منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:04 pm

ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

ترجمة المصنّف
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
عبد الغني النابلسي « 1 » “ 1050 - 1143 هـ - 1641 - 1731 م “ هو عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي : شاعر ، عالم بالدين والأدب ، مكثر من التصنيف ، متصوّف . ولد ونشأ في دمشق . ورحل إلى بغداد ، وعاد إلى سورية ، فتنقل في فلسطين ولبنان ، وسافر إلى مصر والحجاز ، واستقر في دمشق ، وتوفي بها .
له مصنّفات كثيرة جدّا ، منها : 
« الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية - ط » 
و « تعطير الأنام في تعبير المنام - ط » 
و « ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث - ط » فهرس لكتب الحديث الستة ، 
و « علم الفلاحة - ط » 
و « نفحات الأزهار على نسمات الأسحار - ط » 
و « إيضاح الدلالات في سماع الآلات - ط » 
و « ذيل نفحة الريحانة - خ » 
و « حلة الذهب الإبريز ، في الرحلة إلى بعلبك وبقاع العزيز - خ » 
و « الحقيقة والمجاز ، في رحلة الشام ومصر والحجاز - خ » 
و « قلائد المرجان في عقائد أهل الإيمان - خ » رسالة ، 
و « جواهر النصوص - ط » جزآن ، في شرح فصوص الحكم لابن عربي ، 
و « شرح أنوار التنزيل للبيضاوي - خ » 
و « كفاية المستفيد في علم التجويد - خ » 
و « الاقتصاد في النطق بالضاد - خ » تجويد ، 
و « مناجاة الحكيم ومناغاة القديم - خ » تصوف ، 
و « خمرة الحان - ط » شرح رسالة الشيخ أرسلان ، 
و « خمرة بابل وغناء البلابل - خ » من شعره ، في الظاهرية ، 
و « ديوان الحقائق » من شعره ، “ وهو الكتاب الذي بين أيدينا “ . 
و « الرحلة الحجازية والرياض الأنسية - ط » 
و « كنز الحق المبين في أحاديث سيد المرسلين - خ » 
و « الصلح بين الإخوان في حكم إباحة الدخان - ط » 
و « شرح المقدمة السنوسية - خ » 
و « رشحات الأقلام في شرح كفاية الغلام - ط » في فقه الحنفية ، 
و « ديوان الدواوين - خ » مجموع شعره ،
...............................................................................................
“ 1 “ انظر الأعلام للزركلي “ 4 / 32 ، 33 “ .


 04 
و « كشف الستر عن فرضية الوتر - ط » رسالة ، 
و « لمعات “ أو لمعان ؟ “ الأنوار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار - ط » رسالة ، 
و « خمس مجموعات - خ » فيها 32 رسالة ، ذكر الزيّات أسماءها في « خزائن الكتب » « 1 » .
...............................................................................................
“ 1 “ انظر خزائن الكتب “ 39 و 42 و 52 و 58 “ .


 05
[ مقدمة المؤلف : ]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
وصلّى اللّه على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما 
الحمد للّه الذي فتح خزائن الإمكان بمفاتيح الكرم والامتنان وأظهر سرّه المكنون بين الكاف والنون ، إنما أمره لشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون . كشف عن وجهه المتعال بتجليات الجلال والجمال ، واحتجب بأستار النقصان وظهر بأسرار الكمال ، ونشر دواوين الإحسان بما طواه في بدائع خلق الإنسان ، وتحلّى بملابس الأسماء القدسية وتجلّى على أصحاب القلوب الإنسية ، فهاموا في جماله المطلق المقيد وتأيّدوا بتحقيق حقيقة روحه المؤيد .
خرجوا عن صور الحسّ والخيال وانحلّوا عن عقال العقل والوهم وانفلتوا من هذه الأغلال ، وكسروا مكبال المكان والزمان ونفذوا من أقطار السماوات والأرض على كل حال ، ودخلوا بالعناية الأزلية تحت سرادق الجلال ليحتموا بحماية الشجرة المباركة الذاتية التي هي لا شرقية ولا غربية من جناية ما تحتها من الظلال ، وقد توقّدت مصابيح قلوبهم ، بأشعة أنوار محبوبهم ، فنالوا غاية مطلوبهم ومرغوبهم ، وراقت لهم بيد ساقيهم كؤوس مشروبهم ، وامتلؤوا من المعارف بطونا وظهورا ، وسقاهم ربّهم شرابا طهورا ، فسبحان من لا هو إلا هو ، وتبارك الذي تحيّرت العقلاء في معرفته وافترقوا وتاهوا ، وهدى إليه قوما بضلالهم فيه قد أفلح المؤمنون ، فجعل جهلهم علما به وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ البقرة : 216 ] ، 
وكان سمعهم وبصرهم فبه يسمعون ، وبه يبصرون ، فيا أيها المعتمدون على التصوّرات والتصديقات ، في معرفة ربّ الأرض والسماوات ، إلى متى تعبدون ولد العقول ، مع علمكم بمقتضى النقول أنه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [ الإخلاص : 3 و 4 ] 
وحتى متى تجعلونه نتيجة الأدلة الفكرية ، والبراهين العقلية في جيدكم حبل من مسد « 1 » ، 
قال اللّه تعالى : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ [ الذاريات : 21 ]
 صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [ البقرة : 171 ] انتقلتم فيه من معنى إلى
...............................................................................................
“ 1 “ المسد : الحبل المضفور المحكم الفتل من ليف أو من غيره . “ ج “ مساد ، وأمساد .


 06 
معنى في نفوسكم وهو عنكم بحجاب عزّته مصون ، وهو الظاهر بكل شيء و كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ القصص : 88 ] ، 
ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ [ الأنبياء : 52 ] ، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [ الواقعة : 82 ] ، 
فهو العارف والمعروف والشاهد والمشهود ، بل الجاهل والمجهول والجاحد والمجحود ، ولكنه ملتبس عليكم لأن له الظهور والبطون ، بالأشياء المحسوسة والمعقولة التي هو قيّوم عليها وهي الشؤون كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [ الرحمن : 29 و 30 ] 
وذلك حيث كان فيه الإنسان من التنزيه والتشبيه ، وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنّا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ، وهو عين الأعيان كلها وهو غيب الغيوب ، وهو المنكشف بملابس الخيال لملابس الخيال في مسمى الأبصار والقلوب ، قرب وبعد ودنا وعلا ، وجمع بين المثلين والضدّين والخلافين والنقيضين والعدم والملكة في الخلاء والملا ، وهو مع جميع ذلك ، المنزّه عن كل ما هنالك ، فلا يعرفه ، إلا من أتاه بقلب مما سواه سليم . و هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ الحديد : 3 ] . 
طريق النجاة منه هو البقاء به والبقاء به هو الفناء عن جميع اعتباراته المعبّر عنها بهو وأنت وأنا ، وهيهات هيهات « 1 » أن تعرفه النفوس بما عندها من التقييد ، وما انطبعت عليه لأمثالها من التقليد بل هم في لبس من خلق جديد . 
كان في الأزل ، وهو في الأزل لم يزل ، ولا زمان ولامكان ، ولا أرواح ولا أبدان ، ولا مفهوم ولا موهوم ولا مرقوم ولا ملفوظ ، وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ البروج : 20 - 22 ] ، 
رفيع الدرجات ذو العرش من حيث الصعود في أهل السعود ، وتلك الدرجات هي عين الدّركات في هبوط المبعد عنه والمطرود ، كمّل الصورة الآدمية ، وكلّفها بما يفعله عنها بصفة القيومية ، سواء أشركت النفوس بعملها أو احتسبت ، أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [ الرعد : 33 ] ، 
وهو الوكيل عنهم وهم المتوكلون ، فهو العامل لكل ما هم له عاملون ، فأين القائمون بحولهم وقوّتهم وأين المدّعون ؟ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [ الصّافّات : 96 ] 
وإنما يكون الخلاص بملازمة طريق أهل الإخلاص ، قال تعالى : وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ البيّنة : 5 ] ، 
وذلك في كل أمر ونهي وتشديد وتليين ، وهو الصدق في العبودية ، وتوحيد الربوبية ، المبرّأ من الإشراك وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ البقرة : 195 ] ، 
« والإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك » « 2 » . والصلاة والسلام ،
...............................................................................................
“ 1 “ هيهات : اسم فعل بمعنى بعد . نحو : هيهات ما تريد ، أو هيهات لما تريد .
“ 2 “ أخرجه البخاري “ تفسير سورة 31 ، 2 “ ، “ إيمان 37 “ ، ومسلم “ إيمان 57 “ ، وأبو داود “ سنة 16 “ ، -


 07 
وأنواع التحية والإكرام ، والإعظام والإنعام ، وكمال الاحترام ، الصادر ذلك من العين إلى العين ، بعد محو نقطة الغير والغيم والغين ، فاللّه والملائكة والمؤمنون هم القائمون في هذا الأمر تخصيصا وتعميما إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ الأحزاب : 56 و 57 ] ، 
وهي الرحمة في مقام جلاله وجماله ، الصادرة من تفصيله إلى إجماله ، إرجاعا لها إلى ما بدأت منه ، وإقبالا منها على من صدرت عنه ، وهو أبو القاسم واللّه المعطي بنوره الأعلى القاهر ، وهو القاسم بنوره الأدنى الباهر ، لإيجاد الوجود على حقائق البواطن والظواهر ، نُورٌ عَلى نُورٍ [ النور : 35 ] 
وبطون في ظهور ، والسرّ الذاتي في الأمر الصفاتي ، والحقيقة السارية المنبسطة في حقائق الماضي والآتي ، النور الثاني ، والأب الأول الروحاني ، والبدر الطالع عن شمس الأزلية في سماء الهيكل الإنساني ، محمد الاسم ، محمود الرّسم ، المبعوث بالحق المبين من الحق المتين وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ الأنبياء : 107 ] 
ورضوان اللّه تعالى عن جميع آله الطيّبين الطاهرين ، المبرّئين من أدناس الأغيار ، المتزينين بحلل المعارف والأسرار ، المتزيّين بزيّ حبيبهم المختار ، من حلل الأعمال الصالحة وقلائد المراقبة والاستحضار ، الآئلين إليه بالأنساب والأصهار ، وبالمتابعة في أنواع الأنوار ، الذين شيّد اللّه تعالى بهم أركان البيت الإلهيّ وعمّره تعميرا إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ الأحزاب : 33 ] 
وعن جميع أصحابه المقرّبين الأبرار ، والمهاجرين منهم والأنصار ، والخارجين من مكة النفوس قبل الفتح ، إذ لا هجرة بعد الفتح ، فرارا من الجاهلية ، إلى مدينة القلوب الروحانية ، والناصرين بهذه الملّة الإسلامية بين البرية ، بالأقوال والأفعال والأحوال السّنّية السّنيّة ، رغبة في متابعته ، وحبّا في مداومة طاعته ، وإيثارا للسلوك في طريقته ، فهم أهل السّنّة والجماعة ، وهم أصحاب المدد الخاص والعامّ إلى قيام الساعة ، وهم المتمتعون بالعبادة والطاعة ، وهم المتنعّمون بالاستقامة والقناعة ، وهم مبلّغون الأوطار ، في جميع الأطوار ، بالوجه الذي يشهدون كل شيء هالكا إلا هو أينما تولوا بالقلوب والأبصار مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ إلى قوله : لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [ الفتح : 29 ] 
وعن التابعين لهم على كل حال ، في كل إقامة على حالة وترحال ، المخصوصين بحسن الاقتداء في الأدب الظاهر والباطن وكمال الاهتداء ، وعن سائر المشايخ السادات ، أرباب المفاخر والسيادات ، القائمين بالحق في طريق الحق للإرشاد والدلالات ، من المتقدّمين
...............................................................................................
- والترمذي “ إيمان 4 “ ، وابن ماجة “ مقدمة 9 “ ، وأحمد بن حنبل “ 1 / 27 ، 51 ، 53 ، 319 ؛ 2 / 107 ، 426 ؛ 4 / 129 ، 164 “ .


 08 
والمتأخرين ، على مدى الأوقات والأحايين ، في جميع الإشارات والتعايين ، وعن جملة المريدين والمرتادين في حومة هذا الدين ، أهل الرغبة والإقبال والصدق واليقين ، ومن يحب أحدا من هؤلاء المذكورين ، أو يحب من يحبهم من بقية المسلمين المعتقدين إلى يوم الدين .
أما بعد ، . . . فيقول الفقير الحقير عبد الغنيّ بن إسماعيل بن عبد الغنيّ بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد اللّه بن جماعة الكنانيّ المقدسيّ النابلسيّ الدمشقي ، متّعه اللّه تعالى بالمقام العشقي ، وأدام إسعافه وإمداده ، ورحم اللّه تعالى آباءه وأمّهاته وأجداده : اعلم أن العلم الإلهي الذي تخدمه سائر العلوم هو المهمّ اللازم على أهل الخصوص والعموم ، وهي المسألة التي معرفتها عين الفرض ، اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ النور : 35 ] ، 
إذ لا يتخلّص العبد المسلم من الشّركين الخفيّ والجليّ ، ويتحقّق له الإيمان الكامل باطنا وظاهرا في المقام العليّ ، إلا بذوق معاني التجليّات الإلهية بالأسماء المتوجهة على إيجاد الصور الكونية الحسيّة والعقليّة ، فيكشف عن الواحد الأحد ، الظاهر من حيث صفاته وأسماؤه في صورة كل أحد ، من غير أن يحلّ في شيء أو يكون بشيء اتّحد ، والباطن من حيث ذاته العليّة عن معرفة أحد من البريّة ، فكلّ ما يخطر في بالك فهو من حيث صفاته وأسماؤه كذلك ، وهو من حيث ذاته العليّة بخلاف ذلك ، فقد صدق المتكلم بعقله وكذب ، وبعد عنه بفكره في معرفته واقترب ، ولكنه أساء الأدب حيث ترك المعرفة الشرعية ، وتمسّك بالمعاني العقلية ، وسلك طريق الأدلة والبراهين ، وأعرض عن التصديق بالنصوص الشرعية القطعية والإسلام لها على ما هي عليه من الحق المبين ، وعدل عن تقليد الأنبياء والمرسلين ، وادّعى الاستقلال بالمعرفة بل أوجب ذلك على كافّة المكلّفين ، 
واللّه يقول في محكم كتابه الكريم ، وقد اكتفى بمجرّد القول من كل بليد وفهيم : قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ البقرة : 136 و 137 ] . 
وقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كما رواه مسلم « 1 » في صحيحه الأجلّ : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا
...............................................................................................
“ 1 “ هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري “ 204 - 261 ه - 820 - 875 م “ أبو الحسين ، حافظ ، من أئمة المحدّثين ، ولد بنيسابور ، ورحل إلى الحجاز ومصر والشام والعراق ، وتوفي بظاهر نيسابور . أشهر كتبه « صحيح مسلم » ، ومن كتبه « المسند الكبير » و « الجامع » و « الكنى –


 09 
إله إلا اللّه فمن قال : لا إله إلا اللّه عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللّه عزّ وجلّ » « 1 » . وقدّس اللّه روح الشيخ أرسلان الدمشقيّ « 2 » حيث قال في رسالته وعلى الصواب فيها احتوى : الناس تائهون عن الحق بالعقل وعن الآخرة بالهوى . وقال في أول رسالته : ليخرجك إلى السّعة الإلهية من ضيق صورتك النفسانية والحرج والضنك " 3 " .
كلك شرك خفيّ ولا يبين لك توحيدك إلا إذا خرجت عنك ، فتأمّل بفهمك الصحيح لا السقيم يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [ الانفطار : 6 ] ، 
وانتشق ريا هذا الأرج « 4 » ، وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [ الحج : 78 ] ، 
وقل لأهل الأفكار والعقول الملحدة ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ [ النحل : 78 ] . 
وكيف تطلبون من الدليل معرفة ربكم ، وربكم هو الذي دلّكم على الدليل ؟ أين إسلامكم له وإيمانكم به وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [ الأنعام : 102 ] . 
أولم تسمعوا إلى قوله تعالى في حق من قبلكم من الذين هم مشركون : قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [ المؤمنون : 84 - 90 ] . 
وأيّ فرق بينكم وبينهم إذا لم تكتفوا بمجرّد الإسلام له والإيمان ، وتشهدوا بما أنتم تعلمونه مخلوقا له من هذه الأعيان ، فقد تساويتم معهم في التعنّت « 5 » العقليّ وطلب الدليل والبرهان ، بل أنتم في أنفسكم أقوى برهان ودليل على وجود الخالق الجليل ، فلا تطلبوا له أكثر من هذا الظهور ظهورا هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً [ الإنسان : 1 ] 
ولا تقصدوا معرفته بما خلق من السمع والأبصار والأفئدة فإن ذلك منه فكيف يكشف عنه هيهات هيهات لما توعدون وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَ فَلا
...............................................................................................
- والأسماء » وغير ذلك . الأعلام 7 / 221 - 222 ، وتذكرة الحفّاظ 2 / 150 ، وتهذيب التهذيب 10 / 126 ، وابن خلكان 2 / 91 .
“ 1 “ أخرجه البخاري “ اعتصام 2 “ ، “ جهاد 102 “ ، “ زكاة 1 “ ، “ استتابة 3 “ ، ومسلم “ إيمان 32 ، 33 “ ، وأبو داود “ زكاة ، 1 “ ، والترمذي “ إيمان 1 “ ، والنسائي “ زكاة 3 “ ، “ جهاد ، 1 “ ، “ تحريم 1 “ .
“ 2 “ هو أرسلان بن يعقوب بن عبد اللّه بن عبد الرحمن الجعبري “ توفي 699 ه - 1300 م “ . أحد الزهّاد الصالحين المشهورين، من أهل دمشق، وقبره فيها معروف. له رسالة في " التوحيد " .
الأعلام 1 / 288 ، وطبقات الشعراني 1 / 132 ، وكشف الظنون 1 / 867 .
“ 3 “ الضنك : الضيق والشدة .
“ 4 “ الأرج : انتشار ريح الطيب .
“ 5 “ التعنت : المكابرة عنادا أو الخطأ والفجور .


 10 
تَعْقِلُونَ [ المؤمنون : 78 - 80 ] . 
وإلى متى هذه المجادلة في اللّه يا أهل السّنّة والفرض ؟ أَ فِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ إبراهيم : 10 ] 
فعلمنا هذا هو العلم النافع ، وديننا هذا هو الدين الرافع ، وهو الإيمان المجرّد عن الوساوس العقلية ، والتصديق بالكتاب والسّنّة على المعنى الذي يعلمه اللّه ورسوله من غير بحث ولا جدال في هذه القضية . وقد نقل الإمام أبو الحسن اللبوديّ الحنبليّ في كتابه اللّمع في السّنن والبدع ، أن الإمام الشافعي « 1 » رضي اللّه عنه كان يقول : آمنت باللّه وبما جاء عن اللّه على مراد اللّه وآمنت برسول اللّه وما جاء به رسول اللّه على مراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، ثم قال في الكتاب المذكور : وعلى هذا درج السّلف وأئمة الخلف وهناك ما لا يحصى من النقول والعبارات في تقوية ما ذهبنا إليه من مذهب أهل التحقيق والإشارات ، فآمنوا باللّه ورسوله ، وليتحقّق كل أحد منكم بمقصده وسؤله ، ولا تلتفتوا إلى مقتضيات العقول في الاستحسان والاستقباح ، وتمسّكوا في ذلك بنصوص الكتاب والسّنّة فقد رفع عنكم فيها الجناح يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [ البقرة : 185 ] . 
بسم اللّه الرّحمن الرحيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [ العصر : 1 - 3 ] . 
فيا أيها الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ويا أيها المتواصون بالحق والمتواصون بالصبر في جميع الحالات ، اعلموا يا إخواني ، ويا عصبتي في نصرة الحق على النفوس الإنسانية ويا أعواني ، أنكم أنتم المراد في جمعيتي هذه وديواني ، لأنّ الحق تعالى ناظر إليكم بالنظر السبحاني ، وممدّكم بالإمداد الربّاني ، وأنا وإياكم قد اشتركنا في ذوق ما يفيضه علينا من هذه المعاني . ولا حظّ لأهل الانتقاد والإنكار سوى ما يمدّهم اللّه تعالى من الخطأ والكفر والضلال واستصغار الأسرار الكبار ، وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ [ الأحقاف : 11 ] 
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ البقرة : 282 ] . 
وهذان القسمان من الناس ضدّان ، رفعوا النقط الثلاث العقلية والنفسانية والجسمانية فكان سرورا ، ووضعوها فكان شرورا ، كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [ الإسراء : 20 ] . 
وقال تعالى إلى هذين الفريقين مشيرا : يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً [ البقرة : 26 ] . والقسم الثالث : هم أهل
...............................................................................................
“ 1 “ هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي “ 150 - 204 هـ - 767 - 820 م “ . أبو عبد اللّه ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السّنّة ، وإليه نسبة الشافعية كافة . ولد في غزة بفلسطين وحمل منها إلى مكة ، وزار بغداد مرتين ، وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها . له تصانيف كثيرة أشهرها كتاب « الأم » في الفقه ، ومن كتبه « المسند » في الحديث ، و « أحكام القرآن » و « السّنن » و « الرسالة » في أصول الفقه ، وغير ذلك . الأعلام 6 / 26 - 27 ، وتذكرة الحفّاظ 1 / 329 ، والوفيات 1 / 447 ، وتهذيب التهذيب 9 / 25 .


 11 
التسليم والسلامة من غير منازعة ولا مزاحمة ولا ملامة ، أيقظهم قول المهيمن القديم :
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ يوسف : 76 ] 
وهم الملحقون بالقسم الأول ، الذين لهم هذه الجمعية وعليهم فيها المعوّل لاشتراكهم معهم في لزوم الآداب ، وكونهم من جملة الأصدقاء والأحباب ، وإنما لهم يفتح هذا الباب ، ويرتفع الحجاب ، وينالون بذلك مقاصدهم من عطاء ربك الكريم الوهاب وعلى حسب ما يكون السؤال يأتيهم الجواب ، فأهل التحرّي لهذا الشأن والتحرّك قريب منهم أهل التيمّن به والتبرّك ، وإنما يحرم الجاهل المغرور لعمى بصيرته من الانتفاع بإشراق هذه البدور وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ [النور: 40].
اللّه أكبر اللّه أكبر ، من فوق هذا المنبر ، فإن خطيب الأزل قد صعدنا إليه فنزل ، وأتى أمر الحق بالحق وغير الحق انعزل ، فيا من في الحضر لم يزل ، وقد سمع الخطاب بلسان التشبيب في الحبيب والغزل ، وأشار إليه الدف « 1 » والطنبور « 2 » باللغة العجمية ففهم الإشارة ، وخاطبته الأيام والليالي بالألسنة المختلفة فأطربته هاتيك العبارة ، والكلام لك يا كنّة فاسمعي يا جارة ، قد راقت كؤوس الشراب القديم وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ «3»[المطففين : 26 :27 ]. 
“ شعر “ : وجود وحسبي أن أقول وجود * له كرم منه عليه وجود
ويا ذوي العرفان ، ويا أهل المشاهدة والعيان ، ويا أصحاب التحقيق والإيقان ، ويا فرسان هذا الميدان ، ويا أطيار هذه الأغصان ، ويا ثمرات هذا البستان ، انظروا في هذا الوجود الواحد ، واتركوا نظر الغافل واللّاحد . وهذا لسان السّنّة وإن شئت قلت لكم بلسان الفرض : قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ يونس : 101 ] ، 
وتأملوا ظهوره للعقول بأنواع المعاني ، وتجلياته للحواس الخمس بالصور المختلفة كالماء المطلق في قيود صبغة القناني ، مع كمال تنزّهه عن الحلول والاتحاد والانحلال وزيادة تباعده المتداني ، بحكم التحقيق الروحاني ، والذوق الوجداني ، والنور الإسلامي والإيمانيّ والإحساني . وتحقّقوا بأمره الذي قام به الجميع ، وهو كالبرق اللميع . 
واعتبروا يا أولي الألباب ، فيما يفتح عليكم من هذه الأبواب ، فإنّ الأقسام كثيرة ، وهي التي ترمي بالعقول في بحار الحيرة ، وقد أشرنا إلى أمّهاتها في هذا الكتاب المسطور ، الذي هو فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ [ الطور : 3 ] ، 
قسم المواجيد الذوقية ، والحقائق العرفانية ، والإشارات الإيمانية ،
................................................................................................
“ 1 “ الدّف : آلة للطرب تصنع على هيئة إطار من خشب خفيف يشدّ عليه جلد رقيق ، وقد يكون بجوانبه صنوج نحاسية ، وهو من آلات الإيقاع “ ج “ دفوف .
“ 2 “ الطّنبور : من آلات الطرب ، ذات عنق طويل وستة أوتار من نحاس “ ج “ طنابير .
“ 3 “ التسنيم : ماء في الجنة .


 12 
والعبارات الإحسانية ، وهو لسان الجمع في حضرة الإطلاق ، وهو الآيات الظاهرة في الأنفس والآفاق ، وهو الباب الأول من هذا الديوان ، والحضرة العالية في صدر هذا الإيوان « 1 » . 
ويليه قسم المديح النبوي ، ومجلي النور الأول في عين النور الثاني حضرة الاسم القوي ، وهو مقام الأخلاق الإلهية ، والصفات الكمالية المحمدية . 
قال اللّه تعالى في أمره المستقيم : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ القلم : 4 ] . 
وقالت عائشة « 2 » رضي اللّه عنها في هذا الشأن : وكان خلقه القرآن . وهو لسان الفرق في حضرة التقييد ، وهو الكلمات التّامّات والخلق الأوّل وعالم الخلق الجديد . وقسم المدائح الإنسانية في الحضرات الأسمائية ، والملاسلات الأدبية ، وما يتبع ذلك من الألغاز والمعميات « 3 » والأحاجي « 4 » الشعرية ، وهو لسان الحضرة الفعلية والكمالات الخلقية ، وقسم الغزليات والرياضيات وهو لسان المقامات العشقية ، واللطائف الذوقية الشوقية ، وهو منتهى الحضرات الإلهية .
وهذه الأقسام الثلاثة يدخلها لسان السوى ، لأنها حضرة الفرق المشهودة بالجمع وإنما لكل امرئ ما نوى « 5 » . ولهذا تكلمنا فيها بلسان الغير ، وترنمنا على عيدانها بنغمات الطير ، وكانت أرباب المراسلات لنا فيها من جملة أطوارنا ، وأصحاب المساجلات معنا عن شمس ذاتنا مجلى أقمارنا ، وذلك لأنّا ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ [ يوسف : 81 ] ، 
وإنما كنّا به محفوظين وبعين عنايته ملحوظين ، فالأغيار من جملة تجلياتنا ، وما ذكرناه عنهم في هذا الديوان من بعض تزيناتنا وتحلياتنا . وقد أشرنا إلى هذا بقولنا على حسب ما كنّا فيه بقوة اللّه تعالى وحوله لا بقوّتنا وحولنا :
إنّ من بعض ما هي الأطوار * لي مقام فيه اسمه الأغيار
وهو زيد كذا وعمرو وبكر * وبهم فيه تنشد الأشعار
فإذا قلت فيه قال فلان * وفلان فإنها أستار
نعم القائل الذي قد ذكرنا * لكن الكنز نحن وهو الجدار
...............................................................................................
“ 1 “ الإيوان : قسم مكشوف من المنزل يشرف على صحن الدار ، يحيط به ثلاثة حيطان وله سقف محمول من الأمام على عقد ومنه إيوان كسرى “ ج “ أواوين ، وإيوانات .
“ 2 “ هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد اللّه بن عثمان “ 9 ق . ه - 58 ه - 613 - 678 م “ أفقه نساء المسلمين وأعلمهنّ بالدين والأدب ، كانت تكنى بأم عبد اللّه ، تزوجها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في السنة الثانية بعد الهجرة . توفيت في المدينة . روي عنها 2210 أحاديث . الأعلام 3 / 240 ، والإصابة كتاب النساء ترجمة 701 ، والسمط الثمين 29 ، وطبقات ابن سعد 8 / 39 .
“ 3 “ المعمّى من الشعر والكلام : ما عمّي معناه فتعمّى . أو هو اللغز “ ج “ معميات .
“ 4 “ الأحاجي : “ ج “ الأحجية : لغز يتبارى الناس في حلّه ، أو هي الكلمة يخالف معناها لفظها .
“ 5 “ هنا إشارة إلى الحديث القائل : « إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى » .


 13 
وهو جفن من الجفون لعيني * وأنا الجسم منه وهو الشّعار
وأنا اللّبّ والبرية قشر * وأنا الوجه والجميع خمار "1"   
كلّهم من مداد نوري حروف * وأنا الشمس والسّوى أقمار "2" 
والذي عندهم من العلم طلّ * والذي منه عندنا فبحار
بانة غرّدت عليها طيور * أنا وحدي من بينهنّ الهزار "3" 
أنا عبد الغنيّ مع من معي في * هذه الحال والغنى الافتقار
وسوانا عبد الفقير من الدّر * هم مولاه ذاك والدّينار
ربّنا اللّه في جميع المجالي * ما على وجهنا الجميل غبار
والأحباء حضرة البسط تجلى * من هدانا عليهم الأسرار
والأعادي مظاهر القبض منّا * عندهم من شؤوننا الإنكار
فالأهاجي لسان قهر وذلّ * لأناس بناهم الكفّار
والثّنا رحمة تخصّ بلطف * من إليهم بالمؤمنين يشار
ذاتنا قد بدت لنا بصفات * هي أنتم يا أيها الأبرار
وتجلّت لنا بأحوال سوء * هي أهل الفساد والأشرار
وخرجنا عن كلّ قيد بملك * ودخلنا في كلّ قيد يعار
لا تطالب بنا عقول البرايا * كلّ عقل في أمرنا محتار
كيف تدري العقول من ليس يبقى * في تجلّ وما له استقرار
وجميع الشؤون تظهر عنه * وعليه في العالمين المدار
أنت من بعض وصفنا فتأدّب * لا تغالط ونحن نور ونار
قد نظرنا لذاتنا بعيون ال * كلّ والكلّ بعضنا المستعار
فرأينا الوجوه مختلفات * وبدت من كمامها الأزهار
وعلينا تلوّنت حضرات * بالتجلّي جميعها أنوار
فلهذا ترى التّكلّم منّا * كيف شئنا وكيفما نختار
ولنا الألسن الكثيرة فينا * بلغات حارت بها الأفكار
...............................................................................................
“ 1 “ الخمار : ما تغطي به المرأة رأسها “ ج “ أخمرة وخمر .
“ 2 “ المداد : سائل ذو لون يكتب به .
“ 3 “ البانة : واحدة البان : ضرب من الشجر من فصيلة البانيات طويل الأفنان ليّنها تشبّه به قدود الحسان في الطويل واللين . ورقه كورق الصفصاف . الهزار : طائر حسن التغريد .


 14 
فكأنّ الذات الشريفة دوح * وكأني من فوقها أطيار  " 1" 
أتغنّى وتارة أتعنّى * ونظام طورا وطورا نثار  "2" 
وغرام طورا بأحور أحوى * حسدت حسن وجه الأقمار
وبهيفاء تارة ذات دلّ * شعرها اللّيل والجبين نهار  "3" 
وبروض وجدول الماء طورا * وبكأس من المدام يدار  "4" 
وبزهد وعفّة وخشوع * وعلوم بها العقول تحار
وأنا العارف المحقّق طورا * أبذل النصح عندي استبصار
وعلى الضدّ تارة ولذاتي * كل حين بوصفها أطوار
ولنا ههنا مظاهر شتى * حصرتنا وما لهنّ انحصار
وهي ذاتي أحب أني أراها * تتجلّى فترفع الأستار
والمعاني جميعها لمحات * لبطون المنى بها أظهار
وجميع الكلام في السّمع مني * والتسابيح ذاك والأذكار
وسلامي إليّ مني تجلي * ه عليّ البكور والأسحار
فديواني هذا جامع لمعاني جميع الدواوين ، ومنصوب في حضرة القدس لملوك المعارف الإلهية نصب الصواوين ، وقد أشرت في جميع أقسامه بكل لفظة من ألفاظ نثاره ونظامه إلى حضرة من الحضرات القدسية ، ونفحة من تلك النفحات الأزلية الأبدية . 
فيا أيها الناظر فيه بنظره ، من بصيرة قلبه وبصره ، لا تظنّ بأنّ هذا الكلام من جنس ما تعرفه من كلمات الأنام ، وإن تشارك معها في المعاني وفي المباني ، فإنّ سماع السبع المثاني « 5 » ليس كاستماع المثالث والمثاني ، وذلك على حسب ما عندي . 
وإنما الأعمال بالنيّات ، واللّه يعلم ما يعيد العبد وما يبدي ، لأنه العالم بالخفيّات ، ولا يعرف هذا المشرب الروحاني ، والمأكل الرباني ، إلا من خرج من البيت الإنساني ، ودخل في العرش الرحماني ، وضرب الواحد في الواحد من الثالث والثاني . 
ولا يدرك هذا الأمر إلا ابن ليلته ويومه ، قال اللّه تعالى : وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [ إبراهيم : 4 ] ،
...............................................................................................
“ 1 “ الدّوح : الشجر العظيم الممتد الفروع “ ج “ أدواح .
“ 2 “ تعنّى تعنيا : تعب تعبا شديدا . وتعنى الأمر : تكلّفه على مشقّة .
“ 3 “ هيف الغلام : دقّ خصره وضمر بطنه فهو أهيف وهي هيفاء . الدّل : مصدر دلّ ، وحسن الحديث ، وحسن المزاج ، وحسن الهيئة والشمائل . يقال : امرأة ذات دل أي ذات دلال .
“ 4 “ المدام : الخمر .
“ 5 “ المثاني من القرآن : الآيات تتلى وتكرر : فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم كله . 


 15 
فاللسان للقوم ، والكلام لابن الليلة واليوم ، والوارد في حق رسول الشرائع ، ومثل ذلك رسول الوسائل والذرائع ، وقد قلنا من النظام في الإشارة إلى هذا المقام :
يا من أرومهم بكلّ مرام * وأراهم في يقظتي ومنامي
وأنا بهم في جنة متنعّم * منهم بأنواع من الإنعام
كيف التفتّ رأيت طلعة وجههم * تزهو خلال ستائر الأوهام
ولقد حظيت بهم على فرش التّقى * وأنا وإياهم لفيف قوام
ولقد تعانقنا فصرنا واحدا * وطفت مياه الوصل نار أوامي « 1 »
وعليّ قد جادوا بما فوق المنى * والغير ينتظر انكشاف لثام
أو ما ترى ذكري لهم متنوّعا * وبهم عليهم صار شكري نامي
ومدحتهم بجميع ألسنة الورى * في كلّ مرتبة وكل مقام « 2 »
ونظمت ديوان التغزّل كلّه * فيهم بلفظ معجب ونظام
وأتيت فيه بكلّ معنى رائق * في كلّ جارية وكلّ غلام
ومورّد الخدّين فاق بجيده * وبطرفه الساجي على الآرام
يثني معاطفه الدّلال كأنه * غصن وفي أعلاه بدر تمام
وذكرت كل لطيفة في روضه * وهزار دوح مطرب الترنام
وجداول الأنهار والنسمات في * حركاتها والزّهر في الأكمام
الغصن يرقص والنواعير التي * بالجنك قارنها غناء حمام
ومجالس الندمان قمت بوصفها * والدّنّ والساقي وكأس مدام « 3 »
وكشفت بالآلات عن ألحانها * وشرحت فرط صبابة وغرام
وجميع ذلك مقصدي أنتم به * وأجل ما مولى وكل مرامي
لا غيركم أربي وإن حوّلته * عنكم بلفظي في الورى وكلامي
أنتم هو المعنى المراد بكلّ ما * قد قلت عنكم والجميع أسامي
وكذاك ديوان المديح جميعه * فيكم نشرت به صفات كرام
ورسائل الإخوان فيما بيننا * مشمولة بتحية وسلام
وصفات أهل العلم فيه شرحتها * ومدحت كلّ محقق علام
...............................................................................................
“ 1 “ الأوام : حرارة العطش وشدته .
“ 2 “ الورى : الخلق .
“ 3 “ الدّنّ : الجرّة الضخمة للخمر والزيت والخلّ وغيرها “ ج “ دنان . 


 16 
وجمعت أوصاف القضاة وفضلهم * في مقتضى نظري بغير تعامي
والقصد أنتم بالجميع وذكرهم * هو ذكركم عندي على الإيهام
وكذاك ديواني بمدح المصطفى * والآل والأصحاب ذي الإكرام
قصدي به أنتم وفي لغتي لكم * عندي الكلام بسائر الأقسام
فأسير سير الغافلين بقولهم * أبدا وأقصد مقصد الأقوام
وأنا الذي في ظاهري متمسك * بشريعتي في سائر الأحكام
وأنا الذي في باطني متحقق * بحقائق التوحيد والإلهام
أنا مجمع البحرين موسى ظاهر * والباطن الخضر الأجلّ السامي
هيهات أن تنجو فراعين العدا * مني وبحري بالمعارف طامي « 1 »
وعليّ من عين السّرادق أعين * للحقّ تحفظني مدى الأيام « 2 »
وأنا لأطيار الحقيقة مخرس * وأنا الإمام بها لكلّ إمام
وأنا البلاد وأهلها أنا لا سوى * والشّام من دون البريّة شامي
والعارفون رعيتي في قبضتي * والغوث والأقطاب من خدّامي
فافتح عيونك في وجوه قلوبنا * وانظر إلى الأحوال يا متعامي
وأصدق وصادقنا ولا تنظر إلى * ما يقتضي منها فهوم عوام
نحن الشّموس وما خفافيش الورى * تسطيع تبصر غير محض ظلام « 3 »
فهذه أبواب أربعة لبيت المنّة ، جارية بعلوم التوحيد والظهور الرباني في مراتب التعديد كالأنهار الأربعة في الجنة .
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:05 pm

ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

فالباب الأوّل : هو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق في صريح المواجيد الإلهية ، والتجليات الربانية والفتوحات الأقدسية ، وهو الأنهار من خمر لذّة للشاربين ، وطعمة للسالكين المجذوبين الجاذبين .
والباب الثاني : هو نفحة القبول في مدحة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وشرّف وعظم ، وهو المدح المرتّب على حروف المعجم المرفوع القوافي المرفوع الجاه والقدر في العرب والعجم ،

...............................................................................................
“ 1 “ طم الشيء : كثر حتى عظم أو عمّ .
“ 2 “ السّرادق : ما يمدّ فوق صحن الدار وهو ستر الدار أو الخيمة الواسعة .
“ 3 “ الخفافيش : “ ج “ الخفاش : جنس حيوان من فصيلة الخفاشيات ، من رتبة مجمعات الأيدي وهو ثديي ، له جسم صغير ، وجناحان واسعان ، سريع الطيران ، يستطيع تجنّب الحواجز ، وهو لا يطير إلا في الليل . 

 17
وهو الأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه للذائقين ، وقد عذب شربه للمشتاقين ، ورضعته أطفال القدرة من ثدي اليقين فعظم قسمه وشرف اسمه ورسمه .
والباب الثالث : هو الديوان المسمّى برياض المدائح وحياض المنائح ونفحات المراسلات ونسمات المساجلات ، وهو الأنهار من ماء غير آسن « 1 » الجامع لأنواع اللطائف والمحاسن .

والباب الرابع : هو ديوان الغزل المترجم بلسان المعاني الأدبية عن حضرة الأزل المسمّى بخمرة بابل وغناء البلابل « 2 » ، وهو الأنهار من عسل مصفّى ، وهو الذي يحيل نار الصبابة نورا من مقام إبراهيم الذي وفي .

فدونك هذه الأربعة دواوين التي هي لمعرفة الرواجح من العقول والنواقص منها بمنزلة الموازين ، وقد اجتمعت في ديوان واحد ، نزهة للراغب والقاصد ، وهي حضرات التجلّي ونفحات التخلّي والتحلّي ، وهي ملابس الذات الصمدية في أنواع الأوصاف القيومية ، وهي اختلافات أوفاق التوحيد وائتلافات أرفاق التجريد والتفريد ، وهي المجموع الجامع لما تطرب به القلوب والمسامع ، ألحان الحان ، وكؤوس رحيق الإسلام والإيمان والإحسان الدائرة من النظم البديع الرقيق في أيدي الحسان على ندمان المعارف وإخوان الحقائق والعوارف ، 
وقد سمّيته ديوان الدواوين وريحان الرياحين في تجليات الحق المبين على جميع أنواع الصيغ والتلاوين ، وأسأل من اللّه تعالى أن يحرس بضاعته النافقة من العصابة المنافقة ، ويحمي بيوته العامرة من نزول عوارض العقول القاصرة ، ويرفع ذيول ملابسه الفاخرة لأعين الناظرين عن تدنيس أفهام الجاهلين والغافلين ، ويطهّر بيته المعمور للطائفين والراكعين والساجدين ، ويفتح أبواب جنته للسالكين ، فإنه تعالى نعم المرجوّ ونعم المعين ، 
وصلّى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم صلاة وتسليما ، يخصّان تخصيصا ويعمّان تعميما ، والحمد للّه أوّلا وآخرا ، وباطنا وظاهرا . 
وقد جعلت في أوّل كل باب من هذه الأربعة أبواب ، ترجمة تليق به على حسب لسان ذلك الجناب ، وأنشأت له ديباجة « 3 » مستقلة بحيث يكون كل باب منها قائما بنفسه من غير سبب ولا علّة ، وسمّيته باسم خاص ، وتوسّلت إلى اللّه تعالى أن يفتح خزائن إشاراته للعامّ من المؤمنين به والخاص .
...............................................................................................
“ 1 “ أسن الماء : تغيّر فلم يشرب فهو آسن .
“ 2 “ البلابل : “ ج “ البلبل : طائر صغير حسن الصوت يضرب به المثل في طلاقة اللسان وحسن الصوت .
“ 3 “ الديباجة للكتاب : فاتحته .

18 


فالباب الأول :يدخل منه العارف إلى جنة المعارف .
والباب الثاني :يدخل منه السالك بالعبادة في طريق الإخلاص والسيادة والسعادة .
والباب الثالث :يدخل منه المتشبّه بالعابد وهو غير سالك ، الواقف عن المشي في هذه المسالك .
والباب الرابع :يدخل منه صاحب الهوى النفساني والعشق المتعلق بالعالم الفاني ، فإنه يكون شبكة لغرضه ، وسببا إن شاء اللّه تعالى لشفاء مرضه ، فإن الأمور إذا بلغت إلى حدّها انعكست إلى ضدّها .
وبالجملة فكل باب يمدّ أهله بما هم فيه ، وينطق على ألسنتهم المعربة عن أحوالهم بكلمات فيه ، وما ذلك إلا لأني في مقام عن كلهم منيع ، وهو متّصف بأوصاف الجميع ، فأمدّ كلّ تجلّ بما فيه مني بحيث إن أهله يفرحون بغيث سحابه المريع .
وقد كنت عند فتح هذه الأبواب ظاهرا بحال كل فريق ولابسا ما يلبسونه من الأبواب ، ولا يعرفني في مقامي إلا من دخل بيتي هذا من أقوامي ، فإنه البيت الذاتي ، ومحل آلامي ولذاتي ، وقد فتحت أبوابه الأربعة ، وأجريت أنهاره المنبعة ، فيطلب كل فريق مأربهم و قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ [ البقرة : 60 ] ، 

ولا يقدر أحد أن يدخل إلى هذا البيت ، ويطوف بهذه الكعبة ذات الأركان الأربع التي لها بنيت ، إلا كلّ من فتح له أحد هذه الأبواب ، وكان من أهل الإيمان به وقد تطهّر بماء الآداب ، وإلا فإنه كالقابض على الماء يظن كفّه غارفا ، ويحسب قلبه عارفا وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً [ محمد : 16 ] . 
وإني لأدعو اللّه تعالى سرّا وجهارا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً « 1 » [ نوح : 28 ] . 
وهذا أوان الشروع في بيان المقصود ، بمعونة الملك الحق المعبود .
الباب الأول من الديوان الكبير ، والبدر المشرق المنير ، المسمّى بديوان الدواوين ، وريحان الرياحين في تجليات الحق المبين على جميع أنواع الصيغ والتلاوين .
بسم اللّه الرّحمن الرحيم 
الحمد للّه مخترع الوجود من غير مثال سابق ، ومفيض النعماء والجود على عبده الطائع والآبق « 2 » ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد المختار ، وعلى آله الأطهار ، وصحابته الأخيار ، ما تعاقب الليل والنهار .
...............................................................................................
“ 1 “ تبر تبارا : هلك .
“ 2 “ أبق العبد : هرب من مالكه فهو آبق وأبوق . 


 19 
أما بعد ، . . . فيقول العبد الفقير ، والعاجز الحقير ، عبد الغنيّ النابلسيّ بلدا الحنفيّ مذهبا القادريّ مشربا النقشبنديّ طريقة ، سلك اللّه تعالى به في حياته وبعد مماته مسلك الحقيقة :
هذه نسمات أنسية ، ونفحات قدسية أثمرت بها رياض القلوب ، ولمعت منها بوارق الحقائق من مطالع الغيوب ، جمعتها لمن كان من أهل هذا البيت ، 
وقد وضع اللّه تعالى في سراج بصيرته من الهداية زيت ، والحسد في النفوس داء ، والجاهلون لأهل العلم أعداء ، وباللّه المستعان ، وعليه التّكلان ، 
وهو حسبي ونعم الوكيل ، 
واللّه يقول الحق وهو يهدي السبيل .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:06 pm

قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الهمزة
قال رضي اللّه عنه :
لي في الإله عقيدة غرّاء * هي والذي هو في الوجود سواء
نور على نور فهذا عندنا * أرض وعند اللّه ذاك سماء
يا قلب قلبي أنت جسم الجسم لي * ومن الصفات تأتّت الأسماء
قد جاء نوري منك عنك مبلغا * بك لي فكان بأمرك الإصغاء
وتتابعت بشرى الهواتف بالذي * يعنو له الإلهام والإيحاء
بي نشأتان طفقت أسرح فيهما * لي هذه صبح وتلك مساء « 1 »
أبدا أنا نور أضيء وظلمة * وأنا تراب في الوجود وماء
وسمائي انشقت وشمسي كوّرت * ونجومي انكدرت فزال ضياء « 2 »
وقيامتي قامت وإني هكذا * طبق الذي وردت به الأنباء
لي ساعد فيما أروم مساعد * ويد أصابع كفّها الجوزاء « 3 »
وفم يحدّث بالمثاني الغض لا * زالت تجول بغيثه الأنواء
يا نحل قد أوحى إليك إلهنا * ومن الجبال بيوتك الأفياء
فكلي من الثمرات طرّا واسكلي * سبل السّعادة لا اعتراك شقاء
ومن البطون إلى الظهور شرابها * للناس فيه لذة وشفاء
هذا الذي فيه منادمة المنى * ووجود من قامت به الأشياء
................................................................................................
““1  طفق يفعل كذا : جعل وأخذ أو استمر يفعله “ وهو مختص بالإثبات ولا يكون منفيّا “ .
“ “2  كوّرت الشمس : جمع ضوؤها وصار كالكرة ، أو اضمحلت وذهب ضوؤها . انكدرت النجوم :
تناثرت أو انحدرت وتساقطت أو أظلمت وذهب نورها .
“ 3 “ الجوزاء : أحد بروج السماء . ونطاق الجوزاء : ثلاثة نحوم نيّرة مصطفّة في وسط الجوزاء . 

 22 
ومتى تأمّلت التأمّل منصفا * عادت إلى ألف الحروف الياء
والحقّ ليس لنا إليه إشارة * نحن الإشارة منه والإيماء


وقال رضي اللّه عنه :
بلاء الأنبياء هو البلاء * وقد عانت عناه الأولياء « 1 »
وذلك كان في الدنيا وفيما * به للناس ذمّ أو ثناء
ومن يكثر عليه الصّبر يعظم * به عند الإله له الجزاء
وأما الدين فاحذر من بلاء * يصبك فيه ذاك هو الشّقاء
ومنه الأنبيا عصموا وعنه * شعار الصالحين الأتقياء
ومن يصبر عليه أصرّ عمدا * على العصيان وازداد العناء
نصحتك لا تخف في قطع رزق * أذى الدنيا فللّه العطاء
وكن بالانفراد سليم صدر * لأنّ مصاحبات الناس داء
فإنك إن نطقت بما تراه * عليهم حثّهم فيك افتراء
وصرت عدوّهم في كلّ حال * وليس لهم بما قلت ارعواء « 2 »
وإن تسكت وتكرهه بقلب * فقلبك ما له فيهم خفاء
وأدنى ما يكون يقال : هذا * ثقيل كلّ حالته رياء
وهم لا يقبلونك فاجتنبهم * وأنت بما علمت لك اهتداء
لأنك باللقاء تكون مغرى * بسبل إنه بئس اللقاء
وإن خالطتهم وسلكت معهم * يكون لهم بفعلك ذا إرضاء
وتمسي بينهم مرفوع شان * وتصبح كلّ ما تلقى هناء
ولكن تبتلى في الدين منهم * بما هم فيه إذ بالسوء جاؤوا
أكابرهم على الإعراض قاموا * ولو بالكفر ما لهم انثناء
وقد حملوا أصاغرهم عليه * مداهنة وليس لهم حياء « 3 »
تنبّه يا مريد الحقّ وافتح * عيونك ما بنو الدنيا سواء
...............................................................................................
“ “1  في هذه الأبيات يشير إلى مقام الصبر . فالصبر : هو حبس النفس على شيء مزعج تتحمله ، أو شيء لذيذ تفارقه ، وهو ممدوح ومطلوب. “ للتوسّع انظر الرسالة القشيرية ص 183 - 189 “ .
“ “2  ارعوى عن القبيح والجهل ارعواء : كفّ عنه ورجع .
“ 3 “ المداهنة : المصانعة . 

 23 
وصابر عن لقاء الناس واصبر * على الإيذاء وليسع الإناء
فإنّ الصّبر في الدنيا قليل * وعقباه انكشاف وانجلاء
فأما الصّبر منك على عقاب ال * قيامة فهو ليس له انقضاء
ولا تترجّ غير اللّه مولى * فغير اللّه ما فيه الرّجاء


وقال رضي اللّه عنه " 1 " :
صريح كلامي في الوجود وإيمائي * سواء وإعلاني هواه وإخفائي
هو البحر عنه لا يزول كلامنا * فعن موجه طورا وطورا عن الماء
وكلّ كلام قد أتى متكلّم * به فهو منه عنه في رمز أسماء
صحت أمّة من بعد ما سكرت به * فكان بها نورا أضاء بظلماء
وقامت له في حضرة أقدسية * هي الشّمس عنها الكلّ أمثال أفياء
عليك نديمي بارتشاف كؤوسها * ففي كأسها منها بقية صهباء « 2 »
وما الكأس إلا أنت والروح خمرها * تحقّق تجد في السّكر أنواع سرّاء
وفي عالم الكرم الذي قد تعرّشت * عناقيده قف واغتنم فضل نعماء
وخذ منه عنقودا هو الجسم ثم دع * كثائفه واحفظ لطائف لألاء
ولا تكسر الراووق إنّ الصّفا به * وحلّل وركّب في أصول وأبناء « 3 »
إلى أن ترى وجه الزجاجة مشرقا * وذات الحميّا في غلائل بيضاء
فإن هناك الدّنّ دندن فانيا * وجاء الدواء الصّرف يذهب بالدّاء
وأقبلت الحسناء بالرّاح تنجلي * على يدها يا طيب راح وحسناء
سجدنا إليها أي فنينا بحبّها * وذلك لما أن أشارت بإيماء
وحاصله أنّ الجميع ستائر * على وجهها الباقي فعجّل بإفناء


وقال رضي اللّه عنه :
من الجسوم إلى الأرواح إسراء * فيه لمثلي إشارات وإيماء
فاسجد له سجدة في مسجد حرمت * جهاته منه للأملاك لألاء
واسجد له سجدة أخرى بمسجده ال * أقصى يزل عنك بالتقريب إقصاء
...............................................................................................
“ “1  في هذه الأبيات يشير إلى الصحو والسكر. “ انظرهما في الرسالة القشيرية ص 71 - 73 “ .
“ “2  الصهباء : من أسماء الخمر أو هي المعصورة من عنب أبيض .
“ 3 “ الرّاووق : المصفاة “ ج “ رواويق . 

 24 
وقال رضي اللّه عنه :
وجه تعدّد في المرائي * وبه تحيّر كلّ رائي
والكائنات بأمره * موج على صفحات ماء
والأمر أمر واحد * فيه التقارب والتنائي
إنّ العوالم كلّها * بظهورها والاختفاء
في سرعة وتقلّب * مثل الكتابة في الهواء
قد خطّها القلم الذي * هو باب ديوان العطاء
بمداد أنوار الوجو * د الحق من يد ذي العلاء
قلم له عدد الورى * أسنان رقم وانتشاء
صبغ الإرادة طبق ما * في الأرض يظهر والسماء
يا باطنا هو ظاهر * في كلّ ختم وابتداء
إني وإنك واحد * واثنان عند الإنثناء
من لي بمجهول العدا * عرفته كلّ الأولياء
إن غاب عن أغيارنا * هو عندنا ملء الإناء
يشقي ويسعد من يشا * بالداء جاء وبالدواء
هو بالتكبّر في الشعا * ر وبالتعاظم في الرداء
وهو الجليس بذكره * للعارفين وبالثناء
غنّى بمن غنّى وقد * طبنا به لا بالغناء
وبدا بكلّ مهفهف * زاكي الملاحة والبهاء
وبه القلوب تهيمت * لا بالموشح في القباء
قمر محا ظلماتنا * بطلوعه وقت اللقاء
حتى رأيناه به * في كلّ أنواع الضياء
شمس وكلّ الخلق في * أنوارها مثل الهباء
طلعت فأعدمت السّوى * والكون آل إلى الفناء
حتى تجلّى في غما * ثم باطل غيب العماء
فاختصّ قوما بالضلا * ل وعمّنا بالاهتداء
والكشف جاء بعسكر * والكون خفّاق اللواء
والطّبل أجسام الملا * والزمر أرواح الفضاء 

 25 
وبموكب الأملاك حف * ف الغيب سلطان الوفاء
هذا فكيف عقولنا * لا تضمحلّ من الهناء


وقال رضي اللّه عنه :
ظهر الوجود بسائر الأشياء * متجليا جهرا بغير خفاء
والكلّ فيه هالك قد قال إلا * وجهه الباقي عظيم بقاء
واعلم بأنك لا ترى منه سوى * ما أنت رائيه من الأشياء
إذ أنت شيء هالك في نوره * والنّور يحرق حلّة الظلماء
إنّ الوجود عن البصائر غائب * من حيث ما هو ظاهر للرائي
لا تدرك الأبصار منه سوى السّوى * وهي الحوادث جملة الأفياء
والفيء يكشف أنّ ثمة شاخصا * متحكّما فيه بغير مراء
فاحذر تظنّ بأنّ ما أدركته * ذاك الوجود وكن من العلماء
فجميع ما أدركته الموجود لا * هو ذا الوجود الحقّ ذو الآلاء
إنّ الوجود الحقّ عنك ممنع * في عزّة وترفّع وعلاء
وجميع ما أدركته هو حادث * فان وأنت كذاك رهن فناء
لكنه بك قد تجلّى ظاهرا * وبسائر الأشياء باستقصاء
فرأيته من حيث لم تعلم به * وعلمته في رتبة الأسماء
فعلمت رتبته وأنت لذاته * راء وتنكر أنت أنك رائي
إذ لم تكن تعلم به من حيث ما * هو في تدان للورى وتناء
ولقد أتى هو ظاهر هو باطن * فافطن له في محكم الأنباء


وقال رضي اللّه عنه موشح " 1 " :
“ دور “
ألا يا من بدا فينا * بأوصاف وأسماء
فألهانا به عنّا * دواء كان للدّاء
...............................................................................................
“ 1 “ الموشح : نوع من الشعر استحدثه الأندلسيون ، وهو نظم غنائي يعتمد على تغيّر الوزن وتعدّد القافية . 

 26 

“ دور “
حبيبي كلّنا فانون * وأنت الواحد الباقي
حبيبي إننا ذبنا * كلمح ذاب في الماء
“ دور “
رأينا النّور في الظلما * فكان النور هادينا
وأخفانا وأبدانا * بتصريح وإيماء
“دور “
جميع الكون في عيني * تقادير الوجود الحقّ
ومن طاقاته يبدو * وجود الحقّ للرائي
“ دور “
وصلّ اللّه يا ربي * على خير الورى الهادي
ومن عبد الغني يوقى * به في الاسم والباء


وقال رضي اللّه عنه :
كواكب جرت من السّماء * فأمسكتها شبكات الماء
وعاقها طبع التّراب والهوا * والنار عن مسارح الفضاء
ولو يشاء ربّها أطلقها * عن قيدها الوهميّ بالأشياء
وهي وجوه الغافلين حوّلت * عن نور وجه الحقّ للظلماء
محجوبة بعقلها وحسّها * عنه وعن ظهوره للرائي
حكم عليها أزليّ لم يزل * بمقتضى التّقدير والقضاء
ألا هلمّوا نحونا لتعلموا * علم اليقين صورة المرائي « 1 »
وتكشفوا بالعقل عن أمثال ما * عليه نفس الأمر في الأنباء
ويعرض الحقّ على نفوسكم * ليذهب التكدير بالصفاء
فإن تكونوا مستعدّين له * وفيكم القبول للوفاء
...............................................................................................
“ 1 “ هلمّ : كلمة دعاء إلى الشيء نحو “ هلم إلى العمل “ ؛ أي : أقبل على العمل . وقد تستعمل متعدية نحو “ هلمّ الطعام “ ؛ أي : أحضره وهاته ، وهي اسم فعل أمر يستوي فيها المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث “ هلمّ يا قوم ، هلمّ يا نسوة ، هلمّ يا رجلان . . . “ . . . وقد تلحق بها الضمائر في لغة نجد “ هلمّ يا رجل ، هلمّوا يا رجال ، وهلمّي يا فتاة . . . “ . 

 27 
تذعن للحقّ بغير ريبة * قلوبكم لطلب اهتداء
فتؤمنون بالكتاب كلّه * حقّا بلا شكّ ولا مراء
وتعلمون منزل الأفعال عن * تحقّق بالدّاء والدواء
وههنا الشّيوخ تنتهي بكم * في أمر إرشاد وفي استيلاء
فلو تقدّموا هنا لاحترقوا * واستوت الشّمس على الأفياء
وبعد هذا إن أراد ربّنا * أوقفكم هنا عن ارتقاء
في منزل العلم به ومن لهم * فيه الرّسوخ صفوة اجتباء
وإن أراد زادكم بفضله * عين اليقين منزل الأسماء
وفصل الأمر الإلهي عندكم * ذوقا بلا رمز ولا إيماء
فتدركون أنّكم موتى وما * ثم سوى الحقّ من الأحياء
وهو الذي في الغيب والأسماء قد * قمتم بها في حضرة الإحصاء
وقد دخلتم جنّة عالية * قطوفها دانية اجتناء
ثم إذا أراد زادكم به * حق اليقين حضرة انتهاء
وهو فناؤكم به ذوقا فلا * موجود غيره من ابتداء
وههنا تمّ الكلام والذي * من بعد لا يدخل في الإناء
إذا الحقيقة تبدّت تنجلي * للكلّ بالكلّ بلا خفاء
وكلّ شيء هالك فيها إذا * بدت وكلّ الشيء في الفناء
لنا الثّبوت لا الوجود عندها * والعدم الصرف بلا انتفاء
عزّت وجلّت عن جميع ما بدا * بها لها في الأرض والسماء
نور بها تبيّن في ثبوتها * لا أنها توجد باستقصاء
وهي الوجود وحدها الصّرف الذي * يجلّ عن مدح وعن ثناء
وعن كمال نحن ندريه وعن * كلّ معاني القرب والتنائي


وقال رضي اللّه عنه :
إنّ الزجاجة عبرة للرائي * فانظر بها بالباء بعد الراء
وتأمّل الأكوان حيث تنوّعت * لك تنجلي في بهجة وبهاء
في حمرة في صفرة في خضرة * بخلاف ما هي سائر الأشياء
وكذلك الدّنيا وما فيها فلا * يغترّ راء بالذي هو رائي
سرّ التلوّن في الزجاجة فاعتبر * هذا بنفس داخل الأحشاء 

 28
إنّ النفوس هي الزجاجات التي * طبعت على سعد لها وشقاء
وبها يرى الرائي فيكشف مقتضى * ما عندها بتأمل وتراء
والحكم منه على الذي هو ظاهر * حكم علي بلبسة وخفاء
فإذا تحقّق كان أنصف حاكم * فيما رأى واختصّ بالنعماء
والقلب أذعن منه في إيمائه * بالغيب عن قطع بغير مراء


وقال رضي اللّه عنه :
قد أحاط الوجود بالأشياء * وتبدّى بها بغير خفاء
فهو فيها وما لها من وجود * غيره فالحلول محض افتراء
وهي فيه أيضا إحاطة علم * سابق في تقديره والقضاء
فافهموا يا عقول قول إمام * حقّق الأمر رغبة الاقتداء
واعرفوا قول في إذا هي قيلت * ههنا في الإله ربّ السّماء
كيف محض الوجود بالعدم الصّر * ف يكون امتزاجه في الثراء
إنما ذاك جاء في الذّكر يتلى * وهو حقّ في مذهب الأولياء


وقال رضي اللّه عنه :
إنّ الوجود له ذات وأسماء * في الغيب عنّا وعنه نحن أفياء
وهو الذي هو عين الظاهرين به * من الحوادث مما هنّ أفياء
مصوّر هو للأشياء من عدم * له ظهور بها فيها وإخفاء
وإنما الحكم للأسماء تظهر ما * قد اقتضته فأنواع وأنواء
فحقّقوا القول مني وافهموه ولا * تؤوّلوه ففي تأويله الدّاء
ولا تظنّوا حلولا في مقالتنا * ولا اتحادا فما الأشياء أكفاء
هيهات ليس الوجود الحقّ يشبهها * فإنه باطل يمحوه إقناء
لولا مشيئته قامت تخصصها * بالعلم ما كان إظهار وإبداء
اللّه نور السّماوات استمعه وعي * والأرض والنّور يمحى فيه ظلماء
والنور ذلك معناه الوجود كما * إلى الحوادث بالظلماء إيماء
وعادة النّور في الظلماء يذهبها * هذا القياس الذي ما فيه إبطاء
لكن هنا في كلام اللّه جاء به * على الإضافة للأشياء إيحاء
حتى الإضافة فيه للسّوى فتنت * حكم من اللّه عدل والسّوى ساؤوا 

 29 
كما يضل كثيرا قال خالقنا * به ويهدي كثيرا يا أخلّاء
فافهم رموز كلام اللّه مهتديا * به وخلّ تآويلا بها جاؤوا
وجرّد النّور هذا عن إضافته * وانظر فهل لجميع الكون إبقاء
تدري الفنا والبقا في عرف سادتنا * أهل المعارف يا لام ويا باء " 1 "
وتعرف اللّه جلّ اللّه عنك وعن * سواك إذ لا سوى والنّفس عمياء


وقال رضي اللّه عنه " 2 " :
كن غنيّا في صورة الفقراء * لا فقيرا في صورة الأغنياء
ومرادي بالفقر ما كان فقرا * دنيويّا للأخذ والإعطاء
لا مرادي بالفقر للّه ربي * ذاك فقر ما إن له من عناء
ذاك عزّ بدون ذلّ وعلم * فاصطبر إنه لخير بلاء
وتمسّك بربك الحقّ واقنع * بالتجلّي في سائر الأشياء
وانفض القلب من غبار الترجّي * والتمنّي لجاههم والعلاء
إنما جاههم توهم عزّ * في هوان وشهرة في خفاء
وعلاهم محض استفال وخفض * واحتقار عند البصير الرائي
وتحقّق بما ترى يا أنا من * كلّ شيء تحقّق العلماء
إن هذا مع الذي أنت فيه * هو سرّ الجميع عند الترائي
لا سواه وما السّوى فيه إلا * عن عمود تنوّع الأفياء
منعتني حقيقتي عن سواها * منع صاد رأى سرابا كماء « 3 »
فتوقفت لا اكتراثا وعجزا * إنما النور طارد الظلماء


وقال رضي اللّه عنه :
قد قال من قال من جهل وإغواء * عن حكم تكليف ربي عبده الثائي
ما حيلة العبد والأقدار جارية * عليه في كلّ حال أيها الرائي
...............................................................................................
“ “1  في هذا البيت يشير إلى مصطلح الفناء والبقاء . للتوسّع انظر الرسالة القشيرية وحديث القشيري عنهما ص 67 - 69 .
“ “2  في هذه الأبيات إشارة إلى مقام الفقر . للتوسّع انظر حديث القشيري عنه برسالته ص 271 - 279 .
“ 3 “ السّراب : ما يرى في نصف النهار من اشتداد الحرّ كالماء يلصق بالأرض ، ويضرب به المثل في الكذب والخداع . صدي : اشتد عطشه ، فهو صاد .


 30
ألقاه في البحر مكتوفا وقال له * إياك إياك أن تبتلّ بالماء
حتى عليه فتى من أهل ملّتنا * قد قال في ردّه نظما بإنشاء
إن حفّه اللّطف لم يمسسه من بلل * وما عليه بتكثيف وإلقاء
وإن يكن قدّر المولى له غرقا * فهو الغريق وإن ألقي بصحراء
يعني إذا كان في علم الإله له * سعادة علمت من غير إشقاء
فهو السعيد وإن كانت شقاوته * في العلم فهو شقيّ هكذا جائي
والعلم يتبع للمعلوم من أزل * مقالة الحقّ للقوم الأخصاء
كذا الإرادة والتقدير يتبع ما * في العلم من غير تأخير وإبطاء
فاللّه قدّر ما في العلم كاشفه * بما بإيجاده سمى بأشياء
وإنما هي آثار ملازمة * أيدي صفات من المولى وأسماء
إذ لا مضلّ بلا إضلاله أحد * ولا يسمّى بهاد دون إهداء
ولا معزّ بلا شخص يعززه * ولا مذلّ بلا قوم أذلاء
وهكذا سائر الأسماء منه لها * قوابل كظلالات وأفياء
قديمة وهي معلوماته أزلا * معدومة العين في محق وإفناء « 1 »
واللّه سمّي علّام الغيوب بها * ترتبت هكذا ترتيب إنهاء
وهي التي كشف العلم القديم بها * من قبل إيجادها فافطن لأنبائي
حتى أراد لها قدما فقدّرها * طبق الذي هي فيه ضمن أجزاء
فلم يقدّر سوى ما العلم حققه * ولا أراد سواه دون أخطاء
وقل على كلّ شيء حكم قدرته * لكن بمعلومه خصّت بإبداء
ولم يكن عبثا تكليفه أبدا * والكتب حقّ مع الرّسل الأدلاء
والأمر والنهي من ربّ العباد على * عباده لا لسرّاء وضرّاء « 2 »
ولا لأجل امتثال الأمر أو غرض * له تعالى ولا منع وإعطاء
وإنما هو تمييز الخبيث هنا * من طيب ومراض من أصحاء
وفي القيامة عدل اللّه يظهره * والفضل أيضا لأقوام أعزاء
فليس في شرعنا جبر ولا قدر * وإنه فعل مختار بإمضاء
...............................................................................................
“ “1  المحق : الإبادة وذهاب الشيء كله حتى لا يرى منه أثر .
“ 2 “ السّرّاء : الخير والنعمة يسرّ بها “ ضدّ الضراء “ . الضراء : الشدّة والفقر والعذاب . 

 31
وقول من قال والأقدار جارية * ما حيلة العبد تغليط بشنعاء
ما حيلة العبد في فعل يكون له * بالقصد منه بلا جبر وإلجاء
أحاط علما به ربي فقدّره * قدما عليه بعدل بعد إحصاء
من غير ظلم وحاشا اللّه يظلم من * عليه يحكم عن علم بإجلاء « 1 »
ألقاه في البحر مكتوفا مغالطة * وكيف يكتفه مع قصد إجراء
والكلّ ما هو بالمجعول في عدم * بل إنه مقتضى الأسماء الأجلاء
والجهل تعريفه الإنشاء من عدم * وليس يوصف معدوم بإنشاء
فافهم وحقّق لنفس الأمر معتبرا * حكم الإله بعلم لا بجهلاء
هذا الذي قد أخذنا عن مشايخنا * أولي الهداية والتقوى الألباء
عناية اللّه أعلى اللّه طائفة * بها على غيرهم من مفتر سائي
عبد الغنيّ له الرّحمن وفّقه * فبثّها للتلاميذ الأخلاء
لعلّ تأتيه منهم دعوة فيرى * قربا بها من عظيم الفضل معطاء


وقال رضي اللّه عنه :
حضرة الغيب سترها الأشياء * فهي عنه كأنّها الأفياء
تختفي تارة وتظهر طورا * للذي قرّبته كيف تشاء
والذي أبعدته يجهل هذا * كلّ أنوارها له ظلماء
قدّرت ما تشاء من كلّ حكم * أزلا إذ به لها إيماء
ثمّ لمّا توجهت لترى ما * قدّرته ووجهها تلقاء
صبغ الرّسم بالوجود فقالوا * وأطالوا وعمّ ذاك العماء
لا تقل هذه التباسة عقل * ليس للعقل في اليقين بقاء
حرف همز وشكل رمز تبدّى * حرّكت أرضه عليه السماء
إنه إنه عظيم عظيم * هو هذا إذا استحال الإناء
وهو في العين ساكن فتراه * غينها شين فيه وهو افتراء
ومضت لقمة لآدم كانت * مضغتها بجوفها حوّاء
...............................................................................................
“ 1 “ حاشا : كلمة معناها الاستثناء ، تجرّ ما بعدها على أنها حرف جرّ شبيه بالزائد ، وتنصبه على أنها فعل . كقولنا : قصّر الطلاب حاشا خالد أو خالدا . ويقال : حاش للّه - بحذف الألف - أي تنزيها له ، و “ حاشا لك “ و “ حاشاك “ ؛ أي : تبرئة لك . 

 32
أحمد الاسم في السّماء بعيسى * وبقومي محمّد عنه جاؤوا
كلّ حمد فذاك منه إليه * راجع حيثما تنزل ماء
ليس للروح عندنا بعد هذا ال * أمر في الحسّ ما تراه النّساء
قوم عيسى ترهّبوا ليزيلوا * وصفهم بالذكور وهو الدواء
ولنا ملّة الذكور بذكر * منزّل فهي ملة سمحاء
إنها الهمزة الشّريفة قدرا * في انقلاب القلوب فهي التواء
وهي حرف لنا وما هي حرف * حيث إبدالها له إبداء
حركات من السّكون تبدّت * لفجور وللتقى إيحاء
عزّة في مذلّة وارتفاع * في انخفاض وما الجميع سواء
هذه هذه وهذا وهذا * والذي والتي وهم أولياء
قد تولّاهم المفيض عليهم * فهم الأشقياء والسّعداء
جلّ هذا المقام حضرة طه * سيّد الرّسل إنه لا يجاء
لكن الانحراف في كلّ حرف * يقتضي قدر ما يطيق الوعاء
فابدل الهمزة التي أنت تدري * ألفا ساكنا هم الألفاء


وقال رضي اللّه عنه :
تفاخر الماء والهواء * وقد بدا منهما ادّعاء
لسان حال وليس نطق * ولا حروف ولا هجاء
فابتدأ الماء بافتخار * وقال : إني بي ارتواء
وبي حياة لكلّ حيّ * أيضا وبي يحصل النماء
وكان عرش الإله قدما * عليّ يبدو له ارتقاء
وطهر ميت أنا وحيّ * لولاي لم يطهر الوعاء
ولا وضوء ولا اغتسال * إلّا وبي ما له خفاء
وبالهواء اشتعال نار * ضرت وللنار بي انطفاء
وأحمل الناس في بحار * كأنني الأرض والسّماء
وعند فقري ينوب عني * في الطّهر ترب به اعتناء
وأهلك اللّه قوم نوح * لمّا طغوا بي لهم شقاء 

 33
وليس لي صورة ولون * لوني كما لوّن الإناء
وقال عني الإله رجس ال * شّيطان بي ذاهب هباء « 1 »
والخلق يرجونني إذا ما * مسكت عنهم لهم دعاء
والأرض تهتزّ بي وتربو * فيخرج النّبت والدّواء
فقام يعلو الهواء جهرا * وقال : إني أنا الهواء
فإن أنفاس كلّ حيّ * تكون بي للحياة جاؤوا
وإنني حامل الأراضي * والماء فيها له استواء
وأهلك اللّه قوم عاد * بشدّتي ما لهم بقاء
أروّح القلب بانتشاق * فيحصل الطّيب والشفاء
وأدفع الخبث حيث هبّ ال * نّسيم يصفو بي الفضاء
وما لحيّ من البرايا * عني مدى عمره غناء
والنطق بي لم يكن بغيري * والصوت في الخلق والنداء
وليس كلّ الكلام إلا * حروفه بي لها انتشاء
وبي كلام الإله يتلى * فيهتدي من له اهتداء
وسنّة المصطفى روتها * رواتها بي أيان شاؤوا « 2 »
وكلّ معنى لكلّ لفظ * فإنه بي له اقتضاء
لولاي ما بان علم حقّ * وعلم خلق والأنبياء
ولا يكون استماع إذن * إلا وبي النّوح والغناء
وحاصل الأمر أنّ كلّا * من ذا وذا للرّدى اندراء
وما لذا فضل على ذا * ولا لذا بل هما سواء
وكلّ ماء له مزايا * يكون فيها لنا الهناء
ولا هوا إلا وفيه * نفع كما ربّنا يشاء
...............................................................................................
“ “1  رجس الشيطان : وسوسته “ ج “ أرجاس . الهباء : الغبار . يقال : ذهب عمله هباء ؛ أي هدرا .
“ “2  أيّان : ظرف للمستقبل ، يكون :
1 - اسم استفهام ، وأكثر ما يكون للتفخيم يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ . أي : أيّ حين ؟ .
2 - اسم شرط جازما نحو : “ أيان تسافر تر محاسن الدنيا “ ، وسواء أكان اسم استفهام أم اسم شرط جازما فهو مبني في محل نصب مفعولا فيه ، ويتعلق إذا كان اسم شرط بفعل الشرط إن كان تامّا أو بخبره إن كان ناقصا . ويرى بعض النحويين أنه يتعلق بالجواب . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:07 pm

قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

ولكن الماء مع تراب * يصير طينا هو ابتداء
وآدم كان أصله من * طين وأضحى له اصطفاء
والمارج النّار مع هواء * سموم ريح وذاك داء « 1 »
ومنه إبليس كان خلقا * له افتخار وكبرياء
فكيف يعلو الهواء يوما * والماء فينا له العلاء
به الطهارات والذي لم * يجده ترب به اكتفاء
والنار فيها العذاب حتى * لكلّ شيء بها فناء
وإنما نورها اشتعال اله * واء فيها له ضياء
والتّرب فيه الجسوم تبلى * فيظهر الذّم والثناء
وعزّ ربّي وجلّ عمّا * نقول أن يلحق الخطاء
بخلقه ربّنا عليم * والعلم عنّا له انتفاء
والفضل منه يكون لا من * سواه حقّا ولا امتراء « 2 »


وقال رضي اللّه عنه :
هما إحاطتان بالأشياء * إحاطة العلم بلا اختفاء
كذا إحاطة الوجود وهما * لم يخرجا شيئا من انتفاء
إحاطة الوجود للذات كما * لعلمه إحاطة الأشياء
بكلّ شيء ربّنا عليم * قد قال في القرآن ذو العلاء
وقال أيضا ربّنا محيط * بكلّ شيء مظهر الأشياء
والشيء ليس خارجا من عدم * بالعلم والوجود في استقصاء
وإنما هما إحاطتان قل * بذلك الشيء بلا امتراء
والشيء شيء هالك فان ولم * يخرج عن الهلاك والفناء
ولو أحاط ربّه علما به * ولو وجودا لعيون الرائي
وانظر إلى الظّل الذي به أحا * طت شمسه ما زال في الظلماء
وانظر إلى إحاطة الخطوط في * دوائر فارغة الأثناء
وافهم كلامي واتبع القرآن لا * تعدل إلى العقول والآراء
...............................................................................................
“ “1  المارج : الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد ، أو اللهب المختلط بسواد النار .
“ 2 “ امترى في الشيء : شك فيه . 

 34
فإنّ فيهنّ ضلالات الورى * بهنّ قد مالوا عن اهتداء


وقال أيضا قدّس سرّه :
للذات ذات وللأسماء أسماء * تدري حقيقته سعدى وأسماء
فأخرج عن اللّفظ والمعنى لأنهما * رمز إلى الذات والأسما وإيماء
هي الحقيقة في كلّ الأمور سرت * سرّا وقامت بها في الجهر أشياء
تنزهّت عن فهوم العارفين بها * وإنما هم على الذّكرى أدلاء
لا تسأل الكون عنها فهو يجهلها * وعنه سلها ففيها منه أنباء
كن طالبا علمها منها تجده بها * محققا وعلى التحقيق لألاء
ما في الورى أحد إلا بقوّتها * له مدى عمره منع وإعطاء
والناظرون بها والسامعون بها * وإن يكن عندهم للأمر إخفاء
وتسعد الناس أو تشقى بلا غرض * فهي الدّواء كما تختار والدّاء
شمس وعن علمها كلّ الورى ظهروا * كأنما هم ظلالات وأفياء


وقال رضي اللّه عنه :
حرّك الذّات آلة الأسماء * فتنصت لطيب هذا الغناء
يا غناء هو الحوادث تبدو * ثمّ تخفى سريعة الإيحاء
هو مثل الأصوات في إيقاع * وانتظام لسامع ولرائي
لمع برق إلهام كلّ وليّ * وحي حقّ لسائر الأنبياء
فتأمّل كلامنا وتحقّق * بالتجلّي واخرج من الظلماء
فالتجلّي إن قمت يوما به لا * بك تعرف من أنت بالأضواء
هذه هذه معارف قوم * هم كتاب اللّه العزيز العلاء
جاء عن أحمد النبيّ إلينا * ثم كنّاه معشر الأولياء
فيه إنا نقوم بالشرع صدقا * مع ما عندنا من الإصغاء
لتقادير ربّنا نافذات * بالورى في سعادة أو شقاء
فاسمعوا يا عقول هذا وكفّوا * عن جمود لمائكم في الإناء
واعلموا أنكم بخلق جديد * كلّ وقت كالبارق المترائي
أمر ربّ علا وجلّ وهذا * واحد في ظهوره والخفاء
وهو خلق لقوله كان أمر اللّه يعني مقدّرات القضاء 


 34
آمنوا إن جهلتم العلم منّا * أو فلا تؤمنوا هما بالسواء
عندنا ليس عندكم واستفال * في السّوى لا يقاس بالإرتقاء
واحذروا تنكروا من الجهل قولا * قاله صادق من العلماء 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:08 pm

قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الباء
وقال رضي اللّه عنه :
نزل الحديد فكان سيفا قاضبا * قسم العداة مشارقا ومغاربا
بأس شديد فيه بل ومنافع * للناس فليمض المعاند هاربا
وبه الأمين عليّ كان نزوله * فأسرّ قلبا بالأمان وقالبا
في ليلة هي ليلة القدر التي * فيها رسول اللّه نال مواهبا
فأخذته بيدي اليمين حقيقة * فوجدته أمضى السّيوف مضاربا
مقدار أربعة الأصابع قدره * في طول باع بالرزانة سالبا " 1 "
فلذا تراني لا أحارب دائما * هذا الورى إلا وكنت الغالبا
أما المحبة فهي قلبي والحشا * بل كلّ كلي لست فيه كاذبا
رعدت بها مني الضلوع وقد همى * مطر علينا قبل كان سحائبا " 2 "
وملئت من أنس الوجود ووحشة ال * عدم انقضت ولقد قضيت مآربا
ولقد أماطت لي بثينة برقعا * عن طلعة شمسية وجلاببا « 3 »
ومشت بأنواع الغلائل تنجلي * ودنت تقلّب أعينا وحواجبا
وسعت إلى نحوي ولم أك غيرها * فغدوت مطلوبا ولم أك طالبا
هذا الوجود جميعه كلي بلا * شكّ عداة قد حوى وحبائبا
...............................................................................................
“ “1  الباع : مسافة ما بين الكفّين إذا انبسطت الذراعان يمينا وشمالا “ ج “ أبواع . الرزانة : الوقار أو الثّقل .
“ “2  همى الماء والدمع ونحوهما : سال .
“ “3  أماطه : نحّاه وأبعده . البرقع : غطاء للوجه يكون للدّواب ولنساء الأعراب “ ج “ براقع . الجلباب :
القميص أو الثوب المشتمل على الجسد كله أو ثوب واسع تشتمل به المرأة . 

 38
والخلق نارا لا يزال وجنة * والأمر أنوارا غدا وغياهبا " 1 "
والكلّ كلّي ما معي غيري فلا * تتعب وكن لي في الجميع مصاحبا
وأنا الحقيقة والشّريعة لا تقف * فيصير شيء منهما لك حاجبا " 2 "
وافعل ولا تفعل جميع أوامري * واترك ولا تترك لنهيي تائبا
واقعد وقم وتقاو واعجز إن ترم * وصلي وكن بي طالعا أو غاربا
فأنا حقيقتك المكلّفة التي * بألست قلت لها وكنت مخاطبا

وقال رضي اللّه عنه :
للذنب سرّ عجيب * وفيه خبث وطيب
وفي أناس نعيم * وفي أناس لهيب
فاحذره واقبل عليه * فهو الجمال المهيب
لولاه ما كان قرب * ولا تلافى الحبيب
ولا النبيّون كانوا * ولا المقام القريب
فهو الحجاب لخلق * فمخطىء ومصيب
لأنه السّور فيه * للفرقتين نصيب
فرحمة باطنا إذ * في الظّاهر التعذيب
والكون ما تمّ إلا * به ففاز اللبيب
إياك إياك فافهم * فالشّمس ليلا تغيب
ومن يناديك يوما * فإنه سيجيب

وقال رضي اللّه عنه دو بيت :
أقسمت عليك أيّها المحبوب * أن تسمح لي فوصلك المطلوب
أرسل منك القميص مع ريح صبا * يا يوسف عصرنا أنا يعقوب " 3 "
...............................................................................................
“ “1  الغياهب : “ ج “ الغيهب : الظلمة الشديدة .
“ “2  الشريعة أمر بالتزام العبودية ، والحقيقة مشاهدة الربوبية ، وكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فأمرها غير مقبول ، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فأمرها غير محصول . “ للتوسّع انظر الرسالة القشيرية ص 82 - 83 “ .
“ 3 “ الصّبا : ريح مهبّها من مشرق الشمس ويقابلها الدبور .

39

وقال رضي اللّه عنه مواليا " 1 " :
ظاهر ومن يعشقه عن رؤيته محجوب * باطن ومعناه لفظ الكون له منسوب
يا ذا الذي من بعاده مدمعه مسكوب * نفسك حجابك أمتها تشهد المطلوب

وقال رضي اللّه عنه مخمسا " 2 " :
فؤادي من الأشواق والصبوة امتلا
وبي أعضل الأمر المشق وأشكلا
فيا من تمادت في التجنّب والقلى
إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى * تقولين : لولا الهجر لم يطب الحبّ
عدمت اصطباري بين قربك والنّوى
وقد جدّ في الأحشاء وجدّ بها ثوى
تحيرت إن قلت ارفقي حثني الهوى
وإن قلت هذا القلب أحرقه الجوى * تقولي بنيران الجوى شرف القلب " 3 "
رويدك يا من بالتجافي أمتّني
وأهملت فيما بالوصال وعدتني
إذا قلت : رفقا إنني ذبت زدتني
وإن قلت ما ذنبي إليك أجبتني * وجودك ذنب لا يقاس به ذنب

وقال رضي اللّه عنه :
أنا عندي أنّ الشهود حجاب * والتنائي سيّان والاقتراب
فأدخلوا دار صبوتي يا ندامى * واحذروا أن يريبكم مرتاب
هذه ملّة المفضّل طه * فافهموا إن تكن لكم ألباب
ما عليكم من لفظها العذب فيها * للذي ينكر المعاني عذاب
فهلمّوا إلى الحمى وارفعوا عن * بابه السّتر فهو نعم الباب
واشربوا فضل خمرتي من إنائي * وسط حاني يا أيها الأحباب " 4 "
...............................................................................................
“ “1  المواليا : نوع من الشعر كانوا يتغنّون به .
“ “2  خمّس الشعر : أضاف إلى كل بيت من شعر غيره ثلاثة أشطر من نظمه على روي الشطر الأول .
“ “3  الجوى : الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن .
“ 4 “ الحانة : دكان الخمّار “ ج “ حانات .

40
إنما عندي الشّراب وغيري * عنده موضع الشّراب سراب
أنا خمار ديرها وكفوفي * هذه عند أهلها أكواب
ورهابينها رعيّة حكمي * كلّ داع بي عندهم مستجاب
قرب الفجر فاشربوا بكر دنّ * ما على وجهها سواكم نقاب
وارفعوا لي نفوسكم عن كؤوس * هي فيها لكم يروق الشّراب
هي بحر وما سواها فموج * وهي خمر والعالمون حباب
قام شماس ديرها يتمشّى * وعليه من نورها أثواب " 1 "
وجلتها القسوس بين أناس * عندهم في جمالها أوصاب " 2 "
فاحتسوها ما بين جنك وعود * حيث راق الصّبا ورقّ رباب " 3 "
ثم راحوا مجرّدين سكارى * وتثنوا معربدين فغابوا " 4 "
خرجوا عن نفوسهم وعن الكو * ن وعن كلّ ما لهم يستطاب
ثم عن ذلك الخروج فكانوا * صورا للوجود فيها انقلاب
وهم ألحان والدّنان وكأسا * ت الطّلا والدّيار والأبواب
وهم الفوز في جنان نعيم * وسواهم جهنّم وعذاب
طفحوا الكاس يا سقاة الحميا * دار من فرط رقصنا الدّولاب " 5 "
وبأشواقنا الحمائم هاجت * فغناء على الرّبا وانتحاب
والبرايا عن الحبيب سؤال * كلّهم حائر ونحن جواب

وقال رضي اللّه عنه :
بين أهل الجحود والتكذيب * كلّ أمر من الأمور عجيب
تركوا ريبة بأهل ارتياب * واسترابوا في أمر كلّ أريب
كثر الافتراء منهم جهارا * ولهم فيه غاية التشبيب " 6 "
...............................................................................................
“ “1  الشّمّاس : من يقوم بالخدمة الكنسية ، ومرتبته دون القسّيس “ ج “ شمامسة . 
الدّير : المسكن أو المنزل الذي يسكن فيه الرهبان “ ج “ أديار وديورة .
“ “2  الأوصاب : “ ج “ الوصب : الوجع والمرض .
“ “3  الرّباب : آلة موسيقية شعبية وتريّة ذات وتر واحد .
“ “4  عربد : ساء خلقه ، وعربد السكران على الناس : آذاهم فهو معربد .
“ “5  طفح الإناء ونحوه : امتلأ حتى فاض من جوانبه .
“ 6 “ شبّب بالمرأة : تغزّل بها ووصف حسنها ، وشبّب شعره : رقّق أوله بذكر النساء . 

41
وله بينهم إدارة كأس * مزجته حلاوة التّقريب
كم سمعنا منهم قبيحة قذف * أوصلوها بالعار والتعييب
طعنوا بالتوهمات علينا * في أمور بدت لكلّ لبيب
واستخفوا بنا على سوء ظنّ * ثم عادوا باللّوم والتأنيب
أنكروا رؤية الملاح وألغوا * بالتساوي ما بين ظبي وذيب " 1 "
وأرادوا إبطال رؤية فرق * في الورى بين يابس ورطيب
كلّ ذا من كثافة الطّبع فيهم * وقصور العقل الخبيث السّليب
ولهم قبح نيّة في سواهم * أوصلتهم غدا إلى التّعذيب
طال ما أهلك المهيمن منهم * جسدا من ضلاله في لهيب
وأكبّ الإله في النّار نفسا * نشأت بالنّفاق في تقليب
وابتلاهم ربي بكلّ بلاء * علّ أن يرجعوا بقلب منيب
وعليهم من الرزايا توالت * ظلمات كوابل في الصبيب " 2 "
فأصرّوا واستكبروا بنفوس * لم تخف من ربّ إليها قريب
لا اتّعاظ ولا اعتبار بشيء * عندهم في شهادة ومغيب
وهم العمي عن سواء سبيل * لا يبالون بالبصير الرّقيب
أهملوا النّفس ثم في الغير همّوا * بكثير التنقير والتنقيب
كلما نبهوا على الحقّ ناموا * عنه بالاضطرار والتغليب
بعدت شقّة الكمال عليهم * فتسلوا عن ذاك بالتكذيب
قمت فيهم معلّما حسب جهدي * ناصحا بين سائل ومجيب
داعيا للهدى بإخلاص قلب * وكلام فصل وصدر رحيب
حافظا مع كبيرهم وصغير * حرمات الوداد بالترحيب
فرأوني بوصفهم ورموني * بالذي فيه هم من التركيب
................................................................................................
“ “1  الظبي : جنس حيوانات من ذوات الأظلاف والمجوّفات القرون ، من فصيلة البقريات أشهرها الظبي العربي الذي يقال له : الغزال الأعفر “ ج “ ظباء وأظب وظبيّ . الذئب : حيوان من الفصيلة الكلبية ورتبة اللواحم ، وهو من الحيوانات الضارية المفترسة كثير الخبث ، ذو غارات وختل شديد ، حادّ البصر والسمع ، مرهف إحساس الشم ، سريع العدو ، كثير الحذر ، يعيش على الجيف وعلى لحوم الحيوانات التي يفترسها ويألف الجبال والسهول والصحارى .
“ 2 “ الرزايا : “ ج “ الرزية : المصيبة . الوابل : المطر الشديد ، الضخم القطر. الصبيب : المصبوب من ماء أو دم أو غيرهما.


42
زعموا أنّ حذقهم كاشف عن * خبث أمري فاستقبحوا نفح طيبي
قلبوني وغيّروني لديهم * وعلى النّاس أعجموا تعريبي
ألحدوا في صفات مدحي ومالوا * عن صوابي وأبعدوا تقريبي
فعلوا مثل فعل أهل اعتزال * في كلام المهيمن المستجيب
حيث قالوا فيه بأغراض نفس * يتقالون كلّ روض خصيب
جعلوه مذاهبا بعقول * دبّ فيها الوسواس أيّ دبيب " 1 "
وأحالوه باطلا وهو حقّ * ظاهر الحكم عند كلّ نجيب
كلّ هذا وليس يخفى أذاني * بالهدى بينهم ولا تثويبي
وأنا الشّمس لا تراني عيون * عميت عن جمال وجه حبيبي
فإذا رمتني فسر مثل سيري * لا تصافح كفّي بكفّ خضيب
كن معي لي مقلّدا أو توقف * دائما لا تخض مع المستغيب
لم أكلفك أن ترى حسن حالي * في البرايا وأن تكون نسيبي
أو على النصر لي أراك مقيما * أو بدنياك أن تزيد نصيبي
إنما الجود منك جود ذباب * كفّ جهدا من الأذى عن لسيب
يا نفوسا يستنبطون المعاني * من قبيح الكلام بالترتيب
إن تكونوا في السّوء أهل اجتهاد * أهله بين مخطىء ومصيب
وأراكم مصممين على ما * فيه أنتم بغير ما تثريب
أتساوون كلّ أبيض عرض * في المعالي بأسود غربيب " 2 "
هب عليكم تلوح مشتبهات * أنفس القوم وهي في تهذيب
ما استطعتم بالذّوق أن تفرقوا ما * بين فرث ورائق من حليب " 3 "
ما نفوس قد أسلمت كنفوس * عابدات من الهوى للصليب
ربّ ناس لهم جسوم رجال * ونفوس خلت من التأديب
وعقول بالوهم تنقاد طوعا * للهوى والضّلال قود الجنيب " 4 "
...............................................................................................
“ “1  الوسواس : جمع وساوس ، وهو الاسم من وسوس ويعني الشيطان ، أو مرض يحدث من غلبة السوداء ويختلط معه الدهن ، أو حديث النفس مما يخطر بالقلب من شر أو مما لا خير فيه .
“ “2  الغربيب : الشديد السواد ، وأسود غربيب ؛ أي حالك “ ج “ غرابيب .
“ “3  الفرث : بقايا الطعام في الكرش “ ج “ فروث .
“ 4 “ الجنيب : الطائع المنقاد . 

43
من أتاهم بعلمهم جحدوه * كيف من جاءهم بعلم غريب
بادروا بالوقوع في أهل بدر * ثم أضحى وقوعهم في القليب " 1 "
أنكروا الكشف في الطريق وقالوا : * كلّ هذا تخيلات المريب
فتراهم للشرّ في تهوين * وتراهم للخير في تصعيب
أنطقوا كل بومة بهواهم * وأرادوا السّكوت للعندليب " 2 "
حاولوا يطفئون بالزّور نوري * ويذلّون عزّ قدري المهيب
فرأوا من عناية اللّه بي ما * أصبحوا منه في أسى ونحيب
وإلى اللّه قد توسلت فيهم * وعليهم ربّ العباد حسيبي

وقال مواليا :
يا عارف اللّه أنت الحيّ صاحب قرب * ومنكرك ميت من جسم ودفن في الترب
ما السمّ سمّ الأفاعي كالعسل في الشرب * ولا أسود الحمى مثل الكلاب الجرب
وقال رضي اللّه عنه من الموشح وهو عروض هات بنت الكرم صرفا :
دع جمال الوجه يظهر * لا تغطي يا حبيبي
طول ليلي فيك أسهر * زاد شوقي ونحيبي
هكذا المحبوب يقهر * بالجفا قلب الكئيب
كلّ شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
“ دور “
كان قلبي عنه غافل * وهو لا يغفل عني
فانثنى يختال رافل * بثياب النّفس مني
فأنا للحقّ مظهر * بين أهلي كالغريب
كلّ شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
...............................................................................................
“ “1  بدر : مدخل واد بين مكة والمدينة على بعد “ 28 “ فرسخا من المدينة . كانت به غزوة بدر المشهورة في السنة الثانية للهجرة “ 623 م “ وكان النصر فيها للمسلمين رغم قلّة عددهم . القليب : البئر قبل أن تبنى بالحجارة ونحوها “ يذكّر ويؤنّث “ “ ج “ قلب .
“ 2 “ البومة : طائر ليلي من الجوارح ، يسكن الخراب ، ويضرب به المثل في الشؤم وقبح الصورة والصوت . يستوي فيه المذكر والمؤنّث “ ج “ بوم . العندليب : طائر صغير الجسم ، سريع الحركة ، حسن الصوت ، يألف الحدائق والغابات والأدغال ويظهر في أيام الربيع “ ج “ عنادل . 

40
“ دور”
يا مسمّى بالأسامي * كلّها وهو المنزّه
أنت في الكلّ مرامي * فيك عيني تتنزه
ساطع الطّلعة أزهر * في شروق ومغيب
كلّ شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
“دور “
هب لراعي الدّير يفتح * نوره الشّعشاع باهي
فاسمع النغمة ترتح * واغتنم صوت الملاهي
وقتنا نقرة مزهر * وغناء العندليب
كلّ شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
“ دور “
يا سقاة الرّاح قوموا * طلع الفجر علينا
عن سوى الخمرة صوموا * أين من يفهم أينا
كأسها أبهى وأبهر * عندنا من نفح طيب
كل شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
“ دور “
خمرنا خمر المعاني * عتّقت من قبل آدم
ولها نحن القناني * من زمان قد تقادم
من يذق بالسرّ يجهر * بين ناء وقريب
كلّ شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
“ دور “
ادخل الحانات واشطح * وانثن سكرا وعربد
واشرب الكأس المطفح * نلت ملكا متأبد
إنه الصّرف المطهّر * عن قبيح ومعيب
كل شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
“دور “
لمعت أنوار سلمى * لك من خلف الستاير
لا يكن طرفك أعمى * عن تناويع الأشاير 

45
إنّ أمر الحقّ أظهر * عند غير المستريب
كلّ شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
“ دور “
صلّ يا ربّ وسلّم * لي على المختار طه
من له كنت تكلم * ليلة الإسرا شفاها
فضله لا زال يشهر * بين غرّ ولبيب
كلّ شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب
“ دور “
وعلى آل النبيّ * وعلى كلّ الصّحابه
ما أتى عبد الغنيّ * بالقوافي المستطابه
ولذات الخدر أمهر * ما حواه من نصيب
كلّ شيء عقد جوهر * حلية الحسن المهيب

وقال رضي اللّه عنه :
خلني في محبة المحبوب * فهي عندي نهاية المطلوب
وتباعد يا جاهلا يا خبيثا * عن طريقي وعدّ عن أسلوبي
بك لو قد أراد ربّك خيرا * قلت مما عملت يا نفس توبي
لكن اللّه قد أضلّك جهلا * بالمقام المعظّم المرغوب
إن تكن قد أعبت ما أنا فيه * ثم أصبحت منكرا مشروبي
أنت في الكفر حيث تجعل عيبا * ليس من كان فيه بالمعيوب
وعلى اللّه منكر والنبيي * ن بما قد عددته في الذّنوب
فإله الورى له محبوب * واسمه المصطفى شفاء القلوب
وكذاك الرّسول من جاء يدعو * نا بحقّ للفرض والمندوب
كان محبوبه ابن حارثة زي * دا تبنّاه فهو كالمنسوب
ولموسى فتاه يوشع محبو * ب وقد جلّ عن جميع العيوب
وابن يعقوب وهو يوسف حسن * كان محبوب ذي التّقى يعقوب
ثمّ داود كان بالحسن مغرى * وسقى بالجمال ألطف كوب
ظنّ داود أنّما قد فتنّا * ه كما قال عالم بالغيوب
وكثير من أمّة الخير كانوا * بهوى الحسن في فؤاد طروب 

46
ولنا أسوة بهم عن عفاف * وتقى واستقامة ورسوب
فإذا ما رميتنا بقبيح * أوليس الجميع بالمكتوب
طبعنا الحبّ ليس ينفكّ عنّا * بأباطيل جاهل محجوب
لكن اللّه حسبنا فهو كافي * نا على كلّ ذي افتراء كذوب

وقال رضي اللّه عنه :
قلبي لعلم الإله باب * وما له دونه حجاب
وكلّ أحوالنا تناجي * وكلّ إدراكنا خطاب
وكلّ أرواحنا عمار * وكلّ أجسامنا خراب
وكلّ معقولنا كؤوس * وكلّ محسوسنا شراب
وكلّ أعدائنا سؤال * وكلّ أحبابنا جواب
وكلّ وقت لنا دنوّ * وكلّ حين لنا اقتراب
وكلّ شيء له إلينا * من حيث معروفنا انتساب
وكلّ لفظ لنا رسول * وكلّ معنى لنا كتاب
وروحنا للسّوى حسام * يخفيه من جسمنا قراب " 1 "
ورؤية الحقّ جلّ فينا * وليس فيها لنا ارتياب
والشّمس في الأفق ذات نور * وإن بدا دونها السّحاب
ونحن من ربّنا كلام * لنا وألفاظه العذاب
ونحن قوم إذا أردنا * أرشدنا الدّفّ والرباب
ونحن روح الجميع صرنا * وذهب الماء والتراب
ونحن حقّ ونحن خلق * ونحن قوس ونحن قاب
وكشفت وجهها سليمى * وانهتك السّتر والنّقاب
وراق خمر الوجود منها * ونحن من فوقه حباب
وحاصل الأمر كلّ شيء * غير إله الورى سراب
وقال عاقدا الحديث الذي رواه الديلمي في مسند الفردوس :
يا من يحبّ حبيبه * اترك جميع العيوب
...............................................................................................
“ 1 “ الحسام : السيف القاطع . القراب : غمد السيف ونحوه “ ج “ قرب وأقربة . 

47
واقدم بنفس منيبه * واشرب بألطف كوب " 1 "
تلقى الأمور العجيبة * في الحبّ للمحبوب
ولا تخف شرّ غيبه * من جاهل محجوب
روى الثّقات غريبه * للديلمي المرغوب
في ذي المعاني النّسيبه * فردوسه المطلوب
قد قال من بثّ طيبه * طه شفاء القلوب
العشق من غير ريبه * كفّارة للذنوب
وقال رضي اللّه عنه عاقدا الحديث الذي رواه الأسيوطيّ " 2 " :
يا أيها النّاس خذوا حذركم * من صحبة الفاسق والكاذب
والتزموا صحبة أهل التّقى * جماعة السّنّة والواجب
فصاحب مع صاحب دائما * كقلم بين يدي كاتب
يكتب ما قد شاء فيه به * بحكم عقد الصّحبة اللازب " 3 "
روى ابن مسعود « 4 » عن المصطفى * قال رسول الخالق الواهب
اعتبروا الأرض بأسمائها * واعتبروا الصّاحب بالصاحب " 5 "
وقال رضي اللّه عنه مضمنا « 6 » :
يقولون لا تنطق بما أنت عارف * به بين أهل الجهل ذاك معيب
...............................................................................................
“ “1  الكوب : قدح من الزجاج ونحوه مستدير الرأس لا أذن له ، وهو من آنية الشراب “ ج “ أكواب .
“ “2  يشير في هذه الأبيات إلى مقام الصحبة . “ انظر الرسالة القشيرية ص 294 - 298 “ .
“ “3  اللازب : اللازم الثابت .
“ “4  هو عبد اللّه بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي “ توفي 32 ه - 653 م “ أبو عبد الرحمن ، صحابي من أكابرهم ، فضلا وعقلا ، وقربا من رسول اللّه “ صلّى اللّه عليه وسلّم “ وهو من أهل مكة ، ومن السابقين إلى الإسلام ، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة ، وكان خادم رسول اللّه الأمين وصاحب سرّه ورفيقه في حلّه وترحاله وغزواته . وولّي بعد وفاة النبي “ صلّى اللّه عليه وسلّم “ بيت مال الكوفة . ثم قدم المدينة في خلافة عثمان فتوفي فيها . له 848 حديثا . الأعلام 4 / 137 ، والإصابة ت 4955 ، والبدء والتاريخ 5 / 97 ، وحلية الأولياء 1 / 124 ، وصفة الصفوة 1 / 154 .
“ “5  أخرجه ابن ماجة “ رؤيا 7 “ .
“ 6 “ التضمين : أن تتعلّق قافية البيت بما بعده على وجه لا يستقلّ بالإفادة. أو أن يأخذ الشاعر شطرا من شعر غيره بلفظه ومعناه. 

48
فقلت لهم خلّوا الملام فإنّنا * بحكم التجلّي والمجال قريب
شربنا وأهرقنا على الأرض جرعة * وللأرض من كأس الكرام نصيب
وقال رضي اللّه عنه مخمّسا :
بأوج الهوى كم منزل قد علمته
ولوح وجودي بالكمال رقته
ولما جرى دمعي وصبري عدمته
أبى الحبّ أن يخفى وقد كتمته * فأصبح عندي قد أناخ وطنّبا
توقيت من شؤم السّوى سوء مكره
وطائر سرّي ساكن أوج وكره
ومن لفؤادي قد حلا كأس فكره
إذا اشتدّ شوقي هام قلبي بذكره * وإن رمت قربا من حبيبي تقرّبا
له نور وجه أصبح الكون ظله
تبارك فينا ذو العلا ما أجله
هو الحقّ كلّي قد أحلّ محله
فيبدو فأفنى ثم أحيى به له * ويسعدني حتى ألذّ وأطربا
وقال رضي اللّه عنه من الموشح عروض لي حبيب مفرد :
“ دور “
طلعة المحبوب * غاية المطلوب
من رأى يدري * والسّوى محبوب
وجهه ظاهر * باهر الأسلوب
لوح نوراني بدا * بالورى مكتوب
“ دور “
جلّ من أبدع * سرّه المودع
في جميع الكون * فاتح المخدع
وافهم الأسرار * لا تكن مغلوب
لوح نوراني بدا * بالورى مكتوب
“ دور “
أيها الحادي « 1 » * يمنة الوادي
حسن الإنشاد * إنني صادي
واسأل الأحباب * عن شج مسلوب
لوح نوراني بدا * بالورى مكتوب
“ دور “
...............................................................................................
“ 1 “ الحادي : الذي يسوق الإبل بالحداء .

49  
لاحت الأنوار * زادت الأطوار
والفتى المشتاق * صاحب الأسرار
وهو للعشاق * كلهم يعسوب « 1 »
لوح نوراني بدا * بالورى مكتوب
“ دور “
كل من يعرف * قلبه يغرف
من بحار العلم * جهله يصرف
كاسه الملآن * رائق المشروب
لوح نوراني بدا * بالورى مكتوب
“ دور “
يا أهيل الحيّ * إنّ قلبي حيّ
يا رفيقي قم * لحبيبي حيّ
وارتشف خمري * فهو ملء الكوب
لوح نوراني بدا * بالورى مكتوب
“ دور “
صلّ يا رحمن * دائم الأزمان
للنبي المختار * جاء بالقرآن
من له عبد * للغنى منسوب
لوح نوراني بدا * بالورى مكتوب
وقال رضي اللّه عنه من الموشح عروض يا هل ترى من بعد بعدي وصدودي :
“ دور “
غنّت سويجعة الهوى فوق الروابي * فأهاج الذّكر ما بي « 2 »
وسألتها عن أصل بعدي واقترابي * قالت الحقّ جوابي
إنّ الفنا هو للفتى كشف النقاب * وبه رفع الحجاب
من رام يشرب من صفا هذا الشراب * يتجرّد من ثياب
“ دور “
يا طلعة الأنوار في جنح الدياجي * هي للروح تناجي
صرف صفت للشاربين بلا مزاج * وبها ضاء سراجي
قام المليح بها يدندن بابتهاج * واهب السرّ لراجي
هذا مقام القرب في نصّ الكتاب * ما به شوب ارتياب « 3 »
“ دور “
نادى المؤذّن في منارات اليقين * من ترى منك يقيني
فلقد خلوا بي في حمى الحصن الحصين * فهوى المحبوب ديني
...............................................................................................
“ “1  اليعسوب : ملكة النحل . يقال : “ هو يعسوب قومه “ ؛ أي : رئيسهم وكبيرهم ومقدّمهم .
“ “2  الروابي : “ ج “ الرابية : ما ارتفع من الأرض .
“ 3 “ انظر حديث القشيري عن القرب برسالته ص 80 - 82 . 

50
إن الصلاة لوجه حبي كل حين * وحي جبريل الأمين
وإليه من أغياره أبدا متابي * إنه كان ثوابي
“ دور “
سرّ سرّي في الكائنات بلا حلول * بين هاتيك الطّلول " 1 "
فتقاصرت عن فهمه كلّ العقول * وإشارات النقول
من كان مشغوفا بأقمار الأفول * قلبه قلب جهول
وهو الذي مما يحاول في عذاب * تحت أستار القباب
“ دور “
بالجزع بين ربا المنازل فالمصلّى * ركع الصّب وصلّى
وجمال وجه حبيبنا فينا تجلّى * وبما شاء تحلّى
يهنيك يا من في محاسنه تملّى * وعن الغير تخلّى
حتى انقضى ما بيننا وقت العتاب * ومضى يوم الحساب
“ دور “
هذا المقام مقام ربات الخدور * حضرات كالبدور " 2 "
فارفع قليلا عنك أطراف السّتور * وتملّى بالحضور
واكشف عن الغيب المقدّس حجب نور * قد تجلّى فوق طور " 3 "
وتحقّق المطلوب بالأمر المهاب * فيك منه ليث غاب " 4 "
“ دور “
وعلى الرسول صلاة ربي مع سلامي * سيّد الرّسل الكرام
ما راق من عبد الغني طيب الكلام * في تقاسيم النّظام
والآل والأصحاب أهل الاحتشام * من بهم نلت مرامي
والسالكين بمقتضى هذا الخطاب * في محجات الصواب
وقال رضي اللّه عنه وهو في صالحية « 5 » دمشق بقصر البكري سنة 1103 :
حرم آمن لكعبة قلبي * أنا فيه مخطوف عقل ولبّ
...............................................................................................
“ “1  الطلول : “ ج “ الطلل : ما بقي شاخصا من آثار الديار ونحوها .
“ “2  الخدور : “ ج “ الخدر : الستر ، أو ستر يمدّ للمرأة في ناحية البيت ، أو البيت إذا كانت فيه امرأة .
“ “3  الطور : الجبل .
“ “4  الليث : الأسد “ ج “ ليوث .
“ 5 “ الصالحية : قرية كبيرة ذات أسواق وجامع في لحف جبل قاسيون من غوطة دمشق وفيها قبور جماعة من الصالحين ويسكنها أيضا جماعة من الصالحين . “ معجم البلدان 3 / 390 “ . 

51
هائم أطلب الوجود فألقى * حجبا أسدلت ببعد وقرب
وهو فينا مظاهر ومجالي * إن سلكنا به مسالك حبّ
يا بني قومنا قفوا بحمانا * واصحبونا وشاركونا بشرب
هذه طلعة الحبيب جهارا * تجمع الحسن للنواظر تسبي
أنا سرق لشمسها فاجتلوني * ليس عني يوما تميل لغرب
أنا ربي بما أقول عليم * حيث بي كان قائلا أنا ربي
كلّ لطف من لطفه مستعار * وهو عني على الحقيقة ينبي
كنته حين كأنني فاستوينا * في ترجّي اللّقا وتفريج كربي
وهي روح مهبها ذات أمر * وأنا هائم بذاك المهبّ
وإذا ما ناديت أطلب أمرا * فهي بي ذلك النداء تلبّي
فاعرفوني بها ولا تعرفوها * بي فستر الوجود ذلك دأبي

وقال رضي اللّه عنه :
رح يا أنا يا فاسد التركيب * يا حائلا بيني وبين حبيبي
يا غيمة سترت ضياء الشّمس عن * عين الشّهود وأبعدت تقريبي
يا ليتني بك لم أكن متستّرا * في زيّ أسود بالسّوى غربيب
أنت الذي أثقلتني ومنعتني * عن أن أفوز من العلا بنصيب
مع أنك البرق اللموع من الحمى * لكن جمودك معجم تعريبي
فأنا الكثيف ومن شغفت بحبه * ذاك اللطيف عليك فهو حسبي
جسم بليت به كليل مظلم * من حكم طبع سائق للهيب
نشأت به نفس تكامل جهلها * فخلت من التثقيف والتأديب
فكأنه وكأنها لمّا أبت * رشدا كنيسة راهب بصليب " 1 "
لولا العناية هكذا هي لم تزل * طبق الملام ومقتضى التأنيب
لكن أنار اللّه مصباح الهدى * فيها بفتح للغيوب قريب
وأحالها شمسا تشعشع نورها * بعد الجمود بسرعة التقليب
...............................................................................................
“ 1 “ الراهب : المتعبّد في صومعته يتخلّى عن أشغال الدنيا وملاذها ، زاهدا فيها معتزلا أهلها “ ج “ رهبان ، وهي راهبة “ ج “ راهبات . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:09 pm

قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

والرّوح من أمر الإله ككوكب * دبّ الضّيا منه بغير دبيب
روح شريف حكمه متناسق * فينا بأنواع من التهذيب
وهو الذي يروي لنا خبر الحمى * وتفوح فينا منه نفحة طيب
فأنا الذي أبدو كلمعة بارق * عن غيب أمر اللّه بالترتيب
وأنا الذي قد صرت روحا ظاهرا * في كلّ هيكل سائل ومجيب
أبدا أحنّ إلى حقيقة منشئي * مني بقلب في الكمال منيب
والأمر أمر اللّه ليس لغيره * من ذاك شيء يا ذوي التقريب

وقال رضي اللّه عنه من الموشح عروض إلهي تركي :
“ دور “
أيّها الطّالع من مشرق أفلاك الغيوب * أيّها النازل في خيمات أنوار القلوب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي
“ دور “
نفحت ريحانة الأسرار من روض اللّقا * فسكرنا بشميم الطّيب من ذاك الهبوب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي
“ دور “
لي بنجد فالنّقا فالسّفح من وادي منى * جيرة وجدي بهم يجلو عن القلب الكروب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي
“ دور “
لا تلمني يا عذولي في هوى الغيد الحسان * إنّ ديني واعتقادي بالذي خلف الجيوب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي
“ دور “
وجه محبوبي تبدّى فانمحى كلّ السّوى * واستوى مني على عرشي بلا مسّ لغوب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي
“ دور “
كلّ من يعرض عنّا هو في نار الجفا * والذي يرغب فينا كفرت عنه الذنوب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي
“ دور “
عشقنا العشق المصفّى من تصاوير الورى * فاشربوا يا قوم منه إنه في كلّ كوب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي

53
“ دور “
يا نداماي رويدا سكر الكأس بنا * وانثنى الكوب علينا وهو نشوان طروب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي
“ دور “
إنّ صحوي بعد سكري هو صحوي في الهوى * حيث شمس الذّات مني ما لها عني غروب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي
“ دور “
وعلى طه صلاة اللّه مني والسّلام * كلما عبد الغني لذّ له طعم اللبوب
يا ظاهر في قلبي * ارفق بي

وقال رضي اللّه عنه :
أنت قيد الوجود إن غبت غابا * وإذا ما حضرت كنت حجابا
وكذا الكائنات علوا وسفلا * هو منهنّ لابس أثوابا
كلّ ذا باعتبار نفسك أما * هو في ذاته فجلّ مهابا
واحد مطلق عن القيد بل عن * قيد إطلاقه يلوح اقترابا
وهو في بيت عزّة وجلال * لست تلقى إليه غيرك بابا
قف على بابه وتأدّب * بخشوع وقبّل الأعتابا
كن بلا أنت تكشف الحجب عنه * ويريك الذي أرى الأنجابا
وجهه النّور ظاهر بك لكن * عنه أبدى عليك منه نقابا
يا نديمي خذ المدامة مني * إنني قد أدرت هذا الشّرابا
وبسطت البساط في دار قومي * وملأت الكؤوس والأكوابا
وكنست الكنائس السّود مما * كان فيها حتى البياض أجابا
واستحالت إلى الأصول فروع * أحكمتها يد الفناء انقلابا
فوجودي هو الوجود الحقيقي * والتصاوير فيه كانت خضابا
إنّ علمي علم اليقين بأني * كنت سعدى وزينب والرّبابا
كنت ليلى أنا ومجنون ليلى * والمحبّين قبل والأحبابا « 1 »
...............................................................................................
“ 1 “ مجنون ليلى : هو قيس بن الملوّح بن مزاحم العامري “ توفي 68 هـ - 688 م “ شاعر غزل ، من المتيّمين ، من أهل نجد . لم يكن مجنونا وإنما لقّب بذلك لهيامه في حبّ « ليلى بنت سعد » . فوات الوفيات 2 / 136 ، والأعلام 5 / 208 ، والنجوم الزاهرة 1 / 182 .

54
وأنا الآن كلّ ما هو باد * وسأبدو حبائبا وصحابا
مثل فعل الحرباء يصبغ منها * كلّ لون به تلوح الإهابا « 1 »
وهي في أيّ صبغة هي فيها * ذاتها لا تزال والألقابا
كل شيء نطق الوجود حروف * عاليات تحيّر الألبابا
قلم إن بحثت عنه ولوح * باعتبار ولقّبوه الكتابا
وهي عين ترى وتدرك أبدت * ما سواها الجفون والأهدابا
شمس ذات لها الأشعة أسما * ء عليها الجميع كان سحابا
تتجلى بنا فنظهر عنها * مثل ما يظهر البقاع السرابا
لكن الغرّ بالحقائق لا يع * رف شيئا فيحسب الشّهد صابا
ويظنّ الوجود قسمين هذا * خطأ منه لا يكون صوابا
ويزيد الشّرك الخفيّ عليه * كلما غاير الشّراب الحبابا « 2 »
والكلام المجاز عين الحقيقي * وترى في معناهما استغرابا
لكن المنكر الجهول غبيّ * ومحبّ السّوى له يتغابى
والذي يفهم الأمور تراه * جامعا فارقا عصيّا مجابا
هذه ملّة بها اللّه أدنى * منه أهل الكمال والأقطابا
لم يوفّق لها الإله سوى من * خرّ نجما على الجهول شهابا
حافظا لم يزل عهود التصابي * في شهود الوجود والآدابا
فعليه السّلام ما حنّ قلب * نحو أحبابه وزاد التهابا
وبسعدى رأى العذاب نعيما * حين وافته والنعيم عذابا
...............................................................................................
“ “1  الحرباء : دويبة بطيئة الحركة ، جسمها منضغط من الجانبين ، لها رأس مثلث الشكل ، وظهر محدّب ، وذنب بطول الجسم تقريبا ، تقبض به على غصون الأشجار ، ولها عينان كبيرتان ، تستطيع أن تحرّك كلّا منهما في اتجاه يختلف عن اتجاه الأخرى . ويوجد في كلّ من أرجلها خمس أصابع ولها لسان بطول جسمها تقريبا ، يندفع من فمها بسرعة كبيرة نحو الفريسة فيلتصق بها وهي تتغذى بالذّباب والحشرات الصغيرة الأخرى ، ولها قدرة على تغيير لونها فيما بين الأخضر والرمادي والأصفر الداكن لتشابه ما يحيط بها من الألوان ، ويضرب بالحرباء المثل في التلوّن . الإهاب :
الجلد المغلّف لجسم الحيوان ، أو ما لم يدبغ منه “ ج “ أهب .
“ 2 “ الحباب للماء والخمر : الفقاقيع التي تعلوه .

55
وقال رضي اللّه عنه من الموشح عروض إلهي تركي :
“ دور “
الكون يغيب من ضيا وجه حبيبي * والقلب يهيم فيه من فرط لهيبي
يا عاذل كم إلاكم الشّوق مذيبي * السلوة منك وأنا العشق نصيبي
“ دور “
ذا بدر سما الجمال في القلب يلوح * ذا مسك ختام خمرتي فيّ يفوح
إني أبدا بسرّه لست أبوح * لا أقدر أن أحول عن أمر رقيبي
“ دور “
يا من كشف الحجاب عن عين عياني * الظّاهر أنت والسّوى عندي فاني
ها أنت أنا وليس في الحضرة ثاني * ويلاه من البعد عن وصل قريب
“ دور “
سرّ ظهرت به الورى حاضر غائب * كم ضلّ به عدا وكم أهدى حبائب
لولاه لما كنت من التوبة تائب * لا ذات ولا وصف ومولاي حبيبي
“ دور “
مولاي على نبيّك الحقّ صلاتي * طه من أزال نوره ظلمة ذاتي
وصار عبيد الغني فيه مواتي * في كلّ شروق ذا وفي كلّ مغيب

وقال رضي اللّه عنه :
ألا أيّها الحادي لذاك الحمى سربي * فأهل الهوى قومي وجيرانه سربي
لقد لذّ لي في مروة الحبّ والصّفا * إلى وصلهم سعيي وقد طاب لي شربي " 1 "
وعندي إلى تلك الوجوه صبابة * أزيل بها ما أو همت لبسة الترب
ويا ويح عشّاق الملاحة في الهوى * يحيرون بين الشّرق للشّمس والغرب
ومحبوبهم لا زال فيهم مخالفا * إذا جنحوا للسّلم يجنح للحرب
رضيت بوصل الرّوح للروح غيبة * ولم أرض في وقت اللّقا نفرة العزب
أرى القرب في البعد الذي يقتضي الوفا * بعهد الهوى خيرا من البعد في القرب
وألقيت جسمي في ديار بعيدة * عن الحبّ حيث الرّوح مقضية الأرب
...............................................................................................
“ 1 “ المروة : إحدى شعائر الحج يسعى بينها الحاج وبين الصفا . الصّفا : اسم أحد جبلي المسعى من مشاعر الحج بمكة .    

56
وصعب الهوى سهل إذا كثر الرّجا * وأنواع أفراح به شدّة الكرب
وما القلب إلا موضع الفقد واللّقا * وما الجسم إلا للمواجيد كالدّرب
ومن جهل المحبوب فالضّرب موجع * له ومتى يعرفه يلتذّ بالضّرب
ألا هكذا في النّار حال أولى الشّقا * غدا بعد تحويل الحجاب عن الرّب
ويومئذ معناه يوم قيامة * ويوم خلود بعده وهو للذرب
وحكّ يد الجرباء يدمي قروحها * وتلتذّ منه النّفس في الأنفس الجرب

وقال رضي اللّه عنه :
عجب وما هو بالعجب * نور بظلمته احتجب
شهر لشهرة أمره * رمضان وهو أخو رجب
وهو الحرام لحرمة * وجبت له مما وجب
والدّهر من أسمائه * فيه المسرّة والسخب " 1 "
أشجاره نحن اللّحا * ء لها الملائم والنّجب " 2 "
والموج نحن لأنه * بحر خضمّ ذو لجب " 3 "
واللّه أكبر فافهموا * عجب وما هو بالعجب
وقال رضي اللّه عنه موشح :
“ دور “
طلعت في ظلمة الأك * وان أنوار حبيبي
فاهتدى الساري إلى ذا * ك الحمى النائي القريب
وشممنا عرف مسك * من ربا نجد وطيب
وصبت نفس عذولي * وانمحت عين رقيبي
“ دور “
يا مليح الوجه خلّص * ني من الهجر القبيح
ثم حوّل لي إشارا * ت المعاني بالصريح
................................................................................................
“ “1  السخب والصخب : بمعنى الصياح ، والصاد والسين يجوزان في كل كلمة فيها خاء .
“ “2  اللّحاء : قشر كل شيء ، وقشر الشجر “ ج “ لحي وألحية .
“ 3 “ الخضم : البحر الواسع . اللّجب : الجلبة .     

57
حسنك الفتّان قد أسف * فر عن كلّ مليح
فغريب أنا في الدّن * يا علي الحسن الغريب
“دور “
صلّ يا رب على الها * دي بنور متلالي
أحمد المختار من أظ * هر سرّ المتعالي
وبه عبد الغني فا * ز بفضل وكمال
ما ثنى في الرّوض ريح * معطف الغصن الرطيب

وقال رضي اللّه عنه موشح :
هذه سلمى لها الأمر العجاب * تتجلّى رفعت عنها الحجاب
ثم الكون غاب
“ دور”
فتهنّى يا فؤادي بالتي * حسنها الفتّان قد راق وطاب
هذا فتح باب
“دور “
في نواحي الشّعب من ذاك الحمى * بدر تمّ ما عليه من سحاب " 1 "
يبدو للصحاب
“ دور “
كلما أسفر عن وجه له * ذهبت أبصارنا والقلب ذاب
في الحسن المهاب
“ دور “
وعلى الهادي صلاتي والسّلام * ما هدى عبد الغني نور الخطاب
للداعي المجاب

وقال رضي اللّه عنه موشح :
“ دور “
قد أسفر محبوبي * عن يوسف يعقوب
في أحسن أسلوب * لي جاد بمطلوبي
................................................................................................
“ 1 “ الشّعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين جبلين .   

57
يا صفوة مشروبي * بالكأس وبالكوب
ما القلب بمقلوب * عن طلعة مرغوبي
يا نفس هنا توبي * من ذنبك أو ذوبي
كم غفلة محجوب * تدنيه من الحوب " 1 "
“ دور “
يا بهجة أسراري * يا مطلع أنواري
ها أنت هو السّاري * في سائر أطواري
يا مجمع أفكاري * ما غيرك في الدّار
فارفق بفتى جاري * لجنابك منسوب
يا نفس هنا توبي * من ذنبك أو ذوبي
كم غفلة محجوب * تدنيه من الحوب
“ دور “
لي في جانب ذا الخيف * حيّ أنا فيهم ضيف " 2 "
يا ليت خيال الطيف * لو كنت أراهم كيف
والعشق يزيل الزّيف * في الجور به والحيف " 3 "
والوقت « 4 » كمثل السيف * في حدّة حيسوب
يا نفس هنا توبي * من ذنبك أو ذوبي
كم غفلة محجوب * تدنيه من الحوب
“ دور “
وعلى الهادي صلّى * أبدا ربّ جلّا
والآل ومن ولّى * عنّا حمل الكلّا
...............................................................................................
“ “1  الحوب : الإثم والهلاك .
“ “2  الخيف : ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل ، ومنه خيف منّى “ ج “ أخياف وخيوف .
“ “3  الحيف : الجور والظلم أو الميل في الحكم ، والجنوح إلى أحد الجانبين .
“ 4 “ حقيقة الوقت عند أهل التحقيق حادث متوهّم ، علّق حصوله على حادث متحقّق ، فالحادث المتحقّق وقت للحادث المتوهم . وقالوا : الوقت سيف ؛ أي : كما أن السيف قاطع فالوقت بما يمضيه الحق ويجريه غالب . “ للتوسّع انظر حديث القشيري عن مصطلح الوقت برسالته ص 55 - 56 “ .         

59
ما الغيث تلا الطلّا * في الروضة منهلّا
أو عبد الغني حلّا * بالمدح لمكتوب
يا نفس هنا توبي * من ذنبك أو ذوبي
كم غفلة محجوب * تدنيه من الحوب
وقال رضي اللّه عنه موشح :
“ دور “
لحيّ سلمى شدّوا الركائب * قد زاد شوقي إلى الحبائب
أوّاه سهم البعاد صائب * والقلب ذائب
“ دور “
باللّه يا ريم أرض رامه * أنل فؤادي الشجيّ مرامه
وأنت بأبرق من تهامه * هجت النجائب
“ دور “
يا ليلة السّفح من زرود * لنا ولو في المنام عودي
وأنجزي باللّقا وعودي * فالضدّ غائب
“ دور “
صلاة ربي على التهامي * وآله السّادة الكرام
عبد الغنيّ صار فيه سامي * وليس خائب

وقال رضي اللّه عنه :
دع المنكرين الجاحدين فإنهم * ستائرنا اللّاتي لحجب الأجانب
من الغيب مدّت بالكثافة وهي من * تجلّي اسمه الستّار ربّ المواهب
فصان بهم كالدرّ في صدف السّوى * وكالعين بالأجفان تحت الحواجب " 1 "
ولا ملك إلا وحجابه به * تحفّ اشتمالا بالقنا والقواضب " 2 "
وللكنز أرصاد وفيه طلاسم * يصان بها في الناس عن نيل طالب " 3 "
................................................................................................
1 -  الصّدف : صدف الدّرة : غشاؤها ، وهو غلاف يابس متصلّب يغطي اللؤلؤ . “ ج “ أصداف .
2 -  القنا : “ ج “ القناة : الرمح الأجوف . القواضب : “ ج “ القاضب : السيف القاطع .
3 -  الطلاسم : “ ج “ الطلسم : السرّ المكتوم ، أو نقوش تنقش على أجساد خاصة في أوقات مناسبة بكيفيات ملائمة لحوائج معلومة يزعمون أنها تردّ الأذى .     

60
صدقت هم الحسّاد نار قلوبهم * لقد نفحت من عودنا بالأطايب
وصان بهم عنهم لباب علومنا * إله البرايا بالقشور السّوالب
وقد زادهم عن ورد حوض نبيّنا * لدينا بتبديل من الوهم غالب
خيالات أفكار من الغيب سلّطت * ملائكة منهم بهم في تناسب
ويخبث أو يزكو من الأرض نبعها * على قدرها وهو اختلاف المشارب

وقال رضي اللّه عنه وقد طلب منه تخميس هذه الأبيات :
لي بالحمى قوم عرفت بصبّهم
وإذا مرضت فصحتي في طبّهم
قوم كرام هائمون بربّهم
علموا بأني صادق في حبهم * وتحققوا صبري الجميل فعذبوا
يا سعد خذ عني الهوى وله فعي
اعلم بأنّ القوم أهل المطلع
حضرات وجه غائب في البرقع
نزلوا بوادي المنحنى من أضلعي * وتمنعوا عن مقلتي وتحجبوا
هم عند قلبي بل وقلبي عندهم
وإذا بثثت الوجد بثّوا وجدهم
ومعي أراهم لا أفارق قصدهم
سعدت حظوظي إذ رضوني عبدهم * والفخر لي أني إليهم أنسب
وقال وقد طلب منه تخميس هذين البيتين عفا اللّه عنه :
رفعنا إلى أوج العلاء رؤوسنا
ورضنا على حكم الغرام نفوسنا
وللغير لم نحتج به أن يسوسنا
أيا ربّة الألحان ديري كؤوسنا * على من لهم في الحبّ أوفر منصب
أحبة هذا القلب جادوا لصبهم
وقد طاب عيشي من دواهم وطبهم
خذي يا صبا عني أحاديث قربهم
وحيي أناسا قد شغفنا بحبهم * لهم منحة منا وودّ مقرّب 

61
وقال مخمسا :
أنت عبد الغنيّ فاقنع بدلق
واصحب الناس بالتّقى لا بملق " 1 "
وبوجه لمن يلاقيك طلق
عش عزيزا ولا تذلّ لخلق * واطلب الرّزق في بلاد الحبيب
لا تدع في الفؤاد همّا وكربا
وتحقّق وطب من الغيب شربا
واقصد اللّه واقترب منه قربا
ثم سر في البلاد شرقا وغربا * وتوكّل على القريب المجيب
خذ بعلم الصوفي وعلم الفقيه " 2 "
واترك الادّعا فلا خير فيه
والتزم سيرة النبيل النبيه
فعسى أن تنال ما ترتجيه * بيد اللطف من مكان قريب

وقال رضي اللّه عنه :
كن على الصدق مقيما والأدب * والزم العلم بفهم وطلب
واتّق اللّه بقلب خاشع * واجتنب ظلمة أنواع السبب
وانظر النور الذي في طيّه * حيث أدنى بالأقاصي واقترب
وتوكّل في المهمات على * خالق الخلق تنل أعلى الرّتب
وتوسّل كلّ وقت في الذي * أنت راجيه به تلق الأرب " 3 "
ثمّ لا تنس هنا عبد الغني * من دعاء الخير فاللّه يهب
وصلاة اللّه ربي لم تزل * مع سلام لنبيّ منتخب
وكذاك الآل مع أصحابه * عصبة الحقّ ومنجاة الكرب
أمد الأزمان ما غرّد في * دوحه الطّائر فاهتاج الطّرب
...............................................................................................
“ “1  الملق : التودّد والتلطّف ، وأن تعطي باللسان ما ليس في القلب .
“ “2  الصوفيّ : من سلك طريق التصوّف ، وصفّى قلبه ليدرك الحقائق الإلهية بطريق الحدس والإلهام .
وأشهر الآراء في تسميته أنه كان يفضّل لبس الصوف تقشّفا “ ج “ صوفية . الفقيه : الراسخ في علم الفقه وأصول الشريعة وأحكامها ، ومن كان شديد الفهم “ ج “ فقهاء .
“ 3 “ الأرب : الحاجة والبغية والأمنية “ ج “ آراب .              

62
وقال رضي اللّه عنه موشحا عروض ابن مليك مطلب دموعي :
“ مطلع “
يا من جلا عن ناظري * غيم السّوى لا تحتجب
وإذا سألتك حاجتي * يا سيدي لي فاستجب
“دور “
فاز الذي لاحت له * من خلف هاتيك السّتور
ذات المحاسن والبها * تمثال ولدان وحور
والكلّ فان عنده * في غيبة أو في حضور
حتى انمحى عن ذاته * والوصف بالقلب الوجب
وإذا سألتك حاجتي * يا سيدي لي فاستجب
“ دور “
هذا النّقا والمنحنى * والسّفح من وادي زرود
يا من رأى قلبي هناك * كالطّير حائم على الورود
والجسم مني ههنا * باق على حفظ العهود
ناد وقل كم ذا نجا * ئب همّتي لك تجتنب
وإذا سألتك حاجتي * يا سيدي لي فاستجب
“ دور “
قولوا لمن قد لامني * في حبّ سعدى والرّباب
لو ذقت طعم العشق ذب * ت ومنك هذا الصّخر ذاب
لم تستطع حتى ترا * ه وعنك يأتيك الكتاب
نور تلألأ ظاهر * وهو الخفيّ المحتجب
وإذا سألتك حاجتي * يا سيدي لي فاستجب
“دور “
لا يستوي حيّ ولا * ميت ونور مع ظلام
إنّا لنرجو كلّنا * عن وجهنا كشف اللّثام
حتى يزول في الهوى * ما بيننا هذا الملام
والعشق عندي للمليح * بعد الفنا شيء يجب
وإذا سألتك حاجتي * يا سيدي لي فاستجب

63
“ دور “
غنّت حمامات اللّوى * بالعشق من فوق الغصون
والحبّ عند العارفين * من كن إلى أقصى يكون
وهو الذي في أهله * يبدو به السرّ المصون
ما يفعل المشتاق إن * ناداه من يهوى أجب
وإذا سألتك حاجتي * يا سيدي لي فاستجب
“ دور “
هذّبت نفسي بالهوى * والصّفو من كلّ الكدر
والروح طاب الورد من * قيومها لي والصّدر
واخترت عين العين لا * ذات التكحّل والحور « 1 »
والتّيه والعجب انقضى * ما نا بتيّاه عجب
وإذا سألتك حاجتي * يا سيدي لي فاستجب
“ دور “
صلّي على طه الرّسول * ربي وسلّم ذو الجلال
والآل والأصحاب من * هم خير أصحاب وآل
ما راق من عبد الغني * نظم المدائح للرجال
واهتاجه الصّوت الرخيم * وهاجه الصّوت اللجب « 2 »
وإذا سألتك حاجتي * يا سيدي لي فاستجب

وقال رضي اللّه عنه مخمسا قصيدة شيخه القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني « 3 » ليلة الأربعاء الرابع عشر من ربيع الأول سنة 1119 :
قلبي الذي في ذاتكم ينقلب
...............................................................................................
1 -  الحور : شدة بياض بياض العين مع شدة سواد سوادها .
2 - رخم الصوت : لان وسهل فهو رخيم ؛ أي : رقيق .
3 -  هو عبد القادر بن موسى بن عبد اللّه بن جنكي دوست الحسني “ 471 - 561 ه - 1078 - 1166 م “ أبو محمد ، محيي الدين الجيلاني ، أو الكيلاني ، أو الجيلي مؤسّس الطريقة القادرية . من كبار الزهّاد والمتصوّفين . ولد في جيلان وانتقل إلى بغداد شابّا فاتصل بشيوخ العلم والتصوّف وبرع واشتهر ، وتصدّر للتدريس والإفتاء في بغداد سنة 528 ه ، وتوفي بها . له كتب منها « الغنية لطالب طريق الحق » و « فتوح الغيب » و « الفيوضات الربانية » وغير ذلك . الأعلام 4 / 47 ، والنجوم الزاهرة 5 / 371 ، وطبقات الشعراني 1 / 108 - 114 ، وفوات الوفيات 2 / 2 ، وشذرات الذهب 4 / 198 .

64
وعلى مقام الهاشميّ مهذب 
فلا جلّ ذا من كلّ معنى أطرب 
ما في المناهل منهل مستعذب * إلّا ولي فيه الألذّ الأطيب 
تأتي لسرّي آية منصوصة 
فتراش أجنحة بها مقصوصة 
ما في الجمال ذؤابة معقوصة « 1 » 
أو في الوصال مكانة مخصوصة * إلا ومنزلتي أعزّ وأقرب 
بكر العلا منكم تزفّ لكفوها 
ما بين رحمتها نشأت وعفوها 
وأنا بطاعتها سموت وقفوها 
وهبت لي الأيام رونق صفوها * فحلّت مناهلها وطاب المشرب 
كم طلعة لي في الملاح وسيمه 
توليك من نعم لديّ جسيمه 
وبدرّة بيضا علقت يتيمه 
وغدوت مخطوبا لكلّ كريمه * لا يهتدي فيها اللبيب فيخطب 
حالي به شوق الورى ورسيسهم 
من ناله منهم فذاك رئيسهم 
والسرّ مني للعباد أنيسهم 
أنا من رجال لا يخاف جليسهم * ريب الزمان ولا يرى ما يرهب 
حقّت لطه المصطفى لي نسبة 
ولوارثيه من البريّة صحبة 
فهم الرجال ولي إليهم قربة 
قوم لهم في كلّ مجد رتبة * علوية وبكلّ جيش موكب 
أشتمّ هبات الغيوب وفوحها 
وأرى غناء النّفس ساوى نوحها 
...............................................................................................
1 -   الذؤابة : ضفيرة الشعر المرسلة . عقصت المرأة شعرها : لوته وأدخلت أطرافه في أصوله ، وجعلت منه ضفيرة مستديرة في قفاها أو على رأسها . 

65
متحقّق قلم الهبات ولوحها 
أنا بلبل الأفراح أملأ دوحها * طربا وفي العلياء باز أشهب « 1 » 
كلّ الحقائق من مدام حقيقتي 
حقّت ومرجعها لأصل طريقتي 
وأنا الذي لما حفظت شريعتي 
أضحت جيوش الحبّ تحت مشيئتي * طوعا ومهما رمته لا يعزب 
جانبت ما أهوى وطبت طوية 
فنزلت منزلة هناك علية 
وصفوت من كلّ الجوانب نية 
أصبحت لا أملا ولا أمنية * أرجو ولا موعودة أترقب 
عن همّتي العلياء قد ضاق الفضا 
لمّا غدوت لوصلكم متعرّضا 
يا سادة فيهم على طبق القضا 
ما زلت أرتع في ميادين الرّضا * حتى وهبت مكانة لا توهب 
أسمو بأسرار لكم مكتومة 
ما بين أستار لنا معلومة 
كم في الورى من حالة مرسومة 
أضحى الزمان كحلّة مرقومة * تزهو ونحن لها الطّراز المذهب 
نحن الذين يعزّ فيكم جنسنا 
ويطيب في أرض الحقيقة غرسنا 
لا تعرضوا عنّا فهذا أنسنا 
أفلت شموس الأوّلين وشمسنا * أبدا على فلك العلا لا تغرب 

وقال رضي اللّه عنه : 
شمس باء الوجود ذات غروب * في ذوات ما أن لها من قلوب 
ولها نقطة هناك لديهم * حجبتهم بها عن المحبوب 
...............................................................................................
1 -  الباز : أحد الكواسر من الطير ، من الفصيلة الصقرية ورتبة الجوارح يستخدم في الصيد “ ج “ بيزان . 

66
يا رجال الهوى قفوا لكلامي * واستعينوا به على المطلوب 
إنكم إنكم وإني وإني * وهي وهي التي عفت عن ذنوبي 
وهي ذات الخطاب صيغة شفع * قد تسامت بالوتر للحيسوب 
حرف باء مقدّس رقمتنا * يده فوق قشرها باللبوب 
ولها العقل حاجر حجرات * هي حضرات ذاته في الغروب 
كلّ من حقّق الأمور رآها * بين أطواقه وبين الجيوب 
وقال رضي اللّه عنه في كتابه الفتح المكي واللمح الملكي : 
سرينا من التوفيق فوق نجائب * إلى أن دخلنا في ديار الحبائب 
وقرّت عيوني بالعيون التي رنت * إليّ بأحداق كمثل القواضب « 1 » 
وفي زمزم الإقبال كان اغتسالنا * عشية أجنبنا بمسّ الأجانب « 2 » 
وطفنا ببيت العزّ في ذلّة الهوى * وقمنا بفرض في المحبة واجب 
وللحجر المعروف قام استلامنا * مقام عهود في حقوق لوازب « 3 » 
ونلنا الصّفا عند الصّفا يوم سعينا * إلى مروة التركيب فوق المراكب 
وفي عرفات الوصل نلنا معارفا * تجلّ عن الترتيب بين المراتب « 4 » 
ومزدلفات القرب مسجد خيفها * تجرّد عن خوف به في الرغائب « 5 » 
وهذا منى قلبي بوادي منّى دنا * وقد فزت من تحصيله بالغرائب 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا سقى اللّه لذة الموت لمّا * يتلاقى المحبّ والمحبوب 
إنما الموت نشأة وسرور * وهو شيء يلذّ لي ويطيب 
أنا واللّه لست في حكم طبع * لا أرى عنه نفرة يا أديب 
هو لو لم يكن به غير روح * غالب للإله ليس يغيب 
لكفانا وكيف وهو خلاص * من كثيف به أنا المحجوب 
...............................................................................................
“ “1  رنا إليه : أدام نظره إليه في سكون طرف . الأحداق : “ جج “ الحدقة : السواد المستدير وسط العين . 
“ “2  زمزم : بئر بمكة عند الكعبة غير منصرف للعلمية والتأنيث . 
“ “3  الحجر الأسود : حجر في الكعبة يستلمه الحجاج عند طوافهم . 
“ “4  عرفات : جبل قرب مكة يقف عليه الحجاج يوم التاسع من ذي الحجة . 
“ “5  مزدلفة : موضع بين عرفات ومنّى . قيل : سمّيت بذلك لاقتراب الناس من منى بعد الإفاضة من عرفات . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:11 pm

قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وقال رضي اللّه عنه وقد طلب منه بعض الأحباب من أهل حلب الشهباء تذييلا « 1 » على طريقة الموشح لبيتين وردا في الواقعة على قلب بعض الصوفية في مدينة حلب وهما : 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
فقال قدّس اللّه سرّه في ذلك : 
يا جملة الأقطاب * والسّادة الأنجاب 
ويا أولي الألباب * أشكو إليكم ما بي 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
“ دور “ 
بدا جمال العالي * ولاح نور الوالي 
وأشرقت أحوالي * وثار ليث الغاب 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
“ دور “ 
بشائر التوفيق * تشير للتحقيق 
ورتبة الصديق * تلقيك في الأعتاب 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
“ دور “ 
خذوا فؤادي العاني * وكمّلوا إيماني 
هذا البعيد الداني * مسبّب الأسباب 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
...............................................................................................
1 -  التذييل : زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع ، فتصير “ متفاعلن “ بالتذييل “ متفاعلان “ والتذييل في علم المعاني : تعقيب جملة بأخرى تشتمل على معناها تأكيدا لها . 

68
“ دور “ 
راحت به الأرواح * وذابت الأشباح 
فاشرب فهذا الرّاح * يروق في الأكواب 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
“ دور “ 
صلاة ربّ الناس * على مدير الكاس 
في حضرة الإيناس * طه مع الأصحاب 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
“ دور “ 
من فاح نشر الوادي * به وطاب النادي 
وهو النبيّ الهادي * وطاهر الأحساب 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
“ دور “ 
مع السّلام الوافي * من الإله الكافي 
بالجود الألطاف * على مدى الأحقاب 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 
“ دور “ 
من المحبّ السّامي * عبد الغني الشامي 
حباه بالأنعام * ربي وبالآداب 
أحبابي يا أحبابي * فلازموا في الباب 
ولا تقولوا من لها * فأنتمو كفو لها 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا ندرك اللّه دائما أبدا * ولو جهدنا وكدّنا التّعب 

69
وأنت يا عقلنا عجزت فقف * عليك في اللّه يفرض الأدب 
فيه دع الفكر كم مكابرة * من أين هذا الإخاء والنّسب 

وقال رضي اللّه عنه : 
به انتفيت انتفاء الباب بالخشب * جمعا وفي الفرق ما الخلخال بالذهب « 1 » 
لو لم يكن خشب ما الباب كان ولا * قد كان من ذهب خلخال منتقب 
حقيقتان هما إحداهما عدم * وما سواها وجود ثابت السبب 
والرّوح من جملة المعدوم سارية * كالجلد بالعظم ممسوك وبالعصب 
وكلها صور يبدو مصوّرها * بها محيط كما قد جاء في الكتب 
فافهم تقاديره واعرف حقيقتها * منها ومنه وخف واحذر من العطب « 2 » 
ولا تقل أنت هو ما أنت هو أبدا * لا شيء كيف يساوي الشيء واعجبي 
وظاهر هو ذا لا غيره معه * وإنما غيره المعدوم فارتقب 
وباطن هو في حال الظهور كما * عرفت في الذهب المصنوع والخشب 
ولا تقل بانتفاء الغير تجهله * ولا تقل بوجود الغير تحتجب 
ورتبة أنت فيها إنه أزلا * في رتبة غيرها فاكشف عن الرتب 
وافهم كلامي وحقّق ما تراه هنا * وميّز الفرق والزم ساحة الأدب 
ولا تغالط فما الأحوال ملعبة * وليس قلبك هذا غير منقلب 
هذا هو الخلق والحقّ المحيط به * لأنه عدم قل بالوجود حبي 
فاسجد له دائما إن كنت تعرفه * مثلي كما قال في القرآن واقترب 
ولا تصر كافرا إن قلت إنك هو * فأنت بالنفس عنه دائم الحجب 
اللّه أكبر هذا عقد كلّ ولي * لا شكّ فيه لنا بل عقد كلّ نبي 
فخذ به وتمسّك لا تمل لسوى * هذا إذا رمت ترقي ذروة القرب 
أو لا فسلمه للقوم الذين به * تحقّقوا واعتقد تنجو من التعب 
وتدرك العزّ في دنيا وآخرة * بالقوم في حالة موصولة النسب 
...............................................................................................
1 -  الجمع والفرق : لفظ الجمع مأخوذ من جمع الهمّة على الحق تعالى ، ولفظ الفرق مأخوذ من تفرقتها في الكائنات مع الحق ، والجامع والمفرق في الحقيقة هو اللّه تعالى. “ للتوسّع انظر حديث القشيري عن مصطلح الجمع والفرق في الرسالة ص64 - 67“.  
الخلخال : حلية كالسّوار تلبسها المرأة في رجلها “ ج “ خلاخيل . 
2 - العطب : الهلاك . 

70
أو لا فلا تؤذهم بالسوء تنسبه * لهم وخف ربهم يرديك بالغضب 
ولا تخض في أمور لست تعرفها * إني نصحتك هذا غاية اللّعب 
ولا تعاند بلا علم وكن رجلا * له اهتمام بأعلى السبعة الشهب 
واعلم بربّك لا بالعقل منك تفز * بما تروم وكن في الرأس لا الذنب 
فإنّ ربّك خلّاق لعقلك ما * فرّقت بالذوق بين الضّرب والضرب 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا عقل كم منك قلّة الأدب * في اللّه فاسجد إليه واقترب 
تجول في الكائنات تطلبه * كطالب جذوة من اللهب « 1 » 
في جوف ماء يدور فيه ولا * تراه يوما يفوز بالأرب 
فجذوة النّار يستحيل بأن * تكون في الماء رح بلا تعب 
كذاك حقّ اليقين خالقنا * وجود حقّ محقق الرتب 
وكلّ شيء به بدا عدم * مقدّر كالسّتور والحجب 
فاعرف به نفسك الحقيرة لا * تغفل وكن قائما به تصب 
واعبد به مؤمنا بملته * ومخلصا دينه عن الريب 
واحذر من الفكر فيه إنك لا * تقدر تدري أثمت فلتتب 
ولا تغالط وكن على وجل * منه ودم به جاهلا وغبي 
فإنه اللّه في الغيوب متى * شهدته أنت ظاهرا يغب 

وقال رضي اللّه عنه : 
نسب المحبة أقرب الأنساب * خال عن الأغراض والأسباب 
ومتى تدنّست المحبة بالسّوى * حجبتك عنك كسائر الحجاب 
يا أيها العدم الذي هو ظاهر * بوجود غيب غائب في الغاب 
خلّص محبتك التي هي فيك من * دعوى الوجود تفز بفتح الباب 
لا تدّعي ما لم يكن لك تفتضح * يوم اللّقا في حضرة الأحباب 
هيهات أين محبّة القوم الأولى * شربوا الكؤوس وخمرة الأكواب 
وتعلقوا بالغيب لا بتقلق * منهم به فلهم أعزّ جناب 
...............................................................................................
1 - الجذوة : الجمرة الملتهبة أو القبسة من النار “ ج “ جذّا ، وجذاء . 

71
إنّ المحبة إن صفت فحقيقة * مكنونة فيها ألذّ شراب 
وبها النفوس هي القلوب تقلّبت * من صحوها للمحو كالدّولاب 
سلمان من آل النبيّ بها كما * سلمان منّا قالها بصواب « 1 » 
فتحقّقوا بشرابها صرفا بلا * مزج يعيد شرابها كسراب 
حقّا نقول هي المحبة لا تكن * متجرّدا فيها عن الآداب 
والبس لها ثوب التّقى واحذر تكن * مثل النّساء منقبا بنقاب 
تمسي وتصبح أنت أنت ولا ترى * إلا الجمود ووقفة المرتاب 
اللّه أكبر إننا محبوبنا * في حلّة الأبدال والأقطاب « 2 » 
نعلو ونسفل في يدي أسمائه * من قرب تنعيم وبعد عذاب 
ضلّت به أمم فلم يدروا سوى * أثوابه المعدومة الأثواب 
وهو المحيط بهم وإن لم يعلموا * هم في يديه تلوّنات خضاب 
أين الحلول وكلّ شيء هالك * نصّ الحديث ونصّ كل كتاب 
لكن عقول الجاهلين تضلّهم * فيكذبون بأبلغ الكذاب 
واللّه يعلم ما هنالك كله * فتحققوه يا أولي الألباب 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا نسبة أدخلت سلمان في النسب * بقول طه رسول اللّه خير نبي 
سلمان منّا بآل البيت ألحقه * مع أنه فارسيّ ليس بالعربي 
وأخرجت عمّه الأدنى إليه كما * أتاه تبّت يدا وحيّا أبي لهب 
فابحث عن النسبة المرفوع جانبها * ما تلك واعمل عليها فيك وانتسب 
ومجمل القول في معنى حقيقتها * بأنها ملّة الإسلام فاحتسب 
إسلام روح وعقل للإله معا * بلا شعور ولا قصد ولا أرب 
هذا وتفصيله إن رمت تعرفه * فإنها حالة مجموعة الأدب 
سرّ من الغيب سار في سريرة من * له يريد بلا سعي ولا سبب 
فإن بدت لك من فيض الإله هنا * فاسجد لمولاك في دنياك واقترب 
سجود قلب أنار الغيب طلعته * فلم يدع عنده ريبا من الرّيب 
...............................................................................................
“ “1  سلمان : هو سلمان الفارسي . انظر ترجمته في الأعلام 3 / 111 - 112 . 
“ “2  الأبدال : “ عند الصوفية “ إحدى طبقاتها ، يزعمون أنه إذا مات بدل من الأبدال حلّ محله آخر . 

72
وأسلمت نفسه طوعا لخالقها * وآمنت بالذي فيها من الرتب 
وأصبحت سائر الأكوان تطلبه * لأنه سرّها المخصوص بالقرب 
تنزلات كلام لا حروف له * ولا عروض معاني جملة الكتب 
حقّ تنزّه عن روح وعن جسد * وعن ظهور وعمّا في البطون خبي 
هذا حقيقة إسلام الذي سلمت * منها بها نفسه عن صدق مرتقب 
وهو الذي لم تكن توصف به أبدا * غير النبيين في الماضي من الحقب 
حتى الخليل لنا بالمسلمين لقد * سمّى كما جاء في القرآن يا ابن أبي 
فاقنع بمجمله واطلب مفصله * فربما فزت بعد الكشف للعجب 
ونلت ما نلت بالفيض المقدّس لا * بالكسب منك ودم في السعي واكتسب 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
واللّه واللّه ما هذا وجود الربّ * فإنه من يقل هذا طغى في السّبّ 
لأنّ ذا حادث يأوي إليه الصبّ * واللّه حقّ قديم فالق للحبّ 

وقال رضي اللّه عنه : 
لبس القميص أو القبا * من كلّ شيء فاختبى 
قمر منير طالع * نحن السّحاب له الخبا 
روح شريف كلّنا * تصويره متحجبا 
واللّه غيب عنه لا * يدري به لما أبى 
والشّمس طلعة وجهه * والعالمون به الهبا 
يخفى فنظهر ثم إن * ظهر اختفينا فاعجبا 
عنه البريّة قد لهت * وتفرّقت أيدي سبا 
إن غبت عنه فإنني * من نسل أصحاب النبأ 
وإذا نسبت لأمره * لا أمّ صرت ولا أبا 
وهو الجميع فإن بدا * عنّا الجميع تحجّبا 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنما بيت عزتي وهو قلبي * نازل فيه منه قرآن ربي 
ليلة القدر جملة فاستمعه * بكلامي مفصلا يا محبي 
كلّ نظم وكلّ نثر أتاكم * من كلامي فإنه قشر لبّي 

73
فافهموه به يكون عليكم * نازلا للذي دعاه يلبي 
يا عطاش النفوس هذا زلال * بارد فاشربوا له مثل شربي 
بعد قيء الكون الذي هو فان * بين شرق من الرسوم وغرب 
إنها السيئات من تاب صارت * حسنات له بتبديل سلب 
واستحالت بمن تجلّى عليها * فأحالت ذاك البعاد بقرب 
هو هذا نعم وما هو هذا * واسألوا عنه كلّ صاحب قلب 
تجدوه الصّواب لا ريب فيه * عندكم مذهبا لحزن وكرب 
واستقيموا عليه لا تتركوه * بالشياطين إن أتوكم بحرب 
هذه مدّة تكون وتمضي * سرعة فاغنموا معارف وهب 
كلّ من يعشق المليح تراه * صابرا في الهوى لشتم وضرب 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا مدّعي العرفان فجرك كاذب * لم يدخل الوقت الذي هو واجب 
فالنفس منك هي التي كذبت ولم * تصدق وأنت مخاطب ومخاطب 
أين الصّباح وأين شمسك بعده * روح تنير وليس ثمّ غياهب 
فيضيء كونك باسم ربّك كله * وتغيب عنك مشارق ومغارب 
إنّ الحقيقة والشريعة واحد * والفرق بينهما ضلال غالب 
فأقم لدين اللّه وجهك إنه * وجه الحبيب له هناك حبائب 
واطلب وكن متوجها أبدا به * يحظى ويظفر بالمراد الطالب 
لكن بدعواك الوجود حجبت عن * من يدّعي والعارفون مشارب 
واللّه أعطانا منازل قربه * وله شكرنا والعطاء مواهب 
حتى رأينا وجهه كالشّمس قد * أبدى المنال بها إلينا الضارب 
في جنة الخلد التي هي لم تزل * موجودة بوجود من هو صاحب 
هو صاحب لك إن رحلت مسافرا * عمّا سواه فما سواه أجانب 
طبق الذي قد قاله لك مرسل * وهو النبيّ عليه صلّى الواهب 

وقال رضي اللّه عنه : 
هذا الطريق الأقرب * فخذوا المدامة واشربوا 
وهي الوجود ونورها * كأس وأنت الغيهب 

74
والكأس في يد من بدا * وهو المليح الأشنب 
يا أيها النّدمان لي * حثوا المطيّة واركبوا 
منكم إليكم فالذي * يدري الكلام مهذب 
وامشوا الصراط المستقي * م إلى الحبيب لتقربوا 
لا تهربوا منه تروا * منه إليه المهرب 
فاز الذي يدنو وقد * خسر الذي يتجنب 
يا عاذلون تحوّلوا * عن دربنا وتنكبوا 
قلبي به متعلق * إذ ما لقلبي لولب « 1 » 
لا أمّ لي من غيره * أمد الزّمان ولا أب 
قام الذي يدعو إلي * ه بما يقول ويخطب 
أين الذي يصغى له * ويجدّ فيه ويطلب 
جلّت معاني الغيب عن * كون يجيء ويذهب 
وعن العقول وما به * أهل العقول تمذهبوا 
هي جنة وجهنم * أغياره تتلهب 
وجه هو الشّمس التي * عن شرقنا لا تغرب 
يتلو مقالة أينما * ولو فلا تتهيبوا 
نحن الذين به له * جئنا وعزّ المطلب 
اللّه أكبر هكذا * أحد هناك فيسلب 
هو مؤمن لكنه * عنّا بنا متحجب 
وبه نلوح ونختفي * برق يرفرف خلّب « 2 » 
اللّه أكبر هكذا * هو واللبيب يجرّب 
وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
ألا يا لقومي من غزالة وجرة 
جفتني وعني أظهرت فرط نفرة 
...............................................................................................
“ 1“  اللولب : أداة من خشب أو معدن تنتهي بشكل حلزوني . 
“ 2“  الخلّب : السحاب يبرق ويرعد ولا مطر فيه ، ومنه “ برق خلّب “ ، وهو الذي لا يعقبه مطر ويشبّه به من يعد ولا ينجز . 

75
دخلت ولما صرت منها بحضرة 
نظرت إليها فاستحلّت بنظرة * دمي ودمي غال فأرخصه الحبّ 
محجبة طرف الذي رامها عمي 
لها كلّ حسن في البريّة ينتمي 
بذلت لها روحي وجسمي مرتمي 
وغالبت في حبي لها ورأت دمي * رخيصا فمن هذين داخلها العجب 
وقال رضي اللّه عنه مشطّرا ذلك : 
نظرت إليها فاستحلت بنظرة * على البعد شتمي ثم منها بدا السبّ 
وقالت ستدري ما أريد وقصدها * دمي ودمي غال فأرخصه الحبّ 
وغاليت في حبي لها ورأت دمي * يجود به حبي فقالت هو الذنب 
خرقت حجابي مذ نظرت تظنه * رخيصا فمن هذين داخلها العجب 

وقال رضي اللّه عنه كذلك مشطّرا : 
نظرت إليها فاستحلت بنظرة * بعادي عنها والبعاد لي القرب 
وقد أعرضت عني وولّت مبيحة * دمي ودمي غال فأرخصه الحبّ 
وغاليت في حبي لها ورأت دمي * من العين أجراه بكائي والنّحب 
فقالت : دم العشّاق إني رأيته * رخيصا فمن هذين داخلها العجب 
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
إن كنت تنكر علينا أيّها المحجوب * حبّ المليح الذي عقلي به مسلوب 
محبوب طه النبيّ زيد هو المطلوب * واللّه طه النبيّ الهادي له محبوب 

وقال رضي اللّه عنه : 
لك قد رمت وجودا فأبى * وحوى رسمك أمّا وأبا 
أنت رسم مستحيل عدم * ووجود اللّه عنك احتجبا 
بدعاويك له حيث دنا * منك يا تقديره واقتربا 
واجب ما زال ربي واجبا * مستحيل أن يرى منقلبا 
وكذا الممكن في إمكانه * لم يزل والعلم فيه غلبا 
علم ربي غالب في كلّ ما * هو فيه فاسمعوا هذا النبأ 

76
هنّ أنواع ثلاث جنسها * مدرك بالعقل والغير صبا 
فاحذر الواجب أن تخلطه * بالذي أمكن فالخلط هبا 
يا بني الأيام هذا أبدا * دائم والكلّ يبغي الطلبا 
ما هنا كلّ ولكن وهم * غلب العقل أزال الأدبا 
إن هذا هو علم خارج * عن معاني العقل علم الغربا 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا صاحب الجهل المركب * وبجهله عني تنكب 
لم يدرني ويظنني * أنا مثله وعسليّ هكب « 1 » 
أخفت كمالي ناره * عنه فدخن لي وعكب « 2 » 
وبزعمه حزنا عليّ * الدّمع قطّره وسكب 
لا والذي هو عالم * بي كلّ ذا زور تركب 
يدري وينكر حالتي * وعليّ بالطغيان وكب 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
“ دور “ 
حيي زمان التّصابي * أيام وصل الحبيب 
والمشي بين الروابي * في الروض ذاك الخصيب 
وكنت أشكوه ما بي * وكان نعم المجيب 
وكنت ألقى ثوابي * ذاك الجمال المهيب 
“ دور “ 
يا سعد قل للحبائب * عيدوا ليالي الوصال 
لا تجعلوا الصّبّ خائب * منكم له البعد طال 
شدّت إليكم نجائب * دوني وما لي مجال 
والقلب بالشوق ذائب * وبالبكا والنحيب 
“ دور “ 
...............................................................................................
1 -  هكّب : استهزأ . 
2 -  العكب : الغبار ، وعكبت الطير : عكفت ، وعكبت القدر : ثار عكابها وهو بخارها وشدة غليانها ، والعكاب : الدخان . 

75
جاءت إلينا البشائر * بهمز تلك العيون 
وأفهمتنا الأشائر * من كن لأقصى يكون 
والعقل قد كان حائر * فيهم كثير الظنون 
ومنه دارت دوائر * على البعيد القريب 
“ دور “ 
هذا الحمى والمنازل * بانت لنا من بعيد 
والركب في الحيّ نازل * ويومهم يوم عيد 
فلا تكن أنت هازل * وأصدق تنل ما تريد 
يكفيك شرّ النوازل * ربي ويعطي النصيب 
“ دور “ 
صلّى إلهي وسلّم * على الشفيع المشفع 
ومن لنا الخير علم * وكان للشرّ يدفع 
محمّد من تكلم * بكلّ ما كان أنفع 
عبد الغني منه إن لم * يفز بوصل يخيب 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
إذا ظهر نحن غبنا أو ظهرنا غاب * وجود حقّ بنا مثل الأسد في غاب 
طورا له ولنا طورا وجوده ناب * عنّا وعنه نشب منّا ومنه ناب 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
“ دور “ 
تجلّى وجه محبوبي * وهذا كلّ مطلوبي 
فيا نار العدا ذوبي * بعيد عنك مشروبي 
“ دور “ 
جمال الأهيف الزاهي * وحسن الأغيد الباهي 
به صبري هو الواهي * وموتي فيه مرغوبي 
“ دور “ 
رأينا نوره أشرق * فكنا برقه الأبرق 
ولا نجد ولا أبرق * سوى الإبريق والكوب 

78
“ دور “ 
علينا الخمر قد دارت * بها ألبابنا حارت 
وأطيار الهوى طارت * بترتيب وأسلوب 
“ دور “ 
مليح الكون وافانا * وزاد الحسن إحسانا 
وحيي يوسف الآنا * فقرّت عين يعقوب 
“ دور “ 
وصلّى ربنا الهادي * على من شرّف الوادي 
له عبد الغني الحادي * بعشق فيه منسوب 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا مرحبا يا مرحبا يا مرحبا * هذا الحبيب أتى وكان مغيبا 
فتبيّنت أنواره في ذاتنا * لما فنينا فيه وانكشف الخبا 
صبغت إرادته الخلائق كلّهم * بوجوده لمّا تجلّى في القبا 
يا طالما قد كان عنّا غائبا * فينا ولم نشعر به فأتى النبأ 
هذا المليح وهذه أوصافه * كم أطلعت منه لقلبي كوكبا 
وسرى نسيم الروح في أحشائنا * فأمالنا طربا كأغصان الربا 
وبه انجمعنا يوم جمعة وصله * وتفرّقت أحزاننا أيدي سبا 
وهو الذي عنّا أزال غياهبا * منها وبالنور المبين لنا نبا 
لا نستطيع نراه وهو الشّمس في * إشراقه وجميعنا فيه الهبا 
جلّت معالم ذاته عن دركنا * وإن استديم العقل فيه تقرّبا 
وتبارك اللّه الذي هو واحد * أحد إليه كل ذي قلب صبا 
بجلاله فتن العقول وفاتن * بجماله كلّ الحواس تحبّبا 

وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
الكون قد أظهر لي بسطه 
في نور طه مثبت قسطه 
والآل نور أحكموا ربطه 
لو شقّ عن قلبي يرى وسطه * سطران قد خطّا بلا كاتب 

79
نوران في نور لهم غائب 
روح وجسم ذا بلا عائب 
لا زال في قلب لنا نائب 
العلم والتوحيد في جانب * وحبّ آل البيت في جانب 

وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
“ مطلع “ 
لما تجلّى حبيبي * لي كان مسكي وطيبي 
والوجه منه سباني * بكلّ حسن غريب 
“ دور “ 
قوموا اشهدوا يا جماعه * بدرا يريكم شعاعه 
ولا تقولوا غفلنا * عن القريب المجيب 
“ دور “ 
حيّا الحيا أرض نجد * مثير شوقي ووجدي 
يا طالما لي أفادت * فرط البكا والنحيب 
“ دور “ 
يا غصن بان تثنّى * خلّ الجفا منك عنّا 
وجد علينا برؤيا * هذا الجمال المهيب 
“ دور “ 
صلاة ربي الرحيم * على النبيّ الكريم 
ما فاق عبد الغنيّ * في المدح كل لبيب 
وقال رضي اللّه عنه من طريق الموشح : 
“ دور “ 
جلّ وجه لاح من خلف النقاب * فامتلأ قلبي بنور الاقتراب 
خافق الأذيال محبوب مهاب * فاتح في كلّ وجه كلّ باب 
“ دور “ 
إنه المنظور في كلّ العيون * إنه المفهوم في كلّ الظنون 
غير أنّ العقل عن هذا المصون * في قصور وذهول وارتياب 

80
“ دور “ 
أيّها القوم اصعدوا فوق المنار * واتركوا الأغيار فالأغيار نار 
وامسحوا عن وجهكم هذا الغبار * وانظروا الوجه الذي في الغير غار 
“ دور “ 
لمتى أنتم سكارى في شكوك * لم تذق أنفسكم طعم السّلوك 
ما لكم علم بأسرار الملوك * إنها واضحة وهي الصواب 
“ دور “ 
وصلاة اللّه ربي والسّلام * للنبيّ المصطفى خير الأنام 
ولآل ولأصحاب كرام * من بهم عبد الغني الداعي يجاب 

وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
أيا من له الأشواق مني كثيرة 
ومني دموعي يوم بان غزيرة 
ويا من لقلبي في هواه سريرة 
فليتك تحلو والحياة مريرة * وليتك ترضى والأنام غضاب 
خيالك في قلبي لقلبي مسامر 
وحبك للعشاق ناه وآمر 
فيا ليت غيث الوصل لي منك غامر 
وليت الذي بيني وبينك عامر * وبيني وبين العالمين خراب 
لقد ذاب كلي في لقاك لك الهنا 
وبدّل فقري في تجليك بالغنى 
وأنت هو الموجود حقّا ولا أنا 
إذا صحّ منك الودّ يا غاية المنى * فكلّ الذي فوق التراب تراب 

وقال قدّس اللّه سرّه : 
بعيد الشّبه يا عيني * جمال اللّه في قلبي 
فإنّ الحسن في الأكوا * ن غير الحسن في الربّ 
وحسن الكون آثار * من الحسن الذي يسبي 
وهذا العلم لا يدري * ه إلا كامل اللبّ 

81
رأيت القوم قد شدّوا * على الأكوار والنجب « 1 » 
وطاروا في الفلا حتى * أناخوا في حمى الحبّ 
وإني خلفهم أعدو * أنادي آخر الرّكب 
قفوا لي لا تضيعوني * فإني طالب القرب 
إلى أن جئتهم صبّا * بهم والدّمع في الصبّ 
أخذت العلم عن ذاتي * وبالإسناد عن ربّي 
وأشياخي إشاراتي * بدت من داخل الحجب 
فلا زيد ولا عمرو * هنا قد كان في دربي 
إلى أن جئت سردابا * طويلا ضيّق السّرب « 2 » 
ووافيت الحمى طلقا * بلا شرق ولا غرب 
وصادفت الذي قد كن * ت أرجو غافر الذنب 
وأدعوه هو المعني * وعنه كان لي ينبي 
إلى أن صار لي غيبا * وزالت لبسة التّرب 
وقرّت عين من يهوى * بمن يهوى وقل حسبي 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
يا عارف اللّه لا تغفل عن الوهّاب * فإنه ربّك المعطي حضر أو غاب 
والقلب يقلب سريعا يشبه الدولاب * إياك والبرد يدخل من شقوق الباب 

وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
“ دور “ 
يا صبا نجد * زدت في وجدي 
ليت لو تجدي * عن شذا الأحباب 
لم أزل هائم * في هوى الدائم 
والسّوى نائم * سدّ عنه الباب 
يا بريق الغور * جرت أقوى جور 
إنّ فوق الطّور * هذه الأوصاب « 3 » 
سارت الرّكبان * فانتفت أكوان 
والخفي قد بان * مذ رقيبي غاب 
...............................................................................................
1 -  الأكوار : “ ج “ الكور : الرّحل ، وهو ما يجعل على ظهر الجمل كالسّرج . 
2 -  السرداب : بناء تحت الأرض يجعل فيه الماء في الصيف أو يلجأ إليه من حرّ الصيف . أو هو المكان الضيق يدخل فيه “ ج “ سراديب . 
3 -  الغور : المنخفض من الأرض ، ويقابله النجد . 

82
“ دور “ 
نلت فضل الكاس * دون كلّ الناس 
وامتلا إيناس * قلبي المشتاق 
والذي في الغيب * شقّ عنه الجيب 
ما بقي في الريب * عند فتح الطاق « 1 » 
قل لأحبابي * هل بهم ما بي 
شرب أكواب * مزّق العشاق 
فاسألوا نظره * خادم الحضرة 
تغنمو أجره * يا أولي الألباب 
“ دور “ 
صلّ يا فتاح * مع سلام فاح 
للذي قد لاح * نوره في الكون 
أحمد المختار * كامل المقدار 
جامع الأسرار * وهو نعم العون 
ثمّ بعد الآل * مجمع الأفضال 
صحبة الأبطال * بالتّقى والصون 
للغنيّ العبد * حافظ للعهد 
باذل للجهد * يرتجي الوهاب 

وقال رضي اللّه عنه وقد طلب منه تخميس هذين البيتين لبعض المتقدّمين : 
فرّ دهري بحقه 
من يدي مستحقه 
يا رؤوفا بخلقه 
صوّح النّبت فاسقه * نهلة من سحائبك « 2 » 
فقرنا زاد فاغننا 
واعطنا ما هو المنا 
ثم فرّج همومنا 
وأغثنا فإننا * في ترجّي مواهبك 
...............................................................................................
1 -  الطاق : ما جعل كالقوس من الأبنية من قنطرة ونافذة وما أشبه . 
2 -  صوّح النبت ونحوه : يبس حتى تشقق . 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:15 pm

قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف التاء 
وقال رضي اللّه عنه : 
أطوف على ذاتي بكاسات خمرتي * وأستمع الألحان في حان حضرتي 
وأنفخ مزماري وأصغي لصوته * وأضرب دفّي حين ترقص قينتي « 1 » 
وأنشق من روضي نسيم حقائقي * ويسرح طرفي في حدائق نشأتي 
وعندي إلى رؤيا جمالي تشوّق * كثير وما عشقي لغير حقيقتي 
ويا لهف أحشائي على حسني الذي * فؤادي به صبّ ويا فرط لوعتي 
أحنّ إلى ذاتي صباحا وفي المسا * وغاية قصدي في العوالم رؤيتي 
وقد وعدتني اليوم نفسي بوصلها * غدا متى مني تقوم قيامتي 
وأرفع عن وجهي خماري مجرّدا * ثيابي عن ذاتي وأهتك سترتي 
أبى الحبّ إلا أن أكون مولها * بقلب على طول النّوى متفتت « 2 » 
وشوق كثير واصطبار ممنع * وسقم وأشجان عليّ شديدة 
وإني لأرجو من حقيقتي اللّقا * وأطلب منها أن أفوز بنظرة 
فلا عجب أن بحت بالسرّ للورى * وعربدت في هذا الوجود بسكرتي 
وتهت بمحبوبي على كلّ ناسك * وغبت عن الأكوان بل عن هويتي 
وعندي انتظار كلّ يوم وليلة * إلى رؤيتي بل كّل وقت وساعة 
وما أنا إلا من أحبّ وإنّ من * أحبّ أنا من غير شكّ وشبهة 
أردت ظهوري لي وما كنت خافيا * فطوّرت في الأطوار من كلّ صورة 
وقد كنت قدما في عمى ليس فوقه * ولا تحته أيضا هواء بوحدة 
...............................................................................................
1 -  القينة : الأمة ، وغلب على المغنية “ ج “ قيان . 
2 -  النوى : البعد . 

84
وللقلم الأعلى تنزلت من يدي * وللوح حتى للذوات الكثيرة 
وقد كنت عرشي واستويت عليه من * قديم زماني في الوجود برحمتي 
ومنه إلى الكرسي تنزّلت بل إلى * سماواتي السّبع الطّباق العلية 
وطوّرت أملاكي فلي كنت عابدا * وطوّرت أفلاكي فدارت بقدرتي 
وعذت نجوما مشرقات على الورى * أزيد ضياء في ظلام الدجنة 
وطوّرت شمسا في طلوع نهاركم * وما الليل إلا من نتائج غيبتي 
وصرت هلالا تحسبون الشهور بي * وأجلو عليكم ضوء شمس الظهيرة 
وقد صرت أياما لكم ولياليا * ودهرا وساعات وكلّ دقيقة 
وطوّرت شكل الجان في الأرض قبلكم * وجئت لهم رسلا لإبلاغ حجّتي 
وقد كنت تكذيبا لرسلي منهم * فصرت لهم أوفى هلاك ونقمة 
وفي كلّ أطوار الشياطين بينكم * ظهرت بوسواس لأصحاب شقوة 
وطوّرت في شكل العناصر ثم في * مواليدها في الأرض تلك الثلاثة 
ففي معدن طورا وطورا ظهرت في * نبات وحيوان لتتميم حكمتي 
وكنت رياحا من شمال ومن صبا * أهبّ فأروي عن حديث الأحبة 
وكنت بحارا زاخرات على المدى * تفيض فتبدي موجة بعد موجة 
وطوّرت أرضا ثم صرت جبالها * لإرسائها فوق البحار المحيطة 
وإني على ما كنت فيه ولم أزل * ولي رتبة التنزيه أرفع رتبة 
وما كثرة الأطوار مني غيّرت * صفاتي ولا ذاتي ولا قدر ذرّة 
وهل أنت في تخييل ذاتك باطنا * تغيّرت عمّا كنت في كلّ مرّة 
فيجلو عليك الفكر ما قد أردت من * زخارف أشباح هنا مستحيلة 
وذاك كهذا غير أنّ الخيال مع * تخيله في الغير لا في الهوية 
وما هي إلا أنت لا شيء ههنا * سواك فحقّق سرّ تلك الحقيقة 
وإياك والتشبيه في كلّ موضع * توهّمت فيه الغير وافطن للبسة 
وخذ كلّ ما ألقي عليك منزّها * ولا تخش عارا إن فهمت إشارتي 
وهذا الذي قد قلته كلّه أنا * ظهرت به لي قاصدا لنصيحتي 
ولما انقضت أطوار ذاتي بمقتضى * صفاتي وأسمائي العظام الجليلة 
وتمّ التباسي بالذي أنا مظهر * له من شخوص فصلتها إرادتي 
وسوّيت جسم الكلّ بي فهو قابل * لروحي وتفصيلي استعدّ لجملتي 

85
جمعت من الأشياء طينة آدم * ومنها إلى الكلّ الرقائق مدّت 
وخمرتها حتى تناسق نشؤها * وسوّيتها حتى لنفخي استعدّت 
ولما استتمّ الأمر واستكمل الذي * أردت من الإجمال في البشرية 
ففي تلك من روحي نفخت وقد سرت * نسائم أمري في رياض الطبيعة 
فقمت سميعا باصرا متكلما * مريدا عليما ذا حياة وقدرة 
فلم يبد مني غير ما هو كائن * لديّ وبي مني عليّ حكومتي 
فكنت كماء لونه من إنائه * وكالشّمس تبدي خضرة بالزجاجة 
وأسجدت أملاكي بأمري لمظهري * فكان سجودي لي وآدم قبلتي 
ولما أبى إبليس عني تكبرا * ولم يأت لي من بعد أمري بسجدة 
عن الملا الأعلى له كنت مخرجا * وآب بخسران وطرد ولعنة 
وأسكنته في الأرض أظهر كامنا * به من شقا أصحاب قبضة يسرتي 
وأظهرت في ذاك الملا فضل آدم * وأنزلته أعلى مقام بجنتي 
وأخرجت حوّا منه فهي له كما * هو الآن لي من حيث وصفي وصورتي 
وعن بعض أشجار هناك نهيته * ولي كان مني النهي عني لحكمتي 
ولما اقتضى فعلي لما كنت عنه قد * نهيت كمال الصّورة الآدمية 
أتيت بأقسام إليّ موسوسا * وأوقعت نفسي في غرور وغفلة 
وذقت كما ذاق العدوّ تباعدي * وما الأكل إلا الفرق والجمع توبتي 
وقد لاح عصياني عليّ ومذ بدت * طفقت بأوراق أخصف سوءتي « 1 » 
ومن بعد ذا أهبطت للأرض هيكلي * وكنت بها في العالمين خليفتي 
وسخرت لي كلّ الوجود تفضّلا * على صورتي مني وأتممت منتي 
وعرفت ما بيني وبيني كلاهما * على عرفات بعد طول التشتّت 
فكان نكاح الأمر في الخلق ظاهرا * ينافي كلا الشّخصين قبل النتيجة 
وأظهرت من صلبي جميع مظاهري * بصورة ذرّ للعهود الوثيقة 
وأشهدتهم عني ألست بربّكم * فقالوا : بلى طرّا بنفس مطيعة « 2 » 
وأوهمتهم غيرا فأنكر بعضهم * وأوفى بعهدي بعضهم مع لبسة 
...............................................................................................
“ “1  خصف العريان الورق على بدنه : ألزقه به ليستتر به . السّوءة : العورة ، والفاحشة ، والعمل الشائن “ ج “ سوءات . 
“ “2  الطّرّ : الجماعة . 

86
وأوّل أطواري الكوامن أنني * لآدم شيئا كنت وهو عطيتي 
وطوّرت نوحا جاء ينذر قومه * وكنت له التّكذيب منهم ببعثتي 
وألفا سوى خمسين عاما لبثت في * جماعتهم أبغي لهم نشر دعوتي 
وهم يعبدون الغير بل يعبدونني * ولا غير لكن وهمهم هو سترتي 
ولمّا أبوا واستكبروا كافرين بي * دعوت عليهم واستجبت لدعوتي 
وأرسلت طوفانا عليهم فأغرقوا * ولم ينج إلا من معي في سفينتي 
وطوّرت إدريسا ولي كنت رافعا * مكانا عليّا في أجلّ مكانة 
وطوّرت إبراهيم يدعو إليّ بي * على قومه آتيته أيّ حجة 
ومذ قال ذا ربي له كنت كوكبا * كذا قمرا أيضا وشمسا بوجهة 
ولا فرق إلا بالأفول ألم تكن * إذا لا أحبّ الآفلين مقالتي 
كما قلت سمّوهم لقوم تعلقوا * بما قيد الإمكان من مطلقيتي 
وجئت إلى النّمرود أدعوه للهدى * فلم يمتثل حتى توى بالبعوضة 
وأضرم فيّ نارا وأرسلني بها * فعادت بأمري لي عليّ كجنة 
وقد كنت مني طالبا أنني أرى * لحقّ يقيني كيف إحياء ميتة 
فجاء جوابي لي بأربعة فخذ * من الطير واجعل في العلا كلّ قطعة 
وناديهم يأتين سعيا وبعد ذا * فكن عالما لا شيء إلا بقدرتي 
وطوّرت إسماعيل لما بلغت مع * أبي السعي ذبحي قد رأيت بنومة 
وناديت لمّا أسلما حين تلّه * أصدّقت حتى كان بالكبش فديتي « 1 » 
وطوّرت إسحق الغيور ولم تكن * على غير تحريم الفواحش غيرتي 
وطوّرت يعقوبا بليت بيوسف * وأسلمني حبي له كلّ محنة 
وفرّقت ما بيني زمانا وبينه * ووا أسفي ناديت من طول فرقتي 
وعيناي من حزني قد ابيضتا وقد * مننت بجمع الشّمل بعد التّشتّت 
ويوسف قد طوّرت زاد ملاحة * بوجه سبى كلّ الوجوه المليحة 
وبالثمن البخس اشتراني مشتر * وفي الجبّ ألقتني من الكيد إخوتي 
وقد عشقت حسني زليخاء والهوى * أضرّ بها حتى هممت وهمت « 2 » 
...............................................................................................
1 -  تلّ فلانا تلّا : صرعه أو ألقاه على عنقه وخده . 
2 -   زليخا : زوجة عزيز مصر . 

87
وطوّرت هودا كان يشهد قومه * على أنه من شركهم ذو براءة 
ولوطا لقد طوّرت أيضا وصالحا * أتيت إلى قومي لإبلاغ دعوتي 
فزاغوا وعن أمري عتوا وتكبّروا * وقد عقروا لما عصوني ناقتي 
وطوّرت موسى ضارب البحر بالعصا * وقد شقّ حتى قومه فيه مرّت 
وآنس نارا من جوانب طوره * فرام ليأتي الأهل منها بجذوة « 1 » 
فنال الهدى في شكل مقصده وقد * تجلّى له من مظهر الأحدية 
وقد حاز منه رؤية بسؤاله * ولكنها الأطواد بالصعق دكّت « 2 » 
وعيسى لقد طوّرت يبرئ أكمها * وأبرص والأموات يحيي بدعوة « 3 » 
وأرسلت روحي طبق ما هو عادتي * إلى الأمّ حتى كان مظهر نفختي 
وأظهرت ما قد كان في الأب مضمرا * وبيّنت للأقوام سرّ الأمومة 
فضلّوا وزاغوا عن مثال ضربته * لفهم علوم في الوجود دقيقة 
وقالوا بأني قد غدوت له أبا * وقد خصّ من دون الورى ببنوّتي 
وأين الوجودان اللذان تباينا * وما عزّ خلّاق كذلّ خليقة 
ومن بعد هذا جئت في طور كلّ ما * مضى من رسول أو نبيّ لأمّة 
وأصبحت في شكل النبيّ محمّد * إلى اللّه أدعو النّاس في أرض مكة « 4 » 
فآذتني الأقوام بغيا وحاولوا * بأفواههم إطفاء نور النبوّة 
وأظهرت دين الحقّ بعد خفائه * فأصبحت الكفّار في سوء حالة 
ونكست أصنام الضّلال وفي الورى * أزلت ظلام الظلم من فرط سطوتي 
وطوّرت أصحابا ومن هو تابع * لهم بالهدى مثل الكرام الأئمة 
ومن بعد ذا ما زلت أظهر دائما * على أمد الأزمان في كلّ هيئة 
وطوّرت أهوال القيامة والذي * يكون غدا في يوم عرض الخليقة 
وإياك من قولي بأن تفهم الذي * تدين به الكفّار بين البريّة 
فإني بريء من حلول رمت به * عقول تغذّت بالظنون الخبيثة 
...............................................................................................
1- الطور : جبل قرب أيلة يضاف إلى سيناء أو سينين ، وهو الذي ناجى فيه موسى “ ع “ ربه . 
2 - الأطواد : “ ج “ الطود : الجبل العظيم . 
3 - الأكمه : من ولد أعمى ، أو من فقد بصره . البرص : بياض يظهر بالجسد لعلّة . 
4 - مكة المكرمة : أحد الحرمين . كانت في الجاهلية محطة هامة لتجارة القوافل بين اليمن والشام وفيها الكعبة المعظّمة . وغدت في الإسلام مركز الحج وقبلة المصلّين . 

88
وما بانحلال واتحاد أدين في * حياتي وإن دانتهما شرّ أمّة 
وكلّ الدي أبديته لك ناظما * فنّ فوق أطوار العقول السليمة 
فإن كنت من أهل المعارف لم تلم * لأنك تلقاه بنفس تزكّت 
وإن كنت مطموس البصيرة جامدا * على ما ترى من صورة بعد صورة 
فإنك معذور بقلة فهم ما * أقول لضعف في قواك الكليلة 
فواظب على التنزيه وادأب عليه لا * تكن من أناس بالتشبّه ضلّت 
ودع عنك تجسيما ولا تك جاهلا * بأوصاف من أبداك في كلّ حالة 


وقال رضي اللّه عنه : 
أنا كلّ الوجود والكائنات * أنا كلّ الأرواح كلّ الذوات 
أنا كلّ العقول بل كلّ شيء * في جميع الأزمان والأوقات 
ليس كلّ الوجود إلا أسامي * والمسمّى بكلّ ذلك ذاتي 
والتباسي عليك حيث لباسي * كلّ شيء يلقيك في الآفات 
يا بني هذه العصابة إني * جاعل حبكم مكان حياتي 
لي فؤاد يحنّ شوقا إليكم * كلّ حين في سائر الحالات 
إنما نحن واحد نتجارى * في بحار الوجود كالموجات 
لمحات تلوح من نور أمر * وبقاء الجميع في اللمحات 
ولعين العيون في كلّ شأن * صور تستقلّ عند عداتي 
والتجلّي في كلّ نوع مفيد * عكس ما نحن فيه والحقّ آت 
واقترابي تباعدي وعلومي * عين جهلي والنفي في إثباتي 
حبذا ضجة السّماع « 1 » سحيرا * إن تكن بالدّفوف والنايات « 1 » 
وصرير الطّنبور والجنك لمّا * شاكلته رقيقة النّغمات 
وصياح السنطير للهو يدعو * وكؤوس الطلا بأيدي السقاة 
مجلس فيه موسم للأماني * وهو بالأنس حفّ واللذات 
سيما والملاح تخطر فيه * بوجوه محمرّة الوجنات « 2 » 
هذه هذه المظاهر لاحت * لا خصوص الشخوص والهيئات
....................................................................................................... 
1 - انظر حديث القشيري عن السماع في رسالته ص 335 - 350 . 
2 -  الوجنات : “ ج “ الوجنة : ما ارتفع من الخدّين . 

89
صرخ الناي فاستمع يا نديمي * وتنصّت لهذه النفخات 
وتأمّل ما في سماعك منه * وخذ الأمر من يد الأصوات 
صور تلك في السّماع تجلّت * ثم ولّت وما لها من ثبات 
واضطراب الجسوم بالوجد يحكي * دوران الأفلاك بالحركات 
عارف اللّه عارف كلّ شيء * وسواه من جملة الأموات 
كثر القول من ذي الجهل فينا * فالصّواب السّكوت بالإخبات 
قولهم صادق عليهم لأنّ ال * حكم فرع عن التّصوّر آت 
والذي نحن فيه هم في سواه * أين نور الهدى من الظّلمات 
لو يحوزون ذرّة من صواب * تركونا وهذه الآيات 
يا أخي العين لو ترى بك ما بي * كنت مثلي تفوه بالشّطحات « 1 » 
أنا صبّ أهيم في كلّ شيء * حيث ألغيت جملة الكائنات 
وتجلّت عليّ ذات خمار * نورها لاح من جميع جهاتي 
وأنا حافظ قضية حكمي * والحدود التي بهنّ نجاتي 
فلهذا أحبّ كلّ لذيذ * وفؤادي يدوم في الشّهوات 
وأنا مغرم بكلّ مليح * في حياتي هنا وبعد مماتي 
وإذا لامني الجهول أنادي * حسبك الجهل عن أتمّ صفاتي 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح وهو عروض حيّا الحيا وادي النّقا والأجرع : 
“ دور “ 
أنوار شمس الذّات لمّا لاحت * أرواحنا شوقا إليها راحت 
يا زهرة في روض قلبي فاحت * نفسي بما قد أضمرته باحت 
“ دور “ 
يا من هو الموجود عند السّالك * لا غيره إذ كلّ شيء هالك 
احكم بما قد شئت أنت المالك * كلّ الورى بالعشق فيك ارتاحت 
“ دور “ 
أنت الذي قامت بك الأشياء * أنت الذي ضاءت بك الظّلماء 
عن حكمك العدل الورى أفياء * إن زال عنها الحكم يوما طاحت 
...............................................................................................
1 -  شطح في السير أو في القول : تباعد واسترسل . 

90
“ دور “ 
يا ظاهرا في كلّ شيء باطن * في القلب لا فيما سواه قاطن 
عنكم لغات الكون فيها راطن « 1 » * بالشوق والأشياء فيكم صاحت 
“ دور “ 
العقل من كلّ الورى محجوب * إن لم يكن يظهر له المحبوب 
والظّاهر المأمول والمطلوب * إذ سائر الأستار عنه انزاحت 
“ دور “ 
يا حسرة المحجوب والمغرور * قد سار في الظّلماء لا في النور 
مربوط بالأغيار كالمأسور * في ساحة الدّنيا حشاه ساحت 
“ دور “ 
لا عالم يدري الذي أدريه * والجاهل المغرور بالتمويه 
فاسمع بأذن القلب ما أبديه * في الحبّ أطيار المعاني ناحت 


وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
يا منكرين لكم في ناركم كيات * نيّاتكم جعلت أعمالكم حيّات 
أنتم عميتم عن المنشور في الطيّات * والكلّ باللّه والأعمال بالنيّات 


وقال رضي اللّه عنه : 
ظهرت ذاتي لذاتي * فس صفات من صفاتي 
وبدت في النّفس نفس * سكنت في حركات 
كنت كالقشر عليها * وهي كاللّبّ المواتي 
والذي أبديه عنها * هو نعتي وسماتي 
عينها غابت ولكن * حضرت باللّحظات 
وغدت تكشف عني * لي بها عن ظلماتي 
وتبدّت شمسها من * فوق سبع الطّبقات 
فأنارت أرض قلبي * وبها ضاءت جهاتي 
وأنا الحادث ماض * وأنا الدائم آت 
...............................................................................................
1 - راطنه : كلّمه بالأعجمية . 

91
وهو أمر واحد واث * نان بعد الالتفات 
فتنحّوا عن طريقي * يا نفوسا جاهلات 
واحذروا أن تدخلوا في * طرقاتي الضيّقات 
وابحثوا عنكم وخلّ * وا البحث عن أوصاف ذاتي 
أنا الأروح أمرّ * فوق كلّ الكائنات 
أنا الأمحض نور * فائض باللّمحات 
أنا الأسرّ عرش * وأنا ماء الحياة 
وأنا المعروف في السّب * ع الطّباق العاليات 
وأنا فوق إشارا * تي وكلّ الشطحات 
ومعاني الكون دوني * وهي من أدنى هباتي 
كيف لا والنّفس مني * ذهبت في الذّاهبات 
وبدا الحقّ مكاني * يتجلّى بصفاتي 
والذي يعرف ربي * عارف بي وبذاتي 
والذي يجهله يج * هلني بالغفلات 
يا أخلائي رويدا * كم بتعويج قناتي 
ظنكم أعدم نوري * عندكم ذا اللّمعات 
كلّما لمتم شربنا * كم كؤوس صافيات 
وعلمنا كم دنان ال * باقيات الصالحات 
وجهلتم ما لديكم * كحمير سارحات 
عندكم ماء وأنتم * قد عطشتم للممات 
هيئوا الأكباد منكم * في غد للحسرات 
واستعدّوا لسؤال * عن جميع السّيئات 
ليت منكم لو شربتم * ما حويتم يا سقاتي 
مخرج الأفلاك أضحى * بحروف الجسم يأتي 
عن لسان الملأ الأع * لي وهاتيك الذوات 
ومعاني الروح تتلى * في المسا والغدوات 
وكلام اللّه برق * خصّنا بالومضات 
وسمعنا وتر الوت * ر بأيدي الغانيات 

92
ودفوف الحقّ من نق * رتها زالت سنأتي 
ومزامير المعاني * أطربت بالنّغمات 
وحلا رقصي مع الأر * واح تلك الراقصات 
ثم باءاتي جميعا * دخلت في ألفاتي 
وانقضى صحوي وقد عمّ * ت ببحر السّكرات 
غرست في أرضه بال * لّطف منه شجراتي 
وهو بزري وهو أيضا * ظاهرا من ثمراتي 
وانثنت أغصاننا من * أمره بالنّسمات 
في ربا أوج التجلّي * ورفيع الحضرات 
يا شذا عرف غراسي * فاح يا طيب نباتي 
والسّوى في كلّ حزن * وأنا في النزهات 
والذي عندي مني * غير ما عند عداتي 
هم يروني في شتات * مثل ما هم في شتات 
وانطوى عنهم خصوصي * وانتفى عنهم ثباتي 
وانجلت شمسي وهم بال * جسم خلف الهضبات 
فاح مسكي وزكام * عندهم عن نفحاتي 
وأنا في محض إيقا * ن وهم في الشّبهات 
وعلى الجملة فيهم * قد أجيبت دعواتي 
وأصيبوا برزايا * هي إحدى السّطوات 


وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
إن لم تجد كلّ حيّ في البرايا ميت * فأنت محجوب حالك ليت تدري ليت « 1 » 
أبواب كلّ الحواس أغلق وقم في بيت * قلبك تقل لك زليخا أمر ربّك هيت « 2 » 
...............................................................................................
1 - ليت : حرف تمنّ متعلق بالمستحيل غالبا ؛ نحو “ ليت الشباب يعود “ ، وبالممكن قليلا نحو “ ليت العليل صحيح “ ، وهو ينصب الاسم ويرفع الخبر ، وتلحق “ ما “ الزائدة ليت فيجوز فيها الإعمال “ ليتما الشباب يعود “ والإهمال “ ليتما الشباب يعود “ . 
2 -  هيت : اسم فعل بمعنى هلمّ وتعال “ يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث والمذكر “ . 

93
وقال رضي اللّه عنه : 
ليت شعري مذ كرّرت نظراتي * أنا ساع في الموت أو في الحياة 
يا غلاما إذا اعتبرتك جسما * أو ترقيت قلت روح الذوات 
وإذا ما فنيت عنك وعني * قلت : يا ربّ في أتمّ الصّفات 
لك عندي في الكلّ صورة وجه * جلّ عن كل صورة بالتفات 
أنت غيري حقيقة ولو أنّي * قلت لما فنيت ذاتك ذاتي 
آه من لي بمفرد يتثنّى * فيفوه اللّسان بالشّطحات 
نحن في كفّه كؤوس مدام * دائرات في سائر الأوقات 
من يرمنا يسكر بنا خارجا عن * كلّ شيء يرى من الكائنات 
عدم ظاهر بمحض وجود * بل وجود يغيب بالغفلات 
وإذا شاء كان أكشف شيء * وهو إن شاء أغيب الغائبات 
هذه عادة المظاهر تبدو * للهلاك السّريع أو للنجاة 
والذي يعشق الملاحة يفنى * في العيون الفواتر الناعسات 
يا وجودا وكلّ شيء سواه * عدم ظاهر به في الجهات 
إن أردنا قلنا بأنك أنا * حيث منّا لا شيء ماض وآت 
وإذا ما هياكل الجهل لامت * فالسّوى نحن مثلهم عن ثبات 
نحن في النور سائرون إلينا * وجميع الأنام في الظلمات 


وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
بقية الرّوح مما كان في التابوت * تابوت موسى وذاك الجسم والناسوت 
وحين عقلي غدا في ملكه طالوت * قتل من النّفس داود الهدى جالوت 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنني إن أمت فما أنا ميت * أنا حيّ بمن إليه اهتديت 
وأنارت مشكاة ذاتي بمصبا * ح علومي وفي الزجاجة زيت 
رمت من رامني بصدق وداد * وإذا ما دعا له لبّيت 
ولروحي الحضور في كلّ حيّ * فيلذّ التصبيح والتبييت 
إنّ للّه في ابن آدم ملكا * لا زوال له ولا تفويت 
سرّ ذات به الخلافة قامت * وعليه الإحياء والتمويت 

93
نظري في ظواهر الكون فخر * والتفاتي إلى البواطن صيت 
من سواه افتقرت لما تبدّى * لي جهرا حتى به استغنيت 
ولعقلي بسرّه تكميل * ولقلبي بأمره تثبيت 
إن تأمّلت فالجميع معان * ولنطق الوجود هم تصويت 
عطس الكون بي وقد كنت حمدا * منه حتى له أنا التشميت 
من يزرني يزر أشعة نور ال * مصطفى ضمها ضريح نحيت 
وهو حيّ في قبر جسم محبّ * بغذاء الهوى له تقويت 
وله قلبي المدينة كشفا * أين منها بغداد أو تكريت « 1 » 
عالما كن أو طالبا أو محبّا * مثل ما قال تلق ما قد لقيت 
لا تكن رابعا فتهلك جهلا * بالذي قد أمرت أو قد نهيت 
يا شبيهي بصورة الجسم قد أس * معت حيّا لو أنني ناديت 
ليت هذا البعيد منك قريب * ليت لو قرّبت بعيدك ليت 
قف على هذه الشّخوص فإمّا * ملك في الثياب أو عفريت « 2 » 
وتجنّب عن الحلول وحقّق * كلّ شيء فذاك للحقّ بيت 
وتأمّل فالفرق باللّه جمع * واجتماع على السّوى تشتيت 


وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ أناس لهم لغات * وكلّ محو له ثبات « 3 » 
وكلّ وقت له كلام * وكلّ شغل له أداة 
وكلّ سرّ له ظهور * وكلّ ليل له سراة 
وكلّ أمر له سماء * وكلّ شخص له سمات 
...............................................................................................
1 -  بغداد : عاصمة العراق ، على ضفتي دجلة . كانت عاصمة العباسيين أسّسها الخليفة المنصور تقاطر إليها ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي بنو بويه والسلاجقة والمغول والتتر والصفويون والعثمانيون . “ الرسالة القشيرية ص 33 “ . تكريت : بلدة مشهورة بين بغداد والموصل ، وهي إلى بغداد أقرب ، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخا ، ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة ، وهي غربي دجلة . “ معجم البلدان 2 / 38 “ . 
2 -  العفريت : النافذ في الأمور مع دهاء . أو أقوى الجنّ “ ج “ عفاريت . 
3 -  المحو رفع أوصاف العادة ، والإثبات إقامة أحكام العبادة ، فمن نفى عن أحواله الخصال الذميمة وأتى بدلا منها بالأفعال والأحوال الحميدة فهو صاحب محو وإثبات. “للتوسع انظر حديث القشيري عن مصطلح المحو والإثبات برسالته ص 73 - 74 “. 

95
وكلّ حكم له مضاء * وكلّ ذات لها صفات 
وكلّ خمر له مدير * وكلّ كأس له سقاة 
وكلّ سهم له مصاب * وكلّ قوس له رماة 
وكلّ طير له غذاء * وكلّ وحش له فلاة 
وليس يدري ببعض أمري * إلا الذي جمعه شتات 
وليله بالهدى نهار * وفي مساء له غداة 
وقلبه الشّمس بالتجلّي * غروبها عنده الممات 
وجسمه صور نفخ روح * بأمره تحشر الرفات 
ميزانه العقل والصّراط ال * شّرع الذي قالت الهداة 
يموت في ساعة ويحيى * فموته طاب والحياة 
وحاصل الأمر فهو مثلي * ذاتان في الوصف وهي ذات 
وما سواه حمار جهل * يقظته في الورى سنات 
شيطانه راكب عليه * من يده ما له نجاة 
يوقعه في جحود ما لا * يدريه مما درت ثقات 
مكدّر ما له صفاء * والقلب من قسوة صفاة 
وذاك ما لا اعتبار عندي * ولا إليه لنا التفات 
والحرف ذو عجمة وأمّا * حروفه فهي مهملات 


وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
ذاتي لاحت * فيما بدا من صفاتي 
حتى انزاحت * عن عيوني غفلاتي 
“ دور “ 
يا من أهدى * كلّ حسن وجمال 
لما أبدى * لي فنون الحركات 
“ دور “ 
أنت الباقي * لم تزل والكفّ فان 
إني الراقي * في رفيع الدرجات 
“ دور “ 

96
جلّت عين * شاهدت وجه حبيبي 
عنها غين * صار يمحى بالثبات 
“ دور “ 
يوم الوادي * طلعت سلمى علينا 
حتى النادي * ضاء من كلّ الجهات 
“ دور “ 
يا إخواني * هذه الأنوار لاحت 
للأعيان * جمعت مني شتاتي 
“ دور “ 
غنى الحادي * فشجى قلب المعنى 
ذاك الصادي * للقاء الظبيات 
“ دور “ 
وما أشواقي * لمعاني حسن ليلى 
ما لي واقي * من سيوف اللّحظات 
“ دور “ 
إني هائم * بعدهم في كلّ وادي 
عشقي دائم * لحبيبي يا سقاتي 
“ دور “ 
هذا حاني * جمع القوم السّكارى 
من يلحاني * ليس يدري حسن ذاتي 
“ دور “ 
في أفلاكي * طلعت شهب نجومي 
من أملاكي * أنزلت وحي النجاة 
“ دور “ 
حتى يتلى * سرّ قرآني بقلبي 
لما يجلى * بالبها وجه فتاتي 
“ دور “ 

97
إني وحدي * ما معي في الكون غيري 
أبدي وجدي * لبدوري الطالعات 
“ دور “ 
من أغياري * خلصت للحقّ عيني 
مذ أطواري * أحرقتهم سبحاتي 
“ دور “ 
في ديجوري * أشرقت شمس نهاري « 1 » 
لولا نوري * كتمتني ظلماتي 
“ دور “ 
من يهواني * يترك الكلّ جميعا 
يبقى عاني * يرتجي حسن التفاني 
“ دور “ 
يبدو وجهي * عنده أيّان ولّى 
يمحو شبهي * مع جميع الشّبهات 
“ دور “ 
لا يلويه * عن حمانا صوت شاد 
بل يثنيه * لي جميع النّغمات 
“ دور “ 
يصغي لمّا * يصدح الطّير سحيرا 
يجلو الغمّا * ويزيل الحسرات 
“ دور “ 
تلك اللّيله * زارني من كنت أهوى 
في التهليله * جذبت نوقي حداتي 
“ دور “ 
لو كانت لي * قدرة الرؤية لما 
أفنت كلّي * عمت في بحر الحياة 
“ دور “ 
...............................................................................................
“ 1 “ الديجور : الظلام . 

98
لكن مني * خطفت مثلي جميعي 
تملا دني * بهوى الحبّ المواتي 
“ دور “ 
ثم اشتاقت * مثل ما اشتقت إليها 
حتى راقت * خمرتي بالنّفحات 
“ دور “ 
يا عذالي * في شرب هذي الحميا 
قدري عالي * في هوى ماض وآت 
“ دور “ 
فرد لكن * هو في المجلى كثير 
عندي ساكن * فيه صحوي سكراتي 
“ دور “ 
أفنى لبّي * نور سكّان المصلى 
يحيي قلبي * برقهم بالومضات 
“ دور “ 
روضي زاهي * بأزاهير التجلّي 
عرفي باهي * بلطيف النسمات 
“ دور “ 
من يدريني * بملوك العشق يدري 
في ذا الحين * نافذات سطواتي 
“ دور “ 
جلّ المولى * من حباني بالعطايا 
وهو الأولى * بي فلا أخشى عداتي 
“ دور “ 
صلّى ربي * دام الدّهر على من 
أوج القرب * قد رقي بالمكرمات 
“ دور “ 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:16 pm

قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

أبدى فيه * مادحا عبد الغنيّ 
ما يبديه * من رقيق الكلمات 
"دور " 
علّ الباري * أن يوقي المسلمينا 
حرّ النار * مع جميع الحسرات 

وقال رضي اللّه عنه : 
ألا ليت لو جاد لي الحبّ ليت * فحبي هو الحيّ والكلّ ميت 
مليح به ضاء مصباحنا * ومن علمه كان إمداد زيت 
بنتنا له يده كعبة * بها طفت سبعا وفيها سعيت 
فيا أمّة العشق حجّوا إلى * فؤادي الذي هو للحبّ بيت 
نحرنا له أنفسا في منى * هواه وجمرات همي رميت 
سواي به ضلّ فيما اهتدى * وإني بما قد ضللت اهتديت 
هو الحرم إلا من للملتجي * ظهرت به حين فيه اختفيت 

وقال رضي اللّه عنه : 
كفّة الغيب كفّة الحسنات * وهي في الكون كفّة السيئات 
وانظر الميل فهو للقلب مني * ميل قلب الميزان ميزان ذاتي 
وأقيموا للوزن بالقسط هذا * قول ربي في محكم الآيات 
وكذاك الصراط مني إليه * نفخة الرّوح لاتصال الحياة 
وهو جسر على جهنم جهل * هو أغيار حضرة الحضرات 
ما إلى جنة الصّفات سواه * من طريق في هذه الظّلمات 
فإذا مات صاحب الفتح منّا * ورقي بالفنا ذرى الدرجات 
ثمّ أحياه ربه يوم حشر * عرف الكلّ واهتدى بلغات 
ورأى ما رأى وحقّق كشفا * أنّ سرّ الوجود في الحركات 
حركات الوجود لا حركات * سكنات وليس بالسكنات 
وشؤون وما لها من وجود * وهي بالقلب للوجود المواتي 
هي طورا به تلوح وطورا * هو يبدو بها لأهل النجاة 
أيها الغافلون مهلا رويدا * لم أوافق لكم على الغفلات 

100
أنا في رؤيتي تصرّف ربي * بي تشاغلت عن تصرّف ذاتي 
غاب نوري في نوره فمحاني * وأزالت صفاته لصفاتي 
وهو حقّ ذاتا ووصفا وإني * باطل زاهق بغير ثبات 
صبغة مستحيلة تتلاشى * بالتجلّي في سائر الحالات 

وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
نور طه المصطفى منه جميع الكائنات * وبه كان الترقّي في رفيع الدّرجات 
كفه غيث مغيث لقلوب المتقين * ومزيل عطش الأمّة يوم الحسرات 
كلّ روح هي من نور سناه ظهرت * كلّ جسم هو منه ظاهر بالحركات 
وهو سرّ ليس يخلو منه شيء في الورى * لكن السّتر عليه من شخوص النّسمات 
شاهد ذلك منّا وهو مشهود لنا * يتجلّى للبرايا في جميع اللمحات 
وصلاتي وسلامي للذي أنواره * أشرقت في الكون حتى زال سرّ الظلمات 
وعلى آل وصحب بهما ما عبد الغني * بدّل اللّه له سوء الخطا بالحسنات 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا البيتين المنسوبين للشيخ الأكبر رضي اللّه عنه : 
نفس بعلوة لا تزال أبيّه 
زادت على كلّ النفوس مزيه 
وحقيقة تهوى الظّهور خفيه 
يا درّة بيضاء لاهوتيه * قد ركبت صدفا من الناسوت 
داء الجميع وقد بدت بدوائهم 
عن غيرها إن جانبوا بهوائهم 
فهي التي فيها كمال صفائهم 
جهل البرية قدرها لشقائهم * وتنافسوا بالدرّ والياقوت 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلامنا غير ما تعطي العبارات * من المعاني لنا فيه اعتبارات 
بنفسه قائم وهو المجرّد عن * لفظ ومعنى معا وهو الإشارات 
هما الكثيفان والسرّ اللّطيف له * علاقة بهما فيها التفاتات 
كالروح يظهر من نفس ومن جسد * وليس يكشفه إلا العنايات 
فلا تظنّ بأني إن وصفت حلى * شيء مرادي به تلك الإحالات 

101
أو إن ذكرت نسيما هبّ من جهة * أو نفحة هي قصدي والمرادات 
كذلك البرق والأطلال أذكرها * في النظم ليست مرادي والحمامات 
لا والذي جلّ عمّا للعقول بدا * وللحواس به الأحياء أموات 
كلام أهل طريق اللّه سرّ هدى * لا دخل فيه لهم تبديه أبيات 
عن المواد له التجريد مخطئة * منك التآويل فيه والقياسات 
لم يدره ذو انتقاد في تعنته * لنفسه زعم علم واجتهادات 
فيعرب اللّفظ للمعنى فيفهمه * ولا يبين له إلا الضّلالات 
ومقصد القوم نور في القلوب سرى * من القلوب وما فيه التباسات 
رموز أسرار قوم تستعدّ له * أرواح قوم لهم في اللّه راحات 
روائح القوم شمتها بصائرهم * لهم إلى الحقّ همّات ورغبات 
لهم نظمنا المعاني يلمحون بها * غيب الغيوب وتخفيها العبارات 

وقال رضي اللّه عنه : 
بوجودي فغذني ياقوتي * وبناري لم يحترق ياقوتي 
كلّنا واحد إذا نحن كنا * خارج الملك فيه والملكوت « 1 » 
وكثير وبعضنا غير بعض * في ثياب اللّاهوت والناسوت « 2 » 
وأنا أنت إن تجرّدت عني * نحو غيب الغيوب في اللّاهوت 
وتنزلت في النعوت وفارق * ت وجودي إلى فضاء الثّبوت 
ثم جوّلت في ثبوتك ذوقي * وتنزلت فيك للتابوت « 3 » 
ولهذا أكون أنت ولا تش * عر بي أنت يا حبيس البيوت 
إنني مطلق وإنك قيد * لي ببحري كيونس والحوت 
وإذا ما أردت مثلك كم لي * شبح في ظهوره منحوت 
أنا ساع في هدم كلّ بناء * دون مرأى حقيقتي المبحوت 
وبجهل أراك تبني نفوسا * وجسوما بناية العنكبوت 
ليت داود روح مثلك لو يق * تل نفسا أضلّ من جالوت 
...............................................................................................
( 1 ) الملكوت : الملك العظيم ، أو العزّ والسلطان . 
( 2 ) اللاهوت : الألوهية ، وأصله لاه ، بمعنى إله ، زيدت فيه الواو والتاء مبالغة ، واللاهوت : اللّه أو الخالق . 
( 3 ) التابوت : الصندوق الذي توضع فيه جثة الميت . 

102
وقال رضي اللّه عنه : 
طريقتنا شرقية قادرية * فلا نختشي قهرا وذلا ولا فوتا 
وفي الشّرق عبد القادر القطب شيخنا * طريقته تفضي إلى العزّ مثبوتا 
طريقة ذلّ وانكسار لأجل ذا * إلى الشّرق مدّت سنة أرجل الموتى 

وقال مواليا : 
ملاعب الوهم أمثال الصخور النحت * أحوالهم لو تشاهدها عليهم نحت 
لهم علامة رفيقي لو تراها سحت * لا يشربون النّتن بل يأكلون السّحت « 1 » 
وقال رضي اللّه عنه وهو في كتاب رحلته الكبرى وقد نظمها في بلاد جيرون بلاد الخليل : 
لا تلمني إنّ السماع يقيت * وهو يحيي بطيبه ويميت 
وهو باب لبيت سرّ عظيم * بيت حقّ جداره التثبيت 
نفحات من الغيوب تبدّت * بثّ مسك منه لدينا حتيت 
وعلى الجاهلين ريح كريه * فائح منه عندهم كبريت 
والذي عندهم هزار وبوم * لم يغيّره منهما التّصويت « 2 » 
حيوان في الطبع لا إنسان * وهو حيّ وفي الحقيقة ميت 
حبذا حبذا سماع الأغاني * والنشيد الذي إليه دعيت « 3 » 
تتثنّى به الرجال انطرابا * كغصون لها الصّبا قال : هيت 
سيما والدفوف منطرقات * والمزامير ما لها تفويت 
وفم الناي نافخ بثنايا * منه لاح المحيي بنا والمميت 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ للثاء في الحروف ثبات * ولبادي ثباته وثبات 
حرف سرّ سرى بلا سريان * في المعاني جمع له وشتات 
هو هذا هذا وهذا هذا * تتسامى آياته البينات 
...............................................................................................
( 1 ) السحت : الحرام ، وما خبث من المكاسب كالرشوة ونحوها . 
( 2 ) الهزار : طائر حسن التغريد . 
( 3 ) حبذا : فعل جامد مختص بالمدح ، و ( ذا ) : اسم إشارة فاعله ، فإذا سبق بلا كان للذم . 

103
وهو أمر محقّق في أمور * كشخوص تريكها المرآة 
أخذت ظاهرا وأعطت خفيا * فسكارى شهودها وصحاة 
وقال رضي اللّه عنه : 
لكعبة الوصف ذات قبلها ذات * فهي الذوات ثلاث مستعزات 
كما الصفات ثلاث في مراتبها * غيب وغيب وغيب فهي غيبات 
وبالوراثة يبدو ما أقول لكم * يا معشر القوم والورّاث أموات 
قامت قيامة أهلي في معارفهم * وللموازين بالأعمال وزنات 
هي الستارة تخفي ما به ظهرت * وتظهر الأمر حيث النفي إثبات 
لاح الصّباح فبيت اللّه حضرته * والطائفون لهم بالبيت حضرات 
وزمزم القرب منه القوم قد شربوا * وفيه دارت على الأكوان كاسات 
وقال رضي اللّه عنه : 
لهب النار في الفتيلة كالرو * ح لدى الجسم والغذا كالزيت 
والذي يحرق الفتيلة منها * في لهيب كالنفس ذات الصيت 
إن أزالوه أشرق النّور حسّا * فأضاءت به جهات البيت 
وإذا أهملوه زاد سوادا * وعلا النّور ظلمة التفويت 
فاعتبر أيها المريد وصولا * لجناب المحيي لنا والمميت 
وقال رضي اللّه عنه في جواب سؤال ورد من بعض المخالفين وصورته : 
أيا علماء الدّين ذمّيّ دينكم * تحيّر دلوه بأوضح حجة « 1 » 
قضى بضلالي ثمّ قال أرضى بالقضا * فهل أنا راض بالذي فيه شقوتي 
إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة * فهل أنا عاص باتّباع المشيئة 
وهل لي اختيار أن أخالف حكمه * فباللّه فاشفوا بالبراهين علّتي 
وصورة الجواب : 
دللناك يا من أنت ذمّيّ ديننا * فلا تتحيّر واستمع لمقالتي 
نعم قد قضى ربي بكفرك عندنا * ولم يرضه لكن قضى بالإرادة 
...............................................................................................
( 1 ) الذميّ : الذي دخل في عهد المسلمين وأمانهم . 

104
كقاض بقصد قد قضى بجناية * عليك ولا يرضى بتلك الجناية 
فإنّ قبيح الفعل لم يرض عاقل * به والقضا حقّ شريف المزية 
وما فعل القاضي قبيحا وإنما * فعلت قبيحا أنت بين البرية 
فألزمك الرّحمن أن ترضى بالقضا * ولا ترضى بالمقضيّ فافهم طريقتي 
فإن كان خيرا ما قضى كان راضيا * وإن كان شرّا ليس يرضى بشرّة 
قضى بضلال فيك وهو يضلّ من * يشاء ويهدي من يشاء لحكمة 
فكن بالقضا من ربك الحقّ راضيا * ولا ترض بالمقضيّ أي بالشقاوة 
وقد شاء ربي أن تشاء لما يشا * فإن شئت عصيانا عصيت بجهلة 
وما أنت مجبور وربّك خالق * لك الاختيار المحض من غير مرية 
وحيث اختيار فيك خلقة ربّنا * كباقي صفات مثل حول وقوّة 
فإنك مختار ولا جبر ههنا * وكلّفك المولى بأنواع كلفة 
وما الشّرط في المخلوق يقدر أنه * يخالف حكم الخالق المتثبت 
فكن راضيا باللّه ربّا وبالنبي * نبيّا وبالدين الحنيفيّ ملّتي « 1 » 
تكن مسلما مثلي ومثل معاشري * وتلحق بنا أهل الكمال الأئمة 
وإلا فدم في الكفر والشّرك والرّدى * تؤدّي الخراج الحتم من بعد جزية « 2 » 
حقيرا ذليلا إن أبيت تخطفت * حشاك حداد السمر والمشرفية « 3 » 
وهذا جوابي أحمد اللّه بعده * وأهدي إلى المختار أسنى تحية 
وقد قاله عبد الغنيّ بربه * تبارك لا بالنفس تلك الفقيرة 
ورضوان ربّي جلّ عن آل أحمد * وأصحابه جمعا وبالخير تمت 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا البيتين المشهورين للشيخ الكامل أحمد الرفاعيّ قدّس اللّه سرّه العزيز لمّا زار الحضرة المحمدية في المدينة المنوّرة على ساكنها الصلاة والسلام فأنشد البيتين على شباك الحضرة فخرجت إليه اليد الشريفة من القبر وقبّلها : 
مقالة ابن الرفاعيّ كان حاصلها 
...............................................................................................
( 1 ) الحنيفية : ملّة الإسلام ، ويوصف بها ، والدين الحنيف : المستقيم الذي لا عوج فيه وهو الإسلام . 
( 2 ) الخراج : الجزية أو الضريبة المفروضة على البلاد التي فتحت صلحا . الجزية : ما يؤخذ من أهل الذمّة ( ج ) جزى ، وجزاء ، وجزي . 
( 3 ) السّمر: ( ج ) الأسمر : الرمح. المشرفية: سيوف منسوبة إلى ( المشارف ) وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف. 

105
لحجرة المصطفى شوقا يخاملها 
قد جاءها ثم ناداها يسائلها 
في حالة البعد روحي كنت أرسلها * تقبّل الأرض عني وهي نائبتي 
لواعج الشوق في أحشائه استعرت 
والقلب يرعد والأجفان قد مطرت 
يا طالما عين قلبي وجهك انتظرت 
وهذه دولة الأشباح قد حضرت * فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي 

وقال رضي اللّه عنه : 
خلوة القبر أشرف الخلوات * بلقاء الحبيب في الجلوات 
خلوة القبر للتجرّد عمّا * يشغل الرّوح عن أتمّ الصّفات 
خلوة القبر لذة ونعيم * لسعيد قد ذاق سرّ الممات 
خلوة القبر راحة وسرور * ودخول في أشرف الجنّات 
حضرة تجمع المتيّم فيها * أيّ جمع في أكمل الحالات 
فهي لولا أتى لنا النهي عنها * بالتمنّي لها لكانت نجاتي 
هي سعد لكلّ عبد سعيد * يترقّى بها علا الدرجات 
وهي سجن لكلّ عبد شقيّ * يتدلّى بها إلى الدّركات 
ليس واللّه من يمت فهو ميت * إنما الموت موت هذي الحياة 
كلّ من قام في الحياة بنفس * قام بالوهم والأسى والشّتات 
والذي قام بالإله فحيّ * بحياة الإله في الأوقات 
ترك الجسم والكثائف عنه * طاهرا من خبائث الأدوات 
خالعا ما كسته منه طباع * لابسا للملابس الطّاهرات 

وقال رضي اللّه عنه : 
حركات سكنات * كلّها تجدّدات 
ظهرت عن أمر ربي * فسرت فيها الحياة 
إنها خلق وأمر * وصفات وذوات 
ووجود خالص قد * لوّنته الفانيات 
مثل لمح البصر الك * لّ وهنّ الكائنات 

106
أيّ هذا الحجر الجا * مد والأرض الموات 
قم تجدّد واكشف الأم * ر لتأتيك الهبات 
وانظر البرق لموعا * ما له عنك فوات 
إنه أنت إذا كا * ن له منك التفات 
كلّ شيء غير وج * ه اللّه فان ورفات 
وهي لولاها لما كا * ن له قطّ ثبات 
فوجود الكون قول * اللّه كن هم كلمات 
فهي كن لا غيرها قا * م بها القوم الثقات 
يعبدون اللّه سرّا * وجهارا ثم ماتوا 
إن عرفتم غير هذا ال * حقّ يا قوم فهاتوا 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
لقد بتّ من فرط الأسى طول ليلتي 
أقلّب قلبي في الهموم الشديدة 
أقول مدى صوتي لتفريج كربتي 
إلهي بتقديس النفوس الزكيّة * وتجريدها عن عالم البشرية 
لعفوك أرجو عن ذنوب تضرّنا 
ومن أنت يا مولى الموالي ومن أنا 
حقير ذليل كم أنادي لمن دنا 
أزل عن فؤادي ما ألاقي من العنا * فإني قليل الصّبر عند البليّة 

وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
" دور " 
رأيت الظبي في الحمى راتعات * فشاهدت أسماءها والصفات 
ولما تجلّت عدمنا الذوات * وقلنا هي الغيب والغيب فات 
" دور " 
ألا فالتفت يا مدير الكؤوس * ولا تنسني قد أطلت الجلوس 
أقمني لأشهد وجه العروس * وهات اسقني فضلة الكأس هات 
" دور " 

107
حبيبي سطا بالعيون الحسان * علينا فناديت منها الأمان 
وأهديت مني له كل آن * سلاما سلاما وأوفى صلات 
" دور " 
كذا آله والصّحاب الكرام * ذوو المجد من فضلهم لا يرام 
بهم نال عبد الغنيّ المقام * ونال الرّسوخ بهم والثبات 

وقال رضي اللّه عنه : 
تأمّل فما فات شيء أتى * ولا يعرف الأمر إلا الفتى 
شربت الوجود ولم أرتوي * من الحبّ يا ليت شعري متى 
متى أرتوي منه وهو الذي * نفاني ولكنه أثبتا 
فأثبتني فيه من غير أن * أرى لي وجودا سواه أتى 
فويلاه ويلاه مني ومن * تدليه لما دنا ملفتا 
ألا يا لقومي قفوا ههنا * فإنّ له صارما مصلتا « 1 » 
خذوا من تعاريف آياته * به لا بكم واقصدوا المثبتا 
محبّ حبيب لذات له * إذا ما تجلّى لنا أبهتا 
بعيني عمى عن سوى وجهه * وأذناي عن غيره صمّتا 
هو الحقّ يبدو ويخفى ومن * أراد اجتماعا به شتّتا 
وما الجمع إلا به والذي * تعدّى فعن أمره قد عتا 

وقال رضي اللّه عنه : 
هي هذه الحركات والسكنات * يأتي بها الفلك الذي هو ذات 
كرة تدور على تحقّق علمها * باللّه كشفا والعقول صفات 
هي وحدة في كثرة هي كثرة * في وحدة تتلى بها الآيات 
وحقيقة فيها الحقائق كلّها * أضدادها جمع بها وشتات 
قلم إلهيّ ولوح لم يزل * بالخلق فيه المحو والإثبات 
تفنى بأجمعها وترجع عمرها * مائة مكمّلة هي السّنوات 
كالطفل تنشأ بالخلائق جملة * وتعود نسخا فيه تغليظات 
...............................................................................................
( 1 ) الصارم : السيف القاطع ( ج ) صوارم . الصّلت : من السيوف الصقيل الماضي . 

108
وشبابها مثل الشّباب فرونق * غضّ وأيام بها شهوات « 1 » 
لا تنكروا تقديمها الصّبيا * ن والتأخير للأشياخ وهي فتاة 
حتى إذا كهلت رأيت كهولها * تحيى وصبيان الحمى أموات 
وإذا بنا شاخت فإنّ شيوخنا * تعلو وتظهر والكهول رفات 
أبدا كذلك كلّما كانت لها * مائة السنين فإنها النشآت 
هي نشأة من بعد أخرى مثلها * حتى تتمّ أولئك الحركات 
ويعود أمر الغيب للبدء الذي * عنه بدا وتسرمد الحالات « 2 » 
لتحققوا بمقالنا وتبينوا * تجدوا الشّموس وتكشف الظلمات 

وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
" دور " 
قمر الغيب بدا في الظّلمات * فحضرنا منه كلّ الحضرات 
وانقضى الموت به والسّكرات * وفنينا في بقاء اللّمحات 
"دور " 
يا شخوصا كسراب ظهرت * لغرور العقل حتى بهرت 
طلعة الحقّ علينا اشتهرت * وعجيب كيف تبقى الغفلات 
" دور " 
أيّها الظاهر بي خلف حجاب * كلّ من يدعوك بالأسما يجاب 
أمرك الحقّ هو الأمر العجاب * وهو كالبرق ونحن اللّمعات 
" دور " 
هذه روحي وهذا جسدي * ليس شيء منهما طوع يدي 
وهما عندك يا ذا المدد * من قبيل الظلّ تحت الشجرات 
" دور " 
وعلى طه صلاتي والسّلام * وجميع الآل والصّحب الكرام 
ما رأى عبد الغني نور المقام * فتلاشى في رفيع الدّرجات 
...............................................................................................
( 1 ) الرونق : من الشباب : أوله وطراءته . 
( 2 ) السرمد : الدائم الذي لا ينقطع . 

110
وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ آل النبيّ في كلّ عصر * من زمان مضى وما هو آت 
شمس فضل بها القلوب أضاءت * فرأينا الأعمال بالنيّات « 1 » 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
يا نسمة من حمى قاسيون لي هاجت * حتى أجبنا التي أسرارها ناجت « 2 » 
قولي لمن نفسه في عشقها راجت * بع ههنا النّفس أسواق الهوى راحت 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
أحبني وأنا المعدوم في ذاتي * وهو الوجود تجلّى بالخيالات 
لما عشقني تصوّرني بإثبات * فصرت فيه كشكل في المراءات 

وقال رضي اللّه عنه كذلك : 
إيماء ربي مزايا عقدها حلّت * ما حرّمت أظهرت فيها وما حلّت 
وذاته الأصل في الأكوان ما حلّت * وإنما كلّ أمر في الورى حلّت 
...............................................................................................
( 1 ) في البيت إشارة لحديث « إنما الأعمال بالنيّات . . . » . 
( 2 ) قاسيون : هو الجبل المشرف على مدينة دمشق وفيه عدة مغاور وفيها آثار الأنبياء وكهوف ، وفي سفحه مقبرة أهل الصلاح ، وهو جبل معظّم مقدّس . ( معجم البلدان 4 / 295 ) . 
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:20 pm

قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الثاء 
وقال رضي اللّه عنه : 
ترنّمت المثاني والمثالث * فجاء بوصفه ثان وثالث 
وحيد الذّات والأسماء شتّى * وهنّ إلى تحققه بواعث 
تجلّى بالحجاب على أناس * طبائعهم برؤيته دمائث « 1 » 
فقرّت فيه أعينهم وقوم * تحجب عندهم فيمن يحادث 
وأحفته مظاهره لديهم * فكلّ سائل عنه وباحث 
فيدني من يشاء إليه فضلا * ويبعد من يشاء ولا مناكث 
هو الفرد الكثير بما تجلّى * وما قد غاب منه عن الحوادث 
دنا قلبي إليه وقد تدلّى * بقلبي فالتقى فان وماكث 
فلم يك ههنا أحد سواه * وقد عبثت من الكون العوابث 
ترى كلّ العقول به حيارى * ولا يدري الشّجاع به الدلاهث « 2 » 
ولكن من هداه هداه كشفا * إليه فلا علوم ولا مباحث 
وجلّ عن العلوم ومقتضاها * وما هي غير آداب الموارث 
ورثناها عن السلف اقتفاء * لشأن العارفين به الملاوث « 3 » 
ألا يا من تجلّى في فؤادي * فذبت به وطهرت الخبائث 
...............................................................................................
( 1 ) الدمائث : ما سهل ولان ، أحدها دميثة ؛ ومنه قيل للرجل السهل الطلق الكريم : دميث . ( لسان العرب 2 / 149 مادة : دمث ) . 
( 2 ) الدّلاهث : السريع الجريء المقدّم من الناس والإبل. ( لسان العرب 2 / 148 مادة : دلهث )  
( 3 ) الملاوث : ( ج ) الملاث والملوث : السيد الشريف لأنّ الأمر يلاث به ويعصب أي تقرن به الأمور وتعقد . ( لسان العرب 2 / 187 مادة : لوث ) . 

111
وكان ولم أكن وحلفت أني * كغيري لا أكون ولست حانث 
وجودك منشاي وبه فنائي * كحال الأحفياء بك الأشاعث 
مجرّد نسبة بالوهم قامت * ومحض إضافة بالجهل كارث 
شهدنا وجهك الميمون فينا * شهود فتى لعلم الغيب وارث 
ونحن السابقون إليك طلقا * وإن نبحت أكاليب لواهث « 1 » 
وفينا الهاشمية من قريش * مناسبة نفت سحر النوافث 
تطير بنا إلى أوج المعالي * وتسري بالنجيبات الحنائث 

وقال رضي اللّه عنه : 
لما انثنت ثاء الثّنا الموروث * هي كالفراش هنالك المبثوث 
وبها تألف كلّ معنى نافر * كجنود حرب هاجم وبعوث 
يا أيها الحرف الإمام المقتدى * لك طيب أنفاس وفتك ليوث 
ملك كهاتيك الحروف مقدّس * في هيكل النّاموس والبرغوث « 2 » 
ولأجل هذا جاءنا عن سبه * نهي النبيّ بعلمه الموروث 
لكنه في عين منطلق الحجا * عبد المهيمن ليس عبد يغوث 
...............................................................................................
( 1 ) لهث الكلب : أخرج لسانه من حرّ أو عطش أو إعياء . 
( 2 ) الناموس : ( ج ) الناموسة : البعوضة الصغيرة . البرغوث : ضرب من صغار الهوام ، عضوض شديد الوثب ، من رتبة مخفية الأجنحة وفصيلة البرغوثياب ، يتطفل على اللبائن والطيور ( ج ) براغيث . 

112 
حرف الجيم 
وقال رضي اللّه عنه : 
ذهب الخوف والرجا * ومضى المدح والهجا 
وأنا اليوم مسلم * بك قلبي إليك جا 
طال ما كنت في عمى * لم أجد عنه مخرجا 
جامد الذات خامدا * حامدا ظلمة الدّجا 
وأنا في كثافة * مطري منك أثلجا 
مستقيمي القويم بي * مثل قوم تعوّجا 
حائرا بي آتيه في * ليل وهمي الذي سجا " 1 " 
فبدت نارك التي * كان موسى لها التجأ 
فتقصدت جمرها * عندما قد تأجّجا 
وتذاوبت فوقه * باستراق فأنتجا 
جامدي صار مائعا * كلّه يا أولي الحجا 
وإنائي غسلته * وبدا الصّبح أبلجا " 2 " 
وخزامى شممت من * نفحاتي وعرفجا " 3 " 
إنّ رحماننا له * نفس قد تأرّجا 
كنت أشتاقه وقد * كان أوسا وخزرجا " 4 " 
...............................................................................................
( 1 ) سجا الليل : سكن ودام . 
( 2 ) أبلج الصبح : أضاء وأسفر . 
( 3 ) الخزامى : جنس نبات من الفصيلة الشفوية ، له زهر طيب الريح . العرفج : شجر صغير سريع الاشتعال ( ج ) عرافج ، الواحدة عرفجة . 
( 4 ) الأوس : قبيلة قحطانية هي إحدى فرعي الأنصار في فجر الإسلام، والفرع الآخر : الخزرج. 
الخزرج : اسم قبيلة يمنية عاشت في المدينة ، وهي إحدى فرعي الأنصار . 

113
نصرة الدين لي به * وعن الكرب فرّجا 
وقعت قطرتاي في * بحر أمر تموّجا 
كيف أمتاز بعد أن * أوضح الحقّ منهجا 
من كفوف الهزبر وال * نّاب ما واقعي نجا 
واسقياني عتيقة * يا خليليّ وامزجا « 1 » 
وعلى حيّ ربة ال * خال بالقلب عرّجا 
إنني مستهامها * ولي البعد أزعجا 
لم أجد مثل حسنها * قطّ أبهى وأبهجا 
سلبتني بناظر * طرفه صار أدعجا « 2 » 
وسنتني بطلعة * لم يقم بعدها الدّجا 
وجهها قد عشقته * لا سوارا ودملجا « 3 » 
وأنا اليوم مغرم * حبها مهجتي شجا 
كلما ناح طائر * حثّ شوقي وهيجا 
وغدا الجفن من دمي * في بكائي مضرّجا « 4 » 
ثمّ قلبي وقالبي * للفنا قد تدرّجا 

وقال رضي اللّه عنه : 
عرف المحبوب فابتهجا * وعن الأكوان قد خرجا 
مستهام ليس يقنعه * غير لحظ العين نهب رجا 
ضاق حتى لو تكون له * وسعة الدارين ما انفرجا 
والنّوى والشّوق أتلفه * لم يزل في الحبّ منزعجا 
لو لمن يهواه كان درى * منزلا من شوقه عرجا 
آه من لي لم أجد أحدا * عنه بالإدراك لي لهجا 
ليت لو ألقى له سببا * أو أرى لي نحوه درجا 
ذاب صبري وانقضى جلدي * والتواني أحرق المهجا 
................................................................................................
( 1 ) عتقت الخمر : قدمت فحسنت . 
( 2 ) دعجت العين : اتّسعت واشتد سوادها وبياضها . 
( 3 ) الدّملج : سوار تحلّى به العضد ( ج ) دمالج . 
( 4 ) تضرج الشيء بالدم : تلطخ . 

114
رام بالأكوان يشغلني * عنه كي أسلو فشوقي جا 
بي عليم غير أنّ له * حكمة تهزا بكلّ حجا 

وقال رضي اللّه عنه : 
قد أصبح قلبي في وهج * ومدامع عيني كاللجج 
ومعاني الشّوق قد اتضحت * بلسان ضني الجسم اللّهج 
فعسى الألطاف تحفّ بنا * ويلوح النور من السّرج 
ولعلّ الرحمة تدركنا * من بعد الشدّة بالفرج 
ولعلّ علينا اللّه يجو * د بشرح الصّدر من الحرج 
والذنب يزول بمغفرة * ويصير الهالك منه نجي 
كرم المولى يحكي لججا * فاسبح في هاتيك اللجج 
وادخل بيت التوفيق ولا * تصعد إلا في ذي الدرج 
واعرفه به واعبده له * واسجد إن أسفر وابتهج 
واسكر من خمرة طلعته * وانظر نور الوجه البهج 
واترك عنك الأكوان بلا * ترك واسلك في ذا النهج 
مت واغسل عنك الغير وفي * أكفان الصفوة فاندرج 
يا خمرة عين الحقّ لنا * برضاب الحضرة فامتزجي 
واذهب يا كأس فإنك من * وهم تمضي طورا وتجي 
ما ثمّ سوى الأحكام فلا * تمدح شيئا فالشيء هجي 
ذات كالروض ونحن بها * من زهر الوصف شذا الأرج 
يا صاحب هذا المشرب قف * أنت المقدام لدى الرّهج « 1 » 
جل بين صفوفك مفتخرا * واسق الأسياف من المهج 
والكلّ سواك بغير هدى * إن شئت فسر أو شئت عج 
لا تطلب غيرك إنك أن * ت مناك فحل عن ذا العوج 
هذا نصحي فاقبله وكن * للجاهل حبلا في ودج « 2 » 
...............................................................................................
( 1 ) الرّهج : الغبار . 
( 2 ) الودج : عرق في العنق ينتفخ عند الغضب ، وهو عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة . وهما ودجان ( ج ) أوداج . 

115
أو كن للكلّ رياض هدى * أو حسنا في الخدّ الضرج 
واشكر مولاك كما أولا * ك به واترك قول الهمج « 1 » 
وصلاة اللّه بلا أمد * وسلام اللّه مدى الحجج 
وتحية ربّ الخلق على * طه منجينا من وهج « 2 » 
وعلى الآل الأطهار له * وعلى الأصحاب أولي البلج 
ما أسفر ضوء الصّبح وما * ولي ليل في الدهر دجي 

وقال رضي اللّه عنه : 
ما الشدّة إلا للفرج * وستأتي أنواع الفرج 
فاصبر فاللّه له حكم * فيما يقضيه على المهج 
والكلّ يزول فلا تحزن * من شيء راح فسوف يجي 
والدّهر عجيب هالكه * وعجيب أيضا منه نجي 
وتصاريف الأيام على * أهل الدنيا إحدى الحجج 
العالم للبلوى خلقوا * فمن البلوى لا تنزعج 
فجوابهم قد كان بلى * في الأصل لمعنى ممتزج 
واللّه له غضب ورضى * كالظلمة تظهر والبلج 
فاصعد بمراقي الخير إلى * أعلى الغرفات من الدرج 
وإذا وكّلت إلهك في * أمر من أمرك فابتهج 
وابشر فهو المقضيّ ولا * تضجر منه أو تختلج 
والشيء له وقت فإذا * لم يأت فكن للوقت رجي 
والعسر ليسر يعقبه * فأخرج عن ضيقك والحرج 
وسألتك يا مولاي بمن * يمشون على أسنى النّهج 
من كلّ رسول جاء لنا * بالحقّ وبالدين البهج 
وبكلّ شيء منك أتى * بطريق ليس بذي عوج 
وبنوح يشكر من غرقت * بالدعوة منه ذوو الهرج 
ونجت أصحاب سفينته * من كلّ فتى في اللّه شجي 
...............................................................................................
( 1 ) الهمج : الرّعاع من الناس لا نظام لهم أو الحمقى . 
( 2 ) الوهج : حرّ النار والشمس ونحوهما من بعيد . 

116
وبإبراهيم خليلك من * نجّاه الحقّ من الوهج 
وبخلّته وإمامته * لبنيه على مرّ الحجج 
وبتسمية من قبل لنا * بذوي الإسلام المنتهج 
وكليمك موسى من أنجى * بك أمّته يوم الخلج 
والفرق له كالطود غدا * في لجّة بحر مختلج 
وبروحك عيسى من ظهرت * أنوار هداه على السرج 
أبرى الأعمى والأبرص بل * أحيى كم ميت مندرج 
وبطه أحمد من بهرت * آيات هداه المنبلج 
وحمى دين الإسلام وقد * وافى بالنصرة في الرهج 
وأبان بمدح الدين لنا * عن ملّته والكفر هجي 
وبأهل البيت بأجمعهم * أرباب السّبق لدى الدلج 
وبأصحاب المختار ومن * بالسرّ أناروا كلّ دجي 
وأبي بكر الصدّيق بلا * شكّ في الدين ولا مرج « 1 » 
وبشيبته وسريرته * تلك المعمورة باللّهج 
وبمن فرّ الشّيطان أسى * منه لطريق منتهج 
عمر الفاروق ومن بسنا * علياه أبان عن الفلج « 2 » 
وبعثمان الزاكي الأخلا * ق شهيد الدّار المعتلج « 3 » 
وببحر العلم عليّ من * قد فاح كروض مفترج « 4 » 
صهر المختار وعمدته * في الشدّة والهمّ اللزج 
...............................................................................................
( 1 ) أبو بكر الصديق : عبد اللّه بن أبي قحافة ( 51 ق ه - 13 ه / 573 - 634 م ) أول الخلفاء الراشدين وأول من آمن بالرسول من الرجال . ولد بمكة . سيد في قريش وعالم في الأنساب . 
حارب المرتدين وفتح بلاد الشام والعراق . ( الرسالة القشيرية ص 122 ) . 
( 2 ) عمر بن الخطاب ( 40 ق هـ - 23 هـ / 584 - 644 م ) قرشي عدوي . ثاني الخلفاء الراشدين ، وأول من لقّب بأمير المؤمنين ، صحابي جليل ، شجاع حازم ، صاحب الفتوحات . ( الرسالة القشيرية ص 146 - 147 ) . 
( 3 ) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ( 47 ق هـ - 35 هـ - 577 - 656 م ) من قريش أمير المؤمنين ، ذو النورين ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشّرين . ( الأعلام 4 / 210 ) . 
( 4 ) علي بن أبي طالب ( 23 ق هـ - 40 هـ / 600 - 661 م ) هاشمي قرشي . رابع الخلفاء الراشدين وأول العشرة المبشّرين . وابن عمّ النبي وصهره ، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء وأول الرجال إسلاما . ولد بمكة . ( الرسالة القشيرية ص 108 ) . 

117
وبكلّ وليّ فاح بنا * من سيرته زاكي الأرج 
أن تفرج همّ أحبتنا * وتقيهم معترك الهمج 
وتزيل الغمّة أجمعها * عن هذا القلب المنزعج 
وادفع شرّ الأعداء ولا * تغرقنا منهم في اللجج 
والطف يا ربّ اللّطف بنا * وأنقذنا من هذا اللجج 
وصلاة اللّه مع التسلي * م على ذي السرّ المنذحج 
طه المختار وشيعته * والصّحب ذوي الحظّ الفرج 
وعلى العبد المنسوب بهم * لغنيّ سامي المنعرج 
ما لعلع حادي النّوق وما * سار الركبان على السّرج 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا بدّ للضيق في الدنيا من الفرج * فافتح كفوف الرجا والحق بألف رجي 
واعلم بأنك مفتون وممتحن * بما لديك من الإيساع والحرج 
والكلّ يذهب إن حزنا وإن فرحا * فكن إذا ضاق أمر غير منزعج 
ولا تبت من كدور الدهر منقبضا * فإنما الدهر ميّال إلى العوج 
وأظهر البسط في كلّ الأمور وإن * ضاقت عليك فقل : يا أزمة انفرجي 
واشكر على كلّ حال أنت فيه فما * عن حكمة قد خلا أمر إليك يجي 
واصبر وصابر لأحكام الإله ولا * تضجر وإياك في الدنيا من اللّجج 
وأطلق النّفس من سجن الهموم يفز * غريق قلبك يا هذا من اللّجج 
فربّما رفعة من خفضة ظهرت * وسافل قرّ في عال من الدّرج 
وظلمة اللّيل إن زادت فإنّ لها * نورا أعدّ من الأقمار والسّرج 
والضدّ للضدّ مجعول يزول به * وليس ماض مع الآتي بممتزج 
يا حالة النّقص ما عني الكمال نأى * ونفحة المسك في ضمن الدّم اللّزج 
وكلّ شيء له وقت بكون به * فلا تكن في القضايا غير مبتهج 
وحكم ربّك فاصبر في الوجود له * فإنّ حجته تعلو على الحجج 
وارفع وساوسك اللاتي تسوق إلى * إتعاب نفسك واترك سيرة الهمج 
واذكر إلهك في سرّ وفي علن * تنجو غدا من لهيب النّار والوهج 
وبالصلاة تولع والسّلام على * طه الرّسول إلينا واضح النهج 
والآل والصّحب والأتباع أجمعهم * بالخير ما هبّ ريح طيّب الأرج 

118
وقد كتب بعضهم هذه الأبيات في قاعة بناها فألحقنا بيتا في تاريخها فقلنا : 
وما تكامل بنيان فزدت له * فردا وأرّخت رمها قاعة الفرج 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ بحر الوجود بالاختلاج * لم يزل مكثرا من الأمواج 
واسمها الكائنات حسّا وعقلا * في نهار يضيء وليل داجي 
لا تظنّ الوجود زاد وهذا * غير أنواع زينة وابتهاج 
عدم كلّ ما ترى فتحقّق * بوجود في ظلمة كالسّراج 
عينته شؤونه وهي منه * وبها بعضه لبعض يناجي 
عظم الأمر وهو باطن خلق * وهو عين الأفراد والأزواج 
قف هنا عند وحدة الأمر واشهد * كثرة الخلق عين ما أنت راجي 
واحد أظهر المراتب منه * في حساب الألوف للمحتاج 
إن ترده في كلّ شيء تجده * واحدا ظاهرا بغير علاج 
فانظر الرتبة التي هو فيها * ثم دعها وكنه بالامتزاج 
وليكن ظاهرا بما أنت فيه * ظاهر فهو مادح أو هاجي 
وعليك الحكم الذي منه باد * لا عليه فهالك أو ناجي 
صور تارة نقول وطورا * لمعات من نوره الوهّاج 
إن تكن عارفا عذرت قصورا * في كلامي ولم تقل باحتجاج 
وإذا كنت جاهلا فتوقى * حيّ ميت من هذه الأمواج 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الوجود بموجوداته امتزجا * وهما بغير امتزاج فاعرف الدّرجا 
رفيعها درجات كلهنّ له * ذو العرش عرش محيط بالعوالم جا 
هي المراتب فيها نازل أبدا * مراتب عنه عنها كلّها خرجا 
وهي اعتباراته في نفسه ظهرت * به له فيه بالترتيب لا عوجا 
وكلها عدم وهو الوجود لها * يضاف عند أولي عقل وأهل حجا 
وإنما هي تحقيقا تضاف له * عندي كما جاء في القرآن منبلجا 
للّه ما في السّموات كذاك وما * في الأرض بل كلّ شيء هكذا لهجا 
ولم يزل هو فيما فيه من نعم * من التنزّه عنها فانشق الأرجا 

119
فإن عرفت فقل ما شئت فيه وإن * جهلته فالزم التقييد والحرجا 
جلّ الوجود الذي لا غير طلعته * في كلّ شيء كنور والجميع دجا 
كالبحر والكلّ كالأمواج منه له * منزّه هو عنها فاحذر اللججا 
وافهم كلامي كفهمي أو فدعه ولا * تتبع أولي الجهل فينا واترك الهمجا 
إنّا عملنا وكنّا جاهلين به * فنعرف الجهل إذ منه الفؤاد نجا 
والجاهلون به من قبل ما علموا * به فلا يعرفون العلم والنهجا 
اللّه أكبر هذا وجه خالقنا * فينا بدا فرأينا الضّيق والفرجا 
ونحن منه تقادير تلوح به * فأهل يأس وإقناط وأهل رجا 
مقدّر نفسه أشياء ظاهرة * به له من أتاه أو إليه لجا 

وقال رضي اللّه عنه : 
قد أتينا الحمى على منهاج * فانظروا عندكم له من هاجي 
سيرة أحمدية سرت فيها * مستضيئا بنور ذاك السّراج 
جلّ وجه عن العوالم بعلوّ * بكمال الجمال والابتهاج 
جنة الخلد جنة الخلد لكن * تستر القلب عن بديع التناجي 
فتجرّد عن السّوى وبجيم ال * جمع فافرق قاف البقا في الدياجي 
إنما الجمع نور سرّ التجلّي * وبه الفرق بغية المحتاج 
جفّ جفّ المداد من أقلام * جاريات السّواد في لوح عاج « 1 » 
فاكتبوا بالنضار يا أهل ودّي * في لجين الخدود والأوداج « 2 » 
جلّ جلّ الجليل حيث تجلّى * بحلي الانفراد والازدواج 

وقال رضي اللّه عنه : 
عدم للوجود كالأمواج * في امتزاج به بغير امتزاج 
ثمّ إنّا ثلاثة وهو فرد * ووجود حقّ عظيم ابتهاج 
نحن في ذاتنا وفي العلم أيضا * والكلام النفسيّ أصل التناجي 
عدم نحن في الثلاث وأما * هو فهو الوجود عقلة تاج « 3 » 
.............................................................
( 1 ) العاج : ناب الفيل . الواحدة : عاجة . 
( 2 ) النّضار : الذهب . اللجين : الفضة . 
( 3 ) العقلة : ما يربط به كالقيد أو العقال . 

120
ربّنا الحقّ قد تنزّه عنّا * مستحيل الأولاد والأزواج 
ما ظهرنا به سوى بكلام * أزليّ يضيء في ظلّ داجي 
وهو أيضا مراتب ليس تخفى * عن إمام مكمل المعراج 
رتبة الذّات قبل رتبة علم * بعدها رتبة الكلام المناجي 
وهو فرد حقّ ونحن كثير * باطل في كلامنا كالسّراج 
فافهموا ما أقول يا قوم مني * إنني البحر فيه ذو الأمواج 
هذه هذه بديعة وقت * سمح اللّه فيه بالإفراج 

وقال رضي اللّه عنه وقد ذهب يوم الأربعاء الثالث والعشرين من صفر سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف مع جماعته إلى بستان في أرض اللوان خارج دمشق الشام وأنشد فيه هذا المواليا واسمه بستان البرج : 
يا حسن بستان في اللوان اسمه البرج * سرنا إليه مسير الشّمس نحو البرج 
وفيه كنّا وقد غنى حمام البرج * وقلعة الأمن قد بتنا بها في البرج 

وقال أيضا مواليا : 
لي قصر عالي نصبتو من خشب كالبرج * في وسط بستان في اللوان يسمى البرج 
وبتّ فيه بيات الشّمس وسط البرج * حتى المغنون لي فاقوا حمام البرج 

وقال رضي اللّه عنه مواليا وهو في قرية الفيجة « 1 » : 
جئنا بحكم التجلّي قرية الفيجه * على طريق لها كم فيه تدريجه 
واللّه حافظنا في كلّ تعويجه * حتّى شهدنا لضيق الأمر تفريجه 

وقال رضي اللّه عنه : 
من صالحيتنا طرنا بأجنحة * هي السرور لبستان يسمى البرج 
ونحن في تحتنا كالنجم في فلك * ما فارق البرج إلا وهو وسط البرج 
حتّى كأنّا حمام جاء في قفص * ثمّ استقرّ وأمسى بائتا في البرج 
......................................................................
( 1 ) الفيجة : قرية بين دمشق والزبداني عندها مخرج نهر دمشق بردى وبحيرة . ( معجم البلدان 4 / 282 ) . 


121
وقال رضي اللّه عنه : 
زينة العبد فقره واحتياجه * والغني بالإله لاق ابتهاجه 
وهو في غيره مجرّد وهم * كم به رادت الردى أفواجه 
والجهول الذي يظنّ بشيء * من متاع الدّنيا يصحّ مزاجه 
ليس يغني الفقير شيء ولو س * يق إليه من الوجود خراجه 
ولهذا تراه والحرص في حا * ل افتقار وغنية معراجه 
وهي من داء حبّ دنياه ما زا * ل مريضا أعيى الجميع علاجه 
والغنيّ الغنيّ بالذات لا بال * عرض الزائل المثار عجاجه « 1 » 
يا ابن يومين لا تخف قطع رزق * كم فتى قبلك اكتفى محتاجه 
وكم ارتاب عائل في كفاف * وعليه في العيش ضاقت فجاجه « 2 » 
ثمّ لما أن أسلم الأمر أثرت * خادموه وأيسرت أزواجه 
فز براحات قلبك الغرّ يا من * زاد من فوت ما يروم انزعاجه 
واطرح الهمّ عن فؤادك واربح * صفو عيش إن طبت طاب نتاجه 
لا تقل قلّ دون غيري رزقي * كلّ رزق مقدّر إخراجه 
قسمة اللّه لا زيادة فيها * لا ولا نقص عذبه وأجاجه 
والفتى غير رزقه لم ينله * ولو احتال واستطال لجاجه 
كم شجاع أراد رزق سواه * يحتويه فقطّعت أوداجه 
ولكم ضم رزق إنسان حصن * فغزوه وهدّمت أبراجه 
صاح لو كان فيك رزقك ما لم * يفتح اللّه عاقك استخراجه 
ولو انضمّ تاج كسرى على رز * ق فتى ذلّ وانزوى عنه تاجه 
كلّ ضيق وإن تطاول دهرا * عن قريب لا بدّ يأتي انفراجه 
هذه عادة المهيمن فينا * وعليها لقد جرى منهاجه 
أيّ وقت يمرّ من غير نوع * من عطاء كسا الكساد رواجه « 3 » 
كم لمولاي في الورى من أياد * عند عبد بها استقام اعوجاجه 
............................................................
( 1 ) العجاج : الغبار . 
( 2 ) الفجاج : ( ج ) الفج : الطريق الواسع بين جبلين أو في الجبل . 
( 3 ) الكساد : عدم نفاق الشيء لقلة الرغبة فيه . راجت السلعة : نفقت وكثر طلّابها . 

122
وله كلّ ساعة وزمان * بحر فضل تدفّقت أمواجه 
ثق بلطف الإله في كلّ حال * فهو في الخلق مستنير سراجه 
وإذا ضاق أو تعسّر أمر * ثمّ أبطأ انفساحه وانبلاجه 
وغدا القلب منه في سجن همّ * زائد الظّلم لم يمت حجاجه 
فتوكّل وارم السّلاح ودع ما * أنت فيه وليمض عنك هياجه 
واجعل الكون كلّه لم يكن من * قبل يذهب عن الفؤاد ارتجاجه 
وتر الخير في الذي أنت فيه * لكن الجهل سوّد الوجه زاجه 
والذي عنده الأمور تساوت * تمّ في طاجن الحجا إنضاجه 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:21 pm

قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الحاء
وقال رضي اللّه عنه : 
من لصبّ متيم ملتاح * أخذ العلم عن خدود الملاح 
فقهته في الدين قامات غيد * إن تثنّت تزري بسمر الرماح 
وأرته ملاحة الحقّ حقّا * فعصى في اتباعه كلّ لاحي 
وغدا باطل الملامة شيئا * باطلا في اجتنابه إصلاحي 
طار قلبي على معاطف ظبي * ما على من يحبه من جناح « 1 » 
يتجلّى بطلعة أرشدتني * لكمالي وخيرتي وفلاحي 
يا كثيفا يلومني في لطيف * إنّ هذا الملام غير مباح 
رمت منّي واللّه شيئا محالا * كيف تسلو زجاجتي مصباحي 
لمتى أنت هكذا في عناء * أنا لا أرعوي إلى النّصاح 
وإذا كنت ليس عندك فرق * بين لون الدّجا ولون الصباح 
أتظنّ المشوق مثلك أعمى * عن بروق الحمى وتلك النواحي 
أعشق الحسن إن أردت التلاقي * واتصال الأرواح بالأرواح 
وتهتك بكلّ أحور طرف * كلّ أطوار وجهه أقداحي 
نسمات من داخل السّتر هبّت * بعبير فأسكرت كلّ صاح 
هي محبوبتي بدت في وشاح * رقمت فيه لون كلّ وشاح 
وتثنّت تيها وقد ألبستني * ثوبها وهو مؤذن بافتضاحي 
وأعارتني الجناح انتسابا * فأنا طائر بذاك الجناح 
...............................................................................................
( 1 ) الجناح : الإثم والحرج . 

124
وقال رضي اللّه عنه : 
أنا دائما يا نور كلّ مليح * بين الكناية فيك والتّصريح 
أبدي الهوى طورا وأكتم تارة * ومدامعي تنبيك عن تبريحي « 1 » 
أما الحشاشة في هواك فإنني * أنفقتها في رغبة الترويح « 2 » 
أنا بين جسم من صدودك ناحل * شغفا وقلب بالبعاد جريح 
وأضالع بالاصطبار شحيحة * وجدا ودمع فيك غير شحيح 
وأنا الذي بين الحواسد والعدا * ما بين هجو في الهوى ومديح 
مقل تسحّ ولا تشحّ فدمعها * مغني اللبيب به عن التوضيح 
يا أيّها البدر الذي لمّا بدا * بالحسن أخرس نطق كلّ فصيح 
لك وجنة هي في النواظر جنّة * وجهنّم في قلب كلّ طريح 
وترى العيون جمال وجهك مقبلا * فتضجّ بالتهليل والتسبيح 
أحمامة الوادي قفي وترنمي * فعلى غرامك ظاهر ترجيحي 
لا الصبر للتضعيف مفتقر ولا * ذا الشّوق محتاج إلى التصحيح 
لمعت بروق الأبرقين وقد جرت * أمطار جفن بالبكاء قريح 
وروى النسيم لنا أحاديث الحمى * عن عرفج عن زرنب عن شيح « 3 » 
حتى أهاج بنا الغرام فيا له * في الحبّ من خبر رواه صحيح 
باللّه بلّغ يا نسيم الرّيح عن * شوقي وبالغ يا نسيم الرّيح 
واسأل بلطف منيتي عني ولا * تأتي بوجه للمليح قبيح 
وانعت له وجدي القديم وصف له * شغفي وما ألقى من التبريح 
طفح الغرام عليّ حتى بالهوى * صرّحت في حبي لكلّ صبيح 
وكتمته لمّا بدا لنواظري * نور الخباء وملت للتلميح 
وأنا الذي يهوى المليح تعممي * أبدا ومن شوقي له توشيحي 
...............................................................................................
( 1 ) التبريح : الشدّة والأذى والمشقّة ( ج ) تباريح ، وتباريح الشوق : لوعته وشدته وتوهّجه . 

125
وقال رضي اللّه عنه : 
تب منك حين تقول يا فتاح * تلق المنى فالتوبة المفتاح « 1 » 
وانهض إلى عين الوجود مجانبا * ذاك النّهوض فلاح فيه فلاح 
كم مشرق للشمس فيك ومغرب * منه مساء دائما وصباح 
ولربما رمت القبول فلم تجد * فاسمح بنفسك فالسّماح رباح 
يا نهر طالوت الذي بليت به * أقوامه ما هذه الألواح 
قل ليس مني كلّ من هو شارب * مني فإني فاتن نصّاح 
لعبت بك الأهواء في بحر القضا * فارس السفينة أيّها الملاح 
واقبل ولا تقبل وقم واقعد وقل * واسكت ففي إنصاتك الإفصاح 
وافهم ولا تفهم وتب عن توبة * هذا مقامك ما عليك جناح 
هو لا هو التوّاب بل هو أنت لا * أنت المتاب عليه يا مصباح 
ومتى أحبك حين تبت فإنما * محبوبه بك وجهه الوضّاح 
والكائنات بسرّ توبتك اهتدت * فهي الجسوم وذاتك الأرواح 
فاحذر فمكر اللّه توبة عبده * إن تبت تب أن لا تتوب تراح 
من قام بي قامت به الأشيا ومن * بالنفس قام تقيمه الأشباح 
كأس صفت بيد المدير فأسكرت * ألباب أهل اللّه منه الرّاح 
فتمايلت شمّ الحبال وعربدت * في النشأتين وطرفها طمّاح 


وقال رضي اللّه عنه مضمّنا : 
وذي طلعة عن كلّ معنى تنزهت * لها كلّ شيء في الوجود يسبح 
وتسبيحها عنه علت حيث إنه * من الخلق حكم ليس للحقّ يصلح 
لها الحسن بل والقبح والكلّ حكمها * فتعطي لها الإيمان منها وتمنح 
يصوّرها كلّ امرئ حسب حاله * وكلّ إناء بالذي فيه ينضح 


وقال رضي اللّه عنه : 
إشارات الجمال هي الملاح * فحيّ على الجمال فلا جناح 
...............................................................................................
( 1 ) التوبة أول منزل من منازل السالكين ، وأول مقام من مقامات الطالبين ، وحقيقة التوبة في اللغة : 
الرجوع ، يقال : تاب أي رجع، فالتوبة الرجوع عمّا كان مذموما في الشرع إلى ما هو محمود فيه. ( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقام التوبة برسالته ص 91 - 97 ) . 

126
وجوه كالبدور على قدود * إذا اهتزت فما السمر الرماح 
وألحاظ بألفاظ تنادي * دم العشّاق في الدنيا مباح 
ولا يك بالجلود لك افتتان * فما تلك الجلود هي الملاح 
ولا يخفى عليك لطيف سرّ * لأستار القلوب به افتضاح 
وما الفاني بمقصود ولكن * وشى منه على الباقي وشاح 
وسل منّا العيون تجبك عنه * لعمرك فهي ألسنة فصاح 
ولا تسل القلوب فتلك سكرى * لأنّ جمال وجه الحبّ راح 
صدقتك ما المعاطف مائلات * لها في كلّ جارحة جراح 
يظلّ بها المهفهف في ازدهاء * على العشاق والخود الرداح « 1 » 
بأبعد من قنا الإخلاص يسطو * بها في حال صاحبه الصلاح « 2 » 
ولا حمر الخدود مورّدات * بحاجبة إذا لاح الفلاح 
وقل للغافلين هنا طريق * إلى المحبوب ليس لكم يباح 
عميتم عنه والأقوام فيه * حذار فدونه الأسد الكفاح 
ودعهم ينكروه فليس يأتي * بعلم منهم الجهل الصراح 
وإن نبحوك كن من أهل بدر * وكيف يضرّ بالبدر النّباح 
إليك عن العواذل في التصابي * إذا عصفت إليه بك الرّياح « 3 » 
وقد عفت السّوى والنّفس عفّت * هناك مضى الدّجا وأتى الصّباح 


وقال رضي اللّه عنه : 
أنا مجنون الملاح * فاعقلوني بألواحي 
واقرؤوا نطقي فإني * مثبت بالحقّ ماحي 
أخذت قلبي عيون * غمزها سكري وراحي 
...............................................................................................
( 1 ) المهفهف : الضامر البطن ، الدقيق الخصر . ازدهى : أخذته خفّة من الزهو وغيره . الخود : ( ج ) الخود : الفتاة الشابة الحسنة الخلق . الرداح : امرأة رداح : ضخمة الردف سمينة الأوراك . 
( 2 ) الإخلاص : إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد ، وهو أن يريد بطاعته التقرّب إلى اللّه سبحانه دون شيء آخر من تصنّع لمخلوق ، أو اكتساب صفة حميدة عند الناس ، أو محبة مدح من الخلق ، أو معنى من المعاني سوى التقرّب به إلى اللّه تعالى . ( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقام الإخلاص برسالته ص 207 - 210 ) . 
( 3 ) العواذل : من يكثرون اللوم . 

127
لا عيون من تراب * هي أو ماء قراح « 1 » 
بل عيون ناظرات * لي من كلّ النواحي 
أينما وليت ألقى * وجهها الحقّ كفاحي 
وبها كنت وما كن * ت وسكران وصاحي 
كلّ عين أنا عنها * نظرة بل وحي واحي 
وجميعي هو من أج * فإنها المرضى الصّحاح 
أنا إلا النور منها * في مساء وصباح 
أنا إلا القول عنها * في غدوّ ورواح 
تتجلّى بي عليكم * في قميصي ووشاحي 
قد هدت بي وأضلّت * بي كثيرا عن فلاح 
ولقد أنكرتموها * من شهودي والتماحي 
فرمتكم من جحود ال * حقّ في الكفر الصّراح 
وغزتكم بسيوفي * وسبتكم برماحي 
لو عقلتم لو دريتم * يا ذوي الجهل المتاح 
ونفوس في فساد * لا ترى نور الصلاح 
فاحذر اللّيث وحوّل * عنه يا كلب النّباح 
ودعوه يا ذوي الأع * ين هاتيك الوقاح 
بيت حقّ واجب حر * مته غير مباح 
لا تقل منه سلمنا * ما حسستم بالجراح 
ستذوقون غدا إن * برد الجرح سلاحي 
وسترديكم سمومي * وستلقيكم رياحي 
ويفي بالوعد بالنّص * ر إلهي والنجاح 
ويريش اللّه بالإم * داد مقصوص الجناح 


وقال رضي اللّه عنه : 
هيكلي سام سليم الشبح * طاهر الذّيل نظيف القدح 
وإنائي بالتجلّي طافح * يتكفى بفنون الملح 
...............................................................................................
( 1 ) القراح : الخالص من كل شيء . 

128
ومن المنبع روحي شربت * وبصدر صدرت منشرح 
لا درى الغير ولا كان له * لمحة من نور تلك اللّمح 
أنا في المذكور والجاهل في ال * ذكر والفكر وعقد السبح 
هو في بيت هوى منغلق * وأنا في رفرف منفسح 
كلنا من نخلة واحدة * لكن العجوة غير البلح « 1 » 
وجهنا الحقّ غسلنا وسخ ال * غير عنه بمياه الوضح 
وتركنا الكلّ للكلّ فلا * بالمذمّات ولا بالمدح 
هي نفس كيفما شئت بدت * لي بشخص بالسّوى متّشح 
وهو أمري نازل مرتفع * بمزامير الورى في مرح 
كلهم منك خيالات فدع * عنك يا عبد الغني واسترح 
وادخل البيت وبت في دعة * وتعانق معه واصطلح 
واترك الكرسيّ والعرش وما * تحته للغيّ أو للفلح 
واهجر الجنّة والنار ولا * تفتتن عن ذاته بالشبح 
وتمتّع بالرقيقات وفز * بالعطايا وافتخر بالمنح 
وانخلع عنك وعربد طربا * وتهتك في الهوى وافتضح 
هذه دولتنا قد حضرت * دولة العزّ وكنز الفرح 
وانفصلنا أبدا من أزل * عين ماء دافق منفسح 
روضة زهرتها فائحة * فانتشق نفحتها وانصلح 
وتنصّت لغنا بلبلها * وعلى المطرب لا تقترح 
واحرق الجاهل في قشرته * وهو لا يشعر بالمصطلح 
هو ألقى نفسه معتديا * في المضيقات ولم ينفسح 
أنت بالتصديق في الراحة بي * وهو في إنكاره في ترح 


وقال رضي اللّه عنه دو بيت : 
يا من بالنور لوح ذاتي ماحي * هات أرشفني بكأس روحي راحي 
واجعل بالفرق لي وبالجمع يدا * واكشف سرّ الأجسام للأرواح 
...............................................................................................
( 1 ) العجوة : ضرب من أجود التمر بالمدينة ونخلتها تسمى لينة . البلح : حمل النخل ما دام أخضر ، وهو كالحصرم من العنب . 

129
وقال مخمّسا قصيدة الشيخ شهاب الدين السهروردي " 1 " : 
أحزاننا بلقائكم أفراح 
وزماننا قدح وأنتم راح 
يا سادة من ذكرهم ترتاح 
أبدا تحنّ إليكم الأرواح * ووصالكم ريحانها والرّاح 
هذا الوجود جميعه إشراقكم 
وجميع من في الكون هم عشاقكم 
ما هكذا يا سادتي أخلاقكم 
وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم * وإلى لذيذ لقائكم ترتاح 
من ذا ترى يدري بكم من يعرف 
أنتم حقيقة كلّ شيء يوصف 
غلب الهوى أين المعين المسعف 
وارحمتا للعاشقين تكلفوا * ستر المحبّة والهوى فضّاح 
قوم صفا عمّا يغاير ماؤهم 
وإليك من دون السّوى إيماؤهم 
كتموك حتى أنكرت أحشاؤهم 
بالسرّ إن باحوا تباح دماؤهم * وكذا دماء البائحين تباح 
عرف الوصال يفوح فينا منهم 
وسواهم المستحقرون فمن هم 
قوم لهم حال شريف مبهم 
فإذا همو كتموا تحدّث عنهم * عند الوشاة المدمع السفاح 
...............................................................................................
( 1 ) هو يحيى بن حبش بن أميرك ( 549 - 587 ه - 1154 - 1191 م ) أبو الفتوح ، شهاب الدين السهروردي ، فيلسوف ، ولد في سهرورد ونشأ بمراغة ، وسافر إلى حلب ، فنسب إلى انحلال العقيدة ، وكان علمه أكثر من عقله فأفتى العلماء بإباحة دمه ، فسجنه الملك الظاهر غازي ، وخنقه في سجنه بقلعة حلب . من كتبه « التلويحات » و « المشارع والمطارحات » و « المناجاة » و « مقامات الصوفية ومعاني مصطلحاتهم » و « حكمة الإشراق » وغير ذلك . الأعلام 8 / 140 ، ووفيات الأعيان 2 / 261 ، والنجوم الزاهرة 6 / 114 . 

130
أوصافهم يسمو بها من يفهم 
وهم الدواء من الرّدى والمرهم 
كلّ المعارف والعلوم لديهم 
وكذا شواهد للسقام عليهم * فيها لمشكل أمرهم إيضاح 
يا سادتي مني السّلام إليكم 
فأنا هو المطروح بين يديكم 
ومن الجميع على البعاد لديكم 
خفض الجناح لكم وليس عليكم * للصبّ في خفض الجناح جناح 
لجمالكم في كلّ قلب ساحة 
وزهورنا بنسيمكم فوّاحة 
هل للمتيّم من جفاكم راحة 
فإلى لقاكم نفسه مرتاحة * وإلى رضاكم طرفه طماح 
كدر الحوادث زال عن عين الصّفا 
وبدا جمال أحبتي بعد الخفا 
فبحقّ ذاك العهد يا أهل الوفا 
عودوا بنور الوصل من غسق الجفا * فالهجر ليل والوصال صباح « 1 » 
قد راق في حان الوفا مشروبهم 
ولهم أباح وصاله محبوبهم 
صوفية تبدي الشّهود غيوبهم 
صافاهم فصفوا له فقلوبهم * في نوره المشكاة والمصباح « 2 » 
يا قومنا أنا زائد وجدي بكم 
والصّبر مني قد مضى في حبكم 
فاهنوا بما فزتم به من شربكم 
وتمتعوا فالوقت طاب بقربكم * راق الشّراب وراقت الأقداح 
...............................................................................................
( 1 ) الغسق : ظلمة الليل ، أو ظلمة أوله . 
( 2 ) المشكاة : ما يحمل عليه أو يوضع فيه القنديل أو المصباح . 

131
رفعت لقلبي في الغرام ظلامه 
لأمير حسن ما لديه جهاله 
أنظر عذولي في الجمال جلاله 
يا صاح ليس على المحبّ ملامه * إن لاح في أفق الوصال ملاح 
رفقا بنا يا أهل ذياك اللّوى 
إنّ المتيم عن هواكم ما لوى 
واللّه حلفة مغرم يشكو النوى 
لا ذنب للعشاق إن غلب الهوى * كتمانهم فنما الغرام وباحوا 
سلمى التي يا ويح مهجة صبّها 
جرحت بمقلتها وأسهم هدبها " 1 " 
للّه درّ عصابة في حبّها 
سمحوا بأنفسهم وما بخلوا بها * لما رأوا أنّ السماح رباح 
شربوا كؤوس هوى الأحبة قهوة 
ولهم غدت كلّ المكاره شهوة 
طلبتهم الذات النزيهة نخوة 
ودعاهم داعي الحقائق دعوة * فغدوا بها مستأنسين وراحوا 
هم سادة منهم يطيب خضوعهم 
للحبّ حيث به تنير ربوعهم 
لمّا تزايد بالفراق ولوعهم 
ركبوا على سفن الدّجا فدموعهم * بحر وشدّة خوفهم ملاح 
نزعوا الثّياب فعوّضوا بثيابه 
وعن الخطا قد ساقهم لصوابه 
وهو المعزّ لهم برفع حجابه 
واللّه ما طلبوا الوقوف ببابه * حتى دعوا وأتاهم المفتاح 
...............................................................................................
( 1 ) المقلة : العين كلها ، أو سوادها وبياضها ( ج ) مقل . الهدب : شعر أشفار العينين . 

132
هو إن نأى أو زاد في تقريبهم 
يشكو كما يشكون فرط نحيبهم 
وهم الذين تمتعوا بلبيبهم 
لا يطربون لغير ذكر حبيبهم * أبدا فكلّ زمانهم أفراح 
فيهم لقد دارت كؤوس سقاتهم 
حتى بها زالت عقول صحاتهم 
وحبيبهم لما بدا بصفاتهم 
حضروا وقد غابت شواهد ذاتهم * فتهتكوا لما رأوه وصاحوا 
نور التجلّي الحقّ حيّر عقلهم 
لفروعهم أخفى وأظهر أصلهم 
قوم جميع الفضل منتسب لهم 
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم * إنّ التشبّه بالكرام فلاح 
سكرت غصون الرّوض من نسماتها 
وترنّمت أطياره بلغاتها 
والذات تجلى في بديع صفاتها 
قم يا نديم إلى المدام فهاتها * في كأسها قد دارت الأقداح 
عرفت أهاليها بحفظ أمانة 
وكمال عرفان ورفع مكانة 
بكر أجلّ طلا وخير مدامه 
من كرم إكرام بدنّ ديانة * لا خمرة قد داسها الفلاح 


وقال رضي اللّه عنه : 
إن قلت يا روحي لسبوحي * يقول لي : بل أنت يا روحي 
وإن أقل يا روح روحي يقل * ذلك نوري من له أوحي 
حتى يكون المحو عن لوحنا * فيظهر المخفيّ في اللوح 
غير الوجود الحقّ ما ههنا * فاستغنموا تحقيق ممنوح 
أحبني قدما ومن فرط ما * أحبّني صوّر ملموحي 
فصورتي محفوظة عنده * يشهدها مشهد ممدوح 
وهكذا كل البريّات لو * تدري بحال منه مشروح 

133
يا واحدا في كلّ شيء ولا * شيء فمن سوح إلى سوح 
نحن جميعا لك لا أنه * أنت لنا كالنور من يوح 
نحن تصاوير تصوّرتها * حبّا لها بالجسم والرّوح 
فادّعت الحبّ وكانت به * جارحة في زيّ مجروح 


وقال رضي اللّه عنه : 
فديتك يا من قد خفيت فلاحا * وشوقي إليه لا يزال فلاحا 
ولا عجب إن طرت في رؤيتي له * فمن لطفه أني وجدت جناحا 
ولمّا بدا وجه له من ورا الورى * رأيت جميع الكائنات ملاحا 
تباركت من سرّ خفيّ عن السّوى * أباح لنا جهرا لقاه أباحا 
يقول لشيء كن وما لشيء غيره * إذا كان لكن قد سترت وباحا 
وما صبغة الأشياء إلا شؤونه * بها يتجلّى للأنام كفاحا 
تعاليت يا ساقي القلوب شرابه * برؤية وجه منه ساعة لاحا 
لئن كانت الأكوان في الناس ظلمة * فإنك عندي قد ظهرت صباحا 
وشمس سماء الذات منك لنا بدت * وروض التجلّي من صفاتك فاحا 
هو الكلّ إلا أنّ صولة فعله * حجاب له يسقي البرية راحا 
فتسكر أرباب العقول فلا ترى * سوى ما لها منها الخيال أتاحا 
وما الحسن إلا وهو للعقل تابع * يرى ما يراه قبضة وسراحا 
ألا يا وحيد الذّات أنت وجودنا * وما نحن إلا الحكم منك متاحا 
خطوط بأقلام العقول تخيلا * عن القلم الأعلى صدرن صحاحا 
وما القلم الأعلى سوى عن إرادة * تجلّ انبعاثا إذ علت ورواحا " 1 " 
إرادة غيب من مقام مقدّس * ببيدائه فهم المنزّه ساحا 
قديمة عهد والجميع حوادث * فليس لنا فيها الكلام مباحا 
...............................................................................................
( 1 ) الإرادة : هي التجرّد للّه في السلوك إلى كمال التوحيد ، وهي ممدوحة ومطلوبة ؛ أي لا اختيار له في نفسه ، ولا تمييز لمراده ، وإنما تجرّد لمراد الحق تعالى .
والإرادة بدء طريق السالكين ، وهي اسم لأول منزلة القاصدين إلى اللّه تعالى ، وإنما سمّيت هذه الصفة إرادة ، لأن الإرادة مقدمة كل أمر ، فما لم يرد العبد شيئا لم يفعله . 
( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقام الإرادة برسالته ص 201 - 205 ) . 

134
وقال رضي اللّه عنه : 
حملت بنا أمّ من الأرواح * والوضع كان لهيكل الأشباح 
قلم بلوح إن أردت فقل وإن * قد شئت فالأقلام بالألواح 
هي ما ترى لا ما رأيت فإنها * تجلّى على الرائين كلّ صباح 
فإذا رأوا لا يعرفون لمن رأوا * حتى تقوم لهم عقود نكاح 
جاء الحيا والحلم والحفظ احتوت * كلّ الجمال وسائر الأفراح 
ولها من النور الشريف تشعشع * كتشعشع الصهباء في الأقداح « 1 » 
والحال يشهد والشهيد هو الذي * شهد الأمور على أتمّ صلاح 


وقال رضي اللّه عنه : 
جميع الورى كلّ أحوالهم * من الخير جود لهم يمنح 
وفضل من اللّه لو أنهم * يكون له عندهم ملمح 
لشكرانهم أو لكفرانهم * هو الامتحان لهم يصلح 
فلا يفرحوا بالذي جاءهم * ونالوه منه ولا يمرحوا 
وأما بفضل إله الورى * نعم فبذلك فليفرحوا 


وقال رضي اللّه عنه في مدح كتاب الفتوحات المكية لشيخنا العارف محيي الدين بن العربي « 2 » رضي اللّه عنه : 
كتاب اللّه جامع كلّ شيء * وسنّة أحمد المختار شرح 
وشرحهما الفتوحات التي من * جناب القدس جاء بهنّ فتح 
لشيخ شيوخنا العربيّ من قد * أتانا منه فيض هدى ومنح 
بمحيي الدين يدعي حيث أحيى * لدين اللّه ذلك نعم مدح 
...............................................................................................
( 1 ) الصهباء : من أسماء الخمر أو هي المعصورة من عنب أبيض . 
( 2 ) هو محمد بن علي بن محمد بن العربي الحاتمي الطائي ( 560 - 638 هـ - 1165 - 1240 م ) أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بمحيي الدين بن العربي الحاتمي الطائي الملقّب بالشيخ الأكبر، فيلسوف، ولد في مرسية وانتقل إلى إشبيلية. 
وقام برحلة فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز ، وأنكر عليه أهل الديار المصرية « شطحات » صدرت عنه ، فعمل بعضهم على إراقة دمه . 
له نحو أربعمائة كتاب ورسالة منها « الفتوحات المكية » عشر مجلدات في التصوّف وعلم النفس ، و « فصوص الحكم » و « مفاتيح الغيب » وغير ذلك . الأعلام 6 / 281 ، وفوات الوفيات 2 / 241 ، ومفتاح السعادة 1 / 187 ، ولسان الميزان 5 / 311 ، وكشف الظنون 2 / 1238 . 

135
فتوحات بها العلماء زادت * علوما نحو غيب الغيب تنحو 
بها الحيران للتحقيق يهدى * وسكران الهوى والجهل يصحو 
ولكن إن هداه اللّه حتى * من الإنكار لوح النفس يمحو 
ولا تعجب فإنّ كتاب ربي * به خسرت رجال وهو ربح 
وسنّة أحمد المختار قوم * بها هم في ظلام وهي صبح 
ولولا في أوانيهم ضلال * لما منهم ضلال كان نضح 
وو اللّه العظيم يمين عبد * صدوق ما عليه بذاك جنح 
أئمة ديننا ما صنّفوا في * شريعتنا كتلك ولا يصحّ 
وكيف وقد حوت لعلوم رسم * وكشف كله للناس نصح 
وفي الإسلام ليس لها نظير * فيحوي ما حوت وهو الأصحّ 


وقال رضي اللّه عنه : 
إني أنا جسم فنفس فروح * ثلاثة فيهنّ أغدو أروح 
وهنّ أصل واحد حادث * يخفى سريعا وسريعا يلوح 
وراءه الأمر الذي يقتضي * حقيقة تجهلها كلّ روح 
تنزهت في غيبها عندنا * فما لها إلا شميم يفوح 
كاللمح من أبصارنا أمرها * وهو الذي منه يكون الفتوح 
يا واحدا وهو كثير كما * قلنا ولكنّي به لا أبوح 
خوفا على حرمته عند من * يجهله أو يعتريه جموح 
فإنّ كلّ الفانيات التي * بها الوجود الحقّ كان السموح 
ما غيرته مذ تجلّى بها * وباطل في نور حقّ يطوح 
خذ لي أمانا منك يا سيدي * جوانحي للقرب فيها جنوح 
وإنني أرجوك في كلّ ما * أدعوك من خير وقلبي لحوح 
حقيقتي أنت ولكن غدا * من بعد موتي لي بهذا وضوح 
يوم اللّقا مرجعنا كلّنا * إليك يا مرجع أنوار يوح 
طوبى لمن يفهم أقوالنا * كفهمنا فهو طروب صدوح « 1 » 
...............................................................................................
( 1 ) الطّوبى : الحسنى ، والخير ، وكل مستطاب في الجنة من بقاء بلا فناء ، وعزّ بل زوال ، وغنى بلا فقر . 

136
أو يترك الإنكار إن لم يكن * يدري ويصغي لكلام النصوح 
فإنّ حانات دواويننا * خمارها يولي الغبوق الصبوح " 1 " 
ولا ينال الكأس إلا فتى * فيه لأسرار المعاني صلوح 
عليه ما نرمز لا يختفي * وعنده من كلّ لفظ شروح 
وسرّ هذا أنه مؤمن * بالغيب من معنى النظام السنوح 
يحفظ من طوفان وسواسه * سفينة كان بها حفظ نوح 
لا تقرب المنكر يا مسلما * فربما تعديك منه القروح 
وربما سالت جراحاته * فنجّست منك الفؤاد الطموح 
كم عصبة من جهلهم حالنا * كادوا علينا يلبسون المسوح " 2 " 
ما آمنوا بالغيب حتى على * قلوبهم فيض التجلي يسوح 
بل صوّروه في خيالاتهم * وعندهم فيما رأوه رجوح 
وهو بعيد غاية البعد عن * أن يشبه الغيب الحقيق النزوح 
واللّه مع هذا عليم بهم * وإنه ذو العفو وهو الصفوح 


وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
"دور " 
وجه من أهواه لاح * فاختفى نور الصباح 
فاسقني الكأس الطفاح * في غبوق واصطباح 
لم تقل أهل السماح * موسم الأفراح راح 


" دور " 
هذه دعوى الوجود * تمنع القلب الشهود 
فهو في أسر القيود * وجنازير الحدود " 3 " 
ليرى حال الأسود * في ملاقاة الكفاح 
" دور "
...............................................................................................
( 1 ) الغبوق : ما يشرب بالعشيّ . الصّبوح : ما يشرب أو يؤكل في الصباح ويقابله الغبوق . 
( 2 ) المسوح : ( ج ) المسح : كساء من شعر أو ثوب الراهب . 
( 3 ) الجنازير : ( ج ) الجنزير : سلسلة من المعدن تستعمل كالشريط لقياس المسافات الطويلة ، وأصل الكلمة فارسي . 

137
للغنى عبد فقير * وإلى اللّه المصير 
صلّ يا ربي القدير * لي على البدر المنير 
سيد الرسل البشير * فائق كلّ الملاح 


وقال رضي اللّه عنه : 
حقّ عيني رؤية الوجه المليح * قد أتانا خبر فيه صحيح 
قول طه إنّ للعين التي * هي عين لك حقّا قد أتيح 
فليؤدّ كلّ ذي حقّ هنا * حقّه الوارد في النصّ الصريح 
فهو معروف لدى عارفنا * خافيا عن كلّ ذي وجه قبيح 
وجه من ينكر دين المصطفى * ويرى ذاك حراما ما أبيح 
إنّ هذا هو شرعي دائما * وبه ألقى إلهي في الضريح « 1 » 
فليمت غيظا ويفنى كمدا * كلّ من ينكره لا يستريح « 2 » 
أين نبت الورد في الخدّين من * كلّ بدر طالع من نبت شيح 
والذي ما عنده فرق يرى * بين وجه الشعر والوجه الصبيح 
فهو حيوان ولا عقل له * في هوى الدنيا له قلب قريح 
يعشق الملعونة الدنيا التي * هو ملعون بها كلب نبيح 
إن يقل عنّا عرته صبوة * صبوة الجهل بها المرء جريح 
ما صبا قلبي ولكن هام في * مجتلى وجه كريم لا شحيح 
فانظروا العاشق منكم كيف في * طمس قلب وعمى عين يسيح 
وانظروا العاشق منّا كيف في * فيض علم اللّه والفتح الفسيح 
ما لكم من نظر يا هؤلاء * غير بهتان وتشنيع فضيح 
فاستعدّوا لسواد الوجه في * يوم حقّ صادق الوعد رجيح 
واعملوا ما شئتموه ههنا * كلّ قول هو منكم مثل ريح 
نحن قوم لا نبالي بالذي * قيل فينا هو ذمّ أو مديح 
حسبنا اللّه الذي نعرفه * وبه نهوى تجلّيه الرجيح 
أنكرت أمثالكم قبلي على * مثل طه وعلى عيسى المسيح 
...............................................................................................
( 1 ) الضريح : القبر ، أو الشقّ في وسط القبر واللحد في الجانب ( ج ) ضرائح . 
( 2 ) الكمد : الحزن المكتوم ، والحزن الشديد . 


يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:22 pm

قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وعلى مثل خليل اللّه من * جاء بالحق وإسحق الذبيح 
ثمّ زالوا ومضوا في غيّهم * وعن الباطل ذو الحقّ أزيح « 1 » 
هكذا الدّنيا علينا وعلى * منكرينا ما عليها مستريح 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
" دور " 
إليك يا غير عني * إني أحبّ المليح 
شوقا لوجه صبيح 
جارت علينا الحبائب * يا هل ترى ما يكون 
والجور موت صريح 
" دور " 
إني أرى اليوم قلبي * قد غاب عند الحبيب 
خلف الستائر طريح 
يا ليتني كنت حاضر * بين الحمى والمقام 
قلبي هناك الجريح 
" دور " 
كم سحت بين البوادي * أبغي جمال الوجود 
فلم أجد غير ريح 
هامت رجال التجلي * وجاء طيب الوصال 
في عزّ ملك فسيح 
" دور " 
يا جيرة الحيّ قوموا * إلى شهود القديم 
فإنه قد أبيح 
صلّوا على النور طه * وسلّموا يا رفاقي 
عبد الغني كم يصيح 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ هذا الصّبا وهذا الصباحا * كشفا لي تلك الوجوه الصباحا 
كلّ وجه له من اللّه شكل * أتراءى به الجمال الصّراحا 
واحد لا سواه لكن عليه * من تقاديره ترى أشباحا 
لك تبدر به وما هي شيء * فتراها الأجسام والأرواحا 
وهو وهو اللّه الوجود تعالى * عن شبيه له إذا غبت لاحا 
وإذا لحت غاب عنك فحاذر * ه وسلّم له وألق السّلاحا 
أنت باب الوجود في يده إن * شاء فتحا تكن المفتاحا 
وإذا لم يشأ فلا تعترضه * وتأدّب واخفض إليه الجناحا 
...............................................................................................
( 1 ) الغيّ : الضلال . 

139
وقال رضي اللّه عنه وقد طلب منه تخميس هذه الأبيات المنسوبة إلى العباس بن العريف الصنهاجيّ قدّس اللّه سرّه العزيز : 
ركب الحجاز سرى الحادي بهم ودنا 
وخلفوني أقاسي الشوق والحزنا 
ومذ رأوني بأرض الشام مرتهنا 
شدّوا المطايا وقد نالوا المنى بمنى * وكلهم بأليم الشوق قد باحا « 1 » 
تلك البلاد سرت فينا منائحها 
وقد تباشر غاديها ورائحها 
وحين لذّ لهم في الأرض سائحها 
سارت ركائبهم تندى روائحها * طيبا بما طاب ذاك الوفد أشباحا 
هم الرجال أجلّ الوافدين هم 
لنحو أحبابهم قد أسرعت همم 
طابوا بطيبة طيبا وانجلت غمم 
نسيم قرب النبيّ المصطفى لهم * روح إذا شربوا من ذكره راحا 
أوّاه لم أقض يوم البين من وطر « 2 » 
والشوق ألقى فؤاد الصبّ في خطر 
فصحت للبدو لمّا كنت في حضر 
يا سائرين إلى المختار من مضر * سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا 
كم ذا أسلّي فؤادي قصد محضرة 
لهم وروحي عنهم غير صابرة 
وكم نقول لهم من غير مقدرة 
إنّا أقمنا على عجز ومعذرة * ومن أقام على عجز كمن راحا 

وقال رضي اللّه عنه : 
فرحي يا فرحي يا فرحي * خمرة المحبوب ملء القدح 
...............................................................................................
( 1 ) المطايا : ( ج ( المطية : الدابّة يركب ظهرها . الشوق : اهتياج القلوب إلى لقاء المحبوب ، وعلى قدر المحبة يكون الشوق . ( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقام الشوق برسالته ص 329 - 333 ) . 
( 2 ) البين : الفرقة . الوطر : الحاجة والبغية ( ج ) أوطار . 

140
قم بنا نشربها صافية * يا نديمي واغتبق واصطبح 
خمرة الذات تجلّت وعلت * عن معاني الكون يوم الفرح 
لا يراها غيرها من أحد * كلّ طرف بالسّوى منجرح 
هذه لا هذه أنت ولا * أنت فاعرف عين هذا الشبح 
هو عين الكلّ لا كلّ سوى * عينه عين العطا والمنح 
بيته الغيب فإن لم تستطع * لا تحل عن بابه المنفتح 
ربما يقبلك البوّاب إن * كنت ذا قلب له منطرح 
واحد عدّده العقل لنا * بانتظام كعقود السّبح 
فتحقّق وتدقّق واعترف * أنك الفرد الذي لم تلمح 
وتوحّد واترك الكثرة عن * وهمك الحاجب عنه واستح 
أنت حقّ واحد لا غيره * غيره أنت فطب وانشرح 
وادخل الحضرة يا حضرته * وتعانق معه واصطلح 
لمتى أنت سواه لمتى * في نزاع أنت مت واسترح 
يا رجودا واحدا ليس له * غير أسماء به لا تنمحي 
ظهرت عنه له في صور * فانيات مثل قوس القزح « 1 » 
كن له لا لسواه أبدا * وانغسل عنك به وانمسح 
كن جمادا وإذا شئت به * كن نباتا مثمرا كالبلح 
وإذا شئت كن الحيوان يا * أيها الإنسان وقت المرح 
وانجمع إن شئت طورا وافترق * كيفما كنت ولا تقترح 
هذه الأطوار لا تبقى له * هي برق لاح للملتمح 
يتجلّى هو في الكون بها * لا بها مزدلف في قرح 
كم شحيح قام بالنفس فلم * يلقها لمّا تجلّت كم شحي 

وقال رضي اللّه عنه : 
عشقت في مكة ذات البها * يدعونها الكعبة باسم صريح 
...............................................................................................
( 1 ) قوس قزح : قوس ينشأ في السماء ، ويكون في ناحية الأفق المقابلة للشمس ، وترى فيه ألوان الطيف المتتابعة : البنفسجي ، النيلي ، الأزرق ، الأخضر ، الأصفر ، البرتقالي ، الأحمر ، وينشأ من حادث تحلّل الضوء الأبيض إلى ألوان الطيف عندما يمرّ خلال ذرّات الماء الصغيرة المعلقة في الهواء والتي تقوم بدور الموشورات . 

141
وهي كعوب غادة حرّة * كم قلب صبّ في هواها جريح « 1 » 
محجوبة بالستر عن كلّ من * ينظرها من أجنبيّ قبيح 
وإنّما ينظرها محرم * فيبصر الوجه الجميل الصبيح 
رأيتها في مدّتي مرّة * فراح جسمي في هواها طريح 
وطفت سبعا حولها لاثما * يمين ربي هيئة المستبيح 
ويا له من حجر أسود * كأنه الخال بخدّ المليح « 2 » 

وقال رضي اللّه عنه : 
دين هذا الزمان محض ابتداع * ثمّ دنياه فالحرام الصريح 
فاتركوا دينه ودنياه تنجوا * واتبعوا العلم واقنعوا تستريحوا 
وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
نوحي على فقدهم يا مقلتي نوحي * والدمع طوفان هل منه نجا نوحي 
يا من إذا أبطؤوا جئنا لهم نوحي * لأنبياء المحبة لم نزل نوحي 

وقال قدّس اللّه سرّه مشطّرا ومعجزا قصيدة العارف الكامل الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض « 3 » رضي اللّه عنه : 
أو ميض برق بالأبيرق لاحا * يستلّ عن غمد السحاب صفاحا 
أم نار أعلام الحجاز بدت لنا * أم في ربا نجد أرى مصباحا 
أم تلك ليلى العامرية أسفرت * عن وجهها ففشا الجمال وباحا « 4 » 
...............................................................................................
( 1 ) كعبت الفتاة : نهد ثديها فهي كاعب . 
( 2 ) الخال : شامة سوداء في البدن ، وقد تكون في الخدّ . 
( 3 ) هو عمر بن علي بن مرشد بن علي ( 576 - 632 ه - 1181 - 1235 م ) الحموي الأصل المصري المولد والدار والوفاة ، أبو حفص وأبو القاسم ، شرف الدين ابن الفارض . أشعر المتصوفين . يلقّب بسلطان العاشقين . في شعره فلسفة تتصل بما يسمى « وحدة الوجود » . نشأ بمصر في بيت علم وورع . ولما شبّ اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر ، وأخذ عنه الحافظ المنذري وغيره له « ديوان شعر » . الأعلام 5 / 55 - 56 ، ووفيات الأعيان 1 / 383 ، وشذرات الذهب 5 / 149 - 153 ، وميزان الاعتدال 2 / 266 . 
( 4 ) ليلى العامرية : هي ليلى بنت مهدي بن سعد ( توفيت نحو 68 ه - نحو 688 م ) أم مالك العامرية صاحبة « المجنون » قيس بن الملوّح . وفي وجودهما شكّ كبير . الأعلام 5 / 249 ، والأغاني طبعة الدار 2 / 11 ، والنجوم الزاهرة 1 / 170 . 

142
أم تلك أنوار العذيب تشعشعت * ليلا فصيّرت المساء صباحا 
يا راكب الوجناء وقيت الرّدى * قف بالمحصّب واندب الملتاحا « 1 » 
واسأل فديتك عن فؤاد متيّم * إن جئت حزنا أو طويت بطاحا « 2 » 
وسلكت نعمان الأراك فعج إلى * تلك الخيام ترى بهنّ فلاحا « 3 » 
وأنخ بتلعات العقيق فإنه * واد هناك عهدته فياحا « 4 » 
وبأيمن العلمين من شرقيّه * كم معهد قلبي إليه تلاحى 
بلغت رشدك إن طلعت طويلعا * عرّج وأمّ أرينه الفوّاحا 
وإذا وصلت إلى ثنيات اللوى * وقصدت نحو المأزمين رواحا « 5 » 
فاذكر عهودي إن قدمت على الحمى * فأنشد فؤاد بالأبيطح طاحا 
واقرا السلام عريبه عني وقل * لهمو أصرتم باللقاء شحاحا 
أنتم كرام وهو صبّ وامق * غادرته لجنابكم ملتاحا 
يا ساكني نجد أما من رحمة * صبري عليكم والتجلّد راحا « 6 » 
ما ضرّكم لو تسمحون بنظرة * لأسير إلف لا يريد سراحا 
هلّا بعثتم للمشوق تحية * تهدى إليه مع النسيم صباحا 
فهو الذي طويت إليكم روحه * في طيّ صافية الرياح رواحا 
يحيى بها من كان يحسب هجركم * يردي الجسوم ويترك الأرواحا 
ويطنّ نأيكمو إذا لذتم به * مزحا ويعتقد المزاح مزاحا 
يا عاذل المشتاق جهلا بالذي * سوّاك دعني واترك الإلحاحا 
فأنا الذي من يختبرني في الهوى * يلقى مليّا لا بلغت نجاحا 
...............................................................................................
( 1 ) الوجناء : الناقة الشديدة الصلبة . المحصّب : موضع رمي الجمار بمنى . 
( 2 ) البطاح : ( ج ) البطحاء : مسيل واسع فيه دقاق الحصى والتراب . 
( 3 ) الأراك : شجر كثير الفروع من الفصيلة الزيتونية ، ينبت بريّا في شبه جزيرة العرب وفي فلسطين ، وتتخذ المساويك من فروعه ومن عروقه . 
( 4 ) التلعات : ( ج ) التلعة : ما ارتفع من الأرض وأشرف وما انهبط منها ( ضد ) ، والتلعة مجرى الماء من أعلى الوادي إلى بطون الأرض . العقيق : الوادي الذي شقّه السيل قديما فوسّعه ( ج ) أعقة . 
( 5 ) الثنيات : ( ج ) الثنية : الطريق في الجبل . اللّوى : ما التوى وانعطف من الرمل أو منقطعة ، ( ج ) ألواء . المأزمان : موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة وهو شعب بين جبلين يفضي آخره إلى بطن عرنة . ( معجم البلدان 5 / 40 ) . 
( 6 ) الجلد : الصبر والصلابة والشدّة والقوة . 

143
أتعبت نفسك في نصيحة من يرى * ترك الهوى ذنبا وليس مباحا 
لم تدر أنت فشأن كلّ متيم * أن لا يرى الإقبال والإفلاحا 
أقصر عدمتك واطّرح من أثخنت * مقل الظباء فؤاده فتلاحى 
إن رام ينظر ثانيا جرحته في * أحشاءه النّجل العيون جراحا " 1 " 
كنت الصديق قبيل نصحك مغرما * والآن قلبك بالعداوة باحا 
هب أنت لي يا ذا الملامة ناصح * أرأيت صبّا يألف النّصّاحا 
إن رمت إصلاحي فإني لم أرد * ما رمته لي بالملام كفاحا 
فتشت قبلك في الزمان فلم أجد * لفساد قلبي في الهوى إصلاحا 
ماذا يريد العاذلون بعذل من * لا يستطيع يرى الفلاح فلاحا 
ألف التّهتك والهيام وفي الورى * لبس الخلاعة واستراح وراحا 
يا أهل ودّي هل لراجي وصلكم * نيل فعندكم عهدت سماحا 
إنّ المشوق إذا شجاه لنحوكم * طمع فينعم باله استرواحا 
مذ غبتمو عن ناظري لي أنّة * من هولها صبري استقلّ وراحا 
وجفون عين كلّما نوت البكا * ملأت نواحي أرض مصر نواحا 
وإذا ذكرتكمو أميل كأنّني * غصن يقابل في الرّياض رياحا 
أو شارب ثمل القوام لأنني * من طيب ذكركمو شربت الراحا " 2 " 
وإذا دعيت إلى تناسي عهدكم * لا أستطيع وأنثني ملتاحا 
لمّا طلبت الصبر عنكم في الهوى * ألفيت أحشائي بذاك شحاحا 
سقيا لأيام مضت مع جيرة ال * جرعاء حيث بهم لقيت نجاحا 
لم ندر ما برح البعاد وإنما * كانت ليالينا بهم أفراحا 
واها على ذاك الزمان وطيبه * نهوى الطلا فنواصل الأقداحا 
حيث السرور بنا ألمّ معاودا * أيام كنت من اللغوب مراحا " 3 " 
حيث الحمى وطني وسكان الغضا * لي جيرة عنهم تركت براحا " 4 " 
حيث العتيق منازلي وتلاعه * سكني ووردي الماء فيه مباحا 
........................................................................................
( 1 ) النّجل : سعة شقّ العين . 
( 2 ) الثّمل : السّكر . الراح : الخمر . 
( 3 ) اللغوب : أشد الإعياء وأشد التعب . 
( 4 ) الغضى : شجر عظيم خشبه من أصلب الخشب ، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ بسرعة وفحمه صلب . وأهل الغضى : أهل نجد لكثرته هنالك .


144
وأهيله أربي وظلّ نخيله * يا صاح منتزهي مسا وصباحا 
ببروقه وجدي وفي نسماته * طربي ورملة وادييه مراحا 
قسما بمكة والمقام ومن أتى * تلك الأماكن في الحجيج وراحا 
وسعى وطاف وجاء ملتمسا إلى ال * بيت الحرام ملبيا سياحا 
ما رنّحت ريح الصّبا شيح الرّبا * إلا وقلبي بالحجاز تلاحى " 1 " 
أو شمت بارقة لمن قتل الهوى * إلا وأهدت منكمو أرواحا 
...............................................................................................
( 1 ) رنّح فلان : تمايل من سكر ونحوه . 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:23 pm

قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الخاء 
وقال رضي اللّه عنه : 
ركب شوق بدار قلبي أناخا * أم فؤادي مع الغرام تواخى 
لي بشرقيّ رامة فزرود * صفو عيش هناك كان رخاخا « 1 » 
مع صحب عن العيان استقلّوا * فطووه سباسبا وسباخا « 2 » 
رفقة لي بهم قديم عهود * لا يشوب الثبوت فيها انتساخا 
ما تغنّت بهم حداة المطايا * قطّ إلا وصرت كلي صماخا « 3 » 
وبهم كلّما تألق برق * ملت عن عالم الكيان انسلاخا 
وإذا هبّت الصّبا هبّ قلبي * معها لا يني ولا يتراخى 
يا حبيبا هواه دين أناس * هم عليه قد عاهدوا الأشياخا 
غائب الذات حاضر الوصف فينا * عرف أسمائه هو المسك فاخا 
وجهه يوجب الفناء انكشافا * والفنا فيه يغسل الأوساخا 
لي على قربه دواوين عشق * نظمها العذب أطرب النساخا 
لا تقل وجهه تحجّب عني * هو بالعزّ لم يزل شمّاخا 
إنّما أنت عنه خلف حجاب * عاجزا عن شهوده وخواخا 
..............................................................
( 1 ) رامة : منزل بينه وبين الرمادة ليلة في طريق البصرة إلى مكة ومنه إلى إمّرة ، وهي آخر بلاد تميم ، وبين رامة وبين البصرة اثنتا عشرة مرحلة . ( معجم البلدان 3 / 18 ) .
زرود : هي دون الخزيمية بميل وفيها بركة وقصر وحوض . 
( معجم البلدان 3 / 139 ) . 
الرخاخ : ( الرّخ ): طائر خرافي بالغ القصصيون القدامى كثيرا في وصفه ، وقيل : إنه طائر كبير الحجم جدّا ، كما بولغ في قوته. 
( 2 ) السباسب : ( ج ) السبسب : القفر والمفازة ، والأرض المستوية البعيدة . 
السباخ : ( ج ) السبخة : أرض ذات نزّ وملح لا تكاد تنبت . 
( 3 ) الصّماخ : قناة الأذن الخارجية التي تنتهي عند الطبلة ، وهي مدخل الصوت ( ج ) أصمخة . 

146
وعليه من القلوب طيور * حاضنات نفوسها الأفراخا 
حسنه للعيون لا زال نورا * وتجليه للقلوب مناخا 
يا نديمي بحانة الغيب إنّ ال * غيب كالعين لم يزل نضّاخا " 1 " 
فاملأ الكاس لي ولا تترنّم * بسوى من به السوى فيه ساخا " 2 " 
وأتى أمره إليّ بروح * قام في زمر نشأتي نفّاخا 
صاد كلّ القلوب بالحسن لمّا * مدّ أكوانه لهنّ فخاخا 
وأنا صيده بغير شباك * لا حراكا لا نفرة لا صراخا 
نخلتي أثمرت هواه جنيّا * حين مدّت حشاشتي شمراخا " 3 " 
وأنا اليوم عنده في مقام * مطرب كلّ من إليه أصاخا " 4 " 
قصّ لي ذكر حاطب في قريش * والكتاب الذي أتى روض خاخا 
أنا بدريّ وجهه لا ارتشاشا * نوره فيّ سابقا وانتضاخا 
أخذتني عيونه النجل لمّا * بي تجلّى فكان سيلا جلاخا 


وقال رضي اللّه عنه : 
لي كتاب يمحو السطور وينسخ * وتراه يحكم ما أراد وينسخ 
قرب له ما إن يزيل كماله * بعد وإن ميل أزيل وفرسخ " 5 " 
هو ذا وهذا في الظهور وهذه * جبل إذا اختلج المحقّق يرسخ 
خرف تركّب في البسيط وإنّه * أبدا بأرواح المحبة ينفخ 
نور له السبع الكواكب أعين * والأرض أمّ والحكيم له أخ 
...............................................................
( 1 ) النّضاخة : عين نضاخة : فوّارة غزيرة تجيش بالماء ، وترمي به صعدا . 
( 2 ) ترنّم : تغنّى وحسّن صوته . 
( 3 ) الشّمراخ : غصن دقيق رخص ينبت في أعلى الغصن الدقيق ( ج ) شماريخ . 
( 4 ) أصاخ له : أصغى واستمع . 
( 5 ) الميل : مقياس للطول ، وهو بري ، وبحري ، فالبري ( الإنكليزي ) يقدّر بما يساوي ( 1609 ) من الأمتار ، والبحري يقدّر بما يساوي ( 1852 ) من الأمتار . 
فرسخ الطريق : مسافة تبلغ ثلاثة أميال هاشمية ، والميل الهاشمي ( 5760 ) مترا ( ج ) فراسخ . 

147
حرف الدال 
وقال رضي اللّه عنه : 
طلعت شمس الوجود * من سماوات الشّهود 
فاختفى الرسم وطاح ال * وهم وانحلت قيودي 
كان في ظنّي بأنّي * مستقلّ في الوجود 
أملك الفعل وأحوي ال * قول مع كلّ العقود 
كبني الأيام ألهو * بقيام وقعود 
وأنا بين ليال * من ظلام الفكر سود 
فتأملت وقلب * ت صدوري وورودي 
وتسايلت إلى أن * سلت من بعد الجمود 
وتحقّقت بأني * نابت بالوهم عودي 
وبأني عند نفسي * كخيال في هجود " 1 " 
واعترافي بالّذي أع * لمه عين جحود 
وكذا الظلّ له مر * ئي ولكن بالعمود 
فأنا اليوم أنا ذا * ك على رغم الحسود 
وأنا المحبوب والمح * بوب ذاتي ووجودي 
وأنا نفس جميع ال * ناس نسلي وجدودي 
وأنا الكلّ وكلّ ال * كلّ من فضلة جودي 
ما معي في الملك غيري * والورى طرّا شهودي 
................................................................
( 1 ) هجد هجودا : نام . 

148
ولقد أطلقت نفسي * من تخاطيط حدودي 
وسللت السيف مني * بعد هاتيك الغمود 
وشققت الحجب عن عي * ني وطالعت ودودي 
وصلاتي لي جميعا * وركوعي وسجودي 
وأنا ناري إذا ما * شئت أشقى بخلود 
وأنا الجنة إذ في * قبضتي كان سعودي 
ما على نفسي منى * في وعيدي ووعودي 
وعلى ذاتي إقبا * لي كما عنّي صدودي 
وهي نفسي لا سواها * بين حجب وشهود 
في نعيم أنا طورا * ثمّ طورا في وقود 
وتحياتي على ذا * تي من غير نفود 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الوجود الحقّ شيء واحد * يا سعد من يجلى له فيشاهد 
وجمال علوة واضح متكتم * وعليه من حسن الملاح شواهد 
قف ساعة حتى أعلمك الهوى * يا من يبيت وللهوى هو عابد 
إنّ المحبة فيك كدّر صفوها * جهل بمن تهوى لأنك جاحد 
فلو انمحى عن عين ناظرك السّوى * لعرفت من لهواه أنت القاصد 
لكن عيونك عن مرادك في عمى * وتظلّ تنكر ذاته وتعاند 
هو ظاهر في كلّ شيء باطن * أبدا إليه كلّ شيء ساجد 
عود العلا ضربت به يده على * طبل الملا فالعالمون قصائد 


وقال رضي اللّه عنه : 
غصن بان فوقه البدر بدا * أم غزال راح يغزو أسدا 
أم مليح يتثنّى مرحا * حيث أضحى بالبها منفردا 
صنم الحسن الذي لم يره * عاشق إلا له قد عبدا 
يا له بحر جمال عطفه * موجه بالجسم يرمي زبدا 

149
نار خدّيه مجوسيّ الهوى * ما رآها قطّ إلّا سجدا " 1 " 
وإذا ما ظهرت من وجهه * حضرة الغيب طلبنا المددا 
صار جهلي غيره معرفة * صار غيّ وضلالي رشدا 
آه من قسوته مع شغفي * في هواه وهوى الغيد ردى 
قلت يا مولاي جد لي كرما * بوصال قال : لا لا أبدا 
قلت : فالوعد به تسلية * قال : يحتاج يفي من وعدا 
قلت : فاسمح بخيال في الكرى * قال لي : ما لك طرف رقدا 
قلت : ما تفعل بي حينئذ * قال : ما أختاره طول المدى 
قلت : خذ روحي فقال الروح لي * خلّ دعواها وهات الجسدا 
واترك الأمر إلى مالكه * إنّ للمحبوب في الحبّ يدا 
كلّ من يعشق وجها حسنا * لا يرى إلا البلا والنّكدا 
فاصطبر إن شئت أو شئت فمت * كم علينا ذاب جلد جلدا 
أنا موسى العشق ربي أرني * بك أن أنظر ظبيا شردا 
لاح لي جمر على وجنته * كلّما أدنو إليه بعدا 
فلعلّي منه ألقى قبسا * أو يرى قلبي على النار هدى " 2 " 
قم تأمّل أيها الغافل لم * يخلق الرحمن ذا الحسن سدى 
وتعرّض لهواه فلقد * جاء من ناحية الستر ندا 
وإذا لامك من ليس له * نظر فاخرب عليه البلدا 
أين أهل اللوم من أهل الهوى * ما المحبّون يساوون العدا 
كلّما أرشف سمعي عاذلي * مرّ لومي زدت في الحبّ صدى 
فكأنّ العذل منه طلب * لهيامي بلسان عقدا 
أيريد الغرّ أن يصلح من * حال أهل العشق ما قد فسدا 
إنّما أهل الهوى مرآته * وهو فيهم حاله قد شهدا 
ثمّ لمّا أشكل الأمر رمى * نفسه من جهله وانتقدا 
وادّعى العشق فلم يحصل له * وعلى أهل الهوى قد حقدا 
...............................................................
( 1 ) المجوسي: واحد المجوس: معرّب عن ( منج كوش ) بالفارسية ، ومعناها : صغير الأذنين وهم أمة يعبدون الشمس أو النار. 
( 2 ) القبس : شعلة تؤخذ من معظم النار . 

150
قام فيهم يكثر اللّوم لهم * أو لم يخش الإله الصّمدا " 1 " 
هبه لا يعرف لذات الهوى * حسن محبوب فؤادي جحدا 
إنّ قلبي اليوم في أسر رشا * لا يرى للقتل عشقا قودا 
وجهه الجنة في أعيننا * خدّه النار بقلبي وقدا 
لم يزل يجفو وأبليت على * حبه أثواب عمري الجددا 
ولكم أفنيت جسمي سقما * وتنفست عليه الصّعدا " 2 " 
وإذا في حبه متّ فقد * عشت بعد الموت عيش السّعدا 
يا سقى اللّه زمانا بالحمى * ورعى بالشعب عيشا رغدا 
طالما كنت به طوع هوى * لم أخف في نهب وقتي أحدا 
حيث غزلان النّقا قد أنست * بي وبعد المنع أولتني ندا 
وكحلت العين بالعين وما * بعدها عدت شكوت الرّمدا " 3 " 
حيث أقمار البها طالعة * تتجلّى ولها الروح فدا 
وغصون البان لمّا انعطفت * طائر القلب عليهنّ شدا 
حيث وجه السعد فينا مقبل * بالهنا والهمّ عنّا طردا 
وكؤوس الأنس بالقوم صفت * وبنا الورد إليه وردا 
في رياض ضحك الزهر بها * كلّما السّحب بكت قطر النّدى 
هزت النّسمة من أغصانها * حين جلتها قنا مرتعدا 
فلهذا كبر الطير وقد * لبس النهر علينا زردا 
والصّبا يذكرنا عهد الصّبا * ليت بالأمس لي كان غدا 
ليت لو جاد زماني بالذي * كان منه قبل ذا قد عهدا 
يا أصيحابي بأكناف الحمى * علّلاني إنّ صبري فقدا 
وأذكرا لي سندا أعرفه * لست ألقى لي سواه سندا 
نفد الدمع على جفوته * واشتياقي والجوى ما نفدا 
هو في القلب مقيم بل أنا * هو لا بل هو دوني وجدا 
كذب القائل قد حلّ به * والذي قد قال فيه اتّحدا 
................................................................
( 1 ) الصّمد : من أسماء اللّه الحسنى . 
( 2 ) الصّعداء : المشقّة ، وتنفّس الصعداء : التنفّس الشّاق الممدود بعمق من همّ أو توجّع . 
( 3 ) الرّمد : داء التهابي يصيب العين . 

151
إنّما المعشوق موجود ولا * عاشق غير التباس قصدا 
لي هوى بالشعب من كاظمة * ساكن هذا الحشى والكبدا 
وأنا اليوم به مشتهر * فليمت ضدّي ويبلى حسدا 
أنا مفتي العشق من يسألني * عن هواه يلقني مجتهدا 
أنا قاضي شرع أرباب الهوى * كلّ حكم بينهم لي حمدا 
فالذي أمنعه يشقى ومن * أجعل الحقّ له قد سعدا 
غير أنّي في أناس جهلوا * ما أنا في شأنه والجهل دا 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ للكفر ظلمة في الوجود * تستر الروح تحت طيّ الجلود 
وهو عين السّوى وللنور نار * هي في النشأتين ذات الوقود 
فلهذا ترى الكثائف فيه * آذنت يوم بعدها بالخلود 
كلّ علو له من الكفر سفل * ضمّ موجوده إلى المفقود 
ويح قوم باعوا نهارات قرب * بليال من شدّة البعد سود 
ثمّ أعمالهم بدت كسراب * حسبوه المياه في الأخدود " 1 " 
ثمّ لمّا أتوه لم يجدوه * ودهتهم جهالة المطرود 
ورمتهم سماءهم بشهاب * فرأوا النار تحت ظلّ العمود 


وقال رضي اللّه عنه : 
قلم يجري له النور يد * فوق لوح معه يتّحد 
يكتب الظاهر والباطن من * كلّ شيء كان فهو المدد 
وهو عين الكلّ والكلّ له * راجع إذ هو فيهم رصد 
وهو لا شكّ كثير بالورى * وهو في تحقيقه منفرد 
مثل ما أنّك ذو عقل به * تعقل الأشيا كما يعتمد 
بحر ماء موجه أرواحه * راق والأجسام فيه الزّبد 
وإذا شئت فقل عقل وقل * هي نفس كلّ شيء تلد 
.....................................................................
( 1 ) الأخدود : الحفرة المستطيلة في الأرض ( ج ) أخاديد . 

152
وقال رضي اللّه عنه : 
يا قليل الصبر والجلد * خلق الإنسان في كبد 
فالتفت فالظلّ أنت له * وتواجد في الهوى تجد 
كلّ من في الكون مشتغل * بالإله الواحد الصّمد 
لكن الجهّال عنه به * في اشتغالات إلى الأبد 
واشتغال العارفين به * فيه لم يلووا على أحد 
والذي يبدو لأعينهم * كلّه أوصافه فقد 


وقال رضي اللّه عنه : 
ما الكلّ إلّا رجل واحد * ففز بهذا الرجل الواحد 
وما عداه فهي أفكاره * تردّدت في قلبه الواجد 
فتارة منها له مظهر * فيها من المولود والوالد 
وتارة يفقد منها له * مظهره المفقود بالفاقد 
وكلّ ذا دلّ على حيرة * من طارف الأمر ومن تالد " 1 " 
والعجز عن خلاقه حطّه * فيما ترى من أمرك الشاهد 


وقال رضي اللّه عنه : 
ترك المراد له فكان مرادا * وجرى بميدان الفناء جوادا 
طلب الحبيب لأجله منه ولم * يطلب له من نفسه ليزادا 
فهو الذي شرب الحقيقة صرفة * فاختال إطلاقا وفكّ قيادا 
وبدا بأفلاك الوجود على الورى * شمسا تنير خلائقا وبلادا 


وقال رضي اللّه عنه : 
أمسك الحقّ باليد * كلّ شيء محدّد 
ولقد كان مطلقا * فبدا كالمقيد 
حين مفقودنا أتى * بوجود كموجد 
والذي في ضلالة * صار فيه كمهتدي 
............................................................................
( 1 ) الطّارف : المستفاد حديثا من المال ونحوه ويقابله التّالد . 
التّالد : كل قديم من حيوان وغيره يورث عن الآباء . 

153
ثمّ قرّت عيونه * وارتوى قلبه الصّدي 
يا أبا الخير لا تكن * بالسّوى في تردّد 
إنّما كلّ منتهي * في الورى كلّ مبتدي 
فإذا لاح كوكب * منك فاشهده تهتدي 
ومتى ما بدا أما * مك في ذانك اقتد 
واجتنب كلّ مشرك * في ثياب الموحّد 
وقال رضي اللّه عنه من الدو بيت : 
بالأجرع من جهات ذاك الوادي * برق قد دكّ لمعه أطوادي 
والنسمة حين أقبلت تسعدني * يا نفحة من أحبّ طاب البادي 


وقال أيضا دو بيت : 
عرّج بالسفح من نواحي نجد * وأخبر عن حالتي وقل عن وجدي 
في اليقظة لا أرى عسى في نومي * من جانبهم طيف خيال يجدي 


وقال رضي اللّه عنه مخمسا القصيدة المنسوبة للشيخ عبد القادر الكيلانيّ رضي اللّه عنه : 
يا من لهجت بشكره 
للدهر صولة مكره 
كن منقذي من مكره 
يا من تحلّ بذكره * عقد النوائب والشدائد 
عبد جنايته شكا 
أمد التذلّل أدركا 
ودعاك يعلن بالبكا 
يا من إليه المشتكى * وإليه أمر الخلق عائد 
هطلت مدامعه حيا 
من ذنبه هطل الحيا 
لك قد أتى مستجديا 
يا حيّ يا قيوم يا * صمد تنزه عن مضادد 

154
لك بالجرائم والخطا 
قد جاء يسرع في الخطا 
حاشاك تبخل بالعطا 
أنت المعزّ لمن أطا * عك والمذلّ لكلّ جاحد 
فارحم حسيرا مذنبا 
ألف الهموم من الصّبا 
وغدا بها متلهّبا 
أنت الرقيب على العبا * د وأنت في الملكوت واحد 
لمتى أروح وأغتدي 
في لهفة وتنكد 
ويلاه عزّ تجلدي 
أنت المنزه يا بدي * ع الخلق عن ولد ووالد 
فرط اللّواعج مذ رسخ 
في القلب مصطبري انتسخ 
من لي بمن عهدي فسخ 
أنت الميسّر والمسخ * خر والمسبّب والمساعد 
في الدهر زاد تحيري 
بتأسف وتحسر 
وجرت مدامع محجري " 1 " 
سبّب لنا فرجا قري * با يا إلهي لا تباعد 
يا ربّ عبدك مسلم 
ولك الأمور مسلم 
يا من يجود ويرحم 
إني دعوتك والهمو * م جيوشها قلبي تطارد 
...................................................................
( 1 ) المحجر في العين : ما أحاط بها ( ج ) محاجر . 

155
أوّاه طال تشتتي 
والبين أحرق مهجتي 
وبك استغثت لشدّتي 
فافرج بعزّك كربتي * يا من له حسن العوايد " 1 " 
أنت المجيب لمن دعا 
تشفي الفؤاد الموجعا 
بالذلّ جئتك مسرعا 
وخفيّ لطفك يستعا * ن به على الزمن المعاند 
غصن التصبّر قد يبس 
والهمّ قلبي مفترس 
وأنا الحزين المبتئس 
كن راحمي فلقد يئس * ت من الأقارب والأباعد 
واغفر لعبد مذنب 
قلق الفؤاد معذّب 
والطف أيا مولاي بي 
ثمّ الصلاة على النب * يّ وآله ما خرّ ساجد 
وقال رضي اللّه عنه أيضا مخمسا : 
قلوبنا بك أبلتها النوى كمدا 
ونحن قوم ضعاف صبرنا نفدا 
وقد أتينا بذلّ نطلب المددا 
يا ربّ هيّىء لنا من أمرنا رشدا * واجعل معونتك الحسنى لنا مددا 
والطف بنا واسقنا من خمر أكؤسنا 
صفاء صرف من التوحيد مؤنسنا 
ودبّر الأمر واكشف ستر حندسنا " 2 " 
ولا تكلنا إلى تدبير أنفسنا * فالنفس تعجز عن إصلاح ما فسدا 
..................................................................
( 1 ) الكربة : الحزن والغمّ الشديد . 
( 2 ) الحندس : الظلمة أو الليل الشديد الظلمة ( ج ) حنادس . 

156
لي قلب صبّ على الأشواق مشتمل 
وقد بكيت بدمع فيك منهمل 
وما اعتمادي على علمي ولا عملي 
أنت الكريم وقد وجّهت يا أملي * إلى جنابك قلبا سالما ويدا 
عوّدتنا الخير واستعبدت سائبة 
وكم رفعت بلا عنّا ونائبة 
والنفس من ذنبها جاءتك تائبة 
فلا تردّنّها يا ربّ خائبة * فبحر جودك يروي كلّ من وردا 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ ديني وملّتي واعتقادي * حبّ سلمى وزينب وسعاد 
فانتقص من ملامتي أو فزدني * يا عذولي فلست من أندادي 
كيف أسلو مليحة هي مني * في مقام الأرواح للأجساد 
إنّ كلّي قد شفّ عنها جهارا * فاعرفوها في أرجلي والأيادي 
أبغضتها منّي العدا بعيون * هي ما بين جفنهم والسّواد 
قذفتهم عنها بوهم حلول * صوّروه بهم ووهم اتحاد 
وأشاعوه في اعتقاد رجال * ربّهم عندهم لبالمرصاد 
وإذا تاهت العقول فهل من * مرشد غير خالق الإرشاد 
لي بنجد سقى الحيا أرض نجد * فرط عشق ما إن له من نفاد " 1 " 
وغرام وصبوة بجياد * يا رعى اللّه عهدنا بجياد 
نزل الركب عن يمين المصلّى * وأراهم قد خيّموا بفؤادي 
وأنا الذنب عند من هو كلّي * أرتجي توبة من الإيجاد 
ملت عني به إليه لأنّي * دائما منه طوع كلّ مراد 
ثمّ بي مال عنه لي وهو طوعي * فرأيت الأشفاع في الأفراد 
وأتاني الخطاب من طور نفسي * عندما دكّ من تجلّي الجواد 
وسرى سرّ كلّ شيء بسرّي * وبدا النور من يمين الوادي 
خضت بحر الحياة والكلّ موتى * وشربت الوجود والكلّ صادي 
....................................................................
( 1 ) الحيا : الخصب والمطر والنبات لأنه يتسبّب عن المطر . 

157
وصعدت العلا وخلفت جسمي * في يدي أصدقائه والأعادي 
منه قوم ذاقوا اللذيذ وقوم * مضغوا السّمّ منه في الأكباد 
عظمت منّة الإله علينا * كلّ حين من كلّ العباد 
وإذا أنعم الكريم فما ذا * أنتجته عداوة الحسّاد 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ أعياننا لثوابت في العل * م الإلهيّ قبل هذا الوجود 
عدم خالص بغير خلاف * عند أهل الحجا وأهل الشّهود " 1 " 
فهي ليست مجعولة للزوم ال * جعل حلّ الموجود في الموجود 
ولأنّ الجعل الإضافة للنو * ر وذي لا تكون للمفقود 


وقال رضي اللّه عنه وهو في كتابه الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية في الأخلاق المذمومة التي للقلوب : 
يا من يمدّ لأخلاق القلوب يدا * فيبدّل الغيّ من طغيانها رشدا 
ويحفظ السوء منها كي يجانبه * ويغسل القلب منه فاسمع العددا 
كفر وجهل وغدر والخيانة مع * كبر وعجب وإخلاف لما وعدا 
وحبّ جاه وخوف الذمّ جربزة * سخط القضاء كذا في الحقّ إن مردا 
والأمن واليأس حبّ المدح مع حسد * بخل رياء نفاق والخمور بدا 
وبدعة سفه حرص مداهنة * وسوء ظنّ وتسويف بطول مدى 
غشّ وأنس بمخلوق كذا جزع * وخفة وعناد بعض أهل هدى 
والجبن والذّلّ والإسراف مع طمع * شماتة ومحاكاة لفعل عدا 
والحزن والخوف في الدّنيا وشهوتها * غباوة شره إصرار من فسدا 
تهور صلف ثمّ اتّباع هوى * وللبطالة أن تلقاه معتمدا " 2 " 
وحبّ دنيا وحبّ الظالمين وأن * يعلق القلب بالأسباب والكبدا 
وحبّ مال وتقليد فظاظته * وقاحة فتنة مع كونه حقدا " 3 " 
.......................................................................
( 1 ) الحجا : العقل والفطنة ( ج ) أحجاء . 
( 2 ) الصّلف : التّيه والكبرياء أو قلّة الخير . البطالة : العطلة عن العمل . 
( 3 ) الفظّ : الجافي السئ الخلق الخشن الكلام . 

158
تطيّر كذا استعجاله أمل * كفران نعمة من أولى إليه يدا 
فهذه جملة الأخلاق قد جمعت * ستّين كن في النّقا منهنّ مجتهدا 


وقال رضي اللّه عنه : 
نحن قوم ذنوبنا للأعادي * أخذوها بغيبة وانتقاد 
وأخذنا طاعاتهم بازدراء * وعتوّ في حقّنا وعناد « 1 » 
كيف لا نرتقي عليهم ونعلو * ونرى كلّ ساعة في ازدياد 
وهم العاملون خيرا لنا إن * عملوا لانتهاك حقّ العباد 
وهم الغاسلون للذنب عنّا * مثل بالوعة لنفي فساد 
ولهم كلّ ساعة حرب شرك * واعتراض على عطاء الجواد 
ولنا صبر ذي الكمال عليهم * ولنا بالدّعا ثواب جهاد 
خلّهم يا أخا المودّة فينا * يطعنوا إنّ اللّه بالمرصاد 


وقال رضي اللّه عنه عاقدا الحديث الشريف الذي رواه الديلميّ في مسند الفردوس : 
من كان بالعشق مفقود * فذاك بالحقّ موجود 
وذاك ميت وحيّ * وشاهد وهو مشهود 
وكلّ باب إلى اللّ * ه غير ذاك فمسدود 
واسمع حديثا صحيحا * كالدّرّ وأفاك معقود 
في مسند قد رواه * للدّيلمي السادة القود 
يقول خير البرايا * بحر العطيات والجود 
عليكمو بالوجوه ال * ملاح والحدق السّود 


وقال رضي اللّه عنه : 
اجتمعوا يا إخوتي واحشدوا * فإنّ لي مسألة تجهد 
كنت أنا واليوم من مدّة * لست أنا ذاك الذي أعهد 
ذاك مضى عنّي وهذا أتى * وفيهما أنّي أنا المفرد 
وتارة حيث التجلّي اقتضى * أذمّ هذاك وذا أحمد 
...............................................................
( 1 ) ازدراه : احتقره أو عابه . 

159
أنا الذي اعهدوهم وقد * زال وجاء الحقّ لا يجحد 
أم ذاك مشهود الذي جاءني * فإنّه كيف يشا يشهد 
أم تلك أيدي الكائنات التي * من فوقها للّه طالت يد 
أم سيئات النفس قد بدّلت * لي حسنات واهتدى المفسد 
أم أسلم الشيطان إرث الذي * عن النبيّ المصطفى يسند 
حقيقة حقّقها ناطق * مجازها قد صار لا يقصد 
أم هو ذاك الغيب من أصله * شهادة جاءت له ترشد 
والعلم قسمان مستحضر * ذكرا ومحفوظ له يمدد 
والكلّ من حفظ قديم إلى * ذكر هو المحدث لا ينفد 
وجود حقّ بشؤون له * مفروضه أبيض أو أسود 
وكلّها فانية عنده * وهي به لا معه توجد 
خلّوا معاني الذوق لي أو دعوا * دعواكم العلم ولا تعتدوا 
وحقّقوا أنفسكم وأدركوا * بالكشف ما جاء به المرشد 
وميّزوا ما قاله عارف * من الذي يذكره الملحد 
وكحل في أعين خلقة * ليس كعين كحلها الإثمد « 1 » 
وليس من بملك شيئا له * كمستعير للسّوى يردد 


وقال رضي اللّه عنه : 
كن عارفا بوحدة الوجود * وقاطعا بكثرة الموجود 
وميّز الحادث من قديم * وخلّص الثابت من مفقود 
واحذر من التباس من تجلّى * بغيره في حالة الشّهود 
فوحدة الوجود في اصطلاحنا * كناية عن رؤية الودود 
بالحسّ والذوق الصحيح الطاهر * الطهور من شكّ ومن جحود 
لا بخيال العقل والفكر وما * تأتي به طبائع الجلود 
منزّها مقدّسا مسبّحا * عن كلّ والد وعن مولود 
وعن دخول وخروج في سوى * وعن جميع مقتضى الحدود 
وعن كمال نحن ندريه وعن * نقص وعن زوال أو نفود 
..............................................................
( 1 ) الإثمد : حجر يكتحل به أو الكحل الأسود . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:24 pm

قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وإنّما كماله بمقتضى * ما قاله عن نفسه بالجود 
نعلمه نحن بما علّمنا * به من الوفاء بالعهود 
والصدق والقيام بالحقّ له * على سبيل الركع السّجود 
من زاد عجزا عنه زاد علمه * به مدى الصدور والورود 
يا أيّها الناظر بالعقل احترز * أن تفهم المطلق بالقيود 
واصبر إلى أن يفتح اللّه ولا * تهجم على مرابض الأسود « 1 » 
ودع علوم اللّه عند أهلها * واردع حجا جاهلك الكنود « 2 » 
وإن أردت فاترك الدّنيا وغب * عن علمك المزخرف المرصود 
وعدّ عن جاه ومنصب وعن * أهل وعن أصل وعن جدود 
واقنع بمن تطلبه دون الورى * واخرج عن القيام والقعود 
واخلص له النيّة واصبر واصطبر * على مراده بك المقصود 
ولا تظنّ وحدة الوجود ما * تفهم من وحدة ذا الوجود 
تفهم معنى وتقول أنّه * هو مراد الأكملين القود 
وليس ذا مرادهم لأنّهم * فاتوك في منابر الصّعود 
وأنت في الحضيض مأسور الهوى * بشهوة كالنار في الوقود « 3 » 
اسلك سبيلهم وقل بقولهم * تدري الذي دروا بلا صدود 
فإنّ تقوى اللّه من يخلص بها * حلّت عقال عقله المعقود 
هيهات هيهات لفرد واحد * يدخل في مراتب المعدود 
ومطلق حتّى عن الإطلاق لا * يفهم في عقد من العقود 
وأين نور الحقّ ممّن عقله * في ظلمات من سواه سود 
إنّ المعاني كلّها حوادث * منفية عن ربّنا المشهود 
لأنّه مسبّح عنها بها * في سيلان هي أو جمود 
وإنّما الأمر الذي نريده * بوحدة الوجود في المعهود 
أمر عظيم خارج عن كلّ ما * تدري ذوو الشقوة والسّعود 
حقيقة تفني الجميع إن بدت * للعقل عنها العقل في رقود 
...............................................................................................
( 1 ) المرابض : ( ج ) المربض : مكان ربوض الغنم ومأواها . 
( 2 ) كند النعمة : جحدها ولم يشكرها فهو وهي كنود . 
( 3 ) الحضيض : ما سفل من الأرض . 

161
ومن أتى بها عليه في الورى * بغى بسوء وافترى وعودي 
لأنّها السرّ الذي جاء به * نبيّنا رغما عن الحسود 
وهو الذي في آدم لمّا بدا * خرّت له الأملاك بالسّجود 
وقد أبى إبليس عن سجوده * له فلا يزال بالمطرود 
فيه النصارى بالحلول كفرهم * والكفر بالتجسيم في اليهود « 1 » 
وعنه زاغت عصبة وألحدوا * حتّى بهم آل إلى اللّحود 
وقد مضت نبوّة به وقد * أتت خلافة بلا جنود 
في كلّ عصر واحد فواحد * إلى قيام الساعة الموعود 
هذا المراد عندنا بوحدة ألم * وجود نتلوه على الشّهود 
ليشهدوا لنا به في موقف * يفي به الكريم في الوعود 
وتظهر الحجة بالشاهد أن * قد بلّغ الغائب ذا الهجود 
نحن بهذا قائلون دائما * ونوره فينا بلا خمود 
لا أنّنا نقول بالمعنى الذي * تقول أهل المذهب المردود 
فاللّه من ضلالهم يعصمنا * بفتح باب دونهم مسدود 
ومن علينا يفتري بغير ما * قلنا رهين يومه المشهود 


وقال رضي اللّه عنه مخمّسا أبيات العارف باللّه تعالى الشيخ عليّ الوفائيّ المصريّ قدّس اللّه تعالى سرّه وقد رأى رجل في المنام أنه خمّسهنّ وذلك ليلة الاثنين منتصف جمادى الأولى سنة مائة وألف فأخبره بالرؤيا في صبيحة يوم الاثنين وجاء بالأبيات معه من ديوان الوفائيّ فخمّسهنّ في ذلك المجلس على البديهة « 2 » حيث قال : 
لي رتبة العلّامة الشهم الأسد 
قد أنشبت بين العدا ناب الأسد 
والحبّ رغما عن أنوف أولي الحسد 
سكن الفؤاد فعش هنيئا يا جسد * هذا النعيم هو المقيم إلى الأبد 
...............................................................................................
( 1 ) النصارى : أهل النصرانية : وهي دين أتباع المسيح عليه السّلام . الحلول : اعتقاد بعض المتصوفة أن اللّه سبحانه حالّ في كل شيء . 
( 2 ) البديهة : الارتجال في الكلام ، وغلبت البديهة في قول الشعر بلا كدّ فكر . أو هي المعرفة يجدها الإنسان في نفسه من غير إعمال للفكر ولا علم بسببها ( ج ) بدائه . 

162
يا نسوة الحظّ الخسيس رويدكن 
يا ليتكنّ عرفتني يا ليتكن 
فأنا الذي نلت العلا من يوم كن 
أصبحت في كنف الحبيب ومن يكن * جار الحبيب فعيشه العيش الرّغد 
عرش الوجود أظلّني بضيائه 
وحبا التجلّي لي ثياب ولائه 
وأتى من الرّحمن طيب ندائه 
عش في أمان اللّه تحت لوائه * لا خوف في هذا الجناب ولا نكد 
يا هيكل الأنوار سرّك ما اكتمن 
إن بعت ما تلقاه أنت هو الثّمن 
أنت الحفيظ على الجميع المؤتمن 
لا تختشي فقدا فعندك بيت من * كلّ المنى لك من أياديه مدد 
هي حضرة في الشام طاب بها اليمن 
وبعلمها والفضل أشرقت الدّمن 
ذات بها قد جاد مولاي ومن 
ربّ الجمال ومرسل الجدوى ومن * هو في المحاسن كلّها فرد أحد 
أنا من أعزّ أولي النّهى وأجلّها 
وربيت في نهل العلوم وعلّها 
ووقفت في الشجرات لا في ظلّها 
قطب النّهى غوث العوالم كلّها * أعلى على سار أحمد من حمد 
يا من تثنّى وهو عندي واحد 
حقّ له منه عليه شواهد 
إني الذي أبدا لوجهك ساجد 
روح الوجود حياة من هو واجد * لولاه ما تمّ الوجود لمن وجد 
أنا من كبار لا يطاق رضيعهم 
وبصيرهم عين العلا وسميعهم 
هم نابتون عليه وهو ربيعهم 
عيسى وآدم والصدور جميعهم * هم أعين هو نورها لمّا ورد 

163
عجزت عقول ذوي النّهى عن كنهه « 1 » 
وتولّهت عين السوى في شبهه 
والكلّ عن كلّ لنا لم يلهه 
لو أبصر الشيطان طلعة وجهه * في وجه آدم كان أوّل من سجد 
قمر تبدّى في سماء كماله 
لو تبصر الأقمار نور هلاله 
غابت وذابت تحت ذيل ظلاله 
أو لو رأى النمرود نور جماله * عبد الجليل مع الخليل ولا عند 
هو باطن حجب الجهول المنكرا 
بل ظاهر من نوره بهر الورى 
طمعت نفوس فيه ملقاة ورا 
لكن جمال الحقّ جلّ فلا يرى * إلّا بتخصيص من اللّه الصّمد 
في ظلمة الأكوان لاح لك الضّيا 
فاسرع إلى لألائه متملّيا 
وإذا رميت عليه جهدك والعيا 
فأبشر بمن سكن الجوانح منك يا * أنا قد ملأت من المنى عينا ويد 
يا مؤمنا دع عنك طاغية الجفا 
متحيرين وكن بنا متعفّفا 
نحن الذين نرى جمال المصطفى 
عين الوفا معنى الصّفا سرّ الوفا * نور الهدى بحر النّدى جسد الرّشد 
حتّى تجلّى من سماوات الرضى 
وبه على الأكوان قد سمح القضا 
لا شيء إلا بعد ظلمته أضا 
هو للصلاة مع السلام المرتضى * الجامع المخصوص ما دام الأبد 
وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ السيادة والرّيا * سة في الشقيّ وفي السّعيد 
...........................................................
( 1 ) الكنه : جوهر الشيء وحقيقته . 

164
ثوبان للمولى الذي * سمّي بأسماء العبيد 
لهما الشقيّ قد ادّعى * بنزاع خاطره العنيد 
فنزاعه المذموم لا * ما ليس عنه من محيد 
ولدا السعيد هما لقد * نسبا إلى الربّ المجيد 
قد أسلمت أفهامه * فأبت عن الأمر الشّديد 
فغدت سيادته على * كلّ الوجود بلا مزيد 
وله الرياسة دائما * في دولة الكون الجديد 
والسرّ فيه بأنّه * قد زال من بيت القصيد 
لا زال منه وصفه * وبقي كأحوال المريد 
إن المراد هو المري * د إذا حوى حكم الفريد 
ومشى إليه القهقرى * ورأى البريّة من بعيد « 1 » 
وجميع أبعاد السّوى * قرب لذي الأمر الوحيد 
والقرب ما قد كان في * أزل على الشأن المديد 
والوهم زال ولم يكن * من قبله في فهم البليد « 2 » 
والقوم قد دخلوا إلى * ذات لقاها يوم عيد 
والكهف يأوي أهله * والكلب منهم بالوصيد « 3 » 
ودخولهم عين الخرو * ج بمقتضى القول السّديد 
والأمر أمر واحد * لكن بتكرار عديد 
والقرب قرب الذات وه * والأصل لا قرب الوريد 
إن الوريد من الورو * د وما ورودك بالمفيد 
أهل الحمى حرسوا الحمى * عمّن يروم وصال غيد 
لا عن محارمهم فهم * منهم كأمثال الوليد 
فاظهر لهم منهم بهم * واشهد تكن عين الشّهيد 
إنّ الفروع من الأصو * ل صناعة المبدي المعيد 
.................................................................
( 1 ) القهقرى : الرجوع إلى خلف . 
( 2 ) البليد : من حرم الذكاء والفطنة والمضاء في الأمور . 
( 3 ) الوصيد : فناء الدار والبيت أو عتبة البيت ( ج ) وصد . 

165
وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ وقت جمال وجهك بادي * يتجلّى في مهجتي وفؤادي « 1 » 
ولقد دلّني عليك محيّا * لك قام الجمال فيه ينادي « 2 » 
وبجسمي أودى السقام وقلبي * زائل الصبر زائد الإيقاد « 3 » 
وعيوني مدى الدّجى شاخصات * آه من فرط دمعها والسّهاد « 4 » 
وشج بين صبوة وغرام * واشتياق وحرقة وارتعاد 
واجتناب وقسوة وجفاء * وصدود ونفرة وبعاد 
ورقيب ولائم وعذول * وبغيض وكاشح ومعادي 
كيف يهنا بل كيف يبقى وهذا * حاله وهو مؤذن بالنفاد 
يا هلالا طلعت بالنفس منّي * فتحقّقت كثرتي واتّحادي 
شهدت نورك القلوب فولّت * ظلمة الكون من عيون البعاد 
نظري للسّوى إليك ولكن * دقّ عن فكرتي لفقد رشادي 
ثمّ لمّا أردت مني تدنو * كنت أنت الحشى وسرّ الفؤاد 
وتلطفت بي فشاهدت مرئى * مقتضى ذاك أنت بالمرصاد 


وقال رضي اللّه عنه : 
وجود كوني من تجلّي الجواد * هذا عطاء ما له من نفاد 
يا عدما أحرفه خطّها * كاتبه النور بنور المداد 
أنت شؤون الحقّ لا يلتبس * عليك معبود هنا بالعباد 
وبينه فافرق وبين الورى * وبالغنى والفقر فالفرق باد 
واجمع فشئ واحد ما به * تعدّد في نظر الاقتصاد 
واكتب به بالأبيض المجتلي * والناس دعهم يكتبوا بالسّواد 
واشهد بما تعرف فيما ترى * شهادة الحقّ بغير استناد 
وأيقظ الخاطر من غفلة * وامسح من الأغيار كحل الرّقاد « 5 » 
.............................................................
( 1 ) المهجة : دم القلب أو الروح أو النفس . 
( 2 ) المحيّا : جماعة الوجه أو حرّه . 
( 3 ) السّقام : المرض . 
( 4 ) السّهاد : الأرق . 
( 5 ) الرّقاد : النوم . 

166
من لي بمن يبدو بأسمائه * فيفعل الغيّ بها والرّشاد 
والكلّ مفعول له مطلق * عن قيد حرف جامع للتّضاد 
صاد جميعي بظهوراته * لصدغه والعين دال وصاد 
يحكم ما شاء بنا دائما * لا جور منه كيفما قد أراد 
وعشقه صيّرنا كالهبا * وزادنا فرط البكا والسّهاد 
باللّه يا سائق ركباننا * قل لسليمى طال هذا البعاد 
إنّي على العهد مقيم لها * وإنّني عنها كصوب العهاد 
يا طالما نلت بها خلوة * وفزت منها بلذيذ المراد 
كانت تناجيني على ذلتي * وعزّها باللّطف والاتّحاد 
واليوم لمّا ذبت في حبّها * والروح والجسم مضى والفؤاد 
وصار كلّي مقتضى كلّها * وقوبل العالي لها بالوهاد « 1 » 
واختطفت ذاتي بذات لها * وزال ذاك الكدّ والاجتهاد 
وانطفت النار بنور اللّقا * وللهوى لم يبق غير الرماد 
غابت فلم أدر لها من نبا * وأدرك الزرع وصار الحصاد 
كأنّني في كونها لم أكن * وهي التي كانت بحكم انفراد 
وإنّ هذا في الهوى قولها * على لساني لمرادي أفاد 
لا أنني قلت فحمدي لها * منها عليها زاد والشّكر زاد 
وهي التي تعرفني مثل ما * كنت قديما شررا في زناد « 2 » 
واقتدحتني بإرادتها * فلحت مثل البرق شيئا يراد 
وعدت لا برقا ولا بارقا * والشمس عنها الغيم في الأفق حاد 
فتارة عنّي بما قد مضى * تترجم الأحوال بالافتقاد 
وتارة تترك لا تعتني * حسب الذي منها يكون المراد 
وهكذا الكلّ لها راجع * والكون كون والبلاد البلاد 
لا تحسب التحقيق غير الذي * أنت له تدرك يا ذا العناد 
لكنّك المحكوم منها بها * عليك بالجهل وبالانتقاد 
..............................................................
( 1 ) الوهاد : ( ج ) الوهدة : الأرض المنخفضة كأنها حفرة . 
( 2 ) الزناد : ( ج ) الزند : العود الأعلى الذي تقدح به النار . ويطلق الزند الآن على الآلة الفولاذية الصغيرة التي تجعل الشّرر يتطاير من الحجر الصوّاني عندما نقدحه بها . 

167
وهي على ما هي في حضرة * يصدر عنها ذو ضلال وهاد 
بمقتضى أسمائها للذي * شاءت من الإبهام في الاعتقاد 
وقال رضي اللّه عنه : 
هذا الكثير الواحد * فافرح به يا واجد 
فجميعنا منه له * طول الزمان محامد 
ما الكلّ إلّا راكع * أبدا إليه وساجد 
ولنا معانيه التي * منه تلوح مساجد 
إنّ السجود هو الفنا * فيه لمن هو قاصد 
وكذا الركوع الموت عن * دعوى النفوس الوارد 
فاعجب لأمر زائد * منه وما هو زائد 
خلق تكثّر عدّهم * فتناسلوا وتوالدوا 
وتفرّقوا فرقا وهم * محسودهم والحاسد 
وجميعهم صور له * عادت بهنّ عوائد 
وهم الشؤون لذاته * فطوارف وتوالد 
وأمورنا انتظمت به * عنه فنحن قصائد 
أيقظ فؤادك وانتبه * لظهوره يا راقد 
واعلم بأنّك واجد * فيه وأنّك فاقد 
فهو الذي بشؤونه * متقارب متباعد 
والكلّ منه له به * في الحالتين فوائد 
بحر يميد بسفنه * أبدا وما هو مائد « 1 » 
هو مطلق وقيوده * معدودة والعادد 
فاسكن به في ظلّه * فهو الكريم الماجد 
أيّان تقصده تجد * منه تمدّ موائد 


وقال رضي اللّه عنه : 
هو الركبان والحادي * هو السبعون والحادي
.........................................................
( 1 ) ماد الشيء : تحرك واهتزّ . 

168
هو المسعود والمطرو * د مع حقّ وإلحاد 
هو المعدود والأعدا * د وهو العادّ والعادي 
هو الأرواح والأشبا * ح من أنواع أجساد 
هو الأفلاك والأملا * ك في مثنى وآحاد 
هو الدّنيا وما فيها * كتكريت وبغداد 
هو الأخرى وما تحوي * كعبّاد وزهّاد 
هو البستان والأغصا * ن والغدران للصادي « 1 » 
هو الأزهار والأثما * ر وهو السيل والوادي 
هو الطير الذي غنّى * بلحن فوق أعواد 
هو الأعواد والإنشا * د والمصغي لإنشاد 
هو المعروف والمجهو * ل والمخفيّ والبادي 
هو الشمس التي لاحت * وبدر الأفق في النادي 
هو المغويّ والغاوي * هو المهديّ والهادي 
هو المدعو بأنساب * وأنسال وأجداد 
وأعمام وأخوال * وآباء وأولاد 
ثياب كلّها يبدو * بها من خلف أضداد 
إشارات له منه * بإعطاء وإمداد 
على فرض وتقدير * تراءت برق إيجاد 
وبالأمثال تكرار * لها في شكل ترداد 
وعنها ذاته جلّت * وعزّت دون أنداد 
وأسماء له حسنى * إليه ذات إرشاد 
بها يبدو فتدريه * ذوو التقوى أولو الزاد 
وجود مطلق عنه * بدت أشكال أفراد 
وتسع تلك أعراض * لها ذكر بتعداد 
تسمّى الكتم مع كيف * وأين عند نقّاد 
متى والوضع مع ملك * إضافات بإسناد 
...........................................................
( 1 ) الغدران : ( ج ) الغدير : القطعة من الماء يغادرها السّيل . 

169
وفعل وانفعال وه * ي معلومات إشهاد 
تجلّى ربّنا فيها * لتقريب وإبعاد 
فقوم حقّقوا المجلى * بأذكار وأوراد « 1 » 
وقوم قد عموا عنه * بحرمان لآباد 


وقال رضي اللّه عنه : 
اذبح النفس بسيف الاجتهاد * في رضى مولاك تحظى بالمراد « 2 » 
واكشف الحجب عن القلب به * وتأمّل وجه مولاك الجواد 
لا تكن من نفر قد أمروا * فعموا عنه وصمّوا بازدياد 
سألوا واستخبروا واستكشفوا * ولقد هاموا به في كلّ واد 
ولو أنّ القوم فيهم رشد * فوّضوا الأمر إلى ربّ العباد 
وأتوا منه بما قد قدروا * واستطاعوا وعلى اللّه الرّشاد 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ بين الوجود والموجود * حرف ميم بها مدار الشهود 
وهو حرف محمديّ شريف * هو عين الآباء عين الجدود 
وهو إمكان كلّ شيء تبدّى * وهو نفس الرسوم نفس القيود 
وله دورة كلمعة برق * هي من عين وقفة وجمود 
وهو أمر الإله في كلّ خلق * بالتقادير في الشّقا والسّعود 
ألف باستقامة وهي ميم * حيث دارت في خدمة المعبود 
والوجود الوجود ما زال عمّا * كان فيه بخطّها الممدود 
وهي عقل يرى الإضافة حتما * لوجود المهيمن المقصود 
فاعذروه لأنّه عبد ربّ * هائم في ركوعه والسّجود 
وهو باقي الحروف أيّان ولّى * بانحراف لوجهه المشهود 
...........................................................
( 1 ) الذّكر : التسبيح والقرآن . 
الأوراد : ( ج ) الورد : النصيب من القرآن أو الذكر . 
( 2 ) الرّضا : باب اللّه الأعظم وجنة الدنيا . 
( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقام الرضا برسالته ص 192 - 197 ) . 

170
وقال رضي اللّه عنه : 
وجود وأشيا ما لهنّ وجود * فتبدو به منه له وتعود 
ملابس نور في هياكل ظلمة * لهنّ اعتراف بالهوى وجحود 
على طبق ما في العلم والعلم واحد * قديم بأشيا ما لهنّ نفود 
فحيث وجود لاح بعد خفائه * يلوح بشيء مدّة ويجود 
وتتبعه الأسماء مطلقة به * على حسب الأشياء وهي قيود 
فسمّيت الأكوان باسم حدوثها * سماء وأرض صخرة وعمود 
وما هو إلا الأمر وهو عوالم * سوائل فيها للعقول جمود 
وروح وأرواح كشمس أشعة * بها يكرم المبدي لها ويجود 
تكاثف منها النشو وهي لطيفة * لصيغة علم الغيب وهو حدود 
على صورة الماء الحياة به بدت * وصورة علم بالهواء ترود 
وفي صورة النار الإرادة صورة * وقدرته نحو التراب تقود 
وما صور الأسماء أجمعها سوى * تفاصيل أفلاك وهنّ رصود 
ودارت كما دارت قديما فأنتجت * حوادثها الأيقاظ وهي رقود 
فكان جمادا والنبات كلاهما * حقائق معنى الغيب عنه وفود 
كذا حيوان ثمّ إنسانه الذي * إليه من الأشياء ثمّ سجود 
وما هي إلا الروح والجسم علمها * بخالقها والنفس منه مدود 
ثلاث شؤون قدّرتها صفاته * له بالتجلّي أقمص وبرود « 1 » 
تنزّه عنها وهو فيها مشبّه * ومنها له في النشأتين خلود 
قديم هو الحقّ المبين الذي له * بياض وليلات الحوادث سود 
وحاصل هذا كلّه هو أنّه * وجود وأشيا ما لهنّ وجود 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الجميع حدود في العقول وفي * مراتب الحسن قد زادت على العدد 
يبدو بها من بدا فيها تحكمه * ذات من الغيب تدعى حضرة الأحد 
بمقتضى ما لديها كان من صفة * قديمة هي في التأثير بالرّصد 
إياك والزهد في الأشياء إن ترها * بنفسها هي قامت غبت عن رشد 
............................................................
( 1 ) البرود : ( ج ) البرد : ثوب مخطّط أو موشّى يلتحف به . 

171
وإن تكن ترها قامت به ترها * تجليات له في كلّ معتقد 
نعم تنزّه عنها وهو في أزل * من قبل إظهارها بالمنزه الصّمد 
وهو المنزّه أيضا في الظهور بها * عن والد يقتضي منها وعن ولد 
لأنّها عدم وهو الوجود لها * وإن خلت عنه لم تبد ولم تعد 
ما الزهد عندي مقام إذ يدلّ على * قطع العوالم لي عن صاحب المدد « 1 » 
وكيف أزهد في الأشياء وهي به * كانت وكان بها أيضا إلى الأبد 


وقال رضي اللّه عنه : 
نهر القضاء بما يختار خالقنا * وما يريد هو الجاري إلى الأبد 
عليه طاحونة الأفلاك دائرة * وقطبها القطب سرّ الواحد الأحد « 2 » 
وما تولّد فيما بين طابقها ال * أعلى وطابقها الأدنى على الرّصد 
من الجماد وأنواع النبات وحي * وان تراه وإنسان بلا عدد 
مثل الحبوب بدت للطّحن مفرغة * شيئا فشيئا بحكم النفس والجسد 
فكلّما حبة قد جاء موعدها * أصابها الطحن لم تبد ولم تعد 
حتى تصير كما كانت مفرّقة إل * لا جزاء وهي لهذا الأمر طوع يد 
عناصر كدقيق ميّزته يد * بمنخل الرّتب المكسوبة الجدد 
حكم من الحاكم القهّار في أزل * بمقتضى ما قضى فيها من الأمد 
حتى يحوّل ذاك النهر عن جهة * يجري إلى جهة أخرى بذي المدد 
فيفرغ الطحن والطاحون تخرب من * هنا ويفسد مرأى هذه البلد 
ويظهر الأمر في دار الخلود بلا * نهاية عند ذي غيّ وذي رشد 
هناك ينكشف السرّ الذي خفيت * أنواره اليوم عن ذي الغفلة العند 


وقال رضي اللّه عنه : 
لنا طالع الغيب المقدّس يا سعد * فلا نحس بل أوقاتنا كلّها سعد 
وأفلاكنا دارت على حكم ربّنا * بما يقتضيه الحظّ والعيشة الرغد 
هي الشمس من أبراج أكوانها بدت * ولا برج في التحقيق إن هي لا تبدو 
............................................................
( 1 ) الزهد : قال ابن الجلاء : الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها. ( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقام الزهد برسالته ص 115 - 119 ). 
( 2 ) الطاحونة : آلة الطحن . 

172
تقاديرها من حكم أسمائها التي * تجلّ عن الإحصا فما أن لها عدّ 
وجود حقيقيّ مضاف له الورى * جميعا ولا قبل لشيء ولا بعد 
ولم ينقسم بل قام كلّ بأمره * على حدّه إذ لا يقيّده الحدّ 
وما الشأن عن شأن يشاغله فلا * يخصّ التجلّي منه غور ولا نجد 
وقولي وجود حسب ما هو عارف * به كاشف عمّا يشير له الوجد 
به الكلّ موجود وما الكلّ غير ما * يقدّره في علمه ذلك الفرد 
فليس لموجود بدا مع وجوده * وجود فحقّق لا يضلّنّك الجحد 
وكن ظاهرا بالوهم فالكلّ هالك * سوى وجهه أي ذاته إذ هو القصد 
وسالم وسلم للمنازع قوله * فما قائل من عنده حيث لا عند 
ولكنّها الأسماء منه تقابلت * فبعض له غيّ وبعض له رشد 


وقال رضي اللّه عنه : 
كلام أهل اللّه في * دين الهدى نفع العباد 
حقائق لها إلى * شريعة الحقّ استناد 
علم إشارة فلا * لفظ ولا معنى يراد 
سرّ خفيّ خارج * من الفؤاد للفؤاد 
وظاهر لذي أعتقا * د باطن عن ذي انتقاد 
فآمنوا به وسلّ * موه يا أهل العناد 
فهو المجرّد اللّطي * ف عن كثائف المواد 


وقال رضي اللّه عنه : 
تحقّق فإنّ الروح في الكلّ واحد * ولا شيء إلّا الروح يدريه واجد 
وذلك من أمر الإله كما أتى * وما الأمر إلّا واحد وهو شاهد 
وذو الأمر وهو اللّه لا شكّ أنّه * هو الواحد المقصود والكلّ قاصد 
وقد صار ذاك الروح كلّ العقول وال * نفوس وأجسام الورى تتوارد 
فتظهر أغيارا له وهو عينها * يحسّ به الذوق السليم المشاهد 
وذو الجهل بالمحسوس يحسب كثرة * ويتبعه في الوهم عقل معاند 
ويلمح ذاك الروح كالبرق ظاهرا * عن الأمر غيب الغيب ثمّ يعاود 
على مقتضى الأسماء وهي جميعها * هي الوجه وجه اللّه في النصّ وارد 

173
وللوجه كان الروح مرآته الّتي * تلوح بها آثاره والمقاصد 
فتظهر في الروح العوالم كلّها * عكوس مرادات الإله شوارد 
وترتيبها في العلم يظهر هكذا * لدينا فمولود وأمّ ووالد 
ومن حسّ في المرآة صورة وجهه * فللوجه والمرآة ذا الحسّ نافد 
وبالصورة المرآة عنه تسترت * فظنّ الّذي قد ظنّ والعقل راقد 
ومن أجل هذا قال أهل طريقنا * خيال وظلّ ما عن الحقّ وافد 
ولم يعرف المسكين ما قال عارف * وقد ظنّ سوءا وهو للحقّ جاحد 
فلو وفّق الرّحمن ذلك للهدى * رأى نقصه في نفسه فيجاهد 
ويصبح مشغولا ويمسي بنفسه * وقلب له في كلّ ما عاق زاهد 
ولكنّه الممقوت من حكم ربّه * عليه ولا يدري وما هو راشد 


وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
ما بين سلع وروض بالحمى نادي * لي قلب ضائع عليه قف ههنا نادي « 1 » 
يا سائق الظعن كم مجلس وكم نادي * فيه افتضحنا على من كفّه نادي « 2 » 


وقال كذلك : 
بادي حبيبي بشكوى حالتي بادي * يا كاتم السرّ لي سرّ الهوى بادي 
والقلب خاتم لقرآن الوفا بادي * حاضر بتلك المدينة والجسد بادي 


وقال كذلك : 
لي من هوادي المطايا مذ هوت هادي * يمتدّ نحو الحمى حيث الدّجى هادي 
وسرّ قلبي وحقّ الحبّ يا هادي * لو تطلب الروح مني قلت لك هادي 


وقال رضي اللّه عنه : 
خالق الكلّ واحد * وهو للكلّ قاصد 
وتأمّله فهو في * أنت والكلّ شاهد 
فإذا قلت إنّني * أنا والكلّ واحد 
...........................................................
( 1 ) سلع : جبل بسوق المدينة ، وقيل : موضع بقرب المدينة ، وسلع أيضا : حصن بوادي موسى عليه السلام ، بقرب البيت المقدس . ( معجم البلدان 3 / 236 ) . 
( 2 ) الظعن : الارتحال . 

174
قلت حقّا إذا انتفى * عنك ما أنت جاحد 
حيث لا نفس تدّعي * ما ترى أو تعاند 
حيث لم يخف عنك ما * أنت فيه معاهد 
من فناء محقّق * في وجود يشاهد 
حيث لا غيره ولا * شيء يلقاه واجد 
فاعتبر ما أقوله * دون ما قال حاسد 
وتحقّق به وكن * عين كن يا ساعد 
تلق كن عينه بلا * أحرف هم زوائد 
إنّما الحرف عندنا * طرف عنه حائد 
وهو حدّ لمطلق * عنه فيه الفوائد 


وقال رضي اللّه عنه : 
عرّجا بي على النّقا فجياد * وامشيا بي كمشية المتهادي 
يا خليليّ وانشدا قلب صبّ * ضاع منه خلال تلك البوادي 
لي بسلع فرامة فالمصلّى * جيرة بل بناظري وفؤادي 
هم بقلبي حلّوا مكان السّويدا * ومن العين في مكان السّواد « 1 » 
ظهرت نشأتي بهم وهي منهم * في شخوص الأرواح والأجساد 
أنا إلا كلامهم بحروف * عاليات ظلالها في الوهاد 
كلّموا نفسهم بنا فتكلّم * نا بهم في الثلاث والآحاد 
وهم الظاهرون هم لا سواهم * وسواهم تصويرهم للمراد 
واسمهم ما به الجميع تسمّى * عندهم في النزول للأعداد 
حيث كانوا على المراتب منا * في ظهور وخفية بازدياد 
قل لهم يا أنا يجودوا علينا * باللّقا إننا لبالمرصاد 
سعدت مقلة بهم قد رأتهم * فرأت ما رأت على المعتاد 
يا عريب الحمى قفوا الضعيف * جرّه ركبكم بنغمة حادي 
..........................................................
( 1 ) السويداء من القلب : حبته ومهجته . 
السواد : سواد العين : حدقتها . 

175
كلّما أظلمت عليه الدياجي * لمع البرق فاهتدى للهادي 
والهوى سائق له ودليل * في الفيافي على لقاء سعاد « 1 » 


وقال رضي اللّه عنه : 
أنا كالحرف قائم بالمداد * بالوجود الحقّ الكريم الجواد 
يا مداد الجميع نحن حروف * بك نبدو وأنت بالمرصاد 
ولهذا كلّا نمدّ لنا قل * ت فأنت الممدّ بالإيجاد 
ما تغيرت أنت حيث ظهرنا * عنك كم في مثنى وفي آحاد 
عدم نحن كلّنا ووجود * أنت حقّ باق بغير نفاد 
مطلق أنت مثل ما كنت قدما * خارج عن مراتب الأعداد 
وقيود جميعنا نحن لكن * قد نسبنا إليك بالاستناد 
حيث أنت الّذي تقدّر منّا * كلّ ما ما شئت من ربا ووهاد 
فظهور لنا ظهورك حقّا * وبطون لنا بطونك بادي 
جهلت أمّة تقول وجدنا * إذ لها أنت لم تكن لك هادي 
يا وجود الجميع قولي مبني * ني على القول بالوجود المفاد 
وهو قول توهّمته عقول * عقلت أمرها خلاف المراد 
ليت شعري من يستفيد وجودا * والّذي يستفيد لا شيء عادي 
وإذا قلت ربّنا يوجد المع * دوم قلنا ذا القول محض عناد 
نحن أيضا نقول مثلك هذا * قول حقّ بغير ما ترداد 
لا على الوصف بالوجود لمعدو * م ولا قبله وجودا إرادي 
حيث قلب الحقائق الكلّ قالوا * مستحيل عند العقول الجياد 
إنّما قولنا بذلك قول اللّه * في محكم الكتاب الجواد 
فتأمّل اللّه نور السموا * ت وجودا بياضه في السّواد 
وإذا كان في السّواد بياض * لاح غير البياض في المعتاد 
لقبول البياض في كلّ لون * ضدّ أمر السّواد بالانفراد 
فتنحّوا يا غافلون فغير اللّه * لا يرشدنّكم للرّشاد 
كلّ لون على البياض يغطي * بانتقاص من السّوى وازدياد 
................................................................
( 1 ) الفيافي : ( ج ) الفيفاء : الصحراء الواسعة المستوية . 

176
وبياض السّواد يعجز عنه * كلّ شخص سوى إله العباد 
وهو شيب في لمّة الشعر يبدو * عبرة فافهموا كلام المنادي « 1 » 
إنني قادر بقدرة ربّي * لا سواها محقّق الإمداد 
وبياضي على السّواد تبدّى * فمحاه بشدّة الامتداد 
فأنا النور عنده وظلام * عندكم يا جماعة الحسّاد 
والّذي عنده يراني نورا * والّذي عندكم يرى فيعادي 
وعليه الظلم يغلب حتّى * يقدح النار قلبه بالزناد 
إنّما النار جهد فاقد نور * فاستعدّوا بواحد للمعاد 


وقال رضي اللّه عنه : 
وجودي وجود الكائنات وإنّما * وجود جميع الكائنات وجودي 
ولكنّهم غيري وإني غيرهم * فحقّق كلامي واعتبر بشهودي 
وجود قديم واحد عنه فائض * سواه من الأشياء فيضة جود 
ولم ينقسم حاشاه بل هو مطلق * أراد بأن يبدو لنا بقيود 
فلاح بما في نفسه هو لم يزل * يصوّر من بيض هناك وسود 
وليس لأنواع التصاوير كلّها * وجود سواه في شقا وسعود 
فقد أوجد الأشياء وهو وجودها * به وجدت محدودة بحدود 
وهذا اعتبار العقل وهو الّذي غدت * تناط بها الأحكام دون نفود 
ومن يتحقّق بالوجود فإنّه * يراه وجودا في أجلّ صمود 
وليس يرى الأشياء موجودة بها * ولكن يراها في انتفا وجحود 
هو النور عنها قد أبان وعنه قد * أبانت وكلّ ذو وفا بعهود 
وكلّ على ما كان فيه ولم يزل * قديما وهذا قول أشرف قود 
مقالة آباء لنا في طريقنا * كرام رضعنا ثديهم وجدود 


وقال رضي اللّه عنه : 
الفرق سكر لأنّ العقل يستجدي * فيه سوى ربّه من كثرة الفقد 
مع علمه أنّما الجدوى بأجمعها * لربّه الحقّ من قبل ومن بعد 
.........................................................
( 1 ) اللّمّة : شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن ( ج ) لمم ولمام . 

177
والعقل يقسم في الفرق الوجود إلى * قسمين قطعا وجود الربّ والعبد 
كذلك الجمع سكر حيث لا أحد * فيه سوى الأحد الحقّ الّذي يجدي 
والكلّ فانون في هذا الوجود به * مثل السراب تراه العين من بعد 
وصاحب الفرق ظنّ الصحو حالته * وحالة الجمع سكرا رائد الحدّ 
ولم يزل قلبه في غفلة أبدا * عن الشهود شهود الحقّ بالعمد 
وصاحب الجمع أيضا ظنّ حالته * صحوا وحالة فرق سكر ذي وجد 
وقلبه لم يزل عن خلق خالقه * في غفلة ويساوي الغيّ بالرّشد 
وحاصل الأمر أنّ الأمر أكمله * ما بين جمع وفرق جامع الضدّ 
مع أهل فرق له فرق كحالتهم * ومع أولي الجمع ذو جمع بلا ردّ 
وهو المسمّى بجمع الجمع إرث هدى * عن النبيّ وعن قطب وعن فرد 


وقال رضي اللّه عنه في رحلته وهو سائر في أرض التّيه « 1 » تيه بني إسرائيل في توجهه إلى بلاد الحجاز : 
إنّ النصارى واليهود كلاهما * لا عقل فيهم والعقول شواهد 
جعل النصارى الربّ جلّ ثلاثة * ثمّ ادّعوا أنّ الثلاثة واحد « 2 » 
والعقل يأبى والتناقض واضح * بين الورى وإن استراب الجاحد « 3 » 
وكذا اليهود وإن تكاثر عدّهم * فيما مضى لم يبد منهم راشد 
في أربعين من السنين تحيّروا * في مهمه ما قدره متزايد « 4 » 
لم يقدروا أن يخرجوا منه وهم * عدد كثير عن ألوف زائد 
داروا وقد رجعوا لموضع بدئهم * وتناسلوا في تيههم وتوالدوا 
وكذا الإله إذا أضلّ جماعة * خاب الرّجا منهم وضلّ القاصد 
حكم يحار بها اللبيب وإنّها * لأحقّ فيها أن تقال قصائد 
وملاك ذلك كلّه فقد الحجا * ممّن أضلّ له الإله الماجد 
.......................................................
( 1 ) التّيه : موضع بين مصر والعقبة تاه فيه بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر وحاروا فلم يهتدوا للخروج منه . 
( 2 ) الثلاثة : يقصد الأقانيم الثلاثة عند النصارى : الأب ، والابن ، وروح القدس . 
( 3 ) استراب : وقع في الريبة . 
( 4 ) المهمة : المفازة البعيدة ( ج ) مهامه . 

178
ومن اهتدى واللّه أكمل عقله * بعناية سبقت يرى فيشاهد 
والعقل نور اللّه في ملكوته * وبه لنا التكليف وهو الشاهد 


وقال رضي اللّه عنه وقد أرسل إلينا بعض الإخوان إجازة في طريق الخلوتية والقادرية عن مشايخه السادة الأجلّة في البرية وطلب منّا الكتابة على ذلك فقلت سالكا إن شاء اللّه أحسن المسالك : 
بحمد اللّه خلّاق الوجود * توالى كلّ إنعام وجود 
وبالشّكر الّذي من كلّ شيء * تمتع كلّ شيء بالشّهود 
ولكن للظهور تنوّعات * بها خرج البطون عن القيود 
فسبحان المهيمن جلّ ربّي * وعزّ عن المعاني والحدود 
وما زالت صلاة اللّه مني * تفوح مع السلام بعرف عود 
على المختار من بين البرايا * سليل الأكرمين من الجدود 
محمّد الّذي بالحقّ ساعي * إلى الغارات خفّاق البنود « 1 » 
كذا مع آله والصحب طرّا * على أمد الزمان بلا نفود 
وبعد فإنّ تقوى اللّه زاد * لأهل السير في طرق السّعود 
وتلك مراتب لم يخل عنها * أولو الإسلام من كلّ الجنود 
فتقوى العام من شرك وكفر * وأعمال من الطغيان سود 
وتقوى الخاص من كلّ المعاصي * جميعا مع محافظة الحدود 
وتقوى خاصّ هذا الخاصّ عمّا * سوى الربّ المهيمن في الوجود 
فمن لم يتّق شركا وكفرا * فعن تقوى المعاصي في صدود 
وترك الذنب ليس بطاعة من * ذوي الشّرك المهيّىء للخلود 
لأنّ الشّرك لم يغفره ربّي * له نار غدا ذات الوقود 
وكلّ عبادة فالشرط فيها * هو الإسلام حفظا للعهود 
ومن لم يتّق هذا وهذا * جميعا ما تنبّه من رقود 
فكيف عن السّوى تقواه ترجو * ولم تخرج سيوف من غمود « 2 » 
.......................................................
( 1 ) البنود : ( ج ) البند : العلم الكبير . 
( 2 ) الغمود : ( ج ) الغمد : غلاف السيف . 

179
وأوّل رتبة تقوى عوام ال * برية في القيام وفي القعود 
وذاك أهمّ للإسلام فيما * نراه من النصيحة للوفود 
لأنّ النفس كاذبة ويخفى * عليها الشّرك في طيّ الجلود 
وتجحده إذا عرفته حتّى * تزيد الوصل في خلف الوعود 
وقال اللّه في القرآن إلّا * وهم أي مشركون من الجحود 
وجاء الشّرك أخفى من دبيب * لنمل في الحديث عن النّقود 
وللشّرك انقسام منه قسم * جليّ في النصارى واليهود 
وقسم في ذوي الإيمان خاف * عن الساهي من العبد الكنود 
وذلك في العوام لترك تقوى * ذكرناها لهم في ذي العقود 
فمن يعمل بتقواهم ويمشي * عليها في الركوع وفي السّجود 
كفته عن الطريق بلا التفات * إلى تقوى الخواص ولا صعود 
فإنّ الاشتغال بترك ذنب * كفعل الذنب حجب عن ورود 
ولا نعني الهجوم على المعاصي * وترك الخوف مثل أولي الجحود 
ولكن كلّ مرتبة يؤدّى * لها حقّ على رغم الحسود 
فحقّك في عمومك ذا وذا في * خصوصك عند أرباب السّعود 
وكن يا أيّها الإنسان فيما * عملت من البطون إلى اللّحود 
وهذا النصح مني للبرايا * به يستيقظون من الهجود 
وغير اللّه في الدّنيا غرور * وليس يدوم ظلّ مع عمود 
وقد خصّ الإله رجال صدق * بما قد خصّ من كرم وجود 
لهم قدم الرسوخ على المعالي * تراهم في المرابض كالأسود 
وكلّ قد أجاز لمن سواه * على الترتيب في أخذ العهود 
إلى هذا المجاز حباه ربّي * بأنواع الفتوح بلا سدود 
وقوّاه على فهم المعاني * وأرشده إلى طرق الشّهود 
ومن عبد الغنيّ نظام عقد * بسلك الدرّ من أبهى العقود 
على جيد الإجازة قد أضاءت * به نار الهدى بعد الخمود 
يروم به من المولى قبولا * لديه في الصّدور وفي الورود 

180
وقال رضي اللّه عنه في قرية عقربا «1» من قرى الشام على طريق الموشح في ذي الحجة سنة 114 : " دور " 
منبع الأنوار * مجمع الأسرار 
ساكن في الدار * دار قلب الفاقد الواجد 
جنة في نار * بهجة الأبصار 
من رآها حار * نبهت عين الفتى الراقد 
يا لقومي طار * من يد الأفكار 
بلبل الأسحار * وعلى كلّ السّوى حاقد 
هذه الآثار * كلّها أطوار 
للذي يختار * قرب هذا الصادق الناقد 
  " دور "  :  أيمن الوادي * مشرب الصادي 
إن حدا الحادي * هاج وجد المغرم الفاني 
فادخل النادي * واشهد البادي 
دكّ أطوادي * مؤذن أنّ السّوى فاني 
كلّ أعيادي * شعب أجيادي 
أيّها الغادي * قف به عني بأشجان 
صلّ يا هادي * للنبي الهادي 
في الدّجى الهادي * عهده عبد الغني عاقد 
وقال رضي اللّه عنه وقد سئل منه عمل موشح على وزان موشح الششتري إن شئت أن تقرب قرب الوصال :  " مطلع " 
يا سائق الأظعان * بين البوادي 
سر بي مع الركبان * واحفظ فؤادي 
" دور "  : لاحت لنا الأنوار * وقت التجلّي 
والعقل مني حار * بل ذاب كلّي 
ما النور مثل النار * للمستدلّ 
والحسن بالإحسان * فامدد أيادي 
سر بي مع الركبان * واحفظ فؤادي 
" دور " : هذه سلمى * للصبّ داني 
فاترك له الأسما * وامح الأواني 
فالذات لي مرمى * عين العيان 
واستعمل الكتمان * بين العباد 
سر بي مع الركبان * واحفظ فؤادي 
"  دور " 
...............................................................
( 1 ) عقرباء : اسم مدينة الجولان ، وهي كورة من كور دمشق كان ينزلها ملوك غسان . ( معجم البلدان 4 / 135 ) . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:25 pm

قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وجه الوجود الحق * ما زال خافي 
ما منه شي مشتق * كن منه صافي 
فإنّ من قد رق * يدري المنافي 
والجاهل الحيران * للغيّ غادي 
سر بي مع الركبان * واحفظ فؤادي 
( دور ) 
ما الكون في التحقيق * آت وماضي 
إلا ظهور سيق * نحو التقاضي 
من ذلك التشريق * بالاعتراض 
إذ كلّ شيء فان * واللّه هادي 
سر بي مع الركبان * واحفظ فؤادي 
( دور ) 
صلّ مع التسليم * مولى الموالي 
للزائد التكريم * شمس المعالي 
مع عصبة التقديم * صحب وآل 
عبد الغني ولهان * فيه ينادي 
سر بي مع الركبان * واحفظ فؤادي 


وقال رضي اللّه عنه في كتابه الفتح المدني في النفس اليمني : 
في الدال بالإهمال إعمال بدا * خبر له عين الحقيقة مبتدأ 
وعليه من كلّ الجهات علائم * دلّت على التقوى وأنواع الهدى 
صدق الّذي هو كاذب في طوره * طبق الإرادة في الشعار وفي الرّدا 
إنّ الذوات توهمات العقل في * أوصاف باريها كإرجاع الصّدى 
والحرف ينشأ بانحراف الطبع عن * سنن استقامته فتشهده العدا 
طوى الطريق على انتشار جهاته * فانظر لمطلقه تراه مقيّدا 
يا ظاهرا في كلّ ما هو ظاهر * يا باطنا نفسي لأنفسك الفدا 
والسرّ في يوم القيامة قولهم * نفسي وقولك أمّتي متقصّدا 
هذا هو النور المبين لعارف * ولغارف من بحر شرعك جدّدا 


وقال رضي اللّه عنه في كتابه المذكور : 
هذا وهذا ثمّ هذا بعده * هذا وهذا لم يزل معدودا 
وهو الحساب ولا حساب سوى السّوى * بالوهم صار له الجميع عمودا 
فانظر إلى العدد الّذي هو واحد * وهو الكثير مراتبا وقيودا 
واعبر به في الهاء منحرفا إلى * سرّ الأسامي واعتبره حدودا 
هذا به طورا يكون حضوره * فتراه قطبا قائما مقصودا 

182
كالشمس في الأفلاك تتنزل رتبة * فيقال جاءت طالعا مسعودا 
إنّي كشفت وما كشفت لأنّني * بالإذن كنت له أقيم رقودا 


وقال رضي اللّه عنه : 
أنا كلّي منك إنعام وجود * صور تبدو وتخفى ووجود 
هذه جملة أمر واحد * لا سواه عند غيب وشهود 
تارة يبدو ويخفى تارة * وهو إطلاق لدينا وقيود 
أيّها السّاري إليه وبه * يقطع البيدا على ظهر قعود 
فرّغ القلب له من غيره * واجتليه بركوع وسجود 
وتأمّله به واسكن به * في حمى عزّته بين الوفود 
عطفت سلمى على حلّتها * وهي منها سدلت فوق النهود « 1 » 
ليتها ترفع عنّا طرفها * لنرى الخال الذي فوق الخدود 
وهو خال أسود وهو أنا * في سنا طلعتها يشجى الأسود 
كم به أصمت وكم أردت فتى * بوجوه عنده بيض وسود 
وهو وجه واحد صبغته * حكمها النافذ من غير نفود 
لا تدع يا شوق مني أثرا * للتي سرت بها سير الجدود 
شكرها شكري وحمدي حمدها * وبها منها قيامي والقعود 
ثمد الماء سقتنا وروت * وهدتنا لم تقل أمّا ثمود « 2 » 
وبأرض الحجر لم تحجر على * أمرها فينا فكنّا قوم عود 
دأبنا حفظ المواثيق الّتي * هي منّا أخذتها والعهود 
وهي فينا عن حدود خرجت * نحن فيها ما خرجنا عن حدود 
قيّدتنا بهدى أحكامها * وهي عنّا انطلقت ليست تعود 
ما لنا عنها غناء أبدا * هل يقوم الظلّ من غير عمود 


وقال رضي اللّه عنه : 
قل هو اللّه أحد * ليس في الكون أحد « 3 » 
إنّما الكون له * حجة فيمن جحد 
............................................................
( 1 ) النهود : ( ج ) النهد : الثدي . 
( 2 ) ثمد الماء : قلّ . 
( 3 ) في البيت إشارة إلى سورة الإخلاص الآية ( 1 ) . 

183
ينجلي الحقّ به * وهو للمطلق حدّ 
قدّرته قدرة * ليس عنها ملتحد 
لا تقل حلّ ولا * تقل الحقّ اتّحد 
قل سواه باطل * وهو الحقّ الأحد 


وقال رضي اللّه عنه : 
طوران لي طور أنا * والطور الآخر سيّدي 
وهما معا لي تارة * جمع يكون لمفرد 
جمع قديم عهده * في مفرد متّحد 
والغير إمّا نفسه * أو نفس مولى الأعبد 
شيء خصصت به ولا * تلقاه إلّا في يدي 
قد قال هذا قبلنا * قول الإمام المرشد 
لي سكرتان وسكرة * هي للمريد المقتدي 
فاسمع هديت ولا تكن * فيما تقول بمعتدي 
صدق الطريق نجاة من * هو في المقام الأحمدي 
هيهات ليس المنتهي * في اللّه مثل المبتدي 
وإن استحال الانتها * في الجامع المتوحّد 
واصمت ولا تنطق فما ال * هادي إليه المهتدي 
واحذر خيالك أن يوس * وس بالمقال لك الردي 
فيريك أنّك صرت مث * ل إمامك المتجرّد 
بالفهم في أقواله * وبظنّك المتردّد 
هذي علوم الذوق كال * محسوس بالحسّ النّدي 
لا بالتّفهّم والتوهّ * م من إليها يهتدي 
بل بالصفاء وبالوفا * وطهارة القلب الصّدي 
ما النفس إلّا كدرة * في صفو روحك تغتدي 
فامسح بأمر اللّه كد * رة روحك المتجسّد 


وقال رضي اللّه عنه : 
لا تظنّ اللّه معنا * ههنا في ذا الوجود 
هو معنا بالتجلّي * بتقادير القيود 

184
وتقادير القيود ال * كلّ فان هالك 
عدم لكن له يظ * هر باللّه وجود 
إنّما الكون جميعا * حادث إذ لم يكن 
ثمّ قد كان وربّي * كان من غير جحود 
ليس شيء معه من * قبل أن يخلق لا 
داخل أو خارج أو * ذو اتصال أو نفوذ 
لا زمان لامكان * لا فلان كان في 
أزل الآزال فافهم * وانتبه من ذا الرّقود 
وتأمّل في كلامي * وانتظر إن لم تكن 
فاهما فاللّه ربّي * سوف بالفهم يجود 
أنت مخلوق وما تف * هم مخلوقا فكن 
عارفا نفسك خلقا * كلّها دون جمود 
لا تجل بالفكر في ربّ * ك لن تقدر أن 
تعرف المطلق بالدا * خل في قيد الحدود 
رفع اللّه السموا * ت الطّباق السبع في 
نظر العين كما قد * قال من غير عمود 
وهو لا يظهر إلّا * بعد أن يفنى الورى 
كلّهم يظهر بالإي * مان منه في الشهود 
فيراه القلب غيبا * مطلقا عن كلّ ما 
كان من قبل يراه * وهو مولانا الودود 
واجعل الحسّ يراه * فهو محسوس ولا 
شيء معه من جميع ال * خلق من بيض وسود 


وقال رضي اللّه عنه : 
وجود الشيء شاء يشيء شيئا * فكان الشيء عن ذاك الوجود 
فسمّوا الشيء موجودا وقالوا * وجود ذاك ثان في الشّهود 
وقد قسموا الوجود إلى قديم * يجلّ وحادث هو للنفود 
وكيف يصير من عدم وجود * ويدركه الفنا مثل القيود 
ألا يا قوم كم هذا العمى من * ولادتكم إلى يوم اللّحود 

185
تنبهت العوامّ الغرّ لمّا * رأوا قولي وأنتم في رقود 
هو اللّه الذي لا شيء معه * وهل ظلّ يكون مع العمود 


وقال رضي اللّه عنه مخمسا أبيات الشيخ محمد البكري قدّس اللّه سرّه : 
مقام بني الصدّيق ذروة فرقد « 1 » 
ومحتد هم في الناس أشرف محتد 
فيا من بأثواب الصداقة مرتدي 
ألا قل لمن عادى بني سبط أحمد * وأبناء صدّيق النبيّ محمد 
بهم شرف الأنساب جوهره انجلى 
ألم تسمع القاري فضائلهم تلا 
تريد لديهم خفض مرتبة العلا 
ترقّب سهام اللّه وانتظر البلا * فإنهمو أهل المقام المؤيد 
ألا تلكم السّادات يا قوم تلكم 
وفضلهم البادي فلا تنتقصهم 
هم الصفوة المستخلصون همو هم 
نصحتك فاحذرهم ولا تعترضهم * وما لك والفرسان في كلّ مشهد 
دعاهم على من ضرّهم كم به قتل 
فتى معهم بالافترا صار يقتتل 
أرى حبل ودّ منك حلّ وما فتل 
وما لك والسادات أقطاب حضرة ال * كمال وأصحاب الجلال الممجد 
بهم مصرهم تسمو افتخارا وشامهم 
ويعلو كلام المفترين كلامهم 
هم الصادقون المستقيم إمامهم 
ومن فوق فوق الفرقدين مقامهم * بلى لهمو في الغيب أشرف مقعد 
إذا قدرهم بالزعم أرخص مرخص 
فما ذاك إلّا رافضيّ مخصّص 
وكيف وطول المدح فيهم ملخّص 
.......................................................
( 1 ) الفرقد : اسم لنجمين من نجوم الدبّ الأصغر ، وهما فرقدان . 

186
عباد لهم سرّ من اللّه مخلص * وقلب بنور الحقّ أعظم مهتدي 
معاندهم ربّي على وجهه يتل 
وباغضهم في صرعه للجبين تل 
ومن يفتري يوما عليهم هو العتلّ 
أئمة محراب الشهود وسادة ال * وجود ومن طابوا بأعذب مورد 
لك الرفع في أوج العلا يا محبّهم 
وتسعد في الدارين إن نلت قربهم 
كن الملتحي فيهم وكن أنت حزبهم 
هم القوم لا يشقى بهم من أحبّهم * وصار بهم في الناس أكرم مقتدي 
سلاطين مجد والكمالات جندهم 
وقربهم الرضوان والسخط بعدهم 
بهم يحتمي من عنده دام عهدهم 
وحقّهمو لا يختشي الضيم عبدهم * وهذا بإرث الهاشميّ محمّد « 1 » 
ينال الأماني من يلوذ ببابهم 
ويدرك عزّا من مشى في ركابهم 
ويا فوز حاوي قطرة من شرابهم 
فخذ عنهمو وأخدم رحاب جنابهم * فهم بتجلّي الحقّ أشرف مقصد 


وقال رضي اللّه عنه : 
نقطة الكون نحّت باء الوجود * حرف معنى انحرافه المشهود 
ألف الانحراف فيها ولكن * هي في الغيب حضرة المعبود 
ولها مخرج من الجوف فينا * غائب ليس مدركا بشهود 
لا تقل وحدة الوجود إذا لم * تفن عن كلّ كائن موجود 
ثمّ تفنى ذوقا بتحقيق حقّ * عنك حتّى عن الفنا المقصود 
ويصير الوجود عنك خفيّا * لست تدري منه سوى فرط جود 
ثمّ تبقى به له لمع برق * ظاهر عن بطونه المعهود 
كظلال عن أمره أو خيال * خيّلته أسماء ربّ ودود 
......................................................
( 1 ) الضّيم : الظلم أو الإذلال ونحوهما ( ج ) ضيوم . 

187
وإذا لم تكن كذلك فاحذر * من تلابيس عقلك المعقود 
واجتنب وحدة الوجود ودعها * لرجال قاموا بحفظ العهود 
ركّع في غيوبهم بالفنا عن * كلّ شيء سوى الوجود سجود 
ما لهم عندهم ولا لسواهم * من وجود ظلّ بدا لعمود 
هم تقاديره وهم بالتقادي * ر قيام بشرعه والحدود 


وقال رضي اللّه عنه : 
من لعبد بجسمه السّقم بادي * بين أيدي حواسد وأعادي 
وعيون قد أحدقت بازورار * وخزتني مثل السيوف الحداد 
وقلوب كأنّما البغض فيها * جمر نار تبدو من الأجساد 
صاعدات أنفاسها كدخان * منه يعلو الوجوه صبغ السّواد 
كلّ هذا لأنّهم ينظروني * في ارتقاء إلى العلا وازدياد 
وصفاء وصحة وسرور * وكمال يرونه ورشاد 
ويرون الإله يحفظني في * كلّ حال يكون بين العباد 
إنّ ربّي حسبي عليهم جميعا * وهو نعم الوكيل وهو اعتمادي 


وقال رضي اللّه عنه : 
إن رمت بالمثل التقريب مقتصدا * فخذ مقالة من للحقّ قد وجدا 
هذا مثال ولم أقصد حقيقته * لديك فافهم مرادي واترك النّكدا 
إذا تعارجت تحكي أعرجا فلقد * فعلت فعلا وذاك الفعل منك بدا 
وإنّه عرض بل صورة ظهرت * وأنت قيّومها تبقى لديك مدى 
وما لها من وجود غير فاعلها * والفاعل الحقّ لا تعدل به أحدا 
قامت به الخلق طرّا حيث هم عرض * وهم حجاب عليه دائما أبدا 
وكلّهم فعله والوهم يجعلهم * أغياره وهو فعال كما وردا 
لذاك عن كلّ ما الفعال يفعله * فليس يسأل بل هم يسألون غدا 
وما الإله بجسم لا ولا عرض * فافهم كلامي ذا وامدد إليه يدا 
إنّ العوالم أعراض بأجمعها * كأنّها في كلام الحقّ رجع صدى 
والكلّ فان وللحقّ الظهور بهم * ظهور ملتبس تلقاه متّحدا 
قام الجميع به والكلّ منه له * أعراضه الفانيات الطالبات ندا 

188
وهم يقولون بالأجسام قائمة * أعراضه يوهمونا مذهبا فسدا 
وعند تعريفهم للجسم قد ذكروا * مجموع أعراض أمر عندهم قصدا 
قالوا هو الجسم أعني ما تركّب من * جواهر فردة قولا لأهل هدى 
والجوهر الفرد فيه الاختلاف وقد * نفاه قوم وقوم أثبتوه سدى 
وقال قوم بأنّ الجسم ذلك ذو * طول وعرض وعمق قول أهل ردا 
وكلّ ذلك غير الحقّ قد وصلوا * إليه بالعقل لا بالشرع مستندا 
مقالة عند أقوام فلاسفة * قد تابعوهم بها رأيا ومعتقدا 
وإنّما قولنا هذا ومشبهه * دين النبيّ ابن عبد اللّه للسّعدا 
ومن تأمّل في الأقوال أجمعها * رأى الذي قد رأينا فاطلب المددا 


وقال رضي اللّه عنه : 
هو اللّه ربّي هو المبتدا * وما رفعه بسوى الابتدا 
تحقّق كلامي وخلّ السّوى * فإنّ السّوى هو أردى الرّدى 
وكلّ العوالم أخباره * به رفعت عند أهل الهدى 
وفيها ضمير له راجع * به ربطها كان بالمبتدا 
فقول الّذي قال في شطحه * أنا اللّه ميّزه ما اعتدى 
فإنّ أنا مبتدأ عنده * له الخبر اللّه لمّا بدا 
وما خبر المبتدا عينه * نعم غيره هكذا أشهدا 
ولكنّه شاطح مخطىء * وقد جعل الخبر المبتدا 
وقدّم في قوله نفسه * على اللّه حيث له أسندا 
فأخبر باللّه عن نفسه * ولو عكسه كان لاسترشدا 
ولكن هنا سرّ علم له * تمدّ له العارفون اليدا 


وقال رضي اللّه عنه : 
قلب المحقّق واجد بل فاقد * والكون أجمعه لديه قصائد 
لا شكّ عند العارفين جميعهم * أنّ الوجود الحقّ حقّ واحد 
وسواه معدوم وموجود به * عقد عليه من النقول شواهد 
والكلّ فان مستحيل ما عدا * من قد تجلّى فيه وهو الماجد 
فإذا امرؤ في اللّه كان لقلبه * عقد صحيح أو خيال فاسد 

189
ذاك الوجود به تجلّى ظاهرا * للعارفين يرونه فيشاهد 
ويقول قائلهم لقد عقد الورى * عقدا وما اعتقدوه إنّي عاقد 
يعني على حسب الّذي أنا عارف * لا مقتضى ما يقتفيه الجاحد 
والكفر كفر في الحقيقة مثل ما * هو في الشريعة عند من هو قاصد 
أعني به عند الّذي هو ناظر * في عقده الموجود فيه الواجد 
لا عند من هو للوجود محقّق * منّا وإن ضجّت عليه حواسد 


وقال رضي اللّه عنه : 
سق مطاياك بالحدا يا حادي * فهو سوق القلوب والأكباد 
وبقرع العصا تساق جسوم * موضع الكره واختلاف الأيادي 
هي نوق يقودها الشوق حثّا * لحبيب لها على البعد بادي 
واحذر السوق بالعصا فهو ما لا * نفع فيه يضرّ بالأجساد 
صور تظهر الغيوب علينا * فهي فينا دلائل الإرشاد 
ظلمات وراءها نور وجه * كهلال أضاء والليل هادي 
هذه هذه المليحة فاخلع * عنك ثوب الضلال والإفساد 
واترك الغير لا تقل ثمّ غير * إنّما الغير عين ذاك المراد 
لابس حلة السّواد التباسا * لك فاكشف عن ثوبك المستفاد 
وتجرّد له به أنت درّ * ضمن أصداف صورة في المعاد 
أنا عبد الغنيّ لمعة برق * بعدها لمعة على المعتاد 
هكذا دائما لأني روح * نفخ أمر من الإله الجواد 


وقال رضي اللّه عنه في آخر رسالته ركوب التقييد في وجوب التقليد : 
إنّما الدين كلّه تقليد * وهو أمر تقلّدته العبيد 
وهو معنى التكليف محض اعتقاد * حاد عنه الشقي وفاز السّعيد 
ثمّ إيمان من يقلّد حقّ * منه تبدو الأعمال والتوحيد 
قاده الشرع كالبهيمة ينقا * د بإيمانه فيدنو البعيد 
واتّباع دين الهدى لا ابتداع * بعقول أفكارهنّ صديد 
طاعة اللّه والرسول وأهل الأم * ر منكم إشارة لا تبيد 
هكذا قال ربّنا فاستقيموا * يا أولي العلم ما هنا ترديد 

190
ديننا اليسر كلّه وهو سهل * ليس فيه التحريج والتّشديد 
فاتّقوا اللّه مخلصين له الدي * ن يعلّمكم الهدى ويفيد 
وتصيرون عارفين به لا * بعقول جميعها تنكيد 
واتركوا العقل للذين به ضلّ * وا وعمّا قد حاولوه يحيد 
وخذوا الفتح إنّما هو بالنو * ر من اللّه يقتفيه المريد 
كلّما آمن المكلف بالغي * ب ترقّى وجاءه الإقليد « 1 » 
ثمّ علم الكلام ردّ على من * حاولوا أن يكون دين جديد 
فاستفزّت أئمة الحقّ للح * قّ وقاموا مرادهم تأييد 
وأبانوا دلائلا بعقول * قصدهم ردّ ما يقول العنيد 
لا اعتقاد له ولكن كلام * كسلاح يسطو به الصنديد « 2 » 
دوّنوه لمّا رأوا الدين شتى * كلّ حزب للإفتراق يريد 
وذوو الاعتزال قاموا جهارا * فيهم الخلف مبدىء ومعيد 
وهدى اللّه ظاهر ليس يخفى * عند من آمنوا به يا رشيد 
آمنوا تأمنوا وللغيب عنكم * أسلموا تسلموا يكون المزيد 
إنّما الدين سنّة تبعتها * عصبة التابعين قول سديد 
نقلوها عمّن مضى من صحاب * تبعوا المصطفى أب ووليد 
سلف صالحون صلّوا وصاموا * باتباع جميعه تقليد 
وعلى ملة المفضل طه * عيشهم كان ههنا وأبيدوا 
قطّ ما استشكلوا ولا سألوا عن * معضل فيه للهدى تعقيد 
لا يميلون للعقول ولا ما * أنتجته العقول فيما تجيد 
ولهم قال ربّنا الحقّ فاعلم * إنّه لا إله إلا الفريد 
لم يقل فاستدلّ أو فتعلّق * بدليل لأنّه تحديد 
إنّ علم الكلام يزجر عنه * كلّ من رامه به يستفيد 
هو للردّ لا لأجلّ اعتقاد * وعلى من يردّ إذ لا رديد 
إنّ هذا لهو الصواب وأمّا * غير هذا فإنّه تبديد 
صدق اللّه من له اللّه يهدي * فهو المهتدي وجلّ المجيد 
............................................................
( 1 ) الإقليد : المفتاح ( ج ) أقاليد . 
( 2 ) الصنديد : السيد الشجاع ( ج ) صناديد . 

191
وقال رضي اللّه عنه وقد أرسل إليه رجل من الصالحين من بلاد مرعش « 1 » مكتوبا مشتملا على كلام إجماليّ سمّاه سبحة الغدير في مدح الملك القدير 
واسمه محمد وفّقه اللّه تعالى للكمال والسلوك في مسالك العلماء من الرجال فكتب له مكتوبا وجعل في عنوانه هذه الأبيات وضمنها رسالة مكتوبة سمّاها صفوة الضمير في سبحة الغدير : 
سلام عظيم من عظيم تفرّدا * من اللّه ربّ العالمين الّذي هدى 
إلى الشيخ ذاك المرعشيّ حبيبنا * ومن نال فضلا حين سمّي محمّدا 
إليه تحياتي على البعد لم تزل * تصافح محرابا لديه ومسجدا « 2 » 
وتسبح في بحر من العلم سبحة * له لا غدير حيث كان مؤيّدا 
وقد جمع الإنسان في ضمن خلقه * جميع تناويع الوجود الّذي بدا 
إلى أبد الآباد من غير غاية * وإن كان في خلق جديد لقد غدا 
وما الموت إلّا نقلة وفناؤه * ملابس قرب لم يزل متجدّدا 
له في ذرى العلم القديم حقيقة * أتى خبرا عنها هنا وهي مبتدأ 
وأنزله قد قال ربّي بعلمه * وردّاه في كلّ الملابس فارتدى 
محبّا له إذ كان كنزا قد اختفى * فأذكره منه وأدنى وأبعدا 
وما هو إلا أمره سرّ خلقه * يبين ويخفى مطلقا ومقيّدا 
ونحن التقادير الّتي هو عالم * بها وهو عنّا في الغيوب توحّدا 
فلم ندر منه غير ما نحن فيه من * معان ومحسوس وما خلقنا سدى 
هو اللّه لا عقل له مدرك ولا * يحيط به علما سواه مؤبّدا 
ولكنّنا بالغيب نؤمن لا بما * لدينا من المعنى الّذي طاب موردا 
تبارك رحمانا على عرشه استوى * كما هو يدري والّذي قد درى اعتدى 
ونحن له الأفعال يفعلنا متى * أراد فندري فعله اليوم لا غدا 
ونسلم إخلاصا إليه نفوسنا * مطيعين إمّا للنجاة أو الردى 
ولا حكم فينا للعقول ولا لما * تحدّده كلّ العقول تحدّدا 
وإيماننا بالمرسلين جميعهم * وبالأنبيا طرّا أولي الفضل والنّدا 
وبالخاتم الماحي الّذي ثبتت له * مراتب فضل أرغمت سائر العدا 
......................................................
( 1 ) مرعش : مدينة في الثغور بين الشام وبلاد الروم لها سوران وخندق وفي وسطها حصن عليه سور يعرف بالمرواني . ( معجم البلدان 5 / 107 ) . 
( 2 ) المحراب : مقام الإمام في المسجد ( ج ) محاريب . 

192
محمد الداعي إلى الحقّ والّذي * أتانا بأنوار الشريعة مرشدا 
له ولهم صلّى الإله مسلما * مع الآل والأصحاب ما طائر شدا 
وبعد فمن عبد الغنيّ رسالة * إليك أتت تتلو سلاما مردّدا 
وتكشف عن سرّ الغدير لأهله * وعن سبح أهل اللّه فيه تودّدا 
وعن كونه بحرا بلا ساحل له * ومن وجد الزّاد الكثير تزوّدا 
فثق بودادي يا ابن ودي فإنّني * أحبّ الإمام المستقيم الموحّدا 
ألا إنّها الأكوان أجمعها بدت * بخير وشرّ طبق ما العلم حدّدا 
وذاك قديم كلّه وهو حادث * لدينا وعلم اللّه لن يتردّدا 
فإن سلم الإنسان يسلم ولم يجد * على القدر المحتوم منه تنكّدا 
وإن يعترض كان اعتراضا على الّذي * له الخلق والأمر اللّذان تأكّدا 
وكن حاكيا للأمر والنهي مخلصا * لربّك وارفع عن تحكّمك اليدا 
ولا تتعرّض للتّقادير إنّها * مراد الّذي أشقى قديما وأسعدا 
على مقتضى أسمائه وصفاته * يضلّ ويهدي من يشاء على المدى 
وما الأمر بالمعروف إلا حكاية * عن اللّه لا عن نفس من سمع النّدا 
كذلك إنكار المناكر كلّها * حكاية عبد عن شريعة أحمدا 
وليس عليه الامتثال وإنما * على كلّ عبد فيه أن يتعبّدا 
غديرك يا هذا كمثل غديرنا * به حشرات ليس تحصى تعدّدا 
نرى جوهرا فيه وطورا نرى حصا * وطورا نرى ماء وروثا وجلمدا « 1 » 
ولكنّها الأقدار أمر محتم * نعيم جنان أو جحيم توقّدا 
وما قدر مثلي أن يكون معارضا * لذلك يبغي غيره متعمّدا 
هم الناس إمّا صالحا عند ربّه * تقدّر قدما أو تقدّر مفسدا 
فكن آمرا بالخير لا تقصد امرءا * وفي النهي عن شرّ فدع عنك مقصدا 
كما فعل القرآن والسّنّة الّتي * أتت في عموم الناس نرويه مسندا 
وحرّر عليك الأمر والنهي تاركا * لغيرك يستوفي وعيدا وموعدا 
وكن رجلا يبغي خويصة نفسه * عسى أن توافي في الجنان مخلّدا 
ولا تشتغل بالناس عمّن يراك إن * غفلت بأمر عنه لم تر منجدا 
.........................................................
( 1 ) الرّوث : خرء ذوات الحافر ( ج ) أرواث . 

193
وكن ذاكرا بالفعل ربّك دائما * تراقبه في فعله لك سرمدا 
ومني صلاة اللّه ثمّ سلامه * على المصطفى المختار من جاء بالهدى 
وآل وصحب ما بدا الفجر مشرقا * وما طائر فوق الأراكة غرّدا 


وقال رضي اللّه عنه : 
بسط اللّه لي بساط الوجود * وعليه قعدت وقت الشّهود 
والسّوى قاعد على الأرض جهلا * منه بي منكرا عليّ وجودي 
هذه حالة عن العقل جلّت * لم ينلها غير الطليق الشّرود 
إنّني مثلكم ونحن وأنتم * خلق مولى كثير فضل وجود 
غير أنّي خرجت عنكم إليه * فوجدت الهدى إلى المعبود 
وارتبطتم أنتم بما قد عرفتم * من سواكم بحبله الممدود 
يا أخلّاي ما أردتم أردنا * وإلى وردكم جميعا ورودي 
غير أنّي علمته وجهلتم * فأصلحوا حالكم تروا مقصودي 
واتركوا أنفسا لكم حجبتكم * عن سواه وعنه بالمحدود 
رمتموه مقيدا وشهدتم * أنّه جلّ عن جميع القيود 
كلّ قيد فإنّه عرض لا * هو باق بل كالبروق الرعود 
صدق اللّه ما لمن ضلّ هاد * غيره فأسلموا لربّ ودود 
هل تظنون بالركوع إليه * تترقّون أو بذلّ السّجود 
هو حقّ ما قد ظننتم ولكن * إن يكن ذاك لا بكم يا جنودي 
تابعوني فيما أقول فإنّي * حبلكم منه موصل للوفود 


وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ شيء هو خيط أسود * طوله في العلم منه يمدد 
بان عندي هو خيط أبيض * هو أمر اللّه فجر يقد 
قدرا ما زال مقدورا كما * قال في القرآن ربّ أحد 
فتركت الأكل والشرب له * فصيامي أبدا لا يفقد 
إنّما يطعمني اللّه كما * هو يسقيني ومنه المدد 
ويبات الآن كلّي عنده * حيث لا عند لكلّي يوجد 
فاعرف القول وحقّقه تفز * بالّذي عنه أشار الصّمد 

194
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
حدّثوا عني حديث الغرام * يا كرام 
واشرحوا وجدي 
إنّني مضنى كثير الهيام * لا أنام 
ساهر وحدي 
ملت سكرا نحو ساقي المدام * حين قام 
عاقد البند 
وجهه عنه يشفّ اللثام * بالتثام 
ليته يجدي 
( دور ) 
هذه أفعال غيب الغيوب * لا أتوب 
عن هوى حبّي 
فانظروه بعيون القلوب * ليذوب 
جامد اللبّ 
واشهدوه مشرقا في الغروب * مع وجوب 
لذة القرب 
إنّ هذا الجمال نور الظلام * فيه هام 
زائد الفقد 
( دور ) 
والصلاة والسلام فاح * في الصباح 
بالشّذا العطري 
للنبيّ الّذي أفاد الصلاح * باتضاح 
سرّه الفطري 
عبد هذا الغني به في نجاح * لامتداح 
فضله يطري 
وعلى الآل والصحاب العظام * باحترام 
سادة المجد 

195
وقال رضي اللّه عنه : 
أنا البرق والربّ المناجي هو الرعد * وهذا هو الخلق الجديد الّذي يبدو 
به الكلّ في لبس كما قال ربّنا * وإبليس بالوسواس منه له الطّرد 
لهذا متى ذو اللّبس يخلو بربّه * يسيء له الآداب يغلبه الفقد 
ويحلم عنه ربّه وهو قادر * على البطش فيه لكن الأمر ممتدّ 
ويفرحني أنّي مع الغير هكذا * متى ما خلا بي ليس لي عنده حمد 
فيظهر إنكارا لنا واستهانة * بنا لا يبالي حيث لا زيد لا هند 
إلى أن يرى غيرا ولو خادما لنا * فتلقاه بالآداب منه لنا القصد 
ويغلبنا الحلم الّذي في طباعنا * فنوسعه حلما ويرفعه المجد 
وهذا بحمد اللّه منّا تخلّق * بأخلاق مولى جلّ يعبده العبد 
وقد جاء هذا في الحديث تخلّقوا * بأخلاق ربّي ذلك القرب لا البعد 
وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
طيب الحبائب إذا هبّ الهوى ندّي * ونحن لو يطلبوا أرواحنا ندّي 
يا مقلتي أمطري أو بالدّما ندّي * لا تلتقي ندّهم هم يلتقوا ندّي 


وقال رضي اللّه عنه كذلك : 
طيب الحبائب نفح يا حسنه من ند * والصبر مني عليهم في البراري ند 
نديت بالروح فيمن باللّقا ما ند * كأنّه قد رأى لي في هواه ند 


وقال كذلك : 
اسلك طريق السلامة واغتنم عيدو * ولا تقل ربّ هذا قال ما ريدو 
إياك تدخل بين العبد مع سيدو * كم من صغير انتشا باس الكبير إيدو 


وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
" مطلع " 
هبّت سحرا فينا * أنفاس ربا نجد 
فالمهجة قد ذابت * بالشوق وبالوجد 
" دور " 

196
يا طلعة من أهوى * في أشرف أوقاتي 
والوجه له نور * قد أشرق في ذاتي 
حتى ظهر المخفي * للعزّ وللمجد 
" دور " 
هذا العلم المفرد * قد كان وما كنّا 
والمجلس يحوينا * خذ كأسك والدنّا 
لا شيء هنا يبقى * من والد أو جدّ 
" دور " 
عندي خبر يروى * عني وعن الساقي 
الصدق له نالت * أهل الشرف الباقي 
غير المولى عدم * لا شيء هنا يجدي 
" دور " 
صلّي بسلام اللّه * أمد الدّنيا ربّي 
للفرد نبيّ اللّه * والآل مع الصّحب 
ما أنشد عبد غني * مدحا لذوي الودّ 


وقال رضي اللّه عنه : 
وراء هذا الوجود عندي * وجود حقّ قديم عهد 
مقدّس الذات عن كلامي * بكلّ ما عنه كنت أبدي 
وعن إشاراتي اللواتي * بها تحرّيت كلّ قصد 
فلا تظنوا بأنّ هذا ال * وجود ذاك الوجود عندي 
لأنّ هذا الوجود شيء * له حدوث من بعد فقد 
وذاك غيب وغيب غيب * وذا عيان لكلّ عبد 
والعقل عن ذاك في ضلال * وليس يدري طريق رشد 
إلا بإيمانه بغيب * وكلّ ما الشرع جاء يهدي 
وما أتانا به كتاب * وسنّة للكمال يجدي 
وترك عقل وحفظ نقل * لفرط سعي له وجدّ 
فكن بهذا على يقين * وحدك إنّي بذاك وحدي 

197
ولا تبالي بكلّ داع * إلى سواه أتى بردّ 
فإنّه الحقّ سوف يبدو * لديك إن صرت ضمن لحد 


وقال رضي اللّه عنه : 
هو كلّ شيء في الوجود الواحد * هو كلّ موجود هناك وواجد 
هو علّم الأسماء آدم كلّها * هو كلّ مولود يكون ووالد 
ما قصدنا الشيء الّذي هو هالك * بل قصدنا وجه الوجود القاصد 
وهو الوجود الحقّ في غيب الورى * متنزّه عن درك كلّ مشاهد 
هو لم يلد أبدا ولم يولد ولا * كفء له أحد مقالة لاحد « 1 » 
لا شيء يشبهه ولا هو مشبه * شيئا تعالى عن دراية وارد 
والكلّ صوّرهنّ من عدم له * وقيامهنّ به بأمر واحد 
هو أمره القدر المقدّر دائما * في عين معترف بذاك وجاحد 
متنزّه هو عن مقادير الورى * بوجوده الحقّ المبين الشاهد 
قمنا به بوجود أمر سائل * كاللّمح من بصر إقامة عابد 
والجاهلون بأمره أيضا لهم * هذا ولكن بالوجود الجامد 
اللّه أكبر لا سواه وإنّما * يعطي ويمنع ليس بالمتباعد 


وقال رضي اللّه عنه : 
عدم أحاط به الوجود * هو صبغة اللّه الودود 
صبغ العوالم كلّها * بوجوده فهي الشّهود 
وهو المحبّ لها أما * بالنفس منه لها يجود 
هي لم تكن شيئا وقد * صارت به شيئا يسود 
وبدت به بيضا وقد * كانت به من قبل سود 
نفس الوجود محيطة * بالكائنات بلا نفود 
هو مطلق لكن له * من كلّ معدوم قيود 
وله ركوع الكائنا * ت جميعها وله السّجود 
......................................................
( 1 ) في هذا البيت إشارة إلى سورة الإخلاص الآية ( 3 - 4 ) . 

198
وبه الشقاء لها على * حكم القضا وبه السّعود 
اللّه أكبر هذه * هي أحرف ولها مدود 
كلماته قد خطّها * في لوحه قلم الوجود 
يمحو ويثبت دائما * بالعلم من كرم وجود 
وهي الحدود له فثق * بالحافظين على الحدود 


وقال رضي اللّه عنه : 
أنا الخلق الجديد * أنا العبد المريد 
وليس عليّ لبس * به وهو الشّهيد 
وغيب الغيب عنّا * هو المبدي المعيد 
لنا في كلّ وقت * وجود منه جيد 
فنحن به قيام * ونحن به قعود 
ونحن به ركوع * ونحن به سجود 
ونحن لنا انتباه * به ولنا رقود 
وذاك الربّ حقّا * ونحن له العبيد 
ونحن له الرعايا * ونحن له الجنود 
هو الملك الّذي لا * سواه لنا يقود 
ونحن عليه منه * على الأبد الوفود 
فيطعمنا ويسقي * ويفعل ما يريد 
ونشكره على ما * لنا أبدا يفيد 
ومنه لنا علوم * وإكرام وجود 
وقال لنا : اشكروني * وبالشّكر المزيد 


وقال رضي اللّه عنه : 
شكرت إلهي باللّسان تعبّدا * وبالقلب والأركان مني تقصّدا 
فأشهدني شكري له نعمة بدت * ونعمة إشهادي تلتها لأشهدا 
فأعجزني عن شكر نعماه دائما * فصيّرت شكري عنه عجزي على المدى 
وشاهدت عجزي منه أكبر نعمة * وذا القول إنعاما أراه تجدّدا 

199
فقلت إلهي لست أحصي لك الثّنا * فكن أنت عني شاكرا لك سرمدا « 1 » 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنّي أنا بك يا ودود * عدم أحاط به الوجود 
حقّ أحاط بباطل * وله الركوع به السّجود 
وكذا العوالم كلّها * مثلي ومثلك يا كنود 
ما ثمّ غير إحاطة * بالكلّ من ربّ ودود 
والظلّ أنت وعلمه * في نور طلعته العمود 
يا ذا المحيط بنا كما * هو بالجميع له النفود 
صور به ظهرت لها * صور بأنواع الحدود 
قدم كمثل دوائر * أوساطها عدم يرود 
واللّه قال بكلّ شي * ء قل محيط محض جود 
بل ذاك قرآن مجي * د وهو في لوح الورود 
يا من تحيّر فيه لم * يعرفه ما هذا الصّدود 
كم ذا التّواني هذه * أكفان مثلك واللّحود 
فاطلب إلهك وحده * منه به ودع الجحود 
واعلم بأنّك إن طلب * ت سواه معه فلا يجود 
هو واحد في ملكه * والخلق أجمعهم جنود 
كن فيه يقظانا له * ودع البريّة في رقود 
وانظر إليه به ولا * تنظر إليك عسى تسود 
في قلبك السرّ الخفيّ * شمس لها منك القيود 
هذا مقام أولي النّهى * تلك الجهابذة الأسود « 2 » 
فاسلك على منهاجهم * واحرص على حفظ العهود 
ترفع إلى أوج العلا * وتكون من أهل الشّهود 


يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:26 pm

قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
حبّي وجودي الّذي إنّي به موجود * موجود عندي وإنّي عنده مفقود 
مقدّري هو دائم وهو لي مشهود * من يعرف اللّه مثلي حاز كلّ الجود 

وقال رضي اللّه عنه : 
خيطان خيط أبيض وهو الوجود * والعدم الأسود يبدو ويعود 
كلاهما كلمع برق ظاهر * لعارف محقّق له الشهود 
حياكة الحقّ لثوب خلقه * بقذف أمره لأنواع الحدود 
ثوب طويل وعريض واسع * يلبسه الحقّ بنا شكل البرود 
وليس غير الأبيض الخيط الّذي * هو الوجود الحقّ من فجر العمود 
وقد أبيح الأكل والشرب لنا * حتى نرى البياض من خيط الوجود 
فإن رأيناه فلا أكل ولا * شرب ولكن صفة الربّ الصّمود 
إلى غروب نوره عنّا وعن * جميع ما نراه من بيض وسود 
قولوا معي تبارك اللّه الّذي * له الصيام وبه يجزي الوفود 
كما أتانا في حديث المصطفى * بالخبر القدسيّ عن ربّ ودود 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا رؤية ولا شهود * في غير مرآة الوجود 
بل ليس شيئا ظاهرا * إلا بها بخل وجود 
فيها السماوات العلا * والأرض تبدو وتعود 
وكلّ إدراك الورى * وفهمهم فيها يرود 
والروح والعقل الذي * له اعتراف أو جحود 
وجملة الأجسام لل * لأبناء جمعا والجدود 
يبدون في المرآة مع * فنائهم بعد النفود 
مع غيبة المرآة عن * كلّ المعاني والعقود 
وليس يدري أحد * بها علت عن القيود 
والكلّ ظاهر بها * لأنّها الربّ الودود 
وهو الوجود الحقّ لا * سواه والكلّ حدود 
تقذفهم من غيبها * على عماء أو شهود 

201
هذا هو الدين الّذي * من ارتقى به يسود 
وهو اعتقاد أمّة * مضوا من القوم الأسود 
أهل الشريعة الأولى * هم في الركوع والسّجود 
على الصلاة دائمو * ن في القيام والقعود 
عليهم الرضوان من * ربّي مدى تحريك عود 

وقال رضي اللّه عنه : 
قل هو اللّه أحد * ليس في الكون أحد 
كلّ شيء هالك * غير وجه لا يحد 
والّذي يفنى به * مع ربّه قد اتّحد 
يا هنا عارفه * يا شقاء من جحد 
ما له من ملجأ * ما له من ملتحد 

وقال رضي اللّه عنه : 
هذا الوجود وهذا الواحد الأحد * ولا يشاركه في وصفه أحد 
وكلّ من عنده دعوى الوجود طغى * يشارك اللّه وهو اللّه لا يلد 
من أين جاء له هذا الوجود ألم * يكن له نظر في عين ما يجد 
بكلّ شيء محيط قال خالقنا * وقد أحاط بهذا المدّعي الصّمد 
وظالم هو في دعوى الوجود مع اللّه الّذي هو نور دائما يقد 
وهو القريب المجيب الربّ ليس له * حدّ ولا أزل معه ولا أبد 
وإنّما اللّه هذا وحده وبه * أفعاله ظهرت منه لها المدد 
وهو الوجود بلا شيء يخالطه * إذ كلّ شيء هو الفاني له سند 
والظاهر الحقّ لا شيء بدا معه * والباطن الحقّ فق يا من له رشد 
وكن بلا أنت كشفا بالوجود ولا * تكن بنفسك كن ظلاله عمد 
واترك أقاويل أرباب العقول وخذ * بما به اللّه في القرآن معتمد 
ولا تؤوّل نصوصا عن ظواهرها * ولا تحرّف وخذ طبق الّذي يرد 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا ثلاثة أبيات منسوبة للشيخ الأكبر قدّس اللّه سرّه : 
يا من عن الباب لا يردّ 

202
كيف عن اللّه فيك صدّ 
فانظر كما أنت مستعدّ 
مظاهر الحقّ لا تعدّ * والحقّ فيها فلا يحدّ 
إن رمت أن لا يكون كرب 
ولم يزل في الفؤاد قرب 
كن عارفا والفناء شرب 
إن بطن العبد فهو ربّ * وإن بدا الربّ فهو عبد 
ذب في التجلّي ذاتا ووصفا 
وكن من الروح فيه أصفى 
وإن ترم تعرف المصفّى 
فظاهر لا يكاد يخفى * وباطن لا يكاد يبدو 

وقال رضي اللّه عنه : 
غنّى لنا داعي السّرور وغرّدا * فسمعته في الصّبح يعلن بالنّدا 
فأقمت في قلبي صلاة تحيّتي * للوجه من ذاك الحبيب إذا بدا 
وجه هو النور المبين لمن يرى * يا سعد من يهوى الحبيب تعبّدا 
نحن الدهان له بنا متلوّن * وهو الوجود الحقّ حيث تجرّدا 
هي وردة قل كالدهان سماؤنا * كانت كما القرآن أفصح مشهدا 
فنراه يصبغنا بمحض إرادة * أزلية كيف اقتضته على المدى 
يمحو ويثبت ما يشا بوجوده * كالبحر بالأمواج لم يظهر سدى 
وهو المنزّه والمقدّس دائما * عن كلّ شيء كثرة وتعدّدا 
هي صبغة اللّه الّتي جاءت لنا * في الذكر نعرفها على رغم العدا 
وهي الشؤون له الّتي قد جاءنا * نصّ الكتاب بها يلوح محدّدا 
اللّه أكبر بعد هذا كلّه * يا عارفون تحقّقوا وخذوا الهدى 

وقال رضي اللّه عنه من الموشّح : 
" دور " 
سباني عاقد البند * مليح أهيف القدّ « 1 » 
........................................................
( 1 ) القدّ : القامة أو القوام ( ج ) قدود . 

203
غزال ساقه رضوان * لي من جنة الخلد 
" دور " 
كحيل العين وافاني * أنا في حبّه فاني 
ولا يقوى له إنسان * رشا في صولة الأسد 
" دور " 
تعالى اللّه ما أحلى * طلوع القمر الأعلى 
وكلّ من عليها فان * لا عندك ولا عندي 
" دور " 
تجلّى فاهتدى قلبي * إلى وجه له يسبي 
وإنّي لم أزل حيران * فيه زائد الوجد 
" دور " 
وصلّى ربّنا الهادي * على طه النبي الهادي 
ومن عبد الغني ولهان * فيه حافظ العهد 

وقال رضي اللّه عنه في تاريخ سلطنة السلطان محمود وخلع السلطان أحمد وكان ذلك في ليلة الاثنين بعد مضيّ خمس ساعات من الليل ليلة تسعة عشر من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف : 
لربّي في السما جود * على الأملاك ممدود 
كذا للّه في التاري * خ جود الأرض محمود 

وقال رضي اللّه عنه : 
هذا الوجود الحقيقي الواحد الأحد * يشفّ عنه لدينا الروح والجسد 
أستغفر اللّه لا روح يشفّ لنا * عنه ولا جسد ما للعديم يد 
والكلّ أجمعه عنه يشفّ كذا * لا والد خارج عنه ولا ولد 
أستغفر اللّه عنه لا يشفّ لنا * شيء وغير وجود اللّه لا نجد 
أنا العديم به كلّي لأنّي قد * ظهرت عن علمه بي فيه أتّحد 
والكائنات جميعا فيه فانية * معدومة ليس منها دائما أحد 
اللّه أكبر ربّ الخلق أجمعهم * هذا الوجود الّذي فيهم له مدد 
واللّه خالقهم يعني مقدّرهم * كما لنا جاء في القرآن يعتمد 

204
وذاك في أزل الآزال ليس لنا * بداية فيه فهو الخالق الصّمد 
فاشهده فيك ولا تشهد لنفسك مع * شهوده أنت معدوم ومفتقد 
وكلّنا لم نزل في علمه أبدا * وعلمه ذاته بل علمه الأبد 
هو الوجود ومعلوماته ظهرت * من علمه فيه لا يحصى له عدد 
وإنّه الحقّ فرد واحد وبه * كلّ الخلائق منه دائما جدد 
فيظهرون سريعا بالوجود فهم * بأمره الحقّ مثل البرق يتّقد 
وأمره واحد وهو الوجود لهم * ذات هي الغيب لم تولد ولا تلد 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن علم اللّه في اللّه وما * لفتى منّا سوى اللّه وجود 
نحن معلوماته في علمه * ولنا من ذاك إكرام وجود 
لا تقل أوجدنا اللّه ولا * إنّنا وجود حقّ ذو حدود 
نحن يا ابن اليوم شيء هالك * من قديم للفنا فيه عهود 
جلّ وجه اللّه أن نشركه * بوجود أو بقاء أو صمود 
نحن كالبرق سريعا نختفي * ثمّ نبدو لمحة ثمّ نعود 
هكذا يذكرنا اللّه على * كثرة الأطوار من غير جمود 
فاعرفونا تعرفوا أنفسكم * مثلنا واحترزوا من الجحود 
ما له ذكر سوى من علمه * بجميع الخلق من بيض وسود 
فهو لا يخرج عنه كائن * بل من العلم إلى العلم يرود 
كلّهم فيه ولا كلّ لهم * عدم حاق به محض وجود 
واسع قال عليم ربّنا * وسعت رحمته كلّ الجنود 
فالّذي يؤمن بالحقّ الّذي * قلته نال مقامات السّعود 
والّذي ينكر أشقى هو من * عاقر النّاقة في قوم ثمود « 1 » 
وهو علم اللّه أيضا مثلنا * نازل للذكر من غير صعود 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا من غفلتم وجوهكم سود * وربّكم في الخيال مولود 
خيالكم ولد الإله لكم * أنتم عبيد وذاك معبود 
...............................................................................................
( 1 ) عقر الرجل البعير أو الفرس : قطع إحدى قوائمه ليسقط ويتمكّن من ذبحه . 

205
وتنكرون الوجود خالقكم * بأنّه اللّه وهو موجود 
إن لم يكن ربّنا الوجود يكن * بالعدم المستحيل مقصود 
يكن خيال الّذين قد عبدوا * خيالهم والجهول مبعود 
حاشا وكلّا يكون خالقنا * غير الوجود الّذي له الجود 
وهو محيط بنا وبالأشيا * جميعها جاحد ومجحود 
به السماوات أشرقت وبه الأر * ض جميعا وأورق العود 
ترضون أنّ الخيال منه لكم * ربّ وما بالوجود جلمود 
ولا بهذا الوجود قائمة * أكوانكم والغلام والخود 
وظلمة كلّه الخيال وما * بدا لكم منه فهو مردود 
وربّنا نحن وهو خالقنا * وجود حقّ سواه مفقود 
وذاك معنى بأينما كنتم * وهو قريب لنا ومعهود 
أقرب من حبلنا الوريد كما * قال وقالته سادة قود « 1 » 
ونحن لا شيء هالكون وفا * نون به وهو وهو مشهود 
لأجل هذا لنا الوجوه غدا * بيض وأنتم وجوهكم سود 
وجوهنا البيض حيث خالقنا * وجودنا النور وهو مسعود 
وربّكم في خيالكم وبه * وجوهكم بالسّواد معقود 
بدت بكم ظلمة الخيال وقد * أوقدها في السعير سفود « 2 » 
تنكّبوا عن طريقنا وقفوا * وقفة قوم نذيرهم هود « 3 » 
فإنّ هذا الوجود عزّ وقد * جلّ وما ذا الوجود محدود 
وما له صورة وليس له * ثان وفيه التوحيد محمود « 4 » 
لا مثل كلّا ولا شبيه له * والكمّ والكيف عنه مطرود 
لكن تراه العيون جلّ ولا * تدركه باب ذاك مسدود 
ملك سليمان كان منه كما * خليفة عنه كان داود 
...............................................................................................
( 1 ) حبل الوريد : عرق في العنق يضرب به المثل في القرب . 
( 2 ) السّفّود : حديدة دقيقة يشكّ فيها اللحم ليشوى ( ج ) سفافيد . 
( 3 ) تنكّب عنه : عدل وتنحّى . وتنكّب الطريق : تجنبه . 
( 4 ) التوحيد: قال القشيري : التوحيد هو الحكم بأن الله واحد والعلم بأن الشيء واحد أيضا توحيد يقال وحدته إذا وصفته بالوحدانية .. وقال بعض أهل التحقيق: معنى أنه واحد نفي القسيم لذاته ونفي التشبيه عن حقه وصفاته ونفى الشريك معه في أفعاله ومصنوعاته.
والتوحيد ثلاثة: 
الأول : توحيد الحق للحق وهو علمه بأنه واحد وخبره عنه بأنه واحد 
والثاني: توحيد الحق سبحانه للخلق وهو حكمه سبحانه بأن العبد موحد وخلقه توحيد العبد 
والثالث: توحيد الخلق للحق سبحانه وهو علم العبد بأن الله عز وجل واحد وحكمه وإخباره عنه بأنه واحد فهذه جملة في معنى التوحيد على شرط الإيجاز والتحديد.
( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقام التوحيد برسالته ص 298 - 303 ) . 

 206 
لا ذاته تشبه الذوات ولا * صفاته كالصفات يا دود 
كالدود أنتم ضعاف خلقتكم * عزم لكم في الرشاد مخمود 
قوموا اشهدوا أنّه الوجود لكم * قيّومكم كالجميع معدود 
وهو عيان لكلّ ذي بصر * لا يحجبنّكم للنفس أخدود 
من كان أعمى في هذه فغدا * هناك أعمى والزرع محصود 
نصّ كتاب الإله حجّتنا * والدّر عقد الحديث منضود « 1 » 

وقال رضي اللّه عنه من فتوح الوقت في صالحية دمشق بقصر العمادي في أواخر شعبان سنة 1103 : 
كلّي تفنيه وتوجده * ولقاك فنائي موعده 
ظهرت بتجلّيك الأشيا * والأمر بها مدّت يده 
وسواك رآك وضلّ فلم * يقدر يهديه مرشده 
يا طلعة وجه أبيضه * للغافل عنه أسوده 
أنت المأمول لكلّ فتى * ومراد القلب ومقصده 
وإن الأبصار سواك رأت * ونفت لظهورك تجحده 
هذا مدد باق أبدا * من حضرة غيب يورده 
لا تقدر تقطعه أمم * تبغي فيه أو تحسده 
والغيب تبدّى في صور * من ينظر فيها يشهده 
يهدي قوما ويضلّ كما * يشقي من شاء ويسعده 
والقدرة أجمع قدرته * فيها لا زال تفرّده 
والكلّ بها قد قام إذا * ظهرت في شيء تنجده 
وبها قد كوّن كلّ فتى * وبها تفنيه وتفسده 
وبقدر الاستعداد ترى * في الشيء فيظهر موجده 
يا نسمة أمر الحقّ هبي * سرّا في القلب تردّده 
والحضرة بثّي رونقها * فينا إنّا نتودّده 
وإذا أنوار الحقّ بدت * بالحقّ نراه فنعبده 
للجسم ركوع يركعه * للقلب سجود يسجده 
...............................................................................................
( 1 ) نضد المتاع : ضمّ بعضه إلى بعض متّسقا ، أو جعل بعضه على بعض فهو ناضد ، والشيء منضود . 

207
والعالم ليل أجمعه * يا غفلة عبد يرقده 
فاحذر يلهيك تلبّسه * والظاهر فيك تجدّده 
واظهر بالحمد له أبدا * قد فاز به من يحمده 

وقال رضي اللّه عنه : 
أصابع الغيب فينا حرّكت عوده * وحرّقت تحت أذيال الحجا عوده 
العقل أوّل مخلوق به وردت * أخبار طه رسول اللّه مقصوده 
وليس ثمّ سواه واحد هو في * عين الحقيقة لاحت بيضه سوده 
وذاك عقل وجود الحقّ قد ظهرت * عنه التصاوير بالتقدير محدوده 
وفيه قوّة تصوير الحقائق من * حسّ ومعنى مدى الأوقات مشهوده 
وكلّ شيء من الأشياء أجمعها * قامت فمذمومة فيه ومحموده 
والحقّ صوّرها حتّى تصوّرها * فيه فصارت بهذا الأمر موجوده 
فالعقل في كلّ شيء ظاهر أبدا * بمقتضى الشيء يعطي نفسه جوده 
وحقّق القول إنّ الشيء منه له * رقيقة هي بالتحقيق ممدوده 
مثل الأشعة عنه الكلّ قد ظهروا * قبضا وبسطا ليبدي الكلّ مجهوده « 1 » 
إنّا فتحنا عليهم باب معرفة * وما سواه من الأبواب مسدوده 


وقال رضي اللّه عنه : 
حرارة عشقه تعطي بروده * إذا لبس الورى فغدوا بروده 
وجود قدّر الأكوان حتّى * لهم أعطى وما أعطى وجوده 
عطاء توجّه منهم عليهم * بهم يعطيك مطلقة قيوده 
كما يعطي تفكرك المعاني * بتصوير لها يبدي حدوده 
وأحضرهم لهم وله بوجه * إليهم منه يولي الكلّ جوده 
وليس الوجه غير توجهات * لما في علمه تنفي صدوده 
وهذا كان منه لما اقتضته * محبته لهم فرأوا ودوده 
...............................................................................................
( 1 ) القبض والبسط : وهما حالتان بعد ابتعاد العبد عن حالتي الخوف والرجاء ، فالقبض للعارف بمنزلة الخوف للمستأنف ، والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف . ( للتوسع انظر حديث القشيري عن مصطلحي القبض والبسط برسالته ص 58 - 60 ) . 

208
فقوم شاهدوا الأكوان لاحت * وقوم حقّقوا فيها شهوده 
وقوم قد رأوه بهم تجلّى * لهم ونفوا سواه فبتّ عوده 
لقد نسجت لها الأرواح منّا * شرانق جسمنا فالروح دوده « 1 » 
فإن فسدت هياكلها فطير * يبيض نوره الشّعشاع سوده 
وذا حكم الشهيد به الموافي * إلى وكر الغيوب غدت وفوده 
صدقتك يا ابن حضرتنا تواضع * له وأطل إليه به سجوده 
وكن عبدا ولا تك فيه ربّا * على شيء له تصلى وقوده 


وقال رضي اللّه عنه : 
كن عارفا بنعمة اللّه وكن * محقّقا لها بفرط رفده 
فالشيء لا يعرف في وجدانه * وإنّما يعرف وقت فقده 
والعطر لا ينشقه عطاره * والغير يدريه لبعد وجده 


وقال رضي اللّه عنه : 
انظر الكون خارجا من وجوده * من وجود منزّه عن قيوده 
عدم من وجوده هو باد * أنت منه ممتع بشهوده 
حضرة العلم بالكلام أبانت * عن تفاصيل حادث وحدوده 
فهو حقّ في علمه كلّ شيء * ظاهر بالكلام عن مقصوده 
لا تقل غير ما أقول وإلّا * أنت عبد الخيال يا ابن جدوده 
لا تكن عابدا خيالك وهما * واعبد اللّه في حقيق وجوده 
هو حقّ وأنت والكون طرّا * باطل زاهق بحكم نفوده 
هذه وحدة الوجود فخذها * مثلنا عنه ذائقا فيض جوده 
ودع الملحدين بالجهل فيها * مع معاداة غيّهم وصدوده 
يحسبون الضلال في اللّه رشدا * ويظنون أنّهم من وفوده 
أنت لا تستطيع أنّك تهدي * عبد ربّ قد ضلّ عن معبوده 
.....................................................
( 1 ) الشرانق : (ج) الشرنقة : غشاء واق من خيوط دقيقة تنسجه حولها بعض الحشرات كدودة القزّ في طور من أطوار حياتها. 

209
وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ من هام فيه وجدا فؤادي * لا أنا لا سواي حاشاه وحده 
قبل كلّ وبعد كلّ ومع * كلّ ولا قبله ومعه وبعده 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:27 pm

قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الذال المعجمة 
وقال رضي اللّه عنه : 
غلب الهوى واستحوذ استحواذا * فمن الّذي نلجأ إليه عياذا 
في طلعة شمسيّة قمريّة * بجمالها صار الجميع جذادا « 1 » 
يا هيكلا ظهرت غيوب شؤونه * فينا فكان لكلّنا أخّاذا 
وجه تبرقع بالمحاسن والبها * فعنت له كلّ الوجوه لذاذا 
وتمتعت أرواحنا بهلاكها * فيه ولاذت بالفناء لياذا « 2 » 
ونراه أقرب من نراه ولا نرى * شيئا سواه ومن سواه أعاذا 
فهو الّذي لجمال طلعته يرى * وقلوبنا وعيوننا تتحاذى 
إنّ الوجود يرى الوجود كما به * عدم يرى عدما له جبّاذا 
وممنّع بالعزّ عنه عقولنا * معقولة لا تقتضيه نفاذا 
وقلوبنا في بحر عشقته هوت * تبغي اللّقا لا تعرف الإنقاذا 
نزل النّقا فاشتاقه أهل النّقا * أو هل ترى بعد النزول لواذا 
بالأمس كان مناخه بطويلع * واليوم صار مخيما بغداذا « 3 » 
لا عار إن خلع العذار محبّه * في حبّه ولجا إليه ولاذا « 4 » 
ظهرت ملاحته بديباج الورى * فينا وقد لبس اللّطافة لاذا « 5 » 
..........................................................
( 1 ) الجذاذ : القطع المكسّرة . 
( 2 ) لاذ بالشيء : لجأ إليه واستتر به وتحصّن . 
( 3 ) طويلع : هضبة بمكة معروفة عليها بيوت ومساكن لأهل مكة ، وطويلع : واد في طريق البصرة إلى اليمامة بين الدّوّ والصمّان . ( معجم البلدان 4 / 51 ) . 
( 4 ) خلع فلان عذاره ؛ أي : انهمك في الغيّ ولم يستح منه واتّبع هواه . 
( 5 ) الديباج : نسيج من الحرير ملوّن ألوانا ( ج ) ديابيج ، ودبابيج . 

211
وأقول زيدا قد رأيت وخالدا * لا ذاك في بصري رأيت ولا ذا 
ورآه في زيد بن حارثة هنا * طه النبيّ وحبّ فيه معاذا « 1 » 
وبيوسف الصدّيق شاهد وجهه * يعقوب حين له هواه آذى 
وصفاتنا ظهرت لنا بصفاته * ورأى الجنيد به الورى ممشاذا « 2 » 
أمّا هواه فإنّه هو ملّتي * وعليه كنت أعاهد الأستاذا 
عجبي له وهو الكثير أضلّنا * والواحد الهادي لنا استنقاذا 
يشقى ويسعد بالّذي أشقى به * فتراه لاح صواعقا ورذاذا « 3 » 
باللّه يا لحظاته لا تجرحي * قلبي فإنّ بسهمك الفولاذا « 4 » 
ولأنت يا خمر الرّضاب محوتنا * سكرا وريحك لم يزل نبّاذا « 5 » 
..............................................................
( 1 ) زيد بن حارثة بن شراحيل ( أو شرحبيل ) الكلبي ( توفي 8 هـ - 629 م ) صحابي . اختطف في الجاهلية صغيرا ، واشترته خديجة بنت خويلد فوهبته إلى النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) حين تزوجها فتبنّاه النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) قبل الإسلام وأعتقه وزوّجه بنت عمته . واستمر الناس يسمّونه « زيد بن محمد » حتى نزلت آية « ادعوهم لآبائهم » وهو من أقدم الصحابة إسلاما ، وكان النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) لا يبعثه في سريّة إلا أمّره عليها ، وكان يحبه ويقدّمه . وجعل له الإمارة في غزوة مؤتة فاستشهد فيها . الأعلام 3 / 57 ، والإصابة 1 / 563 ، وصفة الصفوة 1 / 147 ، وخزانة البغدادي 1 / 363 . 
معاذ : هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي ( 20 ق . هـ - 18 هـ - 603 - 639 م ) أبو عبد الرحمن ، صحابي جليل ، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام ، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) أسلم وهو فتى وآخى النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) بينه وبين جعفر بن أبي طالب ، وشهد العقبة مع الأنصار السبعين وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) وبعثه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) بعد غزوة تبوك قاضيا ومرشدا لأهل اليمن فبقي باليمن إلى أن توفي النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) وولي أبو بكر فعاد إلى المدينة . له 157 حديثا . توفي عقيما بناحية الأردن . 
الأعلام 7 / 258 ، وابن سعد 3 / 120 ، والإصابة ت 8039 ، وحلية الأولياء 1 / 228 ، وغاية النهاية 2 / 301 . 
( 2 ) الجنيد: هو الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز( توفي 297 ه - 910 م ) أبو القاسم. 
صوفي من العلماء بالدين . مولده ومنشأه ووفاته ببغداد ، وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد . له « رسائل » و « دواء الأرواح » وغير ذلك . الأعلام 2 / 141 ، ووفيات الأعيان 1 / 117 ، وحلية الأولياء 10 / 255 ، وتاريخ بغداد 7 / 241 ، وطبقات السبكي 2 / 8 ، والرسالة القشيرية ص 430 - 431 . ممشاد : هو ممشاد الدينوري ( توفي 299 هـ / 911 م ) من كبار مشايخ الصوفية .  ( الرسالة القشيرية ص 413 ) . 
( 3 ) الرّذاذ : المطر الخفيف ، أو الساكن الدائم الصغير القطر كأنه الغبار . 
( 4 ) الفولاد : حديد يكاد يكون نقيّا ، به كمية صغيرة من الفحم ، وقد يحتوي على شوائب مثل الكبريت والفوسفور أو عناصر تضفي على المزيج خواصّ مرغوبا فيها مثل النيكل والكروم . 
( 5 ) الرّضاب : الريق . 

212
من لي بمشهود المحاسن غائب * لام العذول على هواه وهاذى 
هو حاضر لكن بغير إشارة * فإذا جهلت تقول عنه هذا 
عشاقه بعيونه مفتونة * وقلوبهم صارت به أفلاذا « 1 » 
ويظلّ يهجرهم ويكثر صدّه * عنهم وما أحد يقول لماذا 
ويرونه حسنا وفي أفعاله * لطفا وفي تعذيبه استلذاذا 
وبهم تجمعت القبائل في الهوى * وعلى البعاد تفرّقوا أفخاذا « 2 » 
يأتي النسيم لهم بأخبار الحمى * للمسك فاوح في الهبوب وشاذى 
وتهيجهم ورقاء فوق أراكة * تدني البعيد وتجمع الأفذاذا « 3 » 


وقال رضي اللّه عنه : 
ذال الذهاب مقيد طلق الشّذا * والنفع منه يزيل داهمة الأذى 
متبذّل فكأنّه متمنّع * وبه الحجا منه لديه تعوّذا 
ظهر الضّيا ظهر الضّيا ظهر الضّيا * خفي السّوى خفي السّوى هذا وذا 
حرف به نطق الوجود وشكله * في اللوح والمحفوظ ذلك هكذا 
وهو العليّ عن الرسوم ونحوها * من حضرة نبويّة فإذا إذا 
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
يا من به العبد من دون السّوى لاذا * أنت المراد لقلبي والمنى لا ذا 
وحقّك الودّ فيه لست ملاذا * قمّصتني الخيش أو قمّصتني لاذا « 4 » 


وقال رضي اللّه عنه : 
عالم الحكمة هذا * فيه ذو الهذيان هاذى 
حكمة للّه جلّت * ويقول الغرّ : ماذا 
عمي الدهريّ عنها * وبها المؤمن لاذا 
ويقول الفلسفيو * ن هو العلة هذا 
...............................................................................................
( 1 ) الأفلاذ : ( ج ) الفلذة : القطعة من الكبد أو اللحم أو الذهب أو الفضة وغير ذلك . 

213
كذبوا ما الحقّ إلّا * فعل أمر يتحاذى 
فعل من يفعل ما شا * ء صحيحا وجذاذا 
وله الأوصاف والأس * ماء جمعا وفذاذا 
كيفما شاء ولا عل * ة لا طبع عياذا 
والطبيعيون قوم * نبذوا الحقّ انتباذا 
عبدوا الطبع بكفر * وجدوا فيه لذاذا 
ثمّ أقوام اعتزال * مطروا الغيّ رذاذا 
عن هدى السّنّة مالوا * نفذوا عنه نفاذا 
أين دين الحقّ ممّن * بالضلال اللّه آذى 
ورسول اللّه أيضا * عندما شذّ شذاذا 
ديننا شرع نبيّ * صادق للحقّ حاذى 
فتمسّكنا به لا نبتغي ذاك ولا ذا 
واقتدينا به لا * نبتغي ذاك ولا ذا 
واقتدينا بأبي بك * ر وتابعنا معاذا 


وقال رضي اللّه عنه : 
أوّل منامك هذا * لا أنت أنت ولا ذا 
وإنّما الكلّ حقّ * في صورة تتحاذى 
وتلك أفعال ربّي * تأتي وتمضي جذاذا 
والناس قال نيام * نبيّنا الأستاذا 
فخذ بما قال واحكم * فلست تلقى نفاذا 
وكلّ شيء تراه * اطلب له استنقاذا 
من لبسه فهو حقّ * أرضاك أو ذاك آذى 
إن ذقت شيئا أليما * أو ذقت فيه لذاذا 
فالكلّ فان ولكن * أمّا الإله فهذا 
وما السّوى غير شيء * ملاعب لك هاذى 

214
حرف الراء 
وقال رضي اللّه عنه : 
لذاتي بذاتي لا لكم أنا ظاهر * وما هذه الأكوان إلّا مظاهر 
تقيّدت والإطلاق وصفي لأنّني * على كلّ شيء حين لا حين قادر 
ومرتبة التقييد أظهرت رحمة * ومرتبة الإطلاق أنّي ساتر 
وتلك بمخلوق وهدي بخالق * تسمّت وفي التحقيق أين التغاير 
وأحببت بالتكليف إظهار حكمة ال * ظهور وحكمي ما أنا فيه جائر 
وصوني لأفعالي عن العبث اقتضى * خطابي ومن لم يتمثل فهو كافر 
جسوم وأعراض تلوح وتختفي * وما هي للمحبوب إلّا ستائر 
وخلف حجاب الكون ما أنت طالب * ومن لفظة المقهور يلزم قاهر 
تأمّل حروف الكائنات فإنّها * تشير إلى معنى به أنت حائر 
وبرق الحمى هذا الوجود وميضه * ولكن بما تجنيه تعمى البصائر 
فيا ظاهرا في خلقه وهو باطن * ويا باطنا في أمره وهو ظاهر 
تجلّيت لي في كلّ شيء ولم أكن * سواك فمنظور كما أنت ناظر 
وللقلب منّي قد ظهرت بكلّ ما * ظهرت ولم تنكرك منّي الخواطر 
بكلّ مليح بل بكلّ مليحة * تراءيت حتّى حقّقتك الضمائر 
وما مذهبي حبّ المظاهر إنّما * أحبّ الّذي دلّت عليه المظاهر 
أما ومقام البيت والحجر الّذي * عهدناه قد دارت عليه الخناصر " 1 " 
لأنت المنى والقصد يا غاية المنى * وإن لامني فيك القنا والبواتر 
...............................................................................................
( 1 ) الخناصر : ( ج ) الخنصر : الإصبع الصغرى . يقال : هذا أمر تعقد عليه الخناصر ؛ أي : يعتدّ به ويحتفظ به . 

215
وما ملت يوما عنك للغير سلوة * وكيف ويا نوري معي أنت حاضر 
وأنت رفيقي لا رفيق سواك لي * وإن أنا عن إيفاء حقّك قاصر 
أحبّك لا بي بل بك الحبّ منّة * عليّ كما أنّي بك الآن شاكر 
يقول عذولي : لا تخاطر بقربه * وهل يدرك المأمول إلّا المخاطر 
وإنّي لأدري أنّ طرق وصاله * تدور على الأقوام فيها الدوائر 
ولكن له سلّمت نفسي فإن يرد * هداها وإن يضلل فما هو جائر 
وماذا عسى نفسي تعادل في الورى * فمن أجلها عن مالكي أنا نافر 
فررت به مني إليه لأنّني * تحقّقت أن لا غير والأمر ظاهر 
فكان اضطرارا كون قلبي موحدا * له وبه لأبي أنا اليوم ذاكر 
أهيم بأنفاس النسيم وإنّني * بطيب الحمى لا بالنسائم عاطر 
وأظهر أنّي قد ظفرت بعلمهم * وقلبي بذات الخال لا العلم ظافر 
ودونك شرعي إن هويت طريقتي * فإنّي مدى عمري إلى الحبّ سائر 
وكن هكذا مثلي فقيرا من السّوى * ومن نفسه تأتيك منك الذخائر 
وغب عنك وامح نقطة الغين ثابتا * وغص في بحار الجمع تبد الجواهر 
ولأنّك من قوم أماتت ذنوبهم * نفوسا لها الأجسام منهم مقابر 
فإنّ طريق الحقّ سهل سلوكه * وأوضح منه ليس يدرك ناظر 
وليس بذكر أو بفكر تناله * سوى بالصفا والمحو عمّا يغاير 
وهذا حجاب النفس يصعب خرقه * وعقلك منه وهو للحقّ ساتر 
فمت في الهوى تحيى وأغمض عن السّوى * تقرّ بذاك الوجه منك النواظر 
طلبت مقاما بذل روحك شرطه * وأنت على ما أنت ناه وآمر 
وما هكذا شرط الهوى إن ترد فرد * فناء الفنا وانس الّذي أنت ذاكر 
ووطّن على الإنكار نفسك والأذى * فمن عسلا يجني على النحل صابر 
وقد كثرت فيه العواذل غيرة * وقلّ لطلاب الحقيقة ناصر 
فإن شئت فاقدم هكذا الشرط بيننا * وإلّا فلا تقدم لأنّك آخر 


وقال رضي اللّه عنه : 
لو تجلّى عن ناظريك الغبار * لرأيت الكؤوس كيف تدار 
ولبانت نار لديك كما با * نت لموسى من جانب الطور نار 
ولزالت رسوم ذاتك فيمن * لم يزل وانمحت به الآثار 

216
وتبدّت فريدة الحسن تجلى * زائلات عن وجهها الأستار 
ورأيت الهدى وأرشدك الد * فّ وصوت الغناء والمزمار 
لكن القلب منك في غفلات * وعلى وجهك الكثيف خمار 
ويقينا إنّ التكاثر ألها * ك وعزّت بوهمك الأغيار 
ورمتك الذنوب في ظلمات * من شكوك بها العقول تحار 
فاجتهد واقصد الحقيقة واطلب * ولتكن فيك همّة واصطبار 
وتذلّل بباب ديرك واخضع * فعسى أن يريدك الخمّار 
إنّما أنت عند نفسك وهم * ظهرت منك هذه الأطوار 
والّذي أنت فيه محض غرور * وهو في مذهب الحقيقة عار 
عدم في الوجود يبدو ويخفى * ما له في الحقيقتين قرار 


وقال رضي اللّه عنه : 
أيّها الناي عندك الخبر * ليس للأذن عنك مصطبر 
سيّما والدفوف معلنة * بالّذي قد أسرّه الوتر 
هات حدّث عن الّذين نأوا * في هواهم لم يقض لي وطر 
واشرح الحال واحك ما صنعت * في فؤادي العيون والطّرر " 1 " 
وارو أخبار من أحبّ فإن * فاتت العين لم يفت أثر 
واترك العاذلين في ولهي * لا تلمهم فإنّهم بقر 
لا عقول لهم تردّدهم * عن ملامي ولا لهم نظر 
كلّ فظّ بدت كثافته * بازدياد كأنّه حجر 
ميت جهل والقبر جثّته * نطقه اللغو ليس يعتبر 
من أناس بعقلهم قصدوا * فهم ما العقل عنه محتقر 
حاولوا الدرك مع جمودتهم * ثمّ لمّا أعياهمو كفروا 
هل ملامي يليق في قمر * إن تبدّى يسجد له القمر 
بل هي الشمس بل أجلّ سنا * كلّ حسن من حسنها أثر 
ذات وجه تلوح خافية * خلف ستر جميعه صور 
يكثف العقل عن لطافتها * فلهذا حارت بها الفكر 
................................................................................................
( 1 ) الطرر : ( ج ) الطرة : ما تتزين به المرأة من الشعر الموفي على جبهتها بالقصّ والتصفيف . 

217
وقال رضي اللّه عنه : 
هذه نفحة عنبر * عن شذاها لا يعبّر « 1 » 
يا مريض النفس عنك ال * عارف النحرير أخبر « 2 » 
إن ترم داءك يبرا * فاشرب الماء المدبّر 
لتقيء الكون والكو * ن وكسر البعد يجبر 
قام في الصدر خطيب * وله قلبك منبر 
فاستمع وانصت ولا تل * غو قتيلا كن مصبّر 
وبه لا بك فاذكر * ولذكر اللّه أكبر 


وقال رضي اللّه عنه : 
أنت في بالك خاطر * فانمح عنك وخاطر 
وصل الجزء بكلّ * ثمّ كن للكلّ فاطر 
وانتشق زهر رياضي * فبطيبي الكون عاطر 
وانتهض وارفع كفوفا * فسحاب الجود ماطر 
وإذا بان همام * لك من ذانك شاطر « 3 » 
عدّ عن سلسلة النف * س وأغلال الخواطر 
وتيقّن أنّ سرّي * حارس فيك وناظر 


وقال رضي اللّه عنه : 
يا طلعة الشمس أو يا طلعة القمر * يختال في حلل الأشباح والصور 
في القلب أنت وما في القلب أنت كما * إن أنت في بصري ما أنت في بصري 
أنا وأنت كلانا واحد ظهرا * على البرية في بدو وفي حضر 
وأنت أنت على ما أنت فيه كذا * أنا أنا مثل حالي أوّل العمر 
هيهات ابن الثريّا والثرى ولقد * لاح المؤثر لي من كوّة الأثر " 4 " 
ونحن يا معشر العشّاق عادتنا * طورا وطورا وليس الخبر كالخبر 
...........................................................
( 1 ) العنبر : من الطّيب . 
( 2 ) النّحرير : العالم الحاذق في علمه ( ج ) نحارير . 
( 3 ) الهمام : السيد الشجاع السخي أو الأسد . 
( 4 ) الكوّة : خرق في الجدار يدخل منه الهواء والضوء ( ج ) كوى . 

218
شدّوا المناطق تعظيما لخدمته * مزنرين على الأوساط بالأزر " 1 " 
يستنشقون رياح الموت قد ركبوا * خيل الردى أسرجت بالبؤس والضرر 
باعوا الشفاء بسقم والهنا بعنا * والعزّ بالذلّ والإغفاء بالسّهر 
وإن صفا الماء أبدى ما يقابله * ولا حلول ولا تغيير فاعتبر 
يا ذا الّذي لامني جهلا رويدك بي * فأنت عندي محسوب من البقر 
أمري عظيم وشأني لا تحيط به * ما لم يرق منك ماء الروح من كدر 
فانظر لنفسك وافرغ من نصيحتها * ثمّ انصح الغير وأبد الفضل وافتخر 
ويلي من العاذل المغرور في عذلي * يظنّ باعي عن العلياء في قصر 
حتى غدا زاعما من فرط طاعته * وزهده أنّه من أفضل البشر 
وليس يعلم ما تجني عبادته * من الحجاب له عن لذّة النّظر 
ومن إلى الزهد والطاعات ينظر عن * مولاه أعمى ومن بالعكس ذو بصر 
ونحن قوم عن الأغيار همّتنا * ترفعت لعزيز الأمر مقتدر 
لا الزهد عمّن سواه عنه يحجبنا * ولا بطاعته عنّا بمستتر 
قمنا به لا بنا حيث الوجود له * والظلّ ليس بموجود من الشجر 


وقال رضي اللّه عنه وهو في كتابه الفتح الربّانيّ والفيض الرحماني : 
إنّ للإحسان نورا * يملأ القلب سرورا 
وبه الأموات تحيا * بعد ما زارت قبورا 
جنة الدنيا لمن قد * شهد الدّنيا غرورا 
وهو يمن وأمان * نافخ منّي صورا 
وهو ما بيني وبيني * لم يزل يضرب سورا 
أطلعت منه سموا * تي شموسا وبدورا 
وعروس الخدر تجلى * أخذت كلّي مهورا 
وتجاراتي لديها * إن أرادت لن تبورا 
نثر الدوح علينا * في ربا نجد زهورا 
فانتشقنا نسمات * وتأمّلنا النّهورا 
.....................................................
( 1 ) المناطق : ( ج ) المنطقة : ما يشدّ به الوسط . الأزر : ( ج ) الإزار : كساء يغطي النصف الأسفل من البدن . 

219
وجنينا ورد خدّ * وترشّفنا الثّغورا 
أيّها الغائب عنّا * لا تقل باللّه زورا 
اترك اللوم ودعنا * نشرب الحبّ خمورا 
وعلى الحبّ أعنّا * إن تجد فينا قصورا 
علّنا من وجه هذا ال * لوح أن نمحو سطورا 
والتجلّي دكّ مني * ومن الأكوان طورا 
ليت هذا الأمر لو يد * نو من القلب خطورا 
والّذي ينفر عنا * ليته ينفي النّفورا 
عزة في كبرياء * أرخت الكلّ ستورا 
وهو ما زال على ما * كان جبارا غفورا 
والّذي نحن عليه * لم نزل فيه حضورا 
ولقد أرسل أعوا * ما علينا وشهورا 
وأويقات وساعا * ت توالت ودهورا 
وعلا عن كلّ شيء * وعن العلو وفورا 
إنّما الإحسان من إح * سانه الوافي أجورا 
وبه الأفلاك دارت * ساكنات منه دورا 
وبه الأملاك قامت * تخدم الربّ الشكورا 
فاجتهد فيه وجاهد * وعليه كن صبورا 


وقال رضي اللّه عنه وهو في كتابه كوكب الصبح في إزالة ليل القبح : 
افتح عيونك في الآيات والسّور * واحذر غرورك بالأشباح والصور 
واعلم بأنّ جميع الكون مغلطة * واقبل على العين لا تقبل على الأثر 
إنّ التقلب للقلب الّذي هو ما * بين الأصابع فيما صحّ في الأثر 
فتارة هو في غيب يحار به * وتارة في شهود غير مستتر 
ومنه لي نفس الرحمن منهبط * لم يبق من جملتي شيئا ولم يذر 
وزاد جسمي المسوّى نفخه طربا * حتى تعشقت صوت الناي والوتر 
وقد سمعت ومن بعض النداء أنا * صوت المنادي بإيمان على البشر 
هو الوجود له منه الرسول أتى * مبشّرا ونذيرا صادق الخبر 

220
وقال رضي اللّه عنه وهو في رسالته بداية المريد ونهاية السعيد : 
عيون العلا نحو السعيد نواظر * ومنصبه في حضرة العزّ فاخر 
وللكون معنى دقّ عن فهم عارف * تشير إليه الباطنات الظواهر 
ومعنى لمعنى ليس معنى وما له * سوى الكون معنى وهو للعقل باهر 
يناديك يا مدهوش لو كنت سامعا * فتلهيك عن ذاك النداء الخواطر 
وكنت بعيدا ثمّ جئت فلم تكن * لأنّك عن معنى التصور قاصر 
ومن تحت تحت التحت عندي إشارة * إلى فوق فوق الفوق والغير حائر 
إذا قلت حرفا جاء معنى لها وإن * سكتّ بموج البحر تبدو الجواهر 


وقال رضي اللّه عنه في شرحه لرسالة الشيخ أرسلان قدّس سرّهما : 
ربّ شخص تقوده الأقدار * للمعالي وما لذاك اختيار 
غافل والسعادة احتضنته * وهو منها مستوحش نفّار 
يتعاطى القبيح عمدا فيلقا * ه جميلا وفلسه دينار " 1 " 
كلّما قارف الذنوب أتته * توبة طهّرته واستغفار 
وعليه إن زلّ عين من اللّه تقيه ويستر الستار 
فهو باللّه دائما يترقّى * لا به حيث تشرق الأنوار 
وفتى كابد العبادة حتى * منه قد ملّ ليله والنهار 
يتسامى بالذكر والفكر قصدا * وهو ناء وعنه شطّ المزار 
يفعل الخير ثمّ يلقاه شرّا * وإذا رام جنة فهي نار 
حكم حارت البريّة فيها * وحقيق بأنّها تحتار 
وعطايا من المهيمن دلّت * أنّه اللّه فاعل مختار 


وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ السّماع سماع الناي والوتر * يسقي أراضي نفوس الناس كالمطر 
فإن يكن في النفوس الخبث أنبته * وبالشقاء له نوع من الثمر 
وإن يكن في النفوس الطيب فاح له * بين البريّة ريّا عنبر عطر 
.........................................................
( 1 ) الفلس : عملة يتعامل بها مضروبة من غير الذهب والفضة . هذه العملة كانت تقدّر بسدس الدّرهم ، وهي تساوي اليوم جزءا من ألف من الدينار في العراق وغيره . 

221
فاكشف بعقلك عمّا أنت فيه وكن * من التباس أمور النفس في حذر 
وكلّ من قال بالتحريم مقصده * تحذير ذي الخبث من مستحكم الشرر 
ومن يقل فيه بالتحليل فهو على * إرشاد ذي الطيب للتذكار والفكر 
ومقصد الكلّ في الإسلام منفعة * حاشا بأن يقصدوا للناس من ضرر 
ولا تسىء في الورى ظنّا بجهلك من * حاز الكمال وعنه كنت في قصر 
أقم على نفسك الميزان معترفا * بالجهل عن كلّ من لم تدر في البشر 
فإنّ للّه في طيّ الوجود على * مرّ الزمان زكيات من الفطر 


وقال رضي اللّه عنه : 
قيل لي كن مع الأنام ودار * كلّ شخص فقلت : ما الذلّ قدري 
أنا عبد الغنيّ لا عبد زيد * من جميع الورى ولا عبد عمرو 


وقال رضي اللّه عنه : 
أقول لجمعكم يا أهل عصري * أيا فقراء للربّ الخبير 
أنا عبد الغنيّ فكيف أرجو * سواه وما أنا عبد الفقير 


وقال رضي اللّه عنه : 
حروف المباني والمعاني تنزّهت * مقاصدها فهي الّتي لم تكن تقرا 
فإن رمت يا أولى سواك محقّقا * عليك بك افهم منصفا أنّك الأحرى 
وفوق مقام القصد للكلّ مقصد * إليك أتى باعا إذا جئته شبرا 
تحقّق بآثار الأواني مجانبا * بروق المعاني فالعظيم بنا أحرى 
عليك سلام اللّه يا طالب الهدى * مدى الدهر ما مالت غصون الحمى سكرى 


وقال دو بيت : 
باللّه إذا نفخت في مزماري * فاضرب دفّي محرّكا أوتاري 
وأطرب سمعي بصوت جمعي كرما * واملأ قدحي وغنّ يا خماري 


وقال كذلك : 
قف بي هذا الحمى وهذا النور * فالقلب بما بدا له مسرور 
واشرح أحوالنا لهم يا حادي * إنّي في حبّهم بهم مأسور 

222
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
كن عادلا في أمورك لا تكن جاير * للحبّ تطلب وأنت الحبّ يا حاير 
أما سمعت الّذي فيه المثل ساير * حبي معي وعلى حبي أنا داير 


وقال كذلك : 
لطائر السرّ في أوج الرقيقة وكر * ضع حبة القلب له وانصب فخاخ الذكر 
واستنزله علّ ينزل بالرداح البكر * عليك يوما فتنجو من قيود الفكر 
وقال رضي اللّه عنه دو بيت : 
ما الخلق سوى خرير نهر الكوثر * قد جاء هذا في حديث يؤثر 
والذات هي الجنة بل ما فيها * فهي الأسماء فاعتبر من أثر 


وقال رضي اللّه عنه : 
دارنا هذه هي الأشجار * وعليها جسومنا أزهار 
والنفوس الّتي إذا زال عنها * قشر جسم تبقى هي الأثمار 
فأدر نحو نفسك العقل ربطا * لك ينحلّ ما به الكلّ حاروا 
واحفظ القلب واحتفظ باطنا من * كلّ سوء وكلّ ما هو عار 
واترك الغير لا تفتّش عليه * يشغل العقل منك عنك الفشار 
جعل اللّه بعضنا فتنة لل * بعض حيث استغنا وحيث افتقار 
وعليكم قد قال أنفسكم يا * صاح فارشد وإن غوت أغيار 
وتنبّه فحكم إنّا جعلنا * ما على الأرض زينة غرّار 
هذه نفثة النصوح تبدّت * قذف الخوف درّها والحذار 
حثت العيس للحمى فأزيلت * بالتّقى عن ظهورها الأوقار " 1 " 
قف على باب حانتي يا نديمي * علّ يرضى دخولك الخمار 
واستمع صوت قينتي تتغنى * حيث جسمي في كفّها مزمار 
وجميع الوجود ليل لقوم * جهلوا وهو عند قوم نهار 
وجنان النعيم عند أناس * وأناس ذا عندهم هو نار 
فاعتبر ما أقوله لك وافهم * حسن الفهم منك والاعتبار 
...............................................................................................
( 1 ) العيس : كرام الإبل أو الإبل البيض التي يخالط بياضها شقرة أو ظلمة خفيفة . 

223
وقال رضي اللّه عنه : 
يا بديع الحسن بالصور * جئتنا في هيكل البشر 
ثمّ لمّا كنت مرتفعا * عن وصول العقل والبصر 
كان ما قد كان منك لنا * بالقضاء الحقّ والقدر 
كلّ شيء آية ظهرت * عبرة فينا لمعتبر 
وجميع الكون أمثلة * عند أهل الفهم والنظر 
علم قومي كلّه ورق * وعلومي فيه كالثمر 
وكلامي عند عارفه * ليس معناه بمستتر 
لا على معنى الحلول ولا * باتحاد يا أولي الحذر 
لي فؤاد يا وجود قضى * زيده ما فيك من وطر 
أنت فينا ظاهر أبدا * كظهور الشمس في القمر 
أو كمثل الظلّ يكشف عن * هيئة الأوراق والشجر 
أو كمرآة يلوح بها * ما يدانيها من الصور 
جلّ وجه منتك نحن له * سترة في العقل والفكر 
وظهور في القلوب لمن * هو من جهل النفوس بري 
آمنت قوم ظهرت لهم * في جميع النفع والضّرر 
وجهك الميمون قبلتهم * وعليه الكلّ كالقتر 
خرجوا للكائنات كما * خرج المختار للمطر 
ثمّ قاب القوس منك دنوا * حين رنّت نغمة الوتر « 1 » 
وسعوا من نحو مروتهم * للصفا عن سائر الكدر 
بالسّوى ليسوا على خطر * والسّوى منهم على خطر 


وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
يا مثمرا قبل ينبت 
في قلبه الجهل ينكت 
دع ينطق الحقّ واسكت 
.......................................................
( 1 ) ألقاب : المقدار أو ما بين نصف وتر القوس وطرفه . 
يقال : هو على قاب قوسين : كناية عن القرب . 

224
لا تحسبنّ أنّ بالكت * ب مثلنا ستصير 
ما الأنس قلب وحيش 
بفكره مستجيش 
له خيال مطيش 
وللدجاجة ريش * لكنها لا تطير 


وقال رضي اللّه عنه : 
هلّا غنيتم بما غنّى به الوتر * فتسمعوا منه يا عشاقه وتروا 
فإنّ في نغمة الطنبور بارقة * من البروق الّتي في القلب تستعر 
واستنطقوا الدفّ ينطق بالإشارة عن * معنى بدا وهو في الأكوان مستتر 
وهي المعاني تراءت في السماع لنا * عنها لقد كان محجوبا بها البصر 
وأخبرتنا إشارات الصنوج بها * فهيّم القلب منّا ذلك الخبر " 1 " 
حتى انعطفنا على السنطير نسأله * عن عينه فتبدّى منه لي أثر 
وقال لي الناي إنّي من إشارته * ونفخ روحي منه تبعث الصور 
والعود عاد بصوت في الغناء شج * وقال : نحن وأنتم كلّنا عبر 
ونسبة الأمر منّا في الوجود سوا * ومن مشى في ظلام غرّه القمر 
وما السماع بهادي العاشقين له * ما لم يكن حاصلا من قبله النظر 


وقال رضي اللّه عنه : 
تبارك اللّه ما في الدار ديّار * وإنّما هي نيران وأنوار 
وقد أماطت سليمى عن براقعها * فوجهها مشرق والطرف سحّار " 2 " 
وما الجميع سوى إشراق بهجتها * دوائر كلّهم عنها وأدوار 
إن أومأت كانت الأكوان ظاهرة * عنها وإلّا ففيها الكلّ أسرار 
جلّت عيون بها منها لها نظرت * في صبغة الكون حيث الكون أطوار 
...............................................................................................
بها على أخرى مثلها للطرب ، أو الصنج أقراص من نحاس صغيرة مستديرة تثبّت في إطار الدّف ، أو توضع في أصابع الراقصة . أو آلة موسيقية ذات أوتار . 
( 2 ) البراقع : ( ج ) البرقع : غطاء للوجه يكون للدّواب ولنساء الأعراب . 

225
يا مالك الملك منّا قد ظهرت لنا * وأنت أعياننا والاسم أغيار 
ملكتنا فملكنا ما ملكت وعن * ذواتنا قد أميطت منك أستار 
وإنّما هي ذات بالورى كثرت * فقل شموس وقل إن شئت أقمار 
رنّات أوتار أسماء لذاتك لا * كما يقولون رنّات وأوتار 
بها طربنا وفيها أنت مطربنا * وما لغيرك إسماع وإبصار 
سقيتنا أيّها الساقي بأكؤسنا * خمر التجلّي وفينا دبّ إسكار 
ونحن كأس وأنت الخمر نشربه * وكلّ معنى أتانا منك خمّار 
كتبتنا بك في ألواح نشأتنا * فنحن عنك أحاديث وأخبار 
صرف الوجود به عنه الشؤون بدت * كما الدخان له قد أبدت النار 
وما كذلك نفس الأمر في نظري * وإنّما الكلّ في أقوالهم حاروا 
نحن العبيد وإن واصلتنا كرما * فإنّما نحن يا مولاي أحرار 
وإنّنا أنت لا شيء سواك هنا * ولكن الحكم هتّاك وستّار 
إيماء جفنك يا ذا العين يظهرنا * فأتقياء كما شاءت وأبرار 
وأنت أنت على ما أنت من قدم * ونحن نحن فلا نقص ولا عار 
وهذه نسب أنت اعتبرت لها * فيها فكان لهم كتم وإظهار 
وحاصل الأمر أنّ الأمر حاصله * هذا ولكنّه بالغير غرّار 
اللّه أكبر لا يدري مقالتنا * في كوننا غيرنا والكلّ محتار 
اللّه أكبر نحن الغائبون به * عنّا وليس لنا في ذاك آثار 
ولا سوانا من الأكوان يعرفنا * والغيب نحن وهذا القول إضمار 
اللّه أكبر عزّت ذاته وعلت * فليس تدرك آراء وأنظار 
وهو العليم به في الكلّ ليس له * عنه خفاء فذو لطف وجبّار 
بدا فقالوا : هي الأرواح قد حكمت * على جسوم لها في الكون أعمار 
وهو الخفيّ فلا أرواح تعرفه * ولا جسوم وحارت فيه أفكار 
فإن يشأ يهتدي كلّ إليه بما * قد ضلّ فيه وعنه زال إكفار 
وإن يشأ فيما قد آمنت كفرت * قوم وإن شاء فالإقلال إكثار 
حقيقة ما اقتضى شيء لها أثرا * ترومه فهي إيراد وإصدار 

226
ولم نقل مثل ما قد قال شاعرهم * وإنمّا هي إقبال وإدبار 
أنا الّذي قول محيي الدين قلت به * بيتين ضمنهما للناس تذكار 
البحر بحر على ما كان من قدم * إنّ الحوادث أمواج وأنهار 
ولا أقول بتكرار الوجود ولا * عود التجلّي فما في الأمر تكرار 
وقال رضي اللّه عنه : وقد أنشدنا العالم الفاضل ، حاوي الكمالات والفواضل ، طراز العصابة الهاشمية ، وفخر السلالة البكريّة الصدّيقية ، الشيخ زين العابدين البكريّ المصري سلّمه اللّه تعالى هذا البيت من كلام الشيخ الإمام العارف باللّه تعالى الشيخ محمد البكريّ الصدّيقيّ قدّس اللّه سرّه وذكر أنه قال : جمعت جميع ما في فتوحات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي قدّس اللّه سرّه في هذا البيت وهو قوله : دوائر أوهام بها شغل الفكر * فظاهرها خلق وباطنها أمر 
فذيّلنا عليه هذه الأبيات وهي قولنا : 
دوائر أوهام بها شغل الفكر * فظاهرها خلق وباطنها أمر 
فتوحات محيي الدين عنها عبارة * أتتنا من البكريّ مشرقة بكر 
فهمنا بها لمّا فهمنا خطابها * وفي قولنا قد بان من بحرها الدّرّ 
وذلك علم العين بالغين نقطة * هي الكاس والسرّ الإلهي هو الخمر 
وما العين إلا الغين بالذات باطنا * كما ظاهرا بالوصف ثناهما الذكر 
مقام أولي التحقيق كالشمس رفعة * ومرتبة الإفصاح عنهم هي البدر 
ولم ينتقل شيء إلى البدر في السّما * من الشمس بل طيّ الضياء له نشر 
فغيرية الأعيان خلق لأنّها * بظاهرها الفاني الكثير هي المكر 
وباطنها الباقي الّذي هو واحد * هدى حيث لا زيد هناك ولا عمرو 
وما ثمّ إلّا الوهم قوّة حضرة * إلهية عنها بدا السرّ والجهر 
تجلّت كما شاءت وشاءت كما درت * وتدري كما يعطيه في نفسه الأمر 
فكنها على غيب ولا كنه ترتجي * لها فسواها موجها وهي البحر 
وما حلّ في الأمواج بحر ولا به * قد اتّحدت بل تلك عنه لها البرّ 
ولا هي حلّت فيه إذ لم يكن لها * وجود سواه وهي منه لها قدر 
هو الحقّ والأكوان قاموا به له * كما صور التخييل يحفظها الفكر 
............................................................
الوهم عند الشيخ الأكبر ابن العربي في القرآن: الأصل خيل لم يرد في القرآن بصيغة الاسم [خيال]، وانما ورد فعلا للدلالة على الوهم والتشبيه في مقابل الحق والحقيقة.. قال تعالى: " فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى " [20/ 66]. 
اللّه هو الوجود والوهم هو المراتب الزائلة والباطلة .. فالعقل مرتبة والحس مرتبة والمراتب زائلة والوجود ثابت.
الخيال هو العالم الأوسط - البرزخ الأعظم - الحضرة الوسطى - حضرة الخيال. عند الشيخ الأكبر : الخيال ليس تخيلا نزويا عابرا لا قيمة واقعية له، كما أنه ليس خيالا خلّاقا كما عرفه الفنانون، بل طاقة وقوة ذات بعد حقيقي واقعي يسعى إلى التحقق في الحس بشكل دائم ابدي أزلي، ينتمي إلى عالم له مقاييس خاصة به وحقائق وسطية برزخيه. (للتوسع المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة ) .
يقول الجيلي : "الاسم ما يعيّن المسمى في الفهم ويصوره في الخيال ويحضره في الوهم ويدبره في الفكر ويحفظه في الذكر ويصوره في العقل". (كتاب الانسان الكامل)

227
وقال رضي اللّه عنه مخمّسا أبيات الشيخ الإمام العارف باللّه تعالى الشيخ محمد البكريّ : 
بنغمة العود لاح لي أثر 
أفهمني أن كلّنا صور 
فقلت لمّا تبدّت العبر 
حدّث عن الوتر أيّها الوتر * من فاته الخبر سرّه الخبر 
يا عود كم أنت أسر وسوسة 
رقّق لنا الصوت في مؤانسة 
عن حالة في الهوى مؤسسة 
وهات عن ليلة مقدّسة * طابت فعندي جميعها سحر 
سرّي بك الآن قد غدا علنا 
ومن غرامي أثرت مكتمنا 
طب نغمة لي ومسمعا حسنا 
وقل كما شئت إنّ لي أذنا * تتلى عليها بلحنك السور 
منك ضلوعي قد ذاب أجمعها 
ومقلتي تستهل أدمعها 
والأذن مني غناك يصدعها 
مصغية للحبيب يسمعها * آيات حقّ لم تسمع البشر 
هاجت لشوقي صبا يمانية 
ومهجتي للهوى معانية 
قلت وأعوادنا مدانية 
يا وترا حرّكته غانية * لا وأبي ليس ذاك يا وتر 
طنبورنا قد عشقت نغمته 
ولست أنسى الغداة رنّته 
كم قلت لمّا شهدت بهجته 
قد أودع الوتر فيك حكمته * فمنه لا منك تطرب الفطر 


يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:28 pm

قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وقال رضي اللّه عنه من الموشح عروض كحل العيون أسباني : 
ظهرت في أطواري * ولحت في أوطاري 
وأحرقت أنواري * بنارها أغياري 
" دور " 
تمتّعوا أحبابي * بفتح هذا الباب 
ومزّقوا أثوابي * وجانبوا أستاري 
" دور " 
هذا شرابي رائق * هذا جمالي فائق 
قد حقت الحقائق * في طلعة الأقمار 
" دور " 
من يعترض علينا * لا يهتدي إلينا 
إنّا قد استغنينا * عن أهل هذي الدار 
" دور " 
باللّه يا عذالي * فما لكم وما لي 
خلّوا لقلبي حالي * لا تدخلوا في عاري 
" دور " 
قد لاح وجه المالك * وكلّ شيء هالك 
يعرف هذا السالك * في طرق الأسرار 
" دور " 
أنا حبيبي حاضر * وهو لحالي ناظر 
وأعمش النواظر * فليس لي يجاري " 1 " 
" دور " 
سمعت صوت الحادي * فلذّ لي اتحادي 
وطابت البوادي * لمن يكون ساري 
"دور " 
.........................................................
( 1 ) عمشت عينه : ضعف بصرها مع سيلان دمعها في أكثر الأوقات ، فهو أعمش وهي عمشاء . 

229
صلّى إله الناس * على النبيّ الراسي 
والنور في النبراس * معنعن الأخبار " 1 " 
" دور " 
عبد الغني قد وافى * يبدي له الأوصافا 
في مدحه أصنافا * ينظم من أشعار 

وقال رضي اللّه عنه : 
بيني وبينك يا قديم جدار * هو جملتي بك حادث يا جار 
والكنز أنت وراء ذلك كلّه * والطلسمات العقل والأفكار 
وبدا جمالك للعيون وزال عن * وجه القلوب من الغيوب خمار 
يا طلعة هي للمتيم جنة * تجري بها من تحتها الأنهار 
أنهار أنواع العلوم فما السّوى * إلا الحقائق منك والأسرار 
بتنا وأصبحنا نراك فليلنا * من نور وجهك يا مليح نهار 
ولقد نزلت فكنت جملة كوننا * وتفكّكت عنّا بك الأزرار 
والوجه شقّق بالظهور ثيابنا * حتّى بدا وأزيلت الأستار 
اللّه أكبر هذه ذات الّذي * نحن الشؤون لديه والأطوار 
والماء أيضا والتراب له به * كان التجلّي والهوا والنار 
وكواكب الأفلاك قبل ظهورنا * أصل لنا تزجى بنا وتدار 
والعرش منشأنا وكرسيّ الملا * هيآتنا ونفوسنا الأقدار 
ولنا السماوات العلية كوّنت * والأرض والظلمات والأنوار 
ولأجلنا ظهر الوجود بكلّ ما * هو ظاهر وأنارت الأسحار 
ودوائر حركاتهنّ تناسقت * بعض لبعض ما لهنّ قرار 
كالبرق في التغيير وهي جوامد * عند النواظر فاسمها أغيار 
طورا هناك وتارة هي ههنا * ظهر اللطيف بهنّ والجبّار 
ووراءهنّ حقيقة مطوية * منشورة حارت بها الأبصار 
أسماؤها أسماؤهنّ وذاتها * هي ذاتهنّ لمن له استبصار 
...................................................
( 1 ) النّبراس : المصباح . عنعن الرجل : لفظ في كلامه الهمزة كالعين ، وعنعن الراوي : قال في روايته : 
روى فلان عن فلان عن فلان . 

230 
وهي المقدّسة المنزّهة الّتي * جلّت فتاه بها الجميع وحاروا 
وتحقّقوا بالعجز عن إدراكها * وبها إليها في الكمال يشار 
عرفوا بها منهم حقائق أنفس * خفيت فكان بنورها الإظهار 
والحكم منها نازل في حقّهم * شهدت به الآيات والأخبار 
ولأجله جاء الخطاب بعزّهم * ولهم تزايد عندها المقدار 
لولا مقالة كن لشيء لم يكن * هي هذه الكلمات والأذكار 
وكذاك لولا الحكم كان الكلّ في * نقص ولم يك للكمال منار 
وتشابه الإنسان والحيوان إذ * رجل يقال مكوّن وحمار 
هذا هو الحقّ اليقين وغيره * قول عليه تعيّن الإنكار 

وقال مخمسا « 1 » الأبيات المنسوبة لابن غانم المقدسي رضي اللّه عنهما : 
زمان المصيف ووقت الشّتا 
فتاة الحمى تنجلي والفتى 
وهذا الحبيب لنا قد أتى 
إلى م يا قلب وحتى متى * يكفيك من أمرك ما قد جرى 
لقد وقف الكلّ إلّا أنا 
فسيري هو القصد وهو المنى 
ويا صبّ مهلا ملأت الإنا 
وأنت يا نوق براك الونا * وخالف الأجفان طيب الكرى " 2 " 
لمن لام في الحبّ طرف عمي 
ونفس المحبّ به ترتمي 
كم الكدّ حادي المطايا كم 
فخفّف السير ولا تسأم * لا بدّ أن يحمد هذا السرى 
..................................................
(1)هذا التخميس من المتقارب والأصل من السريع والظاهر من الخطاب في قول الأصل فخفف السير ولا تسأم للنوق فكان حقه أن 

231
وقال رضي اللّه عنه : 
نعم لقلوب العاشقين سرائر * من الغيب قد ضمّت عليها الضمائر 
يحرّكها صوت السماع بوقعه * فتظهر منها للعيان الأشائر 
هو الدفّ والطنبور والوتر الذي * يسير به للوتر في الكون سائر 
أعد ما بدا يا منشد القوم عندنا * بصوتك واطربنا فيرشد حائر 
وتفتح أغلاق المعارف واللّقا * تدقّ له بين القلوب البشائر 
كشفت حجاب الكون عنّا بذكر من * عليه من الأغيار مدّت غدائر 
وأظهرت سرّا طالما قد كتمته * وبالغير في أرض القريحة غائر " 1 " 
وأذكرت عهدا من ألست بربّكم * به شخصت منّا إليه البصائر 
وقد حيعل المزمار بالوجد بيننا * وضجّت بتأذين الغناء المنابر " 2 " 
ألا أيّها الناي الرخيم كشفت عن * سرائر شوقي يوم تبلى السرائر 
وأشبهتني في نفخ روحي وقد بدت * لقلبي هنا من سرّ قلبي ذخائر 
عليل الهوى أضحى يعلّله الهوى * وقد جبرت بالكسر منه الجبائر 
يموت ويحيى كلّما لمعت له * بروق الحمى النجدي وغرّد طائر 
وإن نفحت ريح الصّبا في دياره * بها هو نقع كلّه وهو ثائر 
سمعت كلاما قد أتاني به الصّبا * عن المطلع الشرقي له أنا دائر 
فهمت بوجدي إذ فهمت رموزه * فها أنا للبرق اللموع أساير 
وما كلّ أذن طارقات الهوى تعي * ولا كلّ طرف فيه تجلى الحرائر 
تغار سليمى إن رأى غيرها امرؤ * كما قد عهدناها تغار الضرائر 
صدقتك هذا الركب طال به السرى * وجار عليه بالمحبّة جائر 
ولولا التسلّي بالتجلّي لأحجمت * دوائر أفلاك الوجود الدوائر 
على مثل هذا الوجه تلتهب الحشى * ومن حسنه فينا تشقّ المرائر 
وما ذاك إلّا وجه سلمى فإنّه * يغاير للأشيا وليس يغاير 
بدا فأزيلت عنه أستار غيره * وقد غفرت للمذنبين الكبائر 
....................................................
( 1 ) القريحة : من كل شيء : أوله وباكورته وأول ماء يستنبط من البئر حين تحفر . غار الماء : ذهب في الأرض وغاب فيها فالماء غائر . 
( 2 ) حيعل المؤذّن : قال حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح . 

232
وكنّا وما كنّا وكان ولم يكن * وما ثمّ إلّا قدسه والحظائر 
وجود ولا أعني الوجود الّذي بدت * من الكون أشباه له ونظائر 
ولكن وجود مطلق عن تقيّد * بإطلاقه والكلّ منه شعائر 
وكلّ وجود مطلق أو مقيد * بعقل وحسّ فهو عنه ستائر 
إذا لاح غبنا فيه عنّا جميعنا * وإن غاب نحن السائبات البحائر 
وقال رضي اللّه عنه في كتابه إشارات القبول إلى حضرات الوصول : 
قل لنفس جهلت بين الورى * أمر مولى لم يزل مقتدرا 
جاهدي فيه به واجتهدي * واتركي الأوهام بل والفكرا 
لا تظني أنّ بالفكر وإن * طال وازداد وفيه انتشرا 
أن تنالي غير بعد وعنا * وتحوزي منه إلّا أثرا 
كلّ من رام يرى خالقه * فأجال الفكر فيه كفرا 
سلّم الأمر له واعمل بما * جاء عنه إن نهى أو أمرا 
واحذر البدعة واعبده على * سنّة واصبر وكن منتظرا 
ربّما يقبلك اللّه وإن * صدّ يكفيك الّذي قد ذكرا 

وقال رضي اللّه عنه : 
بنا المولى هو الأحرى * ونحن النزلة الأخرى 
رأيناه بنا لمّا * تجلّى الجهة اليسرى 
وكنّا عنه معناه * فلم نقدر له قدرا 
ومعنانا أتى خلقا * ومعناه أتى أمرا 
خفينا فيه لمّا أن * تجلّى عندنا جهرا 
فكنّا عنده كشفا * وكنّا عندنا سترا 
وقفنا دونه برّا * وقد خضنا به بحرا 
ولم ندرك سوانا في * تجلّيه بنا قهرا 
وغيب الغيب مكشوف * ومولانا به أدرى 
ومستور بنا عنّا * كما قد جاءت الذّكرى 
وهذا الحال لا يمضي * وهذا الداء لا يبرا 
فقولوا للذي يهوى * دع المحجوبة البكرا 

233
فماذا أنت حتى تر * تجي أن تطرق الخدرا 
ولكن أنت مفتون * بإحساناتها التترى " 1 " 
جمال ظاهر هذا * به كلّ الورى أسرى 
وأعلى الكلّ مجذوب * إليه جاذب أسرى 
بلا ذات ولا وصف * ولا دنيا ولا أخرى 
هو السالي لها المغري * ولا سال ولا مغرى 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
حبيبي أنت لي ظاهر * سباني وجهك الباهر 
وطرفي في الدّجى ساهر * وسلطان الهوى قاهر 
" دور " 
أمانا يا منى قلبي * من الهجران والسلب 
وإنّي حائر اللبّ * على عرفانك الزاهر 
" دور " 
بدا من جانب الوادي * علينا نورك الهادي 
فذاب الركب والحادي * وتاه الغرّ والماهر 
"دور " 
سقى اللّه الحمى النجدي * سحاب الشوق والوجد 
ألا ليت الهوى يجدي * لقاء الطيّب الطاهر 
" دور " 
صلاة اللّه والتسليم * على من خصّ بالتكريم 
حوى عبد الغني التقديم * به في قدره الساهر 

وقال رضي اللّه عنه : 
قد صرت كلّي قلوبا فيه تحتار * لمّا تجلّى وما يختار نختار 
والكلّ مني له الآذان مصغية * وإن نظرت فكلّي فيه أبصار 
غيب تحجّب في الأكوان فهو بها * نور ونار ولا نور ولا نار 
........................................................
( 1 ) تترى : جاؤوا تترى : متتابعين أو فرادى ؛ أي واحدا بعد واحد . 

233
وهو الوجود النزيه الصرف عزّ فلا * شيء سواه وعنه الكلّ آثار 
إذا أراد بدا ذاك المراد به * كما يريد وكانت منه أغيار 
والكلّ في علمه لكن إرادته * تخفى وتبدى فكتمان وإظهار 
جلّ المهيمن في تقديس حضرته * عمّن سواه به كلّ الورى حاروا 
لا ذنب للعقل هذا قدر طاقته * وذاك منه تسابيح وأذكار 
لكنّه إن يكن بالعجز معترفا * فمؤمن هو أولا فهو كفّار 
إذ ليس للحقّ مع شيء مناسبة * ولا بوجه فكالتصديق إنكار 

وقال رضي اللّه عنه : 
عندنا سرّ عجيب خطرا * إنّ للجهال فيه خطرا 
نحن ثوب كلّنا أجمعنا * فيه نقش وهو أنواع الورى 
فسداه أوّلا قد مدّه * ربّنا من ذاته نورا برى 
وهو نور المصطفى حتى كما * جاءنا نور على نور جرى 
ثمّ أبدى لحمة منه له * حائك الأسماء لمّا ظهرا 
وهو ثوب ربّنا قد حاكه * بيد عزّت وجلّت قدرا 
ثمّ منه فصّل الروح له * كقميص للتجلّي سترا 
فوقه النفس كقنباز بدا * حشوه من كلّ معنى خطرا 
فوقها الجبة جسم قد حوى * ما حوى ممّا علا أو قصرا " 1 " 
فهي أثواب ثلاث لك يا * أيّها الإنسان تحوي عبرا 
لابس تلك عليك اللّه في * كلّ حين فاكتشف ذا الخبرا 
ثمّ هذا كلّه قام بمن * هو منشيه علا فاقتدرا 
لا به قام الّذي أنشأه * فالذي ظنّ حلولا كفرا 
وهو فان كلّه أيضا كما * قال إلّا وجهه يا من قرا 
فالوجود الحقّ فرد واحد * وسواه كخيال في الكرى 
واعتبر نفسك يا جاهلها * أيّ شيء شئت واجعل صورا 
هل تراها كلّها قائمة * لك إلا بك حقّق نظرا 
وتأمّلها فلا داخلة * هي أو خارجة عنك ترى 
..............................................
( 1 ) الجبّة : ثوب طويل واسع الكمّين ، مشقوق المقدّم ، يلبس فوق الثياب ( ج ) جبب وجباب . 

235
ثمّ هل نفسك عن حالتها * غيّرت إن هي أبدت أثرا 
لا ومن قال وفي أنفسكم * أفلا أي تبصرون الفكرا 
فمثالا ضرب اللّه لكم * وهو من أنفسكم قد بهرا 

وقال رضي اللّه عنه : 
اللّه أنزل حكم أمري * في نشأتي في ليل قدر 
وأنا الخفيّ هنا وما * أدراك ما قدري وفخري 
أنا ليلة القدر الّتي * هي خير قل من ألف شهر " 1 " 
ذي شهرة من أوليا * ء الوقت زبدة أهل عصري 
تتنزّل الأملاك أر * واح المعاني وسط صدري 
لمحات أسرار الرجا * ل الجامعين لفرق سرّي 
أنا شمسهم والنور يب * دو لي بهم في كلّ بدر 
في كلّ مرتبة لهم * حسب المقام وحسب ذكر 
حسب الهلال ورتبة ال * قمر الذي في الأفق يجري 
والروح روح الحقّ عن * أذن الإله بكلّ أمر 
مني السلام عليّ حت * تى أنقضي بطلوع فجري 

وقال رضي اللّه عنه : 
باطن الباطن ظاهر * ظاهر الباطن قاهر 
أوّل الأوّل ثان * آخر الآخر باهر 
والّذي أثبت ناف * وغبيّ النفي ماهر 
هذه سكرة صاح * من شراب هو طاهر 
لا تقولوا هو هذا * قولكم يخفي الجواهر 
هو هذا لا سواه * عند طرف فيه ساهر 
والّذي نام يرى في * نومه الطيف المجاهر 
فهو يحكي عن خيال * مثل مولود لعاهر 
...........................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة القدر الآية ( 3 ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . . . . 

236
وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
يا من ظهرت بنوره الأكوان * أنت الظاهر 
حتى كانوا مع أنّهم ما كانوا * أمر باهر 
في الغيبة والحضور لا إنسان * غير القاهر « 1 » 
هذا شان يبدو ويخفى شان * غرّ ماهر 
" دور " 
قلبي بيت له على التنزيه * والنفس حجاب 
يبدو منّا لنا بلا تشبيه * ماء وحباب 
لا يخرج عنه كلّ شيء فيه * والشيء سراب 
حقّ والكلّ باطل يدريه * قلب طاهر 
" دور " 
في أيمن رامة وذاك الوادي * مخضوب بنان « 2 » 
إن عرّض باسمه وغنى الحادي * ناديت أمان 
هذا عبد الغني نحو الهادي * مصروف عنان 
يهديه تحيّة المشوق الصادي * ساهي ساهر 

وقال رضي اللّه عنه : 
ظلمات تقدّرت تقديرا * من قديم وصوّرت تصويرا 
وعلا بعضها المرتب بعض * هكذا طبق ما أتى تحريرا 
واسمها الكائنات علوا وسفلا * كاملات لا نقص لا تغييرا 
كاشف حيث لا بداية عنها * نور حقّ يعرّف التنكيرا 
فهي بالنور وهو محض وجود * مطلق عن قيودها تكبيرا 
وعهدنا النور المنفر للظل * مة في الحال إن بدا تنفيرا 
ثمّ إنّا لمّا رأيناه أبقى * وصفها طبق ما اقتضته قريرا 
..................................................
( 1 ) الغيبة والحضور : الغيبة هي غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق ، لاشتغال الحسّ بما ورد عليه ، ثم يغيب إحساسه بنفسه وبغيره بوارد من تذكّر ثواب أو تفكّر عقاب . 
( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مصطلح الغيبة والحضور برسالته ص 69 - 70 ) . 
( 2 ) خضب الشيء : غيّر لونه . البنان : الأصابع وأطرافها . 

237
وهي لا شكّ أنّها عدم صر * ف قديما قلنا مقالا شهيرا 
رحمة منه عمّت الكلّ حتى * أثّرت في ظهورهم تأثيرا 
ولهم ههنا الظهور وخاف * هو عنهم بهم يرى التستيرا 
وهو رأي العوام من أهل دين اللّه حظّ النفوس فيهم أثيرا 
ولنا ههنا مقالة صدق * حبّرتها أئمتي تحبيرا 
إنّما الظاهر الّذي ليس يخفى * نور حقّ وسل بذاك خبيرا 
والّتي لم تكن ولا هي كانت * لاح فيها نور الغيوب منيرا 
ظلمات على الّذي هي فيه * أزلا لم تزل ولا تنويرا 
إنّما النور وحده هو باد * في ظلام مقدّر تقديرا 
فيرى نفسه برؤيتنا في * كلّ شيء لذاك كان بصيرا 
ونرى نفسنا به ويرانا * هو أيضا بنا فكان قديرا 
ونراه برؤية هي منه * جاءنا وعده بها تبشيرا 
ثمّ في الأربع المراتب كشف * هو هذا للنور ثمّ استعيرا 
واعترته مراتب وإضافا * ت فسمّي عقلا وحسّا كثيرا 
وإذا حقّق المحقّق هذا * ونفى عنه بالسّوى تغريرا 
قال أوصاف ربّنا وكذا الأس * ماء بالكائنات فاحت عبيرا 
فهو منها الأوصاف وهو المسمّى * عندها باعتبارها تقريرا 
ولهذا نقول تلك قديما * ت وعين الذات الّتي لا نظيرا 
وهي ذات حقيقة موصوف * ومسمّى شريعة توقيرا 
ثمّ بالشرع والحقيقة نأتي * ظاهرا باطنا ولا تخييرا 
ونقول الّذي به الكلّ قالوا * فنساوي المحقّق التحريرا 
إنّهم عند ربّهم درجات * كلّهم لا تشيين لا تعييرا 
والبرايا قسمان أهل نعيم * في جنان ومن يرون السعيرا 
فالّذي قلبه المصدّق ناج * وسواه مكفر تكفيرا 
ثمّ أهل الجنان قسمان أدنى * ثمّ أعلى يرى بها التّصديرا 
والّذي فاته الّذي نحن فيه * ههنا من علومنا تقصيرا 
إن يكن مؤمنا به مذعنا لا * هو ناف له يراه حقيرا 
فهو في جنة النعيم ولكن * لا يرى الرفع والمقام الخطيرا 

238
وإذا كان جاحدا مسلما في * ظاهر الشرع يلتقي تيسيرا 
وهو في مذهب الحقيقة شخص * كافر لا يرى الغداة نصيرا 
وبحكم الحقيقة اللّه فينا * حاكم في غد فكن مستجيرا 
وهنا الشرع لانتظام أمور الن * اس وافى مبشرا ونذيرا 
فاغتنم ما أقوله لك واعرف * وتذكّر بفهمه تذكيرا 
وتبين مقالتي فهي نصح * لك جاءت فحذّرت تحذيرا 

وقال رضي اللّه عنه : 
هو أمر وكلّ أمر * وهو زيد هنا وعمرو 
غمرته شؤونه * ذاته ذاتهنّ غمر 
عنه خذ كلّ ذرة * ملئت منه كأس خمر 
وتمتع بوصله * روحه فيك نفخ زمر 
واترك الجاهل الغبي * قلبه في سواه جمر 
وتجنّب كلامه * ليس كلّ اللذيذ تمر 
ثمّ حقّق وقل له * هو أمر وكلّ أمر 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ محسوسات الحواسّ الظواهر * إنّ معقولات العقول البواهر 
إنّ أنواع هذه العرضيا * ت وأجسامها وكلّ الجواهر 
معنويات روح أمر شريف * تتراءى له به وهو قاهر 
قائمات به قيام المعاني * بالمعاني لها الّذي هو ماهر 
وهو روح لطف من اللّه باد * وهو خاف عن الجميع وظاهر 
نور طه الرسول مركز علم ال * غيب بالذات والصفات الشواهر 
من ترقّى له به عنه كشفا * كأنّه فهو ذو العيون السواهر 

وقال رضي اللّه عنه : 
هو المشكور والشاكر * هو المذكور والذاكر 
هو الممكور فيه قد * بدا والمكر والماكر 
هو الأمر الّذي قد أن * كروا والنكر والناكر 

239 
معان كلّها فيه * فقم لرياضها باكر 
وأطلق ذاته فيها * وحاذر عقلك الحاكر 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
" دور " 
يا صبا الأسحار * هجت أشواقي 
فاشرح الأخبار * عند أرفاقي 
إنّ وجدي * نحو نجد 
ليت يجدي * كلّما قد ثار 
" دور " 
هذه سلمى * أقبلت تختال 
ثغرها الألمى * لي سقى الجريال « 1 » 
يا رفيقي * في طريقي 
ضاق زيقي * فاهتك الأستار « 2 » 
" دور" : دار في الحضرة لابس الأثواب * لي به نظره 
وهي فتح الباب 
جلّ أمري * ذات خدر 
راق خمري * دارت الأدوار 
"دور " : عج على الوادي * سائق الأظعان 
نغمة الحادي * هاجت الركبان 
والأغاني * للمعاني 
كالمباني * تظهر الأسرار 
"دور " : يا غني عبدك * دائما صلّى 
للذي عندك * في العلا جلّا 
وهو طه * نال جاها 
يتباهى * بعطا الجبار 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
قوم بهم ينفخ الشيطان نفخ الزمر * فيظهرون التمسّك ظاهرا بالأمر 
إن رمت أوصافهم تدري بهم يا عمرو * لا يشربون النّتن بل يشربون الخمر 
وقال رضي اللّه عنه كذلك : 
قد رام فرعون أن يتبع أباه الخضر * دعوى بنفسه فقدّم نفسه في الصدر 
وقال أنا ربّكم بالنفس ذات الخدر * حتى غرق فاحترق بالنار نار القدر 
..........................................................
( 1 ) الألمى : لمي الغلام : كان في شفتيه سمرة فهو ألمى وهي لمياء ( ج ) لميّ . 
الجريال : صبغ أحمر ، أو ماء الذهب ، أو هو الخمر الشديدة الحمرة . 
( 2 ) الزّيق : من القميص ونحوه : ما أحاط منه بالعنق . 

240
وقال رضي اللّه عنه : 
حرف له بالانحراف مظاهر * وهو الّذي هو في الإضافة قاهر 
متنوّع الحركات في سكناته * وله كمال بالإحاطة باهر 
وجهان فيه فواحد متقاصر * عن درك ما فيه وآخر ماهر 
نامت عيون الأوّلين به وما * منهم به قد فاز إلّا الساهر 
وحقيقة في الغيب منه تقدّست * وتدنست أخرى به تتجاهر 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ هذا بعض ما قد ظهرا * من جمال المصطفى خير الورى 
حجرة تجمع طه وأبا * بكر الصدّيق حتى عمرا 
ثمّ في ثوبيهما كان بدا * وأعيد الآن لمّا قبرا 
حضرة في حضرة في حضرة * أثّرت في كلّ قلب أثرا 
يا جميل الوجه إنّي أينما * لك فارفع عن تولوا ضررا 
إنّه النور الّذي منك أتى * يقتفي البحر فيحوي الدّررا 
ومعانيه إذا لاحت به * فهي منه فيه أمر خطرا 
صحّت الأمّة في أنفسها * مثل نفسي أمّتي منك جرى 
وعفا الرحمن عمّا حدّثت * أمّتي أنفسها قد أثرا 
يا بني الجمع هو الفرق لكم * كلّ من جال به واعتبرا 

وقال رضي اللّه عنه : 
وجه الحبيب بدا في الكائنات لنا * ونحن بالشوق في همّ وأكدار 
وقد تحيّر من يدري بحالتنا * فالعين في جنة والقلب في نار 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
دنا كلّ المنى * لمّا دنا بالمنحنى 
أوّاه ممّن خلف الستور * يا ليته لو لنا يزور 
أنا له أنا * ما ههنا إلا العنا 
من يجلّيه امتلا سرور * عشقي له النار وهو نور 
لنا هذا البنا * لمّا اعتنى تكوّنا 
لولاك يا صاحب الحضور * ما أشرقت في الدّجى بدور 

241
جنى فرط الهنا * نهب الضّنا ملقى العنا 
متيّم عشقه يجور * عليه في ربّة الخدور 
" دور " 
علا عن الملا * باهى الحلى لمّا حلا 
جماله حيّر العقول * له على قلوبنا نزول 
جلا كأس الطلا * لمّا تلا قالوا : بلى « 1 » 
يا سعد من فاز بالوصول * وصار فيه به يصول 
هلّا يا من إلى * ذاك الفلى تنقّلا 
كن باسمه الحقّ في حصول * تجد فروعا لها أصول 
ألا صلّ على * تاج الولا من اعتلى 
عبد الغني سلّم الأمور * لمن عليه الرحى تدور 

وقال رضي اللّه عنه : 
هو الكون ثوب والسداء هو الأمر * ولحمته الخلق اقتضى نهيه الأمر « 2 » 
وحائكه الأسماء أسماء ربّنا * تعالى بمكوك الوجود به الضفر « 3 » 
وما غزله إلّا من العدم الّذي * تقدّر في العلم القديم له القدر 
ملوّنة أطرافه في حباكها * فبيض وسود تلك والخضر والحمر 
ولابس ذاك الثوب حائكه على * نهاية تنزيه وهذا هو الستر 
فيخلعه طورا ويلبس تارة * كلمعة برق ما له أبدا حصر 
تنزّل حقّ في غيابة ذاته * إلى فعله بالعلم سرّ هو الجهر 
إلّا هكذا الآفاق فانظر جميعها * ونفسك لا يغررك زيد ولا عمرو 
وحقّق وجود الحقّ في الكون وحده * ولا كون لا شفع هناك ولا وتر 
ولكنّها الأقدار منه تقدّرت * فلا تلغها واعرف فإلغاؤها كفر 
...............................................................................................
( 1 ) بلى : حرف جواب يأتي بعد النفي فيجعله إثباتا . 
( 2 ) السّدى : ما مدّ من خيوط النسيج طولا وهو خلاف اللّحمة ( ج ) أسدية وأسداء . اللّحمة : من الثوب : خيوط النسيج العرضية يلحم بها السدى ( ج ) لحم . 
( 3 ) المكّوك : بكرة من المعدن أو نحوه ، يلفّ عليها الخيط ، وتثبت في بيت من المعدن أو الخشب فيسهل دورانها ، واستمداد الخيط منها ، وتستعمل في آلة الخياطة ، وفي نول النسيج ، لمداخلة لحمة النسيج في سداه . وهي بالعربية الفصيحة : الوشيعة ( ج ) مكاكيك . 

241
ودع عنك أقواما عليها تزندقوا * يقولون بالتوحيد توحيدهم نكر « 1 » 
فينفون لا بالحسّ والذوق كلّ ما * يرون من الأكوان عندهم المكر 
يقولون غير اللّه ما في قلوبنا * بزور وبهتان وكذب هو الوزر 
يريدون إسقاط التكاليف بالفنا * فنا الوهم والدعوى وما عندهم خبر 
ولو صدقوا ماتوا وزالت نفوسهم * ولم يبق فيهم قائل وله فكر 
بلى يدّعون الموت والحال كاذب * وما الصّحو عند الناس يخفى ولا السكر 
وهيهات أين الفتح والكشف والهدى * وأين علوم اللّه يقذفها البحر 
وهم يزعمون اللبّ ما اعتقدوه من * ضلالاتهم والناس عندهم القشر 
وأقوال محيي الدين بالجهل غيّروا * وقد ألحدوا فيها وهم كلّهم غمر 
وأقوالنا أيضا يظنون أنّها * يوافقهم من لفظها النظم والنثر 
ومنهم بريء إنّني وإن انتموا * إليّ على كره لديّ ولي زجر 
عوام ولا علم لديهم يردّهم * ولا عقل ينهاهم وليس لهم عذر 

وقال رضي اللّه عنه : 
شرعنا أحكام حقّ * لمقيم ومسافر 
وهو أسباب وقولوا * منكر الأسباب كافر 

وقال رضي اللّه عنه : 
ثلاث عليها يدور * وجود وحقّ ونور 
وطورا نرى هكذا * نجوم شموس بدور 
هي الروح مثل الرحى * وأجسامنا كالقدور « 2 » 
وما ثمّ غير الّذي * له الأمر وهو الأمور 
كثير بنا واحد * به ذو انتقام غفور 
تجلّى فقلنا : هدى * تحجّب قلنا : غرور 
ويتلو علينا وهل * يجازى إلّا الكفور 
على ما عليه كا * ن ما غيّرته الدهور 
.............................................
( 1 ) تزندق : صار زنديقا أو تخلق بأخلاق الزنادقة . 
( 2 ) القدور : ( ج ) القدر : إناء يطبخ فيه ( مؤنثة وقد تذكّر ) . 

243
ألا والظهور البطون * ألا والبطون الظهور 
شكرناه حتى لقد * تسمّى لنا بالشكور 
وأيضا صبرنا به * فجاء باسم الصبور 
ولم تعم إلّا القلو * ب عنه الّتي في الصدور 
وتاللّه ما أنكرت * ه إلّا خفافيش عور 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا فرق عندي بين الوتر والوتر * وليلة القدر عندي ليلة القدر 
قد قال يفرق فيها قول خالقنا * من كلّ أمر حكيم حكم مقتدر 
فانهض بذوقك للطنبور تسمعه * والناي فالخبر يستوفى من الخبر 
وإنّها حركات من يد وفم * ومن يراع ومن رقّ ومن وتر « 1 » 
وما المحرّك إلّا واحد هو في * غيب الغيوب تعالى مظهر الأثر 
وأنت تعرف هذا لست تنكره * لكن بفهمك مفتون وبالفكر 
ليس المغني وليس الدفّ في يده * غير المصوّر فينا سائر الصور 
وكلّها عدم يبدو الوجود بها * ويختفي عند مغرور ومعتبر 
هي التصاوير شاءتها الإرادة من * خير وشرّ ومن نفع ومن ضرر 
فافطن لها واسمها الأشياء عندك في * حكم الكتاب كتاب اللّه فاعتبر 
وخذ إشارة إلا وجهه لتفز * بما به فاز أهل الجانب الخطر 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
أيا أحمد البدويّ أنت أين 
لقد حزت في وقتك الرتبتين 
هما الاسم والذات من غير مين « 2 » 
وراياتك الحمر في الخافقين * تشير بأنّك قطب الورى 
...................................................
( 1 ) اليراع : القصب أو القلم الذي يتّخذ من القصب . 
الرّقّ : الصحيفة البيضاء أو جلد رقيق يكتب فيه ( ج ) رقوق . 
( 2 ) المين : الكذب ( ج ) ميون . 

244
لك العزّ والفخر والرونق 
وفي تابعيك لك الصنجق 
وأنت هو الملك الأسبق 
وشأن الملوك الّذين ارتقوا * على المجد أن يلبسوا الأحمرا 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
حوضي الّذي ماؤه طول المدى جاري * من عين أمر الّذي لمّا يزل جاري 
هيهات يا غرّ أن أعطش وهو جاري * إن كنت تقدر على هذا فلي جاري 

وقال كذلك : 
حوضي الّذي فيه أنبوبان من كوثر * نهر الجنان قليلو للسّوى كوثر 
أنبوب روحي وأنبوب الجسد كوثر * يسنّ موسى الهوى للخلق يا كوثر 
وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
حججت إلى البيت المقدّس حجة 
وللحبّ فيه قد سلكت محجة 
وكنت إذا ما رجّني العشق رجة 
علقت بمن أهواه عشرين حجة * ولم أدر من أهوى ولم أعرف الصبرا 
ألا إنّها سلمى دعيت لفقهها 
ممنعة لم أستطع درك كنهها 
وما العقل راج أن يفوز بشبهها 
ولا نظرت عيني إلى حسن وجهها * ولا سمعت أذناي قطّ له ذكرا 
تجلّت جهارا والبريّة في عمى 
سوى من بها ذاق الفنا فتنعّما 
وما زلت أسعى في رضاها مصمّما 
إلى أن تراءى البرق من جانب الحمى * فنعّمني يوما وعذّبني دهرا 
وقال رضي اللّه عنه : 
قم تأمّل في هذه الأنوار * وأخل منك المحلّ للأسرار 
لا تقل كيف أنت أصبحت أم كي * ف العدا إنّنا بحكم الباري 

245
نحن في جنة المعارف نزهو * والعدا في جهنم الإنكار 
هم حجاب لنا عليهم كثيف * حاجب من ظهور شمس النهار 
ظلمات ونحن في نور حقّ * هو عنهم بكونهم متواري 
أنكروه لأنّهم جهلوه * وعن الجنّة اكتفوا بالنار 
يتجلّى بهم علينا فندري * كيف عنهم بهم غدا في استتار 
كلّما أشرقت لنا الشمس منهم * أظلمت عندهم على الأبصار 
فرمتهم نفوسهم في جحيم * لا يبالون بالعمى والعوار 
هكذا هم في علمه من قديم * وكذا أنت هكذا كم تماري 

وقال رضي اللّه عنه : 
هو أمر وكلّ أمر * وهو زيد هنا وعمرو 
وهو غيب مقدّس * شربته الرجال خمر 
وأكلناه خبزة * وهو زبد لنا وتمر 
جنة في غد لنا * وعلى الكافرين جمر 
غمرتنا هباته * وبها للجميع غمر 
نحن تقديره له * طبق نهي لنا وأمر 
نافخ في جسومنا * روح أمر كنفخ زمر 
ولنا النشر في غد * منه في الترب بعد طمر 
وهو لا شكّ قامر * كلّ شيء إليه قمر 
حيث محض الوجود هو * ضامر من عداه ضمر 
عدم كلّنا وكا * مرنا بالوجود كمر 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا خبرا عنّي إذا * قلت أنا أنت الأبر 
لا شكّ أنّي مبتدأ * والمبتدا عين الخبر 
فإنّك ابتدأتني * خلقا لهذه العبر 
وقائم وقاعد * أنت إذا المرء اختبر 
وقال : أنت فاعل * بالوصف قولا فيه بر 
واختلف النحاة في * شرط اعتماد يعتبر 

246
كحرف الاستفهام أو * نفي وبعض ما اعتبر 
واعلم بأنّ النحو تو * حيد به اللّه جبر 
ولغة للعرب ال * عربا لسان من غبر 
والواضع اللّه على ال * قول الصحيح المعتبر 
وأنزل اللّه به ال * قرآن كلّه عبر 
فكيف لا يكون لل * عرفان بحرا وهو بر 
فافهم كلامي إنّه * أدقّ من خرم الإبر « 1 » 
واصبر عليه واصطبر * نال المنى من اصطبر 
وإن تكن جهلته * فإنّها إحدى الكبر 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلّنا واحد هو الأمر * وهو سرّ له بنا جهر 
نحن خلق له وكثرتنا * وحدة إذ لموجنا بحر 
قف هنا يا ابن عقله أدبا * عقلك الروض والورى زهر 
إن تكن كنت أمره وإذا * لم تكن فهو ما له حصر 
هذه حالة سكرت بها * لا تلمني وغرّني السكر 
ثمّ إنّي متى صحوت أقل * هو لا غيره ولا نكر 
طر به عنه في الوجود إلى * عينه لا يصيبك المكر 

وقال رضي اللّه عنه وقد سئل عن قول طائفة النصارى بأن بسملتهم التي يزعمون أنها في الإنجيل عندهم هي باسم الآب والابن وروح القدس وأنها مثل بسملة أهل الإسلام التي عندنا في القرآن العظيم وهو كلام باطل وتمثيل عاطل وليس الإيمان مثل الكفر ولا الذهب الخالص كالرديء من الصفر فأجاب رضي اللّه عنه بقوله : 
لقد قيل لي : ما الفرق عند أولي الذكر * فبسملة الإسلام بسملة الكفر 
فقلت : تعالى اللّه ربي عن الّذي * أضلّ به كلّ النصارى مدى الدهر 
فبسملة الإسلام أسماء ربّنا * تبارك في القرآن جاءت عن الطهر 
محمد المبعوث للخلق رحمة * بوحي هو القرآن للحمد والشكر 
................................................
( 1 ) خرم الإبرة : ثقبها . 

