:22:
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى أله الطاهرين وصحبه أجمعين
:36:
أطلب من السادة الكرام أحبائي في الله أهل المودة الإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع، أبدأه بوجهة النظر هته من محاضرة ألقيتها بمسجد السلام بمدينة مورسية، راجيا من الله أن تتعدد المداخلات من كل جهات المعمور علنا نكون فكرة عما نعانيه في شتى الأمصار من جراء الإختيارات الإقتصادية البعيدة كل البعد عن طريق الله والجد قريبة من الأبالسة والشياطين.
قرأت للمؤرخ الكبير المقريزي أنه حدث بمصر زمن أحد المماليك أن اجتمع عدد من ولاة أمور الناس ممن لا يراعون فيهم إلاَّ ولا ذمة وتواعدوا على القيام ب "صفقة مربحة" حيث خرجوا على الناس بأن البلاد مقبلة من جديد على أزمة زمن سيدنا يوسف عليه السلام ببقراتها السمان والعجاف وسنابلها الخضر والأخر اليابسات، فخزنوا المحاصيل سبعا وأقتروا في إخراجها سبعا حتى صارت الناس لا تجد ما تحفظ به النفس فعدت لحوم البشر تبتاع في الأسواق علنا وأجساد الأطفال تتداول سرا.
اللهم احفظنا من أعدائك أولائك ونجنا منهم يا رؤوف يا رحيم برحمتك نستغيث.
الأزمة كداء الإسلام دواؤها
باسم الله الرحمن الرحيم(رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا) (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي)(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)الحمد لله الذي هدانا للإسلام وشرع لنا أكمل الشرائع ، وأفضل الأحكام وأبان لنا الحلال والحرام وجعل في الحلال غنية عن الحرام ، أحمده تعالى وأشكره وأسأله التجاوز عن جميع الذنوب والآثام ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أحل البيع وحرم الربا ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والتقى ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
أثرت الأزمة الرأسمالية الخانقة المصدرة من مراكز القرار الأمريكية بشكل أقوى في جهات مثل إسبانيا عامة ومورسية بالخصوص للإختيارات الإقتصادية الأحادية الجانب المبنية أساسا على قلة التخصص –خلط التراب بالإسمنت- وانعدام التنوع الإنتاجي والتصنيع. ومما زاد الطين بلة الشلل التام للحكومة وانشغالها التام بتوفير الأرباح الطائلة لمقاولات أصدقائها وأقربائها من مجالي البناء والأبناك. كل هذا أدى بوضعنا الإجتماعي للتردي الذي يعرفه حاليا والمتمثل فيما يلي:
* 26 في المائة أي 400 ألف من أصل المليون والنصف من السكان فقراء معدمين
* تدهور كبير في قطاعي الصحة والتعليم العموميين مما تتخذه السلطة ذريعة للدفع بهما إلى أحضان الخوصصة.
* تجاوز عدد العاطلين 105.889 خلال شهر مارس بإقليم مورسية.
* تنامي عدد العاجزين عن أداء القروض للأبناك وامتناع هته الأخيرة عن تسليم قروض سواء للعائلات أوالمقاولات الصغرى والمتوسطة مما جعل هذه بدورها تسرح العمال حيث أصبحت نسبة ملفات التسريح الجماعي تفوق 333 بالمائة.
* جمود الأجور مما ضرب القدرة الشرائية للمواطن جاعلا الدخل المتوسط العائلي يتراجع بنسبة 2 في المائة.
* توقف كبير لأوراش البناء مصحوب بتراجع أكبر في الميزانية المخصصة للصحة والتعليم والشؤون الإجتماعية.
* ومع ذلك تستمر الأبناك في جني الأرباح الطائلة.
كل هذا يجعلنا نتسائل ما العمل أمام هذا النظام الفاشل بلبراليته المزعومة ورأسماليته الوحشية والتي هي أبعد ما يكون عن المجتمع الموعود بعدالته الإجتماعية وتفتحه الدمقراطية.
فلنتسائل إذا عن عدالة هذه الأمثلة:
- كيف أن البناء الذي يشيد آلاف العمارات عليه العمل مدة 30 سنة لشراء بيته؟
- لماذا على العمال السكن في بضع أمتار بينما هناك أكثر من مليون بيت شاغر؟
- لماذا على العامل أن يخصص 60 في المائة من دخله ثمنا لسكناه؟
- لماذا تغدق الحكومة من المال العام على الأبناك والمقاولات الفاشلة؟
- لماذا على العمال أن يضحوا بينما أجورهم تنقص باستمرار؟
- لماذا لا تنخفض الأثمان في المتاجر مع انخفاض ما يتقاضاه الفلاح أو البحار؟
الجواب نجده في الإختيارات الإقتصادية المبنية على تأليه السوق وانعدام الواعز الأخلاقي. ففيما يختلف الإسلام عن كل هذا؟
إنَّ صلةَ الاقتصاد الإسلامي بالشريعة الإسلامية صلة مستمرة؛ فهي كل متناسق؛ من الجانب الروحي الذي يشمل العلاقة بين الإنسان وخالقه، ومن الجانب الاجتماعي الذي يقوم على المساواة بين الناس المنتمين إليه كافةً في الحقوق والمكانة الاجتماعية على أساس المودة والرحمة وحسن الإدارة والنظام، ومن الجانب السياسي الذي يقوم على أساس الالتزام بالأصول والمبادئ الإسلامية، ومن الجانب الخلقي الذي يشمل الصفات الشخصية التي تتمثل في الصدق والأمانة والوفاء والعدالة والتراحم والسخاء وسعة الأفق والصبر والحلم والشجاعة وغيرها مما اتّصف به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.
"أما الجانب الاقتصادي فقد وضع الإسلام فيه قواعد، وقرنها بضوابط وحدود؛ فالشرع يقيّد نشاط الفرد بعدد من القواعد مراعاةً لمصلحة الجماعة، ثمّ يفتح له المجال واسعاً للعمل واكتساب الثروة بالطرق المشروعة والنافعة له وللمجتمع، ويحفظ له ملكيته مع تحديد تصرفه فيها. والإسلام يمنع الفوارق والامتيازات دون وجه حق، ويمنع تقييد الحريات في سبيل العمل واكتساب الثروة، ويُلزم المجتمع بعدم تعطيل الموارد ويوجب تنميتها لتحقيق العدالة. والنظام الاقتصادي لأي مجتمع هو وليد مفهوم المجتمع للعدالة الاجتماعية وتجسد ثقافته وظروفه وتطوره...".
كما أمر اللهُ -سبحانه وتعالى- الإنسانَ بعمارة الأرض؛ وذلك باستخدام كل ما فيها من موارد ظاهرة وباطنة بالبحث والدراسة وتطوير العالم وتوفير الحوافز اللازمة لذلك، وسخر الله للإنسان سبل العيش وكسب المال، ورَزَقَهُ من الطيبات، ومكنه من العمل، ووعده بحسن المثوبة لمن أطاع واتقى؛ فقال سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: 105]
والمطّلع على أقوال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأوامره ونواهيه يجد جلياً الضوابطَ التي يجب الالتزام بها في جميع فنون الاقتصاد؛ وهدفها الواضح هو تنظيم الاستهلاك وربطه بظروف المجتمع وتوفير مبدأ التوازن والدقة في التعمير.. فحرمت الشريعة الغش والاحتكار؛ لأنهما يؤديان لضياع الأموال وغلاء الأسعار وظلم المستهلك، وقد جاء في الأثر: (من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقًّا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة).