في الإنسان الكامل
الشيخ الأكبر ابن عربي
يقول : " فهو الإنسان الكامل الذي لا أكمل منه ، وهو محمد "
و يقول الشيخ الأكبر ابن عربي :
الإنسان الكامل : هو المختصر الشريف ، أوجد الله فيه جميع الأسماء الإلهية
وحقائق ما خرج عنه في العالم الكبير المنفصل ، وجعله روحاً للعالم
فسخر له العلو والسفل لكمال الصورة.
ويقول :
" الإنسان الكامل : فهو نسخة جامعة لجميع النسخ وهو المستخرج والمستنبط من الكل ،
وهو الجامع بين الحقائق الإلهية والكونية ، فكما أن ذات الحق سبحانه وتعالى كتاب جُمليٌّ وأم جامع لجميع الكتب قبل تفصيلها ،
وعلمه تعالى بنفسه كتاب مبين تفصيلي مفصل مبين فيه لما كان في الذات مضمراً ،
كذلك الإنسان الكامل كتاب جملي وأم جامع لجميع الكتب بعد تفصيلها ،
وعلمه بنفسه كتاب مبين تفصيلي مفصَّل مبين فيه ما كان في الإنسان الكامل مجملاً "
الدكتورة سعاد الحكيم :
تقول : " الإنسان الكامل عند ابن عربي : هو الحد الجامع الفاصل بين الحق
والعالم ، فهو يجمع من ناحية بين الصورتين ، يظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقاً ،
ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقاً ، وهو يفصل من ناحية أخرى بين وجهي الحقيقة
فيمنع الخلق من عودة الاندراج في الغيب الذي ظهر منه ، إنه حد بين الظاهر والباطن ،
يمنع الظاهر من اندراجه في البطون ... فهو علة وجود العالم والحافظ له ...
وهو المشكاة التي يستمد من خلالها كل عارف معرفته ، وكل عالم علمه ، حتى الأنبياء ،
فهو الممد للهمم ، وكما هو برزخ بين الحق والخلق في الوجود كذلك هو برزخ بينهما في العلم والمعرفة " .
وقد استنبطت الدكتورة هذا التعريف المختصر للإنسان الكامل من نصوص الشيخ التالية :
1. " الإنسان الكامل أقامه الله برزخاً بين الحق والعالم " .
2. " الإنسان الكامل : الجامع حقائق العالم وصورة الحق سبحانه " .
3. " ما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل " .
4. " في الإنسان قوة كل موجود في العالم ، فله جميع المراتب ولهذا اختص وحده بالصورة ،
فجمع بين الحقائق الإلهية وهي الأسماء وحقائق العالم ... فكل ما سوى الإنسان خلق ،
إلا الإنسان فإنه خلق وحق ،
فالإنسان الكامل هو على الحقيقة الحق المخلوق به ، أي المخلوق بسببه العالم " .
5. " إن الإنسان الكامل لا يبقى له في الحضرة الإلهية إسم إلا وهو حامل له " .
6. " ( الإنسان الكامل ) : الكلمة الجامعة ،
وأعطاه الله من القوة بحيث أنه ينظر من النظرة الواحدة إلى الحضرتين فيتلقى من الحق ويلقي إلى الخلق "
مبحث صوفي : في مضمون ( الإنسان الكامل ) عند ابن عربي
تقول الدكتورة سعاد الحكيم :
إن عبارة ( الإنسان الكامل ) مؤلفة من لفظين ، وقد سبق لنا إيضاح لفظة( إنسان ) في فكر الشيخ ،
أما ( كامل ) فليس لها أي معنى خلقي على الإطلاق بل تفيد :
1. تمام الشمولية للصفات كافة ، دون النظر إلى تصنيفها الخلقي من خير أو شر ،
فللكمال هنا معنى وجودي ، أي وجود جميع الصفات الإلهية والكونية أو قابلية وجودها في الإنسان وليس خلقياً ،
إذن إنسان كامل في وجوده .
2. كمال المعرفة بالنفس وبالله ، فالإنسان الكامل هو من أدرك في مرحلة من مراحل كشفه وحدته الذاتية بالحق
ووصل من تحققه هذا إلى كمال المعرفة بنفسه وبالله ، إذن إنسان كامل في معرفته .
وتقول الدكتورة :
يجب أن ننبه هنا دفعاً لكل التباس إلى أن المقصود بالإنسان الكامل هو محمد ،
ولم يختلط على دارسي ابن عربي عبارة أكثر من هذه ؛ لأن ابن عربي نفسه يستعملها أحياناً للكلام على الحقيقة المحمدية ،
وأحياناً ليعبر عن آدم أو عن الكامل من الرجال أمثال أبي يزيد وغيرهم .
إذن من هو الإنسان الكامل بين هؤلاء ؟
وهل تعني هذه العبارة جنساً يضم بين حناياه الكثير من الأفراد ؟
أم هي اسم لحقيقة واحدة متميزة ؟
إن الإنسان الكامل هو محمدصلى الله عليه وسلم .
أو بعبارة أخرى : الحقيقة المحمدية ، ولكن هذه الحقيقة قطب يدور في فلكه دائماً كل طالب للكمال ،
فلا يزال يدور ، أي يتحقق بالصفات المحمدية ، ويدور … وفي دورانه يصغر قطر الدائرة ويصغر ،
ويتحقق الطالب بوحدته الذاتية مع مركز الدائرة ، أي الحقيقة المحمدية ،
وهنا في تحققه يطلق عليه اسم من تحقق به ، أي اسم الإنسان الكامل .
فعبارة ( الإنسان الكامل ) هي لصاحبها أي : محمد ، ويصح أن نطلقها على المتحققين به الفانين ،
لأنهم أصبحوا عينه ( الصفاتية ) ، فهي أصلاً لصاحبها الذي خلق إنساناً كاملاً ،
وهي تحققاً لأكمل الرجال الذين جاهدوا في سلوك طريقها.
في صفات الإنسان الكامل
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي :
" إن الإنسان الكامل في صفاته عبارة عن ثلاث عوالم : عالم الخلق ، وعالم التسوية ، وعالم الأمر .
أما عالم الخلق : فهو عبارة عن الصورة التخطيطية من الماء والتراب والهواء والنار ...
وأما عالم التسوية : فهو عبارة لقبول الروح الأدنى بمعنى محرك الجسد ...
وأما عالم الأمر : فهو عبارة عن الروح القدسي الذي من عالم الأمر ، وهو الروح الكلي "
من خصائص وصفات الإنسان الكامل
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي :
" الإنسان الكامل : هو الذي يدل بذاته من أول البديهة على ربه .
هو تاج الملك ... وهو الأول والآخر والظاهر والباطن ... هو الأول بالقصد والآخر بالفعل ،
والظاهر بالحرف ، والباطن بالمعنى ،
وهو الجامع بين الطبع والعقل ففيه أكثف تركيب وألطف تركيب من حيث طبعه ،
وفيه التجرد عن المواد والقوى الحاكمة على الأجساد وليس ذلك لغيره من المخلوقات سواه ،
ولهذا خص بعلم الأسماء كلها ، وبجوامع الكلم ، ولم يعلمنا الله أن أحداً سواه أعطاه هذا إلا الإنسان الكامل .
وليس فوق الإنسان إلا مرتبة الملك في المخلوقات ، وقد تلمذت الملائكة له حين علمهم الأسماء ...
فلما كان مجلى الأسماء الإلهية صح له أن يكون للكتاب مثل التاج ؛ لأنه أشرف زينة يتزين بها الكتاب ...
بالإنسان الكامل ظهر الحكم الإلهي في العالم بالثواب والعقاب ، وبه قام النظام
وانخرم ، وفيه قضى ما قدر وحكم " .
ويقول : " الإنسان امتاز عن الكل بالمجموع وبالصورة ...
فلا تصح العبودية المحضة التي لا يشوبها ربوبية أصلاً إلا للإنسان الكامل وحده ،
ولا تصح ربوبية أصلا لا تشوبها عبودة بوجه من الوجوه إلا لله تعالى .
فالإنسان على صورة الحق من التنزيه والتقديس عن الشوب في حقيقته ، فهو المألوه المطلق ،
والحق سبحانه هو الإله المطلق وأعني بهذا كله الإنسان الكامل .
وما ينفصل الإنسان الكامل عن غير الكامل إلا برقيقة واحدة : وهي أن لا يشوب عبوديته ربوبية أصلا "
في ظهور الإنسان الكامل على الصورة الإلهية
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي :
" الإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية لم يعطه الله هذا الكمال إلا ليكون بدلاً
من الحق ، ولهذا سماه : خليفة وما بعده من أمثاله خلفاء له ، فالأول وحده هو خليفة الحق " .
ويقول : " خلق الإنسان الكامل على الصورة ، قلنا ليُظْهِرْ عنه الله تعالى صدور الأفعال
والمخلوقات كلها مع وجود عينه عنده انه عبد "
.
ويقول : " في جوهر العماء صورة الإنسان الكامل الذي هو للحق بمنزلة ظل الشخص من الشخص " .
المنازلات بين الحقائق الإلهية والإنسانية في الإنسان الكامل
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي :
" المنازلات التي بين حقائق الأسماء الإلهية وبين الحقائق الإنسانية
في الإنسان الكامل امرأة كان أو رجل تتعدد بتعدد التوجهات والأسماء ،
وماعدا هذا الصنف الإنساني فليس له هذا التعميم لعدم كمال الصورة فيه " .
من موسوعة الكسنزان .....
يتبع
_________________
و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين