فلو كانت لا تضاهي الشرعية لم تكن بدعة لانها تصير من باب الافعال العادية
وصاحب البدعة انما يخترعها ليضاهي بها السنة حتى يكون بها ملبساً على الغير ولذلك تجد المبتدع ينتصر لبدعته بأمر تخيل التشريع ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف منصبه في اهل الخير
قوله " يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى "هو تمام معنى البدعة وذلك ان اصل الدخول فيها يحث على الانقطاع الى العبادة فكأن المبتدع لم يتبين ان ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كاف فرأى من نفسه انه لابد من ابتداع واستكمال مع ما يداخل النفوس من حب الظهور
وقد تكون بدعة تركية اي يترك فعل ما تعبدا لأن بعض الصحابة همَّ ان يحرم على نفسه النوم وآخر الاكل بالنهار وآخر اتيان النساء وبعضهم هم بالاختصاء مبالغة في ترك النساء وفي امثال ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رغب عن سنتي فليس مني )
وعلى العموم فإ ن المبتدع قد استسلم لفكره في الاستنباط علماً ان العقول لا تستقبل مصالحاً دون الوحي فالابتداع مضاد لهذا الاصل لأنه ليس له مستند شرعي بالفرض فلا يبقى إلا ما ادعوه من العقل فالمبتدع ليس على ثقة من بدعته ان ينال بسبب العمل بها ما رام تحصيله من جهتها فصارت كالعبث
وثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى اتى ببيان جميع ما يُحتاج اليه في امر الدين والدنيا وهذا لامخالف عليه من اهل السنة
فإذا كان كذلك فالمبتدع انما محصول قوله بلسان حاله او مقاله : ان الشريعة لم تتم وأنه بقي منها اشياء او يستحب استدراكها لأنه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم
ومن المؤكد ان كل مبتدع لابد وان يجد لبدعته تأويلاً وقد ثبت ان هذا التأويل الذي يعول عليه إنما يعتمد على المتشابه من القرآن او الضعيف من السنة النبوية ومن ذلك قول الله تعالى ( هُوَ
الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ
مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ){7} آل عمران وهذه الآية من اعظم الشواهد وقد جاء في الحديث تفسيرها : فصح من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها انها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ
مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ) قال : فإذا رأيتهم فاعرفيهم
وصح عنها انها قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الايه ( هو الذي أنزل عليك الكتاب ) الى آخر الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه من فأولئك الين سمى الله فاحذروهم
وهذا التفسير مبهم ولكنه جاء في رواية السيدة عائشة ايضاً قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم( هُوَ
الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ) الاية قال : فاذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله تعالى فاحذرهم
وهذا أبين لأنه جعل علامة الزيغ الجدال في القرآن وهذا الجدال مقيد باتباع المتشابه