الإيثار
تقديم لمصطلح ( الإيثار ) في اللغة والقرآن والسنة
يقول الدكتور أحمد الشرباصي :
في اللغة
كلمة ( الإيثار) مأخوذة من مادة (الأثر) وفيها معنى تقديم الشيء .
تقول : آثر فلان فلاناً أي اختاره و قدَّمه .
وتقول : آثرت أن أقول الحق ، أي فضَّلت أن أقوله ، وقدمته على غيره .
والشخص الأثير لديك هو الذي تؤثره بفضلك وتخصه بصلتك .
وقد تستعار كلمة ( الأثر ) للفضل ، كما تستعار
كلمة ( الإيثار ) للتفضل والتفضيل ومن ذلك قول القران الكريم عن يوسف :
قالوا تاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنّا لَخاطِئينَ ( 1) .
والمآثر : ما يروى عن مكارم الإنسان .
وضد الإيثار هو الأثرة ، و هي استئثار الإنسان عن أخيه بما هو محتاج إليه .
وقيل : هي استئثار صاحب الشيء به على غيره .
في القرآن الكريم
وقد أشار القرآن الكريم على خُلق ( الإيثار ) حين قال في سورة الحجر :
والَّذينَ تَبَوَّأوا الدّارَ والْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ
وَلا يَجِدونَ في صُدورِهِمْ حاجَةً مِمّا أوتوا وَيُؤْثِرونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحونَ (2 ) ..
المراد بالآية الكريمة وسبب نـزولها
والمراد بالذين تبوأوا الدار هنا هم الأنصار . والمراد بالدار ( المدينة ) ،
أي أن الأنصار استوطنوا ( المدينة) قبل المهاجرين ،
واستقروا فيها وتمكنوا منها ، وأخلصوا الإيمان ولازموه ولم يفارقوه ،
وهم يحبون إخوتهم المهاجرين إليهم ، ولا يحسون في صدورهم
أي غضاضة أو ألم مما هيأ الله تعالى ، للمهاجرين من فيء أو خير ،
بل إن الأنصار يفضلون المهاجرين على أنفسهم في الاستمتاع بالخير ،
ولو كان الأنصار محتاجـين اليه وكل من حفظه الله من البخل ،
وصانه من الشح ، فقد أفلح وفاز .
ولقد نـزل المهاجرون بعد الهجرة في دور الأنصار على الرحب والسعة ،
وفي ظلال الحب والكرم والمواساة ، فلما غنم رسول الله
من بني النضير دعا الأنصار وشكرهم على ما صنعوا مع إخوتهم
المهاجرين من إنـزالهم إياهم في منازلهم وإشراكهم في أموالهم ثم قال لهم :
إن شئتم قسمت للمهاجرين من دياركم وأموالكم ،
وشاركتموهم في هذه الغنيمة وان شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ،
ولم نقسم لكم من الغنيمة شيئاً قال الأنصار : بل نقسم لإخواننا من ديارنا وأموالنا ،
ونؤثرهم بالغنيمة فنـزلت الآية .
وروي أن رسول الله قال : إن أحببتم قسمت ما أفاء الله علي من بني
النظير بينكم وبينهم ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من
السكنى في مساكنكم وأموالكم ، وان أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دياركم .
فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ : ( بل تقسمه بين المهاجرين ،
ويكونون في دورنا كما كانوا ) .
ونادت الأنصار قائلة : رضينا وسلمنا يا رسول الله .
فقال رسول الله : اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار
وأعطى المهاجرين ولم يعط الأنصار شيئاً ،
إلا اثنين أو ثلاثة كان بهم فقر وحاجة . ونـزلت الآية .
الإيثار في الاصطلاح القرآني
والإيثار فضيلة قرآنية أخلاقية نبيلة ، لا يتحلى بها إلا أصحاب
القلوب الكبيرة والهمم العالية والعزائم الثابتة ، لأن الإيثار
يحتاج في تحقيقه إلى صبر واحتمال وبذل وكرم ، ولذلك قال القرطبي :
( إن الإيثار هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية ،
رغبة في الحظوظ الدينية ، وذلك ينشأ عن قوة اليقين ، والصبر على المشقة ) .
*********************************************************
(1) يوسف 91
(2) الحشر 9
المصدر//موسوعة الكسنزان للسيد الشيخ محمد الكسنزان (قدس الله سره العزيز )