بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : أظهر كل شيء بأنه الباطن وطوى وجود كل شيء بأنه الظاهر.
قلت : مضمنه أن اسمه تعالى الباطن يقتضي ظهورالأشياء حسا ليكون باطنا بسبب ظهور حسها لان الحس رداء أسرار المعاني، واسمه الظاهر يقتضي بطون الأشياء أي هلاكها واضمحلالها ليكون ظاهرا بما ظهر منها ، هذا معنى قوله أظهر كل شيء بأنه الباطن أي بسبب أنه الباطن ليتحقق بطونه بها وطوى وجود كل شيء بسبب أنه الظاهر ليتحقق انفراده بالظهور فيها والحاصل أن الحصر في قوله تعالى هو الظاهر يدل على انه لا ظاهر معه فانطوى وجود الأشياء واضمحل لها وقوله هو الباطن يدل على أنه لا باطن سواه فبطنت الأشياء كلها بعد ظهورها فدل كلامه سبحانه ان ما ظهر به هو الذي بطن فيه والذي بطن به هو الذي ظهر فيه والا لم يصح الحصر فان قلت المتقابلان لا يجتمعان كالضدين وكيف جمعتهما في ذات واحدة قلت لم يتواردا على محل واحد بل ذلك باعتبارين فاسمه الظاهر باعتبار الحس في عالم الحكمة واسمه الباطن باعتبار المعنى في عالم القدرة فالحكمة ظاهرة والقدرة باطنة ، أو تقول ظاهر باعتبار مظاهر الربوبية باطن باعتبار قوالب العبودية ، او تقول ظاهر باعتبار التعريف باطن باعتبار التكييف فالذات واحدة والاعتبارات مختلفة وذلك كثير فتحصل أن الحق سبحانه ظاهر في بطونه باطن في ظهوره ما ظهر به هو الذي بطن فيه وما بطن به هو الذي ظهر فيه أي ما ظهر فيه بحكمته هو الذي بطن فيه بقدرته وما بطن فيه بقدرته هو الذي ظهر فيه بحكمته وهو الذي قصده الشاعر بقوله:
لقد ظهرت فلا تخفى على احد ***إلا على أكمه لا يبصر القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجبا***وكيف يعرف من بالعزة استترا
والله تعالى اعلم .
تنبيه: قد كنت سألت الشيخين أعني شيخنا وشيخه عن الخمرة الأزلية قبل تجليها هل تسمى ظاهرة باطنة أو إنما تسمى باطنة فقط للطافتها حينئذ فأجابني بان ماكان هو الذي ظهر وليس الذي طهر غير ماكان في الأزل كان الله ولاشيء معه وهو الآن على ما عليه كان يعني أن الذات العلية كما كانت متصفة بصفاتها وأسمائها في الأزل بقيت كذلك فيما لا يزال فكان في الأزل ظاهرا باطنا وبقي بعد التجلي كذلك ظاهرا لنفسه باطنا عن خلقه ما تجلى به ظاهرا هو فيه أيضا باطن ، وقال القاشاني في شرح تائية ابن الفارض ما نصه بعد كلام : واظهر الحق تعالى سر ذاته وصفاته في مظاهر أفعاله وماكان لخفائه عليه قبل ذلك كما حكاه عن المحبوب بلسان الجمع في قوله:
مظاهر لي فيها بدوت ولم أكن ***علي بخاف قبل موطن برزة
ولكن ليتجلى باسمه الظاهر آخرا كما كان متجليا باسمه الباطن أولا والعجب كل العجب انه تعالى ما ظهر بشيء من مظاهر أفعاله إلا وقد احتجب به كما قال :
بدت باحتجاب واختفت بمظاهر***على صيغ الأكوان في كل برزة
انتهى كلامه رضي الله عنه والتحقيق أن يقال : الحق تعالى لم يزل متصفا بأسمائه وصفاته في الأزل وفيما لا يزال لكن ظهور آثارها وقع فيما لا يزال فكان متصفا الظاهر والباطن في الأزل وظهر بعد ذلك آثارهما فيما لا يزال والله تعالى اعلم .