:25:
درس النفس البشرية
لسيدي للفقير الى الله تعالى سيدي الباسل رضي الله عنه وأرضاه
شيخ ومؤسس الطريقة النورانية المحمدية الربانية الإلهية
ببيت المقدس ـ أرض الإسراء والمعراج
الحمد لله رب العالمين حمدا ًكثيرا ًطيبا ًمباركا ًفيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت مما شئت من شيء بعد، أحقّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، أنت أهل الثناء وأهل المجد، اللـّهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد، منك الجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، شهادة مبرئة من الشك والتهم، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد رسول الله سيد العرب والعجم - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أفضل الأمم. الحمدلله الذي انار الوجود بسيّد الوجود، وصدق الشاعر حيث قال:
قليلٌ لـِمَدْح المصطفى الخطـّ بالذهب على ورق ٍمِنْ خَط أحسنَ مَن كتب
وإن تنهض الأشراف عند سماعـــه قياما ًصفوفا ًأو جثيا على الركـــب
يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يوسف/٥٣.
ربّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. إن الإنسان في هذا العصر وفي كل عصر يبحث عن السعادة الأبدية التي بها يكون فلاحه بالدنيا والأخرة. فالسعادة هي معرفة الحقيقة، ولا يكون ذلك إلا من خلال معرفة الإنسان لنفسه، ماهيّتها، رغباتها، ومصيرها، ولا سبيل لمعرفة النفس معرفة صحيحة إلا من خلال هدْي ِالقرآن الكريم والحديث والسيرة النبوية الشريفة. وما يعتقده أكثر الناس من أنّ السعادة تأتي مِن الأكل والشـّرب، والتـّمتع بمتاع الدنيا من شهوات جنسية، وبنين ومال وجاه، إن هي في الحقيقة إلا لذَّات وقتية تكون مصحوبة غالبا ًبالألم. تعطي الشيء القليل ممّا نسمـّيه بالسعادة المزيفة. يا عباد الله عز وجل إنّ السّعادة الحقيقية "هي إحساس داخلي دائم بالرضا، والطمأنينة" لا يمنحها إلا الباري عز وجل لمن إتـّبع هداهُ وأتـّبع معرفة النبي الأمين - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – إنـّها إحساس شخصيّ، ذاتي، نفسي، داخلي، بالسكينة لا يعرفه إلا من ذاقه أو كما يقول بعض العارفين: "من ذاق عـَرَف" "لو عـَلـِم الملوك ما نحن فيه من من سعادة لجالدونا عليها بالسيوف"...
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ً﴾ النساء/١۷٤. ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ ق/١٦. ويقول الله عز وجل: ﴿ وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ۞ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴾ الذاريات/۲٠-۲١.
النــّفـْس
يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يوسف/٥٣. وفي الأثر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقوم رجعوا من الغزو : قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . قيل : و ما الجهاد الأكبر ؟ قال : مجاهدة العبد لهواه .)
إنّ كلمة نفس وردت في القرآن الكريم في مئتين وخمس وتسعين آية وذلك لأهميتها وأهمية علاجها، فالإنسان الذي يريد أن يحقق معنى الرّضا في قلبه، عليه أن يبدأ بمعالجة نفسه، ويتدرّج معها في العلاج بمساعدة معالـِج تـَعالـَجَ مِن ذلك لكي يعرِّفه بنفسه، وطـُرُق علاجها، فإذا صلحت نفس الإنسان أصبح جاهزا ًللتـّلقـّي، فكلمة نفس لها معاني عظيمة جداً، وقد سمـّاها الله عز و جلّ في القرآن إلى عدّة معاني، وقد قسّموها أهل الله عز و جلّ إلى أقسام، وذلك كي يستطيع الإنسان أن يربـِّيها. فالإنسان بطبيعة الأمر مـُقسـَّم إلى أربعة أقسام: نفس، وعقل، وقلب، وروح، أي كيان مادي، وكيان روحي، فإذا أراد الإنسان أن يصل إلى مرتبة أهل الكمال فيجب أن يُصلح نفسه ويربـّيها ويوجّهها نحو إرادة الله سبحانه وتعالى، بفناء إرادته في ما يريد الله عز و جلّ، وأن يجعل عقله مسيطرا ًعلى نفسه لينضج قلبه وتعرُج روحه إلى العُلى، إذا ًفسبب سعادة الإنسان "نفسه" وسبب تعاسته "نفسه" أيضاً. كما قال سيدنا الشافعي - رضي الله تعالى عنه - عن إستفادته من التصوّف وعن التصوّف: "نفسك إن لم تشغلـْها بالحقّ شغلتك بالباطل والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" إذا ًالنفس كالسيف إما أن تـَقتـُلَ به أو تـُقـْتـَل به. فالنفس إمّا أنـّها مَجـْمعُ الفضائل أو مَجـْمعُ الرذائل، وطبعاً فإنّ أعدى أعداء الإنسان عليه "نفسه"، فإن كان مرْكز الشرّ في الوجود هو إبليس، فإنـّه لا يستطيع أن يصل إليك من دون نفسك، أرأيت يوما رجلا جاءه إبليس وأخذه من يده أم وسوس إلى نفسه فأطاعه وأطاعها! وهذا ما يقوله اللـّعين لأتباعه في النار ﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ﴾ إبراهيم/۲۲. هذا عذره يقدّمه لأتباعه عندما يلومونه في جهنم.
وأعداء الإنسان في هذه الدنيا أربعة : هي النفس، والشيطان، والدنيا، والهوى، وأكثرهم خطورة "النفس" وليس للشيطان ولا للدنيا ولا للهوى عليك من سبيل إلا عن طريق نفسك، فإذا تزكـّت نفسك وسارت إلى الله عز وجل، وتمّ الرّضاء عليها مِن قـِبَل ِالجليل سبحانه وتعالى أمِنـْتَ مِن الباقي، أي أصبح ليس لأعدائك الباقين مِن قيمة. إذا ًالنفس على ما تربـّت عليه، كما قال البوصيري - رضي الله تعالى عنه - في قصيدته البردة:
والنـّفس كالطـّفل إن تـُهملهُ شبَّ على حبِّ الرّضاعة وإن تـَفطمه ينفطم
إذا ًعلى ما تُعوِّد نفسك عليه تكون أنت عليه، فلمَ تريد أن تظلم نفسك وتجعلها من أهل الظلم والظلام؟! والله عز وجل يقول في حديثه القدسي الذي رواه مسلم:( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ). ويقول الله عز وجل في الآية الكريمة: ﴿ وَمَا ظَـَلَمّناهُمْ وَلـَكِنْ كَانُوا أنْفُسَهُم يَظلِمُونَ ﴾ النحل/١١٨. إذا ًأنت الذي بيَدِك أن تظلم أو تعدل، بنفسك أنت الذي تختار، إذا كنت تستنكر الظلم على غيرك وتشعر بألم المظلوم فلـِمَ ترضى بظلم نفسك، وأن توردها موارد الهلاك! أتعلم ما هي المعرفة؟ " المعرفة عروس مهرها النفوس، للعاقل نور وللجاهل نار" إذا صدَقـْتَ في المجاهدة والمَهْر، دخـَلـْتَ حضرة القدّوس، وكما قالوا "ليس في حضرة القدوس واحدٌ مِن أصحاب النـّفوس" ومِن المعلوم أن النفس ليست هي الروح، لأنّ النفس هي التي تموت وليست الروح. وفي بعض آيات مِن القرآن الكريم وردت كلمة نفس بمعنى (الذات الإلهية) وليس كما نظن، وحاشا لله سبحانه وتعالى أن نسمح لعقولنا القاصرة بذلك الظن، فالله عز وجل يقول: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الشورى/ ١١. ففي الآية الكريمة التي يقول الله عز و جلّ فيها: ﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴾ المائدة/ ١١٦. ثم الآية الكريمة أيضا: ﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلـَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ۞ وَ اصْطَنَعْتُكَ لـِنَفْسِي ﴾ طه/٤٠-٤١. ثمّ ﴿ كَتَبَ عَلـَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ الأنعام/ ١۲. ثمّ ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلـَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ الأنعام/ ٥٤. معنى "النفس" في هذه الآيات الكريمة تعني ذات الله سبحانه وتعالى. وأيضا من معاني النفس التي وردت في القران الكريم صفات الله عز وجل كما في الآية الشريفة ﴿ يُحَذِّرُكُمُ الله ُنَفْسَهُ وَ إلى اللهِ المَصِيرُ ﴾ آل عمران/ ۲٨.
وأيضا ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رؤوفٌ بِالعِبَادِ ﴾ آل عمران/ ٣٠. ففي هاتين الآيتين جاءت "النفس" بمعنى صفات الله سبحانه وتعالى، وأما النفس في بقية الآيات فهي مخلوق له كيانه وميزاته وصفاته، وفي النهاية ليس لها بقاء، مصيرها الفناء، وفي النهاية عندما يحاسَب الإنسان ويجد نفسه مذنبا ًماذا يقول ﴿رَبَّنَا ظَلـَمْنَا أنْفُسَنَا وَإنْ لـَمْ تَغْفِرْ لـَنَا وَ تَرْحَمْنَا لـَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ الأعراف/ ۲٣. إنّ الحقّ جلّ وعلا نادى البشرية على مرّ العصور من خلال الكتب السماويّة والأنبياء عليهم السلام، ومِن خلال القرآن الكريم، بعدم الظلم وعدم قتل النفس إلا بالحق بقوله تعالى ﴿ وَ لا تَقْتُلـُوا النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالحَقِّ ﴾ الإسراء/٣٣. فلـِمَ نحن ساعين وجاهدين بقتل أنفسنا ببُعدِها عن الله عز وجل؟ ماذا جرى لنا! هل فقدنا قيمة النـِّعمة التي أنعم الله بها علينا وهي نفوسنا، بأن نجعلها تحت غضب الله ونوردها إلى الهلاك وإلى جهنم؟! أليس الأوْلى أن نحافظ على هذه الأمانة التي عَهــِدَ الله بها إلينا، وأن نـُجنـِّبـَها غضب الله عز وجل. نريد أن نضرب مثلا: لو جاء إنسان عندك، ورأيت مِنه أنـّه يريد أن يقتلك، وقد هَمَّ بذلك، ماذا تفعل؟ طبعا ًتفعل المستحيل لتحمي نفسك وتمنعه من ذلك إن إستطعت، لأنـّك تعلم إنـّه يريد أن يأخذ مِنك نفسك وحياتك، ويحرِمك مِن هذه الدنيا الفانية ولذاتها وشهواتها ومتاعها ونعيمها الزائل طبعاً. إذا ًلـِمَ تريد أن تقتل نفسك؟ وتجعل أعدائك يساعدونك على قتل نفسك - الشيطان والدنيا والهوى- وتـُحرَم مِن نعيم الجنـّة ولذة النـّظر إلى وجه الله الكريم؟! ماذا دهاك! أتجهل ما أنت عليه! إنّ ما يصيب الإنسان من هلع وجزع وخوف واضطراب وإكتئاب إنـّما ذلك مِن بُعدِه عن الله عز وجل، ولو كان من أهل الإيمان لـَمَا دخلـَت نفسه في تلك المراحل، ولـَمَا تعرَّضت إلى تلك الأمراض. والله سبحانه وتعالى أمر الإنسان أن يجاهد نفسه في سبيل تحقيق مرضات الله عز وجل مصداقا لقول الله تعالى ﴿ و َالذيِنَ جَاهَدُوا فِينَا لـَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلـَنَا وَإنَّ اللهَ لـَمَعَ المُحْسِنِينَ ﴾ العنكبوت/٦۹. إذا ًفالله سبحانه وتعالى أمرنا بالمجاهدة وبيـَّن لنا أنّ مجاهدة النفس هي التي توصل إلإنسان إلى الطريق الذي يُرضي الله عز وجل، ويَرتـَقي به إلى مقام الإحسان بحقيقته، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنـّه يراك ). فالنفس فيها الصفات الحيوانية وفيها الصفات الملائكية، فيجب أن تـُوَجـَّه دائما ًإلى الصفة الملائكية، فالنفس كالخيل الجَموح إن لم تركبه وتوجهه كيفما تريد ركبتك ووجهتك كيفما هي تريد، فالذي يهمل نفسه ويعيش في فراغ إيماني ويكون بعيدا ًعن الله عز وجل لا يمكنه أن يكون ولو للحظة من الذين ينظر الله عليهم بنظرة الرضا لأنـّه يعيش في فراغ روحي، بعكس الذي أتـَّبع هدى الله سبحانه وتعالى، فهو في أمان كما قال الله في محكم كتابه العزيز: ﴿ فَمَنِ اتـَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقَى ۞ وَ مَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لـَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَا ً﴾ طه/١۲٣-١۲٤ .
فقد تجد في هذه الدنيا من تراهم أحياء وهم أموات بالفعل مِن الداخل، ليس لهم وجود إلا شكليا ًفقط، مِن الخارج بعيدين عن الله عز وجل لأنهم ما وقفوا مع أنفسهم في ما هم عليه من ضلال وفسق وفراغ روحي، كما يقول الله عز وجل عنهم: ﴿ وَ إذا رَأيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجْسامُهُمْ وَ إنْ يَقُولـُوا تَسْمَعْ لـِقَوْلـِهِمْ كَأنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلـَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلـَهُمُ اللهُ أنـَّى يَؤْفَكُونَ ﴾ المنافقون/ ٤. وقد يسأل المرء هنا سؤال هل يدرك الإنسان حقيقة ما عليه نفسه من هذا الفجور؟ الجواب في كتاب الله عز وجل: ﴿ بَلِ الإنْسانُ عَلـَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ۞ وَ لـَوْ ألـْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ القيامة/١٤-١٥ . فمِن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا أن أعطانا القدرة على معرفة نفوسنا على ما هي عليه من خير وشر، حتى ولو ألقينا الأعذار لأفعالنا. أعاننا الله عليها لكي نسوقها إليه بإذنه.
والآن ندخل إلى النــّفـْس وأقسامها، وطرق علاجها
١- النفس الأمّارة بالسوء:
لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أبْرِّئُ نَفْسِي إنّ النـَّفْسَ لأمـّارةٌ بِالسُوُءِ إلا مِا رَحِمَ رَبـّي إنّ رَبّي غَفُؤرٌ رَحِيِمٌ ﴾ يوسف/٥٣. هذا تصريح وبيان إلهي لنا في كتابه العزيز في معرفة النفس الأولى لنا، صفتها، وكم هي وحشيّة، وكم هي سيئة، وهذه النفس الأولى تشترك بها جميع البشر، إلا ما رحم ربي مثل الأنبياء والأولياء أصحاب العناية السابقة عليهم السلام.
إنّ هذه النفس تحتوي على الصفات الحيوانية، وصفات الشهوانية، وصفات التملـُّك، والغرور والجزع والهلع والخوف، والقتل وفعل كل محرم ومكروه، وهذه النفس هي التي تكون مسيطرة على صاحبها في البداية حتى ترتقي إلى الأعلى. هذه النفس هي أسهل نفس على الشيطان، لأنـّها مطيعة له، ومن السّهل أن يكون هو الآمر الناهي لها. لأنـّها أرادت أن تجعله سلطاناً عليها لـِما يقدم لها من شهوات وملذات، ويقلب الأمور أمامها، فهذه النفس بحاجة إلى مجاهدة كبيرة وقوية لكي يتخلص منها الإنسان. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ وَالعَصْرِ ۞ إنَّ الإنْسَانَ لـَفِي خُسْرٍ ۞ إلا الذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلـُوا الصَّالـِحاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ سورة العصر. ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ و َالذيِنَ جَاهَدُوا فِينَا لـَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلـَنَا وَإنَّ اللهَ لـَمَعَ المُحْسِنِينَ ﴾ العنكبوت/٦۹. فقصة ابْنـَيْ آدم عليه السلام تنبيك عن صفات نفسين مختلفتين، واحدة أمارة بالسوء وهي التي لقابيل، وواحدة مرتقية إلى المرتبة العليا وهي التي لهابيل، ولننظر إلى كل نفس منهما ما تملكه: يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۞ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۞ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ۞ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۞ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ المائدة/ ۲۷-٣١.