درس (اهل القرآن هم أهل الله وخاصته) لسيدي الإمام الباسل رضي الله تعالى عنه

بسم الله الرحمن الرحيم
أهل القرآن
للشيخ المبجل و الفقير إلى الله تعالى سيدنا ومولانا
الشيخ باسل صالح جرار
رضي الله تعالى عنه وأرضاه
شيخ ومؤسس الطريقة النورانية المحمدية الربانية الإلهية
ببيت المقدس ـ أرض الإسراء والمعراج

الحمد لله رب العالمين حمدا ًكثيرا ًطيبا ًمباركا ًفيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت مما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، أنت أهل الثناء وأهل المجد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد وله الملك، يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، شهادة ًمبرّأة ًمن الشك والتهم، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد العرب والعجم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته أفضل الأمم، الحمد لله الذي أنار الوجود بسيد الوجود - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد،،،
( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته )
هذا حديث عظيم رُوي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، جاء ليبين حقيقة ما أراده الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، هذا الحديث العظيم الذي يقول أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. من المعروف أن القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى هذا كتاب المكوِّن والكون فيه من المعاجز التي ظهرت والتي لم تظهر، وهو معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو الذي تحدى الله عز وجل به الكل أن يأتوا بمثله ولن يأتوا طبعا، ففيه من المعاني والحقائق والمعارف ما لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى، فكل شيء به قام وموجود به، فالله سبحانه وتعالى يقول: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } الأنعام/٣٨، هذا يعني أن كل شيء أصله وفرعه وحقيقته ومبناه ومعناه موجود في القرآن الكريم، كيف لا!! وهو كلام ربنا سبحانه وتعالى، ونحن هنا لا نريد أن ندخل في الكلام على القرآن لأنه لا يمكن لأي موضوع أن يوفيه حقه ولكن نريد أن ندخل في الحديث الشريف الذي بدأنا به موضوعنا، فمن المعروف أن القرآن هو كلام الله عز وجل ولكن نرى هنا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته،،، هذا حديث عظيم جدا، بيان أن للقرآن أهل تأهّلوا ليكونوا من أهله، وهنا الكرم العظيم من الحق سبحانه وتعالى يقرر أنهم أهل الله عز وجل وخاصته، وهنا كلمة خاصته إنما جاءت للتمييز بين أهل الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عُرِف بالقرآن والقرآن عُرِف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكلاهما من الله سبحانه وتعالى. فلو عكسنا الحديث وقلنا من هم أهل الله عز وجل وخاصته؟ نقول هم: أهل القرآن، فهي كمعادلة واضحة النتيجة، ولكن السؤال هنا من هم اهل القرآن؟ وهنا كلمة (أهل) تنبيك عن مدى وشدة القرب مثلما نقول أهل البيت أو أهل الحب والعشق وأهل الرحمة أي كأنك تقول أن كلمة أهل أي عين الشيء، فما تفهم من كلمة أهل الله عز وجل أي شدة القرب منه سبحانه وتعالى، فلذلك نسبهم إليه لشدة قربهم منه فهذا شرف ليس بعده شرف، ولكن هنا هل يُفهم من الحديث أن اهل القرآن هم الذين حفظوه قراءة فقط؟؟ لأن الكل في هذا العصر يقول هذا ويفهم هذا.
