فإنه ما ثم إلا ستة أجناس وكل جنس تحته أنواع وتحت الأنواع أنواع
فالجنس الأول الملك والثاني الجان
والثالث المعدن والرابع النبات والخامس الحيوان
وانتهى الملك وتمهد واستوى
وكان الجنس السادس جنس الإنسان وهو الخليفة على هذه المملكة
وإنما وجد آخراً ليكون إماماً بالفعل حقيقة لا بالصلاحية والقوة
فعندما وجد عينه لم يوجد إلا والياً سلطاناً ملحوظاً
ثم جعل له نواباً حين تأخرت نشأة جسده
فأول نائب كان له وخليفة آدم عليه السلام ثم ولد واتصل النسل
وعين في كل زمان خلفاء
إلى أن وصل زمان نشأة الجسم الطاهر محمد صلى الله عليه وسلم
فظهر مثل الشمس الباهرة فاندرج كل نور في نروه الساطع
وغاب كل حكم في حكمه وانقادت جميع الشرائع إليه
وظهرت سيادته التي كانت باطنة
فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
فإنه قال أوتيت جوامع الكلم
وقال عن ربه ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت علم الأولين والآخرين
فحصل له التخلق والنسب الإلهي
من قوله تعالى عن نفسه
هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
وجاءت هذه الآية في سورة الحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس
فلذلك بعث بالسيف وأرسل رحمة للعالمين
وكل منفصل عن شيء فقد كان عامراً لما عنه انفصل
وقد قلنا أنه لا خلاء في العالم فعمر موضع انفصاله بظله
إذ كان انفصاله إلى النور وهو للظهور
فلما قابل النور بذاته امتد ظله فعمر موضع انفصاله فلم يفقده من انفصل عنه
فكان مشهوداً لمن انفصل إليه ومشهوداً لمن انفصل عنه
وهو المعنى الذي أراده القائل بقوله
"شهدتك موجوداً بكل مكان"
فمن أسرار العالم أنه ما من شيء يحدث إلا وله ظل يسجد لله
ليقوم بعبادة ربه على كل حال سواء كان ذلك الأمر الحادث مطيعاً أو عاصياً
فإن كان من أهل الموافقة كان هو وظله على السواء
وإن كان مخالفاً ناب ظله منابه في الطاعة لله
قال الله تعالى وظلالهم بالغدو والآصال
السلطان ظل الله في الأرض
إذ كان ظهوره بجميع صور الأسماء الإلهية التي لها الأثر في عالم الدنيا
والعرش ظل الله في الآخرة
فالظلالات أبداً تابعة للصورة المنبعثة عنها حساً ومعنى
فالحس قاصر لا يقوى قوة الظل المعنوي للصورة المعنوية
لأنه يستدعي نوراً مقيداً لما في الحس من التقييد والضيق وعدم الاتساع
ولهذا نبهنا على الظل المعنوي بما جاء في الشرع من أن
السلطان ظل الله في الأرض فقد بان لك إن بالظلالات عمرت الأماكن