بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه :الأكوان ثابتة بإثباته ممحوة بأحدية ذاته.
قلت (والكلام لابن عجيبة) : الأكوان هي ما ظهر في عالم الشهادة أو تقول ما دخل عالم التكوين وهي موجودة بوجود الحق قائمة به ثابتة بإثباته ليعرف بها، ممحوة بأحدية ذاته لانفراد وجوده فمن أثبتها لنفسها فقد جهله فيها وحجب بها عن شهود موجدها ومن أثبتها بالله فقد عرف فيها وشهد فيها مولاها ، فالثبوت للأكوان أمر عرضي والحق اللازم هو وجود أحدية الحق تعالى والاحدية مبالغة في الوحدة ولا تتحقق إلا إذا كانت الوحدة بحيث لا يتمكن أن يكون أشد وأكمل منها فمن مقتضى حقيقتها محو الأكوان وبطلانها بحيث لا توجد إذ لو وجدت لم تكن أحدية ولكان في ذلك متعددا واثنينية كما قيل:
أرب وعبد ونفي ضد***قلت له ليس ذاك عندي
فقال ما عندكم فقلنا***وجود فقد وفقد وجد
توحيد حق بترك حق***وليس حق سواي وحد
ومعنى كلام الشاعر الإنكار على من أثبت الفرق بأن جعل للعبودية محلا مستقلا منفصلا عن أسرار معاني الربوبية قائما بنفسه ولاشك أن العبودية تضاد أوصاف الربوبية على هذا الفرق وأنت تقول في توحيد الحق لا ضد له فقد نقضت كلامك ولذلك قال ونفي ضد فالواو بمعنى مع وهو داخل في الإنكار أي أيوجد رب وعبد مستقل مع نفي الضد للربوبية والعبودية تضاد أوصاف الربوبية والحق أن الحق تعالى تجلى بمظاهر الجمع في قوالب الفرق ظهر بعظمة الربوبية في إظهار قوالب العبودية فلا شيء معه وقوله في الجواب وجود فقد أي عندنا وجود فقد السوى وفقد وجود النفس وقوله توحيد حق بترك حق أي توحيد حق الحق بترك حق الغير ولاغير ولذلك قال وليس حق موجود سوى وجودي وحدي تكلم على لسان الفناء والله تعالى اعلم .
وقال آخر:
سر سرى من جناب القدس أفناني***لكن بذاك الفنا عني قد أحياني
وردني للبقاء حتى اعبر عن***جمال حضرته لكل هيمان
وصرت في ملكوت عجائبه***لم آلف غير وجود ماله ثاني
وأنشد المؤلف لنفسه في لطائف المنن يوصي رجلا من إخوانه اسمه حسن:
حسن بأن تدع الوجود بأسره***حسن فلا يشغلك عنه شاغل
ولئن فهمت لتعلمن بأنه***لا ترك إلا للذي هو حاصل
ومتى شهدت سواه فاعلم انه***من وهمك الأدبي وقلبك ذاهل
حسب الإله شهوده لوجوده***والله يعلم ما يقول القائل
ولقد أشرت إلى الصريح من الهدى***دلت عليه إن فهمت دلائل
وحديث كان وليس شيء دونه***يقضي به الآن اللبيب العاقل
لاغرو إلا نسبة مثبوتة*** ليذم ذو ترك ويحمد فاعل
وبالله التوفيق.