درك الحقيقة و كشفها
غالبا ما يتبادر إلى الذهن أن هناك فاصلة و انفصال
بين الإنسان و حقيقة الوجود ، أو ما بين المادة و الطاقة ، أو بعبارة أخري ما بين البشر و الخالق،
لكن في الأصل ليست هناك فاصلة ، بل أن عدم وجود الموافقة و عدم توحّد السطحية هو الباعث في إيجاد الفواصل المجازية
و جعل المعرفة الواقعية أمرا غير ممكن .
الإنسان بفطرته صاحب موافقة واعتدال وجودي ،
و لكن بدليل وجود المحدوديات الفرضية التي نسبها لجسمه و فكره فإنه صار عاجزا عن معرفة هويته الحقيقية على ما هي عليه .
الإنسان عاجز في محدوديته الحالية عن درك الحقيقة
و كشفها . من أجل كشف و درك حقائق أعلى من الحدود الحسية نحتاج إلى طاقات أعلى و أرفع من الحواس
و القوى العادية
الأمر الذي يعجز الإنسان عن دركه إثر استعمال الحواس في المحدودية ... يسميه و يظن أنه غير مسموع و غير مرئي ، و بناء على قانون المحدودية يسعى لنفيه و عدم اعتباره .
غير أن المشكلة هي عدم وجود الموافقة . كل واحدة من الحواس الإنسانية صاحبة استعداد خاص و هي قادرة على تشخيص و إدراك النور و الصوت و الرائحة و الحرارة.
و لكن ما نجرّبه نحن إثر استعمال حواسنا و نسميه نورا أو صوتا أو رائحة أو حرارة و ما إلى ذلك،
ما هو في الأصل إلا أمواج ذات أطوال مختلفة . الأمواج العالية تظهر بصورة سخونة و حرارة ، و الأمواج القصيرة بصورة صوت و نور .
تظاهرات الطاقة في هاته الأطوال المختلفة تظهر و تتجلى بنسبة استعداد و قدرة التقاط كل واحدة من الحواس المخصوصة .
غير أن أصل الطاقة ، أو بعبارة أخرى، أصل القابلية ثابت لا تغير فيه. نحن ، و بعلة استخدام الحواس في المحدودية ، لسنا قادرين على تجربة إلا قسم ضئيل من تلك الطاقة المطلقة .
يمكننا الحصول على الموافقة عن طريق جمع القوى و تمركزها في مركزية أنا ، و بعبارة أخرى الرجوع إلى العقدة الحياتية في القلب ،
يعني تلك النقطة و المركز الذي أظهرت الحياة نفسها فيه لأول مرة في مرتبة الإمكان . تمركز القوى في مركزية القلب هو الذي يوجب الموافقة اللازمة و الهزة الحياتية . على سبيل المثال ،
كما أننا نقدر على إزاحة الصخور التي تسدّ الطرقات بتسليط آلات الجرّ على مركز ثقلها ، فإننا نستطيع ، بجمع و تمركز القوى في مركزية أنا ، على كسر حائط المحدودية و الحصول على الموافقة حتى يصير الإنسان قادرا على درك و كشف جهاته اللطيفة .
بناء على تعاليم العرفان، فإننا نستطيع ، باستعمال طرق خاصة ، من قبيل التمركز و الذكر ( تذكر جمال وجه الحبيب) و الصلاة ، أن نجمع و نركز قوانا و طاقاتنا،
و أن نحصل على الموافقة الفطرية الموجودة فينا ، حتى نعرف جهاتها اللطيفة و نستفيد من التعادل و التوازن في حياتنا.