « كمال العاشقين » وأوردها هو على « صلاة العاشقين » سهوا .
التحقيق :
أ - سجّل ماسينيون هذه القطعة على روايتين نقلا عن أصول الديوان المخطوطة كما يلي :
1 - إذا بلغ الصبّ الكمال من الفتى * ويذهل عن وصل الحبيب من السكر
فيشهد صدقا حيث يشهده الهوى * بأن صلاة العاشقين من الكفر
2 - إذا بلغ الصبّ الكمال من الهوى * وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
فشاهد حقا حين يشهده الهوى * بأنّ صلاة العارفين من الكفر
أما نحن فنراها واحدة تتمثل في النص الذي أثبتناه . 
وقد ذكر ماسينيون أن الرواية الثانية مطعّمة بمدرسة ابن العربي الحاتمي الطائي ، ولا دليل على ذلك أوّلا ، ثم لا نرى فرقا بين مدرسة ابن العربي الحاتمي الطائي والحلّاج أصلا . 
وقد حملنا على إعادة ترتيب هذه القطعة على الصورة التي اخترناها أنّها تتضمن - من الناحية النحوية -
...............................................................................................
[ 30 ]
الديوان ، ص 56 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 338 ب ) ، مخطوط السليمانية ، 12 ، مخطوط تيمور ، 37 ، ومخطوط قازان ، 50 ( للرواية الأولى ) الحريري ( انظر ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل ، القاهرة 1341 هـ ، ص 64 ، حيث ترد الرواية الثانية فقط مع تعليق خاص ) . انظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 66 .

« 247 »
بناء متكاملا يتضمن فعل الشرط وجوابه لأداة الشرط « إذا » . وروايتا ماسينيون - ومصادره - تخلو من هذا الترابط النحوي ، ويمكن أن يفترض للرواية الثانية سقوط بيت ثالث منها يتضمن الجواب وهو نوع من التمحّل يغني عنه ترتيبنا الجديد .
ب - بالنسبة للمفاضلة بين روايتي الشطر الثاني من البيت الأول يرجّح أصالة روايتنا ورودها في « كراس وجد بخط بعض الثقات » من أتباع وحدة الوجود أيام ابن تيمية فتصدّى للرد عليه في رسالة « إبطال وحدة الوجود » من كتابه « مجموعة الرسائل والمسائل » ( ص 61 - 120 ) . 
ويؤيد ذلك أن الفعل « يذهل » في الرواية الثانية لا يصلح نحويّا في صورة المضارع ولا يمكن وضعه هنا في صورة الماضي أصلا لاضطراب الوزن .
وسجّل ابن تيمية هذا النص على الصورة التالية :
إذا بلغ الصّبّ الكمال من الهوى * وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
يشاهد حقّا ، حين يشهده الهوى ، * بأنّ صلاة العارفين من الكفر
( مجموعة الرسائل والمسائل له ، 1 / 64 ) .
ثم إن هنا تعرّضا للذكر وفيه تبدو على الصوفي الأحوال ومنها غيبة الذاكر عن المذكور باعتباره حالا حائلة لا تدوم . 
وقد مرّ بنا فيما مضى قول البقلي : « القرب والبعد واحد في التوحيد إلّا للممتحنين والهجر والوصل واحد للمطرودين » وهي عبارة تشرح هذا الغرض وترجّح الشطر الذي أثبتناه .
ج - واضح أنّ « العاشقين » أصلح من « العارفين » في البيت الثاني ، وإن كانت الثانية أشهر .
د - انظر في تعليل الصوفية لهذا المعنى تعليقاتنا على بيت الحلّاج الماضي :
كفرت بدين اللّه والكفر واجب * عليّ وعند المسلمين قبيحه 
- قدّم ابن فاتك لهذه القطعة بقوله : « دخلت على الحلّاج ليلة وهو

« 248 »
في الصلاة مبتدئا بقراءة سورة البقرة ، فصلى ركعات حتى غلبني النوم . فلما انتهيت سمعته يقرأ سورة : حم عسق ، فعلمت أنه يريد الختم ، فختم القرآن في ركعة واحدة ، وقرأ في الثانية ما قرأ .
فضحك إليّ وقال : ألا ترى أنّي أصلّي أراضيه ؟ ! من ظنّ أنّه يرضيه بالخدمة فقد جعل لرضاه ثمنا ، ثم ضحك وأنشأ يقول . . . »
و - علّق ابن تيمية على هذه القطعة تعليق شارح ناقض بقوله :
« فهذا الكلام ، مع أنه كفر ، هو كلام جاهل لا يتصور ما يقول ، فإن الفناء والغيب هو أن يغيب بالمذكور عن الذكر وبالمعروف عن المعرفة وبالمعبود عن العبادة حتى يفنى من لم يكن ويبقى ما لم يزل . وهذا مقام الفناء الذي يعرض لكثير من السالكين لعجزهم عن كمال الشهود المطابق للحقيقة بخلاف الفناء الشرعي ، فمضمونه الفناء بعبادته عن عبادة ما سواه وبحبّه عن حب ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه ، فإنّ هذا تحقيق التوحيد والإيمان .
وأما النوع الثالث من الفناء ، وهو الفناء عن وجود السوى بحيث يرى أنّ وجود الخالق هو وجود المخلوق ، فهذا قول هؤلاء الملاحدة أهل الوحدة ( وحدة الوجود ) والمقصود هنا أن : يغيب عن المذكور ، كلام جاهل ، فإن هذا لا يحمد أصلا بل المحمود أن يغيب بالمذكور عن الذكر « لا » أن يغيب عن المذكور في سطوات الذكر ، اللّهم إلّا أن يريد أنّه غاب عن المذكور فشهد بالمخلوق وشهد أنّه الخالق ولم يشهد الوجود إلّا واحدا ونحو ذلك من المشاهد الفاسدة . 
فهذا شهود أهل الإلحاد لا شهود الموحّدين . ولعمري ، إنّ من شهد هذا الشهود الإلحادي فإنّه يرى صلاة العارفين من الكفر » ( مجموعة الرسائل والمسائل ، ص 105 - 106 ) .
ز - إنّ إثبات « كمال العاشقين » بدل « صلاة العاشقين » المزعومة يغني عن هذا التمحّل وهذا التهجّم . ويشهد لصحّة نصّنا أن الكلام يدور على « الكمال » الذي يبلغه العاشق في الحبّ الإلهي ويتضمّنه فعل الشرط ليذكر أن

« 249 »
دعوى الكمال في الحب يعتبر كفرا لأنه ، في حقيقته ، غرور وغرّة وطمع .
فالمحبّ الإنسان يبقى إنسانا في الأحوال كلها خصوصا إذا غاب عن وعيه وعرف الحقّ من الحبّ مباشرة . والحلّاج هنا مظلوم ، وكل ما قيل في ثلبه بهذا الخصوص ثواب له .
[ 31 ]من الطويل :
1 - مواجيد حقّ أوجد الحقّ كلّها * وإن عجزت عنها فهوم الأكابر
 1922 - وما الوجد إلّا خطرة ثم نظرة * تنشّي لهيبا بين تلك السرائر
 1933 - إذا سكن الحقّ السريرة ضوعفت * ثلاثة أحوال ، لأهل البصائر
 1944 - فحال يبيد السرّ عن كنه وصفه * ويحضره للوجد في حال حائر
 1955 - وحال به زمّت ذرى السرّ فانثنت * إلى منظر أفناه عن كلّ ناظر 196
...............................................................................................
[ 31 ]
الديوان ، ص 54 عن : تقييد ( مخطوط تيمور ، ص 33 ) ، مخطوط لندن ، ورقة 334 ب ، مخطوط الجزائري ، ورقة أب - 2 أ ، مخطوط قازان ، ص 39 ، السلمي :
طبقات الصوفية ( مخطوط المتحف البريطاني مضافات 18520 ، ورقة 7 ب ) ، الشعراني : لواقح الأنوار ، طبقات الصوفية لأبي إسماعيل عبد اللّه بن محمد الهروي الأنصاري ) ، مخطوط مكتبة نور عثمانية بإستانبول ، رقم 2500 ، مادة الحلّاج ( البيت الأول فقط ) . ابن فضل اللّه العمري : مسالك الأبصار ، مخطوط آيا صوفيا ، 3421 ، الجزء السابع ( البيتان الأولان ) . الشطنوفي : بهجة الأسرار ومعدن الأنوار ، مصر 1330 ، ص 181 .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 54 - 55 وفيه إشارة إلى ورود البيت الأول في التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ( أبي بكر محمد بن إسحاق ، ت 380 هـ - 990 م ) ، مصر 1352 ، ص 104 . 
وراجع طبقات الصوفية للسلمي ( أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين ت 412 هـ - 1021 م ، تحقيق نور الدين شريبة ، مصر 1372 - 1953 م ، ص : 310 وطبقات الصوفية للأنصاري ، تحقيق عبد الحيّ حبيبي ، ميزان ، أفغانستان ، 1341 هـ . ش - 1962 م ، ص 323 ، جامع الأنوار في مناقب الأخيار للبدنيجي ( عيسى صفاء الدين ، ت 1283 هـ - 1866 - 7 م ، مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، رقم 366 ) ، ص 356 .

« 250 »
اللغة :
المواجيد : « أحوال ومقامات عديدة تظهر للأولياء والعرفاء والسالكين بطريق الكشف والوجدان ، إذ المواجيد جمع موجود ، والموجود معروف ، ويراد بالوجدان الحال لا العلم ومنه الفناء ، وهو عبارة عن زوال التفرقة بين القدم والحدوث » ( فرهنك مصطلحات عرفاء ومتصوفة للسيد جعفر سجّادي ، طهران 1339 هـ / 1960 م ، عن شرح كلشن راز لمحمد بن إبراهيم السبزواري ، طهران ، ص 560 ) وتنال المواجيد بالعمل الشرعي الدائب ولهذا قيل : المواجيد ثمرات الأوراد ، فكل من ازدادت وظائفه ازدادت بين اللّه لطائفه » ( الرسالة القشيرية ، مصر 1385 هـ / 1966 م ، ص 202 ) .
والوجد : مصادفة القلوب لصفاء ذكر كان عنه مفقودا كما في اللمع ( ص 418 ) و « ما يصادف قلبك ويرد عليك بلا تعمّد وتكلّف » ولهذا قيل : « الوجد : المصادفة » ( الرسالة القشيرية ، ص 202 ) .
الخطرة : ما يمر بالقلب من أحكام الطريقة ( كشف المحجوب للهجويري ، أبي الحسن علي بن عثمان الجلّابي الغزنوي ، ت 465 هـ / 1073 - 4 م ، تحقيق فالنتين زوكوفسكي ليننغراد 1929 م ، ص 500 ) ، وهي كالخاطر الذي هو « تحريك السرّ لا بداية له ، وإذا خطر بالقلب فلا يثبت فيزول بخاطر آخر مثله . . . » ( اللمع ، ص 418 ) .
البصيرة : هي قوة القلب متنوّرة بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها بمثابة البصر للنفس الذي ترى به صور الأشياء وظواهرها ، وهي القوة التي تسميّها الحكماء « العاقلة النظرية » . وأمّا إذا تنوّرت بنور القدس وانكشف حجابها بهداية الحق فيسميها الحكيم «القوة القدسية» (اصطلاحات الصوفية لعبد الرزّاق الكاشاني ، تحقيق الدكتور ألويز سبرنجر ، كلكتا 1845 ، ص 16 ).
السرّ : خفاء بين العدم والوجود موجود في معناه ، وقد قيل ، السر ما غيّبه ولم يشرف عليه الخلق ، فسرّ الخلق ما أشرف عليه الحق بلا واسطة ،

« 251 »
وسرّ الحق ما ( لا يطلع ) عليه إلّا الحق ، وسر السرّ ما لا يحسّ به السر ، فإن أحسّ به فلا يقال له سرّ ( التعرف ، ص 430 ) .
الحيرة : « بديهة ترد على قلوب العارفين ، عند تأمّلهم وحضورهم وتفكّرهم ، تحجبهم عن التأمّل والفكرة . . والتحيّر منازلة تتولى قلوب العارفين بين الناس والطمع في الوصول إلى مطلوبه ومقصوده لا تطمعهم في الوصول فيرتجوا ولا تؤيسهم عن الطلب فيستريحوا فعند ذلك يتحيرون » ( اللمع ، ص 421 ) .
وزمّ ، لغة : « تقدّم في السير ، وزمّ بأنفه تكبّر فهو زامّ » كما في مختار الصحاح . وأقرب من هذا تناولا وأنسب للمعنى هنا « شدّه ، ومنه الزمام ، والقربة ملأها فزمّت زموما » ، كما في القاموس المحيط ، أي أنّ اللّه تعالى جمع الأسرار في سرهّ ومنعها من أن تظهر بقوته .التحقيق :
أ - في « بهجة الأسرار » وردت « مواجد » - في البيت الأول - بدل « مواجيد » والحب - في البيت الثاني - بدل الوجد ، وبعيد - في البيت الخامس - بدل « يبيد » و « للشوق » بدل « للوجد » و « ذوى » بدل « ذرى » وأكثرها تصحيفات . يضاف إلى هذا أنّ « وصفه » في البيت الرابع ، جاءت في جامع الأنوار على « وجده » ، و « زمّت » في البيت الخامس على « ذمّت » وهو تصحيف ، وفي طبقات الصوفية للسلمي فقط جاءت « تنشي لهيبا » على « تثير لهيبا » ولعلّه الأصح .
ب - « كنه وصفه » وردت في طبقات الصوفية للسلمي على « كنه وجده » وما أثبتناه أليق بالسياق .
ج - قدّم صاحب أخبار الحلّاج لهذه القطعة بقوله : « وقال أحمد بن فارس رأيت الحلّاج في سوق القطيعة قائما على باب مسجد وهو يقول : « أيّها الناس ، إذا استولى الحق على قلب أخلاه عن غيره ، وإذا لازم أحدا أفناه عمن سواه ، وإذا أحبّ عبدا حثّ عباده بالعداوة عليه حتى يتقرب العبد

« 252 »
مقبلا عليه . فكيف لي ( بي ) - ولم أجد من اللّه شمّة ( لعلها شيمة كلمح البرق ) ولا قربا ( الصحيح ولا قربت ) منه لمحة - وقد ظلّ الناس يعادونني ؟ ! 
ثم بكى حتى أخذ أهل السوق في البكاء . فلما بكوا ، عاد ضاحكا وعاد يقهقه ثم أخذ في الصياح صيحات متواليات مزعجات وأنشأ يقول . . . » .
د - من هذا يبدو أن الحال الثالث الذي سقط من القطعة يتمثل في عبارة الحلّاج المذكورة في قوله : « وإذا أحبّ عبدا حثّ عباده بالعداوة عليه . . . إلى قوله مقبلا عليه » .
هـ - سرد ذو النون المصري هذه الأذكار الثلاثة في مقطعة أوردها ضمن قصة صوفية وذلك في قوله :
وأذكر أصنافا من الذّكر حشوها * وداد وشوق يبعثان على الذكر
فذكر أليف الروح ممتزج به * يحلّ محلّ الروح في طرفها يسري
وذكر يغرّ النفس منها لأنّه * لها متلف من حيث يدري ولا تدري
وذكر علا منّي المفاوز والذّرى * يجلّ عن الوصف بالوهم والفكر
( حلية الأولياء ، لأبي نعّيم ، 10 / 391 - 392 ) .

[ 32 ] من البسيط :
1 - أنت المولّه لي لا الذكر ولّهني * حاشا لقلبي أن يعلق به ذكري
 1972 - الذكر واسطة تخفيك عن نظري * إذا توشّحه من خاطري فكري
 198اللغة :
المولّه : اسم فاعل للوله وهو « ذهاب العقل والتحيّر من شدّة الوجد » ، كما في مختار الصحاح .
...............................................................................................
[ 32 ]
الديوان ، ص 53 عن : التعرف للكلاباذي ، ص 75 .

« 253 »
الذكر : مصطلح يرد في كتب التصوف كثيرا لكنّ المصنفين يتحامون التعريف به ، وهو بادئ ذي بدء - بعكس النسيان ويرد على قوله تعالى« فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ »ويحتمل أيضا ذكر اللسان ، والألفاظ الواردة الخاصة ، والمواظبة على العمل ، وذكر القلب ، والحفظ ، والطاعة ، والجزاء ، والصلوات ، والبيان ، والحديث ، والقرآن ، والحلم ، والشرف والعيب ، والشكر ، وصلاة الجمعة ، وصلاة العصر ( فرهنك مصطلحات عرفاء ، ص 187 ) . 
وأما في الاصطلاح فهو « الخروج من ميدان الغفلة إلى فضاء المشاهدة بغلبة الخوف أو زيادة الحبّ ، وقالوا : الذكر بساط العارفين ونصاب المحبّين وشراب العاشقين » ( أيضا ، ص 187 ) « وقالوا : حقيقة الذكر أن تنسى ما سوى المذكور في الذّكر . . 
يعني إذا نسيت ما دون اللّه ، فقد ذكرت اللّه » ( التعرف ، ص 74 ) .
والذكر يطلق في الجملة على مجلس السماع عند الصوفية باعتباره « الاستجمام من تعب الوقت والتنفس لأرباب الأحوال واستحضار الأسرار لذوي الأشغال » ( التعرف ، ص 126 ) . 
والذكر ، لهذا يثير فيه الأحوال المختلفة « لأن السماع إذا قرع الأسماع أثار كوامن أسرارها ، فمن بين مضطرب لعجز الصفة عن حمل الوارد ومن بين متمكن بقوة الحال » ( أيضا ، ص 126 ) . 
ومن هنا كان الأثبات من الصوفية يترّفعون عن أن يقعوا تحت طائل السماع لحضور اللّه في قلبهم على الدوام . ومن أمثال ذلك أن مريدين قالوا لشيخ لهم : ههنا قوّال ، ندعوه لك ؟ فقال : أنا أجلّ من أن يستقطعني شخص أو ينفذ فيّ قول ، أنا ردم كلّه ( بمعنى السدّ ) » ( أيضا ، ص 126 ) .
وهذا مصداق ما يقصد إليه الحلّاج من هذه المقطّعة ، إذ الذكر عنده نوع من المشغلة يوقف التيار الروحي المتصل الذي يملأ نفسه دائما .
التحقيق :
شرح الكلاباذي معنى هذه القطعة بقوله : « معناه : الذكر صفة الذاكر ، فإن غبت في ذكري كانت غيبتي فيّ ، وإنما يحجب العبد عن مشاهدة مولاه أوصافه » .

« 254 »
[ 33 ]  من الرجز :
1 - يا طالما غبنا عن أشباح النظر * بنقطة يحكي ضياؤها القمر
 1992 - من سمسم وشيرج وأحرف * وياسمين في جبين قد سطر
 2003 - فامشوا ونمشي ونرى أشخاصكم * وأنتم لا ترونّا يا دبر !
201 التحقيق :
أ - يبدو أن هذه القطعة من الألغاز الشعرية التي نسبت إلى الحلّاج وفيها تصحيف كثير وعامية بلدية .
ب - « فامشوا » ، من البيت الثالث ، جاءت على « تمشوا » في النص ، وبما أثبتنا تقترب الجملة من الصواب ، وأبقينا « لا ترونّا » على حالها وربما صلح لها لفظ « لا تنظرونا » أو « لا تبصرونا » مع إهمال القواعد النحوية .
ومما يبرر ذلك أنّ الحلّاج قد جمع « ترى » و « ينظرون » و « يبصرون » في بيت واحد هو :
تراهم ينظرون إليك جهرا * وهم لا يبصرون من العماء
وبالنسبة إلى كلمة « دبر » ، التي تعني الظهر ، يبدو أنها كانت كلمة إهانة ما زال المصريون يستعملون كلمة « قفا » في معناها . وقد وردت هذه الكلمة في هذا المعنى الوارد في المقطعة في مصر في القرن السادس الهجري .
( انظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، 6 / 129 )
وذلك في قول السلطان : 
« أخرج فاطرد هذا الدبر . . . »
ج - تتضمن القطعة المواد التي تستعمل في عملية الاختفاء عن
...............................................................................................
[ 33 ]
الديوان ، ص 36 ( بعنوان : في السحر الخفي ) عن : الجوبري : مختار من كشف الأسرار ، مخطوط باريس ، رقم 4640 ، ورقة 12 ب ، ( البيتان 1 ، 2 ) ، مخطوط أسعد ( بإستانبول ) ، رقم 3888 ( البيت الثالث ) مطبوع بالقاهرة سنة 1302 هـ ، ص 20 ( القطعة كلها ) .

يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية الرّاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:01 pm

القوافي في ديوان الحلّاج قافية الرّاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

الأنظار وهي السمسم ( ودهنه ) الشيرج والعزائم والرقي والياسمين الذي يعقد على الجبين !
د - فصّل القاضي عبد الجبار ( بن أحمد ) الهمداني المعتزلي ، ت 415 هـ / 1024 م القول على مخاريق الحلّاج في الجزء الخامس عشر من كتابه ( المغني في أبواب التوحيد ) الخاص بالتنبؤات والمعجزات ، بتحقيق الدكتور محمود قاسم ، مصر 1965 ، ص 270 - 275 ، 
وذكر هناك أنه يروي « طرفا » من مخاريقه ، ص 269 ، ونبّه على أنّه « ربما تعذّر ذلك إلا بأصحاب وآلات وتمكّن وذلك لا يتأتى لكل واحد ، وإنّما تمكن الحلّاج فيما يحكى عنه لتوفّر آلاته وكثرة أصحابه » ، ص 269 . 
وقد أورد القاضي عبد الجبار من أعمال الحلّاج إحياؤه لجدي بعد شيّه ، وإخراجه الدراهم والدنانير من الطين في الأرض ، وإخراجه الحلو أو غيره حارا من تحت الأرض وكذلك الفاكهة ، وتعليقه الجسم الخفيف في الهواء ، وإطالة جسمه ، وإظهار السمن العظيم عليه ، والتكلّم في الليل من الهواء ، والصياح بأصحابه من السماء ، وإطارته لطائر ميّت ، ووقوفه ساعة في الهواء وطيرانه فيه . 
لكنّ القاضي عبد الجبار لم يشر إلى غيبته عن الأنظار وإن كان تنبيهه إلى أنّه إنّما يذكر طرفا من مخاريقه يحمل على الظن بأن ذلك ربما وقع منه . 
وبالتالي فقد تعدّ هذه القطعة من نظم الحلّاج . وربّما كان تعارف عليه أتباع الحلّاج من كونه لم يقتل وإنّما شبّه للناس ذلك ، يتصل بأصل طبّقه في حياته يتمثّل في اختفائه عن الأنظار ساعة يشاء . ( انظر مثلا الفرق بين الفرق للبغدادي ، ص 159 ) .
ومهما يكن الأمر فقد كان الحلّاج فيما ذكر ابن النديم ( أبو الفرج محمد بن إسحاق ) « يعرف شيئا من علم الكيمياء » طبع مصر 1348 ، ص 269 . 
وذكر أنه - لما قبض عليه - كان في بيته « . . . المسك والعصفر والعنبر والزعفران » فلعله كان مع هذه مواد أخرى هي المذكورة في هذه المقطعة ( الفهرست ، ص 271 ) .
وفوق هذا مرّ بنا خبر ابن تيمية من أن الحلّاج صنّف كتابا في السحر

« 256 »
ظل معروفا إلى أيّامه ، فلعلّ هذه المقطّعة مصداق لذاك .
[ 34 ] من السريع :
1 - وحرمة الودّ الذي لم يكن * يطمع في إفساده الدهر
 2022 - ما نالني عند هجوم البلا * بأس ولا مسّني الضرّ
 2033 - ما قدّ لي عضو ولا مفصل * إلّا وفيه لكم ذكر
 204اللغة :
في البيت الثاني وردت « بأس » على « بؤس » في مصادر ماسينيون جميعا وفي شرح الشطحيات الذي حققه هنري كوربان ، وبأس أنسب للسياق إذ معناها « العذاب » ومعنى « البؤس » اشتداد الحاجة كما في مختار الصحاح ، وزاد ابن فارس على اشتداد الحاجة « الشدّة في العيش » ليجعل البأس قاطعة في تمكّنها من موضعها في هذه القطعة ( مقاييس اللغة 1 : 328 ) .
التحقيق والشرح :
أ - ذكر الهمداني أنّ الحلّاج « لما قطعت يده ورجله صاح وقال . . . » 
وأشار ابن العربي الحاتمي الطائي إلى البيت الثالث من هذه القطعة في الفتوحات المكية ( 2 :
445 ) تحت عنوان « الحب الذي يصير عشقا » فقال : « . . . كما حكي عن
...............................................................................................
[ 34 ]
الديوان ، ص 128 عن : عذاب الحلّاج ، ص 431 ، تقييد ( مخطوط قازان ، ص 88 ) ، مخطوط لندن ، ورقة 331 أ ، البقلي : تفسير الآية 70 السورة 4 ( النساء ) ، شرح شطحيات ( ص 385 من المطبوع ) ، ابن الحاج : أم البراهين ، نقلا عن شرح حال الأولياء للمقدسي ، الهمداني : تكملة ( تاريخ الطبري ) ، ص 100 .
وانظر أيضا : تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 323 ب . الفتوحات المكية ، مصر 1293 هـ ، 2 / 445 ، 478 ، 4 / 182 ، رسالة الانتصار من رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي ، ص 16 ( البيت الثالث ) . 
مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين ( علي ) للبرسي : الحافظ رجب بن محمد بن رجب ، ت 813 هـ - 1411 م ، بيروت 1379 هـ / 1959 - 60 م ، ص 260 ، الكشكول للعاملي ، ص 312 .

« 257 »
زليخا أنّها افتصدت فوقع الدم في الأرض فانكتب به يوسف في مواضع كثيرة حيث سقط الدم في الأرض لجريان ذكر اسمه مجرى الدم في سائر عروقها كلها . وهكذا حكي عن الحلّاج ( أنه ) - لما قطعت أطرافه - انكتب بذلك بدمه في الأرض : اللّه ، اللّه ، حيث وقع . . . » . 
وذكر في مواضع أخرى من الفتوحات أنّه « ولذلك لطّخ الحلّاج وجهه بالدم حين قطعت أطرافه لئلا يظهر إلى أعين العامة تغيّر مزاجه غيرة منه على المقام لمعرفته . . . » ( انظر مثلا ، 4 : 182 ) . وزاد عبد الرؤوف المناوي أنّه « لما وقع دمه على الأرض كتب : اللّه ، اللّه ، إشارة لتوحيده ، وإنّما لم يكتب دم الحسين بن علي - رضي اللّه عنه - ذلك لأنّه لا يحتاج لتبرئة بخلاف الحلّاج » ( الكواكب الدرية ، 2 : 25 ) .
ب - في تكملة تاريخ الطبري وردت « ولا مسّني » على « ولو مسّني » وهو خطأ واضح .
ج - شرح روزبهان البقلي هذه القطعة بقوله : « صدق الحسين ( بن منصور الحلّاج ) ، كيف استطاع التصريح بما جهله الخلق ؟ 
قال الأعداء : لقد زاد الحلّاج في دعواه على الأنبياء في قوله : ما مسّني الضرّ ، في حين قال أيوب - عليه السلام - مع جلالته - مسّني الضرّ عند نزول البلاء به . 
وتفسير هذا الخطأ الشائع يتمثل في أنّ الحلّاج رأى الجمال المبتلي وكان يطلب وصلة الأصل من عين قرب النوال . 
وإذ علم أنّ البلاء سينقطع عنه جعل يئن من مفارقته . ذلك أنّ الحسين كان يعدّ النعمة والبلاء بمعنى ، وهو منزل المريدين ، في حين أنّ البلاء مع طلب النعمة منزل الأنبياء لأنّ الوصل مع المعشوق في حال البلاء رضى ، وعندها يكون العاشق ممتّعا بنعمة عالم البقاء . 
في هذه الحال يعدّ العرفان وصفا له . وإذ كان البلاء منزل الفناء ، صار التنكير وصفا له ، وبهذا تكون المعرفة في المعارف الصغيرة والنكرة في القدم الصغيرة حيث يكون العجز عن الإدراك عين المعرفة ، والنكرة طوفان التوحيد . 
وهكذا فكل من جمع النكرة مع المعرفة ( الظاهرة مع التوحيد ) استحق أن يقول : « مسّني الضرّ » ، ( الأنبياء 21 : 83 ) إلّا فخر الزمان

« 258 »
( محمد ) - عليه السلام - فقد ألف البلاء بمشاهدة المبتلي . أمّا حسين ( بن منصور الحلّاج ) فقد كان مستغرقا في التوجه إلى الأصل . ولهذا لم يتأوّه من جراح البلاء . 
وأما الأنبياء فقد اعتادوا السير في دروب تحقيق التوحيد ومن هنا استوى عندهم البلاء والنعمة ، إذ عاقبة حالهم مشاهدة الحق . 
إلا أن ترى أنّ صويحبات يوسف لم يحسسن آلام تقطيع أيديهن عند رؤية يوسف - عليه السلام ؟ » ( فقرة مترجمة بقلمنا من : شرح شطحيات ، ص 386 ) .
د - واضح أن أبرز عبارة في هذه القطعة ، من الناحية الشعرية البحتة ، هي قسم الحلّاج بحرمة الودّ ، وهو تعبير أعجب به الشعراء من الصوفية وغيرهم فتابعوه في نظمهم . 
ومن النماذج الجميلة في هذا المجال قول أبي الحسن الواسطي ( محمد بن علي بن حسن بن أبي الصقر ، ت 498 هـ / 1104 - 5 م ) :
وحرمة الود مالي عنكم عوض  . .. لأنني ليس لي في غيركم غرض
أشتاقكم وبودي لو يواصلني ...   لكم خيال ولكن لست أغتمض
وقد شرطت على قوم صحبتهم . . . بأن قلبي لكم من دونهم ورضوا 
ومن حديثي بكم قالوا به مرض . . .  فقلت لا زال عني ذلك المرض 
* فقلت : لا زال عني ذلك المرض( مرآة الزمان لسبط بن الجوزي : أبي المظفر يوسف بن قزأوغلي بن عبد اللّه البغدادي ، ت 654 / 1256 م ، حيدر آباد ، 1951 م ، 8 : 1 : 14 مع ورود « غيركم » في البيت الأول على « عنكم » ) . 
وقد نقل الصوفية هذه القطعة إلى عالمهم فترنّموا بها وجعلوها من مختاراتهم .
( انظر ذلك في القصد المجرّد في الاسم المفرد لابن عطاء السكندري :
الشيخ تاج الدين أبي الفضل أحمد بن عبد الكريم الشاذلي المالكي ، ت 709 هـ / 1309 م ) مطبعة محمد صبيح بمصر ، بلا تاريخ ، ص 62 .

« 259 »
[ 35 ] من البسيط :
1 - الحبّ ، ما دام مكتوما ، على خطر * وغاية الأمن أن تدنو من الحذر
2052 - وأطيب الحبّ ما نمّ الحديث به * كالنار لا تأت نفعا وهي في الحجر
2063 - من بعد ما حضر السجّان واج * تمع الأعوان واختّط اسمي صاحب الخبر
 2074 - أرجو لنفسي براء من محبتكم ؟ ! * إذا تبرّأت من سمعي ومن بصري
 208التحقيق :
أ - في البيت الثالث ، سجل ماسينيون « السجّان » على « السحاب » ! ولا يستقيم المعنى إلّا بما ذكرنا ، وسجل « اختّط » على « امتطّ » ! وهو غريب .
ب - البيت الثاني الذي يشير إلى إذاعة الحبّ استمتاعا به يذكر بقول أبي نواس المشهور :
ألا فاسقني خمرا وقل لي : هي الخمر * ولا تسقني سرّا إذا أمكن الجهر
ج - في البراء - في البيت الرابع - إشارة إلى التقية الإسلامية على العموم ، والشيعية على الخصوص ، التي تتمثل هنا في الولاء والبراء باعتباره المبدأ الشيعي المعروف الذي يتصل بالحديث النبوي المشهور : وال من والاه وعاد من عاداه .
والحلّاج - بوصفه شيعيا أصلا - يعبّر في البيتين الثالث والرابع عن حدّ التقية الذي يقول : « التقية يحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية » ( انظر بحثنا : « التقية أصولها وتطورها » الذي نشر في مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية 1962 - 63 ) .
د - طرق الصوفية هذا المعنى - فيما يبدو - ووافقوا عليه واستشهدوا بما في معناه ، ونموذج من ذلك يتمثل في بيتين أوردهما لسان الدين الخطيب لشاعر مجهول يقول فيهما :
...............................................................................................
[ 35 ]
الديوان ، ص 60 عن : مخطوط كوبرولو ، رقم 1620 ، القطعة 2 .

« 260 »
والمرء ما دام ذا عين يقلّبها * في أعين الغيد موقوف على خطر
يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته * لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
وهو معنى حسّي واضح ، كما لا يخفى ( روضة التعريف ، ص 502 ) .
وقد وردت « الغيد » على « العين » ، والتصحيح من المخطوط التالي . وجاءت هذه المقطّعة في المجموع الذي يملكه صديقنا الأستاذ عبد المجيد الملّا ، ببغداد على الوجه التالي :
العين ، أصل عناها فتنة النّظر * والقلب ، كلّ أذاه الشّغل بالفكر
كم نظرة نقشت في القلب صورة من * راح الفؤاد بها في السّرّ 
والحضروالمرء ، ما دام ذا عين يقلّبها * في أعين الغيد منصوب على الخطر
فالقلب يحسد نور العين إذ نظرت * كم تنظرين ؟ - رماك اللّه بالسّهر !
هذان خصمان لا أرضى بحكمهما * فاحكم - فديتك - بين القلب والبصر
( ورقة 53 أ - ب ) .
وألفاظ ومعان مثل هذه ليس فيها نسج الحلّاج ولا قطنه ! وراجع مقطّعة مشابهة لهذه في باب : الأشعار المنسوبة إلى الحلّاج .
هـ - والظاهر أن أبا نواس هو الرائد في هذه المعاني وذلك في قوله :
يا تاركي جسدا بغير فؤاد ، * أسرفت في هجري وفي إبعادي
إن كان يمنعك الزيارة أعين * فادخل عليّ بعلّة العوّاد
إن القلوب ، مع العيون ، إذا جنت * جاءت بليّتها على الأجساد
أشكو إليك جفاء أهلك ، إنّهم * ضربوا عليّ الأرض بالأسداد
( ديوانه بتحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي ، ط ، مطبعة مصر 1953 ، ص 17 ) .

« 261 »
[ 36 ] من مخلّع البسيط :
1 - غبت وما غبت عن ضميري * فمازجت ترحتي سروري
 2092 - واتّصل الوصل بافتراق * فصار في غيبتي حضوري
 2103 - فأنت في سرّ غيب همّي * أخفى من الوهم في ضميري
 2114 - تؤنسني بالنّهار حقّا * وأنت عند الدّجى سميري
 212التحقيق :
أ - في نص ماسينيون ورد البيت الأول على الصورة الآتية :
غبت وما غبت عن ضميري * وصرت فرحتي وسروري
والشطر الثاني ، مختل كلية ، فاخترنا « فمازجت » من رواية المخطوط بنقل ماسينيون ، مكان « فصرت » وبذلك ينكشف المعنى من غيبة الحبيب وما تعقبه من ترح ، وحضوره في القلب وما يورثه من سرور ، وهكذا أدّى الهجر إلى امتزاج الحزن بالسرور .
ب - وإذا صحّت هذه المقدمة - عندنا - ساغ لنا أن نسقط الشطر الأول من البيت الثاني ، من اختيار ماسينيون الذي يقول : « وانفصل الفصل بافتراق » لنختار رواية المخطوط ( قازان ) أيضا ، التي أثبتناها ، وبذلك تتقابل الأضداد من جديد فيتصل الوصل بالافتراق كما تجتمع الغيبة - عن العين - مع الحضور في القلب .
ج - تذكر هذه القطعة بالروح الحلّاجية التي تسري في الديوان كلّه .
...............................................................................................
[ 36 ]
الديوان ، ص 61 عن : تقييد مخطوط قازان ، ص 96 ( البيتان الأولان ، الشطر الأول من البيت الثالث ، الشطر الثاني من البيت الرابع ) ، مخطوط لندن ، ورقة 327 ب ، ( الشطر الأول من البيت الأول ، الشطر الثاني من البيت الثاني ، 3 ، 4 ) . جنيزة ، رقم 11 ( الأبيات 1 - 3 ) .

« 262 »
د - أشار ماسينيون إلى أن الحلّاج ، قد صار في هذه القطعة أصلا أخذ منه أبو حيّان التوحيدي ( ت 400 هـ / 1090 م ) بيتا ورد في الصداقة والصديق ( طبع الجوائب ، 1301 ) ، ص 7 . وما في هذا الكتاب مما يوافق المعنى يرد في ص 8 من نصّ المصنف على أنّ « بعضهم » - ولعله هو - قال :
أنتم سروري وأنتم مشتكى حزني * وأنتم في سواد الليل سمّاري
وبقينها :أنتم ، وإن بعدت عنا منازلكم - * نوازل بين أسراري وتذكاري
فإن تكلمت لم ألفظ بغيركم * وإن سكتّ فأنتم عقد إضمار
ياللّه جاركم مما أحاذره * فيكم ، وحبّي لكم من هجركم جار
وهو معنى صوفي جميل وليس ذلك غريبا على أبي حيّان

« 263 »
[ 37 ] من مخلع البسيط :
1 - يا شمس ، يا بدر ، يا نهار * أنت لنا جنّة ونار
 2132 - تجنّب الإثم فيك إثم * وخيفة العار فيك عار
 2143 - يخلع فيك العذار قوم * فكيف من لا له عذار ؟ !
 215التحقيق :
أ - اخترنا « خيفة » في البيت الثاني من هامش ماسينيون الذي نقله من مخطوط لندن ، وأثبت مكانه « وخاصيتّه » !
ب - ألم بنان الحمال الصوفي ( ت 316 هـ / 929 م ) بهذا المعنى في قوله :
لحاني العاذلون فقلت : مهلا * فإني لا أرى في الحبّ عارا
وقالوا : 
قد خلعت فقلت : لسنا * بأوّل ضائع خلع العذارا
( طبقات الصوفية للسلمي ، ص 294 ) .
[ 38 ] من الخفيف :
1 - أحرف أربع بها هام قلبي * وتلاشت بها همومي وفكري 
 2162 - ألف تألف الخلائق بالصّن * ع ولام على الملامة تجري
 2173 - ثم لام زيادة في المعاني * ثم هاء بها أهيم وأدري 218
...............................................................................................
[ 37 ]
الديوان ، ص 62 عن : تقييد ( مخطوط لندن ) ورقة 325 أ ، جنيزة رقم 1 .
[ 38 ]
الديوان ، ص 63 عن : ابن كردبوس التوزري : اكتفاء ، تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 322 ب ، 325 ب ) مخطوط قازان ، 76 - 77 ، ابن عطاء اللّه : لطائف 2 / 214 ، علي البرهاني : الزهرة المضيئة ، ورقة 180 ، الجميلي : ص 7 ، ابن عجيبة . وانظر أيضا : القصد المجرد في معرفة الاسم المفرد لابن عطاء اللّه السكندري ، مطبعة محمد صبيح ، مصر ، بلا تاريخ ، ص 43 - 44 ، « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » تلو طبقات الصوفية للسلمي .

« 264 »
التحقيق :
أ - واضح أن الحلّاج يشقّق لفظ الجلالة [ - اللّه ] ويفصّل القول على كل حرف فيه على عادة الصوفية مع فواصل القرآن خاصة . 
( انظر كتابنا : الصلة بين التصوّف والتشيع ، ط 3 ، 2 / 107 - 110 )
ب - في البيت الثالث ، أثبت ماسينيون الشطر الثاني على : « ثم هاء أهيم بها أتدري » ، وبه يختل الوزن ويضطرب المعنى ، وكذا يختل بالروايات التي أثبتها في الهامش . 
وصحة النص وردت في كتاب « القصد المجرّد » لابن عطاء اللّه السكندري ( ص 44 ) ، وإن كانت رواية صاحب «شعر للحسين بن منصور الحلّاج» التي تقول : « ثم هاء بها أهيم أتدري ؟ » لها وجه .
ج - ذكر ماسينيون : أن أحمد الغزالي ( ت 520 هـ / 1126 م ) شقيق الغزالي الكبير نظم بيتين في هذا المعنى وردا مصحّفين جدا فأصلحناهما إصلاحا جزئيا وهما :
ألف تؤلّف للخلائق كلهم * واللام لام اللوم للمطرود
والهاء هاء الهم في حبيّ له * والمنتهى للواحد المعبود
وإن أبا الحسن الششتري قال في المعنى أيضا :
ألف قبل لامين * وهاء قرة العين
والذي هاء قلبي فيه هو * الحبيب الذي فنا فيه سرّي
وفي هذا الشعر من التصحيف ما لا يمكن تقويمه ، ومن هنا نسجل بعض القطعة كما وردت في ديوانه بتحقيق الدكتور علي سامي النشار ( ص 243 - 4 ) ( وهي من الشعر القريب من العامية ) : أبو الحسن الششتري قال :
( و ) ألف قبل لامين * وهاء قرّة العين
ألف لاهوت الاسم * ولامين ( لأمان ) بلا جسم
وهاء آية الرسم * تهجّى ( كذا ) سر حرفين
تجده اسما بلا أين * حروف كلها تتلى

« 265 »
تَرضى (ترى) الْقَلْبُ بهَا يُجْلَى  *   ويُسْلاَ بَعْدُ ما يُبْلَى
ويَدْرَجْ بينَ كَفنين     *      بِرَمْزَيْنِ رَقِيقَينِ
غَرامِي في الْهَوَى قد باح   *  وفَجْرِي بَعد لَيلَى لاَحْ
وصِرْتُ للْوُجُودِ مِصْباح   *   وشَمْسِ بينَ قَمَرَيْن
ولاَ أدْرِي أنا أيْنِي     *   فَمَعْنَى حِبِّي الأتْقَى
بأن أفْنَى بِهِ رِقَّا    *   وأفْنَى في الْفَنَا حَقَّا
فَوَجْدُ بَيْنَ فَقْدَيْنِ    *    وحَياةٌ في فَنَايينِ
مُنَائِي مَنْ بِه هِمْتُ   *    وقُوتُ الرُّوحِ إِنْ مُتُّ
وخَوْفَ الْبَيْنِ أنْشَدْت   *   مَتَى يا قُرَّةُ الْعَيْنِ
نَجِدْ وَصْلاَ بِلاَ أيْنِ
د - يبدو أن الحلّاج قصد تشقيق لفظ الجلالة على الوجه التالي :
الألف ( - الهمزة ) : لآدم بوصفه أول المخلوقات البشرية .
اللّام الأولى : لعزازيل - اسم إبليس الأول - بوصفه موضوع الملامة الأولى .
اللّام الثانية : المؤكّدة التي تقلب النفي إلى إثبات .
الهاء : للّاهوت الإلهي وهيولي الآدمية اللتين يستحلّا الإنسان كماله من اتحادهما واللّه أعلم .[ 39 ]من البسيط :1 - حقيقة الحقّ تستنير * صارخة « بالنبا خبير » 2192 - حقيقة ( فيه ) قد تجلّت * مطلب من رامها عسير 220
[ 39 ]
الديوان ، ص 53 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، 96 ) حقائق التفسير للسلمي ( تفسير 10 : 35 ) « يونس » ، قل : هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ؟ قل : اللّه يهدي للحق ، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي ؟ فما بالكم ؟
كيف تحكمون ؟ ، جنيزة ، رقم 9 .

« 266 »
التحقيق :
أ - في البيت الأول - سجّل ماسينيون « تستنير » على « مستنير » وبما أثبتناه يستقيم المعنى .
ب - سقطت من ماسينيون كلمة « فيه » ، وذلك في البيت الثاني ، وبإثباتها يستقيم الوزن والمعنى .
ج - ذكر ماسينيون أن الشطر الثاني من البيت الثاني مأخوذ من أبي نواس ، فلعله يشير إلى المطلع المشهور :
أجارة بيتينا ، أبوك غيور * وميسور ما يرجى لديك عسير
( الديوان ، بتحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي ، مصر 1953 م ، ص 480 ) 
وليس المعنى مما يسرق .


[ 40 ]من البسيط :
1 - وما وجدت لقلبي راحة أبدا * وكيف ذاك ، وقد هيّيت للكدر ؟ !
 2212 - لقد ركبت على التغرير ، وا عجبا * ممن يريد النجا في المسلك الخطر
 2223 - كأنّي بين أمواج تقلّبني * مقلّبا بين إصعاد ومنحدر
 2234 - الحزن في مهجتي والنار في كبدي * والدمع يشهد لي فاستشهدوا بصري 
224  التحقيق :
أ - شكّك ماسينيون في نسبة هذه القطعة إلى الحلّاج فوضعها مع المقطّعات التي تمثل بها من أشعار الشعراء السابقين ، ( الديوان ، ص 110 ) .
ومع إمكان اطلاق هذا الحكم على كل حرف من هذا الديوان ، ألمّ الحلّاج
...............................................................................................
[ 40 ]
الديوان ، ص 113 - 114 عن : تكملة تاريخ الطبري للهمداني ( دي كوجيه ، ص 97 ) .
وانظر أيضا : الطبعة الثانية بتحقيق ألبرت يوسف كنعان ، بيروت 1961 ، ص 26 ، وهامش صلة عريب ، ص 96 .

« 267 »
بالتقلّب بين الأمواج في قطعة أخرى لم يشك ماسينيون في نسبتها إليه ، فلعل وحدة التشبيه تبدّد عن هذه القطعة غيوم الشكّ . أما القطعة الأخرى فتقول :
ما زلت أطفو في بحار الهوى * يرفعني الموج وأنحطّ
فتارة يرفعني موجها * وتارة أهوي وانغطّ. . . الخ ، ص 70 .
ب - التغرير : حمل النفس على الغرر ، وهو الخطر كما في مختار الصحاح .
ج - تقسيم الحزن والنار والدمع على المهجة والكبد يذكّر ببيت تمثّل به الشبلي من شعر أبي دلف ( القاسم بن عيسى العجلي ، ت 226 هـ / 840 - 1 ) ويقول فيه :خيالك في عيني وذكرك في فمي * ومثواك في قلبي فأين تغيب( انظر ديوان أبي بكر الشبلي بجمعنا وتحقيقنا ، ص 159 - 160 ) .


[ 41 ]من المنسرح :
1 - قد كنت في نعمة الهوى بطرا * فأدركتني عقوبة البطر
 225التحقيق :
ذكر ماسينيون أن في البيت طابع أبي العتاهية وجعل البيت مع الشعر المنسوب إلى الحلّاج ، ولم نجد البيت في ديوان أبي العتاهية .
...............................................................................................
[ 41 ]
الديوان ، ص 108 عن : حقائق التفسير للسلمي ( تفسير آية 23 سورة 39 ) ، « الزمر » -قُلْ : يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ، إِنِّي عامِلٌ ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، دراسة في أصول مصطلح التصوف الإسلامي لماسينيون ، باريس ، 1922 ، ص 58 .

« 268 »
[ 42 ]الجمع والفرق من البسيط : 
1- الجمع أفقدهم - من حيث هم - قدما * والفرق أوجدهم حينا بلا أثر
2262 - فاتت نفوسهم ، والفوت عندهم * في شاهد جمعوا فيه عن البشر
2273 - وجمعهم عن نعوت الرّسم محوهم * عما يؤثّره التلوين في الغير
2284 - والحين حال تلاشت في قديمهم * عن شاهد الجّمع إضمارا بلا صور
2295 - حتى توافى لهم في الفرق ما عطفت * عليهم من علوم الوقت في الحضر
2306 - فالجّمع غيبتهم والفرق حضرتهم * والوجد والفقد في هذين بالنّظر
 231النص :
في البيت الرابع ، « الحين » في « التعرّف » ، مفتوحة الحاء ولا يستقيم المعنى بها إذ هي الواردة في البيت الأول في حال من وضوح الدلالة على الزمان أو الإحساس به في الحقيقة . وفي هذا الكتاب وردت « حال » على الفعلية ، و « إضمار » - بالرفع - على الخبرية للمبتدأ « حين » وما أثبتناه من رواية الغزي .
في البيت الخامس : جاء الفعل « توافى » على « توافي » والفاعل في الحال الثاني معدوم ، والحل اعتبار المصدر من « ما » والفعل ، « عطفت » بمعنى : « المعطوف عليهم » الفاعل المطلوب الذي يستقيم به المعنى وتستقر الجملة وجاءت « علوم الوقت » في الكلاباذي على « حين الوقت » وهي قلقة .
في البيت السادس : اخترنا « بالنظر » من رواية الكلاباذي على حين جاءت في المخطوط على « كالنظر » وإنّ كان لها وجه .
...............................................................................................
[ 42 ]
منبر التوحيد ومظهر التفريد لنجم الدين الغزي ( أبي المكارم محمد بن بدر الدين محمد بن رضي الدين محمد ، 977 - 1061 هـ - 1570 - 1651 م ) ، مخطوط المكتبة الأحمدية في حلب رقم 560 ، التعرّف لمذهب أهل التصوف ، منسوبة إلى « بعض الأكابر » ، ص 89 ، وفي المقطّعة نفس الحلّاج .

« 269 »
المصطلح : الجمع والفرق :
الفرق : ما نسب إليك
والجمع : ما سلب عنك
ومعناه أنّ ما يكون كسبا للعبد من إقامة وظائف العبود ، وما يليق بأحوال البشرية فهو فرق ، وما يكون من قبل الحق من إبداء معان وابتداء لطف وإحسان فهو جمع ، ولا بد للعبد منهما ، فإنّ من لا تفرقة له لا عبودية له ، ومن لا جمع له لا معرفة له . . . » ( والتعريفات للشريف الجرجاني ، ص 68 ) .
وعرّف عبد الرزاق الكاشاني الجمع بأنه « شهود الحق بلا خلق » ( اصطلاحات الصوفيّة ، كلكته 1845 ، ص 19 ) ، وعرف الفرق بأنّه « الاحتجاب بالخلق عن الحق وبقاء الرسوم الخلقية بحالها » ( أيضا ، ص 130 ) القدم والحين - الوقت المطلق والوقت المحدود .
الفوت : الغيبة .
الشاهد : ما كان حاضرا في القلب الإنساني وغلب عليه ذكره « فإن كان الغالب عليه العلم فهو شاهد العلم ، وإن كان الغالب عليه الوجد فهو شاهد الوجد ، وإن كان الغالب عليه الحق فهو شاهد الحق » .
( التعريفات 109 ) ،
وقال فيه الكاشاني : « ما يحضر القلب من أثر المشاهدة ، وهو الذي يشهد له بصحّة كونه محتظيا من مشاهدة مشهوده إما بعلم لدين لم يكن له مكان أو وجد أو حال أو تجلّ أو شهود » ( اصطلاحات الصوفية ، ص 150 ) .
الرسم : نعت يجري في الأبد بما جرى في الأزل أي في سابق علمه تعالى ( التعريفات ) .

« 270 »
وهو عند الكاشاني : « الخلق وصفاته لأن الرسوم هي الآثار وكل ما سوى اللّه آثاره الناشئة من أفعاله ، وإيّاه عنى من قال : « الرسم : نعت يجري في الأبد بما جرى في الأزل » لأن الخليقة وصفاتها كلها بقدر اللّه تعالى .
المحو : « رفع أوصاف العادة » ( الرسالة القشيرية ، بتحقيق د . عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف ، مصر 1966 ، ص 222 ) ويستدعي المحو الإثبات باعتباره « إقامة أحكام العبادة » . ومن هنا « فالمحو ما ستره الحق ونفاه ، والإثبات ما أظهره الحق وأبداه . . . » ( أيضا ص 222 ) .
التلوين : صفة أرباب الأحوال . . . فمادام العبد في الطريق فهو صاحب تلوين ، لأنه يرتقي من حال إلى حال ، وينتقل من وصف إلى وصف ويخرج من وصل ويحصل في مرتع ، فإذا وصل تمكّن . . . وصاحب التلوين أبدا في الزيادة وصاحب التمكين وصل ثم اتّصل ، وأمارة أنه اتّصل أنه بالكلية عن كلّيته بطل » ( الرسالة القشيرية ، ص 232 ) .
الغير : التغيّر فيما يبدو لنا .
الوجد : « ما يصادف قلبك ويرد عليك بلا تعمّد وتكلّف » ( الرسالة القشيرية ، ص 202 ) ومكمل هذا المعنى قول أبي الحسين النّوري ( ت 295 هـ / 908 م ) : « أنا منذ عشرين سنة بين الوجد والفقد أي : إذا وجدت ربي فقدت قلبي وإذا وجدت قلبي فقدت ربّي » ( أيضا ، ص 203 ) .الشرح :
أ - شرح الكلاباذي هذه المقطّعة على الوجه التالي :
« معنى قوله : الجمع أفقدهم من حيث هم » أي : علّمهم بوجودهم للحق في علمه بهم وأفقدهم من الحين الذي صاروا موجودين له ، فجعل الجمع حالة العدم حيث لم يكن إلّا علم الحق بهم .
والفرق : حالة ما أخرجهم من العدم إلى الوجود .
قوله : « فاتت نفوسهم » ، أي : رأوها حين الوجود كما كانوا ، إذ هم

« 271 »
فقود لا يملكون لأنفسهم ضرّا ولا نفعا ولا يتغيّر علم اللّه فيهم . « وجمعهم » هو أن يمحوهم عن نعوت الرسم - وهي أفعالهم وأوصافهم - في أنّها لا تؤثر أثر تلوين وتغيير بل تكون على علم اللّه - عزّ وجلّ - وقدّر وحكم ، فتلاشت حالهم حين وجودهم في قديم العلم - إذ كانوا معدومين لا موجودين مصورين ، وإذ أوجدهم : أجرى عليهم ما سبق لهم منه .
فالجمع : أن يغيبوا عن حضورهم وشهودهم إياهم متصرفين ، والفرق :
أن يشهدوا أحوالهم وأفعالهم . 
والوجد والفقد : حالتان متغايرتان لهم لا للحق - تعالى .
ب - واضح من نسبة الغزي هذه المقطعة إلى الحلّاج أنه هو - أو من نقل عنه - رآها معزوّة إلى الحلّاج في بعض المصنّفات وتجر هذه الملاحظة عزو المقطعات التي نسبها الكلاباذي - تقيّة - إلى « بعض الأكابر » إلى الحلّاج في الحقيقة .
ج - من كلام الحلّاج في الجمع والفرق قوله .
« نزول الجمع ورطة وغبطة ، وحلول الفرق فكاك وهلاك وبينهما يتردّد الخاطران ، إما متعلّق بأستار القدم أو مستهلك في بحار القدم » [ الحلّاج ، الخبر 30 ، ص 50 ] .
[ 43 ]الوجد من الكامل :
1 - أبدى الحجاب فذل في سلطانه . . . عز الرسوم وكل معنى يحضر
هيهات يدرك بالوجود وإنما . . . لهب التواجد رمز عجز يقهر
لا الوجد يدرك غير رسم داثر . . . والوجد يدثر حين يبدو المنظر
قد كنت أطرب للوجود مروعا . .. طور يغيبني وطورا أحضر
أفنى الوجود بشاهد مشهوده . . . أفنى الوجود وكل معنى يذكر
...............................................................................................
[ 43 ]
التعرّف للكلاباذي ص 83 ، وقد نسب المصنّف المذكور هذه المقطعة إلى « بعض الكبار » 
فهي للحلّاج في رأينا .

« 272 »
3 - لا الوجد يدرك غير رسم داثر * والوجد يدثر حين يبدو المنظر
2344 - قد كنت أطرب للوجود مرّوعا * طورا يغيبني وطورا أحضر
2355 - أفنى الوجود بشاهد مشهوده * أفنى الوجود وكلّ معنى يذكر
 236
[ 44 ] في السّكر من الطويل :
1 - كفاك بأنّ السّكر أوجد كربتي * فكيف بحال السّكر . والسّكر أجدر
2372 - فحالاك لي حالان : صحو وسكرة * فلا زلت في حاليّ أصحو وأسكر
238
أ - جاءت « كربتي » في الأصل على « كآبتي » ولا يستقيم بها الوزن ولا المعنى . 
وفي معنى البيتين قال الكلاباذي :
« إن حالة التمييز إذا أسقطت عني مالي [ - حالي ] وأوجد مالك [ حالك ] فكيف يكون حال السكر - وهو سقوط التمييز عني - ويكون اللّه هو الذي يصرّفني في وظائفي ويراعيني في أحوالي ؟ ! وهاتان حالتان تجريان عليّ وهماللّه - تعالى - لا لي . فلا زلت في هاتين الحالتين أبدا ! » .
[ 45 ] من الطويل :
1 - سرائر سرّي ترجمان إلى سرّي * إذا ما التقى سرّي وسرّك في السّر
 2392 - وما [ أمر ] سرّ السرّ منّي ، وإنّما * أهيم بسرّ السرّ منه إلى سرّي
2403 - وما أمر أمر الأمر منّي وإنّما * أمرت بأمر الأمر [ لمّا ] قضى أمري
2414 - وما [ أمر ] صبر الصّبر مني وإنّما * أمرت بصبر الصّبر إذ عزّني صبري
 242
...............................................................................................
[ 44 ]
التعرف ص 86 ، نسب الكلاباذي المقطعة إلى « بعض الكبار » فهي للحلّاج .
[ 45 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 328 أ .

« 273 »
النص :
في البيت الثاني : دسسنا كلمة « أمر » إقامة للمعنى والوزن وانسياقا مع بناء المقطعة وطابعها الذي يتبين في البيت الثالث .
في البيت الثالث : جاءت « لمّا » في الأصل على « إذا » وبما أثبتناه يستقر الشطر ومعناه وإن كان الموضع يحتمل « إذ ما » . وقد أضفنا كلمة [ أمري ] في القافية تمشيا مع طبيعة البيت والمقطعة كلها .
في البيت الرابع : أضفنا « أمر » لجريانها مع روح المقطعة وألفاظها ، وجاءت « إذا عزني صبري » مصحّفة جدا مع تعريف « صبري » بالألف .
واللام ، وبما اجتهدنا تستقر المقطعة .التحقيق :
من هذه المقطّعة استمد من قال على الوزن والقافية :
تَحَيَّرْتُ وَالرَّحْمَنُ لَا شَكَّ فِي أَمْرِي. . . وَأَدْرَكَنِي الْوَسْوَاسُ مِنْ حَيْثُ لَا أَدْرِي
سَأَصْبِرُ حَتَّى يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّنِي . . . صَبَرْتُ عَلَى شَيْءٍ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ
وَمَا طَعْمُ صَابِ الصَّبْرِ صَبْرِي . . . وَإِنَّمَا صَبَرْتُ عَلَى شَيْءٍ أَحَرَّ مِنَ الْجَمْرِ
وَمَا حِيلَتِي فِي الْأَمْرِ هَذَا وَإِنَّمَا . . .  أُفَوِّضُ أَحْوَالِي إِلَى صَاحِبِ الْأَمْرِ 
[ ألف ليلة وليلة ، ط . بولاق 1252 هـ / 1836 م ، كليلة 973 ، قصة الجوهري وقمر الزمان ، 2 / 565 ] .
[ 46 ] من البسيط :
1 - لو شئت كشّفت أسراري بأسراري * وبحت بالوجد [ في ] سرّي وإضماري
2432 - لكن أغار على مولاي يعرفه * من ليس يعرفه إلا بإنكار
2443 - فمن إلهي إشاراتي وإن كثرت * في الخلق ما بين إيراد وإصدار
 245
...............................................................................................
[ 46 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 329 أ .

« 274 »
4 - مالاح نورك لي يوما لأثبته * إلّا تنكرت منه أيّ إنكار
2465 - ولا ذكرتك إلّا تهت من طرب * حتى أمزّق أحشائي وأطماري
247النص :
في البيت الأول : أضفنا « في » استكمالا للمعنى وإقامة للوزن .
في البيت الثالث : جاءت « إلهي » في الأصل على « اللّه » وبما أثبتناه يستقر الوزن .
في البيت الرابع : جاءت عبارة « نورك لي » معكوسة الترتيب ، وبما أثبتنا يستقر الوزن ، وتلاحظ الركة في الشطر الثاني وإن كان المعنى مفهوما .
[ 47 ]من المتقارب :
1 - كتبت إليك بفهم الإشارة * وفي الأنس فتّشت نطق العبارة
2482 - كتابا [ له ] منه عنه إليه * يترجم عن غيب علم الستاره
2493 - بواو الوصال ودال الدلال * وحاء الحياء وطاء الطهارة
2504 - وفاء الوفاء وصاد الصفاء * ولام وهاء لعمر مداره
2515 - على سرّ مكنون وجد الفؤاد * وخاء الخفاء وشين الإشارة
2526 - وللحقّ في الخلق حقّ حقيق * بحقّ إذا حقّ حقّ الزيارة
2537 - بهم لا بهم ، إذ هم لا هم * ولا غيرهم في سموّ السّراره
2548 - فكلّ بكلّ ، جميع الجميع * من الكلّ بالكلّ حرف نهاره
2559 - هو الطين والنّار والنّور إذ * يعود الجّواب بعقب العبارة
2560 - ويبقى الذي كان قبل المكان * محيطا على الكلّ بالعلم داره 
25711 - ويحشر أعداءه جاعلا * من الجنّ والإنس في حرّ ناره
25812 - ويسكن أحبابه قربه * بطيب النّعيم وحسن النّضاره
25913 - وهو هو بدء البدء البدايا * وهُوَ هُوَ دَهرُ دهور الدهاره 260
...............................................................................................
[ 47 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 329 أ .

« 275 »
النص :
في البيت الأول : جاءت « إليه » في الأصل على « إليك » وبما أثبتناه يتسلسل المعنى . في البيت الثاني : «علم الستارة» جاءت في النص بما يحتمل أن يقرأ «علم الإشارة» ولعلها «علم الإشارة».  وقد تكررت ( الإشارة ) في المقطعة ومن هنا ملنا إلى تجنّبها حفاظا عليها في مواضعها الصحيحة .
في البيت الرابع : اللام والهاء تعني « له » أي للحق تعالى .
في البيت السادس : وردت « حقيق » في الأصل على « الحقيق » وما أثبتناه أنسب للسياق ، والبيت - بما فيه من تكرار - جار على سنة الشعر الصوفي المعاصر للحلّاج .
في البيت السابع : جاءت « لا هم » في الأصل على « لهم » وما أثبتناه مناسب لهذا المقام . و « السرارة » هنا تبدو في الأصل وكأنها « الإشارة » والظاهر أن المقصود الأسرار والغيبة .
في البيت الثامن : تأتي « النهارة » في المعاجم بمعنى السعة والضياء ، وبذا يتضح المعنى وإن كان نسج البيت ضعيفا .
في البيت العاشر : « داره » قلقة والمقصود بها « دائرته » أو أحاطته .
في البيت الحادي عشر : « ناره » ينبغي أن تكون مكسورة الراء ، وبها يختل الروي ، والمقطعة ، على العموم ، أقرب إلى العامية .
البيت الثالث عشر : مغلق بما فيه من مكررات ، وقد حذفنا من شطره الثاني « هو » ثالثة ، وأضفنا ما بين الحاصرتين في موضعين ملأ لفجواته ، وإن كان معناه غير خاف .التحقيق :
أ - لعل للحلّاج أو لشاعر جرى على نسق هذه المقطعة ما جاء في الروض الفائق للحريفيش ( مصر 1316 هـ ، ص 177 ) من مقطعة نصّها :

« 276 »
حروف المحبّة مرموزة * تبشّرنا ببلوغ المنى :
فميم الممات وحاء الحياة * وباء البلاء وهاء الهنا
فلا تطمعنّ بطيب اللقاء * وطول البقاء بدون الفنا
حمينا الوصال بحدّ النّصال * فإن تلق سمر القنا تلقنا
فلا تجزعنّ لمرّ النّكال * وحرّ الوبال ، ففيه الهنا
ومت مثلما مات أهل الهوى * وذابوا اشتياقا فنالوا المنى
وإن كنا نرى أن سبكها يعلو على سبك الحلّاج .
ب - ربطا للتعبير الصوفي الإشاري بالنقد الأدبي التقليدي ننقل عبارة مناسبة من العمدة لابن رشيق القيرواني ( ص 275 ) نصها :
« وأصل الرمز [ في الأدب ] الكلام الخفي لا يكاد يفهم ، ثم استقلّ حتى صار الإشارة . 
وقال الفرّاء : الرمز بالشفتين خاصة ، ومن الإشارات اللمحة .
وقال في ص 217 : والإشارة من غرائب الشعر وملحه وبلاغة عجيبة تدلّ على بعد المرمى وفرط المقدرة ، وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرّز والحاذق الماهر ، وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالّة واختصار وتلويح يعرف محملا ، ومعناه بعيد من ظاهر لفظه . 
فمن ذلك قول زهير [ بن أبي سلمى ] :
فإنّي لو لقيتك واتجّهنا * لكان بكل منكرة كفاء
فقد أشار له بقبح ما كان يصنع لو لقيه ؛ وهذا عند قدامة [ بن جعفر الناقد ] أفضل بيت في الإشارة :
وقول الآخر :
تركت الركاب لأربابها * وأكرهت نفسي على ابن الصعق 
جعلت يدي وشاحا له * وبعض الفوارس لا يعتنق
وهذا النوع من الشعر هو الوحي عندهم » .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية السين والشين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:02 pm

القوافي في ديوان الحلّاج قافية السين والشين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية السين
[ 48 ]من الوافر :
1 - سكوت ثم صمت ثم خرس * وعلم ثم وجد ثم رمس
2612 - وطين ثم نار ثم نور * وبرد ثم ظلّ ثم شمس
2623 - وحزن ثم سهل ثم قفر * ونهر ثم بحر ثم يبس
2634 - وسكر ثم صحو ثم شوق * وقرب ثم وصل ثم أنس
2645 - وقبض ثم بسط ثم محو * وفرق ثم جمع ثم طمس
2656 - عبارات لأقوام تساوت * لديهم هذه الدّنيا وفلس
2667 - وأصوات وراء الباب ، لكن * عبارات الورى في القرب همس
2678 - وآخر ما يؤول إليه عبد ، * إذا بلغ المدى ، حظّ ونفس
2689 - لأن الخلق خدّام الأماني * وحق الحقّ في التقديس قدس 269
...............................................................................................
[ 48 ]
الديوان ، ص 20 عن : اليافعي ، مرآة الجنان ، ورقة 233 ب ، ( الأبيات 1 - 10 ) .
اليافعي : تاريخ ، ورقة 203 أ ( الأبيات 1 - 10 ) ( الحق أن مرآة الجنان هو التاريخ ؟ ! ) . تقييد : ( مخطوط قازان ، ص 97 ) ( الأبيات ، 1 ، 3 شطر 2 + 2 ش 2 ، 7 ) مخطوط كوبرولو 1620 ، القسم الثالث ( الأبيات 1 ، 3 ش 2 + 2 ش 2 ، 7 ) .
كموشخاني : جامع الأصول ، ص 224 ( الأبيات 1 - 10 ) ( الشيخ أحمد ضياء الدين بن مصطفى الحنفي الكمشخاني ، والكموشخاني ، ت 1311 هـ - 1893 - 4 م ) ، وكتابه هو : جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم ، ط مصر 1331 هـ - 1913 م وتقع الأبيات المذكورة في ص 182 .

« 278 »
التحقيق :
أ - في البيت الرابع - وردت « صحو » في مرآة الجنان على « محو » ، وواضح أن المطلوب ما أثبتته مصادر ماسينيون والكمشخاني ، لتستقيم بها المقابلة بين السكر والصحو ، وهو الطابع السائد في كل القطعة . هذا إلى أن الكمشخاني قد أثبت الصحو على السكر ولا يستقيم ذلك في التصوّف . وفيه أيضا أثبت ماسينيون والكمشخاني كلمة « وصل » على « وفر » والصحيح ما أثبتناه برواية اليافعي .
ب - في البيت السادس - وردت « كشف » ، في مرآة الجنان أيضا ، على « كسف » والصحيح أثبته ماسينيون عن مصادره للسبب ذاته .
ج - ضبط ماسينيون فاء كلمة « فلس » في البيت السابع ، بالكسر وحقّها الفتح كما في المعاجم ، وانظر مثلا القاموس المحيط .
د - واضح أنّ هذه المقطّعة تعرض لأحوال الصوفية ومواجيدهم وغاياتهم على أساس ثلاثي يبين تنقّل الصوفي بين الحالات النفسية المتضادة ليستقرّ بنتيجة تلبّسه بالحال الثالثة . 
وبتجميع هذه النتائج يريد الحلّاج أن يقول : إن السلوك الصوفي ينتهي في مراحله المختلفة بالشوق ثم الأنس ثم المحو ثم الطمس ثم الجذب ويختم باللّبس أو الحيرة كما مر بنا في ما مضى من مقطّعات الحلّاج ، ويرتب هذ الصوفي على هذه الموجات النفسية الثلاثية كونها ألفاظا تتردّد في الوسط الصوفي قد تكون مقرونة بعمل وقد لا تكون وأنّ غاية المدى - فيما يتصّل بالسالك - ما قدّره اللّه تعالى له وما أعدّه ، وهو ما عبّر عنه الحلّاج بالبيت التاسع . 
ويرى الأستاذ مكّي السيد جاسم أنّ « حظّ » في هذا البيت ينبغي أن تقرأ على « خط » بالمعجمة ، فالمهملة بمعنى حفرة القبر ليعني أنّ الموت نهاية كلّ حيّ ، وهو معنى لا يتمشّى - في رأينا - مع تسلسل هذه المقطّعة ذات المعنى الصوفي الواضح .

« 279 »
[ 49 ]من الهزج :
1 - جحودي لك تقديس * وظنّي فيك تهويس
 2702 - وقد حيّرني حبّ * وطرف فيه تقويس
 2713 - وقد دلّ دليل الحب * ب أنّ القرب تلبيس
 2724 - وما آدم إلّاك * ومن في البين إبليس
273التحقيق :
أ - جعل ماسينيون عنوان هذه المقطّعة « لماذا رفض إبليس السجود لآدم » .
ب - جاءت هذه المقطّعة في الديوان بروايتين ، 
الأولى : تتمثّل في البيتين الأول والثاني من النصّ الذي ارتضيناه مع إثبات ، « عقلي » مكان « ظنّي » ، 
والثانية : بتسجيل البيت الأوّل على الوجه التالي :
جنوني لك تقديس * وظنّي فيك تهويس
واتباعه بالأبيات الثلاثة الأخرى مع تسجيل الشطر الأول من البيت الأخير على : « فمن آدم إلّاك » .
...............................................................................................
[ 49 ]
الديوان ، ص 64 - 65 عن : الطواسين ، ص 43 ، القشيري : لطائف الإشارات :
السورة 15 الآية 42 « الحجر » :إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ، ( ويرد الخبر في المطبوع 3 / 272 ) ( البيتان 1 ، 4 ) . الآلوسي : نشوة ، 77 ، الديوان . مخطوط الجزائري ، ورقة 3 أ ( الأبيات 1 - 3 ) . مخطوط لندن ، ورقة 336 ب ، مخطوط تيمور ، ص 21 ( الأبيات 1 - 4 ) . مخطوط الجزائري ، ورقة 3 أ ( الأبيات 1 - 3 ) .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 29 - 30 ، شرح شطحيات لروزبهان البقلي ، ص 514 ، نامه‌هاي عين القضاة همداني ، ص 466 ، ( البيتان الأول والرابع ) مع زيادة ثالث نصّه :
أنا كلّك يا هذا * على كلّيك تلبيس
نسبة إلى مرشد صوفي مجهول .

« 280 »
وقد وردت « جحودي » في نامه‌هاي عين القضاة على « كلامي » « وظنّي » على « فكري » .
ج - أثبتنا « جحودي » مكان « جنوني » لأنها « ضد الإقرار ، ولا يكون إلا مع علم الجاحد به أنّه صحيح » كما في مقاييس اللغة ، ( 1 : 426 ) واستشهد ابن فارس لهذا التوجيه بقوله تعالى :( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ )( النحل 27 : 14 ) . 
وبذلك تقع المقابلة بين الجحود الظاهري عند الحلّاج والتقديس ، الذي هو التطهير والإيمان باسم اللّه القدّوس بمعنى النهاية في الطهارة ، ( كما في القاموس المحيط ) ، ولا تعبّر كلمة « جنوني » عن كل هذا المعنى المناسب تماما للسياق .
واخترنا « ظنّي » هنا على « عقلي » لمناسبتها للمعنى ولارتباطها بالتهويس الذي هو التصرّف والتكلّم الجنونيان لما فيهما من جلبة واضطراب يتصلان بالدقّ والكسر والطوف بالليل . . كما في القاموس .
ومعنى البيت بترتيبنا هو : أن ما يفهم من جحودي لك ، باعتباره نوعا من التشبيه والحلول ، ليس إلا غاية العبادة . 
وذلك لأنّ ظنّي ، وكلّ ظنّ فيك ، ليس إلّا من قبيل الهذيان ، بل هو ضرب من اختلاط العقل . وفي هذا المجال تصلح كلمة « عقل » أيضا . 
وينبغي أن يكون اختيار « جنوني » و « عقلي » ، في الرواية الأخرى ، التي نراها نوعا من معالجة النسيان ، قد روعي فيها إيراد اللفظين على وجه من المقابلة التي تفهم من جوهر هذا المعنى ولم يقصد بإيرادهما كونهما من النصّ فعلا .
د - التلبيس : تحلّي الشيء بنعت ضده كما في اللمع للسرّاج ، ( ص 449 ) وقد روي عن الواسطي ( أبي بكر محمد بن موسى ، ت بعد 320 هـ / 923 م أنه قال : « التلبيس عين الربوبية » بمعنى « أن المؤمن يظهره في زي الكافر والكافر في زيّ المؤمن » بدلالة قوله تعالى :( وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ )[ الأنعام 9 ] . 
( أيضا ص 449 ) واسترسل السرّاج في شرح لفظ

« 281 »
التلبيس بعبارة للخبير البغدادي قال فيها : « امتزج بالالتباس واختلط متلّونا في الإحساس . . . » ( أيضا )
والخلاصة أن التلبيس بمعنى « ستر الحقيقة وإظهارها بخلاف ما هي عليه » كما في التعريفات للجرجاني ( الشريف علي بن محمد بن علي الحسين الحنفي ، 740 - 816 هـ / 1339 - 1413 م ) ، مصر 1357 هـ / 1938 م ، ص 58 . 
والمعنى واضح جار على طابع الحلّاج من أنّ البعد والقرب واحد لأنّ الموجود هو اللّه وحده وهو أقرب إلى كل شيء ، بعد أو قرب ، من حبل الوريد لارتفاعه عن النسب المكانية .
هـ - في البيت الثالث جاءت رواية ماسينيون الثانية وفيها : « ومن آدم إلّاك » والصحيح ما أثبتناه آخذا بالرواية ، وهو من أسلوب الحصر المعروف في البلاغة العربية ، وإن كان لإثبات « من » وجه صحيح .
و - الشطر الأوّل من البيت الرابع يشير إلى الفكرة الحلّاجية المتواترة في تضاعيف أشعاره من أنّ الإنسان إنما هو في الحقيقة تجلّ للذات الإلهية .
ز - هذا المعنى مستمد - فيما يبدو - من شعر لأبي يزيد البسطامي عدّه ابن أبي الحديد ( عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني المعتزلي ، 586 - 655 هـ / 1188 - 1258 م ) نموذجا للشطح الصوفي ، ونصّه :
فمن آدم في البين * ومن إبليس لولاكا
فتنت الكلّ والكل * ل ، مع الفتنة ، يهواكا
( شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، 1 : 108 ) .
ح - نقل ماسينيون رباعية في هذا المعنى من نظم المؤيّد الجندي ، وردت في مخطوط في فييّنا ( المخطوطات التركية 3 : 508 ، ورقة 11 ب ) والحاشية للصاوي 3 : 152 ، ونصّها :من آدم في الكون ومن إبليس * من ( ما ) عرش سليمان ؟ ومن بلقيس

« 282 »
الكلّ إشارة وأنت المعنى * يا من هو للقلوب مغناطيس
ط - ذكر في مجال ترديد الحلّاج لهذه القطعة أنّه كان « يملي على بعض تلامذته أنّ اللّه - تبارك وتعالى ، وله الحمد - ذات واحد قائم بنفسه ، منفرد عن غيره بقدمه ، متوحد عمّن سواه بربوبيّته . 
لا يمازحه شيء ولا يخالطه غير ، ولا يحويه مكان ولا يدركه زمان ، ولا تقدّره فكرة ، ولا تصوّره خطرة ، ولا تدركه نظرة ، ولا تعتريه فترة . ثم طاب وقته وأنشأ يقول . . . » .
( أخبار الحلّاج ، ص 29 ) .
ي - قال روزبهان البقلي في شرح البيتين الأول والرابع : « لم يكن في البين آدم ولا إبليس ، ولم يكن البين نفسه في البين . 
لو كنت موحدا جحدت لأنّ الموحّد لا يرى الأغيار في جلال الحقّ ، فأين الجحود في الحقّ ؟ ! 
ذلك أنّ أزلية الحقّ منزهة عن التوحيد وجحود إبليس . 
لو كنت محلّا للتحقيق لم تتكلم في الحقّ ، ولم تر نفسك في البين ولسجدت لآدم ، إذ السجود من عمل المخلوق .
أين منك الوفاء بخدمة الخالق السرمدي الأزلي الأبدي ؟ 
إنّه اللّه الذي يقصر الكون بكل عظمته عن أن يعادل ذرّة من قهر سلطان كبريائه أو يثبت للمحة واحدة من سطوات عظمته . 
فالأوّلون جميعا والآخرون والأجرام والأجسام والأرواح والأقطار والشواهد والمكان والجهات من العرش إلى الثرى ، كل أولئك أذلة أمام قدم علمه . 
لم يكن ( إبليس ) يعلم أنّ فعل آدم من أفعال اللّه وأن فعله مرآته ، وأنه - إن نظر في المرآة - رآه ، سبحانه ، عيانا كما قالوا : ما نظرت إلى شيء إلّا رأيت اللّه فيه » ( شرح شطحيات ، ص 514 - 15 ، ترجمة المحقق ) .
يا - ذكر في غلبة هذه الفكرة على الصوفية المعاصرين للحلّاج أنّه « قام الشبّلي يوما يصلّي ، فبقي طويلا ( متردّدا ) ثم صلّى ؟ فلما انفتل عن صلاته قال : يا ويلاه ، إن صليت جحدت ، وإن لم أصلّ كفرت » ( التعرّف ، ص 105 ) .
وأخذ الكلاباذي هذا الخيط فأرخاه ولم يقطعه وأوّل قول الشبلي ،

« 283 »
الماضي ، برأيه فقال : « أي جحدت عظيم النعمة وكمال الفضل حيث قابلت ذلك بفعلي شكرا له مع حقارته » ( يعني حقارة فعله هو ) ( أيضا ، ص 105 ) .
يب - في هذه المناسبة ينبغي أن نورد أبيات عبد اللّه الأنصاري الهروي صاحب منازل السائرين ( ت 481 هـ / 1109 م ) التي استمدّها من مقطّعة الحلّاج هذه ويعقب عليه بشرحها وبخاصّة ما يتّصل بلفظ الجحود المشترك بين المقطّعتين ليتبيّن مقصد الحلّاج من إيرادها .
قال عبد اللّه الأنصاري :
ما وحّد الواحد من واحد * إذ كلّ من وحّده جاحد
توحيد من ينطق عن نعمته * تثنية أبطلها الواحد
توحيده إيّاه توحيده * ونعت من ينعته لاحد
( روضة التعريف ، ص 498 ، وترد القطعة في آخر منازل السائرين ، انظر شرحي اللخمي والفركاوي ) .
في روضة التعريف جاء هذا التعليق الشارح :
« كثر كلام الفضلاء في هذه الأبيات لإطلاق القول بجحود كل من وحّد وإلحاد كل من نعت . وسئل بعض المعاصرين عن ذلك فوقّع على ظهر السؤال ما نصّه : وقد استشكل الناس إطلاق لفظ الجحود على كل من وحّد الواحد ، والإلحاد على كل من نعته ووصفه واستبشعوا هذه الأبيات وحملوا على قائلها واستقبحوه . 
وتقريب تحريره ، على رأي هذه الطائفة ، إنهم يقولون : إنّ معنى التوحيد هو انتفاء عين الحدوث بثبوت عين القدم ، وأنّ الوجود كله حقيقة واحدة وآنية ( إنّية ) واحدة . . . قالوا : فمن وحّد ونعت فقد عيّن قضية ثلاثية : من موحّد محدث هو نفسه ، وموحّد قديم هو معبوده ، وتوحيد حديث هو فعل نفسه .
وقد تقدم أن التوحيد انتفاء عين الحدوث ، وعين الحدوث الآن ثابت متعدّد والتوحيد مجحود والدعوى كاذبة ، كمن يقول لغيره - وهما في بيت واحد - : ليس في البيت غيرك ، فيجيبه الآخر : إنّما يصحّ ذلك إذا عدمت

« 284 »
أنت . . . فإذا تحقّق كان الموحّد هو الموحّد ، وعدم سواه وذهب الحدوث جملة ( و ) صحّ التوحيد الذاتي وهو قولهم : لا يعرف اللّه إلا اللّه . . . ولا حرج على من وحّد الحقّ مع بقاء الرسوم والآثار ، وإنّما هو من باب :
« حسنات الأبرار سيئات المقرّبين » . . . واعرف الأصناف في هذا الزعم القائلون بالوحدة المطلقة ، ومدار المعرفة بكل اعتبار على الانتهاء إلى الواحد .
وصدر من الناظم هذا القول على سبيل التحريض والتفطين لمقام أعلى ترتفع فيه الشفعية ويحصل التوحيد الحق المطلق عينا لا خطابا وعبارة . . . » .
( روضة التعريف بالحب الشريف ، ص 498 - 500 ) .
[ 50 ]من الطويل :
1 - حويت بكلّي كلّ كلّك ، يا قدسي ، * تكاشفني حتّى كأنّك في نفسي
 2742 - أقلّب قلبي في سواك فلا أرى * سوى وحشتي منه وأنت به أنسي
 2753 - فها أنا في حبس الحياة ممنّع * من الأنس فاقبضني إليك من الحبس
 276التحقيق :
أ - في البيت الأول - سجّل ماسينيون « كلّك » على صورة « حبّك » . وما أثبتناه أنسب للمعنى وأقرب إلى لفظ الحلّاج ومعانيه .
ب - « وأنت به أنسي » في البيت الثاني ، وردت في الديوان على « ومنك به أنسي » ، وما أثبتنا أقرب إلى الصواب ، وإن كانت الجملة غير مستقرة تماما .
...............................................................................................
[ 50 ]
الديوان ، ص 66 عن : تقييد ( مخطوط الجزائري ، ورقة 4 أ ) ، مخطوط قازان ، ص 43 ، مخطوط لندن ، ورقة 338 أ ، مخطوط تيمور ، ص 34 ، مخطوط الجميلي ( القول السديد في ترجمة العارف الشهيد ) ، ص 4 .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 87 - 58 .

« 285 »
ج - في البيت الثالث ، اختار ماسينيون « مجمع » بدل « ممنّع » وما أثبتناه أنسب للسياق وهو وارد في مخطوط الجميلي ، الذي نقل عنه ماسينيون ، وإن كان للكلمة الأخرى وجه بعيد . وقد بنى ماسينيون « أرى » للمجهول ، وليس بذاك .

« 286 »
قافية الشين
[ 51 ]من البسيط :
1 - من سارروه فأبدى كلّ ما ستروا * ولم يراع اتصالا ، كان غشّاشا 277
...............................................................................................
[ 51 ]
الديوان ، ص 22 - 23 عن : السلمي : أصول الملامتية ، ورقة 67 أ ( الأبيات 1 ، 3 - 9 ) . تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 3 ، 3 ب ) ( الأبيات 3 ، 4 ، 6 ، 9 ، 10 ) . وورقة 332 ب ( البيتان 1 ، 2 ) . مخطوط قازان ، ص 84 ( الأبيات 1 : الشطر الأول ، 3 :
الشطر الثاني ، 5 ، 9 ، 10 ) . ابن الجوزي : تلبيس إبليس ، ص 409 ( بيت واحد مركب من الشطر الأول من البيت السادس والثاني من الثالث ) . الهجويري : كشف ( المحجوب ) ، ورقة 12 أ ( بيتان : الشطر الأول من السادس والثاني من الثالث ، الرابع ) . ابن الساعي : مختصر ، ص 75 ( مختصر أخبار الخلفاء ، مصر 1310 هـ ، ص 76 ) ، البقلي : تفسير 16 : 46 « النّحل »( أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ): 46 - 48 ) .
( البيت الأول : ش 1 ، 3 : ش 2 ، 5 : ش 1 ، 4 : ش 2 ، 9 ) . السورة 5 : 101 ( المائدة :( قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ )( الأبيات 4 - 9 ) . علي بن وهب الربيعي ، انظر البهجة للشطنوفي ، ص 231 ( البيت 6 : ش 1 ، 3 : ش 2 ، 5 :
ش 1 ، 4 : ش 2 ، 9 ) ، التادفي : القلائد ، ص 94 ، ابن العربي الحاتمي الطائي« عربي » الفتوحات 2 / 338 ( الأبيات 1 ، 5 : ش 1 ، 4 : ش 2 ، 9 ) . محاضرة الأبرار ( له أيضا ) 2 / 316 ، عز الدين المقدسي : شرح حال الأولياء ، ورقة 252 أ ( الأبيات 6 : ش 1 ، 3 :
ش 2 ، 4 ) .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، الملحق ، فقرة 6 ، ص 123 - 124 ( نقلا عن مختصر أخبار الخلفاء لابن الساعي ) ، محاضرة الأبرار لابن العربي الحاتمي الطائي ، 2 / 240 ( الأبيات 1 ،

« 287 »
2 - إذا النفوس أذاعت سرّ ما علمت * فكلّ ما حملت من عقلها حاشا
 2783 - من لم يصن سرّ مولاه وسيده * لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
 2794 - وعاقبوه على ما كان من زلل * وأبدلوه مكان الأنس إيحاشا
 2805 - وجانبوه فلم يصلح لقربهم * لمّا رأوه على الأسرار نبّاشا
 2816 - من أطلعوه على سرّ فنمّ به * فذلك مثلي بين الناس قد طاشا
 2827 - هم أهل سر وللأسرار قد خلقوا * لا يصبرون على من كان فحّاشا
 2838 - لا يقبلون مذيعا في مجالسهم * ولا يحبّون سترا كان وشواشا
 2849 - لا يصطفون مذيعا بعض سرّهم * حاشا جلالهم ، من ذلكم حاشا
 28510 - فكن لهم وبهم في كلّ نائبة * إليهم ما بقيت الدهر هشّاشا
 286التحقيق :
أ - يبدو أنّ هذه المقطّعة من أسير ما قال الحلّاج ، ومن هنا تكثّرت روايات أبياتها وبخاصة الأول منها . قصيدة الأهوال أمانات عند أهلها
ب - ورد البيت الأول في محاضرة الأبرار ، وبهجة الأسرار ، وروض الرياحين وذيل مرآة الزمان ، والبداية والنهاية هكذا :
(من سارروه فأبدى السرّ مجتهدا ( أو مشتهرا ) * لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا)
من سارروه فأبدى كلما ستروا  . . . و لم يراع اتصالا كان غشاشا
ج - ورد هذا البيت أيضا بالنصّ التالي :
من أطلعوه عن سرّ فباح به * لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
وذلك في تلبيس إبليس ( دار الطباعة المنيرية ، ص 368 ) والكواكب الدرّية ، وعلى : « من أظهروه » في بهجة الأسرار . وتقصّي هذه الروايات مما
...............................................................................................
4 ، 9 ) . 
الفتوحات المكية : 4 / 460 ، ذيل مرآة الزمان لليونيني : قطب الدين أبي الفتح موسى بن محمد بن أحمد البعلبكي ، ت 726 هـ - 1326 م ، حيدر آباد 1374 - 5 هـ - 1954 - 5 م ، 1 / 27 ( البيتان 1 ، 4 ) . البداية والنهاية لابن كثير ، الكواكب الدرية للمناوي ( 1 ، 4 أيضا ) . روض الرياحين لليافعي ، ص 167 ( الأبيات 1 ، 4 ، وبيتان إضافيان ) ورسالة الملامتية للسلمي ، بتحقيق د . أبو العلا عفيفي ، مصر 1963 ، ص 93 ( ولم يذكر المحقق نسبتها إلى الحلّاج أصلا ) ( الأبيات : 2 ش 1 + 3 ش 2 ، 5 ش 1 + 4 ش 2 + 10 ش 1 + 9 ش 2 ) .

« 288 »
يطول به المدى والأولى الاقتصار منه على ما فعلنا .
د - روى اليافعي هذه المقطّعة على أربعة أبيات مع إبدال الشطر الأول من البيت التاسع بقوله : « ومن أتاهم بهم لم يحجبوه به » .
هـ - في البيت الثاني - سجّل ماسينيون « حمل » بلفظ « خمل » كان الإعجام في الحاء مقصودا وليس من خطأ الطبع ، فالمعنى لا يستقيم ، إذ معنى « خمل » خفي وسقط ، وبما أثبتنا يستقيم المعنى . 
وينبغي أن نذكر أن الفعل « حاش » هنا يحتمل أن يكون بمعنى « جمع الإبل وساقها » كما في المصباح المنير ، فكأنّ الحلّاج يريد أن يقول : إنّ من أذاع الأسرار طرد اللّه من ذهنه كل ما عرف منها كما يفعل الراعي بالإبل إذا جمعها كلّها وخرج بها جملة إلى المكان المقصود .
و - في البيت السادس - وردت « قد طاشا » على « طيّاشا » وهي رواية أحد الأصول .
ز - في البيت السابع - أثبت ماسينيون « أهل سرّ » على لفظ « أهل السرّ » وبه يضطرب الوزن . وفيه « من كان » جاءت على « ما كان » وليس بصحيح .
ح - في البيت الثامن - جاء الشطر الثاني على « ولا يحبّون سترا كان وشواشا » ، والوشواش - في القاموس المحيط - : هو الخفيف من النعام ، والوشوشة : « الخفّة » ، وتوشوشوا : تحرّكوا وهمس بعضهم إلى بعض » .
فكأنّ الحلّاج يريد أن يقول : إن الصوفية لا يحبّون من الأستار إلّا ما ثقل لئلا ينظر أو يسمع ما وراءه .
ط - في البيت التاسع - أثبت ماسينيون الشطر الأول على لفظ : « لا يصطفون مضيفا بعض سرّهم » وبه يضطرب وبما أثبتنا يستقيم ويبين وبخاصة أنّ لفظ « مذيعا » جاء في رواية أخرى ذكرها ماسينيون نفسه .
وقد روى ماسينيون صورة ثانية للبيت التاسع هي :لا يستطيع ودادا عند غيرهم * حاشا ودادكم من ذلك حاشا

« 289 »
وجاءت فيه « حاشا » بالقصر . وفوق ذلك أورد ماسينيون رواية ثالثة لهذا البيت ثاني بيتين هما :
ومن أذاقوه منهم مغرورهم * فاستأثر وبهم عنه به طاشا
ومن أتى بهم لم يحجبوه به * ولا يردونهم حاشا ثم حاشا
أما الأول فعسير على الإصلاح ، وأما الثاني فقد رواه اليافعي بهذا النص :
ومن أتاهم بهم لم يحجبوه به * حاشا ودادهم عن ذلك حاشا
ي - ورد البيت العاشر في الأصول على «ما بقي ذا الدهر هشّاشا» والنصّ الذي أثبتناه من مخطوط «تقييد بعض الحكم والأشعار».
يا - ذكر المقدسي ( أبو الفضل محمد بن طاهر ، ت 507 هـ / 1113 م ) في صفة الصفوة : 4 / 296 ، أن عابدا شابّا كان يحضر مجلس ذي النون المصري ، ( ت 254 هـ / 868 م ) كان يقول :
من شاوروه فأبدى السرّ مجتهدا * لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
وباعدوه فلم يسعده بقربهم * وأبدلوه مكان الأنس إيحاشا
لا يصطفون مذيعا بعض سرّهم * حاشا ودادهم من ذاكم حاشا
وذلك بعد أن « قيل لذي النون : يا أستاذ ، وهل رأيت عبدا اصطنعه مولاه من بين عبيده واصطفاه وأعطاه مفاتيح الخزانة [ - خزانة المعرفة ] ثم أسرّ إليه سرّا ، أيحسن أن يفشي ذلك السرّ ؟ »
فكأن هذه الأبيات لغير الحلّاج ولمن هو أسبق منه في التاريخ ، لكننا نرجّح أنها وضعت على لسان المتصوفة السابقين لأغراض غير تاريخية ضمن رقائق الصوفية وقصصهم وخصوصا على لسان ذي النون التي دارت حوله كثير من أمثال هذه القصص .
يب - والظاهر - واللّه أعلم - أن هذه المعاني قد ارتيدت قبل الحلّاج في دوائر الشعر التقليدي ومن هنا وجدنا أبا العتاهية ، فارس هذا الميدان ، يقول :

« 290 »
من كان يزعم أن سيكتم حبّه * ويستطيع السّتر فهو كذوب
الحبّ أغلب للرجال بقهره * من أن يرى للسرّ فيه نصيب
وإذا بدا سرّ اللبيب فإنه * لم يبد إلا والفتى مغلوب
إني لأحسد ذا هوى مستحفظا * لم تتّهمه أعين وقلوب
( المحاسن والأضداد للجاحظ ، مصر 1324 هـ ، ص 22 ) .
يج - في كشف الغطاء للأهدل ( الحسين بن عبد الرحمن الحسيني ) ، ت 855 هـ / 1451 م ) أن من صدر عنه ذنب إفشاء الأسرار من الصوفية « انسلخ من المعرفة وسقط في مهاوي الكفر والضلالة إذا لم يتداركه اللّه بالتوبة - والعياذ باللّه »
يد - من الطبيعي أن يتمثل الناس بهذه الأبيات كلها أو بعضها ومن أولئك الحسن بن أبي الفضل الشرمقاني ، ( ت 451 هـ / 1059 م ) كما في المنتظم لابن الجوزي، ( 8 / 213 ) والشيخ عبد القادر الجيلاني، كما في قلائد العقيان للتاذفي ( ص 96 ).
[ 52 ]من الرمل :
1 - نسمات الريح قولي للرشا : * لم يزدني الورد إلّا عطشا 287
...............................................................................................
[ 52 ]
الديوان ، ص 68 - 69 عن : الجلدكي : غاية السرور ، ( الأبيات 1 - 3 ، والثالث يرد في الصداقة والصديق للتوحيدي ، ص 24 ) . الراغب الأصفهاني : محاضرات ، ص 271 وابن العربي الحاتمي الطائي ( في الفتوحات : 4 ) 413 ، جلال الدين الرومي ، المثنوي الدفتر الثالث قطعة 177 ، ( الأبيات 10 - 12 ) وانظر الأنقروي : 2 / 11 ب الجميلي المخطوط ص 9 ، الشاعر التركي روحي ( ت 1014 / 1605 هامر ( مجلة ) . . . 3 / 136 )
وانظر أيضا : غرر الخصائص الواضحة للوطواط ، ص 373 غير منسوب ، ( البيتان الأخيران مع رواية الثاني على صورة أخرى ) . 
الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي 4 / 483 ( الباب 559 ) استشهادا بالبيت الثالث ، مشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ( البيت الثالث ) غير منسوب إلى أحد .

« 291 »
2 - لي حبيب حبّه وسط الحشا * إن يشأ يمشي على خدّي مشى
 2883 - روحه روحي وروحي روحه * إن يشأ شئت وإن شئت يشا
 289النص :
أ - وردت « نسمات الريح » في أكثر المصادر على « يا نسيم الريح » وبعدها : قولي للرشا ، وباجتماعهما لا يستقيم وضع الجملة ومن هنا قلنا « نسمات الريح » بغرض التصويب .
ب - في فقه اللغة للثعالبي ( ص 18 ) : « كل ريح لا تحرّك شجرا ولا تعفّي أثرا فهي نسيم ، وفي مجمع الأمثال للميداني ( 2 / 112 ) أن « النسيم من الريح ما يستلذ هبوبها وهو تنفّس سهل » .
ج - في تذكير نسيم الريح سمعنا قول البحتري :
ألا يا نسيم الريح ، بلّغ رسالتي * سليمى وعرّض بي كأنك مازح
فإن سألت عنّي سليمى فقل لها : * به عبر من دانه وهو صالح
( محاضرات الأدباء ، للراغب الأصفهاني ، 2 / 47 ) .
ويروى عن مجنون ليلى أنه قال :
ألا يا نسيم الريح أدّ تحيّتي * إليها وما قد حلّ بي ودهانيا
( ديوان مجنون ليلى ، بشرح عبد المتعال الصعيدي ، ط 2 ، مكتبة القاهرة ، ص 25 ) .
وأنه قال :
ألا يا نسيم الريح ، حكمك جائر * علي إذا أرضيتني ورضيت
ألا يا نسيم الريح ، لو أنّ واحدا * من الناس يبليه الهوى لبليت  ( أيضا ص 125 ) .
وقد جمع ابن حجلة بابا مستقلا للأشعار الغرامية التي تضمنت نسيم الريح في كتاب له سمّاه « سلوك السنن في وصف السكن » جاء فيه نماذج من الأشعار المتقدمين والمتأخرين كما ذكر ذلك في كتابه ديوان الصبابة ( ط .

« 292 »
دار حمد ومحيو ، بيروت 1972 ، وسرد فيه أيضا شيئا منها ( ص 112 - 114 ) .
د - غنى المطرب المغربي هذه المقطعة من نحو عشرين سنة فكان يقول : « يا نسيم الريح ، خبّر للرشا » فلعله ، مثلنا ، كان يحاول رأب هذا الصدع .
قال أبي حسين الحلاج :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا
نحن مذ كنا على عهد الهوى ... تضرب الأمثال في الناس بنا
فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته قلت أنا
هـ - روى الوطواط البيت الثاني هكذا :
بأبي من هو منّي في الحشا * ليته يوما على عيني مشى
روحه روحي وروحي روحه ... إن يشأ شئت وإن شئت يشا
وكانت « إن يشأ » في الأصل على « لو يشا » ولا تستقيم نحوا ولا معنى .
و - قدّم أبو حيّان التوحيدي ( ت 400 هـ / 1009 - 10 م ) لاستشهاده بالبيت الثالث من هذه القطعة بقوله : « قيل لأرسطاطاليس الحكيم ، معلم الإسكندر : من الصديق ؟ قال : إنسان هو أنت إلّا أنه بالشخص غيرك . 
( و ) سئل أبو سليمان عن هذه الكلمة وقيل له : فسّرها لنا . فقال : وإنّما أشار بكلمته هذه إلى آخر درجات الموافقة التي يتصادق المتصادقان بها . ألا ترى أن لهذه الموافقة أوّلا منه يبتدآنها ، كذلك لها آخر ينتهيان إليه . 
وأوّل هذه الموافقة توحّد وآخرها وحدة . وكما أنّ الإنسان واحد بما هو إنسان ، كذلك يصير بصديقه واحدا بما هو صديق لأنّ العادتين تصيران عادة واحدة ، والإرادتين تتحولان إرادة واحدة . ولا عجب من هذا ، فقد أشار إلى هذه الغريبة شاعر بقوله :
روحه روحي وروحي روحه * إن يشأ شئت وإن شئت يشا
( الصداقة والصديق ، الآستانة ، 1301 هـ ، ص 26 - 27 ) .
أمّا ابن العربي الحاتمي الطائي فقد قال : الخلوة بالمحبوب هو المطلوب ، والانفراد معه غاية الدعة ، والخروج من الضيق إلى السعة . لا يفرح بهذا الانفراد إلّا أهل المحبّة والوداد ، ما هو منفرد من هو بحبيبه متّحد .
روحه روحي وروحي روحه * إن يشأ شئت وإن شئت يشا
قال أبي حسين الحلاج :
جبلت روحك من روحي كما ... يجبل العنبر بالمسك العبق
فإذا مسك شيء مسني ... فإذا أنت أنا لا نفترق 
وله أيضا :
مزجت روحك من روحي كما ... تمزج القهوة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني ... فإذا أنت أنا في كل حال  


« 293 »
( الفتوحات المكية 4 : 483 ، وانظر بقية الكلام وراجع تعليق ابن الدبّاغ في مشارق أنوار القلوب ، ص 99 ) .
ز - ذكر ماسينيون أن لهذه القطعة جانبا كيمياويّا عرض له في كتابه :
عذاب الحلّاج ، ص 929 ، وهو أمر يذكر بالقصيدة التي مطلعها :عَجَبٌ عَجَبٌ عَجَبٌ عَجبُ * قِطَطٌ سَودا ولها ذَنَبُوقد نسبت إلى ذي النون المصري ( ت 345 هـ / 859 م ) 
باعتباره قد « جعلها مصنفها بطريق الهزل وفي بواطن ألفاظها - وإن قلّت وصغرت - فوائد ومعان تضيق عنها الصدور » والمقصود أنها قصيدة في الصنعة « الكيمياوية » ( انظر كشف الظنون ، ص 1338 ) .
ح - مع قلّة القوافي الشينية في الشعر العربي ، على العموم ، يبدو أن جمال هذه القطعة بشيناتها الممدودة بالفتح ومعانيها العاطفية الرقيقة قد حمل عددا من الشعراء على مجاراتها أو الأخذ من معانيها . 
فمن ذلك قول ابن كليب الكاتب الأندلسي ( أحمد بن قزمان ت 426 هـ / 1035 ) في محبوبه أسلم ( أبي الحسن أحمد بن سعيد ، حفيد أسلم بن عبد العزيز قاضي قضاة الأندلس ) :
وأسلمني في هواه * أسلم هذا الرشا
غزال له مقلة * يصيب بها من يشا
وشى بيننا حاسد * سيسأل عما وشى
ولو شاء أن يرتشي * على الوصل روحي ارتشى
( انظر : مصارع العشّاق للسرّاج القاري 1 : 297 ، المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء : عماد الدين إسماعيل بن علي الأيّوبي ، ت 732 هـ / 1332 م ، مصر 1325 هـ ، 2 : 159 ، ديوان الصبابة لابن أبي حجلة المغربي : شهاب الدين أحمد بن يحيى ، ت 762 هـ أو 766 هـ / 1360 أو 1364 م ، على هامش تزيين الأسواق للأنطاكي 2 / 93 ، وكذا الكتاب الأخير ، 2 : 6 ) .

« 294 »
ومنها قول الحاجري ( حسام الدين عيسى بن سنجر الإربلّي ، ت 632 هـ / 1234 - 5 م ) :أدعوه - إن أبدى التلفّت - يا رشا * وأشير بالغصن الرطيب إذا مشى
( ديوانه ، مصر 1305 هـ ، ص 8 ، شرح ديوان ابن الفارض ، مصر 1319 هـ ، 1 : 54 ) .
ومنها ما أورده العبدري ( محمد بن محمد البلنسي ، ت بعد 688 هـ / 1289 م في الرحلة المغربية ( نشر كلية الآداب الجزائرية ، بلا تاريخ ، مطبعة البعث بقسنطينة ، ص 82 ) 
دون نسبة ، ولعل الشعر له وذلك في قول القائل :
ولولا حبيب حبّه أضرم الحشا * يصرّفني شوقا إليه كما يشا
أهيم به حيّا وميتا وإنني * لأضمر من حبيّه أضعاف ما فشا
ترنّحني من ذكره أريحيّة * كما اهتزّ غصن للنسيم إذا نشا
تركت إليه دون منّ أحبّة * تصدّع إذ فارقتهم منيّ الحشا
لما بتّ في أكنافها ليلة ولا * خشيت هجيرا لافيا أن يعطّشا
ومنها ما أورده عبد الرحمن بن محمد الحنفي البسطامي ، ت 858 هـ / 1454 م ، في مناهج التوسّل في مباهج الترسّل ، ( مطبعة الجوائب 1299 هـ ، ص 132) من قول برهان الدين الغزنوي (أبو الحسن علي بن الحسين الواعظ ، ت 551 هـ/ 1156م ):
كم حسرة لي في الحشا * من ولد قد انتشا
كنّا نشاء رشده * فما نشا كما نشا
وانظر النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، 5 / 329 ) . 
ومنها ما جاء في مناهج الترسّل أيضا ( ص 119 ) من قول القائل :
سلوا عن مودّات الرجال قلوبكم * فتلك شهود لم تكن تقبل الرشا
ولا تسألوا عنها العيون ، فربّما * شكون بشيء لم يكن داخل الحشا
ومنها قول ابن الجلال الخجندي ( شمس الدين محمد بن أحمد بن طاهر ، 851 - بعد 899 هـ / 1447 - 1493 م ) :

« 295 »
مثل محبوبي جمال ما نشا * حائز لين قوام ما يشا
وحشا منذ تبدّى قمرا * شغفا كل فؤاد وحشا
وفشا دمعي بسرّي علنا * يا شفا المهجة بالوصل فشا
( الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للسخاوي : شمس الدين محمد بن عبد الرحمن ، ت 902 هـ / 1496 - 7 م ، مصر 1353 - 5 هـ ، 1934 - 7 م ، 6 : 313 ) .
وفي باب اتفاق القلوب على مودة الصديق وقلة الخلاف مع الرفيق ، قال الوشّاء وأنشدت للحكمي ( أبو نواس ) :
روحها روحي وروحي روحها * ولها قلبي وقلبي قلبها
فلنا روح وقلب واحد * حسبها حسبي وحسبي حسبها
( الموشّى ، للوشاء : أبي الطيّب محمد بن إسحاق بن يحيى من أعلام القرن الثالث الهجري - التاسع الميلادي ، مصر : 1907 م ص 27 ) ، 
وهذا يوحي بأن المعنى مأخوذ أوّلا من أبي نواس ، غير أن هذين البيتين لا يردان في ديوانه المطبوع .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج الضاد والطاء والعين والفاء والقاف شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:03 pm

القوافي في ديوان الحلّاج الضاد والطاء والعين والفاء والقاف شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية الضاد

[ 53 ]من الطويل :
1 - عجبت لكلّي كيف يحمله بعضي * ومن ثقل بعضي ليس تحملني أرضي
 2902 - لئن كان في بسط من الأرض مضجع * فقلبي على بسط من الخلق في قبض 
291التحقيق :

أ - ذكر في مقدمة هذه القطعة ومناسبتها أن الحلّاج كان في مسجد وحوله جماعة وهو يتكلم ، فقال : « لو ألقي مما في قلبي ذرّة على جبال الأرض لذابت ، وإنّي لو كنت يوم القيامة في النار لأحرقت النار ، ولو دخلت الجنّة لانهدم بنيانها ، ثم أنشأ يقول » : . . .
...............................................................................................
[ 53 ]
ديوان الحلّاج ، ص 69 عن : الديوان المخطوط ، قطعة 16 ، تقييد ( مخطوط قازان ، ص 25 ) مخطوط الجزائري ، ورقة 2 أ ، مخطوط لندن ، ورقة 336 ب .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 28 ، وفيه أنها وردت أيضا في حلّ الرموز لعزّ الدين المقدسي ، مخطوط برلين ، رقم 3011 ، ورقة 29 ب ، ورقة 93 ب .

« 297 »
قافية الطاء
[ 54 ] من السريع :
1 - ما زلت أجري في بحار الهوى * يرفعني الموج وأنحطّ 
2922 - فتارة يرفعني موجها * وتارة أهوي وأنغطّ 
2933 - حتّى إذا صيّرني في الهوى * إلى مكان ما له شطّ 
2944 - ناديت : يا من لم أبح باسمه * ولم أخنه في الهوى قطّ 
2955 - تقيك نفسي السوء من حاكم * ما كان هذا بيننا الشرط
 296التحقيق :
أ - في البيت الأول جاءت « جري » في ما عدا « تقييد بعض الحكم والأشعار » وقصة حسين الحلّاج على « أطفو » جاءت « مكان » في البيت الثالث على « بحار » وذلك في الكتاب الأخير .
ب - في البيت الخامس جاءت « الشرط » في الأصل خالية من أداة التعريف وبها يختل الإعراب إذ لا تحتمل إلّا النصب على الخبرية والضرورة
...............................................................................................
[ 54 ]
الديوان ، ص 70 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 96 ) ، مخطوط لندن ، ورقة 327 ب ، كوبرولو 1620 ، رقم 5 ، مخطوط الجميلي ، ص 7 ( الأبيات 1 ، 3 ، 4 ) .
انظر أيضا : قصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار به الوجد ، نشر ماسينيون في مجلة« Orientala Suecana »التي تصدرها جامعة أوبسالا في السويد ، المجلد 3 سنة 1954 ، ص 17 ( الأبيات 1 ، 3 ، 4 ) .

« 298 »
الشعرية لا تسعها ، وبالتعريف تتحقق المساواة بين ركني الجملة وبذا تقع الكلمة اسما مؤخرا لكان . وجاءت في « تحقيق بعض الأشعار » على : ما هكذا ما بيننا الشرط » ولعلها الأصل .
ج - علق ماسينيون على هذه المقطّعة بقوله : « تمثّل هذه القطعة قاعدة التقية الشيعية بالنسبة إلى الإمام والحبّ العذري بالنسبة إلى المحبوب » .
أما التقية فلعلها بدت له من لفظ « تقيك » فوجّهها إلى الإمام وأما الحبّ العذري فلا دليل عليه أيضا . وواضح أن هذه المقطّعة تعدّ من الشعر الرمزي وإن كانت حسّيتها قائمة .
د - يبدو أن الأصل الأصيل لهذه المعاني قول صريع الغواني ( مسلم بن الوليد ، ت 201 هـ / 816 م ) : ركبت على اسم الله بحر هواكم ... فيارب سلم أنت أنت المسلم
تعلقتكم من قبل أن أعرف ... الهوى فلا تقتلوني إنني متعلم
تخبرني الأحلام إني أراكم ... فويلي إلى كم بالأباطيل أحلم
يقولون لي اخف الهوى لا تبح به ... وكيف وطرفي بالهوى يتكلم 
( ديوانه ، بومبي ، الهند ، 1303 ، ص 104 )
و - وفي هذا الوقت كانت جارية مغنية (خنساء جارية يحي البرمكي) تقول :
وكيف منجاي وقد حفّ بي * بحر هوى ليس له شطّ
يدركك الوصل فتنجو به * أو يقع الهجر فتنحطّ
( الحب عند العرب لأحمد تيمور باشا ، مطابع دار الكتاب العربي مصر 1964 ، ص 158 [ ضمن قصة في مجلس سمر ] نقلا عن أمالي الزجّاجي ) .

« 299 »
قافية العين
[ 55 ]من الطويل :
1 - مكانك من قلبي هو القلب كله * فليس لشيء (لخلق) في مكانك موضع
 2972 - وحطّتك روحي بين جلدي وأعظمي * فكيف تراني إن فقدتك أصنع
 298التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاء الشطر الثاني هكذا في مخطوط « تقييد بعض الحكم والأشعار » وجاء في رواية البقلي في كتابه « شرح شطحيات » ( ص 547 ) على « فليس لشيء فيه غيرك موضع » والأول أولى .
ب - في البيت الثاني : وردت « أعظمي » في الأصل بلفظ « عظامي » وهي فوق خطئها مما يختلّ به الوزن .
ج - قدم البقلي للبيت الأول من هذه القطعة بما ترجمته :
قالوا : المكان يكون لأهل الكمال الذين تسلّطوا على الأحوال بنعت التمكن . فالمكان أعلى من المقام ( وهو مرحلة في السلوك الصوفي ) لأنّ التوطّن حال في القلب ( وهو ) تربية للقلب في نور الغيب بلا تغيّر ، لئلا يطرأ على صاحب المقام تغيّر . وأصل المكان هو شهود الحق في سر القلب بنعت التجلّي في الأحوال كلّها » ( شرح شطحيات ، 547 ) .
...............................................................................................
[ 55 ]
الديوان ، ص 71 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 342 ب ) ، اللمع للسراج ، ص 335 ( البيت الأول ) . البقلي : شطحيات ، مخطوط شهيد علي ، ورقة 169 ( البيت الأول ) .

« 300 »
[ 56 ] من البسيط :
1 - إذا ذكرتك كاد الشوق يتلفنى * وغفلتي عنك أحزان وأوجاع
2992 - وصار كلّي قلوبا فيك دامية * للسّقم فيها وللآلام إسراع
3003 - فإن نطقت فكلّي فيك ألسنة * وإن سمعت فكلّي فيك أسماع
 301النص :
في البيت الأول : وردت « يتلفني » في المخطوط على « يقلقني » . وفي البغية على « يقتلني » . أما نقض « يقلقني » فلأن الغفلة عن الذكر إذا كانت أحزانا وأوجاعا فلا بدّ أن الذكر مصحوب بشيء أشدّ من ذلك - والقلق دونه . 
وأما تفضيل « يتلفني » فيرد عليه ما ورد في مقطّعة آتية في قافية الكاف . 
ويعزّز ذلك قول قيس بن ذريح ( ت في حدود 70 هـ / 689 - 90 م ) ، 
إمام الحبّ العذري - في هذا المعنى بالذات وفي البيت الثالث على الخصوص - :
أحبّك أصنافا من الحبّ لم أجد * لها مثلا في سائر الناس يوصف
فمنهنّ حبّ للحبيب ورحمة * بمعرفتي منه بما يتكلّف
ومنهنّ ألّا يعرض ، الدهر ، ذكرها * على القلب إلا كادت النفس تتلف
وحبّ بدا بالجسم واللّون ظاهر * وحبّ لدى نفسي من الروح ألطف
وحب هو الداء العياء بعينه. . . له ذكر تعدو علي فأدنف
فلا أنا منه مستريح فميت. . . ولا هوا على ما قد حييت مخفف
( كتابنا : الصلة بين التصوّف والتشيّع ، ط 2 ، دار المعارف بمصر 1969 ، ص 301 ) .
...............................................................................................
[ 56 ]
الديوان ، ص 72 : الخوافي ( مخطوط أسعد رقم 1437 ، ورقة 197 ) ، مخطوط القاهرة : مجموع 178 ، ورقة 83 ب ( البيتان الأوّلان فقط ) .
انظر أيضا : بغية الوعاة للسيوطي ، مصر 1965 ، 2 / 86 ، روضات الجنّات للخوانساري ( محمد باقر ، ت 1315 هـ - 1898 م ) ط قم 1392 هـ ( 5 / 32 ) .

« 301 »
التحقيق :
أ - نسب السيوطي هذه المقطعة إلى النحوي الشهير كمال الدين الأنباري ( أبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبيد اللّه ، 513 - 577 هـ / 1119 - 1181 م ) . 
ومع أن ابن الأنباري كان زاهدا وواعظا وله مصنفات في التصوّف من نحو كتابه « أصول الفصول في التصوّف » [ بغية الوعاة ، 2 / 86 ] ، وله شعر فيه طابع صوفي من نحو قوله :
دع الفؤاد بما فيه من الحرق * ليس التصوّف بالتلبيس والخرق
بل التصوّف صفو القلب من كدر * ورؤية الصفو فيه أعظم الخرق
وصبر نفس على أدنى مطامعها * وعن مطامعها في الخلق بالخلق
وترك دعوى بمعنى فيه حققه * فكيف دعوى بلا معنى ولا خلق
( إنباه الرواة على أنباه النحاة » للقفطي : جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف ت 646 هـ / 1248 م ، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط . دار الكتب 1952 م ، 2 / 171 ) .
مع ذلك فالكلام على التصوّف شيء والصدود عنه هذا الصدود الشديد الذي تصّوره المقطعة شيء آخر ، ولعل ابن الأنباري كان مستشهدا في أحد مصنّفاته المنوّعة فتلقى السيوطي النص على أنه له .
 [ واقرأ صفة زهده في طبقات الشافعية للسبكي بتحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو ، 7 / 156 )
ب - مع هذا التوجيه ، وعلى افتراض نظم ابن الأنباري لهذه المقطعة ، يبقى أن يكون نسجها على منوال مقطعة للحلّاج  سار إلى لقاء ربه وهو يردد أبياتا لأبي الحسن النوري، ظل يقول:
ما أن ذكرتك إلا هم يقتلني ..... ذكري وسري وقلبي عند ذكراكا
حتى كأن منك يهتف بي ..... إياك، إياك والتذكار إياكا
أما ترى الحق قد لاحت شواهده ..... وواصل الكل من معناه معناكا؟
ج - في ذيل تاريخ مدينة السلام لابن الدّبيثي ( محمد بن سعيد ، ت 637 هـ / 1239 م ) ، بتحقيق د . بشار عواد معروف ، ط . بغداد 1979 م ( ص 106 ) أن محمد بن عثمان بن إبراهيم القارئ القاساني ، أحد القرّاء والمؤذنين في دار الخلافة ببغداد وممن كانوا يقرأؤن القرآن بالألحان كان

« 302 »
يروي [ بعد سنة 560 هـ / 1165 م ] هذه الأبيات الثلاثة على أنها « لبعضهم .
والمهم أنه كان يروي للحلّاج هذه الأبيات :
أيها السائل عن قصّتنا * لو ترانا لم تفرّق بيننا
نحن روحان حللنا بدنا * أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن مذ كنّا على عهد الوفا * تضرب الأمثال للناس بنا
فلعلها هذا لخبر يرجّح نسبة الأبيات المعنيّة إليه .
[ 57 ] من الرّمل :
1 - ذكره ذكري وذكري ذكره * هل يكون الذاكران إلّا معا
 302التحقيق :
أ - في مناسبة الاستشهاد بهذا البيت ، قال الحلّاج في الطواسين :
« التقى موسى - عم - وإبليس على عقبة الطور [ في جبل سيناء ] فقال له : يا إبليس ، ما منعك من السجود ؟ قال : منعني الدعوى بمعبود واحد . 
ولو سجدت لكنت مثلك ؛ فإنك نوديت مرة واحدة : « انظر إلى الجبل » فنظرت ، ونوديت أنا ألف مرة أن : أسجد ، فما سجدت لدعواي بمعناي ! فقال له :
تركت الأمر ؟ قال : كان ذلك ابتلاء لا أمرا ! فقال له : لا جرم قد غيّر صورتك . قال له : يا موسى ، ذا وذا تلبيس ، والحال لا معوّل عليه ، فإنه يحول . لكنّ المعرفة صحيحة كما كانت ، وما تغيّرت ، وإن ( كان ) الشخص قد تغيّر . فقال موسى : الآن تذكره ؟ فقال : يا موسى ، الفكرة لا تذكر : أنا مذكور ، وهو مذكور . ذكره ذكري . . . ( البيت ) ( الطواسين ، ص 46 - 47 ) .
...............................................................................................
[ 57 ]
الديوان ، ص 108 عن التعرّف للكلاباذي .

« 303 »
ب - روى روزبهان البقلي هذا البيت كما يلي :
روحها روحي وروحي روحها * من رأى روحين عاشا في بدن
ونسبه إلى المجنون ولا يرد في ديوانه بتحقيق عبد المتعال الصعيدي ، نشر مكتبة القاهرة ، بلا تاريخ .
ج - هذا البيت يذكّر بالبيتين اللذين ينسبان إلى أبي نواس كما مرّ آنفا ونصّهما :
روحها روحي وروحي روحها * ولها قلبي وقلبي قلبها
فلنا روح وقلب واحد * حسبها حسبي وحسبي حسبها
د - إن كان ثمّ صلة بين هذا الشعر الحسّي وبيت المتن فهو التسامي به عن الحسّية إلى التجريد وهو صلة وثيقة بين شعر الصوفية وشعر أساتذتهم الشعراء التقليديين ، فكأنّ الشعر الأول رومانتيكي والأصل كلاسيكي في اصطلاح الأدباء .

« 304 »
قافية الفاء
[ 58 ] من البسيط :
1 - ( هو ) اجتباني وأدناني وشرّفني * والكلّ بالكلّ أوصاني وعرّفني
 3032 - لم يبق في القلب والأحشاء جارحة * إلّا وأعرفه فيها ويعرفني
 304التحقيق :
في البيت الأول : اجتهد ماسينيون في وضع « كذا » مكان « هو » التي اخترناها تصحيحا للأصل الذي وردت فيه عبارة « هي الذي » وما اخترنا أقرب إلى الشكل والمعنى فوق أن « كذا » ليست بشعرية .
[ 59 ] من السريع :
1 - وجوده بي ، ووجودي به * ووصفه فهو له واصف
 3052 - لولاه لم أعرف رشادي ولو * لأي لما كان له عارف
 3063 - فكلّ معنى فيه معنى له * فقل لمن خالفني : خالفوا
 3074 - ليس سوى الرحمن [ يا أهلنا ] * شيء له أرواحنا تألف 308
...............................................................................................
[ 58 ]
الديوان ، عن جنيزة ، رقم 7 .
[ 59 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 326 أ [ البيتان الأولان ] ، ورقة 330 أ ، [ المقطعة كلها ] .

« 305 »
النص :
البيت الأول : في ورقة 326 أورد الشطر الثاني - مع التصحيح - هكذا : « بذا [ أنا ] الذهر له واصف » .
البيت الثاني : في الموضع الأول ورد البيت الثاني هكذا :
لولاه لم أخلق ولولائي * لم يك أن يعرفه عارفوقد اخترنا الرواية الثانية . 
وفيها : جاءت « رشادي » على « أرشدي » والشطر الثاني على : لو . . . لأي لم يكن يعرفه عارف . . وهو فضفاض على الموضع والوزن ولا يستقيم إلا بما أثبتناه .
البيت الرابع : ما بين الحاصرتين غاية ما تأدى إليه اجتهادنا في القراءة وهو في الأصل عصيّ عليها وإن كنا لا نرجح أنه مطابق للأصل .
[ 60 ] من السريع :
1 - يا جاهلا مسلك طرق الهدى * فما على الحق له موقف
 3092 - خلّ طريق الجّهل واعدل إلى * مولى له الأعمال تستأنف
310النص :
في البيت الأول :
أ - في الشطر الأول جاءت « مسلك » على « مثلك » وليس بذاك .
ب - جاء الشطر الثاني في الأصل على « وعلى طريق الحق هل هو واقف » وكلماته تتجاوز وزنه ، وما أثبتناه بديل مؤقت ييسر القراءة ويوضح المعنى .
...............................................................................................
[ 60 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 325 أ .

« 306 »
التحقيق :
في المعنى أورد ابن الجوزي في التبصرة 1 / 140 - 143 ، قول شاعر مجهول :
أيّها الناكب عن نهج الهدى * وهو باد واضح للسالكين
أله عن ذكر التصابي إنّه * سرف بعد بلوغ الأربعين
واجعل التقوى معاذا تحتمي * بحماه ، إنّه حصن حصين
واسأل اللّه تعالى عفوه * واستعنه إنّه خير معين
ج - وأورد ابن الجوزي أيضا قول من قال :
عاصي الهوى ، إن الهوى مركب  * يصعب ، بعد اللّين ، منه الذليل
ولإن يجلب اليوم الهوى لذّة  *  ففي غد منه البكا والعويل
ما بين ما يحمد فيه وما  *  يدعو إليه الذم إلا القليل ( التبصرة 1 / 97 - 98 ) .

« 307 »
قافية القاف
[ 61 ]من الرمل :
1 - جبلت روحك في روحي كما * يجبل العنبر بالمسك الفتق
3112 - فإذا مسّك شيء مسّني * فإذا أنت أنا لا نفترق
 312اللغة :
جبلت : بمعنى خلقت ، الجبلّة : الخلقة كما في صحاح الجوهري ، ومعناه هنا العجن والخلط . العنبر : « من الطيب روث دابة بحرية . . . » باسم الحيوان الذي يستخرج منه كما في القاموس المحيط ، ويطلق عليه اسم البال أيضا بوصفه الحوت العظيم كما في الصحاح . 
وذكر الدميري ( كمال الدين محمد بن عيسى ، ت 808 هـ / 1405 - 6 م ) أن العنبر « يخرج من قعر البحر ، فيأكله بعض دوابه لدسومته ، فيقذفه رجيعا ( فضلة ) فيوجد كالحجارة الكبار ، فيطفو على الماء فتلقيه الريح إلى الساحل ، وهو يقوّي القلب والدماغ من الفالج واللقرة والبلغم . . والدابة التي تأكله تدعى العنبر ! » ( حياة
...............................................................................................
[ 61 ]
الديوان ، ص 77 عن : أبي حاتم الطبري ، برواية الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 8 / 115 ، الوطواط : غرر الخصائص الواضحة وغرر النقائص الفاضحة ، ص 286 ، تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 329 أ ) .
وانظر أيضا : البداية والنهاية لابن كثير 11 / 133 ، والتصوف الإسلامي للدكتور زكي مبارك : 2 / 216 .

« 308 »
الحيوان ، مصر 1383 هـ / 1963 م ، 2 / 158 )
وفي شرح نهج البلاغة لابن الحديد « وقيل : هو من زبد بحر سرنديب [ - سريلانكا اليوم ] وأجوده الأشهب ثم الأزرق وأدونه الأسود » [ 19 / 346 ] .
المسك : فارسي معرّب من « مشك » والعرب تسميه المشموم كما في شفاء الغليل للخفاجي ( شهاب الدين أحمد بن محمد المصري ، 977 هـ - 1069 هـ / 1588 - 1658 م ، مصر 1371 هـ / 1952 م ، ص 239 ) ، وهو فيما يقال نافجة الغزال الخطائي كما في « برهان قاطع » لمحمد حسين بن خلف التبريزي المتخلّص ببرهان ( مصنف في 1063 هـ / 1653 م ، ومطبوع بتصحيح محمد عباسي بطهران 1344 هـ ش / 1965 م ) . 
وظباء المسك فيما يقول القزويني ( زكريا بن محمد بن محمود ، 599 - 682 هـ / 1203 - 1283 م ) :
« كظباء بلادنا [ قزوين على بحر الخزر ] إلّا أن لها نابين معلّقين خارجين من الفم كما للفيل . وربّما صيدت والمسك في سرّتها غير نضج يكون فيه زهومة ومثله مثل الثمار إذا قطعت قبل الإدراك ، فإنها تكون ناقصة الطعم والرائحة .
وأجود المسك ما ألقاه الغزال ، وذلك أنّ الطبيعة تدفع مواد الدم إلى سرّته ، فإذا استحكم الدم فيها ونضج يجمع ذلك أربه وحكّه [ بحكة ] في سرّته فيفزع حينئذ إلى صخرة حادة فيحتكّ بها ملتذا بذلك ، فتنفجر المادة حينئذ وتسيل على ذلك الحجر كانفجار الخرّاج والدماميل إذا نضجت فيجد الغزال لخروجها لذة ) . 
والناس يتبعون مراعيها في الجبال ، فيجدون ذلك الدم قد جفّ على الصخور فيحملونه ويدعونه في نوافج معهم معدّة لذلك . 
فهذا هو أصل المسك الذي يستعمله ملوكهم ويتهادونه فيما بينهم » ( عجائب المخلوقات على هامش حياة الحيوان الماضي 2 : 209 - 210 ) .
وعرّف ابن أبي الحديد بالمسك بقوله: «فارة المسك : دويّبة شبيهة بالخشف تكون في ناحية تبّت، [- التيبت ] تصاد لأجل سرّتها. 
فإذا صادها الصائد عصب سرّتها بعصاب شديد وهي مدلاة فيجتمع فيها دمها . ثم

« 309 »
يذبحها ، وما أكثر من يقتلها ، ثم يأخذ السرّة فيدفنها في الشعر حتى يستحيل الدم المحتقن فيها مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام نتنا . . . » [ شرح نهج البلاغة 19 / 345 ] .
ووصف الفيروزأبادي المسك بأنّه « طيّب ، والقطعة منه مسكة . . . مقوّ للقلب مشجع للسوداويين نافع للخفقان والرياح الغليظة في الأمعاء والسموم . . . » .
ويبدو أنّ مزيج المسك والعنبر أبقى أثرا للصحة والطيب بحيث تمثّل به الحلّاج للامتزاج التام والتماسك .
الفتق : من فتق المسك بغيره باستخراج رائحته بشيء تدخله عليه ، وأصله من فتق العجين : أي جعل الخميرة فيه لتعجيل إدراكه .التحقيق :
أ - في غرر الخصائص الواضحة وردت « الفتق » على « العبق » وبما أثبتناه يستقيم المعنى ويتبين الغرض من مزج المسك بالعنبر في مقابل الناسوت واللاهوت وجاءت « الفتق » و « نفترق » ، في : تقييد بعض الحكم والأشعار على « فتيق » و « نفتريق » ، وهي عامية مغربية ، فيما يبدو ، جارية على مجرد النطق .
ب - قال صاحب الخصائص الواضحة برهان الدين الوطواط ( أبو إسحاق محمد بن إبراهيم بن يحيى الكتبي المصري ، 632 - 718 هـ / 1234 - 1318 م ) : ولقد تتبعت ما قاله الناس في الاتحاد ، فما رأيت ولا سمعت أحسن من قول أبي ( المغيث ) الحسين الحلّاج في ذلك . . . 
وهذا غاية ما بلغه علمي وأدركه فهمي وتصرّف الناس في حسن الاختيار معدود من المواهب ، وللناس فيما يعشقون مذاهب » ، ص 373 .

« 310 »
[ 62 ] من المتقارب :
1 - ركوب الحقيقة للحقّ حقّ * ومعنى العبارة فيه يدقّ
 3132 - ركبت الوجود بفقد الوجود * وقلبي على قسوة لا يرقّ
 314التحقيق :
أ - في البيت الأول : وردت « يدقّ » على « تدقّ » والصواب ما أثبتناه .
ب - رجّح ماسينيون « بعين » على « بفقد » التي اخترناها ، وهي أقرب إلى جوهر المعنى ، إذ الصوفي من مذهب الحلّاج لا يدرك الوجود المطلق إلّا بفقد وجوده الجزئي وتلك فكرة تكرّرت في الديوان .
ج - روى ماسينيون أن الشطر الثاني من البيت الثاني ورد في أصل من الأصول على « فمن ذا يسبقن أسبق » وواضح أن ما أثبته ووافقنا عليه أقرب إلى الصواب .
أمّا وجه القسوة هنا فالمقصود به شدّة المجاهدة والإغلاظ على النفس للتعجيل باصطلاحها .
[ 63 ] من الخفيف :
1 - خصّني واحدي بتوحيد صدق * ما إليه من المسالك طرق 315
...............................................................................................
[ 62 ]
الديوان ، ص 76 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 95 ) ، مخطوط جنيزة ، القسم السابع .
[ 63 ]
الديوان ، ص 75 عن : مخطوط تيمور ، ص 54 ، مخطوط 12 - 13 ( البيت الثاني ) عن ابن فاتك ، الهروي : طبقات الصوفية ( انظر الطواسين ، ص 138 ) عن ابن باكويه ( روايتين ، إحداهما عن ابن خفيف : 1 - 3 والأخرى عن الدقاق باختلاف البيت الأول فقط ) ، السراج : اللمع ، ص 346 ( البقلي : الرسالة القدسية ، ورقة 174 أ ) ، ( البيتان 3 ، 1 ) .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 108 .

« 311 »
2 - فأنا الحقّ حقّ للحق حق * لابس ذاته فما ثمّ فرق
3163 - قد تجلّت طوالع زاهرات * يتشعشعن والطوالع برق
 317التحقيق :
أ - هذه القطعة دقيقة وهي عسيرة على التحقيق لما كان في رواياتها من اختلاف كثير .
ب - رتّبنا الأبيات على ما كانت عليه في الأصل وإن كان ترتيبها في طبقات الصوفية للهروي الأنصاري بإيراد البيت الثالث ثم الأول ثم الثاني في روايتين متعاقبتين ، ص 316 .
ج - في البيت الأول : جاءت كلمة « خصّني » في الأصل على « وحدّني » وفي طبقات الصوفية للأنصاري على « حصحصني » ولا يستقيم بها الوزن واختيارنا من اللمع ، ( ص 422 ) . 
ومع « حصحصني » جاءت « سيّدي » بدل « واحدي » ، لكن « واحدي » أقرب إلى روح الشعر وتصوّف الحلّاج .
و « طرق » كما ضبطناها تعني القصد والوصل وكأن الحلّاج يريد أن يقول :
إن اللّه ، تعالى ، أطلعني على جوهر التوحيد اطلاعا لا يمكن غيري إدراكه لأنه بائن عن الأساليب الإنسانية المعتادة ومسالكها المطروقة .
د - في طبقات الصوفية للأنصاري ورد البيت الثاني هكذا :هو حقّ الحق للحقّ حقّ * لابس ملبس الحقائق حقّوعن نسخته المخطوطة نقل ماسينيون وبأول كراوس - في أخبار الحلّاج - مع إضافة الواو قبل « الحق » وتعريف « حقائق » بالألف واللام .
هـ - في البيت الثالث : وردت « والطوالع برق » في الديوان على « في لوامع برق » وكذا في سائر الأصول ، ويبدو أنّها تنقل من مصدر واحد مصحّف ولعله اللمع لأنّه أقدمها . 
وروايات الأصول مكسورة الرويّ وهذا يعني أن حرف الجر « في » ليس له وجه . 
ثم إنّ اللوامع لا وجه لها هنا أيضا لأنّ لها معناها الذي نشرحه بعد . 
وجاءت القطعة كلّها في اللمع شاهدا على الطوالع نفسها دون تطرّق إلى اللوامع ، ففي البيت عرض لتجلّيها أوّلا ثم

« 312 »
زوالها سريعا بوصفها للتشعشع ، أي ظهور النور واختفائه بين السحب إذ الشعشعة المزج . ووضعا للأمور في نصابها نورد عبارة السراج بكاملها :
قال في بيان ألفاظ الصوفية :
« والطوالع : أنوار التوحيد تطلع على قلوب أهل المعرفة بتشعشعها ، فيطمئن في القلوب من الأنوار بسلطان نورها كالشمس الطالعة : إذا طلعت يخفى على الناظر ، من سطوة نورها ، أنوار الكواكب وهي في أماكنها .
قال الحسين بن منصور - في هذا المعنى . . . » ( البيتين 1 ، 3 ) .
وذكر روزبهان البقلي في هذا المعنى ما ترجمته :
« الطوالع أنوار التوحيد التي تطلع من قلب العارف وتنطمس في شعاعها أنوار العقول والأفهام كلها » ، وشرحه بما ترجمته : « وأصل الطوالع :
طلوع شموس التجلّي وأقمار صفات التدلّي في قلوب الموحّدين لتغير بسبحاتها فتتجلى فيها أنوار أنجم العرفان والإيمان » ( شرح شطحيات ، ص 556 ) .
أما اللوامع فهي « ما يظهر في القلب من نور الغيب لتبدو فيه سبل الحكمة » ، ( أيضا ص 558 ) .
وألمّ القشيري باللوائح الطوالع واللوامع فقال :
« هذه الألفاظ متقاربة المعنى لا يكاد يحصل بينها كبير فرق وهي من صفات أصحاب البدايات الصاعدين في الترقي بالقلب ، فلم يدم لهم بعد ضياء شموس المعارف . . . 
فكلّما أظلم عليهم سماء القلوب بسحاب الحظوظ سنح لهم فيها لوائح الكشف وتلألأ لوامع القرب ، وهم في زمان سترهم يرقبون فجاءة اللوائح . . . فاللوائح : كالبرق ما ظهرت حتى استترت . . . 
واللوامع : أظهر من اللوائح وليس زوالها بتلك السرعة ، فقد تبقى اللوامع وقتين وثلاثة . . . 
فإذا لمع قطعك عنك وجمعك به ، لكن لم يسفر نور نهاره حتى كرّ عليه عساكر الليل ، فهؤلاء بين روح ونوح ، لأنّهم بين كشف وستر .

« 313 »
والطوالع : أبقى وقتا وأقوى سلطانا وأدوم مكثا وأذهب للظلمة وأنفى للتهمة ، لكنها موقوفة على خطر الأفول ليست برفيعة الأوج ولا بدائمة المكث . 
ثم أوقات حصولها وشيكة الارتحال ، وأحوال أفولها طويلة الأذيال .
وهذه المعاني ، التي هي اللوائح واللوامع والطوالع ، تختلف في القضايا : فمنها ما إذا فات لم يبق عنها ( منها ) أثر ، كالشوارق إذا أفلت فكأنّ الليل كان دائما ، ومنها ما يبقى عنه أثر فإن زال رقمه بدا ألمه ، وإن غربت أنواره بقيت آثاره ، فصاحبه - بعد سكون غلباته - يعيش في ضياء بركاته ، فإلى أن يلوح ثانيا يرجّي وقته على انتظار عوده ويعيش بما وجد في حين كونه » ( الرسالة القشيرية 1 : 228 - 30 ، وانظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 139 - 141 ) .
[ 64 ] من الطويل :
1 - دخلت بناسوتي لديك على الخلق * ولولاك ، لاهوتي ، خرجت من الصدق
 3182 - فإنّ لسان العلم للنطق والهدى * وإنّ لسان الغيب جلّ عن النطق
 3193 - ظهرت لخلق والتبست لفتية * فتاهوا وضلّوا واحتجبت عن الخلق
 3204 - فتظهر للألباب في الغرب تارة * وطورا عن الأبصار تغرب في الشرق
321التحقيق :
أ - لاهوتي ، هنا ، منادى على تقدير « يا » .
ب - البيت الثالث هكذا من رواية ديوان الحلّاج ، وأمّا رواية أخبار الحلّاج فهي :
...............................................................................................
[ 64 ]
ديوان الحلّاج ، ص 77 - 78 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 61 ، مخطوط لندن ، ورقة 340 أ ، مخطوط تيمور ، ص 45 ) .
وانظر أيضا : الطواسين ، ص 135 ، أخبار الحلّاج ، ص 83 - 84 .

« 314 »
ظهرت لقوم والتبست لفتنة * على بعض خلق واحتجبت على الخلق
وواضح أنّ رواية الديوان أنسب لتسلسل المعنى وإن كانت رواية « أخبار الحلّاج » ذات وجه .
ج - في البيت الرابع : تكررت كلمة الألباب في الشطرين برواية الديوان وتكرّرت كلمة « الأبصار » في الشطرين في أخبار الحلّاج ، وما أثبتناه أنسب للمعنى ، إذ الظهور في الألباب أو القلوب يكون في الغرب ، كما مرّ من أشعار الحلّاج ، والظهور في الشرق يكون للأبصار .
د - قدّم صاحب « أخبار الحلّاج » لهذه المقطّعة بعبارة للحلّاج قال فيها : « أمر بشهادة وحدانيته ونهى عن وصف كنه هويته وحرّم على القلوب الخوض في كيفيته وأفحم الخواطر عن إدراك لاهوتيته ، فليس يبدو منه للخلق إلا الخبر ، والخبر يحتمل الصدق والكذب فسبحانه من عزيز يتجلّى لأحد ( لواحد ) من غير علّة ويستتر عن أحد من غير سبب ، ثم بكى وأنشأ يقول . . . » ، ص 83 .
هـ - في التعليق على البيت الأول : نقل ماسينيون عبارة للإصطخري ( إبراهيم بن محمد الفارسي الكرخي ، ت 346 هـ / 957 - 8 م ) نصّها :
« . . . من هذّب في الطاعات جسمه وأشغل ( صحّتها : شغل كما في الصحاح ) بالأعمال الصالحة قلبه ، وصبر على مفارقة اللذّات ، وملك نفسه في منع الشهوات ، ارتقى به إلى مقام المقرّبين . ثم لا يزال يتنزّل في درج المصافات حتى يصفو على البشرية طبعه . 
فإذا لم يبق فيه من البشرية نصيب ، حل فيه روح اللّه الذي كان منه عيسى ابن مريم فيصير مطاعا . 
فلا يريد شيئا إلّا كان من كل ما ينفذ فيه أمر اللّه ، وإنّ جميع فعله حينئذ فعل اللّه وجميع أمره أمر اللّه . . . » ( الطواسين ، ص 135 ، وانظر المسالك والممالك الصحيح مسالك الممالك ) للإصطخري تحقيق الدكتور محمد جابر عبد العال الحيني ، مصر 1381 هـ / 1961 م ، ص 90 ) . 
وقد ذكر ماسينيون هذه العبارة منقولة عن البلخي ( لعلّه أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود البلخي ، ت 319 هـ / 931 م ) لكن الإصطخري يسوق العبارة من إنشائه ولا

« 315 »
يشير إليه . يضاف إلى هذا أن ماسينيون أرّخ وفاة الكعبي بسنة 324 هـ / 932 م ، ويبدو أنّ في الأمر خللا .
و - نقل ماسينيون بعد ذلك نصّا آخر يصلح لشرح هذه القطعة وهو :
« . . . وإلى مثل ذلك إشارات الصوفية في العارف إذا وصل إلى مقام المعرفة ، فإنّهم يزعمون أنّه يحصل له روحان : قديمة ، لا يجرى عليه تغيّر واختلاف ، بها يعلم الغيب ويفعل المعجز ، وأخرى بشرية للتغيّر والتكوين » ( الطواسين ، ص 136 ) .
ز - مما يستطرف ذكره هنا أن مدرك بن علي الشيباني كان رجلا باديا فدخل بغداد وتفقّه وانتهى أمره بعشق غلام نصراني هو عمرو بن يوحنّا البغدادي ومات فيه حبّا . 
وقد نظم مدرك مزدوجة جميلة في التغزّل بعمرو ضمّنها خلاصة النصرانية ، ومن ذلك الناسوت اللاهوت وطبيعة المسيح - عليه السلام - وما إلى ذلك ، ننقل منها البيتين التاليين :
يا عمرو بالحق من اللاهوت ... والروح روح القدس والناسوت
ذاك الذي في مهده المنحوت ... عوّض بالنطق من السكوت
وأنشر الميت ببطن القبر
بحق ناسوت ببطن مريم ... حل محل الريق منها في الفم
ثم استحال في قنوم الأقدم ... فكلم الناس ولما يفطم
مصرحاً عن أمه بالعذر
بحق من بعد الممات قمصا ... ثوباً على مقداره ما قصصا
وكان لله تقياً مخلصاً ... يشفي ويبري أكمها وأبرصا
بما لديه من خفي السر
 ( تزيين الأسواق للأنطاكي ، 2 : 10 ) . 
وجاءت « ونشره الميت » على « وأنشر الميت » تطوّع الأنطاكي لشرح معانيها فكان مما ذكره - في مجالنا هذا - قوله : « والناسوت واللاهوت ألفاظ وقعت في الإنجيل فتأوّلها لوقا ، وهو البترك الأكبر الناقل عن بولس عن يوحنا عن شمعون عن المسيح - عليه السلام - وهو أوّل من قسّم الفرق وتأوّل الرسائل والإنجيل وذكر الأب والابن والروح القدس وقسّم المثلثات ، 
فقال : إنّ عيسى تدرّع بالناسوت - يعني الحصّة البشرية - وأخذ اللاهوت - يعني الحصّة الإلهية في ناسوته - كالمصباح في الزجاجة . . . » ( أيضا 1 : 13 ) .

« 316 »
[ 65 ] من السريع :
1 - اتّحد المعشوق بالعاشق * انقسم الموموق للوامق
 3222 - واشترك الشكلان في حالة * فامتحقا في العالم الماحق
 323اللغة :
الموموق والوامق من المقة وهو الحبّ ، وهما المحبوب والمحبّ والشكلان ، بفتح الشين وكسرها ، الشبيهان والمثيلان ، كما في القاموس المحيط . 
تقول : ومقت فلانا ، وأنا أمقه مقة ، وإنه لك ذو مقة كما في العين للخليل بن أحمد ، الجزء الخامس ، ط . بغداد ، ص 233 .
امتحقا : محيا ، من المحاق في القمر ، « لأنه طلع مع الشمس فمحقته » كما فيه أيضا ، والمحق في الاصطلاح الصوفي « فناء وجود العبد في ذات الحقّ تعالى كما أن المحو فناء أفعاله في فعل الحقّ والطمس فناء الصفات في صفات الحقّ » كما في التعريفات للشريف الجرجاني ، ( ص 181 ) . وذو المقة صنم من أصنام العرب القدماء كما هو معروف .
التحقيق :
أ - في البيت الأول وردت « بالعاشق » على « للعاشق » وما أثبتناه أنسب للمعنى . 
« وانقسم » هنا قلقة وتقبل وجوها غير مقنعة من الاحتمالات ، ولعلها كما جاءت في النصّ من « القسم » بمعنى النصيب ومنها « الأقاسيم » بمعنى « الحظوظ المقسومة بين العباد ، الواحدة أقسومة » كما في القاموس المحيط ولعلّ لها اتصالا بكلمة « قسيم » وهو « ما يكون مقابلا للشيء مندرجا معه
...............................................................................................
[ 65 ]
عطف الألف المألوف على اللام المعطوف للديلمي ( أبي الحسين علي بن محمد أبناء القرنين الرابع والخامس الهجريين : العاشر والحادي عشر الميلاديين ) ، ومن تلاميذ ابن خفيف الشيرازي ، ت 371 هـ - 981 - 82 م ، تحقيق ج . ك . فاديه ، مصر 1960 ص 69 - 70 .

« 317 »
تحت شيء آخر كالاسم فإنه مقابل للفعل و ( هما ) مندرجان تحت شيء آخر وهي الكلمة التي هي أعم منهما » ( كما في تعريفات الجرجاني ، ص 153 ) .
فكأنّ المقصود في الشعر أنّ العاشقين كانا متفرقين فجمعهما الحب تحت معناه . ولعل مما يؤيد هذا ما جاء في البيت الثاني من قوله « واشترك الشكلان في حالة » .
ب - في البيت الثاني : سجل محقق « عطف الألف المألوف » « فامتحقا » على « فامتحنا » ، وبما أثبتناه تستوي الجملة ويستقيم المعنى .
ج - قدّم الديلمي لهذه القطعة بما يلي :
« سمعت أبا عبد اللّه الحسين بن محمد الهاشمي بالأهواز قال : كان الحسين بن منصور يدخل الجامع بالأهواز فيرى شابّين كانا جالسين إلى أسطوانة ( عمود ) ، وكانا متحابّين ، فكان ينظر إليهما . وفقدهما دهرا ، فسأل عنهما فقيل : ماتا جميعا . فأطرق ساعة متأمّلا ثم أنشد » ( البيتين ) ، ص 69 .
د - ربطا للأدب الصوفي بالأدب التقليدي نورد هنا مقطعة من حماسة البحتري ( ط . المطبعة الرحمانية بمصر 1929 ، تقول :
ولا تصاف الدفيّ تجعله * أخا ولا صاحبا - وإن ومقا
وجانبنه في غير نائرة * لا تجعل الودّ فاسدا رنقا  ( ص 78 ) والرنق : الكدر .
هـ - ونورد هنا مقطعة طريفة تصف الجواري في المجتمع البغدادي في القرن الرابع الهجري [ - العاشر الميلادي ] برواية الوشاء محمد بن إسحاق ( ت 325 هـ / 937 م ) في كتابه : الموشّى ، ط . مصر 1325 هـ ( ص 119 ) 
من قول أحد معاصريه :
يا صاح إن القيان للغمر ال ... غر شباك يصدن بالملق
يهوين هذا، ويشتكين لذا ... وجدا ويرمقن ذاك بالحدق
حتى إذا ما اقتنصن ذا حمق، ... مستهترا واستمال للومق 


« 318 »
حتى إذا ما اقتنصن ذا حمق، ... مستهترا واستمال للومق
نفضنه، واستلخن جلدته ... سلخا بطيب الدلال والفنق
وصار كالآس في غضارته ... صفرا، بلا طارف من الورق
ناولنه المسح ثم قلن له: ... جئنا به في البياض كاليقق
والغرّ : الشاب الساذج الذي لا تجربة له ، 
والغمر : في معناه أيضا 
والفنق : المراودة وكيد النساء كما يبدو .
[ 66 ] من مخلّع البسيط :
1 - صيّرني الحق بالحقيقة * بالعهد والعقد والوثيقه
3242 - شاهد سرّي بلا ضميري ، * هذاك سرّي ، وذي الطريقة
 325التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاءت « بالحقيقة » في الطواسين على « ما حقيقة » وما أثبته ماسينيون أنسب .
ب - في البيت الثاني : جاء البيت كله في الطواسين على :
« شهد سرّي بلا ضميري * « هذا » سرّي « ذا » و « ذا » حقيقةوهو مضطرب وزنا ومعنى ، وما أثبتناه مستمد من الترجمة الفارسية للشعر في النصّ الفارسي من الطواسين ، ص 24 أيضا ، وهو يقول :« شاهد من سرّست بي ضمير * من ، إين سرّمنست ورأي طريقتوما أثبتناه قائم على فهم التركيب العربي للجملة من نصب الفعل « صيّر » لمفعولين ، أحدهما ياء المتكلم الآخر « شاهد سرّي » .
ج - هذه المقطّعة تذكّر بأخرى قال فها الحلّاج : « عقد النبوة مصباح من النور . . . »
...............................................................................................
[ 66 ]
الديوان ، ص 74 عن : الطواسين 3 : 11 ( ص 24 الترجمة الفارسية ) صاري عبد اللّه :
جواهر 5 / 120 .
وانظر أيضا : تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 318 أ .

« 319 »
[ 67 ] من المنسرح :
1 - أنا الذي نفسه تشوّقه * لحتفه عنوة وقد علقت
 3262 - أنا الذي في الهموم مهجته * تصيح من وحشة وقد غرقت
 3273 - أنا حزين معذّب قلق * [ روحي من أسر حبّها ] أبقت
 3284 - كيف بقائي وقد رمى كبدي * بأسهم من لحاظه رشقت
 3295 - فلو لفطم تعرّضت كبدي * ذابت بحرّ الهموم واحترقت
 3306 - باحت بما في الضمير يكتمه * دموع بثّ بسرّه نطقت
 331النص :
البيت الأول : « تشوّقه » - ويصح أيضا « تشوفه » ، جاءت في النص على « يشوقه » ويختل بها الوزن ، و « حتفه » التي أضفناها مناسبة للمعنى . 
وعلقت هنا بمعنى وقعت في حبالة الحب ومنها « علق الظبي في الحبالة » كما في الصحاح .
البيت الثاني : جاءت « وحشة » في النص على « وحشتها » وبها يختل الوزن .
البيت الثالث : جاء الشطر الثاني الذي دسسناه هكذا على النحو التالي :
وصلا « قلبي مدة أبقت » وواضح أن الإباق هو جوهر المعنى ومنها جئنا بالرفع لمناسبة تاء التأنيث .
البيت الخامس : « لفطم » غير واضحة في النص وتحتمل « لبغض » و « لنطق » وما يشبه رسمهما ، وأقرب الاحتمالات ما أثبتناه ، وجاءت « بحرّ » على « بحار » وما أثبتناه هو المقصود فيما نرى .
البيت السادس : جاءت « بث » في الأصل على « بثت » وواضح أن المقصود ما أثبتناه . وجاء الفعل « باح » بدون التاء وصحته بإثباتها .
...............................................................................................
[ 67 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 331 ب برواية أبي الحسين النوري .
 * * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج الكاف واللام والميم والقاف شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:04 pm

القوافي في ديوان الحلّاج الكاف واللام والميم والقاف شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية الكاف
[ 68 ]من المجتث :
1 - أنا سقيم عليل * فداوني بدواك
 3322 - أجري حشاشة نفسي * في سفن بحر رضاك
 3333 - أنا حبيس فقل لي : * متى يكون الفكاك ؟
 3344 - حتى يظاهر روحي * ما مضّها من جفاك
 3355 - طوبى لعين محبّ * حبوتها من رؤاك
 3366 - وليس في القلب واللّب * ب موضع لسواك
 337النص :
في البيت الثاني وردت « بحر » على « حجر » .
في البيت الرابع : « يظاهر » وردت في النص على نحو يقرأ على « أظهر » أو « أضمر » وما إلى ذلك ، وما أثبتناه أقرب القراءات المناسبة للموضع والمعنى ويظاهر هنا بمعنى يغادر ويزايل .
« ومضّها » لغة في أمضّها كما في مختار الصحاح .
في البيت الخامس : جاء الشطر الثاني هكذا « حباك أمر رآك » وأقرب القراءات ما أثبتناه والرؤى هنا الرؤية حسّيّة أو قلبية كما هي متمنى الصوفية على العموم .
...............................................................................................
[ 68 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 342 أ .

« 321 »
[ 69 ] من البسيط :
1 - ما إن ذكرتك إلّا همّ يتلفني * ذكري وسرّي وقلبي عند ذكراكا
 3382 - حتى كأنّ رقيبا منك يهتف بي * إيّاك ، إيّاك والتذكار إيّاكا
 3393 - أما ترى الحقّ قد لاحت شواهده * وواصل الكلّ من معناه معناكا
 340النص :
أ - في البيت الأول : جاءت « يتلفني » على « يقلقني » في المخطوط ، وعلى « يغلبني » في طبقات الأولياء لابن الملقّف ، ومن رسمهما استمددنا « يتلفني » التي أثبتناها اجتهادا - وإن كان الرسم يحتمل « يقتلني » أيضا .
وجاءت هذه العبارة على « يبعدني » في مشارق الأنوار ، وعلى « يزجرني » في السمو الروحي ، وعلى « يبلغني » في عيوب النفس ، وعلى « يلعنني » في نشر المحاسن الغالية .
ب - في البيت الثاني : جاءت « إيّاك » الثانية على « ويحك » في أغلب المصادر . ومع تفضيلنا لها ، يبدو أن « إيّاك » أنسب لأسلوب الحلّاج في التعبير .
ج - وردت تصحيفات أخرى لا داعي إلى الإطالة بذكرها .
...............................................................................................
[ 69 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 236 ب ، طبقات ابن الملقّن ( أبي حفص عمر بن علي المصري ، ت 804 هـ - 1401 م ) ، بتحقيق نور الدين شريبة ، ط . مصر 1973 م ، ص 148 [ من إنشاد أبي بكر الكتّاني ( محمد بن علي بن جعفر البغدادي ، ت 322 هـ - 934 م ) ، السمو الروحي في الأدب الصوفي للحلواني ( أحمد عبد المنعم عبد السلام : معاصر ) ط . مصر 1949 ، ص 390 [ بغير نسبة ] ، جوامع آداب الصوفية للسلمي ، بتحقيق إيتان كولبرغ ، ط . القدس 1976 م ، ص 35 [ فقرة 84 ] [ بغير نسبة ] ، نشر المحاسن الغالية لليافعي ، ط . مصر 1971 ، ص 247 - 248 [ بغير نسبة ] . 
وجاءت المقطعة كلها في مشارق أنوار القلوب للدبّاغ ( ص 87 - 88 ) بغير نسبة أيضا .

« 322 »
التحقيق :
أ - المقصود بالمقطّعة أن ذكر الحبيب واستحضاره ذهنيا مع حضوره الدائم في السرّ والقلب تضيق به القدرة وتغصّ به الروح حتى ليكاد المحب أن يموت من الإحاطة به بهذه الدرجة . ولهذا فإن الحبيب - عطفا على المحبّ وشفقة به وخوفا عليه - يحذّره روحيا من تجاوز المقدار فيرسل إليه طيفه راجيا أن يقتصد في ذكره ويقتصر على تطلّبه في مظاهر الكون المختلفة دون استحضاره في ذهنه وروحه لأنه حاضر المعنى فيه : يشير بذلك إلى أن الحق ( سبحانه ) لا يتجلى لشيء إلا جعله دكّا كما في القرآن الكريم ( 18 الكهف : 99 ) .
ب - اخترنا « يتلفني » في البيت الأول لجرسها الموسيقي ولأنها تعني الموت البطيء والعذاب الطويل كفعل الشوق في قلب المحب المهجور ، ومن هنا قيل ، في أخبار المعزّرين والمحكوم عليهم بالموت ضربا بالسياط ، « ضرب ضرب التلف » ، وهو الهلاك كما في المعاجم . 
ومما يؤيّد هذه الدعوى أن الخليفة أوصى صاحب شرطته بأن : « يضربه [ - الحلّاج ] ألف سوط ، فإن تلف حزّ رأسه واحتفظ به وأحرق جثته ( تاريخ بغداد 8 / 140 ) .
ج - استشهد أبو عبد الرحمن السلمي بالبيتين الأولين من هذه المقطّعة ضمن فقرة من : جوامع آداب الصوفية عنوانها : « الحضور وقت الذكر ومجانبة الذكر على الغفلة » . 
وشرح أبو منصور ، الذي نظنّ أنه الحلّاج هنا ، الفكرة بقوله : « من ذكر اللّه - وهو يشاهد غيره - لا يزداد منه إلا بعدا ، ويقسو قلبه ، ويكون مستدرجا لا يهتدي إلى شيء من رشده » . وأضاف إلى ذلك عبارة للجنيد قال فيها : « ذكر الغفلة يكون جوابه اللعن والطرد » ، كما في جوامع آداب الصوفية للسلمي ، ( ص 35 ) .
د - قبل إنشاء أبي بكر الكتّاني ( محمد بن علي بن جعفر ، ت 322 هـ / 934 م ) لهذين البيتين ، إعجابا وترنّما ، قال :
« لولا أن ذكره [ تعالى ] فرض عليّ ما ذكرته إجلالا له ! مثلي يذكره ،


« 323 »
ولم يغسل فاه بألف توبة متقبّلة عن ذكره ؟ ! ، وأنشد . . . » ( طبقات الأولياء لابن الملقن ، ص 144 ) . 
وهذه العبارة الجليلة تذكّرنا بشعر حسّي ليزيد بن معاوية قال فيه :
تقول نساء الحيّ : تطمع أن ترى * محاسن ليلى ؟ مت بداء المطامع !
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها * سواها وما طهّرتها بالمدامع
وتلتذّ منها بالحديث ، وقد جرى * حديث سواها في خروت المسامع
( كتابنا : الحب العذري ، بغداد ، 1985 . ص 108 - 109 ) فهل عرف الكتاني ذلك السابق ؟ !
هـ - ولا نرى بدّا من الإشارة إلى إعجاب الشيخ عبد الغني النابلسي الصوفي الشاعر القائل بوحدة الوجود بهذه المقطعة الأخيرة فقال يخمّسها ، مع إضافة بيتين آخرين إلى الأصل :
تكاثر وجد القلب سرا وجهرة
وصبري عني في الهوى زاد نفرة
ولما حسا قلبي من الكأس حسوة
تمنيت من ليلى على البعد نظرة
لتطفي جوى بين الحشى والأضالع
جرى طمعي في حب ليلى بما جرى
وليلى توارت عن عيوني في الورى
سألت عسى ألقى الخيال الذي سرى
فقالت نساء الحي تطمع أن ترى
بعينك ليلى مت بداء المطامع
رثت لي نساء الحي في نيل قربها
وقلن اصطبر ما أنت ممن تنبها
وها هي عنك الحسن تستر والبها
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها
سواها وما طهرتها بالمدامع
هي السر سر الغيب فيك تسترا
وقد ضل منك العقل حتى تحيرا
وهيهات تلقاها ولو كنت في الكرى

« 324 »


وتلتذ منها في الحديث وقد جرى
حديث سواها في خروق المسامع
ألا يا لقومي كيف أروى من الظما
وعيني ترى الأغيار والعين في العمى
وما الصب إلا منشد قد ترنما
أجلك يا ليلى عن الغير إنما
أراك بقلب خاشع لك خاضع
ولما حسا قلبي من الكأس حسوة 
( ديوان الحقائق ومجموع الرقائق ، له ، طبع بولاق ، مصر 1270 هـ ، ( 1 / 27 - 28 ) .

« 325 »
قافية اللام
[ 70 ]من مجزوء الكامل :
1 - دنيا تخادعني كأن * ني لست أعرف حالها
 3412 - حظر الإله حرامها * وأنا اجتنبت حلالها
 3423 - مدّت إليّ يمينها * فرددتها وشمالها
 3434 - ورأيتها محتاجة * فوهبت جملتها لها
 3445 - ومتى عرفت وصالها * حتى أخاف ملالها ؟ 345
...............................................................................................
[ 70 ]
ديوان الحلّاج ، ص 80 عن : القناد : حكايات ( عن تاريخ بغداد ، 8 / 117 - 18 ) ، السمعاني والصفدي ، الوافي القسم 11 ( انظر مجموعة نصوص ، 255 ( الأبيات 1 ، 2 ، 4 ، 3 ) . تقييد ( مخطوط قازان ، ص 99 ) ( الأبيات 1 - 5 ) . ابن كج برواية القزويني : عجائب ( الأبيات 1 ، 2 ، 3 ، 5 ، 4 ) . الراغب الأصفهاني : محاضرات ، ص 197 ، ابن فضل اللّه ( العمري ) : مسالك ( عن الجبلي ) ( الأبيات 1 ، 2 ، 4 ) .
وانظر أيضا : البرهان المؤيد للسيد أحمد الرفاعي ( ت 587 هـ - 1182 - 3 م ) ، تحقيق حسين ناظم الحلواني ، دمشق ، بلا تاريخ ، ص 38 ( الأبيات 1 - 4 ) . شرح المقامات الحريرية للشريشي ( أبي العباس أحمد بن عبد المؤمن القيسي النحوي ، ت 619 هـ - 1222 م ، مصر 1300 ، 2 / 271 ( الأبيات 1 ، 3 ، 2 ، 4 ) . البداية والنهاية لابن كثير ( 1 ، 2 ، 4 ) 11 / 134 ، ديوان علي بن أبي طالب ( المنسوب إليه ) المطبعة العلمية ، مصر 1311 هـ ، ص 50 ( الأبيات 1 ، 3 ، 4 ) دائرة معارف البستاني 7 / 151 ( المقطعة كلها ) .

« 326 »
التحقيق :
أ - في البيت الأول : وردت « تخادعني » على « تغالطني » في تاريخ بغداد ومحاضرات الراغب الأصفهاني ( أبي القاسم الحسين بن محمد ، ت 565 هـ / 1169 - 70 م ، مصر 1326 هـ ، 1 : 248 ) .
ب - في البيت الثاني : جاءت « حظر » على « ذم » في البرهان المؤيد ، و « منع » في شرح المقامات و « الإله » على « المليك » في تاريخ بغداد والبداية والنهاية .
ج - في البيت الثالث : وردت « مدّت » على « بسطت » في البرهان المؤيّد .
د - نسبت هذه القطعة إلى الإمام علي في الديوان المنسوب إليه وكذا في البرهان المؤيّد ، وهو خطأ واضح ، ونسبها الشريشي إلى « بعض الزهاد » والراغب الأصفهاني إلى « النقّاد » ويقصد به - فيما يبدو - القناد المذكور ( علي بن عبد الرحيم الصوفي المعاصر للحلّاج ) الذي رواها عنه .
[ 71 ] من الرمل :
1 - مزجت روحك في روحي كما * تمزج الخمرة بالماء الزلال
 3462 - فإذا مسّك شيء مسّني * فإذا أنت أنا في كل حال 347
...............................................................................................
[ 71 ]
الديوان ، ص 82 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 329 أ ) أبو حاتم الطبري بنقل البغدادي في تاريخ بغداد : 8 / 115 ، الوطواط : غرر الخصائص الواضحة ، ص 286 .
وانظر أيضا : البداية والنهاية لابن كثير : 11 / 133 ، تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 309 هـ ، بنقل الأب أنستاس الكرملي ، مخطوط المتحف العراقي 1826 ، ص 103 ، مشارق أنوار القلوب لابن الدبّاغ ، ص 9 ( البيت الثاني ) التصوف الإسلامي للدكتور زكي مبارك : 2 / 216 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 229 .

« 327 »
التحقيق :
أ - هذه المقطّعة تذكّر بأختها السابقة في قافية القاف .
ب - في البيت الأول : وردت « الخمرة » على « القهوة » وذلك في غرر الخصائص الواضحة للوطواط ، ص 373 ، والقهوة هي الخمرة « يقال سمّيت بذلك لأنّها تقهي أي تذهب بشهوة الطعام » ( ! ) كما في مختار الصحاح .
ج - ضبط ماسينيون « إذا » بالتنوين ، وليس بشيء .
د - روى ابن الدبّاغ البيت الثاني هكذا :
كلّما مسك شيء مسّني * فإذا أنت أنا في كل حال
وعقّب على البيت بعد قليل ببيتين فيهما معنى هذه المقطّعة من قول القائل :
ما أرى نفسي إلّا أنتم * واعتقادي أنّكم أنتم أنا
عنصر الأنفس منّا واحد * وكذا الأجسام جسم عمنّا ( أيضا ، ص 9 ) .
وواضح أن لرواية ابن الدبّاغ وجها تحتل فيه « إذا » مكانها في غير نشاز ، على غير ما فعل ماسينيون في الرواية التي اختارها .
هـ - تذكّر هذه المقطّعة بقول الصاحب بن عبّاد ( إسماعيل بن عباد بن العبّاس الطالقاني ، ت 326 - 385 هـ / 938 - 995 م ) :
رقّ الزجاج ورقّت الخمر * وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنّما خمر ولا قدح * وكأنّما قدح ولا خمر
( الديوان بتحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين ، بغداد 1384 هـ / 1965 م ، ص 176 ) .
و - في هذا المعنى أيضا يرد قول القائل :
روحي بروحك ممزوج ومتّصل * وكل عارضة تؤذيك تؤذيني

« 328 »
( مناهج التوسّل للبسطامي ، ص 138 ) .
ز - ومن أجمل ما قيل في هذا المعنى مقطعة لابن المعتزّ تؤصّل الجانب الصوفي من التعبير وفيها قوله :
ولمّا التقينا ، بعد حين من الحين ، * حلفنا بأنّا لا نعود إلى البين
وقلت : تعالي ، يا شريرة ، نمتزج * كمثل امتزاج الماء والخمر نصفين
وقد أخرستنا قبلة عن حديثنا * إلى الصّبح حتّى غرّد الدّيك صوتين
وطول عتاب في التلاقي يريبني * وينبي بعجز أو تغيّر قلبين
( الديوان ، بيروت 1969 ، ص 377 ) .
[ 72 ] من البسيط :
1 - نعم الإعانة رمزا في خفا لطف * في بارق لاح فيها من علا خلله
 3482 - والحال يرمقني طورا وأرمقه * إن شا ، فيغشى على الإخوان من قلله
 3493 - حال إليه رأى فيه بهمّته * عن فيض بحر من التمويه من ملله
 3504 - فالكلّ يشهده كلّا واشهده * مع الحقيقة لا بالشخص من طلله
 351التحقيق :
أ - في البيت الأول : سجل ماسينيون « من علا » على « من حلا » وضبط « خلله » بكسرة وفتحتين ، وضبطناها بالتحريك لتكون بمعنى « الفرج من السماء يخرج منها المطر » كما في الصحاح . 
وبذلك يلمع البارق في السماء رمزا للإشارات الإلهية على صورة اللوامع والطوالع المارتين آنفا . 
وفوق هذا ضبط ماسينيون « رمزا » المميّزة للإشارة بالضم مخصوصا بالمدح - فيما يلوح - وليس بشيء لأنّ علامة المخصوص بالمدح « أن يصلح لجعله مبتدأ وجعل الفعل والفاعل خبرا عنه » ، ولا يمكن أن يقال هنا : « رمز في خفا لطف نعم
...............................................................................................
[ 72 ]
الديوان ، ص 82 عن : مخطوط جنيزة ، رقم 10 .

« 329 »
الإشارة » وإنّما يقع حكم « رمزا » تمييزا لفاعل نعم المستتر على تقدير : « نعم الرمز رمزا الإشارة في خفا لطف » ( انظر شرح ابن عقيل : بهاء الدين عبد اللّه العقيلي المصري ، ت 769 هـ / 1367 - 8 م ، على ألفية ابن مالك : أبي عبد اللّه محمد ، ت 672 هـ / 1272 - 3 م ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، طبعة 5 ، مصر 1367 هـ / 1948 م ، 2 : 132 ، 131 ) .
ب - في البيت الثاني : جاءت « إن شا فيغشى » بغير الفاء وبها يختل الوزن ، والصحيح ما أثبتناه من هامش ماسينيون ، والحال ، هنا ، هو المصطلح الصوفي الذي يعبّر عن الحالة النفسية التي يظهر فيها الصوفي في مجالس الذكر لدى سماعه الأذكار . 
والقلل : جمع قليل وهو الشيء القليل كما في الصحاح ، وقد ضبطها ماسينيون بضم وفتح فكأنّه أراد بها جمع « قلّة » أي قمّة الجبل .
وقد أراد الحلّاج بهذا البيت أنّه مستطيع للأحوال الشديدة في حين يغشى على الصوفية الآخرين من الهيّن الضعيف منها .
ج - في البيت الثالث جاءت « به » بين « رأى » و « فيه » وهو مما ينكسر به الوزن لزيادتها .
د - في البيت الرابع : « يشهد » وردت بالاصطلاح الصوفي بمعنى الرؤية القلبية ولذا فهي مقيسة على رأي في نصبها مفعولين .
هـ - المعنى الكلّي هو أن اللّه سبحانه وتعالى يعين أولياءه بالرمز والإيماء الذي يتمثّل في قلوبهم وبصائرهم كما تبدو الشمس من خلال السحب . وفي هذا الموقف لا يقوى كثير منهم على الصمود لإشاراته تعالى فيغشى عليهم ( كما غشي على موسى « ع » في الطور لما تجلّى سبحانه للجبل ) . 
أمّا أنا فقد ثبتّ للأحوال والبوارق وجعلت أتأمّل في الملّل والديانات كيف تعدّدت دون طائل . 
ذلك أنني أرى اللّه بحقيقته وجوهره والناس يشهدونه عن طريق خلقه .
و - في هذا المعنى أيضا ، انظر مقطّعة الحلّاج الآتية التي مطلعها :

« 330 »
أشار لحظي بعين علم * بخالص من خفيّ وهمز 
- الرمز والإشارات من الموضوعات التي طرقهما الأدب التقليدي بوصفه ظاهرة إنسانية دائرة في المجتمعات كلها ، من ذلك ما جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة ( عبد اللّه بن مسلم الدينوري ، ت 276 هـ / 889 م ) ، ط .
دار الكتب 1925 من أن شاعرا قال :
ومراقبين يكتّمان هواهما * جعلا الصدور لما تجنّ قبورا
يتلاحظان تلاحظا فكأنّما * يتناسخان من الجنون سطورا ( 4 / 85 )
ونقل عن معقل بن عيسى قوله :
إذا نحن خفنا الكاشحين - ولم نطق * كلاما - تكلّمنا بأعيننا شزرا
وعن غيره قوله :
وفي غمز الحواجب مستراح * لحاجات المحبّ إلى الحبيب( 2 / 50 )
وتحوّلت هذه الظاهرة إلى نظرية أدبية عند الجاحظ في البيان والتبيين ( بتحقيق حسن السندوبي ، القاهرة 1947 ، 1 / 92 ) :
حيث قال :
« والإشارة واللفظ شريكان ، ونعم العون هي له ، ونعم الترجمان هي عنه ، ما أكثر ما تنوب عن اللفظ ما تغني عن الخط .
وبعد ، فهل تعدد الإشارة أن تكون ذات صورة معروفة وحلية موصوفة على اختلاف في طبقاتها ودلالتها ؟ !
وفي الإشارة بالطرف الحاجب وغير ذلك من الجوارح مرفق ومعونة حاضرة في أمور يسرّها الناس من بعض ، ويخفونها من الجليس وغير الجليس . 
ولولا الإشارة لم يتفهم الناس معنى خاصّ الخاصّ ولجهلوا هذا الباب البتّة . 

« 331 »
ولولا أن تفسير هذه الكلمة يدخل في باب صناعة الكلام لفسّرتها لهم . 
وقال الشاعر في دلالات الإشارة :
أشارت بطرف العين خيفة أهلها * إشارة مذعورة ولم تتكلّم
فأيقنت أن الطرف قد قال : مرحبا * وأهلا وسهلا بالحبيب المتيّم
وقال آخر :
ترى عينها عيني فتعرف وحيها * وتعرف عيني ما به الوحي يرجع
[ 73 ] من الوافر :
1 - أيا مولاي دعوة مستجير * بقربك في بعادك والتسلّي
 3522 - لقد أوضحت أوضاح المعاني * بعرضكها بأثواب التجلّي
 3533 - شغلت جوارحي عن كلّ شغل * فكلّي فيك مشغول بكلّي
 354النص :
في البيت الأول : « مستجير » جاءت في النص على « مستجيب » .
في البيت الثاني : جاءت « أوضاح » على « أضاح » والأوضاح : الغرة والتحجيل من الخيل والحلي من الفضة ، والسن التي تلمع عند الضحك ، والغرض أشرقت بك المعاني .
وجاءت « بعرضكها » على « بعرقها » أو شيء من ذلك وبما أثبتناه يستقيم المعنى على ما نأمل .
...............................................................................................
[ 73 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 328 ب .

« 332 »
قافية الميم 
[ 74 ]من الرمل :
1 - هيكليّ الجسم نوريّ الصميم * صمديّ الروح ديّان عليم
3552 - عاد بالروح إلى أربابها * فبقى الهيكل في الترب رميم
356التحقيق :
أ - ذكر السهروردي المقتول ( يحيي بن حبش بن أميرك الحلبي ، ق 587 هـ / 1189 م ) أنّ هذين البيتين للحلّاج في الكواكب الدرّية 2 : 27 ، ويبدو أنّه المرجع في مصادر ماسينيون أيضا . وعبارة الكواكب الدرّية تقول :
« قال السهروردي : وإيّاها عنى بقوله - رضي اللّه عنه » ( البيتين ) .
ب - هيكليّ الجسم : تعني عنصريّة أو ماديّة أو الناسوت .
نوريّ الصميم : تعني إلهيّة أو اللاهوت .
صمديّ الروح : منسوب إلى الصمد وهو « السيد الذي يحتاج إليه ولا
...............................................................................................
[ 74 ]
الديوان ، ص 87 عن : السهروردي الحلبي ( انظر : الدواني : بستان ) ، الناكوري :
طوالع ، ورقة 252 ب ، ( البيت الأول ) . المناوي : الكواكب الدرية ، ابن عقيلة :
التاريخ .
انظر أيضا : رسالة السهروردي المقتول في بيان الحقيقة ، ضمن كتاب « چهارده رسالة » [ - 14 رسالة ] ، بتحقيق محمد باقر السبزواري ، طهران 1340 هـ - 1961 م ، ( ص 295 ) .

« 333 »
يحتاج إلى أحد » كما في الصحاح والمقصود الحق تعالى . 
الديّان : الذي يجزي ويحاسب .
ج - مما يذكر أن للسهروردي المقتول رسالة مستمدة من هذه المقطّعة عنوانها « هياكل النور » حقّقها ونشرها زميلنا الدكتور محمد علي أبو ريّان بجامعة الإسكندرية وذلك سنة 1957 ، ويذكر الأستاذ السيد مكّي السيد جاسم أنّها من الرسائل التي تدرس في الحوزة العلمية في النجف في الوقت الحاضر .
د - ذكر ماسينيون أن البيت الأول قد عبّر عنه شاعر لم يسمّه بقوله :هيكلي سام سليم الشبح * طاهر الذيل نظيف القدحوقد جاءت « سام » على « سامي » و « طاهر الذيل » على « طاهر ذيل » .
هـ - علق الدكتور إبراهيم بسيوني على هذه المقطّعة بقوله :
« وهذه الفكرة في الواقع إنسانية نجدها في تصوّفات أخرى ؛ فنرى أحد الشعراء الصينيين من التاويين المتصوّفين يقول :
« تحيا الروح في هيكل البدن البدن يميل إلى الروح الروح تقود إلى الطريق الطريق وارد إلى مصدره الأصلي »
( نشأة التصوّف الإسلامي ، ص 183 ) .

« 334 »
[ 75 ] من الوافر :
1 - ثلاثة أحرف لا عجم فيها * ومعجومان وانقطع الكلام
3572 - فمعجوم يشاكل واجديه * ومتروك يصدّقه الأنام
3583 - وباقي الحرف مرموز معمّى * فلا سفر هناك ولا مقام
359التحقيق :
أ - في البيت الثاني : وردت « واجديه » ، في هوامش الديوان على رواية أخرى « كل وجد » ، ومع أنّ المعنى لا يستقيم مع الثاني ، لا يصلح مع « واجديه » أيضا إلّا بشيء من التساهل وذلك بتوجيه الكلمة إلى معنى الواجدين بمعنى المحبّين على تقدير « الواجدين به » .
ب - المقصود بهذا اللغز الشعري كلمة « التوحيد » كما في الفرق بين الفرق ( مصر 1948 ، ص 159 ، والتبصير في الدين ) ، فالتاء والياء فيها معجمتان ( أي منقوطتان ) والواو والحاء والدال لا عجم فيها . 
والمعجوم الذي يشاكل واجديه هو التاء ، والمتروك الذي يصدقه الأنام هو الياء ، ولعل الأول يرمز إلى اسم اللّه « التوّاب » الذي يرجع إلى تيسير أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى بما يظهر لهم في آياته . . . فرجعوا إلى التوبة فرجع إليهم فضل اللّه تعالى » ( انظر : المقصد الأسنى شرح أسماء اللّه الحسنى للغزالي ، مصر 1961 ، ص 90 ) . 
وأمّا الثاني فلعل المقصود به إبليس الذي يتضمن الياء بين حروفه وربّما كان عزازيل ، اسم إبليس الأول ، الذي يشتمل على هذه الصفة أيضا .
...............................................................................................
[ 75 ]
ديوان الحلّاج ، ص 83 عن : تقييد ( مخطوط الجزائري ، ص 4 ب ) ، مخطوط قازان ، ص 44 ، مخطوط تيمور ، ص 44 ، عبد القاهر البغدادي - الفرق بين الفرق - ( البيت الأول فقط ) .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 59 والتبصير في الدين للأسفرايني ( أبي المظفر شاهفور بن طاهر بن محمد الشافعي ، ت 471 هـ - 1078 - 9 م ) تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري ، مصر 1359 هـ - 1 1940 م ، ص 78 ( البيت الأول فقط ) .

« 335 »
على التوجّه إليه .
ج - جاء في أخبار الحلّاج ( ص 59 ) أنّه « لما دخل الحلّاج بغداد ، واجتمع حوله أهلها ، حضر بعض الشيوخ عند بعض رؤساء بغداد - يقال له أبو طاهر الساوي ، وكان محبا للفقراء - فسأله الشيخ أن يعمل دعوة ويحضر فيه الحلّاج ، فأجابه إلى ذلك وجمع المشايخ في داره وحضر الحلّاج . 
فقال للقوّال : قل ما يختار الشيخ - يعني به الحلّاج - فقال الحلّاج : إنّما يوقظ النائم ، وقوّال الفقراء ليس بنائم . فقال القوّال وطاب وقت القوم . 
ووثب الحلّاج وسطهم وتواجد تواجدا تلألأت منه أنوار الحقيقة ، وأنشد » ( الأبيات ) .
د - حتى في فن الألغاز كان أبو نواس قدوة بارعا ، انظر تضمينه اسمه ( حسن ) واسم جارية تدعى حسنا في مقطّعة جميلة ( الديوان ، ص 287 ) .
[ 76 ] من الطويل :
1 - تفكّرت في الأديان جدّ محقّق * فألفيتها أصلا له شعب جمّا
3602 - فلا تطلبن للمرء دينا ، فإنّه * يصدّ عن الأصل الوثيق ، وإنّما
3613 - يطالبه أصل يعبّر عنده * جميع المعالي والمعاني فيفهما
362التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاءت « جدّ محقق » على « جدّ تحقق » في الديوان و « جدّا محقّقا » في أخبار الحلّاج ، وما أثبتناه أقرب إلى الأصل وأنسب للتركيب النحوي .
...............................................................................................
[ 76 ]
الديوان ، ص 84 عن : تقييد ( مخطوط تيمور ، ص 39 ) وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 70 ، مجموعة نصوص ، ص 58 .

« 336 »
جمّا هنا مسهلة من : جمّاء : بعني كثير والفعل جمّ ، للماء وغيره ، بمعنى كثير كما في الصحاح .
ب - في البيت الثاني : جاءت كلمة « الأصل » على « الوصل » في رواية والأقرب ما أثبتناه لجريه مع التسلسل .
ج - في البيت الثالث : جملة « يعبّر عنده جميع المعالي . . . إلخ » قلقة البناء أيضا وكذا جاءت في الأصل . 
ومحاولة منّا لتقريبها إلى الأفهام نقترح أن يؤخذ الفعل « يعبّر » هنا بمعنى يفسّر استعارة من تعبير الرؤيا أو بمعنى « وزن الذهب » كما في القاموس المحيط وذلك تسويغا لتعديته ونصبه « جميع المعالي » ، واللّه أعلم ! ثم إنّ ماسينيون قد نص على أنّ أصلا من الأصول أورد « فيفهما » على « فيهما » ولا تستقيم .
د - في مناسبة إنشاد هذه الأبيات جاء في أخبار الحلّاج ( ص 70 ) أنه « يروى عن عبد اللّه بن طاهر الأزدي ( والظاهر أنه الأبهري ، ت 330 هـ / 941 - 942 م ، كما في طبقات الصوفية للسلمي ، ص 391 - 5 ) أنه قال : كنت أخاصم يهوديّا في سوق بغداد ، وجرى على لفظي أن قلت له : يا كلب ! فمرّ بي الحسين بن منصور ونظر إليّ شزرا وقال : لا تنبح كلبك ! وذهب سريعا .
فلما فرغت من المخاصمة قصدته فدخلت عليه ، فأعرض عنّي بوجهه .
فاعتذرت إليه فرضي ثم قال : يا بنيّ ، الأديان كلّها للّه عزّ وجلّ : شغل بكل دين طائفة لا اختيارا فيهم بل اختيارا عليهم . فمن لام أحدا ببطلان ما هو عليه فقد حكم أنّه اختار لنفسه ، وهذا مذهب القدرية و « القدرية مجوس هذه الأمة » . 
واعلم أنّ اليهودية والنصرانية والإسلام وغير ذلك من الأديان هي ألقاب مختلفة وأسام متغايرة ، والمقصود منها لا يتغيّر ولا يختلف ، ثم قال . . . » ( الأبيات ) .
هـ - مما يذكر في هذا المجال أن ماسينيون ، وقد صحب الحلّاج دارسا نصف قرن من الزمان ، كان يعدّ الحلّاج موحّدا مطلقا ويراه من أتباع كل دين ، كما أراد في الخبر الماضي ، ومن هنا كان - برواية الزميلين الكريمين الدكتور إبراهيم السامرائي والدكتور هشام الشوّاف - يشعل شمعة

« 337 »
باسم الحلّاج في إحدى كنائس باريس كلما جاء يوم وفاته، وكان ماسينيون يخاصم راعي الكنيسة مخاصمة الحلّاج لعبد اللّه بن طاهر.
و - طرق ابن العربي الحاتمي الطائي هذه المعاني على عادته في تأثّر خطا الحلّاج فأجاد قطعة جميلة مطلعها :
ألا يا حمامات الأراكة والبان * ترفقن لا تضعفن بالشجو أشجاني
ومنها :لقد صار قلبي قابلا كلّ صورة * فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف * وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنّى توجّهت * ركائبه ، فالحبّ ديني وإيماني
لنا أسوة في بشر هند وأختها * وقيس وليلى ثم ميّ وغيلان
( ترجمان علائق الأشواق ، بيروت 1386 هـ / 1966 م ، ص 40 - 44 ) .


وفي المعنى قال عبد الكريم الجبلي ( ت 805 هـ / 1403 م ) مع تعليل فلسفي واضح :
وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى * ومالي عن حكم الحبيب تنازع
فطورا تراني في المساجد راكعا * وإنّي طورا في المساجد راتع
أراني كالآلات وهو محرّكي * أنا فهم والاقتدار الأصابع
ولست بجبريّ ولكن مشاهد * مقال مريد ما له من يدافع
فآونة يقضي علي بطاعة * وحينا بما عنه نهتنا الشرائع
إذا كنت في حكم الشريعة عاصيا * فإنّي في علم الحقيقة طائع
[ إيقاظ الهمم في شرح الحكم [ العطائية ] لابن عجيبة الحسين ( أحمد بن محمد بن محمد ت 1266 هـ / 1850 م ) ، 1 / 143 - 144 ] .

« 338 »
[ 77 ] من مخلّع البسيط :
1 - أشار لحظي بعين علم * بخالص من خفيّ وهم
3632 - ولائح لاح في ضميري * أدقّ من فهم وهم وهمي
3643 - فخضت في لجّ بحر فكري * في مركب في رياح عزمي
3654 - وطار قلبي بريش شوق * أمرّ فيه كمرّ سهم
3665 - إلى الذي - إن سئلت عنه - * رمزت رمزا ولم أسم
3676 - حتى إذا جزت كلّ حد * في فلوات الدنوّ أهمي
3687 - نظرت إذ ذاك في سجلّ * فما تجاوزت حدّ رسمي
3698 - فجئت مستسلما إليه * حبل قيادي بكفّ سلمي
3709 - قد وسم الحبّ منه قلبي * بميسم الشوق أيّ وسم
3710 - وغاب عنّي شهود ذاتي * بالقرب ، حتى نسيت اسمي
372النص :
أ - في البيت الأول أثبتنا رواية « تقييد بعض الحكم والأشعار » وجاءت « عين فكري » في غيره من الأصول على « عين علمي » و « خفي علم » على « خفيّ وهم » وبهما يستقر المعنى .
ب - جاء الشطران الثانيان من البيتين الثالث والرابع أحدهما مكان الآخر وواضح أن المركب أنسب للجّ البحر والجناح أنسب للريش ، وعدّلنا نص الشطر الثاني من البيت الثالث إلى صورته التي أثبتناه من أصل حروفه « في مركب من جناح عزمي » و « الرياح » هي التي تجري بالمركب كما يقضي المنطق .
ج - في البيت الثالث أيضا : جاءت « فخضت » في المتن على
...............................................................................................
[ 77 ]
الديوان ، ص 26 - 27 عن : مخطوط كوبرولو ، القسم الرابع ، ( الأبيات 1 - 10 ) ، تقييد ( مخطوط قازان ، ص 75 ، الأبيات 1 ، 3 ، 2 ، 5 ، 4 ، 6 ، 8 ، 10 ) ، مخطوط لندن ، ورقة 325 ب ( الأبيات 1 - 10 ) .

« 339 »
« دحضت » وبما أثبتناه يستقيم المعنى لتبدأ تجربة الحلّاج النفسية هذه وتتسلسل .
د - في البيت الخامس : وردت « لم أسمّ » على « لم أسمّى » وتلك هفوة واضحة .
هـ - في البيت السادس : « أهمي » هنا بمعنى « أنصبّ انصباب المطر المدرار » وأتيه ، ولعل المعنى الثاني هو المقصود .
و - في البيت السابع : جاءت « سجل » في الديوان على « سجال » وتلك غفلة ساذجة من ماسينيون ، إذ ظنّها تعني « المرآة » كما جاء ذلك في ترجمته للبيت ( الديوان ، ص 27 ، س 5 من أسفل ( خلطا بين « سجال » التي تعني الدلاء - جمع سجل - و « السجنجل » من الرومي المعرّب التي وردت في ختام باب « سجل » في الصحاح والقاموس المحيط . 
ويبدو أن الكلمة المناسبة هي « سجلّ » بمعنى « الصك » ومنه سجّل الحاكم تسجيلا كما في الصحاح وهي من الحبشة كما في القاموس المحيط . 
والمراد بالسجل هنا الغيب والقضاء الإلهيان اللذان بلغهما الحلّاج بسلوكه الروحي واطلع عليهما - فيما قال - ورضي بما كتب عليه وامتثل أمره تعالى فتحمّل ما تحمّل قرير العين مسرورا .
ز - في البيت الثامن : كانت « حبل » في المتن على صورة « حدّ » والاختيار الثاني من الأصول .
ح - ذكر ماسينيون أن أحد الأصول وصف هذه المقطعة بأنها من « آثار الانفراد الحلّاجي » .
ح - هذه القطعة تسجّل تجربة روحية طريفة للحلّاج تتمثل في أنّه جلس يوما يتأمل كيف أن العين تشير إلى أن جوهر العلم ما هو إلا وهم من الأوهام يخفى على الناس وأنّ العلم الحقيقي ما يلوح في الضمير ، لكنه من الدقة والبعد عن الإفهام بحيث يصل إلى مرتبة وهم الوهم أي غايته ومنتهاه . 
بعد هذا بدأت التجربة في معراج روحي إلى المثل الأعلى حتى

« 340 »
بلغه واطّلع على الأسرار فيه فرضي وسرّ وأسلم قياده إليه كما فعل ذلك الناس كلهم في عالم الذرّ من قبل في قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قالُوا : بَلى شَهِدْنا . . . )( الأعراف 7 : 171 ).
ويختم الحلّاج هذه التجربة بأنه عاد من معراجه وقد امتلأ قلبه حبّا للحق حتى لم تبق منه باقية وحتى فني عن ذاته شهودا له .


[ 78 ] من البسيط :
1 - شيء « بقلبي » ، وفيه منك أسماء * لا النور يدري به كلا ! ولا الظلم
3732 - ونور وجهك سرّ حين أشهده * هذا هو الجود والإحسان والكرم
3743 - فخذ حديثي ، حبّي أنت تعلمه * لا اللوح يعلمه حقّا ولا القلم
375التحقيق :
أ - « شيء بقلبي » في البيت الأول : وردت في الأصل على « بقلبك شيء » وليس لها وجه في المعنى والوزن وما أثبتناه أقرب إلى الفهم .
ب - يبدو أن هذه المقطعة من الشعر الحسّي وربما توجّه بها الحلّاج إلى صديق من أصدقائه ، لكنه لم يستطع الخروج من حدود طابعه الصوفي التجريدي الرمزي فبدت القطعة وكأنّها من الشعر العرفاني .


[ 79 ] من البسيط :
1 - قضى عليه الهوى ألا يذوق كرى * وبات مكتحلا بالصّاب لم ينم 376
...............................................................................................
[ 78 ]
الديوان ، ص 88 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 328 ب ) ، القشيري : لطائف الإشارات ( البيت الثالث ) .
[ 79 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 328 ب .

« 341 »
2 - يقول للعين : جودي بالدموع ، فإن * تبكي بجدّ [ وإلا ] فلتجد بدم
3773 - فمن شروط الهوى أنّ المحبّ يرى * بؤس الهوى أبدا أحلى من النعم
 378النص :
في البيت الأول : جاءت « لم ينم » على « لم يسم » .
في البيت الثاني : جاء الشطر الثاني في الأصل على الشكل التالي :
« تبكي بجدّ لها ما ستجد بدم » لعل ما أثبتناه مناسب للموضع .اللغة :
الصّاب : عصارة شجر مر كما في مختار الصحاح .


[ 80 ] من المتقارب :
1 - فلا تحسد الكلب أكل العظام * فعند الخراءة لا ترحمه
3792 - وعما قليل ترى في استه * جروحا جناها عليه فمه
3803 - إذا ما أهان امرؤ نفسه * فلا أكرم اللّه من يكرمه


381التحقيق :
ربما كانت هذه المقطعة من شعر الحلّاج الحسين ومعناها واضح وهو حكمي جار على أصول الصوفية في الزهد في الدنيا والتعلّق بالمبادئ والكرامة الإنسانية .
ونصب « أكل العظام » على نزع الخافض أي بمعنى : على أكل العظام .
...............................................................................................
[ 80 ]
نزهة الأبصار في محاسن الأشعار لشهاب الدين العنابي ( أحمد بن محمد بن محمد ، ت 776 هـ - 1375 م ) ، بتحقيق السيد مصطفى السنوسي وعبد اللطيف أحمد لطف اللّه ، ط 1 ، الكويت 1407 هـ - 1985 م ، ( ص 467 ) شكرا لأخي الروحي الأستاذ ناجي محفوظ لهدايتي إلى هذا النصّ .
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية النون شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:05 pm

القوافي في ديوان الحلّاج قافية النون شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية النون
[ 81 ]من الرمل :
1 - أنا من أهوى ، ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا 382
...............................................................................................
[ 81 ]
الديوان ، ص 93 ( البيتان 1 ، 3 ) عن : السراج : اللمع ، ص 361 ، 384 ( الأبيات 1 ش 1 ، 2 ش 1 ، 1 ش 2 ، 2 ش 2 ) منسوبة إلى « بعضهم » ، الكلاباذي : أخبار ، مخطوط باريس 5855 ، ورقة 264 أ ( البيت الأول ) منسوبا إلى « بعض أصحابنا » ، الغزالي :
مشكاة الأنوار ، ص 24 والبقلي : تفسير ( القرآن 6 : 59 ) ( المائدة ؛ ) قل :( يا أَهْلَ الْكِتابِ ، هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ ، وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ ؟ )، ابن العربي الحاتمي الطائي : الفتوحات المكية : 2 / 372 ، 433 ، 4 / 444 ، 502 ، ذخائر ( الاعلاق ) 8 ، القزويني : عجائب المخلوقات : 2 / 100 ، مخطوط فيينا بالتركية : 3 / 508 ، ورقة 11 ب ، تقييد ( مخطوط قازان ، الأبيات 2 - 4 ) كما في رواية ابن يزدانيار في الروضة .
وبالنسبة للمقطعة كلها ذكر ماسينيون أن هذه المقطعة قد زيد فيها ابتداء من القرن العاشر ( الرابع الهجري ) لجهل الناس بالحلول ، وفي القرن الثالث عشر ( السابع الهجري ) لمعارضة مدرسة ابن العربي الحاتمي الطائي لهذه الفكرة ( وجودية ) ، مخطوط أسعد ، رقم 3559 ، وفي القرن الرابع عشر على يد السمناني ( شهودية ، انظر الجامي : نفحات الأنس ، 568 ) ، وذكر ماسينيون في النهاية أن الأبيات ( 1 - 4 ) وردت في الروضة لابن يزدانيار .
وانظر أيضا : بالنسبة للشطر الأول من البيت الأول ، المقصد الأسنى للغزالي ، ص 82 ، مشكاة الأنوار له أيضا ، تحقيق الدكتور أبو العلا عفيفي ، مصر 1383 هـ - 1964 م ، ص 57 ، ويرد البيت الأول كله في طبعة محيي الدين الكردي من هذا الكتاب ضمن « الجواهر الغوالي من رسائل الغزالي » ، مصر 1343 هـ - 1924 -

« 343 »
2 - نحن ، مذ كنّا على عهد الهوى ، * تضرب الأمثال للناس بنا
3833 - فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته أبصرتنا
3844 - أيها السائل عن قصّتنا * لو ترانا لم تفرّق بيننا
3855 - روحه روحي وروحي روحه * من رأى روحين حلت بدنا ؟
386التحقيق :
أ - أصل هذه القطعة يتمثل في البيتين الأول والثالث اللذين ذكر ماسينيون أنّ باقي القطعة قد زيدت عليهما ابتداء من القرن الرابع الهجري .
ب - نسبت جلّ المصادر التي ذكرت هذه القطعة الأصل منها إلى الحلّاج ، ونسبها ابن خلكان إلى سمنون المحبّ .
ج - مع وضوح الجانب النظري الصوفي في هذه القطعة ودلالتها الواضحة على التجريد عند جمهرة الصوفية والمصنّفين ، كان من رأي السرّاج أنّ معانيها حسّية ، وكان تعليقه على رواية أخرى من البيتين نصها :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا * فإذا أبصرتني أبصرتنا
نحن روحا معا في جسد * ألبس اللّه علينا البدنا
...............................................................................................
5 م ، 115 ، ومشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ، ص 65 ، وللبيتين ( 1 ، 3 ) وفيات الأعيان ، طبعة رفاعي ، 4 / 327 ، مرآة الجنان لليافعي : 2 / 253 ، مصباح الهداية للكاشاني ، ص 406 ، عوارف المعارف للسهروردي ، مصر 1358 هـ - 1939 م ، ص 353 ، فيه ما فيه لجلال الدين الرومي ، طهران ، بلا تاريخ 65 ( البيت الأول فقط نسبة إلى المجنون ) ، البداية والنهاية 11 / 134 ، طبقات الشافعية للسبكي ، مصر 1324 هـ ، 6 / 45 - 46 ، سلافة العصر لابن معصوم ( صدر الدين علي بن أحمد الحسين ت 1229 هـ - 1773 م ) ، مصر 1324 هـ - 1906 م ، ص 133 ، دائرة معارف البستاني : 7 / 150 .
وبالنسبة للقطعة كلها انظر عطف الألف المألوف ، ص 112 ، وبالنسبة للأبيات ( 1 - 4 ) انظر فاكهة الحلفاء ، لابن عربشاه ( أحمد بن محمد الحنفي الرومي ، ت 845 هـ - 1442 م ) ، مصر 1290 ، ص 214 ، بالنسبة للأبيات ( 1 - 3 ) انظر غرر الخصائص الواضحة ، ص 373 ، وشرح حال الأولياء لابن غانم المقدسي ( عز الدين محمد بن عبد السلام الأنصاري ، ت 678 هـ / 1280 م ) مخطوط المتحف العراقي رقم 1254 ، [ فصل : شرح حال الحلّاج الورقة 34 أ ] .

« 344 »
قوله :
« فإذا كان مخلوق يجد بمخلوق حتى يقول مثل ذلك ، فما ظنّك بما وراء ذلك ؟ » ( اللمع ، ص 462 ) . وقال في موضع آخر ، قبل هذا : « وهذه مخاطبة مخلوق لمخلوق في هواه، فكيف بمن ادّعى محبة من هو أقرب إليه من حبل الوريد ؟ » ( ص 438 ) ، 
وعقب ابن العربي الحاتمي الطائي على البيت الأول من هذه القطعة بقوله : « غاية الحبّ الروحاني في الصور الطبيعية » وهو معنى ما رمى إليه السرّاج من قبل ( انظر الفتوحات المكية ، مصر 1293 ، 2 : 513 في الحب الطبيعي ) .
ويبدو أنّ هذه القطعة حسّية حقّا وأن المعنى الحلولي طارئ عليها بنقلها من جانبها الطبيعي المادي إلى الصوفي النظري المجرّد ، شأنها في ذلك شأن قطعة محمد بن صالح بن عبد اللّه العلوي الآتية : لهذا فإنّ ما فهمه الباحثون من حلولية الحلّاج تعلّقا بهذه القطعة وتوجيها لها بأنّ الشاعر فيها « يصف روحه والروح الإلهي في حالة مزج تام » ، 
كالذي قاله أستاذنا المرحوم الدكتور أبو العلا عفيفي في كتابه : « التصوف الثورة الروحية في الإسلام » ( مصر 1963 ، ص 83 ) ، إنما هو نصف فهم ، وينبغي أن يتمّ بكون هذا الشاهد منقولا على علّاته إلى موضوع لا ينطبق عليه انطباقا تامّا .
وأبسط ما يغسل هذه التهمة أنّ الحلّاج نفسه كان يلحّ على « رفع الإنّية دون الاثنينية » - كما مرّ من تعبير نصير الدين الطوسي - وكان يقول : « فارفع بفضلك إنّي من البين » وكان فوق ذلك يقول : « ما انفصلت البشرية عنه ولا اتّصلت به » ( طبقات الصوفية للسلمي ، ص 311 ، وانظر تعليق ابن العربي الحاتمي الطائي على « الذهاب » في القطعة التي أوّلها :
قلوب العارفين لها ذهاب * ترى ما لا يراه الناظرونا
ومن المعروف أيضا أن الحلّاج كان يعرّف التوحيد بأنّه : « إفراد القدم عن الحدث » وهي عبارة شرحها الأنصاري بقوله : « التوحيد نفي الحدث وإقامة الأزل وأنه : تنزيه اللّه - عزّ وجلّ - عن الحدث » ( طبقات الصوفية للأنصاري ، ص 172 ) .

« 345 »
وإذا كان التوحيد هو فصل [ إفراد ] القدم عن الحدث فكيف يتم الامتزاج بينهما ؟ لكن هذا الوضوح يغمض بتسلّط عبارات الصوفية عليه فيختلط الأمر على غير المتبحرين ! ومن نماذج هذا الغموض الذي يثور بفعل العبادات ما قاله الأنصاري نفسه في تعداد التوحيد في قوله :
« أنواع التوحيد ثلاثة 
( 1 ) : توحيد الشواهد - وهو إفراد الصانع و 
( 2 ) توحيد المعاملة - وهو إسقاط الأسباب و 
( 3 ) توحيد الأسرار - وهو تجريد القدم » ( أيضا ، ص 172 ) .
د - شرح الديلمي المقصود من الاستشهاد بهذه الأبيات بقوله : « واعلم أن المحبّين ، من أهل الطبيعة ، تناهت محبّتهم إلى ذهاب العقل والدهشة والتوحش ، ثم أدّى ذلك منهم بهم إلى الهلاك والموت . 
وليس هذا حال الإلهيين منهم ، فإن حال تناهيهم إمّا إلى اتحاد بالمحبوب أو إلى مقام التوحيد ، وهو الوصول بالمحبوب وشهود الشواهد بالشاهد المحبوب حتى كأنّها ( أي الشواهد ) هو ( كذا ) شواهد كل شيء وهو في كل شيء : وسع كلّ شيء ولكلّ شيء وبكلّ شيء وعن كلّ شيء ، وكأنّه لا بشيء ولا لشيء ولا عن شيء ولا من شيء ولا في شيء و ( لا إلى ) شيء ، فافهم جميع ذلك إن كنت راغبا في معرفة مقامات المحبّين له كيلا تغلط في الشهود ولا تشهد بالجحود فتعدّ في جملة ( من ) كذب وادّعى . . . »
هـ - زيادة في إيضاح هذا المعنى ، وكونه من الأفكار الصوفية المألوفة ، ننقل تقرير عمرو بن عثمان المكي ( ت 291 هـ / 903 - 4 م ) وكان أول خصوم الحلّاج وأشدّهم عليه ( انظر تاريخ بغداد 8 : 113 ) من « بلوغ أهل المحبّة الغاية » 
وذلك في قوله :
« فنيت أسماؤه من الأرض والسماء ، وأبيدت نسبته وأحواله من أحوال الدين والدنيا ، وامّحت صفاته ، واختلست حياته ، واصطلمت أنفاسه ، وعفت آثاره بلا وفاة الموتى ولا بقاء الأحياء . وصار لا اسم للفناء ولا اسم للبقاء لا اسم لبقاء باق في الفناء غير الواحد الأحد » ( عطف الألف المألوف ، ص 113 ) .

« 346 »
و - ذكر لسان الدين الخطيب قطعة في هذا المعنى نسبت إلى السرّي ابن المغلّس السقطي ، ( ت 251 هـ / 865 م ) تفسيرا لعبارة قال فيها : « لا تصحّ المحبّة بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر : يا أنا » ( روضة التعريف ، ص 354 ) 
وهي عبارة نسبها السرّاج من قبل إلى « بعض الحكماء » أنه قال : « لا يبلغ المتحابان حقيقة المحبّة حتى يقول الواحد للآخر : يا أنا » ( اللمع ، ص 463 ) . 
أما الأبيات المنسوبة إلى السرّي فهي :
إن شئت أن أدعوه ، ناديت : يا أنا * وإن يدعني ، نادى جميعي بيا إنّي
فيخبرني عنّي بما أنا مخبر * إذا شئت - عني بالذي مخبر عنّي
( روضة التعريف ، ص 354 ، مجموع صوفي في مكتبة الآثار ببغداد رقم 369 ) .
ز - شطّر الميرزا أبو الفضل الطهراني ( بن الميرزا أبي القاسم الكلانتري ، 1312 - 1356 هـ / 1894 - 1937 م ) من شعراء العربية الإيرانيين البيتين الأول والثالث في قطعة قال فيها :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا * وحدة أثمرها غرس الفنا
نحن جسمان لبسنا بردة * نحن روحان جللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته * لو من السرّ فتحت الأعينا
وعجيب لم يزل عن عزّة * وإذا أبصرته أبصرتنا
ح - ضمّن ابن عجيبة الحسن ( أحمد بن محمد ، ت 1266 هـ / 1849 - 1850 م ) الشطر الأول من البيت الأول في قطعة قال فيها :
أيّها العاشق معنى حسننا * مهرنا غال لمن يخطبنا :
جسد مضى وروح في العنا * وجفون لا تذوق الوسنا
وفؤاد ليس فيه غيرنا * وإذا ما شئت أدّ الثمنا
فافن إن شئت - فناء سرمدا * فالفنا يدني إلى ذاك الفنا
واخلع النعلين - إن جئت إلى * ذلك الحيّ - ففيه قدسنا
وعن الكونين كن منخلعا * وأزل ما بيننا من بيننا
وإذا ( ما ) قيل : من تهوى ؟ فقل : * « أنا من أهوى ومن أهوى أنا »

« 347 »
( إيقاظ الهمم ، 1 : 8 - 12 ) وانظر سفينة النجاة المرضية في أناشيد السادة الشاذلية ، جمع وتأليف محمود نسيم ، مصر 1375 هـ / 1956 م ، ص 218 - 219 .
ط - ألمّ زين الدين الحجازي ( عبد الحق بن محمد بن محمد الحمصي ، 962 - 1020 هـ / 1555 - 1611 م ) بمعاني هذه المقطعة فصبّ على وزنها وقافيتها قصيدة إخوانية أرسلها إلى صديقه محمد الصالحي ، الملقّب أمين الدين ، قال في مطلعها :
طالت الأشواق وازداد العنا * وتمادى البين فيما بيننا
فكتب إليه أمين الدين يقول له :
أنا في القرب وفي البعد أنا * ليس في الحالين لي عنكم غنىأ
فضل الأشياء عندي حبّكم * وهو في وسط فؤادي مكّنا
لكن الأيام أشكوها لكم ، * جورها قد أورث الجسم ضني
فراجعه الحجازي أيضا بمقطعة منها قوله :
لا أطيق الصبر عنكم ساعة * أنتم دون الورى ، عندي المنى
( خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمجي 3 / 312 - 315 ) .
ي - وما يعرفه كل متأدّب قول أحمد شوقي في مسرحية ، « مصرع كليوباترا » على لسان الثانية :
أنا أنطونيو وأنطونيو أنا * ما لروحينا عن الحبّ غنى
غنّنا في الشوق أو غنّ بنا * نحن في الحبّ حديث بعدنا
ومنها :
في الهوى لم نال جهد المؤثر * وذهبنا مثلا في الأعصر
هو أعطى الحبّ تاجي قيصر * لم لا أعطي الهوى تاجي مني
( مسرحية : مصرع كليوباترا ، ط دار الكتب بمصر ، 1945 ، ص 47 - 49 ) .

« 348 »
يا - من أقرب المعاني الشعرية التقليدية إلى هذه المقطعة قول اأبن الرومي ( أبي الحسن علي بن العباس بن جريج ( 221 - 283 هـ / 836 - 896 م ) :
أعانقها والنفس بعد مشوقة * إليها ، وهل بعد العناق تدان ؟ !
وألثم فاها كي تزول حرارتي * فيشتد ما ألقى من الهيمان
وما كان مقدار الذي بي من الجوى * يشفيه ما تلثم الشفتان
كأنّ فؤادي ليس يشفي غليله * سوى أن يرى الروحين يمتزجان
( الديوان ، اختيار وتصنيف كامل كيلاني ، مطبعة التوفيق الأدبية ، بالقاهرة بلا تاريخ ، ص 27 ) .
وأقرب منه قول نطّاحة الكاتب ( كذا ) :
هموم أناس في أمور كثيرة * وهمّي في الدنيا صديق مساعد
نكون كروح بين جسمين فرّقا * فجسماهما جسمان والروح واحد
( آداب النفس للعيناثي ، 1 : 68 ) .
ومنه قول الزاهي ( أبي الحسن علي بن إسحاق بن خلف ، الشاعر ، ت بعد 360 هـ / 970 - 71 م ) .
قمّ نهنّي عاشقين * أصبحا مصطلحين
جمعا بعد فراق ، * فجعا منه ، وبين
ثم عادا في سرور * من صدود آمنين
فهما روح ولكن * ركّبت في جسدين  ( تاريخ بغداد ، 11 : 350 ) .
ومنه قول الشاعر :
كنّا من المساعدة * نحيا بروح واحدة ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، 1 : 228 ) ، 
وكذا قول المتنبي :
أأحبّه وأحبّ فيه ملامة ؟ * إنّ الملامة فيه من أعدائه

« 349 »
عجب الوشاة من اللحاة وقولهم ... دع ما نراك ضعفت عن إخفائه
ما الخل إلا من أود بقلبه ... وأرى بطرف ولا يرى بسوائه 
( الديوان ، بشرح عبد الرحمن البرقوقي ، مصر 1348 هـ / 1930 م 1 : 3 - 4 ) .
وقول الشاعر :
ما زلت فيكم منكم على وجل * إليكم قاصدا في كلّ معناء
حتى تمازجت الروحان واحدة * كما تمازج صرف الماء بالماء
وفي الختام نذكّر بقول أبي نواس - الآنف الذكر .
روحي مقيم عند خلصاني * وإنّما الشاهد جثماني
والأبيات التالية ( الديوان ، ص 282 ) .
ومنه ما أورده ابن غانم المقدسي في كتابه : حلّ الرموز ومفتاح الكنوز [ مخطوط المكتبة القادرية ببغداد ، المجموع 11744 ، الورقة 19 - ب ) من شعره ، فيما يبدو :
ولما تصافينا المحبّة بيننا * كأني ومن أهواه شيء واحد
ما زلت أدنو منه حتى صار لي * بصري وسمعي حيث كنت وساعدي
فإذا رأيت فلا أرى إلّا به * وإذا بطشت فلا يزال مساعدي
« فأنا الذي أهوى ومن أهو أنا » * ما شاء يصنع حاسدي ومعاندي
وضمن الأستاذ الدكتور شوقي ضيف كتابه « الشعر وطوابعه الشعبية أشعارا من هذا القبيل منها قول القائل :
إن من لا أرى وليس يراني ... نصب عيني ممثل بالأماني
بأبي من ضميره وضميري ... أبدا بالمغيب ينتجيان
نحن شخصان إن نظرت وروحا ... ن إذا ما اختبرت يمتزجان
فإذا ما هممت بالأمر أوهـ ... ـم بشيء بدأته وبداني
كان وفقا ما كان منه ومني ... فكأني حكيته وحكاني
خطرات الجفون منا سواء ... وسواء تحرك الأبدان  
« 350 »
( ص 112 - 113 ) .
وقطع كلّ خطيب من قال : صديقك من هو أنت لا أنه غيرك
( الكشكول لبهاء الدين العاملي ، 3 / 146 )
وبعد فهل بقي شيء يقال في عدم امتزاج المعاني الصوفية بالأشعار التقليدية ؟ !


[ 82 ]من المجتثّ :
1 - عجبت منك ومنّي * يا منية المتمنّي 387
................................................................................................
[ 82 ]
الديوان ، ص 30 - 31 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 84 الشطر الأول من البيت الأول + الشطر الثاني من البيت الثالث + البيت الثاني ) ، البقلي : شطحيات ، ورقة 353 ب ، القزويني : عجائب المخلوقات ، ابن تيمية ( جواب صالح : 2 / 175 ، البيت الثاني ) .
حسن التستّر ( انظر الشعراني : لواقح الأنوار : 2 / 68 ) ، والمناوي : الكواكب الدرية ، ( ابن عقيلة : نسخة ، والبستاني : دائرة المعارف : 7 / 151 ) ، ابن زغدون : قوانين ، ص 46 - 47 ( 1 ش 1 ، 3 ش 2 ، 2 ، 4 ، 5 ) مخطوط فيينا ، ورقة 13 أ ، السراج ، اللمع ، ص 361 ( 1 ش 2 + 3 ش 2 ، منسوبا إلى المؤلف ) تقييد ( مخطوط لندن ) ، ورقة 326 ب ( 1 - 7 ) .
وانظر أيضا : عطف الألف المألوف ، ص 45 ( 3 ش 2 + 1 ش 1 ، وقفتني في مقام + 2 ش 2 ) دون نسبة ، ومشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ( عبد الرحمن بن محمد الأنصاري ، ت 696 هـ - 1296 - 7 م ) ، تحقيق هلموت ريتر ، بيروت ، 1379 هـ - 1959 م ، ص 8 ، والرواية هنا هكذا :
عجبت منك ومني . .. أفنيتني بك عني
أدنيتني منك حتى .. . ظننت أنك إني 
حكم الاشراق إلى كافة الصوفية بجميع الآفاق لأبي المواهب الشاذلي ( جمال الدين محمد ت في حدود 800 هـ - 1397 م ) ، مصر 1380 هـ - 1961 م ، ص 59 ( مختصر الدرّ المكنون في غرائب للخليلي ( يحيي بن أحمد ، من رجال القرن الحادي

« 351 »
2 - أدنيتني منك حتّى * ظننت أنّك أنّي 
3883 - وغبت في الوجد حتى * أفنيتني بك عنّي
 3894 - يا نعمتي في حياتي * وراحتي بعد دفني
 3905 - مالي بغيرك أنس * إذ كنت خوفي وأمني
 3916 - يا من رياض معاني * هـ قد حوت كلّ فنّ
 3927 - وإن تمنّيت شيئا * فأنت كلّ التمنّي
 393التحقيق :
أ - في البيت الثالث : وردت « أفنيتني » في رواية ، على « أغنيتني » وما في المتن أقرب موردا .
ب - في البيت الرابع : جاءت « يا نعمتي » على « يا نزهتي » في أصل آخر ، وفي حكمة الإشراق ، ونعمتي : بمعنى نعيمي في المعاجم .
ج - في البيت الخامس : اخترنا الشطر الثاني من رواية « حكمة الاشراق » وقد ورد في الأصول الأخرى على « من حيث خوفي وأمني » لوضوحه وجماله .
د - ضبط ماسينيون لفظ « معانيه » بالسكون على الهاء ، والصحيح ما أثبتناه ، وألحق بلفظ « فن » ( في قافية البيت السادس ) ، ياء وبما أثبتناه يستقيم الشكل والمعنى .
...............................................................................................
عشر الهجري ) ، مخطوط المتحف العراقي رقم 3093 ، ورقة 167 ب ، بالنص التالي :عجبت منك ومني * أفنيتني بك عنيأدنيتني منك حتى * ظننت أنك أنييا نزهتي في حياتي * وراحتي بعد دفنيما لي بغيرك أنس * إذ كنت خوفي وأمنيوالظاهر أن هذا النص مستمدّ من كتاب المرافق الموافق لابن الجوزي ، ( مخطوط الخزانة العامة في الرباط تحت رقم د . 589 ، ورقة 57 ب ) مع بيت تختم به المقطعة حروفه :ولا تطيب حياتي * حتى أراك بعيني

« 352 »
هـ - لم يلحق هذه المقطّعة بالحلّاج إلّا أبو المواهب الشاذلي في حكمه الإشراق ، والمناوي في الكواكب الدرّية ، ولم ينسبها السرّاج في اللمع ولا الديلمي في عطف الألف المألوف إلى أحد .
و - ذكر ماسينيون أنّ السرّاج نسبها إلى المؤلف ، والحقّ أنه قال في تقديمه لها « وقال غيره » بعد قطعة للحلّاج صدّرها بقوله : « قال بعضهم » !
ز - رأى بعض الفقراء يقول للشيخ أبي مدين ( شعيب بن الحسن المالكي المغربي ، ت 594 هـ / 1197 - 8 م ) في هذا المعنى قوله :
يا شيخ قربتك مني * حتى كأنك أني
وناديت سرّك، إياك عني * بمعنى معناك، فكنت مني
فجاوبه الشيخ أبي مدين:
سبحانك سبحانك أدنيتني * منك، فأفتيتني عني
بحق حقك يا حق، بوجودك صلني * فأنت أقصى مناي، يا غاية المتمني
ثم قال: سمعت الحق ناداه بي، قال: وعليّ دلّ، فأنا الكل.
( محاضرة الأبرار لابن العربي الحاتمي الطائي ، 1 : 249 ) .
ح - في معرض إيراد هذه المقطّعة ، قال أبو المواهب الشاذلي : « فناء الفناء أعلى من الفناء لأنّه دهليز البقاء عند أهل التقى ، فإيّاك أن تقف مع بداية الفناء فتقع في الخلط والدعوى وتخالف أهل الأدب والتقوى . 
انظر حال الحلّاج لما قنع ووقف عند أول الفناء ، كيف وقع في الفناء بقوله :
هاهو أنا ، ومن أيسر أقواله ما أعرب به عن بعض أحواله بقوله : ( البيتين الأوّلين بروايته ) .
ط - قوله : ( حتى طننت أنّك أنّي ) ، فيه شعور بأدب فناء الفناء ، لكنه لم تكمل له حقيقة هذا المعنى ، إذ لو كملت لتخلّص من غلظ البشرية وتأدّب بكمال الأدب مع الربوبية » ، ص 59 .
ي - حقّ هذه المقطّعة أن تدرج ضمن الأشعار التي نسبت إلى الحلّاج لسلاستها الظاهرة وتفوقها في النسج الشعري على ما نعرفه من مستوى شاعرنا ، لكنّا نتركها ضمن الديوان ، إلى أن يلوح لنا من الدلائل ما يرجّح حالتها .

