بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : ربما دخل الرياء عليك حيث لا ينظر الخلق إليك.
قلت (والكلام لابن عجيبة) :
الرياء هو طلب المنزلة عند الناس وقصد ذلك بعمل صالح سواء كان ذلك العمل ظاهرا للناس وهو الغالب ، أو خفيا عنهم فقد يكون الرياء في العمل الخفي فيدخل الرياء عليك من حيث لا ينظر احد إليك وهذا أصعب من الأول لأنه أخفى من دبيب النمل كما في الحديث وكان بعض العارفين يقول اجتهدت في إزالة الرياء من قلبي بكل حيلة فما أزلته من جهة حتى نبت من أخرى من حيث لا أظنه . وقال بعضهم من أعظم الرياء من رأى العطاء والمنع والضرر والنفع من الخلق وقال بعضهم أقسام الرياء ثلاثة كلها علة في الدين، الأول : وهو أعظمها أن يقصد بعمله الخلق ولولاهم لم يعمل ، الثاني: أن يعمل للمدحة ولو لم يعلمه الناس ، الثالث: أن يعمل لله ويرجو على عمله الثواب ورفع العقاب . وهذا نوع جيد من وجه معلول من عند العارفين رياء وعند عامة المسلمين إخلاص ، وقد قيل في قوله تعالى : والعمل الصالح يرفعه : هو السالم من الرياء ظاهرا وباطنا ، بحيث لا يريد عامله حظا دنيويا ولا أخرويا .وللمرائي علامات لا تخفى منها نشاطه في الجلوة وكسله في الخلوة ، او إتقان العمل حيث يراه الناس وتساهله من حيث لا يراه إلا الله ، ومنها التماسه بقلبه توقير الناس له وتعظيمه ومسارعتهم إلى قضاء حوائجه وإذا قصر احد في حقه الذي يستحقه عند نفسه استبعد ذلك واستنكره ، ويجد تفرقة بين إكرامه وإكرام غيره وأهانته وإهانة غيره من أقرانه حتى ربما يظهر بعض سخفاء العقول ذلك على ألسنتهم فيتوعدون من قصر في حقهم بمعاجلة الله لهم في العقوبة وان الله تعالى لا يدعهم حتى ينتصر لهم ويأخذ ثأرهم ، فان وجد الفقير هذه الأمارات في نفسه فليعلم انه مرائي بعمله وان أخفاه عن أعين الناس ، وقد روي عن علي كرم الله وجهه أن الله تعالى يقول للفقراء يوم القيامة : الم تكونوا ترخص عليكم الأسعار ، الم تكونوا تبادرون بالسلام ، الم تكونوا تقضى لكم الحوائج . وفي الحديث الآخر : لا اجر لكم قد استوفيتم أجوركم . وقال عبد الله بن المبارك روي عن وهب بن منبه رضي الله عنه ان رجلا من العباد قال لأصحابه إنا إنما فارقنا الأموال والأولاد مخافة الطغيان فنخاف ان يكون دخل علينا في امرنا هذا من الطغيان أكثر مما دخل على أهل الأموال في أموالهم ، ان احدنا اذا لقي أحب أن يعظم لمكان دينه وان سال حاجة أحب أن تعطى له لمكان دينه ، وان اشترى شيئا أحب أن يرخص عليه لمكان دينه ، فبلغ ذلك ملكهم فركب في موكب من الناس فإذا السهل والجبل قد امتلأ من الناس فقال السائح ما هذا؟ قيل له الملك قد أظلك فقال للغلام ائتني بطعام فأتاه ببقل وزيت وقلوب الشجر فأقبل يحشو شدقه ويأكل اكلأ عنيفا فقال الملك : أين صاحبكم ؟ قالوا هذا قالوا له كيف أنت ؟ قال: كالناس (وفي) حديث آخر: بخير فقال الملك ما عند هذا من خير فانصرف عنه ، فقال السائح الحمد لله الذي صرفك عني وأنت لي ذام ، ومن هذا النوع من الرياء خاف الكبار وعدوا أنفسهم من الأشرار كما روي عن الفضيل رضي الله عنه انه قال : من أراد ان ينظر إلى مرائي فلينظر إلى هذا وسمع مالك بن دينار امرأة تقول له: يا مرائي فقال يا هذه وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة ...الى غير هذا مما روي عنهم في هذا المعنى ولا يسلم من الرياء الجلي والخفي إلا العارفون الموحدون لان الله تعالى طهرهم من دقائق الشرك وغيب عن نظرهم رؤية الخلق بما أشرق على قلوبهم من أنوار اليقين والمعرفة فلم يرجو منهم حصول منفعة ولم يخافوا منهم وجود مضرة فأعمال هؤلاء خالصة وان عملوها بين اظهر الناس ومن لم يحظ بهذا وشاهد الخلق وتوقع منهم حصول المنافع ودفع المضار فهو مراء بعمله ، وان عبد الله تعالى في قنة جبل بالنون أي أعلاه ، قاله الشيخ ابن عباد رضي الله عنه. ومن علا مة الرياء الخفية استشراف العبد وتطلعه أن يعلم الناس بخصوصيته ...