الحب الإلهي في قصائد
(ديوان غدا آتيك - للأستاذ علي عبد العزيز)
[color=black]أخي المطالع
السلام عليكم ورحمة الله،،
[color:f648=blue:f648]أما بعد،،
فكثيرون الذين ثارت شجونهم وطغى هواهم فأبدعت أقلامهم في الدعاء والرجاء والثناء، والمدائح والصلوات، بجميل القصائد.
بينما ظل بحر ملحه أجاج له ظلمة وأمواج وقف بشاطئه كل ذواق، وحيل بين ركوبه وبين كل ملاح، ألا وهو بحر الحب الإلهي ومقام المعرفة الذاتي، حتى أنك لن تجد سوى قصائد متناثرة في محاولات معدودة، أما أن تجد ديوانا كاملا فلعل آخر ما تم من الدواوين الموحدة الحال في هذا المقام كان لأبي حفص عمر ابن الفارض، وذلك ما يجعلني أسجد لله شكرا أن أتيح لي أن أضع بين ناظري أحبابي هذا الديوان.
غــداً آتيـك نظم علي عبد العزيزإهــــداء أللهم اجعل عملي هذا خالصا لوجهك
وأهدي هذا العمل لمن تفضل علي بتعريفي ثم لمن أبتغي ثواب تعريفه.
المقــــدمة ألحمد لله قدر حقه، سبحانه وتعالى حق قدره، لا نحصي عليه ثناءا ولا نبلغ قدر توقيره وإجلاله، هو الخالق القادر المحيي المميت الباعث- الشهيد على خلقه، سبق علمه بالفصل بينهم، وأقام بحلمه حجته عليهم، فحقت عليهم كلمته، وألزمهم لطفُ قضائه عجزَهم، فتجلى في عدله وقدرته وتفضل بحلمه وبرحمته وأصاب بعفوه فوق ذلك من يشاء، فله التسليم في الأولى والآخرة نلوذ بحلمه من غضبه ونعوذ برضاه من سخطه وبرحمته من عذابه، ونشهد أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد- الفرد الصمد.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، عرّف بربه كأبلغ رسول، وعبّد له كأحكم داع، فأقام الدين وبلغ، وأدى كما أمر وجاهد حتى رده الله إلى جنابه، ما ترك خيرا إلا ودلنا عليه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأكرمين في كل وقت وحين.
أما بعــد،،
فإنني إذ أسأل الله لي ولكم الرشاد ألتمس التقرب إليه تعالى بما حواه الجزء الأول بهذا الديوان من قصائد، طفت فيها بين حضرات القرب منه جل وعلا، راجيا إياه سبحانه أن يصدُق قولي فيها حالي، وأن يقابل القولَ والحال كريم النوال عنده، وأن يكون علمنا يقينا لا ظنا، وأن يكون ظننا حسنا وفعلنا حسنا، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة......كما أسأله تبارك اسمه أن يعفو عما أصاب عملي من زلل أو سوء أدب سيما في حق آل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم الذين تطاولت طمعا و بطيب قصد بذكرهم حين لا يرفعني علمي ولا مقامي لذلك.
أللهم فبارك وانفع إياي ومن بلغه هذا الديوان، واجعله ثوابا وأجرا لي ولمن طالعه.
وكما اتخذت عنوانا لهذا الديوان من مطلع القصيدة ( غدا آتيك يامولاي فردا ) ، ختمت بها الجزء الأول، وحسبي أن يستجيب ربي طلب العفو والرحمة والفضل الذي سألت فيها، فلا تنسونا من صالح دعائكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبت هذه القصائد ونقحت بين عامي 1977 و2006 م.
الراجـي عفـو مولاه
علي عبد العزيز يارفاق الصــبر
يا رفاقَ الصبرِ في حكمِ القـدرْ ..... هل لنا من منصفٍ يجلـو الخبـرْ
أين كان الحبٌّ أو كيـف ظهـر ........ْسحرُ لحظٍ أم عن الغيبِ صـدرْ
قيلَ كان الحبُّ من قبلِ البشـرْ ......... حيثُ لا شغلٌ ولا قيـدُ صـورْ
هامتْ الأرواحُ من غيـرِ حـذرْ ...... في جمـالٍ لاحَ يومـا واستَتَـرْ
نحن في الأشباحِ نقتـصُّ الأثـرْ ............ ما بـدا فـي هيكـلٍ إلا قهـرْ
ضلتْ الألبابُ بل زاغَ البصـرْ ........ عينُ سرٍّ مـسَّ قلبـاً فاستعـرْ
وانجلَى لي في أنـا ظـلٌّ وحـرْ...........فَرطُ وجدٍ إذ بدا لي بـي أضـرْ
وانجلَى في أينما فاشهـدْ وقـرْ ............. ظاهـرٌ دومًـا بخيـرٍ أو بشـرْ
ويلُ نفسي كدتُ تُصليني سقـرْ ............. أوهمتني سوَّلتْ لـي لـم تـذرْ
أَشرقي روحي فإنِّي فـي خطـرْ ........... أدركي ركبي فقد حانَ السفـرْ
كم أنادي من على هجري أصرْ ............تاركًـا قلبـي لصبـرٍ أو أمـرْ
يصطلي مرَّ احتجـابٍ لا يـذرْ .............. طينتي كوني كمـاءٍ لا حجـرْ
أيُّ قلبٍ ملَّ صبـرا وازْدَجَـرْ ..................بعدما أضنـاهُ وجـدٌ فانكسـرْ
أدمنَ الشوقَ وبالسلـوى كفـرْ................ ما سبيلي ؟ حيرةٌ .. ما من مفرْ
لا تلوموني فكم للحـبِّ خـرْ .................. جاثيًا سيـدُ بـدوٍ أو حضـرْ
بعتُ عمري كي أرى بعد الضجرْ ............ بعد ما ذقتُ ارتطاماتِ الفكـرْ
أَن ركضي خلفَ زعمٍ منتظـرْ ................. ليس إلا بعض أوهـام البشـر
والـدوا شاهدتـه رأي النظـر .................... عندما أُدخلتُ من بـابٍ أغـرْ
بابُ آلِ المصطفى خيـرُ الـدررْ .................. والتزمتُ الشكرَ إذ زال الكـدرْ
واعتزمتُ السيرَ في هديِ القمـرْ ............... سيرةُ الهادي وذي أزكَى السيَـرْ
تبسيط بعض المعاني من قصيدة: يا رفاق الصبر التساؤل في هذه القصيدة عن نشأة الحب وكيف تبينت حالته للإنسان، ثم تأتي الإجابة أن الحب عرفه الإنسان قبل أن يأتي إلى هذا الوجود ، عرفه يوم أن كنا ذرات في ظهور الآباء، أخذها رب العزة وأشهدها ( ألست بربكم ) فهنالك كان شهود البشر لربهم حيث تغشاهم نوره، وهناك نال كل إنسان قسطا من هذا النور ظل كامنا فيه، ومنذ تلك اللحظة عشق الإنسان هذا النور، ثم هاهنا في الدنيا، عندما اشتاق الإنسان لهذا النور الذي أحبه ظل يبحث عنه يستشعر وجوده أينما أحس به، وكلما التقى بشخص نال حظا وافرا من هذا النور الذي سمي في القصيدة ( سرا ) انجذب لهذا الشخص، وأحبه لما فيه من جمال أو نور أو سر هو ضالة الباحث العاشق منذ القدم، وكيف يكون الحال إذا شاهد الإنسان هذا الجمال وهذا النور في القدر الكامن في ذاته منذ الأزل؟، لاشك أنه سيشقى لكشف الغطاء بينه وبين ذاته ، وعندما يعجز عن ذلك يدرك أنه يحاول المستحيل، ويكتفي باستشعاره في نفسه وفيمن حوله، ثم ينتهي به المطاف وهو يبحث عن القدر الشافي من هذا الجمال والمثال الأعلى الواجب أن يوجه إليه حبه فيجده في آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعقب بأنه خير ما عليه أن يفعل ليتحقق من ذلك أن يهتدي بهدي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
دمعي عصي
دمعي عَصِيٌّ في هـواكَ وطَيِّـعُ .......... بين التجلُّدِ والخضـوعِ مـوزَّعُ
الشوقُ يدعـو دمعتـي فتجيبُـهُ ......... ويكفُّها الصبرُ الجميـلُ فترجـعُ
أهفو إلى العهدِ القديـمِ وموقعـي ......... يومَ الشهودِ فلا يَسَعْنِـي موْقـعُ
وأحومُ حولَ حِما الجمالِ تصدُّنِي ......... حُجُبُ الكمالِ تقولُ عزَّ المَطْمـعُ
وتقولُ لـي إِلْـزَمْ مقـامَ مذلـةٍ ........ ما عاشقٌ من ليس عِنْدِيَ يخضـعُ
للأمرِ أَجْبُنُ طائعًا لا حـولَ لـي .......... وأنا الذي في كلِّ بـأسٍ أشجُـعُ
ويَلَذُّ لي قَيْـدُ الحجـابِ وذِلتـي ............... وتسهُّدِي حينَ الخلائـقُ هُجَّـعُ
وَوَجِيبُ قلبي عندَ مَسْمَعِ عاذلِـي ............ مُتَزَايِدٌ ونُحُولُ جِسْمِـيَ أشْنَـعُ
يا لائِمي ولوِ اطَّلعتَ معي تـرى ............ يومَ العُهُودِ لظلَّ طَرْفُـكَ يدمَـعُ
ولظلَّ جفنُـكَ ساهـرًا متأرقًـا ................. ولظـلَّ قلبُـكَ عالقًـا يتوجَّـعُ
يا عاذلي دعني فمـا لـيَ رجعـةٌ ............ دون الهلاكِ وليس مثليَ يرجِـعُ
قالوا بهذا البابِ عمـرُكَ ضائـعٌ ...............ولئن أشـكُّ بـه فإنـيَ أضْيَـعُ
هبنِي جُنِنْتُ فما يقـولُ عوازلـي ......... عنِّي سِوَى أضْحَى فلانٌ يُصْـرَعُ
لو في جنونِي بالهوى ثمنُ الرِّضـا ................ لَوَجَدْتُُـه ثمنًـا قليـلا يُـدْفَـعُ
نورٌ جمالٌ أخْـذُهُ لـيَ مُدْهـشٌ ............... يسْتَلُّ ذاتِي مـن كِيَانِـي يَنْـزِعُ
عن هذه الدنيا يغيـبُ بخاطِـري .......... في بُعْدِهِ السَّامي أطـوفُ وأرتَـعُ
وأُزِيلُ عن نفسي مقاصِدَها التـي ............ قد عوَّقَتْهـا بالرُّسُـومِ وأخْلـعُ
فَتُصَمُّ أُذني عن نـداءِ مُحَدِّثِـي ............ ولِلَحْنِهِ الْعُلْوِيِّ أُنْصِتُ – أسمـعُ
وبصفحةِ المحرابِ يُشـرقُ نـورُه ............. فأخِرُّ أَسْتَجْدِي رضـاهُ وأركـعُ
وعلى معارجِ سجدتي أغشى السُّها ............ والحبُّ يرقَـى بالمُحِـبِّ ويرفـعُ
يحلو به حالي علـى مُـرِّ النـوَى .............. وأُطيقُهُ صبـرا وغيـرِيَ يجْـزِعُ
وأسيرُ بين الناسِ سيـرةَ مِثْلِهِـمْ ............... أُخْفِي جَوَايَ وما تُكِنُّ الأضلُـعُ
وتستُّرِي يُزْكِـي سعيـرَ محبتـي ................ وأنا لبلوى الحـبِّ لا أتزَعْـزعُ
فعسى المحبُّ يصيرُ محبوبا عسـى .......... ولعل صبريَ في الهوى لـي ينفـعُ
هيا اخلعوا عنكمْ عَوَالِـقَ غفلـةٍ ..................... وتَحَقَّقُوا فالمـوتُ يومـا يفجِـعُ
تبسيط بعض المعاني من قصيدة: دمعي عصي تعتبر هذه القصيدة امتداد لذات الحال المسيطر بقصيدة يا رفاق الصبر، ولكن بتحقق أثبت ومعرفة أدق، فالحديث عن الشوق إلى يوم العهود والميثاق ( ألست بربكم )، غير أن هاهنا توجد الإشارة عن الوعي بالموقع القريب يوم الشهود والعهود ، وأن هذا الموقع لقربه من رب العزة عند تذكره تضيق الدنيا بأسرها، بل ربما الدنيا والآخرة وكل مكان ليس بذات الموقع من القرب من الله، وأن محاولة كشف الحجاب للعودة إلى هذه الحضرة القدسية أمر مستحيل، وأن معايشة ذكرى لحظة التجلي التي تستشعر من وراء الحجاب تأخذ الإنسان في عالم غيبي جميل يستغرق إحساس صاحبه حتى أنه لا يشعر بما حوله في هذه الدنيا، لدرجة أن صاحب هذا الحال لا يعتني بنظرة الناس له مقابل ما يجده من متعة في استغراق هذه الحالة له، وأنه يعيش هذا الإحساس في كل أحواله وأن الوصف بالجنون في سبيل ذلك أمر مستهان به وأن من يصل على هذا الحد لا رجعة له عن استغراق هذه الحالة له، وأنه سيظل متعلقا بهذا الحال ومعايشا للجمال الذي يستشعره الذي حجب عنه منذ احتجابه بالتكوين في عالم الدنيا إلى أن يكشف هذا الحجاب وإن كان ذلك بعد لموت، بل وينصح الآخرين بأن يتحققوا كما تحقق صاحب هذا الحال، قبل أن يفاجئهم الموت، لأن من لم يمت وهو على يقين من العودة للمشاهدة فهو على خطر عدم المشاهدة بحضرة الرضا بالآخرة.
[/center]