استحباب ذكر الله جهراً وفضل الذكر مع الجماعة
لعلّامة وقته فضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف رحمه الله تعالى:
اعلم أن ذكر الله تعالى على الطريقة الشرعية من أفضل الأعمال وأعظم القربات التي حثَّ عليها الشرع لما له من جميل الأثر في تهذيب النفوس واطمئنان القلوب واستنزال الرحمات وقمع الشهوات سواء كان سراً أو جهراً قياماً أو قعوداً وسواء كان الذاكر منفرداً أو في جماعة لعموم قوله تعالى: ألا بذكر الله تطمئن القلوب وقوله: (فاذكروني أذكركم).
-ذكر الجماعة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إليّ من أن أعتق أربعة من ولد اسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة العصر حتى تغرب الشمس أحب إليّ من أن أعتق أربعة من ولد اسماعيل) أخرجه أبو داود.
وقال أيضاً: (لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) أخرجه مسلم والترمذي.
وقال أيضاً: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) أخرجه الشيخان والترمذي.
وقال أيضاً: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى سماء الدنيا) الحديث بطوله أخرجه الشيخان والترمذي وفي آخره: (فيقول الله تعالى: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك منهم، فيهم فلان خطاء ليس منهم إنما مر لحاجة فجلس، فيقول: قد غفرت له هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).
وهذه الأحاديث الصحيحة مع إثباتها مشروعية الجماعة وفضلها في الذكر تثبت مشروعية الجهر وفضله فيه لأنه هو الذي صيرهم جماعة كما هو المعهود لغة وعرفاً إذ مع الإسرار في الذكر يكونون فرادى وإن جمعهم مكان واحد.
ويقدم الإسرار على الجهر فيما إذا خيف الرياء أو كان في الجهر تشويش على مصلٍّ أو نائم أو قارئ أو مشتغل بعلم شرعي، ويقدم الجهر على الإسرار إذا خلا عن ذلك وكان فيه تعليم جاهل أو إزالة وحشة عن مستوحش أو طرد نحو نعاس أو كسل أو إدخال سرور على قلب مؤمن أو تنفير مبتدع عن بدعته ونحو ذلك، وقد سنَّ الشافعية وغيرهم الجهر بآمين بعد الفاتحة وهي دعاء يجهر به جماعة فلا وجه لقول من قال بكراهة الجهر بالذكر إذا خلا عن الموانع الشرعية ولم يكن فيه إخلال بشيء من آدابه المعروفة.
ولا تصرف أحاديث الاجتماع على الذكر والجهد به عن ظاهرها ولا تحمل على غير حقيقتها ولا يخصص عمومها بلا مخصص احتجاجاً بترك السلف لذلك، والثابت من عمل السلف عدم الاقتصار على الإسرار، والثابت اجتماعهم، على أن الحق أنه ليس كل ما خالف عمل السلف في فضائل الأعمال يكون بدعة مذمومة، فتبصر هُديت إلى الحق ولا تعول على قول من تشدد وإن نسب إلى بعض الأجلة فإن التشدد سببه طرد سد الذريعة أو طرد إباحة عند المخالف للمتشدد، وكلاهما طرف وخير الأمور الوسط.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) برقم 841.