الحضارات والرقم سبعة
(ويقع في ثلاث أجزاء)
(الجزء الأول)
مدخل مختصر
يرمز السبعة إلى الكمال . وآمنت شعوب الشرق الأقصى ، والشعوب السامية ، وكثير من الشعوب الأخرى ، مثل الإغريق ، والمصريين القدامى ، وشعوب ما بين النهرين ، بالسبعة عددا مقدسا ، وأدركوا الرمز الذي يجسده ، وكانوا ينسبون هذا العدد إلى الشمس وقوى النور . لكن لا أحد يعلم علم اليقين لماذا قدس الساميون ، بشكل خاص ، العدد (سبعة) . وربما يعود ذلك لأنه يتألف من مجموع ( 3 + 4 ) ، وهما من الأعداد المقدسة لدى الساميين .
وكان البابليون السامريون يطلقون كلمة واحدة على العدد (سبعة) وعلى كلمة (كُلّ) ، كما كان العدد (سبعة) عندهم ، تعبيرا عن أعظم قوة ، وعن كمال العدد .
وصنَّف العرب قصائدهم المختارة طبقات جاعلين في كل منها سبع قصائد ، كما يظهر في (جمهرة أشعار العرب) لأبي زيد القرشي ، وقد اختار من الشعر الجاهلي والمخضرم تسعا وأربعين قصيدة صنفها على سبع طبقات في كل طبقة سبع قصائد .
ولا نعلم علم اليقين لماذا قدس الساميون العدد (سبعة) . ربما يعود ذلك إلى أنه لا يقسَّم إلا على ذاته ؛ أو لأنه يتألف من مجموع العددين ثلاثة وأربعة ، وهذان العددان من الأعداد المقدسة عندهم أيضا . أو ربما يعود إلى كون عدد السيارات سبعة ، أو إلى أن الله عز وجل خلق السموات والأرض في ستة أيام ، ثم استراح في اليوم السابع ، وباركه وقدسه (تكوين 2 : 1 – 3) .
والجذر (سبع) من أغمض الجذور معنىً ، وأصعبها جذرا ، ففي اللغة العربية : (سبع) ، و(شبع) ، و(سبغ) . وفي اللغة العبرية : (سبع) ، و(شبع) . وفي اللغة السريانية : (سبع) ، و(شبع) . والمعاني المتفرعة من هذه الجذور كثيرة جدا ، ومتباينة بحيث يصعب ردها إلى معنىً عام يشملها جميعا .
ورغم ذلك فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن المعنى الأصيل للجذر (سبع) هو (الكفاية) ، و(التمام) ، و(الامتلاء) ، كما في (شبع) ، و(سبغ) . أما في العبرية فإن الجذر (شبع) يفيد القسم والحلف والأَيمان . وهذا المعنى مأخوذ من ترديد الحلف أو القسم سبع مرات ، لأن المُقسِم أو الحالِف كان يرتبط بالعدد سبعة (سبعة آلهة أو سبع أرواح) .
وهناك رأي يقول إن الجذر (سبع) منحوت من جذرين : (سد) و(ربع) . وقد ذكرنا ، سابقا ، أن (سد) تعني العدد ثلاثة في اللغة الحامية ، وأن (ربع) تعني كفّ اليد دون إصبع الإبهام ، أي العدد أربعة .
الرقم سبعة عند العرب :
يعتقد العرب أن الأرض المسكونة تُقسَم سبعة أقسام ، ويقول الشيخ كمال الدين الدّميري (صاحب كتاب حياة الحيوان) : "إن الربع المسكون من أقاليم الأرض قسِّم سبعة أقسام ، كل قسم يسمى إقليما كأنه بساط مفروش من المشرق إلى المغرب ، طوله وعرضه من جهة الجنوب إلى جهة الشمال ، وهي مختلفة الطول ، فأطولها وأعرضها الإقليم الأول ، فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو 3000 آلاف فرسخ ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو 150 فرسخا ، وأقصرها طولا وعرضا الإقليم السابع ، فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو 1500 فرسخ ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو 70 فرسخا . أما سائر الأقاليم التي بينهما فيختلف طولها وعرضها بالزيادة والنقصان . ثم إن هذه الأقسام ليست أقساما طبيعية لكنها خطوط وهمية وضعها الملوك الأولون الذين طافوا بالربع المسكون من الأرض ليعلم بها حدود البلدان والممالك مثل أفريدون وإسكندر وأردشير" .
ويَعتقد العرب أن الفنون الرئيسية سبعة : الشعر القريض / الموشح / الدوبيت / الزّجل / الموّال / الكان وكان / والقوما . وفي الشعر صنف العرب قصائدهم المختارة طبقات جاعلين في كل منها سبع قصائد . نذكر هنا ، الشاعر أبا زيد القرشي الذي اختار من الشعر الجاهلي والمخضرم 49 قصيدة صنفها على سبع طبقات ، وفي كل طبقة سبع قصائد . ومن أشهر القصائد العربية "المعلقات السبع" (يوجد للمعلقات السبع بهذا الموقع رابطا سماع وشرح ونص وتعريف وغيره) .
وعند العرب يعتبر القِداح الواسطة بين الناس والآلهة . وقد ذكروا أنه كان أمام هبل في جوف الكعبة سبعة أقدح يستقسمون بها إذا اختصموا في أمر أو أرادوا سفرا أو عملا فما خَرَجَ عملوا به انتهوا إليه . وقال ابن واضح : (وكانت العرب تستقسم بالأزلام في كل أمورها ، وهي القِداح . ولا يكون لها سفر ومقام ، ولا نكاح ولا معرفة حال إلا رجعت إلى القِداح . وكانت القداح سبعة . فكانوا إذا أرادوا أمرا رجعوا إلى القداح فضربوا بها ثم عملوا بما يخرج القداح لا يتعدونه ولا يجوزونه . وكان لهم امناء على القداح لا يثقون بغيرهم) .
والظاهر أن عدد القداح وما يُكتَب عليها يختلف باختلاف الأغراض التي يُضرَب من أجلها . فبينما يكون أمام هبل سبعة أقداح مثلا ، يكون عند ذي الخلصة ثلاثة . وكذلك يختلف ما كتب على القداح السبعة عند ابن الكلبي واليعقوبي .
والذي يطالع رسالة الميسر والقداح لابن قتيبة يتبيّن له أن الاستقسام بالأزلام كان لغرضين :
الأول : استشارة الإله الصنم بأمر من الأمور . وهنا يقول : "وكانوا إذا أرادوا الخروج إلى وجه ضربوا بالقداح فإنَّ القدح الآمر نَفَذَ لوجهه راجيا السلامة والصّنع ، وإذا خرج القدح الناهي أمسك عن الخروج خائفا النّكبة" .
والثاني : يختلف عن الأول كل الاختلاف ، وهو نوع من القمار ليس إلا ، يمارسونه عند الشدة والضيق ، وهو ما يسمونه بالميسر . أما قداح هذا الضرب من الاستقسام فعشرة متساوية منها سبعة ذوات خطوط وهي الفذ ، والتوأم ، والرقيب ، والحلس ، والنافس ، والمسبل ، والمُعلَّى ؛ وثلاثة أغفال لا خطوط بها وهي : السفيح ، والمنيح ، والوغد .
وكان على كل قدح من السبعة علامة "حز" فعلى الفذّ حزّ ، وعلى التوأم حزَّان وهكذا . . . إلى سبعة على المُعلَّى . ولكل حزّ نصيب . وأما الثلاثة التي لا نصيب لها ، فليس عليها علامات ، وإنما تُجعل مع السبعة ليكثر بها العدد ، ولتؤمَن بها حيلة الضارب (الميثولوجيا عند العرب ص. 142 - 143) .
ومن ميزات العرب أنهم اشتقوا أسماء الكواكب السبعة وغيرها من صفاتها كما نجد ذلك في معاجم اللغة . فالخنَّس الجواري الكنَّس التي ذُكرت في القرآن - وهي السَّيّار عَدا النِّيرين - غنما سُميت خنَّسا لأنها تسير في البروج والمنازل كسير الشمس والقمر ، ثم تَخنس أي تَرجع ، بينما يُرى أحدها في آخر البروج ، وإذا به يكرّ راجعا إلى الأول ن وسُمّيت كنَّسا لأنها تَكنس أي تَستتر كما تَكنس الظباء .
ولا ندري ما الذي أدَّى بالعرب وغيرهم إلى تسمية الكواكب بأسماء الحيوانات وغيرها من الأشياء الأرضية ، فإننا لا نرى ثمة جملا ولا ناقة ولا امرأة مهما أمعنَّا النظر في ليلة ظلماء أو قمراء ؟ ! يقول القزويني إنهم سمّوها بهذه الأسماء لمعرفتها ومعرفة خواصّها . ولربما كان ذلك راجعا أيضا إلى ميْل الإنسان منذ البدء إلى تشخيص ما فوق حواسّه الخمس وإحلاله محل الموجودات من إنسان وحيوان ونبات وجَماد ، تلك الأشياء التي تحفُّه من كل جانب ، وقد مرّ معنا أن الصابئة إنما شخّصوا آلهتهم لتكون بينهم ونصب أعينهم حتى يتمكنوا من يقدموا لها ضروب العبادات . وكذلك القول في أصنام العرب . فلا باس إذن من تكون تسمية الأمم القديمة مجاميع الكواكب نوعا من التشخيص المعنوي حتى يتمكنوا من تصورها في عقولهم .
ويظهر أن لصفات الكواكب المزعومة عند العرب أثرا في اشتقاق اسم ذاك الفرقد وتلك الكوكبة . ولنأخذ "الثُّريّا" مثلا : زعموا أن في المطر عند نوئها الثَّروة . فليس بعيدا إذن أن تكون مشتقة من الثَّراء . وفي لسان العرب : "والثُّريّا من الكواكب سميت لغزارة نوئها" . وفي العُمدة لابن رَشيق : "سُمِّيت بهذا لأن مطرها عنه تكون الثّروة وكثرة العدد والغنى" .
وللنَّوء شبه صلة بعبادة العرب للنجوم وتعظيمها . وإيمانهم بالأنواء دعاهم إلى الاعتقاد بأثرها في تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم . وقد نسبوا ذلك إلى الكواكب ، وقالوا إن التأثيرات متعلقة بأجرام الكواكب وطلوعها وسقوطها . ومن أمثالهم "أخطأ نوؤك" يُضرب لمن طَلَب حاجته فلم يقدر عليها . والنَّوء النجم يطلع أو يسقط فيُمطر ، فيقال مُطِرنا بنوء كذا . "فالنجم إذا سقط فما بين سقوطه إلى سقوط التالي له هو نوء ، وذلك في ثلاثة عشر يوما ، فما كان في هذه الثلاثة عشر يوما من مطر أو ريح أو حرّ أو برد فهو في نوء ذلك النجم الساقط ، فإن سقط ولم يكن مطر قيل خَوَى نجم كذا وكذا . ومنهم من يقول النَّوء على الحقيقة للطالع من الكواكب لا للغارب ومنهم من سمّى تأثير الطُّلوع بارحا وتأثير السقوط نوءًا . ولفد رَجز بعضهم حساب النَّوء فقال :
والدهر فاعلم ، كله أرباع
لكل ربْع واحد ، أسباع
وكُلّ سبع لطلوع كوكب
ونَوْء نجم ساقط في المغرب
ومن طلوع كل نجم يطلع
إلى طلوع ما يليه أربع
من الليالي ثم تسع تُتبع
وينطبق هذا الرَّجز على حقيقة حساب النَّوء . جاء في العمدة : "السنة أربعة أجزاء ، لكل جزء منها سبعة أنواء ، لكل نوء ثلاثة عشر يوما ، إلا نوء الجبهة فإنه أربعة عشر يوما" . ولما كان لا نوء في طلوع "بنات نعش" وسقوطها ، شبَّه شاعر بها مَعشره ، وقد أراد هَجْوَهم بأن لا خير فيهم ، قال :
أولئك معشري كبنات نعش * خوالف لاتنوء مع النجوم
ومن الأنواء التي يعتبرها العرب شؤما عليهم نوء "الدَّبران" ، ذلك الكوكب الأحمر المنير الذي خشيته العرب وتشاءمت به ، وزعمت أنهم لا يمطرون بنوئه ، إلا وسنتهم جدبة . ففي نوئه يشتد الحر وتهب السمائم . ومما قيل في طلوعه : "إذا طلع الدَّبران ، توقَّدت الحزان ، وكرهت النيران ، واستعرت الونان ، ويبست الغدران" . فلا غرابة إذا ضَرَبَت العرب بشؤمه المثل ، فقالت : أشام من حادي النجم وهو اسم آخر له .
وسنرى أن هذا الكوكب الذي استدبر الثُّريّا ، لم يَكتَفِ بأن خشِيَه العرب بل عبده قوم منهم ، كما عبد آخرون غيره من الأجرام .
فالعرب كما عرفنا كان لهم معرفة بالفلك ، وكانت هذه المعرفة متفاوتة بينهم . وقد قالوا إن أعلم العرب بالنجوم بني مارية بن كلب وبنو مرَّة بن همام بن شيبان . كما كانت عبادة النجوم عند قوم أشدّ منها عند آخرين (المثولوجيا عند العرب) .
وعبد العرب ملائكة السماوات السبع وهم يسبحون حتى قيام الساعة ، فإذا قامت يقولون سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك . وهم في السماء الدنيا على صور البقر ، وفي الثانية على صور العقبان ، وفي الثالثة نسور ، والرابعة خيل ، والخامسة حور عين ، والسادسة ولدان ، والسابعة بنو آدم ! موكل بهم على الترتيب ، الملائكة : إسماعيل / ميخائيل / صاعديائيل / صلصائيل / كلكائيل / سمحائيل / روبائيل . وفوق السماوات السبع ملائكة أُخر لا يعرفون بعضهم لكثرتهم ، ويسبحون الله بلغات مختلفة كالرعد الصاعق (المثولوجيا عند العرب)
عند العرب أيضا "تبدأ في السادس والعشرين من آب رياح تستدير عند ابرخس وبينه وبين أول أيام العجوز نصف سنة سواءٌ وفيه يَكُرُّ الحرُّ لاْنصرافه كما يكرّ القرُّ هناك عند انصرافه وهي سبعة أيام آخرها أول أيلول وتُسمِّيها العرب وَقْدَة سهيل وهي رياح طلوع الجبهة لكن سهيل يطلع قريبا منه فَيغلِبُ ذِكره على ذِكرها ويكون الهواء في هذه الأيام أحرّ مما قبلها وبعدها ثم تطيب الليالي عُقَيْبَ ذلك وهو أمر متعارف عند العامة لا يكاد يخطىء . قال محمد بن عبد الملك الزيات :
برد الماء وطال الليل والْتُذَّ الشراب * ومضى عنك حزيران وتمُّوز وآب (البروني - الآثار الباقية)
وعند العرب أيضا ، ذكر أبو الحسين الأهوازي في كتاب معارف الروم صِفَة المُتَنَصِّر وهو أنه يُقرأ عليه سبعة أيام في البيعة غُدُوّا وعَشِيّا فإذا كان السابع عُرِّي ودُهن جسده كله بالزيت ثم صُبّ الماء المسخن في آنية رخام منصوبة في وسط البيعة ويُنَقِّط القسُّ على وجه الماء بالزيت خمس نقط على مثال الصليب (أربعا وواحدة وسطها) ثم يُشالُ ويُحطُّ رجلاه جميعا فوق النقطة الوسطى ويُجلَس في الماء ويأخذ القسّ من أحد جوانبه ملْءَ كفّه ماء فيصبّه على رأسه ثم من جانبٍ إلى أن يأتي على الجوانب الأربعة على مثال الصليب ويتنحّى القسّ عنه ويجيءُ من يريد أن يأخذه من الماء هو الذي أجلسه فيه فيغسله القسّ وجميع من في البيعة يقرأون ثم يخرج من الماء ويُوَشَّح بإزار ويُحمل حملا لئلا تمسَّ رجله الأرض ويصيح أهل البيعة كلهم سبع مرات كرياليسون أي يا رب ارحمنا ويُلبَس ثيابه وهو محمول ثم يُحط عنه ويَلزم البيعة أو يتردّد إليها سبع أيام فإذا كان اليوم السابع غسله القسّ بلا زيت ولا في تلك الآنية الأولى (البروني - الآثار الباقية) .
وتجمع الروايات عند العرب على أن قداسة المقام إنما هي نابعة عن صلته بإبراهيم . ومن هذه الروايات قولهم إنه هو الحجر الذي قام فيه إبراهيم حين رفع بناء البيت ، وقيل هو الحجر الذي وقف عليه يوم أَذِنَ في الناس بالحج ، فتطاول له وعلا على الجبال حتى أشرف على ما تحته ، فلما فرغ منه ، وضعه قبلة . وكذلك رسخت قدما إبراهيم فيه مقدار سبع أصابع ، ووسطه قد استدقَّ من التمسح به ، أما ذرعه فمقدار ذراع ، وهو على ما يَذكر ياقوت ، في حوض مربع حوله رصاص . ومن مقداره يظهر أنه أكبر من الركن وهو مثله حجر أسود (المثولوجيا عند العرب) .
ومن عادات العرب أن يأمر الوالد بِجَزور فتُنحر في سابع يوم لمولد ولده ، ويُطلق اسم على الصبي . ويقول العرب إنه إذا وُضِع سيف عار أمام طفل عمره سبعة أيام ، فهذا الولد يصبح شجاعا في شبابه .