في الفرق بين صفات الله وصفات البشر
« كثر النقاش حول مسالة صفات الله وصفات البشر ، وذهب الباحثون إلى كل مذهب :
فمنهم من قال : إن صفات الله منه ، لا بائنة منه ، وعدوها سبعا .
ومنهم من قال : صفاته صفات خلقه ، إذ لا يخرج شيء عن إرادته ، فمعنى كونه مريداً ينطبق جبراً على ما يراد في المدى الكوني الوجودي . فالله ليس عاطلاً عن القوة ، متعطلاً وصفة الإرادة تقتضي فعلاً ، وهو سبحانه ليس سائق السحاب ومنـزل الغيث ومفجر الأنهار وخالق الحب والنوى فحسب ، إذ اله كهذا هو إله القوى الطبيعية فقط .. أما الله فإرادته جامعة لكل ما حوى فوق السماء وما تحت الثرى ، وهو الله في السماء وفي الأرض ، فكيف نفرق بين إرادة مخلوق وإرادة خالقه ، وإرادة المخلوق من إرادة الخالق ؟!
ومعلوم أن من شن هذه الحملة الشعواء على من قال : إن صفاته سبحانه هي صفات خلقه كان قصده تنـزيهه سبحانه عن أن يتصف بتضاد صفاتي ، وهذا وارد من حيث التأدب مع الله ، كما قال : ( والشر ليس إليك ) (1) . ولكن الحديث عن مدى سلطان الصفات الإلهية اعمق غوراً وابعد شمولاً من مجرد موقف الأدب . فابن مسعود وآخرون قالوا بضرورة تأويل حديث النبي انسجاماً مع شريعة التوحيد . إذ نحن هنا إزاء قدرة ، والقدرة إما ناقصة عاجزة ، وهذا مستحيل في حقه سبحانه ، وإما عامة شاملة ، وهذا حق من حقوقه سبحانه مع افتراض أن التنـزيه والتأدب يتطلبان حديثاً بلغة أدبية تناسب المقام الإلهي ، ألم تر أن الله قال في الفاتحة على لسان عباده : صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (2) . فأبان فاعل انعم وأخفى الفاعل عند الغضب ؟ فما لابد منه هو عدم الفصل بين كرم إلهي وكرم إنساني . فالله ما تدلى من السماء وأرانا كرمه كيف يكون فعلاً ، إنما خلق من خلق ليدل بفعل خلقه على كرمه . هذه الآيات التي خلقت لتدل على الله سبحانه ، وما ثم شيء خارجاً عن هذه الآيات المرئية . ولهذا دعا الله للتفكير في خلق السموات والأرض ، وقـال:مـن عـرف نفسه عـرف ربـه(3) .
أما أن نقول : إن الله حي مريد عليم سميع مجيب قادر إلى آخر الصفات مع فصل فعل الله وصفاته عنه ، فهذا تعطيل لقوى صفاته نفسها . فالله هو الله في كل مكان ، في السماء وفي الأرض ، في السحاب وفي التراب وفي اليد التي تحرث الأرض باعتباره القوة السرية في الموجودات . فالفصل هو الشرك والتعطيل ، والتوحيد يقتضي النظرة الواحدة الشاملة .
فتكفير الشيخ الأكبر لأنه فسر لا إله إلا الله بمعنى لا موجود سواه وأن الظواهر ليست سوى ظاهره ، هذا التكفير جهل بحقيقة الشيخ الذي رأى الحق باطنه وظاهره ، وفسر حقيقة التوحيد ... الأرقام هي نتيجة تعدد الواحد وتضاعفه ، وأنها من دون الواحد لا يمكن أن تكون فهو أصلها وقوامها ... فالخطاب من فلان إلى فلان لا يقتضي نفي أصل وجودي لوجودهما .. ثم أن المسألة ذوق وكشف . ومن لم يؤت هذه النعمة لا يمكنه تصورها بل تذوقها ، فإنها أدق من أن تفهم وتهضم بغير كشف »(4) .
**********************************************************************************************
الهوامش:-
1- فيض القدير ج: 5 ص: 50 .
2- الفاتحة : 7 .
3- صحيح مسلم ج: 1 ص: 534 برقم 771 ، راجع حديث والخير بيدي .
4 -محمد غازي عرابي – النصوص في مصطلحات التصوف – ص 190 – 192 .
**********************************************************************************************
المصدر :- موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفان - ج22 - مادة ( و س م - ي و م )