الجوهر الأول وعليه المعول
أعلم وفقنا الله وإياك أن الموحد من كان توحيده لا عن علة ولا سبب ولا واسطة
بل الموحد فى التوحيد لمن التوحيد شأنه فعلاً وحالاً وعلماً ومقاماً غير مقيد بمشهد دون مشهد
ولا مخصص بمنظر أو أسم أو صفة أو نعت بل توحيده وحدة الشىء (لشيئيته)
لسببيته التى يستحيل فيها التعدد فافهم.
العرض المفارق كالسهاد الأرق
سألت فى البداية وارد الوقت عن حالة ولى من الأولياء فى التوحيد فلم أسمع جواباً غير أنه ليس حالة وَجَدَتها شأنى للتخصيص بذاتى فوجدت نسبة الموجودات إلى ذاتى كنسبة شعاع الشمس إلى الشمس فنادانى الوارد من قبل أن ليس ذلك المشهد منى، هذا هو التوحيد فلا نجيب سألاً عنه بالمقال فإنما يصح الجواب عنه بالحال.
فعلمت أن الرجل كان من أهل حقيقة التوحيد رضى الله عنه.
بطل كريم وسر عظيم
لابد من الفناء عن الوجود أولاً ثم عنك ثانياً فبفائك عن الموجودات تحصل فى مقام الشهود وبفنائك عنك ترتقى إلى مقام الموجود فإذا فنيت عن فنائك أبقاك به على أنك عينه فتراك فيراك معدوماً من حيث حقيقته (خليقتك) موجوداً من حيث حقيقتك (تتجلى) تتحلى (متجلى) بالأسماء والصفات كما هى لذاتك بحكم الأصالة والملك لا بالتبعية ولا بالظن ولا بالنظر إلى الحقيقة بل نسبة الكمالات كلها إليك كنسبة الصفات إلى الذات ولم تزل تساير هذه المعنى حتى تفقده فلا تجد سواك) (ولا سواك) وحينئذ ينكشف لك فى باطنك عن مواقع نجوم الأزل من سماء علة العلل بلا واسطة أسم ولا صفة ولا نسبة بل وجودك لمعانيك الباطنة عن كل موجود سواك فإذا وجدت ذلك منك لك فيك فأنت الموحد الواحد.
درة يتيمة فى لجة عظيمة
للتحقق بالحقائق الإلهية حكمة لا يعرفها إلا المحققون فمن وجد الكمالات فيه ولم يظفر بتلك الحكمة لم يقدر على أظهار شىء من أثار تلك الكمالات فإذا عثرت على كيفية التجلى من الحق بصفاته انفتح لك باب إلى تلك الحكمة من حيث الذوق فحينئذ تعرف معنى قول الشيخ عبد القادر الجيلانى رضى الله عنه حيث يقول: (كل الأولياء وصلوا إلى القدر فوجوده مصمتاً فوقفوا إلا أنا فتحت لى فيه روزنة فى المحق فولجت فيها فدافعت القدر بالقدر.
الكنز الخفى والعهد الوفى
يا هذا أما علمت أن الحق تعالى له كمالات لا يعرفها غيره وأن تجليه الذاتى لا يسعه الوجود بأسره فلا يظهر بكماله إلا لذاته وفى علمه فلا يطيق الوجود كمال ظهوره بالكنه والذات بل ولا بكمال الأسماء والصفات، فلم أنت تحب (منه) ظهور كلما تجده فيك وذلك محال لضيق الكون عن ذلك فإياك ثم إياك أن تطلب ما لا (يمكن) فإنه غير لائق بك وتحت هذا الكلام سر جليل لو وقفت عليه لعرفت الأمر الذى لا تسعه العبارة ولا تحمله الإشارة ولكنى أنجلى عليك باطنك بكل معنى من معانى الكمالات الإلهية التى تظهر فى الكون والتى تختص بالحق فافهم.
وأعلم أن الكمالات المتعينة لك فيك منها ما يختص بك بكل معنى دون كل أحد فكمال تجليها فى علمك لك ومنها ما يمكن ظهورها فى العالم بضرب من الحكمة فأت البيوت من أبوابها.
الكبريت الأحمر والسر الأكبر
أعلم أن ذاتك هى المشار إليها بجميع الكمالات وعينك المسمى بجميع تلك الأسماء والصفات فلا تتصنع ولا تتعمل فالاستجلاب حجاب (والا لة) (اللهو) شغل بغير، والرجوع إلى الأصل إهمال للفرع، كل هذا زور وتصنع والطريق فيه أن تتجلى بما لك أذ كان (والطريق ميزان فتحلى بما لك) كل الكمال كمالك كما قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه (فأستقم كما أمرت) وكان أبو سعيد الخراز رضى الله عنه يتمثل بهذا البيت:
فأثبت فى مستنقع الموت رجله وقال لها من دون أخمصك الحشر
فهم ذلك من فهمه وعلم ذلك من علمه وما يلقاها إلا الذين صبروا أو ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.
سر
فيه أشارة إلى ما لا تحتمله العبارة
هات عرفنى أين تجد المعانى الكمالية التى عبرت عنها بالأسماء والصفات نسبتها ثم إليه (تعالى فإنه لابد من تعلقها أولاً ثم نسبتها) ثانياً فإن قلت لى وجدتها فى علمى أو قلت فى عقلى أو قلت فى قلبى أو قلت فى خيالى كل ذلك جواب صحيح سائغ لكنى أقول أن علمك لذاتك وفى ذاتك لم يحل فيه شىء غيرك بل تتعين فيه أنت بجميع معلوماتك لأن المعلوم لا يحل فى العالم هذا أصل لا خلاف فيه وإلا كان يلزم من ذلك بأن الله تعالى تحل فيه معلوماته وذلك محال فإذا علمت أنه علمك فإن شئت قلت عقلك وإن شئت قلت قلبك وإن شئت قلت خيالك كل واحد من ذلك عبارة عن وجه من الوجوه ذلك التى لذلك وجوه ذلك وجميع ما فيه عينك وقد وجدت فيه ما وجدت من ذلك الكمال والجمال والجلال والأسماء والصفات والعين والذات علمت أنك عين المطلوب والحبيب والمحبوب فتأمل هذه الكمالات فإنها يتيمة الدهر لم يضعها أحد قبلى فى كتاب وهى من المعارف المسمى بلب اللباب.
ضرب تقريب مثل على وجه الجدل
لما عرج ونزل قال بعض الفقراء جذبت من عالم ألاين إلى حضرة العين فوجدت المطلوب قريباً والمحب حبيباً فقلت له أيها الأمر العالى والشأن الغالى أستأذنك فى السؤال عن الفرق بين حالك وحالى؟
فقال: سل لتجاب وأعلم أنه لا فرق بيننا إلا فى الألقاب.
فقلت: لما أنت ذو (القهر) القدرة والعز وأنا ذو الزل والعجز؟
فقال: لأنك مظهرى فى عالم الأين وإنا مظهرك فى حضرة العين.
فقلت: لما كان مظهرى هو العالى اللطيف ومظهرك هو الدون الكثيف؟
قال: لأنى حقيقتك وأنت حقيقتى (فحقيقتك هى الباقية الوجودية وحقيقتى هى الفانية الحكمية وعن قليل أزول) وحقيقتك هى الثابتة الوجودية وحقيقتى هى الفانية الحكمية وعن قليل أزول وتبقى فيزهق الباطل حين أن تحيا حقاً أما علمت أنك مرآتى وأنا مرآتك والمؤمن مرآة المؤمن فالموجود فى صفاتك والموجود فيك صفاتى وصفاتك هى الموجودة الكاملة وصفاتى هى المفقودة الزايلة فلهذا إذا رأيتنى وجدتنى بحر الكمال ومعدن الجمال والجلال وإذا رأيت نفسك وجدتها محل التغيير والحدثان ومعدن النقص والزوال يا إنسان ولو وقفت لأسقاطى رأساً ما كان عليك جناحاً ولا بأساً وكنت حينئذ ترى فى ذاتك من الكمالات ما كنت تحسبه فى ذاتى ويسقط عنك من النقائص ما كنت تظنه من صفاتك وهى صفاتى فبزوالى (تزول الأثينية والإشراك ويفلت صير الأحدية من)- ربط الإشراك وهذا لعمرى سم قاتل إلا لمن كان له قلب قابل.
شعر
دع الوقوف مع الألات والعلل وأحذر من القيد يالأعلام والكلل
وانزل سياحتك ما فى الحى من أحد سواك وأعمد إلى ما شئت من عمل.
حكاية عن حال واتصال من غير انفصال
غيبنى وارد الوقت مرة عن الأكوان وأخرجنى بالكلية عن عالم الحدثان فأشهدنى صفاتى ثم وأوجدنى ذاتى ثم نقلنى منى إلى فى أطوار كثيرة هى لى وعندى ولدى فلما قمت على الصراط المستقيم وحفظت الشروط فى ذلك العهد القديم وضعت أحد القدمين فى حضرة العين والأخرى فى عالم ألاين فخاطبت السفلى عاليها تستفهمها عن أولاها وأخرها.
فقالت لها: يا من هى ذاتى والموصوفة بصفاتى بل يا من أنا ذاتها وأسمها وصفاتها مالنا متحدان بالعين متعددن فى مقام البين؟
قالت العليا: بظهور ما لنا من المراتب وبروزها وبروز ما فينا من المنافر والمناسب لنجمع مقام الأشفاع والأوتار ونستوعب كمال الوحدة والاستكثار وما ذاك إلا عن عبارة عن شؤنى الذاتية تظهر فى مقتضى أحكامى الصفاتية فهى كالأمواج وأنا كالبحر العجاج.
فقالت السفلى: فما الحكمة فى الفرق فيما بينى وبينك؟
قالت العليا: ليمتاز حكم عينى من حكم عينك.
فقالت السفلى: إما العينين عين؟ فمن أين ذى الفرق فى البين؟
قالت العليا: نعم نحن عين واحدة بالذات متعددة بالأسماء والصفات.
فقالت السفلى: فلم لا يكن لى فى وحدة العين مالك وكيف تمتازين بالقدرة دونى فى أفعالك؟
قالت العليا: لأنك تكونين بالوحدة بما يقتضيه حكم الكثرة فلو كنت فى وحدتنا بحكم مشهدنا من غير علة ولا تمييز لقمت بالقدرة من غير تكليف ولا تعجيز.
قالت السفلى: أنا أشهد أنك (إلى) ومع ذلك لا يبلغ منك منا.
قالت العليا: ذلك الشهود هو الذى أقصاك ومنعك عن بلوغ قصواك لأن شهود الاثنين واحد يقتضى بالأثينية وحجاب لمن هو شاهداً.
قالت السفلى: فما العمل؟
قالت العليا: ترك الخطاء والخطل فى وفاء شروط أحكام أمر علة العلل؟
قالت السفلى: قد فهمت بعض ما أشرت إليه فزدينى إيضاحاً لعلى أتمكن لديه.
قالت العليا: هذا ميزانى فيه جميع ذلك المعانى فزنى نور شملك واسقطى غيرك بإثبات نفسك يظهر لك السر المصون ويتكشف لك عالم الكاف والنون.
فقالت السفلى: كيف؟
قالت العليا: بلا زيف.
فقالت السفلى: ثبتنا.
قالت العليا: سقطنا.
فلما تخاطبتا قدمى بهذا الخطاب فتح لى فى الأفق الأعلى ذلك الباب فولجت فى عالمى وعقدت حواء بأدمى.