« 353 »
[ 83 ] من البسيط :
1 - لم يبق بيني وبين الحقّ تبياني * ولا دليل بآيات وبرهان
3942 هذا تجلّي طلوع الحقّ : نائرة * قد أزهرت في تلاليها بسلطان
3953 - لا يعرف الحقّ إلّا من يعرّفه * لا يعرف القدمّي المحدث الفاني
3964 - لا يستدلّ على الباري بصنعته : * رأيتم حدثا ينبي عن أزمان ؟
3975 - كان الدليل له منه إليه به * من شاهد الحقّ في تنزيل فرقان
3986 - كان الدليل له منه به وله * حقا وجدنا به علما بتبيان
3997 - هذا وجودي وتصريحي ومعتقدي * هذا توحّد توحيدي وإيماني
4008 - هذي عبارة أهل الانفراد به * ذوي المعارف في سرّ وإعلان
4019 - هذا وجود وجود الواجدين له * بني التجانس : أصحابي وخلّاني
402التحقيق :
أ - اعتمد ماسينيون في تسجيل هذه المقطّعة على الكلاباذي أوّلا ثم على غيره بعد . ويبدو أنّ سببا حال بينه وبين الاطّلاع على النسخة المطبوعة من هذا الكتاب بتحقيق أستاذنا المرحوم البروفسور آربري والدكتور علي حسن عبد القادر ( مصر 1352 هـ / 1933 م ، ص 38 ) وإلّا لأشار إلى أن عدّتها هناك تسعة أبيات لا ثمانية كما أثبت في الديوان . ومع أن الديوان قد جمع في المدة بين كانون الثاني وآذار ( يناير ومارس ) 1931 م - كما تنطق الصفحات الزوجية من طبعته الثالثة ، التي استعملناها في عملنا هذا وقد
................................................................................................
[ 83 ]
الديوان ، ص 28 - 29 عن : التعرف للكلاباذي ( ص 38 ، نسبة إلى بعض الكبراء من أهل المعرفة ) ، شرح السهروردي الحلبي والقونوي ( انظر عذاب الحلّاج ، ص 363 ب ، 513 أ ) ( الأبيات 1 - 4 ، 6 - 8 ) . ابن جهضم : بهجة الأسرار ، رواية ابن عيسى الكعبي : مناقب ، والشعراني : لواقح الأنوار القدسية ( الأبيات 1 ، 3 ، 6 ، 2 ، 5 ، 8 ) .
وانظر أيضا : جامع الأنوار للبندنيجي ، ص 358 - 9 ، ( الأبيات 1 ، 5 ، 7 ، 2 ، 4 ، 9 ) ، دائرة معارف البستاني : 7 / 153 ( الأبيات 1 ، 5 ، 7 ، 4 ) .

« 354 »
ظهرت في باريس سنة 1955 م - إلا أنّه كان في مستطاع الأستاذ ماسينيون أن يزيد البيت الثالث في الطبعة الثانية أو الثالثة . ويبدو أنه لقي من جمع الديوان نصبا - كما لقينا - فنفض يده منه في طبعاته التالية .
ب - رتبنا الأبيات بحسب رواية الكلاباذي لأنها أقدم الأصول ولتسلسلها المعقول ، وكانت في الديوان القديم - كما ذكر ماسينيون - على الترتيب التالي : 1 ، 2 ، 5 - 9 .
ج - في البيت الأول : جاءت « تبياني » على « اثنان » ، في طبقات الشعراني ( - لواقح الأنوار ، 1 : 93 ) وليس لها وجه . لكنّنا اخترنا من طبقات الشعراني الشطر الثاني من هذا البيت وقد جاء في الأصول الأخرى على : « ولا دليل ولا آيات برهان » ، وجاء في جامع الأنوار وحده على :
« ولا دلائل آيات وبرهان » .
د - في البيت الثالث : ضبط محقّقا التعرّف لفظ « نائرة » بالنصب بفتحتين على الحاليّة - فيما يبدو - والتأنيث يمنع من ذلك لأن المبتدأ والخبر والمضافين كلها مذكّر ، من هنا تعرب جملة « نائرة » مفسّرة ، وبهذا تضبط بالضم كما اخترنا .
هـ - في البيت الرابع: وردت « رأيتم » في الديوان وجامع الأنوار على « وأنتم » وما أثبتناه أقرب إلى روح الشعر وأنسب للسياق .
و - في البيت الخامس : جاء الشطر الثاني في الديوان على : « من شاهد الحقّ بل علما بتبيان » ما نقلناه عن الكلاباذي أقرب موردا وإن كان رواية البندنيجي على « حقّ وجدناه في علم وفرقان » معتدلة أيضا ، لولا الخطأ النحوي في « حق » التي ينبغي أن تكون « حقا » .
ح - في البيت السادس : ورد الشطر الثاني منه ، في تحقيق ماسينيون على لفظ : « حقّا وجدناه في تنزيل فرقان » وبما أثبتناه يستقيم ترتيب المعنى ، وإن كان له وجه صحيح في الأول .
ط - في البيت السابع : وردت « تصريحي » على « تشريحي » وذلك في « التعرّف » وما أثبتناه أنسب .

« 355 »
ي - في البيت الثامن : وردت « هذي » في الأصول على « هذا » ولا تستقيم مع الخبر المؤنث ، فحوّلناها إلى ما أثبتناه ، وفيه يبدو أن الهمزة مطلوبة في كلمة « الانفراد » وإن كان شطرها يحتمل زحافا طويلا يستغنى به عنه .
يا - هذه المقطّعة بمثابة مقالة في وحدة الوجود على الصورة الحلّاجية الأولى التي طوّرها ابن العربي الحاتمي الطائي فيما بعد ولا يزيدها الشرح إيضاحا بعد الذي قاله وقلنا فيما مضى من شعره وشرحنا .


[ 84 ] من الخفيف :
1 - أنت بين الشّغاف والقلب تجري * مثل جري الدموع من أجفاني
 4032 - وتحلّ الضمير جوف فؤادي * كحلول الأرواح في الأبدان
 4043 - ليس من ساكن تحرّك إلّا * أنت حرّكته خفيّ المكان
 4054 - يا هلالا بدا لأربع عشر * فثمان وأربع واثنتان
 406التحقيق :
أ - في البيت الثالث : ورد الشطر الثاني مصدرا بالواو في طبقات الصوفية للأنصاري ، ( ص 324 ) ، وبه ينكسر الوزن ويختلّ البناء النحوي .
ب - في البيت الرابع : جاءت « فثمان » في الأصول كلّها على « لثمان » وذلك تصحيف واضح ، وبه يختلّ الشطر كلّه نحويا ، وينبغي أن نسجل « اثنان » على « اثنتين » ، وبما أثبتنا يستقر المعنى والتركيب النحوي وبخاصّة أن ماسينيون ذكر أن « أربع » وردت في أصل على « فأربع » . 
فكأنّ الفاء زحفت من « فثمان » إلى الكلمة التالية بفعل النسّاخ كما يخيّل إلينا .
...............................................................................................
[ 84 ]
الديوان ، ص 96 عن : تقييد ( مخطوط الجزائري ، ورقة 1 أ ) ، مخطوط لندن ، ورقة 336 أ ، برلين ، ورقة 43 أ ) السلمي : طبقات الصوفية، الهروي : طبقات الصوفية الجامي : نفحات الأنس ، 174 ، اللاري : حاشية ، مخطوط باريس ، ورقة 45 ب .
انظر أيضا : علم القلوب لأبي طالب المكي ، ص 289 ( الأبيات 1 - 3 ) وجامع الأنوار للبندنيجي ، ص 359 .

« 356 »
ج - وردت « أثنتان » في بعض الأصول على « اثنان » ولا تستقيم إلا برواية السلمي وأبي طالب المكّي .
د - بالنسبة للمجمل والمفصّل بين « أربع عشر » ، وحقّها : أربع عشرة ، وأجزائها المجموعة ، ( فثمان وأربع واثنتان ) ، وردت في الشعر العربي نماذج منه نشير منها أولا إلى ما ينسب إلى الأعشى - مما لا يرد في ديوانه - من أنّه قال :
ولقد شربت ثمانيا وثمانيا * وثمان عشرة واثنتين وأربعا
كما في حاشية الدمنهوري ( السيد محمد ، ت بعد 1230 هـ / 1815 م ) ، مصر 1345 هـ ، ص 66 وعدّة الكؤوس هنا أربعون كما لا يخفى .
وثانيا : إلى قول الفرزدق :
ثلاثة واثنتان فهنّ خمس * وسادسة تميل إلى الشمّام
( الديوان ، تحقيق عبد اللّه إسماعيل الصاوي ، مصر 1354 هـ / 1936 م ، ص 83 ) .
وثالثا : إلى ما تمثّل به السمعاني ، ومنه :
بنت عشر وأربع وثلاث * هي حتف المتيّم المشتاق
ورابعا : إلى قول الحارثي ( عبد الملك بن عبد الرحيم : 
وأبيض وضّاح الجبين كأنّه * سنّا قمر أوفى على العشر أربعا
كما في طبقات الشعراء لابن المعتز ، ص 278 ) .
هـ - من الطريف أن الأستاذ عبد الحيّ حبيبي ، محقق طبقات الصوفية للأنصاري ، نقل هامشا من اللاري - في حاشيته على نفحات الأنس - ترجم فيها هذه القطعة إلى الفارسية وختمها بترجمة البيت الأخير من هذه القطعة على هذه الصورة : يا هلالي ليلة أربع عشرة وثمان وأربع واثنتين ! ( هامش ، ص 324 ) .
و - يبدو أنّ هذه المقطعة من الشعر الحسّي في الأصل ، وهي موجهة

« 357 »
إلى إنسان في الرابعة عشرة من عمره في شرخ الشباب وعلى كثير من الجمال ، ولا يبعد أن تكون القطعة مما تمثّل به الحلّاج من شعر غيره .
ولعله من شعره الأول . والمقطعة على كل حال قابلة للفهم على أساس تجريدي ككلّ ما صدر عن الحلّاج قائلا ومتمثّلا .
ز - ومن لحاظ صوفي واضح أن المقصود بالهلال ذي الأربع عشرة كمال الجمال وفيه إشارة إلى الجمال الإلهي الكامل الذي تتوجه إليه قلوب الأكوان جميعا بالعشق والعبادة . 
ومما يذكر في هذا المجال أن عبد الرحمن الجامي ( ت 898 هـ / 1493 - 94 م ) قد أشار إلى هذه اللطيفة فرمز للحق تعالى بهذا الرمز في قوله من مثنوي فارسي :
جهارده سأله بتي بر لب بأم * چون مه چارده ، در حسن تمامبر سر سرو كله كوشه شكست * بر كل أز سنبل تر سلسله بستذاد هنكامه معشوقي ساز * شيوه جلوه‌كيرى كرد أغازومعناه :وصنم ذي أربع عشرة على سطح سقف * وفي تمام الحسن مثل قمر الأربع عشرةوضع على جانب رأسه تاجا مزينا بأغصان السرو * وتمنطق بنطاق من السنبل الغضّأخذ العود وهاج في العشاق * فبدأ بذلك جماله يعمل عمله
( آداب النفس للعيناثي 1 / 92 ) .
و - وجّهت الأخبار التراثية الأدبية هذا التقسيم إلى لغزّ لغوي عادت به إلى ما قبل الإسلام فذكر الجرجاني ( أبو العباس أحمد بن محمد الثقفي ، القاضي ، ت 482 هـ / 1089 م ) في كتابه : كنايات الأدباء وإشارات البلغاء ، ( ط . أوفست : دار البيان ودار صعب بيروت ) ، 
نقلا عن الأغاني أن أمرأ القيس الشاعر كان من عادته أن « لا يتزوّج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنين . 
فجعل يخطب النساء ، فإذا سألهن عن هذا قلن : أربعة عشر .

« 358 »
فبينا هو في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة ، كأنها البدر لتمّه ، فأعجبته . فقال لها : يا جارية ، ما ثمانية وأربعة واثنين ؟ .
قالت : أما ثمانية [ - الثمانية ] فأطباء الكلبة [ - جمع طبي : حلمات ضرعها ] وأما أربعة [ - الأربعة ] فأخلاف الناقة [ - جمع خلف : حلمة ضرع الناقة أو طرفه ] ، وأما اثنان [ الاثنان ] فثديا المرأة . فخطبها إلى أبيها ، فزوّجه إيّاها » !
ح - فوق هذا يبدو أن المقصود من تحليل الرقم 14 إلى 8 + 4 + 2 الإشارة إلى العشق الإلهي على صورة من قوانين الموسيقى ومناسبات الألحان وصلاتها بالنفوس على مذهب الفيثاغورية والفلاسفة الإشراقيين القدماء على العموم ومن هنا يعدّ هذا التحليل واقعا تحت نسبة الأضعاف من الألحان ، ( انظر روضة التعريف للسان الدين الخطيب ، ص 387 - 390 ، وبخاصة ، ص 388 ) . واللّه أعلم


[ 85 ] من الكامل :
1 - يا غافلا لجهالة عن شاني * هلّا عرفت حقيقتي وبياني ؟ !
4072 - فعبادتي للّه ستة أحرف * من بينها حرفان معجومان
4083 - حرفان : أصليّ وآخر شكله * في العجم منسوب إلى إيماني
4094 - فإذا بدا رأس الحروف أمامها * حرف يقوم مقام حرف ثان
4105 - أبصرتني بمكان موسى قائما * في النور فوق الطور حين تراني 411
...............................................................................................
[ 85 ]
الديوان ، ص 94 عن : تقييد ( مخطوط الجزائري ، ورقة 4 ب ) ، مخطوط قازان ، ص 44 ، مخطوط لندن ، ورقة 338 أ ، وراجع الفوائح المسكية في الفوائح المسكية لعبد الرحمن بن محمد البسطامي الحنفي الحروفي ( الفصل الأخير ) ، ( وراجع ترجمة الدسوقي في لواقح الأنوار للشعراني : 1 / 180 ) . وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 60 .

« 359 »
التحقيق :
أ - هذا لغز جديد يدور حول كلمة « اتّحاد » فيما يبدو ، وبيانه أن عبادة هذا الصوفي للّه تتمثل في حال بعد الفناء ينتهي بالاتحاد باللّه أو الوحدة بينه تعالى وبينه . 
ومدار اللغز من الناحية اللفظية أنّ الاتحاد ، الذي هو مدار عبادة الحلّاج للّه - يتكون من ستة أحرف هي « أ ، ت ، ت ، ح ، ا ، د » من بينها حرفان معجومان هما التاء مكررة ، فأحدهما أصلي هي التاء الثانية « وآخر شكله » أي مثله وهي التاء الأولى . 
منسوب إلى إيمان الحلّاج : وهي الوحدة أو التوحيد المطلق ، وهكذا إذا بدا رأس الحروف - وهو الألف - وأمام الحروف الباقية حرف التاء الذي يقوم مقام الواو من الأصل « إوتحاد » التي صارت « اتّحاد » بالإبدال تطبيقا لقواعد الصرف ، عندئذ صار الصوفي في حكم موسى على الطور لما تجلّى له ربه فخرّ صعقا أوفني عن نفسه لاتّحاده باللّه وعجز ناسوته عن استجلاء سبحات الجلال .
وهذه المقطعة تذكّر ، في شكلها المؤوّل الذي بيّناه ، بالمقطعة السابقة التي مرّت بنا في حرف الراء ونصها :
عقد النبوة مصباح من النور * معلّق الوحي في مشكاة تأمور
باللّه ينفخ نفخ الروح في خلدي * وخاطري نفخ إسرافيل في الصور
إذا تجلّى لطورى أن يكلّمني * رأيت في غيبتي موسى على الطور
ب - في البيت الثاني : جاءت « فعبادتي » في الأصل على « عبارتي » وما أثبتناه أنسب للسياق ، وإن كانت « عبارتي » تصحّ أيضا باعتبارها بداية اللغز .
ج - في المناسبة التي دعت إلى ترديد هذه القطعة جاء في « أخبار الحلّاج » أن « رجلا من الأكابر ، يسمى ابن هارون المدائني ، استحضر الحلّاج وجماعة من مشايخ بغداد ليناظروه . 
فلما اجتمعوا تفرّس الحسين بن منصور فيهم النكارة ، فأنشأ يقول » ( الأبيات ) « والنكارة الدهاء وكذلك النكر بالضم ، وقد نكر الأمر أي صعب واشتد » كما في الصحاح والقاموس ، ومنه حديث معاوية : « إني لأكره النكارة في الرجل ، بمعنى الدهاء كما في النهاية

« 360 »
لابن الأثير . ولهذا دلّت المناكرة على المحاربة ، « لأنّ كل واحد من المتحاربين يناكر الآخر أي يداهيه ويخادعه » كما فيه أيضا . 
وهذا يعني أنّ الحلّاج لما رأى فيهم التحفّز لخصومته والإيقاع به مال إلى الرمز والإيماء وتحامى المقابلة الصريحة مناكرة لهم ، فقال ما قال .
د - زيادة في التركيز على أنّ المراد باللغز هو كلمة « اتّحاد » نحيل إلى « عطف الألف المألوف » للديلمي حين استشهد بشعر الحلّاج في تقريره أنّ « محبّة اللّه تعالى لأوليائه قديمة ومحبتهم له من تأثيرات تلك ( المحبة ) بلا امتزاج ، بل باتّحاد العبد به حتى كأنّه هو ( هو ) من طريق الفناء به » ( ص 44 - 45 ) .


[ 86 ] من الهزج :
1 - أنا أنت بلا شك * فسبحانك سبحاني
 4122 - وتوحيدك توحيدي * وعصيانك عصياني
 4133 - واسخاطك إسخاطي * وغفرانك غفراني
 4144 - ولم أجلد يا ربّ * إذا قيل : هو الزاني ؟ !
 415التحقيق :
أ - ذكر ماسينيون هذه المقطعة تحت فقرة عنوانها « دون نسبة » والحق أن ابن عجيبة قد نسبها صراحة إلى الحلّاج ( إيقاظ الهمم 1 : 156 ) .
ب - في رسالة الغفران تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ط 4 ، 1986 ، ص 457 - 58 ( قال المعري ) أبو العلاء أحمد بن عبد اللّه بن سليمان 363 - 449 هـ / 973 - 1057 م ) في معرض حديثه عن الحلوليين :
...............................................................................................
[ 86 ]
الديوان ، ص 121 عن : رسالة الغفران ، ص 152 ، ابن عجيبة ، ص 156 ، تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 342 ب ، دون نسبة ) .

« 361 »
« وحكي عن رجل منهم أنه كان يقول في تسبيحه : سبحانك سبحاني ، غفرانك غفراني ، وهذا هو الجنون الغالب ، إنّ من يقول هذا القول معدود في الأنعام ما عرف كنه الأنعام » .


[ 87 ] من البسيط :
1 - أرسلت تسأل عني كيف كنت وما ... لقيت بعدك من هم ومن حزن
 4162 - لا كنت إن كنت أدري كيف كنت ولا ... "لا كنت" إن كنت أدري كيف لم أكن 417التحقيق :
أ - في البيت الأول: جاءت « أرسلت » على « أوشكت » في البداية والنهاية ، ووردت « كنت » على « بتّ » في مرآة الجنان .
ب - هذه المقطعة الصغيرة نموذج من إخوانيات الصوفية وأسلوب مخاطباتهم العادية التي تلتصق بطراز حياتهم ولا تخلو من مصطلحاتهم .
ج - في البيت الثاني : يدعو الحلّاج أو سمنون على نفسه بالفناء إن كان واعيا لنفسه في تلك الأيام التي غاب فيها عن صديقه ، وفي الشطر الثاني يعكس الدعاء فيدعو على نفسه بالبقاء في العالم الحسّي ، الذي لا
...............................................................................................
[ 87 ]
الديوان ، ص 118 عن : وفيات الأعيان ، ص 924 ، وابن فاتك ، عيون ص 10 ، ورقة 8 ب ، في أشعار سمنون المنسوبة إلى الحلّاج .
وانظر أيضا : مرآة الجنان لليافعي : 2 / 257 ، البداية والنهاية لابن كثير : 11 / 134 منسوبين إلى الحلّاج ، دائرة المعارف للبستاني : 7 / 152 ، مع تقديم قوله : « ومن الشعر المنسوب إليه على اصطلاحهم وإشاراتهم » .
وراجع تاريخ بغداد : 9 / 236 حيث ذكر الخطيب البغدادي صراحة أن أبا علي الروذباري حدثه فقال : « كتب رجل إلى سمنون يسأله عن حاله وكيف كان بعده ، فكتب إليه سمنون » ( البيتين ) .

« 362 »
يرتضيه إن كان يدري كيف غاب عن وعيه ، وهو في كلتا الحالتين يسجّل على نفسه الذهول عن نفسه وعن عالمه .
د - كرّر أبو العباس أحمد بن عطاء ، صديق الحلّاج ، عبارة : « لا كنت إن كنت أدري » في شعر له جميل يقول فيه :
حقّا أقول : لقد كلّفتني شططا * حملي هواك وصبري إنّ ذا لعجيب
جمعت شيئين في قلبي له خطر : * نوعين ، ضدّين : تبريد وتلهيب
ولا كنت - إن كنت أدري - كيف يسلمني * صبري عليك ، وصبري صبر أيوب
( اللّمع للسرّاج ، ص 324 ) ، ويلاحظ الإقواء في البيت الثالث .
هـ - في ديوان الحقيقة والأشعار للشيخ عبد الغني النابلسي ، الماضي ، ط . بولاق 1270 هـ ، ( 2 / 150 ) هذه العبارة :
« قال [ - النابلسي ] - وقد رفع إليه هذا البيت [ الأول من المقطعة الحلّاجية ] - وسئل عن معناه - رضي اللّه عنه :
لا كنت إن كنت أدري أين كنت ولا * لا كنت إذ كنت أدري كيف لم أكن
فأجاب :أي : كنت من قبل إني كنت لا معه * فلا تكن معه بل كن به تكن
وهذا كله من صدق قوله - عليه السلام : كان اللّه ولا شيء معه ، وهو الآن على ما كان عليه كان » .

« 363 »
[ 88 ] من مجزوء الرمل :
1 - قد تحقّقتك في سر * ري فناجاك لساني 
4182 - فاجتمعنا لمعان * وافترقنا لمعان
 4193 - إن يكن غيّبك التع * ظيم عن لحظ عياني
 4204 - فلقد صيّرك الوج * د من الأحشاء داني
 421التحقيق :
أ - لم ينسب هذه المقطّعة إلى الحلّاج إلا الخطيب البغدادي وابن كثير ، ونسبها جلّ الرواة الآخرين إلى الجنيد البغدادي .
ب - في البيت الأول : وردت « تحققتك في سرّي » على « وتحققتك » في اللمع والرسالة القشيرية ، وعلى « فتحققتك » في شرح النفزي ، وعلى « وتحقيقك » في طبقات الصوفية للأنصاري ، وجاءت « سرّي » على « السرّ » في روضة الطالبين . 
وقد جاء البيت كله في شرح النفزي هكذا :قد تحقّقت بسر * ري حين ناجاك لسانيج - في البيت الثاني : وردت « لمعان » الأولى على « بمعان » وما أثبتناه أنسب للسياق .
...............................................................................................
[ 88 ]
الديوان ، ص 116 عن : تاريخ بغداد : 8 / 115 ، الخركوشي ، المصدر السابق ، ورقة 199 ب ، السراج : الموضع السابق ، ص 84 الهجويري : كشف المحجوب ص 328 ، الهروي : طبقات الصوفية في الموضع السابق ( في المطبوع : ص 563 دون نسبة ) .
وانظر أيضا : الرسالة القشيرية : 1 / 210 ( منسوبا إلى الجنيد البغدادي ) ، الرسائل الفرائد للغزالي : روضة الطالبين وعمدة السالكين ، ص 157 ( غير منسوب ) ، مصباح الهداية ومفتاح الكفاية للكاشاني ( عز الدين محمود بن علي ، ت 735 هـ - 1334 - 35 م ) تحقيق جلال الدين همائي ، طهران 1365 هـ / 1945 - 6 م ، ص 218 ( للجنيد ) 418 ، ( غير منسوب ) ، البداية والنهاية لابن كثير ، 11 / 133 ( للحلّاج ) شرح النفزي على كتاب الحكم لابن عطاء اللّه : 2 / 78 ( للجنيد ) ، إيقاظ الهمم لابن عجيبة : 2 / 183 ( أشار إليه الجنيد بقوله ) .

« 364 »
د - في البيت الثالث : وردت « العيان » على « عيان » في الرسالة القشيرية ، وشرح النفزي ، وإيقاظ الهمم ، وما أثبتناه أنسب للسياق لموافقته « للأحشاء » في البيت التالي .
هـ - نظم الأنصاري في هذا المعنى أبياتا قال فيها :
تجمّعنا بمعنى وافترقنا * برسم الاسم : توفيق عجيب
فمعناها بلا رسم ولكن * أسامينا لمعنانا رقيب
فما في جمعنا إلا اصطلام * وفي تفريقنا حسن وطيب
( طبقات الصوفية ، له ، ص 563 ) ويشير بذلك إلى كون اسمه عبد اللّه فيما يبدو .
و - في البيت الرابع : « داني » قلقة نحويا إذ حقها أن تكون « دانيا » ولا تبيح الضرورات الشعرية تحوّلها إلى هذا الشكل .


[ 89 ] من البسيط :
1 - أأنت أم أنا هذا في إلهين * حاشاك حاشاك من إثبات اثنين 422
...............................................................................................
[ 89 ]
ديوان الحلّاج ، ص 90 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 339 ب الأبيات 1 - 4 ) .
مخطوط قازان ، ص 58 ( الأبيات 1 - 5 ) . مخطوط تيمور ، ص 43 ( الأبيات 1 ، 3 ، 4 ) . عين القضاة الهمداني : زبدة الحقائق . مخطوط باريس ، مضافة فارسية 1356 ورقة 80 أ ( الأبيات 1 - 3 ، 5 ) . البقلي : شطحيات ، مخطوط وقف شاهد على إسطنبول ، رقم 136 ( ترجمة الأبيات 1 ش 2 - 5 ، إلى الفارسية ) ، الأنقروي ( إسماعيل بن أحمد ) شرح مثنوي ، مصر 1254 هـ ، 1 / 6 ( البيتان 1 ، 5 ) . صاري ، عبد اللّه : جواهر : 4 / 102 ( الأبيات 1 - 5 ) . مجموعة فيينا المخطوطات التركية : 3 / 508 ب وورقة 13 أ ( البيتان 1 - 2 ) . 
رضا قلي هدايت : رياض العارفين ، طهران 1305 ، ص 69 ، النابلسي : هتك الأستار ، مخطوط مصر ، تصوف 281 ، ورقة 13 ( الأبيات 1 ، 2 ، 5 ) وبالنسبة للبيت الخامس وحده فقد اقتبسه عين القضاة الهمداني في رسالة شكوى الغريب ، ورقة 42 أ ، ونجم الدين الرازي في مرصاد العباد ، ورقة 64 أ ، وعلي الحريري في مجموع رسائل ابن تيمية ، ص 62 ، 82 ، ونصير الدين الطوسي في « أوصاف الأشراف » ( مخطوط ديوان الهند ، فارسيات 1809 ) باب : 5 ،

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج قافية النون شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:06 pm

القوافي في ديوان الحلّاج قافية النون شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي


2 - هويّة لك في لائيّتي أبدا * كلّي على الكلّ تلبيس بوجهين
 4233 - فأين ذاتك عنّي حيث كنت أرى * فقد تبيّن ذاتي حيث لا أيني
 4244 - وأين وجهك ؟ مقصودا بناظرتي : * في باطن القلب ، أم في ناظر العين ؟
 4255 - بيني وبينك إنّي ينازعني * فارفع بلطفك إنّي من البين
 426اللغة :
الهوية : من ضمير الغائب ( هو ) « الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق » كما في العريفات للشريف الجرجاني ، ص 229 .
لائيّتي : بمعنى فنائي ، وهي صورة الإنيّة السلبية في حال الانسلاخ من البدن حيث تتّحد لام المخلوق بألف اللّه ، سبحانه ، ولتكّون اللائية التي هي فناء ظاهري ووجود جوهري .
...............................................................................................
فصل 6 ( طبعة برلين 1306 هـ ش - 1927 م ، بخط ميرزا حسين جان سيفي ، عماد الكتاب ، ص 66 ) ، وعفيف الدين التلمساني في شرح المواقف ( مخطوط ديوان الهند بلندن ، رقم 597 ) باب الكبرياء ، والوزير رشيد الدين فضل اللّه الهمذاني في لطائف الحقائق ( باريس 2324 ) ورقة 32 أ ، وداود بن محمود القيصري في كتاب شرح فصوص الحكم ( مخطوط المكتبة الملكية بمصر ) ، ورقة 272 ب ، ومحمد بن محمود دهدار فاني في شرح خطبة البيان ( مخطوط ديوان الهند ، فارسيات 1922 ) ، ورقة 207 أو صدر الدين الشيرازي في كتابه الأسفار الأربعة ( طبع حجر بطهران ) ( 1 / 26 ، ص 17 ) ، والكموشخاني ( ضياء الدين أحمد في كتاب جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم ، مصر 1319 هـ ) ، ص 244 .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 75 - 76 ، حيث زاد في مصادر هذه القطعة كتاب الفواتح السبعة للقاضي الحسين بن معين الدين الميبدي ( مخطوط أسعد أفندي ، رقم 1611 ) ، ورقة 19 أ ، وكلمات التصوف لشهاب الدين السهروردي المقتول ( مخطوط ديوان الهند بلندن ، فارسية 1922 ) ، ورقة 26 أ ( المصراع الثاني من البيت الثالث ) ، وروضات الجنات للخوانساري : 2 / 227 ، وفي هذا الموضع أشار الخوانساري ( محمد باقر بن زين العابدين : 1226 - 1313 هـ - 1811 - 1896 م ) إلى أن بهاء الدين العاملي فقد روى البيت الأخير أيضا وزاد عليه تعليقا من عنده . وجاء البيت الأول وحده في الأسفار الأربعة للفيلسوف صدر الدين الشيرازي ( محمد بن إبراهيم ، ت 1050 هـ - 1641 م ) ، ط . طهران 1964 ، ( 1 / 116 ) : 
بالنص التالي :
أنت المنزّه عن نقص وعن شين * حاشاني حاشاني من إثبات اثنين

« 366 »
التلبيس : هو الاختلاط والاشتباه من « « التبس عليه الأمر » كما في الصحاح وهو في الاصطلاح : تجلّي الشيء بضده . 
حكي عن الواسطي - رحمه اللّه - أنه قال ؛ التلبيس عين الربوبية » معناه : أن المظهر يظهره في زيّ الكافر ، والكافر في زيّ المؤمن . 
قال تعالى :( وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ )( المائدة 6 : 9 ) » ( كما في اللمع ، ص 449 ) .
حيث لا أيني : بمعنى حيث خفي أيني أي في حال في الفناء أيضا وتجاوز الشعور بالشيئية الماديّة .
الإنّي : هنا في الإنيّة « وهي تحقّق الوجود العيني من حيث رتبة الذاتية » اتّصالا بإنّي وكذا بأنا التي منها الأنانية وهي « الحقيقة التي يضاف إليها كل شيء من العبد كقوله : « نفسي وروحي وقلبي ويدي » كما في اصطلاحات الصوفية للكاشاني ( عبد الرزاق بن جمال الدين ، ت 735 هـ / 1335 م ) تحقيق الويز سبرنجر ، كلكتا ، 1845 م ، ص 11 ، في مقابل الهو التي « هي اعتبار الذات بحسب الحضور الوجود » ( أيضا ، ص 23 ) ، في العالم الروحي دون إحساس جزئي بالوجود الفردي المتعيّن .
التحقيق :
أ - في البيت الأول : وردت « حاشاك » على « حاشاي » في أصول الدين والتصحيح من أخبار الحلّاج ، إذ الخطاب للّه تعالى وإثبات الواحد وغيره لا يكون إلا منه تعالى . 
وفي الديوان أيضا ورد الشطر الأول على : « آه أنا أم أنت هذين إلهين » ، وواضح أنّه مليء بالتصحيف والخطأ ، وروايتنا من أخبار الحلّاج ومصادره .
ب - في البيت الثاني : وردت « لا أين » بغير الضمير وأضفناه بحكم السياق .
ج - في البيت الخامس : وردت كلمة « إنّي » بفتح الهمزة في الديوان وأخبار الحلّاج والمصادر الأخرى بنقل المحققين وكذلك « بأنيّك » و « أنّي » ، وذلك خطأ إذ هذه الكلمة صارت اصطلاحا مستقلّا له وجه واحد لا يتغيّر

« 367 »
مع الأعراب وروايته على الحكاية في أهون ما ينطبق عليه العرف النحوي .
وفي الروايات الواردة عن مصادر الديوان وأخبار الحلّاج ، جاء الشطر الثاني من هذا البيت على : « فارفع بإنّيك » ، وفي الديوان « بأنّك » - إنّيّ من البين » .
ومع جرس « إنّيك » المناسب للمعنى نرجح « بلطفك » عليها لإصابتها المعنى المقصود من كون رفع الإنّية ، أو إطلاق الإنسان من وجوده المقيّد إلى وجود اللّه الحقيقي المطلق ، لا تكون إلا لطفا من اللّه - وهو في اللغة :
الرفق والبرّ ، كما في الصحاح ، وفي الاصطلاح : « ما يدعو إلى فعل الطاعة على وجه يقع اختيارها عنده أو يكون أولى أن يقع عنده » كما في المغني في أبواب التوحيد للقاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزليّ ، ت 415 هـ / 1024 م ، 
كتاب اللطف ، الجزء الثالث عشر ، تحقيق الدكتور أبو العلا عفيفي ، مصر 1382 هـ / 1962 ، ص 9 ، وهو باختصار : « التوفيق والعصمة وإزاحة لعلّة المكلّف » كما في هذا الكتاب أيضا ، ص 12 - 20 .
فرفع الإنّية لا يكون إلّا بعون من اللّه ولطف ، ولهذا فهذه الكلمة أولى من « إنّيك » و « أنّك » لأنها تخالف « الهويّة » التي هي مصطلح الوجود الإلهي مع العموم . 
وفيما عدا هذا ، وردت « بلطفك » في النص الذي جاء في « الأسفار الأربعة » لصدر الدين الشيرازي ، وجاءت على « بفضلك » في نص « أوصاف الأشراف » و « روضات الجنات » ، وعلى « بحقّك » في « مجموعة الرسائل والمسائل » لابن تيمية ، ص 62 .
د - في مناسبة قول الحلّاج لهذ المقطعة ، ذكر صاحب « أخبار الحلّاج » أنه كان يقول للناس : « ليس للمسلمين شغل أهمّ من قتلي » . وكان يقول لمن أنكر عليه هذه العبارة : « من لم يقف على إشاراتنا ، لم ترشده عباراتنا » ( ص 75 ) .
هـ - تعليقا على البيت الأخير يقول عين القضاة الهمداني الذي لقي مصير الحلّاج بوشايات كاذبة وإلى مثل ذلك يشير قوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - : « لا يزال

« 368 »
عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه . فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به » . 
والمغلوب ، في هذه الحال ، إذا سلب عنه عقله ، وتلاشى في إشراق سلطان أنوار الأزل ، لو قال :
سبحاني ما أعظم شاني ، وما يشبه ذلك - كما سبقت الإشارة إليه - لم يؤاخذ به لأن كلام العشاق يطوى ولا يروى [ وهي عبارة الغزالي ] .
كما يروى أن فاختة كان يراودها زوجها عن نفسها وهي تمتنع فقال لها : إن أطعتني وإلّا قلبت ملك سليمان ظهرا لبطن [ ! ] فبلّغت الريح كلامه إلى سليمان ، فاستدعاه وقال له في ذلك . 
فقال له : يا نبيّ اللّه ، كلام العشاق لا يحكى . فاستحسن ذلك سليمان عليه السلام » .
( شكوى الغريب ، ط . طهران 1962 ، ص 35 - 36 ) .
هـ - كان تعليق نصير الدين الطوسي ( محمد بن الحسن ، 597 - 672 هـ / 1200 - 1273 م ) على الشطر الأخير من هذه المقطعة أنّه دعاء دعا به الحلّاج « فاستجيب له حتى استطاع أن يقول : أنا الحق ، ومعناه رفع الإنّية دون الاثنينية » ( أوصاف الأشراف ، برلين 1927 م ، ص 66 ، وقد أسقط الشيخ محمد الخليلي البيت والتعليق من ترجمته لأوصاف الأشراف إلى العربية دون مبرّر علميّ معقول واحتجّ لذلك بقوله : « من هنا حذف بيت من الشعر وبعض كلمات قصيرة جدا لبعض المتصوّفة ، تركناها لرجحان عدم ذكرها ولعدم إخلالها بالمعنى إذ هي شاهد في الموضوع لا غير ! » ( أوصاف الأشراف ، النجف 1375 هـ / 1956 م ، هامش ، ص 103 ) ومعروف أن الإنسان يتصرف بما قاله هو لا بما قاله غيره والتزم بنقله من لغة إلى أخرى .
و - وكان تعليق صدر الدين الشيرازي ( محمد بن إبراهيم ، ت 1050 هـ / 1664 م ) قوله : « لا يمكن للمعلومات مشاهدته ذاته إلّا من وراء حجاب أو حجب . . . 
وهذا لا ينافي الفناء الذي أدعوه ، فإنّه إنّما يحصل بترك الالتفات إلى الذات والإقبال بكلية الذات إلى الحق ، فلا يزال هذا العالم في حجاب تعيّنه وإنّيته عن إدراك الحق : لا يرتفع ذلك الحجاب عنه ، بحيث لم يصر مانعا عن الشهود ، ولم يبق له حكم - وإن أمكن أن

« 369 »
يرتفع تعيّنه عن نظر شهوده - لكن يكون حكمه باقيا كما قال الحلّاج :بيني وبينك إنّيّ ينازعني * فارفع ، بلطفك ، إنّيّ من البين( الأسفار الأربعة ، طبع حجر ، طهران ، 1 : 26 ، وانظر أخبار الحلّاج ، هامش المحقّقين ، ص 80 ) .
ز - في تسويغ رفع الإنّية ، أو تجلّي اللّه للإنسان قال فريد الدين العطار :
« يثير عجبي قوم يسوّغون سماع « أنا اللّه » من الشجرة في غير بين ، فلماذا لا يسوّغون صدور هذه العبارة من الحسين ( بن منصور الحلّاج ) في غير بين كذلك ، وهذا مثل نطق اللّه بلسان عمر في قوله ( ص ) : « إن الحقّ لينطق على لسان عمر ، دون أن يداخل ذلك حلول ولا اتّحاد » ( تذكرة الأولياء ، 2 : 109 ، ترجمة المحقق ) . 
وقد جاءت هذه العبارة مترجمة إلى العربية في رسالة غير ذات عنوان ولا تنسب إلى مؤلف تحت فقرة عنوانها « باب في مناقب . . . الحلّاج » : « قيل : ومن العجب أنّهم يسمعون كلام اللّه تعالى ( 20 : 14 ) من الشجرة : إنّي أإنا اللّه لا إله إلا أنا ، ويقولون : قال اللّه تعالى كذا ولا ينسبونه إلى الشجرة وإنّهم يسمعون من شجرة وجود ابن منصور « أنا الحق » ويقولون : قال ابن منصور كذا ولا يقولون ؛ إنّ اللّه قال بلسان الحلّاج ، كما روى أنّ اللّه تعالى تكلم بلسان عمر - رضي اللّه عنه - ولا حلول ولا اتّحاد » ( الطواسين ، ص . . من المقدمة ) .
وفي جامع الأنوار للبندنيجي ( عيسى صفاء الدين ، ت 1283 هـ / 1866 - 7 م ) أورد هذا المصنف ترجمة أخرى لهذه العبارة في قوله : « قال الشيخ فريد العطار في الكتاب المذكور : إنّ ما ظهر من الشجرة في الوادي الأيمن من مكة : إني أنا اللّه رب العالمين إذا ظهر من شجرة وجود الحسين لا يقتضي أن ينسب إلى الإلحاد أو دعوى الحلول والاتحاد » ( ص 348 ) ومن النصين يتبين مقدار التصرّف في عبارة العطار وإن كان المعنى مفهوما .
وقد طارت شهرة عبارة العطار هذه في الحلّاج حتى صبّت في قالب

« 370 »
شعري بالفارسية من نظم بهاء الدين العاملي ( محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي ، ت 1031 هـ / 1622 م ) :روا باشد « أنا الحق » أز درختي * چرا نبود روا أز نيك بختي( رياض العارفين لرضا قلي هدايت : بن محمد هادي الطبري ، 1218 - 1288 هـ / 1803 - 1872 م ) طهران 1316 ش / 1937 م ، ص 108 ، وانظر أيضا جامع الأنوار للبندنيجي دون نسبة ومع تغيير « روا » إلى مرادفها « سزا » ، ص 348 .
وقد ترجم البندنيجي هذا البيت إلى العربية بقوله :صحّت « إنّي أنا اللّه » العزيز من الشجر * لم لا تصحّ من النبيل من البشروترجمة البيت الحرفية هي : لقد ساغت « أنا الحق » من شجرة فكيف لا تسوغ من حسن الطالع » ، والإشارة إلى قوله تعالى مخاطبا موسى ( ع ) في جبل طور :( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي )( طه 20 : 14 ) ، فإذا صلحت الشجرة واسطة لنطق اللّه فما أولى الإنسان بذلك وهو أشرف المخلوقات - في رأي الصوفية من أصحاب وحدة الوجود على الأقل .
ح - معنى القطعة واضح ، والزيادة في شرحها نافلة .


[ 90 ] من البسيط :
1 - حمّلتم القلب ما لا يحمل البدن * والقلب يحمل ما لا تحمل البدن
 4272 - يا ليتني كنت أدنى من يلوذ بكم * عينا لأنظركم أو ليتني أذن 428
...............................................................................................
[ 90 ]
الديوان ، ص 97 - 98 عن : حقائق التفسير للسلمي ( تفسير 33 : 72 ) ( الأحزاب :إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ، إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا ).

« 371 »
التحقيق :
أ - في البيت الأول : اختار ماسينيون « حمّلت بالقلب » على ما أثبتناه مع قيام هذا برواية المخطوط ، وذلك غريب حقا ولعلّه من خطأ الطبع .
ب - ذكر ماسينيون في تعليقه على هذه المقطّعة أن كلمة « بدن » جاءت في شعر نصيب بن رباح ( ت 108 هـ / 726 م ) : وذلك في قوله :
حلفت بمن حجّت قريش لبيته * وأهدت له بدنا عليها القلائد
( الأغاني دار الكتب ، 1 / 372 ، وانظر شعر نصيب بن رباح : جمع وتقديم الدكتور داود سلّوم ، بغداد 1968 م ، ص 76 ) وهي صلة عرضية ليست بذات قيمة ولا تغني شيئا . 
وكان بإمكان ماسينيون الاستشهاد بشيء أقرب إلى المعنى - لا لفظ البدن - وذلك في قول شاعر قديم :
يجدد أحزانا لنا كل هالك ... ونسرع نسيانا ولم يأتنا أمن
فإنا، ولا كفران لله ربنا ... لكالبدن ما تدري متى يومها البدن 
( البيان والتبيين للجاحظ ، تحقيق حسن السندوبي ، مصر 1366 هـ / 1947 م ، 3 : 164 ) وفات ماسينيون أن يشير إلى شعر لنصيب فيه معنى هذه المقطّعة ، وذلك قوله :
أتصبر عن سعدى وأنت صبور * وأنت بحسن الصبر منك جدير ؟
وكدت - ولم أخلق من الطير - إن بدا * سنى بارق - نحو الحجاز أطير
( الأغاني ، 1 : 364 ، شعر نصيب ، ص 91 ) .
ج - في معنى التمنّي ، الذي يرد في هذه المقطّعة ، يحسن أن نسجّل قول القائل :
شوقي إليك مجاوز وصفي . . . وظهور وجدي فوق ما أخفي
يا ليت جسمي كله حدق  .  . .  حتى تراك وليتها تكفي
ما دار ذكر منك في خلدي  . . . إلا طرفت بدمعتي طرفي

« 372 »
( مشارق أنوار القلوب لابن الدبّاغ ، ص 29 )
د - يلوح لنا أنّ هذه المقطّعة من إنشاء الحلّاج لا نظمه ، إذ ليس في طاقته أن يضمّن شعره هذا المستوى العالي من التعبير الفنّي ، وكدنا نحولها إلى القسم الذي يجمع الأشعار التي نسبت إليه لولا أن أبا عبد الرحمن السلمي نسبها إليه . لكنّا سنبحث في المظان على أمل معرفة قائلها .


[ 91 ] من الطويل :
1 - رقيبان منّي شاهدان لحبّه * وانان منّي شاهدان تراني
 4292 - فما جال في سرّي لغيرك خاطر * ولا قال - إلّا في هواك – لساني
 4303 - فإن رمت شرقا أنت في الشرق شرقه * وإن رمت غربا أنت نصب عياني
 4314 - وإن رمت فوقا أنت في الفوق فوقه * وإن رمت تحتا أنت كلّ مكان
 4325 - وأنت محلّ الكل بل « لا محلّة » * وأنت بكلّ الكلّ ليس بفان
 4336 - بقلبي وروحي والضمير وخاطري * وترداد أنفاسي وعقد لساني
 434التحقيق :
أ - في البيت الأول : يبدو تصحيف ظاهر في الشطر الثاني .
ب - في البيت السادس : « بقلبي » وردت في الأصل على « فقلبي » وبما أثبتناه يتبيّن المعنى ولا ينقطع .
ج - ذكر ماسينيون أن قطعة شبيهة بهذه ترد في كتاب الزهرة ( الفصل 19 ، ص 206 ) .
د - ولاحظ الزميل الكريم الدكتور ويلر ثاكستون من جامعة هارفارد الأمريكية أن « رمت » ، في البيتين الثالث والرابع ، تحتمل كسر الراء لتعني « تحرّكت » وهو خاطر وارد - وإن كان الفعلان يتصلان بالحركة .
...............................................................................................
[ 91 ]
الديوان ، ص 99 - 100 عن ابن الجوزي : نرجس القلوب ( مخطوط ) .

« 373 »
هـ - قال أعشى ميمون ، في ما يتصل بالفعل رام يريم ، هنا :
تَقول ابْنَتي حِين جد الرحيل أرانا سَوَاء وَمن قد يتم
أَبَانَا فَلَا رمت من عندنَا ... فَإنَّا بخيرٍ إِذا لم ترم 
وَيَا أبتا لَا تزل عندنَا ... فَإنَّا نَخَاف بِأَن نحترم 
أرانا إِذا أضمرتك البلا ... د نجفى وَيقطع منا الرَّحِم 
( خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي ، 2 / 858 )
ورام : بمعنى برح ، ولا تزل : بمعنى لا تتركنا .


[ 92 ] من الطويل :
1 - بيان بيان الحقّ أنت بيانه * وكلّ بيان أنت منه لسانه
 4351 - أشرت إلى حقّ بحقّ ، وكل من * أشار إلى حقّ فأنت أمانه 
4363 - تشير بحق الحق والحقّ ناطق * وكلّ لسان قد أتاك أوانه
 4374 - إذا كان نعت الحقّ للحقّ بيّنا * فما باله في الناس يخفى مكانه 438
 
[ 93 ] من مخلّع البسيط :
1 - خاطبني الحقّ من جناني * فكان علمي على لساني
 4392 - قرّبني منه بعد بعّد * وخصّني اللّه واصطفاني 440
...............................................................................................
[ 92 ]
الديوان ، ص 98 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 82 ، مخطوط لندن ، ورقة 326 ب ، مخطوط تيمور ، ص 10 ، البقلي : شطحيات ، مخطوط شاهد علي ، ص 126 ( البيتان الثاني والثالث ) ( والمطبوع خلو منهما ) .
[ 93 ]
الديوان ، ص 95 عن الطواسين : 3 / 12 ، ( ص 24 ، ترجمة البقلي إلى الفارسية ) ، صاري عبد اللّه : جواهر 5 / 120 ، الحريفيش المكي : الروض الفائق ص 233 .
وانظر : الروض الفائق نفسه ، ط . مصر 1316 هـ ، ص 209 ( للمقطعة كلها مع ورود ، « الحب » بدل « الحق » في البيت الأول ) .

« 374 »
3 - أجبت لما دعيت طوعا * ملبّيا للذي دعاني
 4414 - وخفت مما جنيت قدما * فوقّع الحبّ بالأماني


 442اللغة :
الحبّ : المحبوب
وقعّ بالأمان : كتب بخطّه في الرقعة المرفوعة إليه أن يترك ملتمس الأمان حرّا ولا يطلب .
الشرح :
تتحدث المقطعة عن إنسان مغضوب عليه لأفعال سيئة اقترفها لكنه حظي بالعفو بعد التوبة والإصلاح وبشّر به إلهاما وأمر بالتقرّب والعودة إلى مكانته الأولى . 
ومع الفرح الطاغي الذي قاد خطى هذا التائب إلى تقريبه من جديد خشي أن تكون ذنوبه السابقة مدعاة لرضا ناقص فقدم استرحاما في رقعة رفعت إلى السدّة استجلابا لاطمئنان القلب فكان أن عاد الاسترحام مقترنا بالعفو والحكم بالأمان من الغضب والطلب . 
وواضح أن الأسلوب الذي اتبع في هذه القطعة مزيج من التجريد الصوفي والاستعارة الأدبية ، ومعناها واضح فيما نرجو ونأمل .


[ 94 ]من الوافر :
1 - ألا أبلغ أحبّائي بأنّي * ركبت البحر وانكسر السفينة
 4432 - على دين الصليب يكون موتي * ولا البطحا أريد ولا المدينة 444
...............................................................................................
[ 94 ]
الديوان ، ص 91 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 60 ) ، مخطوط تيمور ، ص 44 ، حميد الدين الناكوري ( ت 643 هـ - 1236 م ) ، طوالع الشموس ، مخطوط كلكتا ، رقم 126 .E، فارسية 1183 ، ورقة 211 ( البيت الأول ) . المرسي ( انظر لطائف المنن للشعراني : 2 / 84 ) ( البيت الثاني ) .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 81 - 82 .

« 375 »


التحقيق :
أ - في البيت الأول : السفينة مؤنث مجازي ولهذا يسوغ حذف التاء من الفعل قبله .
ب - في البيت الثاني : جاءت « على دين الصليب » في أخبار الحلّاج على « ففي دين الصليب » وما في الديوان أولى على المعنى المألوف .
ج - جاء في أخبار الحلّاج أن الحسين بن حمدان لما سمع الحلّاج ينشد هذين البيتين في سوق بغداد، تبعه وجعل يحكي قصة يقول فيها:
« فلما دخل داره كبّر يصلّي ، فقرأ « الفاتحة والشعراء » إلى « الروم » . فلما بلغ إلى قوله تعالى :وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ- الآية - كرّرها وبكى . 
وفلما سلّم ، قلت : يا شيخ ، تكلّمت في السوق بكلمة من الكفر ثم أقمت القيامة ههنا في الصلاة ، فما قصدك ؟ قال : أن تقتل هذه الملعونة ، وأشار إلى نفسه . 
فقلت : يجوز إغراء الناس على الباطل ؟ قال : لا ، ولكنّي أغريهم على الحقّ ، لأنّ عندي قتل هذه من الواجبات ، وهم إذا تعصّبوا لدينهم ، يؤجرون » ، ص 82 .
د - في هامش أخبار الحلّاج نقل ماسينيون وبول كراوس نصّا من لطائف المنن للشعراني ( ط مصر 1321 ، 2 : 84 ) روى فيه المصنف عن أبي العباس المرسي ( ت 686 هـ / 1287 م ) أنه كان يقول : « أكره من الفقهاء خصلتين : قولهم بكفر الحلّاج وقولهم بموت الخضر عليه الصلاة والسلام .
أما الحلّاج فلم يثبت عنه ما يوجب القتل ، وما نقل عنه يصحّ تأويله نحو قوله : على دين الصليب يكون موتي ، ومراده أنه يموت على دين نفسه ، فإنّه هو الصليب وكأنه قال : « أنا أموت على دين الإسلام وأشار إلى أنّه يموت مصلوبا » .
هـ - المراد بالبيتين ، فوق ما ذكره أبو العباس المرسي ، أن موت الحلّاج يكون على نسق نهاية المسيح بالصلب قربة إلى اللّه وضربا بالمثل للبشر وتثبيتا للعقيدة ، أما قوله : « ولا البطحا أريد ولا المدينة » فيمكن تأويله

« 376 »
بسهولة . والخلاصة أن الحلّاج أراد أن يكون مسيح الصوفية في الفداء والتضحية ليثبّت له مشربهم وقد كان .


[ 95 ] من البسيط :
1 - هل من نديم أخي وردّ أطارحه * يكاد من لطف معناه يمازجني
 4452 - إذا أشرت إلى معنى أقرّ به * ذوقا فيفهمه مني ويفهمني
 4463 - أصبحت ألطف من مرّ النسيم سرى * على الرياض فكاد الوهم يؤلمني
 4474 - من كل معنى لطيف أجتني قدحا * وكلّ ناطقة في الكون تطربني
 448التحقيق :
المقطعة تتضمن روحا صوفية حلاجية ، وربما كانت منسوبة إلى الحلّاج ، ونترك أمر نفيها أو إثباتها للباحثين الآتين :


[ 96 ]من مجزوء الرجز ( 20 ) :
1 - طوبى لطرف فازمن * ك بنظرة أو نظرتين
 4492 - ورأى جمالك كل يو * م مرّة أو مرتين
 4503 - يا زين كلّ ملاحة * حوشيت من عيب وشين
 4514 - أنت المقدّم في الجما * ل ، فأين مثلك ؟ أين أين ؟


 452النص :
في البيت الثالث : « حوشيت » جاءت في الأصل على « حواشيك » وما أثبتناه أنسب للموضع .
...............................................................................................
[ 95 ]
نزهة الأبصار في محاسن الأشعار للعنّابي ، ص 146 .
[ 96 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 333 أ .

« 377 »
التحقيق :
أ - هذه المقطعة ترد ضمن حكاية الشبلي لمصرع الحلّاج .
ب - قال الحلّاج هذه المقطعة - فيما تقص الحكاية - بمحضر من الشبلي أثناء القتل على فترتين ، الأول : قال فيها البيت الأول ثم « غاب عن خطاب الشبلي ساعة وسكت ثم تكلم وقال » [ البقية ] .
ج - جاء في ختام القصة أن الحلّاج توجه بهذا الشعر إلى الشبلي نفسه وأنه . « كان خطابه للشبلي على سبيل المدح » ، الأدب الصوفي للحلواني ( أحمد عبد المنعم عبد السلام ، معاصر ) ط مصر 1949 ، ص 390 [ دون نسبة ] ( البيتان الأولان ) .
وجاءت المقطعة كلها في مشارق أنوار القلوب للدباغ ، ( ص 87 - 88 ) دون نسبة أيضا .


[ 97 ] من مخلّع البسيط :
1 - مواصلي بالوصال صلني * وصل وصالا بلا تجنّ
 4532 - زعمت أنيّ فنيت عنيّ * فكيف لي بالدنوّ منّي
 4543 - إذا دنا منك لي فؤادي * فلا تسلني وسله عنّي
 4554 - سؤال مستيقظ حفيظ * الحق أعني وأنت تعني
 4565 - مواصلي بالصدود لمّا * بحقّ حقّ الصّدود صلني
 4576 - ولا تمتني بكرب صدّ * فبعض ضرب الصّدود يضني
 4587 - عجبت أنّي أموت شوقا * وأنت - يا سيّدي - تعدني [ كذا ] 459
...............................................................................................
[ 97 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 328 أ .

« 378 »
النص :
في البيت الأول :
أ - جاءت « مواصلي » على « يا مصلى » ولا تستقيم ، وقد ذكر الزمخشري في أساس البلاغة قوله وصيل تكون لمواصلة الذي لا يكاد يفارقه » ( ص 1025 ) . 
وفي استعمال مواصل قال ابن حزم في طوق الحمامة ، ط مصر 1959 ( ص 51 ) في الرقيب الفضولي :
مواصل لا يغب قصداً ... اعظم بهذا الوصال غما 
صار وصرنا لفرط ما لا ... يزول كالإسم والمسمى
ونقل محمد بن داود الأصفهاني عن شاعر إسلامي قوله :
فصل المواصل ما صفا لك ودّه * وأصرم حبال الخائن المتبدّل
( غير أنه صحف كلمتنا على الموصل ! انظر الزهرة الجزء الأول ، ص 152 ) 
ب - وجاءت « بالوصال » على « بالوصل » وبما أثبتناه يستقر الوزن .
في البيت الثالث : جاءت « منك لي » معكوسة فأقمناها ليستقر بها الوزن .
في البيت الرابع : جاء الشطر الثاني هكذا ، وفيه تصحيف لم نتبين حاقه . 
وفي الشطر الثاني ربما كانت « مستيقن » جديرة بمكان « مستيقظ » .
وفي البيت الخامس : « لما » تعد حرف استثناء « فتدخل على الجملة الإسمية نحو( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ )[ 86 الطارق 4 ] في من شدد الميم ، وعلى الماضي لفظا لا معنى ، نحو : أنشدك اللّه لمّا فعلت ، أي بما أسألك إلا فعلت . . . كما في مغنى اللبيب لابن هشام : أبي محمد عبد اللّه بن يوسف الأنصاري . ت 761 هـ / 1360 م ، مطبعة مصطفى محمد ، القاهرة 1356 هـ / 1937 م ، 1 / 220 . 
فالمعنى يستقيم بلمّا على هذا الأساس لتكون أداة للتوسل وإن كان صديقنا الكبير الأستاذ مكي السيد جاسم يرى قراءتها على « لمّا » بالتنوين بمعنى ( كثيرا ) .

« 379 »
في البيت السادس : جاءت « بكرب صد » في الأصل على « بكرب وصد » وهي جارية مع تسلسل المقطعة ، وكذا جاءت « كرب الصدود » على « ضرب الوجود » وهو مخالف للسياق وبما أثبتناه يقوم المعنى .
في البيت السابع : واضح أن في « تعدني » المجزومة خطا نحويا لكنها جاءت هكذا فأثبتناها على أمل تصحيحها وان كانت مما يسمح به الشعر في الضرورات .
ملاحظة : جاءت هذه المقطعة ضمن الروايات التي نسبت إلى الشبلي .


[ 98 ] من الخفيف :
يا معين الضنا على جسدي * على الضنا يا معين أعني
 460النص :
الشطر الثاني مختل الوزن بعلى وهكذا جاء البيت .التحقيق :
هذا البيت يذكر بقول الحلّاج :
يا معين الضنّا علي * ي أعنّي على الضنا  ( الديوان بتحقيقنا ص 17 ) .


[ 99 ] من مجزوء الرمل :
1 - يا حبيبي أنت سؤلي * قد تراني في مكاني
 4612 - نورك المبصر حقّا * لعياني لعياني 462
...............................................................................................
[ 98 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 327 أ .
[ 99 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 329 أ .

« 380 »
3 - وتحققتك فاصنع * كلّ ما شئت بشاني
 4634 - أنا في الحب قتيل * ومع الأحباب فان
 464النص :
في البيت الأول : جاءت « سؤلي » على « سؤالي » وما أثبتناه مناسب .
وجاءت مكاني على « كل مكان » ومعها يضيق الشطر بما فيه .
في البيت الثاني : جاءت « المبصر » مصحفة تحتل « المبهى » وفيها خطأ لغوي وقد تحتمل « المبهر » لكنها خطأ أيضا . 
وقد حملنا على إثبات « المبصر » الفعل « تراني » الذي ورد في البيت الأول . 
وكأنّ الحلّاج يريد أن يقول : إنك تستطيع أن تنفذ إلى أعماقي بنورك فتدرك ما يملأ نفسي من حبك .
التحقيق :
هذه المقطعة من حكاية الشبلي لقتل الحلّاج .


[ 100 ]من الوافر :1
 - قلوب العاشقين لها عيون * ترى ما لا يراه الناظرونا 465
................................................................................................
[ 100 ]
ديوان الحلّاج ، ص 115 ( الأبيات 1 - 3 ، 5 ، 6 ) عن : ابن عجيبة : إعجاز البيان ، ص 82 ( بيتان ) ، 313 الباقي منسوب لسهل بن عبد اللّه التستري في الحلية لأبي نعيم ( الحق أن ما في الحلية هو المطلع فقط وليس منسوبا إلى سهل وإنما كان من إنشاده ) « الحلية : 10 / 200 » ، ألف ليلة وليلة : 2 / 211 ( مطبعة محمد علي صبيح ) ، بلا تاريخ ، الليلة 367 ، 2 / 239 ، البيت الأول فقط .
وانظر أيضا : تقييد . . . ( الأبيات 1 - 3 ، 5 ، 6 ) ورقة 328 أو بالنسبة للأبيات ( 1 - 4 ) ، نشأة التصوف الإسلامي للدكتور إبراهيم بسيوني ، ص 132 - 133 ، عقلاء المجانين للنيسابوري ، للأبيات ( 1 - 4 ، 7 ) روض الرياحين لليافعي ، ص 268 ( دون نسبة ) . وللأبيات ( 1 ، 3 ، 2 ، 4 ، 7 ) مع زيادة ثمانية أبيات أجنبية ، سفينة النجاة المرضية في أناشيد السادة الشاذلية لمحمود نسيم ، ص 201 - 2 . وللأبيات ( 1 -

« 381 »
2 - وألسنة بأسرار تناجي * تغيب عن الكرام الكاتبينا
4663 - وأجنحة تطير بغير ريش * إلى ملكوت ربّ العالمينا 
4674 - وترتع في رياض القدس طورا * وتشرب من بحار العارفينا
4685 - فأورثنا الشراب علوم غيب * تشفّ على علوم الأقدمينا 
4696 - شواهدنا عليها ناطقات * تبطّل كل دعوى المدّعينا 
4707 - عباد أخلصوا في السرّ حتى * دنوا منه وصاروا واصلينا
 471التحقيق :
أ - واضح أن البيتين الرابع والسابع ، اللذين زدناهما على المقطعة من روض الرياحين لليافعين ، ملآ فراغا واضحا يناسبهما ، وكونهما من أصل المقطّعة راجح عندنا .
ب - في البيت الأول : جاءت « العاشقين » في عقلاء المجانين للنيسابوري ، ط . دمشق 1924 م ، وسفينة النجاة المرضيّة لمحمود نسيم ، ص 201 ) ، على « العارفين » وما أثبتناه ، بنص المصادر الأخرى ، أنسب لورود « العارفين » في قافية البيت الرابع بوصفهم أعلى منزلة من العاشقين .
وورد الشطر الثاني في إيقاظ الهمم على «ترى ما لا يرى للناظرينا» وما أثبتناه مجمع عليه في الأصول كلها فوق مناسبته لموضعه .
ج - في البيت الثالث جاء الشطر الثاني منه على « فتأوي عند ربّ العالمينا » وذلك في روض الرياحين ، وقد فضّلنا الروايات الأخرى .
د - في البيت الرابع : وردت « ترتع » في الأصول على « وترعى » واخترنا الأولى من سفينة النجاة المرضية وجاء البيت كله في نشأة التصوف هكذا :
فتسقيها شراب الصدق صرفا * وتشرب من كؤوس العارفينا
...............................................................................................
4 ، 5 ) نشر المحاسن الغالية لليافعي أيضا ( ص 77 ) ، لكنه نسب البيت الأول إلى الحلّاج صراحة في إيقاظ الهمم : 2 / 179 . وفي المخلاة المنسوب إلى بهاء الدين العاملي جاء البيت الأول فقط دون نسبة ، مصر 1377 هـ / 1957 م ، ص 327 ، وجاء البيت نفسه في إعلام الناس للاتليدي ، ص 119 ، والبيتان الأولان فيه أيضا ، ص 114 .

« 382 »
هـ - في البيت الأخير : وردت عبارة « أخلصوا في السرّ » على « قاصدوا بالسرّ » في الأصول ، والتصحيح من سفينة النجاة المرضية أيضا ، وجاءت « واصلينا » في روض الرياحين على « واسلينا » ! .
و - كانت القافية في الديوان بالنون المفتوحة والممدودة أصوب ، وقد وردت كذلك في عقلاء المجانين للنيسابوري وإيقاظ الهمم . ومع أنها وردت مفتوحة في سفينة النجاة المرضيّة ، مع إضافة أبيات نذكرها بعد ، إلّا أنّ المحرّر اضطر إلى العدول عن الفتح إلى المدّ . 
في هذا البيت ( الحادي عشر ) : ولكن لفظة الإخلاص حقّا * تروّحهم وتحييهم يقينا 
فدلّ ذلك على رجحان المدّ .
ز - أعجبت هذه المقطّعة ابن عجيبة فذيّلها ببيتين قال فيهما - بعد روايته البيت الثالث .
وأفئدة تهيم بعشق وجد * إلى جبروت ذي حقّ يقينا
فإن تردن فباكر ذي المعاني * فبذل الروح منك يقلّ فينا
وليسا من مستوى الأصل .
ح - جاءت هذه المقطّعة في سفينة النجاة المرضية مزيدة ثمانية أبيات على الأبيات ( 1 ، 3 ، 4 ، 5 ، 7 ) من هذه المقطّعة .
فجاء ، بعد الأربعة الأبيات الأولى ما يلي :
وتفنى في الهويّة والتداني * إلى حقّ الحقيقة واصلين
لهم لهح بذكر اللّه دوما * فلا يلقون إلّا ذاكرين
وغابوا عن نفوسهم وعنهم * وعن زوجاتهم وعن البنين
وجاء بعد البيت السابع من المتن ما يلي :
إذا قال النقيب لهم : هلمّوا * إلى الذكر أتوه مسرعين
وإن قال لهم : اللّه اللّه * تراهم راكعين وساجدين

« 283 »
الماضي ، برأيه فقال : « أي جحدت عظيم النعمة وكمال الفضل حيث قابلت ذلك بفعلي شكرا له مع حقارته » ( يعني حقارة فعله هو ) ( أيضا ، ص 105 ) .
يب - في هذه المناسبة ينبغي أن نورد أبيات عبد اللّه الأنصاري الهروي صاحب منازل السائرين ( ت 481 هـ / 1109 م ) التي استمدّها من مقطّعة الحلّاج هذه ويعقب عليه بشرحها وبخاصّة ما يتّصل بلفظ الجحود المشترك بين المقطّعتين ليتبيّن مقصد الحلّاج من إيرادها .
قال عبد اللّه الأنصاري :
ما وحّد الواحد من واحد * إذ كلّ من وحّده جاحد
توحيد من ينطق عن نعمته * تثنية أبطلها الواحد
توحيده إيّاه توحيده * ونعت من ينعته لاحد
( روضة التعريف ، ص 498 ، وترد القطعة في آخر منازل السائرين ، انظر شرحي اللخمي والفركاوي ) .
في روضة التعريف جاء هذا التعليق الشارح :
« كثر كلام الفضلاء في هذه الأبيات لإطلاق القول بجحود كل من وحّد وإلحاد كل من نعت . وسئل بعض المعاصرين عن ذلك فوقّع على ظهر السؤال ما نصّه : وقد استشكل الناس إطلاق لفظ الجحود على كل من وحّد الواحد ، والإلحاد على كل من نعته ووصفه واستبشعوا هذه الأبيات وحملوا على قائلها واستقبحوه . 
وتقريب تحريره ، على رأي هذه الطائفة ، إنهم يقولون : إنّ معنى التوحيد هو انتفاء عين الحدوث بثبوت عين القدم ، وأنّ الوجود كله حقيقة واحدة وآنية ( إنّية ) واحدة . . . 
قالوا : فمن وحّد ونعت فقد عيّن قضية ثلاثية : من موحّد محدث هو نفسه ، وموحّد قديم هو معبوده ، وتوحيد حديث هو فعل نفسه .
وقد تقدم أن التوحيد انتفاء عين الحدوث ، وعين الحدوث الآن ثابت متعدّد والتوحيد مجحود والدعوى كاذبة ، كمن يقول لغيره - وهما في بيت واحد - : ليس في البيت غيرك ، فيجيبه الآخر : إنّما يصحّ ذلك إذا عدمت

« 384 »
وسبق السرّاج إلى التعريف بالذهاب فقال : « والذهاب : بمعنى الغيبة ، إلّا أنّ الذهاب أتمّ من الغيبة ، وهو ذهاب القلب عن حسّ الموجودات بمشاهدة ما شاهد ثم يذهب عن ذهابه . 
والذهاب عن الذهاب ، هذا ، ما لا نهاية له » . وختم السرّاج هذا الإيضاح بنقله نصّا للجنيد البغدادي ، في شرح عبارة لأبي يزيد البسطامي نصّها « ليس بليس » فقال : « هو ذهاب ذلك كلّه عنه وذهابه عن ذهابه ، 
وهو معنى قوله : ليس في ليس ( كذا ) ، يعني قد غابت المحاضر وتلفت الأشياء ، فليس يوجد شيء ولا يحسّ ، وهو الذي يسميه قوم : الفناء والفناء عن الفناء وفقد الفقد في الفقد ، فهو الذهول عن الذهاب » ( اللمع ، ص 423 ) .
يا - في حلية الأولياء أن يوسف بن الحسين ، شيخ الريّ والجبال في وقته ( ت 304 هـ / 916 - 17 م ) روى عن سهل بن عبد اللّه التستري ( ت 283 هـ / 896 ) أنه سئل : « أيّ شيء أشقّ على إبليس ؟ قال : إشارات قلوب العارفين ، وأنشد :
قلوب العارفين لها عيون * ترى ما لا يراه الناظرونا
وهذا - إن صح - يعني تقدّم هذه الأبيات على الحلّاج وانقطاع نسبتها عنه ، لكننا ندمجها مع أشعار الحلّاج احتراما لرأي شيخنا ابن العربي الحاتمي الطائي وإن كان في النفس منها شيء !
يب - دخل معنى هذه المقطعة في الأمثال العربية على صورة المثل :
« في بعض القلوب عيون » كما في مجمع الأمثال للميداني ( أحمد بن محمد النيسابوري ، ت 518 هـ / 1124 م ) ، ط . مصر 1952 م 2 / 97 .
يج - أعجبت هذه المعاني الصوفية صفي الدين الحلي ( عبد العزيز بن سرايا الطائي ، ت 752 هـ / 1351 م ) شاعر العربية في القرن الثامن الهجري [ - الرابع عشر الميلادي ] فضمّنها قسم النون من مطوّلته الأرتقيّة الموسومة ب - « درر النحور في امتداح الملك المنصور [ - نجم الدين أبي الفتح غازي بن المظفّر قرا أرسلان الأرتقي ، صاحب ماردين ، ت 712 هـ / 1312 م ] ، ومنها قوله :

« 385 »
نعم لقلوب العاشقين عيون، . . . يبين لها ما لا يكاد يبين
نظرنا بها ما كان قبل من الهوى ، . . . فدل على ما بعدها سيكون
نهانا النهى عنها، فلجت قلوبنا، . . . فقلنا: اقدمي! إن الجنون فنون
نغض ونعفو للغرام، إذا جنى ،. . . ويقسو علينا حكمه، فنلين
نرد حدود المرهفات كليلة ، . . . وتفتك فينا أعين وجفون
نهون في سبل الغرام نفوسنا، . . . وما عادة ، قبل الغرام، تهون. . . إلخ 
( انظر : ديوانه ، بطبع مطبعة الآداب ، بيروت 1892 ، ص 490 - 528 ، وخصوصا ص 521 ) .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:07 pm

القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية الهاء
[ 101 ] من البسيط :
1 - ارجع إلى اللّه ، إنّ الغاية اللّه * فلا إله - إذا بالغت - إلّا هو
 4722 - وإنّه لمع الخلق الذين لهم * في الميم والعين والتقديس معناه
 4733 - معناه في شفتي من حلّ منعقدا * عن التهجّي إلى خلق به فاهوا
 4744 - فإن تشكّ ، فدبّر قول صاحبكم * حتى يقول بنفي الشك - هذا هو
 4755 - فالميم يفتح أعلاه وأسفله * والعين يفتح أقصاه وأدناه
 476التحقيق :
أ - ذكر في معرض قول الحلّاج لهذه القطعة أن إبراهيم بن سمعان قال : « رأيت الحلّاج في جامع المنصور - وكان في تكّتي ديناران شددتهما لغير طاعة اللّه - فسأل سائل ، 
فقال الحسين : يا إبراهيم تصدّق عليه بما شددت في تكتّك ! فتحيّرت . 
فقال : لا تتحيّر ، التصدّق بهما خير مما نويت .
فقلت : يا شيخ ، هذا من أين ؟ 
فقال : كل قلب تخلّى عن غير اللّه يرى في الغيب مكنونه وفي السرّ مضمونه . 
فقلت له : أفدني بكلمة . 
فقال : من طلب اللّه عن الميم والعين وجده ، ومن طلبه بين الألف والنون في حرف الإضافة فقده . 
...............................................................................................
[ 101 ]
الديوان ص 101 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 54 ) ، مخطوط لندن ، ورقة 339 أ ، مخطوط السليمانية ، ص 13 ، مخطوط تيمور ، ص 40 .
انظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 71 - 72 .

« 387 »
فإنّه تقدّس عن مشكلات الظنون وتعالى عن الخواطر ذوات الفنون ، ثم أنشأ يقول » ( الأبيات ) ، ( أخبار الحلّاج ، ص 71 ) .
ب - نرجح أن يكون المراد بالميم والعين كلمة « مع » إشارة إلى المعية مع اللّه ونظرا إلى قوله تعالى :( . . . ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا . . . )( المجادلة 58 : 7 ) 
على أن يقترن ذلك بالتقديس له تعالى والتسليم إليه والتوكّل عليه . 
وأما الألف والنون في حرف الإضافة ، في الخبر ، فالظاهر أن المقصود بهما الرمز إلى كلمة « الأين » التي تكشف عن البحث عن اللّه بروح الشك والانفصال كما فعل موسى ( ع ) في قوله : « أرني انظر إليك معتمدا » على حوله وقوته ، على طريقة الصوفية وذلك معنى مألوف عند الصوفية وخصوصا الحلّاج في هذا الديوان .

« 388 »
قافية الواو
[ 102 ]من السريع :
1 - من رامه بالعقل مسترشدا * أسرحه في حيرة يلهو
4772 - قد شاب بالتدليس أسراره * يقول في حيرته : هل هو

478التحقيق :
أ - مرّ بنا أن « التلبيس » تجلّي الشيء بنعت ضدّه ، وللقنّاد في هذا المعنى :
بنا يكشف التلبيس في كلّ ماكر * إذا طاح في الدعوى وطاح انتحاله
( اللمع ، ص 449 ، ولعل « طاح » الثانية « طال » ) .
ب - في هذه القطعة تهوين من المباحث العقلية ووصفها بالحيرة والتدليس والضياع ، فحجّة الصوفية في ذلك قولهم : « أخذتم علمكم ميّتا عن ميّت وأخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت » .
ج - قال الكلاباذي - في معرض إيراده هذين البيتين في باب « قولهم
...............................................................................................
[ 102 ]
الديوان ، ص 102 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 72 ، الأول ش 1 ) ، مخطوط لندن ، ورقة 327 ب ، الكلاباذي : التعرف ، ص 37 ، الجامي : نقد النصوص في شرح نقش الفصوص ، مخطوط باريس ، مضافات فارسية 1091 ، ورقة 110 ب . وانظر أيضا : أخبار الحلّاج : ص 93 .

« 389 »
في معرفة اللّه تعالى » - : « أجمعوا على أنّ الدليل على اللّه هو اللّه وحده ، وسبيل العقل عندهم أن العاقل سبيل في حاجته إلى الدليل لأنّه محدث والمحدث لا يدل إلّا على مثله . 
وقال رجل للنوري : ما الدليل على اللّه ؟
قال : اللّه . قال : فما العقل ؟ قال : العقل عاجز والعاجز لا يدلّ إلّا على عاجز مثله . 
وقال ابن عطاء : العقل آلة للعبودية لا للإشراف على الربوبية ، وقال غيره : العقل يحول (ولعلها يجول أو يحوم) حول الكون ، فإذا نظر إلى المكوّن ذاب. . .» ( التعرّف ، ص 37 ) .
د - في معرض المناسبة التي قيلت فيها هذه المقطّعة ، جاء في أخبار الحلّاج أنّ إبراهيم بن محمد بن النهرواني قال : « رأيت الحلّاج في جامع نهروان في زاوية يصلي ، وختم القرآن في ركعتين ! فلما أصبح سلّمت عليه وقلت : يا شيخ ، أفدني بكلمة من التوحيد ، فقال : اعلم أنّ العبد إذا وحّد ربّه - تعالى - فقد أثبت نفسه ، ومن أثبت نفسه فقد أتى بالشرك الخفيّ ! وإنّما اللّه تعالى هو الذي وحّد نفسه على لسان من شاء من خلقه . 
فلو وحّد نفسه على لساني فهو وشأنه ، وإلّا فما لي - يا أخي - التوحيد ؟ ثم قال : . . . » ( البيتين ، ص 93 ) .
هـ - دارت هذه الحيرة في ذهن ابن أبي الحديد ( عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني المعتزلي ، ت 655 هـ / 1258 م ) ، مصنف شرح نهج البلاغة ، فقال فيها :
إذا فكّرت فيك يحار عقلي * وألحق بالمجانين الكبار
وأصحو تارة فيشوب ذهني * ويقدح خاطري كشواط نار
يفيا من تاهت العقلاء فيه * فأمسوا كلّهم صرعى عقار
ويا من كاعت الأفكار عنه * فآبت بالمتاعب والخسار
ويا من ليس يعلمه نبيّ * ولا ملك ولا يدريه دار
ويا من ليس قدّاما وخلفا * ولا جبهة اليمين ولا اليسار
ولا فوق السماء ولا تدلّى * من الأرضين في لجج البحار
ويا من أمره من ذاك أجلى * من ابن ذكاء أو صبح النهار

« 390 »
سألتك باسمك المكتوم إلّا * فككت النفس من رقّ الأسار
( شرح نهج البلاغة ، 16 / 81 ) .
وقال أيضا :
فلا - واللّه - ما وصل ابن سينا * ولا أغنى ذكاء أبي الحسين
ولا رجعا بشيء بعد بحث * وتدقيق سوى خفّي حنين
لقد طوّفت أطلبكم ، ولكن * يحول الوقت بينكم وبين
يفهل ، بعد انقضاء الوقت ، أحظى * بوصلكم غدا وتقرّ عين
يمنى عشنا بها زمنا ، وكانت * تسوّفنا بصدق أو بمين
فإن أكدت فذاك ضياع ديني * وإن أجدت فذاك حلول ديني( أيضا 2 / 79 )
والمهم هنا أن هذا المصنف الكبير أشار إلى تأثّره بالتصوّف في هذا المجال فقال في مقدمة هاتين المقطعتين :
« ونحن نذكر هاهنا من نظمنا أيضا في هذا المعنى ، وفي فنّنا الذي اشتهرنا به ، وهو المناجاة والمخاطبة على طريقة أرباب الطريقة [ - المتصوفة ] ما لم نذكره هناك .

[ 103 ] من مجزوء الكامل :
1 - لست بالتوحيد ألهو * غير أنّي عنه أسهو
 4792 - كيف أسهو ؟ كيف ألهو ؟ * وصحيح أنني هو ؟
 480التحقيق :
انظر التعاليق على المقطعات السابقة .
...............................................................................................
[ 103 ]
الديوان ، ص 103 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 342 أ ) .

« 391 »
قافية الياء
[ 104 ]من البسيط :
1 - اسم مع الخلق قد تاهوا به ولها * ليعلموا منه معنى من معانيه
 4812 - واللّه ، لا وصلوا منه إلى سبب * حتى يكون الذي أبداه يبديه
 482التحقيق :
أ - سجّل ماسينيون « لا وصلوا » في البيت الثاني على « لا يصلوا » وما أثبتناه هو المقصود والمستمد من الأصول في هامش ، ص 105 .
ب - ذكر ماسينيون أن هذه القطعة دواء يشفي من يبحث عن الاسم الأعظم ! .
ج - وبهذه المناسبة نسبت إلى ابن العربي الحاتمي الطائي رباعية دوييت يعالج بها القولنج وذلك بكتابتها في كفه ولحسها ! ، وهي :
قلبي قطبي وقالبي أجفاني * سرّي خضري وعينه عرفاني
روحي هارون وكليمي موسى * نفسي فرعون والهوى هاماني
( نفح الطيب ، للمقري ، الباب الخامس ، ط . رفاعي ، 7 / 97 ) .
................................................................................................
[ 104 ]
الديوان ، ص 104 - 105 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 327 أ ) ، مخطوط قازان ، ص 87 .

« 392 »
[ 105 ] من مخلّع البسيط :
1 - عليك يا نفس بالتسلّي * فالعزّ بالزهد والتخلّي
 4832 - عليك بالطلعة التي مش * كاتها الكشف والتجلّي
 4843 - قد قام بعضي ببعض بعضي * وهام كلّي بكلّ كلّي
 485التحقيق :
أ - في البيت الأول : وردت « بالعزّ » خلوا من الفاء ، وما أثبتناه وارد في أصل من الأصول ، وهو أرجح .
ب - ذكر في معرض إنشاد الحلّاج لهذه المقطّعة قوله : « من أراد أن يصل إلى المقصود فلينبذ الدنيا وراء ظهره » ( أخبار الحلّاج ، ص 86 ) .
ج - الروح الصوفية ظاهرة في القطعة بما لا يحتاج معه إلى مزيد تعليق .

[ 106 ] من مذيّل الكامل :
1 - همّي به وله عليك * يا من إشارتنا إليك
 4862 - روحان ضمّهما الهوى * فيما يليك وفي يديك 
487التحقيق :
...............................................................................................
[ 105 ]
الديوان ، ص 81 عن تقييد . . . ( مخطوط قازان ، ص 63 الأبيات 1 ، 3 ) ، مخطوط لندن ورقة 340 أ ( الأبيات 1 - 3 ) ، مخطوط تيمور ، ص 47 ( الأبيات 1 - 3 )
وانظر أيضا : ديوان الحلّاج ، ص 86 .
[ 106 ]
ديوان الحلّاج ، ص 79 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 92 ) ، ( كما في مجموعة نصوص ، ص 6 ) ( رسالة إلى ابن عطاء ) .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 118 ( الملحق ، الفقرة ، رقم 2 ) .

« 393 »
أ - في الديوان ، ورد الشطر الثاني من البيت الثاني على : « مدحتك وفي لديك » وهو مضطرب وغريب ، والتصحيح من أخبار الحلّاج .
ب - وردت القافية في أخبار الحلّاج بالكاف الممدودة بالفتح « إليكا » وكلتاهما تصح .
ج - هذه مقطّعة حسّية مما لم يستطع الحلّاج - إن قالها - الفكاك من روحانيته في نظمها ، وقد ضمّنها رسالة منه إلى أبي العباس بن عطاء ( أحمد بن محمد بن سهل الأدمي ، ت 309 هـ / 921 م ، وكان صديقا للحلّاج ( أرسلها من السجن ) 
وقال فيها : « أما بعد ، فإنّي لا أدري ما أقول ! إن ذكرت برّكم لم أنته إلى كنهه ، وإن ذكرت جفاءكم لم أبلغ الحقيقة . بدت لنا باديات قربكم فأحرقتنا ، وأذهلتنا عن وجود حبّكم ، ثم عطف وألّف وضيّع وأتلف ومنع عن وجود طعم التلف . 
وكأنّي وقد تخرّقت الأنوار وتهتكت الأستار وظهر ما بطن وبطن ما ظهر وليس لي من خبر ، ومن لم يزل كما لم يزل .
وختم الكتاب وعنون بقوله » ( البيتين ) .
أخبار الحلّاج ، ص 118 .

[ 107 ]من المجتث :
1 - لا كنت إن كنت أدري * كيف السبيل إليكا
 4882 - أفنيتني عن جميعي * فصرت أبكي عليكا 489
...............................................................................................
[ 107 ]
الديوان ، ص 118 ، عن الهجويري : كشف المحجوب ، ص 317 ، والخركوشي ، ورقة 203 أ ، 265 ب ، منسوبة إلى أبي الحسين النوري ) .
وانظر أيضا : طبقات الصوفية للأنصاري ( البيت الثاني فقط ، ص 27 ، منسوبا إلى « بعضهم » ) وحياة الحيوان للدميري ، من إنشاد تاج الدين بن عطاء اللّه السكندري :
12 / 270 .

« 394 »
التحقيق :
أ - وردت القافية في الديوان بغير المدّ ، وهو أحسن ، وأخذناه من مصدرينا الآخرين .
ب - في طبقات الصوفية للأنصاري ورد الشطر الثاني من البيت الثاني هكذا : « فصرت وقفا عليكا » وفي حياة الحيوان « فكنت سلم يديكا » ولعلها « ملك يديكا » .
ج - هذه القطعة تجري مجرى القطعتين الآخريين اللتين جرت بهما المراسلة بين الحلّاج وابن عطاء .


[ 108 ]من مخلّع البسيط :
1 - يا سرّ سرّ ، يدقّ حتى * يخفى على وهم كلّ حيّ
 4902 - وظاهرا باطنا تجلّى * لكل شيء بكلّ شيء ،
 4913 - إنّ اعتذاري إليك جهل * وعظم شكّ وفرط عيّ
 4924 - يا جملة الكلّ ، لست غيري * فما اعتذاري إذا إليّ
 493التحقيق :
أ - في البيت الأول في الديوان : ورد الشطر الأول هكذا :
...............................................................................................
[ 108 ]
الديوان ، ص 103 عن : أبي علي الفارسي كما في رسالة ابن القارح ( نشر مجلة المقتبس ، المجلد التاسع سنة 1910 ، ص 55 ) وأبي العلاء المعري : رسالة الغفران ( طبع مصر 1907 ، ص 15 ، ونشر نيكلسون في مجلة الجمعية الآسيوية ، 1902 م ، ص 834 ) ( رسالة الغفران تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ط 4 ، بلا تاريخ « 1968 م » ، ص 37 ، 455 ) . المقدسي : البدء والتاريخ : 2 / 90 ، السراج : اللمع ، ص 354 ( البيتان الأولان ) . تقييد ( مخطوط قازان ، ص 95 ) ، مخطوط تيمور ، ص 13 - 14 ( مع تعليق طويل ) .
وانظر أيضا أخبار الحلّاج ، الملحق 4 ، ص 120 - 121 ، مشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ، ص 43 ( البيت الأخير فقط ) .

« 395 »
« يا سر سرّي ، تدقّ حتى . . . » على صيغة المخاطب المضاف وله وجه ، لكنّ ورود « وظاهرا باطنا » في البيت الثاني ينفي هذا القصد ، إذ لو كان الخطاب بإضافة ياء المتكلم مقصورا في البيت الأول لجاءت « ظاهرا باطنا » على « ظاهري باطني » .
ب - « سر السرّ » هنا مبالغة في السرّ ، فالثاني « غيّبه الحق لم يشرف عليه الخلق ، فسرّ الخلق ما أشرف عليه الحقّ بلا واسطة ، وسرّ الحقّ ما (لا) يطلع عليه إلا الحقّ، وسر السرّ، ما لا يحسّ به السرّ ، فإن أحسّ به فلا يقال له سرّ » ( اللمع ، ص 430 ). 
وعلق سهل بن عبد اللّه التستري ، أستاذ الحلّاج الأول ، على سرّ السرّ بقوله : « النفس سرّ ما أشاعه الحق إلّا على لسان فرعون فقال : أنا ربكم الأعلى » ( أيضا ) .
ج - ورد البيت الثالث في أصل من الأصول على :إن اعتذاري إليك منّي * لفرط عيّي وفرط غيّيد - في مناسبة إنشاد هذه الأبيات ذكر أنّ محاورة دارت بين الحلّاج والشبلي - في رواية ابن القارح ، ومع الجنيد البغدادي مرة - أخرى ، اتّهم فيها الحلّاج بفساد العقيدة وتنبّأ له المحاور بأنّه سيصلب ( انظر الفرق بين الفرق للبغدادي : أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي ، ت 429 هـ / 1037 - 8 م ، مصر 1367 : 1945 ، ص 58 ، التبصير في الدين للأسفرايني : أبي المظفر عماد الدين شاهفور بن طاهر بن محمد ، ت 471 هـ / 1078 - 9 م ) ، تحقيق محمد زاهد الكوثري ، مصر 1359 :
1940 ، ص 77 ، رسالة ابن القارح ، مقدمة رسالة الغفران ، ص 36 .
هـ - في أصل من أصول الديوان جاء تعليق نقتبس منه ما يأتي :
« فمن نظر إلى ظاهر هذه الأبيات أنكر عليه ، وأوّل ( ما ) قال : إنّ اللّه تعالى غائب عن الأبصار حاضر في الضمائر والأفكار ، وقد وصف اللّه تعالى نفسه بذلك في كتابه العزيز فقال : هو الأول والآخر والظاهر والباطن ( الحديد 57 : 2 ) 
وإنما تجلّى لأوليائه بوجهين : تجلّى لمخلوقاته ، فصاروا لا

« 396 »
يرون شيئا حتى يروا اللّه معه ، لا على سبيل الاشتراك والممازجة بل ظهر لهم في الأشياء كلها كما ظهر الصانع في مصنوعاته ، إذ كل مصنوع يفتقر إلى صانع ، بل لا وجود لشيء عندهم في نفسه إذ هو معدوم بإمكان عدمه ، وصانعه هو الباقي الذي لا يتغيّر ولا يطرأ عليه العدم . وربّما كان الفطن الذكيّ - إذا علم أنّ هذا معدوم ولم يخطر بباله وجوده من حيث إنّه موجد - وكان أول نظره إلى صانعه ودخل الوجود تحت التبعية ، لأنّه لمّا نظر إلى صفات الوجود الأول ، لاحت له القدرة ، فنظر في صنيع القدرة فوجد منها المصنوع ، وهذا كان ربّما لا يرى شيئا حتى يرى اللّه قبله . 
فالإشارة إلى الأول بقوله تعالى :( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي )صلّى اللّه عليه وسلّم( أَنْفُسِهِمْ )، الآية ( فصّلت 41 : 53 ) ، 
وإلى الثاني بقوله تعالى :( أَ وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )؟ ! ( فصّلت 41 : 53 ) ، فالأول صاحب نظر واستدلال ، والثاني صاحب مشاهدة واشتغال . 
فقس على هذا بقية الأبيات ( المقصود بالشرح البيتان الأولان ) واجعل الأنموذج دليلا على قوله :إنّ اعتذاري إليك منّي * لفرط عييّ وفرط غييّ ( انظر الفقرة ج )
يشير إلى معنى البيت الأول في سير ( سرّ ) المعرفة والإذعان للربوبية والدخول تحت ذلّ العبودية ، يريد : كيف أعتذر من شيء فعلته ومفاتيح الغيب بيدك ؟ 
وهو متصل بمعنى قولنا : إن المصنوع لا وجود له في نفسه بنفسه ، وإن غيره هو الموجود . 
فكأنّ الإشارة إلى أنّك الموجود الحقيقي ولا وجود لي ، وأنّ فعلك هو الجاري عليّ قهرا وجبرا ولا فعل باعتذاري ، إذ ( هو ) فرط ( لفرط ) عيّي وغيّي . 
إذن أثبت لنفسي النية وأجعل لها ( له تعالى ) المشيئة ، وهذا محض الدين واليقين . فيترتب عليه أنك لست غيري ، إذ ليس في الوجود غيرك حتى تثبت له رتبة الغيرية .
و - عقب أبو العلاء المعرّي على هذه المقطعة من الناحية الفنّية بقوله : « فلا بأس بنظمها في القوّة ، ولكنّ قوله « إليّ » عاهة في الأبيات : إن قيّد ( بمعنى سكّن القافية ) فالتقييد لمثل هذا الوزن لا يجوز عند بعض

« 397 »
الناس ، وإن كسر الياء من « إليّ » ، فذلك رديء قبيح ، وقد سمعت في أشعار المحدثين : إليّ وعليّ ونحو ذلك وهو دليل على ضعف المنّة وركاكة الغريزة .
وكذلك قوله « الكلّ » : إدخاله الألف واللام مكروه ، وكان أبو علي ( الفارسي ، الحسن بن أحمد ، ت 377 هـ / 987 م ) يجيزه ويدّعي إجازته على سيبويه ( أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ، ت 188 أو 194 هـ / 804 أو 809 - 810 م ) . 
فأمّا الكلام القديم فيفتقد فيه الكل والبعض ، وقد أنشدوا بيتا لسحيم :
رأيت الغنيّ والفقير كليهما * إلى الموت يأتي الموت للكل معمّدا
( رسالة الغفران ، ص 455 - 457 ) .
وإذا صح القسم الأول من كلام أبي العلاء المعري كانت رواية ابن الدباغ للبيت الأخير على مدّ الياء بالفتح «إليّا» سهوا وتصحيفا. 
( انظر مشارق أنوار القلوب ، ص 13 ) .

[ 109 ]من الخفيف :
1 - فيك معنى يدعو النفوس إليكا * ودليل يدلّ منك عليكا
4942 - لي قلب له إليك عيون * ناظرات وكلّه في يديكا

 495التحقيق :
أ - ذكر ماسينيون أن كلمة « معنى » تدل على اللّه( Dieu )وأنّها من ألفاظ الشيعة الغلاة ، وذلك عجيب ، إذ لو كان الأمر كذلك لصحّ أن يقع قول الشاعر في سوداء :
...............................................................................................
[ 109 ]
ديوان الحلّاج ، ص 79 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 81 ) ، مخطوط كوبرولو ، القسم الثامن ، وانظر أيضا : مشارق أنوار القلوب لابن الدبّاغ ، ص 53 ( دون نسبة ) ، تقييد بعض الحكم والأشعار ( ورقة 326 ب ) ، البيت الثاني فقط .

« 398 »
فيك معنى من البدور ولكن * نفضت صبغها عليه الليالي
وقول الحسين بن الحلّاج في الحضّ على الفسق :
إيّاك والعفّة إيّاكا * إيّاك أن تفسد معناكا    (ضمن عقائد الشيعة !)
ب - ذكر ابن الدبّاغ أنّ في هذين البيتين شاهدا على « المحبّة المعنوية الخفية عن أذهان البريّة » ، وذكر أن « فهم حقائق هذه المناسبة الروحانية متعذّر جدّا . . . وإنّما هي تعارف جعله اللّه تعالى بين القلوب لا يعلمه سواه . . . » ( مشارق أنوار القلوب ، ص 52 ) وعقّب ابن الدبّاغ على ذلك بقوله :
« وإلى هذه الإشارة بقوله عليه السلام : الأرواح أجناد ( جنود ) مجنّدة ، فما تعارف منها أتلف وما تناكر منها اختلف ويعني بقوله :
« أجناد مجنّدة » أي أنواعا وأشكالا ، وأراد بالتعارف المناسبة . فما تناسب من النوع الواحد تآلف وما لا يتّفق من النوع تنافر لأنّه لا مناسبة إذا اختلفت الأنواع تآلف . . . 
وقد تتفّق مناسبة هي أبعد من هذه في أمور عرضية مثل ما يألف الغريب الغريب والمريض المريض والحزين الحزين ( أيضا ، ص 53 ) . 
وقال أيضا : « وقال بعض الحكماء : لكلّ شيء مغناطيس يجذبه وضدّ ينافره ، ولهذا قالوا : الأشكال لاحقة بأشكالها » . 
وختم ملاحظاته بقوله : « وقال بعضهم : كلّ جوهر في العالم العلويّ والسفلي إمّا عاشق وإما معشوق : يعني عاشق لمن فوقه ومعشوق لمن تحته ، حتى إنّ حركة الفلك عند هؤلاء عشقيّة ، فإنّ كل متلازمين إنّما تلازما بأمر عشقي ( سواء ) كان ذلك ظاهرا أو ( أم ) باطنا » ( أيضا ، ص 54 ) .
ج - ورد البيت الثاني في « تقييد بعض الحكم والأشعار » على :ربّ مالي إليك غير عيون * ناظرات وكلّها في يديكا

« 399 »
[ 110 ] في التجلّي والاستتارمن البسيط :
1 - سرائر الحقّ لا تبدو لمحتجب * أخفاه عنك ، فلا تعرض لمخفيه
 4962 - لا تعن نفسك فيما لست تدركه * حاشا الحقيقة أن تبدو فتوفيه
 497

[ 111 ]في حقائق المعرفة من مخلّع البسيط :
1 - راعيتني بالحفاظ حتّى * حميت عن مربع وبيّ
 4982 - فأنت عند الخصام عذري * وفي ظمائي فأنت ريّي
 4993 - إذا امتطى العارف المصلى * أسرى إلى منظر عليّ
 5004 - وغاص في أبحر غزار * تفيض بالخاطر الوحيّ 
5015 - فضّ ختام الغيوب عمّا * يحيي فؤاد الشجي الوليّ
 5026 - من حار في دهشة التلاقي * أبصرته ميّتا كحيّ
 503اللغة والتحقيق
أ - جاءت « مربع » في الأصل على « مرتع » . والمربع هو المقام بمعنى المكان الذي يقام فيه . والوبيء أو الموبوء : الذي يقع فيه الوباء كما في أساس البلاغة للزمخشري .
والبيت يشير إلى الحفظ الإلهي الذي يقابل العصمة عند الشيعة ، انظر كتابنا ، الصلة بين التصوّف والتشيّع ، ط . دار المعارف بمصر 1969 م ، ص 385 - 91 .
...............................................................................................
[ 110 ]
التعرف منسوبة إلى « بعض الكبار » . وجاءت « فتوفيه » على « فتوديه » ويفسد بها المعنى ، والأقرب ما أثبتناه . ولا تعن ، تعني عندنا ، لا تعنّ أو لا تتعب نفسك .

[ 111 ]
التعرف ص 102 نسبة إلى « بعض الكبار » وهو الحلّاج عندنا .

« 400 »
ب - مما يوثّق انتساب هذه المقطعة إلى الحلّاج قافيتها اليائية المشردة المكسورة التي آخذه عليها المعرّي في مقطعة أخرى على الوزن والقافية ، كما في هوامش المقطعة السابقة .
ح - شرح الكلاباذي المقطعة بقوله : 
معناه من شاهد نفسه قائما بوظائف الحق أعجب ومن شاهد ما سبق له من الله تحير لأنه لا يدري ما علم الحق فيه وبماذا جرى القلم به ومن عرف أن ما سبق له من القسمة لا يتقدم ولا يتأخر تعطل عن الطلب ومن عرف الله بالقدرة 
عليه والكفاية له تمكن فلا يضطرب عند المخوفات ولا عند الحاجات ومن عرف ان الله متولى أموره تدلل له في أحكامه وأقضيته
وقال بعض الكبار إذا عرفه الحق إياه أوقف المعرفة حيث لا يشهد محبة ولا خوفا ولا رجاء ولا فقرا ولا غنى لأنها دون الغايات والحق وراء النهايات
معناه أنه لا يشهد هذه الاحوال لأنها أوصافه وأوصافه أقصر من أن تبلغ ما يستحقه الحق من ذلك  
إذا امتطى العارف المعلى . . . سرا إلى منظر على
وغاص في أبحر غزار . . . تفيض بالخاطر الوحى
فض ختام الغيوب عما . . . يحيى فؤاد الشبحي الولي
من حار في دهشة التلاقى . . . أبصرته ميتا كحى ...
يعنى : من حيرته دهشه ما يبدو له من الله من شاهد تعظيم الله وإجلاله أبصرته حيا كميت يفنى عن رؤية ما منه ولا يجد له متقدما ولا متأخرا .
(أبو بكر محمد بن أبي إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري الحنفي (المتوفى: 380هـ) الكتاب: التعرف لمذهب أهل التصوف ص:134)

« يعني : من حيّرته الدهشة * [ ب ] ما يبدو له من شاهد تعظيم الله له  وإجلاله ، أبصرته حيّا كميّت * يغنى عن رؤية ما [ كان ] منهولا يجد متقدما ولا متأخرا » .
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والتاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:08 pm

أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والتاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية الألف [ المقصورة ] والهمزة

 [ 1 ] من الخفيف :
1 - ليس تخلو جوارحي منك وقتا * هي مشغولة بحمل هواكا
 12 - ليس يجري على لساني شيء - * علم اللّه ذا - سوى ذكراكا
 2النص :
في الشطر الثاني من البيت الثاني ، جاءت الجملة المعترضة في المخطوط على « أنت فيه علمي » والتصحيح من ديوان أبي بكر والشبلي بجمعنا وتحقيقنا ص 117 .

[ 2 ]من البسيط :
1 - كم حسرة فيك لي غصّت مرارتها * جعلت قلبي لها وقفا لبلواكا
 32 - وحقّ ما منك يضنيني وينعشني * لأبكينّك أو أحظى بلقياكا 4
...............................................................................................
[ 1 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 328 ب ، وانظر ديوان أبي بكر الشبلي ( ص 117 ) .
[ 2 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 328 ب ، والمقطعة لأبي الحسين النوري كما في طبقات الصوفية للسلمي ، ص 166 ، وفي الكتاب الأخير يرد الشطر الأول من البيت الثاني على : « وحق ما منك يبليني ويتلفني » وهو أحق بمكانه ، وقد جاءت « يضنيني » في النص على « يفنيني » ولا يستقيم بها المعنى وبما أثبتنا يفعل ، إذ المقابلة مع الإنعاش لا تكون مع الفناء بل مع الضنى كما هو واضح .

« 403 »
[ 3 ]من الوافر :
1 - رماني بالصدود كما تراني * وألبسني الغرام وقد براني
 52 - ووقتي كلّه حلو لذيذ * إذا ما كان مولائي يراني
 63 - رضيت بصنعه في كلّ حال * ولست بكاره ما قد رماني
 74 - فيا من ليس يشهد ما أراه * لقد غيّبت عن عين تراني
 8التحقيق :
واضح أنّ هذه القطعة من لسان الحال وفيها معان صوفية متداولة غير أن التعبير عنها جاء ركيكا ولا يخفى ذلك على المتتبع .
[ 4 ]من البسيط :
1 - كانت لقلبي أهواء مفرّقة * فاستجمعت ، مذ رأتك العين ، أهوائي 9
...............................................................................................
[ 3 ]
الديوان ، ص 125 - 126 ، عن : تقييد بعض الحكم والأشعار ، مخطوط لندن ، ورقة 328 ب ، القشيري ، لطائف الإشارات ( القرآن 62 : 27 ، التادفي : قلائد ، ص 125 ، أبو الهدى : قلادة ، ص 336 .
[ 4 ]
الديوان ، ص 38 - 39 ، عن تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 329 ب الأبيات 3 - 5 ) ، الغزالي : الإحياء : 4 / 222 ، الأبيات 1 - 3 ، البقلي : تفسير سورة 13 ( الرعد ) شطحيات ، مخطوط ، ورقة 124 أ ، س 4 - 6 ، السبكي : طبقات الشافعية : 6 / 46 ، المخطوطات التركية : فيينا : 3 / 805 ، ورقة 12 ب ، ش 1 ، 2 ، 4 ، بهاء الدين العاملي : الكشكول ، ص 97 ، سطر 1 - 2 ، معصوم علي : طرائق الحقائق : 2 / 171 ، الصاوي : حاشية الجلالين : 4 / 152 ( منسوبين إلى الدسوقي ) ، عبد البهاء ( باريس ، 12 / 11 / 911 ) .
وانظر أيضا : المحبة والشوق والأنس والرضا للغزالي ( محمد بن محمد الطوسي ، ت 505 هـ - 1111 م ، مصر ، 1380 هـ ، ص 77 ، مدخل السلوك إلى منازل الملوك له أيضا ، دمشق 1385 هـ - 1965 م ، ص 77 ، مشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ، ص 85 ( الأبيات 1 - 3 ) طبقات الشافعية للسبكي ( تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن

« 404 »
2 - فصار يحسدني من كنت أحسده * وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي
 103 - تركت للناس دنياهم ودينهم * شغلا بحبّك ، يا ديني ودنيائي
 114 - ما لا مني فيك أحبابي وأعدائي * إلّا لغفلتهم عن عظم بلوائي
 125 - أشعلت في كبدي نارين : واحدة * بين الضلوع وأخرى بين أحشائي

 13التحقيق :
أ - في الديوان ، ورد البيت الرابع ثالثا والثالث رابعا وبما أثبتناه يستقيم الوزن .
ب - في الروايات المتكثرة هذه اختلافات هينة في الألفاظ أضربنا عن ذكرها لوضوحها وانتفاء الضرورة إليها .
ج - قفّى ماسينيون على هذه القطعة ببيتين نقلهما عن الثعالبي ، ونصهما :
ولا هممت بشرب الماء من عطش * إلا رأيت خيالا منك في الماء
النار أبرد من ثلج على كبدي * والسيف ألين لي من هجر مولائي
( مع إثبات « اللام » مكان الباء في « بشرب الماء » وليس بصحيح ) .
...............................................................................................
عبد الكافي الخزرجي ، ت 771 هـ - 1369 - 70 م ) ، مصر 1324 هـ ، 4 - 45 - 46 ، طراز المجالس للخفاجي ( شهاب الدين أحمد بن محمد ، 977 - 1069 هـ - 1569 - 1656 م ) ، مصر 1284 هـ ، ص 199 ، عواف المعارف للسهروردي ( أبي حفصعمر بن محمد ، ت 632 هـ / 1235 م ) ملحق بإحياء العلوم ، مصر بلا تاريخ ، ص 242 ، طبقات الشافعية للسبكي : 4 / 262 ( ترجمة عبد الملك بن أبي نصر ، ت 545 هـ - 1150 - 51 م ) ، نشر المحاسن الغالية لليافعي ، مصر 1381 ، ص 85 ( البيتان الأول والثالث ) ، روض الرياحين ، له أيضا ، مطبعة الحاج عبد السلام شقرون بمصر ، بلا تاريخ ، ص 21 شرح النفزي ( محمد بن إبراهيم ، بن عباد ) على كتاب الحكم لابن عطاء اللّه السكندري ( ت 707 هـ - 1307 م ) ، 2 / 44 . 
الحقائق لمحسن الفيض الكاشاني ( محمد بن مرتضى ، ت 1091 هـ - 1680 م ) طهران 1378 ، ص 178 ، جامع السعادات للنراقي ( محمد مهدي ، ت 1209 هـ - 794 - 5 م ) النجف 1318 هـ - 1949 م ، إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة الحسني ( أحمد بن محمد بن محمد ، ت 1266 - 1849 - 50 ) ، مصر 1961 ، 2 / 130 ، 2 / 263 ، وكل أولئك لم ينسبوا القطعة إلى الحلّاج وانما ساقوها استشهادا إلا ابن عجيبة الذي نص على أن قائلها « يقال : إنه الغزالي » ! ( 2 / 130 ) .

« 405 »
د - أحال ماسينيون على ديوان أبي نواس للمقارنة بين هذه المقطعة ومثيلة لها من نظمه ، والحق أن لأبي نواس همزيّات كثيرة تنتظم في قوافيها الكلمات : 
أهوائي ومولائي وبلوائي ودنيائي وأحشائي التي وردت في قوافي هذه القطعة . 
منها قوله :
اللّه مولى دنانير ومولائي * بعينه مصبحي منها وممسائي
صليت من حبّها نارين : واحدة * بين الضلوع وأخرى بين أحشائي
وقد حميت لساني أن أبين به * فما يعبّر عنّي غير إيمائي
يا ويح أهلي أبلى بين أعينهم * على الفراش وما يدرون ما دائي
لو كان زهدك في الدنيا كزهدك في * وصلي مشيت بلا شكّ على الماء
( الديوان ، تحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي ، مصر 1953 ، ص 236 ) 
ومنها يبدو اتصال البيت الخامس من المقطعة المنسوبة إلى الحلّاج هذه بأبي نواس ، وربما كان تضمينا من الحلّاج لبيت أبي نواس .
هـ - واضح أن بيت القصيد هنا هو البيت الأول ، وقد نسب مع أبيات أخرى مناسبة إلى صوفية مجنونة برواية السريّ بن المغلّس السقطي ( ت 251 هـ / 865 م ) فيما روى اليافعي في نشر المحاسن الغالية ( ص 207 ) ، وهي المقطّعة التي سقطت من المستطرف للأبشيهي ( شهاب الدين محمد بن أحمد ، ت 850 هـ / 1446 م ) مصر 1379 ، ص 149 - 151 وكذا من نفحات الأنس للجامي ( عبد الرحمن بن أحمد ، ت 898 هـ / 1492 - 3 م ) ، الهند 1323 هـ / 1905 م ، ونقلها الحاج معصوم علي ( ت 1344 هـ / 1926 م ) في طرائق الحقائق ، إيران 1319 ، 2 : 171 . « واستجمعت أهوائي » بالبناء للمعلوم بمعنى « تجمّعت » ، إذ « استجمع السيل » اجتمع من كل موضع كما في مختار الصحاح .
و - وجاء البيت الثالث فيها هكذا :تركت للناس دنياهم ودينهم * تشغّلا بك يا ديني ودنيائيوالمتشغّل به هو المعتصم بالطبع . ( تحفة المجالس للسيوطي ، مطبعة

« 406 »
السعادة بمصر 1309 هـ ، ص 154 - 160 ، ومنه نقل الإتليدي : محمد المعروف بدياب ( من المحدثين ) في كتابه « إعلام الناس بما وقع بين البرامكة وبني العبّاس ، ( ط . مصر 1384 هـ / 1964 م ، ص 164 - 165 ، وانظر :
ص 169 ) .
ز - الحق أنّ البيتين الأول والثاني من هذه القطعة المنسوبة إلى الحلّاج تجعل هذه المعاني بألفاظها ملكا لشاعر حسيّ تقليدي من معاصري أبي بكر الأصفهاني ( محمد بن أبي سليمان داود ، ت 297 هـ / 909 م ) سمّاه « بعض أهل هذا العصر » وذلك في قوله :
يا منية القلب لو آماله انفسحت ، * وحظّ نفسي من ديني ودنيائي
قل لي : تناسيت أم أنسيت إلفتنا * أيّام رأيك فينا غير ذا الرائي ؟
كانت لقلبي أهواء مفرقّة * فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
فصار يحسدني من كنت أحسده * وصرت مولى الورى إذ صرت مولائي
حتى إذا استيأس الحسّاد من دركي * وقلّ أعداي مذ قللّت أكفائي ،
حميت طعم الكرى عينيّ فاهتجرا * فصار طيب الكرى من بعض أعدائي
من خان هان وقلبي رائد أبدا * ميلا إليك على هجري وإقصائي
لا بدّ لي منك ، فاصنع ما بدا لك بي * فقد قدرت على قتلي وإحيائي
( كتاب الزهرة ، بيروت 1932 م / 1351 هـ ، ص 49 ) . 
ولهذا الشاعر المجهول ويبعد أن يكون الحلّاج ، لما فيه من رسوخ قدم في الشعر واتقان لفنّه ، قطعة أخرى تعبّر عن هذا الغرض أيضا تنظر في هذا الكتاب ، ( ص 49 أيضا ) ، 
والراجح عندنا أن القائل هو المؤلف نفسه كنّى عن نفسه بعبارة « بعض أهل هذا العصر » إذ هو القائل أيضا ، من جنس هذه المقطعة : أنشدنا أبو كبر الأصبهاني لنفسه:
لقد جمعت أهواي بعد شتاتها ... صفاتك فانقاد الهوى لك أجمع
سوى خصلة فكري رهين بذكرها ... فقلبي منها ما حييت مروع
وحاشاك منها غير أن أخا الهوى ... بذكر الذي يخشى من الغدر مولع 
(الكتاب الأمالي المؤلف: عبد الرحمن بن إسحاق البغدادي النهاوندي الزجاجي، أبو القاسم (المتوفى: 337هـ)،( أوراق ص 55 )، 
وقال أيضا :
وما فسدت لي - يعلم اللّه - نيّة * عليك ، ولكن خنتني فاتّهمتني
غدرت بعهدي عامدا وأخفتني * فخفت ولو آمنتني لأمنتني

« 407 »
( أدب الدنيا والدين للماوردي : علي بن محمد البصري ، ت 450 هـ / 1058 م . تحقيق مصطفى السقا ، مصر 1375 ، ص 313 ) .
وبالنسبة للمقطعة السابقة انظر « أوراق من ديوان أبي بكر محمد بن داود الأصفهاني ، دراسة وتحقيق الدكتور نوري حمّودي القيسي ، مطبعة الحكومة ، بغداد 1972 ، ص 5 ) .
ح - أحب الناس هذه المعاني ، بعد ارتفاعهم بها عن الحسّية وربطها بالرمزية الصوفية ، فشطّر منهم الأبيات الثلاثة الأولى من القطعة المنسوبة إلى الحلّاج أحمد المدني محمد حسن على لسان الحال في قوله :
قد كان في القلب أهواء مفرّقة * والحال يرثى لها من فرط إعنائي
حتى إذا ما بدا من جودكم طرف * فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
تركت للناس دنياهم ودينهم * شوقا لوجهك يا ذخري ونعمائي
ماذا أريد وأوقاتي معمّرة * شغلا بحبّك يا ديني ودنيائي
( شذرات من ديوان إتحاف الكرام بسماع الإلهام ، ذيل بغية السالكين وكفاية السائرين ، له ، مصر 1344 هـ / 1925 م ، ص 29 ) .
"روي أن الحلاج كان يصبح في بغداد ويقول: يا أهل الإسلام أغيثوني عن الله؛ فلا يتركني ونفسي فآنس بها ولا يأخذني من نفسي فأستريح منها وهذا دلال لا أطيقه يقال: إن هذا الكلام كان أحد البواعث على قتله.
ومن شعره :
كانت لنفسي أهواء مفرقة ... فاستجمعت إذ رأتك العين أهوائي
فسار يحسدني من كنت أحسده ... وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي
تركت للناس دنياهم ودينهم ... شغلاً بذكرك يا ديني ودنيائي"
(الكتاب الكشكول المؤلف : محمد بن حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي الهمذاني، بهاء الدين (المتوفى: 1031هـ))
ط - كان أبو العلاء المعرّي يقول لقاض يروي له ما يسمعه من الطعن عليه : « ما لي وللناس ، وقد تركت دنياهم ؟ ! فلما قال له : وأخراهم ! قال :
يا قاضي ، وأخراهم ، وجعل يكرّرها » . وواضح أنّ إشارة الحلّاج تختلف عن هذه كلية . ( انظر نكت الهيمان في نكت العميان للصفدي : صلاح الدين خليل بن أيبك الشافعي ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1459 م ، مصر 1329 .
ي - في هذا المجال ، قال الشيخ أحمد زرّوق ( بن أحمد بن محمد بن عيسى الفاسي ، 846 - 899 هـ / 1442 - 1493 م ) ، شارحا قول ابن عطاء :
« تطلعك إلى بقاء غيره دليل على عدم وجدانك له ، واستيحاشك لفقدان ما سواه دليل على عدم وصلتك به ، لأنّك لو وجدته ، هان عليك كل شيء سواه ، ولو وصلت إليه كان يكفيك ( الصحيح لكفاك ) الأنس عن استيحاش غيره ، بل يكون ذكر الغير عندك مصيبة ونقصا ولذلك قيل : لا وحشة مع اللّه

« 408 »
ولا راحة مع غير اللّه ، وأنشدوا في معناه » ( الأبيات الثلاثة الأولى من المقطّعة ) ، ( حكم ابن عطاء ، شرح الشيخ أحمد زرّوق ، مصر 1969 ، ص 350 - 351 ) .

« 409 »
قافية الباء
[ 5 ] من الطويل :
1 - سكرت من المعنى الذي هو طيّب * ولكنّ سكري بالمحبّة أعجب
 142 - وما كلّ سكران يحدّ بواجب * ففي الحبّ سكران ولا يتأدّب
 153 - تقوم السكارى عن ثمانين جلدة * صحاة وسكران المحبّة يصلب
 16التحقيق :
أ - أدرج ماسينيون هذه القطعة تحت عنوان « قطع قديمة مجهولة الناظم في لسان حال الحلّاج » ووضعها تحت فقرة عنوانها : « السكر الصوفي والعذاب » .
ب - هذه القطعة واضحة الشعبيّة ومعناها مفهوم يتضمن المقارنة بين ، هذيان السكران وشطح الصوفي ، وأنّ الأول يصحو من سكره عند لذع السوط والثاني لا يفيق بل يزيد تعلّقه باللّه حتى يموت عليه .
ج - في البيت الثاني يحتمل أن تكون « بواجب » على « بتائب » ليصحّ المعنى وإن كان لها وجه مفهوم .
...............................................................................................
[ 5 ]
ديوان الحلّاج ، ص 128 عن : مخطوط الجميلي ، ص 14 .

« 410 »
[ 6 ] من المتقارب :
1 - حنين المريد لشوق يزيد * أنين المريض لفقد الطبيب
 172 - قد اشتدّ حال المريدين فيه * لفقد الوصال وبعد الحبيب
 18التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاءت « حنين » في « آثار البلاد » على « أنين » وقد اخترناها لمناسبتها لحال المريد ، وجاءت « الطبيب » في روايتي ماسينيون خلوا من الألف واللام ، ورواية « آثار البلاد » هي المختارة .
ب - في البيت الأول : تنعقد تشبيهية متطابقة بين الشوق المتزايد عند الصوفية وأنين المريض الذي يعاني آلام الداء المخامر المتواصل ، وأداة التشبية محذوفة قبل « أنين » الثانية .
ج - في مقدمة هذين البيتين ، وهما جزء من محاورة بين الحلّاج وابن خفيف ، ذكر القزويني أن الحلّاج قال :
« لا يكون الحزن إلّا لفقد محبوب أو فوت مطلوب . والحق واضح والهوى فاضح . 
والخلق كلّهم طلّاب ، وطلبهم على قدر هممهم ، وهممهم على قدر أحوالهم ، وأحوالهم مطبوعة على علم الغيب ، وعلم الغيب غائب عنهم . والخلق كلّهم حيارى ! » .
د - أدرج ماسينيون هذه المقطعة ضمن المقطعات التي قيلت على لسان حال الحلّاج ، وهو في ذلك - فيما نرى - مصيب .
...............................................................................................
[ 6 ]
الديوان ، ص 123 عن : القزويني : عجائب ( المخلوقات ) : 2 / 112 ، البستاني : دائرة المعارف ( 2 / 152 ) .
وانظر أيضا : آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص 167 .

« 411 »
[ 7 ] من الطويل :
1 - فليتك تحلو والحياة مريرة * وليتك ترضى والأنام غضاب
 192 - وليت الذي بيني وبينك عامر * وبيني وبين العالمين خراب
 203 - إذا نلت منك الودّ فالكلّ هيّن * وكلّ الذي فوق التراب تراب
 214 - فيا ليت شربي من ودادك صافيا * وشربي من ماء الفرات سراب
 22التحقيق :
أ - هذه المقطّعة برمتّها واردة في ديوان أبي فراس الحمداني الذي ولد بعد قتل الحلّاج بأحد عشر عاما ، وينسب البيت الثالث منها إلى المتنبي كما في ديوانه مع ورود « المال » بدل « الكلّ » ، وكان للمتنبي يوم قتل الحلّاج ستة أعوام .
من هنا لا تصحّ رواية هذه الأبيات عن الحلّاج أصلا وهي من تزيّد المصنّفين .
ب - رتّبنا الأبيات بحسب ورودها في ديوان أبي فراس وصحّحنا تصحيفاتها منه ولا داعي لتعدادها .
ج - واضح أن الذين نحلوا الحلّاج هذه المقطّعة فعلوا ذلك لما فيها من قابلية للتجريد والتحويل من الحبّ الحسّي إلى الحبّ الإلهي .
...............................................................................................
[ 7 ]
الديوان ، ص 119 - 120 عن : ابن القيم : مدارك : 2 / 169 ، ابن زغدون : قوانين ، ص 71 ، زرّوق : انظر : أبا الهدى : قلادة ، ص 233 ( منسوبة إلى الرفاعي ) ، ابن عجيبة : إعجاز ، ص 235 ، عبد البهاء : ( منسوبة إلى الحلّاج ) .
وانظر أيضا : ديوان أبي فراس الحمداني ( الحارث بن سعيد بن حمدان ، 320 - 357 هـ - 932 - 968 م ) تحقيق سامي الدهان ، بيروت 1363 هـ - 1924 م ، ص 24 ت وديوان المتنبي ( أبي الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي ، 303 - 354 هـ - 915 - 965 م ) شرح عبد الرحمن البرقوقي ، مصر 1348 هـ 1930 م ، ص 140 .

« 412 »
[ 8 ] من الوافر :
1 - أريدك لا أريدك للثواب * ولكنّي أريدك للعقاب
 232 - فكلّ مآربي قد نلت منها * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب
 24التحقيق :
أ - في البيت الأول : وردت « أريدك » في المواضع الثلاثة على « أحبّك » في مشارق أنوار القلوب لابن الدبّاغ ومدارج السالكين لابن قيّم الجوزية .
ب - ذكر الخطيب البغدادي وابن كثير أن البيتين للحلّاج وقد أنشدهما ابن عطاء فكان تعليقه عليهما قوله : « هذا مما يتزايد به عذاب الشغف وهيام الكلف واحتراق الأسف ، وشغف الحبّ . فإذا صفا ووفا علا إلى مشرب عذب وهطل من الحب دائم سكب » ( تاريخ بغداد ، 8 : 116 ) .
ج - إذا كانت روايات ابن العربي الحاتمي الطائي الثماني صادقة ، وكذا رواية اليافعي ، فلعل هذين البيتين لأبي يزيد البسطامي ( طيفور بن عيسى بن سروشان ، ت 261 هـ / 874 م ) .
د - أورد ابن العربي الحاتمي الطائي هذه المقطعة في مقدمة الباب 69 من الفتوحات
...............................................................................................
[ 8 ]
الديوان ، ص 43 : ابن عطاء عن حكايات الخلدي ( مجموعة نصوص تتعلق بتاريخ التصوف جمع وتحقيق ماسينيون ، ص 80 ، رقم 3 ) ابن العريف : محاسن المجالس ، مخطوط برلين رقم 2834 ، ورقة 150 أ ، 155 أ ، ابن العربي الحاتمي الطائي( عربي ) الفتوحات 1 / 782 ، 2 / 452 ، 682 ، 732 ، 4 / 204 ، القيصري : شرح الفصوص ، ورقة 403 ب ، القشيري : لطائف ( تفسير الآية 7 ، سورة 44 ( الدخان ) فيما يتصل بالبيت الثاني ) .
وانظر أيضا : تاريخ بغداد : 8 / 116 ، مدارج السالكين لابن قيم الجوزية : 2 / 78 ، البداية والنهاية لابن كثير : 11 / 133 ، نشر المحاسن الغالية لليافعي : 1 / 116 ، إيقاظ الهمم لابن عجيبة : 2 / 274 ، وراجع : الفتوحات المكية ، 1 / 640 ، 641 ، 939 ، 2 / 436 ، 870 ، 4 / 236 ، 690 ، 811 ، وكلها تنسب المقطعة إلى أبي يزيد البسطامي مشارق أنوار القلوب لابن الدباغ ، ص 86 ( دون نسبة ) .

« 413 »
المكّية ( 1 : 640 - 641 ) في قوله : « وصل السجدة الخامسة وهو سجود الإنعام الرحماني عن الدلالات وهي سورة مريم عند قوله تعالى :( إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) ( 19 : 58 ) وهي سجدة النبيين المنعم عليهم . هذا بكاء فرح وسرور وآيات قبول ورضى . . فمن سجد هذه السجدة ولم ير النعيم في العذاب فما سجدها وكما قال القائل . . » وقال في موضع آخر: « فإذا استعذبوا العذاب أريحوا من أليم العذاب وهو الجزاء »، قال أبو يزيد الأكبر البسطامي . . ( الفتوحات 2 / 436 ).
هـ - علّق ابن الدبّاغ على هذه المقطعة بقوله : « وهذا القول ، إن لم يكن ظهر من سكر ، فليس بكمال بل هو قصور عن المطلوب من الحقيقة ، فإنّ الذات الواحدة يتساوى كل صادر عنها بالنظر إلى ذاتها الجميلة المتحدة لا بالنظر إلى ذوات الأفعال ، فالعقاب والثواب ، إذا رضي بهما المحبوب ، سيّان ، على أنّ المحبّ ، إذا أتّحدت ذاته بذات المحبوب ، محال أن يرى صورة العقاب لاعتقاده أنّ ذاته هي ذات محبوبه ، وكيف يعاقب الإنسان ذاته ؟
و - مما يبعد بهذه القطعة عن الحلّاج أن ابن الدبّاغ المذكور استشهد في الردّ على هذا المعنى بعبارة من شعر للحلّاج فقال : « قيل للحسين بن منصور الحلّاج : أيصبر المحب عن محبوبه ؟ فقال : يستحيل صبر الشيء عن نفسه . 
إذا صدقت المحبة تمازجت الكلّية فاستحال الفراق وأنشد :
ما تصبّرت ، وهل يصبر * جسمي عن فؤادي
مازجت روحك روحي * في دنوّي وبعادي
فأنا أنت كما أنّ * ك أنّي ومرادي  ( مشارق أنوار القلوب ، ص 87 ) .

« 414 »
[ 9 ] من مخلّع البسيط :
1 - يا ربّ ، إنّي إليك مما * جنيته تائب منيب
 252 - أستغفر اللّه مستقيلا ، * والعبد مما جنى يتوب 
263 - أرجوك ، بل قد وثقت ، أنّي * من رحمة اللّه لا أخيب
 274 - وليس لي شافع سواها * إذا أضرّت بين الذّنوب
 28النص :
في البيت الأول ، جاءت « تائب » في الشطر الثاني على « خائف » والمعنى يستقر بما أثبتناه .
في البيت الثاني : جاءت « مستقيلا » في الشطر الأول على « مستغلا » .التحقيق :
أ - نسب أبو عبد الرحمن السلمي مقطعة ، تصلح أن تكون مكملة لهذه ، إلى بندار بن الحسين الشيرازي الصوفي ، ت 353 هـ / 964 م وذكر أنه أنشدها ، وهي :
نوائب الدهر أدّبتني * وإنّما يوعظ الأريب
قد ذقت حلوا وذقت مرّا * كذاك عيش الفتى ضروب
ما مرّ بؤس ولا نعيم * إلّا ولي فيهما نصيب   ( طبقات الصوفية ص 470 ) .
ب - في طبقات الصوفية للأنصاري أن « آخر » قال :
قد ذقت حلوا وذقت مرّا * كلاهما في الهوى يطيب
من كان في حبّه مريبا * فإنّني فيه لا أريب
...............................................................................................
[ 9 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 329 أ .

« 415 »
[ 10 ]من مجزوء الخفيف :
1 - نسمة من جنابه * أوقفتني ببابه
 292 - جذبتني لوصله * أبدا واقترابه
 303 - واستراح الفؤاد من * هجره واحتجابه
 314 - طاب لي ما سمعته * في الدّجى من عتابه
 325 - وعلى كلّ حالة * سكرتي من شرابه 
33التحقيق :
أ - في البيت الرابع : جاء الشطر الأول مختوما بالسكون على الهاء ، وليس هذا من طبيعة الشعر المتعارف عليه .
ب - في البيت الخامس : جاءت « حالة » على « حال » ، و « سكرتي » على « أسكرني » ، وبما أثبتناه يستقيم الوزن ويصاب المعنى .
...............................................................................................
[ 10 ]
قصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار به الوجد ، نشر ماسينيون في مجلةOrientala Suecanaالتي تصدرها جامعة أوبسالا ، المجلد الثالث ، العدد : 2 / 4 ، سنة 1954 ، ص 102 - 114 ، ص 103 .

« 416 »
قافية التاء
[ 11 ]من الكامل :
1 - طاب السّماع ، وهبّت النّسمات * وتواجدت في حالها السّادات
 342 - سمعوا بذكر حبيبهم فتهتّكوا * ضلعوا العذار ودارت الكاسات
 353 - طربوا فطابت باللّقا أرواحهم * كتموا فباحت منهم العبرات
 364 - شربوا بأقداح الصّفا لمّا صفوا * سكروا فلاحت منهم حالات
 375 - ظهرت عليهم من بواطن سرّهم * نفحات صدق كلّها راحات
 386 - هطلت مدامعهم على وجناتهم * وتصاعدت من شوقهم زفرات
 397 - زاد الغرام بهم ، وفي أحشائهم * خرق وفي أكبادهم جمرات
 408 - هبّت عليهم نسمة فتمايلوا * طربا وزالت عنهم الحسرات
 419 - نثرت عليهم في مجالس ذكرهم * نعم وطابت منهم الأوقات
 410 - فتعطّرت ريح الصّبا من عطرهم * وسرت بنشر أريجهم نفحات
 43النص :
في البيت الأول : وردت «السماع» في « قصة الحسين الحلّاج » على السمع وبها يختل المعنى ، والتصحيح من السفينة المرضية.
...............................................................................................
[ 11 ]
قصة حسين الحلّاج لمجهول ، ص 3 - 4 ( الأبيات 1 - 7 ، 10 ) سفينة النجاة المرضية في أناشيد السادة الشاذلية ، بجمع وتأليف محمود نسيم الشاذلي ، ط : مطبعة محمد علي صبيح ، 1956 م ، ص 78 - 79 ( المقطعة كلها ) .

« 417 »
في البيت الثالث : جاءت « فتهتكوا » على « وتهتّكوا » في السفينة المرضية وما جاء في « قصة الحسين الحلّاج » أليق بالموضع . وجاءت « خلعوا » في « قصة الحسين الحلّاج » على « أرخوا » ولا معنى لها إذ خلع العذار يعني التهتّك وإرخاؤه خلو من الدلالة .
في البيت الرابع : جاءت « حالات » في « قصة الحسين الحلّاج » على « رقصات » وهي وإن كانت محتملة هنا إلّا أن ما ورد في النصّ الآخر أليق بالموضع .
في البيت الخامس : جاءت « سرّهم » في قصة الحسين الحلّاج على المفرد وتتابع المعنى وتسلسله يصحّحان الرواية الأخرى التي أثبتناها من النصّ الآخر . وجاء الشطر الثاني كله في « قصة الحسين الحلّاج » على « كاسات بشر كلّها واحات » ففضلنا رواية المصدر الآخر .
في البيت السادس : جاءت « شوقهم » في الأصل الثاني على « فوقهم » والصحيح ما أثبتناه .
في البيت السابع : جاءت « خرق » في « قصة الحسين الحلّاج » على « نار » وهي لائقة بالموضع وللأخرى وجه أيضا .
في البيت التاسع : جاءت « نثرت » في الأصل على « نشرت » والأولى أولى بالموضع والمعنى ، فكأنها بمعنى البدر التي تنثر في مجالس السرور .
في البيت العاشر : جاءت « عطرهم » على « ذكرهم » في « السفينة المرضية » .
وجاء الشطر كله في « قصة حسين الحلّاج » على « وسرت بنشر روائح نفحات « فاخترنا الرواية الأخرى التي أثبتناها .
التحقيق :
هذه المقطّعة ليست للحلّاج قطعا وذلك ظاهر من ألفاظها وأسلوبها ومعانيها ، وهي في الحق نظم لعبارة نسبت إلى الإمام الرضا ( علي بن موسى بن جعفر الصادق ، ت 203 هـ / 818 - 19 م ) ونصّها : « إنّ للّه - تبارك

« 418 »
وتعالى - شرابا لأوليائه : إذا شربوا سكروا ، وإذا سكروا طربوا ، وإذا طربوا طابوا ، وإذا طابوا ذابوا ، وإذا ذابوا خلصوا ، وإذا خلصوا وصلوا ، وإذا وصلوا اتّصلوا ، وإذا اتّصلوا لا فرق بينهم وبين حبيبهم » ( انظر كتابنا الصلة بين التصوف والتشيع 1 / 336 - 37 ، )
وكتابنا : (الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، ص 35 ) . وللحلّاج في هذا المعنى قوله :
« . . . أخفاه فأدناه وأولاه فأصطفاه وأرواه وبلاه فأشفاه ( كذا ) . . .
ودعي فأجاب ، وأبصر فغاب ، وشرب فطاب وقرب فهاب . فارق الأمصار والأنصار والأسرار والأبصار والآثار . . . » ( الطواسين ، ص 33 - 34 ) .

[ 12 ]من الطويل :
1 - متى سهرت عيني لغيرك أو بكت * فلا أعطيت ما منّيت وتمنّت
 442 - وإن أضمرت يوما سواك فلا رعت * رياض المنى من وجنتيك وجنّة
 45التحقيق :
أ - في البيت الثاني : وردت « جنّة » على « جنّت » بالفعلية ، وما أثبتناه أصح وأنسب للاقتران الواضح بين « الجنّة » وبين « رياض المنى » السابقة عليها .
ب - نسب ماسينيون هذه المقطّعة إلى سمنون المحبّ ( بن حمزة أو عبد اللّه الخوّاص البصري ، ت قبل 298 هـ / 910 م ) الذي كان مستهترا بالحبّ الإلهي .
ج - ذكر الخطيب البغدادي أنّ القنّاد قال في روايتها : « أنشدني الحسين بن منصور الحلّاج » ( 8 / 116 ) .
...............................................................................................
[ 12 ]
الديوان ، ص 117 ، وذكر ماسينيون أن القناد رواهما للحلّاج ( ابن جهضم عن الخطيب : تاريخ بغداد : 8 / 116 ، السمعاني ، ابن خميس ، اليافعي والصفدي ) .

« 419 »
د - معنى المقطّعة أنّ الناظم قد وحّد محبوبه وقصر عليه قلبه ولبّه وأرقه ودمعه وهو يقسم أنه باق على هذا العهد ، وإن أخلف فإنه يتقبّل الحرمان راضيا من تحسّس الشعر الأخضر الغضّ في وجنتي محبوبه وتقبيلها ومن تلمّس الحمرة الجميلة في خدّيه ، فكأنه بين روضة وجنّة .
هـ - واضح أنّ هذا الشعر شديد الحسّية فاضح الشهوانية ومن هنا يبعد أن يصدر من الحلّاج أو سمنون المحبّ نظما ، ولهذا فهذا تمثّل واستشهاد .
[ 13 ]من الطويل :
1 - سقوني وقالوا : لا تغنّ ، ولو سقوا * جبال حنين ما سقيت لغنّت
 462 - تمنّت سليمى أن أموت بحبّها * وأسهل شيء عندنا ما تمنّت !
 47التحقيق :
أ - واضح أنّ الحلّاج مستشهد بالبيتين هنا . ومن أقدم الكتب التي روت البيت الأول ، الموشّى للوشّا ( أبي الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى ، من رجال القرن الثالث الهجري : التاسع الميلادي ) حيث ذكر أنه « كتب بعض المغنين على عوده » :
سقوني وقالوا : لا تغنّ ، ولو سقوا * جبال حنين ما سقوني لغنّت
تجنّت علي الخود ذنبا علمته * فيا ويلتي منها وممّا تجنّت
وأنشدت لآخر: سقوني وقالوا لا تغنّ ولو سقوا ... جبال شمام ما سقوني لغنّت (ألإمتاع والمؤانسة)
وفي ذلك قال الإمام المقدسي، مضمنا للبيت المذكور:
أباحت دمي إذ باح قلبي بحبها ... وحل لها في حكمها ما استحلت
وما كنت ممن يظهر السر إنّما ... عروس هواها في ضميري تجلت
فشاهدتها فاستغرقتني فكرة ... أغيب بها عن كل كلي وجملتي
إذا سألت من أنت؟ قلت أنا الذي ... بقائي إذا أفنيت قيل هويتي
أنا الحق في عشقي كما أن سيهي ... هو الحق في حسني لغير معية
فإن كنت في سكري شطحت فإنني ... حكمت بتمزيق الفؤاد المفتت
ولا غرو إنَّ أصليت نار تحرقي ... فنار الهوى للعاشقين أعدت
ومن عجبي أنَّ الذين أحبهم ... وقد أعلقوا أيدي الهوى بأعنة
سقوني وقالوا لا تغن، ولو سقوا ... جبال حنين ما سقوني، لغنت
(الكتاب: زهر الأكم في الأمثال والحكم المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ))
...............................................................................................
[ 13 ]   الديوان ، ص 128 عن : عين القضاة الهمداني : شكوى ، ورقة 42 أ ، ابن الجوزي :
نرجس ياقوت : 3 / 283 ، زكريا القزويني : عجائب المخلوقات : 2 / 112 ، العز المقدسي : شرح ، اليافعي : نشر المحاسن الغالية ، ورقة 106 ، البستاني : دائرة المعارف ، ص 433 ، ( 7 / 151 ) .
وانظر أيضا : آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص 166 ، ( البيتان ) ، الكشكول لبهاء الدين العاملي ( محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي ، ت 1031 هـ - 1622 - 3 م ، مصر 1288 هـ ، ص 39 ، البيت الأول فقط ) ، تزيين الأسواق للأنطاكي ، بولاق 1291 ، 2 / 121 ، البيت الأول فقط .

« 420 »
وأورد ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ما لعله أن يكون جزءا منها ، وهو :
شربت مع الجوزاء كأسا رويّة * وأخرى مع الشعري إذا ما استقلت
معتّقة كانت قريش تصونها * فلما استحلّوا قتل عثمان حلت
( 2 : 303 نسبة إلى امرأة شامية من نساء القرن الأول الهجري ) .
وجاء في رسالة « زهر الربيع في المثل البديع » من كتاب : « التحفة البهية والطرفة الشهية » ، الجوائب 1302 ، البيت الأول أيضا ، أول ثلاثة أبيات ، هي :
سقوني وقالوا : لا تغنّ ولو سقوا * جبال حنين ما سقيت لغنّت
إذا جاءت الدنيا عليك فجد بها * على الناس طرّا قبل أن تتفلّت
فلا الجود يفنيها إذا ( هي ) أقبلت * ولا البخل يبقيها إذا هي ولّت
( ص 82 ) وواضح أنّ النصّ المختار أقرب الأشكال إلى إثارة العاطفة الصوفية .
ب - ذكر القزويني « جبال سراة » بدل « جبال حنين » وذكر ماسينيون أن ياقوت الحموي اختار « شروري » ! وشروري هناك : «جبل مطلّ على تبوك» ولم يشر إلى قائل البيت الأول الذي رواه وحده (معجم البلدان ، ليبزيغ 1866 - 70 م ، 3 / 283).
ج - هذه المقطّعة من شعر السمهري العكلي ( أبي الديلم بن بشر بن أويس اللصّ ، قتل أيام عبد الملك بن مروان لمشاركته في جريمة قتل)، (انظر أخباره في الأغاني ، طبع دار الثقافة ببيروت ، 21 / 257 - 272 ) وقد أورد أبو الفرج الأصفهاني له منها قوله :
تمنّت سليمى أن أقيل بأرضها * وأنّى لسلمى ويبها ما تمنّت
ألا ليت شعري هل أزورنّ ساجرا * وقد رويت ماء الغوادي وعلّت
وويوبها بمعنى ويلها كما في القاموس المحيط ( باب الباء ، فصل الواو ) .

« 421 »
وذكر أبو الفرج في موضع سابق ( 8 / 181 ) أنه « شرب طخيم الأسدي بالحيرة فأخذه العبّاس بن معبد المرّي - وكان على شرطة يوسف بن عمر - ( ق 127 هـ / 745 م ) فحلق رأسه فقال :
وبالحيرة البيضاء شيخ مسلّط * إذا حلف الأيمان باللّه برّت
لقد حلقوا منّا غدافا كأنّها * عناقيد كرم أينعت فاسبطرّت
يظلّ العذارى حين تحلق لمتي * على عجل يلقطهنا حين جزّت
فلعل بيتي المتن وما يتصل بهما ، مما وردا في الكتب التي ذكرناها ، من قصيدة لهذا الشاعر فضمّنها موضوعا خمريا جميلا .
وجاء في مجموعة « الأمير منجك باشا » من مخطوطات مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد رقم 441 ( ورقة 2130 ) أنه « قبض على شيخ أخذ منه السكر [ في أيام عمر بن عبد العزيز ] وهو يقول :
سقوني وقالوا : لا تغنّ ، ولو سقوا * جبال حنين ما سقيت لغنّت
وفي ذلك توثيق للنسبة السابقة .
د - استعرض الشيخ الحريفيش كبار الصوفية وخصائصهم فقال في الحلّاج : « وسقى صرف المزاج للحلّاج ، فكرّ وهاج وباح بالأسرار ونادى بلسان وجده - وقد خرج عن حدّه ولم يطق اصطبارا - :
( كان وكان ) [ - من فنون الشعر العاميّ في بغداد في القرن السادس الهجري : الثاني عشر الميلادي فما بعد ] :
يا ذا الذي قد سقاني * من صرف كاسات الهوى
وقال لي : لا تغنّ * فتهتك الأستار
ولو سقي فرد قطره * مما سقاني للجبل
غنّى وصاح وأضحى * بين الجبال 
غبارالقوم دارت عليهم * في الليل كاسات الصفا
فأصبحوا في البرايا * سكرى بغير خمار

« 422 »
منها الجنيد تروّى * وبشر بشّر بالفرح
ومن سناها الشبلي * بدت له الأنوار
وكم كتم ابن أدهم * حاله وذو النون اختفى
فصار بين الندامى * معروف بالإشهار
قوم دعوا فأجابوا * وطهّروا أسرار
هموأخلصوا في المحبّة * لعالم الأسرار
فهم رجال الحقيقة * وهم ملوك الآخرة
وهم شيوخ الطريقة * لهم سما المقدار
يا فوز من كان سالك * طريقهم أو يقتديأ
و يهتدي بهواهم * ويتبع الآثار
بهم عن الخلق تدفع * كلّ البلايا والمحن
لولا سناهم لكانت * تزلزل الأقطار
فهم طراز الدنيا * وهم شموس الهدى
بهم ترى الأرض تنبت * وتنزل الأمطار( الروض الفائق في المواعظ والرقائق ، ص 124 ) .
د - تمثّل اليافعي بالبيت الأول عند قوله : « ليس بين المنكر عليهم ( الصوفية ) وبين ترك الإنكار من الفقهاء والجهّال إلا أن يذوق راحة المحبة التي ذاقوا عند مشاهدة الجمال ، فيصير صوفيّا شاء أو أبى ، ويخلع العذار وينشد لسان حاله ما قاله شارب العقار » ( البيت ، نشر المحاسن الغالية ، ص 429 ) .
هـ - ضمّن عز الدين محمد بن عبد السلام المرسي الأنصاري الواعظ ، المعروف بابن غانم المقدسي ، ت 678 هـ / 1280 م ) البيت الأول من قطعة جميلة نظمها على لسان حال الحلّاج وقدّم لها بعبارة رقيقة نوردها فيما يلي :
يا حلّاج ، فما أسرع ما كانت الشفاعة ، وما كانت الخلوة إلا ساعة ! ارتضعت من ثديي محبّتنا رضعة ، وتجرّعت من كؤوس صفوتنا جرعة ، فما لبثت لحظة وما كتمت غمضة .

« 423 »
شعر :
أباحت دمي إذ باح قلبي بحبها ... وحل لها في حكمها ما استحلت
وما كنت ممن يظهر السر إنّما ... عروس هواها في ضميري تجلت
فشاهدتها فاستغرقتني فكرة ... أغيب بها عن كل كلي وجملتي
وحلت محل الكل مني بكلها ... فإياي إياها إذا ما تبدت
ونمت على سري فكانت هي التي ... عليها بها بين البرية نمت
إذا سألت من أنت؟ قلت أنا الذي ... بقائي إذا أفنيت قيل هويتي
أنا الحق في عشقي كما أن سيهي ... هو الحق في حسني لغير معية
فإن كنت في سكري شطحت فإنني ... حكمت بتمزيق الفؤاد المفتت
ولا غرو إنَّ أصليت نار تحرقي ... فنار الهوى للعاشقين أعدت
ومن عجبي أنَّ الذين أحبهم ... وقد أعلقوا أيدي الهوى بأعنة
سقوني وقالوا لا تغن، ولو سقوا ... جبال حنين ما سقوني، لغنت 
جبال حنين لم تكن تعرف الهوى * ولو علمت ما في الغرام لأنّت
سقوني مع النسرين كأسا رويّة * وأخرى مع الجوز إذا ما استقلّت
( شرح حال الأولياء له ، مخطوط المتحف العراقي رقم 1254 ، ورقة 34 أ - ب ، وجاءت « أصليت » في البيت العاشر على أصينت » في الأصل والصحيح ما أثبتناه . 
« والنسران » ، اللذان شرب الشاعر معهما كأسا رويّة :
هما « نجمان أحدهما الواقع والآخر الطائر وهما شاميّان » كما في الأنواء لابن قتيبة الدينوري ( أبي محمد عبد اللّه بن مسلم ، ت 276 هـ / 879 م ، حيدر آباد 1375 هـ / 1956 م ، ص 151 ) .
وفي التعريف بالكوكبين قال ابن قتيبة : « وأما الطائر فهو إزاء الواقع وبينهما المجرّة » ( ص 151 ) . 
ويريد الشاعر بقوله : « سقوني مع النسرين » أنّه شرب عند طلوعهما ، وطلوع النسر الواقع « لأربع ليال تخلو من تموز » ( يولية ) ( أيضا ، ص 49 ) . 
وطلوع الطائر « لسبع عشرة ليلة تمضي من تموز » ( أيضا ، ص 54 ) . 
وهذا يعني أنه شرب في الصيف فزاده سكرا فلم يدر ما يقول .
وفي هذا إشارة إلى تمثّل الحلّاج بقول الحسين الخليع :
نديمي غير منسوب * إلى شيء من الحيف
إلى أن يقول :

« 424 »
كذا من يشرب الرا * ح مع التنّين في الصيف ويرد في موضعه .
و - كذلك ضمّن البيت المذكور مقطّعة متأخرة شبه شعبية وردت في « قصة الحلّاج » نذكرها إتماما للفائدة ، وإن كانت مليئة بالتصحيف الموئس :سقوني وقالوا :
 لا تغنّ ولو سقوا * جبال حنين ما سقيت لغنّت
جبال حنين صمّ لم تعرف الهوى * ولو أنّها عرفت لكانت تغنّت
حرمت الرضا إن كنت ( قلت ) حديثكم * سمعت بأذني ما حلا لي قصمتي
وإني لباكي العين في ظلّ منزلي * ( زعقت ) فأحرقت الخيام بزعقتي
أيا سادتي ( إنّي ) أخاف عليكم * ( وجود ) هواها في الدّجى أيّ وجدة
ومجنون ليلى مات في الحبّ واحدا * وفرّط في الأيام حتى تولّت
فيا أيها العاصي الذي ضاع عمره * ( تبادر ) إلى باب الحبيب بسرعة
إذا كنت تهوى القوم فاهجر سواهم * تجده رحيما غافرا للخطيئة
وأسأله الغفران والعفو والرضا * على طيب أوقات مضت وتولّت( ص 12 ) ، 
وقد أضفنا « زعقت » إلى المصراع الثاني من البيت الرابع لمناسبة المعنى وأضفنا قبلها « قلت » إلى الشطر الأول من البيت الثالث لمناسبتها للموضع ولعدم صلاحية « بحت » لنصب « حديثكم » وكان الموضع خاليا . 
وفي البيت الخامس أضفنا « إني » و « وجود » لإقامة الوزن وموازنة المعنى ، وهكذا .
ز - مع ما في هذه المعاني من اعتذار عن الشطح واعتراف به قال قائل الصوفية :
ومقعد قوم قد مشى من شرابنا * وأعمى سقيناه ثلاثا فأبصرا
وأخرس لم ينطق ثلاثين حجّة * أدرنا عليه الكاس يوما فأخبرا
( لطائف الإشارات للقشيري ، 3 : 40 ) .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:09 pm

أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية الجيم
[ 14 ]من المديد :
1 - يا بديع الدلّ والغنج * لك سلطان على المهج
 482 - إنّ بيتا أنت ساكنه * غير محتاج إلى السرج
 493 - وجهك المأمول حجّتنا * يوم يأتي الناس بالحجج

 50التحقيق :
أ - هذه المقطّعة سحرت الحلّاج والشبلي فتمثلا بها من شعر ديك الجن ( عبد السلام بن رغبان الكلبي ، ت 235 هـ / 850 م ) وقد نسبت إلى عبد الصمد بن المعذّل ( ت نحو 240 هـ / 854 - 5 م ) أيضا . وقد سها ماسينيون عن نسبتها إلى ديك الجن مطلقا .
( انظر ديوان ديك الجن بتحقيق الدكتور أحمد مطلوب وعبد اللّه الجبوري ، بيروت 1966 ، ص 161 ، وارجع إلى ديوان الشبلي ، ص 139 - 140 ) .
...............................................................................................
[ 14 ]
الديوان ، ص 110 ( ما تمثل به الحلّاج ) عن : ابن العربي الحاتمي الطائي( عربي ) : تاريخ مختصر الدول ، ص 287 ، السراج : اللمع ، ص 209 ، 376 ، السراج ، مشارع ، ابن الجوزي :
رؤوس القوارير ، ص 43 ، التركماني : اللمع .
وانظر أيضا : ديوان الشبلي ( الملحق الأول ، ص 139 ) وفيه جمهرة من المصادر نسبت المقطعة إلى الشبلي .

« 426 »

ب - ذكر أبو القاسم علي بن محمد التنوخي ( 278 - 342 هـ / 891 - 953 م ) أنّه « كان ببغداد صوفي يعرف بأبي الفتح الأعور يجلس في مجلس أبي عبد اللّه البهلول ( أحمد بن إسحاق ، ت 318 هـ / 1027 م ) يقرأ بالألحان قراءة حسنة - وصبيّ يقرأ : أو لم نعمركم ؟ ما يتذكر فيه من تذكّر ، فزعق الصوفي : بلى ، بلى ، زعقات ، ثم أغمي عليه . 
وانتهى به الأمر إلى الموت لمّا سمع هذه المقطعة 
وذكر أبو القاسم أن الصوفية إذا قالوا : وجهك المأمول حجتنا ، نقلوه إلى ما لهم من المعاني » . وذكر أن القصة وقعت سنة 305 هـ / 917 - 918 م .
( انظر كتاب آداب الصحبة والمعاشرة مع جميع الخلق المنسوب إلى الغزالي ، مخطوط في معهد الدراسات الإسلامية برقم 1225 ، ص 25 ، وترد أيضا في مصارع العشاق للسراج القاري : أبي محمد جعفر بن أحمد بن الحسين ، 417 - 500 هـ / 1026 - 1106 م ، بيروت 1378 هـ / 1958 م ، 2 / 220 ، وفيه أن هذه القصة وقعت سنة 350 هـ / 961 م وهو تصحيف واضح إذ كانت وفاة الراوي قبل الخبر بثماني سنين ) ! .
ج - « السلطان على المهج » يستدعي بذلها ، وبذل المهج في التصوف رمز معناه « بذل مجهود استطاعة العبد على قدر طاقته في توجّهه إلى اللّه وإيثاره اللّه عزّ وجلّ - على جمع محابّه » ( اللمع للسراج ، ص 443 ) .

[ 15 ]من الكامل :
بالسرّ إن باحوا تباح دماؤهم * وكذا دماء البائحين تباح 51
...............................................................................................
[ 15 ]
الديوان ، ص 130 عن : ابن عجيبة : الفتوحات الإلهية ، ص 347 ( ولم أجده في الطبعة التي بين يدي ) .
قال الشيخ ابن عجيبة في الفتوحات الإلهية فى شرح المباجث الأصلية لابن البنا السرقسطى:" 
قال في الحكم: الأكوان ثابتة بإثباته ممحوة بأحدية ذاته . وفي الكلام عن الإشارة: بل العارف من لا إشارة له, لفنائه في وجوده وانطوائه في شهوده.
وقوله: فأطلق القول أنا معبودي, إطلاق هذا القول لا يسلم له, إلا في حالة القوة والجذب, وإلا فقد علمت ما وقع للحلاج, وهو لي الله حقا, وفي معنى ذلك قيل:
ومن شهد الحقيقة فليصنها ..... وإلا سوف يقتل بالسنان
كحلاج المحبة إذا تبدت ..... له شمس الحقيقة بالتدان
وقال آخر:  بالسر إن باحوا تباح دماؤهم ..... وكذا دماء البائحين تباح
قال ابن خلدون: قتل الحلاج بفتوى أهل الظاهر, وأهل الباطن: أهل الشريعة وأهل الحقيقة, لأنه باح السر, فوجبت عقوبته.
ومنن أفتى بقتله: الجنيد, والشبلي, غيرة على السر أن يفشى لغير أهله, فالواجب كتم الأسرار, وإظهار شريعة النبي المختار, ولله در الششتري حيث يقول:
شق ثوب الوهم شقه ..... ترتفع عنك المشقة
إن منك اليوم شوقا ..... فافن عن ذاتك ترقى"

« 427 »
التحقيق :
أ - هذا البيت جزء من قطعة مشهورة للسهروردي المقتول ( يحيى بن حبش بن أميرك ) يقول في مطلعها :
أبدا تحنّ إليكم الأرواح * ووصالكم ريحانها والراح
ومنها :
وراحمتا للعاشقين تكلّفوا * ستر المحبّة والهوى فضّاح
بالسرّ إن باحوا تباح دماؤهم * وكذا دماء البائحين تباح
وإذا همو كتموا تحدّث عنهم * عند الوشاة المدمح السفّاح
وبدت شواهد للسقام عليهم * فيها لمشكل أمرهم إيضاح
ومنها في نهايتها :
قم يا نديم إلى المدام فهاتها * في كأسها قد دارت الأقداح
من كرم إكرام بدنّ ديانة * لا خمرة قد داسها الفلّاح
( انظر مثلا عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة ، موفق الدين أبي العباس أحمد بن القاسم السعدي الخزرجي ، ت 668 هـ / 1269 م ، بيروت 1376 / 1956 ، 3 / 278 ، وفيات الأعيان لابن خلكان ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، الجزء الخامس ، مصر 1949 ، ص 314 ، الكواكب الدرّية للمناوي 2 / 107 وكتاب في العشق وأخبار العشاق لمجهول ، مخطوط معهد الدراسات الإسلامية العليا بجامعة بغداد ، رقم 305 ، ص 212 ) .
ب - واضح أن هذا البيت وارد على لسان الحال وأنّه نسب إلى الحلّاج على هذه النيّة .
ج - ترد في هذا المعنى جملة صالحة من أشعار الصوفية وأهل العشق فمنها قول القائل :مساكين أهل العشق حتى قبورهم * عليها تراب الذل دون الخلائق

« 428 »
( كتاب في العشق وأخبار العشاق ) المذكور ، ص 144 .
ومنها من الشعر التقليدي قول نصيب :
ولما رأتني والوشاة تحدّرت * مدامعها خوفا ولم تتكلم
مساكين أهل العشق ما كنت أشتري * جميع حياة العاشقين بدرهم !
( الأغاني ، دار الكتب 1 : 375 ) .
د - في مقابل هذا البيت وما يتصل به من حواش ، ورد قول بعض الصوفية ، وكتبه - فيما قيل - على جذع الحلّاج :
ليكن صدرك للأسرار حصنا لا يرام * إنما ينطق بالسرّ ويفشيه اللّئام
( تكملة تاريخ الطبري للهمداني ، ص 28 ) .

[ 16 ]من الكامل :
1 - لا تسأمنّ مقالتي يا صاح * واقبل نصيحة ناصح نصّاح
 522 - ليس التصوّف حيلة وتكلّفا * وتقشّفا وتواجدا بصياح
 533 - ليس التصوّف كذبة وبطالة * وجهالة ودعاية بمزاح
 544 - بل عفة ومروءة وفتوّة * وقناعة وطهارة بصلاح
 555 - وتقى وعلم واقتداء وصفا * ورضى وصدق ووفا بسماح
 566 - من قام فيه بحقّه وحقوقه * وخلا عن الحدثان والأشباح
 577 - متيقّنا متصبّرا متشمّرا * مستمطرا متقصد السيّاح
 588 - متعزّزا متحرّزا متواضعا * متبدّل الأشباح والأرواح 59
...............................................................................................
[ 16 ]
الديوان ، ص 120 - 121 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 333 ب ، والتحديد للبستاني في دائرة المعارف ، ( مادة : تصوف ) ، ( الأبيات 2 - 6 ) .
وانظر أيضا : شرح منازل السائرين للفركاوي (محمود القادري ، مؤلف في أواخر القرن الثامن الهجري - الرابع عشر الميلادي ، مصر 1953، ص 79 : الأبيات 1، 2 ، 4 ، 8، 9 ، مع خروم في الأشطر الثانية من الأبيات 2 ، 4 ، 8).

« 429 »
9 - تتشعشع الأنوار من أسراره * كتشعشع المشكاة في المصباح
 610 - تاء التقى صاد الصفا واو الوفا * فاء الفتوّة ، فاغتنم يا صاح

 61التحقيق :
أ - كانت هذه المقطّعة ميؤوسا من إصلاحها وقد تكلّفنا كثيرا في هذا السبيل وغيّرنا ترتيب الأبيات ليتمّ التسلسل فيها على نحو مقبول ، وبقي فيها البيت السابع غير مستقر الشطر الثاني الذي كان في الأصل على : « مستمطرا متقصّدا سيّاح » ! ثم أضفنا الباء إلى « صياح » و « مزاح وصلاح وسماح » في قوافي الأبيات الثاني والثالث والرابع والخامس لإقامة المعنى اعتمادا على نصّ آخر مختصر من هذه القصيدة نورده بعد . 
وللاطلاع على مدى التصحيف في هذه الأبيات ارجع إلى الأصل .
ب - يبدو أن هذه الأبيات مزيدة على أصل قديم للسرّاج ورد في سعود المطالع : فيما تضمّنه الإلغاز في اسم حضرة والي مصر من العلوم اللوامع » للشيخ عبد الهادي نجا الإبياري ، مصر 1283 هـ / 245 ، نورده فيما يلي :
ليس التصوّف حيلة وبطالة * وجهالة ودعابة بمزاح
بل عفّة وفتوّة ومروءة * وزهادة وطهارة بصلاح
وتيقّن وتصبّر وتوكّل * وتذلّل وتكرّم بسماح
فإلى الرشاد غدوّه ورواحه * وإلى الصلاح مساؤه بصباح
ج - نسب المعلم بطرس البستاني هذه القصيدة إلى أبي نصر السرّاج صاحب كتاب اللمع ( ت 377 هـ / 987 - 8 م ) وذلك في مادة « تصوّف » من دائرة معارفه وكذلك فعل الفركاوي صاحب شرح منازل السائرين ، ص 71 ، 
وقد جاءت منسوبة إلى الحلّاج في كتاب « تقييد بعض الحكم والأشعار » وهو المخطوط الرئيس الذي استمد منه ماسينيون مادة الديوان .
د - يبدو أن ما حمل مصّنف الكتاب المذكور على نسبة هذه القصيدة إلى الحلّاج البيت الأخير منها الذي تضمّن عبارة « تتشعشع الأنوار » وكلمتي « المشكاة » و « المصباح » . 

« 430 »
أما التشعشع فقد كان أول المآخذ على الحلّاج وقد وقع علي بن عيسى الوزير فيه لقوله : « ينزل ذو النور الشعشعاني الذي يلمع بعد شعشعته » ( انظر مثلا الفهرست لابن النديم ، مصر 1348 هـ ، ص 270 ) . \
وأما المشكاة والمصباح فقد مرّا بنا في بيت الحلّاج الذي يقول فيه :
عقد النبوّة مصباح من النور * معلّق الوحي في مشكاة تأموره 
- وإذ تطرّقنا إلى المشكاة والمصباح ، يحسن أن نوجّه الأنظار إلى أن البيت الذي ورد فيه ركيك جدا ومقلوب البناء والمعنى إذ يقول :
تتشعشع الأنوار من أسراره * كتشعشع المشكاة في المصباح
وواضح أن المشكاة لا تتشعشع في المصباح إذ هو في داخلها وليست هي فيه لأنها الموضع الذي يوضع هو فيه ، فهنا خطأ واضح يبعد بهذا البيت وغيره عن الانتماء إلى السرّاج .
و - تداول الصوفية هذه القصيدة فيما يبدو فزادوا عليها ونقصوا منها ، ومن أمثلة ذلك النصّ الذي أورده الفركاوي في شرحه على منازل السائرين ، فسجّل الشطر الأول من البيت الثاني هكذا : « ليس التصوف جبّة مع عذبة » والعذبة في الأصل « الطرف الدقيق من الشيء كاللسان والسوط » كما في الصحاح ، وأطلقت فيما بعد على « عذبتين تسبلان للعمامة من خلفها » كما في القاموس المحيط وقد ابتدع ذلك في القرن الثامن الهجري .
ز - في الشعر التقليدي نموذج شبيه بهذه القصيدة وذلك في قول أبي الفتح البستي ( علي بن محمد الكاتب ، ت 400 هـ / 1009 - 10 م ) :
إقبل مشورة ناصح نفّاع * وتلقّ ما يهدى بسمع واع
لا تعتمد إلّا رئيسا فاضلا * إن الكيان أطبّ للأوجاع
( يتيمة الدهر للثعالبي ، 4 / 214 ) .
ح - في مجال غضب الصوفية على أبناء مشربهم ، يحسن أن نورد قول أبي الحسن المخزومي ( طاهر بن الحسين الصوفي ) :

« 431 »
ليس التصوّف أن يلاقيك الفتى * وعليه من نسج المسيح مرقّع
بطرائق بيض وسود لفقّت * فكأنه فيها غراب أبقع
إنّ التصوّف ملبس متعارف * فيه لموجده المهيمن يخشع
( محاضرة الأبرار لابن العربي الحاتمي الطائي ، 2 : 257 ) .

[ 17 ]من الطويل :
1 - وكان فؤادي خاليا قبل حبّكم * وكان بذكر الخلق يلهو ويمزح
 622 - فلما دعا داعي هواكم أجابه * فلست أراه عن وصالك يبرح
 633 - فإن شئت واصله وإن شئت بالجفا * فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
 64النص :
وردت « حبّكم » في الأصل على « حبّها » وما أثبتناه أليق بالموضع .
التحقيق :
أ - هذه المقطّعة تروى لسمنون بن حمزة المحبّ في تاريخ بغداد 9 / 237 ومصارع العشاق للسرّاج القاري ، 2 / 50 ، وهي خليقة به وإن كنا نرجّح إنشاده لها دون نظمها . 
وقد وردت في المرجعين المذكورين هكذا :
وكان فؤادي خاليا قبل حبّكم * وكان بذكر الخلق يلهو ويمزح
فلمّا دعا قلبي هواك أجابه * فلست أراه عن فنائك يبرح
رميت ببين منك إن كنت كاذبا * وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح
وإن كان شيء في البلاد بأسرها * إذا غبت عن عيني بعينيّ يملح
فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل * فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
ب - هذه المقطّعة أقرب إلى أسلوب محمد بن داود الأصفهاني صاحب كتاب الزهرة ، وقد جاءت ضمن أشعاره ، مع تقديم بيتين على هذه المقطعة الأخيرة ، وهما :
...............................................................................................
[ 17 ]
قصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار به الشوق ، ص 113 .

« 432 »
وقد كان يسبي القلب في كلّ ليلة * ثمانون بل تسعون نفسا وأرجح
يهيم بهذا ثم يعشق غيره * ويسلوهم من فوره حين يصبح
أوراق من ديوان أبي بكر محمد بن داود الأصفهاني ، بجمع وتحقيق د . نوري القيسي ، بغداد ، ص 41 .
ج - خمّس أحد الشعراء خمسة أبيات من هذه المقطعة على الصورة الآتية :
( 1 ) كفاني شفيعا أنّني مغرم بكم * وأنّي قد سمّيت باسم محبّكم
وقلبي لا يرتاح إلّا بذكركم
« وكان فؤادي خاليا قبل حبّكم * وكان بذكر الخلق يزهو ويمزح »
( 2 ) أطال عذولي في هواك عتابه * وأكثر لكن ما رددت جوابه
وقال : أتهوى من أطال احتجابه
« فلما دعا قلبي هواك أجابه * فلست أراه عن ودادك يبرح »
( 3 ) فكيف التسلّي عنك ؟ ما الصبر مذهبي * وقلبي على محض المحبّة قد ربي
ترى وصلك المرجى لغيري قد خبي
« حرام على جفني الكرى ، يا معذّبي * وأنت على الهجران تمسي وتصبح »
( 4 ) فما لي لا ألقاك إلّا معاتبا ؟ * فهلّا بغير الهجر كنت معاقبا
فإن كان لي ذنب فقد جئت تائبا
« بليت ببين منك إن كنت كاذبا * وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح »

« 433 »
( 5 )أحبّك حبّا بالقيامة قد وصل * فإن لم تواصلني فشوقي متّصل * 
وما أنا عن دعوى هواك بمنفصل
« فإن واصلني وإن شئت لا تصل * فلست أرى قلبي لغيرك يصلح »
( مختصر الدرّ المكنون في غرائب الفنون للخليلي : يحيى بن أحمد ، مخطوط المتحف العراقي رقم 3093 ، ورقة 84 ب .
د - وردت يمزح على الراء في « قصة حسين الحلّاج . . . » والتصحيح من المرجعين الآخرين وإن كان ل « يمرح » وجهه ولعلّ ما يرجّح « يمزح » قول أبي نواس :صار جدّا ما مزحت به * ربّ جدّ جرّه الهزل

« 434 »
قافية الدال
[ 18 ]من الهزج :
1 - لقد أعجبني الوجد * بمن أهواه والفقد
 652 - فلا بعد ولا قرب * ولا وصل ولا صدّ
 653 - ولا فوق ولا تحت * ولا قبل ولا بعد
 654 - ولا عرف ولا نكر * ولا يأس ولا وعد
 655 - فهذا منتهى سؤل * ي وهو الواحد الفرد

 69التحقيق :
أ - في البيت الخامس : وردت « وأنت » في الأصل على « وهو » ولا يستقيم بها الوزن ولا المعنى وبما اخترنا يتحققان .
ب - في هذه القطعة تعبير عن الفناء الصوفي الذي يتمثل في وحدة الشهود ، وبه يتصل باطن الصوفي وبصيرته بالمثل الأعلى وينمو فيه إحساس بأنه جزء منه . 
عندئذ تمّحي القيم المتعارف عليها بين الناس في عالم المادة ، ويتجرد كل شيء من معناه الأرضي ليبقى شيء واحد هو الوحدة التي يتمثل فيها كلّ الوجود بشتى صوره وأشكاله .
ج - عدّت هذه المقطعة من لسان الحال ، في الأصل الذي ينقل منه ماسينيون . فيما يبدو .
...............................................................................................
[ 18 ]
الديوان ، ص 124 عن : تقييد بعض الحكم والأشعار ، مخطوط لندن ، ورقة 330 أ ، مخطوط تيمور ، ص 12 .

« 435 »
[ 19 ] من البسيط :
1 - الوجد يطرب من في الوجد راحته * والوجد عند وجود الحقّ مفقود
 702 - قد كان يوحشني وجدي ويؤنسني * برؤية الوجد من في الوجد موجود
 71التحقيق :
رجّح ماسينيون نسبة هذه القطعة للجنيد ولعلها كذلك .

[ 20 ] من الطويل :
1 - فقلت : أخلّائي ، هي الشمس ضوؤها * قريب ، ولكن في تناولها بعد
 72التحقيق :
أ - في الديوان ورد لفظ « ضؤوها » على « نورها » .
ب - في أخبار الحلّاج ، ص 81 ، أن رجلا قال : « دخلت على الحلّاج يوما فقلت له : أريد أن أطلب اللّه ، فأين أطلبه ؟ فاحمرّت وجنتاه وقال : « الحق تعالى عن الأين والمكان ، وتفرّد عن الوقت والزمان ، وتنزّه عن القلب والجنان ، واحتجب عن الكشف والبيان ، وتقدّس عن إدراك العيون
...............................................................................................
[ 19 ]
الديوان ، ص 115 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 317 أ ) مخطوط قازان ص 68 ، مخطوط فيينا ، ورقة 13 ، وقد نسبها الجامي إلى الخراز والكلاباذي إلى الجنيد ، وراجع التهانوي ( كشاف اصطلاحات الفنون ، ص 1435 ) .
وانظر أيضا : التعرف للكلاباذي ، ص 83 .
[ 20 ]
الديوان ، ص 107 عن تقييد : ( مخطوط لندن ، ورقة 339 ب ) ، مخطوط السليمانية بإسطنبول ، ص 13 ، مخطوط قازان ، ورقة 59 ، مخطوط تيمور ، ص 44 أخبار الحلّاج ، ص 81 .

« 436 »
وعما تحيط به أوهام الظنون . تفرّد عن الخلق بالقدم كما تفرّدوا عنه بالحدث ، فمن كان هذا صفته كيف يطلب السبيل إليه ، ثم بكى وقال » ( البيت ) .
ج - في الزهرة لأبي بكر الأصفهاني - بنقل ماسينيون - قول الشاعر :
هي الشمس مسكنها في السما * ء فعزّ الفؤاد عزاء جميلا
فلن تستطيع إليها الصعو * د ولن تستطيع إليك النزولا
( وهي للعباس بن الأحنف ) وليست في الديوان . 
بتحقيق عاتكة الخزرجي ، دار مصر ، 1373 هـ / 1954 م .

[ 21 ] من الكامل :
1 - عقد الخلائق في الإله عقائدا * وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه
 71التحقيق :
أ - ذكر سبط ابن الفارض أن هذا البيت لابن العربي الحاتمي الطائي ( ديوان ابن الفارض مخطوط الملّا ، ورقة 51 ب ) ، وذكر ابن تيمية في الرسائل والمسائل أن هذا « البيت يعرف لابن العربي الحاتمي الطائي ، فإن كان سبقه إليه الحلّاج - وقد تمثّل هو به - فإضافته إلى الحلّاج صحيحة » ، ص 81 . 
وذكر بهاء الدين العاملي أنّه لمحيي الدين بن العربي الحاتمي الطائي وهو يذكّر بقطعته المشهورة التي تتضمن قوله :
أدين بدين الحبّ أنّى توجّهت * ركائبه ، فالحب ديني وإيماني
والظاهر أنه له لا للحلّاج كما ظنّ ابن تيمية ، إذ لم يرد في مصنّف نعرفه على أنّه كذلك ، ولابن العربي الحاتمي الطائي في هذا المعنى أيضا قوله :
...............................................................................................
[ 21 ]
الديوان ، ص 123 عن مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ، ص 62 ، 81 .
وانظر أيضا : الكشكول للعاملي ، ص 147 .

« 437 »
إذا أنت لم تعرف إلهك فاعتكف * عليه بما تدري ولا تتخذ خدنا
فإني لكل الاعتقادات قابل * وإنّي منكم مثل ما أنتم منّا
( الديوان ، طبع بومبي ، ص 181 ) .
ب - لم يرد هذا البيت في ديوان ابن العربي الحاتمي الطائي ولا في شرح ترجمان الأشواق له ، ومع ذلك فهو بابن العربي الحاتمي الطائي أشبه .

[ 22 ]من الطويل :
1 - مواجيد أهل الحقّ تصدق عن وجدي * وأسرار أهل السرّ مكشوفة عندي
 74التحقيق :
عدّ ماسينيون هذا البيت من الآثار التي قيلت في لسان حال الحلّاج وواضح أنه مطلع مقطّعة تزيد على هذا البيت المفرد .

[ 23 ]من الطويل :
1 - وكم تشتكي ضرّ اشتياقك في الهوى * وأنت قريب والمراد بعيد ؟
 752 - فكن للأسى والسّقم والحزن والبكا * حليفا وأن آذاك منه لدود 
763 - سلام على قلب وروح ومهجة * سقين بكأس الودّ فهي تريد 77
...............................................................................................
[ 22 ]
الديوان ، ص 130 ( في لسان حال الحلّاج ) عن : الهمداني : تكملة تاريخ الطبري ، طبع دي كوجيه ، ص 98 .
[ 23 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 331 ب .

« 438 »
النص :
الشطر الثاني من البيت : جاء في الأصل على « وإن ذاك منك لذيذ » وما أثبتناه يقيم المعنى ، واللدود : الشديد الخصومة .

[ 24 ]من البسيط :
1 - ما في صفاتك عند السرّ منه يرى * لا شيء عندك موجود إذا وجدا
 782 - فبادري قبل أن تبّقي مشرّدة * عن التقدّس والعفو الذي حمدا
 793 - فأنت جوهر ذاك الأصل فانتهجي * مناهج الحقّ والخير الذي قصدا
 804 - لا تصحبنّ من الأشباح سائمة * ولا تعودي إلى إنسيّة أبدا 
81النص :
في البيت الثاني : جاءت « فبادري » في الأصل على « وبادرني » ، وجاءت « عن » على « عند » .
في البيت الرابع : جاءت «سائمة» على «سالمة»، وجاءت « ولا تعودي » على « فلا تعد ».

التحقيق :
في مناسبة إيراد هذه المقطعة ذكر المصنف المجهول أنّ الحلّاج كان يقول : « حب - عزّ وجلّ - أزال عن قلوب أوليائه سرور الطاعة : إذ لا سرور إلا [ ب ] الحق و « أنشد » [ المقطعة ] .
...............................................................................................
[ 24 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 341 أ .

« 439 »
قافية الراء
[ 25 ] من الطويل :
1 - تعوّدت مسّ الضرّ حتى ألفته * وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
 82التحقيق :
أ - نقل ماسينيون هذا البيت مصحّفا ، فسجّل « تعودّت » على « تعوّضت » .
ب - وجاء البيت أشدّ تصحيفا في « نشر المحاسن الغالية » لليافعي ، ص 287 ، حيث رواه هكذا :
تمكّن منّي الصبر حتى ألفته * وأسلمني حسن العزاء إلى القبر
وقد أخذنا تصحيحه ، على هذه الصورة الأوّلية ذات الطابع الصوفي ، من جامع الأنوار في مناقب الأخيار للبندنيجي ( عيسى صفاء الدين ، ت 1283 هـ / 1866 - 7 م ) مخطوط المتحف العراقي ببغداد ، رقم 336 ، ص 357 .
ج - تمثل بهذا البيت أيضا إبراهيم بن أحمد الخوّاص الصوفي ( ت 261 أو 284 هـ / 874 أو 897 م ) فحوّره وأخذ معه بيتا آخر وقال :
...............................................................................................
[ 25 ]
الديوان ، ص 115 عن ابن خميس : مناقب ، ص 150 .

« 440 »
تعوّدت مسّ الضرّ حتى ألفته * وأحوجني طول البلاء إلى الصبر
وقطّعت أطماعي من الناس آيسا * لعلمي بصنع اللّه من حيث لا أدري
( الكواكب الدرّية 1 / 185 ) . 
قال أبو العتاهية:
تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأحوجني طول العزاء إلى الصبر
ووسع صبري بالأذى الأنس بالأذى ... وقد كنت أحيانا يضيق به صدري
وصيرني يأسي من الناس راجيا ... لسرعة لطف الله من حيث لا أدري
(مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي)
وسال بعد ذلك سيلهما عند الصوفية ، فوردا في حلية الأولياء 10 / 330 ، دون نسبة بإنشاد الخوّاص أيضا ، وفي سراج الملوك للطرطوشي ( أبي بكر محمد بن الوليد الفهري المالكي ، ت 520 هـ / 1126 م ) ، مصر 1319 هـ ، ص 89 ، والإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي ( عبد اللّه بن محمد بن عامر الشافعي ، 1091 - 1171 هـ / 1680 - 1757 م ) ، مصر 1316 هـ ، ص 226 - 227 ، وغيرهم .
د - ذكر اليافعي أنّ الحلّاج أنشد هذا البيت ، وهذا يعني - ابتداء - أنّه ليس له .
هـ - روى البيتين أوّلا حاضر أو خالص داعية عيسى بن زيد بن علي بن الحسين ، الذي أوصى له إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن ( ق 145 هـ / 762 م) بالقيادة ومات مختفيا أيام المهدي العباسي (حكم 158 - 169 هـ / 775 - 785 م ) أو بعد ذلك بيسير. 
وقد سمعهما أبو العتاهية من حاضر المذكور في سجن جمعهما فانتحلهما وصنع مقطّعة أوّلها .
إلى اللّه كلّ الأمر في الخلق كلّه * وليس إلى المخلوق شيء من الأمر
( وانظر الديوان بتحقيق الدكتور شكري فيصل ، دمشق 1384 هـ / 1965 م ) ، ص 174 والهامش ، الأغاني دار الكتب ، 4 / 92 - 93 ، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني أيضا ، مصر 1368 هـ / 1949 م ، ص 425 ، وفيات الأعيان ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، 1 / 202 ) ، والبيتان - برواية الأغاني - هما :
تعوّدت مرّ الصبر حتى ألفته * وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس راجيا * لحسن صنيع اللّه من حيث لا أدري
( وترد « مرّ » في المراجع كلّها على « مسّ » إلا في الأغاني ) .
وأنشأ إبراهيم الخواص يقول:
تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأسلمنى حب العراء إلى الصبر
وقطعت أيامى من الناس آيساً ... لعلمي بصنع الله من حيث لا أدرى
(الكتاب : طبقات الأولياء لابن الملقن)
و - يبدو أن حاضرا المذكور كان يردّد بيتين من نظم عبد اللّه بن

« 441 »
معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ( ت 131 هـ 748 - 9 م ) ، إذ يرد له في الأغاني قوله :
إذا افتقرت نفسي قصرت افتقارها * عليها ، فلم يظهر لها أبدا فقري
وإن تلقني في الدهر مندوحة الغنى * يكن لأخلائيّ التوسّع في اليسر
فلا العسر يزري بي إذا هو نالني * ولا اليسر - يوما ، إن ظفرت به – فخري
( 11 : 72 ، وانظر شرح لاميّة العجم للصفدي ، مصر 1305 هـ ، 1 : 29 ) .
ز - واضح أن ما حمل اليافعي على إضافة هذا البيت إلى الحلّاج ما قرأ ، مما روي عن هذا الصوفي أنّه قال :
لئن أمسيت في ثوبي عديم * لقد بليا على حرّ كريم
فلا يحزنك أن أبصرت حالا * مغيّرة عن الحال القديم
فلي نفس ستتلف أو سترقى * لعمرك - بي إلى أمر جسيم
فلعلّ وحدة الموضوع حملته على ما فعل .

[ 26 ] من الوافر :
1 - طلبت المستقرّ بكلّ أرض * فلم أر لي بأرض مستقرّا
 832 - وذقت من الزمان وذاق مني * [ فكان ] مذاقه حلوا ومرّا
 843 - أطعت مطامعي فاستعبدتني * ولو أنّي قنعت لكنت حرّا 85
................................................................................................
[ 26 ]
الديوان ، ص 114 ( مع القسم الثاني : تمثل الحلّاج بأشعار القدماء ) عن القاضي أبي العلاء الواسطي ( تاريخ بغداد : 8 / 130 ) ، أربعة نصوص ، نصا لسلمي ، ص 23 ، مخطوط جنيزة ، رقم 5 ( الأبيات الثلاثة ) . وفي « أربعة نصوص » ذكر ماسينيون أن هذه المقطعة وردت أيضا في المنتظم والناموس وتلبيس إبليس لابن الجوزي وكذا رواها الذهبي وابن خلكان .

« 442 »
التحقيق :
أ - رتّب ماسينيون المقطّعة بوضع البيتين الأخيرين أحدهما مكان الآخر ، وبترتيبنا المستمد من مصادرنا يتسق المعنى ويتسلسل .
ب - في نصّ ماسينيون ، جاءت « ذقت » و « ذاق » في البيت الثالث ، على « نلت » و « نال » والروايتان سائغتان معا .
ج - في البداية والنهاية وردت « لكنت » - في البيت الثالث - على « لعشت » وهي أنسب للمعنى فعلا غير أنّ الأصل - فيما يبدو من التواتر - على « لكنت » .
د - وردت ( وكان ) في البيت الثاني على « وجدت » والأخيرة قلقة في موضعها إذ المفروض في جملة في موضعها أن تقترن بالفاء أو الواو وجاءت « وجدت » خلوا منها ، ولهذا ينبغي أن تكون « فكان » أو « وكان » وبه يتسق البناء النحوي والتسلسل الشعري ، وهذا أمر لم يلتفت إليه محققو النصوص التي جاءت فيها هذه المقطّعة .
هـ - هذه الأبيات لأبي العتاهية ، كما توصّل إلى ذلك ماسينيون نفسه في الديوان وكتابه الآخر : أربعة نصوص ( نصّ السلمي ، ص 23 ) . وقد نسب الراغب الأصفهاني البيت الثالث إلى أبي العتاهية أيضا ( أنظر فقرة المصدر ) .
...............................................................................................
وانظر أيضا : ديوان أبي العتاهية ( إسماعيل بن القاسم بن سويد ، 130 - 210 هـ - 748 - 826 م ) ، بيروت 1384 هـ - 1964 م ، ص 168 ( البيتان 1 ، 3 ) ، إحياء علوم الدين للغزالي ، مطبعة البابي الحلبي ، بدون تاريخ : 3 / 251 ( البيتان الأولان ) بإنشاد الشافعي ، روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار لمحمد بن قاسم بن يعقوب ، كتب سنة 921 هـ - 1515 م ، مصر 1280 هـ ، ص 167 ، مصباح الهداية للكاشاني ، ص 351 ( دون نسبة ) ، البداية والنهاية لابن كثير : 11 / 142 ( الأبيات الثلاثة ) ، مرآة الجنان لليافعي : 2 / 258 ( البيتان الأول والثالث ) حياة الحيوان للدميري : 1 / 145 ( البيتان الأول والثالث ) تاريخ الإسلام للذهبي ، حوادث سنة 309 هـ ( بنقل الأب أنستاس الكرملي ، مخطوط المتحف العراقي 1826 ، ص 103 - 104 ( البيتان الأول والثالث ) جامع الأنوار للبندنيجي ، ص 352 ، التصوف الإسلامي للدكتور زكي مبارك :
2 / 218 الخ .

« 443 »
و - فيما عدا هذا يبدو أن هذه المقطّعة كانت من شعر أبي العتاهية السائر ، ومن هنا تمثّل بها الشافعي برواية إحياء العلوم .
ز - روى الرواة أنّ الحلّاج أنشد هذه المقطّعة في معرض الندم على ما فرط منه ، وكان ذلك منه في أخريات ساعاته حين أخرج ليقتل أو « فوق الخشبة » .
ح - فيما عدا البيت الثالث - الذي ربما أضيف إلى المقطّعة فيما بعد - يبدو أنّ هذا المعنى كان متداولا بين الصوفية في مجالس وعظهم ودائرا على ألسنتهم ، ومن هنا ذكر أنّ بندار بن الحسين الشيرازي ( ت 353 هـ / 964 م ) كان ينشد :
نوائب الدهر أدّبتني * وإنّما يوعظ الأريب
قد ذقت حلوا وذقت مرّا * كذاك عيش الفتى ضروب
ما مرّ بؤس ولا نعيم * إلا ولي فيهما نصيب
( طبقات الصوفية للسلمي ، ص 470 ) .
ط - قبل ذلك ألمّ ابن المعتّز - وكان في المغامرة فارسا وفي المصير شيهدا - بهذا المعنى فقال :
ألا - يا نفس - إن ترضي بقوت * وأنت عزيزة أبدا غنيّه
دعي عنك المطامع والأمالي * فكم أمنيّة جلبت منيّه    ( الديوان ، ص 420 )
ي - نسبت هذه الأبيات ، التي في المتن ، إلى القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي ، المالكي ، ت 422 هـ / 1031 م ، وكان ممّن « نبت عنه بغداد » وكان يقول فيها : 
« لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشيّة ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية » .
ومن أشعاره في هذا النص :
متى تصل العطاش إلى الركابا * إذا اشتاق البحار من الركايا

« 444 »
إذا استوت الأسافل في الأعالي * لقد طابت منادمة المناياومنها أيضا :
بغداد دار لأهل المال واسعة * وللصعاليك دار الضنك والضيق
أصبحت فيها مضاعا بين أظهرهم * كأنني مصحف في كفّ زنديق
الديباج المذهب لابن فرحون ( برهان الدين إبراهيم بن علي اليعمري المالكي ، ت 799 هـ / 1397 هـ ) ( 1 / 159 ) .

[ 27 ]من البسيط :
1 - وطائر ، حلّ أرض الشام ، أقلقه * فقد الأليف له نطق بإضمار
 862 - قد كان إلف قصور ، صار مسكنه * في غيضة الأيك في أغصان أشجار
 873 - يقول : « أخطأت » حتى الصبح يسعده * صوت شجيّ ويبكي وقت أسحار
 884 - في نطقه زفر تنبيك عن حرق * فينثني نوحه نطقا بإضمار
 89اللغة :
الغيضة : الأجمة ، وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر . والأجم موضع بالشام بقرب الفراديس كما في مختار الصحاح .
الأيك : الشجر الكثيف الملتفّ .
................................................................................................
[ 27 ]
الديوان ، ص 112 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 327 أ ) ، مخطوط قازان ، ص 90 ، ( انظر ابن داود : الزهرة ، فصل 33 وهو في : « أن نوح الحمام أنس للمنفرد المستهام » ، ص 239 - 246 ، ويخلو من هذه المقطعة ) ، زكي مبارك : مدامع العشاق ، ص 110 .
انظر أيضا : روض الرياحين لليافعي ( البيتان 1 ، 3 ) .

يتبع 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:10 pm

أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي


« 445 »
التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاءت « أقلقه » على « أفرده » في الأصل والتصحيح من روض الرياحين لليافعي ، وفيه جاء الشطر الأول على « طير نحيل بأرض الشام أقلقه » .
ب - في البيت الثاني : جاء الشطر الأول على « بإلفه كان قصرا صار مسكنه » ولا يستقيم به المعنى ، والتصحيح من أحد الأصول ، وربّما كانت « قد » في الأصل على « مد » . ووردت « إلف قصور » في مخطوطة تقييد بعض الحكم والأشعار » على « يألف قصرا » ولعلها الرواية الحقيقية .
ج - في البيت الثالث : جاءت رواية الديوان على « فضلّ ( كذا ) يندب حتى الصبح مسعده » ونصّنا من رواية اليافعي ، ومن أصول الديوان .
د - في البيت الرابع : سجّل ماسينيون « زفر تنبيك » على « رقّة تسليك » وترجيحنا من روايات الأصول . وكلمة القافية « بإضمار » يبدو أنّها مصحّفة من كلمة أخرى مناسبة .
ه - جاءت الرواية في روض الرياحين عن السرّي بن المغلّس السقطي ، ( ت 251 هـ / 865 م ) والظاهر أنّ المقطّعة كانت من الأشعار السائرة في البيئات الشعبية آنئذ .
و - لعلّ مما يرجّح هذا الرأي ما أورده السرّاج القاري ، في مصارع العشّاق ( 2 : 16 ) من أن رجلا من بني عذرة أكره على طلاق امرأته في أيام معاوية بن أبي سفيان وحيل بينه وبينها . وتعقّدت القصّة حتى بلغ الأمر إلى تخيير المرأة - وكانت جميلة - بين الزواج من الخليفة أو عامله والعودة إلى زوجها ؟ فاختارت الأخير . 
وكانت آخر حلقة من القصّة قول الرجل هذه الأبيات في حضرة معاوية :
لا تجعلّني - والأمثال تضرب بي - * كالمستغيث من الرمضاء بالنار
قد شفّه قلق ما مثله قلق * وأشعر القلب ( منه ) أيّ إشعار
واللّه ، واللّه ، لا أنسى محبتها * حتى أغيّب في رمس وأحجار


« 446 »
كيف السلوّ وقد هام الفؤاد بها * وأصبح القلب عنها غير صبّار
لكنّ « مؤالفة القصور » ، في مقطّعتنا ، تتداعى مع بداوة الزوج العاشق ، ولعلّ شيئا ساقطا يربط بينهما . 
ولعل « قد كان إلف قصور » في الأصل على « ما كان إلف قصور » وبذا يصحّ الربط .
ح - واضح أن الحلّاج كان هنا متمثّلا .


[ 28 ] من الهزج :
1 - أيا من طرفه سحر * ويا من ريقه خمر
 902 - تجاسرت فكاشفت * ك لمّا غلب الصبر
 913 - وما أحسن في مثل * ك أن ينتهك الستر
 924 - وإن لامني النا * س ففي وجهك لي عذر
 935 - لأن البدر محتا * ج إلى وجهك ، يا بدر
 94التحقيق :
أ - هذه الأبيات للحسين بن الضحّاك الخليع ( ت 250 هـ / 864 م ) كما توصّل إلى ذلك ماسينيون بحقّ . 
وانظر في ذلك أيضا « الزهرة » لأبي بكر محمد بن داود الأصفهاني ، ص 40 ، الأغاني ، دار الكتب ، 7 : 179 إلخ ، وترد أيضا في ديوان أبي نواس ، ص 336 ، في مقطعة ذات ثمانية أبيات ليس منها الخامس هنا ، ولعلّها له فعلا .
وقد وردت هذه المقطّعة في الأغاني بعشرة أبيات ناقصة البيت الأخير
...............................................................................................
[ 28 ]
الديوان ، ص 110 عن : تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 324 ب ) ، الهمداني : تكملة تاريخ الطبري ، ص 310 « الظاهر أنها في ص 31 » عن هامش تاريخ عريب ، تحقيق دي كوجيه ، ص 100 « باسقاط البيت الأول » .
وانظر أيضا : وفيات الأعيان : 4 / 327 ( البيتان الأول والثالث ) ، المدهش لابن الجوزي ، ص 170 ( الأبيات 2 ، 4 ، 3 ) ( دون نسبة ) .


« 447 »
من مقطّعتنا هذه مع تسمية المتغزّل به بيسر وكان لأحد أبناء الرشيد الخليفة ( انظر ، ص 188 - 190 ) ، ولعلّ هذا مما يرجّح نسبتها إلى أبي نواس ، المتقدم الوفاة على الخليع بنصف قرن والمعاصر للرشيد والأمين سميرا وصديقا . 
ومما يعزّز هذا الرأي قول أبي نواس نفسه في المعنى :
لقد كنت ، وما في النا * س منّي للهوى أستر
ولا أقنع بالدّون * على اللهو ولا أصبر
فلما أظهروا أمري - * وقدما كان لا يظهر
وأغروا بي تأنيبا * من المقبل والمدبر
تجاسرت فأقدمت * على كشف الهوى المضمر
ولا : واللّه ، لا : واللّه * لا : واللّه لا أقصر
وقد شاع الذي أخفي * وقد كان الذي أحذر     ( الديوان ص 368 ) .
ب - أورد ماسينيون البيت الرابع وفيه « وإن لامني » على « لئن عنّفني » وهو خطأ نحوي إذ لا تجتمع الفاء مع لام القسم في الجواب وإنّما تحلّ محلّها كما هو معروف . 
والشيء الآخر أنّ « عنّفني » تصلح مكان « لا مني » لكن روايتنا جاءت في الزهرة والأغاني وهما أقدما المراجع وإن كان الهمداني وابن خلكان سجّلا البيت المذكور بإثبات « عنّفني وكذا فعل ابن الجوزي في المدهش ، بغداد ، 1348 هـ ، ص 172 ، وفي ديوان أبي نواس يرد البيت على الترتيب نفسه مع إثبات « عنّفني » مكان « لامني » وتستغرقه الملاحظة ذاتها .
ج - جاء في تكملة تاريخ الطبري للهمداني ، ص 28 ، أنّ « الشبلي أنفذ فاطمة النيسابورية وقد قطعت يده [ المقصود الحلّاج ] فقال لها : قولي له : إنّ اللّه ائتمنك على سرّ من أسراره فأذعته ، فأذاقك حرّ الحديد ، فإن أجابك فاحفظي جوابه ، ثم سليه عن التصوّف ما هو ؟ 
فلما جاءت أنشأ يقول : . . . ( الأبيات ) .
ثم قال ( الحلّاج ) لها : امضي إلى أبي بكر وقولي له : يا شبلي ، واللّه


« 448 »
ما أذعت له سرّا . فقالت له : ما التصوّف ؟ فقال : ما أنا فيه . 
وو اللّه ما فرّقت بين نعمه وبلواه ساعة قطّ .
فجاءت إلى الشبلي وأعادت عليه فقال : يا معشر الناس ، الجواب الأول لكم والثاني لي » .
د - ذكر ابن الجوزي أنّ يحيى بن معاذ الرازي الصوفي ، ت 258 هـ / 871 - 2 م ، قال : « إن قال (سبحانه) لي يوم القيامة: عبدي ما غرّك بي؟ قلت: إلهي برّك بي» (المدهش، ص 172).
ه - ذكر ابن خلكان أنّ الحلّاج إنّما ردّد هذه الأبيات ، وهو على الخشبة تعبيرا عن حاله وتصبّرا وترجيّا ( وفيات الأعيان 4 / 327 ) .


[ 29 ] من البسيط :
1 - العين تبصر من تهوى وتفقده * وناظر القلب لا يخلو من النظر
952 - إن كان ليس معي فالذكر منه معي * يراه قلبي - وإن قد غاب عن بصري
 96التحقيق :
أ - في البيت الثاني : جاءت عبارة « وإن قد غاب عن بصري » ركيكة ، وخصوصا « قد » .
ب - معنى هذه المقطّعة متداول ومعتاد ، وقد مرّت نماذج كثيرة منه في الصلب والتعليق .
ج - يبدو أن الأصل الذي نقل منه ماسينيون نصّ على كون هذه المقطعة من لسان الحال ، وكذلك فعل .
...............................................................................................
[ 29 ]
الديوان عن : تقييد . . . ( مخطوط لندن ، ورقة 331 ب ) .


« 449 »
د - هذه المقطّعة محوّرة [ أو مشوّهة ] من بيتين معكوسي الترتيب فيهما خطاب لحبيب حسي من شعر قطرب اللغوي ( أبي علي محمد بن المستنير البصري ، ت 206 هـ / 821 م ) 
قال فيهما :
إن كنت لست معي فالذكر منك معي * يراك قلبي وإن غيّبت عن بصري
والعين تبصر من تهوى وتفقده * وناظر القلب لا يخلو من النظر
كما في : ( وفيات الأعيان لابن خلكّان ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، ط . مصر 1948 ، 3 / 439 - 440 ، نقلا عن كتاب البارع لابن المنجّم :
هارون بن علي بن يحيى البغدادي ، ت 288 هـ / 901 م ، وفيه وردت « ناظر » على « باطن » والصواب ما أثبتناه .
وانظر : روضات الجنّات للخوانساري : محمد باقر ، ت 1315 هـ / 1898 م ، ط . طهران 1390 هـ ، 7 / 444 ، وفيه : أن قطربا توفي سنة 245 هـ !
وقد ورد الشطر الثاني من البيت الأول على : « ترعاك عيني - وإن غيّبت عن نظري » وذلك في بغية الدعاة للسيوطي ، ط . مصر 1326 هـ ، ص 104 ، والذخيرة في محاسن أهل الجزيرة [ الأندلسية ] لابن بسّام ( 2 / 321 ، ونفحة الريحانة للمحبّي ( محمد أمين بن فضل اللّه ، ت 1111 هـ / 1699 م ، ط . مصر 1967 - 69 ، 1 / 599 .
وقد نسب الخوانساري ، الماضي ، هذين البيتين إلى المبرّد ( محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي ، ت 285 هـ / 898 م سهوا كما في روضات الجنات ، 7 / 284 ، وذكر أنهما منسوبان إليه في وفيات الأعيان .
ه - ذكر الراغب الأصفهاني في ( أبو القاسم الحسين بن محمد ، ت 565 هـ / 1169 م ) بيتين لابن فتير [ - ابن قنبر : الحكم بن معمر بن قنبر


« 450 »
الخضري ، ت نحو 150 هـ / 767 م ، يصلحان أن يكونا الأصل الأصيل لهذه المقطعة الجميلة في قوله [ وفيه تصحيف ] :
إن كنت لست معي فالذكر منك سوى [ هوى ] * قلبي القريح وإن غيّبت عن بصري
العين تبصر من تهوى وتحرمه * وإنّما القلب لا يخلو من الفكر
( المحاضرات ، ط مصر 1326 هـ ، 2 / 24 ) .
لكن المرحوم الدكتور زكي مبارك - وإن وصل المعنى بالحكم بن قنبر - نصّ على البيتين المعزوّين إلى قطرب لا اللّذين وصلا بابن قنبر .
( مدامع العشّاق ، ط 3 ، بيروت 1971 م ، ص 218 )
د - من هذا يبدو أن البيتين المنسوبين إلى الحلّاج استعيرا من شعر قطرب اللغوي وأجريت عليهما عجلة تحويل أسبغت عليهما الطابع الصوفي وذلك بتحويلهما إلى صيغة الغائب بقصد إزالة الطابع الحسّي عنهما ، ومن هنا اضطر هذا المزوّر [ الذي لم يرد تزويره إلا في مصنّف واحد مجهول المؤلف ] إلى تحويل نصّ الشطر الثاني من البيت الأول من سبكه الجميل القائل : « يراك قلبي وإن غيّبت عن بصري » إلى العبارة الركيكة : يراه قلبي ، وإن قد غاب عن بصري » بإقحام « قد » في غير موضعها . 
وهذه الظاهرة على العموم ، تمثّل النزعة المتفشّية في التصوّف من نقل المعاني الحسية في الشعر التقليدي إلى أخرى مناسبة للتصوّف .
ز - استكمالا للبحث في هذا المجال يحسن أن نذكر أن عبد المحسن الصّوري ( 339 - 419 هـ / 950 - 1028 م ) ألمّ بهذه الصورة بأسلوب حسّيّ بقوله في الموضوع والوزن والقافية :
فعرّضتني ، فلو أنّي على حذر * لم يحتكم ناظري في لذّة النّظر
وكنت أغضي ولا أقضي له وطرا * منها لعلمي وبعقبى ذلك النّظر
والمرء ما دام ذا عين يقلّبها * في أعين العين موقوف على الخطر


« 451 »
يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته * لا مرحبا بسرور جاء بالضّرر
( ذم الهوى لابن الجوزي ، بتحقيق د . مصطفى عبد الواحد ، مطبعة السعادة ، مصر 1962 ص 101 . انظر التبصرة لابن الجوزي ، بتحقيق د .
مصطفى عبد الواحد ، ط . البابي الحلبي ، 1970 ، 1975 م ، 1 / 160 حيث ورد البيتان الأخيران فقط .
[ 30 ] من البسيط
1 - لاحت على دكّة الخمّار أسرار * وأشرقت من وجوه القوم أنوار
 972 - وطاف بالكاس ساق لا شبيه له * بين العقيق ولاحت في الحمى النار
 983 - وزمزمت نغمة الأوتار منشدة * « هذا العقيق وهذا الربع والدار »
 994 - فاستيقظوا يا سكارى بعد رقدتكم * واستغنموا الوقت ، إنّ الوقت غدّار
 1005 - كم بات في شربها الحلّاج مرتهنا * بين الدّنان ولم يوصف بخمّار
 1016 - من باح بالسرّ كان القتل شيمته * بين الرجال ولم يؤخذ له ثار
 102النص :
أ - الشطر الأول من البيت الأول جاء في المخطوط وحده على
...............................................................................................
[ 30 ]
الأبيات : ( 1 - 5 ) من المجموع رقم 4811 في مكتبة الأوقاف ببغداد ، ورقة ( 4 أ ) مع النصّ على أنه « قيل : ومن كلامه [ - الحلّاج ] أيضا . . . » الأبيات : ( 1 - 3 ، 6 ) من « قصة حسين الحلّاج وما جرى له مع علماء بغداد » ، لمجهول ، مطبوعات المكتبة الأدبية بحلب ، بلا تاريخ ، ص 15 - 16 ، منسوبة إلى الحلّاج .
المقطّعة كلها من « قصة حسين الحلّاج . . . بنشر ماسينيون في مجلة « الدراسات الشرقية » بجامعة أوبسالا في السويد ، م : 3 ، ع : 2 ، 4 لسنة 1954 .


« 452 »
« لاحت على جنبات الحيّ أسرار » ولا يتفق هذا النص مع السياق الذي يدور حول الخمر ومعاقرتها رمزيا باعتبارها المعرفة الإلهية .
ب - الشطر الثاني من البيت الثاني خالف المخطوط النصوص الأخرى بإيراده النص على « وقد تجلّى لهم من لا شبيه له » في محاولة لتجريد المعنى والبعد عن الوصف الحسّي للخمر والسّقاة وما إلى ذلك ، وما في الأصول الأخرى أجرى مع السياق .
ج - في البيت الثالث : جاءت « الأوتار»، في المخطوط أيضا ، على « الأوراق » توّجها إلى حفيف الأوراق في حيّ العقيق لا إلى مجلس الشراب وما فيه من آلات موسيقية، وهو مساير للتصرّف في هذه المقطعة تصرّفا يخرج بها عن حسّيّتها.
د - في البيت الخامس : جاء البيت في المخطوط على :
ملامة شرب الحلّاج بان بها * بين الرجال وأن يدعى خمّار
وهو مليء بالتصحيف والعامية ، وما في الأصول الأخرى أنسب للسياق وإن كان الإقواء الذي فيه محوجا إلى إنعام نظر ، وهو صحيح في العروض لكنه ضعيف .


اللغة :
العقيق : يقال لكل مسيل ماء شقّة السيل في الأرض فأنهره ووسّعه ، وفي بلاد العرب مواضع كثيرة تعرف بهذا الاسم .
منها : عقيق عارض اليمامة لبني عقيل « فيه قرى ونخل كثير » وعقيقان بناحية المدينة أحدهما الأصغر والآخر الأكبر وعقيق ثالث جاء فيه - فيما قال ياقوت - قوله ( ص ) « إنّك بواد مبارك » وهو الأقرب إلى المدينة [ في صحيح البخاري ، 16 كتاب الحج الحديث 35 : العقيق واد مبارك ] وهو مهلّ أهل العراق من ذات عرق . ومنها عقيق البصرة وهو واد مما يلي سفوان [ على الحدود العراقية الكويتية الآن ] ، وعقيق القنان الذي « تجري فيه سيول قلل نجد وجباله ، وواد لبني كلاب في اليمن .


« 453 »
والمقصود ، فيما يبدو ، عقيق المدينة المبارك لما فيه من روحانية وجمال مادي . وقد ذكر ياقوت أنه « قد أكثر الشعراء من ذكر العقيق وذكروه مطلقا ويصحب تمييز كل ما قيل . . . » توثيقا لهذا المعنى إن كان فطن إلى هذه النكتة [ انظر : معجم البلدان ، ط بيروت 1955 - 57 م ، 4 / 138 - 141 .
التحقيق :
واضح أن هذه المقطعة لغير الحلّاج وقد نسبت إليه لما تضّمنته من معان ملائمة لشخصيّته وآرائه ، ولعلها من تراث القرن السابع أو الثامن الهجريين .


[ 31 ] من البسيط :
1 - سكنت قلبي وفيه منك أسرار * فلتهنك الدّار بل فليهنك الجار
 1032 - ما فيه غيرك من سرّ علمت به * فانظر بعينك : هل في الدار ديّار
 1043 - وليلة الهجر - إن طالت وإن قصرت * فمؤنسي أمل فيه وتذكار
 1054 - إنّي لراض بما يرضيك من تلفي ، * يا قاتلي ، ولما تختار أختار
 106التحقيق :
أ - في البيت الأول ، وردت « فلتهنك الدار » على « فليهنك » والصواب بالتأنيث .
...............................................................................................
[ 31 ]
الديوان ، ص 59 عن مخطوط جنيزة ، الجزء السابع ( الأبيات 1 - 4 ) ، مخطوط أسعد ، رقم 1437 ، الورقة 97 أ ( الأبيات 1 - 3 ) .


« 454 »
ب - ذكر ماسينيون أن في المقطعة إشارة إلى قول رابعة العدوية « الجار ثم الدار » ترديدا للمثل الذي بهذه الألفاظ . والحق أنه حديث نبوي كما في « فصل المقال في شرح كتاب الأمثال » لأبي عبيد البكري ( عبد اللّه بن عبد العزيز ، ت 487 هـ / 1094 م ) بتحقيق د . عبد المجيد عابدين ود . إحسان عباس ، الخرطوم 1958 م ص 310 ، وذلك في قول المصنف :
« وجاءنا عن نبيّنا - صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال : الجار ثم الدار ، والرفيق قبل الطريق ، أي : التمس الجار قبل الدار ، والتمس الرفيق قبل الطريق » ومنه أخذ الشعراء فضمّنوه أشعارهم .
ج - ضمّن ناظم « ديوان حسين منصور حلّاج » ( الفارسي ) جانبا من الشطر الثاني من البيت الثالث على صورة « ليس في الدار غيره ديّار » وبنى على العبارة قصيدة طويلة تتكرر بعد كل فقرة منها هذه العبارة ( ط : بومبي ، 1888 م ، ص 166 ) .
د - هذه المقطعة جزء من مقطعة جميلة من نظم بهاء الدين زهير ( أبي الفضل بن محمد بن علي المهلّبي المصري ، ت 656 هـ / 1258 م ) وتكوّن الأبيات ( 1 ، 2 ، 8 ، 3 ) من الأصل المنشور في ديوانه المطبوع في المطبعة المنيرية بمصر ، بلا تاريخ ، ص 84 ، وطبعة دار صادر ببيروت 1964 ، ص 140 ) .
بالنص الآتي :
سكنت قلبي ، وفيه منك أسرار * فلتهنك الدار أو فليهنك الجار
ما فيه غيرك أو سرّ علمت به * وانظر بعينك هل في الدار 
ديّارإني ولأرضى الذي ترضاه من تلفي * يا قاتلي ، ولما تختار أختار
ويأنف الغدر قلبي وهو محترق * النار - واللّه - في هذا ولا العار
أفدي حبيبا هو البدر المنير ، وقد * تحيّرت فيه ألباب وأبصار
في وجنتيه - وحدّث عنهما - عجب * ماء ونار ولا ماء ولا نار
ما أطيب الليل فيه حين أسهره * كأنّما زفراتي فيه أسمار
وليلة البحر إن طالت وإن قصرت * فمؤنسي أمل فيه وتذكار


« 455 »
لا يخدعنّك منه طيب منطقه * فطالما لعبت بالعقل أوتار
ولا يغرّنك منه حسن منظره * فقد يقال بأنّ النجم غرّار
وهذا يدل على أن الأصول التي اعتمدها ماسينيون في صناعته لديوان الحلّاج متأخرة ، دون أن يفطن إلى ذلك .
والبهاء زهير ، على كل حال ، كان شاعر القرن السابع في مصر ، وديوانه يحفل بأشعار له ذات نفس صوفي واضح بحيث التبست أشعاره بأشعاره شاعر الصوفية الأكبر عمر بن الفارض ( ت 632 هـ / 1235 م ) في القصيدة السائرة التي مطلعها :
قلبي على السّلوان قادر * وسواي للعشّاق غادر
التي أكّد جامع ديوان البهاء زهير أنها من نظمه لا نظم ابن الفارض وأنه « أنشد فيها بقلعة القاهرة المحروسة في يوم الخميس لخمس خلون من المحرم عام 641 للهجرة [ - 1243 م ] ، وقد زعم بعضهم أنها للشيخ عمر ابن الفارض وليس كذلك » ( الديوان طبع صادر ، ص 156 ) . يقول عمر ابن الفارض :
هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل ... فما اختاره مضنى به، وله عقل
وعش خاليا فالحب راحته عنا، ... وأوله سقم، وآخره قتل
ولكن لدي الموت فيه، صبابة، ... حياة لمن أهوى، علي بها الفضل
نصحتك علما بالهوى، والذي أرى ... مخالفتي، فاختر لنفسك ما يحلو
فإن شئت أن تحيا سعيدا، فمت به ... شهيدا، وإلا فالغرام له أهل
فمن لم يمت في حبه لم يعش به، ... ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
تمسك بأذيال الهوى، واخلع الحيا، ... وخل سبيل الناسكين، وإن جلوا
وقل لقتيل الحب: وفيت حقه، ... وللمدعي: هيهات ما الكحل الكحل
تعرض قوم للغرام، وأعرضوا ... بجانبهم، عن صحتي فيه، و اعتلوا
رضوا بالأماني، وابتلوا بحظوظهم، ... وخاضوا بحار الحب، دعوى فما ابتلوا
فهم في السرى لم يبرحوا من مكانهم ... وما ظعنوا في السير عنه، وقد كلوا
وعن مذهبي، لما استحبوا العمى على ال ... هدى حسدا من عند أنفسهم ضلوا
أحبة قلبي، والمحبة شافعي ... لديكم، إذا شئتم بها اتصل الحبل
عسى عطفة منكم علي بنظرة, ... فقد تعبت بيني وبينكم الرسل
أحباي أنتم، أحسن الدهر أم أسا، ... فكونوا كما شئتم، أنا ذلك الخل
إذا كان حظي الهجر منكم، ولم يكن ... بعاد، فذك الهجر عندي هو الوصل
ويوثّق نسبة هذه المقطعة إلى البهاء زهير أنّ له أشعارا أخر تتدفّق تصوّفا وروحانية مثل قوله :
أنا في الحبّ صاحب المعجزات * جئت للعاشقين بالآيات
كان أهل الغرام قبلي أقّي * ين حتى تلقّنوا كلماتي
فأنا اليوم صاحب الوقت حقا * والمحبّون شيعتي ودعاتي إلخ ( ط . بيروت ص 48 )
وقوله : رفعت رايتي على العشّاق * واقتدى بي جميع تلك الرّفاق
وتنحّى أهل الهوى عن طريقي * وانثنى عزم من يروم لحاقي
مثل العاشقون فوق بساطي * في مقام الهوى وتحت رواقي
كان للقوم في الزجاجة باق * أنا وحدي شربت ذاك الباقي


« 456 »
وهذه معان ألمّ بها الصوفية ونجد مشابها لها في ديوان عمر بن الفارض ، المعاصر للبهاء زهير ، ومنها قوله :
نسخت بحبّي آية العشق من قبلي * فأهل الهوى جندي ، وحكمي على الكلّ
وكلّ فتى يهوى فإنّي إمامه * وإنّي برئ من فتى سامع العذل
ولي في الهوى علم تجلّ صفاته * ومن لم يفقّهه الهوى فهو في جهل
ومن لم يكن في عزّة الحبّ تائها * بحبّ الذي يهوى فبشّره بالذّل
إذا جاد أقوام بمال رأيتهم * يجودون بالأرواح منهم بلا بخل
وإن أودعوا سرا رأيت صدورهم * قبورا لأسرار تنزّه عن نقل
وإن هدّدوا بالهجر ماتوا مخافة * وإن أودعوا بالقتل حنّوا إلى القتل
لعمري هم العشّاق عندي حقيقة * على الجدّ ، والباقون منهم على الهزل
وهذه معان تذكّر بروح الحلّاج والشبلي والصوفية من الشيوخ القدامى على العموم .
[ انظر ديوان ابن الفارض ط . مصر 1969 ، وانظر سفينة النجاة المرضية في أناشيد سادة الشاذلية لمحمود نسيم ، مصر 1956 ، ص 142 ، دون نسبة ] .
ه - يبدو أن ما حمل المصنّفين على نسبة أبيات البهاء زهير السابقة إلى الحلّاج ما جاء في البيت الرابع من قوله :
إنّي لراض بما يرضيك من تلفي * يا قاتلي ، ولما تختار أختار
لما فيه من معاني الفناء والتضحية والقتل التي حفل بها شعر الحلّاج على الخصوص .


« 457 »
[ 32 ] ( من المنسرح ) :
1 - شغلت قلبي بما لديك فما * ينفكّ طول الحياة ، من فكري
 1072 - آنستني بالوداد منك وقد * أوحشتني من تخلّط البشر
 1083 - ذكرك لي مؤنس يعارضني * يؤذنني منك عنك بالظّفر
 1094 - وحيثما كنت يا مد [ ى ] هممي * فأنت منّي بموضع النّظر
 110النص :
في البيت الأول : جاءت « ينفك » في الأصل على « ينفعك » وهو تصحيف واضح .
في البيت الثاني : « تخلّط » قلقة لكنها مفهومة ، ولعلّها تخالط بمعنى المخالطة ، وجاءت في التعرف على « من جميع ذا البشر » ولعله الصحيح .
في البيت الثالث : « يعارضني » وردت في المطبوعات وكانت في الأصل « يؤانسني » ولكلّ وجه . وجاءت « يؤذنني » في الأصل على « يوعدني » و « يعدني » ولا يستقيم بها المعنى مرة والوزن أخرى وبما أثبتناه يتحرّر النص .
في البيت الرابع : ورد الشطر الأول في المطبوعات على : « فكيف أنساك يا مدى همي » ولكلّ وجه .التحقيق :
تصدّرت هذه المقطعة عبارة « وأنشأ يقول » فكأنها ليست للحلّاج ، وفي المطبوعين جاء أن ابن عطاء ، تلميذ الحلّاج وصديقه ، أنشدها أحد أصدقائه . مما يقوي نسبتها إلى صوفيّنا . 
ولعل الفيصل في الأمر ردها إلى رويم البغدادي ( بن أحمد بن يزيد ، ت 303 هـ / 915 - 16 م ) كما في التعرف .
...............................................................................................
[ 32 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ورقة 326 ب [ الأبيات الأربعة ] ، طبقات الصوفية للسلمي ص 270 ، حلية الأولياء 10 - 304 [ البيتان الأخيران من إنشاد ابن عطاء أحمد بن سهل الأدمي ، ت 309 هـ / 922 م ] ، التبصرة لابن الجوزي ، بتحقيق د .
مصطفى عبد الواحد ، مصر 1970 - 5 ، 1 / 54 ، 2 / 306 ( البيتان الأخيران فقط ) .


« 458 »
[ 33 ] من مجزوء الكامل :
1 - ولربّما هاج الأمور من الكبر لك الصغير
 111 * 2 - ولربّما أمر تضيق به الصدور ولا تصير
 112التحقيق :
واضح أن هذين البيتين من الشعر الحكمي ولسنا نرجّح أنهما للحلّاج وإن نسبهما إليه مفكرّ كبير وأديب مطلّع كابن أبي الحديد ، وليت زميلا دلّنا على صاحبه .
[ 33 أ ] حبّك سعادة صافية مولاي حبّك لم يدع * في النفس للأحقاد قطره
إنّي رضيت بما قسمت * من المكاره دون حسره
وغفرت للظلّام ما * اجترحت يداهم من مضرّه
( 33 أ ) كتابنا : الحلّاج موضوعا ( ص 242 ) .
أ - هذه المقطعة تعدّ من الأشعار التي تقال على لسان الحال استحضارا للحلّاج في الفكر وهي جارية على سنن الصوفية في التصفية الروحية وتطهير الباطن البشري من كل العواطف السلبية لتجري مع الحب الإلهي وتعممها على البشر كلهم لإخلاء النفس من الشوائب التي تفسر حياة الإنسان الروحية .
ب - ربما نظم الشاعر المجهول هذه الأبيات على لسان الحال وفي ذهنه مقالة المسيح ( ع ) المشهورة : « أحبّوا أعداؤكم » .
...............................................................................................
[ 33 ]
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5 / 166 .
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:11 pm

أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية السين
[ 34 ] من البسيط :
1 - واللّه ، ما طلعت شمس ولا غربت * إلّا وحبّك مقرون بأنفاسي
1132 - ولا جلست إلى قوم أحدّثهم * إلّا وأنت حديثي بين جلّاسي
 1143 - ولا ذكرتك محزونا ولا فرحا * إلّا بقلبي بين و وسواسي
 1154 - ولا هممت بشرب الماء من عطش * إلّا رأيت خيالا منك في الكاس
 1165 - « ولو قدرت على الإتيان جئتكم * سعيا على الوجه أو مشيا على الرأس »
 1176 - ويا فتى الحيّ إن غنّيت لي طربا * فغنّني واسفا من قلبك القاسي
 1187 - « مالي وللناس كم يلحونني سفها * ديني لنفسي ودين الناس للناس »

119النص :
أ - في البيت الأول : ورد الشطر الثاني في كشف المحجوب وروضة التعريف هكذا : « إلّا وأنت منى قلبي وسواسي » ، وجاء في مقدمة روضة التعريف على الصورة التي أثبتناها في المتن ، وهي أنسب للسياق .
...............................................................................................
[ 34 ]
الديوان ، ص 67 عن : الهجويري : كشف المحجوب ، ص 535 ( الأبيات 1 ، 3 ، 2 ، 4 ، 5 ) ، بايقرا : عشاق ، ورقة 64 ب ( الأبيات 1 - 5 مع ترجمة فارسية ) ، رضا قلي : رياض العارفين ، رقم 9 ( الأبيات 1 ، 3 ، 2 ، 4 ) ، الحصكفي : فتاوى الصوفية ( الأبيات 1 الشطر الأول + 3 الشطر الثاني ، 2 ، 3 : الشطر الأول + 1 : الشطر الثاني ، 4 - 7 ) .
وانظر أيضا : روضة التعريف بالحب الشريف للسان الدين الخطيب ، ص 646 ( البيتان 1 ، 2 ) ، مقدمة الكتاب لعبد القادر عطا ، ص 45 ( الأبيات 1 ، 2 ، 7 ) .

« 460 »
يقول الشيخ ابن العربي الحاتمي الطائي : لا تركن لغير الله 
لا تركنن إلى غير الإله فما   .....   يركن إلى غيره إلا الذي جهله
سبحانه وتعالى أن يقر له   .....   في ملكه بشريك غير من خذله
من قال إن له ندا وصاحبة   .....   فربه بحسام الجهل قد قتله
والله ما طلعت شمس ولا غربت   .....   على محب له إلا وقد وصله
بما يريد وما يبغيه من مسخ   .....   إلا حباه بها في تحفة وصله
سبحانه وتعالى أن يحيط به   .....   نظم من الشعر أو نثر من البطلة
ب - في البيت الثاني : اخترنا « ولا جلست » من كشف المحجوب وروضة التعريف مكان « ولا خلوت » لموافقتها لجلّاسي في القافية .
ج - ورد البيت الثالث هنا ثانيا في كشف المحجوب على هذه الصورة :ولا تنفّست محزونا ولا فرحا * إلّا وذكرك مقرون بأنفاسي وهو تسلسل معقول لولا اختلاط الشطر الثاني منه بمثيله من البيت الأول . ولعلّ هذا يشير إلى سقوط بيت أو شطر من هذه المقطعة .
د - في البيت السادس : وردت « واسفا » هكذا في الأصل ، وربّما كانت و « أسفا » أو « آسفا » أو شيئا غير « واسفا » لأنّ التوسّف هو « التقشّر من أثر الجدري والقروح ! » كما في مختار الصحاح . إلّا إذا اعتبرنا الكلمة عاميّة فعندئذ يصحّ ورودها بمعنى « آسفا » إذ العراقيون يقولون « وسفة أو وسفا عليه » بمعنى « وا أسفاه » واستخلاصا منها .

التحقيق :
هـ - في هذه المقطّعة تضمين لشعر من أبي نواس يتمثّل في البيتين الخامس والسابع ( انظر ديوانه ، قسم الغزل ، ص 265 ) ، وواضح أنّ الشعر حسّي ولا يبدو عليه طابع الحلّاج بل هو أقرب إلى أسلوب شاعر متمرس أو ممّن يألفون مجالس الغناء . 
ومن هنا فهذه المقطّعة أقرب إلى روح النصوص التالية ولعلها بقية بعضها :
أ - قول جنادة العذري :
لو جزّ بالسيف رأسي في مودّتها * لمرّ يهوي سريعا نحوها رأسي
ولو بلي تحت أطباق الثرى جسدي * لكنت أبلى وما قلبي لكم ناسأ
و يقبض اللّه روحي صار ذكركم * روحا أعيش به ما عشت في الناسي
لولا نسيم لذكراكم يروّحني * لكنت محترقا من حرّ أنفاسي

« 461 »
( الأغاني ، طبع دار الثقافة ، 1 : 172 وهامش المحقق ) .
ب - قول صبيّة مغنية في مجلس الرشيد من تلحين أخته عليّة بنت المهدي ، الملقبة بالعبّاسية ، ذات الصلة المزعومة بجعفر البرمكي ( 160 - 210 هـ / 777 - 825 م ) :
يا موري الزند قد أعيت قوادحه ، * إقبس - إذا شئت - من قلبي بمقباس
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم * إذا نظرت فلم أبصرك في الناس
( أيضا 5 / 199 ، 10 / 186 - 187 ) .
ج - صوت من صنعة محمد بن عمرو الزف المغني الكوفي قال فيه :
بان الحبيب فلاح الشيب في الرأس * وبتّ منفردا وحدي بوسواسي
ما ذا لقيت - فدتك النفس بعدكم - * من التبرّم بالدنيا وبالناس
لو كان شيء يسلّي النفس عن شجن * سلّت فؤادي عنكم لذة الكاس ( أيضا 14 / 182 - 183 ) .
د - قول العبّاس بن الأحنف :
لو يقسم اللّه جزءا من محاسنها * في الناس طرّا لتمّ الحسن في الناس 
يا فوز ما ضرّ من يمسي وأنت له * أن لا يفوز بدنيا آل عباس ؟ !
أبصرت شيبا بمولاها ، فواعجبا * منه : يراها ويبدو الشيب في الرأس ؟ !
( أيضا ، 17 : 30 ، والهامش ) .
ولعلّ القارئ لاحظ انسجام معنى المقطّعة ، التي نحن بصددها ، مع هذه النماذج الخمسة من أشعار الشعراء التقليديين . 
ولا نحسب أنّ شعر الحلّاج يرقى إلى هذا المستوى من الشعر المطبوع أو المصنوع . 
ومن هنا لا نجد بدّا من الحكم بأنّ هذه المقطّعة ليست للحلّاج وإن رواها له كل من رواها .

« 462 »
قافية الضاد
[ 35 ] من مجزوء الرجز :
1 - يا عوضي من عوضي * وصحّتي من مرضي
 1202 - يا من هواه دائما * في مهجتي لا ينقضي
 1213 - هيّمت قلبي سيّدي * والقلب بالقفل رضي
 1224 - أفنيتني أضنيتني * قلبي بذكرك قد رضي

 123التحقيق :
أ - هذه المقطّعة واضحة العامية لفظا ومضمونا وأول ما يحكم بذلك الشطر الأول من البيت الأول والشطر الثاني من البيت الأخير .
ب - في البيت الأول : جاءت « يا عوضي » خلوا من « يا » في قصة حسين الحلّاج وما جرى له وفقهاء بغداد » .
ج - في البيت الثاني : جاءت « سيّدي » على « مالكي » في « قصة حسين الحلّاج . . . » وكلتاهما سائغة .
د - في البيت الرابع : يبدو « بذكرك » ينبغي أن تقرأ بفتح الراء رجوعا إلى العامية ، أو يقرأ الشطر هكذا : « قلبي بذكراك رضي » جرّا له إلى الفصحى !
...............................................................................................
[ 35 ]
« قصة حسين الحلّاج وما جرى له مع فقهاء بغداد » لمجهول ، ص 4 ( الأبيات 1 - 3 ) ، قصة حسين الحلّاج حين ثار فيه الوجد ، ص 105 ( المقطّعة كلها ) .

« 463 »
هـ - لا شك في غربة هذه المقطّعة عن الحلّاج ، وهي مقولة على لسان الحال وتذكّر بقوله : اقتلوني يا ثقاتي * إنّ في قتلي حياتي إلخ .
وتتضمن شيئا من ملامح قول أبي نواس :  تسألين عن سقمي ؟ * صحتّي هي العجب !

« 464 »
قافية العين
[ 36 ] من الكامل :
1 - النفس بالشيء الممنّع مولّعه * والحادثات أصولها متفرّعه
 1242 - والنفس للشيء البعيد مريدة * ولكلّ ما قربت إليه مضيّعه
 1253 - كلّ يحاول حيلة يرجو بها * دفع المضرّة واجتلاب المنفعة

 126التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاءت « بالشيء » على « للشيء » والتصحيح من ديوان أبي العتاهية .
ب - في البيت الثاني : أثبتنا الشطر الثاني منه من ديوان أبي العتاهية وجاء في تكملة تاريخ الطبري على « والنفس للشيء القريب مضيّعة » ( بيروت 1960 ، ص 26 ) .
ج - المقطّعة في ديوان أبي العتاهية سباعية وهذه الأبيات هي الأول والثاني والسادس .
د - واضح أن هذه المقطّعة لأبي العتاهية وظاهر أنها خلو من نفس الحلّاج .
...............................................................................................
[ 36 ]
الديوان ، ص 113 عن تكملة تاريخ الطبري للهمداني [ ط ، بيروت 1961 ] ، وانظر أيضا : ديوان أبي العتاهية ، ص 234 - 235 .

قافية الفاء
[ 37 ]من الكامل :
1 - ما لي جفيت وكنت لا أجفى ؟ * ودلائل الهجران لا تخفى
 1272 - ما لي أراك نسيتني بطرا ؟ * ولقد عهدتك تذكر الإلفا
 1283 - وأراك تمزجني وتشربني * ولقد عهدتك شاربي صرفا

 129التحقيق :
أ - البيت الثاني : ورد في الصداقة والصديق لأبي حيّان فقط ، دون نسبة .
ب - نسب السرّاج هذه المقطّعة إلى الجنيد برواية جعفر بن محمد بن
...............................................................................................
[ 37 ]
الديوان ، ص 116 ( البيتان الأول والثالث ) ( مع القسم الثاني وهو للأشعار التي تمثّل بها الحلّاج من شعر سابقيه ) عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 91 ، مخطوط لندن ، ورقة 327 أ ) ، البقلي : تفسير 7 : 140 ( الأعراف ) :( وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ : يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ )و 76 : 6 ( الإنسان )« عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً »، ابن العربي الحاتمي الطائي :
محاضرة الأبرار : 2 / 338 ، العاملي : الكشكول ، ص 90 .
وانظر أيضا : اللمع للسراج ، ص 319 ( الأول والثالث ) ، الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي ، ص 81 ( الأول والثاني ) بغير نسبة ، وانظر كذلك محاضرة الأدباء للراغب الأصفهاني : 2 / 10 ( معاتبة من سلا عن صديقه ) ، محاضرة الأدباء لابن العربي الحاتمي الطائي : 2 / 257 ( الأول والثالث ) .

« 466 »
نصير الخلدي : أبي محمد الخوّاص (ت 348 هـ / 959 م) « وكان المرجع إليه في علوم القوم وكتبهم وحكاياتهم وسيرهم » (طبقات الصوفية للسلمي ، ص 434) وكان عنده « مائة ونيّف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية » ( أيضا ) .
وذكر العاملي أنّ الحلّاج « لما شيل إلى الجذع ( بعد قطع أطرافه ) قال :يا معين الضنى عليّ * أعنّي على الضنىثم جعل يقول . . . » ( الأبيات ، الكشكول ، مصر 1288 ، ص 118 ) .
ج - تعدّدت روايات الشطر الأول من البيت الثالث ، وأقربها إلى الصواب ما أثبتناه من رواية الكشكول وكانت في الديوان على : « وأراك تخلطني وتشربني » ، وجاءت في اللمع على « وأراك تسقيني وتمزجني » وفي محاضرات الراغب على « وأراك تشربني فتمزجني » التي لها وجه وإن كان ما أثبتناه أنسب .
د - نرى أن هذه المقطّعة ليست للحلّاج ولعلّها ليست للجنيد أيضا ، وربّما كانت لشاعر تقليدي نأمل أن تكشف الأيّام صلته بها .
[ 38 ] من الهزج :
1 - نديمي غير منسوب * إلى شيء من الحيف
 1302 - سقاني مثلما يشّر * ب ، فعل الضيف بالضيف 131
...............................................................................................
[ 38 ]
الديوان ، ص 73 عن : تقييد ( مخطوط الجميلي ، ورقة 3 ب ) ، مخطوط قازان ، ص 8 ( الأبيات 1 - 4 ) . مخطوط لندن ، ورقة 324 ب ، ورقة 337 أ . مخطوط تيمور ( البيتان 1 ، 2 ) . السلمي : حقائق التفسير ( تفسير سورة 42 [ - الشورى ] ، آية 17 ، وهي :« يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها ، وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ .أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ »ابن باكويه ( أربعة نصوص ، ص 34 ، 35 ) ، القشيري : لطائف الأسرار ( القرآن 28 : 30 ) [ - القصص ] :فَلَمَّا أَتاها

« 467 »
3 - فلمّا دارت الكأ * س دعا بالنّطع والسيف
 1324 - كذا من يشرب الرا * ح مع التنّين في الصيف 

133اللغة :
نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ : « يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ »، ابن خميس ، التوزري : اكتفاء ، الراغب : محاضرات ، ص 226 ، القزويني عن ابن الجوزي : المنتظم ، البقلي : تفسير ( القرآن 7 : 155 ) [ - الأعراف ] :« وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ : سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا ، فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ : رَبِّ ، لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ : أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا ؟ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ . أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ »، مخطوط جنيزة ، القسم الرابع ، العطار : تذكرة الأولياء : 2 / 142 ، المكيني : مخطوط باريس ، عربية 295 ، ورقة 47 أ ، ابن الطقطقي : الفخري ، القيصري : حجب ، ورقة 203 ب ( البيتان 3 ، 4 ) ، الشعراوي : الكبريت الأحمر ، ص 251 - 252 ، المناوي :
الكواكب الدرية ، كاظم الدجيلي ( راجع مجموعة نصوص ، ص 244 ) .
وانظر أيضا : أخبار الحلّاج ، ص 35 . وفي الجانب الصوفي من هذه المقطعة راجع :
تاريخ بغداد : 8 / 131 - 2 ، المنتظم لابن الجوزي : 6 / 164 ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران ، 1322 هـ ش - 1943 م تحقيق محمد بن عبد الوهاب القزويني ، رسائل ابن العربي الحاتمي الطائي - رسالة الانتصار - ص 10 ، 14 ، 17 ، البداية والنهاية لابن كثير : 11 / 142 ، نشر المحاسن الغالية لليافعي ، ص 288 ، طبقات الشعراني : 1 / 93 ، جامع الأنوار للبندنيجي ، ص 358 ، التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق لزكي مبارك : 2 / 218 .
وفي الجانب الأدبي ، انظر : أشعار أولاد الخلفاء للصولي ( أبي بكر محمد بن يحيى بن صول تكين الشطرنجي ت 335 هـ أو 336 هـ - 946 أو 947 م ) تحقيق ج .
هيورث دن ، مصر 1355 هـ - 1936 م ، ص 25 - 26 ، نقد النثر لقدامة بن جعفر الكاتب ، ت 337 هـ / 948 - 9 م ، تحقيق طه حسين وعبد الحميد العبادي ، مصر 1356 هـ - 1937 م ، ص 154 ( وهو في الحق كتاب البرهان في وجوه البيان لابن وهب الكاتب ، حققه الدكتور أحمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي ، بغداد 1965 ) ، الأغاني ، دار الكتب ، 7 / 163 ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي ، مصر 1326 هـ - 1908 م ، ص 148 ، محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ، مصر 1326 هـ - 1908 م ، 1 / 332 ، دائرة معارف البستاني : 7 / 153 ، « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » تلو طبقات الصوفية للسلمي ، وجاء البيت الثالث فيه وحده هكذا :سقاني مثلما يسقي * كفعل الضيف بالضيف

« 468 »
الحيف : الجور والظلم ، وأصله من الميل ، ومنه تحيّفت الشيء إذا أخذته من جوانبه كما في الصحاح ومقاييس اللغة .
النطع : ( وكذا بالفتح والتحريك ، وكعنب ) : بساط من الأديم ( - الجلد ) ، كما في مقاييس اللغة ، يستعمل في القتل لإمكان غسله بعكس القماش المعتاد .
التنيّن : ضرب من الحيّات ، وهي عظيمة سوداء كما يظهر من هذه المقطّعة . والتنّين هنا لقب إبراهيم بن المهدي ، الأمير العبّاسي المشهور ( ت 224 هـ / 838 - 9 م ) لسواد لونه وسمنه ( انظر شرح لامية العجم للصفدي :
صلاح الدين خليل بن أيبك ، ت 764 هـ / 1362 - 3 م ، 2 : 64 ، دول الإسلام للذهبي ، حيدر آباد ، 1364 هـ ، 1 : 98 ، القاموس المحيط : مادة « التّن » ) . 
وروى ابن باكويه : أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الشيرازي « التنين » في رسالته على « النثرين » بمعنى « كوكب أنف الأسد » بنصّ ماسينيون في هامش هذه الرسالة ( أربعة نصوص ، 3 : 35 ) ، وهو ما اختاره المرحوم طه عبد الباقي سرور وجادل عليه في كتابه « الحلّاج شهيد التصوّف الإسلامي » ، مصر 1961 م ، ص 176 . 
والحق أن في « النثرين » خطأ لغويا واضحا ، إذ الكلمة مثناة في الظاهر ومفردها - على هذا الفرض - « النثرة » وهي ثلاثة كواكب متقاربة أحدها كأنه لطخة ، وهو أنف الأسد » ( كتاب الأنوار لابن قتيبة ، ص 54 ) . ومع أن النثرة ، وهي من نجوم الصيف ، ( أيضا ص 100 ) مفردة ظاهرا إلّا أنها لا تثنّى لدلالتها على مجموعة من الكواكب .
وإذا ساغ أن تثنّى جدلا كان ذلك على لفظ « النثرتين » لا « النثرين » كما هو واضح . ولكي يكون للرواية معنى ، نذكر أنّ المقصود بالنثرين « النسرين » وهما كوكبان صيفيّان يطلعان في تموز كما مر شرحه في معرض إنشاد الحلّاج للبيت :
سقوني وقالوا : لا تغنّ ولو سقوا * جبال حنين ما سقيت لغنّت
وقد حرّفت كلمة « التنّين » إلى « النسرين » في عالم التصوّف تخلّصا من

« 469 »
دلالة الأولى الحسيّة الواضحة على إنسان بعينه وتوجيهها إلى التجريد الذي يفضله الصوفية في أشعارهم دائما . 
( انظر هناك استعارة ابن غانم المقدسي قول القائل :
سقوني مع الجوزاء كأسا روية * وأخرى مع الشعرى إذا ما استقلت
للدلالة على التناوب في الشرب ، فمرة مع الجوزاء التي « تطلع صبحا في أشد الحرّ » ( الأنوار ، ص 44 ) ومرّة مع الشعرى للدلالة على الشرب في الشتاء فهما من قول ذي الرمّة يذكر طلوعها أول الليل في الشتاء :
إذا أمست الشعرى العبور كأنّها * مهاة علت من رمل يبرين رابيا
وقول الفرزدق :وأوقدت الشعرى مع الليل نارها * وأضحت محولا ، جلدها يتوسّف ( انظر الأنواء أيضا ، ص 46 ولاحظ شرح البيتين فيه ) .

النصّ والتحقيق :
أ - في البيت الأول : جاءت « نديمي » في ثمار القلوب على « أميري » وفي « اليواقيت » والجواهر » للشعراني « حبيبي » ( 2 : 105 ) .
ب - في البيت الثاني وردت « الكأس » على « الكاسات » ، وهو أمر ليس له مبّرر .
ج - جاء البيت الثاني في الديوان ونشر المحاسن الغالية لليافعي وطبقات الصوفية للشعراني على :سقاني مثلما يشرب * كفعل الضيف بالضيف
وواضح أن في هذه الرواية تصحيفا أساسه السهو ، ولعلّ رواية المصنف الأخير هي السائغة ، بوضع « يسقي » بدل « يشرب » . 
ثم إن « فعل الضيف بالضيف » مصحّفة أيضا إذ الضيف الأولى غير الضيف وليست الكلمة واردة ، وربّما كانت « الضيف » الأولى مكسورة الضاد ، وهي بهذا الضبط - :

« 470 »
بمعنى الناحية من قولهم : « فلان في ضيف فلان ، أي في ناحيته » وكذلك هي جانب الجبل والوادي كما في لسان العرب ، وبذا لا يستقيم المعنى .
ومما يذكر أنّ ابن العربي الحاتمي الطائي نفسه تحامى الخوض في شرك المقصود من اجتماع الضيف بالضيف في مقام كان ينبغي فيه أن يكون أحدهما مضيفا ، فذكر في رسالة « الانتصار » أن هذه المقطعة تحتمل عشرين سؤالا منها السؤال السادس عشر الذي يقول فيه : « الضيف بالضيف : هل أراد ضيفين في بساط مستضاف غيرهما ، أو كنّى بالضيف الواحد عن المستضاف تجوّزا ؟
السابع عشر : « هل حكم المستضاف هنا حكم ضيف العامة أو لا . . . » ( ص 19 ) .
ج - حلّ هذا الإشكال يكمن في أن كلمة الضيف من الأضداد ، فهي تطلق على المضاف والمضيف وشاهده - وإن كان متأخرا - قول أبي هلال العسكري ( ت 400 هـ / 1009 م ، في ديوانه ( بتحقيق د . محسن غياض ، ط بيروت 1975 ، : قافية العين ، القطعة : 7 ) .
ضفت عمرا فجاءني برغيف * زاد في أكله على الجوع جوعا
ثم ولّى يقول - وهو كئيب - : * لهف نفسي على رغيف أضيعا
كان خدّاعة الضيوف ولكن * ربما أصبح الخدوع خديعا
كنت أنزلته محلّا رفيعا * فغدا ذلك الرفيع وضيعا
د - وجاءت كلمة الضيف بمعنى المدعوّ لا الداعي في القاموس المحيط للفيروزآبادي ( مادة سأر ) في خبر نصّه : « وضاف أعرابي قوما فأمروا جارية بتطييبه ( بالطّيب ) فقال : بطني عطّري ، وسائري ذري »
ه - هذه المقطعة ليست للحلّاج - كما زعم ابن العربي الحاتمي الطائي في رسالة الانتصار المذكورة - وإنّما قالها متمثّلا لما « أتي به مسلسلا مقيّدا وهو يتبختر في قيده وهو يضحك ويقول . . . » كما في أخبار الحلّاج وغيره من كتب التصوف ، وإنّما هي للحسين بن الضحّاك الخليع قالها في مجلس شراب جمعه في شدّة الحرّ ، مع إبراهيم بن المهدي الأمير العباسيّ ، « فجرت بينهما

« 471 »
ملاحاة في الدين والمذهب ، فدعا له إبراهيم بنطع وسيف وقد أخذ الشراب منه ، وانصرف الحسين غضبان . فكتب إبراهيم يعتذر إليه ويسأله أن يجيبه ، فقال الحسين . . . » ( أشعار أولاد الخلفاء والأغاني : الموضعان السابقان ) .
و - شرح ابن العربي الحاتمي الطائي هذه القطعة ردّا على سؤال مكتوب فقال :
« نطق الرجل - رضي اللّه عنه - عن ذوقه وأعرب عن حاله وصرّح بما وصل إليه ، وذلك أنّ ربّ العزّة ، لمّا أقعده في بساط المنادمة - وهو أول مقامات الأنس - أدار عليه كأس راح الارتياح إليه بشراب ، شهد اللّه أن لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ، الممزوج ( كذا ) بماء العناية . فلمّا تحسّاه وسرى ( أثره ) في أعضائه أخذته أريحية الطرب وسكر ذلك المقام ، فكشف عن سرّه فرأى توحيد رب العزة وقد تقرر في سرّه في توحيده في ذاته وصفاته وأفعاله . 
ثم نظر إلى علم اللّه تعالى ، فوجد أن ربّ العزة توحيده (كذا) في علمه القديم القائم به على (علمه).
فصاح لما عاين ذلك منشدا :

سقاني مثلما يشرب ، فكنّى بالشرب عن العلم القديم وكنّى بالمثل حملا على نفسه وتجوّزا في لفظه ، إذ الشرب بعد عدم سابق وشرك حاصل ، والقديم منزّه عن هذا والشعر موضع تجوّز . فلما صدر منه هذا القول ، جرّد ربّ العزّ سيف العين وضرب عنقه بيد « ليس كمثله شيء » على نطع الفناء الكلي عند دور كأس معرفة المشاهدة 
فعند ذلك قال :  فلما دارت الكأس * دعا بالنطع والسيف
ثم قيل له : ناد عليك بلسانك ، وصف الحالة ونزّه قاتلك ونديمك عن الحيف ، فإنّي سأظهر فيك عجبا ، فنادي بلسانه على نفسه قبل أن يؤخذ من تركيبه ومحبسه وقال :
نديمي غير منسوب * إلى شيء من الحيف
سقاني مثلما يشرب * كفعل الضيف بالضيف
فلما دارت الكأس * دعا بالنطع والسيف
كذا من يشرب الراح * مع التنين في الصيف

« 472 »
اعتراض : فإن قلت - وفقك اللّه - : إنّ المقام الذي أشرت إليه في المسألة من التوحيد هذا هو اعتقاد أهل السنة وفيه أفنت الأشعرية أعمارها حتى علمته ( ! ) فأيّ غريبة أتى هذا الصوفي أو بأي صفة زائدة ورد علينا ؟
قلنا : صدقت - وفقك اللّه - فيما قلت . لكن بين الصوفي والأشعري في هذه المسألة ما بين « علمت » و « عاينت » : هو المعنى اللطيف الذي يفضل به الشاهد الغائب إن علمنا أن الخليفة في الوجود لسنا ( الصحيح ليس ) كمن شاهده وشاهد حضرته فلقد ( تفنى ) في مشاهدة صفة واحدة من صفات جلال اللّه عند فنائك عن نفسك . نعني كل أشعري على البسيطة ليس بصوفي ، ولهذا قيل :
ولكن للعيان لطيف معنى * لذا سأل المعاينة الكليم ( رسالة الانتصار ، ص 16 - 18 ) .
ز - ذكر الثعالبي أنّ هذه المقطعة توجّهت من الحسين بن الضحّاك إلى ابن عيسى العباس بن هارون الرشيد ، مالك يسر المذكور في القطعة التي أولها : « أيا من طرفه سحر » ، ولذلك وجه - لو صحّ أنه كان بهذه الصفة - ويبدو أن ذلك عسير الإثبات .
مع وضوح نسبة المقطّعة إلى الحسين بن الضحّاك ، بما فيها من مرجّحات ، نسبها الثعالبي إلى أبي نواس وليست في ديوانه . 
ويبدو أن ماسينيون كان مسوقا بهذه الحيرة لما كتب تعليقا على نسبة حمزة بن الحسن الأصفهاني لهذه الأبيات إلى أبي نواس ، حيث قال : « إن هذه النسبة غير مبالغ فيها حيث إنّ هذا النقل في غير صالح الحلّاج » وزاد على ذلك تنبّهه إلى أن « هذه المقطّعة لا ترد في ديوان الحسين الخليع ولا ديوان أبي نواس الذي اتّهم بسرقة معاني السابق ، ولم يذكرها ابن المهلهل ( الصحيح المهلهل بن يموت بن المزرّع ، ت بعد سنة 334 هـ / 946 م ) ( انظر سرقات أبي نواس ، لهذا المصنف ، تحقيق محمد مصطفى هدّارة ، مصر 1957 ) في كتابه : « سرقات أبي نواس » . وختم ماسينيون هذه الفقرة بإشارته إلى أنّ هذه من فوائد الأستاذ آسين بلاثيوس . ( وللاطلاع على سرقات أبي نواس من الحسين بن الضحّاك ، انظر الكتاب الأخير ، ص 48 ، 84 ) .

« 473 »
ط - فيما يتصل بتبختر الحلّاج في مشيه إلى القتل وترديده لهذه المقطّعة ، يحسن أن نورد الفقرة التالية ، من روض الرياحين لليافعي ، ص 95 : 
« عن بعضهم ، قال : رأيت فتى في طريق مكّة يتبختر في مشيته كأنه في صحن داره ! 
فقلت له : ما هذه المشية ، يا فتى ؟ 
قال : هذه مشية الفتيان خدّام الرحمن . . . 
فقلت له : وأين زادك وراحلتك ؟ 
فنظر إليّ منكرا لقولي !!
ثم قال : يا هذا ، أرأيت عبدا ضعيفا قاصدا مولى كريما ثم حمل إلى بيته طعاما وشرابا ؟ 
لو فعل ذلك لأمر الخدّام بطرده عن بابه . 
إنّ المولى - جلّت قدرته - لمّا دعاني إلى القصد إليه رزقني حسن التوكّل عليه . . . » .

* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:11 pm

أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية القاف
[ 39 ]من الخفيف :
1 - لا تعرّض لنا ، فهذا بنان * قد خضبناه من دم العشّاق


134التحقيق :
أ - التعرّض هو التصدّي وأصله التعوّج : يقال : تعرّض الجمل في الجبل أي إذا أخذ في سيره يمينا وشمالا لصعوبة الطريق كما في الصحاح ، فكأن التعرّض يعني المراقبة والملاحظة للخصم قبل الانقضاض عليه .
ب - في مدخل السلوك بدئ البيت بعبارة « لا ترد وصلنا » .
ج - في الديوان وردت « لا تعرّض بنا » وصحتّها كما أثبتناه إذ هو بيت القصيد من مقطّعة فيها محاورة بين قينة من قيان بغداد ورجل انتهت بتحذيره من التعرّض لها حفاظا على حياته ، كما يأتي .
د - ذكر ماسينيون أن هذا المعنى مستمد من القول المأثور : ركعتان
...............................................................................................
[ 39 ]
الديوان ، ص 109 عن : ابن يزدانيار ، ، مخطوط القاهرة ، ورقة 12 أ .
وانظر أيضا : مدخل السلوك للغزالي ، مصر 84 ، طبقات الشافعية للسبكي ( تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي ، ت 771 هـ - 1369 - 70 م ، 4 / 64 ، ترجمة أبي بكر محمد بن أحمد بن منصور السمعاني 466 - 510 هـ - 1077 - 1116 م ، ابن عم صاحب الأنساب ) .


« 475 »
في العشق لا يصحّ وضوؤهما إلا بالدمّ » وواضح أن علاقة لا تقوم بين البيت والعبادة إلّا في اشتراكهما في كلمة الدم ، والقول المأثور المذكور للحلّاج نفسه كما في تذكرة الأولياء 2 / 115 .
هـ - هذا البيت رابع أربعة أبيات أنشدها أبو بكر السمعاني المذكور على رأس المنبر وعظا للناس ونهيا لهم عن التعلّق بالدنيا وهي :
وقفت وقفة بباب الطاق * قينة من مخدّرات العراق
بنت عشر وأربع وثلاث * هي حتف المتيّم المشتاق
قلت : من أنت ، يا خلوب ؟ فقالت * أنا من لطف صنعة الخلّاق
لا تعرّض لنا ، فهذا بنان * قد خضبناه من دم العشاق
ومضمون القطعة أن القينة المذكورة في تحذيرها الرجل من التعرّض لها نبّهته إلى أن كل زينة من زينتها وكل حسنة من محاسنها اكتملت بالضحايا الكثيرة من العشّاق الذين قتلهم حبّها دون أن ينالوا منها شيئا .
أما الحلّاج فقد تناول هذا المعنى - فيما يبدو - تناولا مخالفا بتوجيهه إلى نهي الناس عن التعرّض للصوفية ورميهم بالعظائم جهلا بمشربهم وآرائهم ونظام حياتهم ، ومثّل لهم ذلك بما يرد في هذا البيت من حمرة البنان التي تعني التجمّل بالحنّاء ، وباللهو والمجون معا لذلك ، في حين أن التعمّق والتفهّم يوقفان المتسائل المتّهم على أن ما ظنّه مظهرا من مظاهر اللهو ليس إلّا معاناة ومقاساة وتضحية وبذلا للروح والمال . 
وأنّ ما ظنّه حنّاء لم يكن إلا دما سال من مصارع العشّاق المتوجهين إلى المثل الأعلى بالحب وبذل الروح كما قال القائل : « أهون ما في هذا الأمر بذل الروح » .


« 476 »
[ 40 ] من البسيط :
1 - الكأس سهّلت الشكوى فبحت بكم * وما على الكأس من شرّابها درك
 1352 - هبني ادّعيت بأني مدنف سقم * فما لمضجع جني كلّه حسك
 1363 - هجر يسوء ووصل لا أسرّ به . * ما لي يدور بما لا أشتهي الفلك ؟ !
 1374 - فكلّما زاد دمعي زادني قلقا * كأنّني شمعة تبكي فتنسبك


 138اللغة :
الدرك : التبعة ( تسكّن وتحرّك ) كما في الصحاح ، يقال : «ما لحقك من درك فعليّ خلاصه».
المدنف : من الدنف وهو المرض الملازم ، من الحبّ هنا ، كما في الصحاح .
الحسك : نبات ورقه شوك ملزّز صلب ذو ثلاث شعب ، كما في القاموس المحيط ، وهو أيضا « ما يعمل من الحديد على مثاله ، وهو من آلات العسكر » كما في الصحاح .
تنسبك : تذوب من الحرارة في صناعة الفضة وغيرها ، كما في الصحاح .


التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاءت « سهّلت » في الأصل على « سهّل لي » وهو خطأ نحوي يستقيم بما أثبتناه ، وفيه أيضا وردت « فبحت بكم » في الديوان على « بمنتابكم » وهو تصحيف واضح صحّته ما ورد في تكملة تاريخ الطبري ، بيروت 1961 م ، ص 26 .
ب - ذكر ماسينيون أن هذه المقطّعة لأبي العتاهية وجمعها مع
...............................................................................................
[ 40 ]
الديوان ، ص 114 عن : تكملة تاريخ الطبري للهمداني ، نشر دي كوجيه ، ص 97 .


« 477 »
المقطّعات الأخرى التي استشهد بها الحلّاج لهذا الشاعر وعلّق في الهامش حاشية تدعو إلى الرجوع إلى ديوان العباس بن الأحنف .
ج - واضح أن معاني هذه المقطّعة تحتمل الرمزية الصوفية وهذا سبب إنشاد الحلّاج لها .
د - لم نجد هذه المقطّعة في ديوان أبي العتاهية الذي أعادت «دار التراث ببيروت» نشره مصوّرا في سنة 1389 هـ / 1969 م.


« 478 »
قافية اللام 
[ 41 ] من المجتثّ :
1 - إذا هجرت فمن لي ؟ * ومن يجمّل كلّي ؟
 1392 - ومن لروحي وراحي * يا أكثري وأقلّي
 1403 - أحبّك البعض منّي * وقد ذهبت بكلّي
 1414 - يا كلّ كلّي فكن لي * إن لم تكن ، لي فمن لي ؟
 1425 - يا كلّ كلّي وأهلي * عند انقطاعي وذلّي
 1436 - مالي سوى الروح ، خذها - * والروح جهد المقلّ


 144النص :
ورد الشطر الثاني من البيت الرابع في « تقييد بعض الحكم والأشعار إن لم تكن لي لي » وهو تكرار لعجز البيت السابق .التحقيق :
أ - واضح أن هذه القطعة ذات أسلوب يختلف عن المعهود في هذا
...............................................................................................
[ 41 ]
الديوان ، ص 125 عن : تقييد ( بعض الحكم والأشعار ) ، مخطوط برلين ، ورقة 41 أ ، مخطوط قازان ، ص 77 ، مخطوط لندن ورقة 322 ب مخطوط الجميلي ص 10 ، ابن العربي الحاتمي الطائي : العبادلة ( مصر 1969 ، ص 142 ، البيتان 4 ، 6 ) .
انظر أيضا : قصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار به الوجد ، مجلةOrientala Suecacana، العدد السابق ، ص 109 ( الأبيات 1 ، 4 ، 6 ) ، « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » تلو « طبقات الصوفية للسلمي » مخطوط دار الكتب رقم 316 / 4 تاريخ .


« 479 »
الديوان من أشعار الحلّاج لسلاستها وإتقان سبكها ، وناظمها أشعر من الحلّاج .
ب - عدّ ماسينيون هذه القطعة مما قيل على لسان الحال وهي أقرب إلى أن تكون قطعة منسوبة إلى الحلّاج ، وقد نسبها إلى الحلّاج صاحب رسالة « شعر للحسين بن منصور الحلّاج » .
ج - نص ابن العربي الحاتمي الطائي في كتابه العبادلة ( ص 142 - 143 ) على أنّ الحلّاج هو قائل البيتين الرابع والسادس من هذه المقطعة مع روايته الشطر الثاني من البيت السادس هكذا « جهد الفقير المقلّ » . وذكر في هذا المجال أن أحد الصوفية الأندلسيين استخف بالبيتين . فلمّا طلب إليه أن يردّ عليهما قال مرتجلا :من الغرائب أنّي * أهديت بعضي لكلّيما لست أملك أهدي * فعل الحبيب المدلّفكان أن قال له ابن العربي الحاتمي الطائي : « لا فضّ اللّه فاك » موافقة وإعجابا . وعقب على ذلك بأن له بيتا في هذا المعنى قال فيه :كيف أهدي لكم الروح وقد * صحّ بالبرهان أنّ الكلّ لكوكل هذا يرجّح غربة المقطعة عن الحلّاج ، كما رأينا ، وإن كان القطع بذلك عزيزا على وسائلنا الاجتهادية .
د - أعجبت هذه المقطعة الشيخ عبد القادر الجيلاني فعارضها على الوزن والقافية ، فيما يبدو ، في قوله :اكشف حجاب التجلّي * وأحيني بالتملّيما لي سوى الروح خذها * والروح جهد المقلأخذت منّي بعضي * فليتني كنت كلّيوقفت بالباب دهرا * عسى أفوز بوصلمن لي بأن ترتضيني * عبيد بابك من لي ؟ !( مراقد المعارف لمحمد حرز الدين ، مطبعة الآداب ، النجف ، 1971 ، 2 / 59 ) .


« 480 »
[ 42 ] من المتقارب :
1 - أمّا والذي لدمي حلّلا * ومن خصّ أهل الولا بالبلا
 1452 - لئن ذقت فيك كؤوس الحما * م لما قال قلبي لساقيه : لا
 1463 - وما كنت مما تشاكى الهوى * ولو قدّني مفصلا مفصلا
 1474 - رضيت - وحقّك - كلّ الرضى * إذا كان يرضيك أن أقتلا
 1485 - فلا عيب إن متّ موت الكرام * كما مات في الحبّ من قد خلا


 149التحقيق :
أ - هذه المقطّعة تتضمن الأبيات ( 1 - 4 ، 7 ) من قصيدة لابن غانم المقدسي ، الماضي ، في لسان الحال وقد وجهها إلى الإمام الحسين بن علي شهيد كربلاء بناء على عبارة للإمام قالها لابنته الصغيرة حين قلقت عليه - :
« يا بنيّة ، لا كرب على عبارة أبيك بعد اليوم » . 
قال الشاعر : « فأخذت من هذه العبارة إشارة ، فكنت كلّما ( قرأت ) كربلا أقول : « لا كرب لا » .
ب - توفيرا للتعليقات والتصحيحات نورد القصيدة برمّتها هنا :
أما والذي لدمي حلّلا * وخصّ أهيل الولا بالبلا
لئن ذقت فيك كؤوس الحما * م ، لما قال قلبي لساقيك : لا
ولا كنت ممن شكا بالجوى * ولو قدّني مفصلا مفصلا
رضيت وحقّك كلّ الرضى * إذا كان يرضيك أن أقتلا
أنا ابن البتول وسبط الرسو * ل وجدّي بجدّي فيكم علا
أنا ابن الفتى الهاشميّ الذي * لمرحب في خيبر جندلا
فلا غرو أن متّ موت الكرا * م كما الموت في الحبّ فيكم حلا
أتنكر بين الورى قتلتي * ورأسي يدار به في الملا ؟
فيا حبّذا يوم صلّى عليّ * صلاة الشهيد على كربلا
ومتّ كما مات أهل الهوى * كذا رسم الحبّ أن أفعلا
...............................................................................................
[ 42 ]
قصة حسين الحلّاج حين ثار به الوجد ، ص 106 .


« 481 »
مضت سنّة اللّه في خلقه * بأنّ المحبّ هو المبتلى
يقول لهم عند بلواهم * أليس لي الحكم ؟ قالوا : بلى
فكم في الهوى من فتى عاشق * على مركب الموت قد عوّلا
ومزّق بالشوق أستاره * وخالف في حبّه العذّلا
ونادى على نفسه جهرة * كذا من يحبّ وإلّا فلا
( شرح حال الأولياء ) مخطوط المتحف العراقي رقم 1254 ، ( ورقة 7 أ - ب ) .
ب - ليس غريبا أن تتحول هذه المقطّعة ، التي قيلت على لسان حال الحسين بن عبد اللّه ، إلى شعر ينسب إلى الحلّاج وبخاصة أن ناظمها الفعلي صوفيّ قال شعرا على لسان الحالين .
ج - صححنا هذه المقطعة تصحيحا هيّنا لا يستحق الذكر هنا .


[ 43 ] من مجزوء الخفيف :
1 - لك جسمي فغلّه * فدمي لم تحلّه
 150التحقيق :
أ - في هذا النصّ جعل هذا البيت سؤالا موجّها في قرطاس مكتوب من الحلّاج إليه - تعالى - ألقاه في الهواء !
وقيل ، في الخبر ، « فارتفع القرطاس حتى غاب عن الأبصار ثم عاد إليه [ مكتوبا فيه ] :فإذا كنت عبدنا * فلنا الأمر كلّه »
ب - واضح أن البيت وجوابه وردا على لسان الحال تصويرا لنفسية الحلّاج وموقفه وظرفه وعقيدته الجبرية .
...............................................................................................
[ 43 ]
مجموع د . محمد باقر علوان ، ورقة 50 ب .


« 482 »
ج - في وفيات الأعيان ( 3 / 80 ) أن البيت الأول من نظم الأمير سيف الدولة الحمداني ( 303 - 356 هـ / 916 - 967 م ) وأن البيت الثاني من إجازة ابن عمه أبي فراس الحمداني الشاعر على الصورة الآتية :
لك جسمي تعلّه * فدمي لم تحلّه
قال : إن كنت مالكا * فلك الأمر كلّه


[ 44 ] من الطويل :
1 - وما زرتكم عمدا ولكنّ ذا الهوى * إلى حيث يهوى القلب تهوي به الرّجل
 151التحقيق :
أ - واضح أن هذا البيت ليس من طابع الحلّاج وهو واضح الحسّية ، ولهذا فقد وضعناه مع الأشعار المنسوبة إليه حتى يتبيّن انتماؤه .
ب - يبدو أن الشعر يمكن أن يكون معاصرا لأيامه ومن هنا ورد معناه على لسان ابن الحجاج الشاعر ( أبي عبد اللّه الحسن بن أحمد ، ت 391 هـ / 1001 م ) في قوله :
أمشي بقلبي لا برجلي إنما * تمشي بحسب هوى القلوب الأرجل
...............................................................................................
[ 44 ]
ديوان الأدب لشهاب الدين الخفاجي ( محمود بن محمد بن عمر ، ت 1069 هـ - 1658 م ) ، مخطوط المتحف العراقي رقم 247 ، ص 121 .


« 483 »
[ 45 ] من الخفيف :
1 - أدن منّي ولا تخافنّ غدري * ليس يخشى الخليل غدر الخليل
 1522 - إنّ أدنى الذي ينالك منّي * ستر ما يتّقى وبثّ الجميل
 153النص :
أ - في البيت الأول : جاءت « ولا تخافن » على « لا تخافين » وبها ينبغي أن يتغير فعل الأمر الأول إلى صيغة المؤنث ، وخطاب المؤنث جائز على كل حال .
التحقيق :
هذان البيتان للبهلول بن عمرو الكوفي ، ت نحو 190 هـ / 806 م ) ، وهو رائد البهاليل أي عقلاء المجانين في تاريخ الأمة الإسلامية .
فوات الوفيات للكتبي ( محمد بن شاكر بن أحمد ، ت 746 هـ / 1263 م ) .
ط . مصر 1953 ، ص 1 / 154 .
...............................................................................................
[ 45 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 331 أ ، برواية أبي الحسين النوري أن الحلّاج « أنشأ يقول » [ البيتين ] .


« 484 »
قافية الميم 
[ 46 ] من الطويل :
1 - بدا لك سرّ طال عنك اكتتامه * ولاح صباح كنت أنت ظلامه
 1542 - وأنت حجاب القلب عن سرّ غيبه * ولولاك لم يطبع عليه ختامه


 155اللغة :
الختام : هنا بمعنى الطين الذي يختم به كما في الصحاح .التحقيق :
أ - روى السهروردي المقتول البيتين أوّلي ثالث ، للحلّاج ، والثالث هو :وجاء حديث لا يملّ سماعه * ستنهى إلينا نثره ونظامهوهو مصحّف أيضا ، ويرد تصحيحه بعد .
ب - ذكر ماسينيون أنّ ابن عجيبة روى مع هذين البيتين أبيات ابن العريف ( أبي العبّاس أحمد بن محمد بن موسى الصّنهاجي الأندلسي ، 481 هـ / 1141 م ) :
...............................................................................................
[ 46 ]
الديوان ، ص 86 عن : السهروردي الحلبي ( انظر الدواني : بستان ، ابن القيم : مدارج السالكين : 2 / 112 ، ابن عجيبة : إعجاز ، ص 345 .
وانظر أيضا : رسالة في الجواب عن الحقيقة ، ضمن كتاب « جهارده مقاله » ( السابق ) ( ص 295 ) .


« 485 »
فإن غبت عنه حلّ فيه وطنّبت * على منكب الكشف المصون خيامه
وجاء حديث لا يملّ سماعه * شهيّ إلينا نثره ونظامه
إذا ذكرته النفس طاب نعيمها * وزال عن القلب المعنّى قتامه
وينسب المناوي بيتي المتن والبيتين الأولين من هذه المقطّعة إلى ابن العريف مع إيراد « منكب الكشف » في البيت الأول على « موكب الكشف » وظاهر أن المقطّعتين تحملان روحا واحدة وأسلوبا واحدا ولا يمكن فصلهما في اثنتين . 
لذلك فالراجح أن الأبيات الخمسة لابن العريف ، وكان صوفيا معروفا ومن أساتذة ابن العربي الحاتمي الطائي فيما قيل . ( انظر ترجمة ابن العريف في :
التشوّف إلى رجال التصوّف ، للتادلي : أبي يعقوب يوسف بن يحيى بن عيسى المعروف بابن الزيّات ، ت 627 هـ / 1229 - 30 م ، الرباط 1958 م ، ص 96 - 101 ، نيل الابتهاج بتطريز الديباج لبابا التنبكتي : أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد ، 963 - 1032 هـ / 1556 - 1622 م ، على هامش الديباج المذهب لابن فرحون ، مصر 1351 هـ ، 1 / 58 - 59 ، الكواكب الدرّية للمناوي 2 / 79 - 80 .
ج - ورد بيتا المتن متلوّين بالبيتين الأولين من مقطّعة ابن العريف ( دون نسبة ) في كتاب : روضة الطالبين وعمدة السالكين المنسوب إلى الغزالي ( انظره ضمن الرسائل الفرائد ، ص 103 ) . وإن صحّت نسبة المقطّعة إلى ابن العريف دلّ ذلك على أن هذا الكتاب ليس للغزالي ، إذ واضح أن ابن العريف قد توفّي بعد الغزالي بإحدى وثلاثين سنة .
د - سبق المتنبي إلى ذكر الختم على الفؤاد وذلك في قوله :
أروح وقد ختمت على فؤادي * بحبّك أن يحلّ به سواكا
فلو أني استطعت غمضت طرفي * فلم أنظر به حتّى أراكا
( ديوانه بتحقيق وشرح البرقوقي ، مصر 1348 هـ / 1930 م ، 2 / 81 ) .


« 486 »
[ 47 ] من مجزوء الرمل :
1 - كلّ حبّ ( حشو ) قلبي ، * غير حبّيك ، حرام
 1562 - أنت لي روح وراح * ( أنت ) زهر ومدام
 1573 - وسرور وهموم * وشفاء وسقام
 1584 - فعل كل هوى بع * د هوى فيك السلام 
159التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاء الشطر الأول في الأصل على : « كل حبّ على قلب » ولا يستقيم به ، ولعل « حشو » التي أقمنا بها الوزن ، و « قلبي » التي تداركنا بها المتكلّم ، و « حبيّك » في الشطر الثاني التي أقمنا بها الوزن بدل « حبّك » التي جاءت في الأصل ، وافية بالغرض .
وعلى « حبّيك » يرد النموذج التالي :ولقيت في حبّيك ما لم يلقه * في حبّ ليلى قيسها المجنون( مشارق أنوار القلوب لابن الدبّاغ ، ص 98 ) .
وعلى « حشو قلبي » يرد المثال التالي :
أنا إن متّ فالهوى حشو قلبي * وبداء الهوى يموت الكرام ( أيضا ، ص 88 ، الكواكب الدرّية للمناوي 2 / 41 ، دون نسبة ) .
ب - هذه المقطّعة واضحة الحسّية وإن كانت قابلة للتجريد .
ج - ذكر ماسينيون أن هذه المقطّعة وضعت على لسان الحلّاج بمقتضى لسان الحال .
...............................................................................................
[ 47 ]
الديوان ، ص 125 عن : تقييد بعض الحكم والأشعار لمجهول ، مخطوط لندن ، ورقة 330 أ ، مخطوط تيمور ، ص 10 .


« 487 »
[ 48 ] من البسيط :
1 - إنّ الحبيب الذي يرضيه سفك دمي ، * دمي حلال له في الحلّ والحرم
 1602 - إن كان سفك دمي أقصى مرادكم * فلا عدت نظرة منكم بسفك دمي
 1613 - واللّه ، لو علمت روحي بمن علقت * قامت على رأسها فضلا عن القدم
 1624 - يا لائمي ، لا تلمني في هواه ؛ فلو * عاينت منه الذي عاينت لم تلم
 1635 - يطوف بالبيت قوم لا بجارحة : * باللّه طافوا فأغناهم عن الحرم
 1646 - ضحّى الحبيب بنفس يوم عيدهم * والناس ضحّوا بمثل الشاء والنعم
 1657 - للناس حجّ ولي حجّ إلى سكني : * تهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي


 166التحقيق :
أ - في البيت الثاني جاءت « فلا عدت » في الأصول على « فما علت » وليس لها معنى هنا والمناسب ما أثبتناه .
ب - في البيت الخامس : وردت « باللّه » على « بالحبّ » في محاضرة الأبرار ، ولها وجه ومناسبة للمعنى ، غير أنّ الضمير يضطرب فيعود على الحب وحقّه أن يعود على اللّه سبحانه .
ج - هذه المقطعة من الشعر السائر ، وظنّها ماسينيون من شعر الحلّاج دون أن يؤيّد ذلك بنصّ يذكر ذلك . وورود البيتين الرابع والسابع في ديوانه
...............................................................................................
[ 48 ]
الديوان ، ص 85 ( الأبيات 4 ، 7 ، 5 ، فقط ) . عن تقييد ( مخطوط لندن ، ورقة 325 أ ، الأبيات 4 ، 7 ، 5 ) ابن العربي الحاتمي الطائي : الفتوحات المكية الباب 69 : 1 / 498 ( بالنسبة للشطر الثاني من البيت السابع انظر ذخائر الأعلاق ( القصيدة الثالثة ، البيت الثالث ) ، محاضرة الأبرار : 2 / 152 ( أيضا ، الشطر الأول ، والحق أنه البيت كله ) .
انظر أيضا : التشوّف إلى رجال التصوف للتادلي ( أبي يعقوب يوسف بن يحيي بن عيسى 627 هـ - 1229 - 30 م ) تحقيق أدولف فور ، الرباط 1958 ، ص 343 ( الأبيات 1 - 3 ) ، محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار لابن العربي الحاتمي الطائي ، مصر 1324 هـ - 1906 م : 2 / 124 ( الأبيات 6 ، 1 ، 7 ، 5 ، 4 ) وهو ما غفل عنه ماسينيون . روض الرياحين لليافعي ، ص 22 ( البيت الثاني ) ، ص 69 ( الأبيات 3 - 7 ) . نشر المحاسن الغالية له أيضا ، ص 173 ( البيت الثاني فقط ) .


« 488 »
لا يعني أن المقطعة له . . ويكفي ، لنفي نسبتها إليه ، أن ابن العربي الحاتمي الطائي واليافعي - وهما من كبار الصوفية ، ومن مطّلعيهم - روياها دون نسبة ، ولو كانت للحلّاج لما بخلا بها عليه . وجاء في مقدمة هذه المقطعة - في كتاب تقييد بعض الحكم والأشعار - قول الجامع : « أنشدني غلام جميل قال : أنشدني الشيخ الحسين بن منصور الحلّاج رحمه اللّه » [ المقطّعة ] .
د - تسلسل المقطّعة مستمد من الروايات التي ذكرناها ، فالأبيات الثلاثة الأولى جاءت مرتبة هكذا في التشوّف للتادلي ، وجاءت الأبيات ( 1 ، 3 - 7 ) في روض الرياحين لليافعي فأشعرت بأن مقطعة التشوّف ومقطعة الديوان ( الأبيات 4 ، 7 ، 5 ) بعضان من كل واحد اجتمعا في روض الرياحين بزيادة البيت السادس . وإن كان اليافعي ذكر البيت الثاني وحده في موضع مستقل ، ص 22 ، فلا يعني هذا أن البيت غريب عن هذه القطعة .
هـ - مما يبعد بهذه القطعة عن الحلّاج أن اليافعي رواها في تضاعيف حكاية أثرت عن مالك بن أنس ( ت 179 هـ / 803 م ) في اجتماعه بشاب من الزهّاد بمكة أيّام الحجّ فوجده لا يحجّ مع الناس ، فلما سأله السبب قال :
« يا شيخ ، أخشى أن أقول : لبيّك فيقول : لا لبّيك ولا سعديك ، ولا أسمع كلامك ولا أنظر إليك ! . . . » ( روض الرياحين ، ص 69 ، الحكاية 58 ) .
وكذا ذكر ابن العربي الحاتمي الطائي مضمون هذه القصة في الفتوحات المكية ( طبعة مصر 1293 ، الباب 69 ، 1 : 587 ) وقدّم عليها حكاية حكيت عن « بعض شباب الصالحين » مؤدّاها « أنّه كان بمنى يوم النحر ، وكان فقيرا متجردا لا يقدر على شيء من الدنيا ، فرأى الناس يتقرّبون إلى اللّه بنحر بدنهم وبغير ذلك من البقر والغنم ، 
فقال الشاب : يا إلهي ، إنّ الناس قد تقرّبوا إليك في هذا اليوم بما وصلت أيديهم إليه مما أنعمت به عليهم ، وما لعبدك المسكين شيء يتقرب به إليك ، في هذا اليوم ، سوى نفسه ، فاقبلها . فما فرغ من كلامه حتى فارق الدنيا ! » 
وختم ابن العربي الحاتمي الطائي هذه الحكاية بقوله : ولنا بيت من قصيدة في هذا المعنى :
وأهدي من القربان نفسا معيبة * وهل ريء خلق بالعيوب تقرّبا


« 489 »
( انظر أيضا محاضرة الأبرار له : 2 : 124 ، ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق بتحقيق محمد عبد الرحمن الكردي ، مصر 1388 هـ / 1968 ، ص 20 ) .
و - ذكر ابن تيمية أن الحلوليين من الصوفية وضعوا على لسان رابعة العدوية عبارة تصف بيت اللّه الحرام بأنه « الصنم المعبود » وقولا في وصفه نصّه : « واللّه ، ما ولجه اللّه ولا خلا منه » . وذكر أنه « كلام باطل عليها » ( مجموعة الرسائل والمسائل ، ص 80 - 81 ) . وكذا ذكر ابن تيمية أنه قد « طلب بعض أولاد المشايخ من والده الحجّ ، 
فقال الشيخ : طف يا بني ببيت ما فارقه اللّه طرفة عين » ( أيضا ، ص 62 ) . وهذه أقوال تتصل بالحبّ الإلهي عند الصوفية من أصحاب وحدة الوجود ممن تتردّد في نفوسهم الآية :( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )( البقرة : 2 : 115 ) .
ز - ذكر ماسينيون أن ابن الفارض عرض لمعنى البيت الرابع فعبّر عنه بقوله :يا لائما لامني في حبّهم سفها * كفّ الملام ، فلو أحببت لم تلم( الديوان ، هامش ، ص 85 ) ، وهذا البيت من قصيدة مطلعها :
هل نار ليلى بدت ليلا بذي سلم * أم بارق لاح في الزوراء فالعلم
( الديوان ، مصر 1370 هـ / 1951 م ، ص 74 ) .
وذكر أيضا أن البوصيري ( محمد بن سعيد بن حمّاد الصنهاجي ، 608 - 696 هـ / 1211 - 1296 م ) أخذ هذا المعنى في قوله :
يا لائمي في الهوى العذريّ معذرة * منّي إليك ، ولو أنصفت لم تلم
وذلك في بردته المشهورة التي مطلعها :
أمن تذكّر جيران بذي سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
( الديوان ، بتحقيق محمد سيد كيلاني ، مصر 1374 هـ / 1955 م ، ص 190 ، ويقع البيت المتقدم تاسع القصيدة ) .


« 490 »
وفي معنى التضحية على العموم ذكر عن ذي النون المصري أنّه رئي بمكة وفي يديه الغلّ وفي رجليه القيد وهو يساق إلى المطبق ( السجن المشهور ) والناس يبكون حوله وهو يقول :
هذا من مواهب اللّه ومن عطاياه ، * وكل فعاله عذب حسن طيّب ،
ثم أنشد ( من الخفيف ) :
لك من قلبي المكان المصون * كلّ لوم عليّ فيك يهون
لك عزم بأن أكون قتيلا * فيك والصبر عنك ما لا يكون
( وفيات الأعيان ، مصر 1948 ، 1 : 281 ) .
ح - لعل ما حمل ماسينيون على نسبة هذه المقطعة إلى الحلّاج ما اتّهم به من أنه كان ينادي بالحجّ بالهمة ، ومؤدّاه أن الإنسان « إذا أراد الحجّ ولم يمكنه ، أفرد في داره بيتا لا يلحقه شيء من النجاسة ولا يدخله أحد ، ومنع من تطرّقه . فإذا حضرت أيام الحجّ طاف حوله طوافه حول البيت الحرام . 
فإذا انقضى ذلك ، وقضى من المناسك ما يقضى بمكة مثله ، جمع ثلاثين يتيما وعمل لهم أمرأ ( - أطيب ) ما يمكنه من الطعام وأحضرهم إلى ذلك البيت وقدم إليهم من ذلك الطعام وتولّى خدمتهم بنفسه . 
فإذا فرغوا من أكلهم وغسل أيديهم ، كسا كلّ واحد منهم قميصا ودفع إليه سبعة دراهم أو ثلاثة - الشك منّي . فإذا فعل ذلك ، قام له مقام الحجّ . . . » ( تاريخ بغداد 8 :
138 ) .
ط - الحق أنّ هذا المعنى شعريّ بحت ، وقد أخذه الشعراء قبل الحلّاج ونظموا فيه ودارت حوله القصص العاطفية .
فمن ذلك ما رواه محمد بن داود الجرّاح ( ق 296 هـ / 909 م ) في كتابه الورقة ( مصر 1953 ، ص 75 - 76 ) من أن ميمونا الخضري المحاربي ( والخضر جماعة من محارب ) قال :
« أردت الحجّ ، فقالت لي امرأة - كنت أتحدثّ إليها - : قم فطف ببيتي سبع طوفات كما تطوفون بالبيت ، وأركض بعيرك كما يركضون إبلهم ،


« 491 »
قد كنتُ أجمعتُ حجَّ البيت أطلبهُ ... والقلب عن حجِّ ذاك البيتِ مُشتجِرُ
أرى خلافاً ذهاب البيت أطلبه ... وها هنا بيتُ جُمل مالهُ سفرُ
لله سبعةُ أطواف أطوفُ بهِ ... كما يطوفونَ سدَّ البيتِ أقتصرُ
ورمي جاراتها جهدي كرميهمُ ... روسَ الجمارَ التي ترمي وتبتدرُ
فسوفَ أحلق رأسي مثل حلقهمُ ... حتى يكروا ورأسي مالهُ شعرُ
وسوف أركضُ نضوي مثل ركضهمُ ... حتى دبرُ
كانتْ مناسكهمُ تقبيلهمْ حجرأ ... ومن يقبلكِ لا يعرض له الحجرُ
لو كان أدركها عثمانُ أو عُمرٌ ... ما حجَّ غيركِ عُثمانُ ولا عُمرُ


وذكر الجرّاح أيضا أنّ راشد بن إسحاق ( أبا حكيمة الشاعر ) قال في هذا المعنى :
ولمّا رأيت الحجّ قد آن وقته * وأبصرت بزل العيس بالركب تعسف
رحلت مع العشّاق في طاعة الهوى * وعرّفت من حيث المحبّون عرّفوا
وقد زعموا رمي الحجار فريضة * وتارك مفروض الجمار يعنّف
فهيّأت تفّاحا ثلاثا وأربعا * فنقّش لي بعض وبعض مغلّف
فقمت حيال القصر ثم رميته * فظلّت له أيدي الجواري تلقّف
وإني لأرجو أن تقبّل حجّتي * وما ضمّني للحج سعي وموقف


وزاد الجرّاح على ذلك أن للثروانيّ في هذا المعنى قوله :
فإن أحرموا من ذات عرق وهلّلوا * فموضع إحرامي - وإن لم يكن حرما 
من القائم السقّاء صيّرت حجّتي * إلى الحيرة البيضاء مندفعا قدما
( الورقة ، ص 75 - 77 ) .
وأصل هذا المعنى ، في بساطته الساذجة ، مأخوذ من قول ذي الرمّة ( غيلان بن عقبة بن مسعود ، 77 - 117 هـ / 696 - 735 م ) :
تمام الحجّ أن تقف المطايا * على خرقاء واضعة اللّثام


« 492 »
( انظر الأغاني ، ساسي ، 16 / 119 - 120 ، محاضرة الأبرار لابن العربي الحاتمي الطائي ، 2 / 159 ، ولا يرد هذا البيت في ديوان ذي الرمة ، دمشق ، 1384 / 1964 ، ولا في شرح قصائد لذي الرمّة ، لعبد اللّه الطيّب ، الخرطوم 1377 / 1958 ) .
ي - فوق هذا ، تكثر هذه المعاني في أشعار الصوفية على العموم ، فمن ذلك قول القائل :
أرى الحجّاج يزجون المطايا * فهأنذا مطايا الشوق أزجي
إذا الركبان نحو البيت حجّت * فوجهك قبلتي وإليك حجّي
وقول القائل :
لئن لبس الناس البياض وأحرموا * فإنّي في ثوب الصبابة محرم
وإن حرّموا طيب النعيم عليهم * فكل نعيم دون حبّك يحرم
أطوف إذا طافوا بحيطان قصركم * وألتزم الأركان منه وألثم
وفي كل عام للبرية موسم * وفي كلّ يوم لي ببابك موسم
وقول القائل :
ولما وردنا الحيّ راحت عقولنا * إلى موقف الأحباب في حرم الوصل
وطفنا وطافت بالطواف طوائف * غنينا بها عما يشاهد بالعقل
وفي عرفات كشّف الحجب بيننا * فلم يبق فينا للرسوم سوى العذل
( مدخل السلوك إلى منازل الملوك للغزالي ، ص 59 - 60 ) .
وأصرح من هذه المقطّعات في الدلالة على هذا المعنى قول القائل :
يطوفون بالأحجار يبغون قربهم * إليك ، وهم أقسى قلوبا من الصخر
وتاهوا ولم يدروا من التيه من هم * وحلّ محل القرب في باطن الفكر
فلو صدقوا في الودّ غابت صفاتهم * وقامت صفات الودّ للحقّ في الذكر
ومنه أيضا :
جسم يطوف وقلب ليس بالطائف * ذات تصدّ وذات ما لها صارف
هيهات ، هيهات ، ما اسم الزور يعجبني * قلبي له من خفايا فكره خائف

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:12 pm

أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي


« 493 »
ومنه أيضا قول أبي عبد اللّه أحمد بن محمد بن أحمد الشيرازي :
إليك قصدي لا للبيت والأثر * ولا طوافي بأركان ولا حجر
صفاء وديّ الصفا لي حين أعبره * وزمزمي دمعة تجري من النظر
وفيك سعيي وتعميري ومزدلفي * والهدي جسمي الذي يغني عن الجزر
عرفانه عرفاتي إذ منى منن * ووقفتي وقفة في الخوف والحذر
وجمر قلبي جمار قيدها شرري * والحرم تحريمي الدنيا عن الفكر
ومسجد الخيف خوفي من تباعدكم * ومشعري ومقامي دونكم حذر
يزادي رجائي له والشوق راحلتي * والماء من عبراتي والهوى سفري
( محاضرة الأبرار لابن العربي الحاتمي الطائي ، 1 : 144 - 145 ، المقطعة كلها ، مدخل السلوك للغزالي ، الأبيات 1 ، 2 ، 6 ، 7 ، وفي المقطعتين تصحيفات كثيرة حاولنا تصحيحها في ما أثبتناه ) .
ك - وعاد هذا المعنى إلى المتصوّفة أديبا على لسان أبي بكر العنبري من صوفية أواخر القرن الرابع الهجري [ - العاشر الميلادي ] في قول الذي يغنّى به [ ! ] .
يا من إلى وجهه حجّي ومعتمري * إن حجّ قوم إلى ترب وأحجار
أنت الصلاة التي أرجو النجاة بها * وأنت صومي الذي يزكو وإفطار
يإني - وإن بعدت عني دياركم - * فأنتم في سواد القلب سمّاري
فإن تكلّمت لم ألفظ بغيركم * وإن سكتّ فأنتم عقد إضماري
( تتمة يتيمة الدهر للثعالبي ، ط . طهران 1353 هـ ، 1 / 68 )
ل - استيعابا لهذا المعنى وإشعاعاته وظلاله نذكر أنه « يؤثر عن صوفي توفي سنة 319 هـ / 931 م ، أنه قال : عجبت لمن يقطع البوادي ، والقفار ليصل إلى بيت اللّه وحرمه ، لأنّ فيه آثار أنبيائه ، كيف لا يقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه لأن آثار مولاه
ويذكر لأبي حيان التوحيدي - كان صوفي السمت والهيئة ، متفننا في الكلام على مذهب المعتزلة - أنه ألف حوالي عام 380 هـ / 990 م كتاب : الحج العقلي إذا ضاق الفضاء عن الحج الشرعي ، [ معجم الأدباء 5 / 383 ] .


« 494 »
ويحكى أن الوزير نظام الملك ، في القرن الخامس الهجري ، استأذن السلطان ملكشاه في الحج فأذن له ، فخرج ، فلما عبر دجلة ، وضرب خيامه ، جاء فقير تلوح عليه سيماء القوم [ - الصوفية ] إلى الخيمة التي فيها الوزير وأعطاه رقعة مطوية كان فيها :
رأيت النبي ( ص ) ( في المنام ) وقال لي : اذهب إلى الحسن وقل له :
اين تذهب ؟ إلى مكة ؟ حجّك هاهنا .
ألم أقل لك : أقم بين يدي هذا التركي [ - السلطان المذكور ] وأعن أصحاب الحوائج من أمّتي ؟ فرجع نظام الملك . ( طبقات السبكي 3 / 140 ) .
ويقول الحجويري [ - الهجويري ] نفسه في القرن الخامس الهجري وهو مثال الصوفية المتساهلين المعتدلين - :
الحج نوعان : الأوّل في الغيبة والثاني في الحضور ؛ فمن كان غائبا عن اللّه في مكة فهو كمن كان غائبا في بيته . 
ومن كان حاضرا مع اللّه في بيته فهو كمن كان حاضرا معه في مكة . فالحج مجاهدة لكشف المشاهدة ، والمجاهدة ليست علّة للمشاهدة ولكنها وسيلة لها . . . فليس المقصود من الحج رؤية البيت بل المقصود الحقيقي مشاهدة اللّه ( كشف المحجوب ص 329 ) »
وراجع للمزيد رسائل إخوان الصفا والفقرة الخاصة بمحاكمة الحلّاج في مقدمة هذا الكتاب، وذلك في قولهم:
« واعلم ، أيها الأخ ، أن القربان ، كما ذكرنا ، قربانان : شرعيّ وفلسفيّ لا ثالث لهما . فأما القربان الشرعي فهو المأمور به في الحج من ذبح الحيوانات . . .
وأما الفلسفي فهو مثل ذلك إلّا أن النهاية فيه التقرّب بالأجساد إلى اللّه - سبحانه وتعالى - بتسليمها إلى الموت وترك الخوف ، كما فعل سقراط لما شرب السّم » ( رسائل إخوان الصفا ، 4 / 208 ) .


« 495 »
[ 49 ] من البسيط :
1 - أنعي إليك نفوسا طاح شاهدها * فيما ورا الحيث يلقى شاهد القدم 
1672 - أنعى إليك قلوبا طالما هطلت * سحائب الوحي فيها أبحر الحكم
 1683 - أنعى إليك لسان الحقّ مذ زمن * أودى وتذكاره في الوهم كالعدم
 1694 - أنعى إليك بيانا تستكين له * أقوال كلّ فصيح مقول فهم
 1705 - أنعى إليك إشارات القلوب معا * لم يبق منهن إلّا دارس الرمم
 1716 - أنعى - وحقّك - أخلاقا لطائفة * كانت مطاياهم من مكمد الكظم 
1727 - مضى الجميع ، فلا عين ولا أثر * مضيّ عاد وفقدان الألى إرم
 1738 - وخلّفوا معشرا يجرون لبستهم * أعيى من البهم بل أعيى من النعم 174
...............................................................................................
[ 49 ]
الديوان ، ص 24 - 25 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 13 الأبيات 1 ، 3 ، 6 ، 7 ، 8 ) .
مخطوط لندن ورقة 334 أ ( الأبيات 1 ، 6 ، 7 ، 8 ) ، انظر مخطوط برلين ، رقم 3492 ، ورقة 42 ب في روايتين الأولى : تتضمن الأبيات 1 ، 3 ، 6 ، 7 ، والثانية تتضمن الأبيات 2 ، 3 ، 5 ، 4 ، 6 . القناد برواية السراج في اللمع ، ص 48 ، ( الأبيات 5 ، 2 ، 1 ، 3 ، 4 ، 6 ) . ص 372 ( البيت السابع ) . السلمي : تاريخ الصوفية النص ، رقم 14 ( الأبيات 1 - 8 ) ، وحقائق التفسير : تفسير الآية 36 من السورة 50 ( - ق )( وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً ، فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )[ البيت الأول فقط ] ، ابن باكويه : بداية حال الحسين بن منصور الحلّاج ونهايته ( أربعة نصوص : 3 / 34 ) ( انظر نقل الذهبي ، عن ابن باكويه ، أيضا تاريخ الإسلام المخطوط الأبيات 1 - 8 ) .
القشيري : لطائف الإشارات ، تفسير السورة 22 ، الآية 41 ( الحج ) :( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ . وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ ، وَكُذِّبَ مُوسى ، فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ )؟
( الآيات 42 - 44 ) ، الهروي : طبقات الصوفية ( ترجمة الجنيد 2 ، 1 ) .
وانظر أيضا : تاريخ بغداد : 8 / 130 ( 1 - 8 ) . أخبار الحلّاج ، ص 12 ( 1 - 8 ) .
عواف المعارف لأبي حفص السهروردي ( عمر بن محمد بن عبد اللّه الصديقي ، 539 - 632 هـ ) ، مصر 1358 هـ - 1939 م ، ص 15 ( البيت الثاني فقط ) . 
نشر المحاسن الغالية لليافعي ، ص 421 ( البيت الثاني أيضا ) . البداية والنهاية لابن كثير : 11 / 142 .


« 496 »
اللغة :
طاح : بمعنى « هلك وسقط وكذلك إذا تاه في الأرض » كما في الصحاح .
الشاهد : اللسان في اللغة ، وفي المصطلح « ما يشهدك بما غاب عنك ، يعني يحضر قلبك لوجوده . . . 
وسئل الجنيد - رحمه اللّه - عن الشاهد فقال : " الشاهد الحق في ضميرك وأسرارك مطلّع عليها ، والمشهود ما يشاهده الشاهد " ( اللمع ، ص 415 ) . 
والشاهد ، عند القشيري : « الحاضر ، فكلّ ما هو حاضر قلبك فهو شاهدك . . . ومن حصل له مع مخلوق تعلّق بالقلب يقال : إنّه شاهده ، يعني أنّه حاضر قلبه ، فإنّ المحبّة توجب دوام المحبوب واستيلاءه عليه » ( الرسالة القشيرية ، مصر 1385 هـ / 1965 م ، 1 / 246 ) .
الحيث : هو المكان ، والقدم : هو الزمان الأزلي ، وشاهد القدم :
شهوده والإحساس به .
هطلت : بمعنى أعادت السحب الماء الذي استمدته من الأبخرة .
مذ زمن : كان حقّها « من زمن » قياسا على أختها التي وردت في المقطّعة الأولى من هذا الديوان ، غير أنّ إجماع الأصول على إيراد « مذ » مكان « من » لم يترك لنا خيارا . 
و « مذ » هنا واضحة الظرفية وحقّها الظاهر أن تجرّ « زمن » التي بعدها . لكنها ، وأختها « منذ » ، « لا تدخلهما حينئذ إلا على زمن أنت فيه ، فتقول ما رأيته منذ الليلة » غير أنهما ترفعان ما بعدهما في التاريخ والتوقيت ، كما في المقطّعة الحاضرة ، فتقول في التاريخ : « ما رأيته مذ يوم الجمعة ( بالرفع ) ، أي أوّل انقطاع الرؤية يوم الجمعة وتقول في التوقيت : ما رأيته مذ سنة » كما في الصحاح .
وانظر تفصيل ذلك في « الإنصاف في مسائل الخلاف » للأنباري : عبد الرحمن بن محمد النحوي ، 513 - 577 هـ / 1119 - 1181 م ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، ط 4 ، مصر 1380 هـ / 1961 م ، ص 382 - 391 . 
و « مذ زمن » هنا كزّة كما لا يخفى وأحسن منها « من زمن » ولعلّ هذه هي الأصل فعلا .


« 497 »
الرمم : جمع الرمّة ، بكسر الراء : العظام البالية .
مكمد الكظم : مكمد من الكمد بمعنى الحزن الشديد ، وتغيّر اللون وذهاب صفائه ، ومنه الفعل كمد لازما وأكمد متعدّيا ، والكظم تجرّع الغيظ ، وكظم البعير . . . إذا أمسك عن الجرّة ( الاجترار ) ( من الخوف أو ما إليه ) كما في الصحاح .
العين : هو الشاهد والمنظر والأثر والبقيّة ، وهو الحديث إذا ذكرته عن غيرك كما في الصحاح .
المطايا : هنا ، الوسائل التي يصل بها الناس إلى مقاصدهم .
يجرون لبستهم : يلبسون لباسهم ، ففيهم المظهر وليس فيهم المخبر .
البهم : جمع بهمة وهي أولاد الضأن .
النعم : واحد الأنعام وهي المال الراعية ( كذا ) وأكثر ما يقع على الإبل ، كما في الصحاح .


التحقيق :
أ - عنون ماسينيون هذه المقطّعة بعبارة « نعيّ في وصف فقد حاله » نقلا عن مصادره ، وذكر الأنصاري أنّها « في المراثية » ( - المراثي ) ( طبقات الصوفية ، ص 185 ) وذلك أصح .
ب - نسبت المصادر هذه المقطّعة إلى الحلّاج إلّا « اللمع » فقد وردت فيه إشارتان تضيفان هذه المقطّعة إلى أبي الحسين النوري ( أحمد بن محمد ، المعروف بابن البغوي ، ت 295 هـ / 907 - 8 م ) ( ص 319 ، 450 ) وهي به أخلق إذ لم يكن من طبع الحلّاج والرثاء ولا التحسّر ولا الأسف ولا الوعظ ، وإنّما كان توجّهه ، إلى نفسه وأحواله ومواجيده . والسرّاج أسبق - في التاريخ - من جميع من سجّل هذه المقطّعة للحلّاج وقد رواها عن القنّاد خبير الصوفية والمطّلع على سيرهم والجامع لأشعارهم ، وشهادته هذه فاصلة وبخاصة أنه كان من أبرز الرواة عن الحلّاج نفسه ( انظر مثلا الأنساب للسمعاني ، ورقة 462 أ ) .


« 498 »
ج - في البيت الأول أجمعت المصادر على إيراد « طاح شاهدها » وتحتمل أيضا « طاش شاهدها » ولعلها أنسب للمعنى . كذلك يمكن افتراض « صاح » بديلا لطاح وطاش وإن كانت كلمة المتن ذات وجه مقبول . ثم إنّ هذه الكلمة قد جاءت في « البداية والنهاية » لابن كثير على «طال» وورد الشطر الثاني في « تاريخ بغداد » على «فيما ورا الحيث أو في شاهد القدم».
د - في البيت الثاني : وردت « سحائب الوحي » في طبقات الصوفية للأنصاري على « سحائب الوجد » ونرى أن ما أثبتناه أنسب للمعنى .
هـ - في البيت الثالث مع ترجيحنا « من زمن » على « مذ زمن » التي أجمعت عليها المصادر لصعوبتها لم نجد بدّا من السكوت نزولا عند رأي سيبويه الذي يرى أن « من » للمكان فقط ولا ترد للزمان ، وذلك علاوة على ما مرّ ذكره .
و - في البيت الخامس : تنفتح فجوة بين الشطر الأول والثاني منه ، فقد صارت الإشارات مقرونة بالعظام البالية ، فلعلّ المقصود المقارنة بين الإشارات الروحية ، التي كانت لغة الصوفية السابقين ، والهياكل البالية والعظام النخرة التي صارت ملاك التصوّف مظهرا دون مخبر فيما تطوّر إليه حالهم .
ز - في البيت السادس : وردت « مكمد » على « مكمن » في اللمع ، ولعل لها وجها وإن كانت « مكمد » جارية مع السياق . ووردت « أخلاقا » على « أحلاما » في تاريخ الإسلام للذهبي ولها وجه ولعلها الأصل .
ح - في البيت الثامن : جاءت « يجرون » في تاريخ الإسلام للذهبي أيضا على « يجدون » وما أثبتناه أثبت . 
وجاءت « لبستهم » في أخبار الحلّاج على « لبسهم » وهي صالحة للنصّ أيضا وفي هذين الكتابين جاءت « أعمى » مرّتين على أنها أفعل تفضيل وذلك خطأ صرفي إذ يمنع من ذلك كون الوصف من فعل على أفعل ( انظر شرح ابن عقيل 2 / 138 ) وأنّه من الأفعال الدالّة على العيوب ( أيضا 2 / 122 ) . 
وإذا كان الأمر كذلك ، وعلى فرض اطّلاع أبي


« 499 »
الحسين النوري أو الحلّاج على هذه النكتة ، لا محيص من اقتراح « أعيى » ، من العيّ ، لمناسبته للشكل والمضمون . ومما يبرّر هذا قول العرب في أمثالهم « أعيى من بأقل وأعيى من يد في رحم » « لمن يتحيّر في الأمر ولا يتوجّه إليه » كما في مجمع الأمثال للميداني ( أبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري ، ت 518 هـ / 1124 م ) ، مصر 1352 ص 504 - 505 . ويرى الأستاذ مكّي السيّد جاسم أن « أغبى » أرجح من « أعيى » .
ي - في ما يتصّل بالبيت الثامن ذكر القشيري كلاما يتضمن هذا المعنى ننقله فيما يلي :
« . . . وقد يجري من النفس وهواجسها على القلوب لبعض الأولياء وأهل القصّة ظلم ، ويحصل لسكان القلوب من الأحوال الصافية عنها جلاء ، وتستولي غاغة النفس فتعمل في القلوب بالفساد بسبب استيطان الغفلة حتى تتداعى القلوب للخراب من طوارق الحقائق وشوارق الأحوال كما قال قائلهم :
أنعى إليك قلوبا طالما هطلت * سحائب الجود فيها أبحر الحكم
فيهزم الحق - سبحانه - بجنود الإقبال أراذل الهواجس ، وينصر عسكر التحقيق بأمداد الكشوفات ، ويتجدّد العهد وتطلع شموس السعد في ليالي الستر ، وتكنس القلوب وتتطهر من آثار ظلمة النفس . . . » ( لطائف الإشارات ، 4 / 220 ) .
يا - معنى هذه المرثية أو الشكوى يدور حول المقارنة بين جيلين من الصوفية . وقد حدّد الشاعر خمس صفات كانت مناقب ومفاخر لهم ففقدوها بمرور الزمان نتيجة غلبة التظاهر والشهرة عليهم .
فأوّل ما فقد الصوفية : أنهم كانوا يصلون بنفوسهم وأرواحهم إلى ما وراء المكان والزمان ليعيشوا في العالم الروحي ، فوقعوا في أسرها في تلك الأيام .
وثاني ما خسره الصوفية : أنّ أوائلهم كانت قلوبهم طافحة بمعارف


« 500 »
الإلهام والوحي ، وعاد أواخرهم - المعاصرون للنوري والحلّاج - وقد أضاعوا ذلك الصفاء وعجزوا عن مجاراة أصحاب العقول فضاعوا بين عالمي الروح والعقل .
والثالث : أنّهم كانوا ألسنة للحق والمثل الأعلى ونماذج للفتوّة والفداء فلم يبق من ذلك إلا ما يشبه الطلل البالي من البيوت العامرة .
والرابع : أنهم فقدوا بيانهم الفذّ وعباراتهم المؤثّرة التي استكانت لها الفصحاء وسلّمت لها الخطباء والعقلاء ، فعاد الصوفية أهل تظاهر ودعوى وجهل .
والخامس : مما خسره الصوفية : إشاراتهم القلبية التي كانت تقترن بتصفيتهم المستمرة ، ومن هنا وصفوا أنفسهم بعبارة « أهل الإشارات » فقال قائلهم :
إذا أهل العبارة ساءلونا * أجبناهم بأعلام الإشارة ( التعرف ، ص 61 ) .
وهكذا ذهبت هذه المناقب بذهاب الأجيال الماضية من الصوفية كما عفّى الزمان على الأمم البائدة ، ولم يبق من بعدهم إلّا قوم مقلّدون ليس لهم أصالة سلفهم ولا قوّتهم وليس فيهم فطنتهم ولا فهمهم ، قد أصابهم العيّ والحصر فغدوا أشبه ما يكونون بالحيوان الأعجم حين يهمهم ولا يفصح .
يب - لا يخفى أنّ هذه التهم نابعة من قلب حسّاس ظامئ إلى المزيد من التعمّق والتطوّر في عالم التصوّف ، وإلّا فجيل الحلّاج والنوري كان هو الرائد وهو الذي بقي مع الزمن ، ومصداقا لذلك ذكر الكلاباذي مقطّعة نسبها إلى امرأة من المعجبات بالصوفية قالت فيها :
قوم همومهم باللّه قد علقت * فما لهم همم تسمو إلى أحد
فمطلب القوم مولاهم وسيّدهم * يا حسن مطلبهم للواحد الصمد
ما إنّ تنازعهم دنيا ولا شرف * من المطاعم واللذّات والولد
ولا للبس ثياب فائق أنق * ولا لروح سرور حل في بلد


« 501 »
إلا مسارعة في إثر منزلة * قد قارب الخطو فيها باعد الأمد
فهم رهائن غدران وأودية * وفي الشوامخ تلقاهم مع العدد ( التعرّف ، ص 10 ) .
يج - ما يذكر أن علي بن عبد الرحيم القنّاد ( المعاصر للحلّاج ) الذي روى هذه المقطعة للنوري ، أفرغ هذه المعاني كلّها في قطعة شعرية نظمها بنفسه تعبيرا عن سخطه على صوفيّة عصره ، الذين فرّطوا في الحلّاج ولم يدافعوا عنه ، فقال :
أهل التصوّف قد مضوا * صار التصوّف مخرقه
صار التصوف صيحة * وتواجدا ومطبّقه
مضت العلوم ، فلا علو * م ولا قلوب مشرقه
كذبتك نفسك ، ليس ذا * سنن الطريق الملحقه
حتى تكون بعين من * عنه العيون محدقه
تجري عليك صروفه * وهموم سرّك مطرقه ( اللمع ، ص 47 ، تلبيس إبليس ، ص 363 - 4 ، الرحلة المغربية للعبدري ، ص 103 ، وقد جاءت « الملحقة » في قافية البيت الرابع في اللمع على « المخلقة » ولها وجه ، والملحقة أنسب للسياق وهي بمعنى الموصلة إلى الغرض . وانظر الفتوحات الإلهية لابن عجيبة 2 : 197 برواية فيه اختلاف طفيف ) .
ولقصائد أخرى في ذم الصوفية بلسانهم ولسان غيرهم انظر مقطّعة للسراج في سعود المطالع للأبياري ، مصر 1283 هـ ، 2 / 245 وراجع تلبيس إبليس لابن الجوزي ، ص 362 - 3 حيث أورد قصيدتين إحداهما لأبي بكر العنبري والأخرى لعلي بن سيار ، وانظر الرحلة المغربية ، ص 103 - 104 حيث أورد المصنف مقطّعة لعلي بن عبد اللّه الخراساني وأخرى لأبي بكر بن قسّوم ، الخ ) .
يد - عناصر هذه المرثية ، من المصطلحات الصوفية ، ترد في عبارة


« 502 »
رواها جعفر الخلدي في « حكايات الصالحين » فقال : « رأيت الجنيد في النوم فقلت : ما فعل اللّه بك ؟ قال : طاحت تلك الإشارات ، وغابت تلك العبارات ، وفنيت تلك العلوم ، ونفدت تلك الرسوم . وما نفعنا إلّا ركعات كنا نركعها في الأسحار » ( تاريخ بغداد 7 / 248 ) .


[ 50 ] من الوافر :
1 - لئن أمسيت في ثوبي عديم * لقد بليا على حرّ كريم
 1752 - فلا يحزنك أن أبصرت حالا * مغيّرة عن الحال القديم
 1763 - فلي نفس ستتلف أو سترقى - * لعمرك - بي إلى أمر جسيم


 177التحقيق :
أ - نسب الوطواط هذه المقطّعة إلى سمنون المحبّ ، وعلى ذلك نصّ ماسينيون أيضا ( الديوان ، ص 117 ) .
ب - في البيت الثاني : وردت « فلا يحزنك » على « فلا يغررك » ولا يستقيم بها المعنى . وفي « مرآة الجنان » جاء الشطر الثاني على : « تغيّر فيّ عن حال قديم » وما أثبتناه أنسب .
ج - في البيت الثالث : وردت « ستتلف » في الرواية الثانية من تاريخ بغداد ، على « ستذهب » و « لعمرك بي » - في مرآة الجنان - على « لعمر اللّه فيّ » ، وفي الديوان على « لعمر أبي » ، ونرجّح ما أثبتناه .
...............................................................................................
[ 50 ]
الديوان ، ص 119 عن : ابن قيم الجوزية : مدارك : 2 / 169 ، ابن زغدون : قوانين ص 71 ، زروق : عن أبي الهدى : قلادة ، ص 332 ( منسوبة إلى الرفاعي ) ، ابن عجيبة :
إعجاز ، ص 235 ، عبد البهاء : منسوبة إلى الحلّاج .
وانظر أيضا : تاريخ بغداد : 8 / 117 ( بروايتين ) ، غرر الخصائص الواضحة للوطواط 292 ( البيتان 1 ، 2 ) ، البداية والنهاية لابن كثير : 11 / 134 ، مرآة الجنان لليافعي : 2 / 258 ، نشر المحاسن الغالية له أيضا ، ص 288 ، طبقات الشعراني : 1 / 93 ( البيت الثالث فقط ) جامع الأنوار للبندنيجي ، ص 358 ( الأبيات الثلاثة ) ، دائرة المعارف للبستاني : 7 / 153 ( البيت الثالث ) .


« 503 »
د - لعلّ الحلّاج استشهد بهذه المقطّعة في أول أمره وإلّا فهي حسّية بحتة لمس فيها روحه ، ولعلّ سمنونا كان مستشهدا أيضا .


[ 51 ] من مجزوء الوافر :
1 - إلى حتفي سعى قدمي * أرى قدمي أراق دمي
1782 - فما أنفكّ من ندمي * وهان دمي فها ندمي


 179التحقيق :
أ - هذه المقطّعة للبستي ( انظر الديوان بيروت ، ص 67 ، يتيمة الدهر للثعالبي ، مصر 1302 هـ ، 4 / 224 ، وواضح أنّهما دسّا على الحلّاج بأخرة .
ب - ذكر عن السهروردي أنّه « لما تحقّق القتل ، كان كثيرا ما ينشد » ( المصراعين الثاني والرابع ، وفيات الأعيان ، مصر 1948 م ، 5 / 316 ) ، ويذكر هنا أنّ الثعالبي أورد البيت الثاني هكذا :
فكم أنقدّ من ندمي * وليس بنافعي ندمي
ويبدو أنّ الديوان أقرب إلى الأصل لما فيها من تجنيس يحدّد أسلوب البستي وطابعه .
ج - عدّ القشيري هذا الشعر صوفيا وقدم له بقوله : إذا أراد اللّه بقوم سوءا ( أعمى ) أعينهم حتى يعملوا ويختاروا ما فيه بلاؤهم ، فهم يمشون إلى هلاكهم بأقدامهم ، ويسعون - في الحقيقة - ودمهم كما قال قائلهم . . . » ( البيت ، لطائف الإشارات 3 / 219 ) .
د - أحبّ ابن الجوزي - الذي نسب هذه المقطّعة إلى الحلّاج - هذه الشعر فنظم في معارضته رباعية دو بيتيه قال فيها :
...............................................................................................
[ 51 ]
المدهش لابن الجوزي ، ص 208 ، لطائف الإشارات للقشيري : 3 / 219 : البيت الأول ( دون نسبة ) الإلمام للنويري 2 / 66 .


« 504 »
عيناي أعانتا على سفك دمي * يا لذّة لحظة أطالت ألمي
كم أندم حين ليس يغني ندمي * ويلي ، ثبت الهوى وزلّت قدمي
( رؤوس القوارير ، في الخطب والمحاضرات والمواعظ والتذكر ( التذكير ) ، مصر 1322 هـ / 1914 م ، ص 54 ) .
وقد قدّم ابن الجوزي رباعيتّه بقوله : إخواني ، إطلاق البصر سبب حبس القلب ، درن بصر داود بتلك النظرة فنفدت الدموع وما نقي المحلّ » .
هـ - أشار النويري ( محمد بن القاسم بن محمد الإسكندراني ، ت بعد 775 هـ / 1374 م ) في كتابه ( الإلمام . . . في وقعة الإسكندرية ، بتحقيق إيتين كومب ود . عطية سوريال ، ط حيدر آباد ، 1968 - 1976 م ) ، إلى أن هذين البيتين قيلا في سعي ابن البطريق إلى حتفه . وابن البطريق هذا شاعر مصري من رجال القرن السابع الهجري [ - الثالث عشر الميلادي ] وقد رويت عنه أشعار في هجاء الأمير الشهيد فخر الدين ابن الشيخ ( ت 647 هـ / 1249 م ) دون وجه حق . انظر : ذيل مرآة الزمان لليونيني ( قطب الدين موسى بن محمد البعلبكي ت 726 هـ / 1326 م ) ، ط . حيدر آباد 1374 - 75 هـ ، 2 / 215 - 216 ، وفوات الوفيات للكتبي ( محمد بن شاكر بن أحمد ، ت 764 هـ / 1363 م ) ، بتحقيق د . إحسان عباس ط . مطبعة دار صادر ، بيروت ، 1975 م ، ( 4 / 366 ) .


[ 52 ] من الخفيف :
1 - أنت في حلّ وفي سعة * من دمي ، يا من أراق دمي
 1802 - عظم حبّي واحتراقي جوى * جعلاني لا أرى قدمي 181
...............................................................................................
[ 52 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 327 أ .


« 505 »
النص :
في البيت الأول : جاءت « سعة » على « مناعة » وهو خلل ، وجاءت « من دمي » على « من ذم » وبما أثبتناه يستقيم المعنى والوزن .


التحقيق :
أ - في البيت الثاني تجنيس مع قافية البيت الأول في « أراق دمي » و « أرى قدمي » ونظر الشاعر فيه إلى قول البستي ( أبي الفتح علي بن الحسين ، ت 400 هـ / 1010 م ) 
.إلى حتفي سعى قدمي * أرى قدمي أراق دمي
فما أنفكّ من ندمي * وهان دمي فها ندمي ( الديوان بيروت 1294 هـ ، ص 67 ) .
ب - هذان البيتان لابن رشيق القيرواني وقد وردا في كتاب من تصنيفه بعنوان « الأنموذج » كما ذكر ذلك الكتبي في الوافي بالوفيات ( 3 / 47 ) .
ج - ويتصل بهذا المعنى ما أورده ابن رشيق القيرواني أيضا من شعر محمد بن خلوف السلمي الذي يكنى بابن مشرق وذلك في قوله : 
قلت لما رمى كبدي * بسهام الغنج والحور
أنت في حلّ وفي سعة * من دمي ، يا طلعة القمر
ليتني ، إذ رحت تظلمني * أتملّى منك بالنظر


[ 53 ] من الكامل :
1 - يا ذا الذي ترك السّلام تجنّبا * ليس السلام بضائر من سلّما
 1822 - إنّ السّلام تحيّة مبرورة * ليست لتكسب قائلها مأثما 183
...............................................................................................
[ 53 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 331 أبرواية النوري .


« 506 »
النص :
في البيت الثاني : جاءت « قائليها » على « قائلها » و « مأثما » على « تأثما » ولتكسب » على « تكسب » وهي خطأ في اللغة . ويلاحظ في تكسب ، المفتوحة التاء أنها متعدية إلى فعلين .التحقيق :
واضح أن هذه المقطعة لا تصلح أن تكون للحلّاج إذ هي وعظية إخوانية غريبة عن الموضوعات التي طرقها الحلّاج .


[ 54 ]من مجزوء الرمل :
1 - لم تغيّره رسوم * لا ولا عهد قديم 
1842 - سمة الوجد عليه * وهو بالوجد يهيم
 185التحقيق :
أ - هذان البيتان من روايات النوري المزعومة عن الحلّاج ، وقد جاء في سياقه الحكاية والتي ضمّن فيها البيتان ، أنّ الشبلي لما سمع الحلّاج يقول البيتين أتّمهما أو أجازهما من عنده بقوله :
إنّ خير النّاس من كا * ن على العهد يقيم
وجاء في الرواية « وكان هذا قول الشبلي يحتمل على الوجهين :
أحدهما أنه أنكر حاله . . . في كل حالة لا يظهر عليه تغيير » وهو تعبير ناقص وركيك .
النص « مقيم » وفيه خطأ نحوي وصحّته ما أثبتناه .
...............................................................................................
[ 54 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 332 أ .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Empty
مُساهمةموضوع: أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي   شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي Emptyالأربعاء فبراير 07, 2024 11:17 pm

أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي

شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج  د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد

قافية النون
[ 55 ] من البسيط :
1 - إني لأكتم من علمي جواهره * كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا
 1862 - وقد تقدّم في هذا أبو حسن * إلى الحسين ووصّى قبله الحسنا
 1873 - يا ربّ جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت مّمن يعبد الوثنا
 1884 - ولاستحلّ رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا

 189اللغة والتحقيق :
أ - في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، جاءت عبارة « وقد تقدّم في هذا » على « وقد تقدمني فيه . . . » وجاءت « وصّى » على « أوصى » وجاءت « جوهر علم » على « مكنون علم » وجاءت كلمة « مسلمون » على صالحون » .
وثمة اختلافات نجدها بعد .
ب - نسب هذه المقطعة إلى الحلّاج ابن أبي الحديد فقط ونسبت أيضا إلى عليّ بن أبي طالب في مختصر الدرّ المكنون للخليلي ( يحيى بن أحمد ) مخطوط المتحف العراقي رقم 3093 ( ورقة 26 أ ) .
...............................................................................................
[ 55 ]
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( عز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني ، المعتزلي ، ت 655 هـ - 1258 م ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، مصر 1960 - 64 م ، 11 / 222 .

« 508 »

ونسبت كذلك إلى علي بن الحسين الملقب بزين العابدين إمام الشيعة الاثني عشرية الرابع ( ت 95 هـ / 713 م ) وذلك في كتب الصوفية فقط ، ولا يرد في كتب الشيعة المعتمدة البتة ( انظر مثلا : منهاج العابدين المنسوب للغزالي ، ط . مصر 1300 هـ ، ص 3 ، مسامرة الأبرار لابن العربي الحاتمي الطائي 1 / 125 إلخ . 
ومن هنا لم ينسبها بهاء الدين العاملي ، شيخ الإسلام في الدولة الصفوية الشيعة إلى الإمام لمّا أوردها في كتابه : الكشكول ، ط . مصر 1288 هـ ، ( ص 405 ) .
ج - وأشار الأهدل ( الحسين بن عبد الرحمن الحسيني ، ت 857 هـ / 1451 م ) في كتابه : كشف الغطاء ، بتحقيق أحمد بكير ، ط . مصر 1964 ، ص 256 ) إلى أن ذلك لم يصح عنه [ - زين العابدين ] وعلّل ذلك بقوله :
« ولو صحّ كان [ لكان ] المراد ما يتعلق بالنفاق والفتن وأهلها من أغيلمة بني أميّة المشار إليهم بالحديث ، كما حمل عليه قول أبي هريرة ، رضي اللّه عنه : « حفظت من رسول اللّه ، صلى اللّه عليه وسلم وعاءين . أما أحدهما فبثثته فيكم ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم » مشيرا إلى التقية .
د - اجتزاء من الكثير بالقليل نذكر أن هذه المقطّعة قد تداولتها عشرات الكتب ناسبة إياها إلى الإمام زين العابدين وهي في الحق للعتّابي ( أبي عمرو كلثوم بن عمرو ، ت 220 هـ / 832 م ) الشاعر الأديب المتزهّد الذي اتّهم بالزندقة أيام الرشيد ( انظر تاريخ بغداد ، 12 / 488 ) .
والنص الذي يرويه الخطيب البغدادي جاء هكذا :
إني لأخفي من علمي جواهره * كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا
وربّ جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممّن يعبد الوثنا
ولا ستحل رجال ديّنون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وقد تقدّم في هذا أبو حسن * أوصى حسينا بما قد خبّر الحسنا
وقد كان العتّابي يصانع العامّة ويجاملهم في الظاهر ( انظر تاريخ بغداد

« 509 »

12 / 488 ) لكنه كان يحتقرهم ويخشاهم ( انظر فوات الوفيات للكتبي ، مصر 1951 م ، 2 / 284 ) ، ويبدو أن هذه الأبيات نتيجة لتجربة عاناها منهم .
وكانت ثمرة قوله لها أن « رمي بالزندقة والرفض فطلبه الرشيد فهرب إلى اليمن » ( معجم الشعراء للمرزباني أبي عبد اللّه محمد بن عمران بن موسى ، ت 384 هـ / 960 م ، ص 244 ) .
ج - واضح أن الذي دعا ابن أبي الحديد إلى نسبة هذه المقطّعة إلى الحلّاج هو إلمامها بالأسرار وكشفها ، وحبّذا لو كان وقفنا على المصدر الذي وجدها فيه .
د - في هذا المعنى - الذي يرد كثيرا عند الصوفية ومن على شاكلتهم - جاء قول الشاعر التقليدي :
إني لأكني عنه خيفة أن يشي * واش فأفضح في الهوى أو يفضحا
فأقول عند الليل : « يا قمر الدجى » * وأقول عند الصبح : « يا شمس الضحى »( روضة التعريف بالحب الشريف للسان الدين الخطيب ، ص 290 ) .

[ 56 ] من الرّمل :
1 - قل لمن يبكي علينا حزنا * أفرحوا لي قد بلغنا الوطنا
 1902 - إنّ موتي هو حياتي ، إنّني * أنظر اللّه جهارا علنا
 1913 - من بنى لي دار في [ دنيا ] البقا * ليس يبنى دار في [ دنيا ] الفنا ؟ ! 
1924 - إنّما الموت عليكم راصد * سوف ينقلكم جميعا من هنا
 1935 - أنا عصفور وهذا قفصي * كان سجني وقميصي كفنا
 1946 - فاشكروا اللّه الذي خلّصنا * وبنى لي في المعالي مسكنا
 1957 - فافهموا [ قولي ] ففيه نبأ * أيّ معنى تحت قولي كمنا !
 1968 - وقميصي قطّعوه قطعا * ودعوا الكلّ دفينا زمنا 197
...............................................................................................
[ 56 ]
قصة حسين الحلّاج وما جرى له حين ثار فيه الوجد ، ص 17 .

« 510 »

9 - لا أرى وروحي إلا أنتم * واعتقادي أنكم أنتم أنا

 198التحقيق :
أ - أضفنا إلى المقطعة الكلمات التي بين حاصرتين هكذا [ ] إقامة للوزن وإتماما للمعنى .
ب - واضح أن يد عامي عبثت بهذه الأبيات فشانها وشابها بالسذاجة والفجاجة والسطحية ، وهي أصلا قصيدة لابن المسفّر [ - مجلّد الكتب ] ( أبي الحسين علي بن خليل السبتي ، ت 600 هـ / 1203 م ) التي مطلعها :
قل لإخوان رأوني ميّتا * فبكوني ، إذ رأوني ، خزنا
( انظرها محققة في كتابنا ، الحلّاج موضوعا ، ط . بغداد 1976 ، ص 118 - 121 ) ، ونسبها مصنفون إلى الغزالي خطأ .
ج - بقطع النظر عن التصحيح وبيان الزيادة والنقص والتصحيف ، تمثل المقطعة الأبيات : 2 ، 17 + بيتين مزيدين + 3 ، 16 ، 7 ، 13 .
د - عندنا أن ابن المسفّر نظم هذه القصيدة على لسان الحال ، وهي جارية في الوزن والقافية ، والغرض مع قصيدة الحلّاج التي مطلعها :
أنا من أهوى ومن أهو أنا * نحن روحان حللنا بدنا

[ 57 ] من الكامل :
1 - وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ، * برق ، تألق موهنا لمعانه
 1992 - يبدو كحاشية الرداء ، ودونه * صعب الذرى متمنّع أركانه
 2003 - فدنا لينظر كيف لاح ، فلم يطق * نظرا إليه ، وصدّه سجّانه 201
...............................................................................................
[ 57 ]
الديوان ، ص 111 - 112 ، ضمن فصل : القصائد التي لم يستطع ماسينيون الوقوف على قائليها ، عن : السراج : مصارع ، ص 108 ( الأبيات 1 ، 2 ، 4 ) . 
القناد : حكايات ، ابن جهضم ، انظر السراج ص 160 ( الأبيات 1 - 4 ) . السهروردي البغدادي : عوارف المعارف : 4 / 318 ( عن المناقب لابن خميس ) ، مصر 1358 هـ - 1939 م ،

« 511 »

4 - فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه * والماء ما سحّت به أجفانه 202التحقيق :
أ - هذه الأبيات جانب من قصيدة ذات ثلاثة عشر بيتا لأبي عبد اللّه محمد بن صالح بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب الذي حبس في سامراء إثر فشل ثورته على الدولة العباسية بسويقة ، وهي قرية قرب المدينة يسكنها آل علي بن أبي طالب وخصوصا الحسنيين منهم ، وذلك في خلافة المتوكّل ( حكم 232 - 247 هـ / 847 - 862 م ) ، وفي الحبس قال هذه القصيدة ومطلعها :طرب الفؤاد وعاده أحزانه * وتشعبت شعبا به أشجانه( انظر : الأغاني ، طبع ساسي ، 15 / 85 - 86 ، مقاتل الطالبيين ، ص 600 - 609 ، معجم البلدان لياقوت الحموي ، مادة : سويقة ) تزيين الأسواق للأنطاكي ، بولاق 1291 ، 1 / 153 ) .
ب - كانت هذه القصيدة من الرقّة والصدق والأصالة بحيث غزت عالم أهل القلوب حتّى لقد ساقها شهاب الدين السهروردي نموذجا للشعر الصوفي

ص 366 ، تحت عنوان : شرح كلمات مشيرة إلى بعض أحوال الصوفية .
وانظر أيضا : الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي : 4 / 714 ، محاضرة الأبرار ، له أيضا : 2 / 193 ، بهجة الأسرار للشطنوفي ( نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن جرير اللخمي ، 647 - 713 هـ - 1249 - 1313 م ) ، مصر 1330 هـ ، ص 163 ، أنشدها قوال بحضرة الشيخ عبد القادر الجيلي ، روضة التعريف للسان الدين الخطيب ، ص 86 ، جامع الأنوار للبندنيجي ، ص 357 .
وفي غير كتب التصوف وردت في : مقاتل الطالبين ، ص 601 ، 608 ، المحاسن والأضداد المنسوب للجاحظ ، مصر 1324 هـ ، ص 52 ، المطرب في أشعار أهل المغرب لابن دحية ( أبي الخطاب عمر بن الحسين المعروف بابن الجميل ، 547 - 633 هـ - 1152 - 1236 م ، الخرطوم 1957 م ، ص 69 ، وفيه أن محمد بن صالح ثار سنة 210 هـ - 825 م وهو خطأ واضح . وانظر ذيل الأمالي والنوادر ، دار الكتب 1344 هـ - 1926 م ، ص 183 وكذا الأغاني ، تحقيق أحمد الشنقيطي ، طبعة ساسي ، مصر 1323 هـ ، 15 / 85 - 86 والبداية والنهاية ، أخبار سنة 368 هـ ، 11 / 293 .


« 512 »

ووضعها في الفصل الذي أشرنا إليه . ورواها ابن العربي الحاتمي الطائي بحكاية الخلدي عن الجنيد لما أمر قوّالا ينشدها في جبل طور سيناء « في الموقف الذي وقف فيه موسى ( ع ) » ( الفتوحات المكّية 4 : 712 ) ، فكانت النتيجة ، بعبارة جعفر الخلدي : قوله « فتواجد الجنيد وتواجدنا معه ، فلم يدر أحد منا أفي السماء نحن أم في الأرض » .
ج - في البيت الثالث : جاءت « سجّانه » على « أشجانه » في الأصل ولا تستقيم ، وجاءت « متمنّع » في البيت الثاني منصوبة ، على الحالية فيما يبدو ، وحقّها الرفع كما أثبتناه لا تصالها بالجبل فحقّها حق « صعب الذرى » الذي هو « هو » ولا اتصال لها بفاعل « يبدو » المستتر الذي يعني « البرق » ، وجاءت « سحّتّ » في البيت الرابع على « سمحت » ولها وجه وإن كانت « سحّت » أبلغ في نظرنا وأنسب للموضع .
د - وجّه الصوفية هذه المعاني إلى الإشارات الإلهية وإلى القلق الإنساني الذي يعانيه الإنسان في توجهه إلى الحقّ تعالى .
هـ - ذكر عن الحلّاج نفسه أنّ القنّاد سأله عن حال موسى ( ع ) في وقت الكلام فقال : « بدا له باد من الحقّ فلم يبق لموسى ثمّ أثر ، وأنشد . . . » ( المقطّعة ، مصارع العشّاق 1 / 244 ) .
و - في ترايخ إربل لابن المستوفي ، ط . بغداد ، (1 / 229) جاء تلو الأبيات الأربعة التي حررناها بيت خامس هو :
يا قلب ، لا يذهب بحلمك باخل * بالنيل ، باذل تافه منّانه
وانظر الأغاني ، بولاق 15 / 88 - 98 . وذكر أن هذه المقطعة غنّيت للمتوكل فأعجب بها وسأل عن قائلها فأخبر وعندها أمر بإطلاق سراحه . . .

« 513 »

[ 58 ] من البسيط :
1 - كن لي كما كنت لي * في حين لم أكن
 2032 - يا من به صرت بي * ن الرّزء والحزن
 204التحقيق :
نسب ماسينيون المقطعة إلى سمنون المحبّ .

[ 59 ] من مخلّع البسيط :
1 - كلّ بلاء عليّ منّي * فليتني قد أخذت عنّي
 2052 - أشار سرّي إليك كيما * ترى الذي لا تراه عيني
 2063 - وأنت تلقي على فؤادي * حلاوة السّؤل والتمنّي
 2074 - أردت منى اختبار سرّي * وقد علمت المراد منّي 208
...............................................................................................
[ 58 ]
الديوان ، ص 118 .
[ 59 ]
الديوان ، ص 129 ( البيت الأول فقط ) عن تكملة تاريخ الطبري للهمداني ، [ بيروت 1961 ، ص 26 ] وانظر أيضا : « تقييد بعض الحكم والأشعار » ، ورقة 341 أالأبيات ( 2 - 5 ) من تكملة تاريخ الطبري للهمداني الذي يرد فيه البيتان الأخيران أيضا ، ومن العجيب أن ماسينيون هفا عنهما . وراجع حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ( أحمد بن عبد اللّه ابن أحمد ، ت 430 هـ - 1039 م ) ، مصر 1357 / 1938 ( الأبيات الثلاثة مرتبة هكذا ، 4 ، 5 ، 1 ) . وبالنسبة للبيتين الرابع والخامس ، انظر : نفحات الأنس للجامي ( عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الشيباني الدستي ، ت 898 هـ / 1493 م ، لكنو ، الهند ، 1323 هـ - 1905 م ، ص 102 ) . وبالنسبة للبيت الخامس فقط انظر : حلية الأولياء : 10 / 310 ، الرسالة القشيرية : 1 / 122 ، تاريخ بغداد :
9 / 235 مصارع العشاق للقاري ( أبي محمد جعفر بن أحمد السراج ، ت 500 هـ - 1106 م ) بيروت - 1958 ، 2 / 50 ، وتذكرة الأولياء للعطار ( فريد الدين أبي حامد محمد بن إبراهيم النيسابوري ، ت 607 هـ - 1210 م ، ( في رأي الدكتور أحمد ناجي القيسي ) طهران 1321 هـ ش - 1942 م ، 2 / 68 ، طبقات الشعراني : 2 / 16 ، تزيين الأسواق للأنطاكي : 1 / 28 ، الكواكب الدرية للمناوي : 1 / 236 .

« 514 »

5 - وليس لي في سواك حظّ * فكيفما شئت فامتحني 209

التحقيق :
أ - في البيت الخامس : جاءت « فامتحني » في الرسالة القشيرية على « فاختبرني » ، وكذا في نفحات الأنس للجامي والكواكب الدرّية للمناوي وأصل الديوان ، والأولى أنسب للبناء الشعري والمعنى والقافية وإن وردت كلمة « اختبار في البيت السابق .
ب - يناسب هذا المعنى ويبرّره ما أورده الخطيب البغدادي من قوله :
« دخل الحسين بن منصور إلى مكّة - وكانت أول دخلته - فجلس في صحن المسجد سنة لا يبرح من موضعه إلّا للطهارة والطواف ولا يبالي بالشمس ولا بالمطر . 
وكان يحمل إليه كلّ عشيّة كوز ماء للشرب وقرص من أقراص مكة ، فيأخذ القرص ويعضّ أربع عضّات من جوانبه ويشرب شربتين من الماء : شربة قبل الطعام وشربة بعده ، ثم يضع باقي القرص على رأس الكوز فيحمل من عنده » . 
وذكر الخطيب في بقية الخبر محاورة دارت بين أبي عبد اللّه المغربي وعمرو بن عثمان المكّي في شأن الحلّاج قال فيها الثاني للأول : « ههنا شابّ على أبي قبيس ، فلما خرجنا من عند عمرو وصعدنا إليه - وكان وقت الهاجرة - فدخلنا عليه ، وإذا هو جالس على صخرة من أبي قبيس في الشمس - والعرق يسيل منه على تلك الصخرة .
فلما نظر إليه أبو عبد اللّه المغربي رجع وأشار إليّ بيده ( أن ) : ارجع . فخرجنا ونزلنا الوادي ودخلنا المسجد ، فقال لي أبو عبد اللّه : إن عشت تر ما يلقى هذا لأنّ اللّه يبتليه بلاء لا يطيقه : قعد بحمقه يتصبّر مع اللّه ! فسألنا عنه ، فإذا هو الحلّاج » ( تاريخ بغداد 8 / 119 ) .
ج - نصّت المصادر كلّها على أنّ هذه المقطّعة لسمنون بن حمزة المحبّ وهي كما قالوا لاقترانها بحادثة أجمعت على روايتها له .
د - ذكر العروسي ( مصطفى بن محمد العروسي ، ت 1293 هـ / 1876 م ) بيتا في ختام هذه المقطّعة ونصّه :

« 515 »

إن كان يرجو سواك قلبي * لا نلت سؤلي ولا التمنّي
( نتائج الأفكار القدسية في شرح الرسالة القشيرية ، بولاق 1290 هـ ، 1 : 160 ) .
و - أورد التادفي وكذا أورد البندنيجي المقطّعة هكذا :
أشار قلبي إليك كيما * يرى الذي لا تراه عيني
وأنت تلقي على ضميري * حلاوة السؤل والتمنّي
تريد منّي اختبار سرّي * وقد علمت المراد منّي
وليس لي في سواك حظّ * فكيفما شئت فامتحنّي
 قلائد الجواهر ص 103 ، جامع الأنوار ، للنبدنيجي ، ص 584 ) .

[ 60 ] من الخفيف :
1 - أنت في القلب والجوانح تجري * مثل جري الدموع في الأجفان
 2102 - كلّ عضو منّي يراك على القر * ب بعين غنيّة عن عياني
 2113 - فإذا اشتقت أن أراك * تمثّلتك عندي بغير كلّ مكان
 2124 - لا لأني أنساك أكثر ذكرا * ك ولكن بذاك يجري لساني

 213النص :
في البيت الثاني : جاء الشطر الثاني على : بعينه عيانه عن عياني ، والتصحيح من ذيل الآداب للحصري الآتي .
في البيت الثالث : يحتمل الشطر الثاني أن يكون هكذا « تمثلت لعيني عند كل مكان لكنه يخرج المقطعة عن تجريدها الجميل .
...............................................................................................
[ 60 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 332 أ .

« 516 »

التحقيق :
أ - هذه المقطعة ذات علاقة بالمقطعة رقم 70 من شعر الشبلي ( راجع الديوان ص 127 ) .
ب - نسب الحلواني ، بنقله ، البيت الرابع فقط إلى ذي النون المصري ( السمو الروحي في الأدب الصوفي ، ص 413 ) .
ج - جاءت هذه المقطعة ضمن رواية النوري ، المزعومة .
د - تنسب هذه المقطعة إلى أبي العباس اليتيم ( أحمد بن عبد الرحمن ، كما ذكر ذلك الخضري ( إبراهيم بن علي الأنصاري القيرواني ، ت 453 هـ / 1061 م ) في كتابه : ذيل زهر الآداب ، ط . المطبعة الرحمانية ، بلا تاريخ ، ( ص 114 ) ، وقد وردت فيه هكذا :
لا لأني أنساك أكثر ذكرا * ك ولكن بذاك يجري لساني
أنت في القلب والجوانح والرو * ح وأنت المنى وأنت الأماني
كل عضو منّي يراك من الشو * ق بعين غنيّة عن عياني

[ 61 ] من الطويل :
1 - ذكرتك لا أني نسيتك ، سيّدي ، * وأيسر ما في الذكر ذكر لساني
 2142 - وكدت من الأسرار أخفى عن الورى * وهاج عليّ القلب بالخفقان
 2153 - فلما أراني الشوق أنك حاضري * شهدتك موجودا بكلّ مكان
 2164 - وخاطبت موجودا بغير تكلّم * ولا حظت معلوما بغير عيان
 2175 - وإخوان صدق قد سمعت حديثهم * وأقصيت عنهم خاطري وجناني
 2186 - وما الدهر أسلى عنهم غير أنني * أراك على كلّ الجهات تراني 219
...............................................................................................
[ 61 ]
تقييد بعض الحكم والأشعار ، ورقة 329 ب .

« 517 »

التحقيق :
أ - المقطعة للشبلي : انظر ديوانه بجمعنا وتحقيقنا ، ص 127 ، وقد اختلطت الأربعة الأبيات بالبيتين الأخيرين اللذين قالهما أبو بكر بن داود الأصفهاني ، [ انظر الديوان أيضا ، ص 148 ] مع فرق ضئيل في وضع النص ، ويلاحظ أن « أسلى عنهم » ينبغي أن تكون « أسلا فيهم » لتعدّي فعلها .
ب - الأذكار ثلاثة أنواع :
« ذكر باللسان وذكر بالقلب وذكر بالروح .
فبالأول يتوصل إلى الثاني ، وبالثاني يتوصّل إلى الثالث الذي هو الغاية القصوى .
وقيل : هو ثلاثة أنواع : ذكر باللسان مع غفلة القلب ويسمى ذكر العادة ، وهو ذكر العوام ، وثمرته العقاب لأنه ذنب . وذكر باللسان مع حضور القلب ، ويسمى ذكر العبادة ، وهو ذكر الخواص ، وثمرته الثواب .
وذكر بجميع الجوارح والأعضاء ويسمى ذكر المحبة والمعرفة ، وهو ذكر خواص الخواص ، وثمرته لا يمكن التعبير عنها ، ولا يعلم قدر ذلك الذكر إلا اللّه .
وقيل : حقيقة الذكر أن تذكر اللّه تعالى - وأنت ناس لكل شيء سواه ، ولهذا قال ذو النون [ المصري الصوفي ] : من ذكر اللّه على الحقيقة ذكره كلّ شيء وحفظ اللّه - تعالى - عليه كل شيء » .
( جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم للكمشخانوي النقشبندي ( الشيخ حمد ، ت 1311 هـ / 1893 م ، ط . مطبعة البابي الحلبي بمصر 1321 هـ / 1901 م ( ص 93 ) .
ج - في رسالة الملامتية لأبي عبد الرحمن السلمي ، بتحقيق أستاذنا المرحوم د . أبو العلا عفيفي ، ضمن كتابه : « الملامتية والصوفية وأهل الفتوة » ، ( نشر الجمعية الفلسفية المصرية ، وط . دار إحياء الكتب العربية ،

« 518 »

القاهرة 1945 ، الفقرة 9 ص 104 ) ، 
أن من أصول الملامتية « أنّ الأذكار أربعة : ذكر باللسان والقلب والسرّ والروح . 
فإذا صحّ ذكر الروح سكت السرّ [ - جوف القلب ] والقلب عند الذكر . 
وإذا صحّ ذكر السرّ سكت القلب عن الذكر ، وهو ذكر الهيبة . 
وإذا صحّ ذكر القلب فتر اللسان عن الذكر ، وذلك ذكر الآلاء [ - أفضاله تعالى ] والنعماء . 
وإذا غفل القلب عن الذكر أقبل اللسان على الذكر .
ولكل واحد من هذه الأذكار آفة ، فآفة ذكر الروح اطّلاع السرّ عليه ، وآفة ذكر النفس رؤية ذلك » .

« 519 »

قافية الياء
[ 62 ] من الطويل :
1 - وقصرت عقلي بالهوية طالبا * فعاد ضعيفا في المطالب هاويا 
2202 - وكنت لربّ العالمين لنصره * فلا تتعجل في التطلّب جاريا
 2213 - تحقّق بأن الحق ليس بمدرك * فلا ( تدّعيه ) جاهلا ومرائيا
 2224 - ولكنّه يبدو مرارا ويختفي * فيعرفه من كان بالعلم حاليا

 223التحقيق :
أ - هذه المقطّعة مصحّفة إلى الغاية وإقامة نصّها عسير دون أصل جديد .
ب - في البيت الأول : جاءت « صاليا » في الأصل على « طاليا » و « طالبا » ، وكانت « هاويا » في الأصل على « هاربا » . و « صاليا » صحيحة بمعنى صائدا وناصبا شركا كما في أسرار البلاغة للزمخشري .
ج - في البيت الثاني : وردت « لنصره » على « نصرة » وهي قلقة ولعلها « معرّة » باعتباره فشل من حيث أراد النجاح فنصح لمريده ألا يفعل كما فعل هو ، وربّما كانت « صرورة » بمعنى المنقطع للعبادة ، وهي بهذا المعنى أرجح
...............................................................................................
[ 62 ]
الديوان ، ص 126 عن : تقييد ( بعض الحكم والأشعار ) لمجهول ، ( مخطوط لندن ، ورقة 341 ب ) .

« 520 »

من أختيها وإن كانت غير وافية بالمراد تماما ، ولعل ما أثبتناه أرجح ، وجاءت « تتعجل » على « تستعجل » وقد تطوّع ماسينيون فأضاف إلى الشطر الثاني لفظ « أنت » دون مبرّر فقال : « فلا تستعجل ( أنت ) في المطالب جاريا » !
د - في البيت الثالث : وردت « بمدرك » بكسر الراء ، وهو خلف ، إذ كيف يكون الحق « ليس بمدرك » ؟ والصحيح ما أثبتناه . ووردت « فلا تدّعيه » على « فمن يدعيه » وما أوردنا أنسب للمعنى والنحو ( ! ) وإن كانت فيه ضرورة شعرية قبيحة ، إذ الحق أن يقال : « فلا تدعّه » بالجزم بحذف حرف العلّة .
وقد ورد الشطر الثاني في الأصل على : « فمن يدعيه جاهلا ومرائيا » !
هـ - في البيت الخامس : وردت « ويختفي » على « فيختفي » ، وما أوردنا أنسب لبيان « ظهور » الحقّ مرّة واختفائه أخرى ، وجاءت « حاليا » بالمعجمة من فوق وصحتّها ما أثبتناه وإن كان لها وجه .
و - هذه المقطّعة لغير الحلّاج وهي مقولة - في رأي ماسينيون - على لسان الحال ، وواضح أنّه على حقّ .
ز - المقصود من هذه المقطعة النصح بالتريّث والتأميل والنهي عن التعجّل والدعوى في طريق التصوّف . 
والبيت الأول قد عبّر عنه الغزالي بقوله : أردنا العالم لغير اللّه فأبى أن يكون إلّا للّه » .

[ 63 ]من المجتث :
1 - أجريت فيك دموعي * والدمع منك إليك
 2242 - وأنت غاية سؤلي * والعين وسني عليك
 2253 - فإن فنى فيك بعضي * حفظت منك لديك 226
...............................................................................................
[ 63 ]
الديوان ، ص 124 - 25 عن : تقييد ( بعض الحكم والأشعار ) لمجهول ، مخطوط لندن ، ورقة 332 ب ، مخطوط تيمور ، ص 19 .


« 521 »

التحقيق :
أ - في البيت الأول : جاءت « إليك » على « عليك » في الأصل وبما أثبتناه تستقر القوافي ولا تتكرر .
ب - في البيت الثاني : جاءت « العين » على « الطرف » وبما أثبتناه يتطابق الموصوف وصفته .
ج - في البيت الثالث : جاءت « بعضي » ناقصة الياء وبما أثبتناه يستقيم المعنى ، وجاءت « حفظت » في أحد الأصول على « خطفت » وفي تقييد بعض الحكم والأشعار على حضيت [ - حظيت ] وما أثبتناه أولى بالموضع .
د - معنى الشطر الثاني من البيت الثاني : أنني - وإن كنت يبدو علي النوم - لست كذلك وإنّما أخذ فيّ النعاس أو ما يشبهه تأمّلا فيك وشوقا إليك . 
ومثله قول عديّ بن الرّقاع يصف عين صديقته أم القاسم :
وكأنّها وسط النساء أعارها * عينيه أحور من جآذر جاسم
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت * في عينه سنة وليس بنائم
وهذا تشبيه مع الفارق طبعا .
والجآذر هنا أولاد البقر الوحشية وجاسم موضع ، والترنيق الدنوّ من الشيء يريد أن يفعله . . . » ( الأغاني ، دار الكتب 8 / 200 - 312 ) .

[ 64 ] من الدوبيت :
1 - كم ينشرني الهوى وكم يطويني * يا مالك دنياي ومولى ديني
 2272 - يا ( من هو ) جنّتي ويا روحي أنا * إن دام عليّ هجركم يعييني 228
...............................................................................................
[ 64 ]
قصة حسين الحلّاج حين ثار به الوجد ، ص 106 .

« 522 »

التحقيق :
أ - جاءت « مولى » في المصراع الثاني على « مالك » وبما أثبتناه يستقيم الوزن .
ب - جاء المصراع الثاني على : « يا جنّتي يا روحي أنا » وبإضافة ( من هو ) في الموضع الموضّح في المصراع الثالث يستقر الوزن ويقوم المعنى .
ج - هذه المقطّعة رباعية على وزن الدو بيت ولا عهد للحلّاج به ، إذ ظهر هذا الفن بعده ومن الطرافة أن ينسب هذا الضرب من الشعر إليه .

[ 65 ] من البسيط :
1 - كم دمعة فيك لي ما كنت أجريها * وليلة لست أفتى فيك أفنيها
 2292 - لم أسلم النفس للأسقام تتلفها * إلّا لعلمي بأنّ الوصل يحييها 
2303 - ونظرة منك يا سؤلي ويا أملي * أشهى إليّ من الدنيا وما فيها
 2314 - نفس المحبّ على الآلام صابرة * لعلّ مسقمها يوما يداويها 232
...............................................................................................
[ 65 ]
ديوان الحلّاج ، ص 127 ( الأبيات 2 - 4 ) عن : عذاب الحلّاج ( لماسينيون ) ، ص 531 ، تقييد ( بعض الحكم والأشعار ) لمجهول ، مخطوط قازان ، ورقة 90 ( مع بيتين ) ، مخطوط لندن ، ورقة 327 أ ، ابن العربي الحاتمي الطائي : عنقاء « مغرب » ، ورقة 105 أ « ولا ترد في المطبوع ، مصر 1373 هـ - 1954 م » ، السبكي : طبقات الشافعية الكبرى : 6 / 66 الدميري : حياة ( الحيوان ) ط . مصر 1383 هـ - 1963 م : 1 / 245 العاملي :
الكشكول ، ص 115 ( ص 236 من الطبعة التي اعتمدناها ) ( البيتان 2 ، 4 ) . 
البندنيجي : جامع الأنوار ، ص 226 ، دغزلو : ماوه « كذا »( Ma'aw )( تخميس ) .
وبالنسبة للأبيات ( 5 ، 6 ، 8 ، 9 ) . انظر الديوان أيضا ، ص 126 - 127 عن : الهمداني :
تكملة تاريخ الطبري ، دي كوجيه ، ص 98 ، الشطنوفي : بهجة الأسرار ، ص 221 أبو الهدى : قلادة ، ص 336 .
وانظر أيضا : روضات الجنات للخوانساري ، ص 236 ( البيتان 2 ، 4 ) ، بهجة الأسرار للشطنوفي ، ص 221 ( الأبيات 7 ، 9 ، 6 ، 1 ، 10 ، 5 ) ( وقد غفل عنها ماسينيون ) وص 192 ( البيت 5 برواية أخرى رابع أربعة أبيات ) ، مجموع شعري ضمن مخطوط عند الأستاذ عبد المجيد الملا ، ورقة 100 أ ، ( الأبيات 2 ، 4 + 8 أبيات مرتبة في قطعة واحدة ) ، قصة حسين الحلّاج ( 2 ، 3 + بيت آخر نورده بعد ) .

« 523 »

5 - اللّه يعلم : ما في النفس جارحة * إلّا وذكرك فيها قبل ما فيها
 2336 - ولا تنفّست إلّا كنت في نفسي * تجري بك الروح منّي في مجاريها
 2347 - إن كنت أضمرت غدرا أو هممت به * يوما ، فلا بلغت روحي أمانيها
 2358 - أو كانت العين مذ فارقتكم نظرت * شيئا سواكم فخانتها أمانيها
 2369 - أو كانت النفس تدعوني إلى سكن * سواك فاحتكمت فيها أعاديها
 23710 - حاشى فأنت محلّ النور من بصري * تجري بك النفس منها في مجاريها 238

التحقيق :
أ - ورد البيت الأول في بهجة الأسرار على :
كم آية لك قد أمسيت أخفيها خوف العدا ، ودموع العين تبديها ( بهجة الأسرار ، ص 192 ) .
ب - ورد البيت الخامس فيه أيضا على :
ما في جوانح صدري ، بعد ، جانحة * إلا وجدتك فيها قبل ما فيها ( أيضا ، ص 221 ) .
وورد في ص 186 على :
فليس في بدني عضو وجارحة * إلا وحبّك فيها قبل ما فيها
ج - وورد البيت السابع في الديوان على :
أو كانت النفس بعد البعد آلفة * خلقا عداك فلا نالت أمانيها
واختيارنا من بهجة الأسرار حيث التسلسل أوضح والنص أقرب إلى المنطق .
د - كانت هذه المقطعة مفرقة في المصادر المذكورة فأعدنا ترتيبها جزئيّا على السياق الذوقي ، ولعلنا أعدناها إلى أصلها القديم ، وذلك في نطاق الأبيات التي ترد في الكتب التي استقينا منها .
ويحسن أن نذكر أنّ هذه المقطعة تبدو كأنها جزء من قصيدة طويلة سائرة تمثّل المصنفون بأبيات منها بحسب المناسبة وسنذكر الأبيات الأخرى كما وردت في مصادرها .

« 524 »

هـ - ذكر الهمداني في تكملة تاريخ الطبري والمصنفون الذين نقل عنهم ماسينيون أن هذه المقطعة للحلّاج إلّا الشّطنّوفي فقد ساقها على لسان قوّال صوفي وذلك لا ينفي ما أثبته غيره من الناحية المنطقية .
و - ذكر ماسينيون أن هذه المقطّعة جرت على لسان الحال وأنّ الحلّاج نفسه لم يقلها ، وذلك راجح لأنّ الشعر ظاهر الحسيّة وفيه نفس طبيعي شفّاف وهو أقرب إلى طابع العذريين منه إلى الصوفية . 
ويغلب على الظن أنّ القصيدة من التراث الشعبي الإسلامي ومن الأشعار السائرة التي جرت على أفواه القصّاص والرواة . ومما يدلّ على ذلك أن السرّاج القاري أورد قصة ترقى إلى أيام العتبي الشاعر ( أبي عبد الرحمن محمد بن عبيد اللّه بن عمر الأموي البصري ، ت 228 هـ / 901 م ) ثم رفعها هذا إلى أيّام سابقة ، وفيها أن شابّا اسمه شبّابة بن الوليد العذري كان يعشق ابنة عمّة له ، وفارقها زمنا ففاض به عشقه حتى كاد يهلك ، فلما ظفر بمحبوبته بأخرة ورضي أهلها بتزويجه منها قال - وهو يجود بنفسه :
الآن ، إذ حشرجت نفسي وحاصرها فراق دنيا وناداها مناديها ؟ !
( مصارع العشّاق 1 / 281 فلعلّ المقطّعة كلّها له ) .
ز - ورد البيتان الأول والخامس في بهجة الأسرار ، ص 192 ، ضمن مقطّعة ذات أربعة أبيات نوردها فيما يلي :
كم آية فيك قد أمسيت أخفيها * خوف العدا ودموع العين تبديها
وزفرة بات شوقي طول ليلته * إليك ينشرها عودا ويطويها
فارحم تقلقل قلب حشوه حرق * تخبو الجحيم ولا يخبو تلظّيها
فليس في بدني عضو وجارحة * إلا وحبّك فيها قبل ما فيها
ح - وورد البيتان الثالث والرابع ضمن معشّرة وردت في مجموع شعري يملكه الأستاذ عبد المجيد الملّا نوردها فيما يلي :
رضاك خير من الدنيا وما فيها * وأنت للنفس أشهى من تمنّيها
ونظرة منك يا سؤلي ويا أملي * أشهى إلي من الدنيا ومن فيها

« 525 »

اللّه يعلم أن النفس قد تلفت * شوقا إليك ولكني أمنّيها
فما وجدت بها طيفا يكلّمني * سوى نواح حمام في أعاليها
يا دار ، أين أحبّائي وأين مضوا ؟ * ويا ترى أي أرض أنزلوا فيها ؟
روح المحبّ على الأسقام صابرة * لعلّ مسقمها يوما يداويها
لا يعلم الشوق إلّا من يكابده * ولا الصبابة إلّا من يعانيها
روحي معلّقة في كور ناقتكم * فإن عزمتم على قتلي فحثّوها
لا تسلكن طريقا ليس تعرفها * بلا دليل فتهوي في مهاويها ( ورقة 100 أ ) .
ط - وورد البيت الثالث في مقطعة خماسيّة ساقها الحريفش في « الروض الفائق في المواعظ والرقائق » ، ط مصر 1316 هـ ، ص 234 نصّها :
رضاك خير من الدنيا وما فيها * يا منية القلب قاصيها ودانيها
ومما ذكرتك إلّا همت من طرب * كأنّ ذكرك ألحان أغنيها
وحقّ حبّك ما قصدي الديار ولا أل * أموال من عرض الدنيا فأفنيها
فنظرة منك ، يا سؤلي ويا أملي * أشهى إليّ من الدنيا وما فيها
وليس للنفس آمال تؤمّلها * سوى رضاك ، فذا أقصى أمانيها
ي - يبدو من هذه المقطّعة أن بيت القصيد فيها هو :
لا يعلم الشوق إلّا من يكابده * ولا الصّبابة إلّا من يعانيها
الذي رواه ابن العربي الحاتمي الطائي في « عنقاء مغرب » ، ص 23 ، والكتابان المشار إليهما .
وربّما أوحى ورود هذا البيت في قصيدة للأبله البغدادي ( محمد بن بختيار بن عبد اللّه ت 579 أو 580 هـ / 1183 أو 1184 م ) أنّه له ، غير أنه - فيما يلوح لنا - قد كان مضمّنا له لغربته بين الأبيات الأخرى ، ونورد هنا بضعة أبيات من هذه القصيدة من المطلع إلى البيت المقصود لبيان ذلك ، قال الأبله البغدادي يمدح الخليفة المقتفي لأمر اللّه ( ح 430 - 455 هـ / 1078 - 1063 م ) :

« 526 »

راحت لسرحة نعمان وواديها * غنّ السحائب تغدوها غواديها
من كل وطفاء يروي البرق مزنتها * كأنما ثغر سعدي ضاحك فيها
أضحت محلّتها بالشام نائية * يا بعدها منك والأشواق تدنيها !
بيضاء عاندت فيها من يعاندها * عمدا وصافيت فيها من يضاهيها
صدّت فلا هي يوم البين ، ذاكرة * عهدي ، ولا أنا يوم البين ناسيها
تمشي فيثقلها ريّ إذا خطرت * كأنّها بانة طلّت حواشيها
كأنّ ريحانة في ثني بردتها * بات النسيم قبيل الصبح يثنيها
زارت على غرّة الواشي مراقبة * تهدي الغرام لقلب في تهاديها
تسري اختلاسا وليل الشعر يسترها * عن العيون وصبح الثغر يبديها
لا يعرف الشوق إلا من يكابده * ولا الصبابة إلّا من يعانيها
ولا السماحة إلّا المستهام بها * خليفة اللّه مسديها ومسنيها
( الديوان ، مخطوط مكتبة المجلس في طهران ، ورقة 1 ب ، القصيدة الأولى وقد تفضل بإطلاعي عليها الأستاذ عبد الكريم الدجيلي ، من مصورّته ) 
وقد فطن إلى البيت ونسبته إلى الأبله الأستاذ السيد مكي السيد جاسم . 
وإذا صحّ تضمين الأبله للبيت عادت القطعة بما فيها من شوق إنساني وعاطفة صادقة إلى الشاعر المجهول الذي قالها وربما كان شبّابه بن الوليد العذري ، المذكور .
ي - بعد هذا اتّخذت هذه القطعة سمتا شعبيا بكثرة التداول ، فوردت ثلاثة أبيات فيها آثار تتصل بها في « قصة حسين الحلّاج » نصّها :
سلّمت نفسي إلى البلوى لمتلفها * وذا لعلمي بأنّ الموت يحييها
ونظرة منك يا سؤلي ويا أملي * أشهى إليّ من الدنيا وما فيها
وليس للنفس آمال تؤمّلها * سوى رضاك ، فذا أقصى أمانيها
( ص 12 ، وجاءت « إلى » - في البيت الثاني على « على » ، وجاءت « فذا » على « فذي » وما أثبتناه أقرب إلى الصواب ) .
يا - من أجمل النصوص الشعرية التي عرضت لهذا المعنى مقطعة نسبت إلى عليّة بنت المهدي الأميرة الشاعرة المغنية ( ت 210 هـ / 825 م ) تقول فيها :

« 527 »

لم ينسنيك سرور لا حزن * وكيف لا ؟ كيف ينسى وجهك الحسن
ولا خلا منك لا قلبي ولا جسدي * كلّي بكلّك مشغول ومرتهن
وحيدة الحسن ، ما لي عنك مذ كلفت * نفسي بحبّك إلا الهمّ والحزن
نور تولّد من شمس ومن قمر * حتى تكامل فيه الروح والبدن
( الأغاني ، بولاق ، 9 / 54 ، 83 ، فوات الوفيات للكتبي ، 2 / 197 ) .


[ 66 ] من البسيط :
1 - كادت سرائر سرّي أن تسرّ بما * أوليتني من جميل لا أسمّيه
 2392 - وصاح بالسرّ سرّ منك يرقبه : * كيف السرور بسرّ دون مبديه ؟
 2403 - فظلّ يلحظني سرّي لألحظه * والحقّ يلحظني أن لا أخّليه
 2414 - وأقبل الوجد يفني الكل من صفتي * وأقبل الحقّ يخفيني وأبديه


 242التحقيق :
أ - هذه المقطعة لأبي الحسين ( لا الحسن ) النوري : أحمد أو محمد بن محمد الخراساني المعروف بابن البغوي ( من بغشور : بين هراة ومرو الروذ ، ت 295 هـ / 907 - 8 م ) .
ب - النص هنا أصحّ الروايات وقد توصل إليه ماسينيون نفسه ولا داعي لبيان التصحيفات في الروايات الأخرى إلا رواية البندنيجي لكلمة القافية في البيت الثالث على « ألا أراعيه » بعكس المقصود .
ج - في بهجة الأسرار للشطنّوفي تمثل عبد القادر الجيلي بهذه المقطعة دون نسبة إلى أحد ، ( ص 171 ) .
د - أبو القاسم بن رزيق البغدادي كان بأطرابلس من ساحل دمشق حكى عن الشبلي حكى عنه أبو الفضل السعدي نزيل مصر وهو محمد بن عيسى القاضي فقال حدثنا أبو القاسم بن رزيق البغدادي بطرابلس قال سمعت الشبلي ينشد :
 كادت سرائر سري أن تشير بما * أوليتني من سرور لا أسميه 
فصاح بالسر سر منك نرقبه * كيف السرور يسر دون مبديه 
‌فظل ‌يلحظني ‌سري ‌لألحظه * والحق يلحظني أن لا أراعيه 
وأقبل الحق يفني اللحظ عن صفتي * وأقبل اللحظ يفنيني وأفنيه
وعزيت الابيات بهامش مختصر تاريخ دمشق ابن منظور (711 هـ) إلى الحلاج.
(تاريخ دمشق لابن عساكر 571 هـ جزء 67 ص141 دار الفكر للطباعة والتوزيع)
...............................................................................................
[ 66 ]
الديوان ، ص 117 عن : تقييد ( مخطوط قازان ، ص 73 ، مخطوط لندن ، ورقة 325 أ ) ، الشطنوفي : بهجة الأسرار ، ص 171 ، التاذفي : قلائد ( الجواهر ) ص 99 .
انظر أيضا : حلية الأولياء : 10 / 253 ، وجامع الأنوار للبندنيجي ، ص 550 .

« 528 »

هـ - ليس المقصود بالمعنى في البيت الأول أن سرار السرّ كانت مسرورة من جميل المحبوب وإنما القصد الإسرار بها أي البوح والإفضاء همسا وهو ما لم يلتفت إليه ماسينيون .
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
» طلعت شمس من أحب بليل من ديوان الحلاج
» ديوان الحلاج pdf
» و أي أرض تخلو منك حتى من ديوان الحلاج
» إلى كم أنت في بحر الخطايا من ديوان الحلاج

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الحلاج والبسطامى -
انتقل الى: