بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه :الناس يمدحونك بما يظنون فيك فكن أنت ذاما لنفسك بما تعلمه منها.
قلت (والكلام لابن عجيبة) : إذا مدحك الناس بشيء ليس هو موجود فيك فاعلم أن ذلك هواتف من الحق يهتفون بك ويحوشونك إلى الزيادة ويقولون لك الخير أمامك فلا تقنع بذلك ولا تركن إلى ما هنالك بل ارجع إلى نفسك باللوم ولا يغرنك ثناء القوم فإنهم لا يعلمون منك إلا الصوان الظاهر وأنت تعلم من نفسك اللب الباطن ، قال بعضهم : من فرح بمدح الناس فقد مكن الشيطان أن يدخل بطنه . وكان بعضهم يقول اللهم اجعلني خيرا مما يظنون ولا تؤاخذني بما يقولون واغفر لنا مالا يعلمون ، وإنما قلنا مدائح الناس هواتف الحق اذ ليس في الوجود إلا الحق ، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك، فأهل الفهم عن الله يستمعون إلى الخطاب فإذا سمعوه مدحهم بشيء نظروا فإذا كان فيهم علموا أنه تنبيه لهم على مقام الشكر ، وان لم يجدوه فيهم علموا انه تنبيه لهم على تحصيل ذلك المقام ، ولهذا لما سمع أبو حنيفة قوما يمدحونه بقيام الليل كله وكان لا يقوم إلا نصفه جعل يقوم الليل كله ، وقد ذم الله قوما أحبوا أن يمدحوا بما لم يفعلوا فقال: ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب . وقال المحاسبي رضي الله عنه : مثل الذي يفرح بمدح الباطل كمن يقال له : العذرة التي تخرج من جوفك لها رائحة المسك وهو يفرح بذلك ويرضى بالسخرية به . ثم أن ذمك لنفسك إذا توجه الخلق إليك بالمدح إنما هو حياء من ربك حيث سترعيوبك وأظهر محاسنك .
وبالله التوفيق.