بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
ـــــــــــــــــــ
جلبهم الهوى من حيث يدروا ولا يدروا
من الأدب الروحاني المغيّب
تحسين يحيى أبو عاصي * غزة – فلسطين *
tahsseenn2010@hotmail.com
*** *** *** ***
الحمد لله الذي خلق العلائق قبل خلق الخلائق رحمة بخلقه ، وجعلها حجابا مظلما يستر بها عزته ، تجلى عليها بظلمته تقربا ، وجعل لظلمته معنى وسرا لا يعرفها إلا من علم وخبر (( الرحمن فاسأل يه خبيرا )) .
الحمد لله مظهر الحق والباطل ، يُسعد بسر نوره ، ويُشقي بسر ظلمته ، يظمئ من شاء ، ويروي من اختار وأراد ، علّم أحبابه أن الشريعة قُدرة ، وأن القدرة حِكمةٌ ، وأن الحكمة صفته ، وأن الصفة اسمه ، وأن الاسم فعله ، وأن الفعل من الفاعل ، وما بين الفعل وهيئة الفعل علم ، والفاعل إنما يجري عليه قلم القدرة ( ولو شاء ريك ما فعلوه ) ولا فاعل بحق في الوجود سوى الرب الملك المعبود .
سبحانه تعرَّف على الخلائق فحارت الخلائق به ، وخاضت مشقة معرفته جوعا وسهرا وخلوة ، ليس باختيارهم بل باصطفائه ، فعجزت العقول من أين تأتيه ، تحجّب عنهم غيرةُ على عزّة التجلي ، سألوا قلوبهم عنه سبحانه ، فأجابتهم إن القلب بيت الرب لمن نزّه وتخلّى ، و كل صاحب بيت أدرى بما فيه ، وسألوا عنه الأسماء والصفات والأفعال والكرسي والعرش والكون والأكوان فأجابت جميعها : لا نحيط به علما ، شهدت له الكلمات ( إن هو إلا وحي يوحى ) فسبحانه ، كل من صافاه سقاه من كأس صفوته ، وشرب من كأس المحبة والكأس هو ساقيه .
إلهي أنت سؤالي ومنيتي ، وأنت قي الظلمات زادي ونوري ، عصيتك بجهلي ، ودعوتك مع قبيح فعلي ، فأجبت بفضلك دعائي ، ولم تُخيّب يا ربي رجائي .
يا رب إن كنت لا ترحم إلا المجتهدين فسبحانك في المقصرين .
يا رب إن كنت لا تقبل إلا المخلصين فسبحانك في حق المخطئين .
يا رب إن كنت لا تقبل إلا المحسنين فسبحانك في حق المسيئين .
أنت جاعل الظلمات والنور ، وما جعلت إلا عن سبق خلق وتكوين ، وما خلق ولا تكوين معك .
يا رب سبحانك في ظلمة حسرتنا نُذَكّرُ غيرك ونحن الغافلون .
ما أعظم كربنا !! نهدي غيرنا ونحن التائهون .
إلهنا جد بالعفو علينا ، واقبلنا مع من قبلت .
إلهنا إن كنا غير مخلصين لك ، فمن أحبابك من هو مخلص لك ، فبسرِّهم نتقرب إليك .
اللهم أنا نسألك الوهم معرفة وحالا ، ومقاما وعلما ، ونسألك الهوى والخيال فيك ، حتى تغشى قلوبنا من الحكم والأسرار والعلوم ما لا نعلم ، تمطرها على قلوبنا بحيث نسبق النيّة لا النية تسبقنا ، نبصر ونرى ونسمع ونقرأ ، دلائل رضاك من خلال لوامع وبوارق وطلائع ودك وحبك ، وَمَنّك وكرمك ، يا كريم على الدوام ، يا وهّاب يا ودود يا ألله ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل له الرحمن ودّا ) .
اللهم اصعد بأرواحنا ، ورَقّق قلوبنا ، ورَقّ معالينا ودرجاتنا ، بالأثر الكائن بين الحادث والمُحدِث ، ارتقاء المُوحَى إليه إلى الموحي إليه ، فالرب رب والعبد عبد ، واجعل في عبوديتنا لك حرية لنا ودلالا ، لا نتيه فيه وإن طاب لنا التيه فيه ، نسألك معارج الارتقاء ، لبلوغ علم الإيلاج في الإيحاء ، وعلم الإيحاء في الإيلاج ، ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) .
السدرة لها ما يغشاها ، والكعبة لها ما يغشاها ، والبيت المعمور له ما يغشاه ، وكل سماء وأرض لها ما يغشاها ، وقلب عبدك يغشاه ما يغشاه ، أنزلتهم ساحات الحب وأوديته ، لو أوتوا بجوامع الكلم والبيان ، ما استطاعوا أن يُفصحوا عنها ، ولكنهم يكفيهم فخرا أنهم علموا ورأوا ، وأيقنوا أنهم الملوك ، فتأدبوا بآداب العبيد .
كل تغشية تأتي وفقا للمتلقي ، ووفق استعداده في الترقي ، حتي ينسجم المتلقي من الملقي ، وهذه هي السنة النبوية في علم حقيقتها ، فيصعد ثم يصعد ثم يصعد ،( ما منا إلا وله مقام معلوم ) والطرائق بعدد أنفاس الخلائق .
يغشى قلبك الدنو والقرب والتدلي فما كذب الفؤاد ما رأى .
اسأل ربيع قلبك أيها السالك لطريق ربك .
اسأل الملأ الأعلى في سرّك الأخفى .
فكلما سألت أُجبت ، وكلما تأدبت ارتقيت .
وإياك أن تخض مع الخائضين ، فسبحان من أودع في كل قلب ما يُشغله ، يجلبك الهوى من حيث تدري ولا تدري .