أن هذا الحديث ينطبق على حفظة القرآن، والسؤال هنا: هل هذا فعلا ما قيل عنه في الحديث وما يؤخذ عليه الحديث؟؟؟ لماذا تحجير الحديث فقط على هذا المعنى؟ طبعا ليس معنى كلامنا اننا لا نشجع على حفظ القرآن بل بالعكس نحن نريد ذلك لكل أمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولكن ليس فقط لهذا يؤخذ هذا الحديث وإلا هناك الكثير ممن يحفظون القرآن ولكن للأسف بعيدون كل البعد عن الله سبحانه وتعالى لماذا إذاً ؟؟؟؟
ألا يجب اإذا أردنا أن نأخذ الحديث على مفهومهم أن يكون من يحفظون القرآن أقرب الخلق إلى الله عز وجل ومن فيهم صفات أهل الله سبحانه وتعالى والتمييز الذي قرره النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . فإذا لم نرَ هذا على من يحفظون القرآن إذا نفهم من هذا أن هذا الحديث لا يُؤخَذ على هذا فقط إنما هناك معانٍ عظيمة جدا يجب أن ندركها أرادها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في هذا الحديث، فكما كانت سئلت سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها عن خُلُق النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قالت كان خلُقُه القرآن،،، انظر وصفت خُلُقه بالقرآن، هذا كلام عظيم جدا،،، ولقد وصفت الصحابة على أنهم مصاحف تمشي على الأرض،،، الله اكبر!!! وصف تعدى العظمة بكل ما تحوي الكلمة من معنى. فعندما تقرأ قوله تعالى: { يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } الإسراء/٩، يجب أن ينطبق هذا المعنى على أهل القرآن، يجب أن تكون الهداية للتي هي أقوم بهم. فالأوْلى بمن وفّقه الله عز وجل لحفظ كتابه أن يدخل إلى معاني هذا الحديث وما أراده النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من ذلك، ولا يقف عند الحفظ فقط بل يجب أن يتعدى إدراكه فوق ذلك. فإن كل معاني القرب والعظمة والمحبة والوصول كلها موجودة في كلمة أهل الله وخاصته وهنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يبين لنا كيفية حصول ذلك ولكن بالطريقة الصحيحة والمفهوم الصحيح. ليس بالمفهوم المعروف بين الناس الآن وهنا السؤال: ما الذي يمنع الكل عن إدراك معنى هذا الحديث؟ ولماذا لم يوفَّقوا إلى الدخول لمعناه والتخلُّق والتحقق به؟ ما الأمر؟؟ طبعا هذا جوابه بسيط جدا فلقد غاب قائله من القلوب ومحبته وعظمته فغاب عنها إدراك معاني الأحاديث الشريفة وما يريده النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من معنى فيها، والسؤال المهم جدا هنا: لو ان كل الأمة المحمدية كلها حفظت القرآن هل تدخل في دائرة هذا الحديث؟ إن كان نعم لمَ لا نرى على حفظة القرآن هذه الأمور من القرب والمحبة والاصطفاء والولاية والقرب من الله سبحانه وتعالى ومن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟!!!! وإن كان لا لماذا لا تسعى هذه الأمة بعلمائها إلى تحقيق ذلك وكيفية حصول ذلك؟ فإنها إن أدركت كيفية حصول ذلك سارت فيه وتحققت به وتحقق بها. فما الذي جعل الصحابة رضوان الله تعالى عنهم مصاحف تمشي على الأرض؟ الجواب الوحيد هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هو الذي حققهم بذلك لأنه هو المتحقق بذلك من الله سبحانه وتعالى، ولذلك وجب على الأمة أن تبحث على من تحقق بذلك ليحققها بذلك بهذا الكتاب العظيم، فالتحقيق يتم بالمتحقق كما الوصول بالموصول يكون. فأهل القرآن هم الذين تحققت فيهم معاني آياته وتحققوا بها وطبقوها كما يريد الله سبحانه وتعالى وكما طبقها نبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وفهموا رموزه ومعانيه وأنواره وأسراره وأوامره ونواهيه وإشاراته وعباراته وأكلوا وشربوا من موائده، حياتهم كلها بالقرآن، فهؤلاء هم أهل الله عز وجل وخاصته لأنهم فهموا كلامه كما يريد سبحانه وتعالى خصّهم بذلك، فعلى قدر ما يكون الكتاب فيك وأنت في الكتاب يكون قدرك وقربك من الله سبحانه وتعالى، فحتى علماؤنا بهذا العصر وللأسف لا نرى عليهم هذه الصفة أو ممن ينطبق عليهم الحديث وقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أهل القرآن تأهلوا ليكون من أهله فعندما رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سيدنا سلمان الفارسي قد حقق ما أراده الله ورسوله أعطاه أعظم بشارة بقوله سلمان منا آل البيت. فيجب أن نتحقق بالقرآن كما يريده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كي نكون من أهل الله عز وجل وخاصته، فعندما تسمع كلمة أهل الله وخاصته كأنك تفهم نخبة نخبة النخبة من المحسنين - الله اكبر - ثم يأتي أحد ليقول أن المقصد هو حفظ القرآن ليس المقصود حفظ كلماته إنما حفظه بنفسه وعقله وقلبه وروحه وذاته كلها حتى يعرف ويرى بالقرآن، ويتكلم بالقرآن ويقوم وينام، وليس هناك ذرة من حياته إلا بالقرآن فحياته ومماته وقيامته وحشره ونشره وعند الحق مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يكون بالقرآن، فالكتاب فرقان ،وهكذا يجب أن يكون المتحقق فيه فرقانا بين الحق والباطل والخير والشر، فكلام الله عز وجل هو الفاصل بكل شيء وله يجب الانقياد والطاعة وهكذا يجب أن يكون لمن هو متحقق فيه، فإن كلمة القرآن وردت في القرآن الكريم تسع وستون مرة للتنبيه لهذا الكتاب العظيم فعندما ترى أن أهل القرآن هم أهل الله تعالى إذا يجب أن تتنبه لهم لأن الله عز وجل يريد أن تنتبه لهم فهم أهله وخاصته واقرب الخلق إليه، ولقد وصف الله عز وجل الكتاب بالنور، فالمتحقق به يكون نورا أيضا. فقد وصف نبيه ايضا بالنور لأنه تحقق بهذا الكتاب، كتاب النور بقوله تعالى: { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } المائدة/١٥، فهم أقْوَم الخلق بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أقْوَم بكل شيء أصحاب الكمال لأنهم هم الذين هُدوا بالقرآن إلى الكمال، للتي هي أقْوَم فهؤلاء بحاجة إلى تدبر فيهم كي نفهم مثل القرآن بحاجة إلى تدبر لأنهم بالقرآن هم أصبحوا أهل الله تعالى وخاصته، إن لم تتدبر فيهم وتفهم ويدلك الله تعالى عليهم فلن تفهم ولن تصل إليهم، القرآن الكتاب بنبيك كي يوصلك إلى أوليائه كي تكون منهم . فعندما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذا تقريري يجب أن تكون أفعالنا كلها صغيرها وكبيرها كما فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قلبا وقالباً، حسا ومعنىً، ظاهراً وباطناً، بهذا يكتمل الأمر وتكون في دائرة الكمال. فالخلفاء الراشدون، والأولياء الصالحون، والعلماء الربانيون هؤلاء أهل القرآن، فلا تنطبق على كل من لم يتحقق به، فهؤلاء تحققوا به قلباً وقالباً فأصبحوا من أهله، فالنتيجة كانوا من أهل الله تعالى وخاصته، فلِمَ لا نراهم في زماننا هذه الأيام؟ نرى كتابا ذا سطور ولا نرى قلوبا في صدور؟؟؟ فإذا لم نرَ في زماننا مثل هؤلاء المتحققين في القرآن نرى القرآن فيهم ونراهم بالقرآن كما كان يُرى من الأكابر من قبل كيف نتأمل أن تعود هذه الأمة إلى ربها ودينها!!!. أما إن أبقينا الأمر على المفهوم الموجود الآن فهذا لن يساعد إلا القليل في عودة هذه الأمة العودة التي نرجوها إلى الله سبحانه وتعالى. فإن لم نتشبه بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حساً ومعنىً، ظاهراً وباطناً، أولاً وآخراً، بداية ونهاية، ويكون كالنبي بالنبي لا يمكن أن يتحقق بالقرآن ويتحقق القرآن به ويكون مصحفا يمشي على الأرض يحمل بنفسه وعقله وقلبه وروحه كلام الحق سبحانه وتعالى . بهذا يعود لهذه الأمة مجدها وعزها الذي فقدته منذ زمن بعيد فإن كلام الله في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان في صدور الرجال وقلوب أهل الأحوال.
أسأل الله أن يمن ويكرم هذه الأمة بأهل القرآن وأهله وخاصته وأن يحقق فيها كتابه وكلامه ويحقق فيها نبيها صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين