منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة- هدى النعماني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الطيب

الطيب


عدد الرسائل : 94
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة-  هدى النعماني Empty
مُساهمةموضوع: عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة- هدى النعماني   عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة-  هدى النعماني Emptyالجمعة يناير 04, 2008 4:39 pm



عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة

- هدى النعماني

-1-

"قال تعالى: " وأسجد واقترب ". هما سجدتان.

الأولى أن تسجد بك فيه. الثانية أن تسجد به فيك.
والثانية سميت باسم الاقتراب. ولم تسمى باسم السجدة.
مع أنها سجدة في الحقيقة. لأنها معها بُدلت الأرض غير الأرض والسماوات، وهي حقيقة قاب قوسين.
وعندما تذهب نقطة الغين عن العين والله الهادي والموفق".

النابلسي(1)

بهذا التيقظ للتيقظ والفهم، اشتعل بعض الأئمة ومنهم العلامة الشيخ عبد الغني النابلسي باطناً وظاهراً .
ومالت أهدابهم نحو الضوء، حتى أعظم الذنوب.
بهذا التيقظ للغفلة عن هذه الغفلة، كتبوا الأراجيز بذنب "كان الثاني منه أشد من الأول، ولم يرفعوا شعرة بيضاء عن شعرة سوداء
بل لم يرفعوا البصر عن صبوة كانت أقرب إلى الجنون، وقلوبهم حنطة ترقص وتدور، حسب إيقاعات أشبه بالغرور في الأكوان .

وجزموا ونفوا أن كل شيء "هو" حتى هم، وسكروا وأذنبوا وغمروا الفجر وهتفوا، وهتكوا الفجر، واستتروا
ودكوا الجبل عن المظهر الناري، وسجنوا تحت ا سم الرحمن عشبة تطلب الري مقام الذنب..
مستعينة عن المطر بالطاعة والتجلي ووضع العرش إن قبُلت حروفه، وسموا بالمتصوفة.

ومازالوا حتى اليوم عبر نفح السنين ورقائقها، بتصانيعهم ودراساتهم، بأشعارهم ونفحاتهم البسمة اللغز على ثغر الإسلام

فيما كان الإسلام ملتهباً تارة بيد الغزاة والجبر، أو ممزقاً تارة بيد العصبية والجهل، وما فتئوا، مهما فاضت الأرض دراً وندى، باصفرارهم وعقاقيرهم واشتياقهم وصبواتهم، المغفرة الطاهرة على شموس الحب.

-2-"إن من بعض ماهي الأطوار
لي مقام فيه اسمه الأغيار
وهو زيد كذا وعمرو وبكر
وبهم فيه تنشد الأشعار
فإذا قلت فيه قال فلان
وفلان فإنها استار

نعم القائل الذي قد ذكرنا
لكن الكنز نحن وهو الجدار
وهو جفن من الجفون لعيني
وأنا الجسم منه وهو الشعار
وأنا اللب والبرية قشر

وأنا الوجه والجميع خمار
كلهم في مدار روحي حروف
وأنا الشمس والسوى أقمار
والذي عندهم من العلم طلّ
والذي منه عندنا فبحار
بانةٌ غردت عليها طيور

أنا وحدي من بينهن الهذار
أنا عبد الغني مع من معي في
هذه الحال والغنى افتقار
ربنا الله في جميع المجالي
ما على وجهنا الجميل غبار
والأحباء حضرة البسط تجلّى
من هوانا عليهم الأسرار"

النابلسي(2)

(هو الشيخ عبد الغني ابن اسماعيل بن عبد الغني بن اسماعيل بن أحمد بن إبراهيم
المعروف كأسلافه بالنابلسي الحنفي الدمشقي النقشبندي القادري أستاذ الأساتذة وجهبذ الجهابذة
ولد في دمشق في الخامس من ذي الحجة سنة خمسين وألف
وكان والده مسافراً إلى بلاد الروم، فبشر والدته به المجذوب الصالح الشيخ محمود وقال سميه عبد الغني فإنه منصور...

شغله والده بقراءة القرآن ثم بطلب العلم.
فقرأ الفقه وأصوله على الشيخ أحمد القلعي الحنفي، والنحو والمعاني والبيان والصرف على الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق
والحديث ومصطلحه على الشيخ عبد الباقي الحنبلي، وحضر دروس والده في التفسير بالمدرسة السليمية
وفي شرح الدر بالجامع الأموي، ودخل في عموم إجازته، وحضر دروس النجم الغزي ودخل في عموم إجازته
وقرأ أيضاً وأخذ على الشيخ محمد الأسطواني والشيخ إبراهيم الفتال، وأجاز له من مصر الشيخ علي الشبراملسي
وأخذ الطريقة القادرية عن الشيخ عبد الرزاق الكيلاني، وأخذ طريق النقشبندية عن الشيخ سعيد البلحي..

وابتدأ في قراءة الدروس وإلقائها والتصنيف لما بلغ عشرين عاماً
وأدمن المطالعة في كتب الشيخ محي الدين بن عربي وكتب السارة الصوفية كابن سبعين والعفيفي
فعادت عليه بركة أنفاسهم فأتاه الفتح اللدنيّ..
تآليفه ومصنفاته كثيرة وكلها حسنة ومتداولة مفيدة ونظمه لا يحصى لكثرته...
كان عالماً مالكاً أزمّة البراعة واليراعة فقيهاً متبحراً، يدري الفقه ويقرره، والتفسير ويحرره، غواصاً في المسائل
خبيراً بكيفية الاستدلال والدلائل، ذا طيعٍ منقاد وبديهة مطواعة.

هذا مع إقبال الناس عليه ومحبتهم له واعتقادهم فيه، ورأى في أواخر عمره من العز والجاه ورفعة القدر مالا يوصف
متعة الله بقوته وعقله حتى بعد أن جاوز التسعين...)(3).

بمثل هذا التقريظ الذي أورده المرادي في "مسلك الدرر" يضيف المؤرخون الشرقيون والغربيون(4) كالجابرتي، والمحبي، وهرثمان
وبروكلمان، وجلدميستر وغيرهم...

الشيخ الكبير عبد الغني النابلسي الذي يجثو اليوم بجوار أستاذه الشيخ الأكبر ابن عربي
تحت قبة خضراء في مسجد بناه لنفسه في المهاجرين.

طاوياً بخط دقيق كان يعشقه، سنيناً من الجهد والإثارة والعكوف والاعتزال والانسلاخ والرهبة والوله وبسط الأعين والنشوة
تاركاً مايزيد عن مئتي مؤلف من جنة ونار، وبركة وقناديل وزيت يفيض، ورفعة قوافي وتجريد وتفريد
في مدائح ورياض ومسالك وتراجم وقصور وبلدان ورسائل وألحان وكؤوس رحيق، فتميز برأي الجميع في الأدب أديباً، وفي الفقه فقيهاً
وفي التفسير إماماً، وفي التصوف قطباً، حتى ليحسبه المرء أكثر من رجل، وأكثر من مسلك، وأكثر من نسائم وأكثر من عاصفة.

وهكذا في غوصٍ ليس بالغوص، وقبضٍ ليس بالقبض، يصل النابلسي بين نقطة البدء والعناصر الأربعة في أعينه السالكة إلى المحجة:
الخلق؟الأرض والسماوات؟ ويطفئها. ماذا عن؟ ماذا عن؟..

وتأتي أجوبته قيدٌ يعار، لكماته أثواب تشف، والحقيقة أحجية تتمثل في العشق والذات الأخرى
شجرة تظل الدل والدوح والجدول والحلم والمدام والجارية والغلام والكأس والطير والبرق
بينما التيه ضوءٌ في العقل وشموس في الورى، لا بينه في بنية إلا إذا خرج هو وخرجوا به عنهم وعنه...
وفي هذه المثابة، من الغيب المطلق عن سائر العقول، تتأصل وتتعاظم لديه.

الكيف:

كيف أمكن للعقل أن يؤمن؟، وحقيقة الذنب بحسب الباطن بعد وصول التبليغ عن نفسه بنفسه عن نفسه؟، ومن امتثل ثم خالف الأمر..
وكلام العلماء من أهل الرسوم؟ وأقسام الذنب وحدّ الإصرار والتوبة التي تجب على الفور؟ والتي هي خلقه؟ كذلك النفس التي هي الروح... باعتبارها كيفية بسبب اتصالها المخصوص؟ ثم التوبة من التوبة؟
فينهمر:
"بل ليصدق الوعيد. مقام التوبة هو الدخول في هذا السير مع هؤلاء السائرين.

وما ثُمّ إلا رفعٌ حجاب ومصادفة حجب أخرى.
وكل تجليّ رفعٌ لحجاب وسدلٌ لحجاب آخر" يقول في كتابه الفتح الرباني والفيض الرحماني..
ثم ماذا؟ ماذا عن ابن غانم المقدسي، وزين العابدين الكبري، والشيخ الأكبر قدس الله سره، ومحمد البكري، والساقي في التائية؟
ثم ماذا؟ ماذا عن حرف الصاد، وعلام عن حرف اللام؟
والحلم؟ ماذا عن الدقيق والشمس والعشب والبحر... تسائله دمشق، وتسائله مكة، وتسائله بغداد، وتسائله القدس.
فينهمر:
"إن تيأس من رحمة ربك إياك... وإياك!" وينجلي، لكأن مرآته من الذهب المقنطر.

وينازل، ويتكبر، ويتحدى:

ونظمتُ ديوان التغزل كله
فيهم بلفظ معجب ونظام
وأتيت فيه بكل معنى رائق
في كل جارية وكل غلام
والقصد أنتم بالجميع وذكرهم
هو ذكركم عندي على الإبهام
فأسير سير الغافلين بقولهم
أبداً وأقصد مقصد الأقوام

وأنا الذي في ظاهري متمسكٌ
بشريعتي في سائر الأحكام
وأنا الذي في باطني متحقق
بحقائق التوحيد والإبهام

أنا مجمع البحرين موسى ظاهر
والباطن الخضر الأجلّ السامي
هيهات أن تنجو فراعين العدا
مني وبحري بالمعارف طامي
وعليّ من أعين السرادق أعينٌ
للحق تحفظني مدى الأيام

وأنا لأطيار الحقيقة مخرس
وأنا الإمام بها لكل إمام
والعارفون رعيتي في قبضتي
والغوث والأقطار من خدامي
نحن الشموس وما خفافيش الورى
تستطيع تبصر غير محض ظلام

النابلسي(6)

ثم يكسر الطوق في صورٍ رشيقةٍ وملتحمةٍ حيناً:
أشعاع شمس من قرارة ماء
أم جسم نار في قميص هواء
وقضيب بانٍ فوق غصنٍ من نقا
أم بدر ثمَّ طالعٍ بسماء(7)

مسترسلةٍ وحنونةٍ حيناً بمداعبه وأنس...
جفونك ثم خصرك ثم جسمي
نحيلٌ في نحيل في نحيلِ
وردفك والعذول وشوق قلبي
ثقيلٌ في ثقيل في ثقيلِ(8)

جائيةٍ مرة برقة وخفر،
لاحظتُ خالاً تحت صفحة خده
متوارياً خلف اللهيب النافذ
فسألته ماذا المقام، فقال لي
هذا المقام المستجير العائذ(9)

متهافتةٍ مرة في عدو نحو العطر..
من لي بظبي وما للظبي لفتة
تقاسم الحسن في خَلوق وفي خُلُق
كأنما الورد منثورٌ بوجنته
والدرّ من فيه منظومٌ على نسق(10)

منصرفةٍ كالدخان مراراً حتى اللانهاية،
تراك الله ما في الدار ديار
إنما هي نيران وأنوار
قد أماطت سليمى عن براقعها
فوجهها مشرق والطرف سحّار
وما الجميع سوى إشراق بهجتها
دوائر كلهم عنها وأدوار
إذ أومأت كانت الأكوان ظاهرة
عنها وإلاّ ففيها الكل أسرار(11)

عائدةٍ كأنهار عسل إلى راحاتنا،
قف على باب حانتي يا نديمي
علّ يرضى دخولك الخمّار
واستمع صوت قينتي وتتغنّى
حيث جسمي في كفّها مزمار
وجميع الوجود ليل لقومٍ
جهلوا وهو عند قوم نهار
وجنان النعيم عند أناس
وأناس "ذا" عندهم هو نار(12)

ضاربةٍ يداً بيد، همساً بهمس..
إن السماع سماع الناي والوتر
يسقي أراضي نفوس الناس كالمطر(13)

حلقية السقم والشجا والأحشاء إلى الهاوية،
هلاّ غنيتم بما غنّى به الوتر
فتسمعوا منه يا عشاقه وتروا
فإن في نفحة الطنبور بارقةٌ
من البروق التي في القلب تستعرُ
واستنطقوا الدف ينطق بالإشارة عن
معنى بدا وهو في الأكوان مستتر
وهي المعاني تراءت في السماع لنا
عنها لقد كان محجوباً بها البصر
وأخبرتنا إشارات الصنوج بها
نهيم القلب منّا ذلك الخبر(14)

جائشةٍ مع طيب غيث الجوهر كفجر كصارم تجرّد عن غمد،
كما يقول، بين شمس ضحى كدّس من العسل يحوي المجد والطيب والأجناس
بين لقاءات في الفقه والشعر والنحو تقر كنوز العطاء في غليل لا ينضب
بين نفحات تاريخ من أعاجيب الوجود هي ميراث وأيما ميراث...

ويقرر أن يرحل...
فيرحل للتبرك والنفع العام. ويرحل. كي يعود بشاشة "ورواية".
أشرق بدر السما على البحر
كمثل عقد الميح على النحر
تصقله الريح وهو يصقلها
تجري به وهو تحتها يجري
والبحر أمواجه ترددها
وسوسة المستهام في الصدر
أو درجات إلى علا شرف
أو عقد النافثات في السحر
زهت بمينائها (طرابلس)
زهو رداح برقة الخصر
والزهر فينا يبث نفحته
مع النسيم الذي أتى يسري
ونحن في الأنس والسرور بلا
أسامع الصخب بهجة العصر(15)
كذلك دقة وتصنيفاً.

وقد رأينا على حافة المينا أنواع المراكب والسفن وقد ذكر لنا أسماءها صديقنا الحاج نور الدين الطرابلسي المذكور...
لا بأس بذكر ذلك لتتم الفائدة. فاعلم أن أنواع المراكب وأسماءها كثيرة بلغت عدتها عشرين نوعاً:

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الطيب

الطيب


عدد الرسائل : 94
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة-  هدى النعماني Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة- هدى النعماني   عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة-  هدى النعماني Emptyالجمعة يناير 04, 2008 4:42 pm


الأول ما عونة
الثاني غليون
الثالث غراب
الرابع قرامرسل
الخامس زربونة
السادس شائعة
السابع غلياطة
الثامن سنبكليه
التاسع قابق
العاشر قياسة
الحادي عشر معاش
الثاني عشر نقيرة
الثالث عشر شختورة
الرابع عشر فلوكة
الخامس عشر نقليبة
السادس عشر شوطية
السابع عشر شنبر
الثامن عشر قارب
التاسع عشر برقة
العشرون شكنباية"(16).

أيضاً أسطورة وطرافة...

"وأخبرني بعض الناس أن في جبل الدروز قلعة كانت في أعلى الجبل، فبات أهلها في ليلة
فلما أصبحوا، وجدوا القرية وجميع ما فيها مع أهلها كلهم وبيوتهم صاروا في أسفل الوادي هناك ولم يخرب منها شيء ولا تضرر أحد
ولا سقطت شجرة، وهي الآن باقية واسمها الزاحلة"(17).

غير الفرادة والتقنية والوصف:

"وقد أطلعنا حضرة الباشا في هذا اليوم على كتاب عجيب وأسلوب غريب يسمى: "نخبة الدهر في عجائب البر والبحر" لأبي طالب الدمشقي. ذكر في الباب السابع في الفصل التاسع محاسن دمشق وجامعها المعمور، إن من خصائصه أنه لا يوجد فيه عنكبوت ولا في سقفه ولا في حيطانه، ولا يفرخ فيه العصفور مع كثرته فيه، ولا يعشعش فيه وزعة.

ثم قال دمشق مقسومة ثلاثة أقسام. قسم مبثوث العمارة في غوطتها، لو جمع لكان مدينة عظيمة ما بين شواهق وقصور وقاعات وطواحين وحمامات وأسواق عظيمة وجوامع ومساجد ومشاهد غير القرى والضياع. القسم الثاني تحت الأرض. ومنها مدينة أخرى من متصرفات المياه والجداول والقنى والمسارب والقنوات تحت الأرض حتى لو حفر الإنسان أين ما حفر وجد الماء مشتبك طبقات يمنة ويسرة، شيئاً فوق شيء. القسم الثالث سورها وما فيها وحوله. وكأنها في وصفها طائر أبيض في مرج أخضر يرشف ما يصل إليه من الماء أولاً فأولاً"(18) غير العلم والشرع والمحاورة.

"ودعانا حضرة المفتي حفظه الله تعالى إلى داره، فذهبنا لمجلس وابتهجنا بأنواره وأنشدنا من لطائف الأشعار... وجرت بيننا وبينه أبحاث علمية ومسائل فقهية وقواعد نحوية، فمن ذلك مسألة السرقة، وأنه يقال في السارق "أخذ" لا سرق محافظة على الستر، ولأنه لو ظهرت السرقة لوجب القطع. وقد أورد حكاية لطيفة عن هارون الرشيد ذكرها صاحب "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" وعبارته قوله... فعجبوا منه وانتهى..."(19).
غير النقد في الحكم والعمارة.

"وقد رأينا في بلدة بيروت المحمية زوايا كثيرة وجوامع وحمامات فلا بأس نذكر محاسنها السنية، فمن الزوايا زاوية مشرقة الأنوار تسمى بزاوية ابن القصار، وهي نيرة مرتفعة البنيان يجتمع فيها الحفاظ ما بين العشائين يتدارسون بها القرآن، ومنها أيضاً زاوية تسمى بزاوية ابن الحمرا يقام فيها الذكر والأوراد، وبها حفاظ تقرأ، وهي متسعة، بها إيوان به محراب كبير، وفيها بركة ماء بجانبها بئر يستخرج منه ماء غزير...

والجوامع التي بها أربع:

الأول :
الجامع الكبير وهو يشتمل على اثني عشر عضاضة كل عضاضة يحوطها رجال. وهي عظيمة العمارة، يقال أنه كان في الأصل كنيسة...
وأما حماماتها فأيضاً أربعة: الأول حمام الأمير فخر الدين بن معن
الثاني :حمام القيشاني
الثالث: حمام الوزاعي
الرابع قديم لا يعرف له اسم....
وكلها مهجورة، ما عدا حمام الأمير فخر الدين وسبب ذلك الظلم من الحكام.
فإن هذا حمام للميري، ويؤجره الحاكم في كل سنة، هو وقهوة هناك بألف قرش ومئتي قرش! وهذا الحمام مبلط بالرخام الملون، يشتمل على شاذروان في داخله، يحوط بجوانبه الأربعة أربعة إيوانات. كل إيوان بقبو وقوس، وفي مسلخه بركة ماء مثمنة، ويشتمل على قبة مرتفعة على أربعة عواميد، يحوط بتلك القبة أربعة أقبوة على أسلوب جامع الأمير عساف غير أن الجامع يزيد عليه بالقبب وفي هذا القدر كفاية ونسأله تعالى الغنامة"(20).

لذلك، لا يسعنا بعد هذا السياق كله، إلا أن نشيد بما أكده هربرت بوسه Vou Herbert Burse في تقديمه للرحلة الطرابلسية على أن كتب ومخطوطات العلامة الشيخ عبد الغني النابلسي مصدر من مصادر معرفة البلاد العربية، وأن هذه الكنوز الحجة المنتشرة في الشرق والغر ب (والتي يصنفها كارل برو كلمان بمائة وخمسين كتاباً ويلحظ الخالدي بأنها تقارب المائتين وخمسين) مازالت محجوبة في معظمها وتنتظر أن يبين نشرها أهمية النابلسي وتأثيره آنذاك، فترسم لنا صورة واضحة للحركة الأدبية في دمشق وجوارها في القرنين السابع عشر والثامن عشر(21).

إلا أن بوسه Burse كأكثر المستشرقين، يركز اهتمامه بالدرجة الأولى على كتب الرحلات، لما تحمله هذه الرحلات من معلومات علمية وفنية. فيروي عن "رحلة الذهب الأبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز" التي ألفها النابلسي في ذي القعدة عام 1100هـ بعد رحلة قام بها إلى بعلبك أن هذا الأثر أثار اهتمام غوستاف فلوجل Gwolau Flugel فنشر فهرساً لمحتويات هذه المخطوطة لوصفها معبد بعلبك من حيث الزمن بين أثرين أوربيين تناولاً هذا الموضوع نفسه وهما الأول للعالم الفرنسي دي مونكوني De Maucony والثاني للإنكليزي بعد النابلسي روبرت Robert.

كما يؤكد Burse أن مآثر "الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية" تكمن في وصفها المزارات الإسلامية في القدس، وإن كتاب "الحقائق والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز" يحدد المواقع الجغرافية في شبه الجزيرة العربية آخذاً بالوصف واحداً وثلاثين مركزاً(21)... ساهباً وتقصد هنا Burse عن التنويه كجميع أقرانه مثل جلد مايستر، وجراف وفون كريمر أو حتى الصحفي المصري(22) ديمتري نقولا، عما عنته هذه الرحلات في انعكاساتها من ميادين سياسية أو غايات روحية ودينية تغلف هذه المآثر وتتجوهر فيها.

بينما أن النابلسي نفسه يذكر في مقدمات هذه الرحلات، أن كل ما أورده من كرامات ومعجزات ورسم مساجد وكنائس، وأضرحة واستراحات ومآكل ومشارب وروايات منقولة ومجادلات علمية وفقهية، صبها في قوالب أدبية ترمي في الظاهر إلى غايات اجتماعية وسياسية، إلا أنها تخدم في الحقيقة الخاطرة الكشف التي بوده أن يزفها إلينا ، والموعظة الأزلية التي يحن إلى الارتواء والإرواء منها ، نافذاً من خلال الزمان والمكان والإنسان في سعيه اليومي إلى رحلة النفس إلى الكل ، التي هي رحلة التقوى ، بعد الرحلة إلى الداخل (نذكر هنا باعتكاف النابلسي في داره سبع سنوات كاملات لا يخرج فيها ولا يقص شعره ولا يقلم أظافره حتى ظنه الكثيرون أنه جن) حيث تتفتح في قلب السالك اخضرار الكلمة ، عظمة الخالق والخلق ، وقداسة الخطوات. مع ذلك يظل يبحر في الحدس والفكر وينهمر.

-6-"إذا قيل لنا ما السبب في أن العقل التام لا يمكنه أن يدرك الرب سبحانه وتعالى ، مع أنه قدر أن يدرك كل شيء. قلنا له: "الله تعالى في غاية اللطافة ، والعقل بالنسبة إليه في نهاية الكثافة. واللطيف يدرك الكثيف والكثيف لا يدرك اللطيف. ولهذا ترى الجسم لا يمكنه أن يدرك العقل لشدة لطافة العقل بالنسبة إليه . وأما العقل فيدرك الجسم. وقد قسم الله إلى لطيف وكثيف. وحجب الأول عن الثاني . ولم يحجب الثاني عن الأول(23).
النابلسي:

فيذوب هذا الرجل القطب جارحة وحجة، حول عميق المعاني، قلائدها ومكنوناتها، مقتصاً من جحيم المصنفات واغترابها لطفاً واعتدالاً. فنراه يقف بين آراء السلف والخلف، مواقف المعتزلة والأشعرية ، القدرية والجبرية ، علوم الطريقة الشريفة والحقيقة ، موقفاً حازماً واثقاً ثابتاً إنما فيه كثير من الحكمة والتسبيح.

فنجده آخذاً نفحات أولياء الكلمة كابن العربي(24) وابن الفارض والبيضاوي والبركلي وأرسلان والأشعري والماتردي وغيرهم إلى صدره ، قاسماً بطريقة مميزة العلوم إلى قول فهم وشهود، سائراً بالتسليم نحو التأويل وفي آن معاً بالتأويل نحو التسليم، صارفاً اللفظ إلى أكثر من معنى والاحتمال إلى أكثر من احتمال. كصفة اليد والأيدي والقدرة والإرادة والسخرية والفرح والضحك وما إليه من صفات أزلية ومستوفاة لله "، مسلماً أن وجود العبد أولاً وآخراً وجود في ذاته وهو بالنسبة إلى وجود الرب عدم محض، لا يمكن أن يختلط أحدهما بالآخر، كما الليل موجود في نفسه، وهو بالنسبة إلى وجود النهار معدوم...(24).

هابطاً إلى اللحظة المحرقة بين اللب وهدب العين التي هي العدمية وفي الآن ذاته هي الحياة.

محاوراً محاوراً دون كلل:

"إن سَبْق الكلمة بالسعادة هي المركز، والمركز تردد وحشي" في طلب الآيات نظير مقام الإدلال في القرب المحمود. والشيئان (مبتدأ) في الحس (خبر) في المعنى. والحس هو الساتر للاتحاد. والستر مستور فكيف يستر"(26).

موجهاً مع الزمن، هذا الاحتراق الكامل والرؤى، من الإبهام المحض إلى التبسيط، محولاً العجز الشرعي وتفكك المنازلات إلى العلم الجماعي الهادف في صيرورة خلايا الذكر والتواجد المنظم المشترك، باعثاً من الظلمة والخوف والحيرة هالات من البراءة الضمنية والطهارة وأنهراً من الحنان والعطاء، باعثاً في كل لحن ينشد له، فضيلة صوفية، تجد صدى لجوارحها، في ذلك العشق الإلهي الباعث إلى الطمأنينة، والفرح والحياة.
وإلى الغد، وإلى ما بعد الغد، سنظل نراه في حضرة تلاميذه، ضارباً بالدف، ضابطاً الإيقاع، سيداً، منشداً، متنعماً:

يا ساقي الله الساقي
أسقينا من خمر الباقي

يا ساقي
محبوبي ظاهر يتجلى
بالوجه الباهر للعشاق
في حكمة قاهر

يا ساقي يا ساقي
اكشف لي عنك في ذاتي
وافتح لي دنّك
واجعلني يا حبي أنّك
ياساقي..."

محطماً بصوته الحنون تماثيل التحجر والجمود في عيون جميع الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وبالرفع والأنغام والترديد.

أولئك الذين ينادون إيل، وينادون لاها، ويذكرون بالحلق حي، ويسكرون بالحرف الواحد كقولهم كاف أو هاء أو ياى(26) ويتجاذبون
ويتحاضنون، ويتماسكون بالأيدي، ويزرعون الأقدام في الأرض، ويقولون هو، ويقولون ها، ويقولون هي، ويفردون الأجنحة ويطيرون.


_________________________________________________________________________

المراجع:



(1)"الفتح الرباني والفيض الرحماني" للنابلسي. نشره وعلق عليه الأب أنطونيوس. المطبعة الكاثوليكية بيروت. ص 68.
(2)"ديوان الحقائق ومجموع الرقائق" للنابلسي المطبعة الشرفية في مصر. خان أبي طاقية سنة 1306هـ، ص8.
(3)"مسلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر" لأبي فضل محمد خليل المرادي طبعة مصر سنة 1301هـ، ص30-38.
(4)"التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية" للنابلسي. حققه وقدم له هربرت بوسه المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت 1971 (المقدمة).
(5)"الفتح الرباني..." ص 108.
(6)"ديوان الحقائق..." ص10.
(7)"الفتح الرباني...." ص25.
(8)المصدر نفسه ص28.
(9) المصدر نفسه ص28.
(10) المصدر نفسه ص29.
(11)"ديوان الحقائق..." ص156.
(12) المصدر نفسه ص154.
(13) المصدر نفسه ص153.
(14) المصدر نفسه ص155.
(15)"التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية" ص69.
(16) المصدر نفسه ص71.
(17) المصدر نفسه ص27.
(18) المصدر نفسه ص27.
(19) المصدر نفسه ص62.
(20) المصدر نفسه ص41-44.
(21) المصدر نفسه المقدمة.
(22)"الحضرة الأنسية في الرحلة المقدسية" للنابلسي وقف على طبعها ديمتري أفندي نقولا. جريدة الإخلاص سنة 1902 (المقدمة).
(23)"الفتح الرباني والفيض الرحماني" ص109.
(24)"شرح جواهر النصوص في حل كلمات النصوص"، للنابلسي على كتاب نصوص الحكم لابن عربي. مطبعة الزمان. أمام سراي منصور سنة 1304هـ.
(25)"الفتح الرباني..." ص107.
(26) المصدر نفسه ص61.
(27)"الإلهامات الإلهية على الوطيفة الشاذلية اليشرطية" تأليف محمود أبو الشامات. مطبعة بيروت سنة 1960، ص62.


المصدر: مجلة التراث العربي
-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد الأول - السنة الأولى – تشرين الثاني "نوفمبر" 1979

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عبد الغني النابلسي بين العدمية والحياة- هدى النعماني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديوان الشيخ : عبد الغني النابلسي
» صلاة لسيدى عبد الغني النابلسي رضي الله عنه
» من أشعار الوجد الصوفي ـ عبد الغني النابلسي - صورة و كلمة
» تخميس سيدي عبد الغني النابلسي على قصيدة : ( سكن الفؤاد ) لسيدي علي وفا - رضي الله عنهما -
» شرح ديوان سلطان العاشقين عمر ابن الفارض الجزء الثاني شرح الشيخين بدر الدين البوريني وعبد الغني النابلسي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: ديوان أهل الغرام-
انتقل الى: