بســم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد ان خلقتني مسلما واحييتني مسلما بين اهلى وجعلتي من امة محمد صل الله عليه وسلم.
اللهم لك الحمد على نعمة الاسلام واجعلنا من تابعي هدي خير الانام سيدنا تاج الاصفياء وخاتم الانبياء.
اللهم اجعنا ممن ابلغتهم مراتب الاخلاص في عبادتك وارض عنا انك تواب فتُب علينا آمين.
من هي رابعة العدوية
مختصرات منقولة
رابعة هي بنت إسماعيل العدوية العتكية القيسية البصرية, ولدت عام 95 هجرية, ومنهم من قال أنها ولدت عام 99 هـ في كوخ خاو في أحد الأحياء الفقيرة في البصرة في زمن كان يجتاح البصرة قحط شديد وينتشر فيها اللصوص وقطاع الطرق والنخاسون من تجار الرقيق.
وكانت المولودة هي الأنثى الرابعة التي يرزق بها والدها دون الذكور فسماها لذلك رابعة. كان أبوها رجلا معدما شديد الفقر لكنه كان من أهل التقوى والعبادة، ضاقت يده في تلك الليلة التي ولدت فيها رابعة عن تأمين قطرة زيت لإيقاد ذبالة السراج الذي خبا نوره في تلك الليلة الظلماء, أو لدهن المولودة القادمة, كما خلا الكوخ من خرقة بالية تلف بها الأم طفلتها المولودة, فذهب الوالد لأحد الجيران يسأله عن قطرة زيت فلم يجد من يلبي حاجته, فنام في تلك اللية جاثيا على ركبتيه واليأس يعتصر قلبه, وقد رأى في تلك الليلة مناما يبشر بمباركة المولودة :
وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه يقول له: " لا عليك, إن هذه البنت التي ولدت ستكون سيدة جليلة القدر, وأن سبعين ألفا من أمتي ليرجون شفاعتها, فاذهب في الغد إلى أمير البصرة وقل له: أنك تصلي في كل ليلة مئة ركعة, وفي ليلة الجمعة أربعمائة, ولكنك في يوم الجمعة الأخير نسيتني, فقدم إلى هذا الشخص الذي يحمل إليك الرسالة أربعمائة دينارا كفارة, ليحط بها عنك إثم هذا النسيان" فلما أفاق الوالد دهش لعجب ما رأى, ولكنه نفذ ما أمره الرسول. وفعلا أرسل رسالة إلى أمير البصرة مع الحاجب يخبره فيها بما رآى في منامه. ولما قرأها الأمير ذهل لحقيقة ما جاء فيها, فأمر بإعطاء الحاجب أربعة مائة دينار, وتوزيع ألف على الفقراء.
و في هذا الجو المفعم بالإيمان عاشت رابعة طفولتها, وكانت تتفوق على لدّاتها ذكاء وإيمانا وحسا, فحفظت القرآن وهي في الخامسة عشر, وحافظت على الصلاة وهي في عمر الورد, وتكون وجدانها الديني الرقيق وهي طفلة في نضارة الزهر.
فرقت بين الحلال والحرام في سن مبكر, حيث يروى أن والدها قدم يوما يحمل طعاما إلى أسرته, فأبت رابعة أن تمد يدها إليه خوفا من أن يكون حراما, وقالت لأبيها: "يا أبت لست أجعلك في حل من حرام تطعمنيه", فقال لها والدها: "أرأيت يا رابعة إن لم نجد إلا حراما", فقالت: "نصبر في الدنيا على الجوع خيرا من أن نصير في الآخرة إلى النار"و مات أبوها وهي في مرحلة الصبا المبكر, ولحقت به أمها, فأصبحت رابعة يتيمة الأبوين بلا سند ولا مال, فخرجت الأخوات الأربعة هائمات على وجوههن وتفرقت بهن السبل كل منهن في طريق, وتاهت رابعة فلم يبق لها مع اليتم سوى الوحدة والفقر والتيه.
فوقعت في مخالب ذئب من قطاع الطرق باعها لتاجر بستة دراهم, فأصبحت جارية مملوكة لسيد فظ غليظ القلب يقسوا عليها ويسومها سوء العذاب, ويرغمها على مجالسة الرجال من الغرباء وزاولت رابعة العزف على الناي وكانت تغني على أنغامه وتضرب على الدف والطبل وهي في مرحلة العبودية, وذات يوم جاءها رجل غريب يتهجّمها فهربت منه وسارت في أزقة البصرة مجهدة باكية حتى تعثرت وسقطت على الأرض مغشيا عليها, فلما أفاقت واستردت صوابها, رفعت رأسها إلى السماء في مناجاة ربها قائلة: "رباه, أنا غريبة يتيمة, أكابد ألم العبودية, وسوف أتحمل كل شيء وأصبر عليه, ولكن غمي الأكبر هو أن أعرف أراض أنت عني أم غير راض, إلهي هذا ما أتوق إلى معرفته!" , فسمعت هاتفا يقول لها: "لا تحزني, ففي يوم الحساب يتطلع إليك المقربون يحسدونك على ما تكونين فيه".
فشعرت رابعة بسكينة وطمأنينة وأن الفرج قادم من عند الله, فقامت وعادت إلى بيت سيدها وقد اختلف حالها وتفتح قلبها وأخذت روحها تهفو نحو حب كبير غامض يملأ رحاب وجدانها, وكانت تنتظر قدوم الليل في شغف وهي عند سيدها حتى تخلو مع ربها خلوتها الكبرى فتصفو للعبادة والصلاة والتهجد والمناجاة.
وفي إحدى الليالي صحا سيدها على صوت مناجاة, فتتبع الصوت فرأى رابعة في مخدعها تصلي وتدعو ربها أن يخلصها من هذه الحياة التي تعيشها, ثم رآى قنديلا معلقا في الهواء يدور فوق رأسها ويملأ الغرفة نورا وضياء, فذهل لما رأى وارتج جسمه وتسمرت عيناه وخارت قواه وقدماه, وعندها فتح عليها الباب وقال لها: " يا رابعة أنت حرة طليقة منذ هذه الليلة, ولك الخيار في البقاء في منزلي معززة مكرمة أو الرحيل إلى مكان آخر ترغبينه", ففضلت الرحيل , وخرجت في اليوم التالي إلى الصحراء هي وجارية أخرى تدعى "عبدة بنت شوال" لتعينها في حياتها, فابتنت لنفسها كوخا صغيرا في أطراف البصرة,
وأقبلت بكل كنوز قلبها على الصلاة والمناجاة والعبادة, وعندما ترددت في أعماق نفسها نوازع الحيرة والقلق, أخذت تلوذ بالمساجد وتتردد على ساحات الصوفية وحلقات الذكر تستمع إلى أقوال الوعاظ والزهاد, فترك هذا كله في نفسها أثرا عميقا, وسبب لها صراعا نفسيا جعلها تبحث عن عشيرتها وتفتش عن أقاربها, فقابلت الزاهد العابد " رباح القيسي", فأخذ بيدها وهداها إلى طريق الزهاد والعبادة, وعرفها على زاهدة تعدّ من أكبر عابدات البصرة آنذاك تدعى " حيونة",
حيث أنها من تلاميذة الزاهد الصوفي " عبد الواحد بن زيد", الذي هو أستاذ رباح القيسي في الوقت نفسه, فعلمت رابعة قيام الليل حتى بلغت مقام الحب الإلهي وهكذا بدأت رابعة الطريق تتضح لرابعة شيئا فشيئا, وبدأت تنعقد الصلات بينها وبين الرعيل الأول من رجال التصوف أمثال "مالك بن دينار, وإبراهيم بن أدهم, وسفيان الثوري, وعبد العزيز بن سليمان, وعبد الواحد بن زيد, وحبيب العجمي, وهكذا انتقلت رابعة من حياة العزلة في الصحراء إلى حياة تموج بالذكر والتسبيح والاستغفار ومليئة بالتأمل والحب الإلهي. . فهذه أبيات في إنشادها العشق الإلهي:
فـليتك تحلو والحياة iiمريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين iiخراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
|
لقد سلكت رابعة طريق الروح بخطى ثابتة كما سلكه معاصروها من العباد والزهاد, وتدرجت في مقامات التصوف مقاما مقاما, ابتداء من مقام التوبة والاستغفار الممزوج بالحزن والبكاء والتذلل بين يدي الله حبا في الله لا طمعا في جنة, أو خوفا من نار, حيث كانت تقول: " إلهي هذا الليل قد أدبر وهذا النهار قد أسفر, فليت شعري أقبلت مني ليلتي فأهنأ, أم رددتها علي فأعزى!". وقد أجابت حين سئلت ذات مرة: أعملت عملا ترين أن يقبل منك! قالت: " إن كان, فخوفي أن يرد علي. وقد أنشدت في هذا المقام:
وزادي قـليل ما أراه مبلغي أتحرقني بالنار يا غاية المنى | *** *** | ألزاد أبكي أم لطول مسافتي فأين رجائي فيك أين مخافتي |
كانت رابعة تصلى ألف ركعة في اليوم والليلة! فقيل لها: ما تريدين بهذا ؟ قالت : لا أريد به ثوابًا، وإنما أفعله لكي يُسرَّ به رسول الله يوم القيامة، فيقول للأنبياء: انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها.
سئلت رابعة: كيف حبك للرسول صلوات الله عليه ؟
قالت : إني والله أحبه حبًا شديدًا، ولكن حب الخالق شغلني عن حب المخلوقين.
هتف رجل من العبَّاد في مجلس رابعة: اللهم ارضَ عني.
قالت رابعة : لو رضيت عن الله لرضي عنك.
قال : وكيف أرضى عن الله ؟
قالت : يوم تُسرُّ بالنقمة سرورك بالنعمة لأن كليهما من عند الله
ثم انتقلت إلى مقام الرضا والامتثال لإرادة الله والاستسلام لمشيئته والشعور بالأمن والطمأنينة في حضرته والقبول بالقضاء والقدر, حيث كان لرابعة مواقف كثيرة تعبر عن رسوخها في هذا المقام. وقد روي عنها أن "سفيان الثوري" قال ذات مرة وهو يزور رابعة: "اللهم ارض عني", فقالت له: " أما تستحي من الله أن تسأله الرضا وأنت غير راض عنه!", فقال: "استغفر الله", وأردف يسألها: "متى يكون العبد راضيا من الله؟", قالت: " إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة." ومن قولها أيضا في هذا المقام: "إني أستحي أن أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها" ثم ارتفعت رابعة إلى مقام المحبة والذي يعتبر أصل الإسلام وجوهره, وروح التصوف ومنبعه, وهو عند الصوفيين معراج لعلوم التصوف كافة, تلك العلوم التي تقوم على الفيض والكشف والذوق والإلهام, وفيه يصل المتصوف إلى مقام الإشراف على بحار الغيوب. ومن أقوالها في هذا المقام
حـبـيـبـي ليس يعدله حبيب حبيب غاب عن بصري وسمعي فـلـيـتك تحلو والحياة iiمريرة ولـيت الذي بيني وبينك عامر إذا صـح منك الود فالكل هين
| *** *** *** *** ***
| ولا لـسـواه فـي قلبي نصيب ولـكـن فـي فؤادي ما يغيب ولـيتك ترضى والأنام غضاب وبـيـني وبين العالمين iiخراب وكـل الذي فوق التراب تراب
|
أحـبـك حـبين حب الهوى فـأمـا الذي هو حب الهوى وأمـا الـذي أنـت أهل له فما الحمد في ذا ولا ذاك لي يا حبيب القلب ما لي سواك يا رجائي وراحتي وسروري | *** *** *** *** *** *** | وحـبـا لأنـك أهـل لذاك فـحب شغلت به عمن سواك فكشفك لي الحجب حتى أراك ولـكن لك الحمد في ذا وذاك فـارحـم اليوم مذنبا قد أتاك قد أبى القلب أن يحب iiسواك |
ثم انتهت رابعة إلى مقام الخلوة وقطع العلائق والذي هو ثمرة المحبة الإلهية المتعمقة, وفيه يتخلل حب الله جميع الأعضاء واللحم والدم, فترتفع الحجب بين المتصوف والله ويحصل الكشف, وقد قيل أن هذا المقام لا يعلوه مقام إلا مقام النبوة.
ومن قولها في هذا المقام:
وتـخـللت مسلك الروح مني فـإذا مـا نطقت كنت حديثي إنـي جعلتك في الفؤاد محدثي فـالجسم مني للجليس iiمؤانس | *** *** *** *** | وبـه سـمـي الـخليل iiخليلا وإذا مـا سـكت كنت الخليلا وأبحت جسمي من أراد جلوسي وحـبيب قلبي في الفؤاد أنيسي |