والثبوت أمر وجودي عقلي لا عيني بل نسبي … .
تشكل الأعيان الثابتة مرتبة بين الحق في غيبه المطلق وبين العالم المحسوس . فهي من ناحية أول تنزل من تنزلات الحق من مرتبة بطونه ،
إنها ( الفيض الأقدس ) الذي يمثل ظهور الحق بنفسه لنفسه في صور الأعيان الثابتة .
وهي من ناحية ثانية ( المثال ) الثابت في علم الله المعدوم في العالم الخارجي والذي له الأثر في كل موجود بل هو أصل الموجودات …
يقول ابن عربي :
ومعلوم أنه يخلق الأشياء ويخرجها من العدم إلى الوجود …
فهو يخرجها من وجود لم ندركه إلى وجود ندركه …
إن عدمها من العدم الإضافي ،
فإن الأشياء في حال عدمها مشهودة له يميزها بأعيانها مفصل بعضها عن بعض ما عنده فيها إجمال …
لأن الأشياء لا وجود لها في أعيانها بل لها الثبوت والذي استفادته من الحق الوجود العيني :
فتفصلت للناظرين ولا نفسها ولم تزل مفصلة عند الله تفصيلاً ثبوتياً ،
ثم لما ظهرت في أعيانها … فإن الإمكان ما فارقها حكمه …
فلما كان الإمكان لا يفارقها طرفة عين ولا يصح خروجها منه …
فما لها خروج من خزائن إمكانها وإنما الحق سبحانه فتح أبواب هذه الخزائن حتى نظرنا إليها ونظرت إلينا ونحن فيها وخارجون عنها … .
يتضح من النصوص السابقة أن الأعيان الثابتة رغم ظهورها في الوجود الخارجي لم تفارق إمكانها ،
فهي رغم كونها أزلية من حيث ثبوتها في علم الله ما شمت رائحة الوجود
ويقول ابن عربي :
لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه ما شمّت رائحة من الموجود ،
فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات .
أن عالم الثبوت هو العلم الإلهي أو الحضرة العلمية ،
التي ظهر عنها كل موجود في العالم - وهو عالم بسيط مفرد يحوي كل موجود ( كلي - معنوي - عقلي - جزئي ) ظهر في عالمنا المحسوس …
يقول ابن عربي :
فمن كان مؤمناً في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده … .
كلمة أخيرة :
إن العالم الحسي الذي يمثل تنزلاً ثانياً من تنزلات الحق في طريق ظهوره لا يلغي بوجوده عالم الأعيان الثابتة ،
إذن ، ابن عربي احتفظ في تركيبه الميتافيزيقي للعالم بعالمين متوازيين حتى في الجزئيات : أحدهما : ( عالم الثبوت ) الأصل في كل ما يظهر في الأخر ( العالم المحسوس ) .
وقد استنتجنا وجود العالمين عنده في آن واحد ،
من نصوص تشعر بهذه الازدواجية .
يقول ابن عربي : وإما أن يكشف له ( العبد ) عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى … .
فالعبد له وجود في هذا العالم المحسوس ،
وله ثبوت في عالم الأعيان الثابتة في آن واحد ،
وأن كان لا يحس ثبوت عينه فالحق يتجلى على الدوام ومع الأنفاس في صور الأعيان الثابتة ( فيض اقدس )
وفي صور الأعيان الموجودة ( فيض مقدس ) .