بسم الله الرحمن الرحيم
مصطلح الطريقة في اللغة والاصطلاح وفي التاريخ الإسلامي (1)
مقدمـــــــــة
ﭐلحمد لله وﭐلصلاة وﭐلسلام الأتمان الأكملان على حبيبه ومصطفاه ﭐلوصف وﭐلوحي وﭐلرسالةِ وﭐلحكمة وعلى وآله وصحبه وسلم تسليماً .
في هذه المرحلة من تاريخنا الإسلامي المعاصر التي يمكن ان توصف بأنها مرحلة حرجة من حياة الأمة ، نجد أنفسنا ملزمين بأن نوضح معالم الطريق الذي يقود إلى حالة التوازن في الأمة لتنال عزتها في الدنيا وكرامتها في الآخرة ، ونجد أنفسنا ملزمين بذكر مكامن القوة الروحية في ديننا الإسلامي العظيم ، والتي بامكانها ان تدفع المسلمين إلى أعلى مراقي الرفعة والرقي ، تلك القوة الباطنة التي ما ان تجد المنفذ المناسب حتى تملأ النفس بأنفاسها العطرة ، جاعلة من المادة - في نظر المرء – مجرد وسيلة يجب تطويعها لغرض الصلاح النفسي والإصلاح الاجتماعي . فالجيل المعاصر ، المنبهر بحضارة الآخر وتقدمه ، المنغمس في الموجة المادية التي صارت مسيطرة على اغلب نواحي الحياة ، ينبغي عليه فيها ان يفهم ويفقه في جوهر الرسالة المحمدية ، حقيقة روحية عظمى ، قادرة على الربط المتوازن بين الجانب الروحي لدينه والجانب الحضاري الذي يعاصره .
لقد كانت سنة (1) سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) في وقتها تجسيداً مثالياً ومتكاملاً لإمكانية تحقيق الانسجام مع كل ما في الكون من أشياء , وإمكانية التفاعل بالقول والفعل مع الآخر , ذلك الانسجام الذي يسير بالإنسان قدما نحو تحقيق إنسانيته الكاملة وأهليته للخلافة على الأرض.
فالطريقة التي تحمل كل المعاني الإسلامية الجامعة لخير الإنسان في الدنيا والآخرة وعلى كافة المستويات الروحية والاجتماعية ، وتاريخها وحقائقها هي الغاية من رسالتنا هذه ، داعين المولى جل وعلا ان يحقق الغاية المرجوه منها ، والله والي التوفيق .
مصطلح الطريقة في اللغة والاصطلاح
لم يختلف المعنى الاصطلاحي للفظ ( الطريقة ) عند الصوفية عن معناه في اللغة ، فالطريقة في اللغة هي الأسلوب او المسلك الذي يوصل إلى المقصود بسهولة ويسر(2) ، وهي عند الشيخ محمد الكسنزان (قدس الله سره) : المنهج او الأسلوب الذي يستنبطه شيخ الطريقة من الكتاب والسنة المطهرة لتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا بظاهرها وجوهرها ، فمعنى الطريقة في الاصطلاح الصوفي اخص من معناه اللغوي.
مصطلح الطريقة في التاريخ الإسلامي
متى ظهرت الطريقة في الإسلام ؟ ولماذا ظهرت ؟ سؤال تقليدي يتبادر إلى أذهان كثير من الناس . ومن ناحية أخرى فإن البعض الآخر يتساءل : لو كانت الطريقة صحيحة ، فلماذا لم يأمر بها رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) ؟ ولماذا لم يصرح بها وبمناهجها وأساليبها التي تنوعت وتعددت بحسب المشارب والمسالك ؟
الحقيقة ان هناك لبسا شائعا عند الناس حول هذه المسألة ، فهناك فرق كبير بين ظهور مصطلح الطريقة كلفظ دال عليها ، وبين وجود الطريقة كحقيقة شرعية إسلامية رافقت ظهور الإسلام من بواكيره الأولى إلى انتقال حضرة الرسول الأعظم (صلى الله تعالى عليه وسلم) ، وتوريثه علومه وأنواره لخلفائه ونوابه من بعده .
صحيح ان لفظ الطريقة لم يشتهر في عصر الظهور المحمدي ، ولكن هذا لا يعني ان جوهرها وحقيقتها لم يكن موجودا . فلفظ الطريقة لا يختلف عن كثير من الألفاظ الإسلامية التي كانت موجودة بحقيقتها دون اللفظ الاصطلاحي الدال عليها ، ففي زمن الرسالة كان بعض الصحابة الكرام يتعاهدون قراءة القرآن الكريم وتجويده وترتيله آناء الليل وأطراف النهار وقد صار شغلهم الشاغل ، ولكنهم لم يشتهروا بلفظ ( القراء ) وقتها ، وكذلك كان هناك من يجتهد ويستنبط الأحكام الشرعية في بعض المسائل الفرعية ، ولكنهم لم يتسموا وقتها بالفقهاء ، ولم يطلق على ما اختصوا به وتفردوا في فهمه مصطلح ( علم الفقه ) الا في القرن الهجري الثاني ، فماذا يعني ذلك ؟
ذلك يعني ان جوهر العلوم الإسلامية كلها وبضمنها ( علم الطريقة ) كان موجودا في عصر الرسالة الأول ، ولكنها غير مشهورة بالتسميات التي تعارف عليها أصحاب كل علم فيما بعد ، فما ينبغي ان يوضع في الحسبان أن إطلاق اسم معين على حالةٍ كالطريقة ، ليس كإطلاق اسم معين على مولود
جديد ، بل يمر ذلك الإطلاق بتطورات تبعاً لتطور ذلك المفهوم . وغني عن الذكر أن تخصص كل جماعة من العلماء بعلم من علوم الشريعة الإسلامية لا يعني البتة تركهم لبقية العلوم ، فكان كل منهم يقرأ القرآن ويحفظ الحديث النبوي الشريف ، ويتعلم أحكام الفقه ، ويجاهد نفسه في سبيل الحضور مع الله والتحقق بمقام الإحسان . وكذلك تمسك الجميع ببقية العلوم الإسلامية التي انتشرت آنذاك على قدر استطاعة كل منهم (3).
لعل قائل يقول : لنفرض ان ذلك صحيح ، وان جوهر العلوم الإسلامية كان موجودا في العصر الأول ، ولم تتفرع وتظهر معالمها الا بعد الحاجة لها في القرن الثاني ، فهل ان الطريقة كانت من ضمن تلك العلوم ؟
في صدد الإجابة على هذا السؤال تناول العديد من الصوفية نصا للحافظ محمد صديق الغماري يقول فيه بأن أول من أسس الطريقة هو الوحي السماوي من جملة ما أسس من الدين المحمدي ، وذلك لأنها – كما يرى – مقام الإحسان ( ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فهو يراك ) وهذا المقام هو ثالث أركان الدين بعد الإسلام والإيمان التي بينها حضرة الرسول الأعظم (صلى الله تعالى عليه وسلم) في حديث جبريل والذي قال فيه ] هذا جبريل u أتاكم يعلمكم دينكم [ (4)، مؤكدا على ان من أخل بهذا المقام ( الإحسان ) الذي هو الطريقة فانه لم يبلغ مراتب الكمال لتركه ركن من أركان الدين ، فغاية ما تدعو اليه الطريقة وتشير اليه هو مقام الإحسان بعد رسوخ الإسلام والإيمان (5) .
وهذا النص ، وان كان يؤيد ما نذهب اليه من ان جوهر الطريقة نابع من جوهر الرسالة الإسلامية ، الا انه في رأينا لا يعطي الأبعاد الحقيقية لمصطلح الطريقة في الشريعة الإسلامية ، لأنه يقصر مفهوم الطريقة في الإسلام على ركن واحد من أركان الدين وهو ركن ( الإحسان ) والحقيقة ان مفهوم الطريقة متعلق باركان الدين الثلاثة ( الإسلام الإيمان الإحسان ) تعلق اللازم بالملزوم ، فهي ليست تطبيقا لمقام الإحسان فقط كما يتصور البعض ، وانما هي تطبيق لمقام الإسلام أولا ، ثم الإيمان ، وأخيرا الإحسان ، اذ لا إحسان بلا إسلام وإيمان . فالطريقة هي التطبيق الامثل والأكمل لأركان الدين الثلاثة بلا فصل او تجزئة . فاذا كان الوحي السماوي قد نزل بها كما ورد في حديث جبريل وهو ما نعتقد به ، فأنه نزل بمقاماتها الثلاث مجتمعه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - المقصود بالسنة كل ما صدر عن رسول الله < من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية ، وهذا يعني كل ما ينسب إليه < ، أما بالنسبة للمتبع لرسول الله < فيما صدر عنه فيسمى سلوكه طريقة عند الصوفية .
(2) - أنظر : المعجم العربي الأساسي – جماعة من كبار اللغويين العرب بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – جامعة الدول العربية – لاروس – 1989- ص 792 .
(3) - انظر : الطريقة العلية القادرية الكسنـزانية - الشيخ محمد الكسنـزان - صنعاء - ص 78-79 .
(4) - جزء من حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه – دار إحياء التراث العربي – بيروت – ج1 ص 39 .
(5) - المحدث محمد صديق الغماري – الانتصار لطريق الصوفية – ص 6 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر :
كتاب مصطلح الطريقة في الشريعة الإسلامية - سلسلة إصدارات الطريقة العلية القادرية الكسنزانية