أسل
عدد الرسائل : 2 تاريخ التسجيل : 28/10/2008
| موضوع: ذو العين اليتيم الأربعاء نوفمبر 19, 2008 9:08 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
كتب ذو العين في منتدى الشيخ الأكبر ابن عربي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المنتجبين أجمعين
السلام عليكم أيها الأحبة ورحمة الله وبركاته
اليتيم هو الفرد الذي لا مثل له, لذا أطلق أهل الله اليتيم على الأفراد, وهم الخارجون عن دائرة القطب, إذ كل موجود من الموجودات يستند الى الحق من حيثية معينة, وعلى أساس هذا الإستناد تنوعت الأسماء الإلهية, الحاكمة في هذا العالم في الظاهر, والأنبياء والأكابر هم مظاهر الأسماء الكلية المحيطة, والفرد هو الذي لا يستند الى إسم دون إسم, إذ معنى فرديته أنه لا يبايع جهة من الجهات في الدائرة, فلا تصرف للقطب فيه, لأن تصرف القطب, إنما هو في الحدود الرسمية في هذا الوجود, مثل قطب الرحى التي تدور كل نقطة باستنادها اليه, فعليه مدارهذا العالم, وله رقائق تمتد الى جميع قلوب الخلائق, والقطب من الأفراد, لا فرق بينهم وبينه الا ان له التقدم بالنظر الى العالم, بحكم التولية, لأنه مركز الدائرة ومحيطها, ومرآة الحق, فتميزه عن الأفراد, كتميز العقل عن سائر الأرواح المهيمة مع انه منها, والأفراد على بينة من ربهم, ويتلوهم شاهد منهم, وهم في هذه الامة بمنزلة الأنبياء في الأمم السابقة, الذين كانوا على شريعة من ربهم, في أنفسهم, ليسوا برسل ولا متبعين, الا لما يوحي الحق اليهم سبحانه وتعالى. قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ), ومال اليتيم هنا هو الدائرة, ومن يأخذ من مال اليتيم الفرد فانه يأخذ قطعة من قطع النار, وهو دخوله في حكم الدائرة, وقوله الا بالتي هي أحسن, هو الترتيب بالطريق المشروع للأسماء, الذي يتمم به الدائرة. وأول الأفراد, هم الملائكة المهيمون, التي انفتحت صورها في العماء حين سرى فيه النور الذاتي, وانصبغ بالنور, فلما أوجدهم تجلى لهم فصار لهم من ذلك التجلي غيبا كان ذلك الغيب روحا لهم, وانما صحت تسميتهم بالأفراد لأنهم في هيامهم, غير متجهين الى رسم, ولا جهة تضمهم, فهم يتامى بهذا المعنى, إذ اليتيم هو الفرد الذي ليس له أمثال, وحيث لم يدخلوا في الأشكال والنظائر, فهم أفراد, وقد ورد استحباب مسح اليد على رأس اليتيم يمسح بها رياسة الصفات, فلا صفات ظاهرة لهؤلاء الأفراد المهيمين, بل هي ممسوحة مقهورة تحت سطوة الأحد, ولذا قيل عنهم أنهم لا يعلمون ان الله خلق آدم أو أبليس, يعني غير داخلين بحكم الاسماء الإلهية, فآدم له الصورة الكاملة المعلمة بالأسماء كلها, وإبليس له الثمانية والتسعين من الأسماء في الخيال, ويقال فيهم حافون حول العرش, لأنهم ليسوا داخلين فيه واحتفافهم حوله حفظهم له, تجلى لهم الحق في اسمه الجميل فهاموا في جلال جماله فهم غائبون عن أنفسهم لا يفيقون، فلا يعرفون نفوسهم, ولا يعرفون غيرها, فهم كل لا امتياز بينهم ولا إشارة, وانما امتيازهم بمثالهم الذي ظهر بالعقل, وهو قول علي عليه السلام ألقى في هويتها مثاله, فالمثال وظهور الأمثال وملائكة التسخير والتدبير انما هو فيما ينقشه العقل من أمثلة, ولا افتقار لتلك الأرواح المهيمة الا للذات الأحدية, فإنها لهيامها وفنائها بالله لا معنى لاستفادتها من العقل, فلا يضمها تسطير القلم على اللوح, لانهم منبثون في كل ذرة ومجرة, من دون علم بانبثاثهم او عدم انبثاثهم, والعقل الأول أحدهم ولكنه امتاز بمثاله بالتجلي العلمي له وهو تأييه الحق له وتعيينه من بين تلك الارواح المهيمة, فكان أول ملك ظهر, اذ تجلى له بعلمه بنفسه أزلا, في مجلى التعليم الوهبي, ليكتب علمه في خلقه ما كان وما يكون الى قيام الساعة, وهو إلقاء العماء في القلم الذي يشير له أهل المعرفة, فقبل بذاته علم ما يكون وما للحق من الأسماء الالهية الطالبة لصدورهذا العالم , فاذا قيل ان العقل من الافراد وانه غير مفتقر الا للذات الاحدية, فمعنى ذلك ما ذكرناه من سراية النور الذاتي في العماء لتنفتح فيه صور الملائكة, فليس ثم تجل بحكم الاسماء, وانما هو تجل ذاتي, فلا اثر فيه للتجليات الاسمائية, والا كان في الدائرة, والوحي الذي أشرنا اليه عند الحديث عن الأفراد, هو ما يتعلم في الدائرة نفسها, لتظهر الشرائع والحدود, ومثله (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ثم خلق منه كل خير), اشارة له صلى الله عليه واله في تنزله وظهوره بالعقل الاول, والمهيمون في رتبة العقل الأول المنفى عنه تنازع الاسماء والصفات, ولكنهم أقرب الى الأسماء الذاتية السلبية, والعقل أقرب الى الواحد. فهذه أول مرتبة من مراتب الأفراد.
ويقال عن الخضر انه من الأفراد, لكونه صورة اسم الله الباطن, فهو مع الظاهر كله, ولديه بسط المقامات, لبطونه, ولذا كانت مساحة مقام موسى عليه السلام منبسطة بين يديه, وينكر عليه من يراه لأن للظاهر حكم التتابع والتتالي فلا يحتمل مثلا ذو العشرين ان يأتيه حكمه أو يرى حاله وهو ابن ثلاثين أو أربعين, وأما الخضر فله بسط كل الأيام والسنين, لذا كان علمه غريبا عن أهل الظاهر, مع انه لم يعطهم الا حكمهم الذي لم يظهر عنهم بعد, وهو المشار اليه بما لم تحط به خبرا, أي لم تخبره بعد مع اني انما أريك ما هو موجود في مساحتك, ففردية الخضر, لكونه صورة اسم الله الباطن, فهو خارج من حكم الدائرة, لعدم استناده الى حيثية من الحيثيات الأسمائية في الدائرة. والأرواح المهيمة وهي الأفراد من الملائكة وكذا الأفراد من الناس في نشأة الخيال- وهو هذا العالم-, مشتقون من جوهر العماء, ليس لجهة في الدائرة عليهم حكم, ولذا لا يكون ثم تجل من دون واسطة لكل موجود من الموجودات, الا بالوجه الخاص لكل احد, وأما الأفراد, فالتجلي دائما لهم من غير واسطة, لأنهم عالم أمره, وهو قول علي عليه السلام عن الملائكة المهيمين, (طالعها فتلألأت وتجلى لها فأشرقت), نعم المحقق من رجال الله يرى ان كل حقيقة لها وجه, يلي ربها من دون واسطة, ووجه له سبحانه مع الوسائط, وبه يقال عالم الأمر وعالم الخلق.
هذا بسط وتوسعة في الحديث عن مرتبتي الأفراد . واما محمد صلى الله عليه واله وسلم فهو جوهر العماء وحقيقته, ففرديته ليست كفردية من ذكرناهم من الأفراد, لان كل فرد ممن ذكرنا إنما فرديته لتميزه عن الأشياء, ومحمد صلى الله عليه وآله من كونه حقيقة الشيئية, لا مجال لأن يقارن بشئ, حتى يقال عنه انه لا نظير له أو يقال عنه انه درة يتيمة أو ما شاكل ذلك, لأن التميز عن الأشياء, يجعله منها, مع انه كنه الأشياء وحقيقتها, في ظاهريته هنا, ففرديته خطاب نفسه لنفسه في وحدانيته, لمن الملك اليوم, فتجيب وحدانيته (لله الواحد القهار), فتلك الفردية التي تتعقل هنا, في هذا التنزل له صلى الله عليه واله في وحدانيته, ومن عبر عن فرديته بأنه الدرة اليتيمة, أراد انه هو الأشياء, ولكن ليس كمثله شئ, قال تعالى: (ليس كمثله شئ) لأنه عين الشيئية الظاهرة في علمه نفسه بنفسه, وإذا كان هو عين الشيئية فليس هو الا ظهور نفسه لنفسه وشهوده لها, بل لا امتياز حقيقي عن الذات, وانما هو امتياز نسبي, فيشهد الأشياء على الاطلاق في حضرة الامكان، إذ الإمكان والممكن والشهود والمشهود والتعلق والرؤية ونحو ذلك كلها نسب في علم الحق, من قبل ان يظهر للغيرعين, أو يكون هناك مجال للأمثال, فهو العالم الفرد العلم الناظر في مرآة الذات, فما اتصل بها وما انفصم, وهو الواحد في نفسه, والفرد لتميزه عن أحدية كل شئ, لأنه حقيقة كل شئ.. وإذا كان صلى الله عليه وآله هو جوهر العماء وحقيقته, الذي عنه أشتقت الأفراد التي مر ذكرها, ففرديته هي الممدة لسائر الأفراد والأقطاب, فهو اليتيم في نفسه, والكافل لليتامى والمطعم لهم والآوي لهم, وهو أحد معاني قوله تعالى: (ووجدك يتيما فآوى) أي وجدك اليتيم فآوى اليك, فهو كنه الأفراد وحقيقتهم وروحهم, بل هو روح الروح, لأنهم يرتسمون في العماء, ومحمد صلى الله عليه وآله روح العماء وجوهره, القائل كنت نبيا وآدم بين الماء والطين, وآدم مخلوق على الصورة, وقد قال (صلى الله عليه واله): ( أنا وكافل اليتامى كهاتين), واشار بسبابته ووسطاه, ويتمه على المعنى الأصلي للكلمة, الذي هو التفرد في الوحدانية, والفرد له الاشتراك, لذا قلنا انه عن فرديته ظهر إطعام اليتامى, بخلاف الواحد الذي لا اشتراك له, ولذا قال الأكابر ان أول الأفراد هو الثلاثة, والذي عنه يظهر كل ما ظهر, وكل ما يسمى فردا مما تقدم فانما هو مظاهره وتنزلاته, فالفرد المسمى بالعقل الأول هو تنزله ومظهره, والفرد المسمى بالخضر هو مظهره ومن لدنه, فهو أكمل الأفراد والأقطاب في كل مرتبة, وكل فرد فهو مشتق عنه, وأما أصحاب المقامات, فهم قطعه, وتلاوته, ونوابه في الظهور, في الدائرة, وهو معنى قول أم المؤمنين رضي الله عنها (كان خلقه القرآن). وغاية الأكابر من أهل الله أن يكون تعينهم المحقق هو هذا الذي ذكرناه توا, فهم أفراد محمديون بهذا المعنى, لهم التعين الأول التالي للأحدية الذاتية والجامع للتعينات كلها في الوحدانية التي هي مشرع الاسماء والصفات, وله صلوات الله وسلامه عليه وللأكابر من أولياء هذه الأمة, شأن من وراء ذلك, متفردون به, ومخصوصون به, في ذلك الوجه للإنسان الكامل, الى الذات المطلقة عن كل اعتبار وانقسام وتعدد. فانظر ما أعظم هذا المعنى, فانه لا فردية هناك ولا يتم, إذ الشيئية ممحوة هناك, وانما ينفرد في إدراكه ذاته, فيتجلى بذاته في ذاته بالتجلي الذاتي, وهو أبلغ ما ذكر في معنى الفردية, لانه انفرد عن وحدانيته, وتيتم عن اليتم والانتساب معا, قال صلى الله عليه في ذلك المقام: (كان الله ولا شئ معه), فهو مستند الغنى والوحدة الحقيقية البسيطة الصرفة. فإذا قيل عنه صلى الله عليه في ذلك التعين الذاتي, أنه فرد, ففرديته ذاته, وعدم قابليته للانتساب, فان اليتيم, يقال في الانسان فيمن ليس له أب, وقوله كان الله ولا شئ معه, يعطي هذا المعنى, لانه لم يدرك سوى ذاته, في تعينه في تعقله نفسه فحسب, فهو صلى الله عليه واله فرد لا فرد, وهو الفرد في كل فرد, والفرد المرتسم فيه كل فرد, فهو الاصل في كل ذلك, وأعظم ما للانسان الكامل مع الذات التي لا تظهر أصلا انه كان الوسط في الاظهار, إذ قابل كلا من الطرفين بذاته فوجد ذاته فيه, ثم شهد نفسه بنفسه فارتسم فيه ما ارتسم, وما ارتسم في الحقيقة الا ما أدركه من ذاته, قال تعالى: (اَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى). وإذا عرفت هذا عرفت بعد هذه المسألة وكشفها عن مراتب ومقامات محمد صلى الله عليه وآله, كيف يرتبط بعض تلك المراتب ببعض, فهو الآوي لليتيم, وهو اليتيم الذي لا انتساب فيه, وهو المتفرد عن الفردية, وكذا هو الشيئية والعلم المحض والذي لا مجال فيه ان يفرد عن الأشياء بمعنى تميزه عنها لأنه كنهها وحقيقتها, الذي ليس كمثله شئ, وكذلك هو اليتيم في مطالعته لأرواح الملائكة المهيمين, حين سرى نوره الذاتي فنور العماء, وفي تنزله في إلقاء العماء في القلم, وظهوره بالنور الأول, وهكذا في كل مرتبة مرتبة, هو أكمل أفرادها.
| |
|