إن الروح هي العنصر المحرك للكائنات الموجودة في الوجود. يرتبط كل كائن وجودي، له بداية ونهاية، بروح فردية تعطي له تماسكاً وتكاملاً لوجوده واستمراره وزواله. يوجد ثلاث صفات شاملة وعامة لكل ما هو موجود في هذا الوجود وهي: البداية والاستمرار والنهاية. إن كل شيء ظاهر أكان جماداً، نباتاً، حيواناً، أو إنساناً أو ربما ملاكاً أو غيره من المخلوقات السماوية والمخلوقات غير المرئية، له بداية وحياة ونهاية، إلا أن كل هذا الظهور هو ليس سوى انعكاس للحقل غير الظاهر. تقول علوم الفيزياء أن الحقل غير الظاهر يمثل 72% من الطاقة الكونية، وهذا ما ورد أيضاً في علوم الفيدا القديمة، إذ تقول بأن الوجود غير الظاهر يمثل ثلاثة أرباع الكون. لذلك لا بد للظواهر أن تكون مرتبطة بما هو غير ظاهر، وبالتالي فهي مرتبطة بالطاقة الكونية غير المحدودة التي هي الروح الإلهية والتي تسيّر الوجود كله بنظام دقيق وذكي. أما الرابط بين عناصر المادة الظاهرة والحقل غير الظاهر هو ما نسميه بالروح الفردية.
يشبه عمل الروح الفردية في المادة، الطاقة الكهربائية في الآلات التي تعمل على الكهرباء، فالآلات لا تعمل أبداً بدون الطاقة الكهربائية، فتكون مجرد خردة بلا نفع، وكذلك لا تحيى المخلوقات بلا روح، فتكون أجساماً ميتة سرعان ما تضمحل وتزول. إن الطاقة الكهربائية هي ذاتها في كل الآلات، ولكن كل آلة تعمل طبقاً لتصميها الخاص، كذلك الروح التي هي من الصدر ذاته في كل المخلوقات ولكن كل مخلوق يعمل طبقاً لوظيفة الجهاز العصبي الذي يكوّنه. ربما تختلف الطاقة الكهربائية المستخدمة، من حيث قوتها وكميتها، بين آلة وأخرى، وكذلك قد تختلف الروح من حيث التطوّر بين مخلوق وآخر.
ما هي الروح الكونية؟
إن الروح الكونية هي روح الله، هي الطاقة غير المحدودة وغير الظاهرة في الوجود والتي منها نبع الوجود كله. هي الأرضية غير الظاهرة التي تفاعلت عليها نبضات الذكاء، وتستمر في التفاعل لحين وجود المادة. ومع تفاعل نبضات الذكاء الخلاق، يتماوج البحر الواحد غير المحدود للروح الكونية، وتظهر على سطحه الأمواج بكل أشكالها وأحجامها. تمثّل هذه الأمواج على سطح البحر غير المحدود، كل أرواح كائنات الوجود، وبما أن البحر هو غير محدود، فهو يدفع بكمية غير محدودة من الأمواج، وتتكاثر الأرواح الفردية من الروح الإلهية غير المحدودة لتلبي التمدد المستمر للوجود المادي.
بالرغم من أن تكاثر الأمواج يتفاعل باستمرار، إلا أنه يعمل أيضاً ضمن نظام هيكلي. فلنعود إلى ثلاثية العمل الكوني، ومبدأ أحادية السامهيتا، وثلاثيتها في الريشي والديفاتا والتشاندس. فلنعتبر أن السامهيتا هي البحر في حالة الصفاء التام والسكون التام دون أية حركة، في هذا الوضع لا يوجد أي أمواج وبالتالي لا يوجد أي شيء يمكنه أن يشهد على وجود البحر الساكن. فالبحر الساكن هو ساكن لوحده. وبتفاعل السامهيتا وظهورها في ثلاثية الريشي والديفاتا والتشاندس، يتماوج البحر ويعطي ثلاثة أنماط من الموج، فلنسميها بثلاثة تيارات رئيسية، وكأن الروح الواحدة ظهرت في الوجود بثلاثة أبعاد رئيسية لروح الله الواحد.
الأبعاد الثلاثة للروح إذا كان عمل الله في الخليقة، كما ذكرنا، يرتكزعلى ثلاثة وظائف، وهي الخلق والمحافظة والإفناء، فلا بد أن تكون الأبعاد الثلاثة الرئيسية لروح الله هي روح الله الخالق، وروح الله المحافظ على الخليقة وروح الله الذي يفني الخليقة. ومع ربطنا للأعمال الثلاثية لله مع الأنماط الثلاثية للريشي والديفاتا والتشاندس، تكون صفة روح الله الخالق مرتبطة بنمط الريشي أي الذات، هي تعمل بالرجوع إلى الذات والتفكير، وهكذا يصح تماماً مع ما يرد في العلوم الفيدية التي تقول بأن برهما، الخالق، قد حلم بالوجود، فكان الوجود. ويصح هذا أيضاً مع ما يرد في القرآن الكريم، "قال الله كن، فكان". وفي المحافظة على الخليقة، تكون صفة روح الله المتوكل بخليقته مرتبطة بنمط الديفاتا، وهي الفعل، أي خطوات العمل، أي النظام الطبيعي والتوجيه والإرشاد والتعليم من أجل الحفاظ على الوجود، وهذا ما يتوافق مع علوم الفيدا في أن فيشنو هو الذي يحافظ على الخليقة وهو الذي يتجسد من أجل أن يرشد المخلوقات إلى طريق التطور، كلما دعت الحاجة لذلك على مر الزمن. وهذا ينطبق مع القرآن الكريم "الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل" وينطبق أيضاً مع التعاليم المسيحية في القول أن "الله خالق كل شيء وموجود في كل شيء" إن دور الله بأن يكون موجوداً في كل شيء أو "على كل شيء وكيل"، تعني أن الله هو الذي يضع أسس ونظام وجود كل ما خلق من كائنات وجودية لكل ما نراه وما لا نراه. أما في عملية الإفناء فتكون صفة روح الله الذي يفني الوجود ويميت المخلوقات، وهي مرتبطة بنمط التشاندس، والتشاندس هو الذي يحجب عن الوجود كل ما هو معيق للتطور. في الإسلام لله دور المميت، فهو الذي يحيي ويميت وإليه ترجع الأمور. وهذا يتوافق مع علوم الفيدا في أن شيفا هو مدمر الخليقة الذي يزيل كل ما يتوجب إزالته لإفساح الطريق أمام مجرى التطور والتقدم. أما في المسيحية فهو الروح القدس، الرب المحيي، الذي يعيد الإنسان إلى الحياة الأبدية بعد أن يحل على المؤمن ويزيل من قلبه كل خطيئة.
بالرغم من أن الروح الإلهية تعمل ضمن ثلاثة أبعاد إلا أنه من غير الممكن فصل الوظائف الثلاثة عن بعضها البعض، فهي تعمل في آن واحد، وهي تبقى وظائف الله الواحد الأحد. هناك عدد من الأخطاء في التفسيرات في الديانات القديمة التي تؤمن بتعددية الآلهة، إلا أن هذه التفسيرات لا يمكن أن تتطابق مع التحليل المنطقي للدراسات العلمية التي توصلت إلى اكتشاف العمل الإلهي الثلاثي في المادة المنبثق
من الحقل الموحد والذي هو مصدر الكون.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@