على الرغم من الإهتمام الكبير والشهره العريضة التي يحظى بها اسم عمر الخيام في العالم كله ، فقد ضنّ عليه مواطنوه طوال قرون عديده على أ يعترفوا به شاعراً مجيداً ، نظم من الرباعيات ما يستحق الإهتمام والتبجيل ، فقد كان مواطنوه يعترفون به عالماً فلكياً وطبيباً ورياضياً ، أما الإعتراف به كشاعر فلم يكن وارداً في إيران مطلقاً.
ظل الحال كذلك حتى ترجم المستشرق فيتزجرالد رباعيات الخيام الى اللغه الإنجليزية ووجدت هذه الترجمة رواجا كبيراً في الغرب ، فأقبل عدد كبير من المستشرقين على دراسه هذه الرباعيات وتحليلها ، والبحث عن جميع النسخ الخطية لهذه الرباعيات ، وإلى جانب ذلك جمع مادة علمية عن ناظم الرباعيات عمر الخيام ، ونتيجة لهذا الإهتمام الواسع من قبل المستشرقين بدأت إيران تعيد نظرتها الى الخيام وترد إليها إعتباره كشاعر مبدع مجيد ولكن لماذا كان هذا الإهمال من جانب الإيرانيين.
لم يكن الخيام يعتبر نفسه شاعراً بالمعنى الذي كان سائداً في عصره فلم يكن يتخذ من الشعر وسيلة للتكسب أو التقرب من ملك أو أمير ، بل كان الخيام يقول الشعر لنفسه أولاً ولبعض الصفوة من أصدقائه بعد ذلك ، فقد كان يعمل بالفلك والطب والعلوم الرياضية أما الشعر فكان للمتعة في أوقات لفراغ ولهذا لم يذكر أحد من الذين كتبوا عن الخيام قديماً أنه كان شاعراً. وأول كتاب ورد فيه ذكر الخيام كتاب جهار مقاله ، وقد تحدث عن الخيام في الباب الثالث وهو الخاص بعلم النجوم والمنجمين ، أما الباب الثاني الذي تحدث فيه صاحب كتاب جهار مقاله عن الشعر والشعراء فلم يرد فيه أي ذكر للخيام ، وقال عنه صاحب كتاب مرصاد العباد وهو الشيخ نجم الدين الرازي ( عمر الخيام فيلسوف ودهري وطبيعي ..........) كما ورد ذكر الخيام في كتاب تاريخ الحكماء للقفطي الذي قال عنه " عمر الخيام واحد من حملة العلوم اليونانية أي الحكمة الفلسفية ........ ثم يمضي قائلاً إنه كان عديم القرين في علم النجوم والحكمة .
وسبب آخر عمل على عدم شهرة الخيام كشاعر بين مواطنيه ، يكمن في الآراء التى كان يتناولها في رباعياته ، فهو كرجل حكمة وعلوم رياضية يحتاج للإعتقاد في أي شئ الى دليل مادي ، ولما كانت بعض المعتقدات السائدة في مجتمعه لا يمكن إيجاد ليل مادي يؤكد صحتها أو ينفيها ، ولكنه في نفس الوقت لم يكن يحب المواجهة والعراك المذهبي ، لذا وقف حائراً وظهرت حيرتة هذه في شعره مما جعل رجال الدين والعامة لا يتقبلون آراءه ويتهمونه في دينه ، وبالتالي سيتبع ذلك إهمال هؤلاء لشعره والتركيزعلى أنه حكيم فيلسوف رياضي منجم.
بطبيعة الحال لم يستمر موقف الإيرانييين على هذا المنوال ، فبعد أن أدركوا ما حظي به الخيام خارج إيران بدأوا يقبلون على دراسة رباعياته والتأريخ لحياته ، بل والدفاع عنه ضد كل ما قيل عنه في القرون السابقة واعتبرهم بعضهم من أفضل رجال العرفان وقالوا : " لعل نوعية ديانه الخيام كانت من النوع الذي يهتم بالجوهر ويهمل العرض ... " " إن طراز تدين القشريين والمتمسكين بظواهر الشريعة لا يتلائم مع تفكير حكماء كالخيام " .
إلى غير ذلك من الآراء التى قيلت لبرير نظرة الخيام التشاؤمية فى رباعياته ، وكذلك تبرير ذكر الخيام فى رباعياته وبيان أن الخيام لم يكن يعنى الخمر لذاتها ، بل رمزاً لكل لذة فى العالم الأرضى ، ومن المحتمل أنه يقصد خمر الواصلين وليست الخمر المسكرة العادية .
ومن مظاهر الإهتمام به الآن بناء ضريح عصرى فى نيسابور ، يفضل بكثير عن الضريح الذى يجاوره وهو ضريح الشيخ الصوفى الكبير فريد الدين العطار ، ومن شواهد إهتمامهم به كذلك طبع الرباعيات طبعات عديدة وتوزيعها ككتاب سياحى فى إيران .
وهكذا أعاد الإيرانيين لعمر الخيام هويته الإيراينة ، واعترفوا به مواطناً يشرف بلده ، ويعلى من قدرها ، حيث أفادت إيران منه إعلامياً وسياحياً .
الرئيسية