فقير الاسكندريه
عدد الرسائل : 76 تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: بارقة برق من منازل القمر تشق ظلمة احتجاب الاحتجاب الأحد مايو 11, 2008 4:56 am | |
| الله بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحي القيوم. والصلاة والسلام على من به استنارت الدنيا وانقشعت الغيوم. وعلى آله وصحبه صلاة تدوم. وسلم سلاماً ما لاحت في الأفق حقائق وتجلت علوم.
أما بعد...
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته...
وبعد ..
فنعود إليكم من ساحة الاسكندرية، وبعد أن سبق لنا أن وضعنا بين أيديكم مقالة سابقة بعنوان – عندما احتجب القمر – على الرابط:
فإننا نعود إليكم مع لقاء جديد وفيض ليس ببعيد لنستأنف كلامنا عن القمر المتجدد منازله بتجدد الخلق الجديد.
اعلم أيها القاريء الكريم أن طامة العصر الحالي الكبرى هي تلبس الباطل بالحق، وانطماس المعالم، بل وتزيي الباطل كثيراً بزي دعوى الحق..
وبالأمثال تتضح العبارة: إن العصر الحالي يسمي احتلال القوى الكبرى للبلاد النامية "ديمقراطية"، ويمسي الشذوذ حرية شخصية والتعري وجهة نظر والحياء رجعية، ولا عجب في هذا الظلام الحالك أن تفشى التطرف بطرفيه، واختفت الوسطية...
لقد كان في أيام المسلمين الأوائل اسلام وكفر، ولكن الأمر كل الأمر أن الحق كان واضحاً متميزاً والباطل واضحاً ومتميزاً.. فكان الهدى يظهر بصورة الهدى والضلال يظهر ضلالاً، كان هناك فُرقاناً يفرق بين الحق والباطل، ويعُطَي كل شيءٍ حقه، فيظهر بصورته الأصلية، وعلى الطرف النقيض نجد في عصرنا هذا - الذي ابتُلينا به - أن الفرقان لم يعد موجوداً، وإنما الغالب هو التلبيس، ولذا أطلقنا عليه "احتجاب الاحتجاب" لأنه يظهر فيه الهدى وكأنه "ضلال"، والضلال وكأنه "هدى" بمعنى أن الإحتجاب لا يظهر أنه احتجاب ولكنه يتخفى ويتستر ويظهر بصورة "التقدم" فيحتجب ولا يظهر كونه "إحتجاباً" ولذلك أطلقنا عليه "احتجاب الاحتجاب"، إنه عين الاستدراج والمكر نسأل الله السلامة وحسن الخاتمة..
وإنَّ من علامات احتجاب الاحتجاب تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال. وانعكاس الحقائق، وانطماس المعالم..
ومثلاً فإنه مع دعوى المساواة التي علت فإننا يجب أن ننتبه إلى أنه لا توجد مساواة في القرآن ولا تساوي ولكن يوجد تسوية (سوى) وليس (ساوى) والتسوية هي اعطاء كل شيء حقه، انظر إلى اللسان العربي وهو يُفصح عن حقائق المعاني: يقول ابن فارس في مقاييس اللغة: "السين والواو والياء أصلٌ يدلُّ على استقامةٍ واعتدالٍ بين شيئين"، إذا علمت ذلك فتأمل في جمال اللفظ القرآني (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى/1، 2]
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة/29] (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [البقرة/108].
و(السواء): ( الوسط والقصد).
وفعل (قسم) من القسمة، ليست القسمة هنا معناها شطرين متساويين، وإنما القسمة هنا هي: النصيب، وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه وهو عين الجمال والحُسن – الأصل الثاني الذي يرجع اليه القاف والسين والميم – راجع مقاييس اللغة لابن فارس – وكذلك كلمة (نصف) فإنها لا تُعطي التساوي بين قسمين ولكنها من النُصفة والانتصاف وهو إعطاء كل ذي حق حقه ولذلك جاءت قسمة الصلاة التي هي الفاتحة نصفين بين الرب والعبد كما في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىقَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) إن هذه القسمة التي بين الربوبية والعبودية ليست قسمة تساوي حاشى لله فالعبد عبدٌ وإن علا والربُّ ربُّ وإن تنزل، ولكنها القسمة التي تعطي كل ذي حقٍ حقه! إنها تعطي الربوبية حقها من العزة والقوة والقدرة والغنى وتعطي العبودية حقها من الذل والإنكسار والضعف والعجز والفقر.
إنَّ الأمية هي الاستماع إلى لسان الوجود الفطري ورؤية الجمال الأصلي والتأمل بقلب سليم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق/37] (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) [هود/20] (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [الملك/23]. إن الأمية هي الفطرة..
إنَّ الأمية الخالصة كانت هي محل الحمد بظهور المحمد صلى الله عليه وسلم حامل لواء حمد جميع الأمم ففي اعتدال القلب المحمدي، تنشق السموات والأرض، ويحاط بكل شيء ويكون العرش كحلقة في فلاة، وهذا بعينه هو ثناء الواحد على الواحد وانثناؤه بانطوائه والتوائه على جميع المحامد التي هي عودة الفروع إلى الأصول، وهذا هو الخلق الجديد.. وهو الظاهر في الإنفتاح البائي (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) وظهرت الباء ببكة التي كان منها الدحو، ولما استكملت سيرها واستدارت والتقى فرعها بأصلها، والتفت حول نفسها صارت بكة: مكة بانقلاب الباء ميماً بظهور القلب المحمدي الكامل، فكما كانت الباء اشارة إلى جمع حقائق الأباء العلويات كانت الميم اشارة إلى جمع الأمهات السفليات.
ولذلك ظهرت الباءة وسرت في جميع الموجودات، واستكملت نكاحها بالظهور الانساني ثم استدارت بالبعثة المحمدية التي في قلبها قد استدار الزمان ليعود إلى أصله، فانقلب القلب وصار اعتدالاً وهو تحققك بك (إياك نعبد) وليس تحققك بربك فإنه (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران/128]، وهذا هو قلب الفاتحة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة/5].
إن تنزل (الألف) من النقطة إلى (الباء) هو الفتح الذي يمكن لجميع الحروف أن تخرج به إلى الوجود، تماماً كما أن الشرط الضروري لظهور الحروف هو فتح الفم ولولا ذلك لظلت جميع الحروف مندرجة في غيب أحدية الألف.
والآن فإن هذه الحروف هي المطالع التي تنتشر في الكون كله. ولكن الأمر هو أننا لا نرى ولا نلقي السمع. إن صوت الماء وهو يتدفق في النهر.. الرياح وهي تعصف بين الجبال.. الأشجار التي ترفع رؤوسها إلى السماء.. إن هذا كله ما هو إلا أنشودة "الحمد" – أو – "الثناء"، وفي ذات الوقت فإن هذه الأنشودة هي نفسها ثناء وتثني: التواء أو عودة إلى الأصل.
ومن ثم فإن هذه الحروف قريبة جداً منا، إنها نحن، أنفُسنا، أنفاسنا، ولكننا لا نرى ولا نسمع! هل نرى أو نسمع في الباء: الباءة؟ النكاح الساري في جميع الذراري؟ هل نراه؟ هل نرى النكاح الذى بين السموات والأرض ؟ إن ذلك هو الذي يجمعهما معاً في عالم واحد. إن النكاح الساري هو انقسام الوحدة، اعطاء كل ذي حق حقه، الفصل المنظم بحيث يعود كل شيء إلى أصله وطبيعته.
خلقت حواء من ضلع آدم: ظهور الواحد من الواحد، ولكن بإجتماعهما ظهر "شيث": عودة الحقيقة إلى الأصل، والاثنين نتج منهما واحد الذي هو عين العودة إلى الواحد الأول. فالفاتحة هي بعينها الخاتمة..
النكاح الساري هو تداخل الطرفين وتعانقهما في العودة إلى الوحدة الأصلية، وهذا الواحد ليس هو أحد الطرفين ولكنه جامع بينهما.
إن باء من الرجوع، بَاءَ إليه : رَجَعَ، إنها عودة الفرع إلي الأصل. والباء أيضاً هي الباءة وهي النكاح في العربية. وبدقة ومن خلال تفاسيرهم فإن نعمة الأمطار هي في نفسها حياة.. فإن ماء الحياة في النكاح هو الحياة نفسها، (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء/30])
(وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [النحل/65]) (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الجاثية/5]).
انظر كيف يكتب حرف الباء، أعني بسيطات اسمه: (باء): باء وألف، فإن الباء هي باء الألف. إنَّ الباء تقول دائماً وأبداً: أنا من الألف وبالألف، ولأنها تسري في كل شيء – الباءة - (النكاح الساري في جميع الذاري) فإن كل شيء إنما هو بالألف.
ولذلك – كما قيل – الباء مكتوبة على كل شيء.
إن لنا أعيناً ولكننا لا زلنا لا نرى، وإن لنا آذاناً ولكننا لا زلنا لا نسمع.. إننا حائرون وتائهون..
إننا نمتلك القواميس والموسوعات ومائة ألف كتاب من تفاسير القرآن. ولكننا لا نفهم. لماذا؟؟؟
لقد كان هناك وقتاً في البداية حيث كان هناك من يفهم، ولقد فتح هؤلاء الأولون العالم كله، لم يكن لديهم قواميس ولا معاجم.. لم يكن لديهم موسوعات، ولكن لننظر ماذا فعلوا؟ لقد فتحوا، و ماذا فتحوا؟ لم يفتحوا فقط امبراطورتي الفرس والروم، ولكنهم فتحوا أيضاً الهند ومصر.. ولاحظ أن كلمة "فتح" هي على معناها اللغوي الحقيقي، انظر مثلاً إلى حال "مصر" بعد الفتح عن حالها "قبله" إن هذا الفتح هو انفتاح وجودي ومعنى حقيقي لا مجازي.
ومع ذلك فلننتبه إلى أن كل هذه الأمم لها حضارات عريقة.. الموميات، والفنون والفلسفة.
فما هو هذا الذي تميز به المسلمون الأوائل؟
إن رأينا – وهو ما قد يخالف آراء أخرى كثيرة – هو أن عظمتهم كانت لأنهم لم يكونوا يمتلكوا شيئاً (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران/128]، وحتى لسانهم (القرآن)، ولماذا؟
لأنه إذا كان هناك أي تساؤل عن "تملكهم" فإن اللسان هو الذي تملكهم.
لم يكن لهم شيء على الإطلاق (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران/128]، ولذلك أفاض الله عليهم وفتح لهم لأنهم تحققوا بعبوديتهم التي تستمطر الفيوض.
ولنبدأ معاً بالتأمل في لفظ الجلالة .. الاسم المفرد .. (الله). إنه يُخط ويُكتب من أربعة أحرف هي (ا ل ل هـ) وهو في ذاته الذي يُنطق من خمسة أحرف (ا ل ل ا هـ)، ولكن النطق والكلام هو معدن النبوة وأما الرقم والكتابة فهو معدن الولاية.
ونقطة التقاء اللام مع الألف لا تظهر في المكتوب والمرقوم ولكن تظهر في المنطوق والمتكلم به، والمكتوب هو (الكتاب المسطور في الرق المنشور) الذي هو محل احتجاب النقطة التي تلتبس فيها اللام بالألف أو الألف باللام.
ومن هنا فإن ظهور هذا الاحتجاب كاحتجاب، بمعنى ظهور الظلمة كظلمة الذي هو عين التجلي لا يكون إلا بالرجوع إلى الأمية الأولى التي يبطن فيها المكتوب ويظهر المتكلم به والملفوظ.
ولنعود إلى لسان الوجود المشهود فنقول: إن اللام تظهر من التقاء الألف والباء: إنها السير الرأسي – الأنفسي- للنقطة لترسم ألفاً ثم سيرها الأفقي (الآفاقي) لترسم باءً ومنهما معاً ظهرت اللام..
إن اللام مرسومة على صفحة السماء ولكننا لا نراها.. إنها الهلال.. ولاحظ تحقق لفظة الهلال باللامية وتحقق هيئة الهلال المشهودة بصورة حرف اللام، ولسبب ما كان شعار هذه الأمة هو الهلال!
ولاحظ أيضاً أن جميع منازل القمر لامها قمرية (الهلال – البدر – القمر – المحاق) إلا "السرار" وهو حين يحتجب القمر تماماً في ليلة أو ليلتين من آخر الشهر وهو لا يعد من منازل القمر الثمانية والعشرين!
إن هذا الاحتجاب الذي هو (ليلة احتجب القمر) هو قبيل ظهور الهلال مباشرة!
إن هذه الليلة الداكنة الحالكة من زماننا هذا (احتجاب الاحتجاب) هي نفسها التي حوت البشرى بأن إهلال الهلال قد سار وشيكاً... إن اللام التي احتجبت في السرار هي لام (الهلال).
إن في الهلال لسراً: ألا ترى أن أحرفه هي ( الهاء واللام والألف واللام) هي نفس أحرف الاسم المفرد (الله) خطاً (الألف واللام واللام والهاء)، ولكن اختلف ترتيبها كما يختلف وضع الصورة المنعكسة في المرآة عن الأصل.
إنها مرآة الانسان الكامل التي تجلت فيها الأنوار الإلهية...
إن احتجاب الاحتجاب الذي هو الليلة الداكنة المظلمة التي احتجب فيها القمر من ليالي السرار هو في ذاته الآذان الأول لإهلال الهلال، ومدد يا سيدنا الهلالي...
إنَّ الحقيقة العيسوية كانت في حقيقتها الباطنة ليست إلا البشرى بأحمد الفاتق والفاتح لفجر هذه الأمة من قلب (احتجاب الاحتجاب) ولكي يظهر هذا الفجر كان من الضروري أن يحدث التباس عند النصارى بظهور التجسد والتثليث فيظهر العبد وكأنه رب ويُعْبَدُ عيسى وهذا هو عين ما نسميه "احتجاب الإحتجاب:" الذي هو كالشرط الضروري لكي يحدث الفرقان القرآني الجامع الخاتم باستدارة الزمان وعودته إلى هيئته يوم خلق الله السموات والأرض.
إن يوم احتجاب الاحتجاب للأمة الاسلامية هو في الحقيقة قد استمر أكثر من مائتي عام منذ بداية غزو الظُلْمَةِ تحت شعار التقدم والحرية عام 1798 ميلادية.
ولنرجع مرة ثانية إلى القمر.. في أي منازله نحن الآن؟ هل نحن الآخرون الأولون؟ هل هناك فجر محتجب قابع بين براثن هذه الظلمات؟؟؟ أم أن هذه الظلمات الحالكة الرهيبة هي فقط بداية لظلمات أشد؟؟؟
هل نحن في عشية هلال أوشك أن يطلع؟ أم أن هذا السرار سيستمر إلى ما لا يعلمه إلا الله؟اشتـدي أزمـة تنفرجـي قـد آذَنَ ليلُكِ بالبَلَجِ وظلامُ الليلِ لهُ سُـرُجٌ حتى يغشاهُ أبو السُـرُجِ
____________
(وما توفيقي إلا بالله)
فقير الاسكندرية
| |
|
أمير جاد
عدد الرسائل : 3071 تاريخ التسجيل : 25/07/2007
| |