بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : ربما أفادك في ليل القبض مالم تستفده في إشراق نهار البسط لا تدرون أيهم اقرب لكم نفعا.
قلت (والكلام لابن عجيبة) : قلت القبض والبسط حالتان يتعاقبان على الإنسان كتعاقب الليل والنهار فالليل محل السكون والقرار ،
والنهار محل التحرك والانتشار ، القبض لاحظ فيه للنفس والبسط تأخذ النفس حظها منه ،
وما لاحظ فيه للنفس أقرب للسلامة وأعظم للفائدة ،
فالقبض كالليل والليل محل المناجاة والمصافاة وملاقاة الأحباب ورفع الحجاب ،
فربما أفادك في ليل القبض من انخناس النفس وذهاب الحس وموالاة الأنس مالا تستفيد ه في نهار البسط من تحصيل العلوم وتحقيق الفنون ومجالسة الأخيار ومخالطة الأبرار، فالقبض له فوائد والبسط له فوائد والعبد لا يدري أيهما أقرب له نفعا ،
فتعين الوقوف مع ما يواجهه من جهة الحق فيتلقاه بالقبول والأدب وقد تقدم آداب كل واحد منهما عند قوله بسطك كي لا يتركك مع القبض...الخ،
فلا تطلب البسط ان واجهك بالقبض ولا تطلب القبض إن واجهك بالبسط فقد تستفيد من احدهما مالا تستفيد ه من الأخر فلا تدري أيهما انفع ولا أيهما اضر
ولذلك استدل بالآية التي نزلت في ميراث الأب من الابن فالبسط كالأب لأنه ناشيء من شهود ما منه إليك وهو فعل الحق الذي صدر منه كل موجود وهو الأصل والقبض كالابن لأنه ناشيء من شهود ما منك إليه وهو الفرع إذ الفعل كله من القدرة ،
وأما الحكمة فإنما هي تغطية وإذا كان العبد جاهلا بمنفعتهما كجهله بالأنفع من الآباء والأبناء تعين متابعة الحق بإتباع مراده وانتهاجه حاله من غير تحول ولا انتقال ولا تشوف إلى غير ماهو فيه من ذلك الحال ، بذلك يتنور قلبه ويتطهر سره ولبه فتنكشف عنه الحجب والأستار ويتهيأ لحمل الأنوار والأسرار.
وبالله التوفيق.