47-) حديث :"إذا سألْت فاسألِ اللهَ وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله" ليس فيه دليل على منع التوسل بالأنبياء والأولياء. اشرح ذلك.
أَمَّا حَدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ الذي رواهُ التّرمذيُّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ: "إذَا سَألْتَ فاسْألِ الله وإذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِن بالله" فلََيسَ فيهِ دَليلٌ أيْضًا علَى مَنْعِ التَّوسُّلِ بالأَنبياءِ والأَوْلياءِ لأنَّ الحديثَ معناهُ أن الأوْلى بأن يُسألَ ويُسْتَعانَ بهِ الله تَعالى، وليسَ مَعناهُ لا تَسْألْ غيرَ الله ولا تَسْتَعِنْ بغَيْرِ الله. نَظِيْرُ ذَلِكَ قَولُه صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَاحِبْ إلا مُؤْمِنًا ولا يأكُلْ طَعامَكَ إلا تَقِيٌّ"، فكَما لا يُفهَمُ مِنْ هَذا الحَديثِ عَدَمُ جَوازِ صُحْبَةِ غَيرِ المُؤمنِ وإطْعامِ غَيرِ التَّقِيّ، وإنَّما يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ الأَوْلَى في الصُّحبَةِ المُؤمنُ وأنَّ الأَوْلَى بالإطْعامِ هُوَ التَّقيُّ، كذلكَ حَديثُ ابنِ عبَّاسٍ لا يُفهَمُ مِنهُ إلا الأوْلَوِيّةُ وأمّا التَّحريمُ فلَيسَ في هَذا الحَدِيثِ.
48-) ما الدليل على أنّ حديث ابن عباس لو ورد بلفظ النهي فليس كل أداة نهي للتحريم؟
المتوسلُ القائلُ "اللهم إني أسألكَ بنبيكَ أو بأبي بكرٍ أو بأويسٍ القَرني أو نحوِ ذلك سأَلَ الله لم يسأل غيرهُ فأينَ الحديث وأين دعواهُم، ثم إن الحديثَ ليس فيه أدَاة نهي لم يَقُل الرسولُ لابنِ عبّاسٍ لا تسأل غيرَ الله ولا تَستَعِن بغيرِ الله، ولو وَرَدَ بلفظِ النهي فليسَ كل أداة نهي للتحريمِ كحديثِ الترمذي وابنِ حبانَ: "لا تُصَاحِب إلا مؤمنًا ولا يَأكُل طعامَكَ إلا تَقيٌّ"، فهذا الحديثُ مع وجودِ أداةِ النهي فيه ليسَ دليلاً على تحريمِ أن يطعمَ الرجلُ غير تقي، وإنما المعنَى أن الأولى أن تطعمَ طعامَكَ التقيَّ. فكيفَ تَجَرأت الوهابيةُ على الاستدلالِ بهذا الحديثِ لمنعِ التوسلِ بالأنبياءِ والأولياءِ، ما أجرأَهُم على التحريمِ والتكفيرِ بغيرِ سببٍ، ومن عَرَفَ حقيقتَهُم لا يَجعل لكلامِهِم وزنًا.
49-) ما الدليل عل أنّ وضع الكف على الشبيكة ليس شركًا؟
ثَبَتَ عن أبي أيوب الأنصاري أنه جَاءَ إلى قبرِ الرسولِ فَوَضَعَ وجهَهُ عليهِ للتبركِ وهذا لا شَك عندهُم من أكبرِ الكفرِ والشركِ، وحاشا لله أن يكون أبو أيوب أشركَ بالله لذلكَ ولا يَخطُرُ هذا ببالِ مسلمٍ، فلم ينكر عليهِ أحدٌ من الصحابَةِ ولا أحدٌ من أهلِ العلمِ من السلفِ بل ولا مِنَ الخلفِ، فإذا كانَ وضع الوجهِ على قبرِ الرسولِ للتبركِ لا يُعَدُّ شركًا فكيفَ وضعُ الكَف على الشبيكةِ التي هي بينَ القبرِ وبينَ الزائرِ، فإنا لله وإنا إليه راجعونَ اللهم إليكَ المُشتَكَى.
50-) ما الدليل على أن التوسل يسمى استغاثةً؟
لا فَرقَ بينَ التَّوسُّلِ والاسْتِغاثَةِ، فالتَّوسُّلُ يُسَمَّى استِغاثةً كمَا جاءَ في حَدِيْثِ البُخَاريّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ الشَّمسَ تَدْنُو يَومَ القِيامةِ حَتّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ فبَيْنَما هُمْ كذَلكَ اسْتَغاثُوا بآدَمَ ثمَّ مُوسَى ثمَّ بمُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم" الحديث في روايةِ عبدِ الله ابن عمرَ لحديثِ الشفاعَةِ يوم القيامَةِ، وفي روايةِ أنسٍ رُوِيَ بلفظِ الاستِشفَاعِ وكلتَا الروايتينِ في الصحيحِ فَدَلَّ ذلك على أن الاستشفاعَ والاستغَاثَةَ بمعنًى واحدٍ فسَمَّى الرّسُولُ صلى الله عليه وسلم هذا الطَّلَبَ مِنْ ءادَمَ أَن يَشْفَعَ لَهُم إلى رَبّهِمُ اسْتِغَاثةً.
هذا الحديثُ فيه دليلٌ على أن التوسُّلَ يأتي بمعنَى الاستغاثَةِ وفي بعض الرّواياتِ لهذا الحديثِ: "يا ءادمُ أنتَ أبو البشرِ اشفَع لنا إلى رَبّنا" وفي هذا ردٌّ على من جَعَلَ التَّوسلَ بغيرِ الله شركًا. الاستشفاعُ والتوسُّلُ والاستغاثَةُ والتوجُّهُ والتجوُّهُ بمعنًى وَاحِدٍ، وقد قالَ الحافظُ تقيُّ الدّين السُّبكيُّ في شفاءِ السَّقَامِ: التَّوسُّلُ والتَّوجُّهُ والاستغاثَةُ والاستعانَةُ بمعنًى واحدٍ.
51-) ما الدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى المطرَ غيثًا مُغيثاً؟
الرسولُ سمَّى المَطَر مُغِيثًا، فقد رَوَى أبو داودَ وغيرُهُ بالإسنادِ الصَّحيحِ أنّ الرسولَ قال: "اللهمَّ اسقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَريعًا نافِعًا غيرَ ضارّ عاجِلاً غيرَ ءاجِلٍ"، فالرسولُ سَمَّى المَطَرَ مُغيثًا لأنّه يُنْقِذُ مِن الشّدّةِ بإذنِ الله، كذلكَ النبيُّ والوَليُّ يُنقِذان مِنَ الشّدَّةِ بإذنِ الله تَعَالى.
52-) ما الدليل على جواز طلب ما لم تجرِ به العادةُ بين الناس؟
الدليلَ على جوازِ طَلَبِ ما لم تَجر بهِ العادةُ بينَ الناسِ فمن ذلكَ ما رواهُ مسلمٌ من أن ربيعةَ بن كعبٍ الأسلميَّ الذي خَدَمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ رسولُ الله من بابِ حُبّ المكافأةِ: "سَلني" فطلبَ مِن رسولِ الله أن يكونَ رفيقهُ في الجَنةِ، فقالَ له: أسألُكَ مرافقتكَ في الجنةِ، فلم يُنكِر عليهِ رسولُ الله بل قالَ لهُ من بابِ التَّواضُعِ: "أَو غير ذلكَ"، فقال الصَّحابيُّ: هُوَ ذاكَ، فقال له: "فَأعِنّي على نَفسِكَ بكثرَةِ السُّجودِ"، وكذلك سيدنا موسى عليهِ السلامُ حينَ طَلَبت منهُ عجوزٌ من بني إسرائيلَ أن تكونَ معهُ في الجنةِ لم يُنكِر عليها ذلكَ، رَوى ذلكَ عنهُ ابن حبّانَ في صحيحهِ وغيرُه. فَمِن أينَ لابن تيميةَ وأتباعِهِ أن يبنوا قاعدةً وهو قولُهُم "طَلَبُ ما لم تَجر بهِ العادةُ مِن غيرِ الله شركٌ".