247
وبسملة الكفر الّتي قيل إنّها * بها جاء عيسى ضمن إنجيله الزهر 
وما صدق الراوي لها وهو كافر * وأخبار أهل الكفر باطلة الخبر 
وإنّي على تسليم زعم رواتها * سأبدي لكم معنى عبارتها العبري 
يقولون : عيسى قال باسم الأب الّذي * تولّد عيسى منه بالنفخ في البكر 
نعم هو روح اللّه بالبشر السوي * أتى وهو جبريل المؤيد بالبشر 
وجبريل كانت في السماوات صورة * له عظمت فوق السماكين والنسر « 1 » 
وتلك له قد صوّرت عن حقيقة * لأوّل مخلوق هو الروح فاستقر 
ألا فافهموا مخلوقة قد تثلّثت * وكانت هنا من قبل واحدة الأمر 
هي الروح جبريل وفي صورة امرئ * سويّ كما قد جاء في محكم الذكر 
بآية أرسلنا إليها فروحنا * وجبريل والشخص الممثل كالبدر 
ثلاثة أشباح وهم واحد بدا * من العدم المقدور يعظم في القدر 
فما الآب إلّا الروح وهو أبو الورى * جميعا لمن يدري كلامي كما أدري 
وما الابن إلا صورة قد تمثّلت * هي البشر الآتي وجبريل ذو الفخر 
يؤيد هذا قوله جئت من أبي * إليكم أبوه الروح منه أتى يبري 
وقد فهمت منه النصارى بأنّه * هو اللّه جلّ اللّه عن موجب الحصر 
وحاشى رسول اللّه وهو ابن مريم * يقول كلام الكفر والشرك والوزر 
وهذا بعيد أنّ عيسى ابن مريم * يظنّ بأنّ اللّه يدرك بالحجر 
وحاشاه من تشبيه ربّي عنده * ومن نسبة التجسيم في السرّ والجهر 
وإن لمخلوق عليه تسلّطا * بعقل فإنّ العقل منه لفي خسر 
وهيهات أنّ الأنبيا يجهلونه * تعالى وكلّ منه في قبضة الأسر 
وما أنبياء اللّه إلّا لكلّهم * عقائد تنزيه تشعشع في الصدر 
ولكن ذوو الطغيان والجهل والعمى * حيارى من الإنكار للحقّ والغدر 
هم الأشقيا الضالون عن سنن الهدى * وعن شمّ طيب الحقّ من فائح العطر 
أتاهم رسول اللّه بالحقّ واضحا * فلم يفهموا ما قال من أوّل الأمر 
وظنّوا بأنّ اللّه مقصده بما * يقول وضلّوا عن تنزّه ذي القهر 
وأغواهم الشيطان حتى تكلّموا * بوسواسه المذموم من شدّة المكر 
........................................................
( 1 ) السّماكان : نجمان نيّران . يقال لأحدهما : السّماك الرامح وللآخر السماك الأعزل . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:29 pm

قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وقد حسبوا كفرا لديهم مشابها * لإيماننا باللّه في العسر واليسر 
وما نور تصديق كظلمة جاحد * ولا ماء معمودية ماء ذي طهر 
ولا طاهر سرّا وجهرا بمشبه * لذي نجس سرّا وجهرا مدى العمر 
فبسملة الإسلام نور مضيئة * وبسملة الكفر اعتقاد أولي الكفر 
وإن كان معناها على المشرب الّذي * به جاء عيسى عندنا علمها يجري 
كما نحن قلنا وهو ذوق ابن مريم * يشير به عن نفسه كاشف الستر 
فإنّ الذي لم يعرف النفس منه لم * يكن يعرف الربّ المحقّق بالحزر 
محمد ذاتيّ فبسملة له * أتت من مقام الذات قاصمة الظهر 
بأسماء ذات اللّه قد صرّحت لنا * وعيسى صفاتيّ كآدم في السبر 
وأسماء ربّي للصفات مظاهر * بها تظهر الآثار حدّث عن البحر 
لآدم أنبئهم بأسمائهم أتى * وأنباء عيسى كان بالخلق والأمر 
فبسملة الأسماء تلك إذا بدت * تكون بآثار المؤثر في الأثر 
خذ العلم عنّي بالّذي أنا مرشد * إليه عن الأمر الإلهيّ في شعري 
ودع عنك أفهام العقول الّتي بها * لقد أوّلوا المنقول بالرأي والفكر 
لأجل عوام الناس حيث تقاصرت * بصائرهم عن علم صاحبة القصر 
فما عندهم عجز عن الغيب دائما * كما عندنا خوفا عليهم من النكر 
يظنون أنّ العلم باللّه مثل ما * يقولون عن زيد بعلم وعن عمرو 
ونعلم نحن الرتبتين كلاهما * ونعرف ما قد غاب عن جاهل غمر 
وإنّ لكلّ الأنبياء مشاربا * محقّقة عندي لها نفحة الزهر 
فإن شئت أبدي بعض ذاك وربّما * ترى في كلامي منه في النظم والنثر 
وإني لمن من نال ميراث جامع * فنيت به فيه فأيقنت بالنصر 
محمد المبعوث بالحقّ قاصما * رقاب الأعادي بالمهندة البتر 
عليه صلاة اللّه ثمّ سلامه * مدى الدهر ما غنّى على عوده القمري " 1 " 
مع الآل والأصحاب ما العبد للغني * أتى بنظام طيّب الطيّ والنشر 
..........................................................
( 1 ) القمريّ : ضرب من الحمام مطوّق ، حسن الصوت ( ج ) قمر . 

249
وقال رضي اللّه عنه مخمّسا البيتين المنسوبين إلى الشيخ الأكبر قدّس سرّه : 
صدقتم هي الأكوان تطوى وتنشر 
وفي صدف الأوقات للحقّ جوهر 
كما قال محيي الدين وهو المقرّر 
لنا دولة في آخر الدهر تظهر * فتظهر مثل الشمس لا تتستّر 
ألا نحن قوم قد عرفنا بهولنا 
بقوّتنا لا نستقلّ وحولنا 
تنحّ ولا تنكر نصبك بصولنا 
فمن كان منّا أو يقول بقولنا * فبشّره بالدّنيا والأخرى يبشر 

وقال رضي اللّه عنه وصية ونصيحة لمن قال له : رأيتك في المنام تقول لي نحن أهل الصفا فعطف بالواو على قوله في المنام فقال : 
ونحن أهل الصفا لا نقبل الكدرا * أقبل علينا صفيّا واسمع الخبرا 
وكن بأوصافنا في القرب متّصفا * تنل مرادك منّا كيف منك جرى 
واستعمل الصبر فيما كنت تطلبه * فإنّما يبلغ الآمال من صبرا 
واقصد إلهك لا تقصد سواه تفز * ويذهب اللّه عنك السوء والضّررا 
إياك إياك لا تشرك به أحدا * مما سمعت وما عيناك فيه ترى 
فإنّه واحد فرد تنزّه عن * كلّ الحوادث بل لا يشبه الصّورا 
وقد تكفّل بالأرزاق من أزل * لا الأغنيا هو ينساهم ولا الفقرا 
غيب عن العقل حقّ والسّوى عدم * فحقّق الأمر واترك كلّ ما خطرا 
واقنع به حيثما ولّيت معترفا * بفضله فاز من للفضل قد شكرا 
ولا تكن يائسا منه وإن كثرت * منك الذنوب لعلّ الذنب قد غفرا 
لا أنت تدري ولا يدري سواك وإن * جلّ المقام فإنّ السرّ قد سترا 
واحذر من الأمن أيضا فهو مهلكة * واللّه يمكر فاحسب أنّه مكرا 
ثمّ استقم دائما ترجو مواهبه * وتختشي منه تقضي عنده الوطرا 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن الملوك الفقرا * في الناس حكمنا جرى 
ولا جنود عندنا * ولا نريد عسكرا


250
ولا لنا مال ولا * جاه ولا قدر يرى
وما لنا من مسعف * ولا معين في الورى 
ومن يرد يدوسنا * برجله دوس الثرى « 1 » 
وكم علينا يعتدى * وكم علينا يفترى 
وصبرنا حصن لنا * من الأذى والافترا 
ونحن لا نحن ولا * ذات ولا وصف سرى 
ولم نزل في عدم * نقرّ في أمّ القرى 
وهو المحقّق الذي * به نراه لا مرا 
بل لا يراه غيره * ومن دراه ما درى 

وقال رضي اللّه عنه " 2 " : 
إنّ الغنيّ إلى المولى من افتقرا * في كلّ حال وعن أغياره نفرا 
وما له رغبة في غير سيّده * بحكمه هو راض منه كيف جرى 
يا أغنياء بدرس العلم مطلبكم * مال وجاه وتقريب إلى الأمرا 
خلّوا المساكين في علم الإله ولا * تكلّفوهم يزيلوا حالة الفقرا 
تحقيركم والأذى منكم لهم حسد * بل ذاك بغض وتقبيح بكم ظهرا 
هم تاركون لكم ما تفخرون به * فلتتركوهم وكفّوا عنهم الخبرا 
خذوا التقدّم في الدّنيا بأجمعه * على الفقير وخلّوه يكون ورا 
فكم تسيئون ظنّا تغلبون به * فيظهر القهر والدنيا لمن قهرا 
علومكم كلّها في اللّه منشأها * من العقول على مقدار ما خطرا 
أتحسبون بأنّ الدّين أجمعه * ما عندكم من علوم من أراد قرا 
دين النبيّ ابن عبد اللّه بحر هدى * أمواجه كلّ بحر إن بدا بهرا 
لا بالعقول ولا بالفكر يطلبه * من قد أراد وإن طول الدّجى سهرا 
وإنّما هو في تقوى القلوب وما * في الوسع من طاعة بالصدق منك ترى 
وبانكسار وذلّ في الطريقة مع * ذوق الفناء بوجدان لديك سرى 
والذكر باللّه لا باللفظ تورده * مع غفلة منك عنه كلّما ذكرا 
.....................................................
( 1 ) الثّرى : التراب أو النديّ منه . 
( 2 ) في الأبيات إشارة إلى مقام الفقر والغنى . انظر حديث القشيري عنهما برسالته ص 271 - 279 . 

251
وراقب اللّه في الأحوال أجمعها * واحضر لديه به قد فاز من حضرا 
غيب الغيوب بأسرار القلوب له * معاملات توالت تتبع القدرا 

وقال رضي اللّه عنه : 
لو خلق اللّه وجودا للورى * لكان مثله ومثله افترا 
واللّه ليس مثله شيء كما * قد جاء في القرآن عند من قرا " 1 " 
والوهم في العقول ذاهب إلى * أنّ الوجود اثنان هكذا جرى 
وجود خلق ووجود خالق * هو اشتراك وهو شرك يمترى 
وإنّما الخلق جميعا عدم * مقدّر له الإله قدرا 
وكلّهم في العلم مفروضاته * وعلمه القديم محلول العرى 
وقد تجلّى بالتقادير الّتي * قدّرها جميعها فظهرا 
منزّها مقدّسا عنها وعن * جميع ما في العقل قد تصوّرا 
فهو الوجود الحقّ ظاهر لنا * وباطن عن غيرنا مستترا 
لأنّ غيرنا يرى تقديره * ولا يراه لا رأى ولا درى 
وكلّ تقدير بلا مقدّر * هو المحال المحض في عقل الورى 
ومن يصوّر صورة من عدم * فإنّه وجودها الّذي يرى 
لكنّها محجوبة عنه بها * والعلم يكشف الّذي تقرّرا 
والجاهل المغرور هذا عنده * مستبعد ضلّ به فأنكرا 
ونحن نعلم التقادير الّتي * قدّرها الباري الّذي لها يرى 
ونحن من جملتها أجمعنا * وهو الوجود الحقّ ما فيه امترا 
وإنّه غيب ولا تعرفه * وعجزنا عنه لنا تحرّرا 
فاتبع طريقنا وقل بقولنا * إنّ رمت شيخنا الكبير الأكبرا 

وقال رضي اللّه عنه : 
إن هذا زمن الأمر العسير * ما خلا من شرّه كلّ العشير 
حسّنوا القول وقالوا واحد * ما له ثاني هو اللّه الكبير 
صدقوا في قولهم لا في الّذي * عندهم في باطن الأمر شهير 
...............................................................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة الشورى الآية ( 11 ) : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . . . 

251
إنّهم في الحسّ والعقل إذا * أبصروا أو أدركوا قالوا : كثير 
جعلوه اثنين عنهم واحد * غائب والآخر الجمّ الغفير 
والّذي وحده ألحد في * زعمهم ما إن له منهم نصير 
أصل هذا أنّهم يعتقدو * ن سوى اللّه بتأثير يصير 
وهو جزء اختياري لهم * حقّقوه وإلى اللّه المصير 
وتراهم يعبدون اللّه مع * طلب المال به المال الحقير 
ولهذا ما له من عابد * عندهم إلّا وبالمال يشير 
فالعبادات جميعا خلطو * ها بتحصيل عسير ويسير 
أين أين المخلصون استمعوا * يا رفاقي واتركوا الشرك المبير 
وإلى اللّه ارجعوا واستغفروا * ربّكم مما به نار السعير 
إنّما قد أمروا أن يعبدوا * مخلصين الدين في قول القدير " 1 " 
وألا للّه دين خالص * هو معنى قوله : وهو الخبير 

وقال رضي اللّه عنه : 
خذوا علمكم باللّه لا تتأخروا * وبالكون من كن لا من العقل تبصروا 
فكن قوله الحقّ الّذي هو كلمة * وجوديّة عنها الحوادث تظهر 
ظهور ضياء من خروق تقدّرت * لكم في جدار والضّيا لا يقدّر 
ولكنّه يبدو بها وهي فعله * وما حلّ فيها وهو فيها يؤثر 
ولا تحسبوا مني المثال ضربته * هو اللّه للأمثال يضرب فانظروا 
ونحن أولاء العالمون بها كما * لنا قال في القرآن وهو المصوّر 
يصوّر أمثالا ونعقلها به * وما الغير إلّا حائر متنكر 
وأمثاله مخلوقة كبعوضة * فما فوقها يدري بها المتدبر 
عليكم كتاب اللّه أي فالزموه كي * تكون اعتقادات لكم فيه تحصر 
وقال كتاب اللّه قدّمه على * عليكم لينفي غيره فتدبّروا 
وكن فيكون الشيء يوجد نسبة * إليه بلا استقلاله حين يؤمر " 2 " 
...............................................................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة مريم الآية ( 51 ) : وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ . 
( 2 ) في البيت إشارة إلى سورة مريم الآية ( 35 ) : إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . 

252
ألا هكذا فافهم كلام إلهنا * فإنّ كلام اللّه يطوى وينشر 
كما كلّ أمر ربّنا آمر به * لنا هو فينا خالق ومدبّر 
فنفعله في ظاهر وهو فاعل * له باطنا مثل الوجود يقدّر 
هو الشيء ربّي شاءه وهو هالك * كما قال إلّا وجهه فتبصّروا 
ولا تحسبوا الأشياء منه تولّدت * فليس من الحقّ الأباطل تصدر 
وليس وجود من وجود يكون قل * هو اللّه واقرأ ما هو المتقرّر 
فربّك لم يولد ولم يلد استمع * مقالته في الذكر أيان تذكر 
وكن مثل ما قد كنت في علمه بلا * وجود وجود اللّه لا يتكرّر 
ولكنّه لمّا بدا متجليا * حسبتم لكم صار الوجود المطهر 
وأنتم به التقدير من عدم له * على صولة الأسماء يخفى ويظهر 
وقد قال أطوارا لنا هو خالق * مرتبة طورا فطورا يطوّر 
فنحيا به طورا زمانا وتارة * نموت به واللّه لا يتغير 
أقم عاجزا عنه وآمن به ولا * تشبهه بالمعنى الّذي فيه تفكر 
ونزهه عن محسوس حسّك دائما * ومعقول عقل الكلّ فاللّه أكبر 

وقال مواليا : 
حبّي الذي بين موتي والبقا خيّر * والعقل مني بأنواع الجفا حيّر 
لم يكفه أنّ جسمي بالضنى غيّر * حتى جفاني وبالأسقام لي عيّر 

وقال رضي اللّه عنه : 
هذه الآيات والسّور * ما هي الأشباح والصور 
لكن الألباب حائرة * وقفت من دونها الفكر 
عزّ مطلوبي وجلّ فلا * ملك يدري ولا بشر 
إنّني بالحسن أعرفه * وإليه الكلّ مفتقر 
بي محيط قادر وبه * إنّني في الكون أنتصر 
وأنا الكرسيّ صيغ له * من أباطيل هي الأكر 
وهو مستول عليّ بما * شاء لا يبقي ولا يذر 
عاليا فوقي أحسّ به * كلّ ما بي شاء يشتهر 
غير أني دونه شبح * غير أني تحته أثر 

254
قدر منه أنا وأنا * لست أدري ما هو القدر 
إنّ أنثى النفس ولّدها ال * روح وهو الصارم الذكر 
حيث رحمن الوجود على * عرشنا يبدو ويستتر 
ظاهر بالاستواء لنا * حيث أنّا كلّنا عبر 
إنّ زهدي خلقة طبعت * فيه نفس ليس تنحصر 
واعترافي بالقصور ولا * شمخة مني ولا ضرر 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا تمش معه كما ترى * وامش إليه القهقرى 
وإليه فاسمع تقلبو * ن كما أتاك مقرّرا 
أو ما سمعت بأنّه * قد قال عنك كما ترى 
هذا الّذي قد جاء في ال * قرآن عنه بلا امترا 
لتراه ليس برؤية * معهودة لك في الورى 
بل رؤية لا رؤية * وجرى الحديث وما جرى 
إنّ الوجود فقط له * لكن أبانك مظهرا 
فاشهده لا تشهد سوا * ه وكن به كيف الكرى 
والكائنات جميعها * مثل الخيال إذا سرى 
كاللّمح من بصر لمن * قرأ الكتاب وما درى 
هو أمره والأمر ق * دّره فجاء مقدّرا 
يا مظهر الحقّ المبي * ن انظر لربّك من ورا 
وافهم مقالة عارف * ودع المرا والافترا 

وقال رضي اللّه عنه : 
اطلب العلم بجدّ واجتهد * فيه واصحب من قراه ودرى 
وتواضع لذوي الفضل ولا * تصحب الجاهل واتركه ورا 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ العوالم كلّها موجودة * لكن وجود الفرض والتقدير 
واللّه موجود حقيقيّ بلا * شبه ولا كيف ولا تصوير 
وهو الّذي فرض العوالم كلّها * وهو المقدّر لي إليه مصيري 

255
ولأجل هذا كلّ شيء هالك * والكلّ فان قال في التعبير 
وهو الّذي علماؤنا يعنونه * أهل المعارف كهف كلّ خبير 
فافهم مقالتنا وكن متحقّقا * تسلم من الإنكار والتكفير 
أو لم تكن تفهم فإنّك جاهل * أعمى كفرت الحقّ غير بصير 
إلا إذا آمنت بالغيب الّذي * لم تدنه وقنعت بالتقصير 
أو لا فهيىء للجحيم أضالعا * مملوءة بالكفر نار سعير 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
جرّد فؤادك عن الأغيار طار الطير * في حبّ ليلى فلا تدخل عليها الدير 
هيهات لست تراها يا قليل الخير * بالعين تلك الّتي تنظر بها للغير 

وقال رضي اللّه عنه : 
ما هذه عندنا الأجسام والصور * وإنّما هذه الآيات والسّور 
كلام خالقنا كن أمره فيكو * ن الخلق أجمعهم يا من له بصر 
حسّ فعقل فربّ ليس يدركه * حسّ وعقل وفيه حارت الفكر 
مراتب هي عين تلك واحدة * دنياك فالبرزخ الأخرى هي العبر " 1 " 
وقل هو الغير ثمّ الفصل منه له * فالذات وانظر به يكشف لك النظر 
والحقّ حقّ قديم في مراتبه * عين المراتب والفاني هو الأثر 
والأوّل اللّه لا ثاني له أزلا * والآخر اللّه لا تبقى له أخر 
والظاهر اللّه والأغيار باطلة * والباطن اللّه لا يدرى له خبر 
كن عارفا مثلنا باللّه لا بك في * ما قلته لك وأصدق أيّها البشر 
فإنّ قولي من القرآن مأخذه * وسنّة المصطفى والقهر معتبر 
فهم من اللّه لا منّا به ظهرت * لنا الحقائق لا يبقي ولا يذر 
نور على النور يهدي اللّه خالقنا * لنوره من يشا حيث اقتضى القدر 

وقال رضي اللّه عنه : 
فيه أنا ميت ومقبور * وفيه محشور ومنشور 
هو الوجود الحقّ لا أحد * سواه لا نار ولا نور 
............................................
( 1 ) البرزخ : ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى يوم البعث . 

256
وجنتي وهو نعيمي ولم * يزل إلى أن ينفخ الصور 
والحور والولدان تبقى ولا * ولدان إلا هو ولا حور 
هناك لا يبقى سواه ولا * يبقي سواه وهو مشهور 
وهكذا الكلّ ولكن هنا * يظهر مخذول ومنصور 
وجود حقّ نحن فيه وما * فيه سواه باطل زور 
كن هكذا مثلي تكن مثله * وثمّ لا مصر ولا سور 
حضرة إطلاق كروض زها * يطرب منه فيه شحرور " 1 " 
وهو الذي يسمع لا أنت بل * يبصر لا أنت ومبصور 
وذاك مسموع ولا غيره * وهو لا موسى ولا طور 
وإنّما الكلّ تقاديره * كالبرق مقدور فمقدور 
علم قديم وهو عين الّذي * يعلم محزون ومسرور 
وجوده النفس وذلك في * أسماه والصفات مذكور 

وقال رضي اللّه عنه : 
فراشتي رأت النور الّذي ظهرا * نور الوجود الحقيقي يخطف البصرا 
وهاجها النفخ في الناي الرخيم وقد * بدا الجمال من الوجه الّذي بهرا 
فألقت النفس منها فيه فاحترقت * فلم تغادر لها عينا ولا أثرا 
والناس قد جهلونا في فراشتنا * على اختلاف لهم في حقّنا اشتهرا 
فقال بعض هوت للنار تعبدها * والبعض قال عليها وهمها قهرا 
وقال بعض لها عشق يهيج بها * فتحسب النار نورا والهوى غدرا 
وكلّهم أخطأوا فيها الصواب ولم * يشعر بها غير حرّ يعرف القمرا 
يدري التجلّي من الغيب الفريد على * من كان للفاعل الحقّ الحقيق يرى 
هذا ومن عجب أنّ الفراشة لا * تبقى على حالها لمّا قضت وطرا 
وكلّما سقطت في الأرض محرقة * عادت كما هي داعي سرّها جهرا 
.............................................................
( 1 ) الشّحرور : طائر من فصيلة الشحروريات ورتبة العصفوريات ، وهو أسود اللون ، أكبر من العصفور دائم التغريد ، لون منقار الذكر برتقالي ، والأرجل والمخالب سمر غامقة ، أما لون منقار الأنثى فأسمر قاتم ، وريشها أسمر قاتم من الأعلى ، وأسمر فاتح من الأسفل ، يربى في أقفاص لحسن صوته . ( ج ) شحارير . 

257
حتى تعود إليه وهو يحرقها * وباطل هي وهو الحقّ قد ظهرا 
نحن الفراش جميعا حول شعلته * نطوف لكن درت عشاقنا الخبرا 
كما أتى في كتاب اللّه يوم يكو * ن الناس هم كالفراش البثّ منه طرا " 1 " 
وليس يدري الذي لا عشق فيه إلى * وجه المليح ولا كيف الغرام جرى 
في الغيب نور حقيقيّ يجلّ فلا * يهواه إلا الّذي عمّن سواه سرى 
له ظهور بأشكال قد اختلفت * فيعشقون له الأشكال والصّورا 
وهو الجميل فلا شيء يشابهه * والقلب يعرف من كلّ القلوب برى 
يا ناظرون قفوا ما عندكم خبر * حتّى تذيبوا الحشى والعقل والفكرا 
فراشكم لا يرى نور المليح ولا * ذاك الجمال الّذي عنكم قد استترا 
وإنّما جيف الدّنيا لكم فتن * وغيركم قلبه غيب الغيوب درى " 2 " 

وقال رضي اللّه عنه : قد عرض عليّ بعض الإخوان هذين البيتين الأولين وطلب مني تخميسهما فرأيت الأولى التذييل عليهما بثمانية أبيات حتى يصير الجميع عشرة وهي : 
عيني لغير جمالكم لا تنظر * وسواكمو في خاطري لا يخطر 
وجميع فكري فيكمو دون الورى * وعلى محبتكم أموت وأحشر 
يا سادة قلبي بهم متعلق * أبدا وعنكم ساعة لا أصبر 
إن نمت كنتم في المنام معي وإن * في يقظتي قد كنت فيكم أبصر 
لا فرق ما بيني وبين خيالكم * إن غاب غبت وإن حضرتم أحضر 
اثنان نحن وفي الحقيقة واحد * لكن أنا الأدنى وأنت الأكبر 
ولعلّ لطفك أن يداركني فقد * أقللت من أدبي وإني الأحقر 
سبحانك اللّهمّ يا ملك الورى * إنّي بجاهك في الورى أستنصر 
ولقد جعلت وسيلتي لك سيّدا * أرسلته بالحقّ دينك يظهر 
وهو النبيّ محمد دون الورى * منك الصلاة عليه ليست تحصر 

وقال رضي اللّه عنه : 
الحبة السوداء في خدّه * بها يباهي ورده الأحمرا 
وهي الشفا من كلّ داء كما * جاء عن المختار خير الورى 
......................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة القارعة الآية ( 4 ) : يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ . 
( 2 ) الجيف : ( ج ) الجيفة : جثة الميت إذا أنتنت . 

258
من لي بها أدفع داء الهوى * عني ولو بالشمّ أو أن أرى 
وإنّما الوردة نار وقد * شممت من حبّتها العنبرا 
فليت شعري ريحها لي شفا * أو أن أراها فاز من أبصرا 
هذا حديث لم يبنه لنا * إلّا الّذي عنها لنا خبّرا 
وقال رضي اللّه عنه وقد طلب منه تخميس هذين البيتين للعارف الشيخ عبد القادر الكيلاني : 
ألا يا فتى كيلان حفّ بجحفل « 1 » 
من الأوليا يا نسل أفضل مرسل 
ويا من هو السلطان من غير مجهل 
أأظمأ وأنت العذب في كلّ منهل * وأظلم في الدنيا وأنت نصيري 
مقامك ما بين البريّة نادر 
وعن عزّك الأذلال للغير صادر 
وقد مسّني ضيم وإني مبادر 
وعار على راعي الحمى وهو قادر * إذا ضاع في البيد أعقال بعيري 

وقال رضي اللّه عنه موشحا عروض ألا إن سمت حبي : 
" دور " 
بدا بدر الدياجي * فأفنى الكلّ نوره 
ولم يكتم ظهوري * به إلا ظهوره 
وما باثنين كنّا * ولكن ذا غروره 
وجود واحد لا * يثنيه خطوره 
" دور " 
له أمر قديم * به تبدو الحوادث 
وذاك الأمر عنه * به أبدا نباحث 
فحقّق منك نفسا * تجد فيها صدوره 
وجود واحد لا * يثنيه خطوره 
........................................
( 1 ) الجحفل : الجيش الكثير فيه خيل ( ج ) جحافل . 

259
" دور " 
رأينا وجه سلمى * فصار الكلّ فاني 
وفيها حيّرتنا * بأصوات المثاني 
وقد لاحت جهارا * لمن يحلو مروره 
وجود واحد لا * يثنيه خطوره 
" دور " 
صدقتم يا رفاقي * جميع الناس تاهوا 
وهذا الوجه يجلى * فأين الاشتباه 
ولكن من يعاني * كلامي نفخ صوره 
وجود واحد لا * يثنيه خطوره 
"دور " 
صلاة اللّه ربّي * على طه الممجد 
ومن بالفضل فينا * مدى الدّنيا مؤيّد 
به عبد الغني * لقد ولّى نفوره 
وجود واحد لا * يثنيه خطوره 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
إن شاء مولاي يظهر للذي يختار * في كلّ شيء بلا حجب ولا أستار 
وإن يشا يحتجب بالكون والآثار * فالزم أدب حضرته وأعرض عن الأغيار 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
يا من يرى ما ظهر منّا وما في السرّ * أنت الّذي حيّر الماهر به والغرّ 
وأنت يا قلب كم هذا التقلّب قرّ * اسكن إلى اللّه من كلّ العوالم فرّ 

وقال رضي اللّه عنه : 
شمس وحي ظهرت في قمري * فانجلى الأمر بحكم النظر 
أمر حقّ ليس فيه باطل * إنّما الباطل كلّ الصور 
ثمّ غاب الأمر عنّي واختفى * في وجود ظاهر للبصر 
بصر العارف لا العاقل لا * صاحب الحسّ ولا ذي الفكر 
كلّ شيء صورة مرسومة * في خيال مطلق منحصر 

260
والخيال المطلق النفس الّتي * سميت باللوح لوح القدر 
وهي نفس الروح روح الأمر أي * أمر ربّ خالق للأثر 
أثر فان دعوه تقفوا * موقف العرفان بين البشر 
هو لا نحن ولا أنت ولا * كلّ ما ندركه فاقتصر 

وقال رضي اللّه عنه في كتابه قطرة السماء ونظرة العلماء : 
لا خلق أعظم مثل خلق الآخرة * يعطى السعيد بها العلوم الفاخره 
وإليه مرجع كلّ شيء في الورى * لا سيّما أهل العظام الناخره " 1 " 
ونعيمه وعذابه متنوّع * أبدا كأمواج البحار الزاخرة 
والكلّ في التحقيق أمر واحد * كلّ القوابل تستشمّ مباخره 
والقبضتان هما جمال إلهنا * وجلاله ظهرا لنا في الآخرة 
والحقّ في عين الجميع محقّق * والنفس لاهية بذلك ساخره 
والنقر في الناقور يكشف خافيا * باللبس أوّل ما يقول وآخره " 2 " 

وقال رضي اللّه عنه : 
معان بدت فينا حروف سطورها * وقد أعجزت أفهامنا عن خطورها 
تلوح بنا فينا لنا ثمّ تختفي * فيحشرنا عنّا لها نفخ صورها " 3 " 
إذا رام موسى العقل ينظرها أبت * ولكن له قد كلّمت فوق طورها 
أمات عليها القوم أنفسهم هوى * وأفنوا دعاوى هم أسارى غرورها 
فكانوا بها في جنّة عجلت لهم * تمتعهم منهم بهم في قصورها 
تبارك قلب وحيها فيه نازل * بآيات حقّ ناسخ لزبورها " 4 " 
وجلّ فتى يدري جمال صفاتها * على وجه ولدان الجنان وحورها 
غزالة روض القلب ترنو بأعين * إلينا فتنفي الصبر خوف نفورها 
تبدّت بوجه نوره بهر الورى * وقد سترتني عنه خلف ستورها 
ولو لم يكن ماء الحياء بوجهها * يدافع عنّي لاحترقت بنورها 
.......................................................
( 1 ) الناخرة من العظام ونحوها : المجوّفة والبالية والتي فيها ثقبة . 
( 2 ) الناقور : الصّور ينفخ فيه ( ج ) نواقير . 
( 3 ) الصّور : القرن أو شيء كالقرن اتّخذ بوقا ينفخ فيه ( ج ) أصوار . 
( 4 ) الزبور : الكتاب ( ج ) زبر وغلب على صحف النبي داود عليه السلام . 

261
وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
"دور " 
محبوب قلبي لاح * للعين في صوره 
وجامع الأرواح * لي فيه مقصوره 
والقلب في أفراح * والنفس محصوره 
كاسات صرف الراح * رايات منصوره 
" دور " 
يا طلعة الساقي * من جانب الأكوان 
يزهو بإشراق * في حضرة الديان " 1 " 
خمري هنا باقي * يجلي على الندمان 
فاسكر به يا صاح * أحوال مبصوره 
" دور " 
إنّي أنا وحدي * والكلّ أفعالي 
فأخرج من اللّحد * يا غافل البال 
واعلم بلا جحد * آيات أقوالي 
روض المعاني فاح * أغصان مهصوره " 2 " 
" دور " 
صلّى على المختار * ربّي مع التسليم 
من جاء بالأنوار * واختصّ بالتقديم 
عبد الغني يختار * في الحبّ شرب الهيم " 3 " 
والبلبل الصيّاح * أحشاه معصوره 
........................................
( 1 ) الدّيّان : من أسماء اللّه الحسنى . 
( 2 ) هصر الغصن ونحوه : عطفه وكسره من غير فصل . 
( 3 ) الهيم : قوم هيم : عطاش . 

262
وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
إنّ وجها كنت أنظره 
يختفي عني فأظهره 
والّذي أخطى مصوّره 
ساكن في القلب يعمره * لست أنساه فاذكره 
كم به وجدي أجاهده 
وهو فرد الكون واحده 
ولئن زالت شواهده 
حاضر عندي أشاهده * وسويدا القلب تبصره 
إنني في روضه ثمر 
منته فيه ومؤتمر 
ثمّ لمّا غرّني القمر 
قلت للعذال مذ أمروا * بسلوّ عزّ أيسره 
خائف والحقّ ما منه 
فانظروا فالحبّ يحضنه 
هل سلوّ الصبّ يمكنه 
مالكي في القلب مسكنه * فسلوّي أين أضمره 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنتم هي الجوزة في قشرها * وصعوة تسكن في وكرها " 1 " 
والمزج من حقّ ومن باطل * في درّة غرقاء في بحرها 
وراءكم أنتم وقدّامكم * يا حضرة قد غبت في ذكرها 
إلى متى يا قوم في غفلة * أنتم عن البكر وعن خدرها 
قوموا إليكم واكشفوا ستركم * عنكم وعن سعدي وعن سترها 
فوجهها من خلف أثوابكم * وشمسها تشرق في بدرها 
................................................
( 1 ) الجوزة : واحدة الجوز : جنس شجر مثمر من الفصيلة الجوزية ، وهو غني بالمادة الدهنية ويستعمل في الأطعمة والحلويات ، وجوز الهند ويسمى النارجيل : جنس شجر من الفصيلة النخيلية ، فيه أنواع للتزيين ، وفيه نوع يمتاز بثمرته الكبيرة ذات الغلاف الخشبي المحاط بالليف . 
الصّعوة : صغار العصافير ، وقيل : هو طائر أصغر من العصفور وهو أحمر الرأس . ( اللسان 14 / 460 ) . 

263
والكون ليل ونهار اللقا * نفس يلوح النور من فجرها 
كم خلعت ثوبا تجلّت به * واتّشحت بالبرد في صدرها 
وهي على ما هي في ذاتها * لم تتغيّر بانطوا نشرها 
وإنّما تظهر في هيئة * حسب الّذي تختار من أمرها 
وتختفي عنّا ومن عالم * لعالم تمشي على قدرها 
وشأنها هذا كما يقتضي * مقامها والعزّ من فخرها 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّي أنا فرضه وتقديره * إنّي أنا خلقه وتصويره 
وجود حقّ أزيل باطلنا * به ولو ألقيت معاذيره 
غيب من الغيب يستبين بنا * ونحن في روضه شحاريره 
نفصح عنه به فنعجمه * تعريفه يستوي وتنكيره 
نئنّ حتى تسيل أدمعنا * كأنّنا في الهوى نواعيره 
ونحن قوم لنا به لغة * تفهم أسرانا نحاريره 
وكلّ من حاد عن طريقتنا * فحسبه عجزه وتقصيره 
ولا تلوموه إنّه رجل * عن الصفا قد ثناه تكديره 
تبارك اللّه علمنا سجعت * بروض أزهاره عصافيره 
وانتشرت في الورى روائحه * واشتهرت في الملا تباشيره 
وكلّ هذا بما تضمّنه * من كلّ ما لا يطاق تعبيره 
حقيقة يظهر المجاز بها * ويختفي لا يدوم تقريره 
نعرفه عندما نراه ولا * نراه لكن يعمّ تزويره 
وقد تجلّى بنا فندرك ما * به تجلّى وذاك تأثيره 
وحدتنا نحن وهي ظاهرة * في الثنويات وهي تقديره 
فواحد نحن وهو متّحد * تدبيرنا في الأمور تدبيره 
واثنان في الغيب نحن وهو ولا * يمكن تغييرنا وتغييره 
هذا هو الحقّ عند عارفه * وعند من عنده مقاديره 
وليس يدريه غير من سكنت * شؤونه وانمحت تصاويره 
وكان روحا مجرّدا وهدى * إشراقه زائد وتنويره 

264
وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
أفعال ربّ الخلق روضة عطره 
وأنامل الأيدي لا حرف سطره 
بك صائم الأغيار فرحة فطره 
يا من إذا بخل الغمام بقطره * جادت أنامله بأبحر برّه 
لك عندنا في العارفين لنصرهم 
سرّ عظيم وهو يوسف مصرهم 
وبأسر عشقك هم وأنت بأسرهم 
الناس عام والكرام بأسرهم * شهر الصيام وأنت ليلة قدره 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا من يقول بأنّه يدري الفنا * ويظنه معنى يلوح بفكره 
مثل الّذي يدري الطعام وطعمه * فهما بلا أكل لشدّة ذكره 
إنّ الفنا حال إذا دهم الفتى * لا يستفيق له الفتى من سكره 
فتراه لا تمييز أصبح عنده * إذ طار طائر عقله من وكره 
وعلى البريّة ليس يخفى حاله * في صدقه عرفوه أو في مكره 
هذا الفنا هو مسقط الأحكام عن * كلّ امرئ دهمته حالة نكره 
إن زاد عن يوم تراه وليلة * مثل الجنون بحكمه المستكره 
وأقل من هذا فليس بمسقط * فرض الصلاة فقم بواجب شكره 
واحذر تظنّ بأنّ علمك للفنا * من غير ما ذوق لخمرة بكره 
هو مسقط أحكام شرعك مثلما * عند الزنادقة النفاة لحكره 

وقال رضي اللّه عنه : 
كم من حقير له سرّ تضمّنه * وآية هي عند اللّه معتبره 
ناي تلقفت الألباب نغمته * مع أنه قصب في هيئة حقره 
كمثل موسى عصاه حين أرسلها * تلقفت كلّ ما جاءت به السّحره 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
إياك أن تحتقر بين الورى ذرّه * فإنّها أنت واعلم أنّها درّه 
ومن تحقّق ذا للّه قل درّه * روح شريف تصوّر فارتضع درّه 

265
وقال كذلك : 
هيهات هيهات أعط القوس باريها * يا من يروم بنفسه كشف باريها 
لا تعرف النفس من أمره يجاريها * ما لم تزل وهو يجري في مجاريها 
وقال رضي اللّه عنه في كتابه الفتح المدني في النفس اليمني : 
بدت الحقيقة من خلال ستورها * واستأنست من بعد طول نفورها 
وتبسمت في وجه عاشقها الّذي * قد هام منها في بياض ثغورها 
وتلبّست للطارقين على الهوى * بسواد مقلتها وبيض شعورها 
فأقم قوامك وانتظر وانظر ولا * تشغل زمانك بالجنان وحورها 
واخلع لها ثوب الفنا هي بالفنا * واقبل على المرفوع من مكسورها 
لا بل نعم بل كيف بل كم هذه * هي روضة قد عطّرت بزهورها 
وشدت على عيدانها أطيارها * فاسمع معي منها غناء طيورها 
وانظر لبلبلها يغرّد مطربا * في روح هذا الكون مع شحرورها 
صدق الذي قد قال فيما قاله * في طيّها الترتيب من منشورها 
خفيت وما خفيت وقد ظهرت وما * ظهرت وقام خفاؤها بظهورها 
كتم ولا كتم وإفشاء ولا * إفشاء فيها عند أهل أمورها 
هي وهي وهي هي الّتي هي عندهم * هي عندنا هي في حجاب خدورها 
شمس بها كلّ الشموس تنوّرت * منها ولاحت في ذوات بدورها 
من قال من هي قلت من هي مثله * قولا يحقّقني بورد صدورها 
هي هكذا هي هكذا هي هكذا * يا تائها في نفسه بخطورها 
لا مثل قولك هكذا يا هكذا * ما حزنها في القلب مثل سرورها 
كلّا ولا خيراتها في قربنا * منها كمثل البعد وقت شرورها 
طابت فطيبتها تفوح بطيّها * في وردة الأكوان من منشورها 
اللّه أكبر إنّها النبأ الّذي * في نارها وقع الجهول ونورها 
ولقد بدت كاساتها مملوءة * من مائها الصافي وصرف خمورها 
ولطيف ما قد سال من لبن لنا * في ضرع نسبتنا بأرض نهورها 
وحلاوة العسل الّذي هو رائق * من نحل أنفسنا وبيت قبورها 
هي سورة في الذكر تتلى دائما * هي صورة من نفخها في صورها 

266
قالت بها كلّ الرجال كقولنا * لكن بنا قالوا لأجل قدورها 
تلك القدور الراسيات على العمى * تلك التماثيل التي لجحورها 
عكفوا عليها لائذين بحبّها * إنّ المحبة دكّها في طورها 
ناجى بها موسى الكليم وقد رقى * عيسى بها روح الدّجى ببكورها 
وتبينت في آدم الجسد الّذي * هو للتراب المحض من مقبورها 
وأتاك إسلام الخليل بها وقد * سكنت مع الحركات عامر دورها 
فاستحلها بيضاء سوداء السّوى * بك وافهم المقصود من مذكورها 
صحّ الحديث فخذ بما هو ظاهر * هذا هو المعروف من منكورها 
عين غدت كلّ العيون جفونها * يا قطرة فزنا بكلّ بحورها 
جيد الزمان بعقدها متزيّن * وهي الّتي تزهو ببيض نحورها 
ولها بها منها صلاة شؤونها * تتلو السّلام بصفوها لكدورها 
ما هينمت نسماتها وتألّقت * منها البروق على مرور دهورها 
وبها زهت ذات الستور ملاحة * وتنزّهت في عاليات قصورها 
وتفاخرت وسمت على كلّ الورى * وتطاولت عنهم بنفي قصورها 
قصرت محاسنها على عشاقها * فاشتاق ناظرها إلى منظورها 

وقال رضي اللّه عنه : 
جميع الكون مظهره * فيخفيه ويظهره 
فلا التشبيه يدركه * ولا التنزيه يحضره 
لأنّ الكلّ أحكام * بنا فينا يقدّره 
إله مطلق عن كلّ * ما فينا يصوّره 
وعن إطلاقه أيضا * إذ الإطلاق يحصره 
بتنزيهي وتشبيهي * معا في القلب أذكره 
وعقدي دائما فيه * هما يختار جوهره 
وهذا العقد مشروع * به التنصيص موفره 
ومن يجزم بهذا لم * يزل ربّي ينوّره 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا عابدا ربّا بتصويره * وعقله من تحت تسخيره 

267
يفهم شيئا ويظنّ الّذي * يفهمه اللّه بتسطيره 
خالقك اللّه بلا شبهة * وخالق العقل وتصويره 
من لم يكن يعجز عن علمه * بربّه فاه بتغييره 
فإنّ ما في عقله كلّه * خلق له من بعض تأثيره 
يا قانعا بالعقل في ربّه * ما ثمّ فيه غير تقديره 
وإنّك المحجوب عنه بما * تخيلته النفس من غيره 
تظنّ أنّ اللّه ذاك الّذي * عقلته تلجأ إلى خيره 
هيهات هيهات فيا ويح من * يعبد مفهوما بتدبيره 
يدعوه في سرّ وجهر ولن * يجيبه في حال تعسيره 
لأنّه في عجزه مثله * خلق عليه وسم تحقيره 
يجلّه وهو له خاضع * معترف عنه بتقصيره 
وكلّ هذا حاصل منه في * صورة معنى مثل تعبيره 
ما عنده الإيمان بالغيب كي * يزول تنجيس بتطهيره 
ويعرف اللّه القديم الّذي * ما مثله شيء بتطويره 
واللّه حقّ والسّوى باطل * فاحذر من العقل وتزويره 
وأثبت على الشرع وما جاء من * أحكامه تظفر بتنويره 
وافهم من القرآن مستدركا * ما خرّب العقل بتعميره 
واقبل على الغيب وكن واثقا * به وخف من حكم تدميره 
واقطع بعجز الكلّ عن دركه * واهرب من العقل وتحكيره 
عجبت ممّن يترك الفهم في ال * قرآن لا يلوي لتفسيره 
ليعرف الربّ به وهو لا * ينهى عن العقل وتفكيره 
تراه يخشى الفهم في آية ال * قرآن تلقيه لتكفيره 
ولا يخاف العقل يطغى به * كأنّه يقضي بتوقيره 
فافهم كتاب اللّه واحكم بما * فيه على الأدنى وقطميره " 1 " 
واضرع إلى ربّك ترجوه في * تهليله حقّا وتكبيره 
وإن أراك اللّه فضل امرئ * من كامل الدّنيا وتحريره 
.......................................................
( 1 ) القطمير : الشيء الهين يضرب مثلا للتافه القليل الشأن . 

268
فثق به واركن إلى قوله * واعكف على تكرار هجيره 
واشمم شذا الروضة من نفسه * وعش به واقنع بتعطيره 


وقال رضي اللّه عنه : 
انظر إلى الكون وتسطيره * واعلم بأنّ السرّ في غيره 
لا يطلب اللّه بصدق ولا * يشتاق أن يلقاه في سيره 
إلّا الّذي يؤمن بالغيب لا * يقنع بالعقل وتصويره 
ونفسه يعرفها أنّها * داخلة في حكم تقديره 
عاجزة عنه تعالى فلا * تدرك منه غير تغييره 
للشيء فالشيء إذا هالك * ووجهه باق على خيره 
منامكم قد جاء في الذكر من * آياته فافطن لتذكيره 
والناس قد جاء نيام كما * نبيّنا قال بتقريره 
ونائم يلقى خيالا نشا * منه فيحتاج لتعبيره 
وإنّما التعبير من ظاهر * لباطن يعبر في غيره 
ليس كمثل اللّه شيء كما * قال تعالى عند تفسيره " 1 " 
إشارة يعرفها عارف * صفا من الغير وتكديره 
فافهم كلامي وتحقّق به * ليشرق القلب بتنويره 
....................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة الشورى الآية ( 11 ) : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . 


* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:30 pm

قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الزاي 
قال رضي اللّه عنه : 
إنّ ذلّي في حبّ علوة عزّ * فالطفوا في الملام أو فاستفزوا 
يا نفوسا بالجهل منتكسات * يعتريها إن شمّت الحقّ وخز 
اخسئي ولا تجاوزي قدر وهم * هو طرز والفهم في اللّه طرز 
نظرت بالعيون منا سعاد * فسواها نفوسنا تشمئزّ « 1 » 
وحّدوها في غيبها وعجيب * أشركوا حين أقبلت تهتزّ 
إنّ جسمي هو الجدار عليها * وهو منها وتحته هي كنز 
ظهرت بالقدود منعطفات * وعيون فيهنّ للسحر رمز 
وغرامي على هواها غرامي * ما اعتراني عيّ ولا حلّ عجز 
لا تقل إنّك المروّع منها * هي أمن للخائفين وحرز 
ولها من ذواتنا إيماء * ولها بالعقول منّا غمز 
ألف الحقّ في الغيوب استقامت * وهي في الكون بالتحرّك همز 

وقال رضي اللّه عنه : 
من أين للسعد ما ندري وللرازي * فيما نحاول من كشف وإبراز 
هما يقولان عن إدراك عقلهما * في اللّه تقييس بنيان بهنداز 
من عصبة واجهوا بحر الشريعة مع * دعوى النفوس فنالوا ملء أكواز " 2 " 
وينقل البعض عن بعض ويكنز ما * يروي فهم بين نقّال وكنّاز
.......................................................
( 1 ) اشمأز اشمئزازا : انقبض واقشعرّ ونفر . 
( 2 ) الأكواز : ( ج ) الكوز : إناء من فخار ، أصغر من الإبريق ، له أذن يشرب به الماء . 

270
حتى إذا فهموا أقوال من سلفوا * وحرّروها بتطويل وإيجاز 
قالوا الجهابذة النّقّاد نحن فمن * لنا يساوي وأين البوم والبازي 
كبائع الخبز لا يدري العجين ولا * طحن الدقيق ولا نيران خبّاز 
سوى التناول مع تصفيف أرغفة * والبيع للغير في شام وأهواز 
وفاض نحن علينا البحر فامتلأت * به بواطننا من غير إعواز 
والحقّ واجهنا في كلّ ما علمت * حواسّنا ثمّ لم نحتج لإجهاز 
وزال لبس العمى عنّا بطلعته * بنا وهم أسر الباس والغاز 
ونحن قلنا عن الفتح المبين وعن * نطق الوجود مقالا ليس بالخازي 
لنا الحقيقة سرّ الغيب نكشفه * عن المعاني التي في طيّ إعجاز 
بالفقر قمنا على أبواب عزّة من * عنه صدرنا بتقدير وإفراز 
كالبرق نلمع عن توجيه قدرته * مصوّرين به فيه بإحراز 
والسعد يدرك والرازي ونحوهما * جمود ما هم به كالهازل الهازي 
والحقّ حاجبهم عنه بأنفسهم * مقيدين بألقاب وأنباز " 1 " 
وأمرهم عنه ممتاز بما زعموا * وأمرنا نحن عنه غير ممتاز 
معلقين به في كلّ حالتنا * نلجا إليه بإكرام وإعزاز 
وهم يظنون ما هم فيه محض هدى * وغيره قول همّاز ولمّاز " 2 " 
وعلمهم قطرة من علمنا مزجوا * بها مقالات طاغي الدين غمّاز 
من رأى فلسفة حمقى مزخرفة * بادت بسيف من الإسلام هزهاز " 3 " 
علم الكلام الذي باعوا به وشروا * من الكلام كثيرا بيع بزّاز 
وقد نهى السلف الماضون عنه وهم * لم ينتهوا حيث لا يغزوهمو غازي 
لو لم تكن فيه سمعياته لغدت * منه مقالاته أقوال طنّاز " 4 " 
ولقّبوه أصول الدين حيث لهم * فيه مباحث سمعيات مجتاز 
والدين ما أصله إلّا الكتاب وما * في سنّة المصطفى وعد بإنجاز 
فخذ عن اللّه ما جاء الكتاب به * من العقائد مع إيمانك الشاز 
..................................................
( 1 ) تنابز القوم بالألقاب : لقّب بعضهم بعضا بما يكره من الألقاب وتعايروا . 
( 2 ) الهمّاز : العيّاب في الغيب . اللمّاز : العيّاب للناس . 
( 3 ) هزهز الشيء : كرّر تحريكه . 
( 4 ) طنز يطنز طنزا : كلّمه باستهزاء ، فهو طنّاز ( مولّد أو معرّب ) . ( لسان العرب 5 / 369 مادة : طنز ) . 

271
وما به السّنّة الغرّاء قد وردت * على مرادهما إيقان فوّاز 
تظفر بمعنى أصول الدين أجمعها * وتسترح من كلام فيه أزّاز 

وقال رضي اللّه عنه : 
زينة اللّه في العوالم رمز * وهي من عين عين عينك غمز 
سرّها ظاهر بها وخفيّ * وهي مدح طورا وذمّ ولمز 
طالعات نجومها في وجوه * أسفرت أو تعبّست تستفزّ 

وقال رضي اللّه عنه مخمسا أبيات الشيخ محمد البكري قدّس اللّه سرّه : 
ما لقلبي سلوى لمن باللّقا منّ 
وسقاني هواه صافية الدّن 
أو يلقى الهوان قلبي وإن أنّ 
لا وحقّ الجمال ما ذلّ من أن * ت مليك الجلال في الدهر عزّه 
غرس نعماك فاق فضلا ومنّا 
وهو بالنصر لم يزل مطمئنّا 
لا يهاب الرّدى إذا الليل جنّا 
لا ولا يتقي العداة وأنّى * يختشيهم وسوح نصرك حرزه 
جذبتنا إليك نفحة رند " 1 " 
وحمانا سيف صقيل الفرند " 2 " 
أفأغتال والعناية جندي 
من يشاني ذويك لا ريب عندي * أنّ أسيافك الرقاق تحزّه 
نحن قوم لنا الجمال تبدّى 
هالك كلّ من علينا تعدّى 
حافر البئر فيه ذاك تردّى 
لا يغرّ العدوّ برد تردّا * ه وعطف بين الأنام يهزّه 
.................................................
( 1 ) الرّند : شجر طيب الرائحة ، من الفصيلة الغارية ، ينبت في سواحل الشام والغور والجبال الساحلية . 
( 2 ) الفرند : السيف أو ما يلمح في صفحة السيف من أثر تموّج الضوء . 

271
لا تقل من بغى عليك استداما 
سوف يأتي الضيا فيمحو الظلاما 
من يراه نجا رأى الأوهاما 
فهي كالزرع في المبادي إذا ما * جاء وقت الحصاد أحكم جزّه 
إنّ بيت الهدى عظيم ثناء 
كن به واثقا بغير عناء 
وإذا رمت تحتمي بالتجاء 
فالزم الباب خاضعا في رجاء * لأناس لهم من السرّ رمزه 
تلك ساداتنا كرام المحلّ 
آل بيت الصدّيق سرّ التملي 
ليتني لو دنيت منهم ومن لي 
فهمو دائما بيوت التجلّي * وهمو معدن التحلّي وكنزه 

273
حرف السين 
قال رضي اللّه عنه : 
قف جانب الدير سل عنها القساسيسا * مدامة قدّستها القوم تقديسا « 1 » 
بكرا إذا ما انجلت في الكاس تحسبها * من فوق عرش من الياقوت بلقيسا « 2 » 
رقت فراقت وطابت فهي مطربة * كأنّها بيننا دقّت نواقيسا « 3 » 
مالت بها القوم صرعى عندما برزت * بها البطارق تسقيها الشماميسا 
كأنّها وهي في الكاسات دائرة * صافي الزلال حوى فيه طواويسا « 4 » 
صرف صفت وصفت دار النعيم لنا * وآدما والّذي يحكي وإبليسا 
عجنا على ديرها والليل معتكر * حتى زجرنا لدى حاناتها العيسا 
مستخبرين سألنا عن مكامنها * توما ويوشا ويوحنّا وجرجيسا 
نأتي الكنائس والرهبان قد عكفوا * لدى الصوامع يدعون النواميسا " 5 " 
طفنا بها واستملنا دنّها شغفا * فلم نخف عندها عيبا وتدنيسا 
......................................................
( 1 ) القسّ : من كان بين الأسقف والشماس ، وهو خادم دين المسيحيين ، وإمامهم في أمور عبادتهم . 
( 2 ) بلقيس : ملكة سبأ . 
( 3 ) النواقيس : ( ج ) الناقوس : آلة من نحاس ونحوه تضرب للتنبيه . 
( 4 ) الزّلال من الماء أو الشراب : العذب البارد الصافي السهل المرور في الحلق .
الطواويس : ( ج ) الطاووس : طائر حسن الشكل ، صغير الرأس ، ذو ريش جميل كثير الألوان ، يبدو كأنه يعجب بنفسه وبريشه ، ينشر ذنبه كالمروحة ، يألف الغابات والغياض والمروج الدغلة ، يعيش أسرابا صغيرة . قوته الثمار والحبوب والأعشاب والحشرات ( يذكّر ويؤنّث ) . 
( 5 ) النواميس : ( ج ) الناموس : القانون أو الشريعة . 

274
حيث القساقس قاموا في برانسهم * يومون بالرأس نحو الشرق عن عيسى " 1 " 
والكلّ في بحر نور اليثربيّ حكى * موجا أرته رياح القرب تأنيسا 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلمتني من كلّ عقل وحسّ * ودعتني من كلّ نوع وجنس 
هي عندي مكشوفة كشف عين * وهي عندي محجوبة حجب لبس 
وجهها مشرق بغير غروب * وأنا اليوم في الغروب وأمس 
أيّها الموت من ضلالة جهل * أنت بالجسم ضمن قبر ورمس " 2 " 
فإلى كم ترى نجوم البرايا * هات قل لي متى ترى ضوء شمسي 
ومتى تنجلي كؤوسك صرفا * من يد البدر في أصابع خمس 
هذه النفس كالسفينة تجري * لو تأمّلت منك في بحر طمس 
فاقتلع لوحها بعزمك واغرق * يغسل الماء منك آثار رجس 
وجه حقّ تعنو الوجوه إليه * إن تبدّى لم تستمع غير همس 

وقال رضي اللّه عنه : 
كن لمن يدّعي الصلاح محبّا * واحترم منه خرقة الأكياس 
واترك الشكّ والتردّد فيه * وابن أمرا على أتمّ أساس 
وتمسك بما ادّعاه ودع عن * ك احتمالا يلقيك في الأرجاس 
وتيقن أنّ الصلاح بحار * زاخرات واللّه ما شاء كاسي 
وقل الصدق منه يرجع والكذ * ب إلى نفسه بغير التباس 
لا إلى من يحبّ وصف صلاح * لاح للعقل منه أو للحواس 
واخز شيطانك اللعين عدوّ اللّه فيه وفيك بالوسواس 
وتحقّق بأنّه لا يضيع ما للّه هذا على امرئ فيه رأسي 
وتأمل في كلب أصحاب كهف * وهو كلب باق من الأنجاس " 3 " 
.........................................................
( 1 ) البرانس : ( ج ) البرنس : كل ثوب يكون غطاء الرأس جزءا منه متصلا به أو هو قلنسوة طويلة كان الناس أو النسّاك يلبسونها في 

275
كيف بالاعتقاد نال المزايا * دون كلّ الكلاب والأتياس " 1 " 
تبع القوم جاهلا بالّذي هم * فيه حبّا ولم يخف من باس 
فرأى اللّه منه ذلك خيرا * فحباه من نورهم باقتباس 
قرن اللّه ذكره معهم في * محكم الذكر لا بحكم قياس 
وهو أيضا يوم القيامة في الجنّة معهم معطر الأنفاس 
فاخدم الصالحين وأثبت على ما * أنت فيه من حبّهم باحتراس 
واغرس الخير في المساكين تحصد * يوم حشر الورى ثمار الغراس 
واترك المنكرين تعسا لهم من * عصبة للفساد بين الناس 

وقال رضي اللّه عنه : 
قلوب متى منه خلت فنفوس * لأحرف وسواس اللعين طروس " 2 " 
وإن ملئت منه ومن نور ذكره * فتلك بدور أشرقت وشموس 
رأيناه محبوبا مليحا مهفهفا * لأنواع خطاب الجمال عروس 
وإن ظهرت نار الحيا فوق خدّه * له سجدت من عاشقيه مجوس 
وجبريل إن ينفخ بروح مسيحه * تبدّت رهابين به وقسوس 
وهمنا به حسنا كما البدر طلعة * وفي يده مما يدير كؤوس 
له مقلة ترمي علينا إذا رنت * سهاما وما للعاشقين تروس 
وقمنا به يوما ونمنا به دجى * وشام حوت منه الرجال وطوس " 3 " 
وبعنا به وهو الدراهم وهو ما * نبيع وما نشريه وهو فلوس " 4 " 
وماء شربناه ولحما وخبزة * أكلناه واندارت بذاك ضروس 
ويا طالما ثوبا لبسناه زينة * ودارا سكناه وفيه ندوس 
.....................................................
( 1 ) الأتياس : ( ج ) التيس : الذّكر من المعز ، ويقال للظّباء والوعول أيضا ، أو هو ما أتى عليه سنة فالذّكر منها تيس والأنثى عنز . 
( 2 ) الطروس : ( ج ) الطّرس : الصحيفة . 
( 3 ) طوس : مقاطعة في خراسان شمالي شرقي إيران . 
من مدنها : توقان وطابران التي أطلق عليها اسم طوس ، فتحها العرب 649 م ، ثم خرّبها المغول 1389 م . 
وفيها قبر هارون الرشيد . ( الرسالة القشيرية ص 236 ) . 
( 4 ) الدراهم : ( ج ) الدرهم : الفضة المطبوعة المتعامل بها ، أو هي وحدة للوزن قديمة تعادل في مصر ( 12 ، 3 ) غراما ، وفي دمشق ( 2 ، 3 ) غراما ، وأطلقها المولّدون على النقود كافّة . 

276
وعفناه دودا في شراب ومأكل * ونفليه قمل في الثياب وسوس " 1 " 
وتبغضه أعداؤنا وتحبّه * أخلاؤنا إذ ضاحك وعبوس 
ونحذره أمرا مهولا ونرتجي * له أملا تسمو إليه رؤوس 
وذلك من حيث الصفات الّتي له * فكلّ ظلالات به وعكوس 
ومن حيث شأن الذات فهو منزّه * وفيه انمحاء للسّوى وطموس 
فإمّا تحقّق وافهم الأمر أو فدع * وقل لفروع الحادثات شروس 
هو العاشق المسكين يفرح إن دنا * وإن مسّه بالضّرّ فهو يؤوس 
له ناقة الأشواق يركبها كما * أثارت قديما للحروب بسوس " 2 " 
فخذ بكلامي وانتسب لطريقتي * ولا تك ممن طيّشته دروس 
لقد سعدت قوم بحبلي تمسّكت * تروض به أحوالها وتسوس 
وقوم رمتهم بالدمار ظنونهم * بنا فعيون لي تلاحظ شوس " 3 " 
يرون ولا يدرون ما ذلك الّذي * خلال ديار الكائنات يجوس " 4 " 
وهل يدرك الأعمى بغير خياله * وما الجهل إلّا شدّة وبؤوس 
فلا تعتبرهم إنّهم في خياله * وما الجهل إلّا شدّة وبؤوس 
فلا تعتبرهم إنّهم في سلاسل * من الوهم أسرى والعقول حبوس 
وحافظ على الإيمان بالغيب واحتفظ * فإنّا قيام حوله وجلوس 
وليس لنا عن مذهب الحبّ مذهب * وإن بعثرت يوم النشور رموس 

وقال رضي اللّه عنه : 
روح تغذت بتقوى اللّه طيّبة * قوية ولها الرحمن حرّاس " 5 " 
.........................................................
( 1 ) القمل : ضرب من حشرات الرأس والبدن تنعشه قلّة النظافة . قوته الدم يمتصّه من جسم الإنسان والحيوان . 
وتبيض القملة ويسمى بيضها الصّؤان. السوس : العثّ وهو دود من مغمدات الأجنحة ، يقع في الصوف والحب والخشب ويقتات بها. 
( 2 ) البسوس : امرأة مشؤومة هاجت بسببها الحرب بين بكر وتغلب في الجاهلية أربعين سنة ، فضرب بها المثل في الشؤم ، فقيل : ( أشأم من البسوس ) ، وبها سمّيت حرب البسوس . 
( 3 ) الشّوس : النظر بمؤخر العين تكبّرا أو تغيظا ، أو بإحدى العينين ، أو تصغير العين وضمّ الأجفان للنظر . 
( 4 ) جاس جوسا : تردّد جيئة وذهابا . 
( 5 ) الروح : اختلف أهل التحقيق من أهل السّنّة في الأرواح فمنهم من يقول : إنها الحياة ومنهم من يقول : إنها أعيان مودعة في هذه القوالب، لطيفة، أجرى اللّه العادة بخلق الحياة في القالب ما دامت الأرواح في الأبدان. (للتوسّع انظر الرسالة القشيرية ص 88). 

277
وجثة نبتت ممّا يحلّ لها * من المآكل ما في ضعفها باس 
كالغصن ماس به طورا نسيم صبا * وقام طورا به والغصن ميّاس " 1 " 
اجعل طعامك من غير الحرام على * مقدار علمك واترك ما به الباس 
وابشر فإنّك إن تحيا مناك تنل * وإن تمت لك من مولاك إيناس 
والحلّ ينبت في الأعضا موافقة * أمّا الحرام فعصيان وأرجاس 

وقال رضي اللّه عنه : 
لحرب نفوسنا قد جاء فارس * وقد فتنت به روم وفارس 
تبرقع بالقلوب فلو أميطت * براقعه لكان الكون دارس " 2 " 
وأوصاف الجمال له استقرّت * ووصف الغير قام عليه حارس 
عظيم مهابة فني المناجي * له شوقا وقد ذاب الممارس 
وفي روض القلوب له ثمار * بأشجار المحبة وهو غارس 
تحجّب فالعقول عليه ضلّت * ولا يدريه إلا من يمارس 
عزيز والمحبّ له ذليل * وأنّى وهو مفترس وفارس 
ألا يا أيّها المحبوب رفقا * بأقوام لعشقك هم مغارس 
وإن قرئت بهم فيهم عليهم * معاني الكشف عنك فهم مدارس 
ظهرت لهم فغابوا فيك حتى * من الأغيار حوّلت المتارس 
وقد ركضوا بميدان التجلّي * وكلّ رامح فيه وتارس 
هم العلماء إن ذكرت علوم * وفي يوم الحروب هم الفوارس 
وكيف توجّهوا شهدوك جهرا * ووجهك للّذي شادوه هارس " 3 " 

وقال رضي اللّه عنه : 
إن كنت لم ترض عن النفس * فأنت من نوعي ومن جنسي " 4 " 
فإن نفسي لا ترى نفسها * إلا على خبث وفي رجس 
صفاتها مذمومة كلّها * وهي من الطاعات بالعكس 
منّ أجل هذا هي في الجهل لم * تبرح وفي غيّ وفي لبس 
.....................................................
( 1 ) غصن مياس : متمايل . 
( 2 ) أماط اللثام : نحّاه . 
( 3 ) هرس الشيء : دقّه دقّا عنيفا ، أو دقّه بشيء عريض . 
( 4 ) انظر حديث القشيري عن النفس برسالته ص 86 - 87 . 

278
لكن لها روح مطهرة * تصبح في خير كما تمسي 
من أمر ربّي كلّها طاعة * لأمره بالعقل والحسّ 
شريفة تنبىء أوصافها * عن حسن أصل طيّب الغرس 
فالروح في الرفعة والنفس في * سفالة تبقى إلى الرمس 
كاللبّ والقشر أو الشمس مع * شعاعها فانظر إلى الشمس 
والعبد منسوب لذا أو لذا * في نشأة الإطلاق والحبس 
فتارة تغلب ذات العلى * فينعم المغلوب بالأنس 
ويظهر المخفيّ عنها بها * لها فيبدو العرش والكرسي 
وتارة تغلب تلك الّتي * بجهلها في الوهم والهجس « 1 » 
فيصبح المغلوب في وحشة * من أمره وهو بها مكسي 
طورا وطورا وهو دأب الّذي * كماله الناشي على الأسّ 
وراثة علمية حقّقت * عمّن لحرف الكون كالطرس 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا شمعة هي في كلّ الفوانيس * يخالف العقل هذا في التقاييس « 2 » 
وهو المحقّق عند العارفين به * كشف بكشف وتلبيس بتلبيس 
لم يبق منّي به شيء سواه ولم * يظهر كما هو لي في وصف تقديس 
فزلت عنّي وزال الكون أجمعه * عندي كما وحشتي زالت وتأنيسي 
وكان هذا بسرّ لاح لي زمنا * هو الوجود وتفريعي وتأسيسي 
من كلّ شيء تبدّى لي فحقّقه * قلبي فزال بتحقيقي وتطميسي 
فصرت لا هو عن ذوق ولست أنا * وطهر الغيب بالأغيار تدنيسي 
وقد بدا سرّ ذاك السرّ يخبرني * عن آدم العلم بالأسما وإبليس 
فيا حقيقة كوني أنت شمس ضحى * عليك غيمة تنويعي وتجنيسي 
أو كالسّواد الّذي في العين يظهر من * قرص الأشعة في تحديق تحييس 
كالعنكبوت بنت نفس لها خيما * حتى بها وهنت من طول تعنيس « 3 » 
.............................................................
( 1 ) الهجس : كل ما يدور في نفسك من الأحاديث والأفكار . 
( 2 ) الفوانيس : ( ج ) الفانوس : ظرف جوانبه من الزجاج يوضع فيه المصباح ليقيه الهواء أو الكسر ويمكن حمله أو تعليقه على أبواب الدور . 
( 3 ) وهن فلان : ضعف في العمل أو البدن أو الأمر . عنست البنت : طال مكثها في بيت أهلها بعد - 

279
كيس تقدّر من شتى الشؤون له * والسرّ أجمعه في ذلك الكيس 
طرقت دير الهوى دارت دوائره * على الرهابين فيه والقساقيس 
نفوس أغيار عين في برانسها * مزخرفات كأذناب الطواويس 
حتى نظرت بعين العين فانكشفت * موتى الشماميس منها في النواميس 
وأكبر الحقّ في واهي أباطله * وقد تعالى على كلّ الوساويس 
وكلّ ما كان عند العقل أدرسه * درسته وتلاشى أمر تدريسي 
وأصبح الواحد المعروف مشتهرا * عندي ولا عند لي من فرط تفليسي 
ولم يكن غيره الثاني له ونفى * تثليث ظنّي وتربيعي وتخميسي 
باللّه قف أيّها الساري بنا وبه * يبدي مراتب إدلاج وتعريس 
واعطف على العيس لا تجذب أعنّتها * إلّا إليك وجد واعطف على العيس « 1 » 
تبارك اللّه لي وجه الحبيب بدا * وقد تبسّم لي من بعد تعبيس 
عرشي أتى من سباغيّ لقدس هدى * ومع سليمانه إسلام بلقيس 
وعاد ما كان مني بالغداة مضى * وأذّن الظهر بي في وقت تغليس « 2 » 
وللبداية قد عادت نهايتنا * وأخلصت عندنا كلّ الجواسيس « 3 » 
والكلّ أصبح نورا بعد ظلمته * وقد تطهّر منه كلّ تنجيس 
وقد رأى الكلّ في تغيير فطرتهم * مذاهبا أدركوها بالمقاييس 
وعين ما أنا مفطور عليه وهم * مثلي هو الحقّ عندي دون تنفيس 
فاكشف ولا تخترع ما أنت فيه تفز * بدين طه وداود وجرجيس 
وقل وما أنا ممّن بالتكلّف قد * أتى إليكم خلافا للمناحيس 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّي أنا المكتوب في الطرس * لا يهرب الكلب من العرس 
موائد الإنسان ممدودة * والفضل ملء العرب والفرس 
والكلّ أنعام عليهم بهم * من كلّ نوع كان أو جنس 
- إدراكها ، ولم تتزوج . 
........................................................
( 1 ) الأعنة : ( ج ) العنان : سير اللجام الذي تمسك به الدابّة . 
( 2 ) الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح . 
( 3 ) الجواسيس : ( ج ) الجاسوس : من يتجسّس الأخبار ثم يأتي بها غيره . 

280
إن حلّ قيد الكون عن كائن * فذاك ثلج ذاب في الشمس 
والنفس إن ألقت مقاليدها * لربّها تخرج من الحبس 
جوهرة غرقاء في بحرها * يقول عنها غيرها نفسي 
وكلّهم منها عليها بها * ستائر في العقل والحسّ 
لها ذوات وصفات على * تعدادهم في حالة اللّبس 
وصاحب الكشف رأى واحدا * ما في غد أو كان بالأمس 
لا غير ذاك الواحد المختفي * يعوم في بحر من الطمس 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الفقير هو الغنيّ بربّه * وكذا الغنيّ هو الفقير البائس 
وانظر إلى وصف الغنيّ وكونه * وصف الفقير فما المحقّق آيس 
فإذا عرفت لمن يؤثر منك في * كلّ الشؤون فإنّك المترائس 
وبدت هنا حلل المراتب كلّها * وتبخترت فيها لديك عرائس 
وانظر إلى السكّين في يد قاطع * تنزاح عنك من الظنون دسائس 

وقال رضي اللّه عنه : 
سمع السمع وهو في الالتباس * وتناسى سماعه في الناس 
سوف قد سوّفت إليها قلوبا * قلّبتها زخارف الوسواس 
ولسين السماء ماء مضاف * لحياة النفوس بالأنفاس 
وهي حرف لها انحراف المعاني * وحشة أدمجت مع الإيناس 
سطعت في الورى نجوم هداها * فتراءت لراسخ القلب رأسي 
وهي ملء العيون حيث تبدّت * تتجلّى وملء باقي الحواس 
وبها هذه وتلك استقامت * فهي فيها تضيء كالنبراس 

وقال رضي اللّه عنه : 
عالم النطق عالم الأنفاس * خمر معنى واللفظ مثل الكاس 
سنّة اللّه في الذين مضوا إن * عرفوه به لطمس الحواس 
هذه هذه والحقيقة لا ما * تجتنيه العقول بالافتراس 

281
سبقتنا أئمة الحقّ قوم * رسخوا فيه كالجبال الرواسي « 1 » 
فشربنا من سؤرهم وارتوينا * وشممنا منهم شذا الأنفاس « 2 » 
سادة الدين بالشريعة قاموا * لا بفهم فيها ولا بقياس 
بل بمولاهم المهيمن فيهم * عبدوه كشفا بغير التباس 
إذ هو الحيّ والعوالم موتى * يدّعون الحياة بالوسواس 
وهو محض الوجود والكلّ فان * فيه طرّا من فرعه للأساس 
وإذا كنت أنت والكلّ لا شي * ء فقل لي من أنت يا ابن الناس 
أنت تقديره وتصويره في * علمه سابقا وما هو ناسي 
ثمّ لمّا تكلّم الحقّ عن عل * م تبينت بالكلام المواسي 
وهو حقّ والعلم حقّ وفيه * كلّ هذا الترتيب في الأجناس 
وكذاك الكلام حقّ وعنه * أنت باد ونوره لك كاسي 
فإذا قال كن تكن بوجود * هو قول الحقّ الشديد الباس 
ما تغيرت أنت عن عدم في * علمه بل ما زلت في الانطماس 
لا ولا الحقّ قد تغيّر عمّا * هو فيه بما لديك يواسي 
عدم ظاهر بنور وجود * ووجود بغيره في التباس 

وقال مواليا : 
غلام نفسك بنفسك فاقتله يا شمس * واطمس وجودك بأنوار التجلّي طمس 
وإن خرقت سفينة بحر أمره همس * أقم جدار الشريعة والصلاة الخمس 

وقال رضي اللّه عنه : 
اغسلوا بي نجاسة الوسواس * عن قلوب لكم بها الجهل رأسي 
يا صحابي فإنّني ماء قدس * نازل من حظائر الأقداس 
وانشقوا عرف روضتي فعساكم * إن تشمّوا منها شذا أنفاسي 
واسبحوا في مياه بحر علومي * واكشفوا بي ستائر الالتباس 
وادخلوا حانتي معي واشربوا من * خمرتي واسكروا بفضلة كاسي 
وانزعوا حلّة التكبّر عنكم * وأبدلوا ذا الإيحاش بالإيناس 
.......................................................
( 1 ) الجبال الرواسي : الجبال الشوامخ . 
( 2 ) السّؤر : بقية الشيء ، وأكثر ما يستعمل في الطعام والشراب ( ج ) أسئار . 

282
إنّ للّه في الغيوب قلوبا * أثمرت حبّه بطيب غراس 
دخلت دير عشقه فاستقلت * لا إلى راهب ولا شمّاس 
حفظتها من المهيمن عين * ثمّ أغنت عن سائر الحرّاس 
ولتلك القلوب أجسام نور * أشرقت بين ظلمة الأجناس 
تحت أثوابها ضراغم غاب * ألفت في الهوى ظباء كناس « 1 » 
يا نداماي لا عليكم إذا ما * جذبتكم حرارتي من باس 
أنا شعاع نوركم فاعشقوني * لا تحولوا عن شرب كاسي وطاسي « 2 » 
انفضوا عن وجوهكم نقع كون * وامسحوا في العيون كحل النعاس 
لا تقولوا بفرد عرش وكرسي * كم عروش لربّنا وكراسي 
واسألوا القلب عن معارف روح * واسألوا الجسم عن علوم الحواسّ 
ربّ ناس رأيتهم ورأوني * وإذا فتّشوا فليسوا بناس 
كلّ وقت قلوبهم في انقلاب * أسرتهم خواطر الوسواس 
يزنون الرجال بالوزن جهلا * ويقيسون في الورى بالقياس 
قطعوا عمرهم بقال وقيل * وهو أقوى علامة الإفلاس 
هم كسالى وإن دعتهم دواعي * حظّ نفس كانوا من الأكياس 

وقال رضي اللّه عنه : 
أطلق الكاس بعد طول احتباس * واسقنيها ما بين ورد وآس « 3 » 
خمرة كاسها ألست قديما * وحديثا عقلي وكلّ حواسي 
شرب الكوب فهو سكران منها * وتراه معربدا بالناس 
يا نداماي ما على شاربيها * حيث باحوا بسرّها من باس 
ملأتهم فالآن تقطّر منهم * بقياس لهم وغير قياس 
لم تدع فضلة بهم لسواها * طهّرتهم من سائر الأنجاس 
..................................................
( 1 ) الضراغم : ( ج ) الضرغام : الأسد الضاري الشديد . 
الكناس : مكان في الشجر ونحوه ، يأوي إليه الظبي ليستتر ( ج ) كنس وأكنسة . 
( 2 ) الطاس : إناء من نحاس ونحوه يشرب به أو فيه . 
( 3 ) الآس : نبات من فصيلة الآسيات ، بيضي الورق ، أبيض الزهر عطري ، ثماره صغيرة ذات لون أبيض أو أسود تسمى حبّ الآس ، وهي تؤكل وفيها عفوصة ، وورقه دائم الخضرة ، ينبت بريّا في بعض جبال الشام الغربية وكان شائعا في صالحية دمشق . 

283
فليهيموا بل فلتهم هي عنهم * واحرسوها يا جملة الحرّاس 
إنّهم فعلها وهم أهل شطح * وهوى لا شكّ ولا وسواس 
سبقت قبلنا أناس إليها * غرستهم فيها أتمّ غراس 
فتحوا باب ديرها فشممنا * نفحة المسك من فم الشمّاس « 1 » 
وسكرنا براهب الدير لمّا * هبّ منها معطر الأنفاس 
وتثنّت سقاتها كغصون * بعيون سبت ظباء الكناس 
كلّ غصن من المليح إناء * هي فيه بالوهم والالتباس 
فإذا قال أو رنا أو تثنّى * منه ذابت عروشها والكراسي 
جلّ وجه يلوح من كلّ شيء * فيريك المشكاة بالنبراس 
عميت كلّ مقلة لا تراه * ظاهرا فهي مقلة الخنّاس « 2 » 
نابت عنه كلّ ما كان منه * مثل نبت المعنى من الإحساس 

وقال رضي اللّه عنه : 
أيّها اللائم الّذي لام جهلا * في هوى ذلك الغلام النفيس 
ما لنا والجهول يبحث عنّا * بكلام واه وعقل خسيس 
إنّ في الحسن والذكورة سرّا * ليس يدريه غير ذي التقديس 
عش سليما أو مت بدائك فينا * والقنا بابتسام أو تعبيس 
أحسن الظنّ أو به كن مسيئا * نحن في رفعة عن التدنيس 
إن تساوي في الخلق بين مليح * وقبيح أخطأت في التقييس 
قد أتاك اسجدوا لآدم فافهم * ما أتاك اسجدوا إلى إبليس 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا ذوينا وأمّنا وأبينا * نسب الحبّ بيننا هو رأسي 
يا ذوي الاعتقاد فينا ويا من * أسسونا على أتمّ أساس 
أحصنوا بالتّقى فروج قلوب * طاهرات ممّن سواكم يقاسي 
من زناة لهم ذكور كلام * نطف الغيّ منه والوسواس 
جامعوه يلقون فيه شكوكا * تنتج الريب في أمور الناس 
..................................................
( 1 ) المسك : ضرب من الطيب ، وهو مادة دهنية عطرة سمراء اللون يفرزها أيّل المسك . 
( 2 ) الخنّاس : الشيطان ، لأنه يخنس إذا ذكر اللّه عزّ وجل ؛ أي : ينقبض . 

284
وقال رضي اللّه عنه : 
أنا كتاب اللّه في الناس * أذكّر المستيقظ الناسي 
وأشرح القول الّذي قيل لي * في سرّ سرّي بين جلاسي 
مجبولة نفسي على سرّها * لغيب غيب الغيب في الناس 
شربت كأسا ثمّ ناولته * من عن يميني فضلة الكاس 
فإن حساها فبصدق له * وإن تقايا فبوسواس « 1 » 
هنالك الشيطان يلوي بهم * عن خمرتي والكاس والطاس 
قوموا اسكروا يا قوم في حانتي * فالليل فيه ضوء نبراس 
ووجه ساقينا لنا مشرق * يختال في أثواب ألباس 
ونحن لا شرق ولا مغرب * لنا ولا عار ولا كاسي 
نحن بلا نحن فكونوا كما * كنّا ولا تخشوا من الباس 
وهو هو الموجود لا غيره * والأمر ماح كلّ قرطاس 
وقال رضي اللّه عنه في رحلته إلى مصر المحروسة : 
اسقني من مدامة القدّوس * فهي ملء الدنان ملء الكؤوس 
وأدرها عليّ بين الندامى * من قيام بسكرها وجلوس 
صرف راح بشربها كم أميتت * من نفوس وأحييت من نفوس 
بكر دنّ عتيقة قد أعادت * بالتدابير عهد جالينوس 
قام يسعى بها المليح علينا * ذو محيّا يفوق ضوء الشموس 
فخرجنا بنشأة السّكر منها * عن جميع المعقول والمحسوس 
وشهدنا هنالك السرّ يبدو * بالتجلّي من غيبه المحروس 
وبه لا بنا معانيه قامت * بالإشارات في حروف الطروس 
ثمّ لا مسجد ولا بيت نار * هو للمسلمين أو للمجوس 
شمعة النور لم تزل في اشتعال * وعليها الجميع كالفانوس 
وهو ستر الأشياء بالنصّ فان * في عيون المحقّق المطموس 
والسّوى في القيود من كلّ شيء * ليس ينفكّ أسرها والحبوس 
إن بشرّ قد مسّ كان يؤوسا * وبخير إن مسّ غير يؤوس 
.....................................................
( 1 ) حسا فلان المرق ونحوه : شربه شيئا بعد شيء وجرعة بعد جرعة . تقيّأ : تكلّف القيء . 

285
قم لصافي الكؤوس وانشق شذاها * أنديمي واستجل وجه العروس 
هذه حضرة المنى والتهاني * فاغنم السعد مذهبا للنحوس 
واستمع آلة الدفوف إشارا * ببديع الترنّم المأنوس 
وتنصّت لصوت ناي رخيم * إنّما ذاك رقية المأيوس « 1 » 
واعشق الجنك والرباب سماعا * وتعلّم كيف انحناء الرؤوس 
إنّما العيش بالمعازف عيش * في نظير المذوق والملموس 
جنة عجّلت لقوم كرام * ما بهم من خبّ ولا من شموس « 2 » 
يتثنون في رياض علوم * مزهرات بحضرة القدّوس 
وعليهم سرادق الغيب مدّت * دائما للحفاظ من كلّ بوس 
فهم القوم لا سواهم وهيها * ت يقاس الرئيس بالمرؤوس 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
اشرب من العين لا تشرب من الكاس * حتى تحقّق وجود الطاعم الكاسي 
يا من فتن في الهوى بالسالف الآسي * اطلب لدائك دوا شافي من الآس 

وقال رضي اللّه عنه : 
من كان باللّه أنسه * يقلّ في الناس جنسه 
هيهات هيهات هذا * ماتت على الحقّ نفسه 
وغسلت بالتفاني * وكان في الجسم رمسه 
وهو الّذي من رآه * رأى فتى غاب حسّه 
وعقله في ذهول * ويومه هو أمسه 
ولم يفت عنه فرض * محفوظة فيه خمسه 
للّه أمر ونهي * عليه والكشف لبسه 
ما غيّر الحال منه * شيئا ولا زال بأسه 
حروفه ثابتات * بهنّ قد قام طرسه 
عبد ومولى غنيّ * عنه وللفرع أسّه 
فإنّه آية من * آيات من جلّ قدسه 
...........................................
( 1 ) الرّقية : كلام يطلب به شفاء المريض ونحوه ( ج ) رقى . 
( 2 ) الخبّ : الخدّاع ، وهو الذي يسعى بين الناس بالفساد . 

286
تشابهت عند قوم * تحت الغمامة شمسه 
وأحكمت لأناس * بالسرّ بدل عبسه 
صحا على فرط سكر * طفا وفي الغيب غمسه 
ولينه في الأداني * وفي أعاليه يبسه 
ومطلق هو لكن * في حضرة الحقّ حبسه 
وما لهته الملاهي * ولم يطيشه درسه 
يقينه في المعاني * غيب الغيوب وحدسه 
وقائم هو فيما * ترى وإن زاد طمسه 
وساجد ليس إلّا * للّه يرفع رأسه 
راض على كلّ حال * بالحقّ طهّر رجسه 
وليس يندم ممّا * أتى فيقرع ضرسه 
كأنّه روض حقّ * بالحقّ قد طاب غرسه 
للّه للّه راجي * مما سوى اللّه يأسه 
وحاصل الأمر ذو وح * شة وباللّه أنسه 

وقال رضي اللّه عنه وقد أنشده بعضهم بيتا مفردا وطلب منه التذييل له وهو البيت الأخير فقال : 
لكلّ الورى عن وجهكم أعين طمس * وألسنة إن كلّمت غيركم خرس 
وأنتم جميع الكائنات بأسرها * وفي الكائنات العرب والعجم والفرس 
وحقّ هواكم ما أنست بغيركم * ومن غيركم حتى به يحصل الأنس 


* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:31 pm

قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الشين 
قال رضي اللّه عنه : 
شمعتي أشرقت بنورك ربّي * وعليها حواسدي كالفراش 
كلّما حاولوا بأن يطفئوني * حرقوا بي فكان أمري فاشي 
وأضاءت بالحقّ أنوار شمسي * فرأوني بأعين الخفّاش 
أتظنّ الكلاب إذ نبحتني * أنّ تغبيرهم يدنس شاشي 
أو بأنّي في الناس أنقص قدرا * بكلام الأراذل الأوباش « 1 » 
لا ومن خصّني بزائد علم * لم يعمّوا من وبله برشاش 
وجلا خاطري بنور يقين * ورماهم في حيرة واندهاش 
وابتلاهم بخيبة وعناد * وقلوب أسرى الشكوك عطاش 
وحباني رفعا عليهم جميعا * بمقام عال شريف الحواشي 
لا ينالون بالتعرّض مني * غير كفر بالحقّ واستيحاش 
وضلال عن الصواب ولعن * في معاد على المدى ومعاش 
فانقشوا يا منافقين أو امحوا * سأريكم فضيحة النقّاش 
قد نبشتم عن كفركم باعتراض * فاقطعوا بينكم يد النبّاش 
أو لم تعلموا بأنّي نور * لاح للكشف في الظلام الغاشي 
فلتفرّوا إنّي طلعت شهابا * يا شياطين أو خذوا حرب جاشي 
فارس السلهب الكميت بعيد * إن تجاري مداه عرج الجحاش « 2 » 
.............................................................
( 1 ) الأوباش : سفلة الناس وأوغادهم وأراذلهم ورعاعهم . 
( 2 ) السّلهب : الطويل ، أو الطويل من الرجال . والسلهب من الخيل : ما عظم وطالت عظامه ( ج ) سلاهب. الكميت : من الخيل (للمذكر والمؤنث) : ما كان لونه بين الأسود والأحمر (ج) كمت.

288
وقال رضي اللّه عنه : 
لمتى تموّه بالمهاة وبالرشا * وخفيّ سرّك في العوالم قد فشا « 1 » 
صرّح بمن تهوى وقل هو ما تروا * يا عاذلون فعشقه ملأ الحشى 
هو ظاهر وإن اختفى بالشمس أو * بالبدر أو غصن الأراكة كيف شا 
قمر ومطلعه القلوب تحقّقا * ومغيبه الأوهام مظلمة الغشا 
شغفت به كلّ العقول وما درت * لمّا تجلّى بالجمال فأدهشا 
فغرام هذا بالغوير ولعلع * وغرام هذا بالمليح إذا مشى 
فإذا اهتدوا عرفوا بمن شغفوا به * واستأنس القلب الّذي قد أوحشا 
وستائر الأوهام عنه تحوّلت * والصبح أسفر وانقضى وقت العشا 
نحن العصابة في شريعة أحمد * حالا وقالا لا نميل إلى الرّشى 
نرمي على المتأوّلين بنبلنا * في نصرة الحقّ المبين مريّشا 
ونظلّ نرقب نورنا ونذوب في * إشراقه من حين عارفنا انتشى 
ونصول في أهل النفوس بربّنا * إن حاولوا الشرف الرفيع تحرّشا 
اللّه أكبر هذه ذات البها * والحسن أسفرت اللثام المحتشى 
حتى العدى كذبت بما كذبت به * ووشى بها عند الأجانب من وشى 
وهي المنزّهة المقدّسة الّتي * أحيى تجلّيها القلوب وأنعشا 
وبأمرها ظهرت بما ظهرت ولم * تزل الغيوب لباسها والمفرشا 
يا هذه إنّي بحبّك مغرم * قلق الفؤاد بمهجتي شغف نشا 
كيف اتجهت رأيت وجها ظاهرا * خلف البراقع بالجمال منقّشا 
وإذا أردت تجليات جماله * فأنا التجلّي لا وجدتك أطرشا 
وجه متى نظرت إليه قلوبنا * بفنائها عنه انجلى وتبشبشا 
ومزيد إنعام بوافر حكمة * منعته رحمته بنا أن يبطشا 
حلم له غلب العقاب فربّما * يعفو عن الجاني وإن هو أفحشا 
طير الرجا أبدا عليه مرفرف * قد قرّ في وكر الغيوب وعشّشا 
شمس بطلعتها خفافيش الورى * عميت وكان الطرف منها أعمشا 
...........................................................
( 1 ) المهاة : البقرة الوحشية ، وقد سمّيت بها الأنثى لاتّساع عينيها وجمالهما . 
الرّشأ : ولد الظبية إذا قوي ومشى مع أمه ( ج ) أرشاء . 

289
والكائنات كثلجة ذابت بها * ماء تفرّق بالفنا وترشّشا 
هي ديننا والدين إن يك غيرها * لا زال دينا في البريّة مخدشا 
مدّت علينا رفرفا من ظلّها * كرما وكرما بالعلوم معرّشا 


وقال رضي اللّه عنه : 
شخصت عيون قلبها مدهوش * لمّا تجلّت للغيوب عروش 
وهي العيون شؤون من هي حرفه * وهو الذي لصياحها لطروش 
حرف قد انطوت العلوم بنشره * وحوى الجميع بساطه المفروش 
والنور يظهر عنه في صور الملا * فتروح أهل الأنس وهي وحوش 


وقال رضي اللّه عنه : 
رويدا أيّها النفس المراشه * بأجنحة ضعاف كالفراشه 
إذا رأت الوجود رمت عليه * لتحرق نفسها تبغي رشاشه 
كمن في ظلمة خلّوا فنالوا * ورشّ عليهم النور انتقاشه 
به الخبر الصحيح أتى إلينا * عن المختار فاغتنموا معاشه 

290
حرف الصاد 
قال رضي اللّه عنه : 
وما الكمال سوى علم يريك به * ما أنت فيه فأنت الكامل الناقص 
فلا ترم غير ما بالحسّ تشهده * في حالك الآن يا ذا الساكن الراقص 
عسى يحلّ عقال العقل عاقده * عسى شعور شعور يرسل العاقص 


وقال رضي اللّه عنه : 
شخصت لطلعة وجهك الأشخاص * وتراقصت بطورها الأقفاص 
ومشت عوام في طريقك فاهتدت * بك وانثنت فغوت عليك خواص 
يا جوهر البحر الذي غرقت به * قوم وفاز بنيله الغوّاص 
أشقيت قوما فالرياء شعارهم * وشعار من أسعدته الإخلاص 
وبكلّ شيء للذي أبعدته * قيد ومن قرّبته فخلاص 
ورصاص من أحببته ذهب كما * ذهب الّذي لم ترض عنه رصاص 
وبك الرخاص هي الغوالي إن دنت * لك والغوالي إن بعدت رخاص 
طير بأوج الغيب رفرف ما له * أبدا سواه من الورى قنّاص 
نصب الخيال له الشباك جهالة * فعلا وجلّ وكان فيه مناص « 1 » 
جرحته عيني منه حين عيونه * جرحت فؤادي والجروح قصاص 
صدق الذي بك لم يكن في كونه * يا من به لم يقتل الخرّاص « 2 » 
وبك المحبّ هو الذي شيطانه * أبدا على أعقابه نكّاص 
..................................................
( 1 ) المناص : الملجأ والمفر . 
( 2 ) خرص : كذب فهو خارص وخرّاص . 

291
رجعت بطانا منك أطيار المنى * لمّا غدت ترجوك وهي خماص « 1 » 
جسد له طبل اللسان وزمره * صور الخيال وقلبه الرّقاص 
فرحا له بحضور غائب سرّه * وقد انجلت عن عينه الأشخاص 


وقال رضي اللّه عنه : 
ثوب صدق المجال فوق قميصي * وله الانتساب كالدخريص « 2 » 
لمعة بانحرافها عن ثريّا * ذلك الوصف أطعمت للحريص 
زاد في نقصه على كلّ حرف * وإذا زاد فهو في تنقيص 
مثمن عند عنده بعد بعد * فتحقّق بمثمن ورخيص 


وقال رضي اللّه عنه : 
حبسوا طير الهوى في قفص * فعليه ضاق هذا القفص 
منعوه الزاد والماء وقد * علموا كيف اعترته الغصص 
ليت شعري ذاك يرضون به * إنّهم قالوا عليه احترصوا 
يا ابن أمّي إن تكن منكرة * حالتي فهي لعمري فرص 
كلّما قد قلت تمّت قصص * ظهرت لي في هواهم قصص 
قل لهم يا سعد ما بي رمق * يا ظباء للأسود اقتنصوا 
هل له الحصّة من رحمتكم * هو منه لهواكم حصص 
يا بياض الدمع من فرقتكم * من ترى يبريك أنت البرص 
هذه الحالة ترضون بها * أنا راض وهي عندي رخص 


وقال رضي اللّه عنه مخمّسا بيتين للعلّامة الشيخ عبد الحي ابن العماد الصالحي « 3 » رحمه اللّه : 
لو يكون الحظّ السعيد رفيقا 
.................................................
( 1 ) خمص البطن : خلا وضمر . فهو خميص ( ج ) خماص . 
( 2 ) الدّخريص من القميص والدرع : واحد الدخاريص ، وهو ما يوصل به البدن ليوسعه . والدخريص : 
عنيّق يخرج من الأرض أو البحر . ( اللسان 7 / 35 مادة : دخرص ) . 
( 3 ) هو عبد الحيّ بن أحمد بن محمد بن العماد العكبري الحنبلي ( 1032 - 1089 ه - 1623 - 1679 م ) أبو الفلاح ، مؤرّخ ، فقيه ، عالم بالأدب . ولد في صالحية دمشق ، وأقام في القاهرة مدة طويلة ، ومات بمكة حاجّا . له « شذرات الذهب في أخبار من ذهب » و « شرح متن المنتهى » و « شرح بديعية ابن حجة » وغير ذلك . الأعلام 3 / 290 ، وآداب اللغة 3 / 310 ، والتاج 3 / 419 و 420 . 

292
قمت من سكر غفلتي مستفيقا 
لكن اللّه رام لي تعويقا 
كنت في لجّة الذنوب غريقا * لم تصلني يد تروم خلاصي 
ثمّ إنّ الإله أمري أنهى 
فرأيت التّقى أعزّ وأبهى 
وانمحت زلتي وأبعدت عنها 
أنقذتني يد العناية منها * بعد ظنّي أن لات حين مناص « 1 » 
........................................................
( 1 ) " لات حين مناص " إشارة إلى سورة ( ص ) آية ( 3 ) ، وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ؛ أي وقت مطلب ومغاث ، وقيل : معناه أي استغاثوا وليس ساعة ملجأ ولا مهرب . ( لسان العرب 7 / 102 مادة : نوص ) . 

293
حرف الضاد 
قال رضي اللّه عنه دو بيت : 
يا قطرة بحر أمره الفيّاض * قس حالك ذا على زمان ماضي 
والروض سوى النسيم فافهم حكمي * والبرق كما ترى سوى الإيماض 


وقال أيضا دو بيت : 
هذا الإقبال منك والإعراض * يا من يلهو وهذه الأغراض 
تنبي حقّا لكلّ ذي معرفة * أنّ الأكوان كلّها أعراض 


وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
إن رمت أن تدرك كلّ المنى 
وتنجلي عنك غواشي العنا 
فارض وكن باللّه مستيقنا 
يا أيّها الراضي بأحكامنا * لا بدّ أن تحمد عقبى الرّضى 
ولا تخض في أمر ربّي السّما 
تبق كذا منطرحا في العما 
وإن أردت الهمّ أن يعدما 
فوّض إلينا وابق مستسلما * فالراحة العظمى لمن فوّضا 
صبر الفتى يلجي لمطلوبه 
كيوسف الدّنيا ويعقوبه 
واشرب صفا التحقيق من كوبه 
لا ينعم المرء بمحبوبه * حتى يرى الخيرة فيما قضى 

294
وقال رضي اللّه عنه : 
لك الحمد يا ربّ السماوات والأرض * ومن يسخط الإنسان إن شاء أو يرضي 
عليم بأحوال الجميع وحكمه * على الكلّ إن يرضوا وإن يغضبوا يمضي 
وشكرا لك اللّهمّ في كلّ حالة * على اليسر والإعسار والبسط والقبض 
رجوناك يا من لا يخيب بك الرّجا * لبعض أمور إن أردت بها تقضي 
وندعوك فاقبل يا إلهي دعاءنا * ولا تخزنا في حشرنا ساعة العرض 
إليك توسّلنا بحرمة أحمد * نبيّ الهدى من جاء بالنفل والفرض 
وجاه ضجيعيه الكريمين من هما * أبو بكر الصدّيق مع عمر المرضي 
وحوّل بفضل منك عنّا وساوسا * أتتنا من الشيطان تجذب للخفض 
ولا تبقنا كلّا على أحد سوى * جنابك واحرسنا من المهيع الدحض 


وقال رضي اللّه عنه : 
ضلّ الّذي عن ضوء شمسك يعرض * يا من هواه على البرّية يفرض 
يا نور نور النور من نحو الحمى * أنت الحمى والنور ذاك الأبيض 
ضنّ العليم بك الحكيم على السّوى * وإليك كلّ بالجوى يتعرّض 
حرف له بالاستطالة في الملا * سرّ به تشقى القلوب وتمرض 
وهو الّذي هو والّذي وسواهما * وسوى السّوى يدري به المتعرّض 


وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
كان أنا سيدي * مدّة دهر مضى 
ثمّ أنا كنته * في زمن وانقضى 
وهو هو الآن لا * غير بحكم القضا 
فاعتبروا هكذا * برق وجود أضا 
واحترزوا تفتنو * ن بضياء الفضا 
يا عدما ظاهرا * ما بوجود قضا 
ذاك هو الحقّ لا * أنت فكن مرتضى 
ثمّ عن الكون كن * متقبّضا معرضا 
تلق ظهوراته * في سخط أو رضى 
تحرق أنواره ال * كلّ كجمر الغضى 

295
وقال رضي اللّه عنه : 
أنا البرق اللموع وأنت أيضا * ولكن أنت لم تشهد وميضا 
إلى كم أنت في كمه فإنّي * أرى العليا وأنت ترى الحضيضا 
وهذا الفرق بينك قل وبيني * لحالك لم يزل حالي نقيضا 
فتنكرني لجهلك بي قياسا * عليك فلا تزال لي البغيضا 
رويدك أيّها المحجوب عمّا * يفيض لديك من مولاك فيضا 
ينابيع المعارف فيك غارت * ولم تهتم وماء الرشد غيضا 
تأمل باطنا لك في انقلاب * مع الأنفاس تدرك ما أفيضا 
وكن بالأمر لا بالخلق تعرف * لك الأمر الطويل لك العريضا 
وحقّق ظاهرا لك في جمود * تجده سائلا بك فيك أيضا 
تطبّب جسمك الفاني ليبقى * وتترك قلبك الباقي مريضا 
لك الأكوان بالأغيار سود * ولو حقّقتهنّ لكنّ بيضا 
فلو أعرضت عن دنياك صدقا * ومنك القلب بالإخلاص ريضا 
وجدت الأمر أمر اللّه أدنى * إليك وكنت سمنا لا مخيضا 


وقال رضي اللّه عنه : 
ملكوت السماء والأرض * نافض في الجميع كالنبض 
أصله الأمر واحد وبه * كلّ شيء في الرفع والخفض 
نحن طورا إليه نرجع في * مغضب للإله أو مرضي 
كلّنا واحد بلا صور * في البنا للوجود والنقض 
يا أخلاي هذه خلع * قد أتت من نوالها المحض 
لبستها من نحن إياها * وإليها عنّا بها نمضي 
حضرة فذّة مقدّسة * حكمت بالحرام والفرض 
حبّها حبّنا لها أبدا * وهو فينا بالحبّ والبغض 
تتجلّى بنا لنا ولذا * ينجلي بعضنا على بعض 
جلّ من لا يحلّ في أحد * بارق لا يحلّ في الومض 

296
وقال رضي اللّه عنه : 
الكلّ فان إذا له نسبوا * بالحثّ في كشفه وبالحضّ 
يقرضنا ربّنا ونقرضه * دينا بدين والسرّ في القرض 
نقضي فيرضى بما قضاه بنا * ونحن نرضى بما به يقضي 


وقال رضي اللّه عنه : 
من به قد تكاثرت أمراضي * لست أدري أساخط أم راضي 
إنّني عنده كما هو عندي * مثل أغراضه قضى أغراضي 
هذه حالة بها ننتحي * عن زمان مستقبل أو ماضي 
لا نرى غيرها وما الغير إلّا * عينها بالجسوم والأعراض 
ثمّ هيهات لا جسوم ولا أع * راض فيها فلتقض ما أنت قاضي 
يا خليليّ هذه هي سلمى * نحن عنها كالبرق في الإيماض 
تارة تختفي وتظهر طورا * ما لنا غير جودها الفيّاض 
عرفتها وما رأتها نفوس * قائمات بأمرها في التقاضي 
لمتى بالسواد نكتب فيها * وهي فينا كتابها بالبياض 


وقال في قرية البويضا : 
قد فاض نور الإله فيضا * لمّا وصلنا إلى البويضا 
وأقبل السعد والتهاني * وجاء فرط السرور أيضا 
وقد بدا بارق التجلّي * وشام قلبي له وميضا 
وغاب حبّي فصار عندي * شوقي طويلا بي عريضا 
وصرت ولهان في هواه * أنظم في حسنه القريضا 
وقام داعي الغرام يدعو * وماء صبري عليه غيضا 
وإنّني للحبيب أبغي * وعاذلي يلزم النقيضا 
وأوجه لا تزال سودا * وأوجه لا تزال بيضا 

297
حرف الطاء 
قال رضي اللّه عنه مخمّسا أبيات الشيخ الأكبر : 
حروف أرواح سقط 
لها من الجسم نقط 
فالكلّ للذنب التقط 
من ذا الّذي ما ساء قط * ومن له الحسنى فقط 
كن يا إلهي منقذي 
من كلّ شيطان بذي 
فشافعي من هول ذي 
محمد الهادي الّذي * عليه جبريل هبط 


وقال أيضا : 
يا ربّ عبد قد بسط 
كفّ التوسّل إذ سقط 
فعليه إن عدّ الغلط 
من ذا الّذي ما ساء قط * ومن له الحسنى فقط 
بك لا يزال تعوّذي 
من بطشك المستحوذ 
وبجاه طه أغتذي 
محمد الهادي الّذي * عليه جبريل هبط 

298
وقال أيضا : 
برضاك أدفع للسّخط 
وكثير ذنبي ما انضبط 
إن كان عبدك قد سقط 
من الّذي ما ساء قط * ومن له الحسنى فقط 
نعم الشريف المأخذ 
ذو عصمة لم تنفذ 
طهّرته من كلّ ذي 
محمد الهادي الّذي * عليه جبريل هبط 


وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ من بالناس يختلط * في مهاوي الجهل يختبط 
وهو لاهي القلب مشتغل * بسواه والسّوى غلط 
أنتجت فرط الكلام له * خلطه إذ أمره فرط 
وكثير القول يكثر من * مثله الزلّات والسّقط 
إن يخالط غيره اشتغلت * فكرة منه فتنضغط 
وإذا ما الغير خاطبه * شغله بالغير يشترط 
فمتى يصحو لحالته * وحجاه ليس ينضبط 
حار حتّى لا يعي أبدا * وهو بالأغيار مرتبط 
دائر لا زال في همم * لكلام الناس يلتقط 
ضجت الأسواق منه وقد * ملّت الخانات والربط « 1 » 
لا يغرّ المرء رقّته * إذ به ذو القبض ينبسط 
إنّ فيه الخبث مكتمن * والرضى في ضمنه السخط 
وهو بين الناس مرتفع * وهو عند اللّه منهبط 
لا يرى إلّا ولمّته * قد علاها الشيب والشّمط « 2 » 
وتدانت منه حفرته * وثواب اللّه منحبط « 3 » 
...................................................
( 1 ) الربط : ( ج ) الرباط : ملجأ الفقراء من المتصوفة . 
( 2 ) الشّمط : بياض شعر الرأس يخالط سواده . 
( 3 ) حبط عمله : بطل ولم يحقق ثمرته . 

299
والّذي في الانفراد له * حالة طوبى له وسط 
ساكن منها بمنزلة * دونها الأصقاع والخطط « 1 » 
قد صحا من سكر خلطته * عارف باللّه منتشط 
لا يدانيه سواه وهل * عسل يشبهه الأقط 
قدّموا الحرف البسيط وقد * أخّروا ما معه النّقط 


وقال رضي اللّه عنه : 
لم يكن ذا الكون قط * بل هو اللّه فقط 
صور محسوسة * ومعاني تلتقط 
كلّ وقت غيرها * من يد الحقّ سقط 
مثل لمع البرق في * حركات وحقط « 2 » 
لم يكرّرها وما * حرفها غير النقط 
وهي في تحقيقها * هي نسر وزقط 
ورياض وربا * وطعام وأقط « 3 » 
فاترك الفاني الّذي * هو وهم ملتقط 
منه لا تحسبه * ليس غير الاسم قط 
باطل منعدم * وله الحقّ لقط 


وقال مخمّسا أبيات الشيخ محمد البكري الصدّيقي رضي اللّه عنه : 
أيّها الطلعة التي أخذتنا 
بسناها عنّا وقد أعدمتنا 
ثمّ لمّا معارج القرب فتنا 
قبضة النور من قديم أرتنا * في جميع الشؤون قبضا وبسطا 
........................................................
( 1 ) الأصقاع : ( ج ) الصّقع : الناحية من البلاد أو الجهة والمحلة . الخطط : ( ج ) الخطّة : المكان الذي اختطّ لعمارة ، أو الأرض التي يختطّها الرجل لنفسه ولم تكن لأحد قبله ؛ أي : يضع عليها علامة بالخط ليعلم الناس أنه قد احتازها ليبنيها دارا أو غير ذلك . 
( 2 ) الحقط : خفة الجسم وكثر الحركة . ( لسان العرب 7 / 276 مادة : حقط ) . 
( 3 ) الأقط : لبن محمّض يجفّف ثم يطبخ ، أو يطبخ به . 

300
قد ورثنا الكمال جدّا فجدّا 
وبنا الشوق للأحبّة جدّا 
إنّ من أسفرت هي الفرع حدّا 
وهي أصل لكلّ أصل تبدّى * بسطت فضلها على الكون بسطا 
من رآها فعن سواها لقد عف 
وبها جسمه غداة الهوى خف 
فهو عنها بلطفه في الورى شف 
وهي وتر قد أظهرت عدد الشف * ع بعلم فجلّ حصرا وضبطا 
هي روح قريرة العين شكلا 
نحن صرنا لها شرابا وأكلا 
سرّها بالغذا لنا هو يكلا 
ولدت شكلها فأنتج شكلا * بشريّا أقام للعدل قسطا 
نحن في الغيب لم نزل في يديها 
ونراها إذ أظهرتنا عليها 
كلّ قلب لها يشاق إليها 
وهو عبد قد حرّرته لديها * بيديها وكم أفاض وأعطى 
إنّني للمنى لها مستحقّ 
وفؤادي فيما ادّعاه محقّ 
أيّ عبد حواه سحق ومحق 
حقّقته بحقّها فهو حقّ * جاء بالحقّ ينظم الخلق سمطا « 1 » 
كلّ شيء له من الغيب سرّ 
بتجلّيه للقلوب مسرّ 
والّذي يدرك الحقائق حرّ 
لنقوش النفوس حقّق والرو * ح أرته في اللوح شكلا ونقطا 
....................................................
( 1 ) السّمط : الخيط ما دام الخرز ونحوه منظوما فيه . أو هو القلادة ( ج ) سموط . 

301
أيّها القلب في بيوت الهدى قرّ 
وإلى اللّه من سواه به فرّ 
حضرة الروح ليس يعرفها الغرّ 
عالم منه آدم علم السّر * ر وعلم الأشياء رسما وخطّا 
هي أضحى بها العليم جهولا 
حين وافت تجرّ فينا الذّيولا 
وهي إن رمت منصفا أن تقولا 
هي ناسوت أنسنا والهيولى * شمس سرّ العروس بكر وشمطا « 1 » 
سرّ أمر يعزى الجميع إليه 
وقلوب الأنام طوع يديه 
كلّنا كالجفون من عينيه 
طلسم حارت العقول عليه * كنز بحر قد شطّ في الدرك شطّا 
نحن قوم إلى مجاليه هدنا 
ومعانيه ساعة ما فقدنا 
نتملّى به متى أردنا 
إن شهدناه في الجمال شهدنا * لجميل غدا له الحسن مرطا « 2 » 
جلّ وجه به تجلّى علينا 
ففقدنا بنوره ما لدينا 
إن شهدناه بالجمال اكتفينا 
أو نظرناه في الجلال رأينا * أسدا فاتكا من الأسد أسطى 
طلعة للذي تريد أعانت 
ولأهل السّوى بجهل أهانت 
ولها فوق كلّ شيء أبانت 
تاج فضل له الجحاجح دانت * وإليه رأس المفاخر وطّى 
....................................................
( 1 ) الهيولى : مادة الشيء التي يصنع منها ، كالخشب للكرسي ، والحديد للمسمار ، والقطن للملابس القطنية . 
والهيولى ( عند القدماء ) : المادة التي خلقت منها أجزاء العالم المادية ، وهي مادة ليس لها شكل ولا صورة معينة ، قابلة للتشكّل في شتى الصور . 
( 2 ) المرط : كساء من صوف أو خزّ أو كتان يؤتزر به . ( ج ) مروط . 

302
يا وحيد الوجود لا زال عنه 
يظهر الكون ما له فيه كنه 
والهدى والضلال قل من لدنه 
كلّ شيء معناه والكلّ منه * وعليه مبناه ما اختلّ شرطا 
جهله في القيود للعقل مسجن 
وتجلّيه للأحبّة مشجن 
ليس في الأنس علمه لا ولا الجن « 1 » 
واحد الشخص وهو مختلف الجن * س يقينا من أنكر الحال أخطا 
إن ترده فكن عن الكون زاهد 
ولكم مات في هواه مجاهد 
وإذا رمت أن ترى منه شاهد 
فتفهّم تعلم وجاهد تشاهد * يا مريدي ومن مزيدي تعطى 
إنّ هذا النظام ألطف جسم 
والّذي قد سما بذات ورسم 
حيث كنى فقال في حسن وسم 
وأنا عاجز محمد اسمي * لأجلّ الأنام قد صرت سبطا 
وأنا العبد للغنيّ بقربي 
من سليل الصدّيق فقت بشربي 
واثقا بالنبيّ أفضل عرب 
فعليه صلّى وسلّم ربّي * مع صحب والآل من جلّ رهطا « 2 » 


وقال رضي اللّه عنه : وقد طلب منا حبيبنا الشيخ زين العابدين البكريّ شرح هذه القصيدة الطائية فشرحناها شرحا لطيفا وأكملنا الكلام في معانيها تحقيقا وتعريفا على حسب وارد الفتوح ينبسط له القلب وتنشرح به الروح وسمّيناه نفخة الصور ونفحة الزهور في الكلام على أبيات قبضة النور وأتممناه في مصر المحروسة في بيت الشيخ زين العابدين المذكور ، وذكرنا في أوّله هذا التخميس وفي آخره عملنا قصيدة طائية من 
...................................................
( 1 ) الجن : خلقهم اللّه من مارج من نار ، وقد سمّوا بذلك لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار . الإنس :  البشر وواحده إنسي ، والجمع أناسي . 
( 2 ) الرّهط : ما دون العشرة من الرجال ، ورهط الرجل : عشيرته وقبيلته والأقربون . 

303
وزن هذه القصيدة وقافيتها وختمنا بها الشرح المذكور لقبضة النور والذي عملناه هو قولنا : 
لبستني مليحة الغيب مرطا * وبها قد تعلّق القلب قرطا « 1 » 
ذات وجه يلوح من خلف ستر ال * شيء فهو المكشوف وهو المغطى 
حسنه أدهش العقول فحارت * أخذ الكلّ بالظهور وأعطى 
يتجلّى وتارة يتحلّى * فنرى في الوجود قبضا وبسطا 
نظم العالمين عقد لآل * أمره لا يزال للعقد سمطا 
من رآه أصاب فيما رآه * والّذي قد رأى السّوى فيه أخطا 
هو شمس وما سواه ظلال * وهو بدر لظلمة الغير غطّى 
أحكم الأمر فهو بالحكم باد * في جميع الشؤون حلّا وربطا 
يا قريب اللّقا بعيد التجافي * لم توافي رهطا وتهجر رهطا 
نحن هدنا إليك ممّن سواك ال * آن فاجعل لنا من الأمر قسطا 
وتدارك نواظرا وقلوبا * أعجمتها الأوهام شكلا ونقطا 
إنّما أنت أنت والحكم شيء * منك وهو الجميع عدّا وضبطا 
دخل القلب دير عشق سليمى * يحتسي من لقائها الإسفنطا « 2 » 
فرأى ثمّ نسوة طالعات * من بحار الجمال يسكنّ شطّا 
ناظرات من الظّبا بعيون * ناعسات من البواتر أسطى 
في قدود كأنهنّ رماح * جعلت فتل من بها هام شرطا 
كلّ هيفاء ينفح الطيب منها * كيف كانت تجول رفعا وحطّا 
أمر اللّه أن تطاع بحسن * راسم بالغرام في القلب خطّا 
بدر تمّ على قضيب تثنّى * في كثيب بها عن المشي أبطا 
هي شمس الضّحى وبدر الدياجي * قد فنينا بها رضاء وسخطا 
ثغرها بثّ عن صحيح البخاري * وأنا مسلم وقلبي موطّا « 3 » 
.......................................................
( 1 ) القرط : حلية تعلّق في شحمة الأذن ( ج ) أقراط ، وقراط ، وقروط . 
( 2 ) الإسفنط : ضرب من الأشربة ، فارسي معرب . ( لسان العرب 7 / 315 مادة : سفط ) . 
( 3 ) البخاري : هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري ( 194 - 256 ه - 810 - 870 م ) أبو عبد اللّه ، حبر الإسلام ، والحافظ لحديث رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) صاحب « الجامع الصحيح » المعروف بصحيح البخاري وهو أول الكتب الستة في الحديث وأفضلها على المذهب - 

304
إن عبد الغني لها الآن اسم * لقطته حواضن الكون لقطا 
فهي طيف الخيال في نور طه * سيّد الرسل كاشط السرّ كشطا « 1 » 
فعليه الصلاة منه وآل * وصحاب ما الريح صافح خمطا « 2 » 
أو تغنّى على الأراك حمام * وسرى بارق الحمى يتمطّى 


وقال رضي اللّه عنه : 
طاء طيب الطباع في الإقساط * طهّرتني للمشي فوق البساط 
وجعلنا نورا لها هو يمشي * صار في ناسه به بانضباط 
والذي يعرف الموازين يدري * كيف يمشي على متون الصراط 
طيبة فاحت الروائح منها * فهي كالبحر والتغاير شاطي 
والّذي ينشق المعارف يحظى * بأواني مملوءة وبواطي 
طعم هذا حلو وذا غير حلو * وهي تسقي بصيب غير خاطي 


وقال رضي اللّه عنه : 
يشفّ ثوب عنه لي مخيط * واللّه من ورائهم محيط « 3 » 
ثوب الورى يشفّ عن وجوده * مركب ذلك أو بسيط 
فيحسب الثوب بأنّه له * وإنّما اللّه به يحيط 
يا من يروم حجّ بيت ربّه * بالقلب وهو عاجز حطيط 
في عرفاته الوقوف شرطه * تلبية وينزع المخيط 
فإنّه الإحرام والإحرام إن * فات فلا حجّ هو التخبيط « 4 » 
اللّه أكبر الّذي ليس له * أب فذاك ابن زنى لقيط « 5 » 
يمشي بنفسه على مراده * والعقبات كم بها سقيط 
- المختار . الأعلام 6 / 34 ، وتذكرة الحفاظ 2 / 122 ، وكشف الظنون 1 / 541 ، والوفيات 1 / 455 . 
.........................................................
( 1 ) كشط الشيء : وضع عنه شيئا قد غطّاه . 
( 2 ) الخمط : كل نبت أخذ طعما من مرارة أو حموضة ، وتعافه النفس ، أو هو ضرب من الأراك يؤكل ثمره . 
( 3 ) المخيط : ما يخاط به الثوب كالإبرة ونحوها . 
( 4 ) أحرم الحاج : لبس ثياب الإحرام ، واجتنب ما يحرم عليه ، وأحرم المصلي : دخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام . 
( 5 ) اللّقيط : المولود الملقى على الطريق ونحوه ، لا يعرف أبواه ، ويلتقطه الناس ( ج ) لقطاء . 

305
وليس يدريها ويشرب الّذي * يراه ماء أو دم عبيط 
إنّ رسوم الكائنات دائما * محو وإثبات هي التخطيط 
مقدّرات كلّها من عدم * قدّرها ربّ بها محيط 
وما لها إلا وجود ربّها * فإنّها به لها تقسيط 
ولا تقل حلّ ولا تقل هما * متّحدان فهمك العمريط « 1 » 
فإنّ هذا كلّه كلام من * نام له في نومه غطيط « 2 » 
كيف وجود ربّنا في عدم * يقال حلّ أو هما خليط 
فافهم كلامي واعتقده أو فلا * يغلب عليك عقلك السقيط 
فتجحد الحقّ على أصحابه * بغير علم ولك الأطيط « 3 » 
والكفر لازم على جحود ما * تجحده والعمل الحبيط 
وأنت مأمور الضلال والرّدى * ونفسك الموثوقة الربيط 
وفاتك الركب الذين يمّموا * نور الهدى وفاتك الخليط « 4 » 
وأنت لابس غليظ فروة * والقوم لبسهم حليّ وريط « 5 » 
فاز المخفّون الذين ما لهم * في غيرهم ظنّ ولا تفريط 
وما لهم شغل بغير نفسهم * عنها الأذى همّوا بأن يميطوا 
واحدهم هو الكثير في الورى * وفي الكمالات هو النشيط 
يصبح في خير ويمسي سالما * وما له لغيره تغليط 


وقال رضي اللّه عنه مخمّسا البيتين المنسوبين إلى الشيخ محيي الدين ابن عربي : 
تجمع القوم للإضرار واختبطوا 
ما بينهم وبساط السوء قد بسطوا 
فجاءهم قول محيي الدين ينضبط 
يا سطوة اللّه حلي عقد ما ربطوا * وشتّتي شمل أقوام بنا اختلطوا 
........................................................
( 1 ) العمروط : المارد الصعلوك الذي لا يدع شيئا إلا أخذه ، وعمّ بعضهم به اللصوص . 
( 2 ) غطيط النائم : نخيره . غط النائم : صات وردّد النّفس من خياشيمه وحلقه حتى يسمعه من حوله . 
( 3 ) أطّ : صوّت ، وأطّ الرجل : جاع ، وأطّت الإبل : أنّت من تعب أو ثقل حمل أو أنين . 
( 4 ) يمّمه : قصده . 
( 5 ) الريط : ( ج ) الريطة : الملاءة كلها نسج واحد وقطعة واحدة . أو هي كل ثوب ليّن رقيق . 

306
إبليس للشرّ داعيهم وجامعهم 
وما لهم عن هواهم من يمانعهم 
ناديت لمّا بدا للعكس طائعهم 
اللّه أكبر سيف اللّه قاطعهم * وكلّما قد علوا في ظلمهم هبطوا 


وقال رضي اللّه عنه : 
عالم الدّنيا مجاز كلّه * أيّ مجاز هو عقليّ فقط 
نسبة للعقل فافهم قولنا * تجد الأمر الّذي فيه انضبط 
فلذا التكليف في الدّنيا على * أهلها بالعقل شرع اللّه حط 
عالم الأخرى حقيقة ترى * كلّها ما بين إرضا وسخط 
وعلى الأمّة في الأخرى فلا * شرع والتكليف عنهم قد سقط 
حكم أحكامها محكمة * وبها القرآن بالوحي هبط 
فتأمل يا أخا العرفان في * قولنا هذا به الصدق ارتبط 
والّذي يعرض عنه لم يزل * جاهلا في الأمر بالعلم اختبط 
فتراه واقفا مع عقله * ما درى شيئا من الأكوان قط 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:32 pm

قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الظاء المعجمة 

قال رضي اللّه عنه : 
أنت هو الملفوظ واللّافظ * واللفظ والملحوظ واللّاحظ 
واللحظ والمعلوم والعالم * والعلم والمحفوظ والحافظ 
والحفظ والمأكول والآكل * والأكل والمجهوظ والجاهظ 
وكلّ ما يدرك بالعقل وال * عقل ومن يغتاظ والغائظ 
والحسّ والمحسوس والوهم وال * موهوم بل والوعظ والواعظ 
مراتب قام وجود بها * حقّ على تغييرها واقظ 
وهو وجود مطلق ثابت * قد حار فيه السعد والجاحظ « 1 » 
والأوليا والأنبيا كلّهم * والحيّ في تحقيقه الفائظ 

وقال رضي اللّه عنه : 
ظهر الذي شغفت به الألحاظ * وتمتعت بحديثه الألفاظ 
نسب الظهور مع البطون محقّق * شهدت بحسن ثبوته الحفاظ 
وتطابقت فيه المعاني كلّها * فنيامها في غيبها أيقاظ 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الوجود الحقّ بي يتلفظ * وبكلّ ما يلقي إليّ ويلفظ 
والكلّ فان وهي تقديراته * كالبرق لمّا في الدجى يتلظظ 
فالكائنات كلامه عن أمره * ناش له الروح الشريفة ملحظ 
.....................................................
( 1 ) الجاحظ : لقب الكاتب العباسي عمرو بن بحر ( 163 - 255 هـ ) كبير أئمة الأدب . سمي الجاحظ لجحوظ عينيه ، له تصانيف كثيرة منها : الحيوان ، والبيان والتبيين ، والبخلاء . 

308
وله كلام ثابت في نفسه * وهو القديم به البريّة توعظ 
من غاظه أمر فقد جهل الّذي * هو حاكم وهناك منه أغيظ 
والأمر علم اللّه في ملكوته * والملك جاهله هناك مقيّظ 
فيظلّ مطموس البصيرة في عمى * عن رشده شرة الدنيّة لغمظ 
اللّه أكبر ما أعزّ إلهنا * وأجلّه فيما يرقّ ويغلظ 
متنزّه متقدّس عن كلّ ما * تدري العقول وكلّ فكر يعكظ 
وهو الّذي ظهرت بنا آياته * وتفصلت فبذكره نتلمظ « 1 » 
ولكم فتى فتنته صورة حكمه * هو نائم لكنّه مستيقظ 
إنّ الوجود الحقّ يظهر دائما * ما عنده أزلا كذا هو يحفظ 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
ليل الهياكل دجا يا سعد أيقاظه * والبرق يلمع لمن ينظر بألحاظه 
والحبّ معناه ظاهر عند حفاظه * من يفهمه فاز والأكوان ألفاظه 
.........................................................
( 1 ) التلمّظ : التذوّق أو الأخذ باللسان ما يبقى في الفم بعد الأكل . 
( لسان العرب 7 / 461 مادة :  لمظ ) . 

309
حرف العين 
قال رضي اللّه عنه : 
هذه الأثواب والخلع * تكتسي طورا وتختلع 
فاستقم يا من على خطر * يرتقي حينا ويتضع 
والذي تفهمه فتن * والذي تعلمه خدع 
والمنى كلّ المنى أبدا * فوق فوق الفوق مرتفع 
ما له فينا مناسبة * مع شيء ليس يجتمع 
بل له فينا المعيّة من * قبل تكوين لنا يقع 
وجميع الكون مشغلة * للّذي في قلبه طمع 
فتيقظ إنّ ربّك لا * يترك البلوى ولا يدع 
والذي في علمه سنن * والذي في علمنا بدع 
سائق الأظعان نحو حمى * منيتي والنور يلتمع 
عج على الوادي المقدّس بي * وتأدّب ههنا سبع 
ثمّ عرّج نحو كاظمة * حيث تلك الساح والبقع « 1 » 
واسأل الركب المقيل على * يمنة الوادي وما صنعوا 
إنّ لي في خدرهم قمرا * كلّ أيامي به جمع 
خاله المسكيّ حين بدا * منه في ليل الورى شمع 
عصبة التشبيه لا تقفوا * سيركم في الحقّ منقطع 
حدّثوني في العقيدة ما * هذه الصلبان والبيع 
................................................
( 1 ) كاظمة : على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة ، بينها وبين البصرة مرحلتان . ( معجم البلدان 4 / 431 ) . 

310
وتنحّوا عن طريقتنا * عقلكم للحقّ لا يسع 
كلّ مغرور له صنم * بافتكار فهو مبتدع 
أين أنتم من عقيدتنا * إذ بها للحقّ نتبع 
وعلى التسليم نحن وما * حالنا في اللّه مصطنع 
وانجلت عين الوجود لنا * وسحاب الجهل منقشع 
واقتربنا حيث لا أحد * لا ولا مرئي ومستمع 
ثمّ عدنا بعد ذاك وذا * ما لنا ريّ ولا شبع 
والجوى والشوق لازمنا * كلّ حين عندنا وجع 
كيف أنتم والقلوب قست * ليس بالتذكير تنتفع 
واطمأنّت بالمحال وقد * أصبحت باللهو تقتنع 
أسمعتم من وساوسكم * ورضيتم أنّكم تبع 
لا أقرّ اللّه عين فتى * عن هوى المحبوب يندفع 
إنّني مضنى محبّته * لا رأوا قومي ولا سمعوا 
صاد قلبي لحظ غانية * عن خطور الوهم تمتنع 
إن بدت صلّى الأنام لها * وإذا ما أومأت ركعوا 
لي فؤاد حشوه شجن * بل على الأشواق منطبع 
والجوى والوجد مبتذل * دائما والصبر ممتنع 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن ضياء الغارب الطالع * ونحن كالآلات للصانع 
ونحن أسباب أمور الورى * نفعل بالمعطي وبالمانع 
لا تحسن الأوقات إلّا بنا * ولا يطيب العيش في الواقع 
وليس منّا زمن خاليا * من باصر حقّا ومن سامع 
واللّه إن يقطع كلّ الورى * ليس لنا واللّه بالقاطع 
ملّتنا ملة طه الذي * جاء بحال الفارق الجامع 
وديننا ما في الورى غيره * وما عداه خدعة الخادع 
إياك بل إياك من عصبة * في حقنا لم تخش من رادع « 1 » 
.........................................................
( 1 ) ردعه ردعا : كفّه وردّه وزجره ومنعه . 

311
قد حاولوا بالجهل أن يطفئوا * أنوار علم عندنا نابع 
وأنكروا الأسرار واستصغروا * دين النبيّ المصطفى الشافع 
والعقل قد قاموا به يحصرو * ن الدين في المستحسن النافع 
وقد نفوا ما عقلهم قاصر * عن فهمه من شرعنا الواسع 
والدين قد خصّوه في ظاهر * لجهلهم بالباطن الشاسع 
وقاربوا أن يجعلوا ملة * عظيمة المتبوع والتابع 
كملة للكفر مفهومة * بالعقل في الخافض والرافع 
خوفا على منصبهم بالعلى * بين عوامّ الناس في الجامع 
يا خيبة المسعى لهم إنّهم * قد نظروا بالبصر الهاجع 
فأبصروا الدّنيا فأضحى لهم * عمّا سواها عفة القانع 
وما لهم من قبح نيّاتهم * عن غضب الجبار من دافع 
ألم يصلهم أنّ دين الهدى * كالبحر أو كالوابل الهامع « 1 » 
ظواهر تدرك بالعقل مع * بواطن كالبارق اللامع 
وكلّها حقّ بحقّ أتت * من عند حقّ بالهدى صادع 
ويح شجيّ من خليّ وهل * سالي الحشى كالواله الواقع 
والجسم لا تشبهه روحه * ما جامد كالسائل المائع 
وبارع يدري جهولا ولم * يدر جهول قطّ بالبارع 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن عن شمس أمره كالشعاع * بافتراق في سرعة واجتماع 
يتجلّى بنا فنعرف منه * ما عرفنا منّا بغير نزاع 
وهو في أكمل الدنوّ إلينا * وهو عنّا في غاية الارتفاع 
قربنا منه كلّما كان شبرا * كان قرب منه لنا كذراع 
ثمّ قرب الذراع إن كان منّا * فلنا منه كان قرب الباع 
هكذا أخبر المبلّغ عنه * بانكشاف من وحيه واطّلاع 
يا بني قومنا السراة إليه * بنفوس إلى لقاه جياع 
وعيون إذا الظلام أتاها * شخصت نحو برقه اللّماع 
.................................................
( 1 ) الهمع : سحاب همع : ماطر . 

312
ههنا مغرم به قذفته * عنه أشواقه لخير بقاع 
بقعة النفس فهو دار حبيب ال * قلب مفروشة بحسن الطباع 
فرأى الباب مقفلا فأتاه ال * فتح منه بالذلّ والاتضاع 
ومشى عنه فيه يقصد ذاتا * هي ملء العيون والأسماع 
فتعالت عليه حتى تدانى * سامعا من جهاتها صوت داع 
وبها خاض دونها بحر نور * ما له ساحل بغير شراع 
وسطا سطوة الشجاع وهل يق * تحم المعركات غير الشجاع 
ثمّ أضحى من بعد ذاك وهذا * مثل ما كان أسر أمر مطاع 
فهو ما تطلبونه وهو أيضا * ما تركتم له حذار خداع 
عظم الأمر ثمّ زاد التباسا * عند من لم يكن عن الحقّ واعي 
فانقلوا قصة المحبّة عنّي * يا نداماي وافهموا أوضاعي 
هو هذا الذي ترون ولكن * نملنا فيه عندكم كالسّباع 
قد تبدّى فأين أهل الترائي * وتغنّى فأين أهل السماع 
صبغة اللّه بالوجود أجادت * صنعة الابتداع والاختراع 
هو شراب وما سواه سراب * شربه للشّفا من الأوجاع 
خصّ قوما به وباعد قوما * ليس يوم اللقا كيوم الوداع 

وقال رضي اللّه عنه : 
فريدة حسن وجهها البدر طالع * أشاهد معنى لطفها وأطالع 
تجلّت وكلّ الحادثات مغارب * فجلّت وكلّ الحادثات مطالع 
ولاحت لعيني وهي نور فأعدمت * ظلام سواها واستنارت مرابع 
وكانت ولا شيء كما هي لم تزل * كذلك والأشياء منها وقائع 
نفتني بأنوار التجلّي وأثبتت * فكلّي لها منها إليها ودائع 
وعندي لها أنواع عشق تفصّلت * على قدر ما تبديه منها البراقع 
تثنّت فقالوا لاح ثان وثالث * على الزور والبهتان منهم ورابع 
ولو وحّدوها طبق ما زعموا لما * رأوا غيرها في كلّ ما هو واقع 
فهل من فتى يا غافلون أدلّه * عليها فيحظى بالذي هو طامع 
وتنفتح الأبواب بعد انغلاقها * ويدخل بيت العزّ من هو قارع 
نعم هو هذا لو ثبتّم على التّقى * كما أنا أدري واستقلت مطالع 

313
وسلّمتم الأحوال للّه كلّها * وفيه استقمتم ما ثناكم منازع 
تريدون لكن بالأماني وصالها * فيدفعكم وهم السّوى ويمانع 
ولا صدق إلّا في مراد نفوسكم * لكم وأعاقتكم دعاوى قواطع 
وأين اقتحام الحرب من ذاكر لها * ولا يشبه الشبعان من هو جائع 
ومن يخطب الحسناء يسخ بمهرها * وطالب شهد لم تخفه اللوامع « 1 » 
رويدك مهلا إنّ للحقّ عصبة * وما منهمو إلّا وبالحقّ صادع 
أقاموا على محض اليقين بناءهم * وجامدهم من هيبة الأمر مائع 
وداموا على صدق الإرادة والرّجا * وهم كلّ قرم للخطوب يقارع 
وقد عمروا أوقاتهم بحضوره * وعندهم الدّنيا ديار بلاقع « 2 » 
وأعلى العلى من دون دون نعالهم * يعزّ بهم متبوعهم والمتابع 
هي الشمس أبدت ما سواها أشعة * إذا غربت نحن النجوم الطوالع 
أشارت بجفن العين فافتتن الورى * ولا قلب إلّا وهو حيران والع 
وأبصرها طرفي وذلك طرفها * فكان لها منها بصير وسامع 
وأحببتها بل تلك كانت هي التي * قديما أحبّتني فزال التقاطع 
وقد ملأت عيني بأنوار قدسها * ومنها لغزلان الجمال مراتع 
وما الكلّ إلّا صورة مستحيلة * كماء له موج وفيه فواقع 
وما الماء إلّا الروح والموج أنفس * فواقعها الأجسام وهي الجوامع 
وتلك تقادير بها الأمر ظاهر * ومن خلف هذا كلّه الذات واسع 
صدقتك جاء الحقّ والباطل انتفى * وزالت تماثيل الخيال الخوادع 
ومخطوبة الأرواح ألقت لثامها * عن الوجه منها وهو بالنور ساطع « 3 » 
فأفنت جميع الكائنات وهيّمت * رجالا وهت منهم عليها الأضالع 
وكم فتنت في عشقها من متيم * إذا ذكرت منه تفيض المدامع 
صلت بالمصلّى مهجتي بفراقها * ونلت منى إذ لي منى هو جامع 
وجادت على كلّ الذوات بذاتها * فلا ذات إلا ذاتها يا مدافع 
وكلّ صفات الكون فهي صفاتها * وتنزيهها في الكون بالكون شائع
............................................................
( 1 ) الشّهد : العسل غير مفصول عن شمعه ( ج ) شهاد . 
( 2 ) البلاقع : ( ج ) البلقع : الأرض القفر التي لا شيء فيها . 
( 3 ) اللّثام : النقاب يوضع على الفم وطرف الأنف ( ج ) لثم . 

314
ولا قائم إلّا بها في وجوده * ولا صانع إلّا بها هو صانع 
ألفت قديما حبّها وهو حبّ ما * أحبّ فكانت ما أنا فيه والع 
وقرّت بها عيني غداة عرفتها * فمن عينها تجري لعيني منابع 
وبانت وما بانت فلا شيء غيرها * سوى أنّنا عنها بروق لوامع 
إذا أسفرت عن وجهها برقع السّوى * هدت كلّ ضالّ في الورى هو ضائع 
وإن سترت بالغير وجه جمالها * أضلّت عقولا تعتلي فتقارع 
ولولا دفاع الناس بعضا ببعضهم * لهدّت كما قال الإله صوامع 
ونحن أولاء المؤمنين بحسنها * عداوتنا سمّ حذارك ناقع « 1 » 
ومن رامنا بالسوء فاللّه دائما * كما جاء في القرآن عنّا يدافع 
ألمّت بنا والكون كالليل مظلم * فلم تشعر الواشون إذ هم هواجع « 2 » 
وزارت على رغم الأعادي فأنكروا * زيارتها قالوا : خيال يرافع 
وما ذاك إلّا أنّني كنت فارسا * ببيدائها والغير في السير ظالع « 3 » 
محجّبة إلّا على كلّ محرم * لها قرّبته فهو للوتر شافع 
ومقبلة لكن على كلّ تارك * سواها بها عنها إليها يسارع 
أعارت معاني الكون ثوب صفاتها * وكلّ معار للمعيرة راجع 
وأودعت الأشياء سرّ وجودها * ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع 
ظهرنا بها لا بل بنا ظهرت وقد * تساوت دوان ههنا وشواسع « 4 » 
ولا دين إلا حبّها عند أهلها * فكم نحوها من ساجد وهو راكع 
إليها صلاة القوم أين توجّهوا * وقبلتهم وجه لها يتلامع 
وبالماء ماء الروح من أمرها لهم * وضوء وغسل دائم متتابع 
وإن خالطوا الأغيار كانت جنابة * لهم رفعها فرض على القوم قاطع 
وإن لم يكن ماء هناك تيمّموا * صعيدا له طيب من الجسم ضائع 
هو الحقّ لاقوا من سواه نجاسة * فمنها قد استنجوا وزالت فظائع « 5 » 
......................................................
( 1 ) سم ناقع ؛ أي : شديد قاتل . 
( 2 ) هجع هجوعا : نام ليلا . 
( 3 ) البيداء : الفلاة ( ج ) بيد ، وبيداوات . 
ظلع ظلعا : عرج عرجا يسيرا ومال في مشيه فهو وهي ظالع ( ج ) ظلّع . 
( 4 ) شسع المكان : بعد فهو شاسع . 
( 5 ) استنجى المحدث : تطهر بالماء أو غيره . 

315
وعن غيره لم ينطقوا فتمضمضوا * وشمّوه باستنشاقهم فهو ذائع « 1 » 
وعن ما سواه كان غسل وجوههم * لكي يقبلوا عنهم له ويسارعوا 
وغسل يديهم من جميع أمورهم * بتفويضهم فيه تنال المطامع 
وتثليث هذا الغسل شكل مثلث * به ظهرت ممّن براه صنائع 
وقد مسحوا فيه رؤوس رياسة * فما الذلّ إلّا وصفهم والتواضع 
وقد غسلوا أقدامهم في قيامهم * بخدمته عن كلّ ما هو مانع 
وقد كبّروه عن مدى وصفهم له * برفع يديهم ظاهرا وهو رافع 
وأثنوا عليه بالذي هو أهله * ومنه استعاذوا فهو ضارّ ونافع 
وهم باسمه قاموا ليتلوا كلامه * فما منهمو إلّا به هو خاشع 
وإن ركعوا مالوا إليه بكلّهم * وصاروا لديه والقلوب خواضع 
وإن سجدوا يفنوا ويبقوا به له * إذا سجدوا لأخرى وتبدو بدائع 
وفيهم سكون من قعود تشهّد * له وانقضى تحريكهم والتنازع 
وقد سلّموا طوعا إليه وأسلموا * ومنهم له التسليم للسوء دافع 
ولا مال عند القوم إلّا نفوسهم * تجارتهم فيها غلت والبضائع 
وقد أنفقوها حين آتوا زكاتهم * على الحقّ لم يقطع بهم عنه قاطع 
وأدّوا إليه فطرة فطروا بها * وما غيّروها والقلوب طوائع 
وصاموا عن الأغيار فيه وأفطروا * على وجهه مذ غاب للكون طالع 
وفي الحجّ كانوا بيت عزّته فهم * بنشأتهم طافوا فستّ وسابع 
وقد رملوا في ذا الطواف تدللا * عليه وفخر عندهم فيه بارع « 2 » 
ولمّا بدا من قلبهم حجر الهدى * له استملوا إذ منه بانت أصابع 
وفي عرفات الوصل حازوا تقربا * بوقفتهم فيها فزالت موانع 
ونالوا مناهم في منى وبها رموا * جمار هموم كلهنّ مصارع « 3 » 
وقد ودّعوا البيت العتيق وأقبلوا * على أصلهم في العلم وهو مواضع « 4 » 
وفي عيد نحر الهجر فازوا بذبحهم * ضحايا طباع هنّ فيهم لواسع « 5 » 
.........................................................
( 1 ) مضمض الماء في فمه : حرّكه وأداره فيه . 
( 2 ) الطّواف : ( شرعا ) الدوران حول الكعبة . 
( 3 ) الجمار : ( ج ) الجمرة : الحصاة الصغيرة يرمى بها في منى أيام الحج . 
( 4 ) البيت العتيق : الكعبة . 
( 5 ) النّحر : يوم النحر : اليوم العاشر من ذي الحجة ، لنحرهم فيه . 

316
ذبيحة نفس قطع عرق فسادها * إلى أن يفي منها خؤون مخادع 
وأخذ لقيط القلب في مسجد الحجى * مهمّ له تسعى الكرام المصاقع « 1 » 
ومن يلتقط سرّا بتعريفه له * يردّ على الروح الإلهيّ ضائع 
وغيبة مفقود عن الكون حكمها * كموت له في كلّ أمر يضارع 
وحبّ معاني الحقّ إخراج عشرها * خراج لأرباب الجهالة قاطع 
وجزية كفار النفوس تكون عن * يد وصغار حيث قرّر واضع « 2 » 
ومن نال صيد الغيب كلب هواه أو * أعيقت ببازي القلب طير سواجع 
فقد فاز بالقصد الذي هو راكب * إليه على خيل وهنّ الطبائع 
وواهب ذات الخال ظلمة كونه * تعوّضه نورا به هو لامع 
وقد آجر الأقوام إمكانهم له * فأجرتهم إنعامه المتسارع 
وباعوا نفوسا في هواه نفيسة * له فاشتراها حين أوجب بائع 
فقال لهم فاستبشروا إذ ببيعكم * توليتكم فالكلّ عندي مطاوع 
وإنّ جهاد القلب للنفس واجب * عليهم لفتح الروح فهو المصارع 
وقد دخلوا بالملك في قلعة الأنا * فليس لهم عمّا يرومون دافع 
وقادوا أسارى كلّ خلق مذمّم * وفاز شجاع بالغنائم دارع 
وقد شاركوه في الوجود فثامن * لفسخ اشتراك كان منهم وتاسع 
وقد كفل الرّحمن أرزاقهم لهم * وطالب بالأعمال وهي منافع 
فإن الدعاوى ألزمتهم كفالة * بأعمالهم والكلّ منه نوابع 
وتوكيلهم للحقّ أنتج قربهم * إليه وهذا للكمال ذرائع 
أحال بهم يوما عليهم فأفلسوا * وقد أصبحوا بعض لبعض يتابع 
ولمّا إليه بالحوالة ردّهم * لهم بالفنا كانت لديه مواقع 
ونحن له وقف لأجل صفاته * وقد عمرت منّا لهنّ المزارع 
وقاض قضى بالحقّ والروح شاهد * فكان لحقّ النفس منها مقامع 
ودعوى الغنى تعطي الخصومة في الهوى * وقد جمعت للعاشقين مجامع 
وجاءت بأنواع الشهادات أمّة * على الحقّ زكتها صفات بوارع 
........................................................
( 1 ) المصاقع : ( ج ) المصقع : البليغ يتفنن في مذاهب القول . 
( 2 ) الجزية : خراج الأرض أو ما يؤخذ من أهل الذمة . 

317
وهذا نكاح الأمر عقد محقّق * ومن كلّ شيء خلق زوجين بادع 
شهدنا على إيجابنا وقبولنا * وكانت لنا بالحضرتين وقائع 
وزفّت عروس القرب ليلة قدرنا * وفي ذكر الذكر استلذّ المجامع 
وإنزاله القرآن قد حملت به * فروج قلوب بالعلوم تدافع 
وبتّ طلاق الصبر زوج فتى الهوى * ثلاثا على سلمى فكيف يراجع 
ولو دفعت كلّ الذي هو ملكها * على طلقة ما كان قلبي يخالع 
وبرّت يمين واليمين ثلاثة * غموس بحكم الغير للغير رائع « 1 » 
ولغو على أهل المجاهدة احتوى * ولا إثم فيه لكن القلب جازع 
ومنعقد وهو الذي بين قومنا * تلذّ به عند اللقاء المسامع 
كلام على حكم العيان مفصّل * به الغيث من سحب الحقائق هامع « 2 » 
وتكفيره في حنثه ستر كلّ ما * بدا فثمار الحظّ منه أيانع « 3 » 
ومن يأخذ الدّنيا بشفعة داره * من الحقّ لمّا باعها فهو باخع « 4 » 
ومن ردّ عبدا آبقا كان أجره * عظيما على مولاه فهو الموادع 
وإحيا موات النفس بالذكر واجب * ليسعد فيها بالحراثة زارع 
وقتلك معنى الروح بالروح يقتضي * قصاصا بسيف الحقّ إذ هو شارع 
وإن أخذت من وصفها دية له * فذلك حكم للقصاص يضارع 
وهيأت الأقوام أرض نفوسهم * فكان المساقي شيخهم والمزارع 
وإقرارهم بالحقّ حجّتهم على * سواه وكلّ لابس الأمر خالع 
وإعطاء رأس المال وهو وجودهم * إليه اقتضى ربحا وضلّ المخادع 
مضاربة منه قديما مع الذي * له كلّ ما في الكائنات توابع 
وإن غصبوا أوصافهم من ذواتها * أغارت عليهم منه خيل طلائع 
وفي الصلح عن دعوى المغايرة اختفوا * فهم منه في الدّنيا غيوث هوامع 
وقد رهنوه بالديون قلوبهم * وماض وحال لا يفي ومضارع 
حدود الهوى قامت عليهم بربّهم * فلم يعتدوها والحدود روادع 
.......................................................
( 1 ) اليمين الغموس : الكاذبة التي يتعمدها صاحبها عالما بأن الأمر بخلافه وهي التي تغمس صاحبها في الإثم . 
( 2 ) الغيث : المطر . 
( 3 ) الحنث : الإثم والذنب العظيم . 
( 4 ) بخع نفسه : قتلها غيظا أو غمّا فهو باخع . 

318
ومن يدّعي ملكا فذلك سارق * يمدّ يدا فالحقّ لليد قاطع 
وعينيك فاسمع لا تمدّنّ قال في * إمام فكيف المقتدي وهو تابع 
وخمر السّوى منه إذا شرب امرؤ * عليه بأنواع الخطوب مقارع 
وزانية لم تحصن الفرج عن سوى * لها الرجم بالحرمان حدّ يمانع « 1 » 
وقذف أولي التشبيه يوجب حدّهم * سياط بعاد عن حماه قوارع « 2 » 
وقد كان بالتقوى وصيّته لنا * غداة بدت سبل ولاحت مشارع 
به منه تقوانا فلا ندّعي لنا * وجودا ونرضى حكمه ونطاوع 
وميراثه منّا بميراثنا له * فرائض كانت منه فينا بواضع 
فثمن وثلث إرث أمّ كتابنا * على حكمها في قسمتي لا أنازع 
ولا يرث المحجوب منهم بحاجب * على العين حكم قرّرته الشرائع 
وبالعول إن زادت سهام أولي الحجى * خيالا تراءته العيون الهواجع 
أعد نظرا ما زاد شيء على الذي * علمت ولكن لجّة وزعازع 
وقام وصيّ الحقّ يحفظ بالهدى ال * يتيم الإلهي والجميع مراضع 
وفقه الهوى فرض على القوم درسه * وكم ناله شيخ وكهل ويافع 
ومن كان مقداما يلج كلّ لجّة * إليه وإن ضجّت عليه الضفادع 
وأهل طريق اللّه قد ألفوا السّرى * وطال بطاح دونهم وأجارع « 3 » 
وغابوا عن الأكوان في الغيب حيث لم * يكن ههنا إلّا الشخوص الخوادع 
ومدّت لهم منه يدا قدسية * تبايعهم فيما رأوا فتبايعوا 
هم القوم لا يشقى الجليس بهم إذا * لهم كان في سرّ وجهر يطاوع « 4 » 
وقد زهدوا في الزّهد عمّا سواه إذ * رأوا الزهد معنى للعقول يخادع 
وعن توبة تابوا وهذا مقامهم * لهم هو من فوق المقامات رافع 
وتقواهم التّقوى على كلّ حالة * لديهم عن التّقوى وتلك بدائع 
وما ورع إلا عن الورع اقتفوا * وما منهمو إلّا عن القنع قانع 
.......................................................
( 1 ) الرّجم : الرمي بالحجارة ، والرجم شرعا : قتل الزاني رميا بالحجارة . 
( 2 ) السّياط : ( ج ) السّوط : ما يضرب به من جلد مضفور ونحوه . 
( 3 ) الأجارع : ( ج ) الأجرع : الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل . 
( 4 ) في البيت إشارة إلى الحديث القائل : « هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم » أخرجه البخاري ( دعوات 66 ) ، والترمذي ( دعوات 129 ) . 

319
وفاتوا مقامات السلوك لأنّها * على أوجه الأسرار منهم مقانع 
وقاموا بوصف الذات في غيب غيبه * له فيه ختم مثل ما كان طابع 
وتمّت معانيهم على كلماته * وماء الهدى من عينهم هو نابع 
وزال الذي كانوا يظنون أنّه * سواهم له عزّ عن الكلّ شاسع 
وقد كان وهما ذاك عند عقولهم * كمثل رقوم أظهرتها المدارع 
وقد بدّلت أرض لهم غير أرضها * كذاك سماوات وزالت طوالع 
وقد برزوا للواحد الأحد الذي * بهم هو فيه عالم ثمّ صانع 
وكانوا كما كانوا على الحالة التي * بها أزلا كانوا كلم يك واضع 
كما أنّه باق بما هو فيه من * قديم وهذا الأمر للوهم قامع 
بدايتهم كانت نهايتهم به * ومهيعهم آلت إليه المهايع « 1 » 
وفي العلم كلّ هكذا مترتب * حضور له ما قد مضى والمضارع 
فمن يعلم العلم القديم يرى الذي * أقول وترمى عن حمير براذع 
وتخفى علوم للعقول حوادث * عناكبها تبني البيوت خوادع 
ولم يك ذا إلا بتعليمه ولا * يعلم إلّا من لديه يوادع 
وما كان فيه فهو يبدو له به * وما لم يكن فيه فما هو واقع 
هيولى شهدنا أنّها نور نوره * لها صور شتّى به تتدافع 
وألوانها ذات الفنون فأزرق * سماويّ لون ثمّ أبيض ناصع 
وأسود غربيب وأخضر ناضر * وأحمر قان ثمّ أصفر فاقع 
ظواهر منه فيه عنه له به * بواطن أفناها من الذات لامع 
وبالحقّ أنزلنا وبالحقّ نازل * لقد حقّقته العارفون المصاقع 
وما الحقّ إلّا واحد فهو عالم * وعلم ومعلوم ثلاث قوارع 
ومن ههنا ألهى التكاثر أمّة * محقّقها من كوثر هو جارع « 2 » 
وذلك نهر الجنّة العذب ماؤه * وفي الحوض أنبوبان منه شوارع 
هو الحوض منه كلّ من نال شربة * فلا ظمأ يلقى ولا هو جازع 
ويطرد عنه كلّ من تبع الهوى * وتمزيقه دينا بدنياه راقع 
...................................................
( 1 ) المهيع : الطريق الواسع البيّن ( ج ) مهايع . 
( 2 ) في البيت إشارة إلى سورة ( التكاثر ) آية ( 1 ) أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ . 

320
أباريقه قوم به امتلأوا وهم * نجوم بآفاق العلوم سواطع 
يضيء بهم ليل السراة إلى الحمى * ومنهم رجوم للطغاة قوامع 
حنانيك عش إن فزت منهم بواحد * سعيدا قرير العين غصنك يانع 
وكن عبده لا عبد حظّ وشهوة * فما أنت ناويه على القلب طابع 
وهذا مقام حفّ بالبؤس والأسى * وما ناله إلّا الشجاع المقارع 
ودم طالبا منه التحقّق فيه لا * سواه تجده عنك فيك يسارع 
وإن زدت صدقا في محبّته له * به زدت قربا واهتدى منك ضائع 
وزالت معاني الغير في العين وانطوت * مسافة نفس بالمحال تخادع 
وكنت كما قد كنت من قبل لم تكن * وكان كما قد كان وهو الموادع 
عليم بذات منه تجلى عليه في * معاني صفات كلهنّ بوادع 
وفيه زمان والمكان تداخلا * وكيف وكم وهو للكلّ جامع 
له الكلّ وهو الكلّ وهو منزّه * عن الكلّ فاعرف واعتبر يا منازع 
تصاويره فيه تماثيله له * تقاديره منه فروض بوارع 
من العدم امتدّت إلى العدم انتهت * خيالات عقل واحد يتلامع 
وما هو إلّا النور نور محمد * تبدّى من النور الذي هو طالع 
فنور على نور كذا قال ربّنا * وذلك مشفوع لديه وشافع 
وأعلاهما النور الإلهيّ شأنه ال * تكبّر والأدنى هو المتواضع 
وذلك لا يفنى وذا كلّ لمحة * بأيدي الفنا ثمّ البقا يتتابع 
تجلّيه يبقيه به واستتاره * فناء له في الفكر والحسّ قالع 
هو العقل عقل الكلّ مفرد جوهر * يلوح ويخفى عن ضيا وهو شارع 
هو الروح روح الكلّ والقلم الذي * به الكلّ مكتوب له اللوح واضع 
وعرش وكرسيّ تجسّم فيهما * له صورة تحويهما وأضالع 
وفي كلّ شيء سرّ أمر ملبّس * بخلق جديد للخفاء مسارع 
كبرق عن الذات النزيهة لامع * فيا لك برق من حمى الحبّ لامع 
سرت نسمات الروح من روضة الحمى * فعطّرني طيب من الحبّ ضائع 
وعطرت الأنفاس مني بنفحها * جميع الورى حتى استطيبت مصانع 
وقامت دعاة الحقّ بالحقّ عن يدي * تعاهد أرباب التّقى وتبايع 
فحيهلا يا قوم نحو حقيقتي * فإنّ طيوري بالجمال سواجع 

321
وحوضي ملآن ومائي مروّق * وروضي بأنواع المحاسن يانع 
وباعي طويل والزمان مساعد * لنا وعيون الدهر عنّا هواجع 
وكاسات أفراحي براحي وراحتي * دهاق وأيامي المواضي رواجع « 1 » 
عليّ سلامي في الورى يوم مولدي * وموتي وبعثي ما همى الدهر هامع 
وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
رفعت مقامي منّة وتفضّلا 
وكلمتني بالعلم والحلم والولا 
ومنك ملأت الكفّ لي لا من الملا 
لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى * تباركت تعطي من تشاء وتمنع 
عروس التجلّي في فؤادي تنجلي 
وإنّ وعائي بالمعارف ممتلي 
وأرجوك يا مولاي يا ذا التفضل 
إلهي وخلّاقي وحرزي وموئلي * إليك لدى الإعسار واليسر أفزع 
إذا كنت بي في جملة الأمر معتني 
وقد نلت هذا الحظّ من فضلك السني 
فلست أبالي مع عيوبي قبلتني 
إلهي لئن خيبتني أو طردتني * فمن ذا الذي أرجو ومن أتشفع 
أنا العبد عبد الرّق في كلّ حالتي 
ولست بعبد في الرخا أو لشدّتي 
لك الأمر في الحرمان أو في عطيتي 
إلهي لئن جلّت وجمّت خطيتي * فعفوك من ذنبي أجلّ وأوسع 
إذا سلكت دنياي بالحال سبلها 
وأظهرت الأيام في العبد جهلها 
فلست يؤوسا بل أقول لعلّها 
إلهي لئن أعطيت نفسي سؤلها * فها أنا في روض الندامة أرتع 
.........................................................
( 1 ) دهق الكأس : ملأها إلى أعلاها فهي دهاق أي مترعة ممتلئة . 

322
إليك رخائي ينتمي وإضاقتي 
ومنك أرى سكري بدا وإفاقتي 
وهب أنّني أخّرت عن سير ساقتي 
إلهي ترى حالي وفقري وفاقتي * وأنت مناجاتي الخفيّة تسمع « 1 » 
بحبّك ثوبي في البريّة منصبغ 
ولا زال بالأشواق جلدي يندبغ 
وقلبي على الحالين من حرّه لدغ 
إلهي فلا تقطع رجائي ولا تزغ * فؤادي فلي في سيب جودك مرتع 
جداري على تأسيس جدواك قد بني 
ولا زال قلبي بالتذكّر يعتني 
وإنّي أنادي كلّما الوجد حثني 
إلهي أجرني من عذابك إنّني * أسير ذليل خائف لك أخضع 
رفعت إلى علياء ذاتك قصتي 
عساك تسيغ الآن بالقرب غصتي 
إذا متّ بالتوحيد طبق محجتي 
إلهي فآنسني بتلقين حجّتي * إذا كان لي في القبر مثوى ومضجع 
أنا العبد ملقى بالرجا وسط لجّة 
ورجّت غراما أرض نفسي برجة 
ولست أرى عذرا ولا بعض حجّة 
إلهي لئن عذبتني ألف حجة * فحبل رجائي منك لا يتقطع 
سألتك تعفو عن ذنوبي تفضّلا 
فإنّي لقد أكثرت فيك التوكّلا 
فبالمصطفى المختار أدعو توسّلا 
إلهي أذقني برد عفوك يوم لا * بنون ولا مال هنالك ينفع 
...................................................
( 1 ) الفاقة : الفقر والحاجة . 

323
حديث غرامي فيك لا زال شائعا 
وأنت اشتريت النفس مذ كنت بائعا 
فجد لي بأمن منك لا تك رائعا 
إلهي إذا لم ترعني كنت ضائعا * وإن كنت ترعاني فلست أضيع 
عليك ثنائي من جميعي بالسّني 
على كلّ فعل من فعالك بي سني 
أتيت بذنب قد لوى عنك مرسني 
إلهي إذا لم تعف عن غير محسن * فمن لمسيء بالهوى يتمتع 
هو العبد من مولاه بالمنّة ارتقى 
غداة له كأس المحبّة قد سقى 
عليك اتكالي قد عدمت لك البقا 
إلهي لئن قصّرت في طلب التّقى * فلست سوى أبواب فضلك أقرع 
دفعت عذول الحبّ عنّي بالّتي 
وفيك فتى أصبحت نحوك ما فتي 
فإن عثرت رجلي وجلّت خطيتي 
إلهي أقلني عثرتي وامح حوبتي * فإنّي مقرّ خائف متضرّع « 1 » 
محبّك لمّا إن وجدت له فني 
فهيهات أن تلقاه بالغير معتني 
وها أنا راجي الفضل ما عنك أنثني 
إلهي لئن خيّبتني أو طردتني * فما حيلتي يا ربّ أم كيف أصنع 
جمالك باه في الملاحة باهر 
ومنه يواقيت بدت وجواهر 
أأبقى ومنه قد تجلّت مظاهر 
إلهي حليف الحبّ بالليل ساهر * يناجي ويبكي والمغفل يهجع 
......................................................
( 1 ) العثرة : الزّلّة والسقطة ( ج ) عثرات . الحوب : الإثم والهلاك . 

324
مقامي أضحى بانتسابك عاليا 
فأخرجت من أصداف علمي لآليا 
وحزبي أولو التحقيق راموا مراسيا 
وكلّهمو يرجو نوالك راجيا * وإلّا فبالذنب المدمّر أصرع 
لوجهك قوم أولعوا بجماله 
وكلّ تفانى طامعا في وصاله 
فبدّل لنا نقص الهدى بكماله 
إلهي بحقّ الهاشميّ وآله * وحرمة أبرار همو لك خشّع 
أنر وقت مركوم السّوى مدلهمّه « 1 » 
وأخرجه من همّ الكبان وغمّه 
ولا تحرم المشتاق نيل مهمّه 
إلهي بحقّ المصطفى وابن عمّه * لرحمتك العظمى وفي الخلد أطمع 
ظهورك بي عندي أراه علامه 
على أنّك المسدي إليّ كرامه 
وإن رامت الأغيار مني انتقامه 
إلهي يميني رجائي سلامه * وقبح خطياتي عليّ يشنّع 
مقام الترجّي للنوال هو الّذي 
أقام فؤادي بالتودّد يغتذي 
وإنّ لساني في ثنا مدحه بذي 
إلهي فإن تعفو فعفوك منقذي * وحضرة أخيار همو لك خضّع 
إمام الهدى إنّي وراءك مقتدي 
ولي فيك قلب من تشوّقه صدي 
وقد بتّ أستجدي بأحشاء مكمد 
إلهي فانشرني على دين أحمد * منيبا تقيّا قانتا لك أخضع « 2 » 
........................................................
( 1 ) ادلهمّ الظلام : كثف أو اشتد سواده فهو مدلهم . 
( 2 ) القنوت : الطاعة ، والسكوت ، والدعاء . 

325
سماء العطايا قد رفعت لها يدي 
وأصبحت أرجو زهر روضتك الندي 
وأشهدت هذا الباب في كلّ مشهد 
ولا تحرمني يا إلهي وسيّدي * شفاعته العظمى فذاك المشفع 
هو المصطفى المختار طه محمد 
نبيّ الهدى رؤياه للعين إثمد 
سلامك من عبد الغنيّ له يد 
وصلّ عليه ما دعاك موحّد * وناجاك أخيار ببابك ركّع 

وقال رضي اللّه عنه موشح : 
" دور " 
شمس ذاتي ما لها غيري طلوع * وأنا الأصل وإخواني فروع 
خصّني اللّه بهذا في الجموع * وحي إلهام يسمى نفث روع 
" دور " 
ظهرت من خلف ستري تنجلي * ذات وجه حسنها الحسن الجلي 
وفقير الحبّ قد صار ملي * يتملّى بسليمى في الربوع 
" دور " 
قم بنا نشرب كاسات الوصال * بين أنواع جمال وجلال 
كم رقود تحت أستار الخيال * لاحت الشمس اختفى ضوء الشموع 
" دور " 
عاذلي باللّه خلّ الالتباس * واخلع الأكوان وانزع ذا اللباس 
وتناول من يد المحبوب كأس * خمرة الأرواح بل برق لموع 
" دور " 
حكمها النافذ في كلّ الشخوص * بعموم في البرايا وخصوص 
حضرة يعرفها أهل الخلوص * ما لهم عنها مدى الدهر رجوع 
" دور " 
صلّ يا ربّ على طه الرسول * أحمد المختار محمود الأصول 
ما احتسى عبد الغني خمر الوصول * من كريم ذي عطا وهو المنوع 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:33 pm

قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وقال رضي اللّه عنه : 
رويدك أيّها البرق اللموع * فإنّ غروب ضوئك لي طلوع 
ترفرف لمحة وتغيب أخرى * فتعشقك الأماكن والربوع 
ألا هل أنت بهجة وجه سلمى * بدت فتحيّر القلب الولوع 
أم ابتسمت عشيّة ودّعتنا * فجاد بكوننا الثغر المنوع 
هي الأسماء من أسمى أصول * ونحن جميعنا عنها فروع 
تميل فتثبت الأكوان عنها * وليس لهم إذا اعتدلت وقوع 
وذا حكم الإرادة وهو شيء * تكون به المهابة والخشوع 
وما أكواننا إلّا ليال * وفيها أشرقت منك الشموع 
وكلّ تجنّب عنك التفات * إليك وكلّ إقبال رجوع 
وجود واحد عنه تبدّت * جموع واختفت فيه جموع 
وتلك مراتب لا زال فيها * يكون له على الأبد الشروع 
ملابس بهجة محض اعتبار * وفي حرب العداة هي الدروع 
غدت منه له تبدو عليه * ويمحوها ويثبتها الخضوع 
إذا ما شاء أشهدها أناسا * فكلّ بالسّوى راض قنوع 
وإن يشأ الشهود فلا سواه * وكان لنور طلعته سطوع 
وقال رضي اللّه عنه في رسالته هدية الفقير وتحية الوزير : 
شمس لها قلب الموحد مطلع * ولها النواظر مغرب والمسمع 
ظهرت عليّ ولات حين تأمّل * فالبرق يلمع والحوادث يلمع 
يا ساكن الغيب المقدّس نظرة * لأسير شوق بالمطامع يخدع 
هو ميت هجر بالبعاد مكفن * صليت بنار الحبّ منه الأضلع 
وجه له كتمته ظلمة كونه * وعليه من نسج العناكب برقع 
فإذا التفتّ إليه يا قمر الحمى * عمرت ببهجتك الديار البلقع 
وبنورك الأكوان مشرقة فلا * يخلو مكان من سناك وموضع 
والسرّ أنت ونحن عنك إشارة * لا زال منك بكلّ قلب أصبع 
وعيوننا بك ناظرات والحشى * أبدا بعشقك في الملاح مولع 
ووجودنا هو أنت لا أشخاصنا * جسما وروحا إنّنا نتقطع 
بالفرق والجمع اللذين هما لنا * لا زلت أفرق في الوجود وأجمع 


327
اللّه أكبر هذه حلل البها * وجه المليحة ظاهر يتشعشع 
ما نالها إلّا الذي هو محرم * والأجنبيّ على التباعد يطمع 
إياك تقنع بالسّوى عن حسنها * إنّ السّوى ما فيه عنها مقنع 
هي رامة هي لعلع ولأجل ذا * ناديتها يا رامة يا لعلع 
وهي الحوادث باعتبار وجودها * وسوى الوجود عن التحقّق يمنع 
والكلّ محتاج إليه لأنّهم * بسواه للعدم المحقّق أسرع 
والنور تلك وما سواها ظلمة * فإذا أرادت أن ترى تتقشع 
كثرت لكثرة ما ترى بشؤونها * وعن الجميع لها المقام الأرفع 
وهي الوحيدة ما لها من مشبه * والوتر والشفع الذي لا يشفع 
لا تحتجب عنها بكثرة فعلها * فعل المليحة للمليحة يرجع 
ولنا إشارات وتلك لها بها * هي إن تشأ فهمت وفاض المنبع 
أهدت إلى عبد الغنيّ غناءها * عمّا سواه وهو فقر مدقع « 1 » 
ومتى يحاول ذكرها هو بلبل * بالنطق منها في رباها يسجع 
وهي الأمان له فما هو خائف * في النشأتين بها ولا هو يفزع 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
ذات تراءى النور من صفّها 
وقد تجلّى النشر من لفّها 
وكلّما غنّت على دفّها 
روّعها البرق وفي كفّها * برق من القهوة لمّاع 
بها من الأكوان دارت رحى 
وخمرها شاربها ما صحا 
وسرّها غيب الهدى أوضحا 
عجبت منها وهي شمس الضحى * كيف من الأنوار ترتاع 

وقال رضي اللّه عنه : 
ما تركت الكلّ إلّا ورعا * فسقى اللّه زماني ورعى 
قمر الغيب بدا في أفقي * يتجلّى ولفرقي جمعا 
...........................................
( 1 ) فقر مدقع : شديد ملصق بالتراب ، مذلّ . 

328
وفروضي حزمت فيه كذا * سنني صارت عليه بدعا 
فإذا كنت فكوني خطأ * وهو ذنب كان منّي وقعا 
أين من يفهم قولي ويرى * ما أرى من حقّ شرع شرعا 
وامتلا الكاس ولا كأس هنا * والوعا فاض وما ثمّ وعا 
والتماثيل عليها عكفت * أمّة الوهم وزادت طمعا 
يا رجال الغيب عيني شهدت * غيبكم كالبرق لمّا لمعا 
وانقضى الليل الذي أنجمكم * فيه والفجر عليه طلعا 
وورا هذا الورى كعبتنا * طاف قلبي بحماها وسعى 
ورمى جمرة نفسي في منى * قربها سبع صفاة تبعا 
لا تدع يا برق مني أثرا * أثر العين يزيد الوجعا 
وانفض العثير يا ريح الحمى * عن سنا الوجه فداعيه دعا « 1 » 
عنبر رحلي به قد عثرت * ولعا ما قال قلبي ولعا 
لي حبيب هو بي محتجب * وهو لا يبدو ولا أبدو معا 
بين تنزيه وتشبيه له * حضرة حيّرت المطلعا 
كلّما قرّبني همت به * أو تدانيت إليه ارتفعا 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا بيتين للشيخ محيي الدين بن العربي : 
سريت ولا ردّ هناك ولا منع 
إلى أن تساوى عندي الأصل والفرع 
وإنّي لحيران وفرقي هو الجمع 
إذا قلت يا اللّه قال لمن تدعو * وإن أنا لا أدعو يقول ألا تدعو 
على الحبّ أرواحا بذلت وأنفسا 
وقد طبت في روض المحبّة مغرسا 
أقول وكم قد قلت في القرب مجلسا 
لقد فاز باللّذات من كان أخرسا * وخصّص بالراحات من لا له سمع 
...........................................................
( 1 ) العثير : الغبار أو العجاج السّاطع ، أو كل ما قلبت من التراب برجلك إذا مشيت . 

329
وقال من المواليا : 
إذا كشفت بأنّك فعل ربّك جمع * معناه عنه كلمع البرق تلمع لمع 
والفرق تشهد جمودك بالبصر والسمع * وإن أردت المثل فانظر لهيب الشمع 

وقال رضي اللّه عنه : 
نشأة الروح بالغروب الطلوع * مثل برق على الطلول لموع 
صادر عن توجه الأمر فيه * أمر حقّ منجز مقطوع 
وبه جسم كلّ حيّ وميت * دائما في تكوّن مطبوع 
وتأمّل هنا أنا بيت ماء * جاريات أو التهاب الشموع 
وردة كالدهان ذات بطون * وظهور مع الأصول الفروع 
قائم كلّ ذا بأسماء ذات * تتعالى عن مدركات الجموع 
ذات حقّ ما ثمّ في الكون إلا * هي والكون بالتجدّد روعي 
هي ذات لها صفات وأفعا * ل ولا غير عند أهل الخشوع 
فلهذا نقول نحن بأنّا * هي أي عين فعلها المجموع 
لا بأنّا أي ذاتها إذ جنون * عين هذا المقال للمخدوع 
وإذا كان فعلها مثل برق * لامع في صدورها والرجوع 
ما له في العيان قطّ وقوف * صحّ أنا هي استمع مسموعي 
ولهذا حقيقتي همت فيها * قال شيخي وما رآها ولوعي 
فأنا كالمجاز عنها وقالوا * صحّ نفي المجاز عند الخضوع 

وقال رضي اللّه عنه : 
ما اصطكاك الأجرام عند السماع * عبث فليع كلامي واعي « 1 » 
ولهذا قال الإله تعيها * أذن قد وعت بقصد انتفاع 
رنّة بعد رنّة بعد أخرى * صور تنجلي على الأسماع 
يدرك الغافل الظواهر منها * والفهيم الذي له طول باع 
وله الاعتبار في كلّ شيء * قرب شبر له وقرب ذراع 
سامع كلّه بروح شريف * لا بأذن للنفس ذات النزاع 
...................................................
( 1 ) اصطكّت ركبتاه : اضطربتا وضربت إحداهما الأخرى عند المشي . 

330
يترقّى به المريد علوما * من دعاوى الهوى وحكم الطباع 
قد أفادته طاعة اللّه هذا * بكمال اقتدا وحسن اتّباع 
مقتف أثر سنة وكتاب * فعل أسلافه أولي الإجماع 
هذه حالنا وحال شيوخ * قد دعانا منهم على الغيب داعي 

وقال رضي اللّه عنه : 
أيّها البرق اللموع * لك من نجد طلوع 
تختفي طورا وتبدو * فتواريك الربوع 
لم يزل لي بك وجد * وهيام وولوع 
أنت هذ الجسم منّي * أنت قلبي والضلوع 
وقيامي وقعودي * وسجودي والركوع 
ووضوئي وصلاتي * وثنائي والخشوع 
وصيامي وزكاتي * ثمّ حجّي والرجوع 
أنت إخلاصي وزهدي * أنت صبري والخضوع 
أنت كلّي أنت بعضي * أنت نومي والهجوع 
وكذا الكون جميعا * أنت عندي يا جموع 
وكبار وصغار * وأصول وفروع 
وحياة وممات * شبع أنت وجوع 
صور في عين روح * وتحاويل تروع 
وتناويع سريعا * ت لها منه وقوع 
وهو عن أمر قديم * حادث مسك يضوع 
أو كظلّ أو كماء * دفقت عنه النبوع 
وعلى الجملة هذا * شمعة وهو شموع 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ شمسي من طاقتي في طلوع * كلّ وقت قد أعدمت مجموعي 
وهي أيضا من كلّ طاقة عبد * تتجلّى كمثل برق لموع 
قف بنا ساعة رويدك يا من * هو بي سائر بغير رجوع 
وتعطف على ذوات سكارى * بك ما بين يقظة وهجوع 

331
يترجون نظرة تحتويهم * بكمال السجود بعد الركوع 
ثمّ سقهم إلى حماك قبولا * واسقهم منك رائق الينبوع 
يا حبيب القلوب أشكوك منّي * شغفا في فؤادي الموجوع 
أعطشتنا الأغيار فاصبغ دجاها * بشعاع من نور تلك الشموع 
إنّنا عصبة أتيناك أسرى * وجهك الحقّ بالجوى والولوع 
نقتفي إثر من مضى فعسى أن * يهتدي بالأصول قلب الفروع 
يا ابنة الحيّ إنّني لك جار * وربوعي بقرب تلك الربوع 
رحمة لا أقلّ من نظرات * تمنحينا من الجمال المنوع 
إنّني ههنا طريح ديار * قفرة في مذلة وخضوع 
كلّما قلت لي دنا وصل ليلى * كان هذا دنوّ طيف هجوع 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
قوموا بنا كلّنا نخرق حجاب الطبع * ونتبع يا جماعة ما أتى في الشرع 
حتى نشاهد جمال اللّه يلمع لمع * ولا وجود لنا وهو الوجود الجمع 

وقال رضي اللّه عنه : 
جميع البرايا هي اليلمع * وبرق الوجود بها يلمع 
وما ذلك البرق غير الذي * هو الأمر في لمحة مسرع 
به الأرض قامت كذا والسما * فيخفض هذا وذا يرفع 
وفي الغيب غيب الغيوب اختفت * على الكلّ شمس فلا تطلع 
ونحن الخفافيش في نورها * نقوم لها ولها نركع 
هي الذات ذات الوجود الذي * إذا ما تبدّت لها نخشع 
ولم ندر منها سوى أمرها * ونحن على وجهها برقع 
إذا نحن متنا حيينا بها * وإن نحن غبنا فلا نرجع 
وأعيننا مبصرات بها * إليها وآذاننا تسمع 
ولا شيء نحن ولكن لها * نسبنا فنحن بها أجمع 

وقال رضي اللّه عنه : 
حرف عين العمى إلى النور داعي * وله صولة بأمر مطاع 
هو هذا به وما هو هذا * قاطع للرّجا وللأطماع 

331
ها بلاها وها هو الشان دان * وبعيد في عالم الاختراع 
عاين الكلّ منه ما عاينوه * وهو في غاية من الارتفاع 
بانحراف الشؤون عنه تبدّى * فهو يتلى بألسن الأسماع 
نفحه في رياض أوج التجلّي * ما وعاه سواه في الغيب واعي 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ شمسي من طاقتي في طلوع * كلّ وقت قد أعدمت مجموعي 
وهي أيضا من كلّ طاقة شيء * تتجلّى به كبرق لموع 
كلّ شيء فان بها وهي حقّ * ظاهر لا سواه في المسموع 
يا ابن قومي أهل الفهوم ويا من * يتوخّى شروعه كشروعي 
خذ كلامي وحقّق القول منه * لا تكن أنت عنه بالمخدوع 
لم يزل وآدم مخلو * ق على صورة الإله خضوعي 
صورة اللّه كلّ أوصافه مع * كلّ أسمائه على المشروع 
وهي وهو الإله فرد حقيقي * ليس فيه تعدّد للجموع 
وعليه قد كان آدم سترا * حاجبا في أصوله والفروع 
فاعرف الستر وهو أنت وحاذر * ما ورا عين سترك الممنوع 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
إنّ المحبّ إذا اختفت أسراره 
ظهرت على صفحاته أنواره 
ويح المحبّ إذا دهتهم ناره 
قالوا أتبكي من بقلبك داره * جهل العواذل داره بجميعي 
شرف الهوى أنا راهب في ديره 
وأنا الذي عندي مطالع خيره 
والحبّ عنّي حيث جدّ بسيره 
لم أبكه لكن برؤية غيره * طهّرت أجفاني بفيض دموعي 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
يا أمة العشق فزتم بالبصر والسمع * قوموا اتركوا الفرق عنكم واقبلوا للجمع 
نور الشموع الذي يلمع عليكم لمع * من حرقة القلب قد سالت دموع الشمع 

331
وقال كذلك : 
قوموا اذكروا اللّه نور اللّه يلمع لمع * فيشرق القلب منكم والبصر والسمع 
ألم تروا في الليالي والبرايا جمع * بنور ربّ السّما ينطق لسان الجمع 

وقال رضي اللّه عنه : 
كم صورة في قطعة الشمع * مفيدة للفرق والجمع 
يظهرها صانعها سرعة * فتبهر الأبصار باللمع 
وتختفي ثمّ يرى غيرها * يضحك أو يبكي بلا دمع 
وكلّها فانية لا ترى * هناك إلّا قطعة الشمع 
فاعتبروا فعل الوجود الذي * أنتم به المنصوص في السمع 


وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
تكاثر وجد القلب سرّا وجهرة 
وصبري عنّي في الهوى زاد نفرة 
ولمّا حسا قلبي من الكأس حسوة 
تمنيت من ليلى على البعد نظرة * لتطفي جوى بين الحشى والأضالع 
جرى طمعي في حبّ ليلى بما جرى 
وليلى توارت عن عيوني في الورى 
سألت عسى ألقى الخيال الذي سرى 
فقالت نساء الحيّ تطمع أن ترى * بعينك ليلى مت بداء المطامع 
رثت لي نساء الحيّ في نيل قربها 
وقلن اصطبر ما أنت ممّن تنبها 
وها هي عنك الحسن تستر والبها 
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها * سواها وما طهرتها بالمدامع 
هي السرّ سرّ الغيب فيك تستّرا 
وقد ضلّ منك العقل حتّى تحيّرا 
وهيهات تلقاها ولو كنت في الكرى 
وتلتذّ منها في الحديث وقد جرى * حديث سواها في خروق المسامع 

334
ألا يا لقومي كيف أروى من الظّما 
وعيني ترى الأغيار والعين في العمى 
وما الصبّ إلّا منشد قد ترنّما « 1 » 
أجلّك يا ليلى عن الغير إنّما * أراك بقلب خاشع لك خاضع 

وقال رضي اللّه عنه : 
أخ لي بطهر الغيب أرعى وداده * ويرعى ودادي يا رعى اللّه من يرعى 
أهيم به في الحبّ وهو يهيم بي * فيا خيبة الواشي إذا رام أن يسعى 

وقال رضي اللّه عنه : 
ليلة ذا القدر ليلة الجمع * في بصري شاهد وفي سمعي 
من غير فرق لدى بصائرنا * بين جماد وبين ذي لمع 
ذا القدر ذاك الذي الضمير له * ينزل من غيبه إلى الجمع 
وكلّ من نفسه يشاهدها * فيه يرى صورة من الشمع 
حقيقة أضحكت أحبّتها * والغير أبكته زائد الهمع 
فدمعة في السرور باردة * وفي الأسى الحر كان في الدمع 

وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
" دور " 
بروق الحيّ لمّاعه * ونفس الصبّ طمّاعه 
وكتمان الهوى طاعه * ولكن هذه الساعة 
" دور " 
رأينا وجه من نهوى * ومنّا حقّت الدّعوى 
ونلنا الرتبة القصوى * وأبدى النور شعشاعه 
" دور " 
ترنّم أيّها الحادي * أنا في يمنة الوادي 
ولمع البرق لي بادي * ودنيا الغير خدّاعه 
" دور " 
............................................
( 1 ) الصّبّ : العاشق ذو الحب الشديد والاشتياق . 

335
مطايانا بنا سارت * وفي غور الحمى غارت 
وأطيار المنى طارت * وقد مدّ الفتى باعه 
" دور " 
وصلّى ربّنا حقّا * على خير الورى صدقا 
به عبد الغني يرقى * يقوّي اللّه أسماعه 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا مؤمنون بأنّ اللّه خالقكم * وخالق لكم الأعمال أجمعها 
أما سمعتم به وهو المحيط بكم * كما لكم هو في القرآن أسمعها 
جلّ المهيمن عمّا لا يليق به * وقال عن كلّ نفس أنّه معها 

وقال أيضا في كتابه الفتح المكي واللمح الملكي : 
علت بي كعبة الذات البديعة * لأسماء نزيهات رفيعه 
وقد ملىء الإناء من العطايا * وفرّغ في النفوس المستطيعه 
لنا عجز ومقدرة وعلم * وجهل فالحصون لنا المنيعه « 1 » 
ومن علم الحقيقة قد شربنا * وكان الأكل من علم الشريعة 
ومن يشري من الرحمن نفسا * له الأولى ببخس أن يبيعه 

وقال أيضا هناك : 
جئنا إلى الحسن المعروف بالراعي * نزور في قطنا منه الفتى الراعي « 2 » 
يرعى بهمته من زاره وبما * يريد منه يوافيه بإسراع 
وجه تبدّى كبدر بل كشمس ضحى * إلى محبّته قلب الشجي داعي 
يميط ستر تراب الكون عن قمر * تحت البراقع عند الناظر الواعي 
إليك يا كوكب القدس الذي سطعت * أنواره غيب أمر منه لماع 
قوم أتيناك نبغي من علاك قرى * نمدّ فيه بأجناس وأنواع 
نمحو عن القلب ما تجني خواطره * من العلائق عن ذلّ وأطماع 
وصاحب الحال لا تخفى الحوائج عن * إدراكه وهو فيها القائم الساعي 
..............................................................
( 1 ) حصن منيع : لا يخلص إليه الأعداء ويمتنع به أصحابه . 
( 2 ) قطنا : من قرى دمشق . ( معجم البلدان 4 / 374 ) . 

336
بأمر ربّ قديم لا حدوث له * إنّي مددت إليه في الهوى باعي 
أخصّه في رجال الغيب أقصد لا * أعمّه في سواهم وهو إجماعي 

وقال رضي اللّه عنه : 
أزال عن الوجه الجميل قناعه * وأظهر فينا علمه واطّلاعه 
فزالت جميع الكائنات حقيقة * وصار افتراق الكلّ عندي اجتماعه 
مليح له منه عليه شواهد * متى أمر المضنى بأمر أطاعه 
وما الكلّ إلا فيه مضنى جماله * ولا شرّ لا عصيان فاسكن رباعه 
هو الخير محض الخير والشرّ فرضه * وتقديره للعقل بان فراعه 
بدا ينجلي للكل في كلّ صورة * ولا صورة إلّا أراها اختراعه 
وعن صور الأكوان فهو منزّه * وإن كان فيها قد أبان ارتفاعه 
هو الشمس أضحى والجميع ظلاله * هو البدر أمسى كلّ شيء شعاعه 
متى اجتمع الإنسان يوما بغيره * وصدّق غيرا كان ذاك وداعه 
ولا رؤية الإله تلك رؤية * وكلّ سماع صار عندي سماعه 
هو الظاهر المعروف في كلّ ظاهر * هو الباطن المجهول يخفى شياعه 
رأيت عيوني المبصرات عيونه * وأدركت باعي في التناول باعه 
ووصف بوصف واحد ضرب واحد * وذات بذات واكتفيت نزاعه 
دنا فتدلّى فالتقينا فلم أكن * وكان علس ما كان يبدي التماعه 
وقلب قلبي في سواه ولا سوى * زمانا أراني مكره وخداعه 
إلى أن تصافينا على الودّ وانمحت * رسوم جهول فيه قاسى طباعه 
وأشهدني ظلمي فشاهدت ظلمتي * تجلّى جمال للعقول أشاعه 
وبالعدل منه فيّ أظهر نوره * تجلّى جلال سرّ قلبي أذاعه 
فأعطى فؤادي بالذي هو آخذ * علوم كمال قد قرأت رقاعه 
صدقت فكرّر ذكره يا محدّثي * فإنّ جبان القرب صار شجاعه 
وأروى بماء العلم منه عطاشه * وأشبع بالتحقيق فيه جياعه 
وقام فأغنى عن قيام قيامة * بإيمان صدق عنده ما أضاعه 
وعرّج رفيقي فالمعالم أشرقت * بمن قد وجدنا في الرحال متاعه 
وصرنا ملوكا في رعايا صفاته * به وفتحنا بالغناء قلاعه 
ولا تلتفت للحاسدين فإنّهم * يقاسون من حبل الوداد انقطاعه 

337
وهم في العمى عنه فلا يبصرونه * وهل تشبه الثيران فيه سباعه « 1 » 
وسامح ولا تعتب فحرمانهم كفى * بهم غضبا منه فصاروا رعاعه « 2 » 
وما في يديهم غير دعوى وعندهم * سراب شراب لا يزالون قاعه 
رأوه فتاهوا فيه واندهشوا به * وكلّ يعاني ودّه وسواعه 
ولو شاء أبدى في فناهم وجوده * وأسمعهم بالنفخ فيهم يراعه 
وإلا فبالتسليم للحقّ من ذوي * درايته فازوا فنالوا استماعه 
ولكنّه عن كلّ ما هو فاعل * فليس بمسؤول لترجو دفاعه 
فمن شاء أعطاه على رغم غيره * ومن شاء بالحرمان أبدى امتناعه 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ مصنوع بمن قد صنعه * ليس يدري حطه أو رفعه 
واذكروا لي فرد مصنوع له * صانع يعرف من قد صنعه 
مع أنّ الصانع المخلوق مع * كلّ مصنوع حدوث جمعه 
فقديم صانع مصنوعه * حادث كيف يعاني طمعه 
يرتجي يعرفه وهو له * خالق عن دركه قد ردعه 
إنّ هذا الكون مصنوع له * يعرف اللّه وإن كان معه 
ذلك اللّه الذي قد صنع ال * عبد مع أفعاله وابتدعه 
والدي في علمنا مع علمنا * صنعة اللّه لضيق وسعه 
وجميع الكون من صنعته * وابتدأ كلّ فتى واخترعه 
والذي نعرف منه أنّه * صانع نفسا به منطبعه 
والذي نعرفه خلق له * ظاهر فينا كما قد أودعه 
كلّنا خلق جديد دائما * مثل قول اللّه كن مستمعه 
كلّ عبد إن أراه فيرى * وإذا أسمعه قد سمعه 
لا تقل أنزل فينا علمه * علمه فينا بحال وضعه 
وهو حقّ وسواه باطل * لا يساوي الحقّ فاترك بدعه 
...................................................
( 1 ) الثيران : ( ج ) الثور : الذّكر من البقر . السّباع : ( ج ) السبع : كل ما له ناب ويغدو على الناس والدواب فيفترسها ، كالأسد والذئب والنمر . 
( 2 ) الرّعاع من الناس : غوغاؤهم وسفلتهم وأخلاطهم . 

338
إنّنا خلق له بالروح من * أمره والأمر برق اللمعة 
مثل لمح البصر الكلّ به * ظاهر عن أمره ما قطعه 
فاعرف اللّه الذي أنت به * أنت في كلّ زمان شرعه 
وتحقّق أنّه الغيب الذي * ما له ماهية مجتمعه 
لا ولا كيف ولا أين ولا * شبه والعقل جهل صرعه 
وله الذات الّتي ما مثلها * أحد عن قيدها ممتنعه 
وله الأوصاف والأسماء من * أزل الآزال لا منقطعة 
وهي عين الذات لا تركيب في * ذاته جلّ كنور الشمعه 
هو نور وسواه ظلمة * هي منه ظلمة مخترعه 
يتجلّى حيثما شاء بها * محض تقدير له قد تبعه 
عبد رقّ ما له من أحد * غير مولاه ويشكو وجعه 
فيرى النور به لا بسوى * ويصلّي خمسه والجمعة 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:34 pm

قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الغين المعجمة 

قال رضي اللّه عنه : 
شموسك يا سلمى علينا بوازغ * أم النّعم المستشرفات السوابغ « 1 » 
جلابيبها الأكوان تكشف تارة * وتستر أخرى والمعاني نوابغ 
تجلّت فأفنتنا فكنّا ولم نكن * فنحن بهنّ المترعات الفوارغ 
بلغت بها الشأو البعيد من المنى * وما أحد غيري لذلك بالغ « 2 » 
وحجّتها فينا علينا عظيمة * وبرهانها بالحقّ للغير دامغ 
لها كرم لا منتهى لعداده * به زاد في تقصيره من يبالغ 
ورحمتها عمّت وخصّت وخصّصت * وللكلّ منها العفو والصفح سابغ 
أحجّ إليها كلّ وقت ومهجتي * لكعبتها وادي العقيق ورابغ « 3 » 
وأعرفها طورا وما أنا عارف * بها تارة والحبّ للقلب ماضغ 
هي البدر حسنا بل هي الشمس بهجة * بها الكون روضات زهت ومرائغ « 4 » 
متى أسفرت عندي تحققت لا سوى * فقرّت بها عيني وما أنا زائغ 
وإن حجبتني عن سناها فإنّني * بها حائر بل ثعلب الفكر رائغ 
وما الكلّ إلا صبغة الوجه عندنا * إذا ظهرت والحسن للكلّ صابغ 
هياكل أنوار خزائن بهجة * لنا صاغها من حضرة الغيب صائغ 
...............................................................................................
( 1 ) بزغت الشمس أو القمر أو النجم : بدأ طلوعه . 
( 2 ) الشّأو : الشوط والسبق والغاية والأمد . ويقال : إنه بعيد الشأو ؛ أي : بعيد الهمّة . 
( 3 ) وادي العقيق : واد بظاهر المدينة . رابغ : واد بين مكة والمدينة قرب البحر ، وهو من مواقيت الإحرام عند الحجاج . 
( 4 ) المرغة : الروضة ، والمرغ : الروضة الكثيرة النبات ، أو المصير الذي يجتمع فيه بعر الشاة ، والمراغة : الأتان . 

340
عقارب أصداغ تراءت بوجهها * وهنّ لقلبي لاسعات لوادغ 
بديعة حسن تنجلي في ملابس * وقد شاقني منها الطلى والنغانغ « 1 » 
محجّبة عنها لفرط ظهورها * بها عجز المثني وكلّ المبالغ 

وقال رضي اللّه عنه : 
غنيّ به عبد الغنيّ فيبلغ * إلى أن تراه عن معانيه يفرغ 
تجلّى فكان الانحراف لحرفه * وما كلّ حرف بالتغاير يصبغ 
به ظلمة نور ونور وظلمة * ومبلغه ما مثله قطّ مبلغ 
دنا وهو دان في بعيد مقامه * فلا شمس إلا في تجلّيه تبزغ 
وإن غرّد الشحرور كان إشارة * به منه فينا أو تناوح لغلغ « 2 » 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ روحي بجسمها مصبوغه * وهي في قالب به مفروغه 
كلّ جسم كذاك صبغة روح * عند تحقيق ذي الكمال بلوغه 
يا لغيب محقّق وهو حقّ * ليس عنه لعاقل زيغوغه 
عرفته العقول وهو خفيّ * حيث صارت بحكمه ممضوغه 
لكن الكشف لا يكون إذا لم * يألف العقل عن سواه فروغه 
وإذا لم يجد من الكون أصلا * كلّ فرع منه أسال صموغه « 3 » 
دمغت حجة الإله علينا * فغدت كلّ حجة مدموغه 
حيث مصنوعة به هي كانت * وهي مخلوقة لنا ومصوغه 
يطلع العقل إن أراد على ما * شاء أو شاء كفّ عنه بزوغه 
ليس إلّا التسليم للعقل يبقى * سببا للنجاة فاترك هبوغه « 4 » 
تعس الكلب ما على اللّه حكم * لمتى في الشكوك يبدي ولوغه 
إنّما الحكم منه في كلّ شيء * وجميع الأشيا به ملدوغه 
..........................................................
( 1 ) النغانغ : ( ج ) النّغنغ : اللّحمة في الحلق عند اللهازم . أو الأحمق الضعيف المضطرب . 
( 2 ) اللّغلغ : طائر معروف . ( اللسان 8 / 449 مادة : لغلغ ) . 
( 3 ) الصمغ : مادة لزجة تسيل من بعض الأشجار وتتجمد عليها ، تذوب في الماء وتستعمل في إلصاق الأوراق وغيرها وفي بعض الصناعات . 
( 4 ) الهبوغ : النوم . 

341 
حرف الفاء 
قال رضي اللّه عنه : 
قف على أيمن الحمى كوقوفي * وتأمّل بطرفك المطروف 
كسفت بالظهور شمسي فما كا * نت صلاتي إلا صلاة الكسوف « 1 » 
ثمّ لمّا انجلت رأيت خضوعي * لي وشاهدت واصفي موصوفي 
وانمحت في الوجود نقطة عيني * إنّها لم تكن سوى مألوفي 
شقّ فجري فقمت حتى أصلّي * قيل لي فانتظر أذان الصروف 
فسمعت الصلاة خير من النو * م ينادي بها بلالي بجوفي « 2 » 
هو صلّى إليّ لا أنا صلّي * ت إليه واذكر صلاة الخسوف 
يا خليليّ بالأجارع حطّا * فعسى ربّة الستائر توفي 
وقفا بي على معالم سلع * فالنقى فالعقيق طاب وقوفي 
شمت من أيمن المنازل برقا * لامعا في وجودي المخطوف 
وتغنّت على أراكة كوني * ذات طوق بلحنها الموصوف 
فهي طورا كاسي وطورا نديمي * كلّ مصغ لها من الدّاء عوفي 
حبسوها لمّا استطابوا غناها * إنّما الظرف طاب بالمظروف 
هي محبوبتي لديّ وعندي * ومعي وهي واحدي وألوفي 
..........................................................
( 1 ) الكسوف : احتجاب نور الشمس أو نقصانه بوقوع القمر بينها وبين الأرض . 
( 2 ) بلال : هو بلال بن رباح الحبشي ( توفي 20 ه - 641 م ) أبو عبد اللّه مؤذّن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) وخازنه على بيت ماله . من مولدي السراة ، وأحد السابقين للإسلام ، شهد المشاهد كلها مع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) ولمّا توفي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) أذّن بلال ولم يؤذّن بعد ذلك . توفي بدمشق . روى له البخاري ومسلم 44 حديثا . الأعلام 2 / 73 ، وابن سعد 3 / 169 ، وصفة الصفوة 1 / 171 ، وحلية الأولياء 1 / 147 . 

342
وهي عيني إذا بدت وهي غيري * حين تخفى فائمن بهذا المخوف 
وكذاك الزجاج إن قابلته ال * شمس جاءت من لونه بصنوف 
وشخوص المرآة عبرة مثلي * وظلال الأراك داني القطوف 
قمر وهي في الحقيقة شمس * نوره من ضيائها مستوفي 
كلّ شيء قل هالك صاح إلا * وجهه راغما جميع الأنوف 
أصدق الشعر قل ألا كلّ شيء * ما خلا اللّه باطل قول صوفي 
وكذاك الإجماع ليس لشيء * أثر في شيء سوى المعروف 
خذ بطبق الكتاب والسّنّة الغ * رّاء واتبع إجماع تلك الألوف 
واقتحم معرك الحقيقة واضرب * في جيوش العدى بحدّ السيوف 
واخرق الحجب واسحق الكون وامحق * أو تردّد بين الرّجا والخوف « 1 » 
وتحقّق بالمظهرين وكن في ال * حالتين الشجاع بين الصفوف 
كن فتى رقّ فاسترقّ المعاني * ثمّ صافي ذات الستور فصوفي 

وقال رضي اللّه عنه : 
ومن أعجب الأمر هذا الخفا * وهذا الظهور لأهل الوفا 
وما في الوجود سوى واحد * ولكن تكثّر لمّا صفا 
وأصل جميع الورى نقطة * على عين أمر بدت أحرفا 
وتلك الحروف غدت كلمة * فكانت مشوق الحشى المدنفا 
فإن قلت لا شيء قلنا نعم * هو الحقّ والشيء فيه اختفى 
وإن قلت شيء نقول الّذي * له الحقّ أثبت كيف انتفى 
وضجّ الحسود ولم يتّئد * ولام العذول وما أنصفا 
وقد حال بينك يا عاذلي * وبيني بأنّك لن تعرفا 
وأين ضلوعي التي في لظى * وأين زفيري الذي ما انطفا 
وأين دموعي تلك التي * تسيل وجفني الذي ما غفا 
ألم تر أنّ المحبين لا * يرون النعيم بغير الجفا 
فمهلا رويدك إنّي امرؤ * تركت سلوّي لمن عنّفا 
....................................................
( 1 ) الرجاء : تعلق القلب بمحبوب سيحصل في المستقبل . الخوف : سراج القلب به يبصر الخير والشرّ . ( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقامي الخوف والرجاء برسالته ص 124 - 138 ) . 

343
وخلفت خلفي جميع الورى * وقلبي على قلبه أشرفا 
وفوقي تحتي ولا تحت لي * وبعدي هو القبل يا من وفى 
ولمّا شربت كؤوس الهوى * وذقت المدامة والقرقفا « 1 » 
أزيلت صفاتي فلا وصف لي * وعن جميعي مضى واختفى 
وما أنا إلّا هيولى الورى * ولمحة نور من المصطفى 
خليليّ قوما بنا للحمى * عسانا نرى الرشأ الأهيفا 
وعوجا على سفح ذاك اللّوى * وإن جئتما دار سلمى قفا 
فإنّي مشوق كثير الجوى * عسى الحبّ بالوصل أن يعطفا 
وقولا لمن لام ويح الذي * به كدر بين أهل الصّفا 

وقال رضي اللّه عنه من الدوبيت : 
محبوب الذات كامل الأوصاف * إمّا كدر كما تشا أو صافي 
حرّك وتري بأصبع تطربني * واملأ قدحي من العقار الصافي « 2 » 
وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
يا واصفي أنت في التحقيق موصوفي * وعارفي لا تغالط أنت معروفي 
إنّ الفتى من بعهده في الأزل يوفي * صافي فصوفي لهذا سمّي الصوفي 


وقال رضي اللّه عنه : 
نحن أهل الشام سوط اللّه في * أرضه طبق الحديث الأشرف 
وبنا ممّن يشا ينتقم اللّه أمر ظاهر لا يختفي 
والذي نافقنا ليس على * من بنا آمن بالمشترف 
ليس منّا كلّ من في أرضنا * من سوى العارف والمعترف 
مثل خير الناس قرني قد أتى * في حديث ثابت مؤتلف 
ومراد المصطفى أتباعه * بالهدى من كلّ شهم مقتفي 
مع أنّ القرن للكلّ حوى * من ذوي الكفر وأهل الشرف 
وكذا هذا فنحن الغربا * بين أهلينا نجوم السدف « 3 » 
....................................................
( 1 ) القرقف : الخمر أو الماء البارد الصافي . 
( 2 ) العقار : الخمر . 
( 3 ) السّدف : ( ج ) السّدفة : الظلمة . 

344
نحن يا من صرت مبلوّا بنا * نهر طالوت فلا تغترف 
قد تركنا سيرة الناس ولم * نتبع غير أمور السلف 
ديننا الإسلام للّه بلا * وقفة في أمرنا لا تقف 
ثمّ صرنا لسهام من ذوي ال * نفس والتدبير مثل الهدف 
إن ترد فانظر إلى واحدنا * درّة من ثوبه في صدف 
كلّما مرّ بقوم عبثوا * منه بالحال الشريف الأنف 
وهو في غيظ وفي فرط أذى * دائما منهم لقبح النطف 
ليس هذا عبثا قف واستمع * حكمة منّي بها الجهل نفي 
انتقام اللّه ممّن شاء ذا * برجال اللّه أهل الغرف 
أسلموا حتى غدوا في يده * كسياط لبنات الطرف 
يضرب اللّه بهم من شاءه * من عباد للهوى والسرف 
فاحترز إن شئت أو شئت فلا * وتهيّأ للأسى والأسف 
هم أولوا الجذب رجال سقطوا * في يد اللّه على السرّ الخفي 

وقال رضي اللّه عنه : 
عبادة الغافلين تكليف * وعلمهم بالإله تكييف 
كما عبودية الذين على * صراطه سالكون تعريف 
وعارفو ربّهم عبودتهم * بربّهم رفعة وتشريف 
عليك فالزم طريقنا لترى * ما قد رأينا إلى م تسويف 
واهرب إلينا ودع حواسدنا * ولا تميلنّك الأراجيف « 1 » 
إنّ الذي نحن أهله حرم * آمن وما في ذراه تخويف 
اللّه اللّه لا سواه فما * لغيره في الأنام تصريف 
ونحن لا نحن فالوجود له * والحكم منه عليه توقيف 
وكلّ شيء في العلم ترتيب * له بأحكامه وتصفيف 
وهو الذي قامت السماء به * والأرض للكلّ منه تأليف 
واستغفر اللّه للجميع وإن * جاء من الجاهلين تعنيف 
هذا مقام يجلّ عن رجل * له ادّعاء به وتوصيف 
.............................................
( 1 ) الأراجيف : ( ج ) الإرجاف : الخبر الكاذب المثير للفتن والاضطراب . 

345
وقال رضي اللّه عنه « 1 » : 
نحن إخوان النبيّ المصطفى * ودّ لو كان رآنا وكفى 
وهم الأصحاب كانوا قبلنا * جاء هذا في حديث يقتفى 
وانقضت أصحابه وانقطعوا * وبقينا نحن أخوان الصّفا 
حبّنا من حبّه مكتسب * ومع البعد به البعد انتفى 
وهو يشتاق ونشتاق كما * يشتكي نشكو تباريح الجفا 
وإذا ودّ وددنا مثله * وهو أمر جلّ عن أن يوصفا 
إنّ للأخوان في الحكم يدا * تقتضي منه عهودا ووفا 
وهو أيضا نسب متصل * وحدة الروح مقام الخلفا 
وإذا الصحبة في الظاهر قد * عظمت فضلا وزادت شرفا 
نسبة الأخوان في الباطن لا * تقتضي إلا الجوى والشّغفا 
شرطوا الرؤية بالعين فمن * نالها منه فبالجسم اكتفى 
وشرطنا الذات للذات ترى * رؤية التحقيق من غير خفا 
فاعرفوا بالفرق ما بينهما * فاز بالإحسان من قد عرفا 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا طالب الكيمياء علمي * إكسيرك الخالص المصفّى « 2 » 
ذب والق منه عليك جزءا * يصبغ في الحال منك ألفا 
يحيل قزديرك انقلابا * بذهب عنك ليس يخفى 
والعين فالغين تلك لكن * تركت وصفا ونلت وصفا 

وقال رضي اللّه عنه : 
انظر الكلّ لطيفا * لا ترى شيئا كثيفا 
إنّما الكلّ معاني * فخبيثا وشريفا 
صبغة اللّه الذي قد * شرع الدين حنيفا 
لا ترى من دونه في * خلقه شيئا مخيفا 
..........................................
( 1 ) في الأبيات الحديث يدور حول الصحبة انظر حديث القشيري عنها برسالته ص 294 - 298 . 
( 2 ) الإكسير : مادة كان الأقدمون يزعمون أنها تحوّل المعدن الرخيص إلى ذهب ، أو شراب في زعمهم يطيل الحياة . 

346
واكشف الستر مقاما * في ذرى القرب منيفا 
وعن الأكوان طرّا * كن بمولاك عفيفا 
هو حقّ وسواه * باطل جاء لفيفا « 1 » 
ووجود مطلق عن * قيده شفّ شفيفا 
جعل الكامل منّا * عنه في الأرض خليفا 
كلّ شيء في يديه * كلّه صار الوريفا « 2 » 
لم يزل منه قويّا * ومن النفس ضعيفا 
فإذا أمحل قطر * حلّه أصبح ريفا 
حيث كأس الحقّ تجلى * وشراب الغير عيفا « 3 » 
منيتي في مستواها * تبعث الروح هفيفا « 4 » 
ولأقلام التجلّي * سمعت أذني صريفا « 5 » 
هي ذات الخال فيها * لم تجد إلّا لهيفا 
أنزلت قولا ثقيلا * جعل الكون خفيفا 
جذبتني بالمجالي * نحوها جذبا عنيفا 
وأقامتني إماما * بين قومي وعريفا 
وبها صرت بصيرا * بعد ما كنت كفيفا « 6 » 
وبأنواع كمال * منحت عقلي السخيفا 
فأنا اليوم بها في * أهلها قمت وصيفا 

وقال رضي اللّه عنه : 
كنت بالأمس عند نفسي كثيفا * وأنا الآن صرت شيئا لطيفا 
خفّ جسمي وخفّت الروح مني * فوجدت الصخر الثقيل خفيفا 
وبدت هكذا العوالم عندي * كلّها تالدا لها وطريفا 
فاعجبوا يا عقول من وصف أمري * لطّفتني معارفي تلطيفا 
......................................................
( 1 ) اللّفيف : ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ، أو من أخلاط شتى . 
( 2 ) ورف الظل : اتّسع وطال وامتد ، وورف النبات : بدا لخضرته بهجة من ريّه ونضرته . 
( 3 ) عاف الطعام أو الشراب وغيرهما : كرهه فتركه . 
( 4 ) هفّ الشيء : خفّ . 
( 5 ) صريف الباب : صوته . 
( 6 ) الكفيف : الأعمى . 

347 
ولقد صرت واحدا وكثيرا * ولقد جئت بالجميع لفيفا 
صبغة اللّه وهي خلق وأمر * ألفت فرقة الورى تأليفا 
كالمعاني تلوح في كلمات * لعقول نوت لها تعريفا 
والذي قام بالجميع بعيد * وقريب لا يقبل التّكييفا 
جلّ وجه رأيته فمحاني * نوره الحقّ إذ إليه أضيفا 
رتب في وجوده نحن عنه * قد ظهرنا به له توصيفا 
معه ما لنا وجود لأنّا * قد وجدنا به إذ الجهل عيفا 
وهي ذكرى أئمة الحقّ يجرؤ * ن قويّا في شأوها وضعيفا 

وقال رضي اللّه عنه : 
صفا ماء الحقيقة فهو صافي * من الكدر الذي هو فيه خافي 
وما الكدر الذي هو فيه إلّا * تقادير له منه توافي 
تسمّت بالحوادث وهي فيه * قديمات وما هي بالمنافي 
سراب ظنّه الظمئان ماء * فلمّا جاءه للارتشاف 
هنالك لم يجد شيئا ولكن * به وجد الإله الحقّ كافي 
نظرت به شهدت وإن بنفس * نظرت عميت يا ذا الانحراف 
شخوص شاءها فيقال أشيا * بلا شكّ هناك ولا اختلاف 
ومشيآته ليست بوصف * له وبه فما هي ذو اتصاف 
ولا ذا وصف ذا كلّا ولا ذا * لذا وصف لفقدان التكافي 
هو الحقّ الوجود وكلّ شيء * به عدم ترتّب بانعطاف 
فقم وانهض إلى التحقيق فيه * تلافى الحال من قبل التلاف 
ومع أهل الوفاق أدم وفاقا * إلى كم أنت مع أهل الخلاف 
وكن باللّه أنت تكن قويّا * وجانب غفلة القوم الضعاف 
وإلّا سوف تندم يا نديمي * لفوت الحظّ في زمن الثقاف 

وقال رضي اللّه عنه وهو في كتاب رحلته القدسية وقد أرسل إليه العلّامة الشيخ عبد الرحيم المفتي في القدس بهذين البيتين وهما : 
الناس حاروا في الضمير وحجبه * من يرفع الأستار عنه يكشف 
العين للعين اتحادا صادقا * قل لي وما هو منه لا يتكيف 

348
فأجابه : 
لا حيرة في الحقّ عند ذوي الهدى * بل عندهم منه الهداية تعرف 
قوم أزال حجابه عن قلبهم * وبهم يسمّى بل بهم هو يوصف 
لا زال فيهم نور ظلمة كونهم * أين الظلام وشمسه لا تكسف 
والعين تلك العين واحدة كما * كانت قديما عند من هو منصف 
والناس حاروا بالعقول لأنّهم * راموا التكيّف وهو ليس يكيف 
فلو احتموا بحماه عن أفكارهم * وبه اهتدوا لا بالعقول لأتحفوا 
لكن إذا رام المهيمن رتبة * للمرء قام بها فمن ذا يحرف 
فهو المكيّف بالأوامر للحجى * وبحضرة القيوم ذاك مكيّف 

وقال رضي اللّه عنه : 
بهجة النور بعد وقت الكسوف * فتعجّب لواصف موصوف 
حرّفوه فصحّحوه جهارا * وهو صفّ في عين كلّ الصفوف 
فقده وجده بعزّة ذات * طبعه خارج عن المألوف 
حرف لفظ وحرف رقم وحفظ * وحروف تآلفت بحروف 
كلّ من باعه به يشتريه * واحد وهو ألف ألف ألوف 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا باللّه عارف * ومن البحر غارف 
بحر علم مقدّس * منه تبدو المعارف 
سفن كلّنا به * طاف فيهنّ طائف 
يا أمانا لكلّ من * منه قد خاف خائف 
كن أمانا لجملتي * حيث تبدو المخاوف 
وتلطّف ودلّني * بك إنّي المؤالف 
لا تكلني إلى السّوى * فالسّوى أنت كاشف 
كلّ من كان معرضا * عنك فهو المخالف 
أنت لا نحن كلّنا * نحن ما أنت قاذف 
يقذف اللّه قلت بال * حقّ وهي اللطائف 
يا أخلاي وافقوا * أمركم لا تخالفوا 

349
واحذروا أن تغرّكم * بفلاها التنائف « 1 » 
كم نفوس تحيّرت * ودهتها الكثائف 
وإلى الحقّ ما اهتدت * وبها العقل واقف 
ماء حقّ صفا ولا * شيء فيه يخالف 
كدر كلّنا به * فليزلنا المكاشف 
بالصفا والوفا ولا * عنه يصرفه صارف 
إنّما الحقّ غيبنا * حار في الوصف واصف 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
دخل إلى بيت قلبي بارقه رفرف * فلم يدع فيه لا سقفا ولا رفرف « 2 » 
لطائر الغيب لمّا فوقنا رفرف * جعل لكتب الهدى في حيطنا رفرف 

وقال رضي اللّه عنه : 
هل تعرفون العدم الصّرفا * فتدركوا من لفظه حرفا 
لا تحسبوا معناه مفهومكم * معناه شيء عنكمو يخفى 
فكيف تدرون الوجود الذي * من عدم صرف هو الأخفى 
وهو الذي نعنيه في وحدة ال * وجود لمّا نذكر الوصفا 
إنّ الوجود الصرف إطلاقه * كالعدم الصرف لمن وفى 
كلاهما من حيث نفساهما * تساويا فانعطفا عطفا 
تقابلا واجتمعا عندنا * في عدم الإدراك إذ ينفى 

وقال رضي اللّه عنه وقد طلب منه تعريب أبيات فارسية « 3 » في هذا المعنى ما هذا صورته : 
إن القناعة في الدّنيا هي الشرف * وغيرها عندنا التبذير والسرف « 4 » 
......................................................
( 1 ) التنائف : ( ج ) التّنوفة : القفر من الأرض ، والفلاة لا ماء فيها ولا أنيس وإن كانت معشبة . 
( 2 ) الرفرف : ما يجعل في أطراف البيت من الخارج يوقّى به من حرّ الشمس . 
( 3 ) الفارسية : لغة فارس : وهم أمة من الناس هم الفرس . وبلاد الفرس تسمى اليوم : إيران . 
( 4 ) القناعة : هي الاكتفاء بما تندفع به الحاجة من مأكل وملبس وغيرهما وهي ممدوحة ومطلوبة وقيل : 
القناعة ملك لا يسكن إلا في قلب مؤمن . ( للتوسّع انظر حديث القشيري عن مقام القناعة برسالته ص 159 - 162 . 

350
وهي التّدبر في القرآن تقرأه * وفي حديث رسول اللّه تعترف 
واجعل معاشك من خبز الشعير ومن * ماء وإن لم يكن عذبا فتغترف 
وخرقة الصوف طول العمر تلبسها * مع صاحب أو صحاب أنت تأتلف 
دنيا الورى عندهم نصف الشعيرة لم * تعدل علت همم منهم فلا تقف 
وهذه هذه تلك السعادة في * دنياك فاقنع بها بالعزّ تتّصف 
وبالفخار على كلّ الملوك أولي ال * تيجان ممّن مضى في معشر سلفوا 
كمثل كسرى أنوشيروان من ملكت * يمينه الفرس يرعاها فتنتصف 
وقيصر الروم والقوم الذين حووا * شرقا وغربا من الأرض التي عرفوا 
وبعد ذلك فاشكر من حباك بها * ربّا كريما فتكفي عنده الكلف « 1 » 
ولا تعرّج على مال يكون ولا * جاه وكن رجلا ما عنده أسف 
فالكلّ فان وكلّ الناس عن كثب * هم التراب وأقوام هم الجيف 

وقال رضي اللّه عنه : 
العين واحدة والحكم مختلف * فمنه مفترق بل منه مؤتلف 
هي الحوادث لا عين لها أبدا * قديمها درّها والحادث الصدف 
إياك تفهم من قولي الحلول بها * لأنّ قولي رموز صاغها السّلف 
وأنت تجهل علما نحن نورده * من بحر حقّ عليه الناس ما وقفوا 
فقف علينا وسلّم بالأمور لنا * فإنّ عارفنا بالغيب معترف 
اللّه أكبر لا شيء يشابهه * وكلّ حرف عن الإدراك منحرف 
ظهورنا عنه بالتقدير من عدم * هو الظهور له في كلّ ما نصف 
لأنّه الغيب غيب الغيب من يره * يرى الحوادث تبدو عنه لا تقف 
كأنّها البرق وهي الأمر لاح بما * يريده اللّه وهو الخلق منقذف 
وأمره القدر المقدور آخره * ياء الحروف بدت والأوّل الألف 
فانظره أنت ودع ما أنت ناظره * فإنّه فعله والفعل منحذف 
وكن له مظهرا لا عنه محتجبا * فإنّ شمس الضّحى بالبدر تنكسف 
بكلّ شيء محيط قال خالقنا * فافهم فبالفهم سرّ الغيب ينكشف 
جلّ الإله وقد عزّت مظاهره * يراه قلب عن الأغيار مختلف 
.............................................................
( 1 ) حباك : أعطاك ، أو أعطاك بلا منّ ولا جزاء . 

351
فتضمحلّ رسوم الكائنات ولا * عقل هناك ولا حسّ فيغترف 
ولا يراه سواه دائما أبدا * والكلّ فان كما قد قال يا نطف 
من كان من نطف الأقذار أوّلهم * ماذا يرون هنا والآخر الجيف 
أللّه أللّه ربّ العالمين فمن * به رآه رأى الأكوان تنعطف 
وزال عنه ضلال في بصيرته * وما بقي عنده حزن ولا أسف 
هذا هو الرجل المرفوع جانبه * عند الإله وفي الدّنيا له الشرف 

وقال رضي اللّه عنه : 
أعط طرفا له وللكون طرفا * تلق في الكون أقحوانا وطرفا « 1 » 
لك عينان عين غيب تراه * وتراه الأخرى فتصرف صرفا 
أنا عبد الغنيّ لمعة برق * بعدها لمحة تلوح وتخفى 
هكذا دائما لأنّي روح * نفخ أمر من الإله مصفّى 
ظاهر في كثيف جسم تجلّى * فيه روح وهو اللطيف الموفّى 
كلّ شيء مثلي كثيف لطيف * وإذا ما عرفت زادك لطفا 
فاترك الكلّ عنك وانظر إليه * بالوجود الحقّ الذي فيك يلفى 
تعرف الكلّ بالوجود جهارا * فهو أعلى منهم وأجلى وأكفى 
يا ابن ودّي هي الحقيقة أمر * واحد صار ذلك الأمر ألفا 
بظهور في كلّ شيء مراد * للإله الذي تحقّقت كشفا 
ظاهرا ذاك لا يزال ولكن * شمسه قد كسفتها عنك كسفا 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
أنا الوجود الذي ذاتي وأوصافي * خلقتها لي بتقديري وإنصافي 
بل قد خلقت جميع الخلق يا صافي * مع أنّني عبد فإنّي عند وصّافي 

وقال رضي اللّه عنه : 
الروح كالريح إن جازت شذا النطف * تزكو وتخبث إن مرّت على الجيف 
...............................................................
( 1 ) الأقحوان : نبات عشبي حولي تزييني من الفصيلة المركبة ينمو بريّا وزراعيّا . وهو من المحاصيل الصناعية والطبية . وأوراق زهر الأقحوان صغيرة يشبّهون بها الأسنان ( ج ) أقاحي وأقاح . الطرفاء : 
جنس من النبات منه أشجار وجنبات من الفصيلة الطرفاوية ، ومنه الأثل . 


352
وليس تحكم في جسم تكون له * إلّا على مقتضى ما فيه فاعترف 
وإنّما هي من أمر الإله أتت * في خسّة هي من جسم وفي شرف 
فتارة في شقاء منه قدّره * ربّي وطورا بسعد غير منصرف 
فالجأ إلى اللّه إن رمت النجاة بها * واسلك سبيل أولي التّقوى ولا تقف 

وقال رضي اللّه عنه : 
صحن صحناء واسع الأطراف * وهو صحن لذي التّقى والعفاف 
حضرة للذي تولّى عليها * وهي أبهى منازل الأشراف 
من دعانا لها يجلّ مقاما * فاضل الذات كامل الأوصاف 
مشرقات جهاتها بسناها * خالص الودّ صادق الحبّ صافي 
صدره واسع لمن جاء يسعى * لحماه من سائر الأضياف 
لا يزال الكمال يقطر منه * نوره في سمائه غير خاف 
وهو شهم مهذب يتسامى * كلّ وقت عن كلّ شيء منافي 
وله من عناية اللّه باع * طال فوق الرؤوس والأكتاف 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا شرفي يا شرفي يا شرفي * وجه من أهواه قد أشرق في 
قلبي المضنى به طلعته * فتنتني بالبها والهيف 
غصن بان يتثنّى مرحا * قد رماني في بحار التلف 
لو رآه البدر ما بان ولو * سمع الظبي به لم يقف 
ينجلي في كلّ شيء عندنا * فنراه في القبا المنكشف 
لبس الصورة يختال بها * بيننا حاوي البها والتّرف 
قد تسمّى لي بأسماء الورى * وبكلّ اسم لهم مختلف 
عطفه الغصن وقلبي طائر * همزة ساكنة في الألف 
هو حقّ وسواه باطل * مثل ما قال لنا في الصحف 
فاشهد اشهد إن تكن ذا بصر * وإذا لم تك كن في الطرف 
وادخل الحضرة إن كنت فتى * أو من الحضرة فأخرج وانتف 
ملأ الكون تعالى ربّنا * بوجود ظاهر وهو خفي 
أنت روح نفخت في أمره * درّة من جسمها في صدف 

353
آه من جهلك باللّه ومن * قلبك المنقلب المنحرف 
أفلا تذكر أياما مضت * أنت فيها لم تكن يا منتفي 
كن كما كنت قديما فانيا * واعرف الحقّ به واعترف 
وقال رضي اللّه عنه في كتابه الفتح المكي واللمح الملكي : 
وإذا ذات كلّ شيء تبدّت * عنده حقّق التقرّب وصفه 
لحمي ذلك الغزال شهود * يحرسون الذي يحاول خطفه 
وهو إنساننا وحيوان قوم * وجنين من قبل ذاك ونطفه 
صدق الشرع فاعل وهو فعل * فتأمّل وللتحقّق عطفه 

354
حرف القاف 
قال رضي اللّه عنه : 
خفض عدوّي في الهوى ومصادقي * محبوبتي ذات الوشاح الخافق 
أنا لا أميل إلى سواها دائما * إن شئت خالف في الهوى أو وافق 
تجلى إليّ متى أردت تفضّلا * بمروط أشباح الورى وقراطق « 1 » 
وهي التي كانت وكنت وهكذا * هي هكذا بمغارب ومشارق 
أنا ثوبها روحا وجسما وهي في * خلعي ولبسي مثل لمحة بارق 
بل ما أنا ثوب لها بل تلك لي * ثوب به أختال بين خلائق 
بل لست ثوبا لا ولا هي ثوب لي * يا سارقا قطعت يمين السارق 
هذا الفضاء بدا فقم متنزّها * في النور واخرج من خلال مضايق 
واحذر فإنّ وراء ذلك لا ورى * من راتق لا يستقلّ وفاتق 
واشتق واضرب بالعصا حجرا تسل * لك أعين منه بماء دافق 
فتوضّ فيه واغتسل وادخل به * للمسجد الأقصى محلّ رقائق 
واسجد هناك لوجه حبّك سجدة * من بعدها أخرى سجود الوامق « 2 » 
تلق المنى وتكون تحت ستائر * من لطفه أبدا وتحت سرادق 

وقال رضي اللّه عنه : 
قمر من فوق غصن نقا * ينجلي سبحان من خلقا 
هذه الأكوان طلعته * كلّ من قد هام فيه رقى 
.............................................
( 1 ) القراطق : ( ج ) القرطق : القباء ، وهو تعريب كرته ، وقد تضمّ طاؤه ، وإبدال القاف من الهاء في الأسماء المعربة كثير كالبرق والباشق والمستق . ( اللسان 10 / 323 مادة : قرطق ) . 
( 2 ) ومقه : أحبه فهو وامق . 


355
يا بريق الغور قف نفسا * قد خطفت القلب والحدقا 
إن تجز يوما بذي سلم * قل لهم جودوا ببعض لقا 
لي فؤاد ملؤه شغف * وضلوع حشيت حرقا 
وعيون كلّما رمقت * لم يدع منّا الهوى رمقا 
قل لهم يا سعد مغرمكم * كم يقاسي الدمع والأرقا « 1 » 
ذاب شوقا في محبّتكم * حين منكم بارق برقا 
ذاتها من ذات لابسها * وهما في النشأة افترقا 
وهي من أنوار بهجته * بالعطايا تملأ الأفقا 
حنّت الأرواح حين بدت * مثل معشوق ومن عشقا 
ثمّ راح الجسم مضطربا * شمّ ريح الأمر فانتشقا 
وحنين الفرع لا عجب * نحو أصل باسمه نطقا 
يا نسيمات سرت سحرا * من شذاها الكون قد عبقا 
خبّرينا عن أحبّتنا * وعن الأهلين والرّفقا 
ليت من بالجزع لو عطفوا * ليت من أهواه بي رفقا 
دمعتي بالسفح من إضم * سفحت يوم النّوى قلقا « 2 » 
يا عذولي كفّ عن عذلي * إنّ هذا اللوم محض شقا 
لو ترى ما قد رأيت لما * لمت في ساق هواه سقى 
في نواحي الشعب غانية * حسنها في الكون ما اتّفقا 
كلّما لاحت سجدت لها * حيث كلّي ذاب وانمحقا 
وأنا الفاني فوا عجبا * كيف لي منها بوصف بقا 
وقال رضي اللّه عنه في كتابه الفتح الرباني والفيض الرحماني : 
بدر تمّ لاح في الغسق * فوق غصن بالجمال سقي 
وبه الألباب هائمة * سكرت منه فلم تفق 
عطرت روضي نسائمه * حين وافت بالشذا العبق 
وفؤادي فيه ذو شغف * دائما والجفن ذو أرق 
.........................................
( 1 ) الأرق : امتناع النوم ليلا . 
( 2 ) إضم : اسم جبل . 

356
واصطباري يوم جفوته * ما بقي والوجد فيه بقي 
هائم صبّ كثير جوى * عنه سدّت سائر الطرق 
خطفته منه بارقة * غيرها في القلب لم يرق 
فأدارت كأس خمرته * فهو منها اليوم في غرق 
وأثارت عرف روضته * في الورى طوبى لمنتشق 
كيف لا أختال في مرح * ومليح الوجه معتنقي 
فاسألوا عيني فإنّ بها * لمحة من داخل الحدق 
نلتها من حسن بهجة من * لو بدا للكون لم يطق 
ثمّ ذوقوا ما بقي بفمي * من بقايا خمر كلّ تقي 
هذه أذني لقد سمعت * طيب ذاك الصوت فاسترق 
واسألوا أنفي فقد نفحت * فيه ريّا نفحة الفلق « 1 » 
يا بني قومي خذوا خبري * عن جوى قلبي وعن قلقي 
وانظروا نحوي فإن خفيت * شمس ذاتي فاشهدوا شفقي 
كلّ ما تدرونه حجب * لسعيد في الورى وشقي 
واحذروا في اللّه أن تقفوا * عند شيء لاح في الأفق 
فالبرايا كلّها فتن * أيّ جمع غير مفترق 
كلّها تمضي بأجمعها * ثمّ يبقى الإثم في العنق 
واحذروا أن تعبدوا صنما * نحتته فكرة فبقي 
جلّ ربّي في تنزّهه * عن وجودات على طلق 
فاسرعوا وامحوا الحروف بما * عندكم من صفحة الورق 
قبل أن يبدو النون لكم * يأخذ الباقي من الرمق « 2 » 
واسلكوا سبل النجاة على * دين طه زاكي الخلق 
ثمّ كونوا إثر سنّته * وبها فامشوا على نسق 
وابعثوا لي دعوة وسلوا * في غد أمنا لذي فرق 
وصلاة اللّه دائمة * مع سلام غير منمحق 
..........................................
( 1 ) الفلق : الصبح ينشق من ظلمة الليل . 
( 2 ) الرّمق : بقية الحياة ، وبقية الروح . أو القليل من العيش الذي يحفظ الحياة ( ج ) أرماق . 

357
للذي أنواره سطعت * فأحالت صبغة الغسق 
أحمد المختار سيّدنا * من به قلبي مناه لقي 
ما بدا للكون منشئه * خلف ستر أبيض يقق 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
أنا الهيكل الذاتي لمظهر قدرة 
ومن شاخصي قد حزت أكمل صورة 
ولمّا تأمّلت الوجود بفكرة 
رأيت خيال الظلّ أكبر عبرة * لمن هو في علم الحقيقة راقي 
على كلّ شيء سيف عزمي قد انتضي « 1 » 
وفي ليل غيبي صبح معرفتي يضي 
وكلّ الورى من بعد ذا لست أرتضي 
شخوص وأشباح تمرّ وتنقضي * وتفنى جميعا والمحرّك باقي 

وقال رضي اللّه عنه مصدّرا ومعجزا : 
رأيت خيال الظلّ أكبر عبرة * يلوح بها معنى الكمال لأحداقي 
وفي كلّ موجود على الحقّ آية * لمن هو في علم الحقيقة راقي 
شخوص وأشباح تمرّ وتنقضي * وليس لها مما قضى اللّه من واقي 
لها حركات ثمّ يبدو سكونها * وتفنى جميعا والمحرّك باقي 

وقال رضي اللّه عنه : 
اللّه يفتح كلّ باب مغلق * وهو المقيّد للوجود المطلق 
والفكر في يده كمفتاح لنا * يبدي به عنّا الذي فينا بقي 
فالجأ إليه وكن به متعلقا * لا فاز من هو ليس بالمتعلّق 

وقال رضي اللّه عنه : 
هي الذات التي فوق البراق * تحنّ إلى ذرى السبع الطباق 
لها بالجسم منها ثوب درّ * يشفّ على معانيها الدقاق 
...............................................
( 1 ) نضى السيف : سلّه . 

358
فمن ينأى إليها فهو دان * ومن يفنى عليها فهو باقي 
وما بسوى المحبّة كون شيء * وليس الميل إلّا للتلاقي 
وأنوار الجمال بكلّ قلب * تسمّى بالهوى والاشتياق 
ولم يكن النعيم سوى التداني * ولم يكن العذاب سوى الفراق 
وكلّ الكون في الدّنيا حجاب * وفي الأخرى عن الوجه الملاقي 
وأنت الكاس والأسرار خمر * ومجلسك التّقى واللّه ساقي 
فما لك لا تطير هوى وسكرا * وقد حييت بالكأس الدهاق 
أزل نومي بشدوك يا نديمي * وأبدل لي خلافك بالوفاق 
وحيّ على المنى يا ابن المعاني * ولا تفتن بألفاظ رقاق 
وخذ منّي وناولني إلى أن * تراني قد وصلت إلى التراقي 
ومن بالحقّ يقذف لاح جهرا * وما التفّت له ساق بساق 
هنالك تضمحلّ به رسومي * وأذهب بانسحاق وانمحاق 
ويبطل كلّ شيء كان حتّى * مقالي ذا وفهمي مع مذاقي 
ويبقى مثل ما قد كان ربّي * على ما كان وهو أجلّ واقي 
ويخفى الكون من غير اختفاء * ويبدو النور من غير انفهاق « 1 » 
ودنّسناه بالأفهام حينا * وبالأقوال والبحث المساق 
إلى أن جاد غيث الفيض منه * بماء القدس وانفتحت سواقي 
إذا قلنا عرفناه جهلنا * وهل فرع لأوج الأصل راقي 
وريح المسك في الصندوق يفشو * ويعرف منه قدر الانتشاق 
وهل نور النجوم يلوح إلّا * على مقدار إدراك المآقي 
هو الحقّ المبين وكلّ شيء * سواه باطل بالاتفاق 
قديم لا بمعنى فهم كون * وباق لا كقول الخلق باقي 

وقال رضي اللّه عنه : 
إن كنت تدري الرزق في بلدة * أو في مكان فاطلب الرزقا 
وإن عملت الحقّ ينساك من * رزقك يوما ذكّر الحقّا 
وإن دخلت البيت تبغي به * توكّلا كيلا ترى الخلقا 
..............................................
( 1 ) فهق الإناء : امتلأ حتى صار يتصبّب . 

359
فإنّها تجربة وهي في * ربّك شكّ يمنع الصّدقا 
وإنّما الحيلة في تركك ال * حيلة فاتركها لكي ترقى 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّني جمع وفرق * إنّني أمر وخلق 
إنّني عال ودون * إنّني فتق ورتق « 1 » 
إنّني خير وشرّ * إنّني كذب وصدق 
إنّني علم وجهل * وثبوت بل ومحق 
وأنا الشمس وللشم * س أنا غرب وشرق 
وتباهى بي زماني * وتسامت بي دمشق 
وعلى أهل زماني * كلّهم سرّي يدقّ 
إنّ حقي باطل بل * باطلي عندي حقّ 
وتأمّل إنّني عن * نور ذاك الغيب برق 
ولحسّادي منّي * دائما قتل وحرق 
وأنا السيف الذي لا * ينتضى إلا يشقّ 
دع ضفادع أرضنا في * أجن الماء تنقّ « 2 » 
وكلاب الحي قد أو * جعها الليث المشقّ 
فتسلت بنباح * غيره لا تستحقّ 
وعلى الجملة ما ث * مّ سوى الحقّ محقّ 

وقال رضي اللّه عنه : 
ألا إنّ ذاتي ذات كلّ الخلائق * وسل عنه ذا علم كريم الخلائق 
ولا صفة إلّا ومنّي تعيّنت * لموصوفها إذ كنت أصل الرقائق 
أنا الجوهر الساري بغير سراية * ألوح وأخفى في جميع الحقائق 
أنا مركز الأدوار حيث طريقتي * يؤول إليها أمر كلّ الطرائق 
أنا الظاهر المعروف في كلّ رتبة * أنا الباطن المخفيّ بين الخلائق 
...........................................................
( 1 ) الفتق : الفصل بين المتصلين ، وهو ضد الرتق . الرّتق : الشيء المرتوق ( يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع ) . 
( 2 ) أجن الماء : تغيّر لونه وطعمه ورائحته فهو آجن ، وأجن . نقّ الضفدع : صاح . 

360
أنا القطب بوّابي أنا الغوث خادمي * أنا الفرد يخشى من دخول مضايقي 
أنا النور نور العين منّي تكوّنت * عيون البرايا من مشوق وشائق 
أنا العلم علم الحقّ في كلّ كائن * ولم يدر قولي في الملا غير ذائق 
لنا المجلس العالي على أيمن الحمى * يدار علينا بالكؤوس الروائق 
لنا الأعين اللاتي بها الحقّ قد رعى * رياض التجلّي لا رياض الشقائق 
مقالة حقّ أنكرتها بصيرة * سوى الغيّ منها والرّدى غير لائق 
فقل لنفوس قيّدتها عقولها * إلى كم قيام في ظلام البوائق 
أمحجوبة عنكم خريدة توبة * تلوح بوجه كاشف الغيب فائق « 1 » 
مشايخكم أطفالنا وكهولكم * أجنّة جهل في بطون العوائق 
ففوا عندما تدرونه من ظواهر * رمتكم بأمر للمهالك سائق 
ولا تتعدّوا طوركم إنّ ههنا * صقيل حسام في يد الحقّ حائق 
وقال رضي اللّه عنه عروض أيا راخي شعور دلّك : 
" دور " 
كشفت الحجب عن عيني * ونور الوجه قد أشرق 
وبيني زال من بيني * ولاح البرق بالأبرق 
فلا كيفي ولا أيني * ومن يعلق بنا يغرق 
وحبّي قد وفي ديني * بزاهي ثغره الأفرق 
" دور " 
بدا بالجانب الغربي * جمال الوجه من سلمى 
وزال البعد بالقرب * وطاب المبسم الألمى 
ولاح السرّ في قلبي * وربّي زادني علما 
فيا بدري ويا زيني * تجافيك الشجي أحرق 
................................................
( 1 ) الخريدة من النساء : البكر والخفرة الحييّة الطويلة السكوت المستترة . والخريدة من اللؤلؤ : التي لم تثقب . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:35 pm

قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

" دور " 
سقاني الكأس من نفسي * وفيه خمرة الأرواح 
فسكري كان عن حسّي * وعن عقلي وعن ما لاح 
وقد أخرجت من حبسي * إلى إطلاق ساقي الراح 
وصدقي بان من ميني * وعود الحظّ قد أورق 
" دور " 
لنا الألحان قد رقّت * وراق الجنك والطنبور 
وأسراري لقد حقّت * وقلبي بالمنى مسرور 
وأستار الحجى انشقّت * وناري بدّلت بالنور 
وعن عيني انمحى غيني * فكيف الصبّ لا يأرق 
" دور " 
لحاك اللّه يا لاحي * إلى كم منك هذا اللوم 
فإنّي المثبت الماحي * وإنّي من رجال اليوم 
متى ما ذقت من راحي * عرفت العذر عند القوم 
تعال ادخل بلا شين * إلى تيّار ذا المغرق 
" دور " 
جعلت الشرع معقولك * وربّك مقتضي الأفكار 
فراجع فيه منقولك * فقبلك عاندت كفار 
ألم تسلم على قولك * لربّك أنت في إنكار 
وما بالهيّن الليّن * مقامي للدّما أهرق 
" دور " 
صلاة اللّه مولانا * على نور الهدى أحمد 
ومن بالحقّ أولانا * لنيران العدى أخمد 
به عبد الغني الآنا * ذوي التكذيب قد أكمد 
جلا بالجمع للرين * عن القلب الذي أفرق « 1 » 
........................................
( 1 ) الرّين : الصدأ لأنه يعلو المرآة أو السيف . 

362
وقال رضي اللّه عنه من الموشح عروض أنوار شمس الذات لما لاحت : 
" دور " 
وجهي بنور الحقّ في إشراق * والقيد مني في الهوى إطلاقي 
فاعطف علينا بالفنا يا باقي * واكشف لنا أستار وجه الساقي 
" دور " 
عندي جميع الخلق عين الأمر * مذ راق في الكاسات صرف الخمر 
والحبّ فيه طاب طول العمر * فافخر به في موكب العشّاق 
" دور " 
يا لائمي باللّه دع من لومي * وافتح عيون القلب من ذا النوم 
واحذر من الإغراق كن في عوم * بحر الهوى يخشى من الإغراق 
" دور " 
للعين أنواع الورى أجفان * والناظر الرائي هو الإنسان 
والفرد لا تلوي به الأكوان * عن ذلك الفرد الأجلّ الواقي 
" دور " 
قلبي لأسرار التجلّي بيت * والوصف في مصباح ذاتي زيت 
والحيّ من كلّ البرايا ميت * في كلّ أطوار التدلّي راقي 

وقال رضي اللّه عنه : 
عشق ذات الخال عشقي * وأنا السيف الدمشقي 
مطلق الحدّين صلتا * بيد الحقّ المشقّ 
أقطع الأعداء للحا * ل مدى غرب وشرق 
وبمن عندي تجلّى * أسعد القوم وأشقي 
فادخل الحضرة يا من * قصده يزكو بنشق 
واغترف من بحر علمي * واقتطف من زهر عشقي 
وامشقوا يا أيّها القو * م على آثار مشقي 
واحذروا فالقوس موتو * ر بتصويب ورشق 
والقنا السمر استقامت * لي على طعن وشقّ
363

وقال رضي اللّه عنه موشحا عروض عيني عليك سيّالة يا أبو عيون غزالة : 
" دور " 
عشق المليح الغالي * أفنى وجود العاشق 
ما عنه قلبي سالي * لعرف حسنه ناشق 
هذا علينا والي * بالسهم قلبي راشق 
غيّبت عن أحوالي * ما الصعو مثل الباشق « 1 » 
" دور " 
لما بدا يتجلّى * بحسن وجه زاهي 
إليه قلبي صلّى * وما أنا باللّاهي 
وفي هواه كلّا * عنه تراني ساهي 
وكاتب الأمالي * في لوح قلبي ماشق 
" دور " 
صلّى وسلّم ربّي * على كثير الأنوار 
طه نبيّ القرب * ومن حبي بالأسرار 
عبد الغني بالحبّ * فيه كثير الأطوار 
ما لاح نجم عالي * في جنح ليل واسق 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
يا فاضلا فضله يسمو على الفضلا 
ومن على كلّ مجد في الأنام علا 
أصبحت أهواك لا أبغي السّوى بدلا 
باللّه أقسم لا بالعاديات ولا * بالذاريات ولا بالنجم والفلق 
..............................................
( 1 ) الباشق : طائر من الجوارح ، من فصيلة العقاب النسرية ، أصغر من البازي ، يشبه الصقر ، ويتميّز بجسم طويل ومنقار قصير بادي التقوّس وجناحه قصير ، وذيله طويل مستقيم الطرف وساقه طويلة مزوّدة بمخالب حادّة ، والجزء العلوي من الجسم ذو لون أزرق ( أردوازيّ ) حالك في الذّكر ويغلب عليه اللون البني في الأنثى ( ج ) بواشق . 

364
صبّ عليك ولو بالروح ما بخلا 
وقلبه لم يزل بالشوق مشتعلا 
وقد أجبت الذي عن حالتي سألا 
إنّي أحبّك لا أرجو نداك ولا * أخشى أذاك ولا ألقاك بالملق 
عيشي برؤياك عيش لم يزل رغدا 
وصدق حالي لا يخفى وفيك بدا 
وهل أحبّك عمري ساعتي وغدا 
إلّا محبّة عبد يرتجي أبدا * أن لا يفارق معنى وجهك الطلق 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا البيتين المنسوبين إلى الشيخ أبي بكر الشبلي « 1 » : 
هو الحبّ سهم البعد في القلب راشق 
وأنفي به عرف المعارف ناشق 
وقوم رأوا أنّي على الصيد بأشق 
يقولون لي : باللّه هل أنت عاشق * فقلت : وهل يوما خلوت من العشق 
بمحو السّوى كم فرّج اللّه كربه 
وكمّل في قلب المحقّق قربه 
ومذ عاينت في الغيب عيني أحبّه 
شربت بكأس الحبّ في المهد شربه * حلاوتها حتى القيامة في حلقي 

وقال رضي اللّه عنه : 
ما الغير إلّا بابه المغلق * وكلّنا مفعوله المطلق 
وليس مفعولا به عندنا * لأنّنا للفعل لا نسبق 
وإنّنا المعنى الذي فعله * جاء به لمّا لنا يخلق 
وليس مفعول به ظاهرا * بالفعل والسّبق له حقّقوا 
وقولهم ذا ليس شرطا له * يردّه بالصدر من يصدق 
..................................................
( 1 ) هو دلف بن جحدر الشبلي ( 247 - 334 هـ - 861 - 946 م ) ناسك كان في مبدأ أمره واليا في دنباوند ، وولي الحجابة للموفق العباسي ، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة ، فاشتهر بالصلاح . له شعر جيد سلك به مسالك المتصوفة . أصله من خراسان ونسبته إلى قرية « شبلة » ومولده بسرّ من رأى ، ووفاته ببغداد . اشتهر بكنيته ، واختلف في اسمه ونسبه . الأعلام 2 / 341 ، ووفيات الأعيان 1 / 180 ، والنجوم الزاهرة 3 / 289 ، وحلية الأولياء 10 / 366 . 

365
بل كلّ مفعول به سابق * للفعل قطعا عند من يفرق 
وكلّ من يجحد قولوا له * هات مثالا عندنا يطبق 
يكون مفعولا به ما له * سبق على الفعل الذي يلحق 
فإن يكن حاول في لفظة * جاء بها في النطق إذ ينطق 
فأخبروه ليس مقصودنا * لفظ لنا يأتي به المنطق 
وإنّما المعنى مراد الذي * يقول والحقّ به مشرق 


وقال رضي اللّه عنه : 
إذا كان كلي دائما يشبه البرقا * فقل لي هنا من ذا يدوم ومن يبقى 
وما ذلك الباقي سوى اللّه وحده * فما بال أقوامي يسمّونني خلقا 
تجدّدت عن أمر قديم وإنّني * أنا الحادث الموهوم والشبح الملقى 
وعقلي وروحي للوجود مراتب * ونفسي وجسمي تصحب الجمع والفرقا 
أنا الشمس في وصف الكمال وما السّوى * سوى الظلّ فاستيقن عليه لي السّبقا 
وإن شئتني فاعرف جميع منازلي * ودع عنك منّي الغرب واستقبل الشّرقا 
ولا زالت الأرواح تسمو بهمّتي * وسرّ مجالي الغيب لا زال بي يرقى 
لنا الحضرة الزّلفى على أيمن الحمى * وفي لجّة الأسما لنا الدّرة الفرقا 
هي الذات عن ذال وعن ألف علت * وتاء فلا تدري الحروف لها مرقى 
وقد قصّرت عنها تراكيب فعلها * وإطلاقها يستوجب الفتق والرتقا 
هي الاسم وهي الوسم والرسم للورى * فأيّان ما ولّيت أشهدها تلقا 
هي الرفرف الأعلى هي المستوى الذي * يحقّ له الدعوى هي العروة الوثقى 
هي الحسن وجها والجمال حقيقة * فلا بدع أن ذاب الأنام بها عشقا 
إذا احتجبت متنا وعشنا إذا بدت * وإن أفرطت في الهجر قلنا لها رفقا 
يهيم بها قلبي إذا هبّت الصّبا * وأسكر شوقا كلّما غنّت الورقا 
حجازيّة شاميّة ذات طلعة * علت من رآها لا يضلّ ولا يشقى 
سجدنا إليها وهي راكعة لنا * بميل مريد ناشق طيبنا نشقا 
ولا حبّ إلا حبّها عند عاشق * لها في سواها كذبه لم يزل صدقا 
وجود بها قامت مراتب ذاته * لأسمائه بالأمر دافقة دفقا 
تنزّه عن تلك المراتب كلّها * فسحقا لعبد ليس يعرفه سحقا 

366
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
" دور " 
ألا أيّها النور الحقيقي * على لمعانه مزقت زيقي 
وملت به أعربد عن طريقي * فدع عنك الملامة يا رفيقي 
" دور " 
هو الحادي ترنّم للمطايا * وأظهر من جوانحها خبايا 
وذكّرها المباسم والثنايا * وأسكرها بكاسات الرحيق « 1 » 
" دور " 
سقى اللّه الشّعاب شعاب نجد * وإن كان التعلّل ليس يجدي 
فإنّي ذبت من شوقي ووجدي * إلى الأحباب في وادي العقيق 
" دور " 
عسى النسمات بالأخبار تأتي * وتحييني بهم بعد الممات 
وأحظى من شذاهم بالهبات * وأفرح في لقا ذاك الفريق 
" دور " 
وصلّى اللّه ربّي كلّ حين * على خير الورى طه الأمين 
ومن عبد الغنيّ على اليقين * بنصرته له في كلّ ضيق 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ شيء لنا على التحقيق * من عدوّ مخالف وصديق 
ومضرّ ونافع وهو إمّا * خادم حال وسعة أو ضيق 
حكم كلّها جميع أموري * وأمور الورى بحكم دقيق 
يا ابن ودّي هي الشؤون تجلّت * فتحلّت بها صفات رفيقي 
تقتضي دورة الشقاء لقوم * ولقوم سعادة التوفيق 
طبق ما يعلم الإله قديما * نفسه في نفوس كلّ فريق 
حيرة بل هداية أنتجتها * صبغة الغيب عند أهل الطريق 
فاعلمونا أو فاجهلونا هنا لا * جهل والكلّ علم حقّ حقيقي 
هو جمع وإن تفرّق قومي * فأنا لا أقول بالتفريق 
............................................
( 1 ) الرّحيق : الخمر أو أطيبها وأفضلها . 

367
يا لأمر مقدّس غاب عنّا * يقذف الخلق من مكان سحيق « 1 » 
نتفانى به فنفنى فنبقى * منه نشتمّ طيب مسك فتيق 
قيّدتنا التوجهات علينا * منه كيف اقتضت بحكم طليق 
وهدانا إليه برق التجلّي * في دياجي إمكاننا بالبريق 
فشربنا هواه ممّن وجدنا * عنده بالدّنان والإبريق 
وأقمنا على المحبة نلقى ال * غير عنها بحفظ عهد وثيق 

وقال رضي اللّه عنه : 
كيف يا قوم يوصف المخلوق * بوجود وأصله ممحوق 
عدم كلّه وقد قدّرته * أزلا قدرة عليه تحوق 
فهو شأن مقدّر من قديم * لم يكن للوجود فيه طريق 
ولقد جاءت النصوص بهذا * في كتاب وسنّة ذا مسوق 
وإذا كان هكذا الأمر قل لي * كيف وصف الوجود فيه يليق 
والذي بالوجود يوصف ماذا * أين يا عقل أنت والتحقيق 
فإذا الخلق قيل نفس وجود * لا بوصف الوجود ذا مرموق 
قلت : إنّ الوجود في كلّ شيء * واحد كلّهم به مطروق 
طبق ما قيل : إنّه هو جنس * وهو للاشتراك فيه يسوق 
وليك الفرق ظاهرا بذوات * وشخوص سوى الوجود تروق 
وإذا كانت الذوات وجودا * وكذاك الشخوص زالت فروق 
وغدا الكلّ واحدا ومحال * ذاك في العقل ليس فيه وثوق 
فافهموا يا عقول ذا القول وادروا * وأدركوا ما ترونه واستفيقوا 

وقال رضي اللّه عنه : 
له الغرب من أوج العلى ولنا الشرق * وما بيننا في مقتضى ذاتنا فرق 
وهل باسم محيي الدين يمتاز في الورى * وعبد الغني إلّا من الشجر العرق 
كلانا وجود واحد وهو ذات من * لها إنّني برق كما إنّه برق 
وما النور إلّا النار في نظر السّوى * وللنار إطفاء به ولها حرق 
..............................................
( 1 ) السّحيق : البعيد . 

368 
هي الشمس من خلف الجدار تطلعت * إذا سدّ خرق منه أظهرها خرق 
طرقت بها ما خصّني من شؤونها * كما كان من تلك الشؤون له طرق 
على سرّه منه الرّضى وهو سرّنا * فمنّا علينا ذاك ما غنّت الورق 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح : " دور " 
يا من تجلّى * حتى تملّا 
به الفتى المشتاق 
ما ثمّ إلّا * وجه تجلّى 
بزائد الإشراق 
كلّي اضمحلّا * فصرت ظلّا 
لقدرة الخلّاق 
ما ملت كلّا * والغير ضلّا 
عن حالة العشّاق 
" دور "   :  يا برق وادي * ربا جياد 
هيجت للركبان 
شجى فؤادي * غناء حادي 
يسوق بالأظعان 
باللّه نادي * والليل هادي 
من للشجي الولهان 
لقا سعادي * أجلّ زاد 
في قسمة الأرزاق 
" دور "  : أو في سلامي * على التهامي 
من خصّ بالمعراج 
مع الكرام * أهل المقام 
وسائل الإنتاج 
آل عظام * صحب مرامي 
بهم فلا أحتاج 
وصرت سامي * في القدر شامي 
عبد الغني قد فاق 

وقال رضي اللّه عنه : 
أهملوني من جهلهم وهذا * وصف قومي ما بينهم متناسق 
وهو إهمال ربّهم لهمو فل * يستعيذوا باللّه من شرّ غاسق « 1 » 
وأنا ناظر لهم فكأنّي * مصحف قد أقيم في بيت فاسق 
وقال رضي اللّه عنه مضمّنا مشيرا إلى ابتداء أخذه العهد في طريق القادرية من يد الشيخ الكامل عبد الرزاق من ذريّة الشيخ عبد القادر الكيلاني في سلوكه على طريق 
.................................................
( 1 ) الغاسق : الليل إذا غاب الشفق واشتدت ظلمته ، أو القمر إذا أظلم بالخسوف . 

369
الشيخ محيي الدين ابن العربي قدّس اللّه أسرارهم : 
أيا ساكنين الشرق قد شرقت بكم * عيوني بدمع حين شامت سنا البرق 
فقوموا بعذري عندكم إنّ مبتدأ * غرامي بكم قد كان من أقرب الطرق 
وما ذاك إلّا أنّني كنت غافلا * أظنّ جداري ليس يؤذن بالخرق 
فمدّت يد شرقيّة قادريّة * بها نشأتي خضراء طيّبة العرق 
فقلت لأهل الغرب لا تعتبونني * بكم إنّني في الجمع من غير ما فرق 
صعدت بكم أوج العلى وترنّمت * بألحانكم في القلب ساجعة الورق 
ألا فاعذروا طرف المحبّ فإنّه * رأى البرق شرقيّا فحنّ إلى الشرق 

وقال رضي اللّه عنه : 
أسقي نداماي من كاسي وأشرب ما * أبقوه في الكاس لي من خمري الباقي 
فكنت آخرهم شربا وأوّلهم * سكرا بما تركوا من بهجة الساقي 
بقيّة اللّه خير قال خالقنا * فحقّقوا القول يا قومي وأرفاقي 
وهذه يد من أهواه وهي يدي * بلمسها نال كلّي عهد خلّاقي 
قولوا لمن قد أبى عن مجلسي ونبا * من ذا يوقيك في العقبى من الواقي 
هذا المدام وهذا الكاس ممتلئ * من المدام إلى أطراف أطواقي 
ترقى وتسقط من أعلى مقامك في * حضيض جهلك بي يا خيبة الراقي 
عطشان يحمل ماء في إداوته * وليس يدرى به من سوء أخلاق « 1 » 
إنّ الكرام بحسن الظنّ قد شربوا * وسوء ظنّك حرمان لرقراق 
لا بدّ أن تغلق الباب الذي فتحت * يد الإله فتبقى خارج الطاق 

وقال رضي اللّه عنه مخمسا وهو في رحلته إلى بلاد الحجاز : 
قطع الجهول زمانه بتغزل 
إنّ الجهول عن الجمال بمعزل 
أنا لا أميل إلى كلام العذّل 
سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي * من وصل غانية وطيب عناق 
.....................................................
( 1 ) الإداوة : إناء صغير من جلد يحمل فيه الماء ( ج ) أداوى . 

370
إن كنت جئت لدى العدى بنقيصة 
فهي الكمال وذاك عن خصيصة 
طلبي لغالية ببذل رخيصة 
وتمايلي طربا بالحلّ عويصة * في الذهن أبلغ من مدامة ساقي « 1 » 
سم الجهالة زال من ترياقها « 2 » 
وهو العلوم بمقتضى إشراقها 
حرّرتها في الطرس باستحقاقها 
وصرير أقلامي على أوراقها * أشهى من الدوكاة والعشّاق 
فانهض لتحصيل العلوم ووفّها 
حقّا بأشرف حالة وأعفّها 
إنّي كففت عن السّوى بأكفّها 
وألذّ من نقر الفتاة لدفّها * نقري لألقي الرمل عن أوراقي 
تعلو على أوج المعالي همّتي 
في نيل مقصودي وقرب أحبّتي 
وأنا الذي عزمي كسيف مصلت 
يا من يبالغ بالأماني رتبتي * كم بين منسفل وآخر راقي 
أصبحت موصوف العلى منعوته 
لا أخشى من جانب تفويته 
يا قاصرا فينا يحاول صيته 
أأبيت سهران الدّجى وتبيته * نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن في وادي وغيب الغيب في وادي عميق 
والذي يدخل وادي الغيب منه لا يفيق 
إنّه الوادي الذي كلّم موسى ربّه 
فيه والتقديس منه بان في أهل الطريق 
.........................................
( 1 ) عوص الأمر والكلام : التوى فخفي وصعب . 
( 2 ) التّرياق : دواء ضدّ السم يمنع امتصاص السمّ في المعدة والأمعاء . 

371
وانطواء الكون فيه إنّه وادي طوى 
كلّ من يسلك فيه فهو من خير فريق 
قف معي يا ابن مقامي ههنا دون الحمى 
وتيامن وتياسر واشهد البيت العتيق 
إنّ أنوار سليمى ليس تخفى في الورى 
إنّما المزكوم لا يعرف ما المسك الفتيق 
هذه لا هذه من يفهم المعنى الذي 
عندنا ينجو من البحر الذي فيه غريق 
لا تلم مثلي على كشف الغطا كشف الغطا 
إنّ مثلي إنّ مثلي صاحب العهد الوثيق 

وقال رضي اللّه عنه : 
سرت نسمة أم تلك لمعة بارق * أم الغيب مدّت منه أيدي الرقائق 
بدا فاختفت آثار كلّ حقيقة * لهذا نكنّي عنه سرّ الحقائق 
هو النور إلّا أنّه هو ظلمة * وضدّان أمر مستحيل لذائق 
هو الحرف في غيب الغيوب وإنّه * هو الاسم في عين العيان الموافق 
ولكنّه الفعل القديم حدوثه * مغاربه موصولة بالمشارق 

وقال رضي اللّه عنه : 
شعورك والإدراك فعل الذي خلق * وقد خلق الإنسان أي أنت من علق 
فكن فعله كن لا تكن شاعرا ولا * بشيء من الأشياء وارفع به القلق 
وفق من خمار النفس وابق به له * تصر صاحيا صحوا شديدا على طلق 
وتنكشف الأشياء عندك كلّها * ويشرق سرّ اللّه كالصبح والفلق 
وتكسف شمس الروح منك فتختفي * ويخسف بدر النفس من غير ما ملق 
ويبقى ولا تبقى إلهك وحده * له الخلق والأمر الجميع به انفلق 
هنالك للإلهام وحي محقّق * فسبحان من للحبّ قل والنوى فلق 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا صاحبي في الرخا وفي الضيق * دم حافظا لي على المواثيق 

371
هذي يدي قد مددتها لك خذ * عهدي سريعا بغير تعويق 
وجود مثلي وجود تقدير * وليس هذا وجود تحقيق 
وهكذا الحادثات أجمعها * من حين تغريبها لتشريق 
تصوّرت كلّها لنا صورا * في الحسّ والعقل للتزاويق 
وكلّ هذا له وليس لنا * شيء من الأمر حكم تحليق 
أمّا وجود الإله خالقنا * فهو الحقيقي لأهل توفيق 
وجود حقّ محقّق أبدا * يعرف لكن بمحض تصديق 
عن دركه العقل عاجز وكذا * عن وصفه في مقام تفريق 
نراه لكن برؤية حدثت * لنا غدا لا بوهم تحديق 
نغيب عنّا وعن سواه إذا * نحن رأيناه حال تشويق 
محبّة منه والمحبّ بها * يكاد منها يغصّ بالريق 
هذا اعتقاد الهداة سادتنا * لا عقد غاو غوى وزنديق 
كم أعرض السامريّ عنه وكم * أباه في الدين كلّ بطريق 
تعلّقوا كلّهم بما عبدوا * من خلقه فيه أيّ تعليق 
وأعرضوا عن سنا عبادته * جلّ فنالوا ظلام تحريق 
وأصبحوا ما لهم لديه سوى * لعنتهم عنه ضمن تسحيق 

وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
" دور " 
شفّ ثوب الكائنات * عن وجود الحق 
فوجود الحقّ ذات * من وراء الخلق 
فانزعوا الثّوب الرفات * قبل أن ينشق 
واشربوا ماء الحياة * إنّه قد رق 
" دور " 
حسبت كلّ العقول * معه ثاني 
بتآويل النقول * دون إيمان 

373
وعليها وهم غول * فهم شيطاني « 1 » 
فاثبتوا إنّ الثبات * كاشف ما دق 
"  دور " 
كلّ من رام الشهود * يرفع الإلباس 
تاركا دعوى الوجود * زائل الإحساس 
حافظا شرع الحدود * ما له وسواس 
والذي فيه التفات * بالسّوى ملحق 
"دور " 
وعلى طه السني * صلوات غر 
وعلى آل عني * ثمّ صحب طر 
ما شدا عبد الغني * بنظام الدّر 
وحباه بالهبات * ربّه المطلق 
وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
يا من يريد يحبّ اللّه بالتحقيق * عقلك مصوّر وقانع أنت بالتخليق 
واللّه في الغيب مطلق ما له تضييق * وكلّ ممنوع نحوه العقل ذو تشويق 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ قول على العقول يشقّ * ليس جمعا وإنّما هو فرق 
والذي من ورا العقول فجمع * هو بالقلب ليس يبديه نطق 
وحدة أطلقت عليه تعالى * في ثلاث من الكلام تدقّ 
هو حقّ وباطل ما سواه * من جميع الأكوان غرب وشرق 
ووجود وغيره عدم لا * يقتضي غير ذا ولا يستحقّ 
وهو نور بدت به ظلمات * هنّ سحق جميعهنّ ومحق 
هكذا عنه في الكتاب يكنّى * وبهذا لعارف اللّه سبق 
إن يشأ عنه قال وحدة حقّ * أو يشأ وحدة الوجود تحقّ 
.................................................
( 1 ) الغول : نوع من الشياطين كانت العرب تزعم أنها تظهر للناس في الفلاة ، فتتلوّن لهم في صور شتى وتضلّلهم وتهلكهم أو حيوان وهمي لا وجود له ( ج ) غيلان . 

374
أو يشأ قال وحدة النور عنه * كلمات ما هنّ للدين خرق 
وحدة الحقّ حقّقت كلّ شيء * فجميع الأشياء بالحقّ حقّ 
وكذا وحدة الوجود بها قد * وجد الكلّ فهي للكلّ حقّ 
وسعت قال رحمتي كلّ شيء * فتأمّل ماذا يقول المحقّ « 1 » 
وحدة النور للجميع أنارت * فجميع الأشياء بالنور صدق 
هذه هذه الثلاثة أمر * واحد وهو بالتقادير برق 
قدرا قل مقدّرا أمره كا * ن كما قال والعوالم رقّ 

وقال رضي اللّه عنه : 
وجود حقيقيّ هو الغيب مطلق * به الكلّ موجود يلوح فيشرق 
وهم عدم والانتساب يريكهم * وجودا فحقّق ما ترى يا محقّق 
ودع عنك هذا الالتباس فإنّه * على كلّ عقل حاكم ليس يرفق 
فيظهر معدومات كلّ مقدّر * من الغيب موجودات حسّ فتحرق 
وما ذلكم إلّا مجرّد نسبة * إليه تعالى كلّ ما اللّه يخلق 
فميّز وجود الحقّ من عدم السّوى * تكن رجلا عند الورى بك يوثق 
وسدّد وقارب واتّكل واصطبر وكن * بغير وجود عند نفسك تصدق 

وقال رضي اللّه عنه : 
ظهرت لي يا غيب يا مطلق * بالروح روح الأمر بي تشرق 
والروح روح واحد كلّنا * أرواحنا منه لنا تسبق 
لسانه العقل إذا رام أن * ينطق بي في نفسه ينطق 
كلامنا نحن وكلّ الورى * في نفسه ربّي له يخلق 
طبيعة بالروح تبدو كما * تخفى فلا غرب ولا مشرق 
بحر هو الروح وأمواجه * جميع ما يسكن أو يخفق 
مثل معانيك التي أنت في * نفسك تعنيها إذا تحدّق 
والكلّ خلق اللّه لاحت لهم * في كلّ شيء آية تبرق 
..............................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى الأعراف آية ( 156 ) : قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ . 

375
يا مالكي روحك روحي كما * قلت نفخت الروح إذ حقّقوا 
بيني وما بينك هذا فإن * خفيت فيه فأنا الأسبق 
والغيب أنت الغيب حقّ ولا * نقدر أن ندنو ولا نلحق 
وإنّما نعرفه بالذي * صوّره الروح لنا المطلق 
معرفة من روحنا مثلنا * مخلوقة دون الذي يخلق 
والروح هذا ملك واحد * بملء ملك اللّه يستوثق 
أحبّ مولاه ولا يستطع * إدراكه وهو له يعشق 
حيران فيه فتراه لنا * مصوّرا فهو بنا يرمق 
هذا طريق واسع والسّوى * ذاك طريق أعوج ضيّق 
وقال رضي اللّه عنه من الموشح عروض غالي يا غالي : 
" دور " 
ساقي يا ساقي * اسقيني من خمره الباقي 
واكشف لي عن قيد إطلاقي 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور "
محبوبي ظاهر * يتجلّى بالوجه الباهر 
للعشّاق في حكمه قاهر 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور"
أستاره راحت * عن عيني والزهرة فاحت 
والسكره بالأسرار باحت 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور " 
اكشف لي عنّك * في ذاتي وافتح لي دنّك 
واجعلني يا حبي أنّك 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور " 
افتح باب الحان * وأسمعني من طيب الألحان 
وأرشفني من كاسي الملئان 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور " 
في دور الكاسات * قد غابت إخواني السادات 
والخمار محمود العادات 
يا ساقي آه يا ساقي 

376
" دور "  : من يشرب يسكر * من خمري لمّا يتفكر 
والمغرور في علمه أنكر 
يا ساقي آه يا ساقي 
"دور "  :  العالم فاني * والموجود ما له من ثاني 
لا يدري غير الرباني 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور "  : يا دائم يا هو * إنّ الكلّ في أمرك تاهوا 
والمضنى حبّك أفناه 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور "  : لا يعرف أمري * إلّا من يشرب من خمري 
أحشاؤه تصلى في جمري 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور " : كفّوا يا عذال * صبري في حبيه قد زال 
يغزوني بالجفن الغزال 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور " : معروف الأوصاف * يعمل لي أنواع الألطاف 
قلبي في كعبة ذاته طاف 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور " 
ذا قول قدسي * من عبد الغني النابلسي 
للسالك في هذا الجنس 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور " 
يا ربّي صلّي * على الهادي نور المتجلّي 
مع آل والصحب الكلّ 
يا ساقي آه يا ساقي 
" دور " 
ما غنّى الحادي * للركب المكيّ الغادي 
أو لاحت أنوار الوادي 
يا ساقي آه يا ساقي 

وقال رضي اللّه عنه : 
في الكون للحقّ أمثال بها نطقا * مضروبة منه للعبد الذي صدقا 
فقال تلك هي الأمثال نضربها * للناس يعقلها من في الكمال رقى 

377
وأغفل اللّه عنها من يشاهدهم * أهل السعادة في الدّنيا وأهل شقا 
فمؤمن هو ناج دون معرفة * إيمانه النّور كالبرق الذي برقا 
وجاهل ليس يدري ما يقال له * تكذيبه رزقه ذاك الذي رزقا 
كن مسلما مؤمنا بالحقّ تعرفه * أو لست تعرفه واتبع لأهل تقى 
وإن ترد تعرف اللّه الذي ظهرت * آياته فاتبع الأصحاب والرّفقا 
وهم أولو العلم علم اللّه سادتنا * وكن بهم مؤمنا تلحق بمن سبقا 
وانظر إلى الوقت وقت الفجر ليس له * علامة غير نور يملأ الأفقا 
ونوره غيره والوقت يحضر إن * أبدى له اللّه ذاك النور والشّفقا 
والوقت طلق بلا قيد يقيّده * في نفسه فاعتبره واشهد الفلقا 
واشهد علامته تشهده حيث بدا * واللّه غيب ومشهود بمن خلقا 
والوقت في كلّ أرض حاضر فخذوا * منه اعتبار الوجود الحقّ منطلقا 
ونزّهوه وقولوا عنه خالقنا * ما إن له غيبة فاليوم يوم لقا 
واللّه عنه جميع الكون منتشر * كالضوء يبدو عن الضوء الذي انفتقا 
تبارك اللّه لا شيء يشابهه * فالحسّ والعقل في تنزيهه اتفقا 
واللّه قد ضرب الأكوان أمثلة * بالفعل لا نحن فاترك عنك ذا السّلقا 
ونحن نعقلها لا نحن نضربها * فنودع الطرس ما ندريه والورقا 
وإن ترد أوضح الأمثال أجمعها * فانظر إلى صفحة المرآة مستبقا 
من الزجاج أو الفولاذ ليس بها * شيء وفيها يلوح الشيء متّسقا 
ولا ترى جرم مرآة بك استترت * وبالجميع فلا تتعب به الحدقا 
كما تلوح لك الأكوان تظهر في * مرآة عين الوجود المنتمي لبقا 
وليس فيه سواه دائما أبدا * والكلّ فان به فيه قد انسحقا 
وهو القريب ولكن لست تدركه * لأنّه بك مستور وأنت وقا 
بحر الوجود الحقيقي لا تزال به * ترى الظهور هنا الأكوان والفرقا 
والكلّ فان وهذا واحد أحد * لا غيره معه للغير قد محقا 
فاسلك على أثري وانظر إلى نظري * وثق بما قلته يا فوز من وثقا 
واشتمّ رائحتي من مسك نافجتي * فإنّني لك عطر في الورى عبقا « 1 » 
......................................................
( 1 ) النافجة : وعاء المسك في جسم الظبي ( ج ) نوافج . 

378
وقال رضي اللّه عنه وهو في قرية الفيجة : 
رعى اللّه بستانا بفيجة جلّق * على عذب ماء بارد متدفّق « 1 » 
به العين جادت كلّ حين بفيضها * فأرخص فينا سعر كأس مروّق 
رياض أريضات تظلّ غصونها * تميل دلالا بالصّبا المترقرق 
وللظلّ منها الميل يرسم شكلها * على الأرض مثل الكاتب المتأنّق 
أتينا إليها من جبال مهولة * يكاد بها الماشي يخرّ بمزلق 
وكيف إذا كان الذي جاء راكبا * ففي خطر لا شكّ فيه محقّق 
وتختر وإن نحن سرنا به على * بغال متى سارت بقلبك يخفق « 2 » 
وكان إله الخلق يحفظنا بها * فلم نر من خوف هنالك ملحق 
وسرنا على حكم الشهود بأمر من * حبانا بإكرام وعزّ ورونق 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا تظلم اللّه بما لا يليق * به ولا تدخل له في مضيق 
فإنّ أهل الجهل قد بالغوا * في حقّه بالنقص وهو الشفيق 
يرحمهم دوما وهم في عمى * عنه حمير بالغت في النهيق « 3 » 
ظنونهم فيها احتقار لهم * من غير علم عندهم في الطريق 
كلّ امرئ منهم يظنّ الرّدى * هو الهدى والظنّ بئس الرفيق 
سكران من خمر جهالاته * يا ليته لو كان يوما يفيق 
يا ويح قوم شبّهوا ربّهم * وقيّدوه وهو وهو الطليق 
يؤذونه سبحانه بالذي * قد نسبوه وهو ما لا يليق 
وكم شريك أثبتوه له * به فخرّوا من مكان سحيق 
كذا له صاحبة أثبتوا * وولدا قل ذاك عبد رقيق 
وعبدوا الأصنام جهلا وقد * خرّوا إليها سجدا بالحقيق « 4 » 
......................................................
( 1 ) الفيجة : قرية بين دمشق والزبداني عندها مخرج نهر دمشق بردى وبحيرة . ( معجم البلدان 4 / 282 ) . جلّق : اسم لكورة الغوطة كلها ، وقيل : بل هي دمشق نفسها ، وقيل : جلق موضع بقرية من قرى دمشق . ( معجم البلدان 2 / 154 ) . 
( 2 ) البغال : ( ج ) البغل : حيوان مولّد بين الحمار والفرس . 
( 3 ) النهيق : صوت الحمار . 
( 4 ) الحقيق بالأمر : الجدير به ، يقال : هو حقيق أن يفعل كذا . وحقيق عليه كذا : واجب عليه . 

379
وعلّقوا بالبيت أصنامهم * ودنّسوا البيت الحرام العتيق 
والنار أيضا عبدوها كما * هم يعبدون الشمس ذات الشريق 
ويعبدون العجل من جهلهم * وكفرهم باللّه وهو المحيق 
وهكذا يؤذونه دائما * وهو صبور ماءهم لا يريق 
كما حكى القرآن هذا لنا * وكان ما قد كان من كلّ ضيق 
حتى أتى اللّه بنور الهدى * وزال عن إشراقه ما يعيق 
وأسفر الفجر وفاحت به * حدائق الورد وروض الشقيق « 1 » 
وقد تجلّى لقلوب الورى * ربّ لهم قد كان نعم الصديق 
وإنّه غيب عن العقل بل * عن الحواس الخمس قول حقيق 
وما له ماهيّة تقتضي * ظهوره فيها لمن يستفيق 
وإنّما الخلق ظهوراته * بهم تجلّى مثل برق بريق 
لم يتغيّر جلّ وهو الذي * يغير الغير ويهدي الفريق 
خذ علمه عنّي فإنّي به * بحر مداه للأعادي عميق 
واحذر من الجبار يلقيك في * بحري فكم من جاهل بي غريق 
واشرب معي كأس الوجود الذي * عن غيره يغنيك فهو الرحيق 
وقل لمن لا يعرفون الذي * هم فيه من خبث لديهم معيق 
يا عصبة الطغيان والافترا * إلى متى كفّوا الحريق الحريق 
ما أنتمو مثلي لكي تعرفوا * ما حجر الكدّان مثل العقيق 

وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
" دور " 
حيّا الحيا الوسميّ سكان النقى 
ليت بهم تعود أيام اللقا 
أيام كنّا بالفنا وبالبقا 
نهوى الوجود في الوجوه مطلقا * وكلّ أمر لم يزل محقّقا 
...................................................
( 1 ) الشقيق : زهر أحمر . 

380
" دور " 
يا سعد سلّم لي على وادي سلم 
حيث ترى نارا على رأس علم 
دعوى وجودكم بها الغير ظلم 
لا عاش يوما بالهنا ولا ارتقى * وكلّ أمر لم يزل محقّقا 
" دور " 
اللّه نور الأرض والسماء قل 
والكلّ ظلمة عليهم قد ثقل 
إن قلت باطل لك الحقّ يقل 
سعدت والذي ادّعاه في شقا * وكلّ أمر لم يزل محقّقا 
" دور " 
عبد الغني أغناه مولاه الغني 
بفضله وزاده زاد هني 
وبالصلاة والسلام يعتني 
على النبيّ المصطفى الذي رقى * وكلّ أمر لم يزل محقّقا 

وقال رضي اللّه عنه ناقلا كلام شخص ورادّا عليه بعده : 
كلّ أمر ترجوه من مخلوق * يعتريه نوع من التعويق 
وأنا قائل وأستغفر اللّه مقال المجاز لا التحقيق 
لست أرضى من فعل إبليس شيئا * غير ترك السجود للمخلوق 
لم يكن بالسجود يأمر ربّي * إنّهم يسجدون للمخلوق 
وهو اللّه قد تجلّى بفعل * صادر عنه ظاهرا بالحقوق 
فاعل ما يشاء بالشخص منه * وهو فان مثل الخيال الطروق 
حاش للّه أمر ربّي بكفر * وسجود لغير ربّ الشروق 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
كن أنت سابق عليهم لا تكن مسبوق * وكلّهم خلق هذا الصادق المصدوق 
وقل إذا رمت أن ترفع إلى العيوق * أمّا الجميع هو الخالق أو المخلوق 

381
وقال رضي اللّه عنه : 
يا أيّها البارق الذي برقا * إني أنا أنت حيث كان لقا 
فإنّ قلب المحبّ قال له * هذا هو الخالق الذي خلقا 
لا غيره من جميع ما وجدت * كما البرايا السوالك الطّرقا 
فاجمع من الحسن ما تراه وما * يدركه العقل كيفما اتّفقا 
وقل هو اللّه لا سواه ولا * تقل سواه لطارق طرقا 
والكلّ فان وما له أبدا * عين مع الحقّ باطل زهقا 
فإنّ هذا عقد الفتى وبه * يلقى غدا ربّه إذا صدقا 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:36 pm

قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وقال رضي اللّه عنه : 
كلانا له هذا الوجود المحقّق * هو الأحد الفرد الذي هو مطلق 
فطورا هو الباري بدا حيث لا سوى * وطورا لنا يبدو سواه ويخلق 
فربّ ولا عبد إذا العبد لم يكن * وعبد ولا ربّ به الغيب ملحق 
وليس هما بإثنين ندريهما معا * كما عند ذي جهل بذلك ينطق 
فإنّ الذي تلقى هو الربّ وحده * له الذات والأسماء وهو المحقّق 
وأنت السعيد المسلم المؤمن الذي * لك الدين يا هذا وأنت الموفّق 
وأمّا هو العبد الذي عنه غائب * به ربّه ينفي له أو يصدّق 
وذلك حال الغافلين أولي الشّقا * وليس لهم عهد يدوم وموثق 
تبارك مولى واحد وعبيده * كثيرون والمولى الكثير المفرّق 
كما قال لن تحصوه في كلماته * فتاب عليكم فاقرأوا ما يحقّق 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا : 
الباطن السابق الظاهر هو المسبوق * والكلّ واحد فكن أعلى من العيّوق « 1 » 
واخرج عن الكلّ أنت الكلّ يا معتوق * أما الجميع هو الخالق أو المخلوق 
.......................................................
( 1 ) العيّوق : نجم أمر مضيء في طرف المجرة الأيمن ، يتلو الثريا ، ولا يتقدمها ، ويطلع قبل الجوزاء . 

 382 
وقال كذلك : 
انفي الحوادث ولا تنفي الوجود الحقّ * وجود ما قد ظهر منها لها أو رق 
فإنّها عدم من بعضها تشتق * فيه الوجود كتبها أحرفا في رق 


وقال رضي اللّه عنه : 
كان فرعون قاصدا تحقيقه * بالدعاوى فزندقته الحقيقة 
ثمّ لمّا طغى فقال لقوم * إنّني ربّكم يضلّ فريقه 
ولكم ما علمت غيري إلها * ونسي سالف العهود الوثيقه 
فأطاعوه في المقال بجهل * ورأى كلّ جمعهم تصديقه 
أرسل اللّه بالشريعة موسى * وأخاه هارون معه شقيقه 
ينكران الضلال منه بجمع * لم يضف مع حضوره تفريقه 
قال قولا له على القرب مكرا * منه حتى في البحر ذاق غريقه 
قال آمنت طامعا في حياة * مثل موسى فلم يجد تعويقه 
ولقد كان عارفا بالتجلّي * فيه لكن دهاه قطع الرقيقة 
حيث أضحى ينفي السّوى منه للعي * ن على غرّة بنفس رشيقه 
ثمّ لمّا تدارك الأمر كشفا * وجد الحقّ باعثا توفيقه 
وهو من قبل ذائق ليس يخفى * عنه في جانب الإله دقيقه 
غير حكم السّوى به فرأى المو * ت الطبيعيّ يقتضي ترقيقه 
فأحسّت بقطعها النفس منه * عن إله تعوّدت تعليقه 
آية الانشقاق قد نبّهته * فأصاب الهدى بنفس مفيقه 
ورأى وسع رحمة اللّه حتى * جاءها مسلما فلم ير ضيقه 
ولقد صار آية لأناس * بعده في شريعة وحقيقة 
جاء موسى إليه بالشرع يدعو * منكرا للحقيقة الزنديقه 
وأراد الإله اطلاع موسى * أنّ في الباطن العلوم الأنيقه 
وابتلاه فلم يطق صحبة الخض * ر وقد كان في المسير رفيقه 
فغدا منكرا عليه إلى أن * نال تغريبه وذا تشريقه 
ومشى الناس في شريعة موسى * ليس يدرون غيرها في الخليقة 
وعليها قد جاءت الرّسل حتى * كان عيسى وأمّه الصدّيقه 
فأراهم حقائقا جهلوها * وعليه الحمار أبدى نهيقه 

383
ثمّ همّوا بقتله فوقاه اللّه بالرفع مشهدا لن يطيقه 
ثمّ إنّ الإله أرسل بالجم * ع وبالفرق نفس حرّ شفيقه 
فدعا الناس ظاهرا ودعاهم * باطنا فهو مسجد وحديقه 
سيّد المرسلين قد ودّ موسى * لو رأى منه طيب تلك السليقه « 1 » 
وسيدعو لشرعه الناس عيسى * ثمّ في قبره يكون لصيقه 
هكذا الأمر جاء صلّى عليهم * ربّنا ما نفى الجديد عتيقه 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ روحي بك روح مطلقه * علقت من حين كانت علقه 
نطفة من أكل أدم وغذا * ركبت من أربع متفقه 
من تراب ثمّ ماء وهوا * ثمّ نار رتب مفترقه 
ظهرت عن كلّ جسم وهو عن * ألف الغيب الهيولى اللبقه 
والهيولى عن صفات ظهرت * وهي عن ذات بكلّ محدقه 
فهي روح آخر الأمر كما * أوّل الكلّ غدت مستبقه 
حملت للكلّ والكلّ لها * حامل كالعين ذات الحدقه 
ولها الكلّ لباس فمتى * عرفت نالت يقينا وثقة 
وتدلّت وتدانت شرفا * من جنان عاليات عبقه 
ومقامات وأنواع على * ما على شيء هنا منطبقه 
ومتى ما جهلت حلّت لظى * وغدت في جهلها محترقه 
وهي في أنواع ذلّ وأذى * وهي في دنيا وأخرى قلقه 
فافهم الأوّل والآخر لا * تجهل الرزّاق والمرتزقه 
واعرف الرزق وحقّقه به * إنّه الحقّ وكن معتنقه 
ذا وجود نازل في رتب * بأمانات لها أو سرقه 

وقال رضي اللّه عنه : 

إنّما رزقك الذي حزته في * يدك اقنع به بنفس مفيقه 
وتأمّل في رزق غيرك تلقا * ه خيالا لديك ليس حقيقة 
..........................................
( 1 ) السّليقة : الطبيعة والسجيّة ( ج ) سلائق . 

384
لا تكن فيه طامعا مثل كلب * ممسك عظمة بفيه رقيقه 
فرأى ظلّها بماء فألقا * ها لأخذ التي رأى في الطريقة 


وقال رضي اللّه عنه : 
انظر إلى الكون وهو في عدم * واطلب له الخالق الذي خلقه 
تجد هناك الوجود منفردا * به تعالى مقال أهل ثقة 
وتعرف الكلّ لا وجود لهم * إلّا به والعقول متفقه 
فإنّ معنى به الظهور له * بهم شؤون تلوح مفترقه 
وكلّ يوم أي لمحة هو في * شأن عليه الشؤون منطبقه 
واحذر تراهم وذا الوجود لهم * وهم به والفهوم مستبقه 
وبعد هذا تروم خالقهم * تطلبه إن تجده يا نبقه 
تكن جهولا به تخيّله * كما تخيّلتهم لتسترقه 
هيهات هيهات أن تفوز به * وأنت واه ولم تزل علقه 
تستأهل القرع بالعصيّ على * تركك تعظيمه وبالفلقه « 1 » 
.............................................
( 1 ) الفلقة : عود به ثقبان يوصل بهما طرفا حبل توثق بهما القدمان للجلد . 
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:37 pm

قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الكاف 
وقال رضي اللّه عنه : 
انهض بربّك لا بنفسك * تشرف على أبناء جنسك 
فالكلّ أنت وأنت هو * والهو غدا فلكا لشمسك 
فإلى متى تبقى كذا * يا ميت في ظلمات رمسك 
لا يظهر المخفيّ عن * عينيك إلّا بعد طمسك 
وحياة قدسك أنت في * أنت المنى وحياة قدسك 
فاكشف حجاب سواك عن * إيّاك وانزع ثوب حدسك 
واستقبل النسمات إن * وافتك من نفحات أنسك 
وإذا ظهرت وكنت أن * ت بغير أنت لطيب غرسك 
فانقل علومك عنك لا * عمّن تخاطبه بدرسك 
وانظر لعينك وانتظر * وعن السّوى والغير أمسك 
واقرأ كتابة أحرف * ظهرت على صفحات طرسك 
وإذا حصلت على الذي * تحوي فيومك فوق أمسك 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الوجود حقيقة لا تدرك * وقف الموحّد دونها والمشرك 
والناس فيها فرقتان فعارف * حاز الكمال وجاهل يستدرك 
والعين واحدة ولكن حكمها * يقق البياض وأسود محلولك 
فاطرح قيود الكائنات جميعها * واطلق عنانك في السرى مستمسك 
وافتح عيونك في حقيقة ما ترى * لا يحجبنّك عثير أو درمك 

386
كدر الزخارف حلّ ماءك فاختفى * عنك الذي هو عنه عينك تهتك 
لكن وجودك قابل وكذا الورى * للصفو فاسلك يا هنا من يسلك 

وقال رضي اللّه عنه : 
هذا الطريق بدا فأين السالك * ما الناس إلّا سالم أو هالك 
رمت الشريعة أنت مملوك لها * وإذا الحقيقة رمت أنت المالك 
والكائنات إذا عرفت تلألأت * وإذا جهلت هي الظلام الحالك 

وقال مواليا : 
كن باسم حبّك تكن موجود لا باسمك * واخرج عن الفكر إنّ الفكر من رسمك 
وانسب إلى الحبّ كلّك واجعله قسمك * ورح عن الروح وامحق في الهوى جسمك 

وقال كذلك : 
قولوا لمن مدّ فكره في الورى إشراك * ليعرف الحبّ هذا كلّه إشراك 
الحبّ سمعك وإبصارك وما أدراك * انظر لنفسك أما لك يا أخي إدراك 

وقال كذلك : 
زجاجتك أشرقت في وسط مشكاتك * فافهم ومصباحها يا صاحبي ذاتك 
وزيتها خالص التوحيد ما فاتك * قل لي لكم أنت غافل في عماواتك 
وقال رضي اللّه عنه مخمسا : 
حباك اللّه بالنّعما لتشكر 
فطع في كلّ ما ينهى ويأمر 
ورشدك إن أتاك وصرت تحضر 
تأمّل في خلال الأرض وانظر * إلى آثار ما صنع المليك 
فإنّ الروض فيه فائحات 
نوافج نرجس مستعطرات « 1 » 
إذا اشتهيتها قل نابتات 
........................................
( 1 ) النرجس : جنس نباتات بصلية حوليّة من فصيلة النرجسيات . أنواعه كثيرة العدد يعيش ويجود في جميع الأتربة الزراعية ، ومنه أنواع تزرع لجمال زهرها وطيب رائحتها . وزهرته تشبّه بها الأعين . 
واحدته : نرجسة . 

387
عيون من لجين شاخصات * بأحداق هي الذهب السبيك 
وكم للّه في الدّنيا نبات 
بآيته لوحدته ثبات 
وأزهار تلوح ملوّنات 
على قضب الزّبرجد شاهدات * بأنّ اللّه ليس له شريك « 1 » 
بنور المصطفى ظهرت خبايا 
بها كان المحقّق في زوايا 
وإنّ النور كشاف الخبايا 
وإنّ محمدا خير البرايا * إلى الثقلين أرسله المليك 

وقال رضي اللّه عنه : 
كن مع اللّه ترى اللّه معك * واترك الكلّ وحاذر طمعك 
والزم القنع بمن أنت له * في جميع الكون حتى يسعك 
بالصفا عن كدر الحسّ فغب * واطرح الأغيار واترك خدعك 
لا تموّه بك واطلب منك ما * فرّ من يوم بشأن ضيّعك 
نورك اللّه به كن مشرقا * واحذر الأضداد تطفي شمعك 
ثمّ ضع نفسك بالذلّ له * قبل أنّ النفس قهرا تضعك 
واعبد اللّه بكشف واصطبر * وعلى الكشف توقّى جزعك 
لا تقل لم يفتح اللّه ولا * تطلب الفتح وحرّر ورعك 
كيفما شاء فكن في يده * لك إن فرّق أو إن جمعك 
في الورى إن شاء خفضا ذقته * وإذا شاء عليهم رفعك 
وإذا ضرّك لا نافع من * دونه والضرّ لا إن نفعك 
وإذا أعطاك من يمنعه * ثمّ من يعطي إذا ما منعك 
ليس يوقيك أذاه أحد * وإن استنصرت فيه شيّعك 
إنّما أنت له عبد فكن * جاعلا في القرب منه ولعك 
فز بوصل إن تراه واصلا * واقبل القطع إذا ما قطعك 
كلّما نابك أمر ثق به * واحترز للغير تشكو وجعك 
.............................................
( 1 ) الزّبرجد : حجر كريم ذو ألوان كثيرة أشهرها الأخضر والأصفر . 

388
لا تؤمّل من سواه أملا * إنّما يسقيك من قد زرعك 
ليت لو تشعر ماذا كنت من * قبل ما مولى الموالي اخترعك 
كنت لا شيء وأصبحت به * خير شيء بشرا قد طبعك 
تابعا كن دائما أنت ولا * تتمنّى أنّه لو تبعك 
لمتى تبني كنيسات الهوى * كسّر الصلبان واهجر بيعك 
ودع التدبير في الأمر له * واصنع المعروف مع من صنعك 
واحتفظ حرمة من يبصر إن * رمت فعلا أو تنادي سمعك 
وهو اللّه الذي جلّ فيا * عقل خف من عدم مبتدعك 
كن به معتصما واسلم له * لا تعاند فيه واهجر بدعك 
هذه ملّة طه خذ بها * لا تطع عنها قصورا دفعك 

وقال رضي اللّه عنه موشح : 
" دور " 
يا جمال الوجود * طاب فيك الشهود 
والبرايا رقود 
إنّ عيني تراك * ما لقلبي سواك 
" دور " 
ذاب كلّي عليك * وانتسابي إليك 
والورى في يديك 
والشجى في هواك * زائد الارتباك 
" دور" 
أنت في مهجتي * وضلوعي التي 
عشقها ما فتي 
يا حبيبي عساك * أن توالي لقاك 
" دور " 
كلّ شيء عدم * لي بهذا قدم 
ثابت من قدم 
ليس عنك حراك * يذهب الاشتراك 
" دور " 
وهو طبق النصوص * عند أهل الخصوص 
قاله في الفصوص 
يا ظلال الأراك * إنّني لا أراك 

389
" دور " 
غاب موج الرسوم * في بحار العلوم 
وانطماس النجوم 
بالفنا والهلاك * شمس ذات الحباك 
" دور " 
يا ضياء العيون * فيك عقلي جنون 
وحياتي منون 
ما لقلبي فكاك * من حبال الشّباك 
" دور " 
قم بنا يا نديم * إنّ خمري قديم 
كاسه نستديم 
لطف عيشي بذاك * ومناي هناك 
" دور " 
وبروق الوصال * لامعات النصال 
نورها الحقّ صال 
في ليالي العراك * محو كلّ الصّكاك 
"دور " 
صلّ يا ربّنا * ثمّ سلّم لنا 
لنبيّ دنا 
من إله السماك * في الليالي الحلاك 
" دور " 
فيه عبد الغني * نال قدرا سني 
كلّما بعتني 
بالنظام المحاك * في حلى الاحتباك 

وقال رضي اللّه عنه مخمسا لبيتين للسلطان سليم : 
كلّ الكلام الذي يبدو وكلّ سنا 
يفنى سريعا وفقر هكذا وغنى 
فاحفظ مقالي وخلّ عنك فرط عنا 
الملك للّه من يظفر بنيل منى * يردّ قسرا ويضمن دونه الدّركا 
إني رضيت فلم أحفل بمسألة 
أمر المهيمن يجريه بمعدلة 
حتى قنعت برزق منه لي صلة 
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة * من البسيطة كان الأمر مشتركا « 1 » 
.......................................................
(1) الأنملة : رأس الإصبع، أو المفصل الأعلى من الإصبع الذي فيه الظفر (ج) أنامل وأنملات . 

390
وقال رضي اللّه عنه عروض كم على الشجي المضنى : 
يا جمال من أهوى * يا غيب 
أثني * ذا الحجاب صلّ عبدك 
متّعني بما أروى * لا عيب 
صلني * إن تشأ أكن عبدك 
نور الوجه لي ظاهر * وهو للورى باهر 
قلبهم له مأوى * لا ريب 
يهني * عنه لا تخف بعدك 
" دور " : تحت ذا القناع محبوب * يا ليت 
حبّي * لو يكون لي يظهر 
إنّني أنا المحسوب * كالميت 
لبّي * حسنه البهي أبهر 
واحد ما له ثاني * واحد له الفاني 
لا ترى سواه مطلوب * والبيت 
قلبي * طف به تنل سعدك 
" دور "  : قم بنا إلى الندمان * في الحان 
يا صاح * ندرك الصفا بالراح 
واستمع من العيدان * ألحان 
أقداح * لي أتت بها الأفراح 
طاب لي بها كاسي * لان قلبها القاسي 
والعذول في حرمان * أفنان 
أفراح * منه فاحترز جهدك 
"دور " :   طلعة المليح الزين * يختال 
إنّي * مطلع لذاك النور 
من به قرير العين * بالحال 
يغني * حاله عن الطنبور 
قد رفعت أستاري * واجتليت أنواري 
أين من يراني أين * قد زال 
عنّي * يا رشا الحمى صدّك 
" دور " : حوّلوا حجاب الغير * عن عين 
ذاتي * واكشفوا عن الأستار 
إخوتي وجدّوا السير * لا بين 
يأتي * في مشعشع الأنوار 
فالحبيب قد وافى * والبغيض قد صافي 
والذي يريد الخير * بالمين 
عاتي * قصده نفي قصدك   " دور "
......................................
- البسيطة : الأرض ؛ أي : الكرة الأرضية ( ج ) بسائط . 

391
كلّهم هم الأفعال * لا ذات 
عندي * غير عين تلك الذات 
فاعرضوا عن الجهّال * أموات 
تبدي * وهم ما به تقتات 
وافهموا لأقوالي * واسلكوا بأحوالي 
والعليم يدري الحال * ما فات 
قصدي * أن يهيج بي وجدك 
"دور " 
والصلاة والسلام * نوران 
منّي * دائما على الهادي 
من حباه بالإكرام * رحمان 
فنّي * مدحه بإنشادي 
عبد للغني شامي * قدره به سامي 
كاسه من التسنيم * ملآن 
يدني * منك يا أخي رشدك 

وقال رضي اللّه عنه : 
ليس طيب الحياة غير وفاتك * والسّوى فاتن النفوس وفاتك 
يا محبّا أحبّ ثوب حبيب * أعط نفس الحبيب بعض التفاتك 
وتحقّق بمن تحبّ تجده * أنت والجهل للأحبّة هاتك 
صور عن مصوّر كثياب * لبستها عليك نفس فتاتك 
وحياتي بمقتضى حكم أمري * وهو قولي لمنيتي وحياتك 
ليس لي غير وجهك الحق عنه * لي ثبوت بمقتضى إثباتك 
خذ نديمي أطوار نفسك ممّن * طاب فيه الشراب من كاساتك 
وأدرها عليك منك وعربد * مع ذاك الحبيب في خلواتك 
خمرنا في الدنان منه بواقي * خذه واشرب واخشع به في صلاتك 
وهو خمر معنى القديم تصفّى * قبل يا كرم كنت في شجراتك 
واسقنا ربّنا شرابا طهورا * مثل ما جاء عنك في آياتك 
واطرح يا أخا الطريقة واترك * كلّ شيء إن رمت نيل نجاتك 
واسمع النفخ منك في صور جسم * لك فالناي طاب من نغماتك 
هذه نشأة بها أنت باد * لك عندي هاتيك من نشآتك 
يا رعى اللّه بالأجارع قوما * هم لدينا يا دهر من حسناتك 
حفظوا العهد من ألست فوافوا * لمن الملك وهو للكلّ باتك « 1 » 
...................................................
( 1 ) الباتك من السيوف : القاطع الصارم ( ج ) بواتك . 

391
لم تملهم عن نوره ظلمات * يا سوى بارتكابهم شهواتك 
أخذتهم لها المليحة منهم * حين نادوا إنّا ظهور صفاتك 
فمحتهم بها وقد أثبتتهم * عندها في حمى العيون الفواتك 
هذه زينب التي كشفت عن * وجهها يا محبّ في سكراتك 
وهو عند الجهول خلف قناع * هو يا ذا الجهول أنت بذاتك 
فانخلع عنك في الوجود إليها * سائحا منك في فضا فلواتك 
ثمّ مت بها راكعا لا تبالي * وعن الغير فافن في سجداتك 
سعدت أمّة إلى الغيب حجّت * ثمّ طافت يا كعبتي بجهاتك 
وأتت زمزم العلوم فنالت * شربة العزّ من كفوف سقاتك 
وبذكر الحبيب لبّت وعمّا * دونه أحرمت لدى ميقاتك 
ومناها فازت به في مناها * بعد ما قد أتت إلى عرفاتك 
إنّ هذا هو النعيم فطوبى * للذي يا مقام في جناتك 
منك فيه يسيل كوثر روح * فتراه السكران من رشفاتك 
يا رياض الجنان من حان قربي * عطّرينا بالطيب من نفحاتك 
وانشري ما انطوى من الذكر عنّا * وامنحينا اللذيذ من ثمراتك 
إنّنا عنك ظاهرون بلطف * منك في أرضك اقتضا نياتك 
لم نجد كثرة الوسائط جسما * تمنع الروح ربّنا من هباتك 
فالذي منك قد وفي فتدلى * لم ينقصه كونه ابن العواتك « 1 » 
هو أمر لنا قريب بعيد * فارجعي يا حروف في ألفاتك 

وقال رضي اللّه عنه : 
طلعت شمسنا على الأفلاك * فانمحت ظلمة النفوس الحلاك 
وسرت نسمة الحمى فأهاجت * شوق صبّ ما إن له من حراك 
هذه طلعة الحبيب بقلبي * فتنة العابدين والنسّاك « 2 » 
هيكل تسرح النواظر منه * في جمال فرد بغير اشتراك 
وبذات الغضا خيام عريب * نصبت بين عسجد فأراك 
...................................................
( 1 ) العواتك : ( ج ) العاتكة : المرأة التي تكثر من الطيب حتى تحمرّ بشرتها . 
( 2 ) النسّاك : ( ج ) الناسك : المتعبّد المتزهّد . 

393
كلّما أومضت بروق رباهم * هطل القطر من عيون البواكي 
حلية للمحبّ في نار شوق * صنعة الانسكاب والإنسباك 
هتك الستر نوره فافتضحنا * من لقلبي بنوره الهتّاك 
واحد وهو في العقول كثير * ليس يحكيه في البريّة حاكي 
كلّ من قال مثله قد رأينا * إنّه قول كاذب أفّاك 
مدّ أكوانه حبال خيال * لاصطياد القلوب بالأشراك 
فأتته الموحدون وجاءت * بارتباطيها أولو الإشراك 
دم على حبّه ومل عن سواه * وإذا لم تبك فكن متباكي 
حضرة العزّ من أتاها بذلّ * كان منها بالقرب فوق السماك 
أنا شاك لطولها من قصوري * عن مدى الشكر شاكر أنا شاكي 

وقال رضي اللّه عنه في كتابه مناجاة القديم : 
صدق الكتاب لمن به يتمسك * والبعض منه به يكون المشرك 
وهو المبين على الذي بجميعه * يدري وليس ببعضه يتمسّك 
هو نازل من حضرة أحدية * فتحقّقوا فيه ولا تتشكّكوا 
سور وآيات بدت فتركبت * من أحرف هي بالتوحّد أملك 
مشتقة من سور كلّ مدينة * لإحاطة فيها بما يتفكك 
ولقد بدت صورا إذا هي فخّمت * بنزولها الثاني لدى من يسلك 
بالحقّ أنزلناه ذلك أوّل * كلّ به قد آمنوا واستبركوا 
وبه لقد نزل اغتدى هو ثانيا * فتفرّقوا فيه وعنه تمحّكوا 
وبدا لهم صورا فخصّوا بعضه * بالترك منه وبعضه لم يتركوا 
وبقي عليهم حكم موطنهم بما * هو مقتضاه لهم بجهل يملك 
ولذلك الدّنيا غدت ملعونة * إلّا الذي استثني وهاج المعرك 
وأتاك من آياته ألوانكم * والألسن اللاتي غدت تتحرّك 
وجميعها صور وتلك كثيرة * وبها اختلاف زائد لا يدرك 
واللّه مولانا محيط قد أتى * لك من وراء الكلّ وجه يهتك 
بل ذاك قرآن مجيد جاء في * لوح هو المحفوظ عمّن يشرك 

394
وقال رضي اللّه عنه مخمسا الأبيات المنسوبة إلى رابعة العدوية « 1 » : 
ظهرت لقلبي بما قد نوى 
وبالحول أمددتني والقوى 
فيا من به فيّ زاد الجوى 
أحبّك حبّين حبّ الهوى * وحبّا لأنّك أهل لذاكا 
حبيبي هو الداء لي والدّوا 
وذاك العليم بما قد روى 
أقول له وعليّ احتوى 
فأمّا الذي هو حبّ الهوى * فشئ شغلت به عن سواكا 
ألا علّ من شاقني علّه 
يداوي فؤادي بما علّه 
على عشقك القلب من علّه 
وأمّا الذي أنت أهل له * فكشفك للحجب حتّى أراكا 
فؤادي بفرط الجوى ممتلي 
وعيني ترى للجمال العلي 
وحالان عندي هما اجتلي 
فلا حمد في ذا ولا ذاك لي * ولكن لك الحمد في ذا وذاكا 

وقال رضي اللّه عنه : 
أصبحت أنا على مرادك * في عافية وفي عبادك 
مكفيّ مؤونة مهنّى * من رزقك قانعا بزادك 
فالشكر لك الكثير منّي * لا زال على صفا ودادك « 2 » 
.................................................
( 1 ) هي رابعة بنت إسماعيل العدوية ، أم الخير ( توفيت 135 هـ - 752 م ) مولاة آل عتيك البصرية صالحة مشهورة ، من أهل البصرة ، ومولدها بها ، لها أخبار في العبادة والنسك ، ولها شعر . توفيت بالقدس وقبرها يزار . الأعلام 3 / 10 ، ووفيات الأعيان 1 / 182 ، والدّرّ المنثور ص 202 ، والشريشي 2 / 231 . 
( 2 ) الشكر : ينقسم إلى شكر باللسان وهو اعترافه بالنعمة بنعت الاستكانة ، وشكر بالبدن وهو اتّصاف بالوفاق والخدمة ، وشكر بالقلب وهو اعتكاف على بساط الشهود بإدامة حفظ الحرمة . ( للتوسّع انظر حديث القشيري عن الشكر برسالته ص 173 - 178 ) . 

395
يا مالك جملتي جميعا * إنّي لأسير في قيادك 
أحسنت إليّ في ابتداء * بالحكم بمقتضى رشادك 
واجعل حسنا تمام أمري * والقرب فعدّه من بعادك 
في الباطن كن لنا حفيظا * والظاهر من يد استنادك 
واعطف كرما وكن معينا * في خلقك لي وفي بلادك 
إنّي أبدا لك التجائي * ملقى أملي على جهادك 
لا أبرح عن مقام ذلّي * في نيل مناي بافتقادك 
فأدرك رمقي بشرح صدري * وارو عطشي إلى عهادك 
وقال رضي اللّه عنه مخمسا هذين البيتين لبعض ملوك الأندلس : 
ومستورة عنّا بها أوجبت هتكي 
بطلعة وجه نوره مشهر الفتك 
فقلت وريّاها لنا فاح كالمسك 
أيا ربّة الخدر التي أفسدت نسكي * على كلّ حال أنت لا بدّ لي منك 
نويت الفنا فيها وللمرء ما نوى 
فناديتها رفقا إلى كم أرى نوى 
ولا بدّ من وصل به يسكن الجوى 
فإمّا بذلّ وهو أليق بالهوى * وإمّا بعزّ وهو أليق بالملك 

وقال مواليا : 
يا قلب لا تشتغل إلّا بمن حبّك * وثوب جسمك بأيدي قدرته حبّك 
خيلان وجهه جعل صور الصور حبّك * فألق نواك كما قد قال عن حبّك 

وقال كذلك : 
متّ في هوى حيّ بحسب حيّه حيّك * وانزل بحيّه فإنّه قد نزل حيّك 
هذا الذي بظهوره قد قتل حيّك * وثوب حالك على نول الهدى حيّك 

وقال رضي اللّه عنه : 
أيّها الطالب النجاة أتاكا * قول حقّ فخلّ عنك الهلاكا 
إنّني كاشف لك السرّ فاسمع * سرّ ربّ قد اختفى عن حجاكا 
خلق اللّه أوّلا عالم الرو * ح وما كان من مكان هناكا 

396
لا ولا كان من زمان فحقّق * ما أشرنا له بلغت مناكا 
ثمّ من بعده المقادير جاءت * بي وكان مع الزمان ابتداكا 
وابتداء المقدار عرش محيط * هو جسم ولا يطيق حراكا 
ثمّ فيه من روحه كان نفخ * من إله في غيبه لا يحاكى 
فاقتضى إذ تحرّكا وسكونا * فأدار النجوم والأفلاكا 
ثمّ إنّ النجوم حرّك فيها * ذلك النفخ عندها الإدراكا 
فنسمت أرواحها بعقول * عند قوم وليس هذا بذاكا 
إنّما العقل كاللسان لروح * وبه النفخ أمر ربّ حباكا 
ثمّ بالنفخ كان مزيج أصول * أربع واسمه المزاج اصطكاكا 
فبدت أربع المواليد منها * كيف ما شاء ربهنّ انسباكا 
فهو في الغيب ربّنا جلّ ربّا * وهو في الكون أمره لا انفكاكا 
فهو من فوق عرشه لامكان * هو فيه إذ لامكان هناكا 
وله الاستوا على العرش حقّا * وهو للكلّ ممسك إمساكا 
إنّ هذا المعنى الذي قال عنه * إنّه فوق عرشه لأعداكا 
فاعرف الآن منك نفسا تجدها * أمر ربّ وخلق أمر أتاكا 
واعتبر في الوجود علوا وسفلا * ما ذكرناه واترك الإشراكا 
وتحقّق به تجده قريبا * لك وافهم به لينطق فاكا 
ولتبقى به له ولتفنى * عن سواه ولا تراه سواكا 
وهو باق على الذي هو فيه * أزلا ليس ما سواه اشتراكا 
عزّ ربّ وجلّ عن كلّ شيء * وتعالى يدبر الأملاكا 

وقال رضي اللّه عنه مخمسا لثلاثة أبيات للعارف باللّه الشيخ عمر بن الفارض مما ليس في ديوانه : 
يا من تملّك بالمحاسن مهجتي 
وإليه ملت ولا سواه بجملتي 
وأريده لمّا أقول أحبّتي 
خلص الهوى لك واصطفتك مودّتي * إنّي أغار عليك من ملكيكا 

397
عيني بوجهك لا تزال قريرة 
والقلب يضمر منك فيك سريرة 
وأنا الذي بك زاد عقلي حيرة 
فلو استطعت منعت لفظك غيرة * أنّي أراه مقبّلا شفتيكا 
يا جامعي بكلامه المتشتّت 
من كلّ ناحية إليك تلفّتي 
أهفو إليك وعنك وجدي ما فتي 
وأراك تخطر في شمائلك التي * هي فتنتي فأغار منك عليكا 
وقال رضي اللّه عنه : 
جاهل كلّ من رأى * أن شيئا تحرّكا 
والذي في تجرّد * قد رآه تنسّكا 
حيث بالنصّ من كتا * ب إلهي تمسّكا 
وهو لا شكّ عارف * وهو ذو الفهم والذّكا 

وقال مخمّسا أبيات الشيخ محيي الدين التي في أوّل ترجمان الأشواق : 
إنّ قوما لم يروا 
حالتي لمّا سروا 
وعظامي قد بروا 
ليت شعري هل دروا * أيّ قلب ملكوا 
قد جرى لي ما جرى 
بعدهم بين الورى 
آه من لي لو أرى 
وفؤادي لو درى * أيّ شعب سلكوا 
أنا صبّ مغرم 
واصطباري عدم 
وهم القوم همو 
أتراهم سلموا * أم تراهم هلكوا 

398
عنهم الراوي روى 
أنّهم في المستوى 
ثمّ من فرط الجوى 
حار أرباب الهوى * في الهوى وارتبكوا 

وقال عفي عنه : 
فرّ يا طائرا إلى ربّك * عن سواه بمقتضى حبّك 
وتعلّق به على ثقة * منه غيبا ومل إلى قربك 
فهو مولاك يرتضيك له * عبدا إن تبت فيه من ذنبك 
وبه لا بك اختطفه تنل * لمحة منه فهو في دربك 
وإذا ما اختطفته فعلى * نفسك الاختطاف لا ربّك 
هو أدنى إليك منك له * كلّ نفس فالنفس من حجبك 
أنت عنه بك احتجبت ولم * يحتجب عنك في صفا شربك 
إنّما شفّ عنه ثوبك في * لبسة الماء منك مع تربك 
فتجرّد عن الوجود به * وتحقّقه وافن عن سربك 
وعن الكلّ وابق فيه به * حضرة المصطفى الذي هو بك 

وقال مواليا : 
يا مبتلى بالغرام اصبر لأوجاعك * لو كنت عاقل دليل العقل ما طاعك 
فاسلك بربك وخلي عنك أطماعك * وانظر لأوضاعه واترك لأوضاعك 

وقال رضي اللّه عنه : 
من مجيري من فاتر الطرف فاتك * لا تحاكيه يا غزالة فاتك 
قمر طالع على غصن بان * صانه اللّه وهو للصبّ هاتك 
يتثنّى بقامة فتنتنا * فارجعي يا غصون عن حركاتك 
يا بديع الجمال جرت علينا * الأمان الأمان من فتكاتك 
لك ذات بها سلبت البرايا * بتناويع حسنها من صفاتك 
أيّها الوجه بالمحبين رفقا * نحن مثل الشخوص في مرآتك 
كم على وجهك الجميل خمار * من نفوس لمّا ظهرت بذاتك 
فاكشف الوجه وامحق النفس منّا * واحي منّا ميت الهوى بحياتك 

390
فيك بعنا نفوسنا واسترحنا * من بلاها فجد لنا بالتفاتك 
كلّ شيء به ظهرت علينا * فاختفينا يا نور في ظلماتك 
أنت طورا ولا سواك وإنّا * نحن طورا ولا سوى آياتك 
هي أطوارنا تردّ إلينا * كلّها منك وهي بعض هباتك 
قسما بالصّفا ومروة جسمي * حين أسعى يا حبّ في مرضاتك 
لم أحل عنك دائما فافهمي يا * نفس حتّى إن كنت في غفلاتك 
هذه سنّة المحبين قبلي * لك منها نقيم في جناتك 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ جسمي هنا وقلبي هناكا * وأنا الصبّ بين هذا وذاكا 
دار سلمى ما دار فيها محبّ * قطّ إلّا ذاق الفنا والهلاكا 
طلعة لا طلوع يعرف منها * غير أمر يحرّك الأفلاكا 
يا لسلمى ويا لأحباب سلمى * هل لكم وقفة هنا نتشاكى 
هي منّا قريبة وبعيد * نحن عنها لقصدنا الإشراكا 
آه لو أنها دنت فتدلّت * لك حتى بها رأيت مناكا 
احذر احذر تجد بأنّك عنها * خارج بانفصال شيء دهاكا 
كالنصارى في قولهم ولد اللّه يضاهون كاذبا أفّاكا 
واليهود الذين قالوا بأنّا * نحن أبناء اللّه والكفر ذاكا 
حيث معنى هذا انفصال لشيء * عن إله الورى وما أدراكا 
وهو كفر منزّه عنه ربّي * قد نهاهم عن مثله ونهاكا 
إنّما اللّه عالم من قديم * كلّ شيء والشيء ليس هناكا 
وبإنزاله هو الذكر يتلى * لم يكن عنه خارج محراكا 
وهو اللّه لا سواه ولكن * علمه منزل به الأملاكا 
كالبرايا جميعهم ولهذا * هو قيومهم كما قد أتاكا 
حاش للّه أن يكون من اللّه انفصال للشيء قل حاشاكا 
وسع اللّه كلّ شيء كما قا * ل وشيء له الفنا في فناكا 
هو علم له تعالى فذكر * نازل منه فيه ليس انفكاكا 
أنت يا غافل الذي لست تدري * عارفا كن بنفسك النسّاكا 
قمر نائب عن الشمس ليلا * فإذا ما النهار جاء محاكا 

391
إنّما ظلّ نفسك الليل فامحق * كرة الأرض عنك تلق هداكا 
هو نور وما سواه ظلام * فالق عنك السّوى به يلقاكا 

وقال رضي اللّه عنه : 
ليس للّه في الوجود شريك * لا اشتباه فيه ولا تشكيك 
والدي يدّعي الوجود مع اللّه دعواه هذه تشريك 
إنّما اللّه ظاهر يتجلّى * وهو نور يمحى به التحليك 
ومحيط بكلّ شيء كما قا * ل ولا شيء سوقة ومليك 
فاعرف اعرف من قبل موتك يا من * لم يفده نصح ولا تسليك 
لتكن مؤمنا بربّك حقّا * ويزول التسكين والتحريك 
وترى الكلّ فيه كن فيكون الأم * ر منه له اللجين السبيك 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا وجودي إنّني الصورة لك * أنت قد صوّرتها وهي ملك 
شهد الحقّ ولم يشهد سوى * أنّه الشاهد سوّى وملك 
صورتي فعل له وهو الذي * صاغها من عدم ربّ الفلك 
وكذا الأشياء طرّا قل كذا * حكمها شرعا لمن قد سألك 
يا ابنة العزّ إلى كم شغفي * أيّ يوم يعدم النور الحلك 
وأنا تلك كما تلك أنا * وهما الواحد والاثنان لك 
قلت لمّا هي قالت لي وقد * غلّقت أبوابها لي هيت لك 
ومعاذ اللّه قولي عندما * ظهرت لي غيرها خذ أملك 
وبدا برهان ربّي ظاهرا * واختفت أغياره عمّن سلك 
جلّ ربّي وتعالى فز به * يا رفيقي وتدارك من هلك 
هذه الغفلة نار أوقدت * فاطفها بالذّكر واسبق أجلك 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ شيء فيه وفي كلّ شيء * هو فاعلم وكلّ شيء هالك 
فهو لا غيره وضلّت أناس * جهلوه وهو المليك المالك 
فارفع الشيء عنه وانظر إليه * تلقه ناظرا إليك كذلك 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:39 pm

قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف اللام 
وقال رضي اللّه عنه : 
لم أزل في الحبّ يا أملي * أخلط التوحيد بالغزل 
وعيوني فيك ساهرة * دمعها كالصّيّب الهطل « 1 » 
ليت لي من نور طلعتكم * لمحة كي تنطفي غللي 
إنّ أحشائي بكم تلفت * بل وجسمي في الغرام بلي 
واصطباري يوم جفوتكم * زال والتهيام لم يزل 
جد لعيني باللقاء ولو * في الكرى يا غاية الأمل 
وتلطّف بالمشوق ودع * ذا الجفا واعطف وجد وصل 
وأبح مضناك بعض لقا * يا شفا قلبي من العلل 
يا منى هذا الفؤاد ويا * بغيتي يا كلّ متّكلي 
يا ضيا شمسي إذا طلعت * في الضّحى منّي وفي الطّفل « 2 » 
يا مرادي حين قلت ويا * جلّ قصدي حين لم أقل 
خذ أمانا من قلاك لنا * إنّنا منه على وجل 
ثمّ كن فيما يكون كما * كنت في أيامك الأول 
ذا التجافي كم أكابده * آه قلّت في الهوى حيلي 
والذي أهواه مشتمل * من ملاح الكون في حلل 
وسرت من نحو كاظمة * نسمة فيها انمحى طللي 
...............................................
( 1 ) الصّيّب : المطر الشديد الانصباب . 
( 2 ) الطّفل : الوقت قبيل غروب الشمس ، أو بعيد طلوع الشمس ، وهما طفل العشيّ وطفل الغداة . 

402
وبروق الحيّ لامعة * حان لمّا أومضت أجلي 
هذه الأكوان أجمعها * شمّة من وردة الأزل 
عطّرتني عندما نفحت * ما أنا عنها بمشتغل 
طيب أثواب المليح بدا * فائحا من جانب الكلل 
وثغور الزهر قد بسمت * من روابي أشرف الرسل 
يا عذولا لامني سفها * أنا لا أصغي إلى العذل 
قلبي المضنى حليف جوى * عن هوى الغزلان لم يحل 
مغرم صبّ بذي عظم * جلّ عن علمي وعن عملي 
ما له في الخلق من شبه * ما له في الأمر من مثل 
جلّ عن قولي أجل وعن * كلّ خاف لي وكلّ جلي 
ذو اتصال غير متصل * وانفصال غير منفصل 
لم يمل عن أمره أحد * دائما في سائر الملل 
غير أنّ الأمر منقسم * للصواب المحض والزلل 
وانقسام الأمر يظهر في * مقتضى أشخاصه السفل 
وهو في العلياء واحده * قبل أن يبدو لذي مقل 
هذه أبهى ملابسنا * حلّة زرّت على بطل 
لم نفصّلها لغير فتى * عزمه خالي من الكسل 
خمرة منها النّهى سكرت * شربة أحلى من العسل 
فاقبلونا يا أحبّتنا * وأبشروا بالمنزل الجلل 

وقال رضي اللّه عنه : 
الكلّ حقّ والكلّ باطل * والكلّ مستعمل وعاطل 
والكلّ ينبوع ماء عين * والكلّ غيث المغيث هاطل 
وعدتنا أن نراك يا من * في وعده الحقّ غير ماطل 
وقد رأيناك بين حقّ * سما وجودا وبين باطل 
ذواتنا فيك حاليات * وما الحوالي مثل العواطل 
وكلّ من لم يكنك خاطي * وكلّ من لم تكنه خاطل 

 402 
وأنت أنت الوجود حقّا * ولا مماري ولا مماطل 
ونحن لا نحن غير أنّا * لماء إيجادنا قساطل « 1 » 
وقال رضي اللّه عنه مخمّسا أبيات العارف الشيخ أرسلان الدمشقي : 
دمعي لخوفك يا مولاي صار دما 
والقلب مما به قد شارف العدما 
فاغفر ذنوب امرئ يرجوك مكتتما 
يا من علا فرأى ما في الغيوب وما * تحت الثّرى وظلام الليل منسدل 
عبد ذليل فقير الصبر ذاهبه 
جور الزمان وفرط البين ناهبه 
يا من على الخلق لا تحصى مواهبه 
أنت الغياث لمن ضاقت مذاهبه * أنت الدليل لمن حارت به الحيل 
يرجوك حيث خطوب الدهر طارقة 
وحيث ألسننا بالحمد ناطقة 
فالطف فعادات خير منك سابقة 
إنّا قصدناك والآمال واثقة * والكلّ يدعوك ملهوف ومبتهل 
كن غافرا يا إلهي ذنب مجترم 
يقضي الليالي بدمع فيك منسجم 
وقد أتيتك والأوزار في عظم 
فإن غفرت فذو منّ وذو كرم * وإن سطوت فأنت الحاكم العدل 
عبد الغنيّ له الأيام رائمة « 2 » 
من الصّبا وعيون الحظّ نائمة 
فاسعفه يا من به الألباب هائمة 
ثمّ الصلاة على المختار دائمة * ما عطّر الروض صوب الديمة الهطل 
...........................................................
( 1 ) القساطل : (ج) القسطل: الأنبوب الذي تتوزّع به المياه أو الموضع الذي تغترف منه المياه .  (2 )  رئمت الناقة ونحوها ولدها : عطفت عليه ولزمته فهي رائمة ، ورائم ، ورؤوم . 

404
وقال رضي اللّه عنه من وزن القصيدة الموصلية الشهرزورية ومن قافيتها على عدد أبياتها : 
جسد في هوى المليح عليل * وفؤاد للشوق فيه غليل 
وظهور كما ترى وبطون * يحصل النقص منه والتكميل 
وستور تماط عن وجه حقّ * فيحقّ الرجاء والتأميل 
وبروق بها الظلام ضياء * ورعود بها العلوم تسيل 
أيّها الركب هذه دار سلمى * فانزلوها ما خاب فيها النزيل 
واسمعوا من فم الوجود كلاما * لا اعوجاج به ولا تحويل 
واشربوه عتيقة جدّدوها * بكوؤس مزاجها زنجبيل « 1 » 
واقرأوه الكتاب لا ريب فيه * نازل دائما به جبريل 
وإذا شئتموه فهو مليح * أغيد زان طرفه التكحيل 
ملك الحسن وجهه الحقّ نور * فوقه التاج لاح والإكليل 
وهو في الكون عندنا قرآن * لا زبور بقي ولا إنجيل 
وفهوم جميعها أسرار * وعلوم أتى بها التنزيل 
ملة للموحدين نهار * وعلى المشركين ليل طويل 
هجموا بالعقول فاغترفوها * فإذا في كفوفهم تخييل 
وأرادوا أن يظفروا فأتاهم * من هداها الحرمان والتضليل 
قصدوها تكون طبق هواهم * فأبت واختفى إليها السبيل 
فغدوا ينكرون ما لم ينالوا * ولهم بادّعائهم تعليل 
حظّهم مثل حظّهم من سواها * ليس إلّا الوسواس والتسويل 
هذه الحضرة التي أهلها قد * منعوها عمّن به تطفيل 
ولتفصيلها بهم إجمال * ولإجمالها بهم تفصيل 
وقف القوم حائرين لديها * وجريح منهم بها وقتيل 
كلّما أومأت إليهم بشيء * كان للشيء عندهم تفضيل 
تارة بالجمال فيهم تجلّت * وعليهم فكلّ شيء جميل 
................................................
( 1 ) الزنجبيل : جنس نباتات عشبية معمّرة من فصيلة الزنجبيليات . أنواعه عديدة منها البريّة والطبيّة والزراعيّة . والزنجبيل : الخمر . 

405
وإذا بالجلال كان التجلّي * طال قال من الجهول وقيل 
يا بني هذه الطريقة أنتم * في جنان وماؤكم سلسبيل 
ولكم رزقكم من اللّه يأ * تيكم به منه بكرة وأصيل 
فاعبدوه به على الكشف منكم * وليراع التحريم والتحليل 
ثمّ كونوه بالفنا وليكنكم * بالبقاء فهو أصل فرع أصيل 
هي سلمى وكلّهم طالبوها * وإليها كلّ القلوب تميل 
ظهرت بالقدود منعطفات * وبوجه كأنّه قنديل 
فرأينا الهدى ولا تشبيه * قد بقي عندنا ولا تعطيل 
صاح خفّض عليك ليس يريك ألح * قّ ذا الانقطاع والتبتيل « 1 » 
لمتى الجهل فيك ها هي لاحت * أين منك التكبير والتهليل 
لا ترمها إن كنت تبخل بالنف * س عليها هيهات يحظى البخيل 
وادخل الدار دارها بخضوع * لتراها بها وأنت ذليل 
وتقرّب بما حويت إليها * فعساها لما طلبت تنيل 
كم فتى عنه أسفرت وتبدّت * لكن الطرف عن سناها كليل 
وهي في الكلّ تنجلي بثياب ال * كلّ لولا التصوير والتمثيل 
شمس ذات لها النفوس شعاع * في البرايا والجسم ظلّ ظليل 
كلّ شيء بها لقد صار شيئا * ولتحقيره بها تبجيل 
فهي لا غيرها وإن راح جيل * قد تجلّت به وأقبل جيل 
والمعاني كثيرة من ضلال * وهدى لكن الصواب قليل 
والذي نحن فيه لا يعتريه النس * خ طول المدى ولا التبديل 
فتمسّك فقد نصحتك والزم * وعلى ما أقول ربّي الوكيل 

وقال رضي اللّه عنه : 
العلم والمال عدوّان لم * يجتمعا إلّا اقتضى الحال 
فساد وصف منهما ذلك الآ * خر فليستيقظ البال 
فالعلم إن لم يفسد المال في * وجه الهدى أفسده المال 
...........................................
( 1 ) التبتّل : الانقطاع عن الدنيا إلى اللّه . 

406
وقال رضي اللّه عنه : 
من يعرف اللّه فليس يسأل * واللّه لا يسأل عمّا يفعل 
كما أتى سبعون ألفا تدخل * لجنّة بلا حساب يحصل « 1 » 
وعارف بربّه لا يجهل * وهو به لأمره يمتثل 
هم يسألون عنه حيث انفصلوا * بالنفس قاموا لا به ما اتّصلوا 
والعارف الذي به يتصل * وجاهل عنه هو المنفصل 
معنى انفصاله الحجاب يسدل * عليه وهو النفس معنى يبطل 
في نفسه يقول نفسي يبخل * بها على اللّه لها لا يبذل 
والاتصال ربّه لا يعزل * عنه يوليه عليه فاعقلوا 
لا ربّه في النفس منه يحلل * أو باتحاد فيه عنه يجلل 
معبوده به عليه مقبل * لا ذاك معنى في الخيال يا فل 
ونفسه باللّه قامت تعمل * فهو الإمام الكامل المكمّل 
لا يدّعي أمرا فلا التحوّل * له ولا القوّة فيما يجعل 
وكلّ ذي ذوق له مفصّل * لا أنّ هذا عنده تخيل 
واللّه للخير هو المؤمّل * والشرّ لا إليه فيما ينقل 
والنفس منها كلّ شيء يفعل * وهي وما منها إليه يوكل 
وفعله لكلّ فعل يشمل * لأنه الآخر وهو الأوّل 
فالصادق الذي إليه يصل * بالصدق في التوحيد ذوقا يكمل 
عن نفسه بربّه مشتغل * وربّه كما يقول المرسل 
سمع له وبصر وأرجل * يعني به ينشط ليس يكسل 
يصعد بالقرب له لا يسفل * والربّ بالذكر عليه ينزل 
ثمّ لديه كلّ شيء يبطل * والحقّ حقّ فيزول المشكل 
واللّه حيث الشرّ عنه يهمل * يهمل عن عارفه لا يحمل 
لأنه مصوّر ممثل * يظهر فيه علمه والعمل 
.............................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى حديث شريف : « يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب » أخرجه الدارمي في ( السنن 2 / 328 ) ، والمتقي الهندي في ( كنز العمال 5701 ) ، والألباني في ( السلسلة الصحيحة 2 / 728 ) . 

407
وهو لسرّه النّزيه هيكل * يروق للوارد منه المنهل 
طينته للشرّ ليس تقبل * وهو على الخير به منجبل 
فما ترى يصدر منه الزّلل * وبالتّقى يضرب فيه المثل 
تحرسه عين الهدى وتكفل * واللّه يعطيه الذي يؤمّل 
وربّه حافظه لا يخذل * في عمره حتى يحلّ الأجل 
بعزمه صعب الأمور يسهل * وهو الذي يقال فيه الرجل 
شهم همام لوذعيّ بطل * يفعل ما يقصر عنه الأسل « 1 » 
بدعوة يندكّ منها الجبل * ودعوة غيث المنى ينهمل 
لأنّ له صمّ الحصى والجندل * وانقادت الشمّ الأنوف الطول « 2 » 
فاسمع مقالا فاح منه المندل * وفيه قد رقّ الصّبا والشمأل « 3 » 
وانكشف الأمر وهان المعضل * لدى أناس ليس فيهم جدل « 4 » 
وخذ بما قال الإمام الأفضل * وخلّ عنك ما تقول العذل 
فإنّهم لكل قلب علل * ويكثر الخطا بهم والخطل « 5 » 
وقولهم تقطع فيه السبل * ويذهب الخير وتمضي الدول 
لأنّهم على الفساد انجبلوا * فحقّهم أن يتركوا أو يهملوا 

وقال رضي اللّه عنه موشّحا عروض في الهوى قلبي تتيم : 
خلت الأكوان ممّن * هو في قلبي مقيم 
لا يغيب * وبه نلت الكمال 
فانقلوا يا قوم عمّن * لي في ليلي نديم 
ذا الحبيب * أنا منه كالظّلال 
" دور " 
واحد لمّا تثنّى * هام فيه ذو الغرام 
والظنون تجعل الفرد كثير 
نال منه ما تمنّى * عاشق البدر التمام 
والعيون كم لها فينا قتال 
....................................
( 1 ) اللّوذعيّ : المتوقد الذهن أو الخفيف الذكي ، واللسن الفصيح ، والظريف الحديد الفؤاد . الأسل : جنس نباتات عشبية من الفصيلة الأسلية ، تنبت في المناقع والأراضي الرطبة وتستعمل أوراقها الأسطوانية الطّوال المنتصبة رباطا ، وصنع السّلال والحصر والأطباق وغيرها وأنواع الأسل في الشام كثيرة . 
( 2 ) الجندل : الحجارة أو الصخر ( ج ) جنادل . 
( 3 ) المندل : العود الطّيّب الرائحة ، يتبخّر به . 
( 4 ) أعضل الأمر : اشتد واستغلق ، وأمر معضل : لا يهتدى لوجهه . 
( 5 ) الخطل : الكلام الفاسد الكثير المضطرب

408
"دور " 
ما على ذا الوجه حاجب * وهو ظاهر لا سواه 
عندنا جلّ من غير شبيه 
فعلينا الموت واجب * إنّما الموت حياه 
مذ دنا بجلال وجمال 
" دور " 
لم يزل ربّي يحيّي * للنبيّ المصطفى 
والصحاب * كلّ وقت وزمان 
ما روى عبد الغنيّ * عن نبا أهل الوفا 
ذا الكتاب * وتهنّى بالعيال 

وقال رضي اللّه عنه : 
وجودي جلّ عن جسمي * وعن روحي وعن عقلي 
وعن شرعي وتكليفي * وعن حكمي وعن نقلي 
وأمري مطلق حتى * عن الإطلاق يستعلي 
وعن ذات وعن وصف * وعن بعض وعن كلّ 
وعلمي ليس يدريه * سوى من لم يزل مثلي 
ولو زال الخطا عن عل * م أهل العقد والحلّ 
لأضحى علمهم من بح * ر علمي قطرة الطلّ 
وعلم الخضر في علمي * وموسى رشحة البل 
وإني هدهد الأخبا * ر للقوم الأولى قبلي « 1 » 
ومن قولي أنا أملي * وإنّي فوق ما أملي 
عليّ اللّه قيّوم * بلا شبه ولا مثل 
وإنّي ذلك القيّو * م لمّا قمت عن حملي 
وقد جرّدت عن ملكي * وعن علمي وعن جهلي 
وعن كيفي وعن أيني * وعن فوقي وعن سفلي 
وحقّي زال عنه با * طلي ذو المحق والمحل 
ووجهي قد غسلت الكو * ن عنه أيّما غسل 
وإنّي لست مخلوقا * ولا شربي ولا أكلي 
..........................................
( 1 ) الهدهد : جنس طير من الجواثم الرقيقات المناقير ، أشهر أنواعه الهدهد الشائع ، وهو مبذول في لبنان وغيره . ذو خطوط وألوان كثيرة وهو متوسط الجسم ، له منقار مستطيل وقنزعة على رأسه كبيرة القدّ سوداء الأطراف . وذنبه مقطوم الطّرف ، أسود اللون ، أبيض الجانبين والوسط . يألف الهدهد الأماكن المبعثرة الأشجار . وقوته الحشرات والديدان . ( ج ) هداهد وهداهيد . 

409
ولا إنّي أنا الخلّا * ق ذو صنع وذو فعل 
ولا من أنبياء اللّه إنّي أو من الرسل 
وإنّي ما أنا عيسى * ولا المهدي إلى السبل 
أنا حارت بي الألبا * ب لا يدرون ما أصلي 
أنا الشامي أنا الهندي * أنا الرومي أنا الصقلي 
أنا الأكوان بي قامت * أنا الأفلاك من أجلي 
أنا الأملاك تدري بي * ومنّي ترتجي بذلي 
أنا المعروف في الدّنيا * وفي الأخرى بذي الفضل 
وإنّي لست إنسانا * ولا من ذلك النسل 
ولا بالجنّ والأملا * ك والحيوان فاعرف لي 
ولا من والد لي بل * ولا أمّ ولا نجل 
ولا قومي أرى قومي * ولا أهلي أرى أهلي 
وإنّي ما أنا شيخ * ولا بالشابّ والكهل 
ولا إنّي جنين أو * بمولود ولا طفل 
وإنّي مطلق والكلّ * في قيد وفي غل 
ولا يدري جنيد بالذي * عندي ولا الشبلي 
وما في عالمي غيري * فخفّض عنك يا خلّي 
وما عبد الغنيّ اسمي * وهذا مقتضى الشكل 
ولكن عالم الأوها * م يمشي بي على مهل 
فيا من رام في الدّنيا * يراني طالبا وصلي 
تجرّد وانتزع واخرج * عن الأثواب والنعل 
وكن صرفا بلا مزج * وكن روضا بلا بقل 
وكن خمرا بلا كأس * وكن شمسا بلا ظلّ 
وحقّق واقطع الأحبال * وأمسك دونها حبلي 
وصابر واصطبر واعلم * فليس المسك كالزبل 
ولا حقّ اليقين الصر * ف في الإقساط والعدل 
كعين أو كعلم لل * يقين الصائب النبل 
وسدّ الباب من غيري * وعالج وافتتح قفلي 

410
صلاة اللّه من قلبي * على قلبي بلا فصل 
على طه رسول اللّه نور الفرض والنفل 
مدى الأيام ما سحّ ال * سحاب الجون بالهطل 

وقال رضي اللّه عنه : 
هذه أثوابهم والحلل * ليت شعري أين قومي نزلوا 
نزلوا بالشعب من كاظمة * هي قلبي والحشى والمقل 
فانمحت من ذكرهم آثارنا * وبدا ذاك الغرام الأوّل 
بربا نجد وقد ذاب الرّبا * وانمحى نجد إذا ما أقبلوا 
ونسيم الروض لولاهم لما * نقل الأخبار عمّن ينقل 
جيرة جاروا على أشواقنا * وإذا جاروا فمن ذا يعدل 
كلّ شمس إن رأتهم كسفت * كلّ بدر من سناهم يأفل 
هذه طلعتهم في كوننا * ما لنا كون ولكن علل 
لبسونا أو لبسناهم فمن * هو منّا اللابس المشتمل 
حالة يعرفها العارف قد * غاب عن إدراكها من يعقل 
وبها عنها البرايا اشتغلت * وعجيب فارغ مشتغل 
وقال رضي اللّه عنه عروض ألا يا شاكل الخنجر : 
مليح كلّنا مظهر * إلى وجهه الجميل 
وما يخفى به يظهر * لأبناء السبيل 
" دور " 
سقاني كأسه الساقي * على طيب اللحون 
فزادت منه أشواقي * ولي صبر قليل 
" دور " 
ألا يا أيّها الحادي * رويدا بالحمول 
أنخ في يمنة الوادي * إلى كم ذا الرحيل 
"دور " 
بروق الحي قد لاحت * على بعد المزار 
وأزهار الرّبا فاحت * بها يشفى العليل 

411
"دور " 
دعاني منيتي ليلا * وقد زال الحجاب 
وقلبي زاده ميلا * له لمّا يميل 
" دور " 
صلاة اللّه مولانا * على خير الأنام 
ومنّ اللّه أدنانا * على نهج الخليل 
"دور " 
له عبد الغني أهدى * نظاما كالعقود 
مدى الأيام ما أهدى * إلى الحقّ الدليل 
وقال قدّس اللّه سرّه مخمّسا أبيات العفيف التلمساني « 1 » : 
يا قلب أحبابنا جسمي بهم بالي 
بغيرهم لا تبالي بل بهم بالي 
ويا كراما سواهم زال من بالي 
لا تحسبوا أنّني عن حبّكم سالي * وحقّكم لم يزل حالي بكم حالي 
لحسنكم لا أرى بين الورى شبها 
والعاذلون لقد زادوا بكم عمها « 2 » 
رفقا بقلبي الذي فيكم قضى ولها 
أرخصتمو في هواكم مدمعي سفها * وهو العزيز الذي عهدي به غالي 
من ذا الذي في معاني الفضل يعدلكم 
وكلّ شيء من الأشياء فهو لكم 
ليست سمواتكم والأرض تشملكم 
.....................................
( 1 ) هو سليمان بن علي بن عبد اللّه بن علي الكومي التلمساني ( 610 - 690 هـ - 1213 - 1291 م ) عفيف الدين ، شاعر كوميّ الأصل ، تنقّل في بلاد الروم وسكن دمشق ، فباشر فيها بعض الأعمال ، وكان يتصوّف ويتكلم على اصطلاح « القوم » يتبع طريقة ابن العربي في أقواله وأفعاله . 
واتّهمه فريق برقة الدين والميل إلى مذهب النصيرية ، وصنّف كتبا كثيرة منها « شرح مواقف النفري » و « شرح الفصوص » لابن عربي ، وكتاب في « العروض » وشعره مجموع في « ديوان » وغير ذلك . 
مات في دمشق . الأعلام 3 / 130 ، والنجوم الزاهرة 8 / 29 ، والبداية والنهاية 13 / 326 ، وآداب اللغة 3 / 119 ، وشذرات الذهب 5 / 412 . 
( 2 ) العمة : التحيّر والتردّد وعدم الاهتداء إلى وجه الصواب . 

412
يا ساكنين فؤادي وهو منزلكم * لا عشت يوما أراه منكمو خالي 
عنكم بدا الكون يزهو في لوائحه 
والروض ينفح من ذاكي روائحه 
وحرمة العهد منكم في سوانحه 
أنتم بقلبي أدنى من جوانحه * حقّا على رغم حسّادي وعذّالي 
محبّكم صادق في طيب مشربه 
وأفق طلعتكم يزهو بكوكبه 
وسرّ تثبيت قلبي في تقلبه 
ما يلتقي مثلكم مثلي يهيم به * وكم يهيم بكم في الحيّ أمثالي 
بكاسنا كلّما ذقنا رحيقكمو 
ملنا سكارى فشاهدنا بريقكمو 
أحبابنا ليت أنقذتم غريقكمو 
أوضحتمو لمحبّيكم طريقكمو * حاشاكمو تهجروني بعد إيصالي 
إلى اللّقا بعثتني كلّ باعثة 
لجملتي بحجاب العزّ وارثة 
وليلة الفوز منكم في محادثة 
وحّدت حبّكمو عن كلّ حادثة * وصنته عن دواعي القيل والقال 
روض الجمال بأزهار الجلال هني 
في كلّ وجه لكم بين الورى حسن 
واللّه مذ جئتكم بالفقر رحت غني 
وما حدا باسمكم حاد فأطربني * إلّا وجدت له بالروح والمال 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا البيتين المنسوبين لحضرة الشيخ محيي الدين الأكبر ابن عربيّ رضي اللّه عنه وأرضاه : 
خذ الروح عنّي فاتحا منك دنّها 
وحوّل عن الصرف السلافة كنّها « 1 » 
فإن لم تكن أهلا ولا كنت ذا نهى 
.....................................
( 1 ) السّلافة : الخمر أول ما تعصر ، وما سال وتحلّب من عصير العنب قبل العصر ، وأخلص الخمر وأفضلها ( ج ) سلافات . 

413
تأمّل سطور الكائنات فإنّها * من الملإ الأعلى إليك رسائل 
بحار المعاني ليس تدرك شطّها 
وحم فوقها بالسبح إن كنت بطّها 
وإياك رفع الكائنات وحطّها 
لقد خطّ فيها لو تأمّلت خطّها * ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل « 1 » 

وقال رضي اللّه عنه ردّا على الزنادقة : 
إنّ قولي مؤيّد بالنقول * وبما تقتضيه كلّ العقول 
عند من يعرف اصطلاحي ويدري * شرح حالي بقصدي المقبول 
لست ممّن يقول عن كلّ شيء * إنّه اللّه قول كلّ جهول 
قصده يدرأ التكاليف عنه * مستبيحا أحكام شرع الرسول 
إنّني منه كلّ حين بريء * بل أنا العبد طالب للقبول 
وإذا قلت ذاك كان مرادي * صانع الشيء فاعل المفعول 
حيث لا شيء جامد هو عندي * بل كبرق يلوح بين الطلول 
والذي عنه ذلك الشيء يبدو * هو ربّ الفروع ربّ الأصول 
مثل قول الخليل وقت التجلّي * إنّ هذا ربّي بصدق المقول 
وهو نجم بدا وبدر وشمس * ثمّ كان امتيازه بالأفول 
أخذ الجاهلون أقوال مثلي * ثمّ قالوا بها على المجهول 
لم يذوقوا منها الذي نحن ذقنا * لا ولم يعرفوا حقيق النزول 
إنّما قلّدوا بحفظ كلام * وادّعاء له بغير حصول 
وقصاراهم التخيّل فهما * وهو فيهم من غاية المأمول 
هم عوامّ لا يعلمون وهذا * هو سرّ أعيا جميع الفحول 
حاولته الفحول أن يدركوه * فأبى من حجابه المسدول 
فأزالوا نفوسهم وأتوه * بافتقار ونائل مبذول 
وسعوا نحوه به وأقاموا * حكمه تاركين قول العذول 
................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى الحديث الشريف : « . . . ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل » أخرجه البخاري في ( الصحيح 5 / 53 ) ، وأحمد بن حنبل في ( المسند 2 / 248 ) ، وابن أبي شيبة في ( المصنّف 8 / 507 ) ، وابن حجر في ( فتح الباري 10 / 537 ، 11 / 321 ) . 

414
فتجلّى لهم فأفنى هواهم * ثمّ أفنى منهم شخوص النحول 
طحنتهم منه الرّحى حين دارت * ثمّ جاءت بهم مجيء السيول 
وعليهم تكرّر الأمر حتى * وقعوا في اللقا وأمر مهول 
فهم الفعل منه في كلّ حال * وهم الغائبون غيبة غول 
لهم الاسم فيه من دون رسم * عن عيان محقّق ووصول 
وعليهم شواهد الصدق لاحت * ليس تخفى إلّا على المخذول 
هذه أعين إليه صحاح * أنفت من نواظر عنه حول 
أين منها مقال أهل اتحاد * بدعاوى الفنا وأهل حلول 
اعقل الأمر تارك الشرع أعمى * عن طريق الهدى وتحصيل سول 
فهو إن كان مؤمنا فاسقا أو * جاحدا فهو كافر ذو فضول 
كيف يرقى ما لم يتب من خطاه * محكما فتل حبله المحلول 
ذاك هيهات لا يكون وإن قد * كان وقع النصول فوق النصول 
أين فهم الشمول والشرب منها * بافتكار وأين ذوق الشمول 

وقال رضي اللّه عنه : 
العبد يلهو ويغفل * والربّ أعلى وأسفل 
بكلّ شيء محيط * ويح الذي عنه أجفل 
فانظر إليه تجده * بكلّ شيء تكفّل 
وفي الجهات البواقي * تشيطنت أمّ زنفل 
وساعدتها طباع * على الجهول المغفّل 
فكلّما رام يرقى * ألهته حتى تسفّل 
ما فاز بالقرب إلّا * لربّه من تنفّل 
حتّى له صار سمعا * وناظرا ليس يغفل 
وقابل الباب فتحا * من بعد ما كان مقفل 
له من الحقّ جند * يوليه نصرا وجحفل 

وقال رضي اللّه عنه : 
حقيقتي حضرة التجلّي * ومظهر الغيب بالتخلّي 
وألقاب والقوس في التداني * وزينة اللّه في التحلّي 

415
ظهرت عنه به لديه * وقلت يا صاحبي وخلّي 
وفيه أطلقت بعد حبسي * وفكّ قيدي به وغلّي 
إرادة للخصوص أعطت * وقدرة أعطت التدلّي 
وعن بواقي الصفات مدّت * حقيقتي كامتداد ظلّي 
إذا بدا نوره فماذا * وإن خفي نوره فمن لي 
إن لم يكن وابل فمنه * قنعت يوم اللّقا بطلّ 
يا ويح صبّ عليه مضنى * يذوب في مشهد التملّي 
سرى بجلد إليه بال * وجلد فيه مضمحلّ 
رآه في كلّ ما رآه * فلم يقل بعده لعلّي 
له غرام بمن تجلّى * به وما عنده تسلّي 
بشعب وادي النّقا غزال * نفوره كان أصل ذلّي 
وغصن بان سبى فؤادي * بلين عطف وحسن دلّ 
يا قمرا طالعا علينا * بوجهه المشرق المطلّ 
وظلمة الكون قد تولّت * والسرّ في ذلك التولّي 
نحن تقاديره قديما * من كلّ بعض وكلّ كلّ 
وقد تجلّى بنا فصرنا * كبائن عنه مستقلّ 
وهو الذي لم يزل على ما * عليه من قبل ذا التجلّي 
ونحن أيضا كما ذكرنا * هنا على حالنا المولّي 
ولكن الزيغ في قلوب * وفي عيون من المضلّ 
يريك غير الذي تراه * وأنت كالساعد الأشلّ 
فنزّه الربّ عن زمان * وعن مكان وعن محلّ 
وعن معاني العقول طرّا * من كلّ معنى به مخلّ 
وكلّ ما أدركت حواسّ * فعنه في المنزّه الأجلّ 
وكن به طاهرا نظيفا * إن قمت يا أيّها المصلّي 
واركع له عن سواه واسجد * إليه في حضرة التعلّي 
ودم على الصدق في الترجّي * واشفق على قدرك الأقلّ 
ولا تحل عنه وانتظره * غير سؤوم ولا مملّ 

416
فإنّ جود الكريم باق * بكلّ غيث له مهلّ 
وبابه ما له انغلاق * عمّن إليه أتى بذلّ 

وقال رضي اللّه عنه : 
نفسي على نفسي الوجود بها نزل * فرضا وتقديرا ترتّب في الأزل 
فتلبست نفس الوجود بغيرها * وتقيّد الإطلاق منها وانعزل 
وهو الذي هو لم يزل في غيبه * وأنا الذي هو في انعدام لم أزل 
وكذاك حكم الكائنات جميعها * فدع العنا يا من تريّض واعتزل 
واعلم بأنّك أنت تقدير الذي * هو ناسج لك بالمشيئة ما غزل 
والحضرتان له فحضرة ذاته * محض الوجود ووصفه نظم الغزل 
وهي الصفات جميعنا آثارنا * من جدّ فهو بها يجدّ ومن هزل 
وإذا تعرّض خاطر لك فاسد * فارجع إلى التقدير إنّ العقل زل 
وإذا الوجود الحقّ أعرض عنك قل * نفسي على نفسي الوجود بها نزل 

وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
بنورك أيّها الوجه الجميل * ظهرنا كلّنا جيل فجيل 
وبان الحقّ واتضح السبيل * وإنّك حسبنا نعم الوكيل 
" دور " 
هي الأكوان أجمعها براقع * على الأوهام منها الأمر واقع 
ولكن دون هذا السمّ ناقع * وأنت العذب فيه السلسبيل 
" دور " 
سقى اللّه العقيق وشعب رامه * وخصّص بالصلاة وبالسلامه 
نبيّ الحقّ أرسل من تهامه * به عبد الغنيّ هو النزيل 

وقال رضي اللّه عنه : 
إن قلت إنّ الوجود نفس ال * موجود يا أشعري فقل لي 
كذاك إنّ الموجود نفس ال * وجود عكس بلا مخلّ 
وقلت إنّ الوجود جنس * والجنس تمييزه بفصل 
والفصل نفس الوجود أيضا * فالكلّ جنس مثلا بمثل 
فأين فصل الوجود يا ذا * بمقتضى علمك الأجلّ 

417
فإن تقل فصله اعتبار * في العقل مثل اعتبار ظلّ 
قلنا لك الاعتبار أمر * له ثبوت في كلّ عقل 
وعنه شيء يقال وهو ال * موجود فارجع لحكم كلّ 
وإن تقل إنّ كلّ شيء * وجوده حكم مستقلّ 
مميّز عن سواه ذاتا * فليس فيه اشتراك جعل 
نقول لا جنس فالوجود ال * مراد جزئي وليس كلّي 
خلاف ما حرّروا وقالوا * في حكم قانون علم شكل 
أو قلت إنّ الوجود غير ال * موجود والغير غير أصل 
طرّا على الشيء وهو لا شي * ء صار نعتا له يجلّي 
بمن ترى النعت قائم وال * منعوت لا شيء فاستمع لي 
وهل تقوم النعوت يوما * بغير أشيا ولا محلّ 
هذا سؤال على عقول * أتى بعلم ونفي جهل 
فإن تكن عالما فحقّق * جوابنا يا أجلّ خلّ « 1 » 

وقال رضي اللّه عنه : 
نور تلفّف بالظلام مكمل * نودي هنا يا أيّها المزمل « 2 » 
قم فيه وهو الليل أي بأموره * طبق الإرادة ما علا والأسفل 
ذرني ومن فيه خلقت من الورى * فيه وحيدا مستقلّا يفعل 
وأغلظ عليهم قال أي بنفوسهم * وهو الرؤوف بنا الرحيم المفضل 
وهو العزيز عليه ما عنت السّوى * وهو الحريص على الجميع ليكملوا 
بحر وهم أمواجه وهو الذي * بالحقّ قام كصورة تتخيل 
وافهم إشارة قوله قد جاءكم * من عين أنفسكم إليكم مرسل 
تجد الذي بالروح عنه وبالحجى * كني الإله وما درى من يجهل 
وهو الحقيقة والشريعة والهدى * لمن اهتدى وهو الحبيب المقبل 
والسّنّة الغرّاء فيها طريقنا * ويد الجماعة والكتاب المنزل 
طورا يغيب ونحن نظهر عنه في * هذا الزمان لنا المقام الأفضل 
......................................................
( 1 ) الخلّ : الصديق المختص . 
( 2 ) تزمّل وازّمّل بثوبه : تلفّف به وتغطّى فهو متزمّل ومزّمّل . 

418
ونغيب نحن به ويظهر تارة * هو قائم عنّا بنا يتمثل 
ووراء هذا في الغيوب حقيقة * تطوي الحقائق كلّها لا تعقل 
قد أجملت نور النبيّ وفصّلت * وتظلّ تجمل للورى وتفصّل 
وهي الوجود وما سواها هالك * ويقال موجود يلوح ويأفل 
نور على نور وللثاني أتى * أو في الصلاة بها يجود الأوّل 
طول المدى ما هبّ ريح الروح في * روض الجسوم وما تغنّى البلبل 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ ما يخلقه العقل أمل * والذي يخلقه اللّه عمل 
فاعرفوا الفرق الذي بينهما * تجدوه البدر في التمّ اكتمل « 1 » 
وانتساب الخلق للعقل كما * قال عيسى وعلى الأذن حمل 
هذه الحضرة لا يدخلها * غير من فصّلها ثمّ انجمل 
نظرات بعيون كثرت * دمعها الطوفان في الكون همل 
وابتداء الأمر أن تشهده * واحدا في الكلّ طير أو جمل 
ثمّ لا طير ولا شيء هنا * شمس أبراج كحوت وحمل 
هو هذا فاقلب العين وما * هو هذا وعلى هذا اشتمل 
جمل كلّ التفاصيل له * فتحقّق والتفاصيل جمل 
يا نديمي لك منّي قدر ما * أنت فيه كلّما العقل احتمل 
فافتح الباب وخذ ميمنة * في طريق فيه من يمشي رمل 
والمعاني كلّها قاصرة * عنه والجرح عليه ما اندمل « 2 » 
غير أنّ العشق يلقي تارة * بك لليأس وطورا للأمل 
وله حدّ فمن جاوزه * عكس الأمر وقد مال وملّ 

وقال وقد طلب منه ليقال فيما بين صلاة التراويح « 3 » : 
سنّة نبيّ مختار * فيها قيام الليل 
طالت بها الأعمار * تعطي القوى والحيل 
..........................................
( 1 ) بدر التّمّ : القمر ليلة تمامه . 
( 2 ) اندمل الجرح : أخذ في البرء . 
( 3 ) صلاة التراويح : من السّنن التي تصلّى في ليالي رمضان عقب صلاة العشاء . 

419
حوزوا بها أنوار * واحووا المنى والنيل 
صلّوها يا أبرار * عنكم يزول الويل 
"دور " 
قد صدق الصدّيق * فيها أبو بكر 
واختصّ بالتحقيق * حقّا بلا نكر 
عنه الرّضى توفيق * من أفضل الذكر 
فارضوا بقلب شيق * فيه إليه ميل 
" دور " 
أحيى لها الفاروق * نجل الفتى الخطاب 
من قدره العيّوق * في زمرة الأصحاب 
عنه الرّضى منطوق * للسادة الأحباب 
فارضوا فعنه النوق * ترضى وتمشي سيل 
" دور " 
ثمّ اعتنى عثمان * في هذه السنّه 
من عنده نوران * من أعظم المنّه 
خصّوه بالرضوان * عنه تروا الجنّه 
واللّه بالإحسان * يوفي لكم في الكيل 
" دور " 
وارضوا عن الكرّار * والصهر وابن العمّ 
من خصّ بالأسرار * حاوي العطاء الجمّ 
مع جملة الأطهار * آل وصحب ثمّ 
والأوليا الأخيار * فيهم يطول الذيل 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّا فهمنا عنه أمثالا لنا * هو ضارب فينا بخلق أكمل 
لم نضرب الأمثال نحن له ولم * نعدل عن النهج القويم الأعدل 
ولهم ضربنا قوله الأمثال في * حقّ الذين تقدّموا فتأمل 
لا تضربوا الأمثال للّه الذي * قد قال ذلك في الكتاب المنزل 
فاللّه يعلم والبريّة كلّهم * لا يعلمون بمجمل ومفصّل 

420
ومتى رأينا عالما في صورة * كونية قلنا هو الحقّ الجلي 
رام الظهور بصورة في علمه * وبها توجّه للحضيض الأسفل 
والكلّ ذو علم ولو بحقيقة * فيما مضى والآن والمستقبل 
والحقّ عنها قد تنزّه قبلها * وهو المنزّه بعدها عنها العلي 
والحكم فيها قد أتى منه على * ما كان منها في القديم الأوّل 
وهو الذي ما زال عن إطلاقه * وهي التي عن نفيها لم تنزل 
لكنّها ثبتت به منه له * كشفا بعلم ليس بالمتحوّل 
وتخصّصا بإرادة وتقدّرا * بالقدرة القصوى عن المتأمّل 
فاشهده منها مطلقا في نفسه * ومقيدا بخصوصها المتأثّل 
أو شئت فاشهدها به معدومة * لمّا تزل وهو الشهيد لها الولي 
إنّ الشهادة والولاية كانتا * للحقّ حتى صارتا بالحقّ لي 

وقال رضي اللّه عنه : 
ربّ فوّارة خلال مروج * ماؤها ناثر عقود لآلي « 1 » 
كلّما قام ذلك الماء فيها * خرّ للأرض ساجدا للحال 
وهو في حالة السجود تراه * في هدير بذكره متوالي 
ليس إلّا هو الشخوص إذا ما * زال شخص أتاه شخص تالي 
جلّ يا ماء خالق لك أجرى * دائما فهو ربّنا ذو الجلال 
قم به هكذا بنفسك واقعد * في السواقي وصوت ذكرك عالي 
عبرة للذي يرى بك منّا * نفسه في تكوّن وزوال 
مدّة العمر فهو للّه عبد * من أولي الأمر أمر مولى الموالي 

وقال رضي اللّه عنه « 2 » : 
خليليّ ما بال القوافل هكذا * عن الحقّ مصروفون وهو ضلال 
يرون الوجود الحقّ للخلق ظاهرا * يحقّق هذا عندهم ويقال 
......................................................
( 1 ) الفوّارة : فوّارة الماء : مكان ينبثق منه الماء . 
( 2 ) في الأبيات يدور الحديث حول الوجود : فالوجود بعد الارتقاء عن الوجد ، ولا يكون وجود الحق إلا بعد خمود البشرية ، لأنه لا يكون للبشرية بقاء عند ظهور سلطان الحقيقة . ( للتوسّع انظر حديث القشيري عنه برسالته ص 61 - 64 ) . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:40 pm

قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كأنّ الوجود الخلق صار محقّقا * وأمّا الوجود الحقّ فهو خيال 
خيال لديهم ظاهر في نفوسهم * لهم غائب عنهم وذاك مخال 
فهم يعبدون اللّه فيما تخيّلوا * وقد بان في كلّ العقول عقال 
وإنّ الوجود الحقّ صار مقيّدا * لديهم بأشيا تنمحي وتزال 
فمن أجل هذا أنكروه وقد بدا * وغاب وهامت في هواه رجال 
به شغلوا عنه وآثار صنعه * تقادير حالت دونه وظلال 
فلا هم مع الأقوام فيما تحقّقوا * ولا هم على تحقيقهم فيخال 
وجهل على جهل فجهل مركب * وليس لهم في دفع ذاك مجال 

وقال رضي اللّه عنه : 
ربّنا اللّه ذلك المتعالي * عن جميع الأشباه والأمثال 
عزّ في ملكه وجلّ فصارت * عنه معقولة عقول الرجال 
لا بذكر يدرونه أو بفكر * أو بوهم ولا خطور ببال 
فهو غيب كلّ الورى سبّحته * بتصاويرها وبالأشكال 
وهو مع ذلك التنزّه بادي * يتجلّى بسافل وبعالي 
وقريب للشيء من كلّ شيء * وبعيد بعزّة وجلال 
حركات الجميع مع سكنات * كلّها منه عنه في كلّ حال 
ما لشيء سواه تأثير فعل * أبدا غير نسبة الأفعال 
عرفته به أولو العلم منّا * بعد محو النفوس باضمحلال 
حيث لم يتركوا لهم فيه دعوى * أثر من تحرّك أو مقال 
وله أسلموا به فرأوه * فاعلا عين فعلهم بالتوالي 
ولهم محض نسبة الفعل أبقى * للعبوديّة التي للكمال 
كلّفتهم أحكامه أن يروها * فهي منهم له على الإجمال 
ظاهر عندهم بهم وهو عنهم * باطن غائب بغير زوال 
فهو من حيث ذاته في خفاء * وهو من حيث وصفه في تلالي 
واتصال لهم به حيث عنه * وجدوا ثمّ هم به في انفصال 

وقال رضي اللّه عنه : 
إن ترم أن تعرف الأحوال * والذي فيه أنا في الحال 
والذي أشهده منّي * دائما في الحلّ والترحال 

422
والذي نفسي تحدّثني * فيه بالإكثار والإقلال 
أنا ذاتي والصفات كذا * سائر الأقوال والأفعال 
من عبادات وعصيان * ومباحات لها إحلال 
واعتقادات مؤكدة * والذي يخطر لي في البال 
من علوم الدين والدّنيا * في بكور العمر والآصال 
واشتغال الفكر ملتهيا * والخطا والسّهو والإغفال 
كلّ هذا دائما أبدا * هو في الماضي وفي استقبال 
خلق ربّي لي فينسب في * رؤيتي للخالق الفعّال 
تارة عندي فأشهده * فعل ربّي ما به إشكال 
فأراه كلّه مننا * من إلهي وهو لي إقبال 
وهو إحسان إليّ به * وهو للإكرام والإجلال 
فالذي من قسم طاعات * محض إنعام بلا إهمال 
والمباح القلب يقلبه * طاعة بالقصد للإكمال 
والذي من قسم معصية * بدّلته توبة استعجال 
وهو بالطاعات منقلب * حسنا من أحسن الأعمال 
ثمّ إني كلّ ذاك أرى * إنّه فعلي على استقلال 
وهو منسوب إليّ كما * جاء في التكاليف باسترسال 
طبق ما التشريع جاء به * عن رسول اللّه ذي الأفضال 
وهو منّي كلّه شكر * وثناء ما به إخلال 
للإله الحقّ خالقنا * منجح المقصود والآمال 
وإذا فعل تكون له * نسبتان الأمر فيه مجال 
سائغ لا شرع يمنعه * لا ولا للعقل فيه عقال 
نسبة للّه جلّ كذا * نسبة للعبد كيف يقال 
وحقيقيّان أمرهما * لا مجاز ذا ولبس محال 
فأنا ما بين رؤية ذا * فرط إنعام من المفضال 
وأراه تارة منّي * شكر ربّي الخالق المتعال 
هذه في اللّه حالتنا * فاسمعوا يا أيّها العذال 
قد ذكرناها لرؤيتنا * إنّها تخفى على الجهّال 

423
فيظنون الطريق إلى * علم غيب اللّه محض مقال 
أو بفكر ذاك يحصل أو * بتعاني ذكره المتوال 
إنّما باللّه جلّ إذا * لازم التقوى بلا إهمال 
واقتف آثار من سلفوا * مع دوام الصدق والإقبال 
وقال رضي اللّه عنه في كتابه الفتح المدني في النفس اليمني : 
للّه في كل ما يبديه تعليل * والخلق تكثيره في الأمر تقليل 
صحّ الجواب لقوم يسألون وما * صحّ الجواب لأنّ الفعل توكيل 
في كلّ شيء له سرّ الوكالة إذ * لم يخرج الشيء عنه فهو تأصيل 
وإن أردتم جوابا واحدا فقفوا * هنا فما هذه قيل التماثيل 
معنى يراد ومعنى لا يراد سرت * حقائق الكلّ فيما فيه تكميل 

وقال رضي اللّه عنه : 
كعبة الحسن أسفرت بالجمال * وتبدّت لصاحب الأحوال 
ولها مقلة من الحجر الأس * ود ترنو ببهجة ودلال 
ريقها زمزم يمجّ بعذب * سائغ للمتيمين زلال 
وحطيم محبّها بغرام * صبّ ميزابه بفرط جلال 
نظرتها عيونها بعيون ال * عاشق الواله البعيد المجال 
وإذا كنت عابدا فهي سلمى * لبست ثوب هيبة وكمال 
وأشارت إلى الطواف بوجه * يفضح البدر بالسّنا والتلالي 
ويرى الزاهد المجرّد بيتا * ملأته مهابة الأفضال 

وقال رضي اللّه عنه : 
اطلب العلم كالذباب إذا ما * طردوه يعود في كلّ حال 
واشتغل بالمطالعات لما في * كتب العلم أنت طول الليالي 
وإذا أشكلت عليك أمور * سل خبيرا ولا تقف في السؤال 
وإذا لم تجد خبيرا فدعها * لوجود الخبير ذي الأفضال 
إنّ هذا هو السعادة أمّا * غير هذا فمحض قيل وقال 

وقال رضي اللّه عنه : 
آلة الشكر هذه الأموال * تترقى بها النسا والرجال 

424
فاجمعوها لتنفقوها على من * تنفقوها عليه وهي حلال 
واقصدوا وجه ربّكم لتنالوا * كلّ خير وليس منكم سؤال 
درهم تنفقونه فيه ينمو * وبه يدفع الردى والضلال 
وبه اللّه عنك راض إذا كا * ن حلالا تنال ما لا ينال 
واحذر احذر أن تقتفي كرما في * غير شكر الإله فهو وبال 
أو بمال محرّم فهو إثم * وخصوصا فيما عساه يقال 
إنّما الشكر فرض عين علينا * وهو منّا الأقوال والأفعال 
كلّ ما كان طاعة فهو شكر * والمعاصي كفران ما لا يزال 
من تناويع نعمة اللّه ما لم * تحص فاللّه محسن مفضال 

وقال رضي اللّه عنه : 
ألا فتحقّق أنّ كلّ استقامة * بغير اعوجاج ما عليها معوّل 
فإنّ اعوجاج القوس لا شكّ أنّه اس * تقامته عن تلك لا يتحوّل 
وما مقصدي بالإعوجاج سوى الذي * يراه بساهي عينه المتقوّل 
أعد نظرا في الصالحين ولا تكن * بمنكر ما يأتون فهو المؤوّل 
فإنّ عليهم عين حفظ قديمة * من اللّه عمّا قد نهى يا مسوّل 

وقال رضي اللّه عنه : 
عم صباحا أيّها الطّلل * رسم أمر كلّه جلل 
أمر مولى عنه قد ظهرت * كلّ روح ما بها خلل 
وهو شأن الحقّ يسفر عن * نشأة بالنقص تكتمل 
كلّ يوم قال خالقنا * هو في شأن ولا ملل 
يا عظيم الخطب أنت لها * لا يملك القصد والأمل 
جامع للكلّ منفرد * ما سيأتي فيك والأول 
وعليكم جاء أنفسكم * فاستمعها أيّها البطل 
وتأمّل من سواك ومن * هو أنت الكلّ قد بطلوا 
ثمّ إنّ الغيب عنك بقي * ما له عمّا به حول 

وقال رضي اللّه عنه : 
ليس إلّا مظاهر ومجالي * فاتركونا نجل بهذا المجال 

425
ما مع اللّه في الوجود سواه * إنّما نحن فرضه للمحال 
من قديم أحبّنا فأحبب * ناه والحبّ مثبت في الخيال 
صورا تختفي وتظهر طورا * في محلّ بين الحبيبين خالي 
فافهموا يا عقول معنى كلامي * وترقّوا به لأوج المعالي 
إنّما الحقّ للجميع محبّ * فتراه مصوّر الأمثال 
لكن الحبّ منه لا منك من * هو عنه في غفلة واشتغال 
أسرته لضعفه شهوات * من حرام لذيذة وحلال 
فلو انزاح فيه عن كلّ شيء * لرآه عليه في إقبال 
ثق بمولاك واشتغل في رضاه * وتحقّق واترك جميع الموالي 
إنّما الكلّ فتنة لك فاعلم * أنّه ذو الإكرام والإجلال 

وقال رضي اللّه عنه : 
غير الوجود محال * عليه أنت محال 
فافطن له وتأمّل * فالعقل فيه عقال 
هو الهدى للبرايا * وما سواه ضلال 
يا واحدا وكثيرا * بما عليه يحال 
من كلّ تقدير شيء * في العلم منه مثال 
قدّرتنا من قديم * فنحن شيء محال 
فرضتنا فظهرنا * بك العراض الطوال 
وأنت أنت وجود * ونحن نحن خيال 
أستغفر اللّه إنّ ال * خيال شيء يخال 
بل نحن لا شيء لكن * هذا كلام يقال 
لأجل تقريب قوم * في العقل منهم خبال « 1 » 
قد اعتنوا بالمعاني * وهم سراب وآل 
فحاولوا الحقّ فيها * وليس فيها ينال 
..................................................
( 1 ) الخبال : الهلاك أو الفساد الذي يورث الاضطراب أو النقصان . 

426
وقال رضي اللّه عنه مخمّسا بيتين لبعضهم : 
يا للبريّة إنّ قلبي ما ارتوى 
ممّن معي لا زال يظهر بالقوى 
وأنا الذي أشكو المحبّة والجوى 
وأمرّ ما لاقيت من ألم النوى * قرب الحبيب وما إليه وصول 
يدنو فأحسب أنّه أني وما 
هو غير قرب والجهول له العمى 
فأعجب لنور فيه كوني أظلما 
كالعيس في البيداء يقتلها الظّما * والماء فوق ظهورها محمول « 1 » 

وقال رضي اللّه عنه : 
دع من يجادل أو يماطل * واعلم بأنّ الكلّ باطل 
والحقّ حقّ واحد * وبه غبار الكون ساطل 
يا من يعدّده ولا * يدريه خاطي أنت خاطل 
يا غافلون تنكّبوا * عنّا فغيث الفتح هاطل 
هذا الذي لا تعرفو * ن ولو جريتم في القساطل 
وقفوا بأرض عقولكم * إنّ الذي تدرون عاطل 
ما حظّكم غير السّوى * منه وما فزتم بناطل « 2 » 
اللّه أكبر هذه * ذكرى لأفئدة العواطل 


وقال رضي اللّه عنه : 
ظهر الوجود الحقّ في مرآتنا * إذ نحن في العدم المقدّر لم نزل 
فوجودنا هو صورة لوجوده * لا أنّه ذاك الوجود علا وجل 
وكذا ظهرنا نحن في مرآته * مع أنّنا عدم ومنه على وجل 
وهو المقدّر بالصفات ذواتنا * وصفاتنا من غير بدء في الأزل 
إذ نحن أجمعنا هو العدم الذي * ما شمّ رائحة الوجود إذا نزل 
........................................................
( 1 ) الظمأ : العطش . 
( 2 ) الناطل : الجرعة من الماء واللبن والنبيذ . وقيل : الناطل : الفضلة تبقى في المكيال . 
وقيل : الناطل :  مكيال الشراب واللبن . ( لسان العرب 11 / 666 مادة : نطل ) . 

427
فظهوره فينا بقول قل انظروا * ماذا الذي هو في السما والأرض هل 
وكذاك وهو اللّه قال بأنّه * هو في السما والأرض من يجحده زل 
وظهوره فينا بحكم كلامه * في كلّ شيء هالك إلا الأجل 
مع أنّنا نحن العوالم كلّها * موجودة فافهم وفصّل ما انجمل 
واحذر تظنّ تغيّرا وتبدّلا * في ربّنا عمّا عليه فما انتقل 
وكذلك احذر أن تظنّ بأنّنا * عمّا عليه لنا التغيّر والبدل 
فإذا رآنا فهو راء نفسه * لا أنّنا هو أو بنا حاشاه حل 
وإذا رأيناه فأنفسنا نرى * لا غير فاكشف عن سنا هذا المحل 
هذا هو العرفان وهو أجلّ ما * يأتي به بشر وحقّقه الأمل 
إرث النبيّ محمد وهو الذي * جاءت به ساداتنا القوم الأول 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّما وحدة الوجود لدينا * وحدة الحقّ فافهموا ما نقول 
وحدة اللّه وحدة لا سواها * شهدتها منّا الكبار الفحول 
وسواء قلنا الوجود أو الحقّ فلا فرق عندنا يا جهول 
لا تظنّ الوجود حيث ذكرنا * ه هو الخلق عندنا المبذول 
هو حقّ بعد الفنا عن سواه * يتجلّى فتضمحلّ العقول 
ولهذا كان الفنا هو شرطا * عندنا للمزيد فيه حلول 
وهو طهر الأرواح من نجس قد * حلّ فيها من الكثيف يجول 
لطّخ الروح حين خالطها إذ * جهلته وغاب عنها القبول 
واعتراها أيضا هنا حدث من * كلّ معنى به الحجى مشغول 
فالنجاسات مانعات المصلّي * وكذاك الأحداث حين تحول 
بين ربّي وبينه فارفعوها * بعلوم السما يكون الوصول 

وقال رضي اللّه عنه : 
أقبل ودع عنك الكسل * وكن الذباب على العسل 
وإذا طردت فعد إلى * ما كنت تطلبه وسل 
واعلم بأنّك قاتل * فالنصل في طول الأسل 
والحبّ يخرج مثله * والبزر أشجارا نسل 
ومتى تركت تركت لا * طهر الإناء ولا انغسل 

428
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
إياك إياك ربّك تفهمو بالعقل * فإنّ ذا فيك نابت مثل نبت البقل 
وأنت والعقل فاني والذي في الحقل * واعبده في الغيب واتبع ما أتى في النقل 

وقال رضي اللّه عنه : 
رفعت ولم أرفع إلى غير منزلي * من الغيب أمر المحسن المتفضل 
وقد زجّ بي في النور نور وجوده * فأصبحت معدوما بغير تحوّل 
وجود قديم نحن فيه هياكل * بغير وجود هيئة المتخيّل 
تعالوا بنا يا تائهون لعلّنا * نكون كما كنّا بترك التعلّل 
ونسلم عن كشف إليه أمورنا * فليس لكم أمر يكون وليس لي 
ونشهد أمر اللّه فينا كأنّه * بنا لمع برق في دجى الكون ينجلي 
وما البرق إلا نحن إذ نحن أمره * هو القدر المقدور في الذكر قد تلي 
ولا تبعدوا عنّي بأحوال غفلة * دهتكم فأصبحتم بعاد التأمّل 
وجار عليكم حبّ دنيا دنية * وليس عليها عندنا من معوّل 
قفوا في حمى الإيمان لا تتحوّلوا * إلى غيره بالعقل قصد التوصّل 
ودوموا على الطاعات خالصة عسى * بكم يرد الساقي إلى عذب منهل 
هنالك نور الكشف إن شاء ربّنا * وإلّا فأنتم في مقام مؤمّل 
مقام أولي الإيمان بالغيب فاسبقوا * إليه ولا تصغوا إلى قول عذل 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا قصيدة الشيخ أبي محمد عبد اللّه بن القاسم بن المظفر بن عليّ بن القاسم الشهرزوريّ عفي عنه : 
إنّ أحبابنا وهم سادة الحيّ 
هجروا بعد وصلهم مغرما عيّ 
وعلى البعد مذ لوى ركبهم ليّ 
لمعت نارهم وقد عسعس اللي * ل وملّ الحادي وتاه الدليل 
هيّ بي يا محبّهم نحوهم هيّ 
لا تموّه بزينب لا ولا ميّ 
نارهم في الحشى بدت وكوت كيّ 
فتأمّلتها وفكري من البي * ن عليل ولحظ عيني كليل 

90
جنّ عقلي بهم إذا الليل جنّا « 1 » 
والحشى كلّما تذكّر حنّا 
ليت شعري كيف السلوّ وأنّى 
وفؤادي هو الفؤاد المعنّى * وغرامي ذاك الغرام الدخيل 
لذّ لي في هوى المليحة سلبي 
وكشفت الحجاب عن عين قلبي 
لا تلمني قضيت يا صاح نحبي « 2 » 
ثمّ قابلتها وقلت لصحبي * هذه النار نار ليلى فميلوا 
أنا من أجلها أحبّ المليحا 
وفؤادي يهوى القوام الرجيحا 
ضجّ قومي وحاولوا الترجيحا 
فرموا نحوها لحاظا صحيحا * ت فعادت خواسئا وهي حول « 3 » 
ليتهم أقصروا بها ما استطالوا 
وبأيمانهم على القرب آلوا 
قصدوها فخابت الآمال 
ثمّ مالوا إلى الملام وقالوا * خلب ما رأيت أم تخييل 
هل أتدري وعلم حالي لديها 
ويح أهل الملام لاموا عليها 
ثمّ لي موّهوا بها تمويها 
فتجنّبتهم وملت إليها * والهوى مركبي وشوقي الزميل 
صار ختمي في حبّ علوة بدءا 
وتقرّبت مسمعا بل ومرأى 
ثمّ إنّي دنوت والغير ينأى 
ومعي صاحب أتى يقتفي الآ * ثار والحبّ شرطه التطفيل 
......................................................
( 1 ) جنّ الليل : أظلم . 
( 2 ) قضى نحبه : مات . 
( 3 ) الخاسىء : الصاغر الذليل . 

430
قد شربنا في حبّها خمرة الدنّ 
وعلينا الساقي المليح بها منّ 
ثمّ جئنا والقلب من شوقه حنّ 
وهي تعلو ونحن ندنو إلى أن * حجزت بينها طلول حلول 
منية القلب بالجمال تعالت 
وإليها ملنا نهيم فمالت 
وقصدنا طلولها حين طالت 
فدنونا من الطلول فحالت * زفرات من دونها وغليل 
قد تناءت ديارها وطريح 
أنا والجفن بالدموع قريح 
ثمّ مذ جئت والغرام صحيح 
قلت من بالديار قالوا جريح * وأسير مكبّل وقتيل 
دار سلمى ما دار فيها كثيف 
قط إلّا وناله تلطيف 
قيل لي حين جئتها يا شريف 
ما الذي جيث تبتغي قلت ضيف * جاء يبغي القرى فأين النزول 
يا لسلمى تعزّ قوما وتحقر 
وأسير الهوى يرى الحرّ في القرّ « 1 » 
جئتها والفنا من الغير مقفر 
فأشارت بالرحب دونك فاعقر * ها فما عندنا لضيف رحيل 
حبّنا العزّ والعلى من لدنه 
والكمالات والمفاخر منه 
إن ترمنا فما لما رمت كنه 
من أتانا ألقى عصا السير عنه * قلت من لي بها وأين السبيل 
........................................................
( 1 ) القرّ : البرد . 

431
حثّنا الشوق في مهامه لوم 
لديار الهوى وبهجة يوم 
ثمّ سرنا نزيل آثار يوم 
فحططنا إلى منازل قوم * صرعتهم قبل المذاق الشمول 
لفؤادي في الحبّ أوفر قسم 
والهوى قد هوى بروح وجسم 
ونداماي ليس منهم سوى اسم 
درس الوجد منهمو كلّ رسم * فهو رسم والقوم فيه حلول 
هو قلبي عن الهوى ليس ينفك 
فاقطع اللوم صاح من حيثما رك 
إنّما القوم طودهم بالهوى اندك « 1 » 
منهمو من عفا ولم يبق للشك * وى ولا للدموع منه مقيل 
منزل الغانيات إياك منه 
فهو للسلب في المحبّة كنه 
ولكم عاشق عهدت لدنه 
ليس إلّا الأنفاس تخبر عنه * وهو منها مبرّأ معزول 
ركن أهل الملام من صبوتي ارتج « 2 » 
وأخلاي في الهوى صبرهم عج 
فترى منهم الطريح وقد لج 
ومن القوم من يشير إلى وج * د تبقى عليه منه القليل 
أنا أهوى نواظرا وقواما 
ذاك رمحا أرى وتلك سهاما 
ولأهل الهوى غدوت إماما 
ولكلّ رأيت منهم مقاما * شرحه في الكتاب مما يطول 
...................................................
( 1 ) الطّود : الجبل العظيم ( ج ) أطواد . اندكّ الرمل : تلبّد ، واندكّ المكان : استوى مرتفعه ومنخفضه . 
( 2 ) ارتج : اهتز واضطرب . 

432
اتركوا اللوم يا عواذل ويكم 
وامنحوني يا سادتي ما لديكم 
أنا أرسلت بالكتاب إليكم 
قلت أهل الهوى سلام عليكم * لي فؤاد بحبّكم مشغول 
عرف ليلى من النسائم أشتم 
وفؤادي بزائد الحبّ يهتم 
لي ضلوع من كثرة الشوق في غم 
وجفون قد قرّحتها من الدم * ع حثيثا إلى لقاكم سيول 
ليس في الحقّ يا ابن ودّي جحد 
وحدك اسلم به وهل لك وحد 
يا كراما ما لضدّهم ضمّ لحد 
لم يزل حادث من الشوق يحدو * ني إليكم والحادثات تحول 
سال دمعي دما من الماء أميع 
وحديثي من كلّ ما شاع أشيع 
ضعت والودّ بين قومي أضيع 
واعتذاري ذنب فهل عند من يع * لم عذري في ترك عذري قبول 
إنّ ذاك الحمى وذاك المكانا 
خطفتني بروقه لمعانا 
يا رعاة الحمى أمانا أمانا 
جئت كي أصطلي فهل لي إلى نا * ركمو هذه الغداة سبيل 
أهل ودّي أهل الهوى فائتمنهم 
فالوفا قد وجدته من لدنهم 
ورجوت الكرام أطلب منهم 
فأجابت شواهد الحال عنهم * كلّ حدّ من دونها مفلول 
إنّ هذا الضيا وهذا البريقا 
لسليمى فاسلك إليها الطريقا 
وإذا الكون أظهر التزويقا 
لا تروقنّك الرياض الأنيقا * ت فمن دونها ربا ودخول 

433
قف على الباب للمحبّة مدمن 
فهواها غالي لدى القوم مثمن 
هي سلمى لم يدرها غير مؤمن 
كم أتاها قوم على غرّة من * ها وراموا أمرا فعزّ الوصول 
حسبوا ماءها يزيل أواما 
فأذيبوا وأعدموا إعداما 
ثمّ لمّا أبدت لهم أعلاما 
وقفوا شاخصين حتى إذا ما * لاح للوصل غرّة وحجول 
عرفات الهوى بها الثجّ والعج « 1 » 
لك طوبى يوما إذا فزت بالحج 
فاقصد الركب إن تجد شوقهم لج 
وبدت راية الوفا بيد الوج * د ونادى أهل الحقائق جولوا 
إنّ عهدي الوثيق في الحبّ ما انحل 
وأخو الصدق دام والمدّعي مل 
وعلوم الهوى تقول الهوى جل 
أين من كان يدّعينا فهذا ال * يوم فيه صبغ الدعاوى يحول 
نحن قوم مقامنا بالعلى خص 
وعلينا في محكم الذكر قد نص 
معشر للهدى بهم كلّما اقتص 
حملوا حملة الفحول ولا يص * دع يوم اللقاء إلّا الفحول 
أهل أيد كالغيث بالبذل سحّت 
طالما بالعداة في الحرب ضحّت 
ثمّ لمّا النّوى عليهم ألحّت 
بذلوا أنفسا سخّت حين شحّت * بوصال واستصغر المبذول 
...................................................
( 1 ) ثجّ الماء : أساله . عجّ : رفع صوته وصاح .


434
سادة قلعة الأنا هدموها 
أيّ حال في الحرب ما علموها 
دخلوا في الوغى ليخترموها 
ثمّ غابوا من بعد ما اقتحموها * بين أمواجها وجاءت سيول 
سادة عن قلوبهم زال غلّ 
ولهم في عزّ الحقيقة ذلّ 
ثمّ لمّا بهم لهم كان ظلّ 
قذفتهم إلى الرسوم فكلّ * دمه في طلولها مطلول 
صرّح القوم لي بما فكرهم حس 
يحرق الكفّ للجهول إذا جس 
ثمّ قالوا لكلّ من يطلب المس 
نارنا هذه تضيء لمن يس * ري بليل لكنّها لا تنيل 
كم عزيز في الحبّ لذّ له الذل 
ثمّ من رونق النعيم قد استل 
شرفت حالة بها شغف الكل 
منتهى الحظّ ما تزوّد منه ال * حظّ والمدركون ذاك قليل 
هي ذات قد أظهرتنا لباسا 
وبنا منشأ زكت وأساسا 
ثمّ يا عقل مذ تركت قياسا 
جاءها من عرفت يبغي اقتباسا * وله البسط والمنى والسؤال 
نفّرته عن حبّها واشمأزّت 
وعليه من قدّها الرمح هزّت 
كلّ نفس همّت بها واستفزّت 
فتعالت عن المثال وعزّت * عن دنوّ إليه وهو رسول 
أخذتنا مقيدين أسارى 
والجوى قد أقام والصبر سارا 
يا ابن ودّي كنّا بها نتجارى 
فوقفنا كما عهدت حيارى * كلّ عزم من دونها مخذول 

435
علّلتنا بما تشير الملاهي 
فسمعنا منها ولم ندر ما هي 
ثمّ رحنا والفكر بالشوق ساهي 
ندفع الوقت بالرجاء وناهي * كم بقلب غذاؤه التعليل 
يا أخا الوجد من لصبّ أسير 
بين شوق نما وصبر يسير 
ويح قلبي في حبّ ظبي غرير 
كلّما ذاق كأس يأس مرير * جاء كأس من الرجا معسول 
لم يجد في هوى المهفهف صبرا 
وبه الشوق قد توقّد جمرا 
مغرم القلب سرّه صار جهرا 
فإذا سوّلت له النفس أمرا * حيد عنه وقيل صبر جميل 
حرم نحن فيه والغير في الحل 
رح سليما ومن ملامتنا قل 
فإذا ما سئلت يا أيّها الخلّ 
هذه حالنا وما وصل العل * م إليه وكلّ حال تحول 

وقال رضي اللّه عنه : 
الحمد للّه لا جاه ولا مال * وإنّما هو علم اللّه والحال 
فلا أخاف على جاه يزول ولا * مال عليه يد تبغي وتحتال 
عندي علوم وما عندي لها أحد * في عصرنا اليوم بين الناس حمّال 
أبثّها بين أقوام فيوهمني * بعض بإيمانه والبعض نقّال 
وهم يلومون في إفشائها وأنا * أخاف تدركني بالكتم أنكال 
لعن من اللّه في القرآن جاء لمن * أخفى بيانا له في الذكر إنزال 
وإنّما أنا أبديها فيؤمن ذو * هدى وينكرها من فيه إضلال 
يا ويحهم كلّما أصغوا لها وجدوا * قبولها فدهتهم منه أثقال 
فيعرضون اكتفاء بالذي فهموا * والفهم فيها بدون الذوق بطّال 
وغاية الأمر أنّ البعض ليس له * منها على الجدّ إلّا القيل والقال 
عقيدتي كلّها القرآن جملته * وسنّة المصطفى علم وأعمال 

436
واللّه لي منهما بالكشف يوضح ما * لم تستعدّ له في القوم أبطال 
ذوق أكاد به أدري الغيوب بلا * دراية لكن الإيمان فعّال 
والذلّ والانكسار القلب مشتمل * عليهما دائما ما فيه إخلال 
وفي الأذية لي صبر ولي جلد * وليس لي في انتظار النصر إهمال 
عندي التفاصيل من علم الإله ترى * وغيرنا عنده في العلم إجمال 
دين هو الشرع باد والحقيقة قد * دارت به فأحاطت وهي أحوال 
برّ وبحر هما دين الإله فلا * تكفر بواحدة منهنّ تغتال 
كن مؤمنا بهما إن لم يكن لهما * فيك اقتدار فللرحمن إقبال 
بالشرع مؤمنهم لا بالحقيقة قل * أو بالحقيقة لا بالشرع دجّال 
ومؤمن بهما في جنة وعلى * لكن له عن تجلّي الحقّ أشغال 
لأنّه ما له ذوق يحقّقه * بالحقّ والقلب منه فيه إغفال 
وصاحب الذوق سرّ لا يباح به * ما عنده قطّ في الأشياء إشكال 
اللّه أكبر هذا الدين فهت به * جميعه ولغيري فيه أقوال 
فمن يجد عنده رشدا يدين به * أو لا فذلك للباغين تمثال 

وقال رضي اللّه عنه : 
ألا إنّما المخلوق يعرف بالعقل * وخالقنا بالحسّ يعرف والنقل 
وهم يعرفون اللّه بالعقل كلّهم * كما يعرفون الخلق بالحسّ والشكل 
فلو علموا أنّ الذي في عقولهم * هو الخلق بل والحقّ في حسّهم مجلي 
بآياته في كلّ شيء منزّها * عن الشيء حيث الشيء فان من الكلّ 
تعالى وجلّ اللّه عن كلّ حادث * بذات ووصف بل وبالاسم والفعل 
وقد أمر اللّه العباد قل انظروا * وذلك بالعينين في النظر الأصلي 
وهم عدلوا عنه لأنظار عقلهم * ودانوا كما دانت فلاسفة الخبل 
وما العقل إلّا للمعاش فإنّه * لتدبير ملبوس وللشرب والأكل 
وأمّا الحواس الخمس فهي لربّنا * بها نشهد الآيات في العلو والسفل 
كما جاء في القرآن والسّنّة التي * عن المصطفى بالحسّ تهدي ذوي العقل 
لرؤية محسوسات آياته فخذ * متابعة الآيات تنبتك كالبقل 
وتبصر فعل اللّه في كائناته * وتشهدها الآيات تتلى على الوصل 
وذاك كلام اللّه واللّه قارىء * كلاما قديما لا ببدء ولا فصل 

437
حروف بدت منّا بأصواتنا له * تجلّ عن الأصوات والأحرف المثل 
وكانت وما كنا جميعا وإنّما * هو العلم نور الذات يبديه كالظلّ 
وغيب غيوب الحقّ عزّ وجلّ عن * مشابهة الأكوان والبعد والقبل 
ولكنّنا نومي إلى علمنا به * ونعلم أنّ العلم منّا أخو الجهل 

وقال رضي اللّه عنه : 
ربّي تجلّى بأنواع الخلائق لي * تجلّيا هو كشف القول والعمل 
فالقول كن فيكون اسمع مقالتنا * فإنّها لك تهدي أوضح السبل 
والفعل قدرته بعد الإرادة لم * يترك من الكون شيئا غير منفعل 
فانظر بعقلك فيما أنت تدركه * فإنّه الخلق من عال ومنسفل 
وانظر إلى ربّك الفعّال ثمّ إلى * كلامه الحقّ عين الأحرف الأول 
بالجمع قرآنه والفرق أجمعه * فرقانه فتحقّق فالمقام جلي 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ من آيات ربّي هو قال * نومكم كلّ نهار وليال 
وكذا الناس نيام قاله * من أتى بالحقّ في صدق المقال 
وإذا ماتوا يقول انتبهوا * ومضى عنهم به حكم الخيال 
فافهموا ذا القول يا أمّته * تهتدوا للحقّ من غير جدال 
كلّ ما أدركتموه صور * في منام من جلال وجمال 
عبروه تعرفوه واجزموا * أنّه الحقّ تعالى ذو الجلال 
مطلق في نومكم تلقونه * في قيود كلّها عنه محال 
ما له كيف ولا كيفيّة * يتجلّى بنساء ورجال 
وكبار وصغار مثل ما * جاء في القرآن عنه وهو قال 
قال إنّا كلّ شيء فارفعوا * لام كلّ خبرا يتلوه تال 
وكذا قال له ما في السم * وات والأرض وكم قال مثال 
يا نياما عبّروا الرؤيا به * هو حقّ وسوى الحقّ ضلال 
كلّ شيء هالك قال وكلّ * من عليها هو فان بالزوال « 1 » 
...................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة القصص الآية ( 88 ) : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ . وإلى سورة الرحمن الآية ( 26 ) : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ . 

438
واقرأوا القرآن مثلي تجدوا * كلّ ما قد قلته كلّ الكمال 
لا أنا أيضا ولا أنتم ولا * كلّ شيء من مياه وجبال 
بل خيالات عقول ظهرت * في منام وهو ربّ متعال 
إنّه اللّه وجود واحد * حكمه فينا حرام وحلال 
وهو حقّ وسواه باطل * وإلى الحقّ رجوع ومآل 
وإليه ترجعون اللّه قد * قال في القرآن والسبع الطّوال 
أينما أنتم تولّوا ثمّ وجه الإله الحقّ محمود الفعال 
لا تصدّق أنت رؤياك كما * للخليل القول قد كان يقال 
وابتغ التعبير في الرؤيا تفز * بالمنى لا بجواب وسؤال 
هذه الغاية في العرفان لا * ما يقول الغير من قيل وقال 

وقال رضي اللّه عنه : 
نفخ روح بالعزّ صار ذليلا * دين ربّ مؤجل تأجيلا 
لترى الربح باتّجارك فيه * تفعل الخير بكرة وأصيلا 
فبذلت الدين الميسّر فيما * تشتهيه ونلت حظّا قليلا 
ثمّ حلّ الدين المؤجل حتى * جاء يبغيه منك لا تمهيلا 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنت إنسان خيالي * لك عقل كالعقال 
أنت جسم من تراب * فيه روح متلالي 
أنت في أنت كثيف * في لطيف الروح عالي 
ليس في الخارج شيء * منك بل لمعة آل 
إنّما الخارج حقّ * أمر ربّ متعالي 
وكذاك الخلق طرّا * من نساء ورجال 
وسماوات وأرض * وبحار وجبال 
كلّهم عنك في صف * حة مرآة الخيال 
صور تبدو وتخفى * وهو حقّ في المجالي 
فتحقّق بك وافهم * قبل محو وزوال 
واعرف المعروف تنجو * من تناويع الضلال 

439
وقال رضي اللّه عنه : 
كم غادة كاملة في حسنها * لو يدرك البدر سناها لاختبل 
لبستها ثوب حرير ناعم * بكرا وزرّرت عليها بالقبل 
ولي فؤاد بالحسان مغرم * يدكّه محبوبه دكّ الجبل 
واللات والعزّى ظهوران له * بما وراهما وما ورا هبل « 1 » 
والحبّ كالحبّ هو الأصل وما * تبدو له الفروع إلّا بالسبل 

وقال رضي اللّه عنه : 
ألا فتحقّق أنّ كلّ استقامة * بغير اعوجاج ما عليها معوّل 
فإنّ اعوجاج القوس عين استقامة * له في يد الرامي فلا يتحوّل 
ولمّا استقام السهم زال بسرعة * عن القوس فافهم أيّها المتطوّل 
وقصدي بهذا الاعوجاج هو الذي * رأته نفوس جاهلون فجهّلوا 
ولا يفرقون الحقّ من باطل السّوى * وشيطانهم يملي لهم ويسوّل 
وإلا فإنّ الاستقامة عين ما * هو الشرع يسمو من بها يتجمّل 
وما الشرع إلّا والحقيقة عينه * وبينهما لا فرق قول مفصّل 

وقال رضي اللّه عنه : 
صفا الوجود فلا علم ولا عمل * وإنّما الكلّ أوهام بها الخبل 
تقدير مولاك يا هذا جميعك قد * بدا فكن ذائقا قولي ولا زلل 
قشّر وجودك إنّ القشر تأكله * دوابنا أنت قشر أيّها الرجل 
وعلمنا في أولي الألباب يعرفه * من قد تخفى بهم لمّا به جهلوا 
تبارك اللّه لا حقّ سواه ولا * لباطل أثر يدري به البطل 
يا من تصفّى وجودا خالصا وبدا * من قشره إذ عليه كان يشتمل 
قشر هو العدم الموهوم ليس له * أصل وما ثمّ سهل لا ولا جبل 
لمّا رأى الصعق موسى كان ليس هنا * موسى وقل جبل بالدكّ منجبل 
.........................................................
( 1 ) اللات : صنم كان في الجاهلية لثقيف بالطائف ولقريش بنخلة . ويرجّح أن اللات كانت تمثّل الشمس ، وقد ذكر اسمها كثيرا في النقوش النبطية . 
العزّى : صنم كان لبني كنانة وقريش ، أو شجرة من الثمر كانت لغطفان بنوا عليها بيتا وجعلوا يعبدونها ، فبعث إليها رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) خالد بن الوليد فهدم البيت وأحرق السمرة . هبل : صنم كان في الكعبة . 

440
نعم تصفيت من دعوى الوجود وقد * فنيت فاصدق إذا ما كنت تحتمل 
أنت الذي هو أنت الكلّ أجمعهم * لا كلّ لكن علينا ضاقت الحيل 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
أنا الوجود وكلّ الخلق أفعالي * والنفس إن لم أمتها فهي أفعى لي 
يا مكثر اللوم في تقبيح أعمالي * شيطان أرسلك الرحمن أعمى لي 

وقال أيضا : 
الفعل معدوم لا يظهر بلا فاعل * يكون عنه سعال كان من ساعل 
فالكلّ مجعول فإني خلقة الجاعل * نور الوجود به قنديلنا شاعل 

وقال رضي اللّه عنه أيضا : 
أقبل على الحقّ لا تقبل على الباطل * فالحقّ فاعل وغيره كلّه العاطل 
واللّه بالوعد موفي والسّوى ماطل * والغير ماحل وربّي غيثه الهاطل 

وقال رضي اللّه عنه : 
اللّه حقّ وأغياره عدم باطل * والفاعل اللّه ربّي والسّوى عاطل 
والحقّ يوفي وغيره بالوفا ماطل * والغير ماحل وربي غيثه هاطل 


وقال رضي اللّه عنه : 
قل لعبّاد الخيال * كم قيام في الخبال 
تعبدون اللّه معقو * لا عليه العقل وإلي 
وهو معقول بمعنى * خاطر فيكم ببال 
عندكم حصلتموه * ببراهين طوال 
هي في علم كلام * عمدة بين الرجال 
جادل الماضون فيه * مع أهل الاعتزال 
صنّفوه بخصام * في المعاني وجدال 
وخيالات فهوم * وتماثيل المثال 
وتصاوير وفكر * وبقيل وبقال 
وهو لولا فيه سمعياته محض ضلال 
أصله العقل ومعقو * لاته مثل العقال 

441
أيّها الأقوام كفّوا * عقلكم عن ربّ عالي 
ويحكم كم قد عبدتم * ولد العقل المزال 
وشهدتم أنّه اللّه بزور وتغالي 
ويحكم ما ولد العق * ل لربّ متعالي 
وهو لم يولد كما قا * ل بنصّ متلالي 
كيفما شئتم عرفتم * ربّكم مولى الموالي 
ويح إنسان يناجي * صورة ذات انفعال 
يعبد اللّه الذي في * عقله ولا يبالي 
وإذا قيل له ربّ * ك باد في الجبال 
وبأرض وسماء * ورياض وظلال 
وبناس وبجنّ * وبأملاك عجال 
وبأطيار ونمل * وبخيل وبغال 
وبكلّ الخلق في الأي * أم طرّا والليالي 
كلّ هذا فعل ربّ * قد تجلّى ذي جلال 
ظاهر بالفعل منه * وهو أنواع الفعال 
يتجلّى بالذي يب * دية في أهل ابتهال 
وهو في التنزيه عن مخ * لوقه في كلّ حال 
قال مع إنكاره ما * قلته يبغي جدالي 
يتعالى اللّه عمّا * قلته يا ابن الحلال 
كلّ هذا هو خلق * قلته لي باحتفال 
جلّ ربّي وتعالى * عنه مع كلّ مجال 
إنّما اللّه بعقلي * ظاهر وبخيالي 
وأنا أعرفه من * قبل أيام خوالي 
ما درى المسكين أنّ اللّه يجلى بالمجالي 
ظاهر في كلّ شيء * ليس يخفى بانعزال 
وهو حقّ وسواه * باطل لمعة آل 
قال إبراهيم قد وجّهت وجهي في سؤالي 
للذي فطر الأر * ض بأنواع الفعال 

442
وكذا أصحاب كهف * قولهم أقوى المقال 
ربّنا ربّ السموا * ت العلى السبع الثقال 
وكذاك الأنبيا والأو * ليا أهل الكمال 
كلّهم لم يعبدوا بال * عقل ربّا ذا اتصال 
إنّما هم عبدوا ربّ الدراري والهلال 
وله شمس الضّحى مخ * لوقة ذات انفعال 
خالق كلّ البرايا * عن يمين وشمال 
خالق الفوق مع التح * ت وما في ذاك صالي 
خالق القدّام والخل * ف وما في كلّ كالي 
والهوا خالقه كال * ترب والماء الزلال 
خالق النار وما تح * رقه بالإشتعال 
ظاهر في كلّ شيء * ليس شيء عنه خالي 
ثمّ عنه كلّ شيء * هالك فيه وبالي 
واقرأ القرآن وافهم * لا تكن عنه بقالي 
واترك العقل لأصحا * ب عذاب ونكال 
يفهمون الدين منه * بشباك وحبال 
ليس هذا دين ربّي * هو من قبح الخصال 
دينه الحقّ تعالى * ذو جمال وجلال 
وله الأحكام فينا * بحرام وحلال 
والذي يعرض عن أق * والنا بالاشتغال 
فهو مشغول بدنيا * ه بجاه أو بمال 
أو بعشق الهيف المر * د وربّات الحجال « 1 » 
فهو مفتون وممقو * ت ومحروم النوال 
ما له حظّ من اللّه ومن طيب الوصال 
إنّما الطرد له وال * بعد تعداد الرمال 
كلّ وقت ما تغنّى * طائر فوق التلال 
.................................................
( 1 ) الحجال : ( ج ) الحجلة : ساتر كالقبّة يتّخذ للعروس ، يزيّن بالثياب والستور والأسرّة . 

443
وقال رضي اللّه عنه : 
يحبّني وأنا المعدوم لم أزل * أحبّه وهو موجود من الأزل 
إنّا كلانا محبّ واحد وهما ال * مصوّران على أحوالنا الأول 
حقّ هو اللّه فرد دائم أبدا * وباطل أنا مع قولي ومع عملي 
يا أيّها الباطل المغرور تطمع أن * ترى وجودا بلا شبه ولا مثل 
وإنّما أنت رأي قد أضلّك في * بطلانه فاقتصر واعرض عن الجدل 
نعم ترى أنت نور الوجه منه بدا * يغشى الكوائن من سهل ومن جبل 
اللّه نور السماوات استمع خبرا * والأرض عن ربّنا في الذكر منه تلي 
وتبصر النور مرشوشا عليك كما * جاء الحديث به عن أشرف الرّسل 
فاجعل فناءك معراجا إليه ولا * تكن جبانا وكن كالفارس البطل 
هذا مقامك في دنيا وآخرة * واترك وجودك تقرب منه بل تصل 
إنّ الوجود بدا في كلّ كائنة * معدومة وهو في حقّ الجميع جلي 

وقال رضي اللّه عنه : 
الناس موصوفون بالأفعال * وبسائر الأقوال والأفعال 
من غير تأثير لهم في كلّ ما * يكون من ذلك باستئصال 
فإنّ معنى أنّهم قد أثّروا * أي أظهروا من عدم للحال 
واللّه وحده هو المظهر لا * سواه في الماضي والاستقبال 
فإن تكن نفوسهم قد ادّعت * إظهار فعل هم على الضلال 
لا يظهرون من جميع ما به * قد وصفوا فعلا من الأفعال 
في ظاهر أو باطن وإنّما * يظهره الخلّاق ذو الجلال 
وكلّهم خلق الإله ربّنا * مع كلّ الأفعال على التتالي 
* * * 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:41 pm

قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الميم 
قال رضي اللّه عنه : 
عن يمين الحيّ من إضم * سرب غزلان تبيح دمي 
يا لقومي من لواحظهم * أسرت في الحبّ كلّ كمي « 1 » 
والوجوه الغرّ طالعة * أوجدوا وجدي من العدم 
واستباحوا يوم جفوتهم * مهجتي شوقا لوصلهم 
واستهانوا بي وقد قهروا * ثمّ صالوا صول منتقم 
ليت لو جادوا ولو سمحوا * لي ولو بالطيف في الحلم 
أيّها العذال في شغفي * لومكم من أخبث الكلم 
لو شهدتم ما أشاهده * من حبيبي ذقتمو ألمي 
لكن الألباب زائغة * لا تعي والطرف عنه عمي 
قرّبوا منّا مسامعكم * علّكم أن تسمعوا حكمي 
واعلموا أنّي نصحت لكم * لو عقلتم ما يقول فمي 
غير أنّي في نصيحتكم * ناثر درّا على غنم 
كيف تصغي العاذلون لنا * وهم الأعدا من القدم 
كلّ مغرور بغير هدى * ربّه ناش من الوهم 
عابد من فكره صنما * هائم بالجهل في الصنم 
محض تشبيه عقيدته * في سوى التجسيم لم يهم 
جاهل بالطبع لذته * لذّة الثيران والنعم 
........................................
( 1 ) الكمي : الشجاع المقدام الجريء . 

445
وعلى تشبيهه حذر * خائف منّا عليه ظمي 
إن نقل تنزيه خالقنا * قال هذا زلّة القدم 
وإذا بالفتح فهت له * حلّ مني ساحة التهم 
يا بني قومي ومن ألفوا * نصرتي في كلّ مزدحم 
ذاكروني في مواجدكم * علّ أن يشفى بكم سقمي 
واسألوا برق الحمى كرما * عن لويلات بذي سلم 
هل له في عودهنّ لنا * إذ له التصريف في الحرم 
ليت أهل المنحنى عطفوا * لي وراعوا حرمة الذمم 
أغمضوا عنّا لواحظكم * قد مزجتم دمعتي بدمي 
واعلموا أنّي شغفت بكم * وأنا من جملة الخدم 
هائم صبّ كثير جوى * في الهوى لحم على وضم 
كلّ أحوالي بكم ظهرت * وغرامي غير منكتم 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ دين إن فاتك الإسلام * فمحال لأنه أوهام 
إنّ من في الوجود طوعا وكرها * دينهم كلّهم هو الإسلام 
ظهر الحيّ والعوالم موتى * وبدا النور والجميع ظلام 
وفنون التجليات علينا * كثرت والعيون عنها نيام 
وسرت نسمة الحمى فأسرت * أهل ذاك العهد القديم فهاموا 
يا إشارات من أحبّ رويدا * منك في القلب صبوة وغرام 
رحت منها سكران لا القوم قوم * في عيوني ولا الخيام خيام 
سلمت حين أسلمت خطراتي * وعليها من السلام سلام 
والذي في قلوبنا أوثان * والذي في عيوننا أصنام 
ووراء الجميع محض وجود * هم على وجهه الجميل قتام 
وهو مشهودنا وشاهدنا في * شأننا حيث يقظة ومنام 
وأتمّ الأمور أنّك ثوب * بك تختال غادة وغلام 
وله منك كيف ما شاء حال * وله منك كيف شئت مقام 
وفؤاد المحبّ إن هام وجدا * في المعاني فإنّه لا يلام 
ولقد جاء بالجميع ركون * وانقياد إليه واستسلام 

446
وقال رضي اللّه عنه : 
قضي الأمر وجفّ القلم * وبدت نار الحمى والعلم 
ونزلنا غرب وادي سلم * واحتوانا ضالهم والسلم 
يا رعى اللّه قبابا بقبا * عادها عادت ورامت إرم 
وسقى ثمّ لويلات بها * لم يضمني في هواها إضم 
أيّها النازل في كاظمة * لي لسان فيك حيّ وفم 
بثّ للجيرة عنّي شغفا * لم يزل بين الحشا يضطرم 
وتنصّت للغواني سحرا * ربّما هاجك ذاك النغم 
واستمع صوت حمامات اللوى * عندما تأتي عليها الظلم 
هذه النشأة فيها عبر * للورى عنها تضيق الكلم 
وثياب الكون شفّت فشفت * مهجة للبعد فيها ألم 
صوت دفّ الجسم عالي وبه * نفخ ناي الروح لا ينكتم 
وشجانا رقص بانات النقى * حين غنّتها الصّبا والديم 
حيث كاسات الهوى دائرة * ويلي كلّ وجود عدم 
ونسيم الأمر فينا عابق * وأزاهير الرّبا تبتسم 
والحمى طلق وأصحاب الحمى * لم يزالوا فيه والقوم هم 
والذي قد كان لا زال على * ما به كان وتلك النعم 
غير أنّ القلب لا قلب له * وذوو الأفكار صموا وعموا 
لو أزيلت عن عيون حجب * وتنحّى عن قلوب وهم 
لرأوا الجهل الذي حفّ بهم * وعلت منهم إليه همم 
وبدا الكلّ غرورا عندهم * ولودّوا أنّهم ما علموا 
لكن الوسواس قد آيسهم * أنّ منهم ليس تحيى الرمم « 1 » 
فتراهم وطنوا أنفسهم * أنّ منهم ليس يرقى القدم 
قد بذلت النصح يا قوم لكم * حسب جهدي فانجلى المنبهم 
وشرحت الدين شرحا واضحا * بلسان ما اعتراه بكم 
وزجرت العيس منكم للسرى * فهمو أهل المعاني فهموا 
.................................................
( 1 ) الرمم : ( ج ) الرّمّة : القطعة البالية من الحبل . 

447
نفع اللّه بما فهت به * وبما أسفر عنه القلم 
وبخير ختم الأمر لنا * إنّنا للدين نحن الخدم 
ولأهل الأرض طرّا ولمن * بالتّقى تحفظ منه الذمم 
وصلاة اللّه منّي دائما * مع سلام منه لا ينصرم 
لنبيّ اللّه طه المصطفى * ما توالى من إلهي كرم 

وقال رضي اللّه عنه : 
حوت تعاظم فالتقم * لهب التولّع والسقم 
لولا أكون مسبّحا * في بطنه كان انتقم 
حتى إذا تمّت كتا * بة لوح صدري والرقم 
ألقى بساحل أمره * كلّي وعرّفني اللقم 
فلمحت يونس حكمة * زالت بها عنّي النقم 

وقال رضي اللّه عنه : 
عالم الدّنيا كفجر كاذب * إن تبدّى يعقب الضوء ظلام 
ونهار الحشر فجر صادق * ليس فيه إن تحقّقت كلام 
وطلوع الشمس في أفلاكها * أن ترى ربّك في دار السلام 
فهي أطوار ثلاث جمعت * دائما فيك على هذا النظام 
فاعتبرها منك بالجسم وبالنّف * س والروح تجدها والسلام 

وقال رضي اللّه عنه : 
هوى قد أذاب الروح والنفس والجسما * فلم يبق عينا للمشوق ولا رسما 
وبعض اصطبار أنفقته يد النوى * وقد حسمت داء التسلي لنا حسما 
سلونا على سلمى نفوسا نفيسة * وأسما لنا لم نبق ذاتا ولا اسما 
هي الكنز والجسم الكثيف جدارها * إذا جهل الداعي بها يمتلي علما 
وما القرب إلا البعد عنها لأنّها * على الضدّ منّا حيث كنّا بها وهما 
هي العقل بل وهي المعاني جميعها * هي الحسّ والمحسوس إن خصّ أو عمّا 
فإن رمت أن تدنو إليها فكن بها * بعيدا ودع إن رمت فهما لها فهما 
وقف عندها واترك وقوفك تاركا * لتركك تكشف عن هلال بها تمّا 
وإياك والإقبال بالنفس نحوها * وإياك والإعراض عنها بها زعما 

448
وصلها بما منها ومل نحو حانها * بميل تراه جاء من نحوها حتما 
وكن ناظرا آثارها بعيونها * وإلا فعن آثارها لم تزل أعمى 
ولا تسمع الأصوات إلّا بسمعها * فإنّك إن تسمع بها تسمع الصمّا 
وناديها في الناس واستمع النّدا * تجبك رجال نحوها ألفوا الهما 
وحوّل لها عن وجه ذاتك حجبها * ترى الشمس تهدي من سنا عقلك النجما 
ولا تحتفل بالكلّ إن ضلّ أو غوى * فما فائز إلا بما خصّه سهما 

وقال رضي اللّه عنه موشح : 
هوى أفنى الوجود فزال رسم * ولا روح ولا وأبيك جسم 
وشخص في المحبّة ما له اسم * وهذا من جنون العشق قسم 
" دور " 
بما بجفون عينك من فتور * وما بالخدّ من نار ونور « 1 » 
دع الهجران واسمح بالحضور * وهذا من جنون العشق قسم 
" دور " 
قوامك إن مشى يحكي العوالي * وأنت على ملاح الكون والي 
أما ترثي أما ترثي لحالي * وهذا من جنون العشق قسم 
" دور " 
محبّ قد أمات النفس قتلا * ولم يقبل بمن يهواه عدلا 
وشدّ على خناق الجسم حبلا * وهذا من جنون العشق قسم 
" دور " 
له كبد من الأشواق ذابت * وفطنته غراما فيك غابت 
ونفس بعد ذلك منه خابت * وهذا من جنون العشق قسم 
" دور " 
شهيد الحبّ تقتله العيون * وقد منّت عليه بها المنون 
وغير قضاء ربّي لا يكون * وهذا من جنون العشق قسم 
" دور " 
.................................................
( 1 ) الفتور : مدة هدوء أو سكون وانقطاع عن الجدّ . 

449
إذا اجتمع المحبّ مع الحبيب * فقد وصل البعيد إلى القريب 
وجاء الموت بالعجب العجيب * وهذا من جنون العشق قسم 

وقال رضي اللّه عنه دو بيت : 
سلّم إن جئت أرض وادي سلم * واقصد قوما على يمين العلم 
واشرح وجدي لهم عسى أن يرثوا * أنّي فيهم مزجت دمعي بدمي 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
غب عن وجودك ترى في وسط قلبك رسم 
به حبيبك قسم لك من شهوده قسم 
واخرج عن الفكر واحسم داء فكرك حسم 
واعلم بأنّ التفكّر من بقايا الرسم 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
بقاب قوسين قم يا صاح وارمي سهم * إن كنت مقدام في حرب الأعادي شهم 
وافهم معاني حروف الخلق أقوى فهم * وارفع قناع الحجى واخرق حجاب الوهم 
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
أمّي جميع المقل يا مقلتي أمّي * في رؤية الحبّ من قاري ومن أمّي 
ولا تؤمي السّوى والغير بل أمّي * أبي الذي تعرفي من قبل أو أمّي 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ عين الوجود ليس تنام * فتأمّل ما تظهر الأيام 
وفم الكائنات ينطق لكن * نحن قوم أسماعنا الأفهام 
ولنا في معارج القرب حال * ولنا في ذرى الكمال مقام 
والمعالي والفخر والمجد فينا * والمزايا والعزّ والاحتشام 
وبنا تعرف المعارف حتى * يستبين الضيا ويخفى الظلام 
والرجال الرجال منّا وعنّا * يحفظ النثر في الهدى والنظام 
وإلينا مراتب الفضل تعزى * في البرايا وينسب الإكرام 
كلّ علم نفيده ذاك علم * وكلام نقول ذاك الكلام 
والذي عندنا يقين وحقّ * والذي عند غيرنا أوهام 

450
وعلينا من المهيمن عين * من رعته فإنّه لا يضام 
وكفى المنكرين حرمانهم عن * وردنا العذب حيث زاد الأوام 
وبهم حيرة وفرط اندهاش * إن رأونا وقد علاهم قتام « 1 » 
هذه حالهم ونحن على ما * نحن فيه لا نرعوي والسلام 

وقال رضي اللّه عنه : 
حقّ بدا في صورة الموهوم * لمّا تسمّى فيه بالقيّوم 
وتتابعت أوصافه وترادفت * أسماؤه في أنفس وجسوم 
وتبيّنت أفعاله فتعاكست * أحكامها في أمره المحكوم 
نحن الكواكب في سماوات الهدى * نرمي شياطين العدى برجوم 
صور شربناها حلاوة كوثر * والجاهلون تعبّ من زقوم « 2 » 
قرأوا الوجود وساوسا وزخارفا * وشكوك أوهام وقبح فهوم 
ولقد قرأناه صحائف نشرت * بالحقّ بين معارف وعلوم 
ظلّ ظليل للذين به اهتدوا * وعلى الذين جفوه من يحموم « 3 » 
ضاءت سماوات القلوب بشمسنا * وعلى الورى كانت طلوع نجوم 
والآن نوبته انقضت بظهورنا * وخصوصنا مستجمع لعموم 
أزل له ما قبلنا ولنا به * أبد وليس الفرق غير رسوم 
نحن الذين يضيء نور علومنا * بين الورى في غيبة المعصوم 
اللّه أكبر ما أعزّ مقامنا * وأجلّ وافر حظّنا المقسوم 

وقال رضي اللّه عنه : 
على رغم أنف الحاسدين مقامي * وما الكلّ إلا خادمي وغلامي 
أنا النور أبدو في الزيادة كلّما * تقابلني منها العدى بظلام 
وأمسيت طودا في البريّة شامخا * وأصبحت بحرا في الحقيقة طامي 
وعندي علوم لو وجدت لها وعا * لأفرغتها فيه بحسن كلامي 
....................................................
( 1 ) القتام : الغبار ، أو الأسود عنه . 
( 2 ) الكوثر : الخير العظيم أو نهر في الجنة . الزّقوم : شجرة بجهنم أو طعام أهل النار ، والزقّوم من أخبث الشجر المرّ بتهامة . 
( 3 ) اليحموم : الشديد الحرارة . 

451
ولكن صدور الكون ضاقت فلم تجد * مساغا لقولي فانثنت بملام 
أبى الفرد إلا أن أكون بعلمه * أنا الفرد حقّا والخواص عوامي 
وما زلت يقظانا لسرّ فهمته * وأهل زماني عند أسر منام 
أكلت لبوب الاهتدا وتركتهم * على قشرها غرثى البطون ظوامي « 1 » 

وقال رضي اللّه عنهم مخمّسا : 
فؤادي قد أضرّ به الغرام 
وجسمي قد تناهبه السقام 
فيا من قد سهرت بهم وناموا 
لغير جمالكم نظري حرام * وغير كلامكم عندي كلام 
سمعت من العواذل كلّ لوم 
وكنت عن السّوى في حال صوم 
سعدنا أن رأيناكم بنوم 
وعمر النسر معكم بعض يوم * وساعة غيركم عام فعام 
جرى منكم لموعدنا مطال 
فليت بكم يكون لنا وصال 
وكم هجر أراه وكم دلال 
وصبري عنكمو شيء محال * وما لي قاتل إلا الفطام 
لشمس جمالكم سترت غيومي 
فأوصافي بها أنا في غموم 
ويا من قد أنيط بهم علومي 
إذا عاينتكم زالت همومي * وإن غبتم دنا مني الحمام 
تذكّر كم أهاج بنا رسيسا « 2 » 
وأسكرنا فأشبه خندريسا « 3 » 
وهل ألقى سواكم لي أنيسا 
.......................................
( 1 ) غرث غرثا : جاع . 
( 2 ) الرّسيس : يقال : ( به رسيس الحمى ) ؛ أي : أول مسّها ، أو أثرها . 
( 3 ) الخندريس : الخمر القديمة . 

452
أودّ بأن أكون لكم جليسا * وينصب لي بربعكمو خيام 
على ليل الجفا منّوا بفجر 
وكفّوا بالعطا عن فرط حجر 
وإن رمتم بأن تحظوا بأجر 
فداووا بالوصال مريض هجر * يهيم بكم إذا جنّ الظلام 
هنا صبّ متى وافى نسيم 
يهيج به لكم وجد مقيم 
ومشتاق له صبر عديم 
حديث غرامه فيكم قديم * وملبسه من الحبّ السقام 
لنوع من محبّتكم وفصل 
رمينا من لواحظكم بنصل 
عسى ولعلّ منكم بعض وصل 
فأنتم للوجود أجلّ أصل * إذا شئتم تحصّل لي المرام 
بكم علم السّوى قد صار جهلا 
ولست أرى لكم في الكون أهلا 
متى منكم يذوق الصبّ نهلا 
بكم صعب الأمور يعود سهلا * فبالإحسان جودوا يا كرام 
شربت شرابكم طفلا وكهلا 
وعاينت الهوى صعبا وسهلا 
فمهلا يا كرام الحيّ مهلا 
وليس سواكمو للجود أهلا * فكيف نزيل ساحتكم يضام 

وقال رضي اللّه عنه : 
أتعبتني بقر الشام * وهي في نقض وإبرام 
واعنائي كم أعلّمهم * ثمّ ألقى جهلهم نامي 
زبلهم في الماء صيّرهم * شربه من غير أفهام 
لم يرقوا بالمواعظ إذ * ماؤهم من حجر هامي 
كلّهم لا يعرفون سوى * قبح أفعال وآثام 
بطنهم والفرج أهلكهم * مثل ثيران وأنعام 

453
فتراهم لا عقول لهم * إنّما هم أسر أوهام 
عصبة البهتان ضلّوا ولم * يختشوا زلّات أقدام 
فيّ قد زادت وساوسهم * وابتلوا في داء برسام « 1 » 
فلذا هم يخلطون بنا * فرط تحقير بإكرام 
بعضهم للبعض متبع * حذو أقدام بأقدام 
حاولوا بالاستهانة أن * يخفضوا مرفوع أعلامي 
وأرادوا في تعنتهم * أن يذلّوا قدري السامي 
ويهينوني ويحتقروا * علم تحقيقي وإلهامي 
ولقد خاضوا ولم يخفوا * غرقا في بحري الطامي 
والإله الحقّ مطّلع * بأموري خير علّام 
قادر في الحال يأخذهم * بي على قهر وإرغام 
ما أنا من جنسهم وبنو * آدم هم مثل أصنام 
فكأني بينهم وأنا ال * عربي من نسل أعجام 
ينكروني كلّما جهلوا * فيزيد اللّه إنعامي 
وأنا من خبث عصبتهم * بين عذال ولوّام 
مولدي فيهم ولا عجب * جوهر في صدف كأمي 
لست منهم لانفرادي في ال * بيت عنهم منذ أعوام 
قسوة فيهم وفرط جفا * لم يخف مرميهم رامي 
وابتلوا بالبغي من حسد * مثل أمراض وأسقام 
قد أتى في مسند ابن عدي « 2 » * خبر عن جلّ أقوام 
قال خير الخلق سيّدنا * الجفا والبغي في الشام « 3 » 
................................................
( 1 ) البرسام : ذات الجنب ، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة . 
( 2 ) هو عبد اللّه بن عدي بن عبد اللّه بن محمد بن مبارك بن القطان الجرجاني ( 277 - 365 ه - 890 - 976 م ) أبو أحمد ، علّامة بالحديث ورجاله . أخذ عن أكثر من ألف شيخ ، كان يعرف في بلده بابن القطان ، واشتهر بين علماء الحديث بابن عديّ ، له « الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين من الرواة » و « علل الحديث » و « أسماء الصحابة » وغير ذلك . كان ضعيفا في العربية ، قد يلحن ، وهو من الأئمة الثقات في الحديث . الأعلام 4 / 103 ، وتذكرة النوادر ص 94 ، والفهرس التمهيدي ص 419 ، وطبقات السبكي 2 / 233 . 
( 3 ) في البيت إشارة إلى الحديث الشريف : « الجفاء والبغي في الشام » . أخرجه المتقي الهندي في ( كنز - 

454 
وقال رضي اللّه عنه : 
علم عظيم النفع للعالم * جلّ عن المفهوم والفاهم 
وكيف لا ينكر وهو الذي * يجهله إبليس في آدم 
حتى أبى عن أن يرى ساجدا * لربّه من قوّة الواهم 
والتبس الأمر عليه ولم * يقدر على التمييز في العالم 
كم عدم أخفى وجودا وكم * من زائل غطّى على دائم 
يا ويحه والنهر في داره * من حائر صادي الحشى حائم 
وكلّ ذا من قسوة عنده * وحسد في نفسه قائم 
لم يسلم الأمر إلى ربه * ولم يشاهد حكمة الحاكم 
وعاند الخالق في خلقه * معترضا سيف القضا القاسم 
فاحذره واحذر أن تحاكي له * ترجع بحال الخاسر القاصم 
يا أيّها الإنسان قم وانتبه * من لي بهذا الغافل النائم 
ويحك قد أشقى إله الورى * إبليس من أجلك يا آدمي 
فكن سعيدا أنت وأسبق إلى * نيل العلى واعرض عن اللائم 
وكتب محيي الدين طالع لها * بخاطر عن غيرها صائم 
معتقدا في حقّها قاطعا * بأنّها دين أبي القاسم 
ولا تكن في ذاك مستعملا * علوم رسم للبنا هادم 
فإنّ محيي الدين شمس الهدى * وهو الإمام العارف الحاتمي 
عليه رضوان من اللّه ما * تنعّم المرحوم بالراحم 

وقال رضي اللّه عنه : 
في كلّ جنس من الأجناس معلوم * لا بدّ من خادم فيهم ومخدوم 
وثالث هو بالإفساد بينهما * يسعى بعقل من الخيرات معدوم 
وكلّ طائفة تخشى أفاضلهم * تبذو أراذلهم بالقبح والشوم 
فكم رأيت أناسا لا خلاق لهم * وظالما ظاهرا في زيّ مظلوم 
وكم بليت بأقوام سواسية * في حكم أمر بعين الحسّ موهوم 
..................................................
- العمال 35159 ) ، وابن عساكر في ( تهذيب تاريخ دمشق 1 / 75 ) ، والعجلوني في ( كشف الخفاء 1 / 393 ) ، وابن عراق في تنزيه الشريعة ( 2 / 57 ) . 

455
وكم عرفت بربّي مشكلا قصرت * عنه العقول عقول العرب والروم 
وليس من يأكل الأكوان عذب جنى * كمثل آكلها أشجار زقوم 
كلّ امرئ عقله ميزان حالته * فليس صوت هزار الدوح كالبوم 
كلامنا الحقّ لا تخفى فوائده * إلّا على منكر للحقّ محروم 
به نخاطب أهل الاتفاق على * سرّ عظيم من الأسرار مكتوم 
هم المراد به لا غيرهم أبدا * بالقول في كلّ منطوق ومفهوم 
من العلوم وسلوى الغير أهلهما * في الشكل من عصبة القثاء والثوم « 1 » 
أبو هريرة حيث الاختلاف رأى * في الحقّ ما بين ممدوح ومذموم « 2 » 
لو قال ما عنده من علم خالقه * عن النبيّ دهاه قطع بلعوم 
ومثله شعر زين العابدين أتى * يا ربّ جوهر علم قول منظوم 
فلتترك القاصرون الخوض في كلمي * هم أهل عقل من الأغيار مكلوم 
ونحن قلنا عن السرّ المصون وعن * نطق الوجود وأمر منه معلوم 
لا عن خيال ولا فكر وشاهده * كنت اللسان له في قرب قيّوم 

وقال رضي اللّه عنه : 
يعلم الحقّ نفسه بالذي قد * علم العبد نفسه عندما همّ 
وبه الحقّ يعلم العبد والعب * د به صار يعلم الحقّ فافهم 
نسب أربع وهنّ لشيء * واحد أين من لها يتفهم 
وبها كلّ نسبة ظهرت في * كلّ عقل أيّان أنجد أتهم 
وهي ذات لديك وهي ذوات * فتحقّق بها ولا تتوهم 
..............................................
( 1 ) القثّاء : نبات عشبي حولي ، ذو ساق زاحفة زراعي من فصيلة القرعيّات ، وثماره تشبه الخيار ، لكنها أطول . الواحدة قثّاءة . الثّوم : نبات من الفصيلة الزنبقية ، دقيق العرق والسّاعد ، يسمو إلى ذراع ، وتتولّد له في الأرض فصوص كثيرة متلاصقة ، وهو شديد الحرافة ، قويّ الرائحة ، وأوراقه طويلة جوفاء وأزهاره بيض ، يزرع لفصوصه التي تستعمل في الطّهو والطب . 
( 2 ) أبو هريرة : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، الملقب بأبي هريرة ( 21 ق . ه - 59 هـ 602 - 679 م ) صحابي كان أكثر الصحابة حفظا للحديث ورواية له . 
نشأ يتيما ضعيفا في الجاهلية ، وقدم المدينة ورسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) بخيبر ، فأسلم سنة 7 هـ ولزم صحبة النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) ، فروى عنه 5374 حديثا وولي إمرة المدينة مدة . ولمّا صارت الخلافة إلى عمر استعمله على البحرين ثم عزله . توفي بالمدينة . الأعلام 3 / 308 ، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 270 ، وحلية الأولياء 1 / 376 ، وصفة الصفوة 1 / 285 . 

456
أربع مثل ما دللتك فاسلك * منهج الصدق إنّما اللّه ألهم 
واشرب الغيب بالشهادة مزجا * وكل الكلّ من إنائك وانهم 
واستمع أيّها الجهول كلامي * إنّ عندي لداء جهلك مرهم 
هي أنت الذي له وحدة الذا * ت وبالوصف كثرة فتفهم 
وهي عين علت وعزّت وجلّت * عن سواها فأمرها عنك مبهم 
ألبست غيرها على كلّ عقل * وهي لا غيرها وذو اللبّ يفهم 
ورأينا شؤونها ولكلّ * وجهة حيثما تفاض وتلهم 
عبد ذات وعبد وصف وعبد ال * وهم والفهم ثمّ عبد الدرهم 
واعتبر أوهن البيوت لبيت ال * عنكبوت الذي لعقلك أوهم 
هذه لمحة من العلم بالذا * ت لها أوضح التجلّي وأبهم 
سكنت ديرها الأكابر منّا * وانجلى كاسها على كلّ ملهم 
فاعتقل رمحها الطويل إليها * واقتحمها واركب من الليل أدهم « 1 » 
طف بها كعبة وقبّل سناها * حجرا والتزم بها كلّ أشهم 
واستهمها حظّا ودع كلّ حظّ * فلها الحقّ كلّ شيء أسهم 
إنّها ما همو الجميع عليه * وتغنّى الهزار والليث همهم 

وقال رضي اللّه عنه موشح عروض ما عادتي أني أعير وأستعير : 
قلبي بنى فيه الهوى بيت الجمال * حجّوا يا عشاق 
من كلّ الآفاق 
حولي طوفوا * وارموا جمري في الوادي 
وادي الأماني * وحجّكم قام 
" دور " 
يا طلعة الوجه المنير بالكمال * إنّني مشتاق 
وافر الأشواق 
لي لم يوفوا * من لقياهم ميعادي 
أهل المعاني * قلبي بهم هام 
" دور " 
فاكشف بنور الحقّ أستار الخيال * وافتح الأغلاق 
واقرأ الأوراق 
ذا المعروف * واسمع رنّات الحادي 
فالوصل داني * وطابت الشام 
" دور " 
...........................................
( 1 ) الأدهم : من الخيل والإبل وغيرها : الأسود . 

457
واستجلي هذا الكأس في جنح الليال * إنّ خمري راق 
زائد الإشراق 
فالمخطوف * قلبي هذاك الصادي 
لما يعاني * بحر الهوى الطّام 
" دور "   : عيني التي قد شاهدت وجه الحبيب * مكشوف الأستار 
شعاع الأنوار 
حتى صارت * تعطي للغير الأسرار 
يوم التلاقي * من فرط إنعام 
" دور "  :  وكوشف القلب بذا العلم الغريب * زادت الأطوار 
حارت الأفكار 
لمّا طارت * عنّا أطيار الأغيار 
والقلب راقي * في أوج إسلام 
" دور "  : ثمّ الصلاة والسلام من قريب * للهادي المختار 
العالي المقدار 
من قد سارت * لمّا ناداها الأشجار 
وهو الواقي * بجوده العام 
" دور " : ما طاب من عبد الغني الصدر الرحيب * في نظم الأشعار 
بالمدح المعطار 
أو قد دارت * أفلاك وقت الأسحار 
وطاب ساقي * بطيب إنعام 

وقال رضي اللّه عنه : 
ظهرت يا نور والسّوى عدم * فأشرقت من ظهورك الظلم 
وبان سرّ الحدوث في صور * بها عليها تلبّس القدم 
وموج بحر الوجود مختلف * وهو الكتاب المبين والكلم 
لنا إلى الحقّ نسبة ظهرت * بها يكون النعيم والألم 
يا أمّة النور هذه رتب * تبدو بها الذات ثمّ تنكتم 
نحن وأنتم وأنتما وهما * وهنّ وهو الجميع قل وهمو 
وليس إلّا الوجود صادرة * شؤونه عنه منه تنقسم 
وجه له باعتبارها ويد * كذاك عين وصورة وفم 
وكلّ ما جاءت النصوص به * والحكم منه اقتضاه والحكم 
قف عندها يا حجاب حضرتها * مدادها عنه أنت مرتسم 
وكن بها لا بغيرها ولها * لا لسواها يزول منبهم 
واعلم بأنّ الوجود ها هو ذا * وما سواه فإنّه عدم 
يكشف عن ذاته ويظهرها * له ويعطيك غيره الوهم 

458
وهو على نفسه به وله * يكتبنا فوق لوحه القلم 
وليس فيما مضى وما هو في * مستقبل غيره هم التهم 
اللّه اللّه يا موحّده * فإنّه محسن ومنتقم 
وكن له خائفا ومرتجيا * تمض البلايا وتقبل النعم 
ولا تجد غيره تجده به * فغيره الجهل منك واللمم 
من ذلّ للغير فهو عابده * وذلك الغير عنده صنم 

وقال رضي اللّه عنه : 
إن كنت نائم * فاللّه قائم 
أو كنت فاني * فالحقّ دائم 
حبيب قلبي * رفقا بهائم 
من فيك حاروا * فهم بهائم 
وكيف تخفى * على الملائم 
وفيك هامت * أولو العزائم 
ومنك زادت * لهم غنائم 
وفي الهوى أن * فقت كرائم 
وأنت روض * وهم نسائم 
وأنت غصن * وهم حمائم 
وأنت شمس * وهم غمائم 
بلا رؤوس * لهم عمائم 
وكلّ صبّ * لقاك رائم 
وكلّ طرف * عليك حائم 
وكلّ حبّ * له علائم 
ومنه لا تن * فع التمائم « 1 » 
والقلب ممّن * سواه صائم 
فليس يصغي * إلى اللوائم 
وفي بحار ال * غرام عائم 
......................................
( 1 ) التّمائم : ( ج ) التّميمة : العوذة ، وهي ما يعلّق في العنق لدفع العين . 

459
وبرق ذات ال * مليح شائم 
يمشي ولكن * بلا قوائم 
وجوده قد * محا الجرائم 
ولطفه للص * با يلائم 
وتارة يش * به السّمائم « 1 » 
والغير في أر * ضه نعائم 
وهو الرّبا وال * ورى سوائم « 2 » 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا أبيات عفيف الدين التلمساني : 
إنّني قد شفّني السقم 
ووجودي فيكمو عدم 
فالبقا يا سادتي لكمو 
أنتم المقصود لا العلم * وأهيل الحيّ قد علموا 
ليت دمعي حين أرسله 
ذكركم بالقرب أوصله 
وفؤادي شفّه الوله 
كيف أخفي والغرام له * شاهدان الدمع والسقم 
لم أزل باللّه في همم 
في وجود كنت أو عدم 
فإلى كم مقتضى ألمي 
يا أصيحابي بذي سلم * من أصيحابي وما السلم 
فنيت روحي بلا مهل 
مثل برق لاح في طلل 
يا أخلّائي بلا عذل 
أنا عني اليوم في شغل * فاذكروني إن نسيتكمو 
..........................................
( 1 ) السمائم ( ج ) السّموم : الريح الحارة . 
( 2 ) السوائم : ( ج ) السائمة : الإبل أو الماشية ترسل للرعي ولا تعلف . 

460
قد تساوى بالصّفا كدري 
وحبيبي غير مستتر 
فاشهدوا يا سادتي أثري 
وأشيعوا في الحمى خبري * وأذيعوا السرّ واكتتموا 
صرت في الأعتاب مرتميا 
وإلى الأحباب منتميا 
وإذا ما كنت مهتديا 
لا يراني الحبّ منثنيا * بعد ما لاحت لي الخيم 
عالم الدّنيا دجى ظلم 
نوره حقّ لمفتهم 
كم وجود لي وكم عدم 
كنت قبل اليوم في حلم * وتفضّى ذلك الحلم 
ما لأشواقي لكم سبب 
فالورى نائي ومقترب 
ساكن حالي ومضطرب 
فزماني كلّه طرب * دونه الأوتار والنغم 
شقّ روحي غيم جثّته 
وبدا في نور نشأته 
واختفى كوني بظلمته 
وحبيبي من لبهجته * أنا والأشواق نحتكم 
يا هنا قلبي ويا طربي 
وانعدامي ليس بالعجب 
لاح نوري واختفت حجبي 
كلّما وليت يقبل بي * وإذا قطّبت يبتسم 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا البيتين المنسوبين للشيخ أبي بكر العردودكي : 
فؤاد له في رتبة الحبّ ما نوى 
وبالقرب منّي بدلت ساعة النوى 
وصحب عليهم حاكم العقل قد حوى 

461
يقولون لي ضيّعت عمرك في الهوى * وما فاتني شيء إذا كنت ألقاكم 
أحباي إنّي المستهام المجرّد 
وأنتم كرام ما على يدكم يد 
وو اللّه ما لي في يميني تردّد 
لئن كان قوم بالزوايا تقيدوا * فإنّي أرى كلّ الوجود زواياكم 

وقال رضي اللّه عنه موشح عروض حويدى المطايا إلى سوحكم : 
شموس الجمال تزيل الظّلم * وتهدي إلى الحقّ أهل الهمم 
شخوص إليها عيون الأمم * وجود له صور من عدم 
" دور " 
بدا وجه سلمى وزال النقاب * وقد جئت منها إليها كتاب 
وقد لاح ذاك الجمال المهاب * لعيني وراحت ستور الوهم 
" دور " 
ألا يا حداة المطايا قفوا * لقلبي بذاك الحمى موقف 
وعشقي هو الخمر والقرقف * لأهل القلوب بحور الكرم 
" دور " 
هي الكلّ والكلّ عنها بدا * وقد حجبت عن عيون العدى 
وأهل الضلال وأهل الهدى * مظاهر أسرارها والحكم 
" دور " 
وأزكى الصلاة وأبهى السلام * على المصطفى خير كلّ الأنام 
به زاد عبد الغني في النظام * لطائف معنى تزيل الألم 
وقال رضي اللّه عنه : 
يا طالبا للحجر المكرّم * وراغبا في اسم الإله الأعظم 
وسائلا عن صنعة الإكسير كن * محقّقا لما أقول وافهم 
فإنّها ثلاثة مشهورة * عند الورى مثل الطراز المعلم 
حارت عقول الناس في إدراكها * كم عربيّ تائه وأعجمي 

462
وما اهتدوا منها إلى شيء ولا * فاز بها سوى الشجاع الضيغم « 1 » 
مشوا إليها في سوى طريقها * وحاولوها بالخيال المظلم 
يعرفها من نفسه كلّ امرئ * بحسن تقواه بلا تفهّم 
فالحجر المكرّم الذي متى * تجده تظفر بالمنى وتغنم 
أمر بسيط ما له تركب * جوهره صافي يرى كالعندم « 2 » 
ينبت بالتدريج في ترابه * شيئا فشيئا كنبات الكركم « 3 » 
تلقى على الأجزاء جزءا منه إن * أردت يقلبها إليه فاعلم 
ويستحيل الكلّ شمسا خالصا * أو قمرا به كماء أو دم 
فالشمس إن أوصلته لأصله * بالغسل والتخليص والتنعّم 
وإن تركت لبّه في قشره * فالقمر الأبيض بسّام الفم 
وركّب الإكسير إن أردت من * نون وميم مطلق وملجم 
وامزجهما معا بأيد منهما * ممدودة كدرجات السّلم 
والاسم في الرسم من الغيب بدا * مسلّطا عليك مثل الطلسم 
بالهاء والواو به هوية * في ملكوت واضح ومبهم 
واعرف حروفه التي أنت بها * مثلث الشكل إليها تنتمي 
حقّقه واحفظ لفظه وادع به * وأنت في كعبته والحرم 
تجده في الحال مجيبا بالذي * تريد من نصيبك المنقسم 
واستعمل الصدق له وسيلة * ولا تكن عنه بما رمت عمي 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا تأخذ الخلّاق يا قوم * في خلقه سنة ولا نوم 
فالروح تأخذها به سنة * والجسم نوم فيه مرغوم 
واللّه عن روح وعن جسد * قد جلّ لا يحكيه مفهوم 
ما في سماوات له وهي الأرواح قيدوم فقيدوم 
...........................................
( 1 ) الضّيغم : الأسد الواسع الشّدق ( ج ) ضياغم وضياغمة . 
( 2 ) العندم : جنس نباتات بريّة وزراعية يستخرج منها صباغات صفر للصوف والقطن . 
( 3 ) الكركم : نبت تسمّيه العرب الزعفران ، وقيل : هو نبت شبيه بالكمون يخلط بالأدوية . ( لسان العرب 12 / 517 مادة : كركم ) . 

463
وكذاك ما في الأرض وهي له * أعني الجسوم وذاك مرسوم 
وهو المميت لأنّه أبدا * حيّ على الأكوان قيّوم 
فإذا أمات أباننا وإذا * أحيا خفينا وهو معلوم 
في آية الكرسي لنا عبر * منه كتاب جاء مرقوم 
حقّ بحقّ فيه حقّقنا * وما سواه فهو موهوم 
به شرابي كوثر عذب * وشراب أهل الجهل زقوم 

وقال رضي اللّه عنه في كتابه إشارات القبول إلى حضرة الوصول : 
لم يفه يا ذا الوجود فم * بك لولا أنّني العدم 
فالتفت وانظر لأصلك لا * تفخر يلحق بك الندم 
إنّ ربّي عند قدرته * تستوي الأنوار والظلم 
وعطاياه بلا علل * وكذا الحرمان والنعم 
ما استحقّ المرء مرتبة * هو فيها أيّها الفهم 
ما اقتضت نفس عطيّتها * بل عطاياه لنا كرم 
ما اقتضى القبح القبيح ولا * يقتضي الحرمان منحرم 
بل بمحض الاختيار على * كلّ ذي رأس له قدم 
وجميعا أسر قبضته * منعم طورا ومنتقم 

وقال رضي اللّه عنه : 
تقول الأجانب عن علمنا * وعنّا مقالة واهي الفهوم 
لماذا ترون السماع الذي * بآلاته طارد للهموم 
فقلنا لهم ما رأى المصطفى * رأيناه فلينزجر من يلوم 
وقالوا تسبّح قلنا نعم * نسبّح عوّام بحر العلوم 
وأمّا الذي هو غرّ بها * فيغرق في بحرها لا يعوم 

وقال رضي اللّه عنه : 
ظهر الوجود من العدم * وبدا الحدوث من القدم 
وتفصّلت أسماء من * بالوجه أجمل والقدم 
وانهدّ ما بنت العقو * ل من المعاني وانهدم 
وتبدّل الشخص الذي * قد كان من لحم ودم 

464
وقد استحال جميعه * نورا فأوقع في الندم 
وتداخل المخدوم في * وصف المحاسن والخدم 
وتقاصر القصر المش * يّد وبار بئر وارتدم 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّي أنا المعنى القديم * إنّي أنا النبأ العظيم 
وأنا هو السرّ الخفيّ * وأنا الصراط المستقيم 
والحقّ بي هو عالم * وبنفسه فهو العليم 
والذات لا معنى لها * تلك الوجود هي القديم 
فإذا عرفت فإنّما * معنى لمعنى مستديم 
هو نزلة أخرى له * قمنا بها وهو المقيم 
ولقد رآه بها الذي * هو فضله فينا العميم 
يا جوهرا لا جوهر * لكنّه وصف كريم 
قامت به أعراضه * وبطيبه جاء النسيم 
حرنا فقلنا هكذا * والذات غيب يا فهيم 
غيب الغيوب تنزّهت * عمّا القلوب به تهيم 
إنّا إليك نشير لا ال * موجود نحن بل العديم 
والحقّ ليس عبارة * منّا له وهو النديم 
يدني ويقضي من يشا * وهو العذاب هو النعيم 
معناه نحن وإنّما * معناه يدركه الشميم 
وهو الكوائن كلّها * والكهف أيضا والرقيم « 1 » 
اللّه أكبر لا سوا * ه فإنّه العقد النظيم 
والسلك وهو وراء كلّ الكلّ غفار حليم 
وأنا السقيم وقدرتي * عجز ولا يشفى السقيم 
والكون مثلي هكذا * لكن رضيع أو فطيم 
.........................................
( 1 ) الرّقيم : قرية أصحاب الكهف أو جبلهم ، أو كلبهم ، أو الوادي ، أو الصخرة ، أو لوح رصاص نقش فيه نسبهم وأسماؤهم ودينهم ، أو الدّواة أو اللوح . 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:42 pm

قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وقال رضي اللّه عنه : 
قد هدينا بالخاطر المستقيم * لحديث عن الحبيب قديم 
ووجدنا معارفا وعلوما * كان فيها المزاج من تسنيم « 1 » 
فشممنا بها روائح غيب * وسكرنا بطيب ذاك الشميم 
كرياض زهورها فائحات * لذوي الشمّ مع هبوب النسيم 
ذات حقّ أرواحنا أخبرتنا * عن معاني أسمائه في الرقيم 
محسنات بأمره يقذف الخل * ق كقذف المداد صورة ميم 
وهو أمر محقّق وهو خلق * باطل متقن بصنع الحكيم 
ووجود صرف إذا ما تجلّى * صبغ الكلّ بالوجود العظيم 
ومراداته هي الكلّ جاءت * في تراتيبها كعقد نظيم 
صبغة لم تكن وبالوهم كانت * ما وجود يكون وصف العديم 
حاش للّه والبصائر زاغت * قبل زيغ الأبصار في التقديم 
والذي يشهد الحقيقة غيبا * بشهود عنها لها مستقيم 
لا بشوب من الحلول ولا مع * نى انحلال فيها ولا تجسيم 
ويرى الكلّ فانيا مضمحلّا * فهو عبد فان لحقّ مقيم 
أيّها النفس ها هو النور باد * فاكشفي عنه منك ثم استقيمي 
ودعي عنك ما سواه فمنه * ما سواه السراب للتوهيم 
ثمّ ناجيه فوق طور التداني * بتدليه إرث موسى الكليم 
واعلميه بعلمه لا بعلم * تدّعيه يكون بالتعليم 
في مقام محمديّ شريف * شارع للتحليل والتحريم 
فعليه السلام ما راق معنى * لمعنى فجاد بالتسليم 

وقال رضي اللّه عنه : 
عجبت من شيئين قد أجمعت * عليهما كلّ عقول الأنام 
فالأوّل المعدوم من كلّ شيء * أزال عنه اللّه وصف انعدام 
فصار موجودا وأضحى له * وصف وجود ظاهر للعوام 
فاعجب لموصوف هو المنتفي * ووصفه الثابت دون انبهام 
.......................................................
( 1 ) التّسنيم : ماء في الجنة . 

466
بمن ترى الوصف غدا قائما * تحقّقوا يا قوم هذا الكلام 
والآخر الحقّ الوجود الذي * قدّر كلّ الخلق بالانتظام 
كيف بمعدوماته قد غدا * متّصفا والعقل فيها إمام 
حتى بدا التنزيه عنها به * واحتاج هذا الأمر للاختصام 
وإنّما القهّار وهو الذي * أفعاله تجري بحكم المرام 
فيطلع العقل على ما يشا * من المعاني عن ضيا أو ظلام 
تصرّفا منه به كيفما * أراد لا عتب كما لا ملام 

وقال رضي اللّه عنه : 
ذو العلم قصر مشيّد ليس ينهدم * بئر معطلة ذو الجهل مرتدم 
والقرب من خالق الأكوان معرفة * بها قلوب ذويها فيه تأتدم « 1 » 
ما الزهد إلّا مقام السالكين إلى * قرب الإله لهم يعلو به قدم 
وكيف يمكن زهد لامرىء نظرت * عيناه أنّ جميع الكون منعدم 
لكنّه ثابت يعني فليس له * نفي بإثبات قول وصفه القدم 
وإنّما الكلّ بالحقّ المبين لهم * بانوا وبنيانهم لولاه منهدم 
فهو الوجود الذي لا غيره أبدا * وهم تقاديره المخدوم والخدم 
وواحد هو في ذات وفي صفة * ومطلق وقيود لحمهم ودم 
والواصلون إليه قائمون به * فهو الوجود لهم بالوهم ينعدم 
وليس شيء مع الحقّ المبين وهل * مع الوجود سواه والسّوى عدم 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا التعين والربّ المهيمن ما * به التعين طوبى للذي فهما 
هو الوجود القديم المحض جلّ ولم * أزل مقدّره والحادث العدما 
فرّقت بيني بتحقيق الوجود له * وبينه بعد درك الجمع بينهما 
والجاهل الغرّ لا يدري مقالتنا * فيه وإن كان محسوبا من العلما 
ومن عجائب أمري أنّني عدم * ولي وجود به قد صرت متّهما 
وهو الذي قبضتني هكذا يده * لها وقد بسطتني صنعة الحكما 
.....................................................
( 1 ) ائتدم فلان : أكل خبزه بالإدام . 

467
فحرت فيه وفي أمري فأرشدني * إليه يثبت لي في علمه قدما 
فها أنا اليوم مشغوف برؤيته * محقّقا ظاهرا في الكون منبهما 
هل من فتى يا بني قومي أفهّمه * فيكشف اللّه عنه هذه الغمما 
ويصبح القطب في سامي دوائره * وفي الحقائق يمسي المفرد العلما 
ما قلت ذلك من نفسي ولا جهلت * حقيقتي فادّعت ما قلته شمما 
وإنّما الغيب لي لاحت إشارته * لتسمع اللوح ما قالته والقلما 
لوح الوجود المسمّى روح نفخته * وعقله قلم كلّ الورى رقما 
مراتب هنّ للحقّ الوجود بدت * فيهنّ كان قديما واسمهنّ عما 

وقال رضي اللّه عنه : 
معرفتي مخلوقة وهي لا * تليق بالخالق ربّي القديم 
لأجل ذا في كلّ وقت بدت * في صورة يطرب منها النّديم 
إذا تأمّلنا تناويعها * في كلّ معوجّ وفي مستقيم 
وإنّها قاصرة كلّها * عن حضرة الغيب النزيه العظيم 
قلنا صواب كلّها قول من * يعتبر المخلوق ذاك العديم 
وإنّها استعداده قد بدا * منه لها يرجى قبول الكريم 
وباعتبار الحقّ قلنا خطا * جميعها والوصف فيها ذميم 
وإنّما الحقّ تعالى الذي * بنفسه دون سواه عليم 
فعلمنا بالحقّ منّا له * إسلامنا والقلب منّا سليم 
ونحن بالعلم الذي نفسه * تعلمه نعلمه يا فهيم 

وقال رضي اللّه عنه : 
عدم يحيط به الوجود وإنّما * عرف الوجود إذا الوجود تكلّما 
وهو الوجود وكلّنا عدم بنا * هو قد أحاط وقد أشار فأفهما 
صور بقرطاس تقصّ فإنّها * معدومة ولها الوجود توهّما 
أعني بذلك أنّها مقصوصة * في داخل القرطاس قصّا محكما 
قرطاسها الموجود لا هي وحده * وهو المحيط بها وعنها أبهما 
وله الظهور بها بوصف إحاطة * فانظر وليس لنا الظهور لتعلما 
وجميع هذا كلّه في لمحة * يبدو ويخفى منّة وتكرّما 

468
والأمر أمر اللّه يعني شأنه * هو كلّ يوم فيه لن يتصرّما 
والخلق خلق اللّه أيضا كلّهم * عدم إذا حقّقت أرض أو سما 
وإذا مشيت مع العقول ووهمها * كنت المؤخر والمحقّ مقدّما 
إذ ما سوى مولاك جاءك باطل * في النصّ فإني هالك كم ذا العمى 
فالمبطلون هم الذين تعلّقوا * بسوى الإله الحقّ من جهل نما 
والعارفون هم الذين قد اهتدوا * فاتبع طريقهمو وخذها سلّما 
واسلك بها في الشرع شرع محمد * تجد الذي وجدوا وتصبح مسلما 
صلّى عليه اللّه ما ذهب الدّجى * وأتى الصباح وما الهزار ترنّما 

وقال رضي اللّه عنه : 
تجلّت لنا ذات وفعل بدا واسم * فكانت وما كنّا وليس لنا وسم 
هنالك قامت بالوجود قيامة * بها حشرت أرواحنا واختفى الجسم 
مدام بها الأفراح دامت لأهلها * ومن لم يذقها كلّ أوقاته غمّ 
وقام بها الساقي وحيى فساقنا * إلى مورد منها لذيذ له الطعم 
إذا ما تراءت في الكؤوس بدا لها * شعاع له في كلّ ناحية نجم 
هي السرّ للأشياء والجهر دائما * على عدد الأنفاس والبدء والختم 
بها يهتدي الأعمى إليها ويسمع الأصمّ وتأتي ناطقين بها البكم 
ويأمن ذو خوف ويفرح ذو أسى * ويعتزّ ذو ذلّ ويبرا بها السقم 
ولو أنّهم صبّوا على البحر قطرة * لعاد بها عذبا ولو أنّه سمّ 
ولو ذكروا حول الحطيم صفاتها * لزال عن البيت العتيق بها الحطم 
ولو لم تكن أسماؤها قد تبيّنت * لما بان في الأكوان كيف ولا كمّ 
ولولا سنا كاساتها من ورا الورى * لما كان ذوق في الندامى ولا فهم 
ولو أنّ ميتا لقّنوه بلفظها * لقام سريعا نحوها شوقه ينمو 
ولولا بدت لم يشعر الأشعري بها * ولولا تخفّت ما تجهمها جهم 
ولولا معاني حسنها ظهرت على * ملاح الورى ما كان عشق ولا وهم 
ولو بيتيم الوالدين قد اعتنت * لعزّ وعنه زال من ذلّه اليتم 
جمال تجلّى في جلال وعكسه * فقوم لهم مدح وقوم لهم ذمّ 
وكلّ قلوب الناس لو لم تهم بها * لما طاب نثر في الكلام ولا نظم 
ولكنّهم هاموا ورقّت طباعهم * ولم يعلموا في أيّ واد بها همو 

469
لثام من الأشياء يحجب وجهها * حلا لعيون العاشقين به اللثم 
ألا حيّ يا صاح على سكرة بها * ودع عنك من هم دونها عندهم وهم 
وشقّق بها الأثواب عنك وكن بها * مجرّد عزم لا يقاس به عزم 
وبت في ثرى حاناتها متلفّفا * بأثواب ذلّ في هواها بها تسمو 
وكن عاجزا عنها تكن قادرا بها * فعدلك عنها منك نحو السّوى ظلم 
هي البيت بيت اللّه حجّت قلوبنا * إليها فلا ذنب علينا ولا جرم 
إذا نحن أحرمنا نلبي بذكرها * وفي علميها عندنا يكثر العلم 
وإن زمزم الحادي بها فهي زمزم * وعن مصّنا من ثديها ما لنا فطم 
نعمنا بها في لذة العيش والصّبا * وما ذاك إلّا أنّها أنعمت نعم 
هي الدهر في تقليب أيامه على * بنيه له حرب بهم وله سلم 
إذا ما شربناها خفينا بنورها * وعند طلوع الشمس ما للدّجى رسم 
بها للحواسّ الخمس منّا تمتع * فسمع ولمس ذوقنا بصر شمّ 
وللعقل أيضا لذة في جمالها * وسرّ بدا منها له وجب الكتم 
وقد سكرت حاناتها وكؤوسها * بها في تجلّيها وقد سكر الكرم 
ولو أنّ إنسانا صحا لرأى هنا * من السّكر قد هامت بها العرب والعجم 
ومن سكرهم منها يقولون غيرها * وهذا أب قالوا كما هذه أمّ 
وقالوا عيون في وجوه وأرجل * وأيد وقالوا أرؤس ودم لحم 
معان تبدّت في صفاء وجودها * فقوم لهم أجر وقوم لهم إثم 
وتلك نعوت قائمات بها لها * على الفرض والتقدير لا أنّه حتم 
إشاراتها اللاتي بوصف مشيئة * تسمّى بأشيا وهي هالكة عقم 
وما ثمّ توليد وليس مناسبا * لها ذاك بل وصف إليها له ضمّ 
تحقّق بما قلناه فيها مجانبا * سواه فما قلناه فيها هو الغنم 
وإياك والتوليد في جعلها السّوى * فذلك قذف منك في حقّها شتم 
وإن جهل الأقوام ذلك واختفى * عليهم فللتوحيد توليدهم هدم 
نصحتك فامسح عن بصيرتك العمى * بقولي وإلّا فالنصوص لك الخصم 
وهذا هو الحقّ الذي هو ظاهر * وبالغيب فيها ما عداه هو الرجم 
خذ الكأس منّي يا ابن ودّي فإنّه * رويّ بهذا فليكن عندك الخزم 
ومل طربا في النشأتين بشربه * فإنّ شرابي للضلال به هضم 

470
شراب طهور في كؤوس نظيفة * كريم به الساقي ومنه العطا الجمّ 
على رنّة الأسماء دام مدامنا * وإن نمّق الزور الوشاة وإن نموا 
وفي مقعد الصدق العزيز مناله * تجلّت لنا ذات وفعل بدا واسم 

وقال رضي اللّه عنه : 
العفو أليق لا جرم * خلف الوعيد من الكرم 
إنّ الكمال هو الذي * حبل الوجود به انبرم 
وعليه نكسب لا علي * نا كاسب هو ما انخرم 
لولا النصوص أتت بأخ * بار الوعيد المحترم 
قلنا لكم ما الكلّ إلّا النور يلمع في الحرم 
والنار نور أصلها * والكلّ حقّ ما انصرم 
والواو حين تحرّكت * قلبت لأمر لم يرم 
ألفا هي الذات انجلت * ذات العماد وقل إرم 
والمنتهى منه إلي * ه فلا شباب ولا هرم 
والغير ينفخ في الرما * د ونحن ننفخ في ضرم 
وكلامنا سمن وقو * ل الغير أجمعه ورم 

وقال رضي اللّه عنه : 
أشكو من اللّه إلى خلقه * إنّي إذا من أهل دار الجحيم 
وإنّما شكري له دائما * على توالي الفضل منه العظيم 
ألم يكن أوجد ما لم يكن * منّي بإيجاد جواد كريم 
وهو الدي يحفظني بالذي * يمدّني منه برزق مقيم 
وكيفما كنت أرى فضله * غامرني وهو الغفور الرحيم 

وقال رضي اللّه عنه في رحلته القدسية وقد سأله في بيت المقدس « 1 » الشيخ محمود السالمي عن هذا المواليا : 
لي حبّ لو اسم حيّر كلّ من لو اسم * في صنعة السحر والتنجيم والطلسم 
.........................................................
( 1 ) بيت المقدس : مدينة في فلسطين يقدسها اليهود والمسيحيون والمسلمون فيحجّون إليها من جميع الأقطار ، لليهود حائط المبكى ، وللمسيحيين كنيسة القيامة ، وللمسلمين المسجد الأقصى وقبّة الصخرة . ( الرسالة القشيرية ص 107 - 108 ) . 

471
خذ خمسة أحرف بلا نقطه وصوّر اسم * بميم أوّل وميم آخر تفك الاسم 
" فأجاب " 
حبي هو اللّه كم حيّر باسمه اسم * حروفه الخمس منها للأصابع قسم 
يد تعالت من اللامين لاح الجسم * محمد المصطفى عنها هو الطلسم 

وقال رضي اللّه عنه : 
إلى اللّه نرفع أمرا ألم * لنا منه في كلّ وقت ألم 
ونشكو إليه أمورا دهت * وقد خصّنا الحزن منها وعم 
ونلجأ في شأننا كلّه * إليه ليكفينا ما أهم 
ونطلب منه جميع الذي * نريد فيتحفنا بالنّعم 
وندعوه في كلّ أحوالنا * بقلب منيب إليه وفم 
عساه يفرّج كربا لنا * يضيق به الصدر منّا وغم 
عساه يعالجنا بالمنى * ويكشف خطبا دجا وأدلهم 
عساه يوفّقنا كلّنا * إلى أمره الندب والملتزم 
فإنّا جميعا عبيد له * وفي بابه قد وقفنا خدم 
وكم نعمة قد حبانا بها * وأعظمها خلقنا من عدم 
وكم رحمة منه وافت لنا * وكم نقمة قد تولّت وكم 
يكفّ أولي البغي عن قهرنا * ويدفع ظلم الذي قد ظلم 
وأكرمنا دون كلّ الورى * وعلّمنا علمه بالقلم 
وقد خلق الكلّ من أجلنا * ومن أجله الخلق منّا استتم 
ومع ذاك نكثر عصيانه * فيا ويح عبد له ما احترم 
ونذنب سرّا وجهرا ولا * نبالي بما فيه زلّ القدم 
نباديه بالسوء وهو الذي * لنا منعم محسن من قدم 
فيا مالك الملك يا ذا الجلا * ل يا صاحب الجود يا ذا الكرم 
ويا خالق الخلق يا من له * أياد علينا تفيض الحكم 
بحرمة طه نبيّ الهدى * ومن جاء بالنور يمحو الظّلم 
وإخوانه الأنبيا كلّهم * وبالتابعين لهم في الأمم 
تفضّل علينا بعفو ولا * تدعنا نهلك في المزدحم 
وسهّل لنا توبة نحتمي * بها في غد من لهيب الضرم 

472
ولا تحرق الجسم يا سيدي * بنيرانه فهو لحم ودم 
وكن راحما ذلّ أرواحنا * إذا ما أتيناك يوم الندم 
وهبنا جميعا لرحماك يا * رحيم وأجزل لنا في القسم 
وعنّا تجاوز وكن منعما * وداو من القلب هذا السقم 
وسامح ولا تخزنا في غد * فإنّك أولى حكيم حكم 
شرعت لنا الدين نمشي به * إليك على ذا الطريق الأمم 
وآياتك الواضحات اهتدى * لها في الورى كلّ ذوق وشم 
تسمّت بأشياء وهي التي * عليها لسان الجهول انبكم 
فيا فوز عبد تراءت له * إلى أن رآها لها فالتزم 
وأمسى وأصبح يسمو بها * وبالعزّ في فهمها والحشم 
فيا ظاهرا والسّوى باطن * ويا باطنا والسّوى مرتسم 
تجلّيت في كلّ شيء كما * أردت فداء الضلال انحسم 
وبصّرتنا بالتجلّي وفي * بصائرنا نورك المحض تم 
وحوّلت عنّا حجاب العمى * وأوضحت ما كان فينا انبهم 
وأنت المنزّه عن كلّ ما * يرام من الكون أو لم يرم 
وأنت المسبّح في ملكه * بقبح الصياح وحسن النغم 
وأنت الموحّد منّا ومن * جميع البرايا بحال أتم 
وشرك أولي الجهل دعوى فقط * كما يقتضي ذاك حلم الحكم 
بل الشرك والكفر قد وحّدا * لأنّهما نوع خلق هجم 
فما في الوجود سوى واحد * وأفعاله لا سوى ذاك ثم 
فلا تعرضوا عنه أنتم به * كما الفعل من فاعل ما انقسم 
وقوموا إلى باب إحسانه * لتحيوا بإقبال محيي الرّمم 
ولا تكسلوا أو تخافوا على * نفوسكمو منه فاللطف جم 
ولا تنفروا عنه فهو الذي * دعاكم إليه بأهل العصم 
فعين الجلال إليكم رنت * ووجه الجمال زها وابتسم 
وأنتم عباد كريم وما * ببخل إلهكمو متّهم 
فإنّ الذي هو ربّ لنا * قريب إلينا سناه وهم 
وجدنا به ومددنا به * وضمّ به شملنا وانتظم 

473
فلا تقنطوا منه والجؤوا إلى * حماه ولوذوا بهذا الحرم 
وإنّ عطاياه مبذولة * وقد فاز قاصدها واغتنم 
فسبحان من أعجز الكلّ عن * معاني الوصول إذا الكلّ هم 
وجلّ الذي أوقف العقل في * قصور وحيّر كلّ النسم 
فلا الفكر يعرفه لا ولا * له يدرك الفهم حيث اقتحم 
فسلّم إليه وكن طالبا * له باجتهاد وخلّ الوهم 
وإن شئت قم بعد هذا له * بنفسك سعيا وإن شئت نم 
وكن سائرا بشراع التّقى * إليه به إنّ جدواه يم 
فيا ربّنا كن معينا لنا * وساعد على ما دهى واصطلم 
ولا تترك القلب في حيرة * وجهل به البعد عنك انتقم 
وصلّ وسلّم على المصطفى * شفيع البريّة زاكي الشيم 
ومن قد أتى رحمة للورى * وعنّا به قد أزيلت نقم 
ورضوان ربّي عن آله * ذوي المجد والقدر فينا الأشم 
وأصحابه الغرّ أهل التّقى * كواكب فضل إليها يؤم 
وعن تابعيهم بخير وعن * مشايخنا القوم أهل الهمم 
وعن كلّ إخواننا دائما * بغير انتهاء وغير عدم 
مدى الدهر ما هبّ ريح وما * توالى على الروض صوب الديم 
وما قال يدعوه عبد الغني * إلى اللّه نرفع أمرا ألم 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ كأس التوحيد من يحتسيه * قاء منه معارفا وعلوما 
كن بصيرا ولا تلم أهل سكر * بشراب التّقى تصير الملوما 
شرب الغرب كأس شمس فقام ال * ليل سكران ثمّ قاء النّجوما 

وقال رضي اللّه عنه : 
ربّ موصول هو الناي الذي * طاب للسامع فيه النغم 
كاد من ينفخه ينفخ في * روحنا روحا ولا أحتشم 
حيث معلوم لنا نافحه * من ورا كلّ الورى منبهم 
يوصل القوت إلى الروح به * من طريق الأذن فالأذن فم 

474
وقال رضي اللّه عنه : 
طاب وقتي بلطيف مسمع * روح من يصغي إليه نغما 
والمغنّي والغنا آلته * توهب الأسرار من حلقهما 
فترى الروح به تنعش إذ * قوتها صارت له الأذن فما 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا سماعا كان من آلته * من به جاء وراق النغم 
وبه الأرواح تقتات وما * ثمّ غير الأذن للروح فم 

وقال رضي اللّه عنه : 
نزيد في الشكر له دائما * وكلّما زدناه زاد النعم 
مثل تجارة الكريم الذي * له شياه ولديه نعم 
فكلّما قلنا له زد لنا * قال : أيا من عاملوني نعم 

وقال رضي اللّه عنه : 
محمد الاسم حمد الرسم معلوم * وليس يحكيه منطوق ومفهوم 
لأنّه السرّ فالأسرار تعرفه * فكن به السرّ إنّ الجهر موهوم 
ميم الدوائر بالتحقيق معتبر * في كلّ شيء فمقروء ومرقوم 
والمدّ معناه في العرف الزيادة من * شيء يقال وما قد قيل محتوم 
حم في قلبه فهي الزيادة مع * حم حم سرّ السبع مكتوم 
حاء وميم إليها الدال منتسب * لأنّه سرّها يخفيه حلقوم 
حرف شريف له التحريف في بشر * قد اعتراهم على تحريفه شوم 

وقال رضي اللّه عنه لما وجد أبياتا بالتركية مدحا في الشيخ الأكبر قدّس اللّه سرّه فعرّبها : 
طيب محيي الدين مسك في الورى * فاح لكن كلّ أنف لا يشمّ 
وعلوم خرجت من فمه * كلّ فهم بهداها لا يلمّ 
قوسه أين الذي يرمي بها * غرض التحقيق يا قوم هلمّوا 


وقال رضي اللّه عنه : 
حوّلوا عنّي من الكون لثاما * وامنحوني من سنا الوجه التثاما 

475
يا أحبائي وبثّوا نوركم * في جميعي واكشفوا عنّي الظّلاما 
لمتى نفسي بكم نفسي كما * لم أزل لحما لديكم وعظاما 
فاجعلوني كيف ما كنت بكم * أوّل الأمر انمحاقا وانعداما 
حيث أنتم لا أنا لو كنت أو * لم أكن كوني بكم صار حراما 
يا جميل الوجه إحسانك لي * أن أرى وجهك بي بدرا تماما 
أنت حقّ وأنا الباطل لي * جولة والحقّ بالدولة قاما 
عن يمين الحيّ قوم نزلوا * يستظلّون من القلب خياما 
أبهموا الأمر على من أبهموا * ليتني أقدر أنفي الانبهاما 
كلّ من يعرفهم ينكر من * نفسه معهم وجودا وارتساما 
والذي يجهلهم ساء بهم * ظنّه فهو على دعواه داما 
خطفوا قلبي ولم أشعر فما * حيلتي إلا الجوى والاصطلاما 
ثمّ منّوا بتجلّيهم على * جملتي حالا وقالا ومقاما 
فأنا اليوم بهم أنظرهم * لا بنفسي وعليهم أترامى 
هذه محبوبة القلب بدت * تلبس الدهر لنا عاما فعاما 
جعلتني ذرى هودجها * فامتلى القلب لها مني احتراما « 1 » 
وتدانت فتدلّت وعلت * وعلت قدرا وجلّت أن تسامى 
فهي لا شيء سواها أبدا * وإن ازدادت خفاء واكتتاما 
وسواها هي في برقعها * حيث سمّته خواصا وعواما 
برقع الظلمة والنور لمن * كان مأموما ومن كان إماما 
وهو أمر كيفما شاءت به * تتبدّى يقظة لي ومناما 
أيّها الركب الذي ودّعنا * سائرا يقطع بيدا وإكاما « 2 » 
قف بسلع وروابي رامة * إنّ قلبي ذلك الجانب راما 
وعيوني نحوه شاخصة * تلمح البرق اعتناء واهتماما 
خذ إلى الحيّ سلامي فعسى * يبعث الحيّ إلى الميت سلاما 
وتقرّ العين بالعين وما * بيننا يرتفع البين دواما 
...............................................
( 1 ) الهودج : مقصورة من الخشب ذات قبّة توضع على ظهر الجمل تكون مركبا للنساء ( ج ) هوادج . 
( 2 ) الرّكب : الراكبون وهم العشرة فما فوقها . 

476
عظم الأمر على الأمر ولم * يكن الأمر لنا إلّا كلاما 
والذي ينزل أو يصعد ما * هو إلا النقع ثبت والقتاما 
ثبت السرّ الذي كان لها * وهي كالشمس سحابا وغماما 
فتراءتها عيون هي من * ذاتها وانقسمت منها انقساما 
صدق القول فما أقربها * وهي بالبعد لنا ترمي السّهاما 
عطفت سلمى على السالم من * غيرها الوهميّ إن كان استقاما 
لا تقل يا سعد هذا جبل * إن طغى الماء به نلت اعتصاما 
واصنع الفلك بتقواك ولا * تأمن الطوفان موجا والتطاما 
كان لي في وجه سلمى أثر * من سواد فأزالته ابتساما 
وتلاقينا على النور وقد * كشفت عنّي الجلابيب العظاما 
صارت النفس هي القلب هنا * حيث مازجت بها القوم الكراما 
واتحدنا واتخذنا سررا * نتكي سرّا عليها لن نضاما 
ودخلنا كلّنا جنّتنا * لا نرى ذلّا ولا نلقى انهضاما 
فانقلوا عنّي وعنهم خبرا * طيّبا يهدي به اللّه الأناما 
واذكروني عند من صلّى لها * يعرف الحال ومن بالصدق صاما 
نحن إخوان الصّفا نحن الأولى * نحفظ العهد كما نرعى الذّماما 
عين ذاك الواحد الغيب الذي * نحن كأس الراح فيه والنّدامى 
نجتلي منه جمالا ظاهرا * قد فنينا فيه وجدا وغراما 
لا تلمنا أيّها الغائب عن * عينه بالجفن دع هذا الملاما 
وارفع الجفن عن العين تجد * يقظة بات الورى عنها نياما 
حاجب يعلو على العين هنا * أسود يعطي اتفاقا واختصاما 
وهو حسن الوجه لا ينكره * غير أعمى عنه أو من يتعامى 
فانظروا وانتظروا الأمر الذي * هو أنتم وهو عنكم يتسامى 
حاصل الأمر جمال كلّه * ظاهر في الكون عفوا وانتقاما 

وقال رضي اللّه عنه : 
لقد أوقعت دعوى المحبّة في البلا * على حكم ما يرضى الهوى ويروم 
يجاذب روحي أمره فهي روحه * وتجذبها نفسي لها فتقوم 
فيا نفسي الأمّارة اتئدي هنا * إلى كم نزاع في الحياة يدوم 

477
وآخره موت المحبّ فإن يمت * فذلك محبوب لديه علوم 
تلوح نجوم الأفق في مائنا فإن * فني الماء يخفى والنجوم نجوم 
وليس هما شيئين يا نفس فافهمي * كلامي فكم حارت بذاك فهوم 
وضلّت بدعواها التي هي ماؤها * كما نحن قلنا والغبيّ ملوم 

وقال رضي اللّه عنه : 
ربّنا اللّه شارع الأحكام * محكم الخلق غاية الإحكام 
واحد ما له شريك ولا في * ملكه غيره عزيز المرام 
منعم بالوجود منه علينا * وبإمدادنا مدى الأيام 
كلّ طاعاتنا من اللّه إنعا * م ومنّا شكر على الإنعام 
جلّ ربي تبارك اللّه مولى * قد علا ذو الجلال والإكرام 
لم يزل مرشدا لنا ومبينا * لخفايا الأمور بين الأنام 
وله الفضل حيث أهدى إلينا * أحمد المصطفى الرسول التهامي 
النبيّ الذي محا الكفر عنّا * وحبانا بملّة الإسلام 
صلوات الإله منه عليه * وعليه منه أجلّ السلام 
أمد الدهر ما جلا بمديح * فيه عبد الغني رقيق النظام 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ شربي شرب الجمال الهيم * من كؤوس الجمال ذات القديم 
عدم ظاهر بنور وجود * في ظلام على الصراط القويم 
فارفقوا في سلامتي يا رفاقي * والطفوا بالملامتيّ العديم 
علم اللّه بي ولم أك شيئا * فأنا الآن طبق علم العليم 
يتجلّى بي تارة فيريني * وجهه الحقّ في أجلّ نعيم 
وله الاستتار بي تارة عن * نظري في كثائف التجسيم 
فأرى نفسي التي هي منه * حدثت قد حكت هبوب النسيم 
بين جمع وبين فرق شهود * واعتقاد حال كعقد نظيم 
هذه حالتي وهذا مقامي * كلّ حين بحسن أمر مقيم 
فانكروني أو فاتركوني وشأني * لا تخوضوا بي في عطاء الكريم 
أو بداعي الإلهام فاعتقدوني * لتنالوا ما نال كلّ حكيم 

478
وقال رضي اللّه عنه : 
هو الوارد القدسيّ كالسيل يحطم * فلا يستطيع القلب ذلك يكتم 
جرى في مجاري الروح من حضرة العلى * فصادفنا نهواه والقلب مغرم 
فنلقيه نظما تارة بكلامنا * ونلقيه نثرا عند من هو يفهم 
نفرّج عنّا ما نقاسي بوقعه * فصولته غلّابة والتحكّم 
له محونا طورا وطورا ثبوتنا * ونحن به في جنّة نتنعم 
ألا عم صباحا قول من قال قبلنا * له ومساء نحن قلنا نتمم 
وليس الذي قد قال من كلّ قائل * ومنّا سوى الغيب الذي يتكلم 
هو الظاهر المعروف في كلّ ظاهر * هو الباطن المجهول من ليس يعلم 
عرفناه لا أنا عرفناه مثل ما * عرفنا سواه والسّوى فيه يعدم 
وهيهات هيهات الوجود القديم لا * يشير به عرفاننا ويترجم 

وقال رضي اللّه عنه : 
ارفع يديك إلى السماء تضرّعا * للّه في كلّ الأمور لتغنما 
أو ما ترى البلسان مدّ يديه قد * رفع الكفوف البيض منه إلى السّما « 1 » 
وقال رضي اللّه عنه موشح : 
روّق الكاسات * يا ساقي المدام 
في هذا المقام 
واسق للسادات * في جنح الظلام 
خمر الاصطلام 
واخرق العادات * ما بين الكرام 
أهل الاحترام 
هات كاسي هات * لا تخش الملام 
أنت لي إمام 
"دور " 
هذه الأحوال * بغية القلوب 
لمحة الغيوب 
من إليها مال * هبّت الجنوب 
شقّت الجيوب 
فزت بالآمال * والفتى يذوب 
كلّما يتوب 
واغتنم ما فات * قبل الانخرام 
نلت ما يرام 
......................................
( 1 ) البلسان : شجر له زهر أبيض صغير بهيئة العناقيد ، وهو من الفصيلة البخورية ، ويستخرج من بعض أنواعه عطر . 

479
" دور " 
يا أخا الأشواق * هذه النفوس 
كلّها حبوس 
فالزم الإطلاق * وارفع الرؤوس 
تشهد العروس 
كأس خمري راق * أشرقت شموس 
من سنا الكؤوس 
إنّها حالات * تمنع المنام 
تكثر الهيام 
" دور " 
صلّ يا رحمن * للنبي الحبيب 
مؤنس الغريب 
بهجة الأكوان * ذكره يطيب 
للفتى اللبيب 
من يهنه هان * والغني يجيب 
عبده النجيب 
سائر الأوقات * ما شدا حمام 
هام والسلام 
وقال رضي اللّه عنه : 
نحن أهل العلوم بالإلهام * لا بفكر العقول والارتسام 
حيث إلهامنا تقيّد فينا * بمعاني شرائع الإسلام 
وإذا لم يقم عليه دليل * عندنا من حديث خير الأنام « 1 » 
أو كتاب اللّه القديم حكمنا * أنّه من وساوس الأوهام 
وتركنا قبوله وعدلنا * نحو إيماننا بصدق المقام 
واتكلنا على الإله تعالى * نطلب الفيض منه بالإنعام 
ولدينا الإلهام حيث تأتي * بشهود النصوص للأفهام 
فهو أمر محقّق ليس فيه * شبهة علم ربّنا العلّام 
نتلقاه بالقبول وإلا * فهو وسواس غفلة وتعامي 
ولنا بالكتاب باللّه فهم * خصّ فيه الخواص دون العوام 
وحديث النبيّ نفهم منه * كلّ معنى يحيّر العقل سامي 
إنّ هذا من منّة اللّه لا من * قوّة الحذق في بليغ الكلام 
حيث لا شيء نحن والحقّ حقّ * لا سواه والشيء في الإعدام 
ويمدّ الجميع منه بجود * ووجود هو الضّيا في الظلام 
..............................................
( 1 ) الأنام : ما ظهر على الأرض من جميع الخلق . 

480
وقال رضي اللّه عنه : 
ظهر الوجود من العدم * وبدا الحدوث من القدم 
وأتت تباشير الذي * خلق الورى لحما ودم 
والكلّ فان ما له * رأس يقوم ولا قدم 
هو ثابت ما شمّ را * ئحة الوجود ولا ندم 
ظنّ الوجود لنفسه * فبنى عليه فانهدم 

وقال رضي اللّه عنه : 
قد جاء ربّنا لنا * في ظلّ من الغمام 
وإن نشأ جئنا له * إن زال عنّا الانبهام 
والظلل التي أتى * بها ذواتنا الجسام 
تظلّنا من نوره * كيلا يكون الانعدام 
وهي بخار عدم * نشا من الأسما العظام 
عناصر أربعة * مثل الذي في ذا المقام 
مقام دنيانا التي * بربّها لها القيام 
وأصلها بأنّه * حيّ عليم لا يرام 
وهو مريد قادر * أركان إيجاد العوام 
أمّا الخواص فهو لا * وجود فيهم يستدام 
كالمثل المضروب في * عالمنا هذا المرام 
يقول عنه ربّنا * في منزل من الكلام 
معناه ضرب مثل * فاستمعوه يا كرام 
والمثل الأعلى له * في الأرض والسما يقام 
فحقّقوا يا إخوتي * ما قلته من النظام 
واستكشفوا بربّكم * عنه وذوقوا ذا الطعام 
فإنّه لبّ وقد * أزيل قشره الجهام 
فتوح وقت رائق * يجلو لكم كأس المدام 
فتعرفون ربّكم * من ذاتكم دون الأنام 
وتفرقون بينه * وبينكم طول الدوام 

481
وتعلمون أنّه * حقّ به الجميع هام 
وباطل أنتم كما * قال تعالى والسلام 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الوجود الواحد ال * موصوف فينا بالقدم 
هو ظاهر بصفاته * لي من شبابيك العدم 
عدم العوالم كلّها * في الأصل مبنى ما انهدم 
لا تنظرنّ لها وقل * ما في الوجود لها قدم 
وانظر إلى صرف الوجو * د فقط بلا لحم ودم 
فهو المنزّه عن سوا * ه ولا يحيق بك الندم 
واعلم بأنّك قد أمر * ت بما أمرت وما انصدم 
يقل انظروا يا قوم ما * ذا في السماوات احتدم 
ومن الموالي كن ولا * تكن المهان من الخدم 
ولنفسك اعرف واعترف * بالحقّ واترك من كدم 

وقال رضي اللّه عنه : 
دم طالبا تاركا دعوى الوصول فما * فاز امرؤ بلّ من دعوى الوصول فما 
رأيت قوما لهم دعوى الوصول إلى * مولى الموالي الذي قد عمّهم كرما 
وعنه قد رجعوا قصدا لأنفسهم * يدبّرون بها اللذات والألما 
وليس فيهم سوى دعوى الوصول وقد * عاشوا بها في غرور زائد وعمى 
واللّه ما وصلوا للّه إن رجعوا * وكيف يرجع من في الحضرة انعدما 
وبعد ما انعدم انزاحت حقيقته * إلى حقيقة غيب عنه فانكتما 
وكان ما كان ممّا لا أفوه به * نور لقد أعدم الأنوار والظّلما 
فهو الوجود الحقيقي والسّوى عدم * صرف أحاط به الربّ الذي علما 
وبالذي هو في العلم القديم لقد * تكلّم الحقّ حتى أظهر الكلما 
والأمر كن فيكون الخلق أجمعهم * في كلّ طرفة عين بارقا دهما 
دع الدعاوى وقم في الباب منكسرا * لعلّ يقبلك البوّاب إن رحما 
ولا تزاحم على نيل المنى أحدا * واعلم بأنّ قضاء اللّه قد لزما 
والكلّ منه وما منه سواه فدع * عنك الجهالة واترك ذلك الوهما 

482
وقال رضي اللّه عنه موشح : 
أرسل اللّه إلينا * بالكرامات العظام 
أحمد المختار طه * سيّد الرّسل الكرام 
فتهنّوا يا رفاقي * نلتمو كلّ المرام 
بالذي قد جاءكم يد * عو إلى دار السلام 
قالت أقمار الدياجي * قل لأرباب الغرام 
كلّ من يعشق محمد * ينبغي أن لا ينام 
" دور " 
يا حبيب اللّه يا من * نوره يملا الوجود 
والذي من كفّه قد * فاض فينا بحر جود 
أنت سرّ اللّه حقّا * جئت من خير الجدود 
لنجاة الخلق ممّا * ضرّهم تهدي الأنام 
قالت أقمار الدّياجي * قل لأرباب الغرام 
كلّ من يعشق محمد * ينبغي أن لا ينام 
" دور " 
سارت الركبان ليلا * قصدهم أرض الحجاز 
والمطايا تترامى * باضطراب واهتزاز 
كلّما الحادي دعاهم * للسّرى من جدّ فاز 
والهوى في القلب يرمي * كلّ وقت بالسهام 
قالت أقمار الدياجي * قل لأرباب الغرام 
كلّ من يعشق محمد * ينبغي أن لا ينام 
" دور " 
هذه آرام رامه * ناظرات بالعيون 
يا لقومي كلّ من ها * م بها يلقى المنون 
سيّما والنور يبدو * هتك السرّ المصون 
قد عدمنا العقل لمّا * ظهرت تلك الخيام 
قالت أقمار الدياجي * قل لأرباب الغرام 
كلّ من يعشق محمد * ينبغي أن لا ينام 

483
" دور " 
وصلاة اللّه ربّي * مع سلام لا يزال 
لنبيّ اللّه من حا * ز جمالا وجلال 
والذي عبد الغني ير * جو به نيل الكمال 
وبآل وبصحب * يرتجي حسن الختام 
قالت أقمار الدياجي * قل لأرباب الغرام 
كلّ من يعشق محمد * ينبغي أن لا ينام 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
إنّ سلمى لها جميع التمنّي 
من جميع الورى وكلّ التعني 
ويح أهل الملام منها ومني 
حجبوها يوم الرياح لأنّي * قلت للريح بلّغيها السّلاما 
طلق النوم مقلة الصبّ بتّا 
حيث صار المنام لا يتأتّى 
جعلوا جمعنا على القرب شتّى 
ثمّ لم يقنعوا بذلك حتّى * منعوها يوم الرياح الكلاما 
في هواها عدمت كمي وكيفي 
ومحت صولة الهوى تأليفي 
وتقاوت على الذليل الضعيف 
فتأوّهت ثمّ قلت لطيفي * آه لو زرت طيفها إلماما 
يا خيالا منها أتى وتولّى 
لم أزل منه بالجوى أتقلّى 
ليته كان لي معينا وهلّا 
خصّها بالسلام عنّي وإلّا * منعوها لشقوتي أن تناما 

وقال رضي اللّه عنه : 
في امتزاج الوجود بالعدم * واختلاط الحدوث بالقدم 
حكمة جلّ من يشاهدها * كامتزاج الضياء بالظّلم


484
وقياس الوجود حيث بدا * ليس يبقى سواه فافتهم 
وكذاك الحدوث يذهب إن * قدم بان ظاهر الهمم 
وكذاك الضياء يمحق ما * كان من ظلمة لمنبهم 
لكن الظاهر الوجود سرى * سرّ أسمائه بمنعدم 
فهو معنى امتزاجه وكذا * قدم مع حدوث منكتم 
وضياء مع الظلام على * حكم أسمائه فلم يقم 
إنّه لا امتزاج بينهما * خالق الخلق بارئ النسم 
أوّل وهو آخر لحجي * ظاهر وهو باطن لعمي 
أيّها السائر المجدّ إذا * جئت سلعا فسل عن الحرم 
خذ يمينا بنا إلى وطن * فيه كنّا وقف على العلم 
وتأمّل ربوع كاظمة * بين تلك الطلول والخيم 
إنّ لي سادة هناك أرى * نورهم مشرقا بذي سلم 
كلّما قلت ليت لي خيرا * عندهم مشرقا بذي سلم 
كلّما قلت ليت لي خيرا * عندهم قيل أنت في العدم 
وإذا قلت لو رويت بهم * قيل لي : من بهم يهيم ظمي 
غير أنّي بهم ظهرت لهم * ظلمة خولطت بنورهم 
تنتفي تارة وتثبت ما * بقيت كالخيال في الحلم 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
قوموا بنا نعشق الساقي لنا يا قوم * خمر التجلّي الذي منه غلا في السوم 
ما حبّكم للسّوى إلّا خيال النوم * والحبّ في اللّه ثابت ليس يفنى دوم 
وقال رضي اللّه عنه مادحا للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بلغة حمير من أهل اليمن الذين ينطقون بلام التعريف ميما وجاء بلغتهم قول النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مخاطبا لهم « ليس من امبرّ امصيام في امسفر » « 1 » : 
............................................
( 1 ) الحديث « ليس من البر الصيام في السفر » . أخرجه أبو داود في ( السنن الصيام ب 43 ) ، والنسائي في ( السنن 4 / 176 ، 177 ) ، وابن ماجة في ( السنن 1664 ، 1665 ) ، والترمذي في ( السنن 710 ) ، وأحمد بن حنبل في ( المسند 3 / 319 ، 5 / 434 ) ، والبيهقي في ( السنن الكبرى 4 / 242 ، 243 ) ، والدارمي في ( السنن 2 / 9 ) ، والحاكم في ( المستدرك 1 / 433 ) ، وابن عبد البر في ( التمهيد 4 / 303 ، 9 / 65 ) ، والطبراني في ( المعجم الكبير 11 / 187 ، 12 / 374 ، 379 ، 446 ، 19 / 171 ، 172 ، 173 ، 174 ، 175 ) ، وابن أبي شيبة في ( المصنف 3 / 14 ) ، والحميدي في ( المسند - 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:44 pm

قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي


طلع امبدر في دياجي امظلام * فأنار امقلوب بامإسلام 
كامل امخلق في امخليقة إنّي * في امهوى عنده أسير امغرام 
هذه بهجة امجمال الإلهي * لاح في امصورة التي في امأنام 
نتفدّاه في امشهود لدينا * بجميع امأرواح وامأجسام 
سيد امرسل جاء بامحقّ حتّى * أبصر امخلق بعد طول امتعامي 
أفلج امثغر أكحل امعين منه * في امبريات نور بدر امتمام 
أذهب امكفر بامهداية فينا * وبه امنور لاح بعد امظلام 
وعليه امصلاة في كلّ وقت * من عبيد امغني له بامسلام 
وعلى امآل وامصحاب جميعا * ما تغنّى امهزار بامأنغام 
أو سرى امبرق من نواحي حماه * أو زها امزهر وهو في امأكمام 

وقال رضي اللّه عنه : 

تب إلى اللّه من علوم الكلام * وتطهّر وادخل إلى الإسلام 
سلّم الدين للكلام الذي قد * أنزل اللّه فهو خير كلام 
هو قرآننا المبين فآمن * بالذي جاء فيه باستسلام 
واطلب الفهم من إلهك فيه * فعليه البيان للأفهام 
واعرف السّنّة التي ثبتت عن * سيّد المرسلين خير الأنام 
وتأمّل ما قال ربّك فيها * تجد الحقّ والصواب النامي 
وإذا لم تفهم فكن مؤمنا لا * مستريبا بعقلك المستهام 
واجعل الصّبر منك زادا إلى أن * يفتح اللّه فيه بالإنعام 
............................................
- 864 ) ، والهيثمي في ( موارد الظمآن 912 ) . وفي ( مجمع الزوائد 3 / 161 ) ، وعبد الرزاق في ( المصنف 4467 ، 4469 ، 4470 ) ، وابن حجر في ( فتح الباري 4 / 184 ) ، والمنذري في ( الترغيب والترهيب 2 / 134 ) ، والساعاتي في ( بدائع المنن 705 ) ، والشافعي في ( المسند 157 ) ، وابن حجر في ( تلخيص الحبير 2 / 50 ، 204 ) ، والسيوطي في ( الدر المنثور 1 / 191 ) ، والمتقي الهندي في ( كنز العمال 23843 ، 23845 ، 23856 ) ، وابن كثير في ( التفسير 311 ) ، والطبري في ( التفسير 2 / 91 ) ، وأبو نعيم في ( حلية الأولياء 3 / 202 ، 7 / 159 ) ، والبخاري في ( التاريخ الكبير 1 / 190 ، 269 ) ، والعقيلي في ( الضعفاء 3 / 318 ، 4 / 388 ) ، وابن عدي في ( الكامل في الضعفاء 1 / 340 ، 4 / 1505 ، 5 / 1725 ، 1849 ، 6 / 2177 ) ، وابن أبي حاتم الرازي ( 726 ، 774 ) ، وأبو نعيم في ( تاريخ أصفهان 1 / 187 ) . 

486
وإذا لم يفتح فحسبك منه * أنّك المؤمن الجليل المقام 
واحترز من آراء أهل عقول * تبعوا ما يقول أهل التعامي 
إنّ علم الكلام محض كلام * في بيان الأعراض والأجسام 
هو جرح للدين ما فيه أمر * ظاهر للعيان غير الأسامي 
نظر العقل فوقه نظر الشر * ع وفيه انخرام ذاك النظام 
أين نور الإيمان من نور عقل * ناظر بالخيال في الأحكام 
إنّ أهل الإيمان في نور غيب * وذوو العقل كلّهم في ظلام 
تتراءى العقول شيئا بعيدا * لاح بين الإيجاد والإعدام 
بدليل يستنبطون هداه * وهو وهم إلى الردى مترامي 
فإذا جاءهم دليل نفاه * ورمته الفهوم في الإيهام 
بخلاف الإيمان بالغيب قطعا * فهو يهدي إلى الهدى بالتمام 
قلّد اللّه يا ابن قومي وقلّد * رسل اللّه أصدق الأقوام 
إن تكن مؤمنا بربّك أسلم * لعلوم المهيمن العلّام 
لا تظنّ الدليل يهدي إليه * أو يرى موقظا عيون النيام 
هو للعقل سلم للمعاني * تترقى به إلى الأسقام 
كن بإيمانك المقلّد واقنع * فيه باللّه والنبيّ التهامي 
لا تفارق تقليد شرعك محضا * خالصا عن شوائب الانبهام 
كيف تدري العقول معرفة اللّه وإدراكها على أقسام 
عقلك الخلق عابد منك خلقا * لك يبديه فتنة للعوام 
لمتى أنت هكذا في غرور * ها هو الموت مسرع الإقدام 
فتحفّظ من حكم عقلك فيما * لست تدري من الأمور العظام 
لا تخض بالعقول في ذاك واقعد * مؤمنا مذعنا لنيل المرام 
ربّما النور نور إيمان غيب * يكشف الخلق فيك بالإلهام 
فترى ما ورا العقول وتدري * ما الذي كنت عنه أسر المنام 
هذه وهذه شريعة طه * خاتم الأنبياء خير ختام 
صلوات من الإله عليه * كلّ وقت مقرونة بسلام 
ما سرت نسمة ومالت غصون * تتثنّى على غناء الحمام 


487
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
هذا الحبيب الذي بالقهر غيّرهم * وبالعمل بخلاف الشرع عيّرهم 
حكم عليهم وبالأعمال خيّرهم * والكلّ فانون حتّى فيه حيّرهم 

وقال رضي اللّه عنه : 

بنى الكلّ ثمّ لهم قد هدم * وجود له صور من عدم 
تجلّى فلا شيء غير الذي * أحاط به علمه من قدم 
وذاك تقاديره الفانيات * فمنها ملوك ومنها خدم 
أحاطته حسبوها لهم * وجودا وهم أسر لحم ودم 
فلو عرفوا ما بهم من فنا * لفازوا وكان ثبوت القدم 
ولكنّهم جهلوا أنفسا * لهم فانيات فحلّ الندم 
وبالموت يدرون أحوالهم * ويدرون ما قد بنوه انهدم 
وينكشف الأمر إنّ الذي * بنوه الوجود لهم وانعدم 
وعادوا كما ابتدئوا أوّلا * مع اللّه لا شيء هم وانختم 

وقال رضي اللّه عنه : 
إمامنا هو الإمام الأعظم * أبو حنيفة الفتى المقدّم « 1 » 
نمشي به في حضرة ظاهرة * نحن بها لغيرنا المعلّم 
وشيخنا الشيخ الهمام الأكبر * في باطن الأمر الذي لا يفهم 
فاصبر علينا لنريك ما نرى * وانظر إلى النور بدا يا مظلم 
هذا صراط اللّه مثل شعرة * دقيقة وأنت غرّ أبلم « 2 » 
يديرك الوسواس كيفما جرى * عدل من اللّه وأنت تظلم 
نحن الذين عقلنا من تحتنا * وعلمنا من الإله نعلم 
.............................................
( 1 ) أبو حنيفة : هو النعمان بن ثابت ( 80 - 150 هـ - 699 - 767 م ) التيمي بالولاء ، الكوفي ، إمام الحنفية الفقيه المجتهد المحقق ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السّنّة . ولد ونشأ بالكوفة وكان يبيع الخزّ ويطلب العلم في صباه ، ثم انقطع للتدريس والإفتاء ، وأراده عمر بن هبيرة على القضاء فامتنع ورعا كذلك أراده المنصور العباسي على القضاء ببغداد فأبى فحبسه إلى أن مات . له « مسند » في الحديث ، و « المخارج » في الفقه وغير ذلك . الأعلام 8 / 36 ، وتاريخ بغداد 13 / 323 - 423 ، والنجوم الزاهرة 2 / 12 ، والبداية والنهاية 10 / 107 . 
( 2 ) رجل أبلم : أي غليظ الشفتين . 

488
وأنت عقلك الذي عشت به * فوقك مسدول عليك مغرم 
والعقل نور اللّه لكن هو في * ظلمة طبع فيك منك يحكم 
بمقتضى ما قدّر اللّه به * عليك فاتق الإله تسلم 
وكن بشرع اللّه عاملا ولا * تعرض عن الشرع ودع ما يحرم 
أنا الذي أدعو إلى الشرع كما * أدعو إلى حقيقة الشرع اعلموا 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلمات حروفها الأجسام * والمعاني أرواحهنّ القيام 
صادرات عن الإله تعالى * يتبدّى بها الضّيا والظلام 
وهو اللّه لا سواه أتانا * بل أتاه منه إليه الكلام 
أين أنتم يا غافلون فأنتم * أحرف قاذقاتها الأقلام 
لا معاني لها حروف هجاء * يترجّى تعليمهنّ الغلام 
فتنتكم ظواهر الكون حتّى * غاب عنكم معناه وهو المرام 
فاستقيموا بربّكم في هداه * ذلك الحقّ تعرفوا والسلام 

وقال رضي اللّه عنه : 
أحرف في سكونها الإعدام * ولها في وجوده إدغام 
في وجود الحقّ الذي لا سواه * فعليه به ومنه السلام 
إنّ إدغام أحرف الكون فيه * لسكون بها هو الإنعام 
فإذا ما تحرّكت فكّ عنها * فاستقلّت وفاتها الإدغام 
ولهذا يقول ربّي له ما * سكن الليل والنهار دوام 
فهي لولا السكون ما كان إدغا * م لها فيه أو عليها قيام 
أحرف الكائنات عن نفس الحقّ اختلاف لها به وانقسام 
فإذا ما تركّبت كلمات * هي تتلى وجمعهنّ كلام 
قوله الحقّ فاستمع يا ابن ودّي * والسّوى باطل هو الأوهام 
جلّ ربّ به البريّة قاموا * لا بعلم والعالمون استقاموا 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
وجودكم تتمنوا أنّه دائم * لكم تحبونه كلّ به هائم 
وكلّ واحد مقدّر في العدم حائم * لم يدر أنّ وجوده ربّه القائم 

489
وقال رضي اللّه عنه : 
عيسى ابن مريم روحي * لقتل دجّال جسمي 
فإن يمت بي قتيلا * أكن أنا الروح باسمي 
والجسم من قبل ميت * لكنّه حيّ رسم 
كذلك الروح ميت * والحيّ حظّي وقسمي 
يا حقّ يا حيّ إنّي * ظهرت عنك بوسمي 
فاحسم عن الغير قلبي * بالعين أبلغ حسم 
الكنز أنت وكلّ * عليك شكل طلسم 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا الوجود كما أني أنا العدم * على الصراط وما زلّت بي القدم 
أكون طورا وجودا إن ظهرت به * وتارة عدما يخفى وينكتم 
والغيب غيب على ما كان في أزل * ولا سواه ولا شيء سواه هم 
هذاه ما هو هذا ما هو استمعوا * والعرب والعجم لا عرب ولا عجم 
والكلّ فان كما قال الإله لنا * والكلّ ليس بفان هذه نعم 
قل اعملوا قال ربّي ثمّ قال لهم * لا يقدرون على شيء وإن زعموا 
فحقّق الأمر والخلق اللذين هما * للّه وافهم هي الأنوار والظّلم 
واقرأ كتابك ما جاء النبيّ به * إليك وهو كتاب اللّه يا فهم 
واعلم بأنّ لك الشرع القويم هدى * لا زيغ فيه وإن زاغت به أمم 
واترك هدى العقل لا تحفل بعقلته * واتبع هدى اللّه فهو الحاكم الحكم 
واسأل من اللّه فتحا في شريعته * في نصّ قرآنه تبدو لك الحكم 
فعلمنا كلّه ضدّان ما اجتمعا * على خلاف الذي في العقل منبهم 
ضدّان ضدّان أمر اللّه أجمعه * حكم قديم به أهل النّهى حكموا 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا حادي الركب سر بي * نحو المقام المعظم 
وانشد هنالك قلبي * بين الحطيم وزمزم 

490
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
موجود معدوم لا موجود لا معدوم * عبد كثير الخطا في حضرة القيّوم 
عالم غدا ما له علم ولا معلوم * لا فعل بل فعله الممدوح والمذموم 

وقال قدّس اللّه سرّه : 
أهل المحبّة في السرور الدائم * لا يحزنون ولا بلوم اللّائم « 1 » 
هم هكذا في هذه الدّنيا كما * هم هكذا في يوم يقظة نائم 
لهم الملاح مظاهر الغيب الذي * هو ظاهر بجمال وجه دائم 
يتنعمون به هنا وهناك لا * يخفى عليهم بالمليح القائم 
أرواحهم كالشمس في أفق السّما * وجسومهم شفافة كغمائم 
هم أهل كشف يفرحون بربّهم * في كلّ صورة أهيف متلائم 
لهم الجمال محقّق بمحاسن * تبدو الملاح بها كزهر كمائم 
ولغيرهم معنى الجلال مظاهر ال * شهوات تعشقها نفوس بهائم 
في هذه الدّنيا بذاك تنعّموا * وكذاك في الأخرى كطير حائم 
نفس لهم لا روح تعلمهم بمن * هو نافخ فيهم لنيل غنائم 
لا يعرفون الحظّ غير بطونهم * وفروجهم شوقا بكلّ ملائم 
ولذاك قال اللّه فيها كلّ ما * هم يشتهون يحثّهم بعزائم 
أهل الحجاب لهم نعيم جسومهم * وعذابهم إن قابلوا بجرائم 
ونعيم أهل الكشف رؤية طلعة ال * محبوب بالوجه الجميل الدائم 
هو حظّهم في النشأتين من الذي * عشقوه بالقلب الطهور الصائم 
إذ لا نعيم سوى نعيم شهوده * يوم اللقا بلطائف وكرائم 
هو ظاهر لعيونهم وقلوبهم * بمباسم لعس ولين قوائم « 2 » 
من كلّ وضّاح الجبين كأنّه * بدر التمام محوّط بتمائم « 3 » 
....................................................
( 1 ) المحبة : قال القشيري : المحبة حالة شريفة ، شهد الحق سبحانه بها للعبد ، وأخبر عن محبته للعبد فالحق سبحانه يوصف بأنه يحب العبد ، والعبد يوصف بأنه يحب الحق سبحانه . ( للتوسع انظر حديث القشيري عن المحبة برسالته ص 317 - 329 ) . 
( 2 ) اللّعس : سواد مستحسن في باطن الشفة أو سواد في حمرة . 
( 3 ) الوضّاح : الأبيض اللون الحسنة ، أو الحسن الوجه البسّام . 

491
يختال كالغصن الرطيب بقامة * لقلوبهم فيها غناء حمائم 
كالبرق يلمع عن وجود حقيقة * نفحاتها فاحت بطيب نسائم 

وقال رضي اللّه عنه : 
قالوا غدا نأتي ديار الحمى * ديار من هم أهل سلمى همو 
فينظر القلب إليهم بهم * وينزل الركب بمغناهمو 
وكلّ من كان مطيعا لهم * وكان مشغوفا بذكراهمو 
فإنّه إن جاءهم خائفا * أصبح مسرورا بلقياهمو 
قلت فلي ذنب فما حيلتي * أخشى بأن يطردني عنهمو 
عندي الحيا منهم ولي خجلة * بأيّ وجه أتلقاهمو 
قالوا أليس العفو من شأنهم * وكم نجا عبد رجا منهمو 
والصفح من أخلاقهم دائما * لا سيّما ممّن ترجّاهمو 

وقال رضي اللّه عنه : 
نظرت إلى وجه الذي الكلّ هالك * سوى وجهه والوجه ما هو مبهم 
فظنّوا بأنّي ناظر في وجوههم * عيون لهم عمّا أشاهده عموا 
أأترك وجها بالمحاسن مشرقا * وأنظر وجها حشوه القيح والدم 
وعن رؤيتي تمتاز رؤيتهم إذا * أتى الموت وهو اللازم المتحتم 
ومن يفتري يوما علينا بظنّه * بنا السوء ذاك الظنّ منه المحرّم 
ويجزيه عنّا ربّه سوء حالة * هنا وله يوم الحساب جهنّم 
ولا زال مطرودا عن اللّه دائما * ويمنع عمّا نحن فيه ويحرم 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ هذا الأحد الديموم * وهو بسم اللّه لي محزوم 
هكذا اللّه وجود واحد * خالص محض ولا مفهوم 
وجميع الخلق أفعال له * وهي شيء كلّه معدوم 
واعرفوه كلّ شيء هالك * جاء إلّا وجهه المعلوم 
وهو في أفعاله أجمعها * ظاهر حيّ هو القيّوم 
فافهموا يا قوم ما قلت لكم * فسوى قولي هو الموهوم 
والوجود الحقّ أنتم كلّكم * وهو أمر عندنا مكتوم 

492
وهو موقوف على ذوق الفنا * فيه فافنوا وعليه دوموا 
واخرجوا للّه عن أفعاله * وهي أنتم وإليه قوموا 
وبه فاتّحدوا لا تنظروا * لسواه فالسّوى مذموم 
لمتى الشرك الخفيّ يبقى إلى * موتكم لا كان هذا الشوم 
إنّما الشرك ضلال كلّه * فاتركوه إنّه مسموم 
جلّ ربّ معنا إذ نحن لا * نحن وهو الراحم المرحوم 
أهل تقوى أهل قل مغفرة * هو والقول لنا المرقوم 
والذي أوّل هذا جاحد * قول حقّ وهو المحروم 
عقله سوّل في الغيّ له * ما له شمّ هو المزكوم 
ولنا طوبى زهت والمنتهى * ولأرباب الحجى الزقّوم 
شجرات هنّ في الذكر أتت * ضاق عنها الحلق والحلقوم 
فانيات كلّها في أمرنا * أين منهم عجم والروم 
كلّهم في أسر عقل ربطوا * يا طيورا حول ماء حوّموا 

وقال رضي اللّه عنه : 
لنا غرق كلّنا في القدم * ببحر الوجود وبحر العدم 
فيحكم هذا على بعضنا * وهذا على بعضنا قد حكم 
ويسبح في النور منّا الفتى * ويسبح جاهلنا في الظّلم 
وبحران عندي هما يجريان * فبحر بلحم وبحر بدم 
وبينهما برزخ ظاهر * فلا يبغيان لأمر أتم 
وبرزخه عالم الجبروت * خيال له الغيّ والعقل هم « 1 » 
فكن رجلا عارفا لا تكن * جهولا وربّك عنك انبهم 
وتعبّد طيف الخيال الذي * ترى في المنام أفق لا تنم 
فهذا الوجود وأفعاله * هي العدم المحض لا غير ثم 
وحاصله أنّه لا سوى * وبعض خلاف لبعض وتم 
..............................................
( 1 ) الجبروت : صيغة مبالغة بمعنى القدرة والسلطة والعظمة . 

493
وقال رضي اللّه عنه : 
كلّنا بالتخصيص والتعميم * نفخ روح من أمر ربّ قديم 
منه يبدو بنا الوجود ويخفى * لمع برق كلمح طرف قويم 
مدّة العمر هكذا نحن قوم * لم نزل في الخلق الجديد العديم 
نحن جسم وذلك النفخ فيه * فعل ربّ بنا رؤوف رحيم 
فإذا الجسم زال بالموت يبقى * ذلك النفخ دون جسم رميم 
وله منه صورة تتجلّى * أشبهته في شكل ذاك الأديم 
ثمّ إن قامت القيامة قامت * نشئات الجسوم بالتقويم 
لنعيم مؤبد ليس يفنى * أو عذاب مسرمد في الحميم 
نحن قوم يا ابن الفوارس صعب * أمرنا بين مقعد ومقيم 
نعشق الأوجه الحسان فنفنى * في تجلّي جمال كلّ وسيم 
قذفتنا نواظر العشق لمّا * أن رأونا أسرى لواحظ ريم « 1 » 
أم رأوا قبلنا الملبي بحجّ * طاف بالبيت من وراء الحطيم 
كلّما رؤية الحبيب أردنا * جاءنا الصعق مثل موسى الكليم 
فعسى أن يعيرنا منه عينا * لنراه بها على التكريم 
فيكون الرائي الذي هو مرئي * يا عظيما يرجّى لكلّ عظيم 

وقال رضي اللّه عنه من الموشح : 
" دور " 
قد ظهر منّي وجودي * وهو في الغيب القديم 
وتجلّى في شهودي * فأنا العلم العليم 
وهو ربّي * وهو حسبي 
ملء قلبي * فتحقّق يا نديم 
" دور " 
قام يختال بقامه * كقضيب الخيزران « 2 » 
وجهه راخي لثامه * منه لو نلت الأمان 
يا رفيقي * ضاق زيقي 
واحريقي * في هوى الوجه الوسيم 
........................................
( 1 ) الرّيم : الظبي الأبيض الخالص البياض ، والأنثى ريمة . 
( 2 ) الخيزران : كل عود ليّن ، أو شجر من الفصيلة النجيلية ، ليّن القضبان ، أملس العيدان . 

 494 
" دور " 
راح يزهو في غلائل * وهو عن ذاك منزّه 
أهيف حلو الشمائل * فيه قلبي يتنزّه 
وجه باهي * طلق زاهي 
عنه ساهي * عاذلي ذاك اللئيم 
" دور " 
سبّح اسم اللّه يا من * قد رأى حسن المليح 
والذي باللّه آمن * يعشق الوجه الصبيح 
لا تماري * صنع باري 
حكم جاري * في الصراط المستقيم 
" دور " 
صلّ يا ربي وسلّم * لي على طه الرسول 
وهو للخير معلّم * وهو مفتاح الوصول 
وهو ساقي * خمر باقي 
فيه راقي * للغني عبد سقيم 

وقال رضي اللّه عنه : 
هو صبغة العدم الذي هو كلّنا * طورا وطورا نحن صبغته افهموا 
فإذا رأيناه لنا هو صانع * هو باطن ولنا الظهور المبهم 
وإذا صبغناه يكون ولم نكن * فتحقّقوا يا قوم هذا واعلموا 
هو واحد وهو الوجود وغيره * عدم كثير ليس يحصى مظلم 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:45 pm

قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف النون 
قال رضي اللّه عنه : 
للّه في الكون تحريك وتسكين * قل لي فما تفعل القوم المجانين 
وكلّ أفعالنا لا شكّ حادثة * فافطن فهل لسوى الرحمن تكوين 
لا النار تحرق إلا عند محتجب * أعمى ولا تقطع الجرم السكاكين 
وإنّما هي أسباب مرتّبة * عندي لفاعلها المحتار تعيين 
يا راقد الليل قم فجرّ النجاة بدا * ما راح حين ووافى مثله حين 
بك احتجبت فلا تنظر إليك تفز * واخرج عن الكلّ تأتيك البراهين 
وانحلّ شيئا فشيئا في الوجود وذب * حتى توافي مقاما فيه تمكين 
فكلّهم هو فاسمع وهو غير همو * إنّ الزجاج له بالشمس تلوين 
واحرص على الأمر والنهي اللذين هما * نتيجة الخلق يا ماء ويا طين 
للّه سرّ خفيّ ليس يدركه * إلا اللبيب الذي فينا له دين 

وقال رضي اللّه عنه : 
ليت لو كنت إذا قلت أنا * أملك الروح وأحوي البدنا 
إنّما هذا حبيبي حاضر * وأنا يا ليت شعري من أنا 
قام ناسوتي بمن أوجده * حيث لاهوتي إلى الباري دنا 
يا أولي الألباب هل من أحد * منصفي قد ضاعت النفس هنا 
هل أنا الناسوت في ثقلته * هل أنا اللاهوت حيث اكتمنا 
أم أنا وهم ولمّا ظهر ال * حقّ ولّى باطلي وانطحنا 
ليست الأكوان إلا عرضا * ما لها عمّن به قامت غنى 
أو هي الظلّ فسل عن شاخص * هو منّا دائما أولى بنا 

496
وأنا اليوم لقد قمت به * أندب الربع وأبكي الدّمنا « 1 » 
بحجاب النفس قومي حجبوا * ويحهم كم يدّعون الفطنا 
غرّهم علم رسوم قنعوا * منه بالقشر فظنوه المنى 
وإذا ما جهلوا أنفسهم * أيّ شيء عرفوه ههنا 
يعبدون اللّه خوفا من لظى * فلظى قد عبدوا لا ربّنا 
ولدار الخلد صلّوا لا له * مثل قوم يعبدون الوثنا 
أنا مفتون بمحبوب به * كلّ من قد كان قبلي فتنا 
ليس في غرب ولا في مشرق * إنه في بيت قلبي سكنا 
أينما ولّيت ألقى وجهه * ظاهرا أفديه وجها حسنا 
ولكم صمت وصلّيت له * بل به حتى محوت الزّمنا 
ومقام القرب كم طفت به * ومنى فيها لقد نلت منى 
وإذا شئت به تحيى فمت * والبقا إن رمته سرّ الفنا 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّي أنا لست أنا * فليت شعري من أنا 
صورة لاهوت بدت * في شكل ناسوت دنا 
كلاهما مستحدث * من عدم ومن فنا 
وذاك لا ذاك له * ومن هنا ليس هنا 
والقصد منّي لم يقع * على سؤالي والمنى 
فافهم كلامي وانتفع * به ودع عنك العنا 
إياك إياك بأن * يوقعك الجهل بنا 
ولا تكن معتديا * ولا تكن مفتتنا 
ودع كلام عصبة * بنا أساؤوا الظّننا 
من شرّهم ما أحد * بين البرايا أمنا 
قد شبّهوا خالقهم * وجسّموه علنا 
ونسبوا إليه ما * كان بهم مكتمنا 
وهم على ذا درجوا * وفيه عاشوا بالهنا 
..............................................
( 1 ) الدّمن : ( ج ) الدّمنة : آثار الدار والناس . 

497
وعبدوه مثل قو * م يعبدون الوثنا 
قد نشأوا في بدع * لا يعرفون السّننا 
وهذه حالتهم * قد جعلوها ديدنا 
فاحذر تكن مستمعا * لهم بهم ممتحنا 
وخذ بما لاح ودع * عنك التباسا فتنا 
باللّه يا من هجروا * وعظّموني شجنا 
وقد أطالوا سهري * وأحرموني الوسنا 
وملء قلبي شغف * ودمع عيني هتنا « 1 » 
ولي إليهم أبدا * فرط غرام وعنا 
رفقا بصبّ دنف * بكم غدا مرتهنا 
أيان ولي منكمو * أبصر وجها حسنا 
بشعب وادي سلم * جآذر لحن لنا « 2 » 
لمّا رنوا وانعطفوا * خلت سيوفا وقنا 
أوّاه من جفوتهم * وليس لي عنهم غنى 
يا ليتهم لو سمحوا * ولي أتمّوا المننا 
عهدي بهم قد نزلوا * بالسفح من وادي منى 
من كلّ روح جعلوا * للأمر منهم بدنا 
وشرّفوا منازلا * حلّوا بها ودمنا 
وكلّ حيّ جعلوا * بالوصف فيه وطنا 
وشغلوا الكون بهم * وهيّجوه شجنا 
فهام في بهجتهم * ولم ينل منهم منى 
يخفق قلبه بهم * وكم يقاسي محنا 
وجوده تحريكه * وفقده إن سكنا 

وقال رضي اللّه عنه من بحر كان وكان : 
باللّه يا من رماني بالصدّ والهجران * جد بالوصال فإني متيم ولهان 
.......................................................
( 1 ) هتن الدمع أو المطر : قطر . 
( 2 ) الجآذر : ( ج ) الجؤذر : ولد البقرة الوحشية . ( فارسية ) . 

498
وليس عندي صبر عن اللّقا يا حبيبي * والقلب في كلّ وقت يذوب بالأشجان 
خاطب بروق الروابي تكفّ عنّي وميضا * فإنّها خطفتني بذلك اللمعان 
وقل لنسمة ذاك الحمى تجود علينا * بطيب ورد وإلا بنفحة الريحان 
يا من تنكّر حتى عداه قد جهلوه * وعن محبيه لم يخف كيفما قد كان 
ظهرت في كلّ شيء والشيء غيرك عندي * وأنت أنت يقينا وكلّ شيء فان 
إن قلت إنّك إني جهلت ذاتك إذ لا * وجود مع نور حقّ لظلمة الأكوان 
وإن أقل أنت غيري فقد زعمت شريكا * لأنّ ذاتك تأبى يكون معها ثان 
وكيف والحقّ حقّ وما سواه محال * وأين محض كمال من خالص النقصان 
هذا الوجود خيال وكلّنا في منام * وليس يوجد إلّا حقيقة الإنسان 
فاكشف قناع التعامي عن وجه قلبك وانظر * تجد حبيبك أدنى إليك منك الآن 
واحذر تشبه بشيء ما قد وصلت إليه * ونزّه العقل عمّا للعقل منه بان 
وخذ كؤوس التصابي وأخدم لأرباب صدق * وقف بحضرة جودي وادخل معي للحان 
واهجر عصابة جهل مرادهم لك سوء * وسواسهم منه فاحذر في سائر الأزمان 
يزخرفون كلاما يحذرونك من أن * تروم معرفة اللّه فكلّ ذا بهتان 
وهل لنفسك قل لي على إلهك فضل * حتى تخاف عليها وتأمن الرحمن 
يا بارق الغور رفرف فقد خطفت فؤادي * وفي الأضالع رعد ومدمعي هتّان 
والجسم زاد نحولا من القلى والتنائي * والصبر قد زال عنّي في مدّة الهجران « 1 » 
يا سائق الظعن رفقا فإنّ قلبي عليل * راكب جواد التصابي سائر مع الركبان 
باللّه إن جئت نجدا ورامة والمصلّى * فاقرأ سلامي عليهم وقل هنا ولهان 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلامنا نعرفه * نحن ومن يعرفنا 
وإنّما يفهمه * في الناس من يفهمنا 
ولم يكن يجهله * إلا الذي يجهلنا 
ومن يرده فليكن * ملازما مجلسنا 
أو مجلسا لكلّ من * تلمذه الصدق لنا 
وقلبه معتقد * ويحسن الظنّ بنا 
.......................................
( 1 ) القلى : البغض . تناءوا : تباعدوا . 

499
ويسمع التقرير عن * كلامنا من فمنا 
ولا يقلّد جاهلا * بالحقّ فيما طعنا 
فالناس فيهم حسد * وسوء ظنّ كمنا 
والجهل باللّه لهم * قد صار شيئا حسنا 
وكلّ شخص يدّعي * ما ليس فيه علنا 
ولا حياء عندهم * منهم ولا من ربّنا 
وأن يكونوا جهلوا * فروضهم والسّننا 
فقربهم هو الردى * وبعدهم هو المنى 

وقال رضي اللّه عنه : 
نور هذا الوجود بالإيمان * لا بشمس ولا نجوم دواني 
وبه الشمس والنجوم جميعا * مشرقات من رحمة الرّحمن 
ولهذا الكسوف لا يعتريها * منه إلّا عن غفلة وتواني 
أيّ قلب من القلوب تجلّى * فيه ربّي بغير ما إيمان 
وعلوم الجميع علوا وسفلا * واردات عن وردة كالدهان 
فلك الماء والتراب مضيء * بضياء الإيمان في كلّ آن 
وبه لم يزل يدور ويبدي * صورا بابتداعه ومعاني 
أمن الكلّ من قلى وبعاد * عندما آمنوا وهم في تداني 
ولهم خلعة المهيمن جاءت * ثمّ فازوا من سلبها بالأمان 
فتراهم بها يميلون زهوا * بين نيل المراد والحرمان 
وعلى كلّ حالة هو أولى * بالذي جاء منه للأكوان 
وهو إيمانه بهم فلهذا * مؤمن جاء عنه في القرآن 
والمواليد معدن ونبات * ثمّ حيوانها مع الإنسان 
وكذاك الآباء مع أمّهات * كلّهم في غد من الحيوان 
مؤمنات جميعها بإله * واحد ما له كما قال ثاني 
ولهذا تأتي غدا شاهدات * مثل ما جاء في حديث الأذان 
وشروط الشهادة الآن فيها * ثبتت بالدليل والبرهان 
حيث عنها الإله أخبر بالتس * بيح والنطق والفنا في العيان 
فتحقّق بكلّ ما قلت وافهم * تلق لبّ الكمال والعرفان 

500
وقال رضي اللّه عنه في كتابه كوكب الصبح في إزالة ليل القبح : 
كلّ تحريك تراه وسكون * فانتقال من حياة لمنون 
وجميع الكون إن حقّقته * فإشارات إلى كن فيكون 
نظرة أعطت وأخرى أخذت * كلّ شيء في الورى عال ودون 
فهي عين وإذا شئت فقل * أعين سالت لنا منها عيون 
وهي ذات حذّرتنا نفسها * صعبت فينا وإن شاءت تهون 
حجبت عنها بها أعيننا * فظهور من بطون وبطون 
كلّ يوم هو في شأن وذا * عجب فاليوم من تلك الشؤون 
وشؤون هي في شأن بدت * باختفاء عن سناه وكمون 
ثمّ ذاك الشان في شان إلى * لا إلى ممّا تراه العارفون 
فاجتهد في السير واقرع بابه * وادخل الحضرة والبيت المصون 
لا تظنّ الباب يا باب سوى * أنت والبيت سوى أنت يكون 
وافهم الأمر به يا أمره * تعرف الأمر مع الكلّ فنون 

وقال رضي اللّه عنه : 
أجهلت قدرك أيّها الإنسان * أنت الجميع وبعضك الأكوان 
والنور والظلمات أنت حقيقة * وسوى كمالك كلّه نقصان 
يكفيك أنّ الحقّ سمعك قد غدا * ويدا ورجلا فيك وهو عيان 
والكون أجمعه لأجلك خادم * يسعى وأنت المالك السلطان 
فإذا انتبهت لبست ثوب سعادة * وإذا غفلت فثوبك الخسران 
ولطيفك الجنّات أنت منعم * فيها غدا وكثيفك النيران 
انزع ثيابك عنك وابق بغيرها * تعرف مقامك أيّها الإنسان 

وقال رضي اللّه عنه : 
سواكم روى عنكم سوانا روى عنّا * وأعياننا منكم وأعيانكم منّا 
عشقناكمو لمّا عشقنا نفوسنا * وكلّ فتى منّا إلى نحوكم حنّا 
وأنتم وجود الكلّ والكلّ شخصكم * وإن كان كلّ تابعا في الهوى فنّا 
هي الروح دبّت في طبيعة جسمها * وقد أظهرت خوفا وقد أظهرت أمنا 
وأفنى بما أبقى هواها لها بها * من الكلّ بل أبقى هواها بما أفنى 

501
وكانت هي المعنى وألفاظنا لها * فيا حسن ألفاظ تكون لها معنى 
قديمة عهد والحدوث حجابها * غدونا لها ظهرا فصارت لنا بطنا 
هي الكرم والعنقود والعاصر الذي * له انتسبت أيضا وبائعها غبنا 
هي الحان والكاسات والطاس والطّلا * ودنّ الحميّا والذي صنع الدّنّا 
هي القوم والساقي ومجلسنا على * يمين الحمى الشرقيّ والروضة الغنّا 
فإن شئت فاشربها من الكلّ أو فخذ * من البعض كأسا طعمه العذب ما أهنى 
وإلا تكن في أسر وهمك واقفا * مع العقل تستدعي السرور أو الحزنا 
يقلّبك الوسواس في كلّ ساعة * وأعماك حتى قد أصمّ لك الأذنا 
سقى اللّه روضات المقاصد واللّقا * من الكلّ حيث الكلّ منها رأوا حسنا 
ولم تعشق العشّاق غير جمالها * ولكنّهم تاهوا بأسمائها الحسنى 
وليلى ولبنى في البريّة قصدهم * وما قصدهم ليلى ولا قصدهم لبنى 
ولو لم يكونوا عارفين بها ولو * لها جحدوا ظلما ولو تبعوا الظنّا 

وقال رضي اللّه عنه : 
أيّها القوم السّكارى * بعقار وهو دون 
خمر أرباب المعاني * هو أعلى ما يكون 
فبطون من ظهور * وظهور من بطون 
أنفقوا الأجسام محقا * في هوى عين العيون 
ثمّ بالأرواح ساروا * في غرام وشجون 
ثمّ عنهم خلعوا ما * عاقهم دون المنون 
فاعلموا يا أهل ودّي * أنّ من عزّ يهون 
واسمعوا من قول ربّي * فله نحن الشؤون 
أنفقوا ما قد جمعتم * من علوم وفنون 
وذوات وصفات * وخفوق وسكون 
فلقد قال إله الخل * ق في الذكر المصون 
لن تنالوا البرّ حتّى * تنفقوا ممّا تحبون 

وقال قدّس سرّه : 
من أسخط الناس في مرضاة خالقه * فذلك الفائز الناجي بلا مين 
تأتي الأنام بلام في القيامة من * تقى وهذا الذي يأتي بلا مين 

502
وقال رضي اللّه عنه : 
تب إلى اللّه من ذنوبك يكفي * ك وإن لم تكن من العابدينا 
وتحقّق بأنّ ذنبك عمّن * هو إياك قد لهاك يقينا 

وقال رضي اللّه عنه دو بيت : 
يا مشتغلا بكامل الإيمان * تسبيحك لم يخرج عن الإمكان 
فاعبده به فقد رضي منك بذا * العارف قال قبلنا سبحاني 

وقال أيضا دو بيت : 
قد بالغ في الظهور والكتمان * حتى حارت به أولو العرفان 
والسرّ على التحقيق كالإعلان * قد أودعه في هذه الأكوان 

وقال أيضا مثله : 
يا طلعة من أحبّ في ذا الكون * تختال علينا بثياب الصون 
والخال غدا يلوح في وجنته * قد حيّر عقلي بسواد اللون 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
نحن الذي أين كنّا حبّنا معنا * وما لنا في الحقيقة غيره معنى 
يجود لا حاتما نرجو ولا معنا * مع ناس بالمنع قائم والعطا معنا 

وقال مواليا : 
من كان حبّه معه هيهات يلقى حزن * يا من صفاته لأنواع التجلّي حزن 
وقل لمن غيد أفكاره علينا جزن * هذي الفعائل ترى في أيّ مذهب جزن 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
إن أقبل السعد وزال العنا 
وقد سكرنا بكؤوس المنى 
وموسم الأفراح لي إن دنا 
يا ربة العود خذي في الغنا * وحرّكي من صوته ما ونى 
قم يا نديمي موسم القرب جا 
وأبدل اليأس لنا بالرّجا 
ولا تخف ظلم ظلّام دجا 

503
فإنّ مسودّ قميص الدّجى * لوّنه الصبح بما لوّنا 
حسن ملاح الكون لي هيما 
وتوبتي وهبتها اللّوما 
فرحت مغرى في الهوى مغرما 
وفاز بالتوبة قوم وما * تاب من التوبة إلّا أنا 

وقال رضي اللّه عنه : 
إن غبت عن عياني * فأنت في جناني 
وإن حجبت فكري * بكلّ ما أعاني 
فالنور نصب عيني * والذكر في لساني 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا كعبة كلّ المعاني * حجّت إليّ بلا تواني 
وكذا الكمالات التي * أبدا سواي لها يعاني 
كم طاف بي علم وجا * ء مقبلا حجر اللسان 
وأتى إلى عرفات قل * بي واقفا يبغي بياني 
يا واحدا ما في العيا * ن له ولا في الغيب ثاني 
أنا جفنك المكسور يا * عيني ومنك الجبر داني 
ولذا يكون الحسن في * هذا وفي حور الجنان 
قم للمدام أخا الغرا * م وطف بنا في كلّ حان 
واكرع حميّا القدس من * صور البريّة في قناني 
واشرب معي بيد المدي * ر فحبّذا أيدي الحسان 
وادخل كنيسة ديرها * واعكف على بنت الدنان 
متجرّدا عن كلّ ما * يلهيك عن هاتيك فاني 
واسكر بها مع كلّ شم * اس يميل كغصن بان 
واسمع مثانيك التي * تتلى على صوت المثاني 
ودع الجهول يظنّ من * ك ظنونه في كلّ آن 
واعلم بأنّك لست ته * دي من تحبّ مدى الزمان 
أفتسمع الصمّ الذي * ن بعيشهم هم في افتتان 

504
أم أنت تهدي العمي عن * ذلّ الضلالة والهوان 
أتريد ترشد عصبة * لشجاعهم قلب الجبان 
خذ ما صفا لك بينهم * واترك لهم كدر الأواني 
وانزل إليهم لا تك * لّفهم إلى أعلى المكان 
ولربما انقلبوا فلا * تنكر لهم قلب العيان 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّما نحن للإله شؤون * فهو فينا في كلّ يوم يكون 
نزلت شمسه المنازل منّا * فظهور لها بنا وكمون 
ها هو الحقّ ملء قلبي وجسمي * وعظامي وكلّ ما هو دون 
لا حلولا وإنّما هو فعل * خلفه فاعل به محصون 
نحن تقديره القديم وفينا * حدثت بالوجود منه فنون 
كيفما شاء عنه في الكون كنّا * واحتراك لنا به وسكون 
فيه كنّا قدما فقيل عليم * كلّ شيء في علمه موزون 
ثمّ لمّا عنه به قد صدرنا * كان فينا والعين منه عيون 
فتسمّى بقادر ومريد * عندما عزّ فهو ليس يهون 
كلّ هذا ونحن نحن جميعا * عدم يحتويه كاف ونون 
وهو حقّ هو الوجود على ما * هو فيه والفتح غيث هتون 
جاءت السّنّة الحصان بهذا * وأتانا كتابه المكنون 
فتمسّك به بإرشاد هاد * يقتفيه فإنّه المأمون 
واترك المنكر الذي ليس يدري * فهو عن ذوق طعمه الملعون 
إنّ للّه في الوجود قلوبا * عقلها عند من سواها جنون 

وقال رضي اللّه عنه : 
لمائه كلّنا أواني * ونحن في نفسه معاني 
والكلّ عن أمره ظلال * وذاته الشمس في البيان 
مراتب بالوجود صارت * حقائق الغيب والعيان 
عن كلّ أوصافه أبانت * عند الورى مثل ترجمان 

505
وجوده لا يزال منها * يطلى بنيل وزعفران « 1 » 
وبظلام وبضياء * وبضراب وبطعان 
وبجماد وبنبات * وبأناس وحيوان 
وبرجال وبنساء * وأهل شيب وعنفوان « 2 » 
وكلّ عقل وكلّ حسن * والمتمنّين والأماني 
وكلّ فهم وكلّ وهم * وكلّ وقت وكلّ آن 
وملكوت وجبروت * وكلّ إنس وكلّ جان 
وكلّ ساق وكلّ كأس * وكلّ خمر وكلّ حان 
وبحسان وبقباح * وبهموم وبتهاني 
وكلّ شيء صرفت عنه * ولم يصرّح به لساني 
توهمات الجميع فيه * من فرط عزّ ورفع شان 
يجلّ عنها وعن مقالي * يجلّ فيما به سباني 
والعلم بالجهل قد تساوى * عجزهما عنه في قران 
وكلّ عبد بما لديه * في محنة منه وافتتان 
وقد تجلّى بكلّ شيء * والشيء من عالم الكيان 
فضاء منه فضاء كلّ * كالنور في صبغة القناني 
وفيه كانت فصار فيها * والقلب ينبيك عن بيان 
وليس غير الوجود فيها * بقائم والجميع فاني 
وهو على ما عليه قدما * بلا انتقال ولا اختزان 
ولا اتصال ولا انفصال * ولا افتراق ولا اقتران 
ولا التفات ولا جهات * ولا زمان ولامكان 
ولا حلول ولا اتّحاد * ولا تناء ولا تداني 
فإن تكن فاهما وإلّا * فدع كلامي لمن يداني 
ولا تعب ما جهلت منه * بقلبك القاصر الجبان 
............................................
( 1 ) النّيل : جنس نباتات من الفصيلة القرنية تزرع لاستخراج مادة زرقاء من ورقها للصّباغ تسمى النيلج . 
الزّعفران : نبات بصلي عطري معمّر من الفصيلة السوسنية ، منه أنواع برية ونوع زراعي صبغي طبي مشهور ، زهره أحمر إلى الصفرة ( ج ) زعافر . 
( 2 ) عنفوان الشيء : أوله . يقال : هو في عنفوان شبابه ؛ أي : في نشاطه وحدّته . 

506
وخلّ ما قلته لقوم * يطرب أسماعهم أذاني 
فإنّ داعي الكمال منّي * يسمع من شاء بامتنان 
وكلّ شيء للحقّ شان * والحقّ باد في كلّ شان 
مسك له الكلّ طيب عرف * معنى له الكلّ كالمباني 
نحن التقادير منه فيه * كالكيف والكمّ والمكان 
وهو الوجود القديم صرفا * وما له في الوجود ثاني 
رآه موسى الكليم نارا * عنه بدا الكلّ كالدخان 
ورام منه بأن يراه * فجاءه عنه لن تراني 
لكونه رائيا فلو لم * يرى رآه إليه داني 
لكن علا شوقه عليه * منه عذا مالك العنان 
وزاد حتى أزال عنه * تثبّتا كان في الجنان 
ومنه قد صار في ذهول * وفي اندهاش لما يعاني 
والشوق يوهي العقول جدّا * في رؤية الأوجه الحسان 
حتى إذا دكّ منه طورا * وعاد بالصعق في اكتمان 
أفاق مستغفرا منيبا * مسبّحا طالب الأمان 
ما قال إنّي رأيت أو ما * رأيت إذ كان في عيان 
كان محبّا له فأضحى * محبوبه الرائق الدنان 
وما عليه اختفى تبدّى * له جهارا بلا تواني 
وصار يبديه كلّ شيء * قد كان أخفاه باجتنان 
وللمثاني آيات حقّ * تظهر في نغمة المثاني 
يذوقها كلّ ذي فؤاد * بنيل قرب الإله العاني 
سماؤه بالغرام شقّت * وورده صار كالدهان 
يموت بالفكر ثمّ يحيى * بالذكر في القلب واللسان 
ويستريب الجهول منه * واللّه يلقيه في امتحان 
ولا تراه يعيش إلّا * في فرط ذلّ وفي هوان 
وإن يمت فالجزاء نار * لأنّه للضلال جاني 
وبافتراء وباعتداء * أنكر حقّا وبامتهان 
ولا يضيّع الإله شيئا * فكيف إيذاء ذي العيان 

507
وقال رضي اللّه عنه : 
أنا المعروف لي باللّه ألوان * فرحمن وشيطان وإنسان 
لقوم ذا وقوم ذا وقوم ذا * على مقدار ما تنويه إخوان 
ولا وصف بدا لي قطّ من ذاتي * ولا نعت ولا حال ولا شان 
ولكن كيفما قد كنت يا خلّي * تراني فيك إشراك وإيمان 
تجلّى بي على أهل الصفار بي * فذكر عندهم أتلى وقرآن 
وقد شاء التجلّي بي على قوم * لهم خبث وتكدير وحرمان 
وما لي لا ولا للغير من صنع * وكلّ الصنع للمولى كما دانوا 
وقولي عند قوم محض تحقيق * وقوم عندهم ذا القول هذيان 
وريح المسك لا يدريه مزكوم * وضوء الشمس غابت عنه عميان 
ويا من أنكروني احذروا منّي * فأرواح لكم راحت وأديان 
وكفّوا القول عن ذكري بتقبيح * ورائي عصبة في اللّه شجعان 
ورائي كلّ ذي باع إذا مدّت * فلا إنس له تبقى ولا جان 
وأسياف صقيلات وأرماح * طويلات وضرّاب وطعان 
هي الأطوار لي فيها مقامات * ولا يدري سوى من فيه عرفان 
ألا يا قوم كم ذا العيش في جهل * أما فيكم لدين الحقّ إذعان 
لحاكم في فشار القوم قد شابت * وما تابت فآثام وعصيان 
ولمّا أسكرتكم خمرة الدّنيا * عميتم عن تقى يوليه رحمان 
فتقواكم ظنون في الورى ساءت * وتلبيس على حقّ وبهتان 
وعند اللّه هنتم والورى لمّا * رجال اللّه جهلا عندكم هانوا 
إذا خفتم لباريكم فمن ذنب * يريكم فيّ ذاك الذنب شيطان 
وإن رمتم لشرع أن تقيموه * على مثلي لكم قد قام ميزان 
وأنتم في هواكم كيفما شئتم * فعلتم بينكم زور وإدهان 
حقوق العبد من أدنى معاصيكم * ومنكم في حقوق اللّه طغيان 
أبحتم عرض من لم يرض ما أنتم * عليه من نفاق فهو خسران 
وزخرفتم مقالات بها انغرّت * كهول في مذماتي وشبان 
أجار اللّه من وسواسكم قلبي * ومنّي وقيت عن ذاك آذان 

508
وقال مواليا : 
اعبد على الكشف وادخل ساحة الإحسان * واطلق جوادك بلا لجم ولا أرسان 
وحاصل الأمر عند العيّ والملسان * الروح للحقّ مثل النفس للإنسان 

وقال رضي اللّه عنه : 
يقول الناس دع ما فيه ظنّ * به الوسواس فيك سطا علينا 
ونحن الأصدقاء ولم نرجّح * عليك سواك بين العالمينا 
لقد كذبوا بذاك وهل صديق * تراه يصدّق الشيطان فينا 

وقال رضي اللّه عنه : 
إن قلت لم أقدر ولم أستطع * أدفع عنّي كيد شيطاني 
أو قلت ذا صعب على همّتي * فأنت في كذب وبهتان 
إنّ الشياطين من النار هم * والماء منه كلّ إنسان 
والماء يطفي النار والنار لا * تسطو على الماء بسلطان 
ما لم يحل بينهما موصل * لبرد ماء حرّ نيران 
وههنا النفس غدت حائلا * فاكسر إناء الحائل الفاني 
يبقى بعيدا عنك يخشاك أن * تطفيه شيطانك الداني 

وقال رضي اللّه عنه في كتابه الحديقة النديّة شرح الطريقة المحمدية للبركلي الرومي ناظما جميع أخلاق القلوب الحسنة وقد شرحها هناك وهي ثمانية وسبعون خلقا يجمعها قوله : 
طرف الذي طلب التحقيق سهران * وعقله بشراب اللّه سكران 
وقلبه فيه أخلاق مطهّرة * حميدة وهو بالتوفيق ملآن 
إن رمت أخلاقه الحسنى تعدّدها * فلتصغ منك لما أبديه آذان 
هي الوقار كذا التقصير في أمل * ونيّة رحمة أيضا وإيمان 
نصيحة غيرة شكر مجاهدة * تصوّف ثمّ إخلاص وإحسان 
خوف من اللّه مع حزن له أدب * وذكر موت وتفويض وإيقان 
وغبطة في التّقى رشد مرابطة * شجاعة ثمّ تحقيق وإمعان 
وكظم غيظ وعفو والخشوع كذا * رفق وصدق وما تبديه فتيان 
والحبّ في اللّه ثمّ البغض فيه وبه * أنس وشوق إلى المولى وأشجان 

509
وحسن ظنّ وزهد عفّة وحيا * أمانة ثمّ تسليم وإذعان 
صلابة الدين ثمّ الاستقامة مع * قناعة وعلى الرّحمن تكلان 
ورقة والتأنّي والتملّق في * تحصيل علم لدى شيخ له شان 
سلامة الصدر من حقد مراقبة * فراسة ذكر أنّ اللّه منّان 
والمدح والذمّ فيه الاستواء كذا * تفكر حكمة تنمو وتزدان 
مروءة واعتقاد لا ابتداع به * حبّ الخمول فلا يدريه إنسان 
صبر وسعي وحلم توبة ورجا * محبّة اللّه حتى عنه رضوان 
وفاء عهد وإنجاز لموعدة * عقاب نفس عتاب فيه تبيان 
تواضع ثمّ إيثار مشارطة * حساب نفس له في العدل ميزان 
كذا عبوديّة حرّية وكذا * إرادة والسّخا ما فيه نقصان 
وقصد طول حياة للتّقى وإلى * خير مبادرة إذ فيه إمكان 
فخذ حميدة أخلاق ثمانية * أتت وسبعين عقد فيه مرجان 

وقال رضي اللّه عنه أيضا في كتابه المذكور ناظما آفات اللسان ومفاسده وهي سبعون في قوله : 
تعلّم حفظ آفات اللسان * لتحظى بالأمان وبالأماني 
وخذها إنّها سبعون شيئا * حكت في نظمها عقد الجمان « 1 » 
فكفر والخطا مع خوف كفر * وكذب ثمّ سبّ في هوان 
وفحش غيبة ونميمة مع * مراء والجدال وطعن جاني 
وسخرية وتعريض ولعن * ونوح واشتغال بالأغاني 
مخاصمة وإفشاء لسرّ * وخوض في مجال بافتتان 
سؤال المال والدّنيا نفاق * بقول والكلام لدى الأذان 
سؤالك عن أغاليط وأيضا * عوامّ الناس عن صعب المعاني 
وتغليظ الكلام وأمر نكر * ونهي العرف مع خطأ اللسان 
سؤال عن عيوب الناس أخذ * لذي الوجهين في أمر الدهان 
كلامك حالة القرآن يتلى * وبعد طلوع فجر للعيان 
وحالة خطبة وبمسجد مع * دخول خلا لحاجات تعاني 
....................................................
( 1 ) الجمان : اللؤلؤ أو حبّ يصاغ من فضة على شكل اللؤلؤ . 

510
وفي حال الصلاة وفي جماع * وفتح القول عند كبير شأن 
وبالألقاب نبز مع يمين * غموس أو بغير اللّه داني 
إخافة مؤمن وفضول قول * وإكثار اليمين بلا تواني 
على غير الدعاء لأهل ظلم * بدون صلاح حال كلّ آن 
سؤال إمارة ووصاية مع * توليه على دار وخان 
وردّ كلام متبوع وقطع * لقول الغير شعر ذو امتهان 
تناجي اثنين مدح مع مزاج * ونطق بالذي هو غير عاني 
على النفس الدعاء وردّ عذر * أتى بالرأي تفسير القران 
سؤالك عن حلال أو طهور * بغير محلّه قصد امتحان 
وسجع والفصاحة مع سلام * على الذمّي وذي فسق مهان 
كذا متغوّط أو بائل مع * كلام الأجنبية في مكان 
وإرشاد لنحو طريق سوء * وإذن في المعاصي للمداني 
وآفات العبادات اللواتي * تعدّت والتي قصرت لعاني 
كذا الآفات ضمن معاملات * وآفات السكوت بلا بيان 
وقد تمّت بعون اللّه فاخلص * لناظمها دعاءك بالجنان 

وقال رضي اللّه عنه : 
للّه حمدي دائما في الورى * حمد مقيم النعمة القاطن 
على انصلاح القلب والجسم من * سوء بليد ضلّ أو فاطن 
إمامنا الأعظم في ظاهر * وشيخنا الأكبر في الباطن 
وقال رضي اللّه عنه جوابا عن سؤال بلغه من بعضهم : 
قل لمن قال عن ذوي العرفان * ورجال التحقيق والإيمان 
طاعنا في اعتقادهم أوهاما * وخيالا جميع ذي الأكوان 
مثل أهل الضلال ذا منك جهل * بنصوص الحديث والقرآن 
إنّ أهل الضلال ليسوا بشيء * حاضر عندهم ذوي إذعان 
لينالوا ثبوت ما غاب عنهم * بل همو بالجميع في كفران 
أين منهم أهل التحقّق باللّه وأهل الكمال والعرفان 
ونجوم الهدى لكلّ جهول * ورجوم لعصبة الشيطان 

510
وإذا الشمس أشرقت لا تراها * دائم الدهر أعين العميان 
إنّما اللّه عندنا هو حقّ * لا سواه والكلّ في بطلان 
واستمع أينما تولّوا فثمّ ال * وجه والوجه ذاته يا معاني 
لا تقل أينما تفيد مكانا * وعليه استحال كلّ مكان 
إنّما تلك باعتبارك إذ أن * ت مع الكلّ في الفنا سيّان 
ما عدا الوجه فهو لا شكّ حقّ * والسّوى فيه باطل باقتران 
وكذا قول ربّنا كلّ شيء * هالك كلّ من عليها فاني « 1 » 
وحديث النبي ألا كلّ شيء * ما خلا اللّه باطل منك داني « 2 » 
ولهذا بربّهم قام قومي * عابديه على تقى وعيان 
جملة العارفين في كلّ وقت * حسنات الدهور والأزمان 
أيّها المنكر الذي ليس يدري * ما الذي فيه من غرور يعاني 
قد أضاع الزمان بالقيل والقا * ل وفرط الضلال والطغيان 
يحسب النفس منه تخلق شيئا * فهو منها يبيت أسر الأماني 
كلّ ما أنت فيه مع من يحاكي * ك به في اللسان أو في الجنان 
عندكم ربّكم خيال ووهم * وهو شيء في عقلكم ذو معاني 
وجميع الأكوان حقّ وصدق * عندكم بالعيان والبرهان 
لو عقلتم تعاكس الأمر فيكم * وانجلى يا مظاهر الخذلان 
لكن البغي والتنكر منكم * أوصلاكم فينا إلى الحرمان 
ولهذا ملتم على ما سوى اللّه سكارى كميلة الهيمان 
وعميتم بحبّكم كلّ شيء * وصممتم عن الهدى والبيان 
وافتتنتم بما سوى اللّه جهرا * واشتغلتم بلذة الحيوان 
حيث أشقت نفوسكم شهوات * عن حصول السعادة المتداني 
فقفوا عند حدّكم لا تغطّوا * خبثكم بالفجور والبهتان 
ههنا غابة بها أسد حرب * مشرعات رماحهم للطعان 
...................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة القصص الآية ( 88 ) : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ . وإلى سورة الرحمن الآية ( 26 ) : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ . 
( 2 ) في البيت إشارة إلى الحديث الشريف : « . . . ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل » . 

512
وقال رضي اللّه عنه : 
أنا في الملاح على يقين * ومحبّة المحبوب ديني 
فتنكّبوا يا زائغي * ن عن الصراط المستبين 
نار المحبّة عندكم * والنور عندي في كميني 
وأنا الذي في بحر قد * س الذات أسبح كلّ حين 
وعيونكم وقلوبكم * يسبحن في ماء وطين 
متمتع أنا في الجما * ل بحضرة الحقّ المبين 
ونفوسكم مفتونة * بزخارف الماء المهين 
ماذا دهاكم يا كلا * ب النّبح من ليث العرين 
حتّى كفرتم بالملي * ح ككفر إبليس اللعين 
لو لم يكن في الحسن ما * فيه من السرّ الخزين 
ما اللّه أعمى عنه أع * ينكم بأسلوب متين 
وأضلّكم عن وجهه ال * باقي بمعدوم مهين 
ورمى بكم للطمس في * بطن الطبائع كالجنين 
أو يستوي الإلهام بالأ * ملاك مع نطق القرين 
لكم الوساوس في الصدو * ر من السطور بلا معين 
ولنا علوم الحقّ بال * تحقيق عن حقّ اليقين 
ومحبّة الوجه الملي * ح لديّ في حصن حصين 
وخواطري رأت الهدى * في حبّ وضّاح الجبين 
عيني به في جنّة * تزهو بحور منه عين 
والقلب يظفر كلّ وق * ت منه بالعقد الثمين 
وجمال دحية قد حكا * ه ظهور جبريل الأمين 
لا في الحنين له أنا * كلّا ولا أنا في الأنين 
بل في التواصل واللّقا * وموارد الماء المعين 
لا قيد لي في مطلق ال * حسن المفرّح للحزين 
أبدا ولا بنواظر * ألهو ولا قلب رهين 
ومحبّتي نور بلا * نار ولا شيء مشين 
وهي التي أنا عابد * ربّي بها طول السنين 

513
خلّصتها منّي ومن * غيري بتشديد ولين 
وبها عرفت تجليا * ت اللّه بالنور المبين 
وغدا بها ألقى المنى * وأكون من أهل اليمين 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا النور المبين * أنا الحقّ اليقين 
أنا القرآن أتلى * أنا الحبل المتين 
أنا عرش التجلّي * أنا الروح الأمين 
أنا الكرسيّ منّي * بدا السرّ الكمين 
أنا المحفوظ لوحي * أنا الحصن الحصين 
وما عندي تراب * ولا ماء مهين 
سوى الأسرار عنها * أضاء لي الجبين 
وقلبي مستنير * وحقّي مستبين 
فحوّل عن طريقي * وأمري يا لعين 
وإن أنكرت حالي * وكنت لي تشين 
فإنّك في غرور * وفي جهل يهين 
وتعبد كلّ وقت * هواك وتستعين 
لك الدينار ربّ * ومعبود معين 
وبالأغيار تلهو * ويطغيك القرين 
ولا عتب على من * له دنياه دين 
وفي الشهوات أضحى * له قلب رهين 
ولا يدري شمال * بما حوت اليمين 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا النور المبين ولا أكنّي * أنا التنزيل يعرفني ابن فنّي 
يضلّ اللّه بي خلقا كثيرا * ويهدي بي كثيرا فاستبنّي 
ولكن لا يضلّ سوى نفوس * بإنكار بغت وبسوء ظنّ 
وإنّي الملك والملكوت فضلا * وإنّي صخرة الوادي وإنّي 
ولمّا كنت منه بغير فصل * ولا وصل شهدت الكلّ منّي 

514
أحقّق من أريد بعلم حقّي * وأسكر من أشاء بخمر دنّي 
وأسعد باللّقا قوما وأشقي * بهجري آخرين وبالتّجنّي 
مقامي ليس يحصل بالترجّي * وحالي ليس يدرك بالتمنّي 
وما باب الهبات ولا العطايا * بمسدود على أهل التهنّي 
ولكنّ القلوب لها عليها * من الأغيار ينشأ كلّ كنّ 
وبالتوحيد يعرف كلّ شيء * ويجهل كلّ شيء بالتثنّي 
هي الأبواب قد سدّت جميعا * سوى بابي فدع عنك التعنّي 
وما أنا شاعر وجميع نظمي * بعيد عن مدى شعر المغنّي 
وميّز بين إلهام وشعر * وصرّح بالمقام ولا تكنّي 
ولا تكفر بجهلك في كلامي * ودعه لمن يوحّد يا مثنّي 
ولا تعجل على ما لست تدري * فإنّك سوف تدري بالتأنّي 
نصحتك فاستطع صبرا معي إن * سلكت عن الروافض نهج سنّي 
تعالى أصلنا عن كلّ فرع * وجلّ عن التزوّج والتبنّي 
وكلّ فتى على مقدار ما قد * سقاه بكفّه الساقي يغنّي 
وحين رويت عنه روت بصدق * جميع رجال هذا العصر عنّي 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن قوم نهوى الوجوه الحسانا * وبها اللّه زادنا إحسانا 
وعلينا من المهيمن عين * أوسعتنا تحقّقا وعيانا 
ولنا قد أدير خمر التجلّي * وبه صار كأسنا ملآنا 
وشهدنا الوجود حوضا وكانت * صور الكلّ عندنا كيزانا « 1 » 
إنّ من نال شربة منه يوما * لا تراه على المدى ظمآنا 
وأناس قد بدّلوا الدين عنه * طردوا فامتلوا له طغيانا 
كلّ ما حاولوه أبعد عنهم * لا تلمهم أضلّهم من هدانا 
حوض خير الأنام عذب زلال * بارد سائغ لمن يتعانى 
بيننا وعده على الحوض نلقى * صاحب الحوض مثل ما يلقانا 
وبوجه المليح سرّ شهود * عنه ما زالت الورى عميانا 
....................................................
( 1 ) الكيزان : ( ج ) الكوز : إناء من فخار ، أصغر من الإبريق ، له أذن يشرب به الماء . 

515
ضلّ عنه من قبل إبليس جهلا * وأبى عن كماله نقصانا 
وإليه اهتدت ملائكة اللّه وزادت بأمره إيقانا 
حضرات الأسما به قد تبدّت * وأبينت عند الجميع بيانا 
وعليه السجود كان دليلا * فتسمّى الإسلام والإيمانا 
كن به عارفا ودم فيه مغرى * وتقرّب له تكن إنسانا 
والذي حاد عنه فهو جهول * حيث سمّاه ربّه شيطانا 
إنه الباب لكن الفتح صعب * زاد قوما خوفا وقوما أمانا 
كأس حسن وكأس عشق وإنّي * بهما الآن لم أزل سكرانا 
هذه في العموم جملة حالي * وتعالى من أنزل الفرقانا 
ولأهل الخصوص منّي مقام * كلّ حال في ذاته يتفانى 
كان في بيت عزّتي من قديم * ثمّ صارت ثيابه الحدثانا 
وهو قرآننا بليلة قدر * قد تلوناه ساعة وتلانا 
إن تكن قد مضت لأحمد صحب * إنّنا لم نزل له إخوانا 
هكذا جاء في الأحاديث عنه * ودّ لو أنّه يكون رآنا 
ظاهر العلم في الصحابة باد * وهو علم التكليف إنسا وجانا 
والذي قد بدا بنا هو علم * زاد عن كلّ باطن إبطانا 
وهو علم التشريف علم المزايا * ليس ظنّا لنا ولا حسبانا 
بل يقين محقّق أخذته * قومنا بالشهود آنا فآنا 
وهو علم الإله يظهر فيمن * قرأ اللّه ذاته قرآنا 
خذه منّا بالحال والقال وادخل * لحمانا وافرغ لنا عن سوانا 
هو عشق لا وهم لا فهم فيه * لا تواني لا فكر لا إذعانا 
يملأ العقل يملأ الحسّ نورا * كلّ من عزّ في معانيه هانا 
هو أمر ترى الجبان شجاعا * إن بدا منه والشجاع جبانا 
ليس يدريه غير صاحب قرب * كلّما أبعد الجميع تدانى 

وقال رضي اللّه عنه : 
عين حقّ إنسانها الإنسان * وهي نار عنها سواها دخان 
ما لها صورة سوى كلّ شيء * أمرها لابس لنا عريان 
إن بدت أفنت الجميع بوجه * مشرق زان حسنه الإحسان 

يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:45 pm

قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وإذا ما اختفت أعارت سناها * كلّ شيء فلاحت الأعيان 
بنت عقل أهل السّوى عبدوها * ليت لو كان عندهم إذعان 
يحسبون الذي يرون كمالا * وهو لو يعقلونه نقصان 
ويظنون أنّهم في حصول * والذي حصّلوا هو الحرمان 
ينصرون الهوى على الشرع عمدا * وعليهم يستحوذ الشيطان 
بعدت درّة الوجود عليهم * فبأصدافها لهم لوذان 
علمهم قشر علمنا ولبوب * بقشور عن الدواب تصان 
عندهم من عقولهم حشرات * ولهم من نفوسهم ثعبان 
ربّنا اللّه لا سواه وأمّا * ربّهم فهو عسجد وجمان 
تعسوا أين هم وأين هوانا * هو فينا عزّ وفيهم هوان 
فهوانا يزداد باللّه طيبا * وهواهم بخبثهم يزدان 
أمحلت أرضهم وغيث علوم * هو في كلّ أرضنا هتّان 
وهي تعلو عنهم وتدنو إلينا * وهي فيهم خوف وفينا أمان 
إنّ للّه في الوجود رجالا * كلّ حين بدين أحمد دانوا 
أسلموا ثمّ آمنوا بأمور * تمّ فيها الإسلام والإيمان 
هم على الجهل فطرة ليس يدرو * ن وما العلم غير ما فيه كانوا 
هم أولوا العلم لا سواهم وفيه * لم يزالوا لمّا عليه تفانوا 
قطعوا أنّهم له بيقين * فاستراحوا وزالت الأوثان 
ورموا بالسّوى على الكشف منهم * في بحار الفنا فبان البيان 
أمّة بالمهيمن الحقّ قامت * وعلى عرشها استوى الرحمن 
دخلت في غيب الغيوب فعنها * قد تولّى مكانها والزمان 
ذهب الجسم وانطوى الروح عنهم * ومضى الخمر واستقلّ الدنان 
هم على حالهم به من قديم * وكذا عندهم به الأكوان 
وهو أيضا على الذي هو فيه * ما عليه بنا تغيّر شان 
حلّة أهل ديننا لبسوها * ما بها بدعة ولا طغيان


وقال رضي اللّه عنه : 
نحن من المنسوبين * لسنا من المطلوبين 
أرسل ذا القول لنا * والدنا بالتعيين 

517
في سبب نعرفه * بشارة للتحصين 
وأمر القائل أن * يخبرنا في ذا الحين 
وذاك في نصف جما * دى أوّل بالتهوين 
لمائة والألف من * هجرة ذخر الناجين 
وكان في واقعة ال * رؤيا لبعض الأهلين 
أحفظه ألفاظها * وزاده في التلقين 
وقال قل له كذا * عنّي لفرط التّحنين 
فإنّه يعلم ما * أقوله بالتبيين 
نعم به أعلم عن * قطع بدون التخمين 
يعني به نسبتنا * للّه حقّا والدين 
وللعلوم والتّقى * وسيرة المهديين 
وللكمال والمعا * رف العلى والتمكين 
وللمقامات التي * تمكينها في تلوين 
وللجمال والجلا * ل إرث آل ياسين 
وإرث من كلّمه ال * حقّ بطور سينين 
ومن عليه أنبتت * شجرة من يقطين « 1 » 
وكلّ مأمون على ال * وحي الذي بجبرين 
والنسب الذاتي الذي * جلّ عن المخلوقين 
الطاهر الظاهر في * شهم أشمّ العرنين « 2 » 
فما له من أحد * يطلبه بالتكوين 
بعزّة الشان وما * لديه من فرط اللين 
فليس مطلوبا لمن * سواه من معلومين 
وهو الذي يطلب من * شاء مقام المسكين 
أعزّه اللّه به * وزادنا في التمكين 
ولم تزل حلّتنا * بحسنه في تحسين 
...............................................
( 1 ) اليقطين : ما لا ساق له من النبات كالقثّاء والبطيخ ، وغلب على القرع ، وثمرته يقطينة . 
( 2 ) العرنين : الأنف كله أو ما صلب من عظمه حيث يكون الشمم ( ج ) عرانين . 

518
ما أسفر الصبح وصا * ح طيره بالتلحين 
ولبس الروض من ال * زهور ثوب التزيين 
وما انجلى الغصن على * نسيم عرف النسرين « 1 » 

وقال رضي اللّه عنه مخمسا الأبيات المنسوبة إلى الشيخ إبراهيم الدسوقي رضي اللّه عنه وهو في رحلته المسمّاة بحلّة الذهب الإبريز « 2 » في رحلة بعلبك « 3 » واليفاع « 4 » العزيز : 
لقد نظرت قوم بطرف لهم قذي 
فلم يشهدوا إلّا حجاب جمال ذي 
وقوم لقد شمّوا شذا روضها الشذي 
يقولون لي ما العلم ما السرّ ما الذي * هو الجوهر الغالي عن البحر خبرنا 
على صحبنا غنّت فصاح طيورنا 
وذات الحميّا أشرقت في صدورنا 
تجلّت علينا تنجلي فوق طورنا 
فقلت لهم : هذي مطالع نورنا * ومغربها فينا ومشرقها منّا 
إلى حضرات الحقّ كان ارتفاعنا 
ومنّا لقد مدّت إلى الغيب باعنا 
وفي أزل الآزال زاد انتفاعنا 
على الدّرّة البيضاء كان اجتماعنا * ومن قبل خلق الخلق والعرش قد كنّا 
سحاب غيوب الذات تمطر ماءنا 
ومن حطّ قدرا كيف يدري سماءنا 
ولمّا استرحنا واطّرحنا عناءنا 
تركنا البحار الزاخرات وراءنا * فمن أين تدري الناس أين توجّهنا 
........................................................
( 1 ) النّسرين : نبات له زهر أبيض عطري ، قوي الرائحة . واحدته نسرينة . 
( 2 ) الإبريز : الذهب الخالص . 
( 3 ) بعلبك : مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها في الدنيا ، بينها وبين دمشق ثلاثة أيام وقيل : اثنا عشر فرسخا من جهة الساحل . ( معجم البلدان 1 / 453 ) . 
( 4 ) اليفاع : من قرى ذمار باليمن . ( معجم البلدان 5 / 439 ) . 

519
كشفنا عن الوجه الجميل غياهبا 
وقد صار منّا السرّ للكلّ ناهبا 
ومن حضرة الرحمن نلنا مواهبا 
ألا يا لقومي قد قرأتم مذاهبا * ولم تدر يا قومي رموز مذاهبنا 
فوائد كم أضحت قيود رهيننا 
وعنكم لقد أخفي مقام أميننا 
ويا علماء الرسم هل من معيننا 
مذاهبكم نرفو بها بعض ديننا * ومذهبنا عمى عليكم وما قلنا 

وقال رضي اللّه عنه عروض اشتياق ولا وصول : 
" دور " 
طلعة كلّها جمال * إن بدت تفتن الجميع 
حال زال مال آل * كلّ شيء إلى الفنا 
زان عشّاقها الكمال * يتهنّى بها الخليع 
طال صال عال غال * للمسرّات والهنا 
" دور " 
نحن آيات وجهها * ليس ندري بكنهها 
صاح باح ساح طاح * من إلى نحوها دنا 
لا تحم حول شبهها * من ترى ذاك يستطيع 
لاح راح فاح ناح * طائر الشوق بالمنى 
" دور "
صلّ ربّي على النبي * أحمد المصطفى الهمام 
فاق راق ساق شاق * مغرم القلب بالغرام 
منه عبد الغني حبي * رفعة الجاه والمقام 
حاق تاق لاق ذاق * كلّما غرّد الحمام 
" دور " 
وعلى الآل والصحاب * من حووا رفعة الجناب 
باه جاه شاه تاه * كلّ من غيرهم أجاب 

520
وذوي القرب والخطاب * من غدا برقهم لميع 
ساه واه فاه لاه * بسواهم من اعتنى 

وقال رضي اللّه عنه : 
بدا جمال حبيبي * والكلّ قد غابوا 
والمضنى أفنى لا يرفق * بالمغرم العاني 
والوجه منه نصيبي * والحسن جلباب 
لي أغنى أقنى قد أشرق * في عين إنسان 
وفوق قلبي خطيبي * للسرّ وهاب 
والأدنى أدنى بالأبرق * فرد بلا ثاني 
يا صاحبي فاقتدي بي * إني أنا الباب 
فالمعنى معنا ما أفرق * عن سرّ روحاني 
" دور " 
يا واحدا قد تثنّى * فأشركوا فيه 
والساقي باقي يسقيني * بكأسه الصافي 
ونلت ما أتمنى * والغير في التيه 
والراقي واقي يحميني * عن السّوى كافي 
ومن يشاهد تهنّى * من غير تمويه 
أشواقي لاقي تغنيني * عن كلّ أوصافي 
في النور كان مغيبي * والكون أسباب 
والحسنى أسنى لي أحرق * وجه له داني 
" دور " 
صلّى إله البرايا * ربّي على المختار 
ذي المجد يجدي بالإحسان * للبائس الراجي 
طه شريف المزايا * من جاء بالأسرار 
للرفد يفدي ممّا كان * فكلّهم ناجي 
عبد الغني بالعطايا * مشعشع الأنوار 
لي وجدي يجدي بالألحان * في الغيهب الساجي 

521
ما جدول بالصبيب * في الروض ينساب 
أواهنا وهنا مذ أطرق * ريّان الأغصان 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا أبيات الشيخ العارف باللّه تعالى أبي الحسن التستري الشاذلي رضي اللّه عنه : 
إليك من البعد قلبي دنا 
ومنك لقد نلت كلّ المنى 
فيا من لنا قال إنّي أنا 
أتيناك بالفقر يا ذا الغنى * وأنت الذي لم تزل محسنا 
وعند الصباح وعند المسا 
نهيم اشتياقا بفرط الأسى 
عهدناك برّا بنا مؤنسا 
وعوّدتنا كلّ فضل عسى * يعود الذي منك عوّدتنا 
سراة الهوى بالهوى ولّهوا 
وفيك عن الغير قد توّهوا 
إليك كفوف الدعا وجّهوا 
مساكينك الشعث قد موّهوا * بحبّك إذ هو أقصى المنى « 1 » 
لقد جاء من فرعنا أصلكم 
ونحن الذي عمّنا فضلكم 
وهيهات أنّا نكافي لكم 
فما في الغنى واحد مثلكم * وفي الفقر لا عصبة مثلنا 
فنينا بمن لم يزل سرمدا 
ومنه به قد سمعنا النّدا 
ويا من خفي عن عيون العدى 
رأيناك في كلّ أمر بدا * وليس من الأمر شيء لنا 
..................................................
( 1 ) الشّعث : التلبّد والتغبّر . 

522
طمسنا بأنواركم والسّنا 
وآل الورى عندنا للفنا 
وقد صار لي حبّكم ديدنا 
سترت اسمكم غيرة ها أنا * أموّه بالشعب والمنحنى 
جرت خوف هذا الجفا أدمعي 
وشوقي به التهبت أضلعي 
وأنت الذي لا سواه أعي 
إذا كنت في كلّ حال معي * فعن حمل زادي أنا في غنى 
على سيرنا لم يزل سيركم 
وفي روض قلبي شدا طيركم 
وخير جميع الورى خيركم 
فأنتم هم الحقّ لا غيركم * فيا ليت شعري أنا من أنا 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن الجفون نحفظ العيونا * ونحن أهل الذكر فاسألونا 
ونحن ذات من بدت صفاته * تكشّف من صبغتنا فنونا 
جنوننا في حبّكم عقلا يرى * وعقلنا في ديننا جنونا 
وجودنا الحقّ ونحن باطل * نذوق في حياته المنونا 
وهو الذي له الصفات كلّها * والغافلون عنه يدّعونا 
اللّه وحده هو الموجود لا * سواه والجميع معدومونا 
لأنّهم هم التقادير التي * قدّرها لنا بأن تكونا 
ويظهر الوجود منه في الذي * يظهر عنه واضحا مكنونا 
والنور نور الذات في ظلامنا * ولم نزل نحن له الشؤونا 
نلوح كالبرق له ونختفي * فنعرف الظهور والبطونا 
ونحن في كلامه حروفه * نحمل معناه لنا المصونا 
وأمره الواحد ينجلي لنا * فيرسم الكاف بنا والنّونا 
كاف كفاية ونون نعمة * روحا وجسما سلسا موزونا 
وفعله نحن على مراده * فنقتضي التحريك والسّكونا 
عزّ وجلّ عن مشابه له * قد أعجز الأفكار والظّنونا 

523
وهو الغنيّ والورى جميعهم * يرجون غيث فضله الهتونا 
أضلّ في آدم عن طلعته * عدوّه إبليسا الملعونا 
وقد هدى فيه إليه أمّة * بأمره قد جاء يعملونا 
تبارك اللّه الذي بوجهه * في كلّ شيء هيّج الشّجونا 
وأتعب العاشق المسبي به * وحيّر المتيّم المفتونا 
وإن يشأ بالبعد يحرق الّذي * أراد غيرا أو أحبّ دونا 
وإن يشأ يكشف عن الوجه لمن * يحبّه ويخرج المسجونا 
مطروده بغيره مفتتن * ولم يزل مقبوله المحصونا 
وحكمه ليس له من علة * فإن بدا لا تمنع الماعونا « 1 » 
وكن به له خفيّا ظاهرا * ولا تكن بجهله مغبونا 

وقال رضي اللّه عنه : 
أيّها الشخص الذي قال أنا * مسلم والكفر فيه اكتمنا 
ليس هذا الأمر بالقول ولا * بالتمنّي يدرك المرء المنى 
إن تكن آمنت باللّه كما * هو في التنزيه عمّا ههنا 
حيث لا تشبيه في العقل له * ثمّ لا تعطيل سرّا علنا 
ثمّ صدّقت النبيّ المصطفى * بالذي جاء به يرشدنا 
والذي في صدره كنت به * موقنا في كلّ حال مؤمنا 
والذي أظهره من شرعه * هكذا كنت به مستيقنا 
أو بدا من ذاك شيء لك في * أحد عنك تناءى أو دنا 
فإذا أنت لعمري مسلم * تتبع الفرض وتقفو السّننا 
فاستعن باللّه إن لم تك في * هذه الحالة تلق المننا 
وإذا أتحفك اللّه بها * فاشكر اللّه لها وادع لنا 

وقال رضي اللّه عنه في كتابه التنبيه من النوم في حكم مواجيد القوم : 
يا كثير الشوق والشجن * دائما في السرّ والعلن 
راح يشكو هجر ممتنع * فهو عن وصف الجميع غني 
................................................
( 1 ) الماعون : ما يتداوله الناس ويتعاورونه بينهم بالعاريّة كالفأس والحبل والقدر والدلو . 

520
ما له إن رمته جهة * فانتبه من غفلة الوسن 
ما له في ديننا أبدا * من مكان لا ولا زمن 
كان قبل الكون وهو على * ما عليه كان فاستبن 
إن ترم تحظى برؤيته * طبق ما قد جاء في السّنن 
ألق منك النفس وهو بأن * تعرف المودع في البدن 
واستمع واصغ لذاك ولا * تشتغل عنه بلوم دني 
كلّ من في الكون عنه إذا * لم تجدهم فيه في فتن 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنت الذي طول عمري الهمّ تكفيني * وعند موتي وتغسيلي وتكفيني 
أنت العليم بحالي والبصير به * يا مالك الملك يا ربّ السلاطين 
وليس لي من سلاح فيك أحمله * بل أنت حسبي عن حمل السكاكين 
أنت القويّ على ضعفي تدبرني * في كلّ أمر وعمّا شئت تغنيني 
خلقتني من تراب واقتدرت فلا * مساعد لك في خلقي وتكويني 
وأنت سوّيتني من نطفة رجلا * وفيّ منك بنفخ الروح تحييني 
كم نعمة لك عندي لست أحصرها * فيما سيأتي وفي الماضي وفي الحين 
وأرتجي منك توفيقي لشكرك يا * شكور إنّك ما أرجوه تعطيني 
وأعظم الكلّ إرشادي لدين هدى * طريقة الحقّ نور الشرع والدين 
كان النبيّ نبيّا في الغيوب به * وآدم بين الماء والطين 
وإنّني بك ربّي واثق كرما * بالحفظ من كلّ ما عن ذاك يلويني 
آمنت بالوعد حقّا والوعيد على * طبق النصوص التي جاءت بتعيين 
وأنت أكرم من يوفي بموعده * من غير خلف ولا مطل ولا مين 
ونرتجي كلّنا خلف الوعيد فما * خلف الوعيد بعيب منك أو شين 
لأنّه كرم وهو الدليل على * عناية اللّه بالخلق المساكين 
يا من له الحجّة العظمى التي بلغت * أقصى الكمال وأزرت بالبراهين 
على جميع الورى إن شاء عذّبهم * عدلا وخلّدهم في نار سجّين 
وإن يشأ بجنان الخلد نعّمهم * فضلا وعاملهم باللطف واللين 
إنّي أريدك لا إنّي أريد سوى * وما السّوى غير تلبيس وتزيين 
وأنت أنت هو الحقّ المبين بلا * شكّ وغيرك وسواس الشياطين 

525
يا خالق الخلق بالسرّ العظيم ويا * من أمره بين تحريك وتسكين 
إنّي توسلت في الدّنيا إليك بمن * جعلته سببا في كلّ تدوين 
ومن هو النور من فيّاض نورك قد * خلقت كلّ الورى منه بتكوين 
طه النبي الذي أرسلته كرما * فينا لكشف وإيضاح وتبيين 
محمد المصطفى المختار من مضر * وآله الغرّ هاتيك الأساطين 
أن تشرح الصدر من ضيق ومن حرج * وتفرج الهمّ من صعب بتهوين 
ولا تدعني أمدّ الكفّ في طلب * ممّن سواك على ظنّ وتخمين 
واحفظ عقيدة قلبي من تقلّبه * حتى ألاقيك في صدق وتمكين 
وجد بعفوك عن عبد الغنيّ وكن * عونا له يوم تعديل الموازين 
والطف به وبآباء له سلفوا * وكلّ إخوانه أرباب تحصين 
والمسلمين جميعا ما شدت سحرا * ورق الحمام بأنواع التلاحين 

وقال رضي اللّه عنه موشح : 
" دور " 
الظاهر أفناني * والباطن أبقاني 
والعاذل يلحاني * في الكأس وفي الحان 
" دور " 
يا صاحب أشواقي * ها أنت هو الباقي 
والحقّ هو الساقي * من خمرة إنسان 
" دور " 
عرّج بربا نجد * يا مكثر ذا الوجد 
فالقرب لنا يجدي * من ساكن نعمان 
"دور " 
الحيّ لنا بانا * والمركب أعيانا 
فارفق بمطايانا * يا سائق أظعان 
" دور " 
هذا العلم الفرد * والشوق بنا يحدو 
والقرب هو القصد * في عالم روحاني 

526
" دور " 
مولاي علي الهادي * من طاب به الوادي 
واشتاق له الحادي * فارتاح بألحان 
"دور " 
أنواع تحيّاتي * من عبد غني تأتي 
في سائر أوقاتي * بالخير وإحسان 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن قوم متنا به وفنينا * بتجلّي وجوده الحقّ فينا 
وحشرنا إليه عمّن سواه * ودخلنا جنانه خالدينا 
قمر لا نضام فيه اجتلاء * بيّنته ذواتنا تبيينا 
وإذا أظلم الكيان عليه * أطلعته الغيوب حينا فحينا 
يا أخلاي هذه نفحات * من رياض بها إليه أتينا 
فلتشمّوا الأقاح والورد منها * والخزامى والآس والياسمينا 
حضرات بها الوجود تجلّى * زيّنته لمن يرى تزيينا 
قد حمدنا السّرى بهنّ إليها * حيث منها جئنا المقام الأمينا 
وهي أمّ الكتاب سبع المثاني * نزلت مرّتين عقلا ودينا 
فرقينا صفاتها درجات * وشربنا تسنيمها الصرف عينا 
وتلونا آياتها وقرأنا * هنّ حم والكتاب المبينا 
وبدت عندنا معاني معان * لمعان بذاتها تبتدينا 
علمنا والكتاب والوصف منها * وهي ذات وراء ذا لن تبينا 
كيف في الكلّ لن تبين وبانت * وهي نور لمّا يزل مستبينا 
واعتباراتها الثلاث ظلام * زائل عندها عيانا يقينا 
ثلّثوها حقيقة لا اعتبارا * ثمّ ضلّوا ونحن فيها هدينا 
فاعرف الكلّ هكذا وتحقّق * تعرف الحقّ والكفور اللّعينا 

وقال رضي اللّه عنه لمّا قدم دمشق الشام فخر الأفاضل الكرام العالم العامل الهمام الشيخ محمد البدريّ الدمياطيّ الشهير بابن الميت « 1 » طلب منه في ضمن أبيات أن 
.....................................................
( 1 ) هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد البديري الحسيني الدمياطي الأشعري الشافعي ( توفي -  1140 هـ - 1728 م ) أبو حامد ، فاضل ، عارف بالحديث ، من الشافعية .

527
يكتب له ما تيسّر بحسب فتوح الوقت من النصائح الإلهية والحقائق الربانية وذلك في أواخر شوّال سنة أربع ومائة وألف فأجابه إلى ذلك بعون الملك القدير المالك حيث قال : 
خذها إليك لها هدى وبيان * منّا نصيحة من له عرفان 
مغرى بحبّ المذعنين يسوقهم * للغيب منه تحقّق وعيان 
وبها يد التوحيد قد مدّت لمن * حفظ العهود وعنده الإذعان 
إنّي بحبّك يا محمّد مغرم * أنت البديري بالكمال مصان 
وعليك من نسج الهداية حلّة * وطرازها التوفيق والإيقان 
فأبشر بكلّ سعادة وعناية * وحماية ومن الإله تصان 
أنت الحقيق بأن يقال لك انتبه * من رقدة الغفلات يا إنسان 
أعني بذلك رقدة الدين التي * من كان راقدها ها هو اليقظان 
عند العوام وعند من هو غافل * والذكر منه بها هو النسيان 
علم اليقين فإنّ ذلك بعده * عين اليقين به الأحبّة دانوا « 1 » 
من بعده حقّ اليقين ولليقي * ن حقيقة لظهورها لمعان « 1 » 
هي وحدة باسم الوجود تحقّقت * وهي الوجود الحقّ والوجدان 
تنحلّ فيها المشكلات جميعها * والسّنّة الغرّاء والقرآن 
وكلام أهل اللّه في طبقاتهم * وبها يكون من الشكوك أمان 
إنّ الوجود لمن تحقّق واحد * ليس الزيادة فيه والنقصان 
ذات منزّهة عن التركيب لا * شيء يشابهها له الحدثان 
وصفاتها في نفسها هي عينها * وكذاك أسماء لتلك حسان 
................................................
 يقال له « ابن الميت » و « البرهان الشامي » أصله من دمياط . ووفاته فيها . تعلم بها وبالقاهرة . من كتبه « شرح منظومة البيقوني » في مصطلح الحديث ، سمّاه « صفوة الملح » و « الجواهر الغوالي في بيان الأسانيد العوالي » ، و « المشكاة الفتحية » في شرح « الشمعة المضية » للسيوطي في النحو . الأعلام 7 / 65 - 66 ، وفهرس الفهارس 1 / 154 ، والجبرتي 1 / 88 . 

( 1 ) علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين : عبارات عن علوم جليّة ، فاليقين : هو العلم الذي لا يداخل صاحبه ريب على مطلق العرف ، ولا يطلق في وصف الحق سبحانه لعدم التوقيف . وعلم اليقين هو اليقين ، وكذلك عين اليقين هو اليقين نفسه ، وحق اليقين هو اليقين نفسه فعلم اليقين على موجب اصطلاحهم هو ما كان بشرط البرهان ، وعين اليقين ما كان بحكم البيان ، وحق اليقين ما كان بنعت العيان . فعلم اليقين لأرباب العقول ، وعين اليقين لأصحاب العلوم ، وحق اليقين لأصحاب المعارف . ( الرسالة القشيرية ص 85 )

528
والعقل يدرك أنّ ذلك غيرها * وهي المراتب ما لها نكران
لا عينها لا غيرها فافطن هنا * ليزول عنك الظنّ والحسبان
وهي اعتبارات كثيرات وما * هي غير ذات الحقّ جلّ الشان
والحسّ والمحسوس قد قاما بها * والعقل والمعقول يا إخوان
والكلّ خلق اللّه أي تصويره * مثل المعاني تدرك الأذهان
فانظر إلى هذا الوجود مجرّدا * عنه تقاديرا هي الأكوان
ومنزّها لجماله عن كلّ ما * يحوي المكان وتجمع الأزمان
فالكلّ موجودون منه به له * لولاه كان وجودهم ما كانوا
والكلّ معدومون فيه وإنّما * هو وحده المتفضل المنّان
وهو الذي هو عين ما هو لم يزل * ما غيّرته بخلقها الأعيان
وكذاك لم تتغير الأعيان من * عدم بها لكن لها لوذان
تبدو به وهو الذي يبدو بها * كلّ لكلّ نسبة وقران
وهما جميعا ظاهران فتارة * خلق يقال وتارة رحمن
حقّ على العرش العظيم قد استوى * وبه محلّ قائم ومكان
سبحانه من أن يحلّ بغيره * أو في مكان أو له إمكان
هو أوّل هو آخر هو ظاهر * هو باطن هو واحد ديّان
والكائنات جميعها معدومة * في نوره ولها به إبطان
وهو الوجود الحقّ جلّ جلاله * والإنس قد قاموا به والجان
في الملك والملكوت عزّ وجلّ عن * معنى الشريك وما هي الأوثان
فالجأ إليه وكن به متمسّكا * وليستو الإسرار والإعلان
واطرح قيودك في حماه ولذ به * وليكثر التفويض والتكلان
وبه فقم واقعد به واركع به * واسجد إليه به لك استيقان
واترك مرادك في قديم مراده * يمضي الفساد ويذهب الطغيان
واترك به دعوى الوجود له وكن * فيه بلا كون يزول الران
واجعل فناءك في هواه هو البقا * إنّ الفنا هو للبقا ميدان
واعكف على سنن النبيّ محاذرا * بدع الزمان يسوقها الشيطان 

529
فالسّنّة الغرّاء منهاج التّقى * تمحى به الآثام والعصيان 
واكفف عن الناس الظنون وسوءها * واحذر ففي هذا لك الحرمان 
واترك على العاصين ستر إلههم * واعلم بأنّك كيف دنت تدان 
واكتم سريرتك التي هي قد صفت * لك عن سواك يزينك الكتمان 
وأقم على نصحي وكن متحقّقا * بمقالتي فمقالتي الفرقان 
وأدر لسانك بالصلاة على الذي * غيث الهدى أبدا به هتّان 
ولآله ولصحبه من بعده * فليكثر التسليم والرضوان 
وانهض بحبّ الصالحين وذكرهم * فيما تروم فتذهب الأحزان 
ولك الحوائج تنقضي بسهولة * وإليك يأتي العفو والغفران 
وبما أتى عبد الغنيّ فخذ ولا * تتبع عداه فإنّهم عميان 

وقال وقد رفع إليه هذا البيت وسئل عن معناه رضي اللّه عنه : 
لا كنت إذ كنت أدري كيف كنت ولو * لا كنت إذ كنت أدري كيف لم أكن 
فأجاب : 
أي كنت من قبل أني كنت لا معه * فلا تكن معه بل كن به تكن 
وهذا كله من قوله عليه السلام : « كان اللّه ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان » « 1 » . 

وقال رضي اللّه عنه : 
ظهر الحقّ للعيان وبينا * نحن فيه إذ صار بعدا وبينا 
نقطة الانفصال من كلّ نفس * تجعل العين في الشهادة غينا 
رتب تنقضي وأخرى توافي * باعتبار منه لهنّ يقينا 
كلّ هذا نراه إذ نحن خلق * وهو شيء منّا لنا لاح فينا 
والعظيم العظيم جلّ تعالى * أين من يعرف الحقيقة أينا 
لكن الأمر هكذا هو ستر * وتجلّ مبيّن تبيينا 
ويدي هذه يدي وهي أيضا * يده لي بها يكون معينا 
...............................................
( 1 ) أخرجه الزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين 2 / 105 ) ، وعلي القاري في ( الأسرار المرفوعة 263 ) ، والعجلوني في ( كشف الخفاء 2 / 189 )

530
وجميعي هذا وروحي وجسمي * فهو لي بي يفيض دنيا ودينا 
والتصاوير والتماثيل منه * لمحات تلوّنت تلوينا 
وله الخلق مثل ما قال والأم * ر على قدر ما يريد يرينا 
فنراه به كذلك طورا * ويرانا طورا بنا مستبينا 
بصر واحد وسمع وعلم * يتبدّى حينا ويستر حينا 
والذي قال عنه في الذكر إنّي * قال عنّا في الذكر إنّ الّذينا 

وقال رضي اللّه عنه ناظما الخصال العشر المحمودة التي في الكلب وهو شعار الصالحين : 
في الكلب عشر خصال كلّها حمدت * يا ليتها كلّها أو بعضها فينا 
جوع له لم يزل والصالحون كذا * وما له موضع يختصّ تعيينا 
كمن على ربّه لا زال متّكلا * ولا ينام سوى من ليله حينا 
مثل المحبّين لا ميراث قطّ له * إن مات كالزاهدين المستقلّينا 
وليس يهجر يوما من يصاحبه * وإن جفاه كأخلاق المريدينا 
وراضيا بيسير من معيشته * ما زال كالقانع المستكمل الدينا 
وإن يكن غالبا شخص سواه على * مكانه ينصرف عن ذاك تهوينا 
بتركه مثل أصحاب التواضع قل * وإن بضرب وطرد من فتى هينا 
ثمّ الفتى قد دعاه بعد ذاك أتى * كحال أهل خشوع خذه تبيينا 
وإن رأى الأكل أضحى واقفا تره * يرنو إليك كأخلاق المساكينا 
وإن ترحل لا شيء ترى معه * مثل الذي حاز في التجريد تمكينا 

وقال رضي اللّه عنه موشح : 
" دور " 
هوى عين العيون * يسوق إلى المنون 
وللوجه المصون * ظهور في بطون 
بدا فشهدت دوني * تناويع الفنون 
وقد ثارت شجوني 
" دور " 

531
سقى الوادي وحيّا * رباه الودق ريّا « 1 » 
فكم دارت عليّا * به كأس الحميّا 
وصرت به مهيّا * طويت الكون طيّا 
فمن كاف لنون 
"دور " 
وصلّى اللّه ربّي * على الداعي الملبّي 
على محبوب قلبي * على طه وحبّي 
به في نيل قربي * وآل ثمّ صحب 
بهم فتح الحصون 
" دور " 
أئمة كلّ حيّ * ذوي القدر السنيّ 
لهم عبد الغنيّ * بتسليم يحيي 
من اللّه العليّ * على أمد العشيّ 
وتقليب الشؤون 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا الأبيات المنسوبة إلى العارف باللّه تعالى نجم الدين بن إسرائيل قدّس اللّه سرّه العزيز : 
قلبي إلى وجه سلمى مغرم عاني 
وحبّها معدم آثار أعياني 
فيا رفيقي حديث الغير أعياني 
روّح فؤادي بذكر النازح الداني * فذكره لم يزل روحي وريحاني 
من لي بمن هو باد في غلالته 
كالبدر يشرق من صافي غمامته 
فغنّ لي باسمه وافصح بآيته 
واصرف همومي بصرف من مدامته * فدنّها من جناب العزّ أدناني 
...................................................
( 1 ) الودق : المطر شديده وضعيفه . 

532
يا للّه يا بارق الأسرار قف نفسا 
فالكون نور ومن يلهو يرى غلسا 
إنّي أردت الهدى خذ منه لي قبسا 
واحطط رحالي بباب الدير ملتمسا * راحا فقيّوم ذاك الدير لي داني 
شمس المعاني بأفلاك العلى بهرت 
وقصة العشق في أهل الهوى اشتهرت 
والحسن أحكامه بين الورى قهرت 
ولي بهيكله محجوبة ظهرت * من بعد ما خفيت عني بجسماني 
شعر الشعور يحاكي حيّة لسعت 
فلو دعا كلّ نفس نحوه لسعت 
لكن حقيقتنا هذا الذي صنعت 
منيعة الوصل إلّا عن فتى منعت * في الحبّ معناه أن يصبو إلى ثاني 
عن العلوّ علت من فرط عزّتها 
والكون قد غاب في أنوار طلعتها 
حقيقة أنا فان في محبّتها 
نادمتها فمحتني عند رؤيتها * وكان محوي بها أصلا لوجداني 
ما غافل عن تجلّيها كمنتبه 
والقلب راق بها يا صفو مشربه 
وقد أزالت لدينا كلّ مشتبه 
ولو شرحت الذي منها خصصت به * يوما لأصبح من في الكون يهواني 
على التقادير بالإيجاد منعمة 
لمّا تجلّت وفي وجه الرّضى سمة 
من الأعاريب أمر العشق معجمة 
أشتاقها وهي في سرّي مخيمة * ونورها ظاهر ما بين أجفاني 
ركبت للشوق في بيدائها نجبا 
والكون يخفق منها قلبه وجبا 
يا لائمي في الهوى لومي غدا عجبا 
وكيف يصبح عنها الطرف محتجبا * وحسنها في جميع الخلق يلقاني 

532
مطوّل الوجد منّي ذاك مختصر 
والعشق أجمعه في القلب منحصر 
يا قوم إني على الأغيار منتصر 
إن غيبت ذاتها عنّي فلي بصر * يرى محاسنها في كلّ إنسان 
عنّي محت سائر الأوهام والشبه 
لمّا تجلّت بأمر غير مشتبه 
وإنّني لم أزل فيها بمنتبه 
ما في محبّتها ضدّ أضيق به * هي المدام وكلّ الخلق ندماني 

وقال رضي اللّه عنه : 
من مات يعلم أنّك الحقّ المبين * وأنا الذي قد متّ فيك على اليقين 
وفنيت حتى في وجودك بان لي * كيف التمسّك منك بالحبل المتين 
يا نور نور الكائنات جميعها * نور على نور هو النور المبين 
أنا ظلمة ظهرت بنور محمد * ومحمد نور بنورك مستبين 
والنور بالظلمات يظهر عادة * وكذلك الظلمات من نور تبين 
نحن التقادير التي قدّرتها * في نور نورك يا مهيمن يا معين 
فالطف بنا وامنن علينا بالذي * نرجوه منك ولا تدعنا حائرين 
وتولّ حفظ قلوبنا وجسومنا * مما يعيب من الأمور وما يشين 
وأعن وثبّتنا على سنن الهدى * دنيا وآخرة كما ترضى ودين 
بحبيبك الهادي إليك محمد * خير الورى وأجلّهم طه الأمين 
وبآله وبصحبة وبحزبه * وبمن غدوا أنصاره والتابعين 
أبدا عليه كذا عليهم كلّهم * أزكى الصلاة مع السلام بكلّ حين 
ما لاح وجه الفجر في شعر الدّجى * والشمس مشطت السواد عن الجبين 

وقال رضي اللّه عنه : 
أوّاه من سار فيكم * بروح أمر أمين 
لا طبع جسم شمال * وجهل نفس يمين 
يرجع لكم منه روح * يا نور قلبي وعيني 

534
يرجع بجسم ونفس * يرجع بخفّي حنين « 1 » 

وقال مواليا : 
قلبي الذي في هوى المحبوب لاقى البين * وليس للمرء إلا قلب لا قلبين 
والقلب في الدهر يقلب قلب لا قلبين * لاق اللقا بي وبالأغيار لاق البين 

وقال رضي اللّه عنه : 
ما لابن مريم في تلك الأساطين * من قومه غير تبليغ وتبيين « 2 » 
كانت حقيقته الروح التي غلبت * على الهواء به والنار والطين 
روح مقدّسة من أمر خالقها * منفوخة فيه عن توجيه جبرين 
وجاء يدعو بني يعقوب منه إلى * مثل الذي هو فيه من تحاسين 
لأنّهم كلّهم أولاد آدم من * جسم وروح وتغليظ وتليين 
فقام يشرح فيهم أمر نشأته * من التجلّي بأنواع التلاوين 
وقال إنّي وإنّي حسبما نقلوا * عنه على مقتضى إدراك تكوين 
وقصده أن يروا أحوال أنفسهم * كما رأى نفسه عيسى بتهوين 
فيعرفوا ربّهم ذات الوجود على * ذواتهم قد تجلّت في الأحايين 
فيعبدوه كعيسى في عبادته * من غير نقص وجور في الموازين 
وكان مشرب عيسى في معارفه * للخائفين يسمّى بالرهابين 
والكاشفون لشمس الروح طالعة * هم الشماميس أمثال العراجين « 3 » 
والقسّ صاحب شان في تحقّقه * وغير ذلك ممّا في الدواوين 
بمقتضى لغة الإنجيل واصطلحت * عليه تلك الحواريّون في الحين « 4 » 
كما أتى عابد في شرعنا وأتى * مقرّب وولي أهل تمكين 
وهكذا هي ألقاب محقّقة * للعيسويين من تلك الأساطين 
حتى لقد نسخت تلك الأمور وقد * سرى بها الكفر في طرق الشياطين 
.........................................................
( 1 ) الخفّ : ما يلبس في الرّجل من جلد رقيق . وفي المثل ( رجع بخفّي حنين ) ، يضرب لمن يرجع بالخيبة . 
( 2 ) الأساطين : يقال : هم أساطين الزمان ؛ أي : حكماؤه وثقاته المبرّزون فيه . مفرده أسطون معرّب ( أستون ) الفارسية . 
( 3 ) العراجين : ( ج ) العرجون : العذق ، وهو من النخل كالعنقود من العنب . 
( 4 ) الحواريّون : ( في القرآن الكريم ) أنصار عيسى عليه السلام . 

535
وما بقي الآن غير الاسم وارتفعت * حقائق الوصف عن قوم ملاعين 
فراهب كافر والقسّ يشبهه * في زيغه عن صراط الحقّ والدين 
والأمر في نفسه حقّ وقد ورثت * مقام عيسى به أصحاب ياسين 
من هذه الأمّة الغرّا جهابذة * في صولة الحال أمثال السلاطين 
فاستعملوا كلّ اسم في حقيقته * بالكشف والصدق لا عن حكم تخمين 
وما تحاشوا لأنّ الأولياء لهم * حكم الوراثة عن حقّ وتعيين 
وإنّه مقتضى علم الحقائق لا * علم الرسوم لنفع لا لتزيين 
فحقّقوا ما كشفنا عنه واعتبروا * يا عصبة الحقّ يكفيكم ويكفيني 

وقال رضي اللّه عنه من المواليا وقد عمله في المنام ولما استيقظ لم يبق في حفظه غير المصراع « 1 » الأوّل فأكمله في اليقظة : 
كلامكم يا عواذل كلّه مينا * معناه فضة زغل ما تقبلو مينا « 2 » 
كيف العمل لم تجد إن صحتمو مينا * مراكب العشق في بحر الهوى مينا 

وقال مواليا : 
في منزل القرب لمّا نحن حلّينا * كلّ التعاقيد بالتحقيق حلّينا 
وحين مرّ الجفا بالصبر حلّينا * أعناقنا بعقود الوصل حلّينا 

وقال مواليا : 
لم يبق مخلوق تخصيصا وتعيينا * إلا بلي بالبلا دنياه أو دينا 
بل كلّ معنى لقد ذاق البلا حينا * حتى البلا بالملا منّا بلي فينا 

وقال رضي اللّه عنه موشح : 
"دور " 
بدت شمس الضّحى تجلى * على قلب بها عاني 
فما أهنى وما أحلى * مليحا ما له ثاني 
يا أخلائي * داؤكم دائي 
في الرشا النائي * إنّني رائي 
أصل بلوائي * نقطة الباء 
حيث في مائي * رمز إيمائي 
.............................................
( 1 ) المصراع : من بيت الشعر : نصفه وهما مصراعان أولهما صدر البيت ، والثاني عجزه ( ج ) مصاريع . 
( 2 ) الزّغل : الغشّ . 

536
لاحت الأنوار * بانت الأسرار 
زادت الأطوار * غنت الأطيار 
فانطفي يا نار * قد دنا الداني 
أيّها الغافل * يدرك الآفل 
ليت لو تدري * بالهوى العذري 
إنّما بدري * لاح في صدري 
فاختفى أمري * بين إخواني 
" دور " 
جميل الوجه قد وافى * فأفنى سائر الأكوان 
ومن بعد الجفا صافي * وزان الحسن بالإحسان 
نوره ماحي * خطّ ألواحي 
فارتشف راحي * منه يا صاح 
لا تكن صاحي * واترك اللاحي 
بين أشباح * دون أرواح 
ثمّ صلّى اللّه * على النبي الأواه 
العظيم الجاه * من به قد فاه 
عبد من أغناه * مغرم عاني 
مع جميع الآل * سادة الإفضال 
والصحاب الغرّ * من جفاهم غرّ 
هم لدفع الضر * كالدواء المرّ 
وعقود الدّر * ذاك حلّاني 

وقال رضي اللّه عنه : 
ما لي لقد أصبحت من نيل المنى * لا أنت أنت أرى ولا أنّى أنا 
وأرى البلاد ولا بلاد وأهلها * لا أهلها وأرى الدّنا هي لا الدّنا 
وجميع ما قد كان زال ولم يزل * والكلّ وهما صار لي كي يفتنا 
وبدا الذي قد كان عنّي خافيا * متصوّرا بالكلّ لي متعيّنا 
من غير ما صور تغيّره ولا * هو بالظهور بها يكون مكوّنا 
ما قيّدته عن مدى إطلاقه * إذ لا وجود لها سواه مبيّنا 
وهي الكثيرة وهو فيها واحد * فرد وإن صبغته لي فتلوّنا 
لم يشتغل عن بعضها بالبعض بل * في كلّ شيء لم يزل متمكّنا 
وشؤونه هي وهي فانية به * وهو الذي هو ليس يدركه الفنا 
حقّ ونحن وما نشاهد باطل * فتن العقول بخلقه والأعينا 
فاحذر تظنّ بأنّ شيئا غيره * معه يكون هناك في الغد أو هنا 
وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الفناء طهارة الإنسان * لصلاة معرفة البعيد الداني 

537
فصلاة معرفة الإله بغير ما * طهر الفناء عديمة الأركان 
والكفر فيها ظاهر بكلامه * وبفعله وإزالة الإيمان 
إنّ الفناء طهارة مفروضة * لصلاة معرفة على الإنسان 
وهي الفناء المحض بالتطهير عن * خبث الجسوم كثائف الحيوان 
وعن النفوس لطائف الكون التي * حدثت فقل حدث من الحدثان 
وطهارة الأخباث والأحداث لا * تجزي بغير الماء ذي السيلان 
والماء ماء الغيب ينزل من سما * غيب الإله على فؤاد عاني 
لا بدّ ذاك يكون ماء مطلقا * عمّا يخالطه من الأكوان 
حتى به حدث يزول وإن يكن * ماء تراه مقيّدا بمعاني 
فهو المقيّد وهو ليس برافع * حدثا كما قالته أهل الشّان 
لكنّهم في رفعه خبثا لهم * قولان والرفع اقتضاء بيان 
والماء ذاك المطلق الصرف الذي * هو بالوجود يراد في القرآن 
تحقيق كلّ حقيقة بالحقّ إذ * هو لا سواه وكلّ شيء فاني 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:46 pm

قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وقال رضي اللّه عنه : 
إياك تشهد غيره ودع العنا * لا أنت في هذا الوجود ولا أنا 
هذا الوجود هو الحقيقيّ الذي * نبدو به وبه نعود إلى الفنا 
وإذا به عدنا نعود كلم نكن * وإذا بدونا فهو باد دوننا 
والباطل الشان الذي هو باطل * والحقّ حقّ إن تباعد أو دنا 
إنّ الذي هو عالم بك جاهل * يا من تحجّب بالسّوى وتبيّنا 
لونان كالحرباء لون خلائق * ظهرت ولون حقائق هنّ المنى 
يا ابن الحوادث لا تظنّ فلا تكن * أنت القديم وإن بدا بك واعتنى 
هو عنك ممتاز هنا بوجوده * وبك امتياز عنه في عدم هنا 
هيهات هيهات الوجود يكون لل * عدم المقدّر أو بعكس كالأنا 
إنّ الحلول من الجهول توهّم * في قول أهل اللّه يجعل ديدنا 
ما إن سمعت ولست أسمع عاقلا * أبدا يظنّ الحقّ يسكن ممكنا 
وإن النصوص أتت به فلأنّها * جاءت على عقد النبيّ تيقّنا 
إنّ الوجود على الحقيقة واحد * في كلّ شيء قد بدا وتعيّنا 

530
والشيء تقدير له فاني كما * قد جاء فاكشف عنه إن تك مؤمنا 
والحقّ قيوم لمن هو باطل * وهو السّوى بالوهم قام فأفتنا 


وقال رضي اللّه عنه : 
من شدّة القرب منّي * شهدت أنّك أنّي 
فقلت ما قلت جهلا * وذاك من سوء ظنّي 
وحين حقّقت أمري * والوهم قد زال عنّي 
تركت هذا وهذا * ثمّ الفنا صار فنّي 
وصرت عن عيب غيب * بما أقول أكنّي 
وزال عنّي ترجّي * علمي به والتمنّي 
والعلم كالجهل عندي * فيه وزال التعنّي 
إذ كلّ ذلك خلق * والخلق ما عنه يغني 
وليس يشبه ربّي * شيء فكن في التهنّي 
أنا الموحّد ذوقا * فخلّني يا مثنّي 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّما الإيمان نور * في قلوب المؤمنين 
وهو تصديق وإذعا * ن وتسليم متين 
لكتاب اللّه والسّنّة عن طه الأمين 
غير محتاج لعقل * أو لفهم مستبين 
أو دليل أو لشيء * خارج عنه معين 
هو نور هو نور * يتلألأ في الكمين 
وهو سرّ اللّه فينا * وطريق الصالحين 
هو نور وكذاك الشيء بالنور يبين 
وبه لا بسواه * كان سير المتّقين 
عرفوا اللّه وذاقوا * وصفه في كلّ حين 
كشفوا عن كلّ شيء * كان في دنيا ودين 
لبس الإيمان منهم * ذلك الحصن الحصين 

539
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
كلّ الكلام كلامك يا عظيم الشان * إما بوحي هو الإلهام للإنسان 
أو من وراء حجاب صورة الأكوان * أو ترسل الرّسل بالتبليغ والتبيان 

وقال أيضا كذلك : 
انظر لموسى نبيّ اللّه يا مفتون * لمّا تجلّى له في شجرة الزيتون 
وانظر لإبليس قبلو ذلك الملعون * لمّا احتجب عنه في آدم وما هو دون 
وقال أيضا مواليا كذلك : 
آدم نبي واحتجب فيه عن الشيطان * حتى كفر والتبس أمره له ما بان 
وكان مجلاه في زيتونة البستان * تبارك اللّه إنّ السرّ في السكّان 

وقال رضي اللّه عنه : 
لنور عين الوجود أعيان * وفوق إنسان تلك إنسان 
فإنّها رتبة مقيّدة * إطلاقها في القلوب إحسان 
يقول من يشهد الرجال بها * تبارك اللّه فهو رحمن 
وههنا لا هناك منزلة * ينزلها في الرسول قرآن 
بدا بدا كلّما أقول بدا * بدا بدا فهو فهو إيمان 
محا وقد أثبت اللطائف في * عوارف الأمر إذ هو الشان 
وعندنا نحن فهي نافدة * وعنده غير نافد آن 
والآن في الآن واحد فإذا * ثنى تثنّى وأشرق الحان 
وإنّها في العيون زخرفة * وإنّها في الصماخ ألحان 
به به عين ذاك له * وصوت طير الغناء عيدان 
خزانة الحرف فتحها شرف * والقفل ربح لها وخسران 
وقال رضي اللّه عنه في كتابه الفتح المكي واللمح الملكي : 
إنّ في قرع المثاني * بهجة السبع المثاني 
وجفون العين فيها * حفظ أسرار العيان 
جلّ نور قد تجلّى * في تناويع البيان 
واحد وهو كثير * وجميع الكون فاني 

540
ذاته الذات تسامت * في لباس الحدثان 
وصفات الكلّ لاحت * بتصاريف المباني 
هو بل لا هو عندي * هو في ناء وداني 
نزّهوا أو شبّهوا لا * تعرفوا غير المعاني 
والملا وهم عظيم * والخلا محض افتتان 
إنّما الماء على ما * هو في كسر الأواني 

وقال أيضا في كتابه المذكور : 
يا من به تتكوّن الأكوان * وبأمره تتلوّن الألوان 
هي هذه هي هذه هي هذه * كلّ العوالم تلك والإنسان 
هي كعبة الغيب المقدّس طائف * أبدا بها ما يظهر الحدثان 
ويمينها الحجر السعيد لبيعة * قد مدّ حيث شهودها الإيمان 
والروح طائفة وجسمي طائف * هذا لهذا في الوجود قران 
حتى إذا كشف القناع وأشرقت * تلك الحقيقة والعيان عيان 
وهناك يبرا القلب من داء الجفا * وبوصلنا يتبدّل الهجران 

وقال رضي اللّه عنه : 
لي وجود بمن يقول أنا * حاش للّه أن أكون أنا 
وأنا الحيّ والسميع به * حاش للّه أن أكون أنا 
وأنا العالم البصير به * حاش للّه أن أكون أنا 
وأنا القادر المريد به * حاش للّه أن أكون أنا 
صار عقلي به يصرّفه * حاش للّه أن أكون أنا 
أعقل الشيء منكرا فهما * حاش للّه أن أكون أنا 
ثمّ عقلي فوق العقول به * حاش للّه أن أكون أنا 
شاكرا نعمة الشكور به * حاش للّه أن أكون أنا 
صابرا باسمه الصبور هنا * حاش للّه أن أكون أنا 
إنّ علمي عن العقول علا * حاش للّه أن أكون أنا 
أفعل الفعل ثمّ أتركه * حاش للّه أن أكون أنا 
جامعا فارقا بقدرته * حاش للّه أن أكون أنا

541
حيث لي طاعة ومعصية * حاش للّه أن أكون أنا 
وأنا نيّتي به وله * حاش للّه أن أكون أنا 
ولمن شئته أكمّله * حاش للّه أن أكون أنا 
كلّ ما لي من الصفاء به * حاش للّه أن أكون أنا 
كلّ شيء أراه قال كذا * حاش للّه أن أكون أنا 
إنّما ذاك واحد أحد * حاش للّه أن أكون أنا 
ظاهر بالذي يريد له * حاش للّه أن أكون أنا 
فاسمعوا القول يا خليقته * حاش للّه أن أكون أنا 
واسمي العبد للغنيّ به * حاش للّه أن أكون أنا 
كنت لا شيء ثمّ صرت كذا * حاش للّه أن أكون أنا 
حاصل الأمر لا أنا أبدا * حاش للّه أن أكون أنا 

وقال رضي اللّه عنه : 
قل لقوم غصبوا أنفسهم * في يد اللّه وهم لا يعلمون 
وادّعوها ملكهم من جهلهم * مستقلّين بها كن فيكون 
قوله الحقّ له ما في السم * وات والأرض جميعا تقرأون 
وله قل كلّ شيء هالك * قال أيضا وإليه ترجعون « 1 » 

وقال مواليا : 
يا طلعة الحبّ لاقيتو ولاقاني * ووجهه النور لا أصفر ولا قاني 
كم فيه من أشعري حائر ولا قاني * مشتت الفكر لا حائز ولا قاني 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا ثلاثة أبيات لابن حماد : 
اللّه أكبر من للعبد يرحمه 
من كلّ أمر إله الخلق يعلمه 
كم قلت ممّا أقاسيه وأكتمه 
لا أشتكي زمني هذا فأظلمه * وإنّما أشتكي من أهل ذا الزمن 
.................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة القصص الآية ( 88 ) : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . 

542
فجورهم يضرب الرائي به المثلا 
وقربهم يورث الأسقام والعللا 
لو قيل ليسوا بناس هم لقلت بلى 
هم الذئاب التي تحت الثياب فلا * تكن إلى أحد منهم بمؤتمن 
أرجو من اللّه أنّي أبلغ الأجلا 
منهم سليما ومن شرّ لهم حصلا 
جلّ الذي هو حسبي وحده وعلا 
قد كان لي كنز صبر فافتقرت إلى * إنفاقه في مداراتي لهم ففني 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّي أنا وبينما * قلت لكم إنّي أنا 
كنت أنا ألف أنا * مكرّرا مكوّنا 
بسرعة من خالقي * غيب الغيوب ذي السّنا 
برق أضا وبطنا * ثمّ أضا وبطّنا 
لأنّني عن أمره * كن فيكون باعتنا 
وأمره واحدة * طبق الذي قال لنا 
وهكذا الكون جمي * عا كلّ وقت مثلنا 
لأنّه خلق وخل * ق اللّه بالأمر دنا 
فإنّ من آياته * خلقا بأمر كوّنا 
ألا له الخلق كما * قد قال والأمر هنا 
فصدّقوه واتركوا * ما للعقول ديدنا 
فالعقل ربط كلّه * للمدركات ههنا 
وربّنا أصدق من * عقل الفتى تيقّنا 
ومع كتاب اللّه لا * يليق غيره بنا 
وإنّ قومي قد بنوا * عليه أقوم البنا 
وما رضوا عقولهم * تكون فيهم آمنا 
على عقائد لهم * لأنّها خلق الدّنا 
والقوم لمّا كوشفوا * بأمره وهو المنى 
رأوا به قيامهم * وكلّ شيء علنا 

543
عن أمره كالبرق أو * مثل أنابيب القنا 
من أجل ذا يقول من * قد قال خالقي أنا 
وقول هذا خطأ * أوجبه ذوق الفنا 
لنفسه وغيره * بلا ثبوت زمنا 
فلو صحا من سكره * رأى الإله غيرنا 
لأنّنا خلق له * بأمره كوّننا 
وأمره كاللمح قل * من بصر إذا رنا 
والخلق هكذا بلا * تردّد ولا عنا 
كما أتى ربّي قل * يقذف بالحقّ بنا 
نظير ما قالوه في الأع * راض قولا متقنا 
لو أنصفوا فالكلّ أع * راض وهذا عندنا 
لكنّهم قد غرّهم * عقل لهم تفنّنا 
في كلّ شيء فاقتدوا * به وأنسوا ربّنا 
فما اقتدوا بقوله * ولا رأوه حسنا 
وأنكروا على الذي * بقوله الحقّ اغتنى 
ولم يتابعهم على * عقولهم ولا اعتنى 
بهم وربّي حاكم * غدا بحقّ بيننا 

وقال رضي اللّه عنه : 
حاولت في المرآة أنظر من أنا * فرأيت شخصا أنكرته عيوني 
مستبشع الشدقين مندلق اللّحى * غلب البياض على السواد الجون « 1 » 
يعلو القذى أجفانه ولعابه * مع ماء منخره وماء جفون « 2 » 
لا ثغر في فمه وعن أسنانه * متعوّض بالدر در المسنون 
عيناه غائرتان في أصداغه * وجبينه في صفرة وكمون 
فسألته من أنت قال : أنا الذي * هو أنت بدّل عقله بجنون 

544
ذهبت شبيبته ورونق وجهه * والضعف لازمه وفرط الهون 
عبد ولكن ربّه برّ به * وعطاؤه كحيا عليه هتون 
ما إن له عمل سوى توحيده * وسوى الرجاء لكافة والنون 
يمشي ويعثر في معالم ذنبه * مشي المكبل في قيود ديون 
ألف التجلّي من صفات إلهه * وظهوره يرمى به لبطون 
نودي عليه ولات حين البيع من * يشري له عبدا بدون الدون 
فتضاحكت منه الرجال وأعرضوا * عنه وقالوا العبد عبد مجون « 1 » 
جمّ العيوب وما له غير الفنا * سترا يلوذ بسرّه المكنون 
فأجبته قف وانتظر فلربّما * جبر المسعّر صفقة المغبون 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
على المحبّة من أهواه ألفاني * وما طردني وللأعتاب ألفاني 
يا قلب لا ألف بل كان ألفان * فاقنع بباقي ولا تنظر إلى الفاني 
وقال رضي اللّه عنه وقد ذيّل موشحا على بيت قاله مفخر السادات أسعد أفندي البكري الصدّيقي حفظه اللّه تعالى وهو قوله على البديهة حال أخذه : 
ولنا سرّ عظيم * عند ربّ العالمينا 

وصورة التذييل المذكور : 
إنّ مولانا كريم * يعتني بالمتّقينا 
وله سرّ مقيم * في قلوب العارفينا 
أسعد البكريّ سليم * صدره زاد يقينا 
قال والقول نظيم * عندما صار أمينا 
ولنا سرّ عظيم * عند ربّ العالمينا 
"دور " 
نسل صدّيق النبي * وابن خير الخلق طه 
فاز بالقدر العلي * وحوى عزّا وجاها 
قال قولا بالتهيّ * للمقامات انتباها 
.................................................
( 1 ) المجون : صلابة الوجه وقلّة الحياء . 

545
حيث وافاه نسيم * من جناب الأوّلينا 
ولنا سرّ عظيم * عند ربّ العالمينا 
" دور " 
إنّ للّه عطايا * لا بسعي واكتساب 
تمنح العبد مزايا * ليس تحصى بحساب 
باهرات للبرايا * فاتحات خير باب 
وصراط مستقيم * قول بكريّ أعينا 
ولنا سرّ عظيم * عند ربّ العالمينا 
" دور " 
رجع الفرع الشريف * لأصول ثابتات 
وبدا القدر المنيف * في رفيع الدّرجات 
وتلافاه اللطيف * فهو للفيض مواتي 
وهو للحقّ نديم * حصّل الفتح المبينا 
ولنا سرّ عظيم * عند ربّ العالمينا 
" دور " 
ومن اللّه صلاتي * وسلامي كلّ ساعة 
لنبيّ المكرمات * فاق فضلا وبراعه 
ما تهنّى بالهبات * من نحا نحو الجماعة 
قال والقول عميم * مذ رقى شرعا ودينا 
ولنا سرّ عظيم * عند ربّ العالمينا 

وقال رضي اللّه عنه : 
هو ما هو وأنا ما هو أنا * واحد هذا تبدّى علنا 
فاعجبوا من واحد واثنين ما * هو إلّا واحد وهو أنا 
ظاهر بي باطن عنّي بي * لظهوري وبطوني بدنا 
نفخ الروح به عن أمره * وهي لولا أمره كانت فنا 
جلّ ربّ الخلق لا يعرفه * غيره والخلق في بحر العنا 
نحن لا نحن وبالفقر إلى * يد من نعرف مدّت بالغنى 
إن نقل قلنا وما قلنا وقد * قال إذ قال وما قال كنى 

546
وكما الكلّ هم الكلّ كذا * ما هم الكلّ فكن مستيقنا 
هذه حالة أهل اللّه لا * أهل غير اللّه صارت ديدنا 
ذوقهم يكشف عنها وبها * من علوم اللّه قد نالوا المنى 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّما وحدة الوجود فنون * وهو قول الإله كن فيكون « 1 » 
ليس للكون غيرها من وجود * كلّ وقت له بها تكوين 
وهي أمر الإله بالخلق يبدو * مثل ما قاله الكتاب المصون 
إنّما أمرنا لشيء إذا ما * قد أردناه فالمقول شؤون 
تختفي تارة وتظهر طورا * لمح طرف ولمع برق يبين 
فتراه العقول تحسب جهلا * أنّ هذا تحرّك وسكون 
وهي تجديد كلّ شيء سريعا * وبه كلّ عاقل مجنون 
إنّما العقل ربط شيء بشيء * ذاك معناه فاسمعوا يا عيون 
يا عيون القلوب حسّي بهذا * قبل ما تنطوي عليك الجفون 
شهد اللّه أنّ ما قلت حقّ * والنبيّون والكتاب المبين 
هو هذا نعم وما هو هذا * والتجلّي له به تلوين 
لا تقل لا إنّي نصحتك فاسمع * وبغيري فإنّك المفتون 
حالة مثل ما الجميع عليها * لكن الفهم معرض مغبون 
وجميع الذي نقول وقلنا * هو قول الناس الذي يستبين 
نحن ذقناه باليقين وأمّا * غيرنا فهو عندهم مظنون 
غير أنّ الوجود للّه لا لل * خلق والخلق بالوجود يكون 
وسوانا يقول ذاك وجود * غير هذا فيفتري ويخون 
جعلوه جنسا وقد نوّعوه * كلّ نوع وإنّ هذا جنون 
ليس ينعدّ حادث مع قديم * باطل مع حقّ وعال ودون 
إنّما الحادث الثبوت له في * نفسه لا الوجود يا مسكين 
والوجود الحقّ القديم وجود * هو حقّ مقرّر لا يهون 
................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة الأنعام الآية ( 73 ) ، وسورة البقرة الآية ( 117 ) . 

547
متجلّي على الدوام بما في * علمه من ثوابت فتبين 
علمه فيه ثابت كلّ شيء * يتجلّى به فتبدو الفنون 

وقال مواليا : 
يا من إلى بابه باللطف ألجاني * إن لم يلذ بك من ذا يرحم الجاني 
أدعوك بالمتّقي بالإنس والجان * آتي ثمار الرّضى أغدو لها الجاني 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا نديمي إن غابت الناس عنّي * فتبدّت حقيقة الحقّ منّي 
غابت الناس أبطنوا بظهور * منك لي حالة تخالف ظنّي 
أنت كلّمتني بأحرف ذاتي * وأجبت الكلام بي لك عنّي 
إنّني في يديك تفعل بي ما * شئت قدما من راحة وتعنّي 
وأنا الحادث الذي بالتجلّي * منك أبدو وأختفي بالتجنّي 
قدّرتني الأسماء منك قديما * بعد علم أحاط بي قدّرتني 
تارة أنت معرض عن ودادي * ثمّ طورا تمدّني بالتمنّي 
فتريني الإقبال منك اعتناء * بي وفن لي منك طورا وفنّي 
عدم كلّنا وأنت وجود * عنك بالحقّ لا نزال نكنّي 
أنت حقّ وباطل نحن هذا * جاءنا في تصديق قول المغنّي 
كلّ شيء ممّا خلا اللّه ربّي * باطل والصحيح أنّك أنّي 
قلت بي كلّما أقول وما قد * قلت في خمرة وفي وصف دنّ 
وغلام وروضة ورداح * وانعطاف وميلة وتثنّي 
وهو قولي لأنه هو مثلي * وهو فاني ونور وجهك يغني 

وقال رضي اللّه عنه : 
ليس الوجود كما يقال اثنان * حقّ وخلق إذ هما شيئان 
هذا المقال عليه قبح عقيدة * عند المحقّق ظاهر البطلان 
ولد الإله بها النصارى قولهم * والكذب جاء بذاك في القرآن 
واللّه لم يولد فوا عجبا لمن * قالوا الوجود بعقلهم قسمان 
قالوا وجود حادث هذا وفي * غيب الغيوب وجود حقّ ثاني 
يا ليت شعري ذا وجود حادث * من أين جاء لهذه الأعيان 

548
من ربّها والربّ لم يولد ولم * يخرج وجود منه للأكوان 
أو جاء من عدم وليس يجيء من * عدم وجود إذ هما ضدان 
والضدّ ليس يجيء منه ضدّه * أبدا وما الضدّان يجتمعان 
بل إنّما هذا وجود واحد * وبنا يلوح وكلّ شيء فاني 

وقال رضي اللّه عنه : 
مرج البحرين إذ يلتقان * وهما بحرا وجود وكيان 
برزخ بينهما لا يبغيان * هي نفس ذات أوصاف حسان 
تعبد اللّه على الكشف عيان * وهي باللّه تعالى المستعان 
حضرة قدسية ذات امتنان * أحسنت أعمال برّ كلّ آن 
تقتفي السّنّة والفرض المصان * دأبها الصدق وإخلاص الجنان 
وهي أمر وهي خلق وفلان * وهي ربّ لامكان لا زمان 
عندها هذا على ما فيه كان * وكذا هذا على ما فيه فان 
عدم صرف كثير الافتنان * ووجود كلّ يوم فيه شان 
لا طغا هذا على هذا فبان * لا ولا هذا على هذا فهان 
فارس الميدان في يوم الرهان * يعرف الحال ويدري ما استبان 
والذي ما عنده منّا يدان * سوف يلقى اللّه مذلولا مهان 

وقال رضي اللّه عنه : 
أدر صرفا خمور الأندرينا * على شعث الرجال الأندرينا « 1 » 
وروّق أيّها الساقي شرابا * طهورا لذّة للشاربينا 
ولا تمزج فإنّ المزج شرك * حرام في طريق العارفينا 
فإنّك أنت نور النور باد * وإن سمّوك لي طه الأمينا 
ألا يا ابن المدامة كن رفيقي * على صرف زكت شرعا ودينا 
وخذها من يد الساقي ودندن * لها واسلك بها الدرب اليمينا 
وعربد بين أقوام كرام * متى قاموا يقوموا أجمعينا 
.....................................................
( 1 ) الأندرون : فتيان من مواضع شتى يجتمعون للشرب ، واحدهم أندريّ ، لما نسب الخمر إلى أهل القرية اجتمعت ثلاث ياءات فخففها للضرورة . 
وقيل : الأندر قرية بالشام فيها كروم فجمعها الأندرين . ( اللسان 5 / 200 مادة : ندر ) . 

549
هي الروح التي الأموات تحيا * بها فتقوم جمعا طائعينا 
معتّقة ورثناها ففزنا * بها من عهد آدم عن أبينا 
أبونا الغوث محيي الدين هذا * وجدناه بواقعة رأينا 
هي الحانات والكاسات تملى * فنسقيها القلوب الآمنينا 
ونكشف وجهها لرجال صدق * محارمها وليسوا أجنبينا 
عصابة وحدة كانوا بخبث * فجاؤونا فصاروا طاهرينا 
يظلّ يسوقهم ساقي الحميّا * إلى حان الطلا حينا فحينا 
فيعطفهم عليه ويصطفيهم * له ويحنّ جانبهم حنينا 
هلمّوا يا رجال الغيب واسعوا * وصلّوا واركعوا بي ساجدينا 
وإياكم وغيب الغيب عنه * فصوموا ثمّ كونوا مفطرينا 
بما يبدي لكم من كلّ شيء * فإنّ الشيء يظهره لدينا 
وأمّا ذاته فعلت وجلّت * فليس بها الحوادث عالمينا 
وإن كانوا ملائكة كراما * وكانوا أنبياء مرسلينا 
فإنّ جميعهم منها تجلّى * عليهم مثل فعل الفاعلينا 
كما ظهرت بآدم وهو خلق * فأعمت عنه إبليس اللعينا 
وظنّ بأنّه للذات يدري * لهذا كان أقوى العابدينا 
وقد رام المحال وليس إلا * مظاهر فعل أسماء يرينا 
فقل سجدت لآدم مذ تجلّى * به ربّي ملائكة يقينا 
وإبليس اللعين أبى سجودا * لديه فلم يجد أحدا معينا 
وكان بجهله عبدا كفورا * بربّ ظاهر في الجاهلينا 
فوسوس في المظاهر رام صدّا * لها عن سرّ ربّ العالمينا 
ألا ما ثمّ غير اللّه غيب * مظاهره بدت للعاشقينا 
فأنكر بعضهم والبعض يحظى * به رغما لأنف المنكرينا 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا معه نحن ولا معنا * ونحن لا حرف ولا معنى 
بل نحن أمر واحد كلّنا * إشارة القوسين أو أدنى 
وهو الوجود الحقّ كنّا به * وهما على وهم وما كنّا 
نذوب ذوب الثلج في مائه * إذا تجلّى عندنا استغنى 

550
صفاته مرجعها ذاته * إذ لا ثلاث لا ولا مثنى 
يا وحدة مطلقة ما على * وجودها حكم له يعنى 
بالعدم الصرف أحاطت كما * قالت لنا لمّا لها قلنا 
ونحن لا قول ولا قائل * ولا نرى خوفا ولا أمنا 
وقد وقفنا عند أسمائه * شرعا فما أغنى وما أقنى 
وكلّما جزنا به جاءنا * شرك الخفا يدني إلى المغنى 
والأصل لا علم به عندنا * كلّا ولا جهل به منّا 
ولا حضور لا ولا غيبة * وقد عدمنا الظهر والبطنا 
هذا جنون الحقّ في عقلنا * يدريه من في الحقّ قد جنّا 
يا ابن طريق الحقّ لا تلحني * من وحّد الموجود ما ثنّى 
قول المجانين الذي قلته * أنّى لعقل فهمه أنّى 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ أهل التمكين في التلوين * ليس عنهم لي حالة تلويني « 1 » 
علمنا كلّنا بنا وبما نح * ن به عالمون في كلّ حين 
عدم في وجود علم قديم * وكلام للّه حقّ مبين 
قد أتاه الوجود من قول ربّي * كن وهذا وجوده عين يقين 
لا تقل عن وجود كن ولد كا * ن فإنّ التوليد أكثر مين 
ربّنا اللّه لم يلد لا ولم يو * لد كما جاء في الكتاب المبين « 2 » 
إنّما ربّنا المؤثّر فينا * ظاهرا باطنا على التعيين 
فإذا العين أبصرت أثّر الأب * صار فيها بأمره المستبين 
وإذا ما سمعت بالأذن فالتأثي * ر في السمع للقويّ المتين 
وكذا الرّجل أثّر المشي فيها * ربّها الحقّ مثل حكم اليدين 
وكذا العقل أثّر العقل فيه * كلّ معنى يلوح بالتكوين 
فإذا ما كنّا فإنّا جميعا * هو فينا مؤثّر كلّ حين 
.................................................
( 1 ) انظر حديث القشيري عن ( التلوين والتمكين ) برسالته ص 78 - 80 . 
( 2 ) في البيت إشارة إلى سورة الإخلاص . 

551
وسوى ذلك المؤثّر شان * هو فيه بحكم دنيا ودين 
فتأمّل مقالتي وتحقّق * ها بتأثير أمر ربّ معين 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
كم أتعب الحبّ من عاشق وكم عنّى * والصبّ للحيّ كم أقلق وكم عنّى 
هذا الحبيب الذي مع بعده عنّا * ما عنّ لي أنّني أسلوه ما عنّا 

وقال رضي اللّه عنه : 
أستغفر اللّه من سرّي ومن علني * أستغفر اللّه من نفسي ومن بدني 
أستغفر اللّه من روحي التي نفخت * عن أمر خالقها في جسمي الوهن « 1 » 
أستغفر اللّه من عقلي إذا اختلفت * به المعاني ومن فهمي ومن فطني 
أستغفر اللّه من فكري وما سرحت * خواطري فيه من باد ومكتمن 
أستغفر اللّه ممّا يقظتي كسبت * وما عليّ جرى في النوم والوسن 
أستغفر اللّه ممّا باشرته يدي * من كلّ شيء قبيح الفعل أو حسن 
أستغفر اللّه من رجلي وما بطشت * في الخير والشرّ تدنيني وتبعدني 
أستغفر اللّه ممّا قد رأى بصري * في طول عمري وممّا قد وعت أذني 
أستغفر اللّه ممّا قد نطقت به * من كلّ لفظ شريف في الورى ودني 
أستغفر اللّه من كفّي وما وضعت * عليه من ناعم في اللمس أو خشن 
أستغفر اللّه ممّا قد شممت له * من الروائح في الخضراء والدّمن « 2 » 
أستغفر اللّه ممّا ذقته بفمي * ممّا أراه كريها أو أراه هني 
أستغفر اللّه من سخطي ومن غضبي * ومن رضاي وإشفاقي ومن جبني 
أستغفر اللّه من ضيقي ومن سعتي * ومن هزالي ومن سقمي ومن سمني 
أستغفر اللّه من قولي بلى ونعم * ولا وكيف ويا ليتي وهل ومن 
أستغفر اللّه من هذا لما وبما * قد كان هذا الأمر بالخفا قمن « 3 » 
أستغفر اللّه ممّا قد دريت وما * لم أدر من خبر في الناس يعجبني 
..........................................................
( 1 ) الوهن : الضعف في العمل أو الأمر أو البدن . 
( 2 ) خضراء الدّمن : يكنى بها عن المرأة الحسناء في المنبت السوء . 
( 3 ) القمن : الخليق والجدير . 

552
أستغفر اللّه ممّا قد أضعت من الأن * فاس باللّهو في عمري وبالدرن « 1 » 
أستغفر اللّه من كلّ الأمور ومن * جميع ما لي من الحاجات في زمني 
أستغفر اللّه من كلّ المقاصد في * دهري ومن أمل في الصدر محتقن 
أستغفر اللّه من ما كان في عملي * وما هممت به منه ولم يكن 
أستغفر اللّه من كلّ الذنوب ومن * كلّ البلايا وكلّ الشرّ والفتن 
أستغفر اللّه من دمع بكيت به * ومن دم كان منّي سائلا ومني 
أستغفر اللّه من صبري ومن جزعي * ومن غرامي ومن شوقي ومن شجني 
أستغفر اللّه من سهل عليّ ومن * صعب ومن فرح عندي ومن حزن 
أستغفر اللّه ممّا قد أتيت به * من الفروض لوجه اللّه والسّنن 
أستغفر اللّه من فعل الطهارة في * قلب وجسم من العصيان والدرن 
أستغفر اللّه من طاعات انتسبت * إليّ جسمي بها ممّا تعبت ضني 
أستغفر اللّه من تركي لمعصية * ومن لسان بقول الحقّ مندهن 
أستغفر اللّه ممّا في اعتقادي من * توحيد ربّي إذا ما قلت ينفعني 
أستغفر اللّه من كوني أكون على * زعمي مع اللّه حيث الكون فيه فني 
أستغفر اللّه من أهلي ومن ولدي * ومن قريبي ومن صهري ومن ختني « 2 » 
أستغفر اللّه من بيت أبيت به * ومن فراشي ومن ثوبي ومن سكني 
أستغفر اللّه من كتبي ومن قلمي * ومن دواتي ومن حبري ومن مهني « 3 » 
أستغفر اللّه من شعر نظمت ومن * تصنيف علم ومن عيّ ومن لسن 
أستغفر اللّه من درس أقرّره * لطالب صادق فيه وممتحن 
أستغفر اللّه من وقفي وما ملكت * يدي وكلّ وظيفاتي ومن مؤني 
أستغفر اللّه ممّا قد وهبت وما * قد اشتريت وما قد بعت بالثمن 
أستغفر اللّه من كلّ الوقائع لي * في غيبتي عن جماعاتي وفي وطني 
أستغفر اللّه ممّا قد ركبت وما * عليه أركب من خيل ومن أتن « 4 » 
أستغفر اللّه ممّا قد سمعت به * للغير من صدقات لي ومن منن 
........................................................
( 1 ) الدّرن : الوسخ ، أو مرض جرثومي معد له أنواع ، يصيب الرئة والعظام وغيرها . 
( 2 ) الختن : زوج البنت أو الأخت، والختن كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ ( ج ) أختان. 
( 3 ) الدواة : المحبرة . 
( 4 ) الأتن : ( ج ) الأتان : الحمارة . 

553
أستغفر اللّه من فعل الجميل إذا * فعلته مع غيري وأصلا شطني " 1 " 
أستغفر اللّه من حلّ الحرام ومن * تحريم كالقهوة السوداء والتتن 
أستغفر اللّه من بشر على ملق * وهدنة مثل ما قالوا على دخن " 2 " 
أستغفر اللّه من قوم أصاحبهم * على اختلاف لهم في الحبّ والإحن " 3 " 
أستغفر اللّه من أمر به فهموا * سوءا ولم أدره منّي ومن لدني 
أستغفر اللّه من ذكر البريّة لي * في غيبتي بلسان غير منسجن 
أستغفر اللّه من ما لست أعرفه * من سوء ظنّ أتى بي من ذوي الضغن " 4 " 
أستغفر اللّه ممّا كنت مؤتمنا * عليه بين الورى أو غير مؤتمن 
أستغفر اللّه من ظلمي لغيري في * حقّ ومن أحد في الناس يظلمني 
أستغفر اللّه من برّي لوالدتي * ووالدي حيث لم أخدم ولم أعن 
أستغفر اللّه من تركي حقوقهما * وطالما منهما غذّيت باللبن 
أستغفر اللّه من ذكري سواي بما * فيه وما ليس فيه غير متّزن 
أستغفر اللّه ممّا لا ضرورة لي * فيه ومن كلّ بنيان كذاك بني 
أستغفر اللّه من أرض نزلت بها * ومجلس قد غدا بالناس يجمعني 
أستغفر اللّه من نقض العهود ومن * ترك الحدود ومن حيد عن السّنن 
أستغفر اللّه من طبع طبعت به * وحالة أنا فيها ضيّق العطن « 5 » 
أستغفر اللّه وحدي حيث كنت وفي * وقت اجتماعي بمعزوز وممتهن 
أستغفر اللّه ممّا قد تخيّل لي * وما اتهمت به شخصا من الظّنن 
أستغفر اللّه من ضعفي ومن مرضي * ومن تقلّب أحوالي على المحن 
أستغفر اللّه من وقت النزاع ومن * موتي وقبري ومن غسلي ومن كفني 
أستغفر اللّه من هول السؤال إذا * أتى على مدرج في القبر مندفن 
أستغفر اللّه من يوم القيامة والأم * وات تحيا من الجدران واللبن « 6 » 
أستغفر اللّه من وقت الحساب ومن * نصب الموازين حيث الجور لم يبن 
..........................................................
( 1 ) الشّطن : الحبل أو الطويل الشديد الفتل من الحبال ( ج ) أشطان . 
( 2 ) هدنة على دخن ؛ أي : صلح على فساد باطن . 
( 3 ) الإحن : ( ج ) الإحنة : الحقد والغضب . 
( 4 ) الضّغن : الحقد الشديد . 
( 5 ) يقال : فلان واسع العطن ؛ أي : ضيق الصبر والحيلة عند الشدائد ، بخيل قليل المال . 
( 6 ) اللّبن : ( ج ) اللبنة : طين يضرب في قالب ويجفّف ويبنى به . 

554
أستغفر اللّه علّام الغيوب فلا * شيء عليه خفي تحت الثّرى الدجن « 1 » 
أستغفر اللّه رزّاق البريّة لم * ينس أمرا قرويّا كان أو مدني 
أستغفر اللّه ستّار الغيوب على * كلّ امرئ بالرّدى والسوء منعجن 
أستغفر اللّه عون المستجير به * على الشدائد من يرجوه لم يهن 
أستغفر اللّه ذخر السائلين له * فضل يجود به ما عنه قطّ ثني 
أستغفر اللّه ذا العرش المجيد وذا ال * ركن الشديد لمستجد ومرتكن 
أستغفر اللّه ذا الفضل العميم وذا ال * عدل القويم وذا الإحسان والمنن 
أستغفر اللّه نور الكائنات ومن * أتى الرسول لنا عنه ولم يمن 
أستغفر اللّه جلّ اللّه ليس له * حدّ يقول لشيء إن أراد كن 
أستغفر اللّه عزّ اللّه قد خضعت * لقهره أولياء الشام واليمن 
أستغفر اللّه كم من أشعث بهدى * حظي وكم حسن لم يرضه بسن « 2 » 
أستغفر اللّه كم عزّت به أمم * فكان ناصرهم في الحادث الدجن 
أستغفر اللّه كم خرّت لسطوته * أولو العناد من الباغين للذقن 
أستغفر اللّه كم أردى الطغاة وكم * أباد قوما بحدّ الأسمر اللدن « 3 » 
أستغفر اللّه كم أوهى كعنترة * في سالف الدهر أو سيف بن ذي يزن « 4 » 
أستغفر اللّه كم أفنى جبابرة * تمرّدت وعتت تقوى به وتني 
أستغفر اللّه كم غاو أضلّ وكم * عقل بهيبته في العجز مرتهن 
أستغفر اللّه تعداد الرمال وذرّات الوجود وقطر الوابل الهتن 
....................................................
( 1 ) الدّجن : ظلمة الغيم في اليوم المطير . أو الظلمة . 
( 2 ) حسن بسن : اتباع للتأكيد . 
( 3 ) اللّدن : الليّن من كل شيء . 
( 4 ) عنترة : هو عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي ( توفي نحو 22 ق . ه - نحو 600 م ) أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، ومن شعراء الطبقة الأولى من أهل نجد . يوصف بالحلم على شدة بطشه ، وفي شعره رقّة وعذوبة ، وكان مغرما بابنة عمّه « عبلة » . شهد حرب داحس والغبراء ، وعاش طويلا ، وقتله الرهيص أو جبّار بن عمرو الطائي . ينسب إليه « ديوان شعر » ، و « قصة عنترة » . الأعلام 5 / 91 ، 92 ، والأغاني طبعة دار الكتب 8 / 237 ، والشعر والشعراء 75 . 
سيف بن ذي يزن : هو سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو الحميري ( نحو 110 - 50 ق . ه - نحو 516 - 574 م ) من ملوك العرب اليمانيين ، ودهاتهم . ولد ونشأ بصنعاء . مكث في ملك اليمن نحو خمس وعشرين سنة ، وائتمر به بقايا الأحباش ، فقتلوه بصنعاء . وهو آخر من ملك اليمن من قحطان . ( الأعلام 3 / 149 ، والكامل لابن الأثير 1 / 158 ، وابن هشام 1 / 22 

555
أستغفر اللّه تعداد النبات وأو * راق الغصون وزهر بالرّياض سني 
أستغفر اللّه تعداد الطيور وما * في البرّ من حجر والبحر من سفن 
أستغفر اللّه تعداد العقائد من * إيمان حقّ وكفر باطل وهن 
أستغفر اللّه تعداد الهوام وتع * داد الدّواب وما ينقاد بالرسن « 1 » 
أستغفر اللّه تعداد التراب وما * في الأرض من قلل الأجبال والقنن « 2 » 
أستغفر اللّه تعداد الحروف بدت * في الرقم والنطق بالأقلام واللّسن 
أستغفر اللّه عدّ الحبّ جملته * وما أتى من دقيق منه منطحن 
أستغفر اللّه عدّ النمل حيث سرى * وقرّ والوحش من فرد ومقترن 
أستغفر اللّه عدّ الخلق أجمعهم * من عابدي ربّهم أو عابدي وثن 
أستغفر اللّه عدّ المستبدّ به * في العلم خالقنا من كلّ مستكن 
ثمّ الصلاة توالت والسلام نما * على نبيّ الهدى من خصّ باللسن 
محمد خير خلق اللّه من نبتت * عن طيب أصل له تفاحة الغصن 
وصاحب الحوض تسقى منه أمّته * في الطول ما بين عمّان إلى عدن 
وآله الغرّ والصحب الأماجد من * بفضلهم لم يزل روض الكمال جني 
وعن أبي بكر الصدّيق مع عمر * وبعد عثمان مولانا أبو الحسن 
والتابعين لهم بالخير سادتنا * أولي التّقى كأويس ذلك القرني « 3 » 
ما أنشدت هذه الأبيات في ملإ * من نظم نابلسيّ الأصل عبد غني 
وما عفا ربّنا ذو الحقّ عن أحد * أتاه مستغفرا في السرّ والعلن 

وقال مواليا : 
حبيبنا في بديع الحسن حيّرنا * بين الحياة وبين الموت خيّرنا 
حكم علينا وبالهجران غيّرنا * وبعد هذا بسوء الحال عيّرنا 
.....................................................
( 1 ) الهوام : هوام الأرض : حشراتها وكل ذي سمّ يقتل سمّه ، ودوابّها المؤذية مما يعيش في ظلمات الدور . 
( 2 ) القلل: ( ج ) القلّة : أعلى الجبل . القنن : ( ج ) القنة : الجبل الصغير أو قلة الجبل . 
( 3 ) أويس القرني : هو أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني ( توفي 37 ه - 657 م ) من بني قرن بن ردمان ، أحد النسّاك العباد المقدمين ، من سادات التابعين . أصله من اليمن يسكن القفار والرمال ، وأدرك حياة النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) ولم يره ، فوفد على عمر بن الخطاب ثم سكن الكوفة ، وشهد وقعة صفّين مع عليّ ، ويرجّح الكثيرون أنه قتل فيها . الأعلام 2 / 32 ، وابن سعد 6 / 111 ، وميزان الاعتدال 129 ، وحلية الأولياء 2 / 79 . 

556
وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الخريف هو الربيع الثاني * ونسيمه هو للغصون الثاني 
يثني الغصون مجرّدا أثوابها * قصد العناق لغصنها العريان 
فانهض إلى مرح الشبيبة قبل أن * يأتي المشيب بحلّة الأحزان 
واشرب كؤوس العلم من يد فاضل * شيخ يريك حقيقة الإيمان 
واشطح على الناي الرخيم فإنّك الناي الرخيم بكفّ فرد داني 
والروح فيك ونفخها أنفاسه * بالعقل مطربة على ميزان 
هذا هو الشرف الرفيع أتاك إن * ظهرت لديك حقائق العرفان 

وقال رضي اللّه عنه : 
ادخلوا في تصرّف الرحمن * واخرجوا عن تصرّف نفساني 
أيّها الناس إن هذا غرور * صادر من وساوس الشيطان 
ما سمعتم بأنّ ربّي محيط * بجميع الأشياء إنس وجان 
وهو اللّه في سماء وأرض * لا بمعنى الحلول يا إخواني 
بل هو اللّه لا سواه وكلّ * هالك في وجوده الحقّ فاني 
ليس إلّا المخلوق والخالق الربّ وما ثمّ ثالث في العيان 
ليس شيء سواهما ثالث في * خطرات العقول والأذهان 
خالق ربّنا الأماكن طرّا * وعليه استحال كلّ مكان 
وكذاك الأزمان خالقها اللّه عليه استحال كلّ زمان 
وهو اللّه خالق كلّ شيء * واحد ما له على القطع ثاني 
يتجلّى بفعله فنراه * ظاهرا باطنا بعين العيان 
معنا لا يغيب عنّا لأنّا * فعله وهو فاعل متداني 
وإلينا بنا قريب بعيد * غير أنّا لم ندره وهو داني 

وقال مواليا : 
مراكب العشق قد أرست على المينا * وأنت فضة زغل ما تقبل المينا 
أكثرت يا أنت تقليبا وتلوينا * ساروا الحبائب وعنهم أنت تلوينا 

وقال رضي اللّه عنه : 
صدقت عباد اللّه أسماؤه الحسنى * تجلّى بهم كالشمس في القمر الأسنى 

557
ثوابت أعيان بلا جعل جاعل * قديمة عهد لا وجود لها يفنى 
وهاتيك معلومات علم إلهنا * به كاشف عنها قديما كما قلنا 
مرتّبة أعيانها هكذا على * نظام تراه في ثلاث وفي مثنى 
ونور التجلّي من قديم يعمّها * على حسب الترتيب فيهنّ والمبنى 
وذاك وجود مطلق متوجّه * عليها يسمّى الوجه أوجد أو أفنى 
فيظهر بالترتيب من علمه الورى * وتنكشف الأشياء شأنا به شأنا 
وما الكلّ إلا حادث عندنا به * قديم عديم عنده قطّ ما كنّا 
وما ظاهر إلا الوجود بكلّهم * مقام يسمّى قاب قوسين أو أدنى 
ألا نحن أهل اللّه ما بيننا انتفت * إضافة أهل بالفنا هكذا أنا 
ورثنا رسول اللّه علما محقّقا * لتنزيل قرآن لدينا بنا منّا 
ألا إنّ أهل الجنّة الغافلون إن * على الصدق في الإيمان دانوا كما دنّا 
وفي شغل عن ربّهم أهل جنّة * كما اللّه في القرآن أسمعه الأذنا 
وهم يتقون اللّه مع جهلهم به * إذا جانبوا التأويل والمذهب الأدنى 
فخذ لبّ هذا الأمر واترك قشوره * لقوم به هم قانعون وجنبنا 
ولا تحتفل بالتابعين عقولهم * ودعهم يقولوا ما يقولونه ظنّا 
كما أنكروا توحيدنا بجهالة * وصاروا علوم اللّه ينفونها عنّا 
ونحن ملأنا الكون علما بربّنا * فلا منشد إلّا بأبياتنا غنّى 
وقد جاء في القرآن عن مثلهم فلا * نقيم لهم يوم القيامة أيّ وزنا 
وحيّ على ما قلته لك يا فتى * تجد علم أهل اللّه والمورد الأهنى 
وحقّق معاني ما ذكرت وقل به * وإلا فسلّم واترك اللفظ والمعنى 
وإياك إياك الجحود فإنّه * هو الكفر عند اللّه في حكمه الأسنى 
وإن كان في الدّنيا نسمّيه مسلما * لمّا أنّه بالشرع قد دخل الحصنا 
تمسّك بآيات الكتاب فإنّها * هي الحبل حبل اللّه والظهر والبطنا 
وقل بعد هذا اللّه أللّه لا سوى * بذات وأوصاف وأسمائه الحسنى 
ستذكر يوما ما أقول فلا تضع * زمانك فيما ليس يعنيك واتبعنا 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّني كن وإنّني فيكون * واحد وهو ظاهر بشؤون 
كن وجودا وغيره عدم * عنه كنّى بقوله فيكون 
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:47 pm

قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

وجهه كن وهالك أبدا * ما سواه فحقّق المضمون 
واشهد الحقّ في سواه به * وهو غيب عن كلّ ما يعنون 
أمره واحد به كثرت * صور الخلق وهي ذات فنون 
فاجمع الكلّ بالشهود وإن * شئت فرّق ولا تكن مفتون 
قل بطون له الظهور بنا * وظهور لنا بذاك بطون 
إن تكن فانيا فقل هو لا * غيره في كتابه المكنون 
ربّنا اللّه لا سواه هنا * وهو عين قديمة وعيون 
حادثات به له ظهرت * وهو حقّ وكلّهنّ ظنون 
فاعقل الشان وهو نفسك مع * كلّ شيء فليس ذاك جنون 
وامنح الصادقين علمك لا * تخف شيئا فتمنع الماعون 
كلّ من يكتم الذي هو في * محكم الذكر إنّه ملعون 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
أنا العدم وبربّي صرت كن فيكون * وجوده مثبت نفي وإنّي دون 
ولا حلول كما أهل الحجى يعنون * ولا اتحاد كما قد ألبس الملعون 

وقال رضي اللّه عنه أيضا : 
إنّي وكذا أنتم بكن فيكون * لقد ظهرنا جميعا فافهموا المضمون 
وجوده في تقادير العدم مكنون * فميّزوا بين من يعلو ومن هو دون 

وقال رضي اللّه عنه أيضا : 
تبارك اللّه كل الخلق كن فيكون * وجود حقّ بتقدير العدم معجون 
ما حلّ ما اتّحد الخالق بهذا الدون * عدم يخالط وجودا بئس ما يعنون 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا شرفي بأنّه يعلمني * وأنّه في الغيب بي كلّمني 
وقال لي : كن وأنا أسمعه * وإنّما بلطفه أسمعني 
وها أنا محقّق لكلّ ذا * فإنّه بعدمي حقّقني 
يا شرفي يا شرفي يا شرفي * اللّه ربّي الحقّ قد شرّفني 
فها أنا في علمه منعدم * وفي كلامه كذا أطلعني 
حسبي بأنّي علمه المحيط بي * وأنّني كلامه الغضّ الجني 

559
وهو الوجود الحقّ ليست صورة * فيه له ولست بالتّمكن 
وليس فيه غيره من زمن * جميع ما منه بدا في الزمن 
ولا هو اللّه أنا حاشاي أن * أقول ذا في السرّ أو في العلن 
لأنني عندي أنا وعندكم * وعنده لا شيء عال ودني 
اللّه ربّي لا سواه عنده * لا عندنا فافهمه فهم الفطن 
من أجل ذا كلامه أنزله * بعلمه لمن بهذا يعتني 
واللّه علم وكلام أزلا * وهو حروفنا لأجل الفتن 
وكلّ من يعرف ما قد قلته * فإنّه مثلي على التيقّن 
ومن يكن يجهل ذا فإنّه * لا يعرف اللّه ولا عبد الغني 

وقال رضي اللّه عنه : 
صورة إن نظرتها كلّفتني * وإذا لم أنظر لها شرّفتني 
شرّفتني بكلّ أمر ونهي * أمرتني به وما قد نهتني 
فأنا طائع ولست بعاص * هكذا دائما كما خلقتني 
محض فضل منها عليّ وحفظ * لي بلا كلفة لها صوّرتني 
ورجوعي لصورتي في شهودي * مقتها لي بكلفتي والتعنّي 
أنا لا أستطيع شيئا ولكن * بادّعائي لصورتي مقتتني 
كن بلا أنت إن أردت ارتياحا * وقبولا منها لنيل التمنّي 
وتوقّف ولا تقف عند شيء * وتأمّل وانقل حديثك عنّي 
يا وجودي ويا وجود البرايا * كلّهم لا أقول إنّك إنّي 
أنت فرد محقّق ليس يخفى * وأنا الوهم ظاهر بالتثنّي 
فاعف عنّي ممّا جنيت بجهل * قبل أن أدرك الردى فاعف عني 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا أهل أسفل سافلين * يا شرّ قوم غافلين 
أنتم شخوص سفاهة * ولذا نراكم منكرين 
لمتى الجهالة بينكم * بوقوعكم في العارفين 
قال اخسأوا فيها فما * أنتم من المتكلمين 
أنتم شخوص ألقيت * فيكم صفات اللاعبين 

560
وتفرّقت أبصاركم * عن رؤية الحقّ المبين 
وفسادكم هو موقع * لقلوبكم في الصالحين 
سترون ما أنتم به * لذوي الهدى متلبسين 
في الباطن الكفر الذي * بظهور ربّ العالمين 
والظاهر الإيمان في * ه تقيّة للسامعين 
وغدا إذا متّم بدا * ما اليوم كنتم جاحدين 
واللّه إن لم تسلموا * لحقائق الدين المتين 
دين النبيّ محمد * طه الرسول لنا الأمين 
لرأيتم السيف الذي * بالحقّ يقطع للوتين 

وقال رضي اللّه عنه : 
فرّ إبليس عن هدى العرفان * حين قيل اسجدوا وآدم داني 
فتجلّى به الإله وفعل * هو باللّه ظاهر الحدثان 
ثمّ إبليس ضلّ عنه وفيه * حسد قام واعترته الأماني 
كان في القلب منه جهل وكفر * بالإله المهيمن الرحمن 
فبدا اللّه آدما بالتحلّي * وهو الحقّ ليس للحقّ ثاني 
وتبدّى علم التجلّي وما كا * ن وعلم التنزيه كان معاني 
ثمّ إنّ الأملاك قد علموا من * آدم علم ذا التجلّي المصان 
ولإبليس علم تنزيه ربّي * ما له في علم التجلّي يدان 
حيث جاء اسجدوا لآدم حتّى * سجدوا دونه لجهل يعاني « 1 » 
ما اسجدوا قال ربّنا أي لمخلو * ق وحاشا فإنّ ذلك فاني 
إنّما اللّه ظاهر متجلّي * كان في آدم العظيم الشان 
وهو اللّه لا سواه ولكن * ظاهر في أفعاله للعيان 
وهو غيب ولا تغيّر للغي * ب سوى بالظهور في الإمكان 
حاش للّه أنّ أملاك ربّي * سجدوا للمخلوق في الأكوان 
هم أولو العصمة التي هي فيهم * كلّهم مع تحقّق وبيان 
ومحال أمر الإله بكفر * وضلال وزائد الطغيان 
..............................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة البقرة الآية ( 34 ) ، وسورة الأعراف الآية ( 11 ) وغير ذلك من السور . 

561
إنّما الجاهل الذي ليس يدري * ظنّ سوءا بمنزل القرآن 
فأتاه كفر بما قال لمّا * صبغته عقيدة الشيطان 
لا تقل كان قبله آدم في * أمر ربّي مقالة الحيران 
أنّ هذا مثل التجلّي لموسى * كان بالنار في نداء الأمان 
وإذا كان قبله فتجلّى * هو أيضا في مذهب العرفان 
فخذ الأمر بالعموم وصرّح * بالتجلّي للّه في كلّ شان 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
من شدّة القرب كان البعد للإنسان * لأنّ هذا عليه يغلب النسيان 
فلو تذكّر نزل في ساحة الإحسان * وكان باللّه ناطق في الورى ملسان 

وقال رضي اللّه عنه : 
تمنيت لي عبدا ثمانون عمره * لأعتقه لمّا بلغت الثّمانينا 
فما وجدوا في الناس من عمره كذا * ولم يك معتوقا فحيّرتهم فينا 
وقالوا إله الخلق أكرم معتق * لعبد له في العمر شيء وتسعونا 
فماذا تظنّ اللّه يفعل بعد ذا * بعبد رقيق يخدم الشرع والدينا 
فأفرحني ظنّي به أنّه الذي * من النار في يوم القيامة ينجينا 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
يا نافخ الناي هذا النفخ عمّن كان * عن نفسه أم عن النافخ عظيم الشان 
واللّه نافخ ترى أم أنت هذا الآن * كالبرق يلمع ويفنى أيّها الإنسان 

وقال رضي اللّه عنه : 
لمتى أنت في الضلال المبين * سلّم الأمر واعتصم باليقين 
يا ابن يومين لا تكن في جدال * أنت كالبرق نشء حين فحين 
ربّنا اللّه وحده يتجلّى * عندنا بالتقبيح والتحسين 
قال كن للورى فكانوا جميعا * وهو أمر مرتب التعيين 
حضرة بالجلال تبدو وتخفى * ظهرت بالجمال للتبيين 
فبدا كلّ أحور الطرف أحوى * يتجلّى بوجه حور عين 
إن تثنّى فغصن بان رطيب * قابض كلّ مهجة باليمين 

562
وهو لا شكّ وصف ولدان حور * حجبت بالجلال عن كلّ عين 
دار دنيا ودار جنّة خلد * واحد عند عارف مستكين 
وهي عند الجهول نار تلظّى * سوف يدري بذاك من غير مين 
فاكشفوا يا قلوب عمّن رأيتم * ظاهرا بالوجود فالدين ديني 
حجبتكم نفوسكم فجهلتم * أنّه النور نور حقّ مبين 
ونفتكم عن الهدى شهوات * من حلال ومن حرام مهين 
وهواكم هوى الجهول خبيث * لم يطب باعتبار ما في الكمين 
عهد ربي ألست خنتم جهارا * ما اتبعتم صراط طه الأمين 
وكتاب الأبرار يعلو علوّا * وكتاب الفجّار في سجّين 
جعلوا رزقهم من الضعف أن قد * كذبوا بالدين القويّ المتين 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
ريح التجلّي وريح المصطفى ريحان * هما لنا ريح ورد فاح أو ريحان 
واللّه واللّه يا عبد الهدى ريحان * أنت المقرّب وأنت الروح والرّيحان 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا تكن إلّا لمولاك أنا * وأنا أنت كما أنت أنا 
أنت لا أنت أنا لست أنا * ما خرجنا نحن عن محض الفنا 
وهو وهو اللّه لا غير فكن * هو لا أنت تدلّى ودنا 
هو حقّ وسواه باطل * جاء في القرآن هذا علنا « 1 » 
وبه السّنّة أيضا وردت * فتمسّك بهما تلق المنى 
باطل أيّ عدم قدّره * فهو تقدير هناك وهنا 
لا تقل شيء سواه أبدا * منه يأتيك سرور وهنا 
ما مع اللّه وجود للسّوى * والسّوى حيث التجلّي وهنا 
...................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة الحج الآية ( 62 ) : ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ . وإشارة إلى سورة لقمان الآية ( 30 ) : ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ . 

563
مكّن الممكن من إمكانه * لا تخالطه بواجب الغنى 
وتحقّقه تجده واحدا * ليس مخلوطا بمعدوم لنا 
إنّما المعدوم مخلوق له * لم يزل في العلم أمرا ممكنا 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا تخلط الواجب بالممكن * وكن بتمييزهما معتني 
فالواجب الحقّ وجود وما * سواه غير العدم الممكن 
لم يتغيّر واحد منهما * عمّا عليه كان قدما بني 
هذا الوجود الحقّ باد على * كلّ التقادير بها يعتني 
بعلمه قامت سماواته * والأرض حتّى كلّ شيء فني 
وهو كثير في ظهوراته * وواحد في ذاته الأبين 
مكوّن الذرّات يأتي بها * وجوده بالقلم المقتني 
يركب الأشياء منها على * تصويرها من فاضل أو دني 
حتّى تراه ظاهرا بالذي * ركّبه ينطق بالألسن 
تراه في صورة ناعورة * وتارة في شكل روض جني 
وتارة في شكل بدر على * غصن مليح أهيف ينثني 
وهو الذي قد جلّ في نفسه * عن صورة التصوير للأعين 
والجاهل المنكر في عيّه * وللذي يعرف عيش هني 
تبارك اللّه الغنيّ الذي * يعرفه بالحسّ عبد الغني 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا جميل الوجه الذي هو داني * لعيون الورى بلا كتمان 
لكن الآن في العيون غبار * ثائر بالشخوص والأكوان 
والمعاني التي تلوح وتخفى * من جميع الأنواع والألوان 
والذي ينظر الوجود قليل * من قليل في سائر الأزمان 
أنت نور أيا وجود علينا * تتجلّى في عيننا والعيان 
والمساكين نحن في غفلات * عنك يا ذا الحسنى وذا الإحسان 
إنّ عينا تراك في الدهر يوما * تلك عين من العمى في أمان 

564
وقال رضي اللّه عنه : 
ظاهر لا يكون أظهر منه * غير أنّ الأكوان تحجب عنه 
يتجلّى في كلّ شيء ولكن * ما له في بصائر القوم كنه 

وقال رضي اللّه عنه : 
زر بنات القسوس في ديرهنّه * وارتشف خمرهنّ من يدهنّه 
وادخل الحان حان وصلك للغي * د اللواتي أعربن في لحنهنّه 
هنّ أصل الهوى وما هام يوما * ذو الهوى في الأنام إلّا بهنّه 
كلّ هيفاء بالتبسّم تحيي * وتميت المشوق وجدا وحنّه 
إن أشارت إلى الكيان أبانت * عنه أو لا فإنّه في أكنّه 
وإذا ما دعت أجبنا حيارى * بنفوس في حبّها مطمئنّه 
فق نديمي من نوم عقلك واركع * لغواني الوجود واسجد لهنّه 
وتأمّل ما أنت فيه بعين * ربطتها ملاحها بالأعنّه 
واستمع رنّة المزاهر تبدو * من خلال الستور أكمل رنّه 
هذه هذه سعادة قوم * علمهم في الصدور لم يتسنّه 

وقال مواليا : 
كم ليلة بتّ في بستان في لوّان * ملون البسط فيه والهوى لوّان 
واللّه لي حافظ ينفي الردى صوّان * وزند عشقي قدح قلبي له صوّان 

وقال رضي اللّه عنه : 
شهدت القديم الحقّ بالحادث الفاني * وصادفني صبّا غريبا فألفاني 
له النعمة العظمى على كلّ حادث * وألف من الإكرام فينا وألفان 
وجود قديم ظاهر لعقولنا * وللحسّ فرد واحد ما له ثاني 
تنزّه عن تنزيهنا وتقدّست * معارفه في الخلق عن كلّ عرفان 
تغطّى عليه الغافلون بوهمهم * فليس لهم منه سوى محض حرمان 
وقد أنكروا علم الإله الذي أتى * إليهم من القوم الأولى أهل إيقان 
وذلك من جهل ولم يعذروا به * وكيف يصحّ العذر في شرع رحمان 
هو الحقّ وجه كلّه ما له قفا * إلى كلّ شيء ناظر وله داني 

565
وقل كلّ شيء هالك غير وجهه * كما جاء عنه القول في وحي قرآن « 1 » 
له أزل الآزال في كلّ رتبة * له أبد الآباد من غير أزمان 
يشار إليه بالمعاني جميعها * وكلّ كلام كان من كلّ إنسان 
وإن لم يكن علم بهذا لعالم * وإن لم يقم وزن لهذا بميزان 
وكلّ معاني ذاته من ورا الورى * فلا هو إلّا هو وذلك إيماني 

وقال أيضا مواليا : 
يا كامل العقل خذ بالنقل لك حلوان * عندي إلى أن مرادك تجعله حلوان 
وحتّى بغداد ذات القرب من حلوان * حتّى لقطب بها وأحلى العنب حلوان 

وقال في مدح أبي مسلم الخولاني « 2 » : 
يا أبا مسلم الفتى الخولاني * أنت من نور حضرة الغيب داني 
والتجلّي عليك سرّا وجهرا * من إله مهيمن رحمن 
كنت في الوقت كوكبا مستنيرا * في سماء العلوم والعرفان 
كاشفا ظلمة القلوب بنور * هو للّه واضح البرهان 
وإليك الأمور في الغيب ألقت * سرّها بين أهل ذاك الزمان 
يا ابن علم التّقى بغير تناهي * لاتصال بأشرف الأديان 
وارثا كنت علم خير نبيّ * هو طه محمد العدناني 
حلّة قد لبستها منه لمّا * كنت في الناس للكمال تعاني 
بك خولان فاخرت ما سواها * وتسامت عزّا على العربان « 3 » 
يا أبا مسلم الرفيع مقاما * يا سليل الهدى ونور العيان 
لك ذرّية بسرّك قامت * تقتفي منك مشرب الإيقان 
زادهم ربّهم هدى واتباعا * لمعاني هداك في كلّ آن 
.................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة القصص الآية ( 88 ) . 
( 2 ) هو عبد اللّه بن ثوب الخولاني ( توفي 62 ه - 682 م ) تابعيّ ، فقيه عابد زاهد نعته الذهبي بريحانة الشام . أصله من اليمن . أدرك الجاهلية ، وأسلم قبل وفاة النبي ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) ولم يره فقدم المدينة في خلافة أبي بكر ، وهاجر إلى الشام . وفاته بدمشق وقبره بداريّا . الأعلام 4 / 75 ، وتذكرة الحفّاظ 1 / 46 ، وحلية الأولياء 2 / 122 ، وتهذيب التهذيب 12 / 235 . 
( 3 ) خولان : قرية كانت بقرب دمشق خربت . ( معجم البلدان 2 / 407 ) . 

566
خصّك اللّه بالتحيّة منّي * ما تغنّت حمائم الأغصان 
وشدا بالمديح عبد غنيّ * بك يرجو الحسنى مع الإحسان 
وقال مواليا : 
يا مدّعي للوجود أخطأت عين عين * من أين لك هذه الدّعوى ترى من أين 
أنت العدم في وجوده يا أسير البين * وجود واحد أحد يمكن يكون اثنين 
وقال من الدو بيت : 
من عين وجوده ظهرنا من عين * من أين لنا الوجود هذا من أين 
والواحد ربّنا فقط لا ثاني * في الكون فلا يصير بالكون اثنين 

وقال موشحا : 
" دور " 
يا نور هذا التجلّي * بهرت حسّي وعقلي 
وأنت قولي وفعلي * وأنت بعضي وكلّي 
حيّرني هذا الظاهر * نور الأكوان 
" دور" 
بدا الجمال الحقيقي * عليه مزقت زيقي 
فلا تقف في طريقي * يا عاذلي قصد عذلي 
حيّرني هذا الظاهر * نور الأكوان 
" دور " 
باللّه يا نور عيني * من حال بينك وبيني 
وأنت جمعي وأيني * في كلّ عقد وحلّ 
حيّرني هذا الظاهر * نور الأكوان 
"دور " 
يا طالما كنت داني * في علمه بالمعاني 
واليوم لمّا جفاني * قاسيت بعدي وذلّي 
حيّرني هذا الظاهر * نور الأكوان 
" دور " 

567
جمال وجه الحبائب * قلبي الشجي منه هائب 
وإنّ إحدى العجائب * رجوع أيام وصلي 
حيّرني هذا الظاهر * نور الأكوان 
"دور " 
صلّى إلهي وسلّم * على نبيّ تكلم 
بالحقّ لمّا تعلّم * من ربّه حكم فصل 
حيّرني هذا الظاهر * نور الأكوان 
" دور " 
عبد الغني قام يرجو * علما به اليوم ينجو 
له من اللّه نهج * على المقام الأجلّ 
حيّرني هذا الظاهر * نور الأكوان 

وقال أيضا من الموشح : 
" دور " 
جمال وجه الحبيب أشرق * ساجي الجفون 
والمبسم العذب منه أبرق * كأس المنون 
" دور " 
يا منيتي زدت في مطالي * كم ذا الجفا 
فالجسم منّي كما الخيال * كذا يكون 
" دور " 
عندي غرام إلى غزالي * بلا حساب 
وصار شوقي عليّ والي * صعب يهون 
" دور " 
بالسّعد يا حقّ جد لباطل * كفى بعاد 
فإنّ صبري عليك عاطل * يا ذا المصون 
" دور " 
صلّى إله الورى وسلّم * على الرسول 
عبد الغني بالثّنا تكلّم * والقدر دون 

568
وقال أيضا موشحا : 
"دور" 
مفرد الحسن تبدّى * بهلال فوق غصن البان 
يتثنّى زادني أشجان 
" دور " 
راح يرنو بعيون * فاضحات أعين الغزلان 
قائلات الأمان الأمان 
" دور " 
وهو روحي وهو جسمي * لم يكن لي عنه من سلوان 
انظروا في الحان يا إخوان 
" دور " 
هذه الأكوان دلّت * إنّ هذا النور في الألوان 
يتجلّى دائم الأزمان 
" دور " 
وصلاة اللّه ربّي * للنبيّ رحمة الرّحمن 
من عبيد للغني ولهان 

وقال رضي اللّه عنه : 
هو العظيم الذي علا شانه * وقام بالكفّتين ميزانه 
وقد تثنّت قدوده ورنّت * عيونه واستمال إنسانه 
ولم يزل واحدا وكثرته * ذيول أثوابه وأردانه « 1 » 
وكنت قرآنه بجمعي أنا * بل أنا منّي بالفرق فرقانه 
جلّت عيون رأته في صور * قام عليها بالحقّ برهانه 
وجلّ قلب درى بعزّته * يقينه ملؤه وإيمانه 
ملأت منه يدي وليس بها * سواه إذ ما سواه ملآنه 
وماء حوض النبيّ راق لنا * ونحن أكوابه وكيزانه 
.....................................................
( 1 ) الأردان : ( ج ) الرّدن : الكمّ . 

569
تبارك اللّه حين صوّرني * صورته فيّ وهي إحسانه 
وانتظمت بالوجود سبحتنا * في سلكه المستطيل سبحانه 

وقال رضي اللّه عنه : 
هذه الكائنات أم هي حانه * أسكرتنا كؤوسها الملآنه 
أم هو البرق برق نور التجلّي * خاطف كلّ من رأى لمعانه 
يا نديمي أعد عليّ وكرّر * ذكر من غاب في ستور الصيانة 
وجهه البدر لا بل الشمس حسنا * لا عدمنا طول المدى إحسانه 
سرّه دبّ في القلوب فهامت * عندما شاهدت بها سريانه 
ويذوب المحبّ فيه ويفنى * كلّما لاح كاشفا أردانه 
واحد في القلوب وهو كثير * في العيون اقتضى هداه الإبانه 
عرفته به السّعاة إليه * بنفوس في حبّه ولهانه 
ثمّ أفنت به النفوس وقامت * بتجلّي صفاته الفتّانه 
لا تقل غيره فذا قول من لم * يتحقّق في غيره عرفانه 
يختفي تارة ويظهر طورا * كيفما شاء لم يزل ذاك شانه 
يا وحيد الوجود نحن حيارى * فيك فارفق بعصبة حيرانه 
أينما أقبلوا رأوك جهارا * والتّقى من شهودهم والأمانه 
أهل صدق بسرّ سرّك قاموا * ولهم صولة به واستعانه 
كلّما أشرق الوجود عليهم * فيه غابوا فشاهدوا رحمانه 
حفظوا العهد منه يوم ألستم * واستقاموا لا يعرفون الخيانة 
أمّة أمّت الفنا وترجّت * معه من بقائهم غفرانه 
هم تجلّيه وانكشاف سناه * عنده يدخلون منه جنانه 
أسلموا يوم فتح مكّته إذ * كسروا من نفوسهم صلبانه 
ههنا سرّ نشأة كلّ عبد * ذاق منه لم يستطع كتمانه 
وهو حقّ به تحقّق كوني * لا بسحر من السّوى وكهانه 
وهو قاض لنا ونحن شهود * عندنا الشرع لم يزل ترجمانه 
وعلى حضرة النبيّ نزلنا * منه حتّى بنا تلا قرآنه 
حضرة النور وهي من حضرة النو * ر ونحن النور الذي قد أبانه 
إنّني ظاهر به وخفيّ * وفؤادي محقّق هيمانه 

570
كنت قرآنه يا جمال جمع * وبتفصيل فرقه فرقانه 
ولهذا شهدت جمعا وفرقا * ذاته والصفات فيه ديانه 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّما نحن ربّنا في شؤونه * ناظرات عيوننا بعيونه 
يتجلّى بنا ونحن كواو * أضمرت بين كاف أمر ونونه 
كم له في بطوننا من ظهور * وظهور لنا به في بطونه 
يا لحيّ إذا بدا فيلاقي * كلّ حيّ حياته في منونه 
وإذا لاح قادرا أو مريدا * بان تحريك عبده في سكونه 
حدّثوني يا أمّة العشق فيه * عن محيّا ليلى وعن مجنونه 
كلّ نفس مرهونة بدعاوى * ذاته والصفات أسر ديونه 
صبغة اللّه في الشؤون فخلّوا * عاشق الوجه حائرا في جنونه 
وصفوا لي صفاته فصفاتي * لا أراها بأنّها من دونه 
هي لي تارة به وله بي * مثل نهر يدور في منجنونه « 1 » 
عدم كلّنا وذاك وجود * لكن الأمر ظاهر بفنونه 
والذي قام فيه بالنفس فان * مضمحلّ يقينه في ظنونه 
وعليه تلبّس الأمر حتى * ليس يدري صوابه من لحونه 
هو إلا مضمون علم قديم * فليجل بالوجود في مضمونه 
إنّك الاعتبار منه فكن يا * وردة كالدهان عين شؤونه 
لا تكن خارجا بنفسك عنه * لا ولا داخلا به في حصونه 
أنت لا شيء وهو شيء عظيم * فاشتغل بالوفا لفكّ رهونه 

وقال رضي اللّه عنه في نسبته إلى بني كنانة لأنه من ذرّية سعد اللّه بن جماعة الكناني النابلسيّ رحمه اللّه تعالى وذلك من أبيات رحلته الطرابلسية في سنة اثنتي عشرة ومائة وألف عملها في رجعته من بلدة بعلبك المحروسة : 
بلّغوا الحيّ من عريب كنانه * عن سلامي إنّ السلام أمانه 
وانشروا ما انطوى لهم في ثيابي * من إمام قد عظّم اللّه شانه 
.........................................................
( 1 ) المنجنون : الدولاب فوق البئر يلفّ عليه المستقي حبل الدلو ( ج ) مناجين . 

571
قلبه كاشف علوم التجلّي * وبها أفصح الإله لسانه 
يا حداة المطيّ للحيّ قولوا * عن فؤادي وبينوا هيمانه 
إنّ بالرقمتين لي قرب عهد * تحت ظلّ الأراكة الفينانه « 1 » 
حبّ سلمى على التباعد شرعي * وعلى القرب ملّتي والديانة 
كلّ وردي في حبّها شمّ وردي * وارتياحي تنشّق الريحانة 
لي من الغيب في الشهادة سكر * ومن الحقّ في الحقائق حانه 
عربيّ سرت عروبة سرّي * في جليسي فلم أزل ترجمانه 
هذه نسبتي وهذا مقامي * بثّ إنسان ناظري إنسانه 

وقال رضي اللّه عنه : 
ما له عندك كنه * فتحقّقه وكن هو 
أيّها الغائب فيه * لمتى تعرض عنه 
أنت غيب وهو غيب * لك تأتي أنت منه 
وتيقّظ أيّها الغا * فل فق أنت لدنه 
للربوبية سرّ * فاحفظ السرّ وصنه 
وعليك العهد مأخو * ذ من الربّ اعرفنه 
وعزيز هو في ذا * تك إياك تهنه 
عدم أنت ومولا * ك وجود فاشهدنه 
زينة اللّه فخذها * منه واخرج لا تشنه 
وعلى نفسك من ين * صح بالحقّ أعنه 
وإذا آمنك المو * دع سرّا لا تخنه 
وارجع الأمر إليه * ذاتك امحقها فدنه 
شرعك الميزان فاعمل * والذي تعمل زنه 

وقال رضي اللّه عنه : 
جميع أفعال ربّنا حسنه * سيّئة منك كانت أو حسنه 
والنفس منها الأفعال سيّئة * وتلك أفعال ربّنا الحسنة 
........................................................
( 1 ) الفينان : ذو الأفنان . 

572
وإنّما اللّه عنه أغفلها * حتى ادّعتها ولم تر مننه 
فإنّها سيئات ما عملوا * بنيّة في القلوب مكتمنه 
ومن يبع نفسه لخالقه * تكن له نفس ربّه ثمنه 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:48 pm

قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف الهاء 
قال رضي اللّه عنه مخمّسا : 
هذه كلّ ظاهر هو فيها 
وبها كلّ ناطق يعنيها 
فتأمّل في نفس ذات تليها 
عطس الصبح في الدّجى فاسقنيها * خمرة تترك الحليم سفيها 
إنّني كنت سابقا في ابتلاء 
من وجودي بغير علم اجتلاء 
وأنا اليوم صرت خمر اصطفاء 
لست أدري من رقّة وصفاء * هي في كأسها أم الكأس فيها 

وقال رضي اللّه عنه : 
حسب الناس أنّني أتسلّى * بسوى من سواه لست أراه 
عجبا هل لمن سواه وجود * عندهم أين قولهم اللّه 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
يا غافلون استفيقوا يا نيام الجاه * وامحوا بما لم يزل ما لم يكن أوّاه 
وأفنوا عن الفكر إنّ الفكر فيه تاه * وما تشاؤون إلّا أن يشاء اللّه 

وقال رضي اللّه عنه موشح : 
" دور " 
إنّ المولى في كلّ حال معنا * لولاه لما نلنا الهدى لولاه 
ما الروح وما الجسم الذي في المغنى * ما النفس وما الأشكال والأشباه 

574
ما القرب وما أهل المقام الأسنى * ما البعد ومن بالجهل فيه تاهوا 
الكلّ إشارة وأنت المعنى * يا من هو لا إله إلّا اللّه 
" دور " 
قلبي يا ربّ جاء بالتوحيد * يرجو منك القبول للأعمال 
والنطق على التسبيح والتحميد * قد واظب في البكور والآصال 
فاغفر وارحم آباءنا والأبنا * منا دعت القلوب والأفواه 
الكلّ إشارة وأنت المعنى * يا من هو لا إله إلّا اللّه 
" دور " 
نور الأسماء لاح في الأكوان * فانظره به تراه لا بالنفس 
واترك عنك الوقوف مع ذا الفاني * كم تصبح باللهو به كم تمسي 
العمر مضى وما ملكت الأدنى * من زادك ما السّوى وما معناه 
الكلّ إشارة وأنت المعنى * يا من هو لا إله إلّا اللّه 
" دور " 
للّه على طول المدى ألطاف * في الخلق بها قد حارت الأفكار 
والفضل له والجود والإنصاف * يدري هذا من عنده استبصار 
فاقنع باللّه إنّه قد أغنى * عن ذاك وذا ودع لما تهواه 
الكلّ إشارة وأنت المعنى * يا من هو لا إله إلّا اللّه 
" دور " 
رحمن العرش قد تجلّى فينا * بالصنع وبالإيجاد والإعدام 
والغفلة عنه كم أزالت دينا * حتى أغوت من كثرة الآثام 
والفائز كلّ من تراه يفنى * لا يقصد دنياه ولا أخراه 
الكلّ إشارة وأنت المعنى * يا من هو لا إله إلّا اللّه 
" دور " 
الحقّ هو الباطن وهو الظاهر * فاعرض عمّن سواه تحظى فيه 
في الكون لقد بدا سناه باهر * لم يخف سوى عن الذي يخفيه 
والليل مع النهار عنه أثنى * والأرض مع السماء والأمواه 
الكلّ إشارة وأنت المعنى * يا من هو لا إله إلّا اللّه 

575
" دور " 
صلّ يا ربّنا على المختار * ذي المجد وذي الفخر وذي العلياء 
والآل مع الصحابة الأخيار * أهل التّقوى كواكب الهيجاء 
مع تابعهم ما قال لما أكنى * يوما عبد الغنيّ عن مولاه 
الكلّ إشارة وأنت المعنى * يا من هو لا إله إلّا اللّه 

وقال رضي اللّه عنه : 
مهجة ناظراك قد فتناها * وبها أفرط الجوى فتناهى 
كلّما قلت آه من فرط شوقي * لك قال المقال مني : آها 
يا بديع الجمال بالعشق منّا * قد شغلت القلوب والأفواها 
كلّ عين تراك من كلّ شيء * فترى نفسها وأنت تراها 
والعمى عنك وصفها كشهود * لك فالوصف داؤها ودواها 
هيه حادي المطيّ من نفس صبّ * قد تحفّت أقدامها بوناها 
وسرى الركب وهي في أخريات * خوفها الانقطاع عنهم براها 
كلّما جدّت المسير أعيقت * بأسارى أبصارهم أعماها 
إن توخّت إيمانها أنكروها * وإلى العقل يرجعون قواها 
عصبة أذهبوا الزمان التباسا * من دواعي نفوسهم واشتباها 
ربطتهم بقيدها شهوات * فهم الهالكون مالا وجاها 
يحسبون الضلال بالنفس رشدا * والتعامي يرونه الانتباها 
وبذات المليح ذات مليح * كلّما شئت كلّمتني شفاها 
خيّلت غيرها لقوم ضعاف * ما اتّقوها بها فظنّوا سواها 
وهي تدنو لهم بهم فيفرّو * ن وهيهات يعرفون الإلها 
وسواها منها كرؤية وجه * من بعيد عمرا إذ الحسّ تاها 
واحد وهو في الظهور كثير * يتجلّى لنا فلا يتناهى 
صدر الكلّ عنه فهو لهذا * عين كلّ والكلّ لي عنه فاها 
يا ابن قومي خذ القضية عنّي * إن تكن مغرما بها أوّاها 
واطرح القشر عن كلامي وكل من * لبّه واشرب الجميع مياها 
والتفت تنظر الوجود سرابا * لا شرابا فاحذر به تتباهى 

576
واجتنب عنه لا ترى أمثالا * فيه قد خيّلت ولا أشباها 
واقتنع منه بالذي هو سرّ * فيه لا فيه لا تكن تيّاها 

وقال رضي اللّه عنه : 
لا يرى الفقه الإلهي * في الورى غير فقيه 
وسفيه كلّ من قا * س كريما بسفيه 
من رأى في الغير عيبا * كان ذاك العيب فيه 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن معاني الوجود فيه * ونحن عنه كنطق فيه 
وما له عزّ من مثيل * وما له جلّ من شبيه 
إذا تجلّى لنا محانا * بنوره الساطع النزيه 
وإن رأيناه لا نراه * إذ نحن في رتبة تليه 
وعلمنا ليس عند شخص * محدّث لا ولا فقيه 
ولا كبير ولا صغير * ولا حليم ولا سفيه 
سوى فتى صار جدّ جدّ * له وأضحى أبا أبيه 
وأصبح الجسم منه روحا * بسرّه اللّه يجتبيه 
وصار فردا بحبّ فرد * يجلّ عنه وعن ذويه 
ولم يدع منزلا رفيعا * في اللّه إلّا ويرتقيه 
وقد تعرّى عن الأماني * وكلّ ما كان يرتجيه 
وذاب حتى انمحت رسوم * له ولاح الخفيّ فيه 
نصحتك اشرب كؤوس عشقي * وخلّ ما كنت تتقيه 
وكن فهيما وع كلامي * وعدّ عن كلّ ما تعيه 
نحن الذين انتهت إلينا * مقاصد الفاضل النبيه 
ونحن قوم إذا أتانا * من لا يرى ربّه نريه 
ونكشف الحقّ في المعاني * وفي المباني التي تقيه 
نراه في كلّ ما كرهنا * وكلّ ما نحن نشتهيه 
وليس بالحال يدري منّا * سوى الذي صار يقتفيه 
وزادنا ربّنا علوما * بنور وجه له وجيه 

577
وقال رضي اللّه عنه : 
لو أنّ من يطلب مولاه * مثل الذي يطلب دنياه 
لكان يلقاه بلا شبهة * في كلّ شيء كان يلقاه 
من يطلب الدّنيا ترى قلبه * مستغرقا فيها وأحشاه 
وعقله قد أسرته كما * بذكرها قد أشغلت فاه 
يحبّ من يوهمه بذلّها * وإن يكن أبغض أعداه 
ويركب الأهوال في نيلها * أهوال دنياه وعقباه 
وقلبه في حبّها صادق * يطلب منها ما تمنّاه 
وليته في ربّه هكذا * والناس أشكال وأشباه 
لو أخلصوا في اللّه إخلاصهم * في غيره ناجاهم اللّه 
وخصّهم منه بما خصّهم * وكان بالذّكرى لهم جاه 
ولكن التقدير قد عاقهم * عنه وفاز الكلّ لولاه 
وهو الذي يقضي عليهم بهم * لأنّ علم اللّه مبدأه 
والعلم عنهم كاشف حيث هم * في عدم لا شيء معناه 
وكيفما هم جاء إيجادهم * من نعمة المولى وجدواه 
والخير والشرّ سواء له * أيّهما بالخلق أولاه 
واللّه لا يظلم شيئا وقد * فاضت على الكلّ عطاياه 

وقال مواليا : 
أنتم هم المال لي يا سادتي والجاه * والقلب منّي هواكم للردى ألجاه 
وأصبح العبد أخشى ما يراه أرجاه * وعرش سرّي ملك علمي على أرجاه 

وقال رضي اللّه عنه : 
سمّيت ساعة فخذ نطق فيها * إنّها الساعة التي أنت فيها 
قال عنها ترونها دون تأتي * فتأمّل لأنّه مبديها 
والسماوات قال مطويّات * بيمين له أيا مقتفيها 
وحقيق قيامها بك فاكشف * سورة الانشقاق كشفا نزيها 
وكذا الانفطار مع سورة التّك * وير واترك لبسا ودع تمويها 
ثمّ عنها بأنّها ثقلت قا * ل لإظهار نشأة تقتضيها 

578
فهي حقّ وكلّ ما ليس منها * فمحال مشوّه تشويها 
من يرم كشفها يكن مستقيما * ولينزّه إلهه تنزيها 
وليمت إنّ أول الأمر موت * ثمّ قبر في تربة يحويها 
وسؤال من روحه وبطون * من ظهور أسراره يخفيها 
ثمّ من بعده ظهور عظيم * واسمه ساعة لمن يعنيها 
فتحقّق ما قد بثثتك وافهم * فالمعاني يجلّ من يدريها 

وقال رضي اللّه عنه : 
يا من تكلّم فينا بالذي فيه * وقعت في كفّ ضرغام وفي فيه 
ودّع حياتك إنّ السمّ فيك سرى * من لحمنا عنك لا تستطيع تنفيه 
واختر لنفسك دينا مت عليه سوى * دين النبيّ الذي أنكر تنافيه 
فقد جحدت الغيور الحقّ ملّته * هيهات أنّك تنجو من أياديه 
وإن جهلت فما بالكفر يعذر ذو * جهل لدى الشرع والشيطان يطغيه 
دم في ظنونك مفتونا فسوف ترى * من الذي منه قبح الفعل يرديه 
ولا تقل أيّ جاه للضعيف يرى * فإنّ للبيت ربّا سوف يحميه 
يا مستبيحين أعراضا محرّمة * بسوء ظنّ وتلبيس وتمويه 
أهكذا ملّة الإسلام تأمركم * أم قد سلكتم عن الإسلام في تيه 
تبّا لكم ولمن قد عاد يتبعكم * والعبد مولاه في الأعداء يكفيه 

وقال رضي اللّه عنه : 
كلّ شيء به تغلق شيء * كان أعلى منه بغير اشتباه 
فتأمّل يا من تعلّق ال * قلب جهلا بماله والجاه 
قلبك الآن صار أدنى من الدّن * يا ومن شأنها الحقير الواهي 
وهي ملعونة فما هو أدنى * كيف قل لي يكون عند اللّه 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا صاحب الأمر الإلهي * أنا آمر أبدا وناهي 
أنا ذو العيون وذو الوجو * ه وذو النفوس بلا تناهي 
أنا ذلك الفرد الذي * أدري فهل أحد يباهي 
أنا درّة البحر المحي * ط بما يحيط من المياه 

579
أنا كوكب الفلك الذي * خضعت له شمّ الجباه 
وأنا الذي جرّدت ذا * تي عن ثياب الاشتباه 
وأنا الذلول الصعب وال * معدود في أدهى الدواهي 
وأنا القديم الحادث ال * داني البعيد ولا مضاهي 
حيّ مميت والأسي * ر المطلق العيّ المباهي 
وكذا أنا الموجود وال * معدوم يا ذا الانتباه 
وأنا الحقير المستها * ن أنا رفيع على وجاه 
وأنا التراب وإنّني * نور بأفق الغيب زاهي 
أنا قادر أنا عاجز * وأنا قويّ بل وواهي 
أنا جاهل لا علم لي * أنا من بعلمي لي يضاهي 
أنا لست أعرف من أنا * أنا عارف بي لست لاهي 
أنا لست حيوانا ولا * إنسا ولا جنّا يلاهي 
أنا لست شيطانا ولا * ملكا عصمت من المناهي 
أنا لست يقظانا ولا * أنا غافل عنّي وساهي 
أنا ليس تلهيني الملا * هي بل أنا ألهي الملاهي 
وحقيقتي حار الورى * فيها ولا يدرون ما هي 
سل نغمة الطنبور عن * أمري الذي في تلك باهي 
وسل الدّنان وسل كؤو * س الرّاح والغيد اللواهي 
وسل المدامة والندي * م ومجلسا للأنس شاهي 
واسمع على طور الفنا * إنّي أنا واعص النواهي 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الذي أكّد وعدي وفاه * وبالمنى خاطب قلبي وفاه 
طلعته تهتك أستارنا * وتثبت العين لدينا وفاه 
محتجب لكنّه ظاهر * لكلّ من عنه نفي الاشتباه 
لا كان من ينظر في غيره * ولا تهنّى من يلاقي سواه 
تعوّدت أغياره أمّة * لا تعرف اليقظة والانتباه 
وكلّ من قد تاه فيه اهتدى * له ومن فيه اهتدى عنه تاه 
روض جرت أسماؤه جدولا * منه فأنواع البرايا مياه 

580
فانظر إلى هيكلنا تلقه * وكلّ ما شئت ترى في حماه 
إسكندر العزم من المقتفي * آثارنا يدرك عين الحياة 
من زال فيه عن سواه التقى * به ومنه قد أتاه مناه 
قد سجدت كلّ البرايا له * لمّا تجلّى رافلا في حلاه 
باللّه يا ريح الصّبا بلّغي * أحبابنا بالجزع وجدا نراه 
فإنّ من زاد به داؤه * ريح الصّبا من نحو سعدى دواه 
فليت طيف الحبّ لو زارني * وأسعد المضنى وأهنى حشاه 
فإنّه كان إلى مثله * يسري ويحلو لفؤادي سراه 
ولكن الألباب محجوبة * عنه بما تدرك ممّا تراه 
وقد عنت كلّ قلوب الورى * له وقد ذلّت عليه الجباه 
ومن درى ذاب ومن لا درى * وكلّهم منطرح في حماه 

وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
" دور " 
تجلّى الزاهر الزاهي * لقلب الساهر الساهي 
فأفنى كلّ موجود * سناه الباهر الباهي 
" دور " 
هو المعروف بالإمداد * هو الموصوف بالإسعاد 
بدت أسماؤه الحسنى * وما في الكون إلّا هي 
" دور " 
رأينا وجهه الباقي * سقانا كأسه الساقي 
وأنا من تجلّيه * لفي عزّ وفي جاه 
" دور " 
بدا للعاشق المسكي * ن في صعب وفي تهوين 
فلم يقدر على إنكا * ره واللّه واللّه 
" دور " 
ومن يعرض عن المختار * فهو الجاهل المحتار 
له عبد الغني عمّا * سواه الناهر الناهي 

581
وقال رضي اللّه عنه موشحا : 
"دور " 
إن تكن باللّه قائم * لم تكن بل أنت هو 
أنت ظلّ الغيب من أس * مائه والشمس هو 
" دور " 
أشرقت أنوار سلمى * فظهرنا كلّنا 
يا خفافيش التجلّي * ما تبدّى غيرهو 
" دور " 
لي حبيب بل طبيب * بل رقيب كلّما 
ملت عنه ردّ ميلي * نحوه في الحال هو 
" دور " 
أيّها العقل الذي قد * حار في إدراكه 
لا تعاند أنت مملو * ك وفي تصريف هو 
" دور " 
كم إلى كم أنت عنه * في التهاء بل به 
أنت مشغول ولا تد * ري فقد ألهاك هو 
" دور " 
صلّ يا ربّ وسلّم * دائما منّي على 
أحمد المختار طه * كاشف أسرارهو 
" دور " 
وعلى آل وأصحا * ب بهم عبد الغني 
نال فضلا وكمالا * كلّما قد قال هو 

وقال رضي اللّه عنه : 
فتحت عندنا المليحة فاها * والذي كان كاتم السرّ فاها 
كلّ شيء فم لمنية قلبي * ناطق بالذي يزيل اشتباها 
فاسمعوا يا قلوب أخبار ليلى * عن علوم الغيوب لا تتناهى 
خمرة أوهمت عيون أناس * أنّها في الكؤوس يوم لقاها 
هي لولا كؤوسها ما تبدّت * ما تبدّت كؤوسها لولاها 

582
ذات وجه أيان ما قد تولّي * ت أراه أو شئت قلت أراها 
وهو وجه وفي الحديث جميل * ويحبّ الجمال إنّ اللّه « 1 » 
فهو كلّ الملاح كلّ المحبّي * ن يريك النظائر الأشباها 
أنا فان فيه وكلّ محبّ * بلغت صبوتي به منتهاها 
ما ألذّ الفنا بطلعة باق * كلّ من رامه ولم يفن تاها 
لا تظنّ الفنا به غير ما أن * ت عليه إذا انتبهت انتباها 
إنّ علم اليقين غرّ بقوم * فهم المفتونون مالا وجاها 
حسبوه عين اليقين كأعمى * حسب الفهم رؤية فتباهى 
ربّما علمهم يجرّ إليهم * فتنة الكفر فاحذروا مبتداها 
علم إبليس كان علم يقين * عنه عين اليقين أخفت سناها 
لو رأى الحقّ ما أبى عن سجود * منع العين علمه معناها 
ثمّ ماذا يغنيك علمك عن عي * نيك يا من بعزّة العلم تاها 
فوق ما أنت فيه رتبة كشف * غير كشف الخيال يحلو مياها 
..................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى الحديث الشريف : « إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال » . أخرجه مسلم في الصحيح ( الإيمان 147 ) ، وأحمد بن حنبل في ( المسند 4 / 133 ، 134 ، 151 ، 231 ) ، والحاكم في ( المستدرك 1 / 26 ) ، والطبراني في ( المعجم الكبير 8 / 240 ، 293 ، 10 / 273 ، 18 / 366 ) ، والهيثمي في ( مجمع الزوائد 2 / 214 ، 5 / 132 ، 133 ) ، والتبريزي في ( مشكاة المصابيح 5108 ) ، والبغوي في ( شرح السّنّة 13 / 165 ) ، وابن حجر في ( المطالب العالية 2170 ) ، والزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين 6 / 498 ، 8 / 338 ، 348 ، 9 / 555 ، 556 ) ، والمتقي الهندي في ( كنز العمال 17165 ، 7166 ، 17167 ، 17168 ، 17187 ، 17188 ، 17189 ، 17190 ، 17191 ) ، والسيوطي في ( جمع الجوامع 4777 ، 4779 ، 4780 ، 4781 ، 4782 ، 4783 ، 7780 ) ، والقرطبي في ( التفسير 1 / 296 ، 7 / 197 ، 20 / 103 ) ، وابن كثير في ( التفسير 6 / 269 ) ، والألباني في ( السلسلة الصحيحة 1 / 211 ، 3 / 312 ، 4 / 116 و 167 ) ، والسيوطي في ( الدر المنثور 3 / 79 ، 4 / 114 ) ، والعراقي في ( المغني عن حمل الأسفار 4 / 290 ) ، والشجري في ( الأمالي 2 / 217 ) ، والمنذري في ( الترغيب والترهيب 3 / 567 ) ، وابن حجر في ( فتح الباري 10 / 260 ) ، وابن السني في ( عمل اليوم والليلة 169 ) ، وابن الجوزي في ( تلبيس إبليس 202 ) ، والبيهقي في ( الأسماء والصفات 42 ) ، وابن حجر في ( الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف 43 ) ، وابن سعد في ( الطبقات الكبرى 7 / 141 ) ، وأبو عوانة في ( المسند 1 / 31 ) ، وابن الجوزي في ( العلل المتناهية 2 / 198 ) ، والعجلوني في ( كشف الخفاء 1 / 260 ) ، والفتني في ( تذكرة الموضوعات 160 ) ، وابن عدي في ( الكامل في الضعفاء 1929 ) . 

582
فترى فيه كلّ ما كان علما * لك فاستجل شمسها وضحاها 
ثمّ من فوق ذاك رتبة حقّ * وهو إعطاء كلّ نفس هداها 
ربّنا الربّ فيه والعبد عبد * ثمّ ذاك وحدة لا سواها 

وقال رضي اللّه عنه : 
عليك بروحك السرّ الإلهي * إلى كم أنت عن ذا السرّ لاهي 
أتطلبه وروحك أمره قد * أتاك عن السّوى لك منك ناهي 
فبينك لو عرفت وبين ربّ * قديم جلّ روحك فادر ما هي 
وجسمك دون قدرك وهو فان * به المفتون أنت وفي تلاهي 
وروحك يا ابن آدم ليس تفنى * وتلك لك البقاء بلا تناهي 
هي البرق اللموع خلال بيت * بنته بالتراب وبالمياه 
وهدم البيت معلوم فعجّل * بكشفك عنك هذا البيت واهي 
ولا تحسب بأنّك أنت جسم * فإنّك غافل عن أنت ساهي 
وأنت الروح وهي عليك جاءت * ملبّسة من الأمر الإلهي 
فحقّق صورة لك أنت فيها * تجدها الروح حمراء الشفاه 
يصوّرها الذي هي في يديه * كما قد شاء في ذلّ وجاه 
وفي مرض وعافية وحسن * وقبح فاتّصف بالانتباه 
ألا فاقرأ له الخلق اكتفاء * به والأمر يا ذا الاشتباه 
فجسمك خلقه والروح أمر * له فافهم بفهم منه باهي 
وجسمك فاعطه حقّا بشرع * ومنه على الثرى وضع الجباه 
وحقّ الروح أخلاق حسان * ونحو الحقّ تحقيق اتجاه 
وقم بأوامر التكليف واترك * بإخلاص له كلّ المناهي 
تجد فيه الترقّي كلّ وقت * وللذكرى تنبّهك الملاهي 
فإن حقّقته وتركت حكما * عليك له دفعت إلى الدواهي 
ولم يحفظ عليك الوقت حتّى * يضلّك بالمعاند والمضاهي 
ومن يفرق ولو من بعد جمع * عليه آمر يدعو وناهي 
وروح النفخ منه ومن عداه * فيلحق بالبهائم والشياه 
وأمّا الاحترام فذاك شيء * به أبدا يصير القلب زاهي 

584
وقال رضي اللّه عنه : 
من تجلّى له الإله بضرّ * غلب النفع بالتجلّي عليه 
ولهذا يذيقه الضرّ تطهي * را سريعا بما جنى بيديه 
رحمة منه جلّ بالعبد كيلا * يترك العبد بالفساد لديه 
وإذا ما به تجلّى بنفع * عاد منه نفع له يقتضيه 
كلّ هذا من سبق رحمة ربّي * غضبا جاء في الحديث النبيه 

وقال رضي اللّه عنه عاقد الحديث الشريف المسلسل بالأوّلية وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : 
« الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » « 1 » : 
لقد أتانا حديث عن مشايخنا * مسلسلا أوّليّا قد رويناه 
قال النبيّ صلاة اللّه دائمة * مع السلام عليه عند ذكراه 
الراحمون هم الرحمن يرحمهم * برحمة منه نرويه بمعناه 
من كان يرحم من في الأرض يرحمه * من في السماء وإنّ الراحم اللّه 

وقال رضي اللّه عنه : 
نحن بالأمر الإلهي * كأنابيب المياه 
صور نحن خلقنا * هكذا للانتباه 
فإذا عنّا غفلنا * فيه كنّا كالشياه 
وجمدنا مثل ثلج * ناله برد التلاهي 
فتحقّق ثمّ ذب في * حرّ نفي الاشتباه 
نحن خلق نحن أمر * نحن تقدير الإله 
نحن لا شيء ولكن * نحن حكم الحقّ باهي 
نتبدّى مثل برق * لامع في العين زاهي 
..................................................
( 1 ) أخرجه الترمذي ( برّ 16 ) ، وأبو داود في ( السّنن 4941 ) ، وأحمد بن حنبل في ( المسند 2 / 160 ) ، والبيهقي في ( السّنن الكبرى 9 / 41 ) ، والحاكم في ( المستدرك 4 / 159 ) ، والمنذري في ( الترغيب والترهيب 3 / 202 ) ، والتبريزي في ( مشكاة المصابيح 4969 ) ، والسيوطي في ( الدر المنثور 6 / 65 ) ، وابن حجر في ( فتح الباري 13 / 359 ) ، وابن أبي شيبة في ( المصنف 8 / 338 ) ، والحميدي في ( المسند 591 ) ، والبيهقي في ( الأسماء والصفات 423 ) ، والبخاري في ( التاريخ الكبير 9 / 64 ) ، والخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد 3 / 260 ، 438 ) ، والعجلوني في ( كشف الخفاء 1 / 525 ) ، والمتقي الهندي في ( كنز العمال 5969 ) . 

585
ثمّ نخفى ثمّ نبدو * بأمور ونواهي 
لمتى عينك عميا * لمتى قلبك ساهي 
خلّ عنك الطبع واسلك * في هدى غرّ الجباه 
مثل القوم الذي ما * إن له قطّ تباهي 
فسوى ذلك جهل * وضعيف القول واهي 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا قصيدة الشيخ أيوب رضي اللّه عنه بطلب من بعض أصحابه وهو يومئذ بربوة « 1 » دمشق الشام في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1109 : 
غزال ذاك الحمى صبري قضى فيه 
هيهات يخلص قلبي من أياديه 
باللّه يا سائق الأظعان في التيه 
حيّ الملاعب من سلع وواديه * وحيّ سكّانه وانزل بناديه 
سمعي الذي صار يوم البين سمعهمو 
وقد وجدت بعين الضرّ نفعهمو 
قف بالأجارع أصلي صار فرعهمو 
وانشد فؤادي إذا عاينت ربعهمو * بين الخيام فقد خلّفته فيه 
أوّاه لم تبق لي روحي ولا بدني 
يا سائق الظعن بل كلّي عليه فني 
هي المنازل كن فيها ولا تكن 
واذكر هنالك أشواقي وصف شجني * وقل عليل هواكم من يداويه 
أنا المسمّى علي وهم بعبدكمو 
والوجد منّي إليكم عين وجدكمو 
وحقّكم لي لقاكم محض فقدكمو 
يا جيرة الحيّ قد جرتم ببعدكمو * على فتى قربكم أقصى أمانيه 
كم في هواكم أبان الشوق نيّته 
للغير حتى طوى كلّ طويته 
كلّ الهويات قد صارت هويته 
....................................
( 1 ) الربوة : موضع في لحف جبل على فرسخ من دمشق . ( معجم البلدان 3 / 26 ) . 

586
يكاد من بعدكم يقضي منيّته * لولا تدارك طيف الحلم يأتيه 
لم ألق في الكون شيئا قطّ يعجبني 
ما لم أراه بكم منكم لديّ بني 
وسرّ طلعتكم يا ساكني بدني 
أحنّ شوقا إلى الوادي فيطربني * نوح الحمام سحيرا في نواحيه 
كم روض أنس بكم شقّت كمائمه 
فهيّجت بشذا الذّكرى نسائمه 
وغصن نشأة كوني كم أداومه 
ويعتريني إذا ناحت حمائمه * وجدّ يذوب الحشى من ذكر أهليه 
لمتّقي هذه الدّنيا وفاجرها 
حالات صدق لباغيها وهاجرها 
يا سعد خذ حالتي من بذل حاجرها 
إن فاض ماء دموعي من محاجرها * لا تشرب الماء إلّا من مجاريه 

وقال رضي اللّه عنه : 
ردّني اللّه إليه من سواه * بالذي شاء فلا أحصي ثناه 
وتولّاني فلا حول ولا * قوّة مع حول قلبي وقواه 
وأنا أستغفر اللّه هنا * من مقامي أن أرى فيه سواه 
يا وجودا أنا فيه عدم * طبق تقديرك لي ناديت يا هو 
لا تدعني بالسّوى مشتغلا * عنك لي عزّ من الغير وجاه 
أنا محفوظ ومحفوظ وإن * صلف الكلّ على حالي وتاهوا 
وأنا الملحوظ بالعين التي * هي عين العين ما فيها اشتباه 
فتنكّب أيّها العاذل عن * لوم صبّ ذاب عشقا من صباه 

وقال مواليا : 
حقيقة الكلّ روح اللّه يهديها * لبعضها البعض تلبيسا وتمويها 
فانظر لنفسك وحقّق من يسوّيها * ووجهة قل لكلّ هو موليها 

وقال رضي اللّه عنه : 
هي قامت بنفسها لذويها * ليس في كاسها ولا الكاس فيها 

587
خمرة تذهب العقول وتفني * كلّ شيء لكلّ من يجتليها 
هاتها يا نديم واترك سواها * فسواها هي التي نعنيها 
لا تقل إنّها هي الكون جهلا * إنّما الكون نشو أمر يليها 
أمرها كن فكان عند سواها * وسواها إثباته ينفيها 
ليس معها شيء ومع كلّ شيء * هي فافهم إن كنت شهما نبيها 
هي تهدي بها لها من أرادت * فتزيل التكييف والتشبيها 
وتضلّ الذي أرادت فسلّم * أمرها فيك والزم التنزيها 
واتبع الشرع مذعنا وتوسّل * بعباداتها التي ترتضيها 
لا يريك الحقّ المبين سواها * خلّ عنك الجدال والتمويها 
قم بها دائما عليها وجاهد * صادقا في القيام تدنو إليها 
فتراها بها ولا أنت معها * إنّما أنت كالحجاب عليها 
وهي ليست محجوبة فتحقّق * بالفنا في البقا وأنت لديها 
لك نصحي بذلت إن كنت ممّن * وفّقته أن يقبل النصح فيها 
لا تظنّ التوحيد بالعقل مقبو * لا وحاذر تصر بذاك سفيها 
نعم العقل كان للشرع أصلا * بينما الشرع فيه صار بديها 
ثمّ أغنى بحكمه الشرع عنه * حيث إنّ التوحيد بالعقل عيها 
وهو شرك إذا تأمّلت فيه * قد خفي عنك فاطلب التّنبيها 
إنّ توحيد كلّ عقل إذا لم * يك بالشرع لا يكون وجيها 
مثل إبليس وحّد اللّه عقلا * تاركا أمر ربّه تشويها 
ليس توحيده الإله بمقبو * ل ولو كان فيه حبرا فقيها « 1 » 
حيث عن أمر ربّه حاد فسقا * وعلى ما نهاه كان شريها 
فهو زنديق كلّ شرع فحاذر * صفة فيه لم يزل يقتفيها 
قائلا إنّني لغيرك أس * جد طعنا في الأمر عجبا وتيها 
مثل ما قالت الزنادقة الشر * ع لمن كان غافلا تمويها 
يدّعون التوحيد توحيد إبلي * س يرون الأحكام شيئا كريها 
فعليهم طول المدى وعليه * لعنة اللّه إن ونت قيل إيها 
...............................................
( 1 ) الحبر : العالم الصالح ( ج ) أحبار . 

588
وقال رضي اللّه عنه : 
كيف أخشى من اللعين اللّاهي * وأنا في حماية من إلهي 
أنا قطمير سادة أهل كهف ال * غيب آووا إليه دون تلاهي « 1 » 
ينشر اللّه رحمة ويهيئ * لهمو مرفقا من الأمر باهي 
ليس يخشون من غواية دقيا * نوس غيرا لمن يراه مضاهي 
مؤمنا لم أزل بهم وبما قد * جاء عنهم قطعا بغير اشتباه 
باسطا بالوصيد مني ذراعي * ن لسانا والقلب للانتباه 
فعسى اللّه أن يمنّ علينا * بلحاق بهم بعزّ وجاه 
هم رجال اللّه الذين اصطفاهم * وحماهم من الدّها والدّواهي 
لم تزل نعمة الإله عليهم * تتوالى لهم بغير تناهي 
وعليهم يدوم رضوان ربّي * ما استهلّ السحاب بالأمواه 

وقال رضي اللّه عنه وقد أرسل بها إلى حلب المحروسة لطه أفندي في رجب سنة 1129 : 
يا نسيم الحيّ عنّي * بثّ ما لا يتناهى 
من غرام واشتياق * نحو طه وابن طه 
سيّد ساد بأصل * وبفرع قد تباهى 
دأبه التّقوى بها لو * رمت توصيه تراها 
وإذا قلت انتبه لم * تر إلا الإنتباها 
فهو توفيق إلهي * جامع فضلا وجاها 
نسأل اللّه التباسا * عنه يمحو واشتباها 
معدما من لم يزل ما * لم يكن منه شفاها 
فيرى الغير محالا * ويرى الحقّ بداها 
ويرى الأكوان تفنى * عنده كشفا تلاها 
صانه اللّه وعمّا * قد حوى لا يتلاهى 
وحباه منه علما * يعدم النفس هواها 
وسلام اللّه منّي * دام يلقاه تجاها 
............................................
( 1 ) القطمير : الشيء الهيّن يضرب مثلا للتافه القليل الشأن . 

589
وقال رضي اللّه عنه : 
قلت للعارف النبيل النبيه * خذ كلاما لا شكّ عندك فيه 
لا تظنّ الخليل قد قال هذا * هو ربّي عن كوكب رائيه 
أو عن الشمس أو عن القمر البا * زغ حاشاه من ضلال يعيه 
إنّما قال ذاك عن ملكوت * قد أراه الإله للتنبيه 
ومن الموقنين صار كما قا * ل لنا اللّه عنه إذ يصطفيه 
واقرأ الآية التي ذاك فيها * وتأمّل بالفهم ما تأتيه 
تجد الأمر واسمه ملكوت * أمر ربّ عن الجميع نزيه 
ولذا كان قائلا لا أحبّ الآ * فلين الخلق الذي يعنيه 
بل أحبّ الأمر الدي هو قيّو * م عليهم كما أشير إليه 
وهو علم الإشارة الإرث ممّا * جاءت الأنبيا به تقتفيه 
قد ورثناه عن شيوخ كرام * بالأسانيد عن نبيّ نبيه 
دعوة الحقّ للخليقة طرّا * لا بكيف لها ولا تشبيه 
فانقلوها عنّا إلى من أردتم * بمعاني التسبيح والتنزيه 
وكذاك الأصنام صارت جذاذا * بيد منه غيرة تعتريه 
ثمّ من بعد قال إلّا كبيرا * علّهم يرجعون عنهم لديه 
وكبير الأصنام ربّ محيط * أمره بالورى كما ينويه 
وبعيد عنه يقول عن الأص * نام إلّا كبيرهم يعليه 
وهو إبراهيم الخليل صلاة * مع سلام من الإله عليه 
فاسألوهم ولم يقل فاسألوه * حيث كانوا عنه لفي تمويه 
هكذا فافقه الكلام وإلّا * فاترك الحقّ عند شيخ فقيه 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّني قائم بأمر اللّه * لا أبالي بما يقول اللاهي 
هو يبغي دعوى الوجود لشيء * وأنا لا وجود لي في انتباه 
صدق اللّه كلّ شيء سواه * هالك دون مرية واشتباه 
لي إليه إضافة وانتساب * ولهذا أدعى بعبد اللّه 
فوجودي الذي ترون له لا * هو لي قد أعارنيه إلهي 
فله الحمد أوّلا وأخيرا * أمد الدهر دون شوب تناهي 

590
وقال رضي اللّه عنه : 
صبغة اللّه وجود اللّه * صابغ ذاكره واللاهي 
والبرايا عدم أجمعهم * بثبوت دون علم اللّه 
قف قليلا وتأمّل أنت في * كلّ وقت كائن يا ساهي 
بالتجلّي لك تبدو خلقة * ثمّ تخفى ليس تدري ما هي 
بارق يلمع قد ظنّ له * وقفة من لبسة الأشباه 
هو خلق اللّه أي تقديره * ظاهر بالأمر أمر اللّه 
ثمّ أمر اللّه قل واحدة * مثل لمح البصر الأوّاه 
هذه حالة عبد أمر * من أولي الأمر وعبد ناهي 

وقال رضي اللّه عنه وقد رأى بعض الإخوان في رؤياه أنّه دخل عليه في مجلس يخاطبه بهذه الأبيات الإلهية : 
يا من تقاصر شكري عن أياديه * وكلّ كلّ لسان عن معانيه 
وجوده لم يزل فردا بلا سبب * علا عن الخلق دانيه وقاصيه 
لا قهر يلحقه لا عون ينصره * لا حصر يجمعه لا قطر يحويه 
جلاله أزليّ لا زوال له * وملكه دائم لا شيء يفنيه 
وقال رضي اللّه عنه ناظما من وزنه وقافيته شكرا لربه على مقابلته بذلك : 
فهذه هذه الأبيات أربعة * أتت إلينا لإيقاظ وتنبيه 
رؤيا رآها لنا عبد يخاطبنا * بلفظها صالح من غير تمويه 
حقّ يطابق حقّا عند عارفه * حقيقة هو منّا ظاهر فيه 
فالحمد للّه حمدا منه عنه له * مدى الزمان ولا شيء يكافيه 

وقال رضي اللّه عنه : 
نقطة النفس فوق عين الإله * صيّرتها غينا بحكم اشتباه 
فهو عين بنقطة النفس غين * حائل بين شمس نور اللّه 
فانسب النفس منك للّه خلقا * وافن عنها به ودع كلّ لاهي 
واعرف الخلق هكذا وهو أمر * لمع برق ودم على الانتباه 
لا تعد للجمود ذلك وهم * غالب فيك وهي إحدى الدواهي 
يا ابن قومي إنّي نصحتك فاسمع * قول من كان آمرا وهو ناهي 

591
ظاهرا باطنا به لا بنفس * وتحفّظ من حبّ مال وجاه 
تكن الكامل الذي هو فرد * جامع غير رتبة غير ساهي 
تابع للرسول وارث علم * للنبيين زائد الفضل باهي 
وهو اللّه لا سواه بغيب * ليس تدري به عقول الشياه 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا معنى عناني الحقّ فيه * ومثلي كلّ شيء قول فيه 
معان كلّنا روحا ونفسا * وأجساما وذا أمر بديهي 
وهذا الحقّ يعنينا بعلم * قديم نحن معدومون فيه 
ألا وهو الوجود الحقّ فرد * بلا كيف لديه ولا شبيه 
فيمحو ما يشاء الحقّ منّا * ويثبت طبق ترتيب لديه 
ونحن جميعنا عدم ولكن * يقدّرنا فيظهرنا لديه 
لذاك نظنّ أنّ لنا وجودا * بعين وجوده الحقّ النزيه 
تعالى اللّه لا شيء سواه * وضلّ مقارف الشرك الكريه 
ولا أحد يحيط به تعالى * ولا فهم ولا عقل يعيه 
متى يهدي بلاغا عنه عبد * إذا سكت المبلّغ قال : إيه 
ومن يبدو الضلال عليه ينأى * بجانبه فيسقط في يديه 
وأهل اللّه كلّ فتى كريم * نبيل ذي سيادات نبيه 
إذا وقع الجهول بنا دحاه * وأعرض عن مقالات السفيه 
وماذا تبتغي السفهاء منّا * على جهل بإعجاب وتيه 
ونحن أولو العلوم بصدق عزم * لدى الأشياخ عن وجه وجيه 
يظلّ وحيدنا يروي المعالي * هنا عن جدّه أو عن أبيه 
ولم يدنس له نسب بكفر * إذا ما الأمّ تظهر تزدريه 
له القلب السليم ولم يحل عن * طريقة ذي التّقى الثقة الفقيه 

وقال رضي اللّه عنه : 
لنا الدّرة البيضاء والعلم والجاه * وقلبي ترقّيه إلى اللّه ألجاه 
ولولاه ما كنّا ولولاه لم نكن * ولولاه ما قلنا له عنه لولاه 
وجود تجلّ وهو ذات قديمة * منزّهة عن كلّ لفظ ومعناه 

592
له صور من علمه قد ترتّبت * ظهورا ولا موجود في الكون إلّا هو 
يقول أب لي قبل كوني مقدّم * عليّ بمحيي الدين ربّي سمّاه 
وذلك من نظم لأسماء ربّنا * جليل به قد قال قولا فهمناه 
ألا إنّني عبد الغنيّ لذاته * وليس سواه فالمعين هو اللّه 

وقال مواليا : 
ما في الوجود سوى الواحد هو اللّه * والكلّ فيه العدم لولاه لولاه 
ما بال قومي عن التحقيق قد تاهوا * إمّا أنا ذلك الموجود وإمّا هو 

وقال رضي اللّه عنه مخمّسا أبيات الشيخ محيي الدين ابن العربي رضي اللّه عنه : 
ذات تبدّت في بديع حلاها 
مخفيّة عمّن يكون سواها 
وحياة من بجمالها نتباهى 
إنّ التي ملأ الوجود هواها * أصبحت مشغوفا بمن سوّاها 
هي ذات وجه تنجلي في حضرة 
للعاشقين بها الهيام بنظرة 
قال الحجى : لا بدّ لي من نفرة 
فلقد تجلّت لي بأحسن صورة * فيها ولم يكن الوجود سواها 
أنا لم أزل بين الورى أزهو بها 
وأمدّ باعي في تناول قزبها 
وأقول مع سكري بخمرة حبّها 
من أعجب الأشياء محو محبّها * عند الشهود بعرشها وعماها 
ذاتي التي هي في الوجود جديدة 
كم مغرم أشقته وهي سعيدة 
إنّي أنا حلل لها معدودة 
لطفت عن التشبيه فهي فريدة * فيما جلته لنا وفي معناها 
يا للهوى من غادة بدويّه 
حضريّة وهي التي فيّ خفيّه 
حرنا فلم نرها بغير منيّه 

593
مع أنّها في صورة جسديّه * وتعزّ أن تعزى لمن أبداها 
نحن الشخوص نلوح في مرآتها 
وهي الوجود لنا بحسن صفاتها 
أوّاه وا ويلاه من فتكاتها 
حجبت بصورتها حقيقة ذاتها * فمماتها في صورها محياها


وقال رضي اللّه عنه : 
إن تشأ قل أنا وإن شئت قل هو * وكذا إن تشأ فقل أنت تزهو 
كلّهم واحد وجود حقيقي * أحد والذي يرى الغير يلهو 
وكذا قل هما وإن شئت قل هم * وإذا شئت هنّ قل ليس تسهو 
كلّ هذا به يشار إلى من * هو في الغيب ما لنا عنه لهو 
بحر نور وبحر ظلمة كون * عند من يعرف الحقيقة رهو « 1 » 
عدم وهو باطل ووجود * هو حقّ بدا فقل عنه يا هو 

وقال رضي اللّه عنه : 
لمن أشتكي ما بي وما بي هو اللّه * ولا حاكم في الكون إلّا هو اللّه 
وما الكون إلا اللّه والمشتكى له * ومن يشتكي بل كلّ شكوى هي اللّه 
وما اللّه إلّا غيبهم كلّهم بدا * بهم منه والمفعول والفاعل اللّه 
تعالى وجلّ اللّه عن كلّ حادث * وما اللّه إلّا الغيب ذاك هو اللّه 
كما قال في القرآن وهو كلامه * لدينا وأنا مع لدينا هو اللّه 
هو الأوّل اللّه هو الآخر اللّه * هو الظاهر اللّه هو الباطن اللّه 
وقرآننا اللّه الذي هو منزل * بجبريل وهو اللّه نور هو اللّه 
على القلب وهو اللّه قلب محمد * هو اللّه والأحكام فيه هي اللّه 
وهذا هو اللّه المسمّى بجنّة * سماواته والأرض جمعا هي اللّه 
وهذا هو اللّه المسمّى بجنّة * سماواته والأرض جمعا هي اللّه 
وأمّا أولو الإنكار فالكلّ عندهم * يسمّونها الأشياء ليست هي اللّه 
وما اللّه إلّا عندهم ذلك الذي * له صورة في عقلهم أنّها اللّه 
..................................................
( 1 ) رها البحر وغيره : سكن فالرهو : الساكن من كل شيء . 

594
وكلّ الذي في العقل والحسّ عندهم * فهاتيك غير اللّه ليست هي اللّه 
هي النار بالأغيار في القلب أوقدت * جهنّم يصلاها وموقدها اللّه 
وما ثمّ إلّا جنّة وجهنّم * فجنّتنا اللّه التي قل هو اللّه 
كما نارهم أغياره أوقدت لهم * فيصلونها والحاكم العادل اللّه 
فإن شئت كن في جنّة أو جهنّم * فسوف ترى ما قلت عنه هو اللّه 
وتنمحق الأغيار عنك لأنّها * هي الباطل الموهوم يمحقه اللّه 
وما الحقّ إلّا اللّه والكلّ باطل * كما جاء في القرآن والقادر اللّه 
أخي لمتى هذا الغرور بباطل * تنبّه فموت الجهل ذاك هو اللّه 
هو الكلّ بل لا كلّ والكلّ هالك * وفان وهذا كلّ هذا هو اللّه 

يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:50 pm

قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

حرف الواو 
قال رضي اللّه عنه : 
سل القلب عن صدق المودّة في الذي * يودّك إنّ القلب لا يقبل الرّشوى 
ولا تشتكي إلا لمن أنت عبده * فليس سوى المولى له ترفع الشّكوى 
وإن خانك الناس الذين تودّهم * وما خنتهم في الودّ فاصبر على البلوى 
ففي الغيب ذو علم وسمع ورؤية * يحرّر ميزان المعاملة الأقوى 
رقيب على كلّ العباد وأمرهم * إليه فإمّا النار أو جنّة المأوى 

وقال رضي اللّه عنه : 
أنا العاشق السالي لوجهك يا علو * وطعم الجفا مرّ وطعم الوفا حلو 
جمعت بها الأضداد من كلّ حالة * فميت وحيّ ثمّ مع يقظة سهو 
وإنّي أنا الموجود عنها بها لها * وما أنا موجود وما لغتي لغو 
وسكر ولا سكر إذا ما شهدتها * وإن حجبت عنّي فصحو ولا صحو 
وسير ولا سير وكشف وغفلة * وعلم ولا علم وشجو ولا شجو 
تجهمت شأو العشق في نشأة الصبى * وما من صبي فيها ولا عشق لا شأو 
وداء الهوى داء عضال لدى الورى * وما نافع فيه المداواة لا سأو « 1 » 
ونلت على قدر المنى رتب المنى * وما يستوي الولهان والفارغ الخلو 
وما قيّدتني حالة دون حالة * فلا كدر في الحبّ عندي ولا صفو 
وأصبحت في أوج الحقيقة راقيا * فلا طلب منّي لشيء ولا رجو 
ولا وحشة والكون أنس وبهجة * يلذّ من الحادي لركبانه الحدو 
.......................................................
( 1 ) السّأو : الهمة . ( لسان العرب 14 / 367 مادة : سأي ) . 

596
ولا سفر لا غربة لا إقامة * ولا حضر يوم اللقاء ولا بدو 
لقد شغلتنا الظاهرات بمن بها * لنا ظاهر حتّى استوى الجدّ واللهو 
ورقّت غليظات الأمور وروّقت * كؤوس المعاني فالأماني لها تلو 
فلا عجب إن طرت من رونق الهوى * وإن زجّ بي في نور غيبي فلا غرو 
وما الفخر إلّا فخر مثلي على السّوى * وزهو مقامي في التجلّي هو الزّهو 
ولي نفس يعلو بغير تكلّف * وغيري بتكليف له النفس الرّبو 
وبحر المنى رهوا تركناه للورى * وما بحر عشقي عند خائضه رهو 
بدت نار ليلى والظلام ينيرها * من الكون حتى زال عندي لها العشو 
وما كلّ ذي قلب ينال منالنا * من الغيب لكن كلّ بئر له دلو 
هي الروضة الغنّاء أغنت بحسنها * عن الكلّ فيها عرعر الغير والسرو « 1 » 
وأغصانها منها تدلّت كرامة * علينا وقد طاب التناول والعطو 
هي الجنّة الفردوس والقلب بابها * ومن جاءها من نفسه صدّه العمو 
ولا جهل والعلم اللدني شعارها * ولا ذنب إذ منها التجاوز والعفو 
تعلّقها قلبي فأوردت الرّدى * لنفسي فأفنت والهوى للردى صنو « 2 » 
فريدة حسن لم تزل أحديّة * وليس لها مثل وليس لها كفو 
علامتها محو النفوس إذا بدت * وذلك محو للنفوس ولا محو 
تجلّت على العشّاق نحو مرامهم * فلذّ لهم في حبّها ذلك النّحو 
ويسعى ويعدو كلّ شيء بأمرها * إليها فيحلو منهم السعي والعدو 
وكنت وكانت حيث لا كان ههنا * ولكن على المعنى لها القهر والسّطو 
تعالت كما شاءت بنا وتباركت * فجلّت عن الأفهام وانقطع الخطو 

وقال في كتابه الفتح المدني في النفس اليمني : 
يا صدق قوم عن جمالك قد رووا * وعلى بديع صفات سيرتك احتووا 
لبسوا ثياب النور نورك في الدّجى * ومشوا بها وإليك عنهم قد لووا 
كشفوا القناع ولا قناع سوى السّوى * وبعذب منهلك الرويّ قد ارتووا 
وبواو ودّك نحوك انعطفوا وما * سمعوا كلام العاذلين وإن عووا 
......................................................... 
( 1 ) العرعر : جنس أشجار من الصنوبريات ، فيه أنواع تصلح للأحراج وللتزيين . 
( 2 ) الصّنو : النظير والمثل أو الأخ الشقيق . 

597
قامت بسرّك في العيان ذواتهم * وهم الذين إلى الفنا بك قد هووا 
شخصوا إلى أنوار ذاتك في الورى * فإذا الجميع عن المغايرة انزووا 
أنت المداد وهم حروفك خطّطت * بك فيك فوق عروش نشأتك استووا 
وإذا انحرفت وأنت واو وجودنا * ظهر العدى وبنارهم فيك اكتووا 

وقال رضي اللّه عنه موشح : 
" دور " 
يا من جمع الحسن جميعا وحوى * رفقا بمتيّم له فرط جوى 
عشقي لك في الكمال داء ودوا * بالنور طفّى النار وبالنار كوى 
" دور " 
هذا هو باطن وهذا ظاهر * بالخلق هو اللطيف وهو القاهر 
فرد أحد له الجمال الباهر * والناس لكلّ واحد فيه هوى 
" دور " 
منهم من يطلب الشهود الصافي * والآخر يطلب الرضاب الشافي 
والآخر طالب لحظّ وافي * والآخر غير ذاك في الدين روى 
" دور " 
كاسات رحيقنا علينا دارت * في كفّ سقاتنا التي قد جارت 
فانظر بالقلب في عقول طارت * من حيرتها لأجل غير وسوى 
" دور " 
أزكى صلوات ربّنا الخلاق * لا زال مع السلام منه الباقي 
يأتي لنبيّنا وللآفاق * من عبد غني عبادة منه نوى 

وقال رضي اللّه عنه : 
عطشي العتيق من الجديد قد ارتوى * لمّا به قصري على الماء استوى 
نهر جرى ويقال عنه أعوج * وإن استقام كماله الراوي روى 
فجلست في قصري عليه وكان لي * قلب به ولكلّ قلب ما نوى 
ونظرت فيه إلى جهات أربع * إطلاقها لي مطلق كلّ القوى 
ونسيمها ذاك اللطيف كأنّه * روح على جسد الفلاة قد احتوى 
والماء عذب رائق متدفّق * يطفي حرارت القلوب من الجوى 

598
نعمت ليالينا هناك مسرّة * وانحلّ قيد القلب من أسر السّوى 
وكأنّما أيامنا أعيادنا * في سفح كاظمة على ذاك اللّوى 
حيث السماع تهيجنا ناياته * بالنفخ من داء الهموم هو الدّوا 
حيث الغناء يكاد يبصر سامع * بخطابه القدسيّ في وادي طوى 
وتتابعت بشرى السرور لجمعنا * والقرب جاء وقد مضى يوم النّوى 
لولا الهوى ما طاب لي عيش بها * ما طاب لي عيش بها لولا الهوى 
والوقت عنّي للجماعة قائل * ما ضلّ صاحبكم هناك وما غوى « 1 » 
............................................................ 
( 1 ) غوى غيّا وغواية : أمعن في الضلال . 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:51 pm

قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

حرف اللام ألف 

وقال رضي اللّه عنه : 
ظهر النور من النور ولا * نور إلّا واحد ما انتقلا 
وهما سيّان في الفرق كما * أنّ ذا النورين شخص كملا 
وهما في الجمع شيء واحد * والتفاصيل تحوز الجملا 
قول كن عين الذي قال غدت * وبها القرآن فينا نزلا 
وجميع الكون في نشأته * واحد ما قد علا أو سفلا 
وأنا أنت كما أنت أنا * وبدا نجم ونجم أفلا 
والذي نعرفه أجمعه * هو أنت انضمّ حتّى حصلا 
ولقد أظهرت ما أكتمه * لك إن كنت الذي قد عقلا 
نزل القرآن فرقانا لنا * فتلوناه كما النور تلا 
وهو نحن الآن نبديه لكم * كيف شئنا واضحا مكتملا 

وقال رضي اللّه عنه : 
أيّها الجاهل الذي ليس يدري * ما يلاقيه بكرة وأصيلا 
كلّما ازداد من سوى اللّه علما * زاد شيطانه له تسويلا 
لا تغرّنّك الظواهر واترك * عنك قالا به فتنت وقيلا 
وتأمّل في كلّ شيء تشاهد * كلّ شيء يفنى قليلا قليلا 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنّ الحروف إشارات المداد فلا * حرف هناك سوى ذات المداد طلا 
طلا الحروف اللواتي صار صبغتها * وهما وصبغته صارت وما انتقلا 
بطونها كان في غيب المداد كما * ظهورها كان بالتقدير منه إلى 

600
وهي التقادير منه والشؤون له * وليس ثمّ سواه فافهم المثلا 
وإنّهنّ سواه لا تقل هي هو * تحظى ولا هو أيضا هنّ مختبلا 
فإنّه كان من قبل الحروف ولا * حرف ويبقى ولا حرف هناك ولا 
وهالك كلّ حرف في العيان سوى * وجه المداد بمعنى ذاته جعلا 
فللحروف ظهور وهي خافية * وذاك عين ظهور للمداد حلا 
والحرف ما زاد شيئا في المداد ولم * ينقصه شيئا ولكن فصّل الجملا 
وما تغيّر بالحرف المداد وهل * مع المداد وجود للحروف إلا 
ألا فحقّق مقالي ما الوجود هنا * سوى وجود مداد عند من عقلا 
وأينما كان حرف لم يزل معه * مداده فاعقل الأمثال ممتثلا 
ونحن لم نضرب الأمثال فيه له * وإنّما هو للأمثال قد بذلا 
ونحن أمثاله اللاتي ضربن لنا * في خلقه قد فهمناها ولا جدلا 
فكن بصيرا بأمر جلّ عارفه * له المداد وأنواع الحروف جلا 
واعلم بأنّ مداد الحرف فاعله * به محيط له فيه عليه ولا 
والحكم ليس سوى حكم الحروف وما * لها وجود فحقّق رتبة النّبلا 
إنّ الوجود الحقيقي ذات خالقنا * وهو الذي عزّ في سلطانه وعلا 
وهو المداد يمدّ الكلّ أجمعهم * بذاته فهو فيهم كلّهم كملا 
وذاته في سواها لا تحلّ إذا * إذ لا سواها ولا فيها السّوى حصلا 
وإنّما الكلّ سمّاها الشؤون له * جميعها فهو فيها طبق ما نقلا 
والكلّ منه إشارات يشير بها * وما الإشارة إلّا فعل من فعلا 
نحن الكتاب لأنّا أحرف كتبت * به على نفسه قد خطّنا وتلا 
والكاتب الحقّ يمحونا ويثبتنا * كما يشاء فلا نبغي به بدلا 
والروح عرش التجلّي بالصفات بدت * والذات منّا ثمان عرشه حملا 
والنفس كرسيه السبع الطّباق حوى * منّا هي الحفظ فالوهم الذي قبلا 
فالفكر فالعقل أيضا فالخيال بدا * فالطبع فالحسّ فالأشياء قد شغلا 
والجسم فيها الأراضي سبعة ظهرت * جلد فعرق فغضروف به اشتملا « 1 » 
............................................................
( 1 ) الغضروف : كل عظم ليّن رخص في أي موضع كان ( ج ) غضاريف . 

601
فالعظم ثمّ الغشا فالقلب داخله * ثمّ الشغاف بحبّ القلب قد عدلا « 1 » 
حتى العناصر فيها أربع عرفت * صفرا دم بلغم سوداء قل مثلا « 2 » 
ثمّ المواليد فيها أربع ظفر * شعر وقمل وإنسان المنيّ تلا « 3 » 
وكلّ واحدة ممّا ذكرت لها * بالأصل منها اتصال قطّ ما انفصلا 
مراتب كلّها عين الوجود بدت * بها بشكل كبير واحد عملا 
ثمّ اقتضت أنّها تبدو معدّدة * في كثرة باختصار مرأة رجلا 
ولا تعدّد فيها عند عارفها * لأنّها حضرة فيها لقد نزلا 
أعني به الغيب غيب الذات وهو هنا * محض الوجود وجود الحقّ منتقلا 
وهي انتقالاته بالاعتبار له * تقلّب في شؤون ضمنها جهلا 
اللّه أكبر عن هذا ومشبهه * من العلوم وعن عال وما سفلا 
ولكن القول منّا كشف رتبته * لنا برتبة كشف حقّق الأملا 
خذ ما بدا لك من قولي على أدب * واسمع كلامي فإنّي أوضح السّبلا 
وما اختفى عنك فاكفف عنه قولك في * سرّ وجهر ولا تجعل به زللا 
ودعه للكامل النحرير يعرفه * لأنّه ما ابتغى عن ربّه حولا 
نحل النفوس لها الأجسام أودية * ومن قلوب الورى كم أسكنت جبلا 
وكم تنقّلت الأشجار من ملإ * وما تعرّش ممّن جدّ أو هزلا 
يا نحل أوحى إليك الربّ فاتخذي * من الجبال بيوتا واسكلي ذللا 
وكلّ شيء سبيل الربّ خلقته * إليه في الناس من يمشي به وصلا 
هنالك العلم علم اللّه يخرج من * بطونها اختلفت ألوانه عسلا 
بطونها حضرات الحقّ إذ هي قل * ظهوره فهو منها لابس حللا 
لأنّها هي تقديراته وبها * يبدي الخلائق والأملاك والرّسلا 
مراتب وشؤون فيه أجمعهم * محقّقون وأمّا ليس فيه فلا 

وقال رضي اللّه عنه : 
........................................................
إذا ما سمعت الناي سوّاه منشد * لينفخ فيه فاعتبر واكتسب حالا 
( 1 ) شغف بالشيء : أولع به . 
( 2 ) البلغم : خلط من أخلاط الجسم ، وهو أحد الطبائع الأربع قديما . 
( 3 ) المنيّ : النّطفة . 

602
وقابل به يوم المقابلة التي * تصحّح منك النفس كشفا وإقبالا 
ودع عنك أهل اللهو فهو محرّم * عليهم كما قالوا وإن قولهم طالا 
فآدم ناي اللّه سوّاه نافخا * من الروح فيه روحه مثل ما قالا 
وقد أظهر الأسماء منه معلّما * ملائكة أبدوا لهم فيه أقوالا 
ومن بعد ذا لمّا تبيّن فضله * له سجدوا طوعا فنالوه آمالا 
خذ الأمر وافهم يا ابن ودّي مقالتي * وحقّق لأصحاب الإشارة أمثالا 

وقال رضي اللّه عنه : 
ردّني اللّه له ردّا جميلا * فهو ربي لا أرى عنه بديلا 
أنا مشغول به في كلّ ما * أنا مشغول به شغلا طويلا 
ولهذا لا تراني أرعوي * من سواه أبدا قالا وقيلا 
لي بأكناف الحمى قلب شجي * لم يطق عنه وإن شطّ الرّحيلا 
ومطايا فكرتي طول الدّجى * تقطع البيد له ميلا فميلا 
يا أخلائي وهذا جسدي * لم يزل بالشام مطروحا عليلا 
لكن الصحة في القلب وإن * بطل الصبر وأضحى مستحيلا 

وقال رضي اللّه عنه : 
هما الضدّان في الأشياء آلا * إليه فاشبها في الكشف آلا 
وحقّق ما أقول ولا تبالي * ولا تخف العقوبة والوبالا 
هو اللّه الذي خلق البرايا * له وهدى وأوسعهم ضلالا 
ونزّه نفسه عن كلّ شيء * بليس كمثله شيء تعالى « 1 » 
فلا مخلوق في حسّ وعقل * يشابه ربّنا أبدا محالا 
كأنّ بخلقه الأشياء ربّي * يقول بأنّني بك لن أنالا 
ولمّا تمّ ذا التنزيه منه * وألزم في تحقّقه الرّجالا 
أتى التشبيه منه لنا صريحا * على حكم به ضرب المثالا 
بأنّا كلّ شيء رفع كلّ * خلقناه قراءة من أحالا 
وقال كذاك وهو اللّه يعني * لدينا في السماوات اشتمالا 
.................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة الشورى الآية ( 11 ) : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . 

603
وفي الأرض انظروه وفي لظرف * تفيد وذلك التنزيه حالا 
فبالتشبيه قل في اللّه شرعا * وبالتنزيه قل أيضا كمالا 
ولا تعرض عن التنزيه ذاك ال * ذي قد جاء عنه وقله قالا 
وحاصله بأنّ الذّات غيب * منزّهة مقدسة جلالا 
ومن حيث الصفات وما تسمّى * به فهو المشبه لن يزالا 
كما قد قال وهو الأوّل اقرأ * كذا والآخر اعرف ذا المقالا 
كذا والظاهر المعروف فينا * كذا والباطن المجهول لالا 
فلا معروف إلّا اللّه لكن * تنزّه إذ تشبّه واستطالا 
هو المعروف في الدّنيا وأيضا * هو المعروف في الأخرى مآلا 
وليس سواه لا شرعا لدينا * ولا عقلا فدع عنك الخيالا 
وقل حقّ وبالأسماء خلق * له ذات وأسماء تعالى 

وقال رضي اللّه عنه : 
تمسّك بغيب الغيب واترك سواه لا * سواه إلى كم أنت في لبسة البلا 
ألم يقل الداعي لكم أنا ربّكم * وأنتم له قلتم بلا شبهة بلى 
نسيتم عهودا بالحمى أخذت له * عليكم ليالي الذرّ في زمن خلا 
قفوا ههنا يا سائرين إلى السّوى * فإنّ السّوى عين المراد إذا انجلى 
ألا فامسحوا عين القلوب من القذى * به تمتلوا منه وينكشف الملا 
وحلّوا عقال العقل عن صور لها * مصوّرها أبدى منوّعه الحلى 
هو الحقّ لا أنتم وأنتم جميعكم * هو الباطل الموهوم عن كلّكم علا 
تقولون لا ندري سوانا ولا نرى * بأبصارنا إلا الحوادث تجتلى 
صدقتم بكم غيب الغيوب تلبّست * عليكم مجالي عينه فتحوّلا 
وقد زاغت الأبصار عنه وزاغت ال * بصائر لمّا أن عصيتم تخيّلا 
فلو أنّكم قمتم بطاعة أمره * به واتّقيتم صادقين لأقبلا 
فسبحان من يرضى عن العبدان يشأ * فيرضيه بالتوفيق للخير مجزلا 
وإن شاء يغضب وهو أمر مقدّر * قديما على كلّ امرئ قد تفصّلا 
حقائق علم ما لها علل قضى * بهنّ قديم قد تحقّقن أوّلا 
فكن مسلما للّه ربّك واستقم * تجده رحيما منعما متفضّلا 
وأنت له عبد وظيفتك الرّضى * وما لك معه إن ترى لك مدخلا 

604
فسلّم له تسلم وكن مقبلا على * أوامره واترك نواهي ما تلا 
وإياك لا تسأل لماذا ولا تقل * أريد كذا منه ولا تقترح ولا 
وكن مثل سادات مضوا مخلصين لم * يحولوا عن التّقوى هم القادة الأولى 

605
حرف الياء 
وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
ربّي من الماء خالق كلّ شيء حيّ * والنفس منك الكدر تجعل رشادك غيّ « 1 » 
فانظر إلى شاخصك واصفو وهيا هيّ * واعلم بأنّ حياتك ما وأنت الفيّ 

وقال رضي اللّه عنه ناظما أسماء اللّه الحسنى نهار الجمعة الثامن والعشرين من رجب سنة 1119 : 
بأسماء ربّ العالمين ابتدائيا * وبالحمد لا يحصي وبالشكر وافيا 
وكم من صلاة مع سلام تبرّكا * أتى بهما عبد الغنيّ موافيا 
على خير خلق اللّه طه وآله * وأصحابه مع من لهم كان تاليا 
وبعد فهذا عقد درّ نظمته * لمن كان في نيل الكمالات ساعيا 
فخذه بإخلاص وكن موقنا به * ولا تك عن مضمونه متلاهيا 
وواظب عليه في الصباح وفي المسا * به تدرك المأمول إن كنت داعيا 
وقل فيه يا أللّه حقّق مقاصدي * وبالعفو يا رحمن كن لي معافيا 
وبالرحمة اغفر يا رحيم خطيئتي * ويا ملك اجعلني بحكمك راضيا 
وللقلب يا قدّوس قدّس عن السّوى * وفي الحشر سلّم يا سلام محاميا 
ويا مؤمن ارزقني الأمان من الرّدى * وللحقّ كن لي يا مهيمن هاديا 
وبالعزّ فارفع يا عزيز مكانتي * وللكسر يا جبار فاجبر مؤاسيا 
وكبّر عطائي منك يا متكبر * ويا خالق اجعلني عن الشرّ لاهيا 
من النار يا باري أنلني براءة * وصوّر مقامي يا مصوّر عاليا 
.......................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة الأنبياء الآية ( 30 ) : وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ . 

606
وللذنب يا غفّار فاغفر تكرّما * وبالقهر يا قهّار فارم الأعاديا 
إلى الخير يا وهّاب هب لي هداية * تدوم ويا رزّاق أجزل عطائيا 
وبالعلم يا فتّاح فافتح على الذي * لأمرك ألقى يا عليم المراسيا 
ويا قابض اقبضني على الحقّ مسلما * ويا باسط ابسطني وكن لي مصافيا 
ويا خافض اخفض قدر من رام لي أذى * ويا رافع ارفعني على الضدّ راقيا 
وذلّل سريعا يا مذلّ من افترى * عليّ وعزّز يا معزّ جنابيا 
دعوتك فاسمع يا سميع شكايتي * وأنت بصير يا بصير بحاليا 
ويا حكم احكم بالذي أنت أهله * ويا عدل كن لي دون غيرك واليا 
وباللطف عامل يا لطيف وأنت يا * خبير فحالي لم يكن عنك خافيا 
سألتك حلما يا حليم فإنّ لي * ذنوبا عظاما يا عظيم ضواريا 
بمغفرة كن يا غفور مساعدي * وللشكر وفّق يا شكور مراعيا 
وقدري كبّر يا كبير من التّقى * وبالخير أعل يا عليّ مقاميا 
وللقلب فاحفظ يا حفيظ وأنت يا * مقيت فصيّر قوتي الذكر حاليا 
وكن أنت حسبي يا حسيب وأجل لي * أمورا أشابت يا جليل النّواصيا 
وبالحقّ حقّق لي الكرامة منك يا * كريم وكن لي يا رقيب مناجيا 
أجب لي دعائي يا مجيب تفضّلا * ويا واسع اجعلني لوجهك رائيا 
وبالحكمة افتح يا حكيم عليّ يا * ودود فجد بالودّ لي منك صافيا 
ومجّد صفاتي يا مجيد لدى الورى * ويا باعث ابعثني غدا منك ناجيا 
وحقّق شهود القلب يا حقّ فيك يا * شهيد وكن للوهم عنّي ماحيا 
وكلت أموري يا وكيل إليك يا * قويّ فكن عنّي الأعادي مقاويا 
ومتّن فؤادي يا متين على التّقى * ووال عطائي يا وليّ تواليا 
وكم لك عندي يا حميد محامد * متى أحص يا محصي ظننت تناهيا 
وبالفضل يا مبدي بدأت لنا ويا * معيد علينا عد بفضلك ثانيا 
بك القلب يا محيي فأحي ومنه يا * مميت أمت ما عاقه عنك راعيا 
ويا حيّ طيّب لي حياتي وقم على * أموري يا قيّوم بالرفق كاليا 
ويا واجد اسعفني وأوجد لي المنى * ويا ماجد اجعلني بمجدك ساميا 
وقلبي من الأغيار يا واحد اختطف * ويا أحد امحق فانيا وابق باقيا 
ويا قادر اجعل لي على الخير قدرة * ومقتدر اجعل عنك سمعي واعيا 

607
وقدّم مقامي يا مقدّم بالتّقى * وللسوء أخّر يا مؤخر كافيا 
ويا أوّل ارفعني إلى أوج سدرتي * ويا آخر اكشف عن فؤادي التّعاميا 
ويا ظاهر اجعلني بأمرك ظاهرا * ويا باطن ارفع غفلتي والتّلاهيا 
وفي الصدق يا والي أنلني ولاية * ويا متعالي منك هب لي معاليا 
ويا برّ جد بالبرّ لي وعليّ تب * بفضلك يا توّاب لا تك خازيا 
ومنتقم ابطش في أولي البغي واعف يا * عفوّ عن الجاني وكن متلافيا 
إلى الحال فانظر يا رؤوف برأفة * ويا صمد اقض حاجتي والأمانيا 
ويا مالك الملك انتصر لي على العدى * ويا وارث اجعلني لغيرك ساليا 
ويا ذا الجلال ارفع حجاب بصيرتي * والاكرام أكرمني وكن بي مباهيا 
ويا مقسط اجعل قسطي الدين والهدى * ويا جامع اجمعني عليك مواتيا 
وكن مغنيا لي يا غنيّ عن الورى * وللفقر يا مغني أزل بك واقيا 
رجوتك يا معطي فجد منك بالعطا * ويا مانع امنعني عن السّوء حاميا 
ويا ضارّ من كلّ المضرّات وقّني * ويا نافع انفعني وغطّي المساويا 
ويا نور فاكشف عنّي الجهل والعمى * وذكرك يا هادي لنا اجعله شافيا 
وهب لفؤادي يا بديع بدائعا * من الفتح يا باقي وحلّ المعانيا 
وكن مرشدا لي يا رشيد إلى المنى * وبالصبر وفّر يا صبور الدّواعيا 
وأسألك اللّهمّ يا خالق الورى * ويا آمرا في العالمين وناهيا 
ويا باعث الأموات تكتب كلّ ما * له فعلوا حتّى تكون مجازيا 
بأسمائك الحسنى العظام التي لنا * نبيّك طه عنك قد كان راويا 
وما قد تجلّت فيه من كلّ مظهر * سيأتي وما في الحال أو كان ماضيا 
وما في حروف الكائنات من الذي * له نورك الفيّاض لا زال حاويا 
أجبني إلى ما قد دعوتك سيدي * ومنّي تقبّل منّة ذي القوافيا 
وكن للذي يدعو بها حافظا وكن * مجيبا له في كلّ ما كان ناويا 
وصلّ وسلّم كلّ وقت وساعة * صلاة وتسليما يفوق الغواليا 
وشرّف وكرّم خير تشريف اعتلى * وأبلغ تكريم يطيب تلاقيا 
وفضّل وعظّم خير تفضيل ارتقى * وأكمل تعظيم تتابع ناميا 
وزد في الورى فخرا ومجدا وسؤددا * ورفعة قدر دائما وتعاليا 
وبارك كما تختار أنت وترتضي * مباركة في الهطل تحكي الغواديا 

608
وأعل علوّا دام سرّا وجهرة * وأسعد كذا وامنن وأيّد مواليا 
على أحمد المختار من نسل هاشم * ومن جاء يروي بالهداية صاديا 
ومن رحم اللّه الوجود ببعثه * وكرّمنا طرّا قريبا ونائيا 
ورضوان ربّ الناس عن كلّ آله * وأصحابه جمعا خفيّا وباديا 
وتابعهم بالخير في كلّ مدّة * ومن في البرايا قد أجاب المناديا 
وأهل الصّفا باللّه في كلّ مشرب * لدينا ومن خلّوا العصور الخواليا 
وعمّم جميع المسلمين إناثهم * وذكرانهم حتّى مطيعا وعاصيا 
مدى الدهر ما صال الصباح على المسا * وما كرّت الأيام تتلو اللّياليا 

وقال رضي اللّه عنه عاقد الحديث الشريف الدي رواه الديلمي في مسند الفردوس : 
اصبر على ضرّ البلايا * فالصبر من إحدى العطايا " 1 " 
ودع الحسود فإنّه * متعرّض بك للمنايا 
في قلبه نار وإن * وافاك ضحّاك الثّنايا " 2 " 
لا تغترر بكلامه * لك في جوانحه خبايا 
ولربّما حسراته * لك أهلكته على الحكايا 
زد في علومك وارتفع * عنه وكن حسن السّجايا 
واسكن مدينات العلى * ودع الحواسد في القرايا 
ليس النفوس الكاسيا * ت معارفا مثل العرايا 
والمستقيمات الطري * قة ليس كالعوج الحنايا 
أهل النفاق مضوا ول * كن ههنا منهم بقايا 
إنّ الذين رأوا القبي * ح بنا لهم كنّا مرايا 
حفروا ركايا مكرهم * حسدا فماتوا في الرّكايا " 3 " 
واستهزأوا لطهارة * فينا وهم خبث الطّوايا 
ولنا الأذى قد أكثروا * ومن الأسى أبدوا خفايا 
.............................................
( 1 ) الصبر : هو حبس النفس على شيء مزعج تتحمله ، أو شيء لذيذ تفارقه ، وهو ممدوح ومطلوب . 
( للتوسع انظر حديث القشيري عن الصبر برسالته ص 183 - 189 ) . 
( 2 ) الثنايا : ( ج ) الثّنيّة : من الأضراس : واحدة الأربع التي في مقدم الفم ، ثنتان من فوق ، وثنتان من أسفل . 
( 3 ) الركايا : ( ج ) الرّكيّة : البئر . 

609
والافترا في حقّنا * ما بينهم مثل الهدايا 
ومن الهنا ومن السرو * ر لنا لقد ملئت زوايا 
ولنا البشارة قد أتت * من خير من ركب المطايا 
فيها الحديث مسلسل الإ * سناد مرفوع المزايا 
للديلمي في مسند ال * فردوس عن خير البرايا 
قد قال ساعات الأذى * يذهبن ساعات الخطايا « 1 » 

وقال رضي اللّه عنه : 
أيّها السائر بالركبان حيّ * منزلا فيه لذات الخال حيّ 
واحبس العيس علينا ساعة * علّ ميت الشوق أن يصبح حيّ 
وبعهدي إنّ لي قلبا وقد * ذاب حتى قد جرى من مقلتيّ 
وجيوش الشوق لمّا هجمت * فرّ صبري ولوى عنّي ليّ 
ليت سكان النقى لو سمحوا * ليتهم لو عطفوا يوما عليّ 
ما لقلبي ولهم يوم النّوى * إنّه ضاع بذيّاك اللّويّ 
شفّني السّقم ولم يشف الرّجا * كبدي والروح راحت من يديّ 
وكأين من ولوع لم يفد * وكأين من دموع وكأيّ 
هذه الدار وهذا شغفي * في هوى ساكنها والصبر عيّ 
كلّما شمت بريقا لامعا * من حمى نجد شواني الشوق شيّ « 2 » 
ليتني نلت مناي بمنى * ليتني من وصلهم فزت بشيّ 
رجع الترب إلى الترب فها * وسرى النور إلى النور فهيّ 
والذي أعرف لا أعرفه * واختفى مذ لاح من خلف الخبيّ « 3 » 
فدنا بل فتدلّى فغدا * قاب قوسين فمنّي وإليّ 
نسبة أصليّة فرعيّة * إرث مبعوث إلينا من قصيّ 
وهي سرّ علّق الروح به * يوم لا يوم طوى الأغيار طيّ 
.....................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى حديث شريف : « ساعات الأذى في الدنيا يذهبن الخطايا » أخرجه السيوطي في ( الدرّ المنثور 2 / 229 ) ، والمتقي الهندي في ( كنز العمال 6672 ، 6673 ) . 
( 2 ) شام فلان السحاب أو البرق : نظر إليه يتحقق أين يكون مطره . 
( 3 ) الخبيّ أو الخباء : البيت من الشّعر أو الوبر يقام على عمودين أو ثلاثة ، وما فوق ذلك فهو بيت . 

610
وطوايا السرّ بالسرّ انطوت * صحت لمّا انتشرت يا آل طيّ 
أسفر البرقع والوجه فما * عنه يثنيني ثلاث وثنيّ 
واحد والكلّ فيه واحد * حبّ ليلى وحنين للحميّ 
وهوى بالطرف يحوي حورا * وغرام بالذي تحت القبيّ « 1 » 
وبهيفاء كبدر طالع * وبظبي مائس القدّ حليّ 
وهي أسماء لديهم سمّيت * والمسمّى دونهم ذاك لديّ 
ينظر المحبوب من طاقته * ما لنا من طاقة في ذا الهويّ 
أبعد الصبر وأدنى الشوق مذ * أمسك القلب وأجرى دمعتي 
إن بدا فيه فنينا وإذا * ما اختفى عنّا بقينا يا أخيّ 
وقريب وبعيد هو عن * نشأة الكلّ وفيها متزيّ 
وهو في مكّتنا كعبتنا * وبه الجسم كداء وكديّ 
لا تظنّوا أنّنا فيه ولا * هو فينا أيّ جهل ذاك أيّ 
والمعاني كلّها منّا وعن * شاخص الاسم لشمس الذات فيّ 
وقرا فينا علينا ذكره * مثل طه قد قرا عند أبيّ 
بحر علم نحن فيه سفن * من يرمه للبلايا يتهيّ 
كلّما شئنا غرقنا فيه عن * كلّ شيء ولنا الداء دويّ 
أنا للسالك أمّ وأب * فتمتّع بعلومي يا بنيّ 
ولنا الحقّ على العرش استوى * وبنا العرش على الماء السّويّ 
قبلتي الكلّ ونور المصطفى * في صلاتي وهو أعلى قبلتيّ 
وإذا بحت بسرّي قلت لا * ذا ولا ذاك ولكن وجه ميّ 
إن أقم قمت إلى طلعتها * متخلّ عن سواها متهيّ 
وإذا أومأت أومأت لها * في ركوعي وسجودي للثريّ 
وتراب لتراب ينحني * حكم أمر من سواه الرشد غيّ 
والمصلّى هي بالذات لنا * رحمة عمّت وخصّت كلّ شيء 
فعموم هي نار كثّفت * وخصوص لطّفت نور الضويّ 
................................................
( 1 ) القبي أو القباء : ثوب فضفاض سابغ ، مشقوق المقدّم ، يضم طرفيه حزام ، ويتّخذ من الحرير أو القطن ، وتلبس فوق الجبّة ( ج ) أقبية . 

611
وشمال ويمين وهما * كفّتا الميزان كلتا فرقتيّ 
فرقة تعلو وأخرى سفلت * كي يحيط الأمر بالضدّين كي 
فأناس لذة القرب لهم * وأناس عندهم بالبعد كيّ 
وكلا الفعلين منصوب له * مثل فعل نصبته لام كي « 1 » 
عدة الواحد قد عجّلها * وبعيد لي من الواحد ليّ 
جنّة العلم الإلهيّ هنا * نحن فيها وهي أعلى جنّتيّ 
وغدا في جنّة القدرة من * شهوات النفس أنواع الحليّ 
ولنا في نشأتينا دائما * جنّة الذات ومرقاة رقيّ 
وحياة جنّة عالية * دون أهل الكفر فيها كلّ حيّ 
وبسمع جنّة لي وكذا * بصر أقطف منها زهرتيّ 
وهنا جنّة خلد للإرا * دة فيها ما صبا فيها الصبيّ 
وكلام اللّه عندي جنّة * ذات أنهار وأشجار وفيّ 
وقصور وسرور دائم * ونعيم بمهاة فظبيّ 
فهي جنات ثمان دخلت * صورتي فيهنّ للحي تحيّ 
رؤية بالعين قد حقّقتها * لا خيال الفكر أو رؤيا الكريّ 
واستجابت لي بما أمّلته * منيتي بعد اللتيّا والتيّ « 2 » 
حرت في أنفس أمر حيث لي * نفس حرّ هي نور في دجيّ 
أخذت من كلّ شيء حظّها * تتفيّا بظلالات الأشيّ 
مثل طه قد حوى بنت أبي * بكر الصدّيق مع بنت حييّ 
فأدخلوا يا قوم روضي إنّني * في مقام فائح منه الشذيّ 
واشربوه كأس خمر من يدي * وارضعوه لبنا من ذا الثديّ 
أنا بدر الليلة الظلماء لا * صوت إلّا وهو من صوتي صديّ 
كلّ من صغّرني كبّرني * مثل تصغير عليّ يا عليّ 
...................................................
( 1 ) كي : حرف مصدريّة ونصب واستقبال ، والغالب أن تسبقها لام الجرّ المفيدة للتعليل لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ فإن لم تسبقها فهي مقدّرة نحو : ( اجتهد كي تنجح ) ويكون المصدر المؤوّل حينئذ مجرورا باللام . 
( 2 ) الّتي : اسم موصول مبهم معرفة ، تأنيث ( الذي ) على غير صيغته . واللّتيا : تصغير التي يقال ( بعد اللّتيا والتي ) يكنون بهما عن الشدة . 

611
والذي يجهلني يعرفني * ما بصير قدره قدر العميّ 
والذي يخرج من فكرته * علمه بالنزح ماء من طويّ 
ليس كالنازل فيه علمه * من سحاب الغيث سيل ذو غنيّ 
فارفع البردة من نفسك عن * وجهنا تبصرنا دون الغطيّ 
وادخل الميدان ميدان الوفا * تعرف المقدام من كلّ فتيّ 
لا تكن أعمى وتنفي رؤية ال * نور لا يدري الوغى إلّا الكميّ 
ولبيب يرعوي من كلمة * والغبي يحتاج قرعا بالعصيّ 
بالثّنا أحسنت لمّا أحسنوا * واللهى من شأنها فتح اللهيّ 
ثمّ لمّا عسكر العقل انقضى * جاء جيش الكشف خفّاق اللويّ 
واستعدّيت لأمر نلته * وتهيّأت إلى السرّ المهيّ 
وتذكّرت عهودا سلفت * بالتجلّي يوم إحدى نشأتيّ 
واللييلات التي مرّت لنا * ينقضي العمر ولا أنسى الليي 
ولعبنا بنغير الغير يا * با عمير العقل ما فعل النغيّ « 1 » 
وأماطت منيتي عن وجهها * فانتهى منّي عن الوهم النهيّ 
كنت سفليّا وعلويّا بها * علويّا صرت في أمر يعيّ 
ثمّ جاء النور بالنور خلا * فة شهم هاشميّ لا أميّ 

وقال رضي اللّه عنه موشح عروض ما للحاظك الصحاح : 
" دور " 
ملك يملأ الوجود * ثلثه لاح للعيان 
يا مولاي * يا مولاي 
ثمّ ثلثاه بالشهود * أوضح الكشف والبيان 
يا مولاي * يا مولاي 
مفرد منه لي يجود * بالعطايا والامتنان 
يا مولاي * يا مولاي 
جاءني والورى رقود * يمنح الوصل والأمان 
يا مولاي * يا مولاي 
..................................................
( 1 ) النّغر : طير صغير أخضر اللون من فصيلة الحسون ورتبة العصفوريات . 

613
" دور " 
هات حدّث أيا نديم * عن سنا طلعة الحبيب 
يا مولاي * يا مولاي 
وأدر خمرنا القديم * كأسها يسكر اللبيب 
يا مولاي * يا مولاي 
ذاب في حانها الكليم * وبها عبدها منيب 
يا مولاي * يا مولاي 
إنّني حافظ العهود * في هوى الأوجه الحسان 
يا مولاي * يا مولاي 
" دور " 
صلّ ربّ على الرسول * بالتحيّات والسلام 
يا مولاي * يا مولاي 
خير من خصّ بالوصول * وحبي أشرف المقام 
يا مولاي * يا مولاي 
فيه عبد الغني يقول * رائق الشعر والنظام 
يا مولاي * يا مولاي 
مظهرا صنعة الجدود * في الورى سادة الزمان 
يا مولاي * يا مولاي 

وقال رضي اللّه عنه : 
ربما يكذب حسّادي عليّ * بكلام السّوء منسوبا إليّ 
فيدسون نظاما منهم * في نظامي ويحيلون عليّ 
أو يدسون بنثري نثرهم * ذلك الكفر ويلقون لديّ 
وأنا ما قلت شيئا خالف ال * شرع شرع المصطفى نسل قصيّ 
لا ولا أقبله إن سمعت * ذاك أذناي ولو من أبويّ 
غاية الأمر لنا في حالنا * كلمات ظهرت من شفتيّ 
خصّنا فيه تجلّي ربّنا * نحن ندريها بذوق يا أخيّ 
لم تخالف شرع طه المصطفى * عند من باللّه موجود وحيّ 
وذوو الغفلة لا تفهمها * أبدا بعد اللتيا واللتيّ 

614
فاتركوها يا أخلائي لنا * ربّما عنكم طواها اللّه طيّ 
إنما نحن وأنتم خلقه * وهو مولى في يديه كلّ شيّ 
وكلام واحد يفهم من * لفظه رشد كما يفهم غيّ 
وانظروا القرآن حقّ كلّه * فهمت منه أناس فهم عيّ 
وبذاك الفهم فيه اختلفوا * فرقا شتّى وما فازوا بريّ 
وكلام اللّه لا يشبهه * من كلام الناس شيء يا بنيّ 
مع هذا فهموا منه الخطا * ولهم قطع به من غير ليّ 
ويضلّ اللّه قف قال به * وبه يهدي كثيرا فلتهيّ 
وكلام العارفين المختفي * منه ما ينكره القلب العميّ 
وحدة الحقّ التي قد حققت * كلّ شيء وبها الشئ ليس شيّ 
كلّ من قد قال عن شيء إذا * أشرق النور عليه والضويّ 
إنّه نور فقد أخطأ ما * هو نور بل منير وهو فيّ 
ظلمة تبدو وتخفى بالذي * خلفها وهو الوجود الحقّ حيّ 
فانظروا واعتبروا ما قلته * إنه غاية شيء في يديّ 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
قوموا أخبروا عن غرامي يا عريب الحيّ * بأنني في الهوى ميت بصورة حيّ 
يا من يؤذن لهم لما ينادي حيّ * لا تنس دار الحبائب قف وعني حيّ 

وقال رضي اللّه عنه أيضا مواليا : 
من يخبر القوم عني يا كرام الحيّ * بأنّ نفسي لقد ماتت وقلبي حيّ 
باللّه ذاك الحمى النجديّ عني حيّ * وقل على الوصل يا حادي الركائب حيّ 

وقال رضي اللّه عنه أيضا : 
وما أظنك تجد من بعد هذا شيّ * لكن تعطل وتنفي للإله الحيّ 
وكلّ هذا علامه للشجر كالفيّ * فاعرف كلامي وخلّي عنك هذا الغيّ 

وقال رضي اللّه عنه : 
دار ريّا يا حسنها دار ريّا * ساقت البسط والسرور إليّا 
قم بنا نغتنم أو يقات أنس * عندها ثم بكرة وعشيّا 
واخبر القوم بالذي هو فيها * من تجلّ يعيد من مات حيّا 

615
ثم نادي بين الأحبّة عني * في اتّباعي وقل لقلبك هيّا 
هذه حضرة الهوى والتّصابي * تنبت الرّشد والضّمان عليّا 
دار محبوبة القلوب تجلّت * فرأينا للعشق أمرا جليّا 
تقذف الرّوح من مكان خفيّ * لا ترى مثله مقاما حفيّا 
كان موسى بها الكليم وعيسى * ناطق المهد حين كان صبيّا 
وهي ريّا كما تسمّت رأينا * ماءها ترتوي به الرّوح ريّا 
عشقتها رجالنا في سواها * فإذا أسفرت محتهم سويّا 
كلّ من جاءها تبدّت عليه * بنقاب السّوى فكان نجيّا 
حيث لم يدر وهي تدري ولكن * ستر الكون أمرها المقضيّا 
عش نديمي في ظلّها كيف كانت * وترقى بها المقام العليّا 
وتأدّب فإنها فيك جلّت * عنك تبديك آمرا ونهيّا 
وهواها بها يسوق إليها * والسّوى يقذف المكان القصيّا 

وقال رضي اللّه عنه مواليا : 
للّه ليلتنا في صحن صحنايا * لما امتلا بالصّفا والبسط لي هايا 
وحين زال العنا عنّا الذي عايا * صرنا ننادي لإقبال الهنا يا يا 

وقال رضي اللّه عنه : 
معرفة اللّه عند عارفه * كيفية ليس تلك كميه « 1 » 
فإنّ كمية الذي هو في * عقد الجميع اقتضى لكيفيه 
مجهولة تلك عند عاقلهم * من حيث ما عنه تكشف النية 
حتى يمنّ الإله خالقهم * بالفتح في مغلق الأنانيه 
ويدرك العقل ما يقول إذا * قال ولا تعتريه نفسيه 
حالة نفس بعكس ما نطقت * من جهلها الصّرف بالإضافيه 
.....................................................
( 1 ) المعرفة باللّه : قال القشيري : المعرفة على لسان العلماء هي العلم ، فكل علم معرفة وكل معرفة علم ، وكل عالم باللّه تعالى عارف ، وكل عارف عالم ، وعند هؤلاء القوم : المعرفة صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته ، ثم صدق اللّه تعالى في معاملاته . . . ( للتوسّع انظر حديث القشيري عن المعرفة باللّه برسالته ص 311 - 317 ) . 

616
فإن وفت بالعهود من قدم * يوم بلى ذاك للربوبيه 
هنالك الصّدق في المقال ولا * كذب وإلا فهي المجوسية 

وقال رضي اللّه عنه : 
إنني غير من أحبّ وإني * عينه إن فنيت بالكلية 
وفنائي بأنني منه فعل * بي أشارت صفاته الأزليّه 
وإذا ما فنيت لم أك شيئا * طبق آيات ربّنا الأقدسيه 
وفنائي هو الرجوع لعلم * أزليّ في حضرة أبديه 
ووجودي الذي ترون وجودي * بالكلام القديم حسب القضيّه 
وهو قول الإله كن فيكون ال * شيء أي ما يشاؤه في البرية « 1 » 
يا وحيد الوجود ما لك ثان * غير أنا شؤونك العدمية 
لك فينا معيّة قلت عنها * معكم وهي رتبة ألمعيه 
كيفما شئت كنت بي وبغيري * ظاهرا للمشاعر الوهمية 
ولك الأمر لا لنا وعلينا * منك حكم في كلّ فعل ونيه 
وعلى كلّ حالة نحن فيها * لزمتنا أحكامها الشّرعيه 
إن صحونا من سكرة الجمع أمّا * إن سكرنا فالسّكر غيب الهوية 
حالة تعتري ذوي الصدق منّا * ليس تخفى على النفوس الزّكيه 

وقال رضي اللّه عنه : 
ربّي الذي ليس له ماهيّه * وما تعينت له هويه 
بل هو حقّ مطلق ليس له * قيد بوجه لا ولا كيفية 
لأجل هذا لامكان لا ولا * زمان يحويه ولا أينيه 
لا تقدر العقول أن تدركه * بها ولا بالفكرة القوية 
وهو المحيط بالبرايا كلّهم * من كلّ وجه وله المعية 
له صفات مثله قديمة * قائمة بذاته العلية 
ومثلها أسماؤه الحسنى علت * وعلمه المحيط بالبريه 
وكلّ شيء هو عالم به * وبالذي يخفيه في الطّويه 
..............................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة البقرة الآية ( 117 ) : وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

617
وكلنا نحن عبيده وقد * أكرمنا بالملّة المرضية 
أرسل فينا المصطفى نبيّنا * يحكم بالشريعة المضيّه 
يعامل الكلّ كما أراده * بمقتضى ألطافه الخفيّه 
خالقنا وخالق أفعالنا * وجاعل أعمالنا بالنيّه 
وهو إلهنا ولا نعرفه * إلا بخلق نفسنا الزكيّه 
فنفسنا نعرفها بأنّها * فعل له وتمّت القضيّه 

وقال رضي اللّه عنه : قد رأى بعض الأحباب المتردّدين علينا حضرة الشيخ الأكبر قدّس اللّه سرّه وقد أنشده منشد قصيدتنا الهمزية في أوّل المعشّرات لنا فطرب الشيخ طربا شديدا في البيت الأوّل وهو قولنا : 
إلى الذات سيري في مراتب أسماء * بصورة مزج النار فيّ مع الماء 
وسمعه يقول : هذا هو الكلام ثم بعد مدّة فتح عليّ بحال ومقام في حقيقة التوحيد زيادة على ما كان عندي فكنت متحيّرا مدهوشا في ليلة 
فلما أصبحت جاء ذلك الرجل وقال لي : البارحة رأيت الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي قدّس اللّه سرّه وأنشدني من كلامه ثلاثة أبيات وقال لي : خذها لفلان عني وأنشده إياها فلما أفاق نسي منها بيتا واحدا .

وأنشدني بيتين وهما قوله رضي اللّه عنه : 
يهنك الآن إن بعثت بخير * لتجلّي آياتك المرضية 
فاستقم أنت حيثما الآن واعلم * أنما الأمر طبق ما في القضية 
ففرحت بهذين البيتين ثم ذيّلت عليهما وضمّنت ذلك 
فقلت : 
أشكر اللّه خالقي في البرية * سائر الوقت بكرة وعشيّه 
وهو شكر الإله لا هو شكري * بتجلّي الشكور ربّ البريّه 
إنني كنت حائرا فهداني * لمقامات سرّه الأقدسيّه 
أترقى به له كلّ حين * من زمان مضى بأمر المعيّه 
كاشفا لي عنه وعن كلّ شيء * فتحققت بالمعاني الخفيّه 
وتيقنت أنه هو لا ما * كنت أدري وزالت الغيريّه 
فأنا ذاك فعله وهو ربّي * فاعل والأمور عندي جليّه 
فأتاني من حضرة الشيخ شيخي * وهو محيي الدين العلوم السنيّه 
خبر من لسان خدن صديق * بالتهاني في الحالة العينيّه 

618
قد أتتني من الإله تعالى * بغتة وهي لم تزل كشفيّه 
صرت فيها محققا وهي عندي * عذبة لذّة المذاق شهيّه 
فأتاني الآتي يقول ثلاث * هنّ أبيات شيخنا المحيويّه 
واحدا قد نسيت منها وقال ال * شيخ خذها منّي إليه هديّه 
خذ لعبد الغنيّ كلامي هذا * فأتاني بيتان منها عليّه 
وهما قوله يريد خطابي * بالتهاني للرتبة الوهبيّه 
يهنك الآن إن بعثت بخير * لتجلّي آياتك المرضيّه 
فاستقم أنت حيثما الآن واعلم * أنما الأمر طبق ما في القضيّه 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية الحروف المعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:52 pm

قافية الحروف المعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

[ المعشرات ]
وقال رضي اللّه عنه من المعشّرات على حروف المعجم اقتداء بحضرة العارف باللّه سيدي الشيخ محيي الدين ابن العربي قدّس اللّه سرّه فإنه أوّل من سبق إلى ذلك وأثبته في ديوانه الكبير ولكنه رتّبها كما قال على ترتيب الحروف في اليمن والمغرب ونحن رتّبناها على ترتيب الحروف في المشرق.

فمن ذلك قوله في حرف الهمزة : 
أبى الذات سيري في مراتب أسماء * بصورة مزج النار فيّ مع الماء 
أنا الهيكل المجموع من كلّ حضرة * مقدّسة كالبدر في جنح ظلماء 
ألمت بنا ذات البراقع والورى * نيام فأبدت وجهها بعد إخفاء 
أماطت وكنّا بالعشيّ لثامها * فأصبحت الأنوار تشرق للرائي 
إذا كانت الأكوان آثار فعلها * نقول تجلّت بالدواء وبالداء 
ألا إنّها غيب الغيوب وإنّها * شهادة داني في الشهادات أو نائي 
أهان الهوى قوما بها قد تولعوا * فعزّت عليهم حين جاؤوا بأهواء 
إشارات أحوال رموز حقائق * لوائح تقريب بدائع إيماء 
أبانت عن الغيب المقدّس للذي * تعلقه باللام فيها وبالباء 
إضافية تبدو فتخفى بنورها * وتبدو فيخفى شاخص خلف أفياء 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الباء : 
بتجلّي محاسن المحبوب * شغفت في الورى جميع القلوب 
بدر تمّ سحابه كلّ شيء * نتراآه من بروج الغيوب 
بهرتنا صفاته ففنينا * وتساوى شروقه بالغروب 
باؤها تحتها الحوادث منه * نقطة أسفرت عن المطلوب 

620
باسمه نحن في مراتب ذات * تتجلى بشأنها خمر كوب 
بأبي طلعة شخصت إليها * حين لاحت فلذّ لي مشروبي 
بادرتني بيوسف الحسن منها * لأراها بناظري يعقوب 
بعد وجدي لا وجد فيها لصبّ * فهو وجد مكفّر للذنوب 
بهواها تعبّد القوم قبلي * وهو ديني به انجلاء كروبي 
بنت عنها ولم تبن هي عني * منعش لي نسيمها بالهبوب 

وقال رضي اللّه عنه في حرف التاء : 
توبة النفس في الهوى أن تموتا * فتنال المنى وتدرك قوتا 
تخذتها مليحة الكون سترا * مسدلا عند غيرها ممقوتا 
تتجلى بها الغيوب عليها * فتنير اللّاهوت والنّاسوتا 
تظهر الذّات خلفها بصفات * هي كانت صفاتها والنعوتا 
تاه قوم فحاولوا الكشف عنها * بقواها فأثبتوها ثبوتا 
تبعوا العقل فاختفى السرّ لمّا * أبدلوا من داودها جالوتا 
تلك لو حاولوا الفنا وجدوها * شبحا في ظهورها منحوتا 
تمرة قد طابت وماء طهور * لا يشمون مسكها المفتوتا 
تبهر العقل إن أميطت فزالت * عن سنا وجهها الذي لن يفوتا 
تبّت العصبة التي جهلتها * فأرتهم بسحرها هاروتا 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الثاء : 
ثمرات على غصون الحوادث * بعثتها من الغيوب بواعث 
ثمّ لاحت وحيدة بعد ما قد * كثرت في أطايب وخبائث 
ثمل القوم من شراب هواها * حيث كانوا على الفناء مواكث 
ثبت المنتفي بها واستقلّت * في البرايا الجبال وهي ربائث 
ثلثتني بأمرها وهو فرد * فبدا واحد وثان وثالث 
ثقلت في النزول بين قلوب * وغيوب للأخفياء الأشاعث 
ثاويات صفاتها في شؤون * كالمثاني بلحنها والمثالث 
ثب إليها من السّوى يا نديمي * وتشبّث بها ولا تك لاهث 

621
ثلجت بالعلوم فيها نفوس * واطمأنّت بها فليست تباحث 
ثمد الماء حظّ غيري منها * وأنا لا انتهاء لي في الموارث 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الجيم : 
جلّ وجه بنوره الوهّاج * ضاء ليل من الحوادث داجي 
جمعتني عليه منه فروق * هي بيني وبينه في التناجي 
جبرت كسر نشأتي فالتقينا * يوم حرب النفوس بين العجاج " 1 " 
جوهر العلم غصّت فيه عليه * وهو بحر ملاطم الأمواج 
جامع للكمال والنقص شمس * هي بالنشأتين في أبراج 
جاء منها إلى النفوس رسول * فانمحت فيه ليلة المعراج 
جسد حشوه نوافث أمر * هنّ أرواحه سرت في المزاج 
جنّ عقلي بذات خدر تجلّت * بي فشاهدت هيكلا من عاج 
جارحات العيون منها لقلبي * حين صادته لم يكن بالناجي 
جمحت كلّما أتيت بنفسي * وبها إن أتيت إني المناجي 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الحاء : 
حمائم شوق في الغصون تنوح * تسرّ هواها تارة وتبوح 
حجازية شامية تألف الغنا * فتغدو به في غيبها وتروح 
حديث الهوى عني روته مسلسلا * وما هي إلّا للمتيم روح 
حداة المطايا بالقلوب رويدكم * إلى الحيّ سالت للقلوب جروح 
حمى الغور لاحت بالعشيّ بروقه * ونشر الخزامى بالنسيم يفوح 
حويت علوما بالتجلّي نفيسة * وطرفي إلى ما فوق ذاك طموح 
حفيظة عهدي لا فقدت التفاتها * إليّ فتبدو في الحشى وتلوح 
حظيت بها بعد الفنا في وجودها * وقد كان لي منها هناك فتوح 
حميدة فعل بالجميع وإنما * يرى السّوء من عنها لديه نزوح 
حياة وعلم قدرة وإرادة * غبوق لنا منها بها وصبوح 
...............................................
( 1 ) العجاج : الغبار . 

622
وقال رضي اللّه عنه في حرف الخاء : 
خلاف الوجود الصّرف فالعدم الأخ * وبينهما للمكن المحض برزخ 
خبير بكلّ الكائنات وجودها * فيبدو ويخفى ثمّ يوحى وينسخ 
خلوت به والكون كاللّيل مظلم * ولكنه ليل عن النور يسلخ 
خفاء لنا منه ظهور حبيبنا * وينبوع قلبي بالحقائق ينضخ 
خمار عن الوجه الجميل أميط لي * فأصبحت أسمو في هواه وأشمخ 
خذ العفو عنه يا ابن ودّي فإنّما * وجودك ذنب أنت منه موسخ 
خطبت عروس الخدر والنفس مهرها * فأدّ إليها مهرها لا توبخ 
خفيفا وخذ منها ثقيلا هو المنى * وفوق المنى وجه بطيب مضمّخ 
خفافيش قوم غافلين بهم عمى * عن النور نور الشمس في الجهل تصرخ 
خصمت بها أقوالهم في اضطرابهم * عليها وإنّي من ثبير لأوسخ 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الدال : 
دبّ سرّ الوجود بالمفقود * فبدا للعيان كالموجود 
دع حديث الحدوث واذكر قديم ال * ذّكر عندي وهنني بشهود 
درجات رفيعها هو رفعي * وزوالي عن أمره المقصود 
دم به يا أخا الهوى وتمسّك * في لقاه بظلّه الممدود 
دير سمعان نشأتي درت فيه * أبتغي كأس خمرة العنقود « 1 » 
دنفا لم أزل بصاحب وجه * مطلق الحسن عن جميع القيود 
دكّ طوري بنوره المتجلّي * فتجاوزت في الهوى عن حدود 
داء كوني من علّتي ليس يبرا * والدواء الدواء فيض الجود 
دعوة منه أظهرت كلّ شيء * فاقتضت فتح بابه المسدود 
دولة العزّ للذي فيه يفنى * ثمّ يبقى به لحفظ العهود 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الذال : 
ذو العلم يعرف أنّ أصل المأخذ * للكائنات من الوجود الجهبذي 
ذا عنده التحقيق ليس الشيء من * عدم كما في ظنّ ذي الطّرف القذي 
..............................................................
( 1 ) دير سمعان : دير بنواحي دمشق في موضع نزه وبساتين محدقة به . ( معجم البلدان 2 / 517 ) . 

623
ذهب الذين إذا أتاهم عارف * بحقيقة خضعوا لها بتلذّذ 
ذهلت عقول الغافلين وعندما * بعدت عليهم شقّة المستحوذ 
ذمّوا على مقدار جهل نفوسهم * واستثقلوا قول الهمام الأحوذي 
ذنب عظيم ما له من توبة * دعوى الوجود مع المحيط بك الذي 
ذاق المحبّ له حلاوة ذكره * فبذكره لا بالحلاوة يغتذي 
ذابت حشاشته ولم يدر السّوى * شوقا إليه وما له من منقذ 
ذاك المتيم في الهوى وفؤاده * أبدا إليه سوى الهوى لم ينفذ 
ذرية أولاد آدم كلّهم * عرفوا وإن لم يعرفوا روض شذي 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الراء : 
رؤية الحقّ رؤية الأغيار * والتجلّي بهذه الأسرار 
ربّ جسم وربّ نفس وروح * واحد والخلاف بالاعتبار 
رام قوم بهم إليه وصولا * وهو عنهم بكونهم متواري 
رجحت عندهم معاني التجلّي * والتجلّي نفوه بالإنكار 
رغبة النفس في السّوى حجبتهم * وعن الجنة اكتفوا بالنار 
رفع اللّه بينهم كلّ عبد * فحماه من ذلّة وصغار 
رونق الكشف ظاهر منه لكن * ستر عاداتهم على العبد جاري 
ربّما أسفر الصّباح فراقب * منك خلف الحجاب شمس النهار 
رحمة منه عمّت الكلّ منّا * وهي عين الوجود في الكلّ ساري 
رقمتنا بها الكتاب وعنها * قد نزلنا على كلام الباري 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الزاي : 
زينة اللّه منه حرز حريز * للبرايا وهي الكتاب العزيز 
زبرتها لهم صفات التجلي * وبها الكلّ ظاهر معزوز 
زهد القوم في هواها ومالوا * للذي خلفها بها محروز 
زاد منهم إليه فرط اشتياق * وبه كلّ ذي اشتياق يفوز 
زجروا العيس نحوه وأناس * قد نسوا اللّه ما لهم تمييز 
زهرة العاجل التي فتنتهم * حبّها في نفوسهم مركوز 
زارني من أحبّ والكون ليل * فاستبان الضيا وفكّت رموز 

624
زينب المقتضي فنائي بقاها * كلّ شيء لديه منها كنوز 
زمزم القرب قد رميت بدلوي * فيه حتى امتلا الإنا والكوز 
زفرة بعد زفرة لفؤادي * كلّ حين ولاصطباري نشوز 

وقال رضي اللّه عنه في حرف السين : 
سلام على الإخوان في حضرة القدس * ومن محيت آثارهم في ضيا الشمس 
سقى اللّه أياما بهم قد تقاصرت * وليلات وصل بالمسرّة والأنس 
سترت الهوى إلا عن القوم فارتقى * فؤادي إلى غيب عن العقل والحسّ 
سرير من التحقيق يسمو بأهله * على العرش في أوج العلى وعلى الكرسي 
سريت به ليلا إلى رفرف المنى * وبي زجّ في النور الذي جلّ عن لبس 
سماء التجلّي بالبراق صعدتها * وقد غبت عن جسمي الكثيف وعن نفسي 
سأهدم ما تبني العقول لأهلها * من الفكر في أرض الخيالات والحدس « 1 » 
سريعا إلى أسرار روح شريفة * عن النوع قد جلّت ودقّت عن الجنس 
سباني جمال الوجه والكلّ هالك * وعلمي تسامى عن كتاب وعن درس 
سروري وأفراحي خروجي عن السّوى * وإني من الحق الوجود على الأسّ 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الشين : 
شملتني بثوبها المنقوش * ذات وجهين عبقريّ وريش 
شهدت عينيها بعيني فكنّا * واحدا في بساطها المفروش 
شمت منها برق الهدى في ظلام * هو كوني بنورها المرشوش 
شامنا مكة وكعبة قلبي * بيتها ألا من للفتى المستجيش 
شرب القوم كأسها مذ تجلّت * فمحتهم وهم جبال شريش « 2 » 
شغفتني بحبها في سواها * وبدت بالسوى بلا تشويش 
شهرة تنفر الأوانس منها * وبها الأنس حاصل للوحوش 
شبّهوه ونزّهوه وقولوا * بهما لا بواحد مغشوش 
.............................................
( 1 ) الحدس : الظن والتخمين . والحدس في الفلسفة : المعرفة الحاصلة في الذهن دفعة واحدة من غير نظر أو استدلال عقلي . أو هو شعور محدد بما لا نستطيع البرهنة عليه أو بما لم يقع بعد . 
( 2 ) شريش : مدينة كبيرة من كورة شذونة وهي قاعدة هذه الكورة واليوم يسمّونها شرش. (معجم البلدان 3 / 340). 

625
شمّ عرف الوصال من قال هذا * هو ما هو بغير ما تفتيش 
شهوات النفوس أقوى حجاب * وهي للمرتقي مجالي النقوش 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الصاد : 
صحّ عندي في منزل الاختصاص * أنّ حال العوام حال الخواص 
صفو عيش بواحد يتجلّى * لكن الفرق نيّة الإخلاص 
صبوة تورث العلوم وأخرى * تنتج الجهل ما لها من خلاص 
صدق اللّه إنما هي أسما * قد تسمّت ولات حين مناص 
صوم هذا وفطر هذا عن الغي * ر وبالعين عين من في الصياصي 
صاح هذا المقام والقوم فيه * فاقتحم حربه بدرع دلاص « 1 » 
صائب النبل إن رميت وإلا * كن مهيّا لوقع هذا الرصاص 
صبح كشف وليل عقل وماذا * بعد حقّ سوى الضلال لعاصي 
صار مبدأ أمورنا منتهاها * وانطلاق الطور في الأقفاص 
صدف الدّرّ يجعل الدّرّ درّا * ويسمي الوجود بالأشخاص 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الضاد : 
ضرري نفع حاسدي بالنقيض * فاسلكوا بي إلى الطويل العريض 
ضقت ذرعا من جاهل ليس يدري ال * حلو حلوا بفيه ذاك المريض 
ضمّ حالي لحاله ثمّ عنّي * قال ما قال عنه بالتعريض 
ضدّ ما عنده من اللّه عندي * ليس عين المحبّ عين البغيض 
ضفدع الماء نقّ يطلب ماء * وهو في الماء بين روض أريض 
ضاء برق الحمى فزال ظلام ال * كون عنّا بلمع ذاك الوميض 
ضمّختنا بمسكها نفحات * أقدسيات أوجنا والحضيض 
ضلّ عنها الذي اعتنى بسواها * من شخوص سود وفي الكشف بيض 
ضرع غيب رضعته مع قومي * فاجتمعنا على الإخاء الغضيض 
ضنك عيش لجاهل ليس يدري * ما درينا والعيش عيش النهيض 
.........................................................
( 1 ) دلصت الدرع : صارت ملساء لها بريق فهي دليص ودلاص . 

620
وقال رضي اللّه عنه في حرف الطاء : 
طوبى لمن كشفت بصيرته الغطا * وأتاه من مولاه أنواع العطا 
طابت له أوقاته بحبيبه * وعن الذنوب له تجاوز والخطا 
طف حول كعبة من تحبّ وقف على * عرفاته وائت المحلّ الأوسطا 
طهّر له بيتا ليسكنه وما * هو غير قلبك ظالما أو مقسطا 
طنبورنا قد أصلحت أوتاره * فأجاد في النغمات حدّا مفرطا 
طمع الجهول بأن ينال بعقله * هذا النبأ فأبى عليه تسلّطا 
طاعات أقوام معاصي غيرهم * فاجعل فؤادك للغزالة مهبطا 
طع من أردت فأنت طوع مراد من * هو ظاهر بك فاحترز أن تغلطا 
طه الرسول تكوّنت من نوره * كلّ البرّية ثمّ لو ترك الغطا 
طالت يدي مذ بايعته على الهدى * وبه توخّيت المقام الأحوطا 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الظاء : 
ظنّ الجهول بأنّه مستيقظ * فرأى الخيال وللسّوى هو يلحظ 
ظهرت لنا سلمى ونحن على النّقى * فكأنّنا لفظ هنالك يلفظ 
ظمأ أزيل عن القلوب بها وقد * نزلت ونيران القلوب تلظّظ 
ظفرت يدي بيد المدير وكاسنا * باق وقلبي بالطّلا يتلمّظ 
ظبي يشيقك جيده متلفّتا * والأسد من لحظاته تتحفّظ 
ظلّ ظليل عن بديع صفاته * كلّ الكوائن ما يدقّ ويغلظ 
ظلمات إمكان تنير بواجب * أبدا بها عنها يصان ويحفظ 
ظلم من الأغيار للأغيار عن * جهل بهم عدل بذلك يوعظ 
ظرف يظنّ له بنا من قربه * وهو الذي يسمو به المتيقّظ 
ظلّت عليه به تدلّ رجالنا * تلك الكرام العارفون فتوقظ 

وقال رضي اللّه عنه في حرف العين : 
على كشف الغطا كلّ الولوع * وذلك في الأصول وفي الفروع 
علمت فكنت في الإقبال أو لم * تكن تعلم فإنّك في رجوع 
عفت دار المحبّ وذاب شوقا * إلى محبوبه ذاك المنوع 
علا ولقد رضعنا الغيب منه * وأنواع الكوائن كالضروع

627
علامة وصله فقدان كلّي * به فيه ووجدان الخشوع 
عبيد اللّه باللّه استقلّوا * إليه في الغروب وفي الطلوع 
عزائمهم به فيه وأمّا * عبيد هوى النفوس فللزروع 
عماهم صدّهم عنه فهاموا * بدنياهم وبالعرض الخدوع 
عسى عنهم يماط حجاب وجه * لهم هم ذاك ساعات الخضوع 
عفيف الذيل لا تطمع بوصل * إذا لم تفن في البرق اللموع 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الغين : 
غيم الحوادث حال دون البازغ * من شمس ممتلئ الحقيقة فارغ 
غنمت به قوم عليه نفوسهم * قدسيّة بشراب وصل سائغ 
غرقوا بأمواج الوجود فأدركوا الأنواع من حكم هناك نوابغ 
غنّت حمامات اللّوى عند الذي * يلهو وناحت عند صبّ لائغ 
غيب الغيوب تنزّلت أسراره * فشجت قلوب بلابل ولغالغ 
غربت هنالك شمسه مذ عندنا * طلعت بصبغ للكوائن صابغ 
غنّى الفقير به وعزّ ذليلنا * ولبست تاج الملك من يد صائغ 
غفرانه يمحو ذنوب وجودنا * معه فننزل بالمقام البالغ 
غبنا وقد حضر الحبيب كأنّنا * إذ لم نكن ما القول قول مبالغ 
غمّ وهمّ للذي هو جاحد * إذ سالك فينا مسالك زائغ 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الفاء : 
فاز الذي شرب الشراب الصافي * حتى انمحى عن سائر الأصاف 
فنيت رسوم وجوده وبدا له * وجه الحبيب فكان نعم الكافي 
في ذروة الوادي غزال نافر * عمّن يحاول وصفه المتنافي 
فرع بنا هو أصلنا فاعجب له * من واحد ويزيد عن آلاف 
فرد الوجود بوجهه فتن الورى * فرمى بهم في حيرة وخلاف 
فاقت على شمس الضّحى أنواره * والكون آل به إلى الإتلاف 
فقه المعارف والحقائق ظاهر * من عبده في سورة الأعراف 
فهو الجميل له الجمال بأسره * وهو الذي يهوى الجمال الوافي 

628
فهمت إشارته القلوب فأقبلت * تزهو إليه على تقى وعفاف 
فمحا بنور ظهوره آثارها * وأمدّها ببدائع الألطاف 

وقال رضي اللّه عنه في حرف القاف : 
قف ههنا بين العذيب وبارق * وانظر ترى الأكوان لمعة بارق 
قوم مضوا ولسوف قوم غيرهم * يأتون كالماء السريع الدافق 
قرأت كتاب اللّه باللّه الحجى * منّا وقد جاءت بعلم حقائق 
قبلت تجلّي الحقّ في أكوانه * والغير مفتون بفان زاهق 
قالوا هي الأعيان والأعراض لم * يدروا سوى ألفاظ نطق الناطق 
قم يا نديم إلى كؤوس شرابنا * ذاك القديم بدا بخلق خلائق 
قربت إليه القلوب وأبعدت * عنه النفوس لربطها بعلائق 
قيد الكوائن مطلق فوجودنا * نور يلوح لسابق وللاحق 
قنعت به عيني فلم تر غيره * والقلب هام به بعزم صادق 
قد كنت أحسبه الذي صوّرته * فإذا المصوّر والمصوّر خالقي 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الكاف : 
كلّ شيء كما أتى النصّ هالك * غير وجه الحبيب فلينج سالك 
كتم الكون منه سرّ وجود * فيه كالبدر في الظلام الحالك 
كافر الحقّ مؤمن بسواه * وسواه الطاغوت فاخطر ببالك 
كيف يبقى مع الوجود الحقيقي * إن تبدّى تقديره المتهالك 
كخيال العقول يثبت فيها * ما أرادت بأن يكون هنالك 
كاتب الغيب خطّ في لوح روح * أحرف الكائنات من فوق ذلك 
كيمياء الهدى أحاديث علمي * فاتركوها تشيع بين الممالك 
كم أحالت هياكلا من نحاس * ذهبا خالصا ينير المسالك 
كاف إمكاننا لها لون نور * منه حتى لاح الوجود كذلك 
كن به عارفا وكن مستقيما * وتحقّق فإنّ هذا المالك 

وقال رضي اللّه عنه في حرف اللام : 
لمن طلل بين الأجارع بالي * به خاطري أسر الغرام وبالي 
لويت عنان الشوق نحو رسومه * فصادفته قفر الجوانب خالي 

629
لديه الصّبا تجتاز أيّان ما هفت * تبثّ فواغي عبهر وغوالي « 1 » 
لقيت به قلبي على عرصاته * مقيما يناغي فيه لمعة آل « 2 » 
لو استعطفت ذات الستور به بدت * لنا بين ثوبي هيبة وجمال 
ليالي كنّا نحسب الدهر غافلا * وأحوالنا ليست بذات زوال 
لصيق الغواني كيف يألف بالسّوى * وقد بات منها في لذيذ وصال 
لقاء جميل الوجه عنه أميط من * جميعي حجاب فهو بي متلالي 
لحاني عليه العاذلون سفاهة * ولم يعلموا ما للعذول وما لي 
لجأت إلى أبواب عزّته به * وأطلقت قيلي في هواه وقالي 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الميم : 
مراتب ذات في البريّة تحكم * وما هي إلّا الآخر المتقدّم 
معاني صفات دونهنّ مراتب * قديمات عهد بالحوادث تعلم 
مناط كلا الأمرين غيب مقدّس * وجود له منه عليه مترجم 
محا ما بدا منه وأثبت ما اختفى * ولاح طراز بالمراتب معلم 
مقامات قدس الذات معراج همّتي * وقلبي براقي والذي ثمّ مبهم 
مكانة قرب دونها كلّ كائن * على الإرث نلناها وزال التوهم 
معي سرّها باق وإن جحد السّوى * وإن غشي الليل الذي هو مظلم 
مشيت بها أسعى على حكم أمرها * وعندي لها بيت حرام وزمزم 
مبين كتابي ناطق بكلامها * وإنّي وإيّاها الذي يتكلم 
مضت قبلنا أمثالنا وستهتدي * إليها أناس بعدنا وتسلم 

وقال رضي اللّه عنه في حرف النون : 
نزل الذي هو عن سواه لفي غنى * فتلبس السرّ الخفيّ وتبينا 
نعمت به روح المحبّ فخاطبت * شبحا يسمى أنت أو هو أو أنا 
.........................................................
( 1 ) الفواغي : ( ج ) الفوغة : من الطّيب : رائحته . العبهر : الياسمين ، سمّي بذلك لنعمته ، وقيل : النرجس ، وقيل : هو نبت ولم يحلّ . ( اللسان 4 / 536 مادة : عبهر ) . الغوالي : ( ج ) الغالية : أخلاط من الطيب كالمسك والعنبر . 
( 2 ) العرصات : ( ج ) العرصة : البقعة الواسعة بين الدور ليس فيها بناء . الآل : ما يبدو كالسراب ، ويكون في أول النهار وآخره . 

630
نبأ عظيم كلّنا ألفاظه * من ذا أبين له فلم يجد الفنا 
نالته أقوام بصدق قلوبهم * في حبّه وبه لقد بلغوا المنى 
نبعت علوم اللّه من أفواههم * وبهم تدلّى الغيب حين لهم دنا 
نحن الذين تكاملت أوصافنا * وبفقرنا ثبتت لنا صفة الغنى 
نعشو إلى النار التي غسق الدّجى * من طور سينا القلب قد ظهرت لنا 
نام الغبيّ عنها وأيقظنا لها * من لا ينام محيعلا ومؤذّنا 
نأتمّ بالهادي النبيّ وراثة * عن صنوه موسى الكليم تيقّنا 
نشأت حقيقتنا كذلك تارة * وهناك أطوار كثيرات الجنى 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الهاء : 
هي الحقيقة كلّ الكائنات لها * فيا خسارة من عنها تراه لها 
هامت بها في السّوى كلّ القلوب ولم * تشعر وقد شغفت في حبّها ولها 
هويّة قد سرت في كلّ كائنة * من غير ما سريان أمرها اشتبها 
هب أنك الغير يا محجوب قمت به * ألم تكن ساعة في الحقّ منتبها 
هذا الوجود به الأكوان قائمة * فحقّق الفرق واجمع واترك الشّبها 
هفا بك البرق من أوج الكثيف فقف * أنت الوميض وعنك الطّرف منك سها 
هنيت بالوجه عنه السّتر مرتفع * وقد أنيل علوما فيه من فقها 
هزمت جيش السّوى والنور من قبلي * حتى مسحت به عن ناظري الكمها « 1 » 
هناك زالت رسومي وانمحت سمتي * وعقد كلّي على أيدي الوجود وهي 
هداية هي محص الفضل قد تليت * آياتها فأرتنا رتبة النّبها 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الواو : 
ولعت بذاك الحيّ والمورد الحلو * وأيقظني برق المنازل من علو 
وبتّ أظنّ الحبّ بين أضالعي * لقرب أراني أنني ذبت من شجوي 
وداد به قد خصّني من عرفته * على فرط تقصيري فأنعم بالعفو 
وثقت بعقلي والحواس فلم أنل * من العلم غير الفخر بالنفس والزّهو 
وعيت السّوى حتى خرجت عن السّوى * بقلب من الأكوان أجمعها خلو 
..............................................................
( 1 ) الكمه : العمى الذي يولد به الإنسان ، وربما كان من مرض . 

631
وصلت وما إني وصلت لمنتهى * ولكن إلى إثبات من جاء بالمحو 
وكلت إليه الأمر في كلّ ساعة * وجئت بلا سعي إليه ولا عدو 
وعيدي به وعدي لما قد تساويا * به الخير لي والشرّ في زمن الصّحو 
وهمت هنا أشياء ثمّ وجدتها * هي الحقّ يبدو في شؤون على نحو 
ولاه هو الأمثال تضرب للورى * ولم يدرها إلا المجانب للهو 

وقال رضي اللّه عنه في حرف اللام ألف : 
لا ووجه مسفر حاز الجمالا * ينقضي الدّهر به حالا فحالا 
لاذت الأنفس أن يعدمها * بتجليه كما شاء جلالا 
لامني من غير علم عاذلي * وبه أكثر لي قيلا وقالا 
لاك في فيه حديثي ورمى * يمنة بالحقّ منه وشمالا 
لانت القسوة من عارفنا * فانقلوا عنّا الأحاديث الطّوالا 
لاق بالقلب هوى ساكنه * وهو يفنيه ويبقيه محالا 
لازم كشف تجلّيه لنا * بتجلّيه وإن أفنى الرّجالا 
لابس منّا علينا صورا * في التقادير حراما وحلالا 
لاح نور الحقّ من ظلمتنا * فانمحت عنّا وكنّاه تعالى 
لاثت الأقوام منه شغفا * وبه قد ستروا منهم كمالا 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الياء : 
يشرق النور بالمكان القصيّ * فيذوب السّوى لسرّ خفيّ 
يمنة الحي خيمة لعريب * نزلوا قبل بالحمى الحاجريّ 
يا منادي القلوب مهلا رويدا * إنني سائر أمام المطيّ 
يهب الكشف نورنا باختصاص * وبسير على الصراط السويّ 
يرتقي القلب في هواه مقاما * فمقاما وراثة الهاشميّ 
يبهر العقل نوره المتجلّي * فيزيل السّوى بمحو الوليّ 
يا حياة الفتى إذا مات فيه * وفنى في جمال وجه بهيّ 
يقتضي من غناه عبد فقير * أن يسمى فيه بعبد الغنيّ 
يهتدي للغيوب منه فيدعى * بالإمام الهادي وبالمهديّ 
يوسفيّ المقام يملك مصرا * وعراقا بحسنه اليوسفيّ 

632
وقال رضي اللّه عنه في الألف المقصور وفيه قد تكلمنا على هذه المعشّرات وحضرة الشيخ الأكبر رضي اللّه عنه لم يذكر هذا الحرف المقصور في معشّراته وإنما تكلم على معشّراته بأبيات من قافية أخرى وزاد بيتا فكان جملة ما نظم في ذلك ثلاثمائة بيت وبيتا ونحن نقصنا عنه البيت الذي زاده أدبا معه قدّس اللّه سرّه فقلنا في ذلك : 
إنّ المعشّرات أحرف الهجا * جاءت بأسرار الإمام المجتبى 
أقامت الأوّل في الآخر إذ * بظاهر لباطن فيها الهدى 
أهل العلوم يعرفونها ولا * ينكرها إلّا الجهول ذو الشّقا 
أهدت إلى المهديّ ما يصلحه * في ليلة من المقامات العلى 
أسرار علم الحرف عن ذوق لها * يتبعه التصريف في حكم القضا 
إعانة على ظهور الأمر في * أهل الطبيعة بأرض وسما 
إذا أراد الشيء قال كن له * فإنه يكون يعني بالدّعا 
أمر عظيم هو فيه ظاهر * بعشر آيات لسورة النّبا 
أتى بها اللّه له علامة * في قومه وخصّه بالاعتنا 
أقول هذا ومرادي أنه * في كلّ عصر إن خفي وإن بدا 

ثم بعد إتمام هذا الديوان على هذا النسق نظم الشيخ بعض قصائد ودو بيتات وموشّحات ومواليات فألحقناها به في آخره وهي قوله : 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قافية الحروف المعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي    كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:53 pm

قافية الحروف المعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي  

قال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الألف:
انظر إلى الحقّ من مدلول أسماء ...... وكونه عين كلّي عين أجزائي
إن كان ينصفني من كان يعرف ما ...... يبدو إليه من إعراضي وإنحائي
أسماء ربي لا يحصى لها عدد ...... ولا يحاط بها كمثل أسمائي
إن قلت قلت به أو قال قال بنا ...... تداخل الأمر كالمرئيّ والرائي
العين واحدة والحكم مختلف ...... فانظر به منك في تلويح إيمائي
النور ليس له لون يميزه ...... وبالزجاج له الألوان كالماء
الماء ليس له شكل يقيده ...... إلا الوعاء في تقييده دائي
الداء داء دفين لا علاج له ...... كيف العلاج ودائي عين أدوائي
أروم برءا لداء لا يزايلني ...... هيهات كيف يداوى الداء بالداء
أقول باللام لا بالباء إنّ لنا ...... شخصا ينازعني في القول بالباء


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الباء:
بالذي قلت إنه عين ما بي ...... من سؤال ومنطق وجواب
برّد اليوم عن فؤادي غليلا ...... فقبولي عليه عين انقلابي
بوجودي عرفته وبنفسي ...... فهو منها بنا كحشو إهاب
بان عني فقلت بان حبيبي ...... فأراني في البعد عين اقترابي
بنتم قال لا ولكن جهلنا ...... فلذا ما يقول ما بي وما بي
بالهوى فزتم وشاركتموني ...... في اسم حبيّ والشوق للغياب
بعتم الرشد بالغواية فينا ...... وهو رشد الهداة والأحباب
بدرة أنت بالكمال فما لي ...... قلت بالنقص إنني في حجاب  
بحجابي علمت أني لما ...... جئتكم جئتكم بأمر عجاب
بينوا أمرنا لكل لبيب ...... في كلام إن شئتم أو كتاب


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف التاء:
توليت عنها طاعة حيث ملّت ...... فيا ليت شعري بعدنا هل تولّت
تأملت خلفي هل أرى رسم دارها ...... فقالت ظنوني: لا تخف ما تخلّت
تمت إلينا وهي تهجر ذاتنا ...... فأفنى وجودي عينها فاستقلّت
تغافلت عنها مذ علمت بأنها ...... إذا بنت عنها أنها وجه قبلتي
تعجبت مني ثم منها لعلمها ...... وجهلي لما أن ضللت وضلت
ترى ليت شعري هل ترى العلم حيرة ...... وبالجهل عزّت ثم بالعلم ذلّت
تخاطبها مني سرائر 1 ذاتها ...... فما أنا منها غيرها حيث حلّت
تولت وما بانت وبانت وما مشت ...... لأني معلول لها وهي علتي  
توهمت فيها حين قلت بأنها ...... هي الشرط في كوني وكان لغفلتي
تعاليت يا ذاتي فما ثمّ غيرنا ...... وما هي عيني فاعلموا أصل حيرتي  


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الثاء:
ثلاثة أسماء تكون بينها ...... على ما تراه العين شكل مثلّث
ثوى في جنان راحلا ومودّعا ...... لأمر من الغيب الإلهي يحدث
ثنيت عنان الفكر فيه فلم أصب ...... إلى أن أتاني الروح في الرّوع ينفث  
ثبت له حتى إذا ما انقضى الذي ...... أتاني به عينا فقمت أحدّث
ثناء على اللّه الذي خصّه بما ...... جرى عند نسيان فلم يك ينكث
ثمال لأسماء إلهية بدت ...... بسلطانها فهو الإمام المحدّث
ثقلت بهذا الجسم عن نيل مطلبي ...... مدى هذه الدنيا إلى حين أبعث
ثناني عليه فارحا لا مجاهدا ...... لذا أنا مسموع إذا ما يحدث
ثقيل على الأسماع ما جئتها به ...... وفي الأرض والأفلاك والكلّ محدث
ثمانية حمالة عرش ذاته ...... أنا وصفاتي بل أنا العرش فابحثوا  


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الجيم:
جميل ولا يهوى جليّ ولا يرى ...... لقد حار فيه صاحب الفكر والحجج
جنيت بمصحوب على كل حالة ...... تحيره الأمواج في هذه اللجج  
جرى معه الفكر الصحيح إلى مدى ...... فما غاب عن ثفّ ولا بلغ البثج  
جميع النهى غرقى شهود أو فكرة ...... ففي عينه نفي العقول مع المهج  
جمعت له ذاتي فلم تك غيره ...... فحرت فما أدري ثوى فيّ أم خرج
جرى القدر المحتوم في كلّ كائن ...... بما هو فيه ما عليه به حرج
جزى اللّه عنا من يجازي مسيئنا ...... على سوءه حسنا فأصبح يبتهج
جزاء وفاقا لا اتفاقا وإنهم ...... يقولون بالتوحيد والأمر مزدوج
جنينا عليه بالقبول فأمرنا ...... مريج فعين الكون تبدو إذا مرج  
جماع بأنثى قيل فيها طبيعة ...... تولّد منه كل ما دبّ أو درج


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الحاء:
حمد الإله يقدّس الأرواحا ...... باللام لا بالباء والأشباحا
حمد سرى نحو المهيمن سرّه ...... ليشاهد الأقلام والألواحا  
حياه عند نزوله في لا ولا ...... من شرّف المشكاة والمصباحا
حتى يراقب نشأة ممزوجة ...... ويواصل الإمساء والإصباحا
حرّ عن الأغيار عبد للذي ...... جلى إليه وجهه الوضّاحا
حاذر غوائل مكره في بسطه ...... لا تأمن الرزاق والفتّاحا
حنت إليه ركائب من شوقه ...... منحته فتح الباب والمفتاحا
حاميم يتلوها طواسم رمزه ...... ليسخر الأفلاك والأرواحا 
حاربت من أهواه فيه بأمره ...... لأحصّل الأكساب والأرباحا
حتى أوافي الضدّ صحبة عاشق ...... وأجانب العذال والمنصاحا  


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الخاء:
خبير بما أبدى عليم بما أخفى ...... علي من التفريغ من كرم السخّ  
خفى بما أبداه من نور ذاته ...... عن العقل والأبصار في عالم السلخ
خبرت وجود الكون في كلّ حالة ...... فعاينته قد حاز مرتبة المسخ
خؤونا أمينا صادقا كاذبا وما ...... تقابلت الأحوال إلاّ من الطبخ
خلقت لأمر لا أقوم بحقه ...... وذلك لاستعدادنا حالة النفخ
خصصنا بأسماء الإله عناية ...... وبالصورة المثلى وأكرمت بالنسخ
خصوصية جاءت من اللّه تبتغي ...... كرامة شيخ نالها زمن الشّرخ
خصيص به ذاك المقام لأنه ...... تولّد ما بين العفار إلى المرخ  
خفيف مع الطبع الثقيل إذا مشى ...... يحوز طريق الشاة والفيل والرّخ  
خبيئة صاف كرّم اللّه ذاته ...... بها فله من نورها سورة الدّخ  


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الدال:
دنا وتدلّى عبد ربّ وربه ...... فلما التقينا لم أجد غير واحد
دواما مع الدنيا على كل حالة ...... وفي الساحة الأخرى بأعدل شاهد
دعوت به حتى إذا ما استجاب لي ...... رأيت الصدى يجري فكنت كفاقد
دووا بي عليه كي أرى غير موجدي ...... لذاك أرى بين السّهى والفراقد 
دعاني إليه بالسجود فعندما ...... سجدت له خابت لديه مقاصدي
ولا لك يا هذا حجابك فلتقم ...... بعزة معبود وذلة عابد
دعيت فلما جئت أكرم مجلسي ...... وقال لنا أهلا بأكرم وارد
ومشيت لما قد جاءني من خطابه ...... وأطعمني ذوقا لذيذ المواعد
دوام شهود الذات فيه لمن درى ...... إذا ما ابتلاه اللّه سمّ الأساود 
دع الأمر يجري منه لا منك واتئد ...... تكن في عداد المحصنات الفرائد


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الذال:
ذلّل وجودك لا تكن ذا عزّة ...... حتى تصير نشأتيك جذاذا 
ذنبا عظيما قد أتى وكبيرة ...... من يتخذ غير الإله ملاذا 
ذنب ولا تعد التأخر واتضع ...... إنّ المذنب يثبت الأستاذا
ذابت حشاشته وعمّ بلاؤه ...... لما سقاه وابلا ورذاذا 
ذهبت به أيّامه في غفلة ...... إذ لم تكن عين الثبوت معاذا 
ذهب الذين يشاهدون ذواتهم ...... وتسللوا منه إليه لواذا
ذبّوا إلى العلم الغريب بظاهر ...... لم يبرحوا في ذاتهم أفذاذا
ذكرهم بوجودهم في بهتهم ...... حتى يروه ملجأ وعياذا
ذاك الإمام وما سواه فسوقة ...... فإذا رأوه فيه قالوا ماذا
ذهلوا بمجلاه ولم يك غيرهم ...... ليس القديم مع الحديث يحاذى


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الراء:
رأيت وجود الدور يعطي الدوائر ...... ويعطي وجود الدور فيه الدوائر
رميت بأمر لم ير العقل مثله ...... بما أنا علاّم به أنا حائر
رمى بي وجوه القوم ثم يقول لي ...... رميت وجوه القوم هل أنت ناظر
رأى نظري بالحق ما لم يكن يرى ...... إلاّ أنه الرائي لما هو ساتر
رعى اللّه من يرعاه في كلّ حالة ...... وإن لم يكن ما قلته فهو خاسر
رقيت به حتى ظهرت لمستوى ...... وجودي فقال الكشف ما هو حاضر  
ربابة سهم الذم صيّر ذاتنا ...... ونحن إشارات السّهام الغوائر
ربا بفؤادي عين إيمانه بنا ...... وذلك كفر الكفر ما هو كافر
رأى الأمر من قبل الوقوع لأنه ...... يرى في ثبوت العين ما هو ظاهر
رقيبا عليه غائبا ثم شاهدا ...... فما أنا مقهور ولا السّرّ قاهر  


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الزاي:
زمّلوني زملوني لا تقل ...... إنني الشهر الذي في شهرناز
زبرت شهر الذي قد زبرت ...... كفنا من كلّ حقّ ومجاز
زينة اللّه التي أخرجها ...... قد دعت زينة نفسي للبراز
زجرتها همة علوية ...... في وجوب ومحال وجواز
زينتي يسمع ما أسرده ...... وإليه كان منه الانحياز
زين السوء كذا قال لنا ...... لم يقل زينة للامتياز
زينت أسماؤه حضرته ...... فالذي يحفظه بالعلم فاز
زهرة الروض شذاها عنبر ...... فالذي استنشقها فاز وحاز
زهرة في فلك سابحة ...... من يراها هام فيها ثم جاز
زينب تعرف واللّه الذي ...... قلته في كلّ سهل وعزاز  


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف السين:
سأحرف عن قوم عن الحقّ أعرضوا ...... بنا فهم الأفراد يدعون بالخرس
سرورا بتكوين وعزا بجلوة ...... ليستوحش الأقوام في حالة الأنس
سموا بل علوا إلا قليلا لأنهم ...... تعالوا عن التنزيه في حضرة القدس
سلام على قوم تباهوا بربّهم ...... على كلّ موجود من الجنّ والإنس
سروا وظلام الليل يستر سيرهم ...... إلى أن علوا فوق الإشارة بالكرسي
سرت همة مني على خير مركب ...... من الطبع من عقل نزيه ومن حسّ
سرى نحوه سرّي ليدري حديثه ...... على هيكل قد بيع بالثمن البخس
سباها وأسلاها وجود منزه ...... عن الحدّ بالفصل المقوّم والجنس
سناه مزيل ظلمة العرش والعمى ...... وما كان من أين يقال ومن جنس
سلت بوجود القيد عن نيل مطلق ...... عن الحبس بالتقييد باليوم والأمس


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الشين:
شهدت الذي قد مهد الأرض لي فرشا ...... شهود إمام حاكم حكم العرشا
شغفت به حبا فأسهر مقلتي ...... ومن أجل وجدي رحمة سكن الفرشا
شهودي له بالباء ليس بغيرها ...... لأجل الذي قدّ سنّ أن نغرم الأرشا  
شيوخ من الأقوام فيه لقيتهم ...... فكانوا لنا سقفا وكنت لهم فرشا
شداد أولو أعزم رعاة أيمة ...... تجلى لهم فينا وفي الحية الرقشا
شعارهم التوحيد يبغون قربه ...... به وهو الشرك الذي أثبت الأعشى
شبيه بهم من كان طول حياته ...... وفي البرزخ المعلوم في الليل إذ يغشى   
شمرت عليهم بعد تعظيم قدرهم ...... ولم آمن الهجران منه ولم أخشا
شربت الذي من شربه اللذة التي ...... لشاربه نصّا أتانا به يغشى
شممت له ريحا من المسك عاطرا ...... يخبرني في هذا المقام الذي يغشى


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الصاد:
صادني من كان فكري صاده ... ما له والله عنه من محيص
صابرا في كل سوء وأذى ... في كيان من عموم وخصوص
صرة أودعت قلبي علمها ... في كتاب وسمته بالفصوص
صبرت قهرا وعجزا وأبت ... غيرة منها عليه أن تنوص
صيرته واحدا في دهره ... ثم رامت عنه عزا أن تبوص
صادفت والله في غيرتها ... عين ما جاء به لفظ النصوص
صدقتها فلها النور الذي ... ما له في كونها ذاك الوبيص
صلبت في الدين فانقاد لها ... كل معنى هو في البحث عويص
صلى القلب اشتعالا بعد ما ... كان ذا عزم عليه وحريص
صامت النفس وصلت فلها ... لمعان من سناها وبصيص
صرة أودعت قلبي علمها ...... في كتاب وسمته بالفصوص  
صبرت قهرا وعجزا وأبت ...... غيرة منها عليه أن تنوص  
صيرته واحدا في دهره ...... ثم رامت عنه عزا أن تبوص  
صادفت واللّه في غيرتها ...... عين ما جاء به لفظ النصوص
صدقتها فلها النور الذي ...... ما له في كونها ذاك الوبيص  
صلبت في الدين فانقاد لها ...... كل معنى هو في البحث عويص
صلّى القلب اشتعالا بعد ما ...... كان ذا عزم عليه وحريص
صامت النفس وصلت فلها ...... لمعان من سناها وبصيص


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الضاد:
ضاق صدري لما أتى ...... لوجودي به القضا
ضقت ذرعا بموجدي ...... بعد ما كنت في فضا
ضرري لم يكن سوى ...... عفوه حين غمضا
ضرّني ما به أتى ...... من حديث وأمرضا
ضرر قوله عفا ...... رحمة بي عما مضى
ضمني ضمة فما ...... قلت هذا إلا مضى
ضدّ ذا لو رأيته ...... كنت في الحال معرضا
ضارب الباب جاهل ...... يطلب العفو والرضى
ضرب النحل مخبرا ...... عنه فينا بما قضى
ضرب العلم خيمته ...... ساعة ثم قوّضا


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الطاء:
طابت مطاعم من يحقر قدره ...... فمضى على حكم الوجود وما سطا
طنّب ففي التطنيب إن حققته ...... متوّسّما بسماته كشف الغطا  
طبتم فطاب بك النعيم بحضرة ...... فاحذر من التحريف كن متوسّطا
طوبى له من مالك متملك ...... جوّاب آفاق وعد لا مقسطا
طاعاته مردودة في وجهه ...... لما أطاع وما رأى عين العطا
طاف اللبيب ببيته متدينا ...... متواضعا متهذبا متثبطا
طربت به أيامه لما رأت ...... أن الخليفة في الحكومة أقسطا  
طفئت مصابيح الهدى بهوائه ...... وعلى مطا طرق العماء قد امتطى
طاشت عقول ذوي النّهى من سيره ...... لما أتاه محرّضا ومنشطا  
طهّر ثيابك فالطهور شريعة ...... جاءت بها الأرسال في ضفف الخطا  


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الظاء:
ظلام الليل معتبر ...... لعبد عنده يقظه
ظنوني في منازلها ...... علوم الخلق والحفظه
ظلوم ليس يجهلها ...... إمامق قبله حفظه
ظبا لما حللت به ...... رأيت الحجب في اليقظه  
ظباء كلها شمس ...... إذا علمت بمن حفظه  
ظللت به فأرّقني ...... فلما كنت هو لفظه
ظننت الأمر يشهدني ...... ويشهدني فما حفظه
ظنون ما حصلت بها ...... على ما قال من وعظه
ظبى سيف القضاء أتى ...... إلى المغرور كي يعظه  
ظنين القلب متّهم ...... نؤوم قلبه يقظه


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف العين:
علمت بما في الغيب من كل كائن ...... وما لا فما قلنا وما أدرك السمع
على أنني ما كنت إلا موحّدا ...... بتوحيد فرق ما يخالطه جمع
علا الحقّ في الإدراك عن كلّ حادث ...... وهل يدرك التنزيه ما قيد الطبع
علاه بها عقلا وليس بذاته ...... وليس لمخلوق على حمله وسع 
عبيد وفي التحقيق ربّ كصورة ...... وليس له ضرّ وليس له نفع
عظيم على من أو جليل من أجل من ...... تعالى فلا فطر لديه ولا صدع
عزيز ذليل بائس وهو ذو غنى ...... ولكن عمن إذ هو السيب والمنع
عبدناه بالفقر الذي قام عندنا ...... ولو قام ضدّ الفقر لم ندر ما الصنع
علينا من التقوى رقيب مسلّط ...... نقيّ وقيّ فهو لي الوتر والشفع
علوت عن التنزيه معنى وما علا ...... عن الحكم والتشبيه فليدع من يدعو


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الغين:
غنيّ عن الأكوان بالذات والذي ...... له من سنى الأسماء ما ليس يبلغ  
غوى من له حكم الخلافة في الورى ...... لذا جاء في القرآن حقا سنفرغ  
غريق ببحر والنجاة بعيدة ...... ولولا وجودي لم ير الحقّ يدمغ
غنيّ وإني أكثر الذكر جاهدا ...... فقال أنا عن كلّ ذاك مفرّغ
غنيت به إذ كان كوني وجوده ...... ونشئ به في قالب الطبع يفرغ
غريب تراه العين في أرض غربة ...... من الأهل والمرجوّ منه سيبلغ
غوايتنا ما كانت إلا لحكمة ...... هي الرشد عن أمر أتاه المبلغ
غصصت بريقي بل شرقت بمائه ...... ويا عجبا وهو الحياة فبلغوا
غرار حسام الموت والحكم فيصل ...... لسان فصيح النطق ما هو ألثغ
غمام جوى إتيان حقّ بمحشر ...... وأرواح أملاك فقولوا وسوّغوا


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الفاء:
فررت إلى ربي كموسى ولم يكن ...... فراري عن خوف عناية مصطفى
فنوديت من تبغي فقلت: وصال من ...... دعاني إليه قبل والرسم قد عفا 3
فما هو مطموس وما هو واضح ...... وطالبه بالنفس منه على شفا
فلو كان معلوما لكان مميّزا ...... ولو كان مجهولا لما كان منصفا
فيا ليت شعري هل أراه كما أرى ...... وجودي ومن يرجو غنيّا قد أنصفا
فقال لسان الحال يخبر أنني ...... غلطت ولا واللّه جئت معنفا 4
فبادرني في الحال من غير مقصدي ...... أيا حادبي عندي ببابي توقفا
فإني بحكم العين لست مخيرا ...... ولو كنت مختارا لما سمعوا قفا
فنيت به عني فأدرك ناظري ...... وجودي وغيري لو يكون تأسفا  
فما ثمّ إلا ما رأيت ومن يرم ...... سوى ما رأينا فهو شخص تعسفا
فرام أمورا عقله حاكم بها ...... وما أثبت البرهان فالكشف قد نفى  


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف القاف:
قرأت كتاب الحقّ بالحقّ مفهما ...... فلم أر مشهودا سوى ألسن الخلق  
قلقت فلما أن سمعت معلمي ...... تسمّى بما للخلق عدت إلى الحقّ
قريبا بما عندي من الحال بائنا ...... بعيدا بما عندي من العلم والخلق
قد أفلح من زكّى حقيقة نفسه ...... وقد خاب من دساها في عالم الرتق  
قدرت على كوني بعلمي بفاطري ...... ولولا وجود الرتق لم أحظ بالفتق  
قليل ترى من كان رتقا منضدا ...... يحوز بميدان النهى قصب السبق
قتيل بسيف الوهم من كان ذا فكر ...... وأين شهود الصفو من مشهد الرنق  
قصدت بصدقي أن أفوز بخالقي ...... فناداني المطلوب لا قرب في الصدق
قنعت بما قد جاءني في بداية ...... أيقنع بالتكليم من كان ذا عشق  
قبضت على ما قاله لا حجه ...... فيا ليت شعري هل يرى الحق في الحق


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الكاف:
كبرت بملك الملك إذ كان من ملكي ...... أسخره من غير مين ولا إفك  
كتصريفه بالحال غيبا وشاهدا ...... وبالأمر حقا لست من ذاك في شك  
كياني كيان الحق إذ كنت ذا حجى ...... وفهم وإني ما برحت من الملك
كما لي في فقري ونقصي تملكي ...... فحالي ما بين التملك والملك
كلام كمثل الروض عطره الندى ...... وكاللؤلؤ المنثور نظم في سلك
كلام له التأثير في كلّ قابل ...... فيضحك وقتا للتلاحين أو يبكي
كما نمّ أزهار الرياض حروفه ...... فتشكو من التالي له وهو لا يشكي
كتاب حكيم من حكيم منزل ...... أكون به في الرحب وقتا وفي ضنك  
كساني نحولا نثره ونظامه ...... فجسمي مما نالني منه في السبك
كتبت إليه أشتكي ما يصيبني ...... كما كان يشكو الناس من صاحب النبك


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف اللام:
للّه درّ رجال ما لهم دول ...... وهم يقيمون ما في الدهر من دول
لهم عنت أوجه الأملاك ساجدة ...... وما لهم أرب في علة العلل  
لأنهم عينه ومن يكون على ...... ما قلته فله التصريف في الملل
لما تفكرت فيما اختص بي وبهم ...... رأيتهم عين نفس الحقّ في الأزل  
لقد رأيتهم والعين تصحبهم ...... على محجتهم في أقوم السّبل
لبيتهم حين نادوني على كثب ...... أنا المشرع ما في الكون من نحل
لو كان لي غرض في نسخ ما شرعوا ...... لما عجزت ولكن حكم ذلك لي
لي كل ما شئت أخفيه وأظهره ...... من العماء إلى الأركان في السفل
لدورتي أوجد الأدوار في أكر ...... من الهلال إلى البيضا إلى زحل  
لعبت بالدهر دهري في تصرّفه ...... ولو تصرّف غيري كان ذا ملل


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الميم:
مرادي مراد الطالبين أولي النهى ...... وحالهم حالي وعلمهم علمي  
مكانتهم مني مكانة باطني ...... من الجسد المشهود في عالم الرسم
مكان وإمكان وإخوان راحة ...... هو الغرض المطلوب عند ذوي الفهم
مراتبهم علوية يشهدونها ...... فويق استواء الأمر في العدل والحكم
مناط الثريا كان ايمنهم بنا ...... وأيسرهم إكليلها وهو من كمي
مشيت على مثليّ بيضا نقية ...... بقومي فلم أجهل وما جرت في زعمي
مقامي مقامي حيث لا أين وانتهت ...... مقالتهم فينا وجرّدت عن جسمي
مضى زمن كان التأسي برأسهم ...... لأن شهود العين حيرهم في اسمي  
مقابل من تعنو له أوجه العلى ...... أنا ولهذا لم أزل ناقص القسم  
مرامهم كوني ومرماه غائب ...... عن الفكر والتحديد بالعقل والوهم


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف النون:
نهاني ودادي أن أبث سرائري ...... إلى أحد غيري فمت بكتماني
نبابي زمان عز عندي وجوده ...... وقد كان مشهودي لمشهد إحساني
نزلت إلى الأمر الدني وكان لي ...... علوّ الذي أعلى الإله به شاني
نروم أمورا من زمان محكم ...... بتضعيف آرائي وتحليل أركاني
نرى فيه ربي عين دهري وموجدي ...... بتوحيد إسلام عميم وأيمان
نموت ونحيى حكم دهري بنشأتي ...... ولم آت فيما قلت فيه ببهتان
نسميه بالدهر العظيم لأنه ...... به قد تسمى لي بأوضح تبيان
نمتّ إليه بالوداد فعله ...... يجود على أهل الوجود بطوفان
نعيش به لما تألم باطني ...... بما أشعل التبريح من نار تركاني  
نحت نحوه سبحانه من وجودنا ...... خواطر إيماء بتقويض بنيان


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الهاء:
هوية الحق أسراري وأعضائي ...... فليس في الكون موجود سوى اللّه
هذا الذي قلته الشرع جاء به ...... من عنده معلما وحيا من الباه
هو الوجود الذي جلّت عوارفه ...... ستور أغطية عنه بأشباه
ها إنّ ذي عبرة إن كنت معتبرا ...... ظهرت فيها بحكم المال والجاه
هي التي عين التوحيد مشهدها ...... فلا تقل عند ما تبدو لنا ما هي
هي ليس يدركها عين سواها ولا ...... تقول أهل النهى في مطلب ما هي  
هب أنه عين ذاتي كيف أفصله ...... عني ولست بما قد قلت بالساهي
هنّيت يا طالب التحقيق من قدم ...... صدق بما حزته من عين أنباه
هناك معطى وجود الكون من عدم ...... في عين حدّ وفي ساه وفي لاهي
هو الذي حيّر الألباب واعتمدت ...... على براهينها من كلّ أوّاه


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الواو:
وددت بأني ما علوت كما علوا ...... عليه وإني ما دنوت كما دنوا
وعطلت ما عندي بما عندهم وما ...... حصلت على ما حصلوه وما دروا
وانهم في كلّ حال ومشهد ...... على حكم ما ظنوه فيه وما نووا
وليتهم لو قدّموه وثابروا ...... عليه تدلوا في النزول وما علوا
ولكنهم لما تحقق جودهم ...... وجودهم هدّوا قواعد ما بنوا
وما ذاك إلا أنّ في الصدق ثلمة ...... تخوّنهم فيما رأوه وما رووا
وليتهم لما تحقق كونهم ...... لديهم وما اهتموا لذاك وما بلوا
ولو كان غير الكون كوّن كونهم ...... لما ابتاع أضداد الهوى ولما شروا
ودادك مطلوبي وحبك مذهبي ...... وعشقك صفو العيش هذا إذا صفوا
وصيتهم حبل الإله تمسكوا ...... به وتدانوا منهم عند ما خلوا


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف اللام ألف:
لا تتخذ غير الإله وكيلا ...... ولتتخذ نحو الإله سبيلا
لا تنه عن أمر وأنت تريده ...... واعكف عليه بكرة وأصيلا
لا غرو انك إن عملت بنصّ ما ...... أخبرتكم أرشدت أقوم قيلا
لا تبتغي عنه فإنك عينه ...... ولذاك أودع حكمه التنزيلا
لا تعصين أهل الحجاب فإنهم ...... قد أحكموا الإجمال والتفصيلا  
لاذوا بأحمى جابر وأعزه ...... وبذاك نالوا الفضل والتفضيلا
لاثوا العمائم فوق أرؤسهم وما ...... ستروا بها قرطا ولا إكليلا
لاكوا بألسنة حديث متيم ...... يشكو الغليل ويكثر التعليلا
لا بارك الرحمن فيهم إنهم ...... قد بدّلوا فرقانه تبديلا
لا نصّ أجلى من نصوص كتابه ...... قد رتلته رسله ترتيلا


وقال الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي في حرف الياء:
يلبي نداء الحقّ من كان داعيا ...... جزاء لما يدعو أجاب المناديا
يقول تذكر ما أتى في خطابه ...... وما أودع اللّه السنين الخواليا
يرى حضرة لم تشهد العين مثلها ...... يناديه أيّاما بها ولياليا
يؤمل أمرا لم يزل قائلا به ...... من اللّه لم يدعو له اللّه داعيا
يحيى فيحيى من يشاء بنطقه ...... لذاك تراه في المحاريب تاليا  
يمين له مدّت لبيعة مالك ...... هو العبد إلا أنه كان واليا
يوليه أمر الكون فهو خليفته ...... وإقليده التقليد إن كنت واعيا
ينزله في الأرض عبدا مسوّدا ...... سؤوسا عليما بالأمور وراعيا
يكسر أصنام النفوس بعزمه ...... من الهمة العليا خفيّا وخافيا
يناديه من ولاه أنت خليفتي ...... على الكل مهديّ المقام وهاديا


* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:54 pm

قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات 
من حرف الهمزة : 
لا شيء غير اللّه والأشياء * معدومة فعل لمن يشاء 
والفعل أمر عدميّ ما له * بغير من يفعله انجلاء 
فالظاهر اللّه لهم بفعله * والفعل معدوم له الخفاء 
والحقّ أصل وبعلمه بدا * وسائر الخلق له الأفياء 
والفيء معدوم الوجود ظاهر * له إلى شاخصه انتماء 
والشاخص العلم القديم خلفه * نور وجود الذّات والضياء 
قال ألم تر إلى ربّك كي * ف قال مدّ الظلّ حين جاؤوا « 1 » 
وهو المحيط ربّنا بكلّ ما * في الكون وهو المنعم المعطاء 
وفي الحديث سبعة يظلّهم * في ظلّه فهو لهم غطاء « 2 » 
...............................................................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة الفرقان الآية ( 45 ) : أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا . 
( 2 ) في هذا البيت والذي يليه إشارة إلى الحديث الشريف : « سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظل إلا ظلّه : إمام عادل . . . » . أخرجه البخاري في الصحيح 1 / 168 ، 2 / 138 ، 8 / 126 ) ، ومسلم في الصحيح ( الزكاة ب 3 رقم 91 ) ، والترمذي في ( السنن 2391 ) ، والنسائي في ( السنن 8 / 222 ) ، وأحمد بن حنبل في ( المسند 2 / 439 ) ، وابن عبد البر في ( التمهيد 2 / 280 ، 281 ) ، وابن خزيمة في ( الصحيح 358 ) ، والبغوي في ( شرح السّنّة 2 / 354 ) ، والمنذري في ( الترغيب والترهيب 1 / 217 ) ، وابن حجر في ( فتح الباري 2 / 143 ، 12 / 112 ) ، وابن المبارك في ( الزهد 473 ) ، والزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين 4 / 112 ، 5 / 7 ، 6 / 175 ، 9 / 214 ) ، وابن حجر في ( تلخيص الحبير 3 / 115 ) ، والتبريزي في ( مشكاة المصابيح 701 ) ، وابن الجوزي في ( زاد المسير 1 / 325 ) ، وابن عبد البر في ( تجريد التمهيد 48 ) ، والربيع بن حبيب في ( المسند 1 / 15 ، 53 ، 69 ) ، والبيهقي في ( الأسماء والصفات 371 ) ، وابن كثير في ( التفسير 1 / 477 ، 4 / 313 ) ، - 

634 
وذاك في يوم ظهوره لهم * لا ظلّ إلّا ظلّه المشاء 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
صحّ قولي أنّ السماع دواء * لجميع الأمراض فيه شفاء 
لكن النّفع عند أصحاب ذوق * وطباع سليمة لا جفاء 
ينشط المرء من عقال إذا ما * صرخ الناي حيث راق الغناء 
فاستمع يا نديم إن كنت مثلي * مطلق الحال ليس فيه خفاء 
وتنصت للدّف والعود لما * يتوالى عليهما الإطراء « 1 » 
والذي يلتهي بذلك غرّ * ليس يدري ما ذلك الإيحاء 
هو سرّ يبدو من الغيب جهر * لقلوب الرجال فيه انتشاء 
يسكر العقل بالذي منه يبدو * فتفيض العلوم والأنباء 
إنّ علم الإله يملأ قلبا * فارغا عنه زالت الأشياء 
وهو قلب للعارفين صحيح * صقلته عناية واهتداء 
ملأ اللّه منه كلّ البرايا * والبرايا قد عمّهنّ الفناء 
عدم كلّه وربّي وجود * هم له العرش فوقه الاستواء 
فيتجلّى بنا ونحن شهود * باطل نحن كلّنا وانمحاء 
لكن القدرة القديمة أبدت * لانتفاء لنا وفيها البقاء 
منه لطف ورحمة شملتنا * وعطاء ورأفة واعتناء 
دار كأس السّماع منه علينا * فيه للكشف والتجلّي احتواء 
فإذا دندن الرّباب أجابت * نغمة الدّفّ فاستقرّ العناء 
وصريخ النايات قد شاكلتها * نقرات للطبل فيها الهناء 
قم تأمّل وزد بربّك علما * ما له في علومهم أكفاء 
كلّ علم مما سوى اللّه جهل * فتنت في الورى به الجهلاء 
غير علم الإله ما هو علم * إنّما الظنّ ذاك والادّعاء 
ولهذا ترى التكبّر فيمن * علمه الكون وهو شيء هباء 
...................................................
- والعراقي في ( المغني عن حمل الأسفار 1 / 296 ، 2 / 157 ، 3 / 101 ، 287 ) ، وابن عساكر في ( تهذيب تاريخ دمشق 1 / 452 ، 6 / 250 ) ، والخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد 12 / 239 ) . 
( 1 ) أطراه إطراء : أحسن الثناء عليه أو بالغ في مدحه أو مدحه بأحسن ما فيه . 

635
والذي يعرف الإله تراه * دام فيه تواضع وانحناء 
حاصل الأمر كلّه ليس غير ال * علم باللّه أهله العلماء 
هكذا جاءنا الكتاب وجاءت * سنّة المصطفى وتمّ الوفاء 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
تستّر السّرّ بإفشائه * كالموج منسوب إلى مائه 
ليس كلام القوم رمزا ولا * إشارة منهم بإيمائه 
وهو صريح عندهم ظاهر * من ألف الخطّ إلى يائه 
طبق اصطلاحات لهم كلّ من * يعرفها فاز بأنبائه 
كالنّحو والصّرف اصطلاح لهم * يدري به حذّاق أبنائه 
فخالطوا القوم ولا تنكروا * تدروا دواء الشّخص من دائه 
وعاشروهم تعرفوهم ولا * تبغوا يفز ميت بإحيائه 
فإنّ أهل اللّه نور ولن * يرى امرؤ نورا بظلمائه 
وسلّموا الأمر إلى أهله * من يبتلى يدري ببلوائه 
وهم أناس شغلهم ربّهم * عقولهم سكرى بصهبائه 
من يعرف اللّه فذاك الذي * يعرفهم قاموا بأسمائه 
ومن يعاشر عاشقا يدره * في كتمه السرّ وإبدائه 
لا يعرف الأشواق إلّا الذي * كابدها في ضمن أحشائه 
وكلّ قوم عندهم ذو هدى * وذو ضلال حكم إجرائه 
زين لهم هذا وشين لهم * هذا فخذ كلّا بأجزائه 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الباء : 
نحن المراتب بالوجود مرتّبه * أزلا وما أقصى الوجود وأقربه 
إذ لا سواه وما سواه جميعه * إلّا الشؤون له به متغلبه 
هي هكذا أزلا لنا من غير ما * جعل له والجعل منه له هبه 
والجعل فيض وجوده ووجوده * ما فاض لكن للتوهم مرتبه 
إنّ الوجود عن المواد مجرّد * وله المواد تقدّرت مترتبه 
وهو الذي يبدو بها وهي التي * تبدو به موجودة متقلبه 
توحيدنا تمييزه عنها به * وإذا تميّز فهي عنه مغيبه 

636
نزّهه عن كلّ الشؤون مشبّها * وانف التشبّه فالتّنزه لا شبه 
هو في الشؤون مشبه ومنزّه * دون الشؤون وذاته مستغربه 
كن في الوجود محققا وأحيا به * إنّ الوجود به الحياة الطيّبه 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
يخاطب كلّا في المناجاة صاحبه * ويفقد كلّ عنده من يخاطبه 
كلانا وجود واحد فهي تارة * وإنّي طورا والجميع مراتبه 
ويا ليت شعري إن يكن هو حاضرا * فمن ذا أنا حتّى أكون أقاربه 
ومن هو عندي إن حشرت به أنا * ولكنها جلت عليّ مواهبه 
هو الحقّ والنور الذي هو للورى * مداد به قد خطّهم فيه كاتبه 
فلا حرف إلّا وهو فيه محقق * تضيء بشمس الذات منه غياهبه 
رعى اللّه قوما لا يرون له سوى * لرؤيتهم أن ليس شيء يناسبه 
تبدّى فأخفاهم فكان مخاطبا * سرائر غيب واسمهنّ حبائبه 
يناجي فلا يلقى سواه مجاوبا * فيكثر منه الشّوق إذ شطّ غائبه 
فطورا يناديهم حبائب حضرتي * وهم عدم ما منهمو من يجاوبه 
وطورا عليهم يكثر الجود والعطا * فيثبت فيهم حبّه ويواظبه 
ألا يا ابن علمي إنني أنت بل أنا * هو الكون معروفاته وغرائبه 
أنا مفرد والكلّ جمعي فإنه * على غير لفظي جاء بالأمر واهبه 
كما جمعوا خلدا بلفظ مباعد * وما فيه حرف منه يدريه طالبه 
سوى حرف دال بالدلالة مشعر * عليه إليه منه جدّت ركائبه 
وبالاعتبار الفرق وهي مراتب * لواحد أعداد تأنّت مذاهبه 
أنا الفلك في بحر الإرادة سائر * أنا الفلك الدوّار تبدو كواكبه 
قطعت إليه الكون أومض برقه * فيافيه لي مطويّة وسباسبه 
وقلبي بغيب الغيب في معرك السّوى * تجرّد عن تلك الغموض قواضبه 
إلى أن بدت ذات الوجود فأفرغت * على مقتضى الاسم المريد قوالبه 
وعاد كثيرا ليس يحصى وواحدا * فقلنا تعالى اللّه قد جلّ جانبه 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
يا راحم الشيب في شيبه * ويا كثير الفيض من سيبه 
بعتك نفسي فترفّق بها * من يشتري العبد على عيبه 

637
إنّ ذنوبي عظمت كثرة * فأوقعت قلبي في ريبه « 1 » 
وقد خفي عبدك عن نفسه * يا من هو الظاهر في غيبه 
فاكشف له عنك وكن عونه * في عجزه هذا وفي شيبه 
أخرج يدا بيضاء فاسلك بها * للعبد يا مولاي في جيبه 
ولا تكله للسّوى إنه * يرى السّوى دونك في صيبه 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
خادم اللّه يخدم العزّ بابه * وتودّ العلى تمسّ ركابه 
وله من رضى الإله وشاح * وعليه شهامة ومهابه 
والسعيد السعيد من شملته * نظرة منه أو حباه خطابه 
لك طوبى إن كنت يوما تراه * راضيا عنك قد أحاط حجابه 
وإذا كان ساخطا قل سريعا * إنما اللّه ساخط فتشابه 

ومنه قوله رضي اللّه عنه في جواب أبيات وردت عليه من رجل اسمه حسن وفيها مؤاخذات لفساد في حال ناظمها : 
لنا أتت منك أبيات محسنة * حتى كأنّ اسمك المعروف حلّ بها 
لسانها الرّطب بالتوحيد مشتغل * وقلبها لم يزل في اللّه منتبها 
وكلّ ما جمعته رونق وصفا * وكلّ ما قد حوته بهجة وبها 
سوى مقالك أنّ الكلّ ذلك هو * فإنّ معناه صعب الفهم فانتبها 
وابسط جوابك في معناه منبسطا * فإنه لم يزل في الخلق مشتبها 
وإنما كن كلام اللّه في أزل * قديمة ليس بالإيجاد قرّبها 
وقلت بالفرق بين الرتبتين فلا * عبد كرب ولا بالعكس رتبها 
فكيف قولك إنّ الكلّ ذلك هو * فقد تناقض منك القول واشتبها 
مني السّلام على أهل الهدى أبدا * ما ذاقت الرّوح بالإحسان مشربها 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
كلّ شيء لا يرى الرّحمن به * فهو أحزان لقلب المنتبه 
إنه في كلّ شيء ظاهر * عند من يعرفه لا يشتبه 
................................................
( 1 ) الريبة : الظن ، والشك والتهمة ( ج ) ريب . 

638
ثق به في كلّ حال لا تكن * واثقا بالغير لا غير انتبه 
وتكلّف في السّوى رؤيته * وتحقّق منك ذي الرؤية به 
وبه كنه وجودا مطلقا * عن قيود تكن الشّهم النبه 

وقال رضي اللّه عنه في حرف التاء : 
شرّف ناسوتي بلاهوته * من جلّ عن نعتي ومنعوته 
محجب خلف سجوف الورى * صدى الفتى ينبيك عن صوته « 1 » 
عنه به الأفكار مشغولة * تحصيلها دلّ على فوته 
وكلّ من قد مات في حبّه * أدرك ما يرجوه في موته 
ومنه قوله رضي اللّه عنه في كتابه الفتح المدني في النفس اليمني : 
للزاي في شأن الخلافة زينة * زالت بها في العين تقديراتها 
فهي النبوّة لا ولا ونعم نعم * والذات قد سترت بحكم صفاتها 
زبر الكتاب حروفه ومرادهم * معنى الحروف بسرّ تركيباتها 
ولنور هذا الحرف أفلاك بها * تجري كواكبه على حركاتها 
وهو الذي ثبتت به صور الملا * حسب الذي قبلت بكيفياتها 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
أنا عبد الغنيّ أي عبد ذات اللّه من حيث ما علا من صفاته 
حكم أنّ اللّه استمع لغنيّ * أي عن العالمين يعني بذاته 
حيث في العالمين أي كلّ نوع * من سوى ذاته كمصنوعاته 
دخلت جملة الصّفات بوجه * دون وجه كالوجه في مراته 
وإذا كنت هكذا فتأمل * من أنا يا أنا أسير أداته 
إنما اللّه اسم ذات بجمع * لجميع الأسماء نقل رواته 
فهما مثل واحد أحد في * صحة الحمل بعد تحقيقاته 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
أنا لا أدري كنه ذاته * مع أني من صفاته 
لا بل الحقّ هو الدا * ري بما منه لذاته 
.....................................................
( 1 ) السجوف : ( ج ) السّجف : أحد السترين المقرونين بينهما فرجة . 

639
وأنا المعدوم أصلا * ووجودي بالتفاته 
حضرة كالمسك طيبا * وأنا من نفحاته 
وإذا ما كان روضا * كنت أعلى شجراته 
أو بدا غصنا رطيبا * أنا أزهى زهراته 
أنا محبوبي مليح * سكرتي من غمزاته 
أعشق الورد لما يظ * هر لي من وجناته 
وأحبّ الظبي إذا أش * بهه في لحظاته 
وافتتاني زاد بالغص * ن لمعنى ميلاته 
وإذا أعرض عني * أنا ميت وحياته 
أيّها الغرّ تنبّه * لحبيبي وهباته 
لا تقل هذا هو الظا * هر في عين عداته 
إنهم عنه لمحجو * بون هم في دركاته 
وهو الظاهر لكن * عندنا في درجاته 
إن ترم كأسا فخذه * عنه من أيدي سقاته 
وإذا حاولت أمر ال * قلب في شأن نجاته 
نبّه القلب بمن أن * شاه من غفلاته 
وتناوله كتابا * لك وافهمه وواته 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
صلاتي إليها بل إليّ صلاتها * ومنها إليها واصلات صلاتها 
وبالحصر في القرآن جاء هو الذي * يصلّي عليكم ثمّ جاءت هداتها « 1 » 
ملائكة بالعطف بالواو بعده * هي الكلّ زالت بالتجلّي سماتها 
ونحن الأولى بالوهم قامت شخوصنا * وذا الوهم ما تعطى لنا ظلماتها 
وإخراجنا للنور منها محقق * وما النور إلّا ما روته رواتها 
أكبرها عني ومني تكبّرت * عليّ وجادت بالتواضع ذاتها 
له وحدة ما مثلها وحدة وقد * عجبت لذات كثرتها صفاتها 
صعدنا إليها وهو كان نزولها * إلينا فمنّا سميت سجداتها 
.....................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى سورة الأحزاب الآية ( 43 ) : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ . 

640
وإن زاد قربا عبدها وهو ساجد * فما ذاك إلّا أن نفاه ثباتها 
دنت فتدلّت فالتقى النور والدّجى * إذا عربدت سكرا عليها صحاتها 
لنا الحكم فيها باطنا وهي ظاهرا * لها الحكم فينا حققته قضاتها 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الثاء : 
واحد وهو في الظهور ثلاثة * قد وجدنا من الجميع انبعاثه 
ذات جبريل وصف دحية حاكت * فبدا وجهه بحسن الدّماثه 
فافهموا هذه الثلاثة منكم * واعرفوها وحقّقوا للوراثه 
يا بني هذه العصابة كونوا * حلس بيتي تمهدون أثاثه « 1 » 
واعلموا أنكم ذكور التجلّي * وسواكم لما يزالوا إناثه 
وترقّوا بعلمنا أوج قرب * لا يدانى وحققوا أبحاثه 
خبر العشق أنني مبتداه * فاسمعوا بي انتشاره وانبثاثه 
وكرغيب الغيوب يأويه قلبي * صرت نسرا به وكنت بغاثه « 2 » 
وبه عاش كلّ ميت فألقى * من تماثيل كونه أجداثه « 3 » 
كم أنادي به وقد صرت شيخا * يا زمان الصبى وعصر الحداثة 
علقتنا به الصّفات عليه * فظهرنا قروطه ورعاثه « 4 » 
عدم كلّنا وذاك وجود * مسكه فاح مخمدا أرواثه « 5 » 
ماؤه الدّقيق منّا عجين * واحد وهي خلطة وعلاثه « 6 » 
.......................................................
( 1 ) الحلس : ما يبسط في البيت من حصير ونحوه تحت السّجاد وكريم المتاع. يقال : هو حلس بيته ؛ أي : لا يبرحه. 
( 2 ) البغاث : طائر أغبر أصغر من الرّخم بطيء الطيران . والبغاث من الطير : ما لا يصيد ولا يرغب في صيده ، لأنه لا يؤكل . ( ج ) بغثان . 
( 3 ) الأجداث : ( ج ) الجدث : القبر . 
( 4 ) القروط : ( ج ) القرط : حلية تعلق في شحمة الأذن . الرّعاث : ( ج ) الرّعثة : ما علّق بالأذن من قرط ونحوه . أو هي زائدة لحمية تكون على رأس بعض الطيور أو على عنقها ، أو على منقارها . 
( 5 ) الأرواث : ( ج ) الرّوث : خرء ذوات الحافر . 
( 6 ) العلاثة : كل شيئين خلطا فهما علاثة . ومنه اشتق علاثة : اسم رجل ، وهو الذي يجمع من ههنا وههنا وقد علث. وقيل : العلاثة : الأقط المخلوط بالسمن، أو الزيت المخلوط بالأقط. (لسان العرب 2 / 169 مادة : علث). 

641
وقال أيضا من الموشح في حرف القاف : 
" دور " 
نور وجه الحبّ أشرق * وجميع الكون أطرق 
ويح من ولى وأفرق * عنه والبارق أبرق 
" دور " 
هذه كأس الحميّا * تنجلي منها عليّا 
هيّا يا ندمان هيّا * فاشربوا الصرف المروّق 
" دور " 
أهيف حلو الشمائل * عطفه كالغصن مائل 
قام يسعى في غلائل * مهجة العشاق أحرق 
" دور " 
لا تقل زيد وعمرو * لا ولا شمس وبدر 
هو ربّ منه قهر * لبس الثوب المزوّق 
" دور " 
وعلى طه صلاتي * وسلامي يا ثقاتي 
للغني عبد مواتي * في بحار العلم يغرق 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
بستاننا في أراضي النّيربين سقى * رياضك الغيث منهلا ومندفقا " 1 " 
يا سعد أيامنا فيه وقد عبقت * روائح الزّهر تحكي العنبر العبقا 
والوقت صاف وما في صفوه كدر * ونال قلبي مقام القرب مستبقا 
هي الشخوص تقادير الوجود بدت * في نوره باطل بالحقّ قد زهقا 
ونحن فيه بأنس القرب ليس لنا * من وحشة مثل معشوق ومن عشقا 
قامت معارجنا فيه على درج * من التجلّي الإلهي جلّ من رزقا 
والوجه يشرق من خلف الحوادث لي * بفيض علم مبين فيه سرّ بقا 
اللّه أكبر هذا كلّه أثر * مقدّر عدم فيه الوجود رقا 
وجود حقّ إذا أكوانه رمقت * في وجهه الحقّ لم يترك لها رمقا 
...........................................................
( 1 ) النيربان : قرية كانت قرب دمشق تكثر فيها البساتين . 

642
وإن بدا خفيت في نوره وإذا * بدت ففيها اختفى لا تدرك الشّفقا 
لا تستطيع له الأكوان تحضر مع * حضوره إذ هما ضدّان ما اتفقا 
لولا تحلّيه بالأفعال ما عقلت * عقولنا أنه الحقّ الذي خلقا 
لكنّنا نتراآه بأعيننا * من خلف تقديره المعدوم وقت لقا 
كم أمّة قبلنا كانت تشاهده * من غير علم به عن قيدها انطلقا 
لو أنهم بفنا أكوانهم علموا * لعاينوا وجهها المكشوف قد برقا 
لكنها أغفلتهم عن محاسنها * فأبصروا سترها الفاني الذي انمحقا 
ولم يزالوا على ما هم عليه إلى * أن تمّ تقديره ذاك الذي سبقا 

ومنه قوله رضي اللّه عنه من المواليا : 
قوموا بنا يا جماعه نعشق الساقي * أما تروه سقانا خمرة الباقي 
بالقرب منه له قد زادت اشواقي * والتفّت الساق فينا منه بالساق 

ومنه أيضا : 
من حيّنا جاءنا طيب الهوى ناشق * والحسن في قلبه سهم الهوى راشق 
ومن تعب في لقانا صار كالباشق * قولوا له مصر لا تبعد على عاشق 

ومنه أيضا : 
مسكين يلمع له في الكون برق الحقّ * فيفتتن وهو عاشق وهو حرّ رقّ 
لو يعرف الباب ما شيء عليه شقّ * هو الفنا في الوجود المنكشف مشتقّ 

ومنه أيضا : 
لذة العيش تجعل المرّ حلوا * حيث فيه انقلاب عين الحقائق 
فترى العاشق الذي هو فاني * في هوى من يحبّ نافي العلائق 
نفسه عين نفس من هو يهوى * ويرى ما يراه من كلّ لائق 
فإذا ما رأى المحبّ عذابا * كان حلوا عند المحبين رائق 
يستلذون بالعذاب وهذا * ليس يدريه غير أهل الرقائق 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الكاف : 
وجدت كنزا هنا هو البركة * أنفق منه في مدّة الحركة 
ينمو ويزداد ليس يحوجني * إلى اتجار ولا إلى شركه 

643
كان عليه من السّوى رصد * فانفكّ عنه وزالت اللّبكه 
وهو بقلبي توكّل ورضى * عنه وفيه الأمور محتبكه 
وإنه الكنز فهو لي أبدا * يحفظني عنده من الهلكة 
وبحره كلّما غطست به * أخرج منه وفي فمي سمكه 
وصنعة الكيمياء أعرفها * شكر الذي قد أدار لي فلكه 
يزيدني كلّما شكرت له * والشّكر نفسي بذاك منهمكه 
فالشّكر لي صنعة أعيش بها * وهو طريقي يا فوز من سلكه 
كم نعمة لي سبيكة ظهرت * من شكر فيض الإله منسبكه 
فالشّكر بحر إذا مددت يدي * أصيد ما شئته بلا شبكه " 1 " 
والكيميا صنعتي وتلك هي ال * شّكر وذو الحال حاله هتكه 
وحاصل الأمر أنني رجل * وجدت كنزا هنا هو البركة 

ومنه قوله مواليا : 
إلى متى أنت غافل يا أسير الملك * اخرج إلى ملكوتك فالنفوس الهلك 
إياك بالغير تغرق في البحار الحلك * وجه الحبيب إن بدا يخرق عليك الفلك 

ومنه قوله مواليا : 
يا دار ريّا أدام اللّه ريّاكي * لمن عطش في الهوى من شمّ رياكي 
وحقّ من في خفايا الغيب علّاكي * ريّا الأزل حجبت عن قلب علاكي 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
ربّنا من لطفه لا يدرك * حار من وحّده والمشرك 
أوّل الخلق له الرّوح وقل * نفس الرّحمن عن أمر يك 
مثل لمح البصر الأمر بدت * روحنا عنه به تنسبك 
فاعلموها علم ذوق تعرفوا * ربّكم إن رمتمو أن تسلكوا 
وابتدأ كلّ كثيف هي من * لطف باريها كثيف درمك 
ولهذا الرّوح لا تدركه * هل كثيف للطيف يدرك 
إنّما تشهده بفعلها * وهو فيها ظاهر مشتبك 
.................................................
( 1 ) الشكر ( انظر حديث القشيري عنه برسالته ص 173 - 178 ) . 

644
جلّ عنها وتعالى عدم * في وجود قطّ لا يحتبك 
صور يجلى بها خالقنا * فنراه جلّ من لا يترك 
كلّ عقل عاجز بالطبع عن * دركه حاروا به والتبكوا 
لن ينالوه بتقواهم وإن * زاد منهم صدقهم والنّسك 
يا أخا العرفان هذا قمر * في سماء الغيب هذا ملك 
وهو روح سابح في بحره * مثل ما يسبح فيه السمك 
ثمّ عنه صدرت كلّ الورى * والسماوات العلى والفلك 
ونجوم سبحت في أفقها * ولها في كلّ آن حبك 
والنهارات المضيئات التي * إن مضت تأتي الليالي الحلك 
واختلاف الناس في أحوالهم * ناشئ عنها نجوا أو هلكوا 
والعقول المستمدّات بها * لاقتناص الغيب هنّ الشبك 
كلّ هذا واحد في نفسه * وكثير سالموا أو فتكوا 
وهو روح وهو نور المصطفى * خلقوا منه فلا ترتبكوا 

وقال رضي اللّه عنه من الموشح في حرف اللام : 
" دور " 
إنّ الوجود استعملا * في غير ما هو له 
إذ لا وجود للملا * ولا لشيء قبله 
فهو المجاز أرسلا * فافهم وحقّق نقله 
عزّ الوجود وعلا * فلست تلقى مثله 
" دور " 
لا بدّ للمجاز من * علاقة وهي السبب 
وذاك سرّ مكتمن * عارفه يرى العجب 
لولا الوجود قد ضمن * إظهار ذا الكون احتجب 
فالكون للكون انجلى * به ونال فضله 
" دور " 
وجودنا الذي به * نحن وجدنا ربّنا 
يلوح للمنتبه * فيمتلي به الأنا 

645
يقول حين قربه * من كلّ إنسان أنا 
والبعد عنه أشكلا * وهم يرون فعله 
"دور " 
عبد الغني يقول ما * قالت به كلّ الورى 
هذا مجاز قد سما * له حقيقة ترى 
ما قلت شيئا مبهما * شرحت حالا قرّرا 
من رام هذا العلم لا * يعدل ويعرف أصله 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
كن حافظا حرمة من تقتدي * به وصن نفسك عن فصلها 
حتى ترى الإمداد منه بلا * قطع وتحظى النفس في وصلها 
وانظر إلى فوّارة لما علت * وما علت إلّا على أصلها 

ومنه قوله مواليا : 
اجمع جميع الحوادث كلّها جمله * وألقها عنك واطرح هذه الحمله 
وما فضل بعد هذا فاشمله شمله * هو الوجود الحقيقي صاحب العملة 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
هذا القديم وهذه أفعاله * وجلاله هو ظاهر وجماله 
لا حادث إلا الذي في علمه * بالحقّ كان لذكره إنزاله 
والكلّ فيه وليس شيء خارجا * عنه وهذا في الظهور كماله 
والحادث المعلوم ليس بحادث * علم قديم مثله أحواله 
لكن له حدث يقال : شريعة * إنّ الطهارة رفعه وزواله 
كالعبد يعلم ثمّ يذكر علمه * لا خارجا عنه وذاك خياله 
أهل الجمال لهم به بسط كما * أهل الجلال بقبضهم إجلاله 
لا هؤلاء لهؤلاء مجانس * هيهات أين اللّيل أين هلاله 
جمع الإله الحقّ يوم قيامة * كلّ الجلال لناره إضلاله 
وكذا الجمال جميعه المجموع في * نور الجنان تفيأته ظلاله 
ذاك الذي للظالمين كما الذي * للصالحين هو الجمال وآله 

646
مقسومة في العلم تلك وهذه * حكمت بقسمتها لنا آزاله 
لا خلف لا تبديل في كلماته * نصّ الكتاب درت به أبداله 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
طريقتنا قل بأقوالها * ودع عنك تفنيد عذّالها 
خذ الفرق ما بين أهل الهدى * وأهل الضلال وأعمالها 
لكلّ على زعمه طاعة * وقانون وضع لأفعالها 
وفي كلّ طائفة همّة * لتحصيل غايات أحوالها 
وفيهم سلوك على منهج * صواب لدى عقد عمالها 
ولكن سوى دين أهل الهدى * عقول رأت حسن إضلالها 
فقالت على الحقّ ما لم يقل * وقد زخرفت قبح أقوالها 
فلا وضع شرع لها ثابت * لينوي به قرب إيصالها 
بصبر وزهد وأكل الحلال * وشكر وتقوى وأشكالها 
وصوم وترك لذيذ النّكاح * وشهوات نفس وآمالها 
وترك الزّنى والرّبا والرّيا * وظلم وقتل وأنكالها 
فنيّتهم فعلها لم يكن * لهم طاعة دون أفعالها 
فيبقى لهم فعلها هكذا * بلا قصد وضع لتمثالها 
وغاية ذلك نيل الصّفا * وترك الجسوم لأثقالها 
وتحصيل خفتها والفهو * م ترتاض من ترك أشغالها 
وإن دام أنتج قدس النّفوس * وتطهيرها من قذى حالها 
وكشفا عن الملكوت الذي * لأرواحه سرّ إقبالها 
وهم في حجاب عن اللّه عن * معاني التجلّي وإنزالها 
وأما طريقة أهل الهدى * كما هم نزول بأطلالها 
فوضع صحيح به مؤمنون * على مقتضى حكم أرسالها 
فأفعالهم لكمالاتهم * بنيّتهم وضع إكمالها 
فوصف الصّفا عندهم زائد * وقدس النفوس بأفضالها 
وفي ملكوت السّما كشفهم * عن الرّوح تفصيل إجمالها 
وقد زادهم ربهم علمهم * به في المجالي وإجلالها 
وأنوار غيب إلهية * مثالية تملك الوالها 

647
منزّلة عندهم في الموادّ * لتعريفهم غيب آزالها 
فيبدي الخيال بها جهده * وتوفي القروض بأمثالها 

وقال رضي اللّه عنه في حرف الميم : 
قل لمن هام تابعا أوهامه * كلّ شيء على الإله علامه 
أيّ عقل لا يستدلّ عليه * بالإشارات وهو فيها أقامه 
ذاك عقل من غيّه في عقال * ليس يدري الهدى ولا الاستقامة 
هذه الكائنات علوا وسفلا * ترجمت لي عن الإله كلامه 

ومنه قوله رضي اللّه عنه : 
عجزنا عن مواقع الشّكر شكر * لممدّ فناءنا بدوامه 
سيد منعم على العبد حتى * غفلة العبد عنه من إنعامه 
تمّ الديوان بحمد اللّه
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Empty
مُساهمةموضوع: الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي   كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍ Emptyالجمعة فبراير 09, 2024 11:56 pm

الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي

كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍

الفهرس
ترجمة المصنّف 3 
مقدمة المؤلّف 5 
حرف الهمزة 21 
حرف الباء 37 
حرف التاء 83 
حرف الثاء 110 
حرف الجيم 112 
حرف الحاء 123 
حرف الخاء 145 
حرف الدال 147 
حرف الذال 210 
حرف الراء 214 
حرف الزاي 269 
حرف السين 273 
حرف الشين 287 
حرف الصاد 290 
حرف الضاد 293 
حرف الطاء 297 
حرف الظاء 307 
حرف العين 309 
حرف الغين 339 
حرف الفاء 341 
حرف القاف 354 
حرف الكاف 385 
حرف اللام 401 
حرف الميم 444 
حرف النون 495 
حرف الهاء 573 
حرف الواو 595 
حرف اللام ألف 599 
حرف الياء 605 
المعشّرات 619 
قصائد ودو بيتات وموشّحات ومواليات 633 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني إسماعيل النابلسي 1143 ه‍
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديوان الشيخ : عبد الغني النابلسي
» شرح ديوان سلطان العاشقين عمر ابن الفارض الجزء الثاني شرح الشيخين بدر الدين البوريني وعبد الغني النابلسي
» شرح ديوان سلطان العاشقين عمر ابن الفارض الجزء الأول شرح الشيخين بدر الدين البوريني وعبد الغني النابلسي
» شرح الشيخ عيد الغني النابلسى كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» صلاة لسيدى عبد الغني النابلسي رضي الله عنه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: المنتدى الصوفى العام-
انتقل الى: