فقير الاسكندرية
عدد الرسائل : 192 تاريخ التسجيل : 14/10/2007
| موضوع: قطع المألوف نفحة رمضانية الأربعاء أغسطس 26, 2009 8:50 am | |
| الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله يقطع ويصل، والصلاة والسلام على من أسرى وعرج وتعطف فنزل، وآله وصحبه ومن بمحبتهم اتصل أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته... هلت أنوار الشهر الكريم، وتجلت نفحات الرحمن الرحيم..
نفحات رمضانية - قطع المألوف مع استصحاب الأدب نتكلم معاً اليوم عن سر من أسرار شهر رمضان الكريم، وهو أن الصوم سلب وليس عمل، وفي الشهر من الأعمال كصلاة القيام وزكاة الفطر وأعمال البر ما فيه، فشهر رمضان جامع للتخلية والتحلية اللذان هما تجلي الصمدانية، والتخلية هي الإنخلاع من النفس حتى تتم رؤية الصمدانية السارية فيك، فسر تجلي الصمدانية الساري في الشهر يقطع المألوف، فيكون في ذلك جمع للأمة على قطع العلائق وإجتياز العوائق بقطع المألوف مع التزام الأدب تمهيداً للترقي والقطع عن كل ما يقطع عن المحبوب. إن السائر إلى الله، بل والمسلم عامة، يتعرض في شهر رمضان لنوعٍ من الصيانة، من فضل العناية، والخالق أعلمُ بما يصلحُ صنعته وما أبدعه "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" [الملك : 14]. وهذه الصيانة تكون بقطع المألوف، وخلع العادات، وكما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: " قَطْع الْمَأْلُوف صَعْب"، إلا أنه بعين العناية الإلهية ثم بإجتماع همة الأمة يسهل هذا الصعب، فاللبيب من انتهز هذه النفحات والأيام المباركات، وإجتماع همة الأمة، ليقتبس من الأنوار، ويستقي من الفيوضات، ويتعرض للرحمات (إن لربكم في أيام دهركم نفحات.. ألا فتعرضوا لها). وقطع المألوف هذا يؤهل الإنسان لقطع العلائق وإجتياز العوائق كلٌ بحسب حاله ومنزله. فمن تعود على تناول الطعام متى جاع، أو تناول الشاي والقهوة وربما السجائر، قطع مألوفه وأمسك عن ذلك كله وزيادة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وشيئاً فشيئاً تقوى منه الإرادة. ومن كان قد انقطع عن العبادات، واستلذ المنكرات، يستحي في هذا الشهر من رب الأرض والسموات، وربما نالته العناية وتاب الله عليه فتاب، واستمرت وصلته لا إلى آخر الشهر بل مدى الدهر. ومن كان يصلي الفرائض وترك النوافل، اشتدت همته في هذا الشهر بإجتماع الهمم في صلاة القيام، فيجبر فروضه بالنوافل، ونوافله بالتوبة والاستغفار، ويواظب على السنن المؤكدة، فلربما ارتقى من حال الموظفين إلى حال المحبين كما قال شيخنا الراحل الحاضر الشيخ رزق السيد عبده الحامدي الشاذلي رضي الله عنه "إن الفرائض أعمال الموظفين، والنوافل أعمال المحبين" مستدلاً بقول الله تعالى في الحديث القدسي الذي يرويه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رب العزة وفيه يقول تعالى: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّه" – الحديث ورواه البخاري في صحيحه، والشاهد في الحديث القدسي هو قوله تعالى: " وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ "، أي أن العبد بعد أن يستوفي الفرائض التي هي أحب شيء إلى الله، فإنه يظل يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يصل إلى محبوبية الله له ، فيا من تكاسلت عن النوافل واقتصرت على فرائض ناقصة بنقص خشوعها وافتقادها للحضور، ها قد جاءتك الفرصة في رمضان لجبر نقص الفرائض، وابتغاء محبوبية الله بالتقرب بالنوافل، فإذا ما التمست نفحات الشهر الكريم واقتبست من همة الأمة فيه، فلعلك تصيبك نظرة في هذه الأيام، فتدوم لك الوصلة. ومن نوافل الأعمال الهامة الأوراد والأحزاب التي تلقيتها عن شيخك العارف بالله، وما أوصاك به فتكاسلت عنه أو عجزت عن أدائه، فاقطع عنك مألوف الكسل والعجز وتوجه بما علمك حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقل: "اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ". ويا من اعتدت كثرة النوم، أو فوات الفجر، فها قد جاءك الشهر الذي فيه السحور الذي عنه يقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً" متفق عليه، فإذا تسحرت في وقت السحر، فهذا وقت التنزل الإلهي، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" فاغتنم أخي هذا الوقت المبارك من الليل، وليس أي ليل بل ليل شهر رمضان، وتوجه إلى الله بالصلاة والدعاء والذكر وماطل نفسك التي تدعوك إلى النوم حتى يؤذن عليك فجر الوصال، وهذا ربك سبحانه يقول لك: " إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا" [الإسراء : 78] قال الشيخ حقي في تفسيره: يشهده ويحضره ملائكه الليل وملائكة النهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو فى آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار. انتهى ثم اغتنم الوقت إن استطعت – ولو يوم أجازتك من كل اسبوع – فأحيي ما بين الفجر وحتى ما بعد شروق الشمس بنحو ثلث ساعة بذكر الله ثم صلِّ ركعتين من الضحى أو أربع، قال الشيخ حقي في تفسيره: والله تعالى يقسم الارزاق وينزل البركات ويستجيب الدعوات فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس فلا بد من ترك الغفلة فى تلك الساعة الشريفة وفى الحديث « من صلى الفجر فى جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة » ومن هنا لم يزل الصوفية المتأدبون يجتمعون على الذكر بعد صلاة الصبح الى وقت صلاة الإشراف فللذكر فى هذا الوقت أثر عظيم فى النفوس. انتهى فإذا فعلت ذلك أخي فقد قطعت مألوفك من النوم، واغتنمت ما نصح به القوم. وللأمر بقية وصلى الله على خير البرية وآله وصحبه صلاةً زكية والحمد لله بكرة وعشية. | |
|
فقير الاسكندرية
عدد الرسائل : 192 تاريخ التسجيل : 14/10/2007
| موضوع: رد: قطع المألوف نفحة رمضانية الخميس أغسطس 27, 2009 9:26 am | |
| الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله يقطع ويصل، والصلاة والسلام على من أسرى وعرج وتعطف فنزل، وآله وصحبه ومن بمحبتهم اتصل أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته... ونستأنف ما بدأناه فنقول: ويا من إعتاد مجالسة الفاسقين أو حتى الغافلين، اقطع مألوفك تحظَ بمحبوبك، واحظر فقد قال الله تعالى: " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" [هود : 113] فاحذر من الركون إلى الفاسقين والغافلين فتمسك نار فسقهم وغفلتهم. قال سيدي حقي في تفسيره: فيا أهل الشريعة عليكم بترك المحرمات الموجبة للعقوبات . ويا أهل الطريقة عليكم بترك الفضلات المؤدية إلى التنزلات، ولا يغرنكم أحوال أبناء الزمان فإنَّ أكثرهم اباحيون غير مبالين، ألا ترى إلى مجامعهم المشحونة بالأحداث ومجالسهم المملوءة بأهل الملاهى كأنهم المكذبون بلقاء الآخرة، فلذا قصروا همتهم على الأمور الظاهرة، يطلبون العشق والحال فى الأمر الزائل كالمتغنى والمزمّر ويعرضون عن الذكر والتوحيد الباقى لذته وصفوته مدى الدهر، ولعمرى إن مَنْ عَقِلَ لا يستن بسنن الجهلاء وأهل الارتكاب، ولا يرفع إلى مجالسهم قدماً ولو خطوة خوفاً من العذاب، فإنه تعالى قال: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)، وأي نار أعظم من نار البعد والفراق إذ هي دائمة الاحراق، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لسدّ خلل الدين، والاعراض عن متسامحات الغافلين، ويجعلنا ممن تعلق بحبل الشرع المبين، وعروة الطريق القويم المتين، ويحيينا بالحياة الطيبة الى آخر الأعمار ويعيدنا من الاجداث والوجوه أقمار، ولا يخيبنا فى رجاء شفاعات الأعالى إنه الكريم المتعالى . انتهى. أما أنت أخي - والفقيرُ كذلك - فإن كنت قد برئت من صحبة الغافلين – ولا أظن ذلك قد صفا لك في هذا الزمان - فإنك قد بُليت بصحبة نفسك فلا تركن إليها فإنها ظالمة فتمسك النار، واشتغل بخدمة الحق عن حظها لتنجو منها، قال سيدي القشيري في تفسير قوله جلّ ذكره : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران : 110]:
المعروف خدمة الحق ، والمنكر صحبة النفس . المعروف إيثار حقِّ الحق ، والمنكر اختيار حظ النفس . المعروف ما يُزْلِفُك إليه ، والمنكر ما يحجبك عنه . وفي تفسير سيدي حقي لقوله تعالى: "وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)" [إبراهيم : 49 - 51] قال: وفى التأويلات: (وترى المجرمين) وهم أرواح أجرموا إذ تبعوا النفوس ووافقوها فى طلب الشهوات والإعراض عن الحق (يومئذ) أي يوم التجلى مقيدين فى النفوس بقيود صفاتها الذميمة الحيوانية ولا يستطيعون للبروز والخروج لله (سرابيلهم من قطران) المعاصي وظلمات النفوس وهم محجوبون بها عن الله (وتغشى وجوههم) نار الحسرة والقطيعة والحرمان (ليجزي الله كل نفس) أي كل روح بما كسبت من صحبة النفس وموافقتها (إن الله سريع الحساب) أي يحاسبب الارواح بالسرعة فى الدنيا ويجزيهم بما كسبوا فى متابعة النفوس من العمى والصمم والجهل والغفلة والبعد وغير ذلك من الآفات قبل يوم القيامة. انتهى. فانتبه أخي واقطع مألوفك من صحبة نفسك وموافقتها، واستعن على ذلك بصحبة الصالحين. وما أبدع ما ذكره شيخنا العارف بالله سيدي رزق السيد عبده في كتابه المعنويات في الإسلام حيث يقول: وكذلك من ضرورات الإعاشة الهواء به تستمر الحياة ويتم التلقيح، واستنشاق الهواء إنما يُدْخِلُ فى الإنسان خصائصَ ما يحمله الهواء . فإن كان نقياً انتعش به الجسم واستفاد من نقائه القلب . أما إذا كان ملوثاً فإنه يفسد الجسم والقلب بقدر ما يحمل من تلوث . وكما يحمل الهواء تلوثاً ماديا ، فإنه يحمل تطهيراً معنوياً . فأنفاس الفاسق والكافر إنما تحمل ظلمة الكفر والفسوق، وأنفاس المؤمن فإنها تحمل أنوار الذكر ونور القلب ولهذا فإن المحبة يحصل منها التلقيح للروح . والتنفس عامل مهم فى تربية الإنسان الروحية . وقد وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا: فعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ ، وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ ، وَإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الكِيرِ : إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ذلك لأن الأنفاس المترددة من الذاكرين إنما تحمل نور الأسماء والصفات والصلوات والأعمال التعبدية التى يعيشونها ، وتهب منها نسمات القلب الصادرة منه هذه الأنفاس، وتلوث الهواء المادى تظهر آثاره فى الجسم مرضاً ، أما إذا اختلط الهواء بأنفاس الذاكرين فإنه يحمل أنوار تظهر آثارها فى زيادة الإيمان والقرب إلى الله . وقطعاً لا يستوى استنشاق هواء فى أماكن اللهو محملاً برائحة الفسق والفجور والشهوة ، وهواء فى أماكن الطاعات والعبادات ، وهكذا لا يستوي هواء فى مكان الغافلين ومكان تترد فيه أنفاس المتقين والصالحين . ولهذا فالأنفاس لواقح. انتهى.
ولولا الملل لأطلنا في قطع المألوف، ولكن كلٌ منا يعرف مألوفه، فليستعن بشهر الصوم والهمة على قطع هذا المألوف، أما من ألف العبادات وصارت عنده عادات، فليستعن بالشهر على خلع العادات، بأن يصحح الأمر من كونه عادة إلى كونه امتثالاً للأمر وتحققاً بالعبودية ففي موسوعة الكسنزان: قال الشيخ كمال الدين القاشاني: يقول : " خلع العادات : وهو التحقق بالعبودية موافقةً لأمر الحق ، بحيث لا يدعوه داعية إلى مقتضى طبعه وعادته ". ويقول : " خلع العادات : المراد به أن لا يكون داعية العبد في قيامه بلطائف العبادات ما قد استمر عليه من العادات ، بل امتثالاً بمجرد أمر الله ـ عز وجل ـ ليتحقق بالعبودية المحضة ، ولا يظن أن المراد بخلع العادات ترك المخالفات فقط بل وأن يكون قيامه بالطاعات". وللأمر بقية وصلى الله على خير البرية وآله وصحبه صلاةً زكية والحمد لله بكرة وعشية. | |
|
فقير الاسكندرية
عدد الرسائل : 192 تاريخ التسجيل : 14/10/2007
| موضوع: رد: قطع المألوف نفحة رمضانية السبت أغسطس 29, 2009 7:03 am | |
| الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله يقطع ويصل، والصلاة والسلام على من أسرى وعرج وتعطف فنزل، وآله وصحبه ومن بمحبتهم اتصل أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته... ونستأنف ما بدأناه فنقول: وأما وقد مررنا مر الكرام على قطع المألوف، فآن لنا أن نتكلم عن الأدب المعطوف، ونختم به هذا المقال، فاعلم أخي السائر إلى الله أن كل أصحاب الرياضات كاليوجا والبوذيين وفقراء الهنود وغيرهم يصلون إلى بعض خوارق العادات بقطع المألوف، فالحذر لإخوتي من أن الرياضات لا بد أن تكون بإشراف شيخ عارف حتى لا يهلك السائر بالإلتفات لما سوى الله، أو بالذلل بالوقوف مع المكونات، كما قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: "الهالك بطريقنا هذا أكثر من الناجي"، ويجب على المريد أن يصحح نيته ويجمع همه على الله، فإنه مراده لا سواه، وخوارق العادات فتنة، بل وحتى الكرامات، قال شيخنا العارف بالله رزق السيد عبده في مجموعة "ويسألونني: "أما الولى فإنه لا يقصد الكرامة ولا ينتظرها بل إنه يكتم الكرامة، وقد تظهر من غير قصد منه، بل ويستغفر الله منها كما يستغفر صاحب الذنب من الذنب خوفاً من الاستدراج. انتهى واستصحاب الأدب في قطعك للمألوف هو مفتاح نجاتك من الإستدراج والعُجْب والوقوف مع الأغيار، قال شيخنا العارف بالله رزق السيد عبده في كتابه "المعنويات في الإسلام": يا صاحبى ما قصدت بما سبق من تجسيد الأرواح والمعانى إلا ان أظهر أن الإنسان به قدرة هائلة تستطيع أن تسرى فى الأكوان ، وترى خفايا الأشياء وأسرارها . تلك هى قدرة الروح المودعة فى ذلك الجسم المادى. ويستطيع الإنسان أن يُسخر هذه القوة فيما يريده إذا ما سلك طرق مخالفة النفس والتريض ، والتخلي عن متطلبات الجسم ليهزم الشهوة فيه ، ويسلم قياده للروح. ولا فرق فى هذا بين مسلم وكافر إلا فى نتائج العقيدة . ويحدثنا القرآن الكريم عن قدرات الروح التى استعملها السامرى فى فتنة القوم عندما رأى روحانية ( سيدنا جبريل ) وتأثيرها فى الأشياء. إذ لا يمس أثره شيئا إلا أحياه . فأخذ قليلاً من التراب الذى وطئه ووضعه على الذهب المذاب فأصبح عجلاً سرت فيه الحياة وسُمِعَ له خوار . "قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)" [طه : 95 ، 96] كان السامري من أتباع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، انكشفت بصيرته فرأى ما لم يره القوم ، واستعمل ما مُنِحَ من انكشاف البصيرة فى الفتنة والغواية . إن كل الدروب التى توصل إلى انكشاف الروح – إنما تكون فتنة وهى مُيسرة لكل طالب . أما السائر فى دروب الإيمان ابتغاء وجه الله فعليه أن يلتزم بآداب كل مرتبة ويعيش فى أخلاقياتها حتى لا يتعرض للغواية وسوء العاقبة . إن جميع العبادات سواء كانت فرائض أو نوافل إنما هى وسائل وليست غاية ، وغايتها معرفة الله ويستحيل أن يعرفَ اللهَ سيءُ الخلق. فحُسْنُ الخلق هو غاية التربية الدينية . وكما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وقد ورد بالقرآن الكريم "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" [الجن : 6] فكيف يتم هذا إلا بالتعارف بين الإثنين ووجود تجانس بينهما؟ فالأخلاق هى عنوان الإنسان . فلا قيمة لعديم الخلق مهما أدى من عبادات وما أظهر من تقوى . وإذا لم يتحصن الإنسان بمحاسن الخلق . لتصبح له طبعاً وجبلة فإن محبطات الأعمال تأتى على جميع ما قام به من عبادة . وليس بعيداً أن يصبح سامرياً آخراً. انتهى كلام شيخنا العارف بالله رزق السيد عبده رحمه الله، وهو خير ختام، ونسأل الله حسن الختام، وصلى الله على مسك الختام ومصباح الظلام، سيدنا محمدٍ خير الأنام، وآله وصحبه الكرام، والحمد لله في البدء والتمام. | |
|