ذكر لام ألف وألف اللام
ألـف الـلام ولام الألـف نهر طالوت فلا تعتـرفواشرب النهر إلى آخـره وعن النهمة لا تنحـرفولتقم ما دمت ريانـاً فـإن ظمئت نفسك قم فانصرف واعلم أن الله قد أرسـلـه نهر بلوى لفؤاد المشرففاصطبر بالله واحذره فقد يخذل العبد إذا لـم يقـفمعرفة لام ألف لا
تعانق الألـف الـعـلام والـلام مثل الحبيبين فالأعـوام أحـلاموالتفت الساق بالساق التي عظمت فجاءني منهما في اللف أعـلامإن الفؤاد إذا معنـاه عـانـقـه بدا لـه فـيه إيجـاد وإعــدام
اعلم أنه لما اصطحب الألف واللام صحب كل واحد منهما ميل وهو الهوى والغرض والميل لا يكون إلا عن حركة عشقية فحركة اللام حركة ذاتية وحركة الألف حركة عرضية فظهر سلطان اللام على الألف لإحداث الحركة فيه فكانت اللام في هذا الباب أقوى من الألف لأنها أعشق فهمتها أكمل وجوداً وأتم فعلاً والألف أقل عشقاً فهمتها أقل تعلقاً باللام فلم تستطع أن تقيم أودها فصاحب الهمة له الفعل بالضرورة عند المحققين هذا حظ الصوفيّ ومقامه ولا يقدر يجاوزه إلى غيره فإن انتقل إلى مقام المحققين فمعرفة المحقق فوق ذلك وذلك إنّ الألف ليس ميله من جهة فعل اللام فيه بهمته وإنما ميله نزوله إلى اللام بالألطاف لتمكن عشق اللام فيه ألا تراه قد لوى ساقه بقائمة الألف وانعطف عليه حذراً من الفوت فميل الألف إليه نزول كنزول الحق إلى السماء الدنيا وهم أهل الليل في الثلث الباقي وميل اللام معلوم عندهما معلول مضطر لا اختلاف عندنا فيه إلا من جهة الباعث خاصة فالصوفيّ يجعل ميل اللام ميل الواجدين والمتواجدين لتحققه عندهم بمقام العشق والتعشق وحاله وميل الألف ميل التواصل والاتحاد ولهذا اشتبها في الشكل هكذا لآ فأيهما جعلت الألف أو اللام قبل ذلك الجعل ولذلك اختلف فيه أهل اللسان أين يجعلون حركة اللام أو الهمزة التي تكون على الألف فطائفة راعت اللفظ فقالت في الأسبق والألف بعد وطائفة راعت الخط فبأيّ فخذ ابتدأ المخطط فهو اللام والثاني هو الألف وهذا كله تعطيه حالة العشق والصدق في العشق يورث التوجه في طلب المعشوق وصدق التوجه يورث الوصال من المعشوق إلى العاشق والمحقق يقول باعث الميل المعرفة عندهما وكل واحد على حسب حقيقته وأما نحن ومن رقي معنا في معالي درج التحقيق الذي ما فوقه درج فلسنا نقول بقولهما ولكن لنا في المسئلة تفصيل وذلك أن تلحظ في أيّ حضرة اجتمعا فإن العشق حضرة جزئية من جملة الحضرات فقول الصوفيّ حق والمعرفة حضرة أيضاً كذلك فقول المحقق حق ولكن كل واحد منهما قاصر عن التحقيق في هذه المسئلة ناظر بعين واحدة ونحن نقول أول حضرة اجتمعا فيها حضرة الإيجاد وهي لاالاه ال لاال لا ه فهذه حضرة الخلق والخالق وظهرت كلمة لا في النفي مرتين وفي الإثبات مرتين فلا لالا والاه للاه فميل الوجود المطلق الذي هو الألف في هذه الحضرة إلى الإيجاد وميل الموجود المقيد الذي هو اللام إلَّى الإيجاد عند الإيجاد ولذلك خرج على الصورة فكل حقيقة منهما مطلقة في منزلتها فافهم إن كنت تفهم وإلا فالزم الخلوة وعلق الهمة بالله الرحمن حتى تعلم فإذا تقيد بعد ما تعين وجوده وظهر لعينه عينه فإنه:
للحق حق وللإنـسـان إنـسـان عند الوجود وللـقـرآن قـرآنوللعيان عيان في الشهود كـمـا عند المـنـاجـاة لـلآذان آذانفانظر إلينا بعين الجمع تحظ بنـا في الفرق فالزمه فالقرآن فرقان
فلا بد من صفة تقوم به ويكون بها يقابل مثلها أو ضدها من الحضرة الإلهية وإنما قلت الضد ولم نقتصر على المثل الذي هو الحق الصدق رغبة في إصلاح قلب الصوفيّ والحاصل في أول درجات التحقيق فشربهما هذا ولا يعرفان ما فوقه ولا ما نومي إليه حتى يأخذ الله بأيديهما ويشهدهما ما أشهدناه وسأذكر طرفاً من ذلك في الفصل الثالث من هذا الباب فاطلب عليه هناك إن شاء الله تعالى فاغطس في بحر القرآن العزيز إن كنت واسع النفس وإلا فاقتصر على مطالعة كتب المفسرين لظاهره ولا تغطس فتهلك فإنّ بحر القرآن عميق ولولا الغاطس ما يقصد منه المواضع القريبة من الساحل ما خرج لكم أبداً فالأنبياء والورثة الحفظة هم الذين يقصدون هذه المواضع رحمة بالعالم وأما الواقفون الذين وصلوا ومسكوا ولم يردوا ولا انتفع بهم أحد ولا انتفعوا بأحد فقصد وابل قصد بهم ثجج البحر فغطسوا إلى الأبد لا يخرجون يرحم الله العباد إني شيخ سهل بن عبد الله التستري حيث قال لسهل إلى الأبد حين قال له سهل أيسجد القلب فقال الشيخ إلى الأبد بل صلى الله على رسول الله حين قيل له صلى الله عليه وسلم في دخول العمرة في الحج ألعامنا هذا أم للأبد فقال صلى الله عليه وسلم بل لأبد الأبد فهي روحانية باقية في دار الخلد يجدها أهل الجنان في كل سنة مقدرة فيقولون ما هذا فيجابون العمرة في الحج روح ونعيم ووارد نزيه شريف تشرق به أسارير الوجوه وتزيد به حسناً وجمالاً فإذا غطست وفقك الله في بحر القرآن فاطلب وابحث على صدفتي هاتين الياقوتين الألف واللام وصدفتهما هي الكلمة أو الآية التي تحملها فإن كانت كلمة فعلية على طبقاتها نسبتهما من ذلك المقام وإن كانت كلمة أسمائية على طبقاتها نسبتهما من ذلك المقام وإن كانت كلمة ذاتية نسبتها من ذلك كما أشار عليه السلام وإن لم تكن في الحرف أعوذ برضاك من سخطك برضاك ميل الألف من سخطك ميل اللام كلمة أسمائية وبمعافاتك ميل الألف من عقوبتك ميل اللام كلمة فعلية وبك ميل الألف منك ميل اللام كلمة ذاتية فانظر ما أعجب سر النبوّة وما أعلاه وما أدنى مرماه وما أقصاه فمن تكلم على حرفي لام ألف من غير أن ينظر في الحضرة التي هو فيها فليس بكامل هيهات لا يستوي أبداً لام ألف لا خوف عليهم ولام ألف ولا هم يحزنون كما لا يستوي لام ألف لا التي للنفي ولام ألف التي للإيجاب كما لا يستوي لام ألف النفي ولام ألف النفي والتبرئة ولام ألف النهي فترفع بالنفي وتنصب بالتبرئة وتجزم بالنهي ولام ألف لام التعريف والألف التي من أصل الكلمة مثل قوله الأعراف والأدبار والأبصار والأقلام كما لا يستوي لام ألف لام التوكيد والألف الأصلية مثل قوله تعالى "لأوضعوا" "ولأنتم" فتحقق ما ذكرناه لك وأقم ألفك من رقدتها وحل لامك من عقدتها وفي عقد اللام بالألف سرّ لا يظهر ولا أقدر على بسط العبارة في مقامات لام ألف كما وردت في القرآن إلا لو كان السامع يسمعه مني كما يسمعه من الذي أنزل عليه لو عبر عنه ومع هذا فالغرض في هذا الكتاب الإيجاز وقد طال الباب واتسع الكلام فيه على طريق الإجمال لكثرة المراتب وكثرة الحروف ولم نذكر في هذا الباب معرفة المناسبة التي بين الحروف حتى يصح اتصال بعضها مع بعض ولا ذكرنا اجتماع حرفين معاً إلا لام ألف خاصة من جهة مَا وهذا الباب يتضمن ثلاثة آلاف مسئلة وخمسمائة مسئلة وأربعين مسئلة على عدد الاتصالات بوجه مَا لكل اتصال علم يخصه وتحت كل مسئلة من هذه المسائل مسائل تتشعب كثيرة فإن كل حرف يصطحب مع جميع الحروف كلها من جهة رفعه ونصبه وخفضه وسكونه وذاته وحروف العلة الثلاثة فمن أراد أن يتشفى منها فليطالع تفسير القرآن الذي سميناه الجمع والتفصيل وسنو في الغرض في هذه الحروف إن شاء الله في كتاب المبادي والغايات لنا وهو بين أيدينا فلتكف هذه الإشارة في لام ألف والحمد لله المفضل.
معرفة ألف اللام آل
ألف اللام لعرفـان الـذوات ولإحياء العظام النـخـراتتنظم الشمل إذا ما ظهـرت بمحياها وما تبقى شـتـاتوتفي بالعهد صدقـاً ولـهـا حال تعظيم وجود الحضرات
اعلم أن لام ألف بعد حلها ونقض شكلها وإبراز أسرارها وفنائها عن اسمها ورسمها تظهر في حضرة الجنس والعهد والتعريف والتعظيم وذلك لما كان الألف حظ الحق واللام حظ الإنسان صار الألف واللام للجنس فإذا ذكرت الألف واللام ذكرت جميع الكون ومكوّنه فإن فنيت عن الحق بالخليقة ذكرت الألف واللام كان الألف واللام الحق والخلق وهذا هو الجنس عندنا فقائمة اللام للحق تعالى ونصف دائرة اللام المحسوس الذي يبقى بعد ما يأخذ الألف قائمته هو شكل النون للخلق ونصف الدائرة الروحاني الغائب للملكوت والألف التي تبرز قطر الدائرة للأمر وهو كن وهذه كلها أنواع وفصول للجنس الأعم الذي ما فوقه جنس وهو حقيقة الحقائق التائهة القديمة في القديم لا في ذاتها والمحدثة في المحدث لا في ذاتها وهي بالنظر إليها لا موجودة ولا معدومة وإذا لم تكن موجودة لا تتصف بالقدم ولا بالحدوث كما سيأتي ذكرها في الباب السادس من هذا الكتاب ولها ما شاكلها من جهة قبولها للصور لا من جهة قبولها للحدوث والقدم فإن الذي يشبهها موجود وكل موجود إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق ولما كانت تقبل القدم والحدوث كان الحق يتجلى لعباده على ما شاءه من صفاته ولهذا السبب ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالى تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه وقد تقدم طرف منه في الباب الأول من هذا الكتاب فيتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة عموماً فهذا وجه من وجوه الشبه وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائقها هي المتجلية للصنفين في الدارين لمن عقل أو فهم من الله تعالى المرئيّ في الدنيا بالقلوب والأبصار مع أنه سبحانه منبئ عن عجز العباد عن درك كنهه فقال لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم خبير بضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما تعطيه الألوهة إذ لا طاقة للمحدث على حمل جمال القديم كما لا طاقة للأهنار بحمل البحار فإن البحار تفنى أعيانها سواء وردت عليه أو ورد عليها أعني البحر لا يبقى لها أثراً يشهد ولا يميز فاعرف ما ذكرناه وتحقق وأعلى ما يشبهها من المحدثات الهباء الذي خلق فيه صور العالم ثم النور أنزل منه في الشبه بها فإن النور صوره في الهباء كما أن الهباء صوره فيها وأنزل شبهاً من النور بها الهواء وأنزل منه الماء وأنزل منه المعادن وأنزل منه الخشب وأمثاله إلى أن تنتهي إلى شيء لا يقبل إلا صورة واحدة إن وجدته فتفهم هذا حتى يأتي بابه من هذا الكتاب إن شاء الله فهذه الحقيقة التائهة التي تتضمن الحقائق التائهات هي الجنس الأعم التي تستحق الألف واللام الحمل عليه بذاتها وكذلك عهدهما يجريان حقيقتيهما على علم ما وقع فيه العهد بين الموجودين فعلى أيّ موجودين دخلتا لأمر كان بينهما من جهة كل واحد منهما بالنظر إلى أمر ثالث كانتا لعهد ذلك الأمر الثالث الذي يعرفانه وعلى حقيقتهما الألف لأخذ العهد واللام لمن أخذ عليه وكذلك تعريفهما وتخصيصهما إنما يخصصان شيئاً من جنسه على التعيين ليحصلا العلم به عند من يريد المخبر أن يعلمه إياه فعلى أيّ حالة كان المخصص والمخصص والشيء الذي بسببه ظهرت هاتان الحقيقتان انقلبتا في صورة حقائقهما وهذا هو الاشتراك الذاتي فإن كان الاشتراك في الصفة ونريد أن نميز الأعظم منهما للمخاطب فتكونا عند ذلك للتعظيم في الوصف الذي تدخل فالألف واللام يقبلان كل صورة وحقيقة لأنهما موجودان جامعان لجميع الحقائق فأيّ شيء برزا برزا له الحقيقة التي عندهما منه فقابلاه بها فدلالتهما على الشيء لذاتهما لا أنهما اكتسبا من الشيء الذي دخلتا عليه ومثل ذلك أهلك الناس الدينار والدرهم رأيت الرجل أمس أحببت الرجال دون النساء هويت السمان ويكفي هذا القدر فقد طال الباب انتهى الجزء السادس والحمد لله.
الفتوحات